الجمعة، 19 أغسطس 2022

ج3.-( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون +ج4.سورة النور

 

ج3.-صفحة رقم 3 -
( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ( قرآن كريم
بسم الله الرحمن الرحيم
ع12
تفسير
سورة يوسف عليه السلام
حول السورة
قيل هى مائة وإحدى عشرة آية
وهى مكية كلها وقيل نزلت ما بين مكة والمدينة وقت الهجرة وقال ابن عباس في رواية عنه وقتادة إلا أربع آيات وأخرج النحاس وأبو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس قال نزلت سورة يوسف بمكة وأخرج ابن مردوية عن ابن الزبير مثله وأخرج الحاكم وصححه عن رفاعة بن رافع الزرقي أنه خرج هو وابن خالته معاذ بن عفراء حتى قدما مكة وذكر قصة وفي آخرها أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علمهما سورة يوسف ) اقرأ باسم ربك ( ثم رجعا وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن حبرا من اليهود دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فوافقه وهو يقرأ سورة يوسف فقال يا محمد من علمكها قال الله علمنيها فعجب الحبر لما سمع من فرجع إلى اليهود فقال لهم والله إن محمدا ليقرأ القرآن كما أنزل في التوراة فانطلق بنفر منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة ونظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه فجعلوا سمعهم إلى قراءته لسورة يوسف فتعجبوا منه وأسلموا عند ذلك وأخرج الثعلبي عن أبي بن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علموا أقاربكم سورة يوسف فإنه أيما مسلم تلاها أو علمها أهله وما ملكت يمينه هون الله عليه سكرات الموت وأعطاه القوة أن لا يحسد مسلما وفي إسناده سلام بن سالم ويقال ابن سليم المدائني وهو متروك عن هارون بن كثير قال أبو حاتم مجهول وقد ذكر له الحافظ ابن عساكر متابعا من طريق القاسم بن الحكم عن هارون بن كثير ومن طريق شبابة عن مجلز بن عبد الواحد البصري


"""""" صفحة رقم 4 """"""
عن علي بن زيد بن جدعان وعن عطاء بن ميمون عن ذر بن حبيش عن أبي بن كعب مرفوعا فذكر نحوه وهو منكر من جميع طرقه قال القرطبي قال سعد بن أبي وقاص أنزل القرآن على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتلاه عليهم زمانا فقالوا لو حدثتنا فنزل قوله تعالى ) الله نزل أحسن الحديث ( قال قال العلماء وذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد في وجوه مختلفة بألفاظ متباينة على درجات البلاغة وقد ذكر قصة يوسف ولم يكررها فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرر ولا على معارضة غير المتكرر
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يوسف الآية ( 1 6 )
يوسف : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
قوله ) الر ( قد تقدم الكلام فيه في فاتحة سورة يونس والإشارة بقوله ) تلك ( إلى آيات السورة والكتاب المبين السورة أي تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة آيات السورة الظاهر أمرها في إعجاز العرب وتبكيتهم والمبين من أبان بمعنى بان أي الظاهر أمره في كونه من عند الله وفي إعجازه أو المبين بمعنى الواضح المعنى بحيث لا يلتبس على قارئه وسامعه أو المبين لما فيه من الأحكام
يوسف : ( 2 ) إنا أنزلناه قرآنا . . . . .
) إنا أنزلناه ( أي الكتاب المبين حال كونه ) قرآنا عربيا ( فعلى تقدير أن الكتاب السورة تكون تسميتها قرآنا باعتبار أن القرآن اسم جنس يقع على الكل وعلى البعض وعلى تقدير أن المراد بالكتاب كل القرآن فتكون تسميته قرآنا واضحة وعربيا صفة لقرآنا أي على لغة العرب ) لعلكم تعقلون ( أي لكي تعلموا معانيه وتفهموا ما فيه
يوسف : ( 3 ) نحن نقص عليك . . . . .
) نحن نقص عليك أحسن القصص ( القصص تتبع الشيء ومنه قوله تعالى ) وقالت لأخته قصيه ( أي تتبعي أثره وهو مصدر والتقدير نحن نقص عليك قصصا أحسن القصص فيكون بمعنى الاقتصاص أو هو بمعنى المفعول أي المقصوص ) بما أوحينا إليك ( أي بإيحائنا إليك ) هذا القرآن ( وانتصاب القرآن على أنه صفة لاسم الإشارة أو بدل منه أو عطف بيان وأجاز الزجاج الرفع على تقدير مبتدأ وأجاز الفراء الجر ولعل وجهه أن يقدر حرف الجر في بما أوحينا داخلا على اسم الإشارة فيكون المعنى نحن نقص عليك أحسن القصص بهذا القرآن ) وإن كنت من قبله لمن الغافلين ( إن هي المخففة من الثقيلة بدليل اللام الفارقة بينها وبين النافية والضمير في من قبله عائد على الايحاء المفهوم من أوحينا المعنى أنك قبل إيحائنا إليك من الغافلين عن هذه القصة


"""""" صفحة رقم 5 """"""
واختلف في وجه كون ما في هذه السورة هو أحسن القصص فقيل لأن ما في هذه السورة من القصص يتضمن من العبر والمواعظ والحكم ما لم يكن في غيرها وقيل لما فيها من حسن المحاورة وما كان من يوسف عليه من الصبر على أذاهم وعفوه عنهم وقيل لأن فيها ذكر الأنبياء والصالحين والملائكة والشياطين والجن والإنس والأنعام والطير وسير الملوك والمماليك والتجار والعلماء والجهال والرجال والنساء وحيلهن ومكرهن وقيل لأن فيها ذكر الحبيب والمحبوب وما دار بينهما وقيل إن أحسن هنا بمعنى أعجب وقيل إن كل من ذكر فيها كان مآله السعادة
يوسف : ( 4 ) إذ قال يوسف . . . . .
قوله ) إذ قال يوسف لأبيه ( إذ منصوب على الظرفية بفعل مقدر أي اذكر وقت قال يوسف قرأ الجمهور ) يوسف ( بضم السين وقرأ طلحة بن مصرف بكسرها مع الهمز مكان الواو وحكى ابن زيد الهمز وفتح السين وهو غير منصرف للعجمة والعلمية وقيل هو عربي والأول أولى بدليل عدم صرفه ) لأبيه ( أي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ) يا أبت ( بكسر التاء في قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ونافع وابن كثير وهي عند البصريين علامة التأنيث ولحقت في لفظ أب في النداء خاصة بدلا من الياء وأصله يا أبي وكسرها للدلالة على أنها عوض عن حرف يناسب الكسر وقرأ ابن عامر بفتحها لأن الأصل عنده يا أبتا ولا يجمع بين العوض والمعوض فيقال يا أبتي وأجاز الفراء يا أبت بضم التاء ) إني رأيت ( من الرؤيا النومية لا من الرؤية البصرية كما يدل عليه ) لا تقصص رؤياك على إخوتك ( قوله ) أحد عشر كوكبا ( قرئ بسكون العين تخفيفا لتوالي الحركات وقرأ بفتحها على الأصل ) والشمس والقمر ( إنما أخرهما عن الكواكب لإظهار مزيتهما وشرفهما كما في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة وقيل إن الواو بمعنى مع وجملة ) رأيتهم لي ساجدين ( مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها وأجريت مجرى العقلاء في الضمير المختص بهم لوصفها بوصف العقلاء وهو كونها ساجدة كذا قال الخليل وسيبويه والعرب تجمع ما لا يعقل جمع من يعقل إذا أنزلوه منزلته
يوسف : ( 5 ) قال يا بني . . . . .
) قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ( الرؤيا مصدر رأي في المنام رؤيا على وزن فعلي كالسقيا والبشرى وألفه للتأنيث ولذلك لم يصرف نهي يعقوب عليه السلام ابنه يوسف عن أن يقص رؤياه على إخوته لأنه قد علم تأويلها وخاف أن يقصها على إخوته فيفهمون تأويلها ويحصل منهم الحسد له ولهذا قال ) فيكيدوا لك كيدا ( وهذا جواب النهي وهو منصوب بإضمار أن أي فيفعلوا لك أي لأجلك كيدا مثبتا راسخا لا تقدر على الخلوص منه أو كيدا خفيا عن فهمك وهذا المعنى الحاصل بزيادة اللام آكد من أن يقال فيكيدوا كيدا وقيل إنما جيء باللام لتضمينه معنى الاحتيال المتعدي باللام فيفيد هذا التضمين معنى الفعلين جميعا الكيد والاحتيال كما هو القاعدة في التضمين أن يقدر أحدهما أصلا والآخر حالا وجملة ) إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( مستأنفة كأن يوسف عليه السلام قال كيف يقع منهم فنبهه بأن الشيطان يحملهم على ذلك لأنه عدو للإنسان مظهر للعداوة مجاهر بها
يوسف : ( 6 ) وكذلك يجتبيك ربك . . . . .
قوله ) وكذلك يجتبيك ربك ( أي مثل ذلك الاجتباء البديع الذي رأيته في النوم من سجود الكواكب والشمس والقمر يجتبيك ربك ويحقق فيك تأويل تلك الرؤيا فيجعلك نبيا ويصطفيك على سائر العباد ويسخرهم لك كما تسخرت لك تلك الأجرام التى رأيتها في منامك فصارت ساجدة لك قال النحاس والاجتباء أصله من جبيت الشيء حصلته ومنه جبيت الماء في الحوض جمعته ومعنى الاجتباء الاصطفاء وهذا يتضمن الثناء على يوسف وتعديد نعم الله عليه ومنها ) ويعلمك من تأويل الأحاديث ( أي تأويل الرؤيا قال القرطبي وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا وقد كان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها وقيل المراد ويعلمك من تأويل أحاديث الأمم والكتب وقيل المراد به إحواج إخوته إليه وقيل إنجاؤه من كل مكروه وقيل إنجاؤه من القتل خاصة ) ويتم نعمته عليك (


"""""" صفحة رقم 6 """"""
فيجمع لك بين النبوة والملك كما تدل عليه هذه الرؤيا التي أراك الله أو يجمع لك بين خيري الدنيا والآخرة ) وعلى آل يعقوب ( وهم قرابته من إخوته وأولاده ومن بعدهم وذلك أن الله سبحانه أعطاهم النبوة كما قاله جماعة من المفسرين ولا يبعد أن يكون إشارة إلى ما حصل لهم بعد دخولهم مصر من النعم التى من جملتها كون الملك فيهم مع كونهم أنبياء ) كما أتمها على أبويك ( أي إتماما مثل إتمامها على أبويك وهي نعمة النبوة عليهما مع كون إبراهيم اتخذه الله خليلا ومع كون إسحاق نجاه الله سبحانه من الذبح وصار لهما الذرية الطيبة وهم يعقوب ويوسف وسائر الأسباط ومعنى ) من قبل ( من قبل هذا الوقت الذي أنت فيه أو من قبلك وإبراهيم وإسحق عطف بيان لأبويك وعبر عنهما بالأبوين مع كون أحدهما جدا وهو إبراهيم لأن الجد أب ) إن ربك عليم ( بكل شيء ) حكيم ( في كل أفعاله والجملة مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها تعليلا له أي فعل ذلك لأنه عليم حكيم وكان هذا كلام من يعقوب مع ولده يوسف تعبيرا لرؤياه على طريق الإجمال أو علم ذلك من طريق الوحي أو عرفه بطريق الفراسة وما تقتضيه المخايل اليوسفية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) تلك آيات الكتاب المبين ( قال بين الله حلاله وحرامه وأخرج ابن جرير عن معاذ قال بين الله الحروب التى سقطت عن ألسن الأعاجم وهي ستة أحرف وأخرج الحاكم عن جابر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تلا قرآنا عربيا ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألهم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهاما وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال نزل القرآن بلسان قريش وهو كلامهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فنزلت ) نحن نقص عليك أحسن القصص ( وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) نحن نقص عليك أحسن القصص ( قال من الكتب الماضية وأمور الله السالفة في الأمم ) وإن كنت من قبله ( أي من قبل هذا القرآن ) لمن الغافلين ( وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك ) نحن نقص عليك أحسن القصص ( قال القرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) إني رأيت أحد عشر كوكبا ( قال رؤيا الأنبياء وحي وأخرج سعيد بن منصور والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي وابن حبان في الضعفاء وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جابر بن عبد الله قال جاء بستاني اليهودي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد أخبرني عن الكواكب التى رآها يوسف ساجدة له ما أسماؤها فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يجبه بشيء فنزل عليه جبريل فأخبره بأسمائها فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى البستاني اليهودي فقال هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها قال نعم قال خرثان والطارق والذيال وذو الكتفان وقابس ووثاب وعمودان والفيلق والمصبح والضروح وذو الفرغ والضياء والنور رآها في أفق السماء ساجدة له فلما قص يوسف على يعقوب قال هذا أمر مشتت يجمعه الله من بعد فقال اليهودي إي والله إنها لأسماؤها هكذا ساقه السيوطي في الدر المنثور وأما ابن كثير فجعل قوله فلما قص الخ رواية منفردة وقال تفرد بها الحكم بن ظهيرة الفزاري وقد ضعفوه وتركه الأكثرون وقال الجوزجاني ساقط وقال ابن الجوزي هو موضوع وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) أحد عشر كوكبا ( قال إخوته والشمس قال أمه والقمر قال أبوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن السدي نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن ابن زيد نحوه أيضا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وكذلك يجتبيك ربك ( قال


"""""" صفحة رقم 7 """"""
يصطفيك وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) ويعلمك من تأويل الأحاديث ( قال عبارة الرؤيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد ) ويعلمك من تأويل الأحاديث ( قال تأويل العلم والحلم وكان يوسف من أعبر الناس وأخرج ابن جرير عن عكرمة ) كما أتمها على أبويك ( قال فنعمته على إبراهيم أن نجاه من النار وعلى إسحاق أن نجاه من الذبح
سورة يوسف الآية ( 7- 10 )
يوسف : ( 7 ) لقد كان في . . . . .
أي ) لقد كان ( في قصتهم علامات دالة على عظيم قدرة الله وبديع صنعه ) للسائلين ( من الناس عنها وقرأ أهل مكة آية على التوحيد وقرأ الباقون على الجمع واختار قراءة الجمع أبو عبيد قال النحاس وآية ها هنا قراءة حسنة وقيل المعنى لقد كان في يوسف وإخوته آيات دالة عل نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) للسائلين له من اليهود فإنه روى أنه قال له جماعة من اليهود وهو بمكة أخبرنا عن رجل من الأنبياء كان بالشام أخرج ابنه إلى مصر فبكى عليه حتى عمى ولم يكن بمكة أحد من أهل الكتاب ولا من يعرف خبر الأنبياء وإنما وجهوا إليه من أهل المدينة من يسأله عن هذا فأنزل الله سورة يوسف جملة واحدة كما في التوراة وقيل معنى ) آيات للسائلين ( عجب لهم وقيل بصيرة وقيل عبرة قال القرطبي وأسماؤهم يعني إخوة يوسف روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوى ويهوذا وريالون ويشجر وأمهم ليا بنت ليان وهي بنت خال يعقوب وولد له من سريتين أربعة وهم دان ونفتالي وجاد وآشر ثم ماتت ليا فتزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وقال السهيلي إن أم يوسف اسمها وقفا وراحيل ماتت من نفاس بنيامين وهو أكبر من يوسف
يوسف : ( 8 ) إذ قالوا ليوسف . . . . .
) إذ قالوا ليوسف وأخوه ( أي وقت قالوا والظرف متعلق بكان ) أحب إلى أبينا منا ( والمراد بقوله ) وأخوه ( هو بنيامين وخصوه بكونه أخاه مع أنهم جميعا إخوته لأنه أخوه لأبويه كما تقدم ووحد الخبر فقال أحب مع تعدد المبتدأ لأن أفعل التفضيل يستوي فيه الواحد وما فوقه إذا لم يعرف واللام في ليوسف هي الموطئة للقسم وإنما قالوا هذه لأنه بلغهم خبر الرؤيا فأجمع رأيهم على كيده وجملة ) ونحن عصبة ( في محل نصب عل الحال والعصبة الجماعة قيل وهي ما بين الواحد إلى العشرة وقيل إلى الخمسة عشر وقيل من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها بل هي كالنفر والرهط وقد كانوا عشرة ) إن أبانا لفي ضلال مبين ( أي لفي ذهاب عن وجه التدبير بالترجيح لهما علينا وإيثارهما دوننا مع استوائنا في الانتساب إليه ولا يصح أن يكون مرادهم أنه في دينه في ضلال مبين
يوسف : ( 9 ) اقتلوا يوسف أو . . . . .
) اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا ( أي قالوا افعلوا به أحد الأمرين إما القتل أو الطرح في أرض أو المشير بالقتل بعضه والمشير بالطرح البعض الآخر أو كان المتكلم بذلك واحد منهم فوافقه الباقون فكانوا كالقائل في نسبة هذا المقول إليهم وانتصاب أرضا على الظرفية والتنكير للإبهام أي أرضا مجهولة وجواب الأمر ) يخل لكم وجه أبيكم ( أي يصف ويخلص فيقبل عليكم ويحبكم حبا


"""""" صفحة رقم 8 """"""
كاملا ) وتكونوا ( معطوف على يخل ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن ) من بعده ( أي من بعد يوسف والمراد بعد الفراغ من قتله أو طرحه وقيل من بعد الذنب الذي اقترفوه في يوسف ) قوما صالحين ( في أمور دينكم وطاعة أبيكم أو صالحين في أمور دنياكم لذهاب ما كان يشغلكم عن ذلك هو الحسد ليوسف وتكدر خواطركم بتأثيره عليكم هو وأخوه أو المراد بالصالحين التائبون من الذنب
يوسف : ( 10 ) قال قائل منهم . . . . .
) قال قائل منهم ( أي من الإخوة قيل هو يهوذا وقيل روبيل وقيل شمعون ) لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب ( قيل ووجه الإظهار في لا تقتلوا يوسف استجلاب شفقتهم عليه قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة وأهل الشام في غيابة الجب بالإفراد وقرأ أهل المدينة بالجمع واختار أبو عبيد الإفراد وأنكر الجمع لأن الموضع الذي ألقوه فيه واحد قال النحاس وهذا تضييق في اللغة وغيابات على الجمع تجوز والغيابة كل شيء غيب عنك شيئا وقيل للقبر غيابة والمراد بها هنا غور البئر الذي لا يقع البصر عليه أو طاقة فيه قال الشاعر ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث
إلى ذا كما قد غيبتني غيابيا
والجب البئر التى لم تطو ويقال لها قبل الطي ركية فإذا طويت قيل لها بئر سميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا وجمع الجب جبب وجباب وأجباب وجمع بين الغيابة والجب مبالغة في أن يلقوه في مكان من الجب شديد الظلمة حتى لا يدركه نظر الناظرين قيل وهذه البئر ببيت المقدس وقيل بالأردن وجواب الأمر ) يلتقطه بعض السيارة ( قرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن وقتادة تلتقطه بالمثناة الفوقية ووجهه أن بعض السيارة سيارة وحكى عن سيبويه سقطت بعض أصابعه ومنه قول الشاعر أرى مر السنين أخذن مني
كما أخذ السرار من الهلال
وقرأ الباقون ) يلتقطه ( بالتحتية والسيارة الجمع الذي يسيرون في الطريق والالتقاط هو اخذ شيء مشرف على الضياع وكأنهم أرادوا أن بعض السيارة إذا التقطه حمله إلى مكان بعيد بحيث يخفي عن أبيه ومن يعرفه ولا يحتاجون إلى الحركة بأنفسهم إلى المكان البعيد فربما أن والدهم لا يأذن لهم بذلك ومعنى إن كنتم فاعلين إن كنتم عاملين بما أشرت به عليكم في أمره كأنه لم يجزم بالأمر وبل وكله إلى ما يجمعون عليه كما يفعله المشير مع من استشاره وفي هذا دليل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء فإن الأنبياء لا يجوز عليهم التواطؤ على القتل لمسلم ظلما وبغيا وقيل كانوا أنبياء وكان ذلك منهم زلة قدم وأوقعهم فيها التهاب نار الحسد في صدورهم واضطرام جمرات الغيظ في قلوبهم ورد بأن الأنبياء معصومون عن مثل هذه المعصية الكثيرة المتبالغة في الكبر مع ما في ذلك من قطع الرحم وعقوق الوالد وافتراء الكذب وقيل إنهم لم يكونوا في ذلك الوقت أنبياء بل صاروا أنبياء من بعد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) آيات للسائلين ( قال عبرة وأخرج أيضا عن قتادة في الآية يقول من سأل عن ذلك فهو هكذا ما قص الله عليكم وأنبأكم به وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال إنما قص الله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) خبر يوسف وبغي إخوته عليه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه لما رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بغي قومه عليه وحسدهم إياه حين أكرمه الله بنبوته ليأتسى به وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إذ قالوا ليوسف وأخوه ( يعني بنيامين هو أخوه لأبيه وأمه وفي قوله ) ونحن عصبة ( قال العصبة ما بين العشرة إلى الأربعين


"""""" صفحة رقم 9 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد قال العصبة الجماعة ) إن أبانا لفي ضلال مبين ( قال لفي خطأ من رأيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ في قوله ) قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف ( قال قاله كبيرهم الذي تخلف قال والجب بئر بالشام ) يلتقطه بعض السيارة ( قال التقطه ناس من الأعراب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وألقوه في غيابة الجب ( يعني الركية وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال الجب البئر وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ قال هي بئر ببيت المقدس يقول في بعض نواحيها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال الجب بحذاء طبرية بينه وبينها أميال
سورة يوسف الآية ( 11 18 )
يوسف : ( 11 ) قالوا يا أبانا . . . . .
لما أجمع رأيهم على أن يلقوه في غيابات الجب جاءوا إلى أبيهم وخاطبوه بلفظ الأبوة استعطافا له وتحريكا للحنو الذي جبلت عليه طبائع الآباء للأبناء وتوسلا بذلك إلى تمام ما يريدونه من الكيد الذي دبروه واستفهموه استفهام المنكر لأمر ينبغي أن يكون الواقع على خلافه ) قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف ( أي أي شيء لك لا تجعلنا أمناء عليه وكأنهم قد كانوا سألوه قبل ذلك أن يخرج معهم يوسف فأبى وقرأ يزيد بن القعقاع وعمرو بن عبيد والزهري ) لا تأمنا ( بالإدغام بغير إشمام وقرأ طلحة بن مصرف ? لا تأمننا ? بنونين ظاهرتين على الأصل وقرأ يحيى بن وثاب وأبو رزين والأعمش لا تيمنا وهو لغة تميم كما تقدم وقرأ سائر القراء بالإدغام والإشمام ليدل على حال الحرف قبل إدغامه ) وإنا له لناصحون ( في حفظه وحيطته حتى نرده إليك
يوسف : ( 12 ) أرسله معنا غدا . . . . .
) أرسله معنا غدا ( أي إلى الصحراء التي أرادوا الخروج إليها وغدا ظرف والأصل عند سيبويه غدوة قال النضر بن شميل ما بين الفجر وطلوع الشمس يقال له غدوة وكذا يقال له بكرة ) يرتع ويلعب ( هذا جواب الأمر قرأ أهل البصرة وأهل مكة وأهل الشام بالنون وإسكان العين كما رواه البعض عنهم وقرءوا أيضا بالاختلاس وقرأ الباقون بالنون وكسر العين والقراءة الأولى مأخوذة من قول العرب رتع الإنسان أو البعير إذا أكل كيف شاء أو المعنى نتسع في الخصب وكل مخصب راتع قال الشاعر فارعى فزارة لا هناك المرتع
ومنه قول


"""""" صفحة رقم 10 """"""
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت
فإنما هي إقبال وإدبار
والقراءة الثانية مأخوذة من رعي الغنم وقرأ مجاهد وقتادة ) يرتع ويلعب ( بالتحتية فيهما ورفع يلعب على الاستئناف والضمير ليوسف وقال القتيبي معنى نرتع نتحارس ونتحافظ ويرعى بعضنا بعضا من قولهم رعاك الله أي حفظك ونلعب من اللعب قيل لأبي عمرو بن العلاء كيف قالوا ونلعب وهم أنبياء فقال لم يكونوا يومئذ أنبياء وقيل المراد به اللعب المباح من الأنبياء وهو مجرد الانبساط وقيل هو اللعب الذي يتعلمون به الحرب ويتقوون به عليه كما في قولهم ) إنا ذهبنا نستبق ( لا اللعب المحظور الذي هو ضد الحق ولذلك لم ينكر يعقوب عليهم لما قالوا ونلعب ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لجابر فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك
يوسف : ( 13 ) قال إني ليحزنني . . . . .
فأجابهم يعقوب بقوله ) إني ليحزنني أن تذهبوا به ( أي ذهابكم به واللام في ) ليحزنني ( لام الابتداء للتأكيد ولتخصيص المضارع بالحال أخبرهم أنه يحزن لغيبة يوسف عنه لفرط محبته له وخوفه عليه ) وأخاف أن يأكله الذئب ( أي ومع ذلك أخاف أن يأكله الذئب قال يعقوب هذا تخوفا عليه منهم فكنى عن ذلك بالذئب وقيل إنه خاف أن يأكله الذئب حقيقة لأن ذلك المكان كان كثير الذئاب ولو خاف منهم عليه أن يقتلوه لأرسل معهم من يحفظه قال ثعلب والذئب مأخوذ من تذأبت الريح إذا هاجت من كل وجه قال والذئب مهموز لأنه يجيء من كل وجه وقد قرأ ابن كثير ونافع في رواية عنه بالهمز على الأصل وكذلك أبو عمرو في رواية عنه وابن عامر وعاصم وحمزة وقرأ الباقون بالتخفيف ) وأنتم عنه غافلون ( لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لكونهم غير مهتمين بحفظه
يوسف : ( 14 ) قالوا لئن أكله . . . . .
) قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة ( اللام هي الموطئة للقسم والمعنى والله لئن أكله الذئب والحال إن نحن عصبة أي جماعة كثيرة عشرة ) إنا إذا لخاسرون ( أي إنما فى ذلك الوقت وهو أكل الذئب له لخاسرون هالكون ضعفا وعجزا أو مستحقون للهلاك لعدم الاعتداد بنا وانتفاء القدرة على أيسر شيء وأقله أو مستحقون لأن يدعى علينا بالخسار والدمار وقيل لخاسرون لجاهلون حقه وهذه الجملة جواب القسم المقدر في الجملة التي قبلها
يوسف : ( 15 ) فلما ذهبوا به . . . . .
) فلما ذهبوا به ( من عند يعقوب ) وأجمعوا ( أمرهم ) أن يجعلوه في غيابة الجب ( قد تقدم تفسير الغيابة والجب قريبا وجواب لما محذوف لظهوره ودلالة المقام عليه والتقدير فعلوا به ما فعلوا وقيل جوابه ) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ( وقيل الجواب المقدر جعلوه فيها وقيل الجواب أوحينا والواو مقحمة ومثله قوله تعالى ) فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ( أي ناديناه ) وأوحينا إليه ( أي إلى يوسف تيسيرا له وتأنيسا لوحشته مع كونه صغيرا اجتمع على إنزال الضرر به عشرة رجال من إخوته بقلوب غليظة فقد نزعت عنها الرحمة وسلبت منها الرأفة فإن الطبع البشري دعا عنك الدين يتجاوز عن ذنب الصغير ويغتفره لضعفه عن الدفع وعجزه عن أيسر شيء يراد منه فكيف بصغير لا ذنب له بل كيف بصغير هو أخ وله ولهم أب مثل يعقوب فلقد أبعد من قال إنهم كانوا أنبياء فى ذلك الوقت فما هكذا عمل الأنبياء ولا فعل الصالحين وفى هذا دليل على أنه يجوز أن يوحى الله إلى من كان صغيرا ويعطيه النبوة حينئذ كما وقع في عيسى ويحيى بن زكريا وقد قيل إنه كان في ذلك الوقت قد بلغ مبالغ الرجال وهو بعيد جدا فإن من كان قد بلغ مبالغ الرجال لا يخاف عليه أن يأكله الذئب ) لتنبئنهم بأمرهم هذا ( أي لتخبرن إخوتك بأمرهم هذا الذي فعلوه معك بعد خلوصك مما أرادوه بك من الكيد وأنزلوه عليك من الضرر وجملة ) وهم لا يشعرون ( في محل نصب على الحال أي لا يشعرون بأنك أخوهم يوسف لاعتقادهم هلاكك بإلقائهم لك في غيابة الجب ولبعد عهدهم بك ولكونك قد صرت عند ذلك في حال غير ما كنت عليه وخلاف ما عهدوه منك وسيأتي ما قاله لهم عند دخولهم عليه بعد أن صار إليه ملك مصر


"""""" صفحة رقم 11 """"""
يوسف : ( 16 ) وجاؤوا أباهم عشاء . . . . .
قوله ) وجاؤوا أباهم عشاء يبكون ( عشاء منتصب على الظرفية وهو آخر النهار وقيل في الليل ويبكون في محل نصب على الحال أي باكين أو متباكين لأنهم لم يبكوا حقيقة بل فعلوا فعل من يبكي ترويجا لكذبهم وتنفيقا لمكرهم وغدرهم فلما وصلوا إلى أبيهم
يوسف : ( 17 ) قالوا يا أبانا . . . . .
) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق ( أي نتسابق في العدو أو في الرمي وقيل ننتضل ويؤيده قراءة ابن مسعود ننتضل قال الزجاج وهو نوع من المسابقة وقال الأزهري النضال في السهام والرهان في الخيل والمسابقة تجمعهما قال القشيري نستبق أي في الرمي أو على الفرس أو على الأقدام والغرض من المسابقة التدرب بذلك في القتال ) وتركنا يوسف عند متاعنا ( أي عند ثيابنا ليحرسها ) فأكله الذئب ( الفاء للتعقيب أي أكله عقب ذلك وقد اعتذروا عليه بما خافه سابقا عليه ورب كلمة تقول لصاحبها دعني ) وما أنت بمؤمن لنا ( بمصدق لنا في هذا العذر الذي أبدينا والكلمة التى قلناها ) ولو كنا ( عندك أو في الواقع ) صادقين ( لما قد علق بقلبك من التهمة لنا في ذلك مع شدة محبتك له قال الزجاج والمعنى ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق ما صدقتنا في هذه القضية لشدة محبتك ليوسف وكذا ذكره ابن جرير وغيره
يوسف : ( 18 ) وجاؤوا على قميصه . . . . .
) وجاؤوا على قميصه بدم كذب ( على قميصه في محل نصب على الظرفية أي جاءوا فوق قميصه بدم ووصف الدم بأنه كذب مبالغة كما هو معروف في وصف اسم العين باسم المعنى وقيل المعنى بدم ذي كذب أو بدم مكذوب فيه وقرأ الحسن وعائشة بدم كدب بالدال المهملة أي بدم طري يقال للدم الطري كدب وقال الشعبي إنه المتغير والكذب أيضا البياض الذي يخرج في أظفار الأحداث فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اللونين وقد استدل يعقوب على كذبهم بصحة القميص وقال لهم متى كان هذا الذئب حكيما يأكل يوسف ولا يخرق القميص ثم ذكر الله سبحانه ما أجاب به يعقوب عليهم فقال ) قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ( أي زينت وسهلت قال النيسابوري التسويل تقرير في معنى النفس مع الطمع في تمامه وهو تفعيل من السول وهو الأمنية قال الأزهري وأصله مهموز غير أن العرب استثقلوا فيه الهمزة ) فصبر جميل ( قال الزجاج أي فشأني أو الذى أعتقده صبر جميل وقال قطرب أي فصبري صبر جميل وقيل فصبر جميل أولى بي قيل والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه قال الزجاج قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف ) فصبر جميل ( قال و كذا في مصحف أنس قال المبرد فصبر جميل بالرفع أولى من النصب لأن المعنى قال رب عندي صبر جميل وإنما النصب على المصدر أي فلأصبرن صبرا جميلا قال الشاعر شكا إلي جملي طول السرى
صبرا جميلا فكلانا مبتلى
) والله المستعان ( أي المطلوب من العون ) على ما تصفون ( أي على إظهار حال ما تصفون أو على احتمال ما تصفون وهذا منه عليه السلام إنشاء لا إخبار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ( قال نسعى وننشط ونلهو وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والسلفي في الطيوريات عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تلقنوا الناس فيكذبوا فإن بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس فلما لقنهم أبوهم كذبوا فقالوا أكله الذئب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله


"""""" صفحة رقم 12 """"""
) وأوحينا إليه ( الآية قال أوحى إلى يوسف وهو في الجب لتنبئن إخوتك بما صنعوا وهم لا يشعرون بذلك الوحي وأخرج هؤلاء عن قتادة قال أوحى الله إليه وحيا وهو في الجب أن سينبئهم بما صنعوا وهم أي إخوته لا يشعرون بذلك الوحي فهون ذلك الوحي عليه ما صنع به وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وهم لا يشعرون ( قال لم يعلموا بوحي الله إليه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون جيء بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن فقال إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف يدنيه دونكم وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب فأتيتم أباكم فقلتم إن الذئب أكله وجئتم على قميصه بدم كذب فقال بعضهم لبعض إن هذا الجام ليخبره ويخبركم فقال ابن عباس فلا نرى هذه الآية نزلت إلا في ذلك لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي بكر بن عياش قال كان يوسف في الجب ثلاثة أيام وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك ) وما أنت بمؤمن لنا ( قال بمصدق لنا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وجاؤوا على قميصه بدم كذب ( قال كان دم سخلة وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وجاؤوا على قميصه بدم كذب ( قال لما أتى يعقوب بقميص يوسف فلم ير فيه خرقا قال كذبتم لو كان كما تقولون أكله الذئب لخرق القميص وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) بل سولت لكم أنفسكم أمرا ( قال أمرتكم أنفسكم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) بل سولت لكم أنفسكم أمرا ( يقول بل زينت لكم أنفسكم أمرا ) فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ( أي على ما تكذبون وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حبان بن أبي حبلة قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله ) فصبر جميل ( قال لا شكوى فيه من بث لم يصبر وهو من طريق هشيم عن عبد الرحمن عن حبان بن أبي حبلة وهو مرسل وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فصبر جميل ( قال ليس فيه جزع
سورة يوسف الآية ( 19 22 )
يوسف : ( 19 ) وجاءت سيارة فأرسلوا . . . . .
هذا شروع في حكاية خلاص يوسف وما كان بعد ذلك من خبره وقد تقدم تفسير السيارة والمراد بها هنا رفقة مارة تسير من الشام إلى مصر فأخطئوا الطريق وهاموا حتى نزلوا قريبا من الجب وكان في قفرة بعيدة


"""""" صفحة رقم 13 """"""
العمران والوارد الذي يرد الماء ليستقي للقوم وكان اسمه فيما ذكر المفسرون مالك بن ذعر من العرب العاربة ) فأدلى دلوه ( أي أرسله يقال أدلى دلوه إذا أرسلها ليملأها ودلاها إذا أخرجها قاله الأصمعي وغيره فتعلق يوسف بالحبل فلما خرج الدلو من البئر أبصره الوارد ف ) قال يا بشرى ( هكذا قرأ أهل المدينة وأهل مكة وأهل البصرة وأهل الشام بإضافة البشرى إلى الضمير وقرأ أهل الكوفة ) يا بشرى ( غير مضاف ومعنى مناداته للبشرى أنه أراد حضورها في ذلك الوقت فكأنه قال هذا وقت مجيئك وأوان حضورك وقيل إنه نادى رجلا اسمه بشرى والأول أولى قال النحاس والمعنى من نداء البشرى التبشير لمن حضر وهو أوكد من قولك بشرته كما تقول يا عجبا أي يا عجب هذا من أيامك فاحضر قال وهذا مذهب سيبويه ) وأسروه ( أي أسر الوارد وأصحابه الذين كانوا معه يوسف فلم يظهروه لهم وقيل إنهم لم يخفوه بل أخفوا وجدانه لهم في الجب وزعموا أنه دفعه إليهم أهل الماء ليبيعوه لهم بمصر وقيل ضمير الفاعل في أسروه لإخوة يوسف وضمير المفعول ليوسف وذلك أنه كان يأتيه أخوه يهوذا كل يوم بطعام فأتاه يوم خروجه من البئر فأخبر إخوته فأتوا الرفقة وقالوا هذا غلام أبق منا فاشتروه منهم وسكت يوسف مخافة أن يأخذوه فيقتلوه والأول أولى وانتصاب بضاعة على الحال أي أخفوه حال كونه بضاعة أي متاعا للتجارة والبضاعة ما يبضع من المال أي يقطع منه لأنها قطعة من المال الذي يتجر به قيل قاله لهم الوارد وأصحابه أنه بضاعة استبضعناها من الشام مخافة أن يشاركوهم فيه وفي قوله ) والله عليم بما يعملون ( وعيد شديد لمن كان فعله سببا لما وقع فيه يوسف من المحن وما صار فيه من الابتذال بجري البيع والشراء فيه وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كما قال نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) في وصفه بذلك
يوسف : ( 20 ) وشروه بثمن بخس . . . . .
قوله ) وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ( يقال شراه بمعنى اشتراه وشراه بمعنى باعه قال الشاعر وشريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامه
أي بعته
وقال آخر فلما شراها فاضت العين عبرة
أي اشتراها والمراد هنا وباعوه اي باعه الوارد وأصحابه ) بثمن بخس ( أي ناقص أو زائف وقيل يعود إلى إخوة يوسف على القول السابق وقيل عائد إلى الرفقة والمعنى اشتروه وقيل بخس ظلم وقيل حرام قيل باعوه بعشرين درهما وقيل بأربعين ودراهم بدل من ثمن أي دنانير ومعدودة وصف لدراهم وفيه إشارة إلى أنها قليلة تعد ولا توزن لأنهم كانوا لا يزنون ما دون أوقية وهى أربعون درهما ) وكانوا فيه من الزاهدين ( يقال زهدت وزهدت بفتح الهاء وكسرها قال سيبويه والكسائي قال أهل اللغة يقال زهد فيه أي رغب عنه وزهد عنه أي رغب فيه والمعنى أنهم كانوا فيه من الراغبين عنه الذين لا يبالون به فلذلك باعوه بذلك الثمن البخس وذلك لأنهم التقطوه والملتقط للشيء متهاون به والضمير من كانوا يرجع إلى ما قبله على حسب اختلاف الأقوال فيه
يوسف : ( 21 ) وقال الذي اشتراه . . . . .
) وقال الذي اشتراه من مصر ( هو العزيز الذي كان على خزائن مصر وكان وزيرا لملك مصر وهو الريان بن الوليد من العمالقة وقيل إن الملك هو فرعون موسى قيل اشتراه بعشرين دينارا وقيل تزايدوا في ثمنه فبلغ أضعاف وزنه مسكا وعنبرا وحريرا وورقا وذهبا ولآلئ وجواهر فلما اشتراه العزيز قال ) لامرأته ( واللام متعلقة باشتراه ) أكرمي مثواه ( أي منزله الذي يثوي فيه بالطعام الطيب واللباس الحسن يقال ثوى بالمكان أي أقام به ) عسى أن ينفعنا ( أي يكفينا بعض المهمات مما نحتاج إلى مثله فيه ) أو نتخذه ولدا ( أي نتبناه فنجعله ولدا لنا قيل كان العزيز حصورا لا يولد له وقيل كان لا يأتي النساء وقد كان تفرس فيه أنه ينوب عنه فيما إليه


"""""" صفحة رقم 14 """"""
من أمر المملكة قوله ) وكذلك مكنا ليوسف ( الكاف في محل نصب على أنه نعت مصدر محذوف والإشارة إلى ما تقدم من إنجائه من إخوته وإخراجه من الجب وعطف قلب العزيز عليه أي مثل ذلك التمكين البديع مكنا ليوسف حتى صار متمكنا من الأمر والنهي يقال مكنه فيه أي أثبته فيه ومكن له فيه أي أي جعل له فيه مكانا ولتقارب المعنيين يستعمل كل واحد منهما مكان الآخر قوله ) ولنعلمه من تأويل الأحاديث ( هو علة لمعلل محذوف كأنه قيل فعلنا ذلك التمكين لنعلمه من تأويل الأحاديث أو كان ذلك الإنجاء لهذه العلة أو معطوف على مقدر وهو أن يقال مكنا ليوسف ليترتب على ذلك ما يترتب مما جرى بينه وبين امرأة العزيز ولنعلمه من تأويل الأحاديث ومعنى تأويل الأحاديث تأويل الرؤيا فإنها كانت من الأسباب التى بلغ بها ما بلغ من التمكن وقيل معنى تأويل الأحاديث فهم أسرار الكتب الإلهية وسنن من قبله من الأنبياء ولا مانع من حمل ذلك على الجميع ) والله غالب على أمره ( أي على أمر نفسه لا يمتنع منه شيء ولا يغالبه عليه غيره من مخلوقاته ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( ومن جملة ما يدخل تحت هذا العام كما يفيد ذلك إضافة اسم الجنس إلى الضمير ما يتعلق بيوسف عليه السلام من الأمور التى أرادها الله سبحانه في شأنه وقيل معنى ) والله غالب على أمره ( أنه كان من أمر يعقوب أن لا يقص رؤيا يوسف على إخوته فغلب أمر الله سبحانه حتى قصت عليهم حتى وقع منهم ما وقع وهذا بعيد جدا ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أي لا يطلعون على غيب الله وما في طيه من الأسرار العظيمة والحكم النافعة وقيل المراد بالأكثر الجميع لأنه لا يعلم الغيب إلا الله وقيل إن الله سبحانه قد يطلع بعض عبيده على بعض غيبه كما في قوله ) فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ( وقيل المعنى ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الله غالب على أمره وهم المشركون ومن لا يؤمن بالقدر
يوسف : ( 22 ) ولما بلغ أشده . . . . .
قوله ) ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما ( الأشد قال سيبويه جمع واحده شدة وقال الكسائي واحده شد وقال أبو عبيد إنه لا واحد له من لفظه عند العرب ويرده قول الشاعر عهدي به شد النهار كأنما
خضب البنان ورأسه بالعظلم
والأشد هو وقت استكمال القوة ثم يكون بعده النقصان قيل هو ثلاث وثلاثون سنة وقيل بلوغ الحلم وقيل ثماني عشرة سنة وقيل غير ذلك مما قد قدمنا بيانه في النساء والأنعام والحكم هو ما كان يقع منه من الأحكام في سلطان ملك مصر والعلم هو العلم بالحكم الذي كان يحكمه وقيل العقل والفهم والنبوة وقيل الحكم والعلم الذي آتاه الله هو الزيادة فيهما ) وكذلك نجزي المحسنين ( أي ومثل ذلك الجزاء العجيب نجزي المحسنين فكل من أحسن في عمله أحسن الله جزاءه وجعل عاقبة الخير من جملة ما يجزيه به وهذه عام يدخل تحته جزاء يوسف على صبره الحسن دخولا أوليا قال الطبري هذا وإن كان مخرجه ظاهرا على كل محسن فالمراد به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الله تعالى كما فعل هذا بيوسف ثم أعطيته ما أعطيته كذلك أنجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بالعداوة وأمكن لك في الأرض والأولى ما ذكرناه من حمل العموم على ظاهره فيدخل تحته ما ذكره ابن جرير الطبري
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) وجاءت سيارة ( قال جاءت سيارة فنزلت على الجب ) فأرسلوا واردهم ( فاستسقى الماء فاستخرج يوسف فاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلمون علمه ولا منزلته من ربه فزهدوا فيه فباعوه وكان بيعه حراما وباعوه بدراهم معدودة


"""""" صفحة رقم 15 """"""
وأخرج عبد الرزاق وابن بن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ) فأرسلوا واردهم ( يقول فأرسلوا رسولهم ) فأدلى دلوه ( فنشب الغلام بالدلو فلما خرج ) قال يا بشرى هذا غلام ( تباشروا به حين استخرجوه وهى بئر ببيت المقدس معلوم مكانها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) يا بشرى ( قال كان اسم صاحبه بشرى كما تقول يا زيد وهذا على ما فيه من البعد لا يتم إلا على قراءة من قرأ يا بشرى بدون إضافة وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وأسروه بضاعة ( يعني إخوة يوسف أسروا شأنه وكتموا أن يكون أخاهم وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته واختار البيع فباعه إخوته بثمن بخس وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال أسره التجار بعضهم من بعض وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه ) وأسروه بضاعة ( قال صاحب الدلو ومن معه قالوا لأصحابهم إنا استبضعناه خيفة أن يشركوهم فيه إن علموا به واتبعهم إخوته يقولون للمدلى وأصحابه استوثقوا منه لا يأبق حتى وقفوا بمصر فقال من يبتاعني ويبشر فابتاعه الملك والملك مسلم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) وشروه ( قال إخوة يوسف باعوه حين أخرجه المدلي دلوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس قال بيع بينهم بثمن بخس قال حرام لم يحل لهم بيعه ولا أكل ثمنه وأخرج ابن جرير عن قتادة ) وشروه بثمن بخس ( قال هم السيارة وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب أنه قضى في اللقيط أنه حر وقرأ ) وشروه بثمن بخس ( وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال البخس القليل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبي مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال إنما اشترى يوسف بعشرين درهما وكان أهله حين أرسل إليهم بمصر ثلثمائة وتسعين إنسانا رجالهم أنبياء ونساؤهم صديقات والله ما خرجوا مع موسى حتى بلغوا ستمائة ألف وسبعين ألفا وقد روى في مقدار ثمن يوسف غير هذا المقدار مما لا حاجة إلى التطويل بذكره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وقال الذي اشتراه من مصر ( قال كان اسمه قطفير وأخرج أبو الشيخ عن شعيب الجبائي ان اسم امرأة العزيز زليخا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال الذى اشتراه أطيفير بن روحب وكان اسم امرأته راعيل بنت رعاييل وأخرج ابن جرير وابن إسحاق وأبو الشيخ عن ابن عباس قال اسم الذي باعه من العزيز مالك بن ذعر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله ) أكرمي مثواه ( قال منزلته وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال أفرس الناس ثلاثة العزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا والمرأة التى أتت موسى فقالت لأبيها ) يا أبت استأجره ( وأبو بكر حين استخلف عمر وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ولنعلمه من تأويل الأحاديث ( قال عبارة الرؤيا وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد والطبراني في الأوسط وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) ولما بلغ أشده ( قال ثلاثا وثلاثين سنة وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال أربعين سنة وأخرج عن عكرمة قال خمسا وعشرين سنة وأخرج عن السدي قال ثلاثين سنة وأخرج عن سعيد بن جبير قال ثمانية عشر سنة وأخرج عن ربيعة قال الحلم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي نحوه وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال عشرين


"""""" صفحة رقم 16 """"""
سنة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) آتيناه حكما وعلما ( قال هو الفقه والعلم والعقل قبل النبوة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) وكذلك نجزي المحسنين ( قال المهتدين
سورة يوسف الآية ( 23 29 )
يوسف : ( 23 ) وراودته التي هو . . . . .
المراودة الإرادة والطلب برفق ولين وقيل هى مأخوذة من الرود أي الرفق والتأني يقال أرودني أمهلني وقيل المراودة مأخوذة من راد يرود إذا جاء وذهب كأن المعنى أنها فعلت فى مراودتها له فعل المخادع ومنه الرائد لمن يطلب الماء والكلأ وقد يخص بمحاولة الوقاع فيقال راود فلان جاريته عن نفسها وراودته هى عن نفسه إذا حاول كل واحد منهما الوطء والجماع وهى مفاعلة وأصلها أن تكون من الجانبين فجعل السبب هنا في أحد الجانبين قائما مقام المسبب فكأن يوسف عليه السلام لما كان ما أعطيه من كمال الخلق والزيادة في الحسن سببا لمراودة امرأة العزيز له مراود وإنما قال ) التي هو في بيتها ( ولم يقل امرأة العزيز وزليخا قصدا إلى زيادة التقرير مع استهجان التصريح باسم المرأة والمحافظة على الستر عليها ) وغلقت الأبواب ( قيل في هذه الصيغة ما يدل على التكثير فيقال غلق الأبواب ولا يقال غلق الباب بل يقال أغلق الباب وقد يقال أغلق الأبواب ومنه قول الفرزدق في أبي عمرو بن العلاء ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها
حتى أتيت أبا عمرو بن عمار
قيل وكانت الأبواب سبعة قوله ) هيت لك ( قرأ أبو عمرو وعاصم والكسائي وحمزة والأعمش بفتح الهاء وسكون الياء وفتح التاء وبها قرأ ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وعكرمة قال ابن مسعود لا تنطعوا في القراءة فإنما هو مثل قول أحدكم هلم وتعال وقرأ ابن أبي إسحاق النحوي بفتح الهاء وكسر التاء وقرأ عبد الرحمن السلمي وابن كثير هيت بفتح الهاء وضم التاء ومنه قول طرفة ليس قومي بالأبعدين إذا ما
قال داع من العشيرة هيت
وقرأ أبو جعفر ونافع بكسر الهاء وسكون الياء وفتح التاء وقرأ علي وابن عباس في رواية عنه وهشام بكسر


"""""" صفحة رقم 17 """"""
الهاء وبعدها همزة ساكنة وضم التاء وقرأ ابن عامر وأهل الشام بكسر الهاء وبالهمزة وفتح التاء ومعنى هيت على جميع القراءات معنى هلم وتعال لأنها من أسماء الأفعال إلا في قراءة من قرأ بكسر الهاء بعدها همزة وتاء مضمومة فإنها بمعنى تهيأت لك وأنكر أبو عمرو هذه القراءة وقال أبو عبيدة سئل أبو عمرو عن قراءة من قرأ بكسر الهاء والهمزة وضم التاء فقال باطل جعلها بمعنى تهيأت اذهب فاستعرض العرب حتى تنتهي إلى اليمن هل تعرف أحدا يقول هكذا وأنكرها أيضا الكسائي وقال النحاس هى جيدة عند البصريين لأنه يقال هاء الرجل يهاء ويهئ هيئة ورجح الزجاج القراءة الأولى وأنشد بيت طرفة المذكور هيتا بالفتح ومنه قول الشاعر في علي بن أبي طالب رضى الله عنه أبلغ أمير المؤمنين
أخا العراق إذا أتيتا
إن العراق وأهله
سلم إليك فهيت هيتا
وتكون اللام في لك على القراءات الأولى التى هى فيها بمعنى اسم الفعل للبيان أي لك اقول هذا كما في هلم لك قال النحويون هيت جاء بالحركات الثلاث فالفتح للخفة والكسر لالتقاء الساكنين والضم تشبيها بحيث وإذا بين باللام نحو هيت لك فهو صوت قائم مقام المصدر كأف له أي لك أقول هذا وإن لم يبين باللام فهو صوت قائم مقام مصدر الفعل فيكون اسم فعل إما خبر أي تهيأت وإما أمر أي أقبل وقال في الصحاح يقال هوت به وهيت به إذا صاح به ودعاه ومنه قول الشاعر يحذو بها كل فتى هيات
وقد روى عن ابن عباس والحسن أنها كلمة سريانية معناها انها تدعوه إلى نفسها قال أبو عبيدة كان الكسائي يقول هى لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز معناها تعال قال أبو عبيدة فسألت شيخا عالما من حوران فذكر أنها لغتهم ) قال معاذ الله ( أي أعوذ بالله معاذا مما دعوتني إليه فهو مصدر منتصب بفعل محذوف مضاف إلى اسم الله سبحانه وجملة ) إنه ربي أحسن مثواي ( تعليل للامتناع الكائن منه ببعض الأسباب التى هى أقرب إلى فهم امرأة العزيز والضمير للشأن أي إن الشأن ربي يعني العزيز أي سيدي الذى رباني وأحسن مثواى حيث أمرك بقوله ) أكرمي مثواه ( فكيف أخونه في أهله وأجيبك إلى ما تريدين من ذلك وقال الزجاج إن الضمير لله سبحانه أي إن الله ربي تولاني بلطفه فلا أركب ما حرمه وجملة ) إنه لا يفلح الظالمون ( تعليل آخر للامتناع منه عن إجابتها والفلاح الظفر والمعنى أنه لا يظفر الظالمون بمطالبهم ومن جملة الظالمين الواقعون في مثل هذه المعصية التى تطلبها امرأة العزيز من يوسف
يوسف : ( 24 ) ولقد همت به . . . . .
قوله ) ولقد همت به وهم بها ( يقال هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه والمعنى أنه هم بمخالطتها كما همت بمخالتطه ومال كل واحد منهما إلى الآخر بمقتضى الطبيعة البشرية والجبلة الخلقية ولم يكن من يوسف عليه السلام القصد إلى ذلك اختيارا كما يفيده ما تقدم من استعاذته بالله وإن ذلك نوع من الظلم ولما كان الأنبياء معصومين عن الهم بالمعصية والقصد إليها شطح أهل العلم في تفسير هذه الآية بما فيه نوع تكلف فمن ذلك ما قاله أبو حاتم قال كنت أقرأ على أبي عبيدة غريب القرآن فلما أتيت على ) ولقد همت به وهم بها ( قال هذا على التقديم والتأخير كأنه قال ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها وقال أحمد بن يحيى ثعلب أي همت زليخا بالمعصية وكانت مصرة وهم يوسف ولم يوقع ما هم به فبين الهمين فرق ومن هذا قول الشاعر
هممت بهم من ثنية لؤلؤ
شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
فهذا إنما هو حديث نفس من غير عزم وقيل هم بها أي هم بضربها وقيل هم بها بمعنى تمنى أن


"""""" صفحة رقم 18 """"""
يتزوجها وقد ذهب جمهور المفسرين من السلف والخلف إلى ما قدمنا من حمل اللفظ على معناه اللغوي ويدل على هذا ما سيأتي من قوله ) ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( وقوله ) وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ( ومجرد الهم لا ينافي العصمة فإنها قد وقعت العصمة عن الوقوع في المعصية وذلك المطلوب وجواب لو في ) لولا أن رأى برهان ربه ( محذوف أي لولا أن رأى برهان ربه لفعل ما هم به
واختلف في هذا البرهان الذى رآه ما هو فقيل إن زليخا قامت عند أن همت به وهم بها إلى صنم لها في زاوية البيت فسترته بثوب فقال ما تصنعين قالت أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه الصورة فقال يوسف أنا أولى أن أستحي من الله تعالى وقيل إنه رأى في سقف البيت مكتوبا ) ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة ( الآية وقيل رأى كفا مكتوب عليها ) وإن عليكم لحافظين ( وقيل إن البرهان هو تذكره عهد الله وميثاقه وما أخذه على عباده وقيل نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء وقيل رأى صورة يعقوب على الجدار عاضا على أنملته يتوعده وقيل غير ذلك مما يطول ذكره والحاصل أنه رأى شيئا حال بينه وبين ما هم به قوله ) كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ( الكاف نعت مصدر محذوف والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله ) لولا أن رأى برهان ربه ( أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك أي مثل تلك الإراءة أريناه أو مثل ذلك التثبيت ثبتناه ) لنصرف عنه السوء ( أي كل ما يسوؤه والفحشاء كل أمر مفرط القبح وقيل السوء الخيانة للعزيز في أهله والفحشاء الزنا وقيل السوء الشهوة والفحشاء المباشرة وقيل السوء الثناء القبيح والأولى الحمل على العموم فيدخل فيه ما يدل عليه السياق دخولا أوليا وجملة ) إنه من عبادنا المخلصين ( تعليل لما قبله قرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو ) المخلصين ( بكسر اللام وقرأ الآخرون بفتحها والمعنى على القراءة الأولى أن يوسف عليه السلام كان ممن أخلص طاعته لله وعلى الثانية أنه كان ممن استخلصه الله للرسالة وقد كان عليه السلام مخلصا مستخلصا
يوسف : ( 25 ) واستبقا الباب وقدت . . . . .
) واستبقا الباب ( أي تسابقا إليه فحذف حرف الجر وأوصل الفعل بالمفعول أو ضمن الفعل معنى فعل آخر يتعدى بنفسه كابتدرا الباب وهذا الكلام متصل بقوله ) ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ( وما بينهما اعتراض ووجه تسابقهما أن يوسف يريد الفرار والخروج من الباب وامرأة العزيز تريد أن تسبقه إليه لتمنعه ووحد الباب هنا وجمعه فيما تقدم لأن تسابقهما كان إلى الباب الذى يخلص منه إلى خارج الدار ) وقدت قميصه من دبر ( أي جذبت قميصه من ورائه فانشق إلى أسفله والقد القطع وأكثر ما يستعمل فيما كان طولا والقط بالطاء يستعمل فيما كان عرضا وقع منها ذلك عند أن فر يوسف لما رأى برهان ربه فأرادت أن تمنعه من الخروج بجذبها لقميصه ) وألفيا سيدها لدى الباب ( أي وجدا العزيز هنالك وعنى بالسيد الزوج لأن القبط يسمون الزوج سيدا وإنما لم يقل سيدهما لأن ملكه ليوسف لم يكن صحيحا فلم يكن سيدا له وجملة ) قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فما كان منهما عند أن ألفيا سيدها لدى الباب وما استفهامية والمراد بالسوء هنا الزنا قالت هذه المقالة طلبا منها للحيلة وللستر على نفسها فنسبت ما كان منها إلى يوسف أي جزاء يستحقه من فعل مثل فعل هذا ثم أجابت عن استفهامها بقولها ) إلا أن يسجن ( أي ما جزاؤه إلا أن يسجن ويحتمل أن تكون ما نافية أي ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم قيل والعذاب الأليم هو الضرب بالسياط والظاهر أنه ما يصدق عليه العذاب الأليم من ضرب أو غيره وفي الإبهام للعذاب زيادة تهويل
يوسف : ( 26 ) قال هي راودتني . . . . .
وجملة ) قال هي راودتني عن نفسي ( مستأنفة كالجملة الأولى وقد تقدم بيان معنى المراودة أي هى التى طلبت مني ذلك ولم ارد بها سوءا ) وشهد شاهد من أهلها (


"""""" صفحة رقم 19 """"""
أي من قرابتها وسمى الحكم بينهما شهادة لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل قيل لما التبس الأمر على العزيز احتاج إلى حاكم يحكم بينهما ليتبين له الصادق من الكاذب قيل كان ابن عم لها واقفا مع العزيز فى الباب وقيل ابن خال لها وقيل إنه طفل فى المهد تكلم قال السهيلي وهو الصحيح للحديث الوارد فى ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى ذكر من تكلم فى المهد وذكر من جملتهم شاهد يوسف وقيل إنه رجل حكيم كان العزيز يستشيره فى أموره وكان من قرابة المرأة ) إن كان قميصه قد من قبل ( أي فقال الشاهد هذه المقالة مستدلا على بيان صدق الصادق منهما وكذب الكاذب بأن قميص يوسف إن كان مقطوعا من قبل أي من جهة القبل ) فصدقت ( أي فقد صدقت بأنه أراد بها سوءا ) وهو من الكاذبين ( فى قوله إنها روادته عن نفسه وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق ) من قبل ( بضم اللام وكذا قرأ ) من دبر ( قال الزجاج جعلاهما غايتين كقبل وبعد كأنه قيل من قبله ومن دبره فلما حذف المضاف إليه وهو مراد صار المضاف غاية بعد أن كان المضاف إليه هو الغاية
يوسف : ( 27 ) وإن كان قميصه . . . . .
) وإن كان قميصه قد من دبر ( أي من ورائه ) فكذبت ( فى دعواها عليه ) وهو من الصادقين ( فى دعواه عليها ولا يخفى أن هاتين الجملتين الشرطيتين لا تلازم بين مقدميهما وتالييهما لا عقلا ولا عادة وليس ها هنا إلا مجرد أمارة غير مطردة إذ من الجائز أن تجذبه إليها وهو مقبل عليها فينقد القميص من دبر وأن تجذبه وهو مدبر عنها فينقد القميص من قبل ) فلما رأى ( أي العزيز ) قميصه ( أي قميص يوسف ) قد من دبر قال إنه ( أى هذا الأمر الذى وقع فيه الإختلاف بينكما أو أن قولك ) ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ( ) من كيدكن ( أى من جنس كيدكن يا معشر النساء ) إن كيدكن عظيم ( والكيد المكر والحيلة
يوسف : ( 28 ) فلما رأى قميصه . . . . .
ثم خاطب العزيز يوسف عليه السلام بقوله ) يوسف أعرض عن هذا ( أى عن هذا الأمر الذى جرى واكتمه ولا تتحدث به ثم أقبل عليها بالخطاب فقال ) واستغفري لذنبك ( الذى وقع منك ) إنك كنت ( بسبب ذلك ) من الخاطئين ( أي من جنسهم والجملة تعليل لما قبلها من الأمر بالاستغفار ولم يقل من الخاطئات تغليبا للمذكر على المؤنث كما فى قوله ) وكانت من القانتين ( ومعنى من الخاطئين من المتعمدين يقال خطئ إذا أذنب متعمدا وقيل إن القائل ليوسف ولامرأة العزيز بهذه المقالة هو الشاهد الذى حكم بينهما
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ( قال هى امرأة العزيز وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال راودته حين بلغ مبلغ الرجال وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس فى قوله ) هيت لك ( قال هلم لك تدعوه إلى نفسها وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال هلم لك بالقبطية وأخرج ابن جرير عن الحسن قال هى كلمة بالسريانية أي عليك وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال معناها تعال وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد إنها لغة عربية تدعوه بها إلى نفسها وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ ? هئت لك ? مكسورة الهاء مضمومة التاء مهموزة قال تهيأت لك وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إنه ربي ( قال سيدى قال يعنى زوج المرأة وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس قال لما همت به تزينت ثم استلقت على فراشها وهم بها جلس بين رجليها يحل ثيابه فنودى من السماء يا بن يعقوب لا تكن كطائر نتف ريشه فبقى لا ريش له فلم يتعظ على النداء شيئا حتى رأى برهان ربه جبريل فى صورة يعقوب عاضا على أصبعه ففزع فخرجت شهوته من أنامله


"""""" صفحة رقم 20 """"""
فوثب إلى الباب فوجده مغلقا فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له واتبعته فأدركته فوضعت يديها فى قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه فألفيا سيدها لدى الباب وأخرج أبو نعيم فى الحلية عن علي بن أبي طالب فى قوله ) همت به وهم بها ( قال طمعت فيه وطمع فيها وكان فيه من الطمع أن هم أن يحل التكة فقامت إلى صنم لها مكلل بالدر والياقوت فى ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه فقال أي شئ تصنعين فقالت أستحى من إلهى أن يرانى على هذه السوءة فقال يوسف تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب ولا أستحى أنا من إلهى الذى هو قائم على كل نفس بما كسبت ثم قال لاتناليها مني أبدا وهو البرهان الذى رأى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس فى قوله ) لولا أن رأى برهان ربه ( قال مثل له يعقوب فضرب بيده فى صدره فخرجت شهوته من أنامله وقد أطال المفسرون فى تعيين البرهان الذى رآه واختلفت أقوالهم فى ذلك اختلافا كثيرا وأخرج ابن جرير عن زيد بن ثابت قال السيد الزوج يعنى فى قوله ) وألفيا سيدها لدى الباب ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) إلا أن يسجن أو عذاب أليم ( قال القيد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) وشهد شاهد من أهلها ( قال صبى أنطقه الله كان فى الدار وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى بن مريم
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وشهد شاهد من أهلها ( قال كان رجلا ذا لحية وأخرج الفريابي وابن جرير وأبو الشيخ عنه قال كان من خاصة الملك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال هو رجل له فهم وعلم وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال ابن عم لها كان حكيما وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال إنه ليس بإنسى ولا جنى هو خلق من خلق الله قلت ولعله لم يستحضر قوله تعالى ) من أهلها )
سورة يوسف الآية ( 30 34 )


"""""" صفحة رقم 21 """"""
يوسف : ( 30 ) وقال نسوة في . . . . .
يقال نسوة بضم النون وهى قراءة الأعمش والفضل وسليمان ويقال نسوة بكسر النون وهى قراءة الباقين والمراد جماعة من النساء ويجوز التذكير فى الفعل المسند إليهن كما يجوز التأنيث قيل وهن امرأة ساقى العزيز وامرأة خبازه وامرأة صاحب دوابه وامرأة صاحب سجنه وامرأة حاجبه والفتى فى كلام العرب الشاب والفتاة الشابة والمراد به هنا غلامها يقال فتاى وفتاتى أي غلامي وجاريتي وجمله ) قد شغفها حبا ( فى محل رفع على أنها خبر ثان للمبتدا أو فى محل نصب على الحال ومعنى ) شغفها حبا ( غلبها حبه وقيل دخل حبه فى شغافها قال أبو عبيدة وشغاف القلب غلافه وهو جلدة عليه وقيل هو وسط القلب وعلى هذا يكون المعنى دخل حبه إلى شغافها فغلب عليه وأنشد الأصمعي قول الراجز يتبعها وهى له شغاف
وقرأ جعفر بن محمد وابن محيصن والحسن شعفها بالعين المهملة قال ابن الأعرابي معناه أجرى حبه عليها وقرأ غيرهم بالمعجمة قال الجوهري شعفه الحب أحرق قلبه وقال أبو زيد أمرضه قال النحاس معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب لأن شعاف الجبال أعاليها وقد شغف بذلك شغفا باسكان الغين المعجمة إذا ولع به وأنشد أبو عبيدة بيت امرئ القيس
أتقتلنى من قد شغفت فؤادها كما شغف المهنوة الرجل الطالي
قال فشبهت لوعة الحب بذلك وقرأ الحسن ) قد شغفها ( بضم الغين قال النحاس وحكى قد شغفها بكسر الغين ولا يعرف ذلك فى كلام العرب إلا شغفها بفتح الغين ويقال إن الشغاف الجلدة اللاصقة بالكبد التى لا ترى وهى الجلدة البيضاء فكأنه لصق حبه بقلبها كلصوق الجلدة بالكبد وجملة ) إنا لنراها في ضلال مبين ( مقررة لمضمون ما قبلها والمعنى إنا لنراها أي نعلمها فى فعلها هذا وهو المراودة لفتاها فى ضلال عن طريق الرشد والصواب مبين واضح لا يلتبس على من نظر فيه
يوسف : ( 31 ) فلما سمعت بمكرهن . . . . .
) فلما سمعت ( امرأة العزيز ) بمكرهن ( أي بغيبتهن إياها سميت الغيبة مكرا لاشتراكهما فى الإخفاء وقيل أردن أن يتوسلن بذلك إلى رؤية يوسف فلهذا سمى قولهن مكرا وقيل إنها أسرت عليهن فافشين سرها فسمى ذلك مكرا ) أرسلت إليهن ( أي تدعوهن إليها لينظرن إلى يوسف حتى يقعن فيما وقعت فيه ) وأعتدت لهن متكأ ( أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها وأعتدت من الاعتداد وهو كل ما جعلته عدة لشئ وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير متكا مخففا غير مهموز والمتك هو الأترج بلغة القبط ومنه قول الشاعر
نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المتك بيننا مستعارا
وقيل إن ذلك هو لغة أزدشنوءة وقيل حكى ذلك عن الأخفش وقال الفراء إنه ماء الورد وقرأ الجمهور ) متكأ ( بالهمز والتشديد وأصح ما قيل فيه إنه المجلس وقيل هو الطعام وقيل المتكأ كل ما اتكىء عليه عند طعام أو شراب أو حديث وحكى القتيبى أنه يقال اتكأنا عند فلان أي أكلنا ومنه قول الشاعر
فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله
ويؤيد هذا قوله ) وآتت كل واحدة منهن سكينا ( فإن ذلك إنما يكون لشىء يأكلنه بعد أن يقطعنه والسكين تذكر وتؤنث قاله الكسائي والفراء قال الجوهري والغالب عليه التذكير والمراد من إعطائها لكل واحدة سكينا أن يقطعن ما يحتاج إلى التقطيع من الأطعمة ويمكن أنها أرادت بذلك ما سيقع منهن من تقطيع أيديهن ) وقالت ( ليوسف ) اخرج عليهن ( أي فى تلك الحالة التى هن عليها من الاتكاء والأكل وتقطيع ما يحتاج إلى التقطيع من الطعام قوله ) فلما رأينه أكبرنه ( أي عظمنه وقيل أمذين ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 22 """"""
إذا ما رأين الفحل من فوق قلة
صهلن وأكبرن المنى المقطرا
وقيل حضن قال الأزهري أكبرن بمعنى حضن والهاء للسكت يقال أكبرت المرأة أي دخلت في الكبر بالحيض وقع منهن ذلك دهشا وفزعا لما شاهدنه من جماله الفائق وحسنه الرائق ومن ذلك قول الشاعر نأتي النساء على أطهارهن ولا
نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا ليس ذلك في كلام العرب قال الزجاج يقال أكبرنه ولا يقال حضنه فليس الإكبار بمعنى الحيض وأجاب الأزهري فقال يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية وقد زيف هذا بأن هاء الوقف تسقط في الوصل وقال ابن الأنباري إن الهاء كناية عن مصدر الفعل أي أكبرن إكبارا بمعنى حضن حيضا ) وقطعن أيديهن ( أي جرحنها وليس المراد به القطع الذى تبين منه اليد بل المراد به الخدش والحز وذلك معروف في اللغة كما قال النحاس يقال قطع يد صاحبه إذا خدشها وقيل المراد بأيديهن هنا أناملهن وقيل أكمامهن والمعنى أنه لما خرج يوسف عليهن أعظمنه ودهشن وراعهن حسنه حتى اضطربت أيديهن فوقع القطع عليها وهن في شغل عن ذلك بما دهمهن مما تطيش عنده الأحلام وتضطرب له الأبدان وتزول به العقول ) وقلن حاش لله ( كذا قرأ أبو عمرو بن العلاء بإثبات الألف في حاشا وقرأ الباقون بحذفها وقرأ الحسن حاش لله بإسكان الشين وروى عنه أنه قرأ حاش الإله وقرأ ابن مسعود وأبي حاشا الله قال الزجاج وأصل الكلمة من الحاشية بمعنى الناحية تقول كنت في حاشية فلان أي في ناحيته فقولك حاشا لزيد من هذا أي تباعد منه وقال أبو علي هو من المحاشاة وقيل إن حاش حرف وحاشا فعل وكلام أهل النحو في هذه الكلمة معروف ومعناها هنا التنزيه كما تقول أسى القوم حاشا زيدا فمعنى ) حاش لله ( براءة لله وتنزيه له قوله ) ما هذا بشرا ( إعمال ما عمل ليس هى لغة أهل الحجاز وبها نزل القرآن كهذه الآية وكقوله سبحانه ) ما هن أمهاتهم ( وأما بنو تميم فلا يعملونها عمل ليس وقال الكوفيون أصله ما هذا ببشر فلما حذفت الباء انتصب قال أحمد بن يحيى ثعلب إذا قلت ما زيد بمنطلق فموضع الباء موضع نصب وهكذا سائر حروف الخفض وأما الخليل وسيبويه وجمهور النحويين فقد أعملوها عمل ليس وبه قال البصريون والبحث مقرر في كتب النحو بشواهده وحججه وإنما نفين عنه البشرية لأنه قد برز في صورة قد لبست من الجمال البديع ما لم يعهد على أحد من البشر ولا أبصر المبصرون ما يقاربه في جميع الصور البشرية ثم لما نفين عنه البشرية لهذه العلة أثبتن له الملكية وإن كن لا يعرفن الملائكة لكنه قد تقرر في الطباع أنهم على شكل فوق شكل البشر في الذات والصفات وأنهم فائقون فى كل شىء كما تقرر أن الشياطين على العكس من ذلك ومن هذا قول الشاعر فلست لإنسى ولكن لملأك
تنزل من جو السماء يصوت
وقرأ الحسن ما هذا بشراء على أن الباء حرف جر والشين مكسورة أي ما هذا بعبد يشترى وهذه قراءة ضعيفة لا تناسب ما بعدها من قوله ) إن هذا إلا ملك كريم ( واعلم أنه لا يلزم من قول النسوة هذا أن الملائكة صورهم أحسن من صور بني آدم فإنهن لم يقلنه لدليل بل حكمن على الغيب بمجرد الإعتقاد المرتكز فى طباعهن وذلك ممنوع فإن الله سبحانه يقول ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( وظاهر هذا أنه لم يكن شىء مثله من أنواع المخلوقات فى حسن تقويمه وكمال صورته فما قاله صاحب الكشاف فى هذا المقام هو من جملة تعصباته لما رسخ فى عقله من أقوال المعتزلة على أن هذه المسألة أعني مسألة المفاضلة بين الملائكة والبشر ليست من مسائل


"""""" صفحة رقم 23 """"""
الدين في ورد ولا صدر فما أغنى عباد الله عنها وأحوجهم إلى غيرها من مسائل التكليف
يوسف : ( 32 ) قالت فذلكن الذي . . . . .
) قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ( الإشارة إلى يوسف والخطاب للنسوة أي عيرتنني فيه قالت لهن هذا لما رأت افتتانهن بيوسف إظهارا لعذر نفسها ومعنى فيه أي في حبه وقيل الإشارة إلى الحب والضمير له أيضا والمعنى فذلك الحب الذى لمتنني فيه هو ذلك الحب والأول أولى ورجحه ابن جرير وأصل اللوم الوصف بالقبيح ثم لما أظهرت عذر نفسها عند النسوة بما شاهدته مما وقعن فيه عند ظهوره لهن ضاق صدرها عن كتم ما تجده في قلبها من حبه فأقرت بذلك وصرحت بما وقع منها من المراودة له فقالت ) ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ( أي استعف وامتنع مما أريده طالبا لعصمة نفسه عن ذلك ثم توعدته إن لم يفعل ما تريده كاشفة لجلباب الحياء هاتكة لستر العفاف فقالت ) ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين ( أي لئن لم يفعل ما قد أمرته به فيما تقدم ذكره عند أن غلقت الأبواب وقالت هيت لك ليسجنن أي يعتقل في السجن وليكونن من الصاغرين الأذلاء لما يناله من الإهانة ويسلب عنه من النعمة والعزة في زعمها قرئ ) ليكونن ( بالتثقيل والتخفيف قيل والتخفيف أولى لأن النون كتبت في المصحف ألفا على حكم الوقف وذلك لا يكون إلا في الخفيفة وأما ليسجنن فبالتثقيل لا غير
يوسف : ( 33 ) قال رب السجن . . . . .
فلما سمع يوسف مقالها هذا وعرف أنها عزمة منها مع ما قد علمه من نفاذ قولها عند زوجها العزيز قال مناجيا لربه سبحان ) رب السجن ( أي يا رب السجن الذى أوعدتني هذه به ) أحب إلي مما يدعونني إليه ( من مؤاتاتها والوقوع في المعصية العظيمة التى تذهب بخير الدنيا والآخرة قال الزجاج أي دخول السجن فحذف المضاف وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قرأ ) السجن ( بفتح السين وقرأ كذلك ابن أبي إسحاق وعبد الرحمن الأعرج ويعقوب وهو مصدر سجنه سجنا وإسناد الدعوة إليهن جميعا لأن النسوة رغبنه في مطاوعتها وخوفنه من مخالفتها ثم جرى على هذا في نسبة الكيد إليهن جميعا فقال ) وإلا تصرف عني كيدهن ( أما الكيد من امرأة العزيز فما قد قصه الله سبحانه في هذه السورة وأما كيد سائر النسوة فهو ما تقدم من الترغيب له في المطاوعة والتخويف من المخالفة وقيل إنها كانت كل واحدة تخلو به وحدها وتقول له يا يوسف اقض لي حاجتي فأنا خير لك من امرأة العزيز وقيل إنه خاطب امرأة العزيز بما يصلح لخطاب جماعة النساء تعظيما لها أو عدولا عن التصريح إلى التعريض والكيد الاحتيال وجزم ) أصب إليهن ( على أنه جواب الشرط أي أمل إليهن من صبا يصبو إذا مال واشتاق ومنه قول الشاعر إلى هند صبا قلبي
وهند حبها يصبى
) وأكن من الجاهلين ( معطوف على أصب أي أكن ممن يجهل ما يحرم ارتكابه ويقدم عليه أو ممن يعمل عمل الجهال
يوسف : ( 34 ) فاستجاب له ربه . . . . .
قوله ) فاستجاب له ربه ( لما قال وإلا تصرف عني كيدهن كان ذلك منه تعرضا للدعاء وكأنه قال اللهم اصرف عني كيدهن فالاستجابة من الله تعالى له هى بهذا الاعتبار لأنه لم يتقدم دعاء صريح منه عليه السلام والمعنى أنه لطف به وعصمه عن الوقوع في المعصية لأنه إذا صرف عنه كيدهن لم يقع شىء مما رمنه منه ووجه إسناد الكيد قد تقدم وجملة ) إنه هو السميع العليم ( تعليل لما قبلها من صرف كيد النسوة عنه أي إنه هو السميع لدعوات الداعين له العليم بأحوال الملتجئين إليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) قد شغفها ( قال غلبها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه ) قد شغفها ( قال قتلها حب يوسف الشغف الحب القاتل والشعف حب دون ذلك والشغاف حجاب القلب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا ) قد شغفها ( قال قد علقها وأخرج


"""""" صفحة رقم 24 """"""
ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فلما سمعت بمكرهن ( قال بحديثهن وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان ) فلما سمعت بمكرهن ( قال بعملهن وكل مكر في القرآن فهو عمل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله ) وأعتدت لهن متكأ ( قال هيأت لهن مجلسا وكان سنتهم إذا وضعوا المائدة أعطوا كل إنسان سكينا يأكل بها ) فلما رأينه ( قال فلما خرج عليهن يوسف ) أكبرنه ( قال أعظمنه ونظرن إليه وأقبلن يحززن أيديهن بالسكاكين وهن يحسبن أنهن يقطعن الطعام وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس ) وأعتدت لهن متكأ ( قال أعطتهن أترنجا وأعطت كل واحدة منهن سكينا فلما رأين يوسف أكبرنه وجعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترنج وأخرج مسدد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه المتكأ الأترنج وكان يقرؤها خفيفة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) متكأ ( قال طعاما وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عنه قال هو الأترنج وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال هو كل شىء يقطع بالسكين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك مثله وأخرج أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن الوزير بن الكميت بن زيد قال حدثني أبي عن جدي يقول في قوله ) فلما رأينه أكبرنه ( قال أمنين وأنشد ولما رأته الخيل من رأس شاهق
صهلن وأمنين المني المدفقا
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس في قوله ) فلما رأينه أكبرنه ( قال لما خرج عليهن يوسف حضن من الفرح وذكر قول الشاعر الذى قدمنا ذكره نأتي النساء لدى أطهارهن
البيت
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) أكبرنه ( قال أعظمنه ) وقطعن أيديهن ( قال حزا بالسكين حتى ألقينها ) وقلن حاش لله ( قال معاذ الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إن هذا إلا ملك كريم ( قال قلن ملك من الملائكة من حسنه وأخرج أبو الشيخ عن منبه عن أبيه قال مات من النسوة التى قطعن أيديهن تسع عشرة امرأة كمدا وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال أعطى يوسف وأمه شطر الحسن وقد وردت روايات عن جماعة من السلف فى وصف حسن يوسف والمبالغة فى ذلك ففى بعضها أنه أعطى نصف الحسن وفي بعضها ثلثه وفي بعضها ثلثيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) فاستعصم ( قال امتنع وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة ) فاستعصم ( قال فاستعصى وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) وإلا تصرف عني كيدهن ( قال إن لا تكن منك أنت القوى والمنعة لا تكن مني ولا عندي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ) أصب إليهن ( قال أتبعهن وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال أطاوعهن
سورة يوسف الآية ( 35 36 )


"""""" صفحة رقم 25 """"""
سورة يوسف الآية ( 37 40 )
يوسف : ( 35 ) ثم بدا لهم . . . . .
معنى ) بدا لهم ( ظهر لهم والضمير للعزيز وأصحابه الذين يدبرون الأمر معه ويشيرون عليه وأما فاعل ) بدا لهم ( فقال سيبويه هو ليسجننه أي ظهر لهم أن يسجنوه قال المبرد وهذا غلط لأن الفاعل لا يكون جملة ولكن الفاعل مادل عليه ) بدا ( وهو المصدر كما قال الشاعر وحق لمن أبو موسى أبوه
يوفقه الذى نصب الجبالا
أي وحق الحق فحذف الفاعل لدلالة الفعل عليه وقيل الفاعل المحذوف هو رأي أي وظهر لهم رأي لم يكونوا يعرفونه من قبل وهذا الفاعل حذف لدلالته ليسجننه عليه واللام في ليسجننه جواب قسم محذوف على تقدير القول أى ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين والله ليسجننه وقرئ لتسجننه بالمثناة الفوقية على الخطاب إما للعزيز ومن معه أو له وحده على طريق التعظيم والآيات قيل هى القميص وشهادة الشاهد وقطع الأيدي وقيل هى البركات التى فتحها الله عليهم بعد وصول يوسف إليهم ولم يجد ذلك فيهم بل كانت امرأته هى الغالبة على رأيه الفاعلة لما يطابق هواها في يوسف وإنفاذ ما تقدم منها من الوعيد له بقولها ولئن لم يفعل ما آمره به ليسجنن وليكونا من الصاغرين قيل وسبب ظهور هذا الرأي لهم في سجن يوسف أنهم أرادوا ستر القالة وكتم ما شاع في الناس من قصة امرأة العزيز معه وقيل إن العزيز قصد بسجنه الحيلولة بينه وبين امرأته لما علم أنها قد صارت بمكان من حبه لا تبالي معه بحمل نفسها عليه على أي صفة كانت ومعنى قوله ) حتى حين ( إلى مدة غير معلومة كما قاله أكثر المفسرين وقيل إلى انقطاع ما شاع في المدينة وقال سعيد بن جبير إلى سبع سنين وقيل إلى خمس وقيل إلى ستة أشهر وقد تقدم في البقرة الكلام في تفسير الحين وحتى بمعنى إلى
يوسف : ( 36 ) ودخل معه السجن . . . . .
قوله ) ودخل معه السجن فتيان ( في الكلام حذف متقدم عليه والتقدير وبدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين فسجنوه ودخل معه السجن فتيان ومع للمصاحبة وفتيان تثنية فتى وذلك يدل على أنهما عبدان له ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا وقد قيل إن أحدهما خباز الملك والآخر ساقيه وقد كانا وضعا للملك سما لما ضمن لهما أهل مصر مالا في مقابلة ذلك ثم إن الساقي رجع عن ذلك وقال للملك لا تأكل الطعام فإنه مسموم وقال الخباز لا تشرب فإن الشراب مسموم فقال الملك للساقي اشرب


"""""" صفحة رقم 26 """"""
فشرب فلم يضره وقال للخباز كل فأبى فجرب الطعام على حيوان فهلك مكانه فحبسهما وكان دخولهما السجن مع دخول يوسف وقيل قبله وقيل بعده قال ابن جرير إنهما سألا يوسف عن علمه فقال إني أعبر الرؤيا فسألاه عن رؤياهما كما قص الله سبحانه ) قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا ( أي رأيتني والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة والمعنى إني أراني أعصر عنبا فسماه باسم ما يئول إليه لكونه المقصود من العصر وفي قراءة ابن مسعود أعصر عنبا قال الأصمعي أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقى أعرابيا ومعه عنب فقال له ما معك فقال خمر وقيل معنى أعصر خمرا أي عنب خمر فهو على حذف المضاف وهذا الذى رأى هذه الرؤيا هو الساقي وهذه الجملة مستأنفة بتقدير سؤال وكذلك الجملة التى بعدها وهى ) وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا ( ثم وصف الخبز هذا بقوله ) تأكل الطير منه ( وهذا الرائي لهذ الرؤيا هو الخباز ثم قالا ليوسف جميعا بعد أن قصا رؤياهما عليه ) نبئنا بتأويله ( أي بتأويل ما قصصناه عليك من مجموع المرئيين أو بتأويل المذكور لك من كلامنا وقيل إن كل واحد منهما قال له ذلك عقب قص رؤياه عليه فيكون الضمير راجعا إلى ما رآه كل واحد منهما وقيل إن الضمير في بتأويله موضوع موضع اسم الإشارة والتقدير بتأويل ذلك ) إنا نراك من المحسنين ( أي من الذين يحسنون عبارة الرؤيا وكذا قال الفراء إن معنى ) من المحسنين ( من العالمين الذين أحسنوا العلم وقال ابن إسحاق من المحسنين إلينا إن فسرت ذلك أو من المحسنين إلى أهل السجن فقد روى أنه كان كذلك
يوسف : ( 37 ) قال لا يأتيكما . . . . .
وجملة ) قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ( مستأنفة جواب سؤال مقدر ومعنى ذلك أنه يعلم شيئا من الغيب وأنه لا يأتيهما إلى السجن طعام إلا أخبرهما بماهيته قبل أن يأتيهما وهذا ليس من جواب سؤالهما تعبير ما قصاه عليه بل جعله عليه السلام مقدمة قبل تعبيره لرؤياهما بيانا لعلو مرتبته فى العلم وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون الرؤيا عن ظن وتخمين فهو كقول عيسى عليه السلام وأنبئكم بما تأكلون وإنما قال يوسف عليه السلام لهما بهذا ليحصل الانقياد منهما له فيما يدعوهما إليه بعد ذلك من الإيمان بالله والخروج من الكفر ومعنى ترزقانه يجري عليهما من جهة الملك أو غيره والجملة صفة لطعام أو يرزقكما الله سبحانه والاستثناء بقوله ) إلا نبأتكما بتأويله ( مفرغ من أعم الأحوال أي لا يأتيكما طعام في حال من الأحوال إلا حال ما نبأتكما أي بينت لكما ماهيته وكيفيته قبل أن يأتيكما وسماه تأويلا بطريق المشاكلة لأن الكلام في تأويل الرؤيا أو المعنى إلا نبأتكما بما يئول إليه الكلام من مطابقة ما أخبركما به للواقع والإشارة بقوله ) ذلكما ( إلى التأويل والخطاب للسائلين له عن تعبير رؤياهما ) مما علمني ربي ( بما أوحاه إلي وألهمني إياه لا من قبيل الكهانة والتنجيم ونحو ذلك مما يكثر فيه الخطأ ثم بين لهما أن ذلك الذى ناله من هذه الرتبة العلية والعلوم الجمة هو بسبب ترك الملة التى لا يؤمن أهلها بالله ولا بالآخرة واتباعه لملة الأنبياء من آبائه فقال ) إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ( وهو كلام مستأنف يتضمن التعليل لما قبله والمراد بالترك هو عدم التلبس بذلك من الأصل لا أنه قد كان تلبس به ثم تركه كما يدل عليه قوله ) ما كان لنا أن نشرك بالله ( ثم وصف هؤلاء القوم بما يدل على تصلبهم في الكفر وتهالكهم عليه فقال ) وهم بالآخرة هم كافرون ( أي هم مختصون بذلك دون غيرهم لإفراطهم في الكفر بالله
يوسف : ( 38 ) واتبعت ملة آبائي . . . . .
وقوله ) واتبعت ( معطوف على تركت وسماهم آباء جميعا لأن الأجداد آباء وقدم الجد الأعلى ثم الجد الأقرب ثم الأب لكون إبراهيم هو أصل هذه الملة التى كان عليها أولاده ثم تلقاها عنه إسحاق ثم يعقوب وهذا منه عليه السلام لترغيب صاحبيه في الإيمان بالله ) ما كان لنا أن نشرك بالله ( أي ما صح لنا ذلك فضلا عن وقوعه والضمير فى لنا له وللأنبياء المذكورين والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الإيمان المفهوم من قوله ما كان لنا أن نشرك


"""""" صفحة رقم 27 """"""
بالله و ) من فضل الله علينا ( خبر اسم الإشارة أي ناشئ من تفضلات الله علينا ولطفه بنا بما جعله لنا من النبوة المتضمنة للعصمة عن معاصيه ومن فضل الله على الناس كافة ببعثة الأنبياء إليهم وهدايتهم إلى ربهم وتبيين طرائق الحق لهم ) ولكن أكثر الناس لا يشكرون ( الله سبحانه على نعمه التى أنعم بها عليهم فيؤمنون به ويوحدونه ويعملون بما شرعه لهم
يوسف : ( 39 ) يا صاحبي السجن . . . . .
قوله ) يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ( جعلهما مصاحبين للسجن لطول مقامهما فيه وقيل المراد يا صاحبي في السجن لأن السجن ليس بمصحوب بل مصحوب فيه وأن ذلك من باب يا سارق الليلة وعلى الأول يكون من باب قوله ) أصحاب الجنة أصحاب النار ( والاستفهام للإنكار مع التقريع والتوبيخ ومعنى التفرق هنا هو التفرق في الذوات والصفات والعدد أي هل الأرباب المتفرقون في ذواتهم المختلفون في صفاتهم المتنافون في عددهم خير لكما يا صاحبي السجن أم الله المعبود بحق المتفرد في ذاته وصفاته الذى لا ضد له ولا ند ولا شريك القهار الذى لا يغالبه مغالب ولا يعانده معاند أورد يوسف عليه السلام على صاحبي السجن هذه الحجة القاهرة على طريق الاستفهام لأنهما كانا ممن يعبد الأصنام وقد قيل إنه كان بين أيديهما أصنام يعبدونها عند أن خاطبهما بهذا الخطاب
يوسف : ( 40 ) ما تعبدون من . . . . .
ولهذا قال لهما ) ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها ( أي إلا أسماء فارغة سميتموها ولا مسميات لها وإن كنتم تزعمون أن لها مسميات وهى الآلهة التى تعبدونها لكنها لما كانت لا تستحق التسمية بذلك صارت الأسماء كأنها لا مسميات لها وقيل المعنى ماتعبدون من دون الله إلا مسميات أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم من تلقاء أنفسكم وليس لها من الإلهية شىء إلا مجرد الأسماء لكونها جمادات لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر وإنما قال ) ما تعبدون ( على خطاب الجمع وكذلك ما بعده من الضمائر لأنه قصد خطاب صاحبي السجن ومن كان على دينهم ومفعول سميتموها الثاني محذوف أي سميتموها آلهة من عند أنفسكم ) ما أنزل الله بها ( أي بتلك التسمية ) من سلطان ( من حجة تدل على صحتها ) إن الحكم إلا لله ( أي ما الحكم إلا لله في العبادة فهو الذى خلقكم وخلق هذه الأصنام التى جعلتموها معبودة بدون حجة ولا برهان وجملة ) أمر ألا تعبدوا إلا إياه ( مستأنفة والمعنى أنه أمركم بتخصيصه بالعبادة دون غيره مما تزعمون أنه معبود ثم بين لهم أن عبادته وحده دون غيره هى دين الله الذى لا دين غيره فقال ) ذلك ( أي تخصيصه بالعبادة ) الدين القيم ( أي المستقيم الثابت ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أن ذلك هو دينه القويم وصراطه المستقيم لجهلكم وبعدكم عن الحقائق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال سألت ابن عباس عن قوله ) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ( فقال ما سألني عنها أحد قبلك من الآيات قد القميص وأثرها في جسده وأثر السكين وقالت امرأة العزيز إن أنت لم تسجنه ليصدقنه الناس وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال من الآيات كلام الصبي
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال الآيات حزهن أيديهن وقد القميص
وأقول إن كان المراد بالآيات الآيات الدالة على براءته فلا يصح عد قطع أيدي النسوة منها لأنه وقع منهن ذلك لما حصل لهن من الدهشة عند ظهوره لهن مع ما ألبسه الله سبحانه من الجمال الذى تنقطع عند مشاهدته عري الصبر وتضعف عند رؤيته قوى التجلد وإن كان المراد الآيات الدالة على أنه قد أعطى من الحسن ما يسلب عقول المبصرين ويذهب بإدراك الناظرين فنعم يصح عد قطع الأيدي من جملة الآيات ولكن ليس هذه الآيات هى المراد هنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس قال عوقب يوسف ثلاث مرات أما أول مرة فبالحبس لما كان من همه بها والثانية لقوله


"""""" صفحة رقم 28 """"""
اذكرنى عند ربك فلبث في السجن بضع سنين عوقب بطول الحبس والثالثة حيث قال أيتها العير إنكم لسارقون فاستقبل في وجهه ) إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما ( خازن الملك على طعامه والآخر ساقيه على شرابه وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) إني أراني أعصر خمرا ( قال عنبا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) نبئنا بتأويله ( قال عبارته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إنا نراك من المحسنين ( قال كان إحسانه فيما ذكر لنا أنه كان يعزي حزينهم ويداوي مريضهم ورأوا منه عبادة واجتهادا فأحبوه وأخرج سعيد ابن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن الضحاك قال كان إحسانه أنه إذا مرض إنسان في السجن قام عليه وإذا ضاق عليه المكان أوسع له وإذا احتاج جمع له وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال دعا يوسف لأهل السجن فقال اللهم لا تعم عليهم الأخبار وهون عليهم مر الأيام
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) لا يأتيكما طعام ( الآية قال كره العبارة لهما فأجابهما بغير جوابهما ليريهما أن عنده علما وكان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاما معلوما فأرسل به إليه فقال يوسف ) لا يأتيكما طعام ترزقانه ( إلى قوله ) يشكرون ( فلم يدعه صاحبا الرؤيا حتى يعبر لهما فكرة العبارة فقال ) يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون ( إلى قوله ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( قال فلم يدعاه فعبر لهما وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ( قال إن المؤمن ليشكر ما به من نعمة الله ويشكر ما بالناس من نعم الله ذكر لنا أن أبا الدرداء كان يقول يا رب شاكر نعمة غير منعم عليه لا يدري ويا رب حامل فقه غير فقيه وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) أأرباب متفرقون ( الآية قال لما عرف يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلى حظهما من ربهما وإلى نصيبهما من آخرتهما وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) ذلك الدين القيم ( قال العدل فقال
سورة يوسف الآية ( 41 42 )
يوسف : ( 41 ) يا صاحبي السجن . . . . .
هذا هو بيان ما طلباه منه من تعبير رؤياهما والمراد بقوله ) أما أحدكما ( هو الساقي وإنما أبهمه لكونه مفهوما أو لكراهة التصريح للخباز بأنه الذى سيصلب ) فيسقي ربه خمرا ( أي مالكه وهى عهدته التى كان قائما بها في خدمة الملك فكأنه قال أما أنت أيها الساقي فستعود إلى ما كنت عليه ويدعو بك الملك ويطلقك من الحبس ) وأما الآخر ( وهو الخباز ) فيصلب فتأكل الطير من رأسه ( تعبيرا لما رآه من أنه يحمل فوق رأسه خبزا فتأكل الطير منه ) قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ( وهو ما رأياه وقصاه عليه يقال استفتاه إذا طلب منه بيان حكم شىء سأله عنه مما أشكل عليه وهما قد سألاه تعبير ما أشكل عليهما من الرؤيا ) وقال للذي ظن أنه ناج منهما ( أي قال يوسف والظان هو أيضا يوسف والمراد بالظن العلم لأنه قد علم من الرؤيا نجاة الشرابي وهلاك الخباز هكذا قال جمهور المفسرين وقبل الظاهر على معناه لأن عابر الرؤيا إنما يظن ظنا والأول أولى وأنسب بحال


"""""" صفحة رقم 29 """"""
الأنبياء ولا سيما وقد أخبر عن نفسه عليه السلام بأنه قد أطلعه الله على شىء من علم الغيب كما في قوله ) لا يأتيكما طعام ترزقانه ( الآية
يوسف : ( 42 ) وقال للذي ظن . . . . .
وجملة ) اذكرني عند ربك ( هى مقول القول أمره بأن يذكره عند سيده ويصفه بما شاهده منه من جودة التعبير والاطلاع على شيء من علم الغيب وكانت هذه المقالة منه عليه السلام صادرة عن ذهول ونسيان عن ذكر الله بسبب الشيطان فيكون ضمير المفعول في أنساه عائدا إلى يوسف هكذا قال بعض المفسرين ويكون المراد بربه فى قوله ) ذكر ربه ( هو الله سبحانه أي إنساء الشيطان يوسف ذكر الله تعالى في تلك الحال ) وقال للذي ظن أنه ناج منهما ( يذكره عند سيده ليكون ذلك سببا لانتباهه على ما أوقعه من الظلم البين عليه بسجنه بعد أن رأى من الآيات ما يدل على براءته وذهب كثير من المفسرين إلى أن الذى أنساه الشيطان ذكر ربه هو الذى نجا من الغلامين وهو الشرابي والمعنى إنساء لشيطان الشرابي ذكر سيده أي ذكره لسيده فلم يبلغ إليه ما أوصاه به يوسف من ذكره عند سيده ويكون المعنى فأنساه الشيطان ذكر إخباره بما أمره به يوسف مع خلوصه من السجن ورجوعه إلى ما كان عليه من القيام بسقي الملك وقد رجح هذا بكون الشيطان لا سبيل له على الأنبياء وأجيب بأن النسيان وقع من يوسف ونسبته إلى الشيطان على طريق المجاز والأنبياء غير معصومين عن النسيان إلا فيما يخبرون به عن الله سبحانه وقد صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ورجح أيضا بأن النسيان ليس بذنب فلو كان الذى أنساه الشيطان ذكر ربه هو يوسف لم يستحق العقوبة على ذلك بلبثه فى السجن بضع سنين وأجيب بأن النسيان هنا بمعنى الترك وأنه عوقب بسبب إستعانته بغير الله سبحانه ويؤيد رجوع الضمير إلى يوسف ما بعده من قوله ) فلبث في السجن بضع سنين ( ويؤيد رجوعه إلى الذى نجا من الغلامين قوله فيما سيأتي ) وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة ( سنة ) فلبث ( أي يوسف ) في السجن ( بسبب ذلك القول الذى قاله للذى نجا من الغلامين أو بسبب ذلك الإنساء ) بضع سنين ( البضع ما بين الثلاث إلى التسع كما حكاه الهروي عن العرب وحكى عن أبي عبيدة أن البضع ما دون نصف العقد يعني ما بين واحد إلى أربعة وقيل ما بين ثلاث إلى سبع حكاه قطرب وحكى الزجاج أنه ما بين الثلاث إلى الخمس وقد اختلف في تعيين قدر المدة التى لبث فيها يوسف في السجن فقيل سبع سنين وقيل اثنتا عشرة سنة وقيل أربع عشرة سنة وقيل خمس سنين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ) أما أحدكما ( قال أتاه فقال رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب فنبتت فخرج فيه عناقيد فعصرتهن ثم سقيتهن الملك فقال تمكث في السجن ثلاثة أيام ثم تخرج فتسقيه خمرا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال ما رأى صاحبا يوسف شيئا إنما تحالما ليجربا علمه فلما أول رؤياهما قالا إنما كنا نلعب ولم نر شيئا فقال ) قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ( يقول وقعت العبارة فصار الأمر على ما عبر يوسف وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال كان أحد اللذين قصا على يوسف الرؤيا كاذبا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن ساباط ) وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ( قال عند ملك الأرض وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو لم يقل يوسف الكلمة التى قال ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغى الفرج من عند غير الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة مرفوعا نحوه وهو مرسل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم أبو الشيخ عن الحسن مرفوعا نحوه وهو مرسل وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة فذكر نحوه وهو مرسل


"""""" صفحة رقم 30 """"""
أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أنس قال أوحى إلى يوسف من استنقذك من القتل حين هم إخوتك أن يقتلوك قال أنت يا رب قال فمن استنقذك من الجب إذ ألقوك فيه قال أنت يا رب قال فمن استنقذك من المرأة إذ همت بك قال أنت يا رب قال فما لك نسيتني وذكرت آدميا قال جزعا وكلمة تكلم بها لساني قال فوعزتي لأخلدنك في السجن بضع سنين فلبث فيه سبع سنين وقد اختلف السلف في تقدير مدة لبثه في السجن على حسب ما قدمنا ذكره فلم نشتغل هاهنا بذكر من قال بذلك ومن خرجه
سورة يوسف الآية ( 43 49 )
يوسف : ( 43 ) وقال الملك إني . . . . .
المراد بالملك هنا هو الملك الأكبر وهو الريان بن الوليد الذى كان العزيز وزيرا له رأى في نومه لما دنى فرج يوسف عليه السلام أنه خرج من نهر يابس ) سبع بقرات سمان ( جمع سمين وسمينة في إثرهن سبع عجاف أي مهازيل وقد أقبلت العجاف على السمان فأكلتهن والمعنى إني رأيت ولكنه عبر بالمضارع لاستحضار الصورة وكذلك قوله ) يأكلهن ( عبر بالمضارع للاستحضار والعجاف جمع عجفاء وقياس جمعه عجف لأن فعلاء وأفعل لا تجمع على فعال ولكنه عدل عن القياس حملا على سمان ) وسبع سنبلات ( معطوف على سبع بقرات والمراد بقوله ) خضر ( أنه قد انعقد حبها واليابسات التى قد بلغت حد الحصاد والمعنى وأرى سبعا أخر يابسات وكان قد رأى أن السبع السنبلات اليابسات قد أدركت الخضر والتوت عليها حتى غلبتها ولعل عدم التعرض لذكر هذا في النظم القرآني للاكتفاء بما ذكر من حال البقرات ) يا أيها الملأ ( خطاب للأشراف من قومه ) أفتوني في رؤياي ( أي أخبروني بحكم هذه الرؤيا ) إن كنتم للرؤيا تعبرون ( أي تعلمون عبارة الرؤيا وأصل العبارة مشتقة من عبور النهر فمعنى عبرت النهر بلغت شاطئه فعابر الرؤيا يخبر بما يئول إليه أمرها قال الزجاج اللام في للرؤيا للتبيين أي إن كنتم تعبرون ثم بين فقال ) للرؤيا ( وقيل هو للتقوية وتأخير الفعل العامل فيه لرعاية الفواصل
يوسف : ( 44 ) قالوا أضغاث أحلام . . . . .
وجملة ) قالوا أضغاث أحلام ( مستأنفة جواب سؤال مقدر الأضغاث جمع


"""""" صفحة رقم 31 """"""
ضغث وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما والمعنى أخاليط أحلام والأحلام جمع حلم وهى الرؤيا الكاذبة التى لا حقيقة لها كما يكون من حديث النفس ووسواس الشيطان والإضافة بمعنى من وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلا رؤيا واحدة مبالغة منهم في وصفها بالبطلان ويجوز أن يكون رأى مع هذه الرؤيا غيرها مما لم يقصه الله علينا ) وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين ( قال الزجاج المعنى بتأويل الأحلام المختلطة نفوا عن أنفسهم علم ما لا تأويل له لا مطلق العلم بالتأويل وقيل إنهم نفوا عن أنفسهم علم التعبير مطلقا ولم يدعوا أنه لا تأويل لهذه الرؤيا وقيل إنهم قصدوا محوها من صدر الملك حتى لا يشتغل بها ولم يكن ما ذكروه من نفى العلم حقيقة
يوسف : ( 45 ) وقال الذي نجا . . . . .
) وقال الذي نجا منهما ( أي من الغلامين وهو الساقي الذى قال له يوسف اذكرنى عند ربك ) وادكر بعد أمة ( بالدال المهملة على قراءة الجمهور وهى القراء الفصيحة أي تذكر الساقي يوسف وما شاهده منه من العلم بتعبير الرؤيا وقرئ بالمعجمة ومعنى ) بعد أمة ( بعد حين ومنه إلى أمة معدودة أي إلى وقت قال ابن درستويه والأمة لا تكون على الحين إلا على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كأنه قال والله أعلم وادكر بعد حين أمة أو بعد زمن أمة والأمة الجماعة الكثيرة من الناس قال الأخفش هو في اللفظ واحد وفي المعنى جمع وكل جنس من الحيوان أمة وقرأ ابن عباس وعكرمة بعد أمة بفتح الهمزة وتخفيف الميم أي بعد نسيان ومنه قول الشاعر أممت وكنت لا أنسى حديثا
كذاك الدهر يودى بالعقول
ويقال أمه يأمه أمها إذا نسى وقرأ الأشهب العقيلي بعد إمة بكسر الهمزة أي بعد نعمة وهى نعمة النجاة ) أنا أنبئكم بتأويله ( أي أخبركم به بسؤالي عنه من له علم بتأويله وهو يوسف ) فأرسلون ( خاطب الملك بلفظ التعظيم أو خاطبه ومن كان عنده من الملأ طلب منهم ان يرسلوه إلى يوسف ليقص عليه رؤيا الملك حتى يخبره بتأويلها فيعود بذلك إلى الملك
يوسف : ( 46 ) يوسف أيها الصديق . . . . .
) يوسف أيها الصديق أفتنا ( أي يا يوسف وفي الكلام حذف والتقدير فأرسلوه إلى يوسف فسار إليه فقال له ) يوسف أيها الصديق ( إلى آخر الكلام والمعنى أخبرنا في رؤيا من رأى سبع بقرات الخ وترك ذكر ذلك اكتفاء بما هو واثق به من فهم يوسف بأن ذلك رؤيا وأن المطلوب منه تعبيرها ) لعلي أرجع إلى الناس ( أي إلى الملك ومن عنده من الملأ ) لعلهم يعلمون ( ما تأتي به من تأويل هذه الرؤيا أو يعلمون فضلك ومعرفتك لفن التعبير
يوسف : ( 47 ) قال تزرعون سبع . . . . .
وجملة ) قال تزرعون ( الخ مستأنفة جواب سؤال مقدر كغيرها مما يرد هذا المورد ) سبع سنين دأبا ( أي متوالية متتابعة وهو مصدر وقيل هو حال أي دائبين وقيل صفة لسبع أي دائبة وحكى أبو حاتم عن يعقوب أنه قرأ ) دأبا ( بتحريك الهمزة وكذا روى حفص عن عاصم وهما لغتان قال الفراء حرك لأن فيه حرفا من حروف الحلق وكذلك كل حرف فتح أوله وسكن ثانيه فتثقيله جائز في كلمات معروفة فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات السمان بسبع سنين فيها خصب والعجاف بسبع سنين فيها جدب وهكذا عبر السبع السنبلات الخضر والسبع السنبلات اليابسات واستدل بالسبع السنبلات الخضر على ما ذكره في التعبير من قوله ) فما حصدتم فذروه في سنبله ( أي ما حصدتم في كل سنة من السنين المخصبة فذروا ذلك المحصود في سنبله ولا تفصلوه عنها لئلا يأكله السوس إلا قليلا مما تأكلون في هذه السنين المخصبة فإنه لا بد لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها واقتصر على استثناء المأكول دون ما يحتاجون إليه من البذر الذى يبذرونه في أموالهم لأنه قد علم من قوله تزرعون
يوسف : ( 48 ) ثم يأتي من . . . . .
) ثم يأتي من بعد ذلك ( أي من بعد السبع السنين المخصبة ) سبع شداد ( اي سبع سنين مجدبة يصعب أمرها على الناس ) يأكلن ما قدمتم لهن ( من تلك الحبوب المتروكة في سنابلها وإسناد الأكل إلى


"""""" صفحة رقم 32 """"""
السنين مجاز والمعنى يأكل الناس فيهن أو يأكل أهلهن ما قدمتم لهن أي ما ادخرتم لأجلهن فهو من باب نهاره صائم ومنه قول الشاعر نهارك يا مغرور سهو وغفلة
وليلك نوم والردى لك لازم
) إلا قليلا مما تحصنون ( أي مما تحبسون من الحب لتزرعوا به لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات وقال أبو عبيدة معنى تحصنون تحرزون وقيل تدخرون والمعنى واحد
يوسف : ( 49 ) ثم يأتي من . . . . .
قوله ) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ( أي من بعد السنين المجدبات فالإشارة إليها والعام السنة ) فيه يغاث الناس ( من الإغاثة أو الغوث والغيث المطر وقد غاث الغيث الأرض أي أصابها وغاث الله البلاد يغيثها غوثا أمطرها فمعنى يغاث الناس يمطرون ) وفيه يعصرون ( أي يعصرون الأشياء التى تعصر كالعنب والسمسم والزيتون وقيل أراد حلب الألبان وقيل معنى يعصرون ينجون مأخوذ من العصرة وهى المنجاة قال أبو عبيدة والعصر بالتحريك الملجأ والمنجاة ومنه قول الشاعر صاديا يستغيث غير مغاث
ولقد كان عصره المنجود
واعتصرت بفلان التجأت به وقرأ حمزة والكسائي ? تعصرون ? بتاء الخطاب وقرئ يعصرون بضم حرف المضارعة وفتح الصاد ومعناه يمطرون ومنه قوله تعالى ) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن مجاهد قال قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك أي الملك الأعظم ومظلمتي وحبسي في غير شىء فقال أفعل فلما خرج الساقي رد على ما كان عليه ورضى عنه صاحبه وانساه الشيطان ذكر الملك الذى أمره يوسف أن يذكره له فلبث يوسف بعد ذلك في السجن بضع سنين ثم إن الملك ريان بن الوليد رأى رؤياه التى أرى فيها فهالته وعرف أنها رؤيا واقعة ولم يدر ما تأويلها فقال للملأ حوله من أهل مملكته ) إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات ( فلما سمع من الملك ما سمع منه ومسألته عن تأويلها ذكر يوسف ما كان عبر له ولصاحبه وما جاء من ذلك على ما قال فقال أنا أنبئكم بتأويله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) أضغاث أحلام ( يقول مشتبهة وأخرج أبو يعلى وابن جرير عنه قال من الأحلام الكاذبة وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخر عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله ) وادكر بعد أمة ( قال بعد حين وأخرج ابن جرير عن مجاهد والحسن وعكرمة وعبد الله بن كثير والسدي مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال بعد سنين وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال بعد أمة من الناس وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) أفتنا في سبع بقرات ( الآية قال أما السمان فسنون فيها خصب وأما العجاف فسنون مجدبة وسبع سنبلات خضر هى السنون المخاصيب تخرج الأرض نباتها وزرعها وثمارها وآخر يابسات المحول الجدوب لا تنبت شيئا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط عليهم أن يخرجوني ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ولكنه أراد أن يكون له العذر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 33 """"""
في قوله ) إلا قليلا مما تحصنون ( يقول تخزنون وفي قوله ) وفيه يعصرون ( يقول الأعناب والدهن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) فيه يغاث الناس ( يقول يصيبهم فيه غيث ) وفيه يعصرون ( يقول يعصرون وفيه العنب ويعصرون فيه الزبيب ويعصرون من كل الثمرات وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عنه أيضا ) وفيه يعصرون ( قال يحتلبون وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضا ) ثم يأتي من بعد ذلك عام ( قال أخبرهم بشىء لم يسألوه عنه كأن الله قد علمه إياه فيه يغاث الناس بالمطر وفيه يعصرون السمسم دهنا والعنب خمرا والزيتون زيتا
سورة يوسف الآية ( 50 57 )
يوسف : ( 50 ) وقال الملك ائتوني . . . . .
قوله ) وقال الملك ائتوني به ( في الكلام حذف قبل هذا والتقدير فذهب الرسول إلى الملك فأخبره بما أخبره به يوسف من تعبير تلك الرؤيا وقال الملك لمن بحضرته ) ائتوني به ( أي بيوسف رغب إلى رؤيته ومعرفة حاله بعد أن علم من فضله ما علمه من وصف الرسول له ومن تعبيره لرؤياه ) فلما جاءه ( أي جاء إلى يوسف ) الرسول ( واستدعاه إلى حضرة الملك وأمره بالخروج من السجن ) قال ( يوسف للرسول ) ارجع إلى ربك ( أي سيدك ) فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ( أمره بأن يسأل الملك عن ذلك وتوقف عن الخروج من السجن ولم يسارع إلى إجابة الملك ليظهر للناس براءة ساحته ونزاهة جانبه وأنه ظلم بكيد امرآة العزيز ظلما بينا ولقد أعطى عليه السلام من الحلم والصبر والأناة ما تضيق الأذهان عن تصوره ولهذا ثبت في الصحيح من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي يعني الرسول الذى جاء يدعوه إلى الملك قال ابن عطية هذا الفعل من يوسف أناة وصبرا وطلبا لبراءة ساحته وذلك أنه خشى أن يخرج وينال من الملك مرتبة ويسكت عن امر ذنبه فيراه الناس بتلك العين يقولون هذا الذى راود امرأة العزيز وإنما قال ) فاسأله ما بال النسوة (


"""""" صفحة رقم 34 """"""
وسكت عن امرأة العزيز رعاية لذمام الملك العزيز أو خوفا منه من كيدها وعظيم شرها وذكر السؤال عن تقطيع الأيدي ولم يذكر مراودتهن له تنزها منه عن نسبة ذلك إليهن ولذلك لم ينسب المراودة فيما تقدم إلى امرأة العزيز إلا بعد أن رمته بدائها وانسلت وقد اكتفى هنا بالإشارة الإجمالية بقوله ) إن ربي بكيدهن عليم ( فجعل علم الله سبحانه بما وقع عليه من الكيد منهن مغنيا عن التصريح
يوسف : ( 51 ) قال ما خطبكن . . . . .
وجملة ) قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال الملك بعد أن أبلغه الرسول ما قال يوسف والخطب الشأن العظيم الذى يحق له أن يخاطب فيه صاحبه خاصة والمعنى ما شأنكن إذا راودتن يوسف عن نفسه وقد تقدم معنى المراودة وإنما نسب إليهن المراودة لأن كل واحدة منهن وقع منها ذلك كما تقدم ومن جملة من شمله خطاب الملك امرأة العزيز أو أراد بنسبة ذلك إليهن وقوعه منهن في الجملة كما كان من امرأة العزيز تحاشيا عن التصريح منه بنسبة ذلك إليها لكونها امرأة وزيره وهو العزيز فأجبن عليه بقولهن ) قلن حاش لله ( أي معاذ الله ) ما علمنا عليه من سوء ( أي من أمر سيء ينسب إليه فعند ذلك ) قالت امرأة العزيز ( منزهة لجانبه مقرة على نفسها بالمراودة له ) الآن حصحص الحق ( أي تبين وظهر وأصله حص فقيل حصحص كما قيل في كبوا كبكبوا قاله الزجاج وأصل الحص استئصال الشيء يقال حص شعره إذا استاصله ومنه قول أبي قيس بن الأسلت قد حصت البيضة رأسي فما
أطعم نوما غير تهجاع
والمعنى أنه انقطع الحق عن الباطل بظهوره وبيانه ومنه فمن مبلغ عني خداشا فإنه
كذوب إذا ما حصحص الحق ظالم
وقيل هو مشتق من الحصة والمعنى بانت حصة الباطل قال الخليل معناه ظهر الحق بعد خفائه ثم أوضحت ذلك بقولها ) أنا راودته عن نفسه ( ولم تقع منه المراودة لي أصلا ) وإنه لمن الصادقين ( فيما قاله من تبرئة نفسه ونسبة المراودة إليها وأرادت بالآن زمان تكلمها بهذا الكلام
يوسف : ( 52 ) ذلك ليعلم أني . . . . .
قوله ) ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( ذهب أكثر المفسرين إلى هذا من كلام يوسف عليه السلام قال الفراء ولا يبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلت القرينة الصارفة لكل منهما إلى ما يليق به والإشارة إلى الحادثة الواقعة منه وهى تثبته وتأنيه أي فعلت ذلك ليعلم العزيز أني لم أخنه في أهله بالغيب والمعنى بظهر الغيب والجار والمجرور في محل نصب على الحال أي وهو غائب عني أو وأنا وادت بالعين عنه قيل إنه قال ذلك وهو في السجن بعد أن أخبره الرسول بما قالته النسوة وما قالته امرأة العزيز وقيل إنه قال ذلك وقد صار عند الملك والأول أولى وذهب الأقلون من المفسرين إلى أن هذا من كلام امرأة العزيز والمعنى ذلك القول الذى قلته في تنزيهه والإقرار على نفسي بالمراودة ليعلم يوسف أني لم أخنه فأنسب إليه ما لم يكن منه وهو غائب عني أو وأنا غائبة عنه ) وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ( أي لا يثبته ويسدده أولا يهديهم في كيدهم حتى يوقعوه على وجه يكون له تأثير يثبت به ويدوم وإذا كان من قول يوسف ففيه تعريض بامرأة العزيز حيث وقع منها الكيد له والخيانة لزوجها وتعريض بالعزيز حيث ساعدها على حبسه بعد أن علم براءته ونزاهته
يوسف : ( 53 ) وما أبرئ نفسي . . . . .
) وما أبرئ نفسي ( إن كان من كلام يوسف فهو من باب الهضم للنفس وعدم التزكية بها مع أنه قد علم هو وغيره من الناس أنه بريء وظهر ذلك ظهور الشمس وأقرت به المرأة التى ادعت عليه الباطل ونزهته النسوة اللاتي قطعن أيديهن وإن كان من كلام امرأة العزيز فهو واقع على الحقيقة لأنها قد أقرت بالذنب واعترفت بالمراودة وبالافتراء على يوسف وقد قيل إن هذا من قول العزيز


"""""" صفحة رقم 35 """"""
وهو بعيد جدا ومعناه وما ابرئ نفسى من سوء الظن بيوسف والمساعدة على حبسه بعد أن علمت ببراءته ) إن النفس لأمارة بالسوء ( أي إن هذا الجنس من الأنفس البشرية شأنه الأمر بالسوء لميله إلى الشهوات وتأثيرها بالطبع وصعوبة قهرها وكفها عن ذلك ) إلا ما رحم ربي ( أي إلا من رحم من النفوس فعصمها عن أن تكون أمارة بالسوء أو إلا وقت رحمة ربى وعصمته لها وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لكن رحمة ربي هى التى تكفها عن أن تكون أمارة بالسوء وجملة ) إن ربي غفور رحيم ( تعليل لما قبلها أي إن من شأنه كثرة المغفرة لعباده والرحمة لهم
يوسف : ( 54 ) وقال الملك ائتوني . . . . .
قوله ) وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ( الملك هو الريان بن الوليد لا العزيز كما تقدم ومعنى ) أستخلصه لنفسي ( أجعله خالصا لي دون غيري وقد كان قبل ذلك خالصا للعزيز والاستخلاص طلب خلوص الشيء من شوائب الشركة قال ذلك لما كان يوسف نفيسا وعادة الملوك أن يجعلوا الأشياء النفيسة خالصة لهم دون غيرهم ) فلما كلمه ( في الكلام حذف وتقديره فأتوه به فلما كلمه أي فلما كلم الملك يوسف ويحتمل أن يكون المعنى فلما كلم يوسف الملك قيل والأول أولى لأن مجالس الملوك لا يتكلم فيها ابتداء إلا هم دون من يدخل عليهم وقيل الثاني أولى لقول الملك ) قال إنك اليوم لدينا مكين أمين ( فإن هذا يفيد أنه لما تكلم يوسف في مقام الملك جاء بما حببه إلى الملك وقربه من قلبه فقال له هذه المقالة ومعنى مكين ذو مكانة وأمانة بحيث يتمكن مما يريده من الملك ويأمنه الملك على ما يطلع عليه من أمره أو على ما يكله إليه من ذلك قيل إنه لما وصل إلى الملك أجلسه على سريره وقال له إني أحب أن أسمع منك تعبير رؤياي فعبرها له بأكل بيان وأتم عبارة فلما سمع الملك منه ذلك قال له ) إنك اليوم لدينا مكين أمين )
يوسف : ( 55 ) قال اجعلني على . . . . .
فلما سمع يوسف منه ذلك ) قال اجعلني على خزائن الأرض ( أي ولنى أمر الأرض التى أمرها إليك وهى أرض مصر أو اجعلنى على حفظ خزائن الأرض وهي الأمكنة التى تخزن فيها الأموال طلب يوسف عليه السلام منه ذلك ليتوصل به إلى نشر العدل ورفع الظلم ويتوسل به إلى دعاء أهل مصر إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأوثان وفيه دليل على أنه يجوز لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق ويهدم ما أمكنه من الباطل طلب ذلك لنفسه ويجوز له أن يصف نفسه بالأوصاف التى لها ترغيبا فيما يرومه وتنشيطا لمن يخاطبه من الملوك بالقاء مقاليد الأمور إليه وجعلها منوطة به ولكنه يعارض هذا الجواز ما ورد عن نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) من النهي عن طلب الولاية والمنع من تولية من طلبها أو حرص عليها والخزائن جمع خزانة وهى اسم للمكان الذى يخزن فيه الشيء والحفيظ الذى يحفظ الشيء أي ) إني حفيظ ( لما جعلته إلى من حفظ الأموال لا أخرجها في غير مخارجها ولا أصرفها في غير مصارفها ) عليم ( بوجود جمعها وتفريقها ومدخلها ومخرجها
يوسف : ( 56 ) وكذلك مكنا ليوسف . . . . .
) وكذلك مكنا ليوسف ( أي ومثل ذلك التمكين العجيب مكنا ليوسف في الأرض أي جعلنا له مكانا وهو عبارة عن كمال قدرته ونفوذ أمره ونهيه حتى صار الملك يصدر عن رأيه وصار الناس يعملون على أمره ونهيه ) يتبوأ منها حيث يشاء ( أي ينزل منها حيث أراد ويتخذه مباءة وهو عبارة عن كمال قدرته كما تقدم وكأنه يتصرف في الأرض التى أمرها إلى سلطان مصر كما يتصرف الرجل في منزله وقرأ ابن كثير بالنون وقد استدل بهذه الآية على أنه يجوز تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر بل الكافر لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق وقد قدمنا الكلام على هذا مستوفى في قوله سبحانه ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ) نصيب برحمتنا من نشاء ( من العباد فنرحمه في الدنيا بالإحسان إليه والإنعام عليه وفي الآخرة بإدخاله الجنة وإنجائه من النار ) ولا نضيع أجر المحسنين ( في أعمالهم الحسنة التى هى مطلوب الله منهم أي لا نضيع ثوابهم فيها ومجازاتهم عليها
يوسف : ( 57 ) ولأجر الآخرة خير . . . . .
) ولأجر الآخرة ( أي أجرهم في الآخرة وأضيف الأجر إلى الآخرة للملانسة


"""""" صفحة رقم 36 """"""
وأجرهم هو الجزاء الذى يجازيهم الله به فيها وهو الجنة التى لا ينفد نعيمها ولا تنقضي مدتها ) خير للذين آمنوا ( بالله ) وكانوا يتقون ( الوقوع فيما حرمه عليهم والمراد بهم المحسنون المتقدم ذكرهم وفيه تنبيه على أن الإحسان المعتد به هو الإيمان والتقوى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ما بال النسوة ( قال أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عنه قال لما قالت امرأة العزيز أنا راودته قال يوسف ) ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( فغمزه جبريل فقال ولا حين هممت بها فقال ) وما أبرئ نفسي ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) حصحص الحق ( قال تبين وأخرج ابن جرير عن مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد والسدي مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن حكيم بن حزام في قوله ) ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ( فقال له جبريل ولا حين حللت السراويل فقال عند ذلك ) وما أبرئ نفسي ( وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق الكلبى عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ) وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ( قال فأتاه الرسول فقال ألق عنك ثياب السجن والبس ثيابا جددا وقم إلى الملك فدعا له أهل السجن وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة فلما أتاه رأى غلاما حدثا فقال أيعلم هذا رؤياي ولا يعلمها السحرة والكهنة وأقعده قدامه وقال لا تخف وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير وأعطاه دابة مسروجة مزينة كدابة الملك وضرب الطبل بمصر إن يوسف خليفة الملك وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال قال الملك ليوسف إني احب أن تخالطني في كل شيء إلا في أهلي وأنا آنف تأكل معي فغضب يوسف وقال أنا أحق أن آنف أنا ابن إبراهيم خليل الله وأنا ابن إسحاق ذبيح الله وأنا ابن يعقوب نبي الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن شيبة بن نعامة الضبي في قوله ) اجعلني على خزائن الأرض ( يقول على جميع الطعام ) إني حفيظ ( لما استودعتني ) عليم ( بسني المجاعة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ( قال ملكناه فيها يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا يصنع فيها ما يشاء وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم أن يوسف تزوج امرأة العزيز فوجدها بكرا وكان زوجها عنينا
سورة يوسف الآية ( 58 63 )


"""""" صفحة رقم 37 """"""
سورة يوسف الآية ( 64 - 66 )
يوسف : ( 58 ) وجاء إخوة يوسف . . . . .
قوله ) وجاء إخوة يوسف ( أي جاءوا إلى مصر من أرض كنعان ليمتاروا لما أصابهم القحط ) فدخلوا ( على يوسف ) فعرفهم ( لأنه فارقهم رجالا ) وهم له منكرون ( لأنهم فارقوه صبيا يباع بالدراهم في أيدي السيارة بعد أن أخرجوه من الجب ودخلوا عليه الآن وهو رجل عليه أبهة الملك ورونق الرئاسة وعنده الخدم والحشم وقيل إنهم انكروه لكونه كان في تلك الحال على هيئة ملك مصر ولبس تاجه وتطوق بطوقه وقيل كانوا بعيدا منه فلم يعرفوه وقيل غير ذلك
يوسف : ( 59 ) ولما جهزهم بجهازهم . . . . .
) ولما جهزهم بجهازهم ( المراد به هنا أنه أعطاهم ما طلبوه من الميرة وما يصلحون به سفرهم من العدة التى يحتاجها المسافر يقال جهزت القوم تجهيزا إذا تكلفت لهم جهازا للسفر قال الأزهري القراء كلهم على فتح الجيم والكسر لغة جيدة ) قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ( قيل لا بد من كلام ينشأ عنه طلبه لهم بأن يأتوه بأخ لهم من أبيهم فروى أنه لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم ما أنتم وما شأنكم فإني أنكركم فقالوا نحن قوم من أهل الشام جئنا نمتار ولنا أب شيخ صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب قال كم أنتم قالوا عشرة وقد كنا اثنى عشر فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك وكان أحبنا إلى أبينا وقد سكن بعد إلى أخ له أصغر منه هو باق لديه يتسلى به فقال لهم حينئذ ) ائتوني بأخ لكم من أبيكم ( يعني أخاه بنيامين الذى تقدم ذكره وهو أخو يوسف لأبيه وأمه فوعدوه بذلك فطلب منهم أن يتركوا أحدهم رهينة عنده حتى يأتوه بالأخ الذى طلبه فاقترعوا فأصابت القرعة شمعون فخلفوه عنده ثم قال لهم ) ألا ترون أني أوفي الكيل ( أي أتممه وجاء بصيغة الاستقبال مع كونه قال لهم هذه المقالة بعد تجهيزهم للدلالة على أن ذلك عادته المستمرة ثم أخبرهم بما يزيدهم وثوقا به وتصديقا لقوله فقال ) وأنا خير المنزلين ( أي والحال أني خير المنزلين لمن نزل بي كما فعلته بكم من حسن الضيافة وحسن الإنزال قال الزجاج قال يوسف ) وأنا خير المنزلين ( لأنه حين أنزلهم أحسن ضيافتهم
يوسف : ( 60 ) فإن لم تأتوني . . . . .
ثم توعدهم إذا لم يأتوه به فقال ) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون ( أي فلا أبيعكم شيئا فيما بعد وأما في الحال فقد أوفاهم كيلهم ومعنى لاتقربون لا تدخلون بلادي فضلا عن أن أحسن إليكم وقيل معناه لا أنزلكم عندي كما أنزلتكم هذه المرة ولم يرد أنهم لا يقربون بلاده وتقربون مجزوم إما على أن لا ناهية أو على أنها نافية وهو معطوف على محل الجزاء داخل في حكمه كأنه قال فإن لم تأتوني تحرموا ولا تقربوا
يوسف : ( 61 ) قالوا سنراود عنه . . . . .
فلما سمعوا منه ذلك وعدوه بما طلبه منهم ف ) قالوا سنراود عنه أباه ( أي سنطلبه منه ونجتهد في ذلك بما نقدر عليه وقيل معنى المراودة هنا المخادعة منهم لأبيهم والاحتيال عليه حتى ينتزعوه منه ) وإنا لفاعلون ( هذه المراودة غير مقصرين فيها وقيل معناه وإنا لقادرون على ذلك لا نتعانى به ولا نتعاظمه
يوسف : ( 62 ) وقال لفتيانه اجعلوا . . . . .
) وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم (


"""""" صفحة رقم 38 """"""
قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم من رواية شعبة وابن عامر لفتيته واختار هذه القراءة أبو حاتم والنحاس وغيرهما وقرأ سائر الكوفيين لفتيانه وأختار هذه القراءة أبو عبيد وفي مصحف عبد الله بن مسعود كالقراءة الآخرة قال النحاس لفتيانه مخالف للسواد الأعظم ولا يترك السواد المجمع عليه لهذا الإسناد المنقطع وأيضا فإن فتية أشبه من فتيان لأن فتية عند العرب لأقل العدد وأمر القليل بأن يجعلوا البضاعة في الرحال أشبه والجملة مستأنفة جواب سؤال كأنه قيل فما قال يوسف بعد وعدهم له بذلك فأجيب بأنه قال لفتيته قال الزجاج الفتية والفتيان في هذا الموضع المماليك وقال الثعلبي هما لغتان جيدتان مثل الصبيان والصبية والمراد بالبضاعة هنا هى التى وصلوا بها من بلادهم ليشتروا بها الطعام وكانت نعالا وأدما فعل يوسف عليه السلام ذلك تفضلا عليهم وقيل فعل ذلك ليرجعوا إليه مرة أخرى لعلمه أنهم لا يقبلون الطعام إلا بثمن قاله الفراء وقيل فعل ذلك ليستعينوا بها على الرجوع إليه لشراء الطعام وقيل إنه استقبح أن يأخذ من أبيه وإخوته ثمن الطعام ثم علل يوسف عليه السلام ما أمر به من جعل البضاعة في رحالهم بقوله ) لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم ( فجعل علة جعل البضاعة في الرحال هي معرفتهم لها إذا انقلبوا إلى أهلهم وذلك لأنهم لا يعلمون برد البضاعة إليهم إلا عند تفريغ الأوعية التى جعلوا فيها الطعام وهم لا يفرغونها إلا عند الوصول إلى أهلهم ثم علل معرفتهم للبضاعة المردودة إليهم المجعولة في رحالهم بقوله ) لعلهم يرجعون ( فإنهم إذا عرفوا ذلك وعلموا أنهم أخذوا الطعام بلا ثمن وأن ما دفعوه عوضا عنه قد رجع إليهم وتفضل به من وصلوا إليه عليهم نشطوا إلى العود إليه ولا سيما مع ما هم فيه من الجدب الشديد والحاجة إلى الطعام وعدم وجوده لديهم فإن ذلك من أعظم ما يدعوهم إلى الرجوع وبهذا يظهر أن يوسف عليه السلام لم يرد البضاعة إليهم إلا لهذا المقصد وهو رجوعهم إليه فلا يتم تعليل ردهم بغير ذلك والرحال جمع رحل والمراد به هنا ما يستصحبه الرجل معه من الأثاث قال الواحدي الرحل كل شيء معد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير ومجلس ورسن انتهى والمراد هنا الأوعية التى يجعلون فيها ما يمتارونه من الطعام قال ابن الأنباري يقال للوعاء رحل وللبيت رحل
يوسف : ( 63 ) فلما رجعوا إلى . . . . .
) فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل ( أرادوا بهذا ما تقدم من قول يوسف لهم ) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ( أي منع منا الكيل فى المستقبل وفيه دلالة على أن الامتيار مرة بعد مرة معهود فيما بينهم وبينه ولعلهم قالوا له بهذه المقالة قبل أن يفتحوا متاعهم ويعلموا برد بضاعتهم كما يفيد ذلك قوله فيما بعد ولما فتحوا متاعهم إلى آخره ثم ذكروا له ما أمرهم به يوسف فقالوا ) فأرسل معنا أخانا ( يعنون بنيامين و ) نكتل ( جواب الأمر أي نكتل بسبب إرساله مع ما نريده من الطعام قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وابن عامر وعاصم نكتل بالنون وقرأ سائر الكوفيون بالياء التحتية واختار أبو عبيد القراءة الأولى قال ليكونون كلهم داخلين فيمن يكتال وزعم أنه إذا كان بالياء كان للأخ وحده أي يكتال أخونا بنيامين واعترضه النحاس مما حاصله أن إسناد الكيل إلى الأخ لا ينافى محمية من النص للجميع والمعنى يكتال بنيامين لنا جميعا قال الزجاج أي إن أرسلته اكتلنا وإلا منعنا الكيل ) وإنا له ( أي لأخيهم بنيامين ) لحافظون ( من أن يصيبه سوء أو مكروه
يوسف : ( 64 ) قال هل آمنكم . . . . .
وجملة ) قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كما تقدم في نظائر ذلك في مواضع كثيرة والمعنى أنه لا يأمنهم على بنيامين إلا كما أمنهم على أخيه يوسف وقد قالوا له في يوسف ) وإنا له لحافظون ( كما قالوا هنا ) وإنا له لحافظون ( خانوه في يوسف فهو إن أمنهم في بنيامين خاف أن يخونوه فيه كما خانوه في يوسف ) فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ( لعل هنا إضمارا والتقدير فتوكل يعقوب على الله ودفعه إليهم وقال فالله خير حفظا قرأ أهل المدينة


"""""" صفحة رقم 39 """"""
? حفظا ? وهو منتصب على التمييز وهى قراءة أبي عمرو وعاصم وابن عامر وقرأ سائر الكوفيين حافظا وهو منتصب على الحال وقال الزجاج على البيان يعني التمييز ومعنى الآية أن حفظ الله إياه خير من حفظهم له لما وكل يعقوب حفظه إلى الله سبحانه حفظه وأرجعه إليه ولما قال في يوسف ) وأخاف أن يأكله الذئب ( وقع له من الامتحان ما وقع
يوسف : ( 65 ) ولما فتحوا متاعهم . . . . .
) ولما فتحوا متاعهم ( أي أوعية الطعام أو ما هو أعم من ذلك مما يطلق عليه لفظ المتاع سواء كان الذى فيه طعاما أو غير طعام ) وجدوا بضاعتهم ردت إليهم ( أي البضاعة التى حملوها إلى مصر ليمتاروا بها وقد تقدم بيانها وجملة ) قالوا يا أبانا ( مستأنفة كما تقدم ) ما نبغي ( ما استفهامية والمعنى أي شيء نطلب من هذا الملك بعد أن صنع معنا ما صنع من الإحسان برد البضاعة والإكرام عند القدوم إليه وتوفير ما أردناه من المبرة ويكون الاستفهام للإنكار وجملة ) هذه بضاعتنا ردت إلينا ( مقررة لما دل عليه الاستفهام من الإنكار لطلب شيء مع كونها قد ردت إليهم وقيل إن ما في ما نبغى نافية أي ما نبغى في القول وما نتزيد فيما وصفنا لك من إحسان الملك إلينا وإكرامه لنا ثم برهنوا على ما لقوه من التزيد في وصف الملك بقولهم ) هذه بضاعتنا ردت إلينا ( فإن من تفضل عليهم برد ذلك حقيق الثناء عليه منهم مستحق لما وصفوه به ومعنى ) ونمير أهلنا ( نجلب إليهم الميرة وهى الطعام والمائر الذى يأتى بالطعام وقرأ السلمى بضم النون وهو معطوف على مقدر يدل عليه السياق والتقدير ? هذه بضاعتنا ردت إلينا فنحن نستعين بها على الرجوع ونمير أهلنا ? ونحفظ أخانا بنيامين مما تخافه عليه ) ونزداد ( بسبب إرساله معنا ) كيل بعير ( أي حمل بعير زائد على ما جئنا به هذه المرة لأنه كان يكال لكل رجل وقر بعير ومعنى ) ذلك كيل يسير ( أن زيادة كيل بعير لأخينا يسهل على الملك ولا يمتنع علينا من زيادته له لكونه يسيرا لا يتعاظمه ولا يضايقنا فيه وقيل إن المعنى ذلك المكيل لأجلنا قليل نريد أن ينضاف إليه حمل بعير لأخينا واختار الزجاج الأول وقيل إن هذا من كلام يعقوب جوابا على ما قاله أولاده ) ونزداد كيل بعير ( يعني إن حمل بعير شيء يسير لا يخاطر لأجله بالولد وهو ضعيف لأن جواب يعقوب هو
يوسف : ( 66 ) قال لن أرسله . . . . .
) قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله ( أي حتى تعطوني ما أثق به وأركن إليه من جهة الله سبحانه وهو الحلف به واللام في ) لتأتنني به ( جواب القسم لأن معنى ) حتى تؤتون موثقا من الله ( حتى تحلفوا بالله لتأتني به أي لتردن بنيامين إلى والاستثناء بقوله ) إلا أن يحاط بكم ( هو من أعم العام لأن ) لتأتنني به ( وإن كان كلاما مثبتا فهو في معنى النفي فكأنه قال لا تمنعون من إتياني به في حال من الأحوال لعله من العلل إلا لعلة الإحاطة بكم والإحاطة مأخوذة من إحاطة العدو ومن أحاط به العدو فقد غلب أو هلك فأخذ يعقوب عليهم العهد بأن يأتوه ببنيامين إلا أن تغلبوا عليه أو تهلكوا دونه فيكون ذلك عذرا لكم عندي ) فلما آتوه موثقهم ( أي أعطوه ما طلبه منهم من اليمين ) قال الله على ما نقول وكيل ( أي قال يعقوب الله على ما قلناه من طلبي الموثق منكم وإعطائكم لي ما طلبته منكم مطلع رقيب لا يخفى عليه منه خافية فهو المعاقب لمن خاس في عهده وفجر في الحلف به أو موكول إليه القيام بما شهد عليه منا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن إخوة يوسف لما دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون جاء بصواع الملك الذى كان يشرب فيه فوضعه على يده فجعل ينقره ويطن وينقره ويطن فقال إن هذا الجام ليخبرني عنكم خبرا هل كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف وكان أبوه يحبه دونكم وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في الجب وأخبرتم أباكم أن الذئب أكله وجئتم على قميصه بدم كذب قال فجعل بعضهم ينظر إلى بعض ويعجبون وأخرج أبو الشيخ عن وهيب قال لما جعل يوسف ينقر الصواع ويخبرهم قام


"""""" صفحة رقم 40 """"""
إليه بعض إخوته فقال أنشدك بالله أن لا تكشف لنا عورة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ائتوني بأخ لكم من أبيكم ( قال يعني بنيامين وهو أخو يوسف لأبيه وأمه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وأنا خير المنزلين ( قال خير من يضيف بمصر وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) لفتيانه ( أي لغلمانه ) اجعلوا بضاعتهم ( أي أوراقهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ( يقولون ما نبغى وراء هذا ) ونزداد كيل بعير ( أي حمل بعير وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) ونزداد كيل بعير ( قال حمل حمار قال وهى لغة قال أبو عبيد يعنى مجاهدا أن الحمار يقال له في بعض اللغات بعير وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) إلا أن يحاط بكم ( قال تهلكوا جميعا وفي قوله ) فلما آتوه موثقهم ( قال عهدهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) إلا أن يحاط بكم ( قال إلا أن تغلبوا حتى لا تطيقوا ذلك
سورة يوسف الآية ( 67 76 )
يوسف : ( 67 ) وقال يا بني . . . . .
لما تجهز أولاد يعقوب للمسير إلى مصر خاف عليهم أبوهم أن تصيبهم العين لكونهم كانوا ذوى جمال ظاهر وثياب حسنة مع كونهم أولاد رجل واحد فنهاهم أن يدخلوا مجتمعين من باب واحد لأن في ذلك مظنة لإصابة الأعين لهم وأمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة ولم يكتف بقوله ) لا تدخلوا من باب واحد ( عن قوله


"""""" صفحة رقم 41 """"""
) وادخلوا من أبواب متفرقة ( لأنهم لو دخلوا من بابين مثلا كانوا قد امتثلوا النهي عن الدخول من باب واحد ولكنه لما كان في الدخول من بابين مثلا نوع اجتماع يخشى معه أن تصيبهم العين أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة قيل وكانت أبواب مصر أربعة
الرد على المعتزلة في إنكارهم العين
وقد أنكر بعض المعتزلة كأبي هاشم والبلخي أن للعين تأثيرا وقالا لا يمتنع أن صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله ذلك الشيء حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف معلقا به وليس هذا بمستنكر من هذين وأتباعهما فقد صار دفع أدلة الكتاب والسنة بمجرد الاستبعادات العقلية دأبهم وديدنهم وأي مانع من إصابة العين بتقدير الله سبحانه لذلك وقد وردت الأحاديث الصحيحة بأن العين حق وأصيب بها جماعة في عصر النبوة ومنهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأعجب من إنكار هؤلاء لما وردت به نصوص هذه الشريعة ما يقع من بعضهم من الإزراء على من يعمل بالدليل المخالف لمجرد الاستبعاد العقلي والتنطع في العبارات كالزمخشري في تفسيره فإنه في كثير من المواطن لا يقف على دفع دليل الشرع بالاستبعاد الذي يدعيه على العقل حتى يضم إلى ذلك الوقاحة في العبارة على وجه يوقع المقصرين في الأقوال الباطلة والمذاهب الزائفة وبالجملة فقول هؤلاء مدفوع بالأدلة المتكاثرة وإجماع من يعتد به من هذه الأمة سلفا وخلفا وبما هو مشاهد في الوجود فكم من شخص من هذا النوع الإنساني وغيره من أنواع الحيوان هلك بهذا السبب
وقد اختلف العلماء فيمن عرف بالإصابة بالعين فقال قوم يمنع من الاتصال بالناس دفعا لضرره بحبس أو غيره من لزوم بيته وقيل ينفى وأبعد من قال إنه يقتل إلا إذا كان يتعمد ذلك وتتوقف إصابته على اختياره وقصده ولم ينزجر عن ذلك فإنه إذا قتل كان له حكم القاتل ثم قال يعقوب لأولاده ) وما أغني عنكم من الله من شيء ( أي لا أدفع عنكم ضررا ولا أجلب إليكم نفعا بتدبيرى هذا بل ما قضاه الله عليكم فهو واقع لا محالة قال الزجاج وابن الأنبارى لو سبق في علم الله أن العين تهلكهم مع الاجتماع لكان تفرقهم كاجتماعهم وقال آخرون ما كان يغنى عنهم يعقوب شيئا قط حيث أصابهم ما أصابهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم ثم صرح يعقوب بأنه لا حكم إلا لله سبحانه فقال ) إن الحكم إلا لله ( لا لغيره ولا يشاركه فيه مشارك في ذلك ) عليه توكلت ( في كل إيراد وإصدار لا على غيره أي اعتمدت ووثقت ) وعليه ( لا على غيره ) فليتوكل المتوكلون ( على العموم ويدخل فيه أولاده دخولا أوليا
يوسف : ( 68 ) ولما دخلوا من . . . . .
) ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ( أي من الأبواب المتفرقة ولم يجتمعوا داخلين من باب واحد وجواب لما ) ما كان يغني عنهم ( ذلك الدخول ) من الله ( أي من جهته ) من شيء ( من الأشياء مما قدره الله عليهم لأن الحذر لا يدفع القدر والاستثناء بقوله ) إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ( منقطع والمعنى ولكن حاجة كانت في نفس يعقوب وهى شفقته عليهم ومحبته لسلامتهم قضاها يعقوب أي أظهرها لهم ووصاهم بها غير معتقد أن للتدبير الذى دبره لهم تأثيرا في دفع ما قضاه الله عليهم وقيل إنه خطر ببال يعقوب أن الملك إذا رآهم مجتمعين مع ما يظهر فيهم من كمال الخلقة وسيما الشجاعة أوقع بهم حسدا وحقدا أو خوفا منهم فأمرهم بالتفرق لهذه العلة وقد اختار هذا النحاس وقال لا معنى للعين ها هنا وفيه أن هذا لو كان هو السبب لأمرهم بالتفرق ولم يخص النهي عن ذلك بالاجتماع عند الدخول من باب واحد لأن هذا الحسد أو الخوف يحصل باجتماعهم داخل المدينة كما يحصل باجتماعهم عند الدخول من باب واحد وقيل إن فاعل في قضاها ضمير يعود إلى الدخول لا إلى يعقوب والمعنى ما كان الدخول يغني عنهم من جهة الله شيئا لكنه قضى ذلك الدخول حاجة في نفس يعقوب لوقوعه حسب إرادته ) وإنه لذو علم لما علمناه ( أي وإن


"""""" صفحة رقم 42 """"""
يعقوب لصاحب علم لأجل تعليم الله إياه بما أوحاه الله من أن الحذر لا يدفع القدر وأن ما قضاه الله سبحانه فهو كائن لا محالة ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( بذلك كما ينبغي وقيل لا يعلمون أن الحذر مندوب إليه وإن كان لا يغني من القدر شيئا والسياق يدفعه وقيل المراد بأكثر الناس المشركون
يوسف : ( 69 ) ولما دخلوا على . . . . .
) ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ( أي ضم إليه أخاه بنيامين قيل إنه أمر بإنزال كل اثنين في منزل فبقى أخوه منفردا فضمه إليه و ) قال إني أنا أخوك ( يوسف قال له ذلك سرا من دون أن يطلع عليه إخوته ) فلا تبتئس ( أي فلا تحزن ) بما كانوا يعملون ( أي إخوتك من الأعمال الماضية التى عملوها وقيل إنه لم يخبره بأنه يوسف بل قال له إني أخوك مكان أخيك يوسف فلا تحزن بما كنت تلقاه منهم من الجفاء حسدا وبغيا وقيل إنه أخبره بما سيدبره معهم من جعل السقاية في رحله فقال لا أبالي وقيل إنه لما أخبر يوسف أخاه بنيامين بأنه أخوه قال لا تردني إليهم فقال قد علمت اغتمام أبينا يعقوب فإذا حبستك عندي ازداد غمه فأتى بنيامين فقال له يوسف لا يمكن حبسك عندي إلا بأن أنسبك إلى مالا يجمل يك فقال لا أبالي فدس الصاع في رحله وهو المراد بالسقاية وأصلها المشربة التى يشرب بها جعلت صاعا يكال به وقيل كانت تسقى بها الدواب ويكال بها الحب وقيل كانت من فضة وقيل كانت من ذهب وقيل غير ذلك
يوسف : ( 70 ) فلما جهزهم بجهازهم . . . . .
وقد تقدم تفسير الجهاز والرحل والمعنى أنه جعل السقاية التى هو الصواع في رحل أخيه الذى هو الوعاء الذى يجعل فيه ما يشتريه من الطعام من مصر ) ثم ( بعد ذلك ) أذن مؤذن ( أي نادى مناد قائلا ) أيتها العير ( قال الزجاج معناه يا أصحاب العير وكل ما امتير عليه من الإبل والحمير والبغال فهو عير وقيل هى قافلة الحمير وقال أبو عبيدة العير الإبل المرحولة المركوبة ) إنكم لسارقون ( نسبة السرق إليهم على حقيقتها لأن المنادي غير عالم بما دبره يوسف وقيل إن المعنى إن حالكم حال السارقين كون الصواع صار لديكم من غير رضا من الملك
يوسف : ( 71 ) قالوا وأقبلوا عليهم . . . . .
) قالوا ( أي إخوة يوسف ) وأقبلوا عليهم ( أي حال كونهم مقبلين على من نادى منهم المنادي من أصحاب الملك ) ماذا تفقدون ( أي ما الذى فقدتموه يقال فقدت الشيء إذا عدمته بضياع أو نحوه فكأنهم قالوا ماذا ضاع عليكم وصيغة المستقبل لاستحضار الصورة
يوسف : ( 72 ) قالوا نفقد صواع . . . . .
) قالوا ( في جوابهم ) نفقد صواع الملك ( قرأ يحيى بن يعمر صواغ بالغين المعجمة وقرأ أبو رجاء صوع بضم الصاد المهملة وسكون الواو بعدها عين مهملة وقرأ أبي صياع وقرأ أبو جعفر صاع وبها قرأ أبو هريرة وقرأ الجمهور ) صواع ( بالصاد والعين المهملتين قال الزجاج الصواع هو الصاع بعينه وهو يذكر ويؤنث وهو السقاية ومنه قول الشاعر نشرب الخمر بالصواع جهارا
) ولمن جاء به حمل بعير ( أي قالوا ولمن جاء بالصواع من جهة نفسه حمل بعير والبعير الجمل وفي لغة بعض العرب أنه الحمار والمراد بالحمل ها هنا ما يحمله البعير من الطعام ثم قال المنادي ) وأنا به زعيم ( أي بحمل البعير الذى جعل لمن جاء بالصواع قبل التفتيش للأوعية والزعيم هو الكفيل ولعل القائل نفقد صواع الملك هو المنادى وإنما نسب القول إلى الجماعة لكونه واحدا منهم ثم رجع الكلام إلى نسبة القول إلى المنادى وحده لأنه القائل بالحقيقة
يوسف : ( 73 ) قالوا تالله لقد . . . . .
) قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ( التاء بدل من واو القسم عند الجمهور وقيل من الباء وقيل أصل بنفسها ولا تدخل إلا على هذا الاسم الشريف دون سائر أسمائه سبحانه وقد دخلت نادرا على الرب وعلى الرحمن والكلام على هذا مستوفى في علم الإعراب وجعلوا المقسم عليه هو علم يوسف وأصحابه بنزاهة جانبهم وطهارة ذيلهم عن التلوث بقذر الفساد في الأرض الذى من أعظم أنواعه السرقة لأنهم قد شاهدوا منهم في قدومهم عليه المرة الأولى وهذه المرة من التعفف والزهد عما هو دون السرقة بمراحل ما يستفاد منه العلم الجازم بأنهم ليسوا بمن يتجارأ على هذا


"""""" صفحة رقم 43 """"""
النوع العظيم من أنواع الفساد ولو لم يكن من ذلك إلا ردهم لبضاعتهم التى وجدوها في رحالهم والمراد بالأرض هنا أرض مصر ثم أكدوا هذه الجملة التى أقسموا بالله عليها بقولهم ) وما كنا سارقين ( لزيادة التبري مما قرفوهم به والتنزه عن هذه النقيصة الخسيسة والرذيلة الشنعاء
يوسف : ( 74 ) قالوا فما جزاؤه . . . . .
) قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ( هذه الجملة مسأنفة كما تقدم غير مرة فى نظائرها والقائلون هم أصحاب يوسف أوالمنادى منهم وحده كما مر والضمير فى جزاؤه للصواع على حذف مضاف أي فما جزاء سرقة الصواع عندكم أو الضمير للسارق أي فما جزاء سارق الصواع عندكم ) إن كنتم كاذبين ( فيما تدعونه لأنفسكم من البراءة عن السرقة وذلك بأن يوجد الصواع معكم
يوسف : ( 75 ) قالوا جزاؤه من . . . . .
فأجاب أخوة يوسف و ) قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ( أي جزاء سرقة الصواع أو جزاء سارق الصواع وجزاؤه مبتدأ والجملة الشرطية وهى من وجد فى رحله فهو جزاؤه خبر المبتدأ على إقامة الظاهر مقام المضمر فيها والأصل جزاؤه من وجد فى رحله فهو فيكون الضمير الثاني عائد إلى المبتدأ والأول إلى من ويجوز أن يكون خبر المبتدأ من وجد فى رحله والتقدير جزاء السرقة للصواع أخذ من وجد فى رحله وتكون جملة فهو جزاؤه لتأكيد الجملة الأولى وتقريرها قال الزجاج وقوله ) فهو جزاؤه ( زيادة في البيان أي جزاؤه أخذ السارق فهو جزاؤه لا غير قال المفسرون وكان حكم السارق فى آل يعقوب أن يسترق سنة فلذلك استفتوهم في جزائه ) كذلك نجزي الظالمين ( أي مثل ذلك الجزاء الكامل نجزي الظالمين لغيرهم من الناس بسرقة أمتعتهم وهذه الجملة مؤكدة لما قبلها إذا كانت من كلام إخوة يوسف ويجوز أن تكون من كلام أصحاب يوسف أي كذلك نحن نجزي الظالمين بالسرق ثم لما ذكروا جزاء السارق أرادوا أن يفتشوا أمتعتهم حتى يتبين الأمر فأقبل يوسف على ذلك
يوسف : ( 76 ) فبدأ بأوعيتهم قبل . . . . .
) فبدأ ( تفتيش ) باوعيتيهم ( أي أوعية الإخوة العشرة ) قبل وعاء أخيه ( أي قبل تفتيشه لوعاء أخيه بنيامين دفعا للتهمة ورفعا لما دبره من الحيلة ) ثم استخرجها ( أي السقاية أو الصواع لأنه يذكر ويؤنث ) كذلك كدنا ليوسف ( أي مثل ذلك الكيد العجيب كدنا ليوسف يعني علمناه إياه وأوحيناه إليه والكيد مبدؤه السعي فى الحيلة والخديعة ونهايته إلقاء المخدوع من حيث لا يشعر فى أمر مكروه لا سبيل إلى دفعه وهو محمول فى حق الله سبحانه على النهاية لا على البداية قال القتيبي معنى كدنا دبرنا وقال ابن الأنباري أردنا وفي الآية دليل على جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما صورته صورة الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف ذلك شرعا ثابتا ) ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ( أي ما كان يوسف ليأخذ أخاه بنيامين في دين الملك أي ملك مصر وفي شريعته التى كان عليها بل كان دينه وقضاؤه أن يضرب السارق ويغرم ضعف ما سرقه دون الاستعباد سنة كما هو دين يعقوب وشريعته وحاصله أن يوسف ما كان يتمكن من إجراء حكم يعقوب على أخيه مع كونه مخالفا لدين الملك وشريعته لولا ما كاد الله له ودبره وأراده حتى وجد السبيل إليه وهو ما أجراه على ألسن إخوته من قولهم إن جزاء السارق الاسترقاق فكان قولهم هذا هو بمشيئة الله وتدبيره وهو معنى قوله ) إلا أن يشاء الله ( أي إلا حال مشيئته وإذنه بذلك وإرادته له وهذه الجملة أعني ما كان ليأخذ أخاه الخ تعليل لما صنعه الله من الكيد ليوسف أو تفسير له ) نرفع درجات من نشاء ( بضروب العلوم والمعارف والعطايا والكرامات كما رفعنا درجة يوسف بذلك ) وفوق كل ذي علم ( ممن رفعه الله بالعلم ) عليم ( أرفع رتبة منهم وأعلى درجة لا يبلغون مداه ولا يرتقون شأوه وقيل معنى ذلك أن فوق كل أهل العلم عليم وهو الله سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد ( قال رهب يعقوب عليهم العين وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب قال خشي عليهم العين وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وأبو الشيخ عن النخعي في قوله ) وادخلوا من أبواب متفرقة ( قال


"""""" صفحة رقم 44 """"""
أحب يعقوب أن يلقى يوسف أخاه في خلوة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ( قال خيفة العين على بنيه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وإنه لذو علم لما علمناه ( قال إنه لعامل بما علم ومن لا يعمل لا يكون عالما وأخرج هؤلاء عنه فى قوله ) آوى إليه أخاه ( قال ضمه إليه وفى قوله ) فلا تبتئس ( قال لا تحزن ولا تيأس وفى قوله ) فلما جهزهم بجهازهم ( قال قضى حاجتهم وكال لهم طعامهم وفي قوله ) جعل السقاية ( قال هو إناء الملك الذى يشرب منه ) في رحل أخيه ( قال فى متاع أخيه وأخرج ابن أبي حاتم وابن الأنباري فى المصاحف عن ابن عباس فى قوله ) جعل السقاية ( قال هو الصواع وكل شئ يشرب منه فهو صواع وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد نحوه أيضا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) أيتها العير ( قال كانت العير حميرا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) ولمن جاء به حمل بعير ( قال حمل حمار طعام وهى لغة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) وأنا به زعيم ( يقول كفيل وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس فى قوله ) ما جئنا لنفسد في الأرض ( يقول ما جئنا لنعصي فى الأرض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد فى قوله ) فما جزاؤه ( قال عرفوا الحكم فى حكمهم فقالوا من وجد فى رحله فهو جزاؤه وكان الحكم عند الأنبياء يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدا يسترق وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) فبدأ بأوعيتهم ( قال ذكر لنا أنه كان كلما فتح متاع رجل استغفر تأثما مما صنع حتى بقي متاع الغلام قال ما أظن أن هذا أخذ شيئا قالوا بلى فاستبره وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك فى قوله ) كذلك كدنا ليوسف ( قال كذلك صنعنا ليوسف ) ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ( يقول فى سلطان الملك قال كان فى دين ملكهم أنه من سرق أخذت منه السرقة ومثلها معها من ماله فيعطيه المسروق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ( يقول فى سلطان الملك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إلا أن يشاء الله ( إلا بعلة كادها الله ليوسف فاعتل بها وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) نرفع درجات من نشاء ( قال يوسف وإخوته أوتوا علما فرفعنا يوسف فى العلم فوقهم درجة وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال كنا عند ابن عباس فحدث بحديث فقال رجل عنده ) وفوق كل ذي علم عليم ( فقال ابن عباس بئس ما قلت الله العليم الخبير وهو فوق كل عالم وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال سأل رجل عليا عن مسألة فقال فيها فقال الرجل ليس هكذا ولكن كذا وكذا قال علي أصبت وأخطأت ) وفوق كل ذي علم عليم ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات عن عكرمة فى قوله ) وفوق كل ذي علم عليم ( قال علم الله فوق كل عالم


"""""" صفحة رقم 45 """"""
سورة يوسف الآية ( 77 82 )
يوسف : ( 77 ) قالوا إن يسرق . . . . .
قوله ) قالوا إن يسرق ( أي بنيامين ) فقد سرق أخ له من قبل ( يعنون يوسف
وقد اختلف المفسرون فى هذه السرقة التى نسبوها إلى يوسف ما هى فقيل إنه كان ليوسف عمة هى أكبر من يعقوب وكانت عندها منطقة إسحاق لكونها أسن أولاده وكانوا يتوارثونها فيأخذها الأكبر سنا من ذكر أو أنثى وكانت قد حضنت يوسف وأحبته حبا شديدا فلما ترعرع قال لها يعقوب سلمي يوسف إلي فأشفقت من فراقه واحتالت فى بقائه لديها فجعلت المنطقة تحت ثيابه وحزمته بها ثم قالت قد سرقت منطقة إسحاق فانظروا من سرقها فبحثوا عنها فوجدوها مع يوسف فأخذته عندها كما هو شرع الأنبياء فى ذلك الوقت من آل إبراهيم وقد سبق بيان شريعتهم فى السرقة وقيل إن يوسف أخذ صنما كان لجده أبي أمه فكسره وألقاه على الطريق تغييرا للمنكر وحكى عن الزجاج أنه كان صنما من ذهب وحكى الواحدى عن الزجاج أنه قال الله أعلم أسرق أخ له أم لا وحكى القرطبي فى تفسيره عن الزجاج أنه قال كذبوا عليه فيما نسبوه إليه قلت وهذا أولى فما هذه الكذبة بأول كذباتهم وقد قدمنا ما يدفع قول من قال إنهم قد كانوا أنبياء عند صدور هذه الأمور منهم قوله ) فأسرها يوسف في نفسه ( قال الزجاج وغيره الضمير فى أسرها يعود إلى الكلمة أو الجملة كأنه قيل فأسر الجملة فى نفسه ) ولم يبدها لهم ( ثم فسرها بقوله ) قال أنتم شر مكانا ( وقد رد أبو علي الفارسي هذا فقال إن هذا النوع من الإضمار على شريطة التفسير غير مستعمل وقيل الضمير عائد إلى الإجابة أي أسر يوسف إجابتهم فى ذلك الوقت إلى وقت آخر وقيل أسر فى نفسه قولهم ) إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ( وهذا هو الأولى ويكون معنى ) ولم يبدها لهم ( أنه لم يبد لهم هذه المقالة التى أسرها فى نفسه بأن يذكر لهم صحتها أو بطلانها وجملة ) قال أنتم شر مكانا ( مفسرة على القول الأول ومستأنفة على القولين الآخرين كأنه قيل فماذا قال يوسف لما قالوا هذه المقالة أي أنتم شر مكانا أي موضعا ومنزلا ممن نسبتموه إلى السرقة وهو برئ فإنكم قد فعلتم ما فعلتم من إلقاء يوسف إلى الجب والكذب على أبيكم وغير ذلك من أفاعيلكم ثم قال ) والله أعلم بما تصفون ( من الباطل بنسبة السرق إلى يوسف وأنه لا حقيقة لذلك ثم أرادوا أن يستعطفوه ليطلق له أخاهم بنيامين يكون معهم يرجعون به إلى أبيهم لما تقدم من أخذه الميثاق عليهم بأن يردوه إليه
يوسف : ( 78 ) قالوا يا أيها . . . . .
) قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا ( أي إن لبنيامين هذا أبا متصفا بهذه الصفة وهى كونه شيخا كبيرا لا يستطيع فراقه ولا يصبر عنه ولا يقدر على الوصول إليه ) فخذ أحدنا مكانه ( يبقى لديك فإن له منزلة فى قلب أبيه ليست لواحد منا فلا يتضرر بفراق أحدنا كما لا يتضرر بفراق بنيامين ثم عللوا ذلك بقوله ) إنا نراك من المحسنين ( إلى الناس كافة


"""""" صفحة رقم 46 """"""
وإلينا خاصة فتمم إحسانك إلينا بإجابتنا إلى هذا المطلب
يوسف : ( 79 ) قال معاذ الله . . . . .
فأجاب يوسف عليهم بقوله ) معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ( أي نعوذ بالله ) معاذ ( فهو مصدر منصوب بفعل محذوف والمستعيذ بالله هو المعتصم به ) أن نأخذ ( منصوب بنزع الخافض والأصل من أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده وهو بنيامين لأنه الذى وجد الصواع في رحله فقد حل لنا استعباده بفتواكم التى أفتيتمونا بقولكم ) جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ( ) إنا إذا لظالمون ( أي إنا إذا أخذنا غير من وجدنا متاعنا عنده لظالمون في دينكم وما تقتضيه فتواكم
يوسف : ( 80 ) فلما استيأسوا منه . . . . .
) فلما استيأسوا منه ( أي يئسوا من يوسف وإسعافهم منه إلى مطلبهم الذى طلبوه والسين والتاء للمبالغة ) خلصوا نجيا ( أي انفردوا حال كونهم متناجين فيما بينهم وهو مصدر يقع على الواحد والجمع كما في قوله ) وقربناه نجيا ( قال الزجاج معناه انفردوا وليس معهم أخوهم متناجين فيما يعملون به في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم ) قال كبيرهم ( قيل هو روبيل لأنه الأسن وقيل يهوذا لأنه الأوفر عقلا وقيل شمعون لأنه رئيسهم ) ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ( أي عهدا من الله في حفظ ابنه ورده إليه ومعنى كونه من الله أنه بإذنه ) ومن قبل ما فرطتم في يوسف ( معطوف على ما قبله والتقدير ألم تعلموا أن أباكم وتعلموا تفريطكم في يوسف ذكر هذا النحاس وغيره ومن قبل متعلقة بتعلموا أي وتعلموا تفريطكم في يوسف من قبل على أن ما مصدرية ويجوز أن تكون زائدة وقيل ما فرطتم مرفوع المحل على الابتداء وخبره من قبل وقيل إن ما موصولة أو موصوفة وكلاهما في محل النصب أو الرفع وما ذكرناه هو الأولى ومعنى ) فرطتم ( قصرتم في شأنه ولم تحفظوا عهد أبيكم فيه ) فلن أبرح الأرض ( يقال برح براحا وبروحا أي زال فإذا دخله النفي صار مثبتا أي لن أبرح من الأرض بل ألزمها ولا أزال مقيما فيها ) حتى يأذن لي أبي ( في مفارقتها والخروج منها وإنما قال ذلك لأنه يستحى من أبيه أن يأتى إليه بغير ولده الذى أخذ عليهم الموثق بإرجاعه إليه إلا أن يحاط بهم كما تقدم ) أو يحكم الله لي ( بمفارقتها والخروج منها وقيل المعنى ) أو يحكم الله لي ( بخلاص أخي من الأسر حتى يعود إلى أبي وأعود معه وقيل المعنى ) أو يحكم الله لي ( بالنصر على من أخذ أخي فأحاربه وآخذ أخي منه أو أعجز فأنصرف بعد ذلك ) وهو خير الحاكمين ( لأن أحكامه لا تجرى إلا على ما يوافق الحق ويطابق الصواب
يوسف : ( 81 ) ارجعوا إلى أبيكم . . . . .
ثم قال كبيرهم مخاطبا لهم ) ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق ( قرأ الجمهور ) سرق ( على البناء للفاعل وذلك لأنهم قد شاهدوا استخراج الصواع من وعائه وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو رزين على البناء للمفعول وروى ذلك النحاس عن الكسائي قال الزجاج إن سرق يحتمل معنيين أحدهما علم منه السرق والآخر اتهم بالسرق ) وما شهدنا إلا بما علمنا ( من استخراج الصواع من وعائه وقيل المعنى ) ما شهدنا ( عند يوسف أن السارق يسترق إلا بما علمنا من شريعتك وشريعة آبائك ) وما كنا للغيب حافظين ( حتى يتضح لنا هل الأمر على ما شاهدناه أو على خلافه وقيل المعنى ) ما كنا ( وقت أخذنا له منك ليخرجا معنا إلى مصر للغيب حافظين بأنه سيقع منه السرق الذى افتضحنا به وقيل الغيب هو الليل ومرادهم أنه سرق وهم نيام وقيل مرادهم أنه فعل ذلك وهوغائب عنهم فخفى عليهم فعله
يوسف : ( 82 ) واسأل القرية التي . . . . .
) واسأل القرية التي كنا فيها ( هذا من تمام قول كبيرهم لهم أي قولوا لأبيكم ) واسأل القرية التي كنا فيها ( أي مصر والمراد أهلها أي اسأل أهل القرية وقيل هى قرية من قرى مصر نزلوا فيها وامتاروا منها وقيل المعنى واسأل القرية نفسها وإن كانت جمادا فإنك نبي الله والله سبحانه سينطقها فتجيبك ومما يؤيد هذا أنه قال سيبويه لا يجوز كلم هندا وأنت تريد غلام هند ) والعير التي أقبلنا فيها ( أي وقولوا لأبيكم ) والعير التي أقبلنا فيها ( أي أصحابها وكانوا قوما معروفين من جيران يعقوب ) وإنا لصادقون ( فيما قلنا جاءوا


"""""" صفحة رقم 47 """"""
بهذه الجملة مؤكدة هذا التأكيد لأن ما قد تقدم منهم مع أبيهم يعقوب يوجب كمال الريبة في خبرهم هذا عند السامع
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ( قال يعنون يوسف وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال سرق مكحلة لخالته يعنى يوسف وأخرج أبو الشيخ عن عطية قال سرق في صباه ميلين من ذهب وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
سرق يوسف صنما لجده أبي أمه من ذهب وفضة فكسره وألقاه على الطريق فعيره بذلك إخوته وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير مثله غير مرفوع وقد روى نحوه عن جماعة من التابعين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فأسرها يوسف في نفسه ( قال أسر في نفسه قوله ) أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة مثله وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق في قوله ) فلما استيأسوا منه ( قال أيسوا منه ورأوا شدته في أمره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) خلصوا نجيا ( قال وحدهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) قال كبيرهم ( قال شمعون الذى تخلف أكبرهم عقلا وأكبر منه في الميلاد روبيل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) قال كبيرهم ( هو روبيل وهو الذى كان نهاهم عن قتله وكان أكبر القوم وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله ) أو يحكم الله لي ( قال أقاتل بسيفي حتى أقتل وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أبي صالح نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة ) وما كنا للغيب حافظين ( قال ما كنا نعلم أن ابنك يسرق وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) واسأل القرية ( قال يعنون مصر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة مثله
سورة يوسف الآية ( 83 88 )
يوسف : ( 83 ) قال بل سولت . . . . .
قوله ) قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا ( أي زينت والأمر هنا قولهم ) إن ابنك سرق ( وما سرق في الحقيقة وقيل المراد بالأمر إخراجهم بنيامين والمضي به إلى مصر طلبا للمنفعة فعاد ذلك بالمضرة وقيل التسويل التخييل أي خيلت لكم أنفسكم أمرا لا أصل له وقيل الأمر الذى سولت لهم أنفسهم فتياهم بأن السارق يؤخذ بسرقته والإضراب هنا هو باعتبار ما أثبتوه من البراءة لأنفسهم لا باعتبار أصل الكلام فإنه صحيح والجملة


"""""" صفحة رقم 48 """"""
مستأنفة مبنية على سؤال مقدر كغيرها وجملة ) فصبر جميل ( خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي فأمري صبر جميل أو ) فصبر جميل ( أجمل بي وأولى لي والصبر الجميل هو الذى لا يبوح صاحبه بالشكوى بل يفوض أمره إلى الله ويسترجع وقد ورد أن الصبر عند أول الصدمة ) عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ( أي بيوسف وأخيه بنيامين والأخ الثالث الباقي بمصر وهو كبيرهم كما تقدم وإنما قال هكذا لأنه قد كان عنده أن يوسف لم يمت وأنه باق على الحياة وإن غاب عنه خبره ) إنه هو العليم ( بحالي ) الحكيم ( فيما يقضي به
يوسف : ( 84 ) وتولى عنهم وقال . . . . .
) وتولى عنهم ( أي أعرض عنهم وقطع الكلام معهم ) وقال يا أسفى على يوسف ( قال الزجاج الأصل يا أسفي فأبدل من الياء ألفا لخفة الفتحة والأسف شدة الجزع وقيل شدة الحزن ومنه قول كثير فيا أسفا للقلب كيف انصرافه
وللنفس لما سليت فتسلت
قال يعقوب هذه المقالة لما بلغ منه الحزن غاية مبالغة بسبب فراقه ليوسف وانضمام فراقه لأخيه بنيامين وبلوغ ما بلغه من كونه أسيرا عند ملك مصر فتضاعفت أحزانه وهاج عليه الوجد القديم بما أثاره من الخبر الأخير وقد روى عن سعيد بن جبير أن يعقوب لم يكن عنده ما ثبت في شريعتنا من الاسترجاع والصبر على المصائب ولو كان عنده ذلك لما قال ) يا أسفى على يوسف ( ومعنى المناداة للأسف طلب حضوره كأنه قال تعال يا أسفي وأقبل إلى ) وابيضت عيناه من الحزن ( أي انقلب سواد عينيه بياضا من كثرة البكاء قيل إنه زال إدراكه بحاسة البصر بالمرة وقيل كان يدرك إدراكا ضعيفا وقد قيل في توجيه ما وقع من يعقوب عليه السلام من هذا الحزن العظيم المفضي إلى ذهاب بصره كلا أو بعضا بأنه إنما وقع منه ذلك لأنه علم أن يوسف حي فخاف على دينه مع كونه بأرض مصر وأهلها حينئذ كفار وقيل إن مجرد الحزن ليس بمحرم وإنما المحرم ما يفضى منه إلى الوله وشق الثياب والتكلم بما لا ينبغي وقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند موت ولده إبراهيم تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ويؤيد هذا قوله ) فهو كظيم ( أي مكظوم فإن معناه أنه مملوء من الحزن ممسك له لا يبثه ومنه كظم الغيظ وهو إخفاؤه فالمكظوم المسدود عليه طريق حزنه من كظم السقاء إذا سده على ما فيه والكظم بفتح الظاء مخرج النفس يقال أخذ بأكظامه وقيل الكظيم بمعنى الكاظم أي المشتمل على حزنه الممسك له ومنه فإن أك كاظما لمصاب ناس
فإني اليوم منطلق لساني
ومنه ) والكاظمين الغيظ ( وقال الزجاج معنى ) كظيم ( محزون وروى عن ابن عباس أنه قال معناه مغموم مكروب قال بعض أهل اللغة الحزن بالضم والسكون البكاء وبفتحتين ضد الفرح وقال أكثر أهل اللغة هما لغتان بمعنى
يوسف : ( 85 ) قالوا تالله تفتأ . . . . .
) قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ( أي لا تفتؤ فحذف حرف النفي لعدم اللبس قال الكسائي فتأت وفتئت أفعل كذا أي ما زلت وقال الفراء إن لا مضمرة اي لا تفتأ قال النحاس والذي قال صحيح وقد روى عن الخليل وسيبويه مثل قول الفراء وأنشد الفراء محتجا على ما قاله فقلت يمين الله أبرح قاعدا
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
ويقال فتئ وفتأ لغتان ومنه قول الشاعر فما فتئت حتى كأن غبارها
سرادق يوم ذي رياح ترفع
) حتى تكون حرضا ( الحرض مصدر يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث والصفة المشبهة حرض


"""""" صفحة رقم 49 """"""
بكسر الراء كدنف ودنف وأصل الحرض الفساد في الجسم أو العقل من الحزن أو العشق أو الهرم حكى ذلك عن أبي عبيدة وغيره ومنه قول الشاعر سرى همي فأمرضني
وقد ما زادني مرضا
كذاك الحب قبل اليو
م مما يورث الحرضا
وقيل الحرض ما دون الموت وقيل الهرم وقيل الحارض البالي الدائر وقال الفراء الحارض الفاسد الجسم والعقل وكذا الحرض وقال مؤرج هو الذائب من الهم ويدل عليه قول الشاعر إني امرؤ لج بي حب فأحرضني
حتى بليت وحتى شفني السقم
ويقال رجل محرض ومنه قول الشاعر طلبته الخيل يوما كاملا
ولو ألفته لأضحى محرضا
قال النحاس وحكى أهل اللغة أحرضه الهم إذا أسقمه ورجل حارض أي أحمق وقال الأخفش الحارض الذاهب وقال ابن الأنباري هو الهالك والأولى تفسير الحرض هنا بغير الموت والهلاك من هذه المعاني المذكورة حتى يكون لقوله ) أو تكون من الهالكين ( معنى غير معنى الحرض فالتأسيس أولى من التأكيد ومعنى ) من الهالكين ( من الميتين وغرضهم منع يعقوب من البكاء والحزن شفقة عليه وإن كانوا هم سبب أحزانه ومنشأ همومه وغمومه
يوسف : ( 86 ) قال إنما أشكو . . . . .
) قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ( هذه الجملة مستأنفة كأنه قيل فما قال يعقوب لما قالوا له ما قالوا والبث ما يرد على الإنسان من الأشياء التى يعظم الحزن صاحبها بها حتى لا يقدر على إخفائها كذا قال أهل اللغة وهو مأخوذ من بثثته أي فرقته فسميت المصيبة بثا مجازا قال ذو الرمة وقفت على ربع لمية يا فتى
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه
تكلمني أحجاره وملاعبه
وقد ذكر المفسرون أن الإنسان إذا قدر على كتم ما نزل به من المصائب كان ذلك حزنا وإن لم يقدر على كتمه كان ذلك بثا فالبث على هذا أعظم الحزن وأصعبه وقيل البث الهم وقيل هو الحاجة وعلى هذا القول يكون عطف الحزن على البث واضح المعنى وأما على تفسير البث بالحزن العظيم فكأنه قال إنما أشكو حزني العظيم وما دونه من الحزن إلى الله لا إلى غيره من الناس وقد قرئ ? حزنى ? بضم الحاء وسكون الزاي ) وحزني ( بفتحهما ) وأعلم من الله ما لا تعلمون ( أي أعلم من لطفه وإحسانه وثوابه على المصيبة ما لا تعلمونه أنتم وقيل أراد علمه بأن يوسف حي وقيل أراد علمه بأن رؤياه صادقة وقيل أعلم من إجابة المضطرين إلى الله ما لا تعلمون
يوسف : ( 87 ) يا بني اذهبوا . . . . .
) يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ( التحسس بمهملات طلب الشيء بالحواس مأخوذ من الحس أو من الإحساس أي اذهبوا فتعرفوا خبر يوسف وأخيه وتطلبوه وقرئ بالجيم وهو أيضا التطلب ) ولا تيأسوا من روح الله ( أي لا تقنطوا من فرجه وتنفيسه قال الأصمعي الروح ما يجده الإنسان من نسيم الهواء فيسكن إليه والتركيب يدل على الحركة والهزة فكل ما يهتز الإنسان بوجوده ويلتذ به فهو روح وحكى الواحدي عن الأصمعي أيضا أنه قال الروح الاستراحة من غم القلب وقال أبو عمرو الروح الفرج وقيل الرحمة ) إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ( لكونهم لا يعلمون بقدرة الله سبحانه وعظيم صنعه


"""""" صفحة رقم 50 """"""
وخفي ألطافه
يوسف : ( 88 ) فلما دخلوا عليه . . . . .
قوله ) فلما دخلوا عليه ( أي على يوسف وفي الكلام حذف والتقدير فذهبوا كما أمرهم أبوهم إلى مصر ليتحسسوا من يوسف وأخيه فلما دخلوا على يوسف ) قالوا يا أيها العزيز ( أي الملك الممتنع القادر ) مسنا وأهلنا الضر ( أي الجوع والحاجة وفيه دليل على أنه تجوز الشكوى عند الضرورة إذا خاف من إصابته على نفسه كما يجوز للعليل أن يشكو إلى الطبيب ما يجده من العلة وهذه المرة التى دخلوا فيها مصر هى المرة الثالثة كما يفيده ما تقدم من سياق الكتاب العزيز ) وجئنا ببضاعة مزجاة ( البضاعة هى القطعة من المال يقصد بها شراء شيء يقال أبضعت الشيء واستبضعته إذا جعلته بضاعة وفي المثل كمستبضع التمر إلى هجر
والإزجاء السوق بدفع قال الواحدي الإزجاء في اللغة السوق والدفع قليلا قليلا ومنه قوله تعالى ) ألم تر أن الله يزجي سحابا ( والمعنى أنها بضاعة تدفع ولا يقبلها التجار قال ثعلب البضاعة المزجاة الناقصة غير التامة قال أبو عبيدة إنما قيل للدراهم الرديئة مزجاة لأنها مردودة مدفوعة غير مقبولة
واختلف في هذه البضاعة ما هى فقيل كانت قديدا وحيسا وقيل صوف وسمن وقيل الحبة الخضراء والصنوبر وقيل دراهم رديئة وقيل النعال والأدم ثم طلبوا منه بعد أن أخبروه بالبضاعة التى معهم أن يوفى لهم الكيل أي يجعله تاما لا نقص فيه وطلبوا منه أن يتصدق عليهم إما بزيادة يزيدها لهم على ما يقابل بضاعتهم أو بالإغماض عن رداءة البضاعة التى جاءوا بها وأن يجعلها كالبضاعة الجيدة في إيفاء الكيل لهم بها وبهذا قال أكثر المفسرين وقد قيل كيف يطلبون التصدق عليهم وهم أنبياء والصدقة محرمة على الأنبياء وأجيب باختصاص ذلك بنبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن الله يجزي المتصدقين ( بما يجعله لهم من الثواب الأخروي أو التوسيع عليهم في الدنيا
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ( قال يوسف وأخيه وروبيل وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال ) يوسف وأخيه ( وكبيرهم الذى تخلف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ) يا أسفى على يوسف ( قال يا حزنا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن قتادة مثله وأخرجوا عن مجاهد قال يا جزعا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فهو كظيم ( قال حزين وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال كظم على الحزن فلم يقل إلا خيرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال كظيم مكروب وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال الكظيم الكمد وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن الجرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) تالله تفتأ تذكر يوسف ( قال لا تزال تذكر يوسف ) حتى تكون حرضا ( قال دنفا من المرض ) أو تكون من الهالكين ( قال الميتين وأخرج هؤلاء عن مجاهد نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) تفتأ تذكر يوسف ( قال لا تزال تذكر يوسف ) حتى تكون حرضا ( قال هرما ) أو تكون من الهالكين ( قال أو تموت وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك ) حتى تكون حرضا ( قال الحرض البالي ) أو تكون من الهالكين ( قال من الميتين وأخرج ابن جرير وعبد الرزاق عن مسلم بن يسار يرفعه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من بث لم يصبر ثم قرأ ) إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ( وأخرج ابن منده في المعرفة عن مسلم بن يسار عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج ابن


"""""" صفحة رقم 51 """"""
مردويه من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا مثله وأخرجه ابن المنذر وابن مردويه عن عبد الرحمن بن يعمر مرفوعا مرسلا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إنما أشكو بثي ( قال همى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وأعلم من الله ما لا تعلمون ( قال أعلم أن رؤيا يوسف صادقة وأنى سأسجد له وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله ) ولا تيأسوا من روح الله ( قال من رحمة الله وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد قال من فرج الله يفرج عنكم الغم الذى أنتم فيه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) مسنا وأهلنا الضر ( قال أي الضر في المعيشة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ببضاعة ( قال دراهم ) مزجاة ( قال كاسدة وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال مزجاة رثة المتاع خلقة الحبل والغرارة والشيء وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا مزجاة قال الورق الزيوف التى لا تنفق حتى يوضع منها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جرير في قوله ) وتصدق علينا ( قال اردد علينا أخانا
سورة يوسف الآية ( 89 98 )
يوسف : ( 89 ) قال هل علمتم . . . . .
الاستفهام في قوله ) هل علمتم ( للتوبيخ والتقريع وقد كانوا عالمين بذلك ولكنه أراد ما ذكرناه ويستفاد منه تعظيم الواقعة لكونه في قوة ما أعظم الأمر الذى ارتكبتم من يوسف وأخيه وما أقبح ما أقدمتم عليه كما يقال للمذنب هل تدري من عصيت والذى فعلوا بيوسف هو ما تقدم مما قصه الله سبحانه علينا في هذه السورة وأما ما فعلوا بأخيه فقال جماعة من المفسرين هو ما أدخلوه عليه من الغم بفراق أخيه يوسف وما كان يناله منهم من الاحتقار والإهانة ولم يستفهمهم عما فعلوا بأبيهم يعقوب مع أنه قد نالهم منهم ما قصه الله فيما سبق من صنوف الأذى قال الواحدي ولم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغم بفراقه تعظيما له ورفعا من قدره


"""""" صفحة رقم 52 """"""
وعلما بأن ذلك كان بلاء له من الله عز وجل ليزيد في درجته عنده ) إذ أنتم جاهلون ( نفى عنهم العلم وأثبت لهم صفة الجهل لأنهم لم يعملوا بما يقتضيه العلم وقيل إنه أثبت لهم صفة الجهل لقصد الاعتذار عنهم وتخفيف الأمر عليهم فكأنه قال إنما أقدمتم على ذلك الفعل القبيح المنكر وقت عدم علمكم بما فيه من الإثم وقصور معارفكم عن عاقبته وما يترتب عليه أو أراد أنهم عند ذلك في أوان الصبا وزمان الصغر اعتذارا لهم ودفعا لما يدهمهم من الخجل والحيرة مع علمه وعلمهم بأنهم كانوا في ذلك الوقت كبارا
يوسف : ( 90 ) قالوا أئنك لأنت . . . . .
) قالوا أئنك لأنت يوسف ( قرأ ابن كثير ) إنك ( على الخبر بدون استفهام وقرأ الباقون على الاستفهام التقريري وكان ذلك منهم على طريق التعجب والاستغراب قيل سبب معرفتهم له بمجرد قوله لهم ) ما فعلتم بيوسف وأخيه ( أنهم لما قال لهم ذلك تنبهوا وفهموا أنه لا يخاطبهم بمثل هذا إلا هو وقيل إنه لما قال لهم بهذه المقالة وضع التاج عن رأسه فعرفوه وقيل إنه تبسم فعرفوا ثناياه ) قال أنا يوسف وهذا أخي ( أجابهم بالاعتراف بما سألوه عنه قال ابن الأنباري أظهر الاسم فقال أنا يوسف ولم يقل أنا هو تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته كأنه قال أنا المظلوم المستحل منه المحرم المراد قتله فاكتفى باظهار الإسم عن هذه المعاني وقال ) وهذا أخي ( مع كونهم يعرفونه ولا ينكرونه لأن قصده وهذا أخي المظلوم كظلمي ) قد من الله علينا ( بالخلاص عما ابتلينا به وقيل من الله علينا بكل خير في الدنيا والآخرة وقيل بالجمع بيننا بعد التفرق ولا مانع من إرادة جميع ذلك ) إنه من يتق ويصبر ( قرأ الجمهور بالجزم على أن من شرطيه وقرأ ابن كثير بإثبات الياء في يتقي كما في قول الشاعر ألم يأتيك والأنباء تنمى
بما لاقت لبون بنى زياد
وقيل إنه جعل من موصولة لا شرطية وهو بعيد والمعنى إنه من يفعل التقوى أو يفعل ما يقيه عن الذنوب ويصبر على المصائب ) فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ( على العموم فيدخل فيه ما يفيده السياق دخولا أوليا وجاء بالظاهر وكان المقام مقام المضمر أي أجرهم للدلالة على أن الموصوفين بالتقوى موصوفون بصفة الإحسان
يوسف : ( 91 ) قالوا تالله لقد . . . . .
) قالوا تالله لقد آثرك الله علينا ( أي لقد اختارك وفضلك علينا بما خصك به من صفات الكمال وهذا اعتراف منهم بفضله وعظيم قدره ولا يلزم من ذلك أن لا يكونوا أنبياء فإن درج الأنبياء متفاوتة قال الله تعالى ) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ( ) وإن كنا لخاطئين ( أي وإن الشأن ذلك قال أبو عبيدة خطئ وأخطأ بمعنى واحد وقال الأزهري المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره ومنه قولهم المجتهد يخطئ ويصيب والخاطئ من تعمد ما لا ينبغي قالوا هذه المقالة المتضمنة للاعتراف بالخطأ والذنب استجلابا لعفوه واستجذابا لصفحه
يوسف : ( 92 ) قال لا تثريب . . . . .
) قال لا تثريب عليكم ( التثريب التعيير والتوبيخ أي لا تعيير ولا توبيخ ولا لوم عليكم قال الأصمعي ثربت عليه قبحت عليه فعله وقال الزجاج المعنى لا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحق الأخوة ولكم عندي الصلح والعفو وأصل التثريب الإفساد وهى لغة أهل الحجاز وقال ابن الأنباري معناه قد انقطع عنكم توبيخي عند اعترافكم بالذنب قال ثعلب ثرب فلان على فلان إذا عدد عليه ذنوبه وأصل التثريب من الثرب وهو الشحم الذى هو غاشية الكرش ومعناه إزالة التثريب كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع وانتصاب اليوم بالتثريب أي لا أثرب عليكم أو منتصب بالعامل المقدر في عليكم وهو مستقر أو ثابت أو نحوهما أي لا تثريب مستقر أو ثابت عليكم وقد جوز الأخفش الوقف على عليكم فيكون اليوم متعلق بالفعل الذى بعده وقد ذكر مثل هذا ابن الأنباري ثم دعا لهم بقوله ) يغفر الله لكم ( على تقدير الوقف على اليوم


"""""" صفحة رقم 53 """"""
أو أخبرهم بأن الله قد غفر لهم ذلك اليوم على تقدير الوقف على عليكم ) وهو أرحم الراحمين ( يرحم عباده رحمة لا يتراحمون بها فيما بينهم فيجازى محسنهم ويغفر لمسيئهم
يوسف : ( 93 ) اذهبوا بقميصي هذا . . . . .
قوله ) اذهبوا بقميصي هذا ( قيل هذا القميص هو القميص الذى ألبسه الله إبراهيم لما ألقى في النار وكساه إبراهيم إسحاق وكساه إسحاق يعقوب وكان يعقوب أدرج هذا القميص في قضيبه وعلقه في عنق يوسف لما كان يخاف عليه من العين فأخبر جبريل يوسف أن يرسل به إلى يعقوب ليعود عليه بصره لأن فيه ريح الجنة وريح الجنة لا يقع على سقيم إلا شفي ولا مبتلي إلا عوفي ) فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ( أي يصر بصيرا على أن ) يأت ( هى التى من أخوات كان قال الفراء يرجع بصيرا وقال السدي يعد بصيرا وقيل معناه يأت إلي إلى مصر وهو بصير قد ذهب عنه العمى ويؤيده قوله ) وأتوني بأهلكم أجمعين ( أي جميع من شمله لفظ الأهل من النساء والذرارى قيل كانوا نحو سبعين وقيل ثلاثة وتسعين
يوسف : ( 94 ) ولما فصلت العير . . . . .
) ولما فصلت العير ( أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام يقال فصل فصولا وفصلته فصلا لازم ومتعد ويقال فصل من البلد فصولا إذا انفصل عنه وجاوز حيطانه ) قال أبوهم ( أي يعقوب لمن عنده في أرض كنعان من أهله ) إني لأجد ريح يوسف ( قيل إنها هاجت ريح فحملت ريح القميص إلى يعقوب مع طول المسافة فأخبرهم بما وجد ثم قال ) لولا أن تفندون ( لولا أن تنسبوني إلى الفند وهو ذهاب العقل من الهرم يقال أفند الرجل إذا خرف وتغير عقله وقال أبو عبيدة لولا أن تسفهون فجعل الفند السفه وقال الزجاج لولا أن تجهلون فجعل الفند الجهل ويؤيد قول من قال إنه السفه قول النابغة إلا سليمان إذ قال المليك له
قم في البرية فاحددها عن الفند
أي امنعها عن السفه وقال أبو عمرو الشيباني التفنيد التقبيح ومنه قول الشاعر يا صاحبي دعا لومي وتفنيد
فليس ما فات من أمري بمردود
وقيل هو الكذب ومنه قول الشاعر هل في افتخار الكريم من أود
أم هل لقول الصديق من فند
وقال ابن الأعرابي ) لولا أن تفندون ( لولا أن تضعفوا رأيى وروى مثله عن أبي عبيدة وقال الأخفش التفنيد اللوم وضعف الرأي وكل هذه المعاني راجع إلى التعجيز وتضعيف الرأي يقال فنده تفنيدا إذا عجزه وأفند إذا تكلم بالخطأ والفند الخطأ من الكلام ومما يدل على إطلاقه على اللوم قول الشاعر يا عاذلي دعا الملام وأقصرا
طال الهوى وأطلتما التفنيدا
أخبرهم يعقوب بأن الصبا قد حملت إليه ريح حبيبه وأنه لولا ما يخشاه من التفنيد لما شك في ذلك فإن الصبا ريح إذا ما تنفست
على نفس مهموم تجلت همومها
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني
نسيم الصبا من حيث ما يطلع الفجر
ولقد تهب لي الصبا من أرضها
فيلذ مس هبوبها ويطيب
يوسف : ( 95 ) قالوا تالله إنك . . . . .
) قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم ( أي قال الحاضرون عنده من أهله إنك يا يعقوب لفي ذهابك عن طريق الصواب الذى كنت عليه قديما من إفراط حبك ليوسف لا تنساه ولا تفتر عنه ولسان حال يعقوب يقول لهم لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها


"""""" صفحة رقم 54 """"""
لا تعذل المشتاق في أشواقه
حتى تكون حشاك في أحشائه
وقيل المعنى إنك لفي جنونك القديم وقيل في محبتك القديمة قالوا له ذلك لأنه لم يكن قد بلغهم قدوم البشير
يوسف : ( 96 ) فلما أن جاء . . . . .
) فلما أن جاء البشير ( قال المفسرون البشير هو يهوذا بن يعقوب قال لإخوته أنا جئته بالقميص ملطخا بالدم فأعطني اليوم قميصك لأخبره أنك حي فأفرحه كما أحزنته ) ألقاه على وجهه ( أي ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب أو ألقاه يعقوب على وجه نفسه ) فارتد بصيرا ( الارتداد انقلاب الشيء إلى حال قد كان عليها والمعنى عاد ورجع إلى حالته الأولى من صحة بصره ) قال ألم أقل لكم ( أي قال يعقوب لمن كان عنده من أهله الذين قال لهم ) إني لأجد ريح يوسف ( ألم أقل لكم هذا القول فقلتم ما قلتم ويكون قوله ) إني أعلم من الله ما لا تعلمون ( كلاما مبتدأ لا يتعلق بالقول ويجوز أن تكون جملة ) إني أعلم من الله ما لا تعلمون ( مقول القول ويريد بذلك إخبارهم بما قاله لهم سابقا ) إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون )
يوسف : ( 97 ) قالوا يا أبانا . . . . .
) قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ( طلبوا منه أن يستغفر لهم واعترفوا بالذنب وفي الكلام حذف والتقدير ولما رجعوا من مصر ووصلوا إلى أبيهم قالوا هذا القول
يوسف : ( 98 ) قال سوف أستغفر . . . . .
فوعدهم بما طلبوه منه و ) قال سوف أستغفر لكم ربي ( قال الزجاج أراد يعقوب أن يستغفر لهم في وقت السحر لأنه أخلق بإجابة الدعاء لا أنه بخل عليهم بالاستغفار وقيل أخره إلى ليلة الجمعة وقيل أخره إلى أن يستحل لهم من يوسف ولم يعلم أنه قد عفا عنهم وجملة ) إنه هو الغفور الرحيم ( تعليل لما قبله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله ) لا تثريب ( قال لا تعيير وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال لما فتح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مكة التفت إلى الناس فقال ماذا تقولون وماذا تظنون فقالوا ابن عم كريم فقال ) لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء الخراساني قال طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ ألم تر إلى قول يوسف ) لا تثريب عليكم اليوم ( وقال يعقوب ) سوف أستغفر لكم ربي (
أقول وفي هذا الكلام نظر فإنهم طلبوا من يوسف أن يعفو عنهم بقولهم ) لقد آثرك الله علينا ( فقال ) لا تثريب عليكم اليوم ( لأن مقصودهم صدور العفو منه عنهم وطلبوا من أبيهم يعقوب أن يستغفر الله لهم وهو لا يكون إلا بطلب ذلك منه إلى الله عز وجل وبين المقامين فرق فلم يكن وعد يعقوب لهم بخلا عليهم بسؤال الله لهم ولا سيما إذا صح ما تقدم من أنه أخر ذلك إلى وقت الإجابة فإنه لو طلبه لهم في الحال لم يحصل له علم بالقبول
وأخرج الحكيم الترمذي وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال لما كان من أمر إخوة يوسف ما كان كتب يعقوب إلى يوسف وهو لا يعلم أنه يوسف بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إلى عزيز آل فرعون سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو أما بعد فإنا إهل بيت مولع بنا أسباب البلاء كان جدي إبراهيم خليل الله ألقى في النار في طاعة ربه فجعلها الله عليه بردا وسلاما وأمر الله جدي أن يذبح له أبي ففداه الله بما فداه وكان لي ابن وكان من أحب الناس إلي ففقدته فأذهب حزني عليه نور بصري وكان له أخ من أمه كنت إذا ذكرته ضممته إلى صدري فإذهب عني بعض وجدى وهو المحبوس عندك في السرقة وإني أخبرك أني لم أسرق ولم ألد سارقا فلما قرأ يوسف الكتاب بكى وصاح وقال ) اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ( وأخرج أبو الشيخ عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال في قوله ) اذهبوا بقميصي هذا (


"""""" صفحة رقم 55 """"""
أن نمروذ لما ألقى إبراهيم في النار نزل إليه جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يتحدث فأوحى الله إلى النار ) كوني بردا وسلاما ( ولولا أنه قال ) وسلاما ( لأذاه البرد وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس مرفوعا
إن الله كسا إبراهيم ثوبا من الجنة فكساه إبراهيم إسحاق وكساه إسحاق يعقوب فأخذه يعقوب فجعله في قصبة من حديد وعلقه في عنق يوسف ولو علم إخوته إذ ألقوه في الجب لأخذوه فلما أراد الله أن يرد يوسف على يعقوب كان بين رؤياه وتعبيره أربعون سنة أمر البشير أن يبشره من ثمان مراحل فوجد يعقوب ريحه فقال ) إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ( فلما ألقاه على وجهه ارتد بصيرا وليس يقع شيء من الجنة على عاهة من عاهات الدنيا إلا أبرأها بإذن الله وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) ولما فصلت العير ( قال لما خرجت العير هاجت الريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال ) إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ( تسفهون فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال وجد ريحه من مسيرة عشرة أيام وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عنه قال وجده من مسيرة ثمانين فرسخا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضا ) لولا أن تفندون ( قال تجهلون وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال تكذبون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال تهرمون يقولون قد ذهب عقلك وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الربيع قال لولا أن تحمقون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) إنك لفي ضلالك القديم ( يقول خطئك القديم وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير قال جنونك القديم وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال حبك القدبي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال البشير البريد وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الضحاك مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان قال البشير هو يهوذا بن يعقوب وأخرج ابن أبي حاتم الحسن قال لما أن جاء البشير إلى يعقوب فألقى عليه القميص قال على أي دين خلفت يوسف قال على الإسلام قال الآن تمت النعمة وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله ) سوف أستغفر لكم ربي ( قال إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال أخرهم إلى السحر وكان يصلي بالسحر وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عنه قال أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضا قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قصه هو قول أخي يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي يقول حتى تأتي ليلة الجمعة


"""""" صفحة رقم 56 """"""
سورة يوسف الآية ( 99 101 )
يوسف : ( 99 ) فلما دخلوا على . . . . .
قوله ) فلما دخلوا على يوسف ( لعل في الكلام محذوفا مقدرا وهو فرحل يعقوب وأولاده وأهله إلى مصر فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه أي ضمهما وأنزلهما عنده قال المفسرون المراد بالأبوين هنا يعقوب وزوجته خالة يوسف لأن أمه قد كانت ماتت في ولادتها لأخيه بنيامين كما تقدم وقيل أحيا الله له أمه تحقيقا للرؤيا حتى سجدت له ) وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ( مما تكرهون وقد كانوا فيما مضى يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها إلا بجواز منهم قيل والتقييد بالمشيئة عائد إلى الأمن ولا مانع من عوده إلى الجميع لأن دخولهم لا يكون إلا بمشيئة الله سبحانه كما أنهم لا يكونون آمنين إلا بمشيئته وقيل إن التقييد بالمشيئة راجع إلى قوله ) سوف أستغفر لكم ربي ( وهو بعيد وظاهر النظم القرآني أن يوسف قال لهم هذه المقالة أي ادخلوا مصر قبل دخولهم وقد قيل في توجيه ذلك أنه تلقاهم إلى خارج مصر فوقف منتظرا لهم في مكان أو خيمة فدخلوا عليه ف ) آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر ( فلما دخلوا مصر ودخلوا عليه دخولا أخر في المكان الذى له بمصر
يوسف : ( 100 ) ورفع أبويه على . . . . .
) ورفع أبويه على العرش ( أي أجلسهما معه على السرير الذى يجلس عليه كما هو عادة الملوك ) وخروا له سجدا ( أي الأبوان والأخوة والمعنى أنهم خروا ليوسف سجدا وكان ذلك جائزا في شريعتهم منزلا منزلة التحية وقيل لم يكن ذلك سجودا بل هو مجرد إيماء وكانت تلك تحيتهم وهو يخالف معنى ) وخروا له سجدا ( فإن الخرور في اللغة المقيد بالسجود لا يكون إلا بوضع الوجه على الأرض وقيل الضمير في قوله ) له ( راجع إلى الله سبحانه أي وخروا لله سجدا وهو بعيد جدا وقيل إن الضمير ليوسف واللام للتعليل أي وخروا لأجله وفيه أيضا بعد وقال يوسف ) يا أبت هذا تأويل رؤياي ( يعنى التى تقدم ذكرها ) من قبل ( أي من قبل هذا الوقت ) قد جعلها ربي حقا ( بوقوع تأويلها على ما دلت عليه ) وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ( الأصل أن يتعدى فعل الإحسان بإلى وقد يتعدى بالباء كما في قوله تعالى ) وبالوالدين إحسانا ( وقيل إنه ضمن أحسن معنى لطف أي لطف بي محسنا ولم يذكر إخراجه من الجب لأن في ذكره نوع تثريب للإخوة وقد قال ) لا تثريب عليكم ( وقد تقدم سبب سجنه ومدة بقائه فيه وقد قيل إن وجه عدم ذكر إخراجه من الجب أن المنة كانت في إخراجه من السجن أكبر من المنة في إخراجه من الجب وفيه نظر ) وجاء بكم من البدو ( أي البادية وهى أرض كنعان بالشام وكانوا أهل مواش وبرية وقيل إن الله لم يبعث نبيا من البادية وأن المكان الذى كان فيه يعقوب يقال له بدا وإياه عنى جميل بقوله وأنت الذى حببت شعبا إلى بدا
إلي وأوطاني بلاد سواهما
وفيه نظر ) من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ( أي أفسد بيننا وحمل بعضنا على بعض يقال نزغه إذا نخسه فأصله من نخس الدابة ليقوى مشيها وأحال يوسف ذنب إخوته على الشيطان تكرما منه وتأدبا ) إن ربي لطيف لما يشاء ( اللطيف الرفيق قال الأزهري اللطيف من أسماء الله تعالى معناه الرفيق بعباده يقال لطف فلان بفلان يلطف إذا رفق به وقال عمرو بن أبي عمرو اللطيف الذى يوصل إليك أربك في لطف قال الخطابي اللطيف هو البر بعباده الذى يلطف بهم من حيث لا يعلمون ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون


"""""" صفحة رقم 57 """"""
وقيل اللطيف العالم بدقائق الأمور ومعنى لما يشاء لأجل ما يشاء حتى يجيء على وجه الصواب ) إنه هو العليم الحكيم ( أى العليم بالأمور الحكيم فى أفعاله
يوسف : ( 101 ) رب قد آتيتني . . . . .
ولما أتم الله نعمته على يوسف عليه السلام بما خلصه منه من المحن العظيمة وبما خوله من الملك وعلمه من العلم تاقت نفسه إلى الخير الأخروي الدائم الذي لا ينقطع فقال ) رب قد آتيتني من الملك ( من للتبعيض أى بعض الملك لأنه لم يؤت كل الملك وإنما أوتي ملكا خاصا وهو ملك مصر فى زمن خاص ) وعلمتني من تأويل الأحاديث ( أى بعضها لأنه لم يؤت جميع علم التأويل سواء أريد به مطلق العلم والفهم أو مجرد تأويل الرؤيا وقيل من للجنس كما فى قوله ) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( وقيل زائدة أى آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث ) فاطر السماوات والأرض ( منتصب على أنه صفة لرب لكونه منادى مضافا ويجوز أن يكون انتصابه على أنه منادى بحرف مقدر أى يا فاطر والفاطر الخالق المنشء والمخترع والمبدع ) أنت وليي ( أى ناصري ومتولي أموري ) في الدنيا والآخرة ( تتوالاني فيهما ) توفني مسلما وألحقني بالصالحين ( أى توفني على الإسلام لا يفارقني حتى أموت وألحق بالصالحين من النبيين من آبائي وغيرهم فأظفر بثوابهم منك ودرجاتهم عندك قيل إنه لما دعا بهذا الدعاء توفاه الله عز وجل قيل كان عمره عند أن ألقى فى الجب سبع عشرة سنة وكان فى العبودية والسجن والملك ثمانين سنة إلى قدوم أبيه يعقوب عليه ثم عاش بعد اجتماع شملهم حتى كمل عمره المقدار الذى سيأتى وتوفاه الله قيل لم يتمن الموت أحد غير يوسف لا نبي ولا غيره وذهب الجمهور إلى أنه لم يتمن الموت بهذا الدعاء وإنما دعا ربه أن يتوفاه على الإسلام ويلحقه بالصالحين من عباده عند حضور أجله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال دخل يعقوب مصر فى ملك يوسف وهو ابن مائة وثلاثين سنة وعاش فى ملكه ثلاثين سنة ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة قال أبو هريرة وبلغني أنه كان عمر إبراهيم خليل الله مائة وخمسة وتسعين سنة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) آوى إليه أبويه ( قال أبوه وأمه ضمهما وأخرجا عن وهب قال أبوه وخالته وكانت توفيت أم يوسف فى نفاس أخيه بنيامين وأخرج أبو الشيخ نحوه عن سفيان بن عيينة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ورفع أبويه على العرش ( قال السرير وأخرج ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم فى قوله ) وخروا له سجدا ( قال كانت تحية من كان قبلكم فأعطاكم الله السلام مكانها وأخرج عبد الرزاق وابن جير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال ذلك سجود تشرفة كما سجدت الملائكة تشرفة لآدم وليس سجود عبادة وأخرج أبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) إن ربي لطيف لما يشاء ( قال لطيف ليوسف وصنع له حين أخرجه من السجن وجاء بأهله من البدو ونزع من قلبه نزغ الشيطان وتحريشه على إخوته وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ما سأل نبي الوفاة غير يوسف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه قال اشتاق إلى لقاء الله وأحب أن يلحق به وبآبائه فدعا الله أن يتوفاه وأن يلحقه بهم وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك فى قوله ) وألحقني بالصالحين ( قال يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال يعني أهل الجنة
سورة يوسف الاية ( 102 103 )


"""""" صفحة رقم 58 """"""
سورة يوسف الآية ( 104 108 )
يوسف : ( 102 ) ذلك من أنباء . . . . .
الخطاب بقوله ) ذلك ( لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو مبتدأ خبره ) من أنباء الغيب ( و ) نوحيه إليك ( خبر ثان قال الزجاج ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذى ونوحيه إليك خبره أى الذى من أنباء الغيب نوحيه إليك والمعنى الإخبار من الله تعالى لرسوله صلى الل عليه وآله وسلم بأن هذا الذى قصه عليه من أمر يوسف وإخوته من الأخبار التى كانت غائبة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأوحاه الله إليه وأعلمه به ولم يكن عنده قبل الوحي شئ من ذلك وفيه تعريض بكفار قريش لأنهم كانوا مكذبين له ( صلى الله عليه وسلم ) بما جاء به جحودا وعنادا وحسدا مع كونهم يعلمون حقيقة الحال ) وما كنت لديهم ( أى لدى إخوة يوسف ) إذ أجمعوا أمرهم ( إجماع الأمر العزم عليه أى وما كانت لدى إخوة يوسف إذ عزموا جميعا على إلقائه فى الجب ) وهم ( فى تلك الحالة ) يمكرون ( به أى بيوسف فى هذا الفعل الذى فعلوه به ويبغونه الغوائل وقيل الضمير ليعقوب أى يمكرون بيعقوب حين جاءوه بقميص يوسف ملطخا بالدم وقالوا أكله الذئب وإذا لم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لديهم عند أن فعلوا ذلك انتفى علمه بذلك مشاهدة ولم يكن بين قوم لهم علم بأحوال الأمم السالفة ولا خالطهم ولا خالطوه فانتفى علمه بذلك بطريق الرواية عن الغير فلم يبق لعلمه بذلك طريق إلا مجرد الوحي من الله سبحانه فهذا يستلزم الإيمان بما جاء به
يوسف : ( 103 ) وما أكثر الناس . . . . .
فلما لم يؤمن بذلك من عاصره من الكفار قال الله سبحانه ذاكرا لهذا ) وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ( أى وما أكثر الناس المعاصرين لك يا محمد أو ما أكثر الناس على العموم ولو حرصت على هدايتهم وبالغت فى ذلك بمؤمنين بالله لتصميمهم على الكفر الذى هو دين آبائهم يقال حرص يحرص مثل ضرب يضرب وفى لغة ضعيفة حرص يحرص مثل حمد يحمد والحرص طلب الشئ باجتهاد قال الزجاج ومعناه وما أكثر الناس بمؤمنين ولو حرصت على أن تهديهم لأنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء قال ابن الأنباري إن قريشا واليهود سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قصة يوسف وإخوته فشرحهما شرحا شافيا وهو يؤمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم فخالفوا ظنه وحزن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لذلك فعزاه الله بقوله ) وما أكثر الناس ( الآية
يوسف : ( 104 ) وما تسألهم عليه . . . . .
) وما تسألهم عليه من أجر ( أى على القرآن وما تتلوه عليهم منه أو على الإيمان وحرصك على وقوعه منهم أو على ما تحدثهم به من هذا الحديث من أجر من مال يعطونك إياه ويجعلونه لك كما يفعله أحبارهم ) إن هو ( أى القرآن أو الحديث الذى حدثتهم به ) إلا ذكر للعالمين ( أى ما هو إلا ذكر للعالمين كافة لا يختص بهم وحدهم
يوسف : ( 105 ) وكأين من آية . . . . .
) وكأين من آية في السماوات والأرض ( قال الخليل وسيبويه والأكثرون أن كأين أصلها أى دخل عليها كاف التشبيه لكنه انمحى عن الحرفين المعنى الإفرادي وصار المجموع كاسم واحد بمعنى كم الخبرية والأكثر إدخال من فى مميزه وهو تمييز عن الكاف لا عن أى كما فى مثلك رجلا وقد مر الكلام على هذا المستوفى فى آل عمران والمعنى كم من آية تدلهم على توحيد الله كائنة في السموات من كونها منصوبة بغير عمد مزينة بالكواكب النيرة السيارة والثوابت وفى الأرض


"""""" صفحة رقم 59 """"""
من جبالها وقفارها وبحارها ونباتها وحيواناتها تدلهم على توحيد الله سبحانه وأنه الخالق لذلك الرزاق له المحيى والمميت ولكن أكثر الناس يمرون على هذه الآيات غير متأملين لها ولا مفكرين فيها ولا ملتفتين إلى ما تدل عليه من وجود خالقها وأنه المتفرد بالألوهية مع كونهم مشاهدين لها ) يمرون عليها وهم عنها معرضون ( وإن نظروا إليها بأعيانهم فقد أعرضوا عما هو الثمرة للنظر بالحدقة وهى التفكر والاعتبار والاستدلال وقرأ عكرمة وعمرو بن فايد برفع الأرض على أنه مبتدأ وخبره يمرون عليها وقرأ السدي بنصب الأرض بتقدير فعل وقرأ ابن مسعود ? يمشون عليها ?
يوسف : ( 106 ) وما يؤمن أكثرهم . . . . .
) وما يؤمن أكثرهم بالله ( أى وما يصدق ويقر أكثر الناس بالله من كونه الخالق الرزاق المحيى المميت ) إلا وهم مشركون ( بالله يعبدون معه غيره كما كانت تفعله الجاهلية فإنهم مقرون بالله سبحانه وبأنه الخالق لهم ) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ( ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( لكنهم كانوا يثبتون له شركاء فيعبدونهم ليقربوهم إلى الله ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله ( ومثل هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله المعتقدون فى الأموات بأنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه كما يفعله كثير من عباد القبور ولا ينافي هذا ما قيل من أن الآية نزلت فى قوم مخصوصين فالاعتبار بما يدل عليه اللفظ لا بما يفيده السبب من الاختصاص ممن كان سببا لنزول الحكم
يوسف : ( 107 ) أفأمنوا أن تأتيهم . . . . .
) أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ( الاستفهام للإنكار والغاشية ما يغشاهم ويغمرهم من العذاب كقوله تعالى ) يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( وقيل هى الساعة وقيل الصواعق والقوارع ولا مانع من الحمل على العموم ) أو تأتيهم الساعة بغتة ( أى فجأة وانتصاب بغتة على الحال قال المبرد جاء عن العرب حال بعد نكرة وهو قولهم وقع أمر بغتة يقال بغتهم الأمر بغتا وبغتة إذا فاجأهم ) وهم لا يشعرون ( بإتيانه ويجوز انتصاب بغتة على أنها صفة مصدر محذوف
يوسف : ( 108 ) قل هذه سبيلي . . . . .
) قل هذه سبيلي ( أى قل يا محمد للمشركين هذه الدعوة التى أدعو إليها والطريقة التى أنا عليها سبيلي أى طريقتي وسنتي فاسم الإشارة مبتدأ وخبره سبيلي وفسر ذلك بقوله ) أدعو إلى الله على بصيرة ( أى على حجة واضحة والبصيرة المعرفة التى يتميز بها الحق من الباطل والجملة فى محل نصب على الحال ) أنا ومن اتبعني ( أى ويدعو إليها من اتبعني واهتدى بهديي قال الفراء والمعنى ومن اتبعني يدعو إلى الله كما أدعو وفى هذا دليل على أن كل متبع لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حق عليه أن يقتدى به فى الدعاء إلى الله أى الدعاء إلى الإيمان به وتوحيده والعمل بما شرعه لعباده ) وسبحان الله وما أنا من المشركين ( أى وقل يا محمد لهم سبحان الله وما أنا من المشركين بالله الذين يتخذون من دونه أندادا قال ابن الأنباري ويجوز أن يتم الكلام عند قوله ) أدعو إلى الله ( ثم ابتدأ فقال ) على بصيرة أنا ومن اتبعني )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ( قال هم بنو يعقوب إذ يمكرون بيوسف وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة فى الآية يقول وما كنت لديهم وهم يلقونه فى غيابة الجب وهم يمكرون بيوسف وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك ) وكأين من آية ( قال كم من آية فى السماء يعنى شمسها وقمرها ونجومها وسحابها وفى الأرض ما فيها من الخلق والأنهار والجبال والمدائن والقصور وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ( قال سلهم من خلقهم ومن خلق السموات والأرض فسيقولون الله فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء فى قوله ) وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ( قال كانوا يعلمون أن الله ربهم وهو خالقهم وهو رازقهم وكانوا


"""""" صفحة رقم 60 """"""
مع ذلك يشركون وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك فى الآية قال كانوا يشركون به فى تلبيتهم يقولون لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وأخرج أبو الشيخ عن الحسن فى الآية قال ذلك المنافق يعمل بالرياء وهو مشرك بعلمه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) غاشية من عذاب الله ( قال وقيعة تغشاهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) هذه سبيلي ( قل هذه دعوتي وأخرج أبو الشيخ عنه ) قل هذه سبيلي ( قال صلاتي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد فى الآية قال أمري ومشيئتي ومنهاجي وأخرجا عن قتادة فى قوله ) على بصيرة ( أى على هدى ) أنا ومن اتبعني )
سورة يوسف الآية ( 109 111 )
يوسف : ( 109 ) وما أرسلنا من . . . . .
قوله ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ( هذا رد على من قال لولا أنزل عليه ملك أى لم نبعث من الأنبياء إلى من قبلهم إلا رجالا لا ملائكة فكيف ينكرون إرسالنا إياك وتدل الآية على أن الله سبحانه لم يبعث نبيا من النساء ولا من الجن وهذا يرد على من قال إن فى النساء أربع نبيات حواء وآسية وأم موسى ومريم وقد كان بعثة الأنبياء من الرجال دون النساء أمرا معروفا عند العرب حتى قال قيس بن عاصم فى سجاح المتنبئة أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها
وأصبحت أنبياء الله ذكرانا
فلعنة الله والأقوام كلهم
على سجاح ومن باللوم أغرانا
) نوحي إليهم ( كما نوحي إليك ) من أهل القرى ( أى المدائن دون أهل البادية لغلبة الجفاء والقسوة على البدو ولكون أهل الأمصار أتم عقلا وأكمل حلما وأجل فضلا ) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( يعنى المشركين المنكرين لنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أى أفلم يسر المشركون هؤلاء فينظروا إلى مصارع الأمم الماضية فيعتبروا بهم حتى ينزعوا عما هم فيه من التكذيب ) ولدار الآخرة خير للذين اتقوا ( أى لدار الساعة الاخرة أو الحالة الآخرة على حذف الموصوف وقال الفراء إن الدار هى الآخرة وأضيف الشئ إلى نفسه لاختلاف اللفظ كيوم الجمعة وصلاة الأولى ومسجدا لجامع والكلام فى ذلك مبين فى كتب الإعراب والمراد بهذه الدار الجنة أى هى خير للمتقين من دار الدنيا وقرئ وللدار الآخرة وقرأ نافع وعاصم ويعقوب ) أفلا تعقلون ( بالتاء الفوقية على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية
يوسف : ( 110 ) حتى إذا استيأس . . . . .
) حتى إذا استيأس الرسل ( هذه الغاية لمحذوف دل عليه الكلام وتقديره وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالا ولم نعاجل أممهم الذين لم


"""""" صفحة رقم 61 """"""
يؤمنوا بما جاءوا به بالعقوبة ) حتى إذا استيأس الرسل ( من النصر بعقوبة قومهم أو حتى إذ استيأس الرسل من إيمان قومهم لانهماكهم في الكفر ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( قرأ ابن عباس وابن مسعود وأبوعبد الرحمن السلمى وأبو جعفر بن القعقاع والحسن وقتادة وأبو رجاء العطاردي وعاصم وحمزة والكسائي ويحيى بن وثاب والأعمش وخلف ) كذبوا ( بالتخفيف أى ظن القوم أن الرسل قد كذبوهم فيما أخبروا به من العذاب ولم يصدقوا وقيل المعنى ظن القوم أن الرسل قد كذبوا فيما ادعوا من نصرهم وقيل المعنى وظن الرسل أنها قد كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون عليهم أو كذبهم رجاؤهم للنصر وقرأ الباقون ) كذبوا ( بالتشديد والمعنى عليها واضح أى ظن الرسل بأن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العذاب ويجوز فى هذا أن يكون فاعل ظن القوم المرسل إليهم على معنى أنهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما جاءوا به من الوعد والوعيد وقرأ مجاهد وحميد ) قد كذبوا ( بفتح الكاف والذال مخففتين على معنى وظن قوم الرسل أن الرسل قد كذبوا وقد قيل إن الظن فى هذه الآية بمعنى اليقين لأن الرسل قد تيقنوا أن قومهم كذبوهم وليس ذلك مجرد ظن منهم والذى ينبغي أن يفسر الظن باليقين فى مثل هذه الصورة ويفسر بمعناه الأصلي فيما يحصل فيه مجرد ظن فقط من الصور السابقة ) جاءهم نصرنا ( أى فجاء الرسل نصر الله سبحانه فجأة أو جاء قوم الرسل الذين كذبوهم نصر الله لرسله بإيقاع العذاب على المكذبين ) فنجي من نشاء ( قرأ عاصم فنجى بنون واحدة وقرأ الباقون ? فننجى ? بنونين واختار أبو عبيدة القراءة الأولى لأنها في مصحف عثمان كذلك وقرأ ابن محيصن فنجا على البناء للفاعل فتكون من على القراءة الأولى فى محل رفع على أنها نائب الفاعل وتكون على القراءة الثانية فى محل نصب على أنها مفعول وعلى القراءة الثالثة فى محل رفع على أنها فاعل والذين نجاهم الله هم الرسل ومن آمن معهم وهلك المكذبون ) ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( عند نزوله بهم وفيه بيان من يشاء الله نجاته من العذاب وهم من عدا هؤلاء المجرمين
يوسف : ( 111 ) لقد كان في . . . . .
) لقد كان في قصصهم ( أى قصص الرسل ومن بعثوا إليه من الأمم أو فى قصص يوسف وإخوته وأبيه ) عبرة لأولي الألباب ( والعبرة الفكرة والبصيرة المخلصة من الجهل والحيرة وقيل هى نوع من الاعتبار وهى العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول وأولوا الألباب هم ذوو العقول السليمة الذين يعتبرون بعقولهم فيدرون ما فيه مصالح دينهم وإنما كان هذا القصص عبرة لما اشتمل عليه من الإخبارات المطابقة للواقع مع بعد المدة بين النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وبين الرسل الذين قص حديثهم ومنهم يوسف وإخوته وأبوه مع كونه لم يطلع على أخبارهم ولا اتصل بأحبارهم ) ما كان حديثا يفترى ( أى ما كان هذا المقصوص الذى يدل عليه ذكر القصص وهو القرآن المشتمل على ذلك حديثا يفترى ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( أى ما قبله من الكتب المنزلة كالتوراة والإنجيل والزبور وقرئ برفع ) تصديق ( على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو تصديق وتفصيل كل شئ من الشرائع المجملة المحتاجة إلى تفصيلها لأن الله سبحانه لم يفرط فى الكتاب من شئ وقيل تفصيل كل شئ من قصة يوسف مع إخوته وأبيه قيل وليس المراد به ما يقتضيه من العموم بل المراد به الأصول والقوانين وما يئول إليها ) وهدى ( فى الدنيا يهتدى به كل من أراد الله هدايته ) ورحمة ( فى الآخرة يرحم الله بها عباده العاملين بما فيه شرط الإيمان الصحيح ولهذا قال ) لقوم يؤمنون ( أى يصدقون به وبما تضمنه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وشرائعه وقدره وأما من عداهم فلا ينتفع به ولا يهتدى بما اشتمل عليه من الهدى فلا يستحق ما يستحقونه


"""""" صفحة رقم 62 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ( قال أى ليسوا من أهل السماء كما قلتم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى الآية قال ما نعلم أن الله أرسل رسولا قط إلا من أهل القرى لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل المعمور وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن فى قوله ) كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( قال كيف عذب الله قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح والأمم التى عذب الله وأخرج البخاري وغيره من طريق عروة أنه سأل عائشة عن قول الله سبحانه يعنى ) إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا ( قال قلت أكذبوا أم كذبوا يعنى على هذه الكلمة مخففة أم مشددة فقالت بل ) كذبوا ( تعني بالتشديد قلت والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك فقلت لعلها وظنوا أنهم ) قد كذبوا ( مخففة قالت معاذ الله لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها قلت فما هذه الآية قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عليهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن أبي مليكة أن ابن عباس قرأها عليه ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( مخففة يقول أخلفوا وقال ابن عباس كانوا بشرا وتلا ) حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ( قال ابن أبي مليكة وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك وأبته وقالت والله ما وعد الله رسوله من شئ إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم وكانت تقرؤها مثقلة وأخرج ابن مردويه من طريق عروة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وأله وسلم قرأ ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( مخففة وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ ) قد كذبوا ( مخففة قال يئس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم بما جاءوا به ) جاءهم نصرنا ( قال جاء الرسل نصرنا وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن تميم بن حذلم قال قرأت على ابن مسعود القرآن فلم يأخذ علي إلا حرفين ) وكل أتوه داخرين ( فقال أتوه مخففة وقرأت عليه ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( فقال كذبوا مخففة قال استيأس الرسل من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا وأخرج ابن مردويه من طريق أبي الأحوص عنه قال حفظت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى سورة يوسف ) وظنوا أنهم قد كذبوا ( خفيفة وللسلف فى هذا كلام يرجع إلى ما ذكرناه من الخلاف عن الصحابة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) فنجي من نشاء ( قال فننجى الرسل ومن نشاء ) ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ( وذلك أن الله بعث الرسل يدعون قومهم فأخبروهم أن من أطاع الله نجا ومن عصاه عذب وغوى وأخرج أبو الشيخ عنه قال ) جاءهم نصرنا ( العذاب وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) ولا يرد بأسنا ( قال عذابه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) لقد كان في قصصهم ( قال يوسف وإخوته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ) عبرة لأولي الألباب ( قال معروفة لذوي العقول وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة ) ما كان حديثا يفترى ( قال الفرية الكذب ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( قال القرآن يصدق الكتب التى كانت قبله من كتب الله التى أنزلها على أنبيائه كالتوراة والإنجيل والزبور ويصدق ذلك كله ويشهد عليه أن جميعه حق من عند الله ) وتفصيل كل شيء ( فصل الله بين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته


"""""" صفحة رقم 63 """"""
ع13
تفسير
سورة الرعد
حول السورة
قد وقع الخلاف هل هى مكية أو مدنية فروى النحاس فى ناسخه عن ابن عباس أنها نزلت بمكة وروى أبو الشيخ وابن مردويه عنه أنها نزلت بالمدينة وممن ذهب إلى أنها مكية سعيد بن جبير والحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وممن ذهب إلى أنها نزلت بالمدينة ابن الزبير والكلبي ومقاتل وقول ثالث أنها مدنية إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بمكة وهما قوله تعالى ) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( وقيل قوله ) ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ( وقد روى هذا عن ابن عباس أيضا وقتادة وقد أخرج ابن أبي شيبة والمروزي فى الجنائز عن جابر بن زيد قال كان يستحب إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد فإن ذلك يخفف عن الميت وإنه أهون لقبضه وأيسر لشأنه
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الرعد الآية ( 1 4 )
الرعد : ( 1 ) المر تلك آيات . . . . .
قوله ) المر ( قد تقدم الكلام فى هذه الحروف الواقعة فى أوائل السور بما يغني عن الإعادة وهو اسم للسورة مرفوع المحل على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على أنه مبتدأ خبره ما بعده والتقدير على الأول هذه السورة اسمها هذا والإشارة بقوله ) تلك ( إلى آيات هذه السورة والمراد بالكتاب السورة أى تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة الشأن ويكون قوله ) والذي أنزل إليك من ربك الحق ( مرادا به القرآن كله أى هو الحق البالغ فى اتصافه بهذه الصفة أو تكون الإشارة بقوله ) تلك ( إلى آيات القرآن جميعه على أن المراد بالكتاب جميع القرآن ويكون قوله ) والذي أنزل إليك من ربك الحق ( جملة مبينة لكون هذا المنزل هو الحق قال الفراء والذى رفع بالاستئناف وخبره الحق قال وإن شئت جعلت الذى خفضا نعتا للكتاب وإن كانت فيه الواو كما فى قوله إلى الملك القرم وابن الهمام
ويجوز أن يكون محل والذى أنزل إليك الجر على تقدير وآيات الذى أنزل إليك فيكون الحق على هذا خبرا لمبتدأ محذوف ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( بهذا الحق الذى أنزله الله عليك


"""""" صفحة رقم 64 """"""
قال الزجاج لما ذكر أنهم لا يؤمنون ذكر الدليل الذى يوجب التصديق بالخالق
الرعد : ( 2 ) الله الذي رفع . . . . .
فقال ) الله الذي رفع السماوات بغير عمد ( والعمد الأساطين جمع عماد أى قائمات بغير عمد تعتمد عليه وقيل لها عمد ولكن لا نراه قال الزجاج العمد قدرته التى يمسك بها السموات وهى غير مرئية لنا وقرئ ) عمد ( على أنه جمع عمود يعمد به أى يسند إليه قال النابغة وخبر الجن أنى قد أذنت لهم
يبنون تذمر بالصفاح والعمد
وجملة ترونها مستأنفة استشهاد على رؤيتهم لها كذلك وقيل هى صفة لعمد وقيل فى الكلام تقديم وتأخير والتقدير رفع السموات ترونها بغير عمد ولا ملجئ إلى مثل هذا التكلف ) ثم استوى على العرش ( أى استولى عليه بالحفظ والتدبير أو استوى أمره أو أقبل على خلق العرش وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى والاستواء على العرش صفة لله سبحانه بلا كيف كما هو مقرر فى موضعه من علم الكلام ) وسخر الشمس والقمر ( أى ذللهما لما يراد منهما من منافع الخلق ومصالح العباد ) كل يجري إلى أجل مسمى ( أى كل من الشمس والقمر يجري إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التى تكور عندها الشمس ويخسف القمر وتنكدر النجوم وتنتثر وقيل المراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما التى تنتهيان إليها لا يجاوزنها وهى سنة للشمس وشهر للقمر ) يدبر الأمر ( أى يصرفه على ما يريد وهو أمر ملكوته وربوبيته ) يفصل الآيات ( أى يبينها وهى الآيات الدالة على كمال قدرته وربوبيته ومنها ما تقدم من رفع السماء بغير عمد وتسخير الشمس والقمر وجريهما لأجل مسمى والجملتان فى محل نصب على الحال أو خبر إن لقوله ) الله الذي رفع ( على أن الموصول صفة للمبتدأ والمراد من هذا تنبيه العباد أن من قدر على هذه الأشياء فهو قادر على البعث والإعادة ولذا قال ) لعلكم بلقاء ربكم توقنون ( أى لعلكم عند مشاهدة هذه الآيات توقنون بذلك لا تشكون فيه ولا تمترون في صدقه
الرعد : ( 3 ) وهو الذي مد . . . . .
ولما ذكر الدلائل السماوية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال ) وهو الذي مد الأرض ( قال الفراء بسطها طولا وعرضا وقال الأصم إن المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه وهذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها فى نفسها لتباعد أطرافها ) وجعل فيها رواسي ( أى جبالا ثوابت وأحدها راسية لأن الأرض ترسو بها اى تثبت والإرساء الثبوت قال عنترة فصرت عارفة لذلك حرة
ترسو إذا نفس الجبان تطلع
وقال جميل أحبها والذى أرسى قواعده
حتى إذا ظهرت آياته بطنا
) وأنهارا ( أى مياها جارية فى الأرض فيها منافع الخلق أو المراد جعل فيها مجاري الماء ) ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ( من كل الثمرات متعلق بالفعل الذى بعده أى جعل فيها من كل الثمرات زوجين اثنين الزوج يطلق على الاثنين وعلى الواحد المزاوج لآخر والمراد هنا بالزوج الواحد ولهذا أكد الزوجين بالاثنين لدفع توهم انه أريد بالزوج هنا الاثنين وقد تقدم تحقيق هذا مستوفى أى جعل كل نوع من أنواع ثمرات الدنيا صنفين إما فى اللونية كالبياض والسواد ونحوهما أو فى الطعمية كالحلو والحامض ونحوهما أو فى القدر كالصغر والكبر أو فى الكيفية كالحر والبرد قال الفراء يعني بالزوجين هنا الذكر والأنثى والأول أولى ) يغشي الليل النهار ( أى يلبسه مكانه فيصير أسود مظلما بعدما كان أبيض منيرا شبه إزالة نور الهدى بالظلمة بتغطية الأشياء الحسية بالأغطية التى تسترها وقد سبق تفسير هذه فى الأعراف ) إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (


"""""" صفحة رقم 65 """"""
أى فيما ذكر من مد الأرض وإثباتها بالجبال وما جعله الله فيها من الثمرات المتزاوجة وتعاقب النور والظلمة آيات غير واضحة للناظرين المتفكرين المعتبرين
الرعد : ( 4 ) وفي الأرض قطع . . . . .
) وفي الأرض قطع متجاورات ( هذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع الآيات قيل وفى الكلام حذف أى قطع متجاورات وغير متجاورات كما فى قوله ) سرابيل تقيكم الحر ( أى وتقيكم البرد قيل والمتجاورات المدن وما كان عامرا وغير المتجاورات الصحاري وما كان غير عامر وقيل المعنى متجاورات متدانيات ترابها واحد وماؤها واحد وفيها زرع وجنات ثم تتفاوت فى الثمار فيكون البعض حلوا والبعض حامضا والبعض طيبا والبعض غير طيب والبعض يصلح فيه نوع والبعض الآخر نوع آخر ) وجنات من أعناب ( الجنات البساتين قرأ الجمهور برفع جنات على تقدير وفى الأرض جنات فهو معطوف على قطع متجاورات أو على تقدير وبينها جنات وقرأ الحسن بالنصب على تقدير وجعل فيها جنات وذكر سبحانه الزرع بين الأعناب والنخيل لأنه يكون فى الخارج كثيرا كذلك ومثله فى قوله سبحانه ) جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا ( ) صنوان وغير صنوان ( قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص ) وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان ( برفع هذه الأربع عطفا على جنات وقرأ الباقون بالجر عطفا على أعناب وقرأ مجاهد والسلمي بضم الصاد من صنوان وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان قال أبو عبيدة صنوان جمع صنو وهو أن يكون الأصل واحدا ثم يتفرع فيصير نخيلا ثم يحمل وهذا قول جميع أهل اللغة والتفسير قال ابن الأعرابي الصنو المثل ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) عم الرجل صنو أبيه فمعنى الآية على هذا أن أشجار النخيل قد تكون متماثلة وقد لا تكون قال فى الكشاف والصنوان جمع صنو وهى النخلة لها رأسان وأصلها واحد وقيل الصنوان المجتمع وغير الصنوان المفترق النحاس وهو كذلك فى اللغة يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر صنوان والصنو المثل ولا فرق بين التثنية والجمع إلا بكسرالنون فى المثنى وبما يقتضيه الإعراب فى الجمع ) يسقى بماء واحد ( قرأ عاصم وابن عامر ) يسقى ( بالتحتية أى يسقى ذلك كله وقرأ الباقون بالفوقية بإرجاع الضمير إلى جنات واختاره أبو حاتم وأبو عبيد وأبو عمرو قال أبو عمرو التأنيث أحسن لقوله ) ونفضل بعضها على بعض في الأكل ( ولم يقل بعضه وقرأ حمزة والكسائي يفضل بالتحتية كما فى قوله ) يدبر الأمر يفصل الآيات ( وقرأ الباقون بالنون على تقدير ونحن نفضل
وفى هذه الدلالة على بديع صنعه وعظيم قدرته ما لا يخفى على من له عقل فإن القطع المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد وتتفاضل فى الثمرات فى الأكل فيكون طعم بعضها حلو والآخر حامضا وهذا فى غاية الجودة وهذا ليس بجيد وهذا فائق فى حسنه وهذا غير فائق مما يقطع من تفكر واعتبر ونظر نظر العقلاء أن السبب المقتضي لاختلافها ليس إلا قدرة الصانع الحكيم جل سلطانه وتعالى شأنه لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون فى نظر العقلاء إلا لسببين إما اختلاف المكان الذى هو المنبت أو اختلاف الماء الذى تسقى به فإذا كان المكان متجاورا وقطع الأرض متلاصقة والماء الذى تسقى به واحدا لم يبق سبب للاختلاف فى نظر العقل إلا تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب ولهذا قال الله سبحانه ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( أى يعملون على قضية العقل وما يوجبه غير مهملين لما يقتضيه من التفكر فى المخلوقات والاعتبار فى العبر الموجودات
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) المر ( قال أنا الله أرى وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) المر ( فواتح يفتتح بها كلامه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه فى قوله ) تلك آيات الكتاب (


"""""" صفحة رقم 66 """"""
قال التوراة والإنجيل ) والذي أنزل إليك من ربك الحق ( قال القرآن وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) رفع السماوات بغير عمد ترونها ( قال وما يدريك لعلها بعمد لا ترونها وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وأبو الشيخ عنه فى الآية قال يقول لها عمد ولكن لا ترونها يعني الأعماد وأخرج ابن جرير عن إياس بن معاوية فى الآية قال السماء مقببة على الأرض مثل القبة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال السماء على أربعة أملاك كل زاوية موكل بها ملك وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ فى قوله ) لأجل مسمى ( قال الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) يدبر الأمر ( قال يقضيه وحده وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال الدنيا مسيرة خمسمائة عام أربعمائة خراب ومائة عمران فى أيدي المسلمين من ذلك مسيرة سنة وقد روى عن جماعة من السلف فى ذلك تقديرات لم يأت عليها دليل يصح وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب قال لما خلق الله الأرض قمصت وقالت أى رب تجعل علي بني آدم يعملون علي الخطايا ويجعلون علي الخبث فأرسل الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون فكان إقرارها كاللحم ترجرج وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) جعل فيها زوجين أثنين ( قال ذكرا وأنثى من كل صنف وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) يغشي الليل النهار ( أى يلبس الليل النهار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) وفي الأرض قطع متجاورات ( قال يريد الأرض الطيبة العذبة التى يخرج نباتها بإذن ربها تجاورها السبخة القبيحة المالحة التى لا تخرج وهما أرض واحدة وماؤها شئ واحد ملح أو عذب ففصلت إحداهما على الأخرى وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة فى الآية قال قرئ ) متجاورات ( قريب بعضها من بعض وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى الآية قال الأرض تنبت حلوا والأرض تنبت حامضا وهى متجاورات تسقى بماء واحد وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء بن عازب فى قوله ) صنوان وغير صنوان ( قال الصنوان ما كان أصله واحدا وهو متفرق وغير صنوان التى تنبت وحدها وفى لفظ صنوان النخلة فى النخلة ملتصقة وغير صنوان النخل المتفرق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) صنوان ( قال مجتمع النخل فى أصل واحد ) وغير صنوان ( قال النخل المتفرق وأخرج الترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) ونفضل بعضها على بعض في الأكل ( قال الدقل والفارسي والحلو والحامض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى الآية قال هذا حامض وهذا حلو وهذا دقل وهذا فارسي
سورة الرعد الآية ( 5 7 )


"""""" صفحة رقم 67 """"""
سورة الرعد ( 8 11 )
الرعد : ( 5 ) وإن تعجب فعجب . . . . .
قوله ) وإن تعجب فعجب قولهم ( أى إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك بعد ما كنت عندهم من الصادقين فأعجب منه تكذيبهم بالبعث والله تعالى لا يجوز عليه التعجب لأنه تغير النفس بشئ تخفى أسبابه وإنما ذكر رذلك ليعجب منه رسوله وأتباعه قال الزجاج أى هذا موضوع عجب أيضا أنهم أنكروا البعث وقد بين لهم من خلق السموات والأرض وما يدل على أن البعث أسهل فى القدرة وقيل الآية فى منكري الصانع أى إن تعجب من إنكارهم الصانع مع الأدلة الواضحى ة بأن المتغير لا بد له من مغير فهو محل التعجب والأول أولى لقوله ) أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ( وهذه الجملة فى محل رفع على البدلية من قولهم ويجوز أن تكون فى محل نصب على أنها مقول القول والعجب على الأول كلامهم وعلى الثاني تكلمهم بذلك والعامل فى ) إذا ( ما يفيده قوله ) أئنا لفي خلق جديد ( وهو نبعث أو نعاد والاستفهام منهم للإنكار المفيد لكمال الاستبعاد وتقديم الظرف فى قوله ) لفي خلق ( لتأكيد الإنكار بالبعث وكذلك تكرير الهمزة فى قوله ) أئنا ( ثم لما حكى الله سبحانه ذلك عنهم حكم عليهم بأمور ثلاثة الأول ) أولئك الذين كفروا بربهم ( أى أولئك المنكرون لقدرته سبحانه على البعث هم المتمادون فى الكفر التلون فيه والثاني ) وأولئك الأغلال في أعناقهم ( الأغلال جمع غل وهو طوق تشد به اليد إلى العنق أى يغلون بها يوم القيامة وقيل الأغلال أعمالهم السيئة التى هى لازمة لهم لزوم الأطواق للأعناق
والثالث ) وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( لا ينفكون عنها بحال من الأحوال وفى توسيط ضمير الفصل دلالة على تخصيص الخلود بمنكري البعث
الرعد : ( 6 ) ويستعجلونك بالسيئة قبل . . . . .
) ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ( السيئة العقوبة المهلكة والحسنة العافية والسلامة قالوا هذه المقالة لفرط إنكارهم وشدة تصميمهم وتهالكهم على الكفر وقيل معنى الآية أنهم طلبوا العقوبة قبل الحسنة وهى الإيمان ) وقد خلت من قبلهم المثلات ( قرأ الجمهور ? مثلات ? بفتح الميم وضم المثلثة جمع مثلة كسمرة وهى العقوبة قال ابن الأنباري المثلة العقوبة التى تبقى فى المعاقب شينا بتغيير بعض خلقه من قولهم مثل فلان بفلان إذا شان خلقه بقطع أنفه وسمل عينيه وبقر بطنه وقرأ الأعمش بفتح الميم وإسكان المثلثة تخفيفا لثقل الضمة وفى لغة تميم بضم الميم والمثلثة جميعا واحدتها على لغتهم مثلة بضم الميم وسكون المثلثة مثل غرفة وغرفات وحكى عن الأعمش فى رواية أخرى أنه قرا هذا الحرف بضمها على لغة تميم والمعنى أن هؤلاء يستعجلونك بإنزال العقوبة بهم وقد مضت من قبلهم عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لا يعتبرون بهم ويحذرون من حلول ما حل بهم والجملة فى محل نصب على الحال وهذا الاستعجال من هؤلاء هو على طريقة الاستهزاء كقولهم ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( الآية ) وإن ربك لذو مغفرة ( أى لذو تجاوز عظيم ) للناس على ظلمهم ( أنفسهم باقترافهم الذنوب ووقوعهم فى المعاصي إن تابوا عن ذلك ورجعوا إلى الله سبحانه والجار


"""""" صفحة رقم 68 """"""
والمجرور أى على ظلمهم فى محل نصب على الحال أى حال كونهم ظالمين و ) على ( بمعنى مع أى مع ظلمهم وفى الآية بشارة عظيمة ورجاء كبير لأن من المعلوم أن الإنسان حال اشتغاله بالظلم لا يكون تائبا ولهذا قيل إنها فى عصاه الموحدين خاصة وقيل المراد بالمغفرة هنا تأخير العقاب إلى الآخرة ليطابق ما حكاه الله من استعجال الكفار للعقوبة وكما تفيده الجملة المذكورة بعد هذه الآية وهى ) وإن ربك لشديد العقاب ( يعاقب العصاة المكذبين من الكافرين عقابا شديدا على ما تقتضيه مشيئته فى الدار الآخرة
الرعد : ( 7 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ( أى هلا أنزل عليه آية غير ما قد جاء به من الآيات وهؤلاء الكفار القائلون هذه المقالة هم المستعجلون للعذاب قال الزجاج طلبوا غير الآيات التى أتى بها فالتمسوا مثل آيات موسى وعيسى فقال الله تعالى ) إنما أنت منذر ( تنذرهم بالنار وليس إليك من الآيات شئ انتهى وهذا مكابرة من الكفار وعناد وإلا فقد أنزل الله على رسوله من الآيات ما يغني البعض منه وجاء فى ) إنما أنت منذر ( بصيغة الحصر لبيان أنه ( صلى الله عليه وسلم ) مرسل لإنذار العباد وبيان ما يحذرون عاقبته وليس عليه غير ذلك وقد فعل ما هو عليه وأنذر أبلغ انذار ولم يدع شيئا مما يحصل به ذلك إلا أتى به وأوضحه وكرره فجزاه الله عن أمته خيرا ) ولكل قوم هاد ( أى نبي يدعوهم إلى ما فيه هدايتهم ورشادهم وإن لم تقع الهداية لهم بالفعل ولم يقبلوها وآيات الرسل مختلفة هذا يأتي بآية أو آيات لم يأت بها الآخر بحسب ما يعطيه الله منها ومن طلب من بعضهم ما جاء به البعض الآخر فقد بلغ فى التعنت إلى مكان عظيم فليس المراد من الآيات إلا الدلالة على النبوة لكونها معجزة خارجة عن القدرة البشرية وذلك لا يختص بفرد منها ولا بأفراد معينة وقيل إن المعنى ولكل قوم هاد وهو الله عز وجل فإنه القادر على ذلك وليس على أنبيائه إلا مجرد الإنذار
الرعد : ( 8 ) الله يعلم ما . . . . .
) الله يعلم ما تحمل كل أنثى ( الجملة مستأنفة مسوقة لبيان إحاطته بالعلم سبحانه وعلمه بالغيب الذى هذه الأمور المذكورة منه قيل ويجوز أن يكون الاسم الشريف خبرا لمبتدأ محذوف أى ولكل قوم هاد وهو الله وجملة ) يعلم ما تحمل كل أنثى ( تفسير لهاد على الوجه الأخير وهذا بعيد جدا وما موصولة أى يعلم الذى تحمله كل أنثى فى بطنها من علقة أو مضغة أو ذكر أو أنثى أو صبيح أو قبيح أو سعيد أو شقي ويجوز أن تكون استفهامية أى يعلم أي شئ فى بطنها وعلى أي حال هو ويجوز أن تكون مصدرية أى يعلم حملها ) وما تغيض الأرحام وما تزداد ( الغيض النقص أى يعلم الذى تغيضه الأرحام أى تنقصه ويعلم ما تزداده فقيل المراد نقص خلقة الحمل وزيادته كنقص أصبع أو زيادتها وقيل إن المراد نقص مدة الحمل على تسعة أشهر أو زيادتها وقيل إذا حاضت المرأة فى حال حملها كان ذلك نقصا فى ولدها وقيل الغيض ما تنقصه الأرحام من الدم والزيادة ما تزداده منه و ) ما ( فى ) وما تغيض ( وما تزداد تحتمل الثلاثة الوجوه المتقدمة فى ما تحمل كل أنثى ) وكل شيء عنده بمقدار ( أى كل شئ من الأشياء التى من جملتها الأشياء المذكورة عند الله سبحانه ) بمقدار ( والمقدار القدر الذى قدره الله وهو معنى قوله سبحانه ) إنا كل شيء خلقناه بقدر ( أى كل الأشياء عند الله سبحانه جارية على قدره الذي قد سبق وفرغ منه لا يخرج عن ذلك شئ
الرعد : ( 9 ) عالم الغيب والشهادة . . . . .
) عالم الغيب والشهادة ( أى عالم كل غائب عن الحس وكل مشهود حاضر أو كل معدوم وموجود ولا مانع من حمل الكلام على ما هو أعم من ذلك ) الكبير المتعال ( أى العظيم الذى كل شئ دونه المتعالى عما يقوله المشركون أو المستعلى على كل شئ بقدرته وعظمته وقهره
الرعد : ( 10 ) سواء منكم من . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه أنه يعلم تلك المغيبات لا يغادر شئ منها بين أنه عالم بما يسرونه فى أنفسهم وما يجهرون به لغيره وأن ذلك لا يتفاوت عنده فقال ) سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ( فهو يعلم ما أسره الإنسان كعلمه بما جهر به من خير وشر وقوله منكم والأرض


"""""" صفحة رقم 69 """"""
بسواء على معنى يستوي منكم من أسر ومن جهر أو سر من أسر وجهر من جهر ) ومن هو مستخف بالليل ( أى مستتر فى الظلمة الكائنة فى الليل متوار عن الأعين يقال خفى الشيء واستخفى أى أستتر وتوارى ) وسارب بالنهار ( قال الكسائي سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب ومنه قول الشاعر وكل أناس قاربوا قيد فحلهم
ونحن خلعنا قيده فهو سارب
أى ذهب وقال القتيبي ) وسارب بالنهار ( متصرف فى حوائجه بسرعة من قولهم أسرب الماء قال الأصمعي حل سربه أى طريقته وقال الزجاج معنى الآية الجاهر بنطقه والمضمر فى نفسه والظاهر فى الطرقات والمستخفي فى الظلمات علم الله فيهم جميعا سوي وهذا ألصق بمعنى الآية كما تفيده المقابلة بين المستخفي والسارب فالمستخفي المستتر والسارب البارز الظاهر
الرعد : ( 11 ) له معقبات من . . . . .
) له معقبات ( الضمير فى ) له ( راجع إلى من فى قوله ) من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف ( أى لكل من هؤلاء معقبات والمعقبات المتناوبات التى يخلف كل واحد منها صاحبه ويكون بدلا منه وهم الحفظة من الملائكة فى قول عامة المفسرين قال الزجاج المعقبات ملائكة يأتي بعضهم بعقب بعض وإنما قال معقبات مع كون الملائكة ذكورا لأن الجماعة من الملائكة يقال لها معقبة ثم جمع معقبة على معقبات ذكر معناه الفراء وقيل أنث لكثرة ذلك منهم نحو نسابة وعلامة قال الجوهري والتعقب العود بعد البدء قال الله تعالى ) ولى مدبرا ولم يعقب ( وقرئ معاقيب جمع معقب ) من بين يديه ومن خلفه ( أى من بين يدي من له المعقبات والمراد إن الحفظة من الملائكة من جميع جوانبه وقيل المراد بالمعقبات الأعمال ومعنى ) من بين يديه ومن خلفه ( ما تقدم منها وما تأخر ) يحفظونه من أمر الله ( أى من أجل أمر الله وقيل يحفظونه من يأس الله إذا أذنب بالاستمهال له والاستغفار حتى يتوب قال الفراء فى هذا قولان أحدهما أنه على التقديم والتأخير تقديره له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه والثاني أن كون الحفظة يحفظونه هو مما أمر الله به قال الزجاج المعنى حفظهم إياه من أمر الله أى مما أمرهم به لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمر الله قال ابن الأنباري وفى هذا قول آخر وهو أن ) من ( بمعنى الباء أى يحفظونه بأمر الله وقيل إن من بمعنى عن أى يحفظونه عن أمر الله بمعنى من عند الله لا من عند أنفسهم كقوله ) أطعمهم من جوع ( أى عن جوع وقيل يحفظونه من ملائكة العذاب وقيل يحفظونه من الجن واختار ابن جرير أن المعقبات المواكب بين أيدي الأمراء على معنى أن ذلك لا يدفع عنه القضاء ) إن الله لا يغير ما بقوم ( من النعمة والعافية ) حتى يغيروا ما بأنفسهم ( من طاعة الله والمعنى أنه لا يسلب قوما نعمة أنعم بها عليهم حتى يغيروا الذى بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة أو يغيروا الفطرة التى فطرهم الله عليها قيل وليس المراد أنه لا ينزل بأحد من عباده عقوبة حتى يتقدم له ذنب بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير كما فى الحديث إنه سأل رسول الله سائل فقال أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث ) وإذا أراد الله بقوم سوءا ( أى هلاكا وعذابا ) فلا مرد له ( أى فلا رد له وقيل المعنى إذا أراد الله بقوم سوءا أعمى قلوبهم حتى يختاروا ما فيه البلاء ) وما لهم من دونه من وال ( يلي أمرهم ويلتجئون إليه فيدفع عنهم ما ينزل بهم من الله سبحانه من العقاب أو من ناصر ينصرهم ويمنعهم من عذاب الله والمعنى أنه لا راد لعذاب الله ولا ناقص لحكمه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن فى قوله ) وإن تعجب فعجب قولهم ( قال إن تعجب يا محمد من تكذيبهم إياك فعجب قولهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد فى الآية قال إن تعجب يا محمد من تكذيبهم وهم رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال وأراهم من حياة الموتى والأرض


"""""" صفحة رقم 70 """"""
الميتة ) فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ( أو لا يرون أنه خلقهم من نطفة فالخلق من نطفة أشد من الخلق من تراب وعظام وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وقد خلت من قبلهم المثلات ( قال العقوبات وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى المثلات قال وقائع الله في الأمم فيمن خلا قبلكم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المثلات ما أصاب القرون الماضية من العذاب وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال لما نزلت هذه الآية ) وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش ولولا وعيده وعقابه لاتكل كل أحد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) ولكل قوم هاد ( قال داع وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ( قال المنذر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولكل قوم هاد ( نبي يدعوهم إلى الله وأخرج ابن جرير وابن منذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال محمد المنذر والهادي الله عز وجل وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه أيضا وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هو المنذر وهو الهادي وأخرج ابن جرير عن عكرمة وأبي الضحى نحوه وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم فى المعرفة والديلمى وابن عساكر وابن النجار عن ابن عباس قال لما نزلت ) إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ( وضع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يده على صدره فقال أنا المنذر وأومأ بيده إلى منكب علي فقال أنت الهادي يا علي بك يهتدى المهتدون من بعدي قال ابن كثير فى تفسيره وهذا الحديث فيه نكارة شديدة وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه وأخرج ابن مردويه والضياء فى المختارة عن ابن عباس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني فى الأوسط و الحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب فى الآية نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن الضحاك ) الله يعلم ما تحمل كل أنثى ( قال كل أنثى من خلق الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير فى الآية قال يعلم ذكرا هو أو أنثى ) وما تغيض الأرحام ( قال هى المرأة ترى الدم فى حملها وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وما تغيض الأرحام ( قال خروج الدم ) وما تزداد ( قال استمساكه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وما تغيض الأرحام ( قال أن ترى الدم فى حملها ) وما تزداد ( قال فى التسعة أشهر وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه فى الآية قال ما تزداد على تسعة وما تنقص من التسعة وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه أيضا فى الآية ) وما تغيض الأرحام ( قال السقط ) وما تزداد ( ما زادت فى الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ومنهن من تحمل تسعة أشهر ومنهن من تنقص فذلك الغيض والزيادة التى ذكر الله وكل ذلك يعلمه تعالى وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) عالم الغيب والشهادة ( قال السر والعلانية وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى قوله ) ومن هو مستخف بالليل ( قال راكب رأسه فى المعاصي ) وسارب بالنهار ( قال ظاهر بالنهار بالمعاصي وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وسارب بالنهار ( قال الظاهر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال هو صاحب ريبة مستخف بالليل وإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه برئ من الإثم وأخرج


"""""" صفحة رقم 71 """"""
ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني فى الكبير وابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس أن سبب نزول الآية قدوم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى القصة المشهورة وأنه لما أصيب عامر بن الطفيل بالغدة نزل قوله تعالى ) الله يعلم ما تحمل كل أنثى ( إلى قوله ) معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ( قال المعقبات من أمر الله يحفظون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ذكر أربد بن قيس وما قتله فقال ) هو الذي يريكم البرق ( إلى قوله ) وهو شديد المحال ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) معقبات ( الآية قال هذه للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) يحفظونه من أمر الله ( قال ذلك الحفظ من أمر الله بأمر الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) من أمر الله ( قال بإذن الله وأخرج ابن جرير عن قتادة مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى الآية قال ولي السلطان يكون عليه الحراس يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فيقول يحفظونه من أمري فإني إذا أردت بقوم سوءا فلا مرد له
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى الآية قال الملوك يتخذون الحرس يحفظونه من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله يحفظونه من القتل ألم تسمع أن الله يقول ) وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ( أى إذا أراد سوءا لم يغن الحرس عنه شيئا وأخرج ابن جرير عن عكرمة فى الآية قال هؤلاء الأمراء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هم الملائكة تعقب بالليل تكتب على ابن آدم وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن علي فى الآية قال ليس من عبد إلا ومعه ملائكة يحفظونه من أن تقع عليه حائط أو ينزوي فى بئر أو يأكله سبع أو غرق أو حرق فإذا جاء القدر خلوا بينه وبين القدر وقد ورد فى ذكر الحفظة الموكلين بالإنسان أحاديث كثيرة مذكورة فى كتب الحديث
سورة الرعد الآية ( 12 16 )


"""""" صفحة رقم 72 """"""
سورة الرعد الآية ( 17 18 )
الرعد : ( 12 ) هو الذي يريكم . . . . .
لما خوف سبحانه عباده بإنزال ما لا مرد له أتبعه بأمور ترجى من بعض الوجوه ويخاف من بعضها وهى البرق والسحاب والرعد والصاعقة وقد مر فى أول البقرة تفسير هذه الألفاظ وأسبابها
وقد اختلف فى وجه انتصاب ) خوفا وطمعا ( فقيل على المصدرية أى لتخافوا خوفا ولتطمعوا طمعا وقيل على العلة بتقدير إرادة الخوف والطمع لئلا يختلف فاعل الفعل المعلل وفاعل المفعول له أو على الحالية من البرق أو من المخاطبين بتقدير ذوى خوف وقيل غير ذلك مما لا حاجة إليه قيل والمراد بالخوف هو الحاصل من الصواعق وبالطمع هو الحاصل في المطر وقال الزجاج الخوف للمسافر لم يتأذى به المطر والطمع للحاضر لأنه إذا رأى البرق طمع فى المطر الذى هو سبب الخصب ) وينشئ السحاب الثقال ( التعريف للجنس والواحدة سحابة والثقال جمع ثقيلة والمراد أن الله سبحانه يجعل السحاب التى ينشئها ثقالا بما يجعله فيها من الماء
الرعد : ( 13 ) ويسبح الرعد بحمده . . . . .
) ويسبح الرعد بحمده ( أى يسبح الرعد نفسه بحمد الله أى متلبسا بحمده وليس هذا بمستبعد ولا مانع من أن ينطقه الله بذلك ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( وأما على تفسير الرعد بملك من الملائكة فلا استبعاد فى ذلك ويكون ذكره على الإفراد مع ذكر الملائكة بعده لمزيد خصوصية له وعناية به وقيل المراد ويسبح سامعوا الرعد أى يقولون سبحان الله والحمد لله ) والملائكة من خيفته ( أى ويسبح الملائكة من خيفة الله سبحانه وقيل من خيفة الرعد وقد ذكر جماعة من المفسرين أن هؤلاء الملائكة هم أعوان الرعد وأن الله سبحانه جعل له أعوانا ) ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ( من خلقه فيهلكه وسياق هذه الأمور هنا للغرض الذى سيقت له الآيات التى قبلها وهى الدلالة على كمال قدرته ) وهم يجادلون في الله ( الضمير راجع إلى الكفار المخاطبين فى قوله ) هو الذي يريكم البرق ( أى وهؤلاء الكفرة مع هذه الآيات التى أراهم الله يجادلون فى شأن الله سبحانه فينكرون البعث تارة ويستعجلون العذاب آخرى ويكذبون الرسل ويعصون الله وهذه الجملة فى محل نصب على الحال ويجوز أن تكون مستأنفة ) وهو شديد المحال ( قال ابن الأعرابي المحال المكر والمكر من الله التدبير بالحق وقال النحاس المكر من الله إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر وقال الأزهري المحال القوة والشدة والميم أصلية وما حلت فلانا محالا أينا أشد وقال أبو عبيد المحال العقوبة والمكروه قال الزجاج يقال ما حلته محالا إذا قاويته حتى يتبين أيكما أشد والمحل فى اللغة الشدة وقال ابن قتيبة أى شديد الكيد وأصله من الحيلة جعل الميم كميم المكان وأصله من الكون ثم يقال تمكنت قال الأزهري غلط ابن قتيبة أن الميم فيه زائدة بل هى أصلية وإذا رأيت الحرف على مثال فعال أوله ميم مكسورة فهى أصلية مثل مهاد وملاك ومراس وغير ذلك من الحروف وقرأ الأعرج ) وهو شديد المحال ( بفتح الميم وقد فسرت هذه القراءة بالحول


"""""" صفحة رقم 73 """"""
وللصحابة والتابعين فى تفسير المحال هنا أقوال ثمانية الأول العداوة الثاني الجول الثالث الأخذ الرابع الحقد الخامس القوة السادس الغضب السابع الهلاك الثامن الحيلة
الرعد : ( 14 ) له دعوة الحق . . . . .
) له دعوة الحق ( إضافة الدعوة إلى الحق للملابسة أى الدعوة الملابسة للحق المختصة به التى لا مدخل للباطل فيها بوجه من الوجوه كما يقال كلمة الحق والمعنى أنها دعوة مجابة واقعة فى موقعها لا كدعوة من دونه وقيل الحق هو الله سبحانه والمعنى أن لله سبحانه دعوة المدعو الحق وهو الذى يسمع فيجيب وقيل المراد بدعوة الحق ها هنا كلمة التوحيد والإخلاص والمعنى لله من خلقه أن يوحدوه ويخلصوا له وقيل دعوة الحق دعاؤه سبحانه عند الخوف فإنه لا يدعى فيه سواه كما قال تعالى ) ضل من تدعون إلا إياه ( وقيل الدعوة العبادة فإن عبادة الله هى الحق والصدق ) والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ( أى والآلهة الذين يدعونهم يعني الكفار من دون الله عز وجل لا يستجيبون لهم بشيء مما يطلبونه منهم كائنا ما كان إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه من بعيد فإنه لا يجيبه لأنه جماد لا يشعر بحاجته إليه ولا يدري أنه طلب منه أن يبلغ فاه ولهذا قال ) وما هو ( أى الماء ) ببالغه ( أى يبالغ فيه قال الزجاج إلا كما يستجاب للذى يبسط كفيه إلى الماء يدعو الماء إلى فيه والماء لا يستجيب أعلم الله سبحانه أن دعاءهم الأصنام كدعاء العطشان إلى الماء يدعوه إلى بلوغ فمه وما الماء ببالغه وقيل المعنى أنه كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه فلا يحصل فى كفه شيء منه وقد ضربت العرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقبض على الماء كما قال الشاعر فأصبحت مما كان بيني وبينها
من الود مثل القابض الماء باليد
وقال الآخر ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض
على الماء خانته فروج الأصابع
وقال الفراء إن المراد بالماء هنا ماء البئر لأنها معدن للماء وأنه شبهه بمن مد يده إلى البئر بغير رشاء ضرب الله سبحانه هذا مثلا لمن يدعو غيره من الأصنام ) وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ( أى يضل عنهم ذلك الدعاء فلا يجدون منه شيئا ولا ينفعهم بوجه من الوجوه بل هو ضائع ذاهب
الرعد : ( 15 ) ولله يسجد من . . . . .
) ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها ( إن كان المراد بالسجود معناه الحقيقي وهو وضع الجبهة على الأرض للتعظيم مع الخضوع والتذلل فذلك ظاهر فى المؤمنين والملائكة ومسلمي الجن وأما فى الكفار فلا يصح تأويل السجود بهذا فى حقهم فلا بد أن يحمل السجود المذكور فى الآية على معنى حق لله السجود ووجب حتى يناول السجود بالفعل وغيره أو يفسر للسجود بالانقياد لأن الكفار وإن لم يسجدوا لله سبحانه فهم منقادون لأمره وحكمه فيهم بالصحة والمرض والحياة والموت والفقر والغنى ويدل على إرادة هذا المعنى قوله ) طوعا وكرها ( فإن الكفار ينقادون كرها كما ينقاد المؤمنون طوعا وهما منتصبان على المصدرية أى انقياد طوع وانقياد كره أو على الحال أى طائعين وكارهين وقال الفراء الآية خاصة بالمؤمنين فإنهم يسجدون طوعا وبعض الكفار يسجدون إكراها وخوفا كالمنافقين فالآية محمولة على هؤلاء وقيل الآية فى المؤمنين فمنهم من سجد طوعا لا يثقل عليه السجود ومنهم من يثقل عليه لأن التزام التكليف مشقة ولكنهم يتحملون المشقة إيمانا بالله وإخلاصا له ) وظلالهم بالغدو والآصال ( وظلالهم جمع ظل والمراد به ظل الإنسان الذى يتبعه جعل ساجدا بسجوده حيث صار لازما له لا ينفك عنه قال الزجاج وابن الأنباري ولا يبعد أن يخلق الله للظلال أفهاما تسجد بها لله سبحانه كما جعل للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيحه فظل المؤمن يسجد لله طوعا وظل الكافر يسجد لله كرها وخص الغدو والآصال بالذاكر لأنه يزداد ظهور الظلال فيهما وهما ظرف للسجود المقدر أى ويسجد ظلالهم


"""""" صفحة رقم 74 """"""
فى هذين الوقتين وقد تقدم تفسير الغدو والآصال فى الأعراف وفى معنى هذه الآية قوله سبحانه ) أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ( وجاء بمن فى من فى السموات والأرض تغليبا للعقلاء على غيرهم ولكون سجود غيرهم تبعا لسجودهم ومما يؤيد حمل السجود على الانقياد ما يفيده تقديم لله على الفعل من الاختصاص فإن سجود الكفار لأصنامهم معلوم ولا ينقادون لهم كانقيادهم لله فى الأمور التى يقرون على أنفسهم بأنها من الله كالخلق والحياة والموت ونحو ذلك
الرعد : ( 16 ) قل من رب . . . . .
) قل من رب السماوات والأرض ( أمر الله سبحانه رسوله أن يسأل الكفار من رب السموات والأرض ثم لما كانوا يقرون بذلك ويعترفون به كما حكاه الله سبحانه فى قوله ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ( وقوله ) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ( أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيب فقال ) قل الله ( فكأنه حكى جوابهم وما يعتقدونه لأنهم ربما تلعثموا فى الجواب حذرا مما يلزمهم ثم أمره بأن يلزمهم الحجة ويبكتهم فقال ) قل أفاتخذتم من دونه أولياء ( والاستفهام للإنكار أى إذا كان رب السموات والأرض هو الله كما تقرون بذلك وتعترفون به كما حكاه سبحانه عنكم بقوله ) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله ( فما بالكم اتخذتم لأنفسكم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ينفعونها به ) ولا ضرا ( يضرون به غيرهم أو يدفعونه عن أنفسهم فكيف ترجون منهم النفع والضر وهم لا يملكونهما لأنفسهم والجملة فى محل نصب على الحال ثم ضرب الله سبحانه لهم مثلا وأمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله لهم فقال ) هل يستوي الأعمى والبصير ( أى هل يستوى الأعمى فى دينه وهو الكافر والبصير فيه وهو الموحد فإن الأول جاهل لما يجب عليه وما يلزمه والثاني عالم بذلك قرأ بن محيصن وأبو بكر والأعمش وحمزة والكسائي ? أم هل يستوى الظلمات والنور ? بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية واختار القراءة الثانية أبو عبيد والمراد بالظلمات الكفر وبالنور الإيمان والاستفهام للتقريع والتوبيخ أى كيف يكونان مستويين وبينهما من التفاوت ما بين الأعمى والبصير وما بين الظلمات والنور ووحد النور وجمع الظلمة لأن طريق الحق واحدة لا تختلف وطرائق الباطل كثيرة غير محصرة ) أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه ( أم هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة أى بل أجعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه والاستفهام لإنكار الوقوع قال ابن الأنباري معناه أجعلوا لله شركاء خلقوا مثل ما خلق الله فتشابه خلق الشركاء بخلق الله عندهم أى ليس الأمر على هذا حتى يشتبه الأمر عليهم بل إذا فكروا بعقولهم وجدوا الله هو المنفرد بالخلق وسائر الشركاء لا يخلقون شيئا وجملة خلقوا كخلقه فى محل نصب صفة لشركاء والمعنى أنهم لم يجعلوا لله شركاء متصفين بأنهم خلقوا كخلقه ) فتشابه ( بهذا السبب ) الخلق عليهم ( حتى يستحقوا بذلك العبادة منهم بل إنما جعلوا له شركاء الأصنام ونحوها وهى بمعزل عن أن تكون كذلك ثم أمره الله سبحانه بأن يوضح لهم الحق ويرشدهم إلى الصواب فقال ) قل الله خالق كل شيء ( كائنا ما كان ليس لغيره فى ذلك مشاركة بوجه من الوجوه قال الزجاج والمعنى أنه خالق كل شيء مما يصح أن يكون مخلوقا ألا ترى أنه تعالى شيء وهو غير مخلوق ) وهو الواحد ( أى المتفرد بالربوبية ) القهار ( لما عداه فكل ما عداه مربوب مقهور مغلوب
الرعد : ( 17 ) أنزل من السماء . . . . .
ثم ضرب سبحانه مثلا آخر للحق وذويه وللباطل ومنتحليه فقال ) أنزل من السماء ماء ( أى من جهتها والتنكير للتكثير أو للنوعية ) فسالت أودية ( جمع واد وهو كل منفرج بين جبلين أو نحوهما قال أبو علي الفارسي لا نعلم فاعلا جمع على أفعلة إلا هذا وكأنه حمل على فعيل فجمع على أفعلة مثل جريب وأجربة كما أن فعيلا حمل على فاعل فجمع على أفعال مثل يتيم وأيتام وشريف وأشراف كأصحاب


"""""" صفحة رقم 75 """"""
وأنصار فى صاحب وناصر قال وفى قوله ) فسالت أودية ( توسع أى سال ماؤها قال ومعنى ) بقدرها ( بقدر مائها لأن الأودية ما سالت بقدر أنفسها قال الواحدى والقدر مبلغ الشئ والمعنى بقدرها من الماء فإن صغر الوادى قل الماء وإن اتسع كثر وقال فى الكاشف بقدرها بمقدارها الذى يعرف الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضار قال ابن الأنبارى شبه نزول القرآن الجامع للهدى والبيان بنزول المطر إذ نفع نزول القرآن يعم كعموم نفع نزول المطر وشبه الأودية بالقلوب إذ الأودية يستكن فيها الماء كما يستكن القرآن والإيمان فى قلوب المؤمنين ) فاحتمل السيل زبدا رابيا ( الزبد هو الأبيض المرتفع المنتفخ على وجه السيل ويقال له الغثاء والرغوة والرابى العالى المرتفع فوق الماء قال الزجاج هو الطافى فوق الماء وقال غيره هو الزائد بسبب انتفاخه من ربا يربو إذا زاد والمراد من هذا تشبيه الكفر بالزبد الذى يعلو الماء فإنه يضمحل ويعلق بجنبات الوادى وتدفعه الرياح فكذلك يذهب الكفر ويضمحل وقد تم المثل الأول ثم شرح سبحانه فى ذكر المثل الثانى فقال ) ومما يوقدون عليه في النار ( من لابتداء الغاية أى ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء أو للتبعيض بمعنى وبعضه زبد مثله والضمير للناس أضمر مع عدم سبق الذكر لظهوره هذا على قراءة يوقدون بالتحتية وبها قرأ حميد وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائى وحفص وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب واختار القراءة الأولى أبو عبيد والمعنى ومما توقدون عليه فى النار فيذوب من الأجسام المنطرقة الذائبة ) ابتغاء حلية ( أى لطلب اتخاذ حلية تتزينون بها وتتجملون كالذهب والفضة ) أو متاع ( أى أو طلب متاع تتمتعون به من الأوانى والآلات المتخذة من الحديد والصفر والنحاس والرصاص ) زبد مثله ( المراد بالزبد هنا الخبث فإنه يعلو فوق ما أذيب من تلك الأجسام كما يعلو الزبد على الماء فالضمير فى مثله يعود إلى زبدا رابيا وارتفاع زبد على الابتداء وخبره مما يوقدون ) كذلك يضرب الله الحق والباطل ( أى مثل ذلك الضرب البديع يضرب لله مثل الحق ومثل الباطل ثم شرع فى تقسيم المثل فقال ) فأما الزبد فيذهب جفاء ( يقال جفأ الوادى بالهمز جفاء إذا رمى بالقذر والزبد قال الفراء الجفاء الرمى يقال جفأ الوادى غثاء جفاء إذا رمى به والجفاء بمنزلة الغثاء وكذا قال أبو عمرو بن العلاء وحكى أبو عبيدة أنه سمع رؤبة يقرأ جفالا قال أبو عبيدة يقال أجفلت القدر إذا قذفت بزبدها وأجفلت الريح السحاب إذا قطعته قال أبو حاتم لا يقرأ بقراءة رؤبة لأنه كان يأكل الفأر واعلم أن وجه المماثلة بين الزبدين فى الزبد الذى يحمله السيل والزبد الذى يعلو الأجسام المنطرقة أن تراب الأرض لما خالط الماء وحمله معه صار زبدا رابيا فوقه وكذلك ما يوقد عليه فى النار حتى يذوب من الأجسام المنطرقة فإن أصله من المعادن التى تنبت فى الأرض فيخالطها التراب فإذا أذيبت صار ذلك التراب الذى خالطها خبثا مرتفعا فوقها ) وأما ما ينفع الناس ( منهما وهو الماء الصافى والذائب الخالص من الخبث ) فيمكث في الأرض ( أى يثبت فيها أما الماء فإنه يسلك فى عروق الأرض فتنتفع الناس به وأما ما أذيب من تلك الأجسام فإنه يصاغ حلية وأمتعة وهذان مثلان ضربهما الله سبحانه للحق والباطل يقول إن الباطل وإن ظهر على الحق فى بعض الأحوال وعلاه فإن الله سبحانه سيمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله كالزبد الذى يعلو الماء فيلقيه الماء ويضمحل وكخبث هذه الأجسام فإنه وإن علا عليها فإن الكير يقذفه ويدفعه فهذا مثل الباطل وأما الماء الذى ينفع الناس وينبت المراعى فيمكث فى الأرض وكذلك الصفو من هذه الأجسام فإنه يبقى خالصا لا شوب فيه وهو مثل الحق قال الزجاج فمثل المؤمن واعتقاده ونفع الإيمان كمثل هذا الماء المنتفع به فى نبات الأرض وحياة كل شيء وكمثل نفع الفضة والذهب وسائر الجواهر لأنها كلها تبقى منتفعا


"""""" صفحة رقم 76 """"""
بها ومثل الكافر وكفره كمثل الزبد الذى يذهب جفاء وكمثل خبث الحديد وما تخرجه النار من وسخ الفضة والذهب الذى لا ينتفع به وقد حكينا عن ابن الأنبارى فيما تقدم أنه شبه نزول القرآن إلى آخر ما ذكرناه فجعل ذلك مثلا ضربه الله للقرآن ) كذلك يضرب الله الأمثال ( أى مثل ذلك الضرب العجيب يضرب الله الأمثال فى كل باب لكمال العناية بعباده واللطف بهم وهذا تأكيد لقوله كذلك يضرب الله الحق والباطل
الرعد : ( 18 ) للذين استجابوا لربهم . . . . .
ثم بين سبحانه من ضرب له مثل الحق ومثل الباطل من عباده فقال فيمن ضرب له مثل الحق ) للذين استجابوا لربهم ( أى أجابوا دعوته إذ دعاهم إلى توحيده وتصديق أنبيائه والعمل بشرائعه والحسنى صفة موصوف محذوف أى المثوبة الحسنى وهى الجنة وقال سبحانه فيمن ضرب له مثل الباطل ) والذين لم يستجيبوا ( لدعوته إلى ما دعاهم إليه والموصول مبتدأ وخبره الجملة الشرطية وهى ) لو أن لهم ما في الأرض جميعا ( من أصناف الأموال التى يتملكها العباد ويجمعونها بحيث لا يخرج عن ملكهم منها شيء ) ومثله معه ( أى مثل ما فى الأرض جميعا كائنا معه ومنضما إليه ) لافتدوا به ( أى بمجموع ما ذكر وهو ما فى الأرض ومثله والمعنى ليخلصوا به مما هم فيه من العذاب الكبير والهول العظيم ثم بين الله سبحانه ما أعده لهم فقال ) أولئك ( يعنى الذين لم يستجيبوا ) لهم سوء الحساب ( قال الزجاج لأن كفرهم أحبط أعمالهم وقال غيره سوء الحساب المناقشة فيه وقيل هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر منه شيء ) ومأواهم جهنم ( أى مرجعهم إليها ) وبئس المهاد ( أى المستقر الذى يستقرون فيه والمخصوص بالذم محذوف
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا ( قال خوفا للمسافر يخاف أذاه ومشقته وطمعا للمقيم يطمع فى رزق الله ويرجو بركة المطر ومنفعته وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال خوفا لأهل البحر وطمعا لأهل البر وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال الخوف ما يخاف من الصواعق والطمع الغيث وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والخرائطي فى مكارم الأخلاق والبيهقى فى سننه من طرق عن علي بن أبي طالب قال البرق مخاريق من نار بأيدى ملائكة السحاب يزجرون به السحاب وروى عن جماعة من السلف ما يوافق هذا ويخالفه ولعلنا قد قدمنا فى سورة البقرة شيئا من ذلك وأخرج أحمد عن شيخ من بني غفار قد صحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال سمعت رسول اله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الله ينشيء السحاب فتنطق أحسن النطق وتضحك أحسن الضحك قيل والمراد بنطقها الرعد وبضحكها البرق وقد ثبت عند أحمد والترمذى والنسائى فى اليوم والليلة والحاكم فى مستدركه من حديث ابن عمر قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك وأخرج العقيلي وضعفه وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ينشيء الله السحاب ثم ينزل فيه الماء فلا شيء أحسن من ضحكه ولا شيء أحسن من نطقه ومنطقه الرعد وضحكه البرق وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن خزيمة بن ثابت وليس بالأنصارى سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن منشأ السحاب فقال إن ملكا موكلا يلم القاصية ويلحم الدانية فى يده مخراق فإذا رفع برقت وإذا زجر رعدت وإذا ضرب صعقت وأخرج أحمد والترمذى وصححه والنسائى وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل والضياء فى المختارة عن ابن عباس قال أقبلت يهود إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك فأخذ عليهم ما أخذ


"""""" صفحة رقم 77 """"""
إسرائيل على بنيه إذ قال الله على ما نقول وكيل قال هاتوا قالوا أخبرنا عن علامة النبى قال تنام عيناه ولا ينام قلبه قالوا أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر قال يلتقى الماءان فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت قالوا أخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه قال كان يشتكى عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا ألبان كذا وكذا يعنى الإبل فحرم لحومها قالوا صدقت قالوا أخبرنا ما هذا الرعد قال ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب بيده مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله قالوا فما هذا الصوت الذى نسمع قال صوته قالوا صدقت إنما بقيت واحدة وهى التى نتابعك إن اخبرتنا إنه ليس من نبى إلا له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك قال جبريل قالوا جبريل ذاك ينزل بالخراب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذى ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان فأنزل الله ) قل من كان عدوا لجبريل ( إلى آخر الآية وأخرج البخارى فى الأدب المفرد وابن أبي الدنيا فى المطر وابن جرير عن ابن عباس أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذى سبحت له وقال إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعى بغنمه وقد روى نحو هذا عنه من طرق وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن الرعد صوت الملك وكذا أخرج نحوه أبو الشيخ عن ابن عمر وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال الرعد ملك اسمه الرعد وصوته هذا تسبيحه فإذا اشتد زجره احتك السحاب واضطرم من خوفه فتخرج الصواعق من بينه وأخرج ابن أبي حاتم والخرائطى وأبو الشيخ فى العظمة عن أبي عمران الجونى قال إن بحورا من نار دون العرش تكون منها الصواعق وأخرج أبو الشيخ عن السدى قال الصواعق نار وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وهو شديد المحال ( قال شديد القوة وأخرج ابن جرير عن علي قال شديد الأخذ وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه فى قوله ) له دعوة الحق ( قال التوحيد لا إله إلا الله وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقى فى الأسماء والصفات من طرق عن ابن عباس فى قوله دعوة الحق قال شهادة أن لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير عن علي فى قوله ) إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ( قال كان الرجل العطشان يمد يده إلى البئر ليرتفع الماء إليه وما هو ببالغه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى الآية قال هذا مثل المشرك الذى عبد مع الله غيره فمثله كمثل الرجل العطشان الذى ينظر إلى خياله فى الماء من بعيد وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر عليه وأخرج أبو الشيخ عنه فى قوله ) هل يستوي الأعمى والبصير ( قال المؤمن والكافر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا فى قوله ) أنزل من السماء ماء ( الآية قال هذا مثل ضربه الله احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها فأما الشك فلا ينفع معه العمل وأما اليقين فينفع الله به أهله وهو قوله ) فأما الزبد فيذهب جفاء ( وهو الشك ) وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ( وهو اليقين وكما يجعل الحلى في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبثه فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك وأخرج هؤلاء عنه أيضا ) فسالت أودية بقدرها ( قال الصغير قدر صغره والكبير قدر كبره
سورة الرعد الآية ( 19 20 )


"""""" صفحة رقم 78 """"""
سورة الرعد الآية ( 21 25 )
الرعد : ( 19 ) أفمن يعلم أنما . . . . .
الهمزة فى قوله ) أفمن يعلم ( للإنكار على من يتوهم المماثلة بين من يعلم أنما أنزله الله سبحانه إلى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) من الحق الذى لا شك فيه ولا شبهة وهو القرآن وبين من هو أعمى لا يعلم ذلك فإن الحال بينهما متباعد جدا كالتباعد الذى بين الماء والزبد وبين الخبث والخالص من تلك الأجسام ثم بين سبحانه أنه إنما يقف على تفاوت المنزلتين وتباين الرتبتين أهل العقول الصحيحة فقال ) إنما يتذكر أولوا الألباب )
الرعد : ( 20 ) الذين يوفون بعهد . . . . .
ثم وصفهم بهذه الأوصاف المادحة فقال ) الذين يوفون بعهد الله ( أى بما عقدوه من العهود فيما بينهم وبين ربهم أو فيما بينهم وبين العباد ) ولا ينقضون الميثاق ( الذى وثقوه على أنفسهم وأكدوه بالأيمان ونحوها وهذا تعميم بعد التخصيص لأنه يدخل تحت الميثاق كل ما أوجبه العبد على نفسه كالنذور ونحوها ويحتمل أن يكون الأمر بالعكس فيكون من التخصيص بعد التعميم على أن يراد بالعهد جميع عهود الله وهى أوامره ونواهيه التى وصى بها عبيده ويدخل فى ذلك الالتزامات التى يلزم بها العبد نفسه ويراد بالميثاق ما أخذه الله على عباده حين أخرجهم من صلب آدم فى عالم الذر المذكور فى قوله سبحانه ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية
الرعد : ( 21 ) والذين يصلون ما . . . . .
) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ( ظاهره شمول كل ما أمر الله بصلته ونهى عن قطعه من حقوق الله وحقوق عباده ويدخل تحت ذلك صلة الأرحام دخولا أوليا وقد قصره كثير من المفسرين على صلة الرحم واللفظ أوسع من ذلك ) ويخشون ربهم ( خشية تحملهم على فعل ما وجب واجتناب ما لا يحل ) ويخافون سوء الحساب ( وهو الاستقصاء فيه والمناقشة للعبد فمن نوقش الحساب عذب ومن حق هذه الخيفة أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا
الرعد : ( 22 ) والذين صبروا ابتغاء . . . . .
) والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ( قيل هو كلام مستأنف وقيل معطوف على ما قبله والتعبير عنه بلفظ المضى للتنبيه على أنه ينبغي تحققه والمراد بالصبر الصبر على الإتيان بما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه وقيل على الرزايا والمصائب ومعنى كون ذلك الصبر لابتغاء وجه الله أن يكون خالصا له لا شائبة فيه لغيره ) وأقاموا الصلاة ( أى فعلوها فى أوقاتها على ما شرعه الله سبحانه فى أذكارها وأركانها مع الخشوع والإخلاص والمراد بها الصلوات المفروضة وقيل أعم من ذلك ) وأنفقوا من ما رزقناهم ( أى أنفقوا بعض ما رزقناهم والمراد بالسر صدقة النفل والعلانية صدقة الفرض وقيل السر لمن لم يعرف بالمال أو لا يتهم بترك الزكاة والعلانية لمن كان يعرف بالمال أو يتهم بترك الزكاة ) ويدرؤون بالحسنة السيئة ( أى يدفعون سيئة من أساء إليهم بالإحسان إليه كما فى قوله تعالى ) ادفع بالتي هي أحسن ( أو يدفعون بالعمل الصالح العمل السيء أو يدفعون الشر بالخير أو المنكر


"""""" صفحة رقم 79 """"""
بالمعروف أو الظلم بالعفو أو الذنب بالتوبة ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة ) لهم عقبى الدار ( العقبى مصدر كالعاقبة والمراد بالدار الدنيا وعقباها الجنة وقيل المراد بالدار الدار الآخرة وعقباها الجنة للمطيعين والنار للعصاة
الرعد : ( 23 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
) جنات عدن يدخلونها ( بدل من عقبى الدار أى لهم جنات عدن ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره يدخلونها والعدن أصله الإقامة ثم صار علما لجنة من الجنان قال القشيرى وجنات عدن وسط الجنة وقصبتها وسقفها عرش الرحمن ولكن في صحيح البخارى وغيره إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) ومن صلح من آبائهم ( يشمل الآباء والأمهات ) وأزواجهم وذرياتهم ( معطوف على الضمير فى يدخلون وجاز ذلك للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه أى ويدخلها أزواجهم وذرياتهم وذكر الصلاح دليل على أنه لا يدخل الجنة إلا من كان كذلك من قرابات أولئك ولا ينفع مجرد كونه من الآباء أو الأزواج أو الذرية بدون صلاح ) والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( أى من جميع أبواب المنازل التى يسكنونها أو المراد من كل باب من أبواب التحف والهدايا من الله سبحانه
الرعد : ( 24 ) سلام عليكم بما . . . . .
) سلام عليكم ( أى قائلين سلام عليكم أى سلمتم من الآفات أو دامت لكم السلامة ) بما صبرتم ( أى بسبب صبركم وهو متعلق بالسلام أي إنما حصلت لكم هذه السلامة بواسطة صبركم أو كتعلق بعليكم أو محذوف أي هذه الكرامة بسبب صبركم أو بدل ما احتملتم من مشاق الصبر ) فنعم عقبى الدار ( جاء سبحانه بهذه الجملة المتضمنة لمدح ما أعطاهم من عقبى الدار المتقدم ذكرها للترغيب والتشويق
الرعد : ( 25 ) والذين ينقضون عهد . . . . .
ثم اتبع أحوال السعداء بأحوال الأشقياء فقال ) والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ( وقد مر تفسير عدم النقض وعدم القطع فعرف منهما تفسير النقض والقطع ولم يتعرض لنفى الخشية والخوف عنهم وما بعدهما من الأوصاف المتقدمة لدخولها فى النقض والقطع ) ويفسدون في الأرض ( بالكفر وارتكاب المعاصى والأضرار بالأنفس والأموال ) أولئك ( الموصوفون بهذه الصفات الذميمة ) لهم ( بسبب ذلك ) اللعنة ( أى الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه ) ولهم سوء الدار ( أى سوء عاقبة دار الدنيا وهى النار أو عذاب النار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله تعالى ) أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق ( قال هؤلاء قوم انتفعوا بما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه ) كمن هو أعمى ( قال عن الحق فلا يبصره ولا يعقله ) إنما يتذكر أولوا الألباب ( فبين من هم فقال ) الذين يوفون بعهد الله ( وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أولوا الألباب قال من كان له لب أى عقل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة أن الله ذكر الوفاء بالعهد والميثاق فى بضع وعشرين آية من القرآن وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن البر والصلة ليخففان سوء الحساب يوم القيامة ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير فى قوله ) والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ( يعنى من إيمان بالنبيين وبالكتب كلها ) ويخشون ربهم ( يعنى يخافون من قطيعة ما أمر الله به أن يوصل ) ويخافون سوء الحساب ( يعنى شدة الحساب
وقد ورد فى صلة الرحم وتحريم قطعها أحاديث كثيرة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك ) ويدرؤون بالحسنة السيئة ( قال يدفعون بالحسنة السيئة وأخرج عبد الرزاق والفريابى


"""""" صفحة رقم 80 """"""
وابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن مسعود فى قوله ) جنات عدن ( قال بطنان الجنة يعنى وسطها وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أن عمر قال لكعب ما عدن قال هو قصر فى الجنة لا يدخله إلا نبى أو صديق أو شهيد أو حكم عدل وأخرج ابن مردويه عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جنة عدن قضيب غرسه الله بيده ثم قال له كن فكان وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) ومن صلح من آبائهم ( قال من آمن فى الدنيا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبى عمران الجونى فى قوله ) سلام عليكم بما صبرتم ( قال على دينكم ) فنعم عقبى الدار ( قال نعم ما أعقبكم الله من الدنيا فى الجنة وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه وأبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى شعب الإيمان عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء فيقول الله لمن يشاء من ملائكته ائتوهم فحيوهم فتقول الملائكة ربنا نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم قال الله إن هؤلاء عبادي كانوا يعبدونني ولا يشركون بى شيئا وتسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته فى صدره لا يستطيع لها قضاء فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب ) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن أبي أمامة إن المؤمن ليكون متكئا على أريكة إذا دخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك فيستأذن فيقول أقصى الخدم للذى يليه ملك يستأذن ويقول الذى يليه ملك يستأذن حتى يبلغ المؤمن فيقول ائذنوا له فيقول أقربهم إلى المؤمن ائذنوا له ويقول الذى يليه للذى يليه ائذنوا له حتى يبلغ أقصاهم الذى عند الباب فيفتح له فيدخل ويسلم عليه ثم ينصرف وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولهم سوء الدار ( قال سوء العاقبة
سورة الرعد الآية ( 26 30 )
الرعد : ( 26 ) الله يبسط الرزق . . . . .
لما ذكر الله سبحانه عاقبة المشركين بقوله ) ولهم سوء الدار ( كان لقائل أن يقول قد نرى كثيرا منهم قد وفر الله له الرزق وبسط له فيه فأجاب عن ذلك بقوله ) الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( فقد يبسط الرزق لمن كان كافرا ويقتره على من كان مؤمنا ابتلاء وامتحانا ولا يدل البسط على الكرامة ولا القبض على الإهانة


"""""" صفحة رقم 81 """"""
ومعنى يقدر يضيق ومنه ) ومن قدر عليه رزقه ( أى ضيق وقيل معنى يقدر يعطى بقدر الكفاية ومعنى الآية أنه الفاعل لذلك وحده القادر عليه دون غيره ) وفرحوا بالحياة الدنيا ( أى مشركو مكة فرحوا بالدنيا وجهلوا ما عند الله قيل وفى هذه الآية تقديم وتأخير والتقدير الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا فيكون وفرحوا معطوفا على يفسدون ) وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ( أى ما هى إلا شيء يستمتع به وقيل المتاع واحد الأمتعة كالقصعة والسكرجة ونحوهما وقيل المعنى شيء قليل ذاهب من متع النهار إذا ارتفع فلا بد له من زوال وقيل زاد كزاد الراكب يتزود به منها إلى الآخرة
الرعد : ( 27 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه ( أى يقول أولئك المشركون من أهل مكة هلا أنزل على محمد آية من ربه وقد تقدم تفسير هذا قريبا وتكرر فى مواضع ) قل إن الله يضل من يشاء ( أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بهذا وهو أن الضلال بمشيئة الله سبحانه من شاء أن يضله ضل كما ضل هؤلاء القائلون ) لولا أنزل عليه آية من ربه ( ) ويهدي إليه من أناب ( أى ويهدى إلى الحق أو إلى الإسلام أو إلى جنابه عز وجل ) من أناب ( أى من رجع إلى الله بالتوبة والإقلاع عما كان عليه وأصل الإنابة الدخول فى نوبة الخير كذا قال النيسابوري
الرعد : ( 28 ) الذين آمنوا وتطمئن . . . . .
ومحل الذين آمنوا النصب على البدلية من قوله ) من أناب ( أى أنهم هم الذين هداهم الله وأنابوا إليه ويجوز أن يكون الذين آمنوا خبر مبتدأ محذوف أى هم الذين آمنوا أو منصوب على المدح ) وتطمئن قلوبهم بذكر الله ( أى تسكن وتستأنس بذكر الله سبحانه بألسنتهم كتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتكبير والتوحيد أو بسماع ذلك من غيرهم وقد سمى سبحانه القرآن ذكرا قال ) وهذا ذكر مبارك أنزلناه ( وقال ) إنا نحن نزلنا الذكر ( قال الزجاج أى إذا ذكر الله وحده آمنوا به غير شاكين بخلاف من وصف بقوله ) وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ( وقيل تطمئن قلوبهم بتوحيد الله وقيل المراد بالذكر هنا الطاعة وقيل بوعد الله وقيل بالحلف بالله فإذا حلف خصمه بالله سكن قلبه وقيل بذكر رحمته وقيل بذكر دلائله الدالة على توحيده ) ألا بذكر الله ( وحده دون غيره ) تطمئن القلوب ( والنظر فى مخلوقات الله سبحانه وبدائع صنعه وإن كان يفيد طمأنينة فى الجملة لكن ليست كهذه الطمأنينة وكذلك النظر فى المعجزات من الأمور التى لا يطيقها البشر فليس إفادتها للطمأنينة كإفادة ذكر الله فهذا وجه ما يفيده هذا التركيب من القصر
الرعد : ( 29 ) الذين آمنوا وعملوا . . . . .
) الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ( الموصول مبتدأ خبره الجملة الدعائية وهى طوبى لهم على التأويل المشهور ويجوز أن يكون الموصول فى محل نصب على المدح وطوبى لهم خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون الموصول بدلا من القلوب على حذف مضاف أى قلوب الذين آمنوا قال أبو عبيدة والزجاج وأهل اللغة طوبى فعلى من الطيب قال ابن الأنبارى وتأويلها الحال المستطابة وقيل طوبى شجرة فى الجنة وقيل هى الجنة وقيل هى البستان بلغة الهند وقيل معنى طوبى لهم حسنى لهم وقيل خير لهم وقيل كرامة لهم وقيل غبطة لهم قال النحاس وهذه الأقوال متقاربة والأصل طيبى فصارت الياء واوا لسكونها وضم ما قبلها واللام فى لهم للبيان مثل سقيا لك ورعيا لك وقريء ? حسن مآب ? بالنصب والرفع من آب إذا رجع أى وحسن مرجع وهو الدار الآخرة
الرعد : ( 30 ) كذلك أرسلناك في . . . . .
) كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم ( أى مثل ذلك الإرسال العظيم الشأن المشتمل على المعجزة الباهرة أرسلناك يا محمد وقيل شبه الأنعام على من أرسل إليه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالأنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله ومعنى ) في أمة قد خلت من قبلها أمم ( فى قرن قد مضت من قبله قرون أو فى جماعة من الناس قد مضت من قبلها جماعات ) لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك ( أى لتقرأ عليهم القرآن


"""""" صفحة رقم 82 """"""
و الحال أن ) وهم يكفرون بالرحمن ( أى بالكثير الرحمة لعباده ومن رحمته لهم إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم كما قال سبحانه ) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( وجملة ) قل هو ربي ( مستأنفة بتقدير سؤال كأنهم قالوا وما الرحمن فقال سبحانه ) قل ( يا محمد ) هو ربي ( أى خالقى ) لا إله إلا هو ( أى لا يستحق العبادة له والإيمان به سواه ) عليه توكلت ( فى جيمع أمورى ) وإليه ( لا إلى غيره ) متاب ( أى توبتي وفيه تعريض بالكفار وحث لهم على الرجوع إلى الله والتوبة من الكفر والدخول فى الإسلام
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن سابط فى قوله ) وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ( قال كزاد الراعي يزوده أهله الكف من التمر أو الشيء من الدقيق أو الشيء يشرب عليه اللبن وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى الآية قال كان الرجل يخرج فى الزمان الأول فى إبله أو غنمه فيقول لأهله متعوني فيمتعونه فلقة الخبز أو التمر فهذا مثل ضربه الله للدنيا وأخرج الترمذي وصححه عن عبد الله بن مسعود قال نام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على حصير فقام وقد أثر فى جنبه فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك فقال مالي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن المستورد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما الدنيا فى الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه فى اليم فلينظر بم يرجع وأشار بالسبابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وتطمئن قلوبهم بذكر الله ( قال هشت إليه واستأنست به وأخرج أبو الشيخ عن السدي فى الآية قال إذا حلف لهم بالله صدقوا ) ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( قال تسكن وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى الآية قال بمحمد وأصحابه وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحابه حين نزلت هذه الآية ) ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( هل تدرون ما معنى ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال من أحب الله ورسوله وأحب أصحابي وأخرج ابن مردويه عن علي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزلت هذه الآية ) ألا بذكر الله تطمئن القلوب ( قال ذلك من أحب الله ورسوله وأحب أهل بيتي صادقا غير كاذب وأحب المؤمنين شاهدا وغائبا ألا بذكر الله يتحابون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) طوبى لهم ( قال فرح وقرة عين وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة فى قوله ) طوبى لهم ( قال نعم ما لهم
وقد روى عن جماعة من السلف نحو ما قدمنا ذكره من الأقوال والأرجح تفسير الآية بما روى مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما أخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن عتبة بن عبد قال جاء أعرابي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله فى الجنة فاكهة قال نعم فيها شجرة تدعى طوبى الحديث وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والخطيب فى تاريخه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن رجلا قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك قال طوبى لمن آمن بي ورآني ثم طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني فقال رجل وما طوبى قال شجرة فى الجنة مسير مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها وفى باب أحاديث وآثار عن السلف وقد ثبت فى الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة سنة اقرءوا إن شئتم ) وظل ممدود ( وفى بعض الألفاظ إنها شجرة


"""""" صفحة رقم 83 """"""
الخلد وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) وحسن مآب ( قال حسن منقلب وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وهم يكفرون بالرحمن ( قال ذكر لنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زمن الحديبية حين صالح قريشا كتب فى الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم فقالت قريش أما الرحمن فلا نعرفه وكان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فقال أصحابه دعنا نقاتلهم فقال لا ولكن اكتبوا كما يريدون وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج فى هذه الآية نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد ) وإليه متاب ( قال توبتي
سورة الرعد الآية ( 31 35 )
الرعد : ( 31 ) ولو أن قرآنا . . . . .
قوله ) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( قيل هذا متصل بقوله ) لولا أنزل عليه آية من ربه ( وأن جماعة من الكفار سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يسير لهم جبال مكة حتى تنفسح فإنها أرض ضيقة فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم بهذا الجواب المتضمن لتعظيم شأن القرآن وفساد رأي الكفار حيث لم يقنعوا به وأصروا على تعنتهم وطلبهم ما لو فعله الله سبحانه لم يبق ما تقتضيه الحكمة الإلهية من عدم إنزال الآيات التى يؤمن عندها جميع العباد ومعنى ) سيرت به الجبال ( أى بإنزاله وقراءته فسارت عن محل استقرارها ) أو قطعت به الأرض ( أى صدعت حتى صارت قطعا متفرقة ) أو كلم به الموتى ( أى صاروا أحياء بقراءته عليهم فكانوا يفهمونه عند تكليمهم به كما يفهمه الأحياء
وقد اختلف فى جواب لو ماذا هو فقال الفراء هو محذوف وتقديره لكان هذا القرآن وروى عنه أنه قال إن الجواب لكفروا بالرحمن أى لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمن وقيل جوابه لما آمنوا كما سبق فى قوله


"""""" صفحة رقم 84 """"""
) ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ( وقيل الجواب متقدم وفى الكلام تقديم وتأخير أى وهم يكفرون بالرحمن لو أن قرآنا إلى آخره وكثيرا ما تحذف العرب جواب لو إذا دل عليه سياق الكلام ومنه قول امرئ القيس فلو أنها نفس تموت جميعة
ولكنها نفس تساقط أنفسا
أى لهان علي ذلك ) بل لله الأمر جميعا ( أى لو أن قرآنا فعل به ذلك لكان هذا القرآن ولكن لم يفعل بل فعل ما عليه الشأن الآن فلو شاء أن يؤمنوا لآمنوا وإذا لم يشأ أن يؤمنوا لم ينفع تسيير الجبال وسائر ما اقترحوه من الآيات فالإضراب متوجه إلى ما يؤدى إليه كون الأمر لله سبحانه ويستلزمه من توقف الأمر على ما تقتضيه حكمته ومشيئته ويدل على أن هذا هو المعنى المراد من ذلك قوله ) أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ( قال الفراء قال الكلبى ) أفلم ييأس ( بمعنى أفلم يعلم وهى لغة النخع قال فى الصحاح وقيل هى لغة هوازن وبهذا قال جماعة من السلف قال أبو عبيدة أفلم يعلموا ويتبينوا قال الزجاج وهو مجاز لأن اليائس من الشيء عالم بأنه لا يكون نظيره استعمال الرجاء فى معنى الخوف والنسيان فى الترك لتضمنهما إياهما ويؤيده قراءة علي وابن عباس وجماعة أفلم يتبين ومن هذا قول رباح بن عدى ألم ييأس الأقوام أنى أنا ابنه
وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
أى ألم يعلم وأنشد فى هذا أبو عبيدة قول مالك بن عوف النضرى أقول لهم بالشعب إذ يأسروننى
ألم تيأسوا أنى ابن فارس زهدم
أى ألم تعلموا فمعنى الآية على هذا أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات وقيل إن الإياس على معناه الحقيقي أى أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات التى اقترحها الكفار طمعا فى إيمانهم ) ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ( هذا وعيد للكفار على العموم أو لكفار مكة على الخصوص أى لا يزال الذين كفروا تصيبهم بسبب ما صنعوا من الكفر والتكذيب للرسل قارعة أى داهية تفجؤهم يقال قرعه الأمر إذا أصابه والجمع قوارع والأصل فى القرع الضرب قال الشاعر أفنى تلادى وما جمعت من نشب
قرع القراقير أفواه الأباريق
والمعنى أن الكفار لا يزالون كذلك حتى تصيبهم داهية مهلكة من قتل أو أسر أو جدب أو نحو ذلك من العذاب وقد قيل إن القارعة النكبة وقيل الطلائع والسرايا ولا يخفى أن القارعة تطلق على ما هو أعم من ذلك ) أو تحل ( أى القارعة ) قريبا من دارهم ( فيفزعون منها ويشاهدون من آثارها ما ترجف له قلوبهم وترعد منه بوادرهم وقيل إن الضمير فى ) تحل ( للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم محاصرا لهم آخذا بمخانقهم كما وقع منه ( صلى الله عليه وسلم ) لأهل الطائف ) حتى يأتي وعد الله ( وهو موتهم أو قيام الساعة عليهم فإنه إذا جاء وعد الله المحتوم حل بهم من عذابه ما هو الغاية فى الشدة وقيل المراد بوعد الله هنا الإذن منه بقتال الكفار والأول أولى ) إن الله لا يخلف الميعاد ( فما جرى به وعده فهو كائن لا محالة
الرعد : ( 32 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ( التنكير فى رسل للتكثير أى برسل كثيرة والإملاء الإمهال وقد مر تحقيقه فى الأعراف ) ثم أخذتهم ( بالعذاب الذى أنزلته بهم ) فكيف كان عقاب ( الاستفهام للتقريع والتهديد أى فكيف كان عقابى لهؤلاء الكفار الذين استهزءوا بالرسل فأمليت لهم ثم أخذتهم
الرعد : ( 33 ) أفمن هو قائم . . . . .
ثم استفهم


"""""" صفحة رقم 85 """"""
سبحانه استفهاما آخر للتوبيخ والتقريع يجرى مجرى الحجاج للكفار واستركاك صنعهم والإزراء عليهم فقال ) أفمن هو قائم على كل نفس ( القائم الحفيظ والمتولى للأمور وأراد سبحانه نفسه فإنه المتولى لأمور خلقه المدبر لأحوالهم بالآجال والأرزاق وإحصاء الأعمال على كل نفس من الأنفس كائنة ما كانت والجواب محذوف أى أفمن هو بهذه الصفة كمن ليس بهذه الصفة من معبوداتكم التى لا تنفع ولا تضر قال الفراء كأنه فى المعنى أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم الذين اتخذوهم من دون الله والمراد من الآية إنكار المماثلة بينهما وقيل المراد بمن هو قائم على كل نفس الملائكة الموكلون ببنى آدم والأول أولى وجملة ) وجعلوا لله شركاء ( معطوفة على الجواب المقدر مبينة له أو حالية بتقدير قد أى وقد جعلوا أو معطوفة على ) ولقد استهزئ ( أى استهزءوا وجعلوا ) قل سموهم ( أى قل يا محمد جعلتم له شركاء فسموهم من هم وفى هذا تبكيت لهم وتوبيخ لأنه إنما يقال هكذا فى الشيء المستحقر الذى لا يستحق أن يلتفت إليه فيقال سمه إن شئت يعنى أنه أحقر من أن يسمى وقيل إن المعنى سموهم بالآلهة كما تزعمون فيكون ذلك تهديدا لهم ) أم تنبئونه ( أى بل أتنبئون الله ) بما لا يعلم في الأرض ( من الشركاء الذين تعبدونهم مع كونه العالم بما فى السموات والأرض ) أم بظاهر من القول ( أى بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن تكون له حقيقة وقيل المعنى قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه أم بظاهر يعلمه فإن قالوا بباطن لا يعلمه فقد جاءوا بدعوى باطلة وإن قالوا بظاهر يعلمه فقل لهم سموهم فإذا سموا اللات والعزى ونحوهما فقل لهم إن الله لا يعلم لنفسه شريكا وإنما خص الأرض بنفى الشريك عنها وإن لم يكن له شريك فى غير الأرض لأنهم ادعوا له شريكا فى الأرض وقيل معنى ) أم بظاهر من القول ( أم بزائل من القول باطل ومنه قول الشاعر أعيرتنا ألبانها ولحومها
وذلك عار يا بن ريطة ظاهر
أى زائل باطل وقيل بكذب من القول وقيل معنى بظاهر من القول بحجة من القول ظاهرة على زعمهم ) بل زين للذين كفروا مكرهم ( أى ليس لله شريك بل زين للذين كفروا مكرهم وقرأ ابن عباس ) زين ( على البناء للفاعل على أن الذي زين لهم ذلك هو مكرهم وقرأ من عداه بالبناه للمفعول والمزين هو الله سبحانه أو الشيطان ويجوز أن يسمى المكر كفرا لأن مكرهم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان كفرا وأما معناه الحقيقي فهو الكيد أو التمويه بالأباطيل ) وصدوا عن السبيل ( قرأ حمزة والكسائي وعاصم ? صدوا ? على البناء للمفعول أى صدهم الله أو صدهم الشيطان وقرأ الباقون على البناء للفاعل أى صدوا غيرهم واختار هذه القراءة أبو حاتم وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الصاد ) ومن يضلل الله فما له من هاد ( أى يجعله ضالا وتقتضى مشيئته إضلاله فما له من هاد يهديه إلى الخير قرأ الجمهور ) هاد ( من دون إثبات الياء على اللغة الكثيرة الفصيحة وقريء بإثباتها على اللغة القليلة
الرعد : ( 34 ) لهم عذاب في . . . . .
ثم بين سبحانه ما يستحقونه فقال ) لهم عذاب في الحياة الدنيا ( بما يصابون به من القتل والأسر وغير ذلك ) ولعذاب الآخرة أشق ( عليهم من عذاب الحياة الدنيا ) وما لهم من الله من واق ( يقيهم عذابه ولا عاصم يعصمهم منه
الرعد : ( 35 ) مثل الجنة التي . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه ما يستحقه الكفار من العذاب فى الأولى والأخرى ذكر ما أعده للمؤمنين فقال ) مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار ( أى صفقتها العجيبة الشأن التى هى فى الغرابة كالمثل قال ابن قتيبة المثل الشبه فى أصل اللغة ثم قد يصير بمعنى صورة الشيء وصفته يقال مثلت لك كذا أى صورته ووصفته فأراد هنا بمثل الجنة صورتها وصفتها ثم ذكرها فقال ) تجري من تحتها الأنهار ( وهو كالتفسير للمثل قال سيبويه وتقديره فيما قصصنا عليك مثل الجنة وقال الخليل وغيره إن مثل الجنة مبتدأ


"""""" صفحة رقم 86 """"""
والخبر تجرى وقال الزجاج إنه تمثيل للغائب بالشاهد ومعناه مثل الجنة جنة تجرى من تحتها الأنهار وقيل إن فائدة الخبر ترجع إلى ) أكلها دائم ( أى لا ينقطع ومثله قوله سبحانه ) لا مقطوعة ولا ممنوعة ( وقال الفراء المثل مقحم للتأكيد والمعنى الجنة التى وعد المتقون تجرى من تحتها الأنهار والعرب تفعل ذلك كثيرا ) وظلها ( أى كذلك دائم لا يتقلص ولا تنسخه الشمس والإشارة بقوله ) تلك ( إلى الجنة الموصوفة بالصفات المتقدمة وهو مبتدأ خبره ) عقبى الذين اتقوا ( أى عاقبة الذين اتقوا المعاصى ومنتهى أمرهم ) وعقبى الكافرين النار ( ليس لهم عاقبة ولا منتهى إلا ذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الطبرانى وأبو الشيخ عن ابن عباس قال قالوا للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) إن كان كما تقول فأرنا أشياخنا الأول من الموتى نكلمهم وافسح لنا هذه الجبال جبال مكة التى قد ضمتنا فنزلت ) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عطية العوفي قال قالوا لمحمد صلى الله عيه وآله وسلم لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح أو أحييت لنا الموتى كما كان يحيى عيسى الموتى لقومه فأنزل الله ) ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ( الآية إلى قوله ) أفلم ييأس الذين آمنوا ( قال أفلم يتبين الذين آمنوا قالوا هل تروى هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرجه أيضا ابن أبي حاتم قال حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب بن الحرث أخبرنا بشر بن عمارة حدثنا عمر بن حسان عن عطية العوفي فذكره وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفى عن ابن عباس نحوه مختصرا وأخرج أبو يعلى وأبو نعيم فى الدلائل وابن مردويه عن الزبير بن العوام فى ذكر سبب نزول الآية نحو ما تقدم مطولا وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) بل لله الأمر جميعا ( لا يصنع من ذلك إلى ما يشاء ولم يكن ليفعل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) أفلم ييأس ( يقول يعلم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية ) أفلم ييأس ( قال قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا ولو شاء الله لهدى الناس جميعا وأخرج الفريابى وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) تصيبهم بما صنعوا قارعة ( قال السرايا وأخرج الطيالسى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبهيقى فى الدلائل عنه نحوه وزاد ) أو تحل قريبا من دارهم ( قال أنت يا محمد حتى يأتى وعد الله قال فتح مكة وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) قارعة ( قال نكبة وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفى عنه قارعة قال عذاب من السماء أو تحل قريبا من دارهم يعنى نزول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بهم وقتاله آباءهم وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا فى قوله ) أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ( قال يعنى بذلك نفسه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء فى الآية قال الله تعالى قائم بالقسط والعدل على كل نفس وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) أم بظاهر من القول ( قال الظاهر من القول هو الباطل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة فى قوله ) مثل الجنة ( قال نعت الجنة ليس للجنة مثل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم التيمى في قوله ) أكلها دائم ( قال لذاتها دائمة فى أفوائهم


"""""" صفحة رقم 87 """"""
سورة الرعد الآية ( 36 39 )
الرعد : ( 36 ) والذين آتيناهم الكتاب . . . . .
اختلف المفسرون فى تفسير الكتاب المذكور فقيل هو التوراة والإنجيل والذين يفرحون بما أنزل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هم من أسلم من اليهود والنصارى وقيل الذين يفرحون هم أهل الكتابين لكون ذلك موافقا لما فى كتبهم مصدقا له فعلى الأول يكون المراد بقوله ) ومن الأحزاب من ينكر بعضه ( من لم يسلم من اليهود والنصارى وعلى الثاني يكون المراد به المشركين من أهل مكة ومن يماثلهم أو يكون المراد به البعض من أهل الكتابين أى من أحزابهما فإنهم أنكروه لما يشتمل عليه من كونه ناسخا لشرائعهم فيتوجه فرح من فرح به منهم إلى ما هو موافق لما فى الكتابين وإنكار من أنكر منهم إلى ما خالفهما وقيل المراد بالكتاب القرآن والمراد بمن يفرح به المسلمون والمراد بالأحزاب المتحزبون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المشركين واليهود والنصارى والمراد بالبعض الذى أنكروه من خالف ما يعتقدونه على اختلاف اعتقادهم واعترض على هذا بأن فرح المسلمين بنزول القرآن معلوم فلا فائدة فى ذكره وأجيب عنه بأن المراد زيادة الفرح والاستبشار وقال كثير من المفسرين إن عبد الله بن سلام والذين آمنوا معه من أهل الكتاب ساءهم قلة ذكر الرحمن فى القرآن مع كثرة ذكره فى التوراة فأنزل الله ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ( ففرحوا بذلك ثم لما بين ما يحصل بنزول القرآن من الفرح للبعض والإنكار للبعض صرح بما عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأمره أن يقول لهم ذلك فقال ) قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ( أى لا أشرك به بوجه من الوجوه أى قل لهم يا محمد إلزاما للحجة وردا للإنكار إنما أمرت فيما أنزل إلى بعبادة الله وتوحيده وهذا أمر اتفقت عليه الشرائع وتطابقت على عدم إنكاره جميع الملل المقتدية بالرسل وقد اتفق القراء على نصب ولا أشرك به عطفا على أعبد وقرأ أبو خليد بالرفع على الاستئناف وروى هذه القراءة عن نافع ? إليه أدعوا ? أى إلى الله لا إلى غيره أو إلى ما أمرت به وهو عبادة الله وحده والأول أولى لقوله ) وإليه مآب ( فإن الضمير لله سبحانه أى إليه وحده لا إلى غيره مرجعى
الرعد : ( 37 ) وكذلك أنزلناه حكما . . . . .
ثم ذكر بعض فضائل القرآن وأوعد على الإعراض عن اتباعه مع التعرض لرد ما أنكروه من اشتماله على نسخ بعض شرائعهم فقال ) وكذلك أنزلناه حكما عربيا ( أى مثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا القرآن مشتملا على أصول الشرائع وفروعها وقيل المعنى وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغاتهم كذلك أنزلنا عليك القرآن بلسان العرب ونريد بالحكم ما فيه من الأحكام أو حكمة عربية مترجمة بلسان العرب وانتصاب حكما على الحال ) ولئن اتبعت أهواءهم ( التى يطلبون منك موافقتهم عليها كالاستمرار منك على التوجه إلى قبلتهم وعدم مخالفتك لشيء مما يعتقدونه ) بعد ما جاءك من العلم (


"""""" صفحة رقم 88 """"""
الذى علمك الله إياه مالك من الله أى من جنابه ) من ولي ( يلى أمرك وينصرك ) ولا واق ( يقيك من عذابه والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعريض لأمته واللام فى ولئن اتبعت هى الموطئة للقسم ومالك ساد مسد جواب القسم والشرط
الرعد : ( 38 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . .
) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ( أى إن الرسل الذين أرسلناهم قبلك هم من جنس البشر له أزواج من النساء ولهم ذرية توالدوا منهم ومن أزواجهم ولم نرسل الرسل من الملائكة الذين لا يتزوجون ولا يكون لهم ذرية وفى هذا رد على من كان ينكر على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تزوجه بالنساء أى أن هذا شأن رسل الله المرسلين قبل هذا الرسول فما بالكم تنكرون عليه ما كانوا عليه ) وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ( أى لم يكن لرسول من الرسل أن يأتى بآية من الآيات ومن جملتها ما اقترحه عليه الكفار إلا بإذن الله سبحانه وفيه رد على الكفار حيث اقترحوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الآيات ما اقترحوا بما سبق ذكره ) لكل أجل كتاب ( أى لكل أمر مما قضاه الله أو لكل وقت من الأوقات التى قضى الله بوقوع أمر فيها كتاب عند الله يكتبه على عباده ويحكم به فيهم وقال الفراء فيه تقديم وتأخير والمعنى لكل كتاب أجل أى لكل أمر كتبه الله أجل مؤجل ووقت معلوم كقوله سبحانه ) لكل نبإ مستقر ( وليس الأمر على حسب إرادة الكفار واقتراحاتهم بل على حسب ما يشاؤه ويختاره
الرعد : ( 39 ) يمحو الله ما . . . . .
) يمحو الله ما يشاء ويثبت ( أى يمحو من ذلك الكتاب ويثبت ما يشاء منه يقال محوت الكتاب محوا إذا أذهبت أثره قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ) ويثبت ( بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد وظاهر النظم القرآني العموم فى كل شئ مما فى الكتاب فيمحوه ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر أو خير أو شر ويبدل هذا بهذا ويجعل هذا مكان هذا ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبو وائل وقتادة والضحاك وابن جريج وغيرهم وقيل الآية خاصة بالسعادة والشقاوة وقيل يمحو ما يشاء من ديوان الحفظة وهو ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ويثبت ما فيه الثواب والعقاب وقيل يمحو ما يشاء من الرزق وقيل يمحو من الأجل وقيل يمحو ما يشاء من الشرائع فينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه وقيل يمحو ما يشاء من ذنوب عباده ويترك ما يشاء وقيل يمحو ما يشاء من الذنوب بالتوبة ويترك ما يشاء منها مع عدم التوبة وقيل يمحو الآباء ويثبت الأبناء وقيل يمحو القمر ويثبت الشمس كقوله ) فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ( وقيل يمحو ما يشاء من الأرواح التى يقبضها حال النوم فيميت صاحبه ويثبت ما يشاء فيرده إلى صاحبه وقيل يمحو ما يشاء من القرون ويثبت ما يشاء منها وقيل يمحو الدنيا ويثبت الآخرة وقيل غير ذلك مما لا حاجة إلى ذكره والأول أولى كما تفيده ما فى قوله ما يشاء من العموم مع تقدم ذكر الكتاب فى قوله ) لكل أجل كتاب ( ومع قوله ) وعنده أم الكتاب ( أى أصله وهو اللوح المحفوظ فالمراد من الآية أنه يمحو ما يشاء مما فى اللوح المحفوظ فيكون كالعدم ويثبت ما يشاء مما فيه فيجرى فيه قضاؤه وقدره على حسب ما تقتضيه مشيئته وهذا لا ينافى ما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله جف القلم وذلك لأن المحو والإثبات هو من جملة ما قضاه الله سبحانه وقيل إن أم الكتاب هو علم الله تعالى بما خلق وما هو خالق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) يفرحون بما أنزل إليك ( قال أولئك أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فرحوا بكتاب الله وبرسله وصدقوا به ) ومن الأحزاب من ينكر بعضه ( يعنى اليهود والنصارى والمجوس وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد فى الآية قال هؤلاء من آمن برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الكتاب يفرحون بذلك ومنهم من يؤمن به ومنهم من


"""""" صفحة رقم 89 """"""
لا يؤمن به ) ومن الأحزاب من ينكر بعضه ( قال الأحزاب الأمم اليهود والنصارى والمجوس وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وإليه مآب ( قال إليه مصير كل عبد وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن التبتل وقرأ قتادة ) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن هشام قال دخلت على عائشة فقلت إني أريد أن أتبتل قالت لا تفعل أما سمعت الله يقول ) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ( وقد ورد فى النهي عن التبتل والترغيب فى النكاح ما هو معروف وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال قالت قريش حين أنزل ) وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ( ما نراك يا محمد تملك من شيء ولقد فرغ من الأمر فأنزلت هذه الآية تخويفا لهم ووعيدا لهم ) يمحو الله ما يشاء ويثبت ( إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا شيئا ويحدث الله فى كل رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الشعب عن ابن عباس فى قوله ) يمحو الله ما يشاء ويثبت ( قال ينزل الله فى كل شهر رمضان إلى سماء الدنيا فيدبر أمر السنة إلى السنة فيمحو ما يشاء ويثبت إلا الشقاوة والسعادة والحياة والموت وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال هو الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة فهو الذى يمحو والذى يثبت الرجل يعمل بمعصية الله وقد سبق له خير حتى يموت على طاعة الله وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضا فى الآية قال هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت وعنده أم الكتاب ( ( أي جملة الكتاب ) ) وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء له دفتان من ياقوت والدفتان لوحان لله كل يوم ثلاث وستون لحظة يمحو الله ما يشاء ويثبت عنده أم الكتاب وإسناده عند ابن جرير هكذا حدثنا محمد بن شهر بن عسكر حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فذكره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله ينزل فى ثلاث ساعات يبقين من الليل فيفتح الذكر فى الساعة الأولى منها ينظر فى الذكر الذى لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو الله ما يشاء ويثبت الحديث وأخرج الطبراني فى الأوسط وابن مردويه بإسناد قال السيوطي ضعيف عن ابن عمر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الشقاوة والسعادة والحياة والممات وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال لا ينفع الحذر من القدر ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر وأخرج ابن جرير عن قيس بن عباد قال العاشر من رجب وهو يوم يمحو الله فيه ما يشاء وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الشعب عنه نحوه بأطول منه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال وهو يطوف بالبيت اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى المدخل عن ابن عباس فى قوله ) يمحو الله ما يشاء ويثبت ( قال يبدل الله ما يشاء من القرآن فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله ) وعنده أم الكتاب ( يقول وجملة ذلك عنده فى أم الكتاب الناسخ والمنسوخ ما يبدل وما يثبت كل ذلك


"""""" صفحة رقم 90 """"""
فى كتاب وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) وعنده أم الكتاب ( قال الذكر وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن يسار عن ابن عباس أنه سأل كعبا عن أم الكتاب فقال علم الله ما هو خالق وما خلقه عالمون فقال لعلمه كن كتابا فكان كتابا
سورة الرعد الآية ( 40 43 )
الرعد : ( 40 ) وإما نرينك بعض . . . . .
) وإما نرينك ( ما زائدة وأصله وإن نرك ) بعض الذي نعدهم ( من العذاب كما وعدناهم بذلك بقولنا ) لهم عذاب في الحياة الدنيا ( وبقولنا ) ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ( والمراد أريناك بعض ما نعدهم قبل موتك أو توفيناك قبل إراءتك لذلك ) فإنما عليك البلاغ ( أى فليس عليك إلا تبليغ أحكام الرسالة ولا يلزمك حصول الإجابة منهم لما بلغته إليهم ) وعلينا الحساب ( أى محاسبتهم بأعمالهم ومجازاتهم عليها وليس ذلك عليك وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وإخبار له أنه قد فعل ما أمره الله به وليس عليه غيره وأن من لم يجب دعوته ويصدق نبوته فالله سبحانه محاسبه على ما اجترم واجترأ عليه من ذلك
الرعد : ( 41 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا ( يعني أهل مكة والاستفهام للإنكار أى أو لم ينظروا ) أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ( أى نأتي أرض الكفر كمكة ننقصها من أطرافها بالفتوح على المسلمين منها شيئا فشيئا قال الزجاج أعلم الله أن بيان ما وعد المشركين من قهرهم قد ظهر يقول أو لم يروا أنا فتحنا على المسلمين من الأرض ما قد تبين لهم فكيف لا يعتبرون وقيل إن معنى الآية موت العلماء والصلحاء قال القشيري وعلى هذا فالأطراف الأشراف وقد قال ابن الأعرابي الطرف الرجل الكريم قال القرطبي وهذا القول بعيد لأن مقصود الآية أنا أريناهم النقصان فى أمرهم ليعلموا أن تأخير العقاب عنهم ليس عن عجز إلا أن يحمل على موت أحبار اليهود والنصارى وقيل المراد من الآية خراب الأرض المعمورة حتى يكون العمران فى ناحية منها وقيل المراد بالآية هلاك من هلك من الأمم وقيل المراد نقص ثمرات الأرض وقيل المراد جور ولاتها حتى تنقص ) والله يحكم لا معقب لحكمه ( أى يحكم ما يشاء فى خلقه فيرفع هذا ويضع هذا ويحيى هذا ويميت هذا ويغني هذا ويفقر هذا وقد حكم بعزة الإسلام وعلوه على الأديان وجملة ) لا معقب لحكمه ( فى محل نصب على الحال وقيل معترضة والمعقب الذى يكر على الشيء فيبطله وحقيقته الذى يقفيه بالرد والإبطال قال الفراء معناه لا راد لحكمه قال والمعقب الذى يتبع الشيء فيستدركه ولا يستدرك أحد عليه والمراد من الآية أنه لا يتعقب أحد حكم الله سبحانه بنقص ولا تغيير ) وهو سريع الحساب ( فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته على السرعة
الرعد : ( 42 ) وقد مكر الذين . . . . .
) وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا ( أى قد مكر الكفار الذين من قبل كفار مكة بمن أرسله الله إليهم من الرسل


"""""" صفحة رقم 91 """"""
فكادوهم وكفروا بهم وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم وأن المكر كله لله فقال ) فلله المكر جميعا ( لا اعتداد بمكر غيره ثم فسر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره فقال ) يعلم ما تكسب كل نفس ( من خير وشر فيجازيها على ذلك ومن علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها كان المكر كله له لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون وقال الواحدي إن مكر الماكرين مخلوق فلا يضر إلا بإرادته وقيل المعنى فلله جزاء مكر الماكرين ) وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ( قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ) الكافر ( بالإفراد وقرأ الباقون الكفار بالجمع أى سيعلم جنس الكافر لمن العاقبة المحمودة من الفريقين فى دار الدنيا أو فى الدار الآخرة أو فيهما وقيل المراد بالكافر أبو جهل
الرعد : ( 43 ) ويقول الذين كفروا . . . . .
) ويقول الذين كفروا لست مرسلا ( أى يقول المشركون أو جميع الكفار لست يا محمد مرسلا إلى الناس من الله فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم فقال ) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ( فهو يعلم صحة رسالتى وصدق دعواتى ويعلم كذبكم ) ومن عنده علم الكتاب ( أى علم جنس الكتاب كالتوراة والإنجيل فإن أهلهما العالمين بهما يعلمون صحة رسالة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد أخبر بذلك من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري ونحوهم وقد كان المشركون من العرب يسألون أهل الكتاب ويرجعون إليهم فأرشدهم الله سبحانه فى هذه الآية إلى أن أهل الكتاب يعلمون ذلك وقيل المراد بالكتاب القرآن ومن عنده علم منه هم المسلمون وقيل المراد من عنده علم اللوح المحفوظ وهو الله سبحانه واختار هذا الزجاج وقال لأن الأشبه أن الله لا يستشهد على خلقه بغيره
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) ننقصها من أطرافها ( قال ذهاب العلماء وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد فى الفتن وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس فى قوله ) ننقصها من أطرافها ( قال موت علمائها وفقهائها وذهاب خيار أهلها وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد فى تفسير الآية قال موت العلماء وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى الآية قال أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك فى الآية قال يعنى أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان ينتقص له ما حوله من الأرضين ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون وقال الله فى سورة الأنبياء ) نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون ( بل نبي الله وأصحابه هم الغالبون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى الآية قال نقصان أهلها وبركتها وأخرج ابن المنذر عنه قال إنما تنقص الأنفس والثمرات وأما الأرض فلا تنقص وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال أولم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران فى ناحية منها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد ) والله يحكم لا معقب لحكمه ( ليس أحد يتعقب حكمه فيرده كما يتعقب أهل الدنيا بعضهم حكم بعض فيرده وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قدم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أسقف من اليمن فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل تجدني فى الإنجيل قال لا فأنزل الله ) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ( يقول عبد الله بن سلام وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الملك بن عمير عن جندب قال جاء عبد الله بن سلام حتى أخذ بعضاضتى باب المسجد ثم قال أنشدكم بالله أتعلمون أني الذى أنزلت في ) ومن عنده علم الكتاب ( قالوا اللهم نعم وأخرج


"""""" صفحة رقم 92 """"""
ابن جرير وابن مردويه من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس ) ومن عنده علم الكتاب ( قال أهل الكتاب من اليهود والنصارى وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم فى الآية قال كان قوم من أهل الكتاب يشهدون بالحق ويعرفونه منهم عبد الله بن سلام والجارود وتميم الداري وسلمان الفارسي وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن مردويه وابن عدي بسند ضعيف عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ) ومن عنده علم الكتاب ( قال ومن عند الله علم الكتاب وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يقرأ ) ومن عنده علم الكتاب ( يقول ومن عند الله علم الكتاب وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس فى ناسخه عن سعيد بن جبير أنه سئل عن وقوله ) ومن عنده علم الكتاب ( أهو عبد الله بن سلام قال كيف وهذه السورة مكية وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال ما نزل فى عبد الله بن سلام شيء من القرآن وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) ومن عنده علم الكتاب ( قال جبريل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال هو الله
ع14
تفسير
سورة إبراهيم
حول السورة
عليه السلام
اثنتان وخمسون آية وقيل إحدى وخمسون
وهى مكة كما أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس وأخرجه ابن مردويه أيضا عن الزبير وحكاه القرطبي عن الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وقتادة إلا آيتين منها وقيل إلا ثلاث آيات نزلت فى الذين حاربوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهى قوله ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( إلى قوله ) فإن مصيركم إلى النار ( وأخرج النحاس فى ناسخه عن ابن عباس قال هى مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة وهى ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( الآيتين نزلتا فى قتلى بدر من المشركين
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة إبراهيم الآية ( 1 4 )


"""""" صفحة رقم 93 """"""
سورة إبراهيم الآية ( 5 )
إبراهيم : ( 1 ) الر كتاب أنزلناه . . . . .
قوله ) الر ( قد تقدم الكلام فى أمثال هذا وبيان قول من قال إنه متشابه وبيان قول من قال إنه غير متشابه وهو إما مبتدأ خبره كتاب أو خبر مبتدأ محذوف ويكون ) كتاب ( خبر المحذوف مقدر أو خبرا ثانيا لهذا المبتدأ أو يكون ) الر ( مسرودا على نمط التعديد فلا محل له و ) أنزلناه إليك ( صفة لكتاب أى أنزلنا الكتاب إليك يا محمد ومعنى ) لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ( لتخرجهم من ظلمات الكفر والجهل والضلالة إلى نور الإيمان والعلم والهداية جعل الكفر بمنزلة الظلمات والإيمان بمنزلة النور على طريق الاستعارة واللام فى ) لتخرج ( للغرض والغاية والتعريف فى ) الناس ( للجنس والمعنى أنه ( صلى الله عليه وسلم ) يخرج بالكتاب المشتمل على ما شرعه الله لهم من الشرائع مما كانوا فيه من الظلمات إلى ما صاروا إليه من النور وقيل إن الظلمة مستعارة للبدعة والنور مستعار للسنة وقيل من الشك إلى اليقين ولا مانع من إرادة جميع هذه الأمور والباء فى ) بإذن ربهم ( متعلقة بتخرج وأسند الفعل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه الداعي والهادي والمنذر قال الزجاج بما أذن لك من تعليمهم ودعائهم إلى الإيمان ) إلى صراط العزيز الحميد ( هو بدل من إلى النور بتكرير العامل كما يقع مثله كثيرا أى لتخرج الناس من الظلمات إلى صراط العزيز الحميد وهو طريقة الله الواضحة التى شرعها لعباده وأمرهم بالمصير إليها والدخول فيها ويجوز أن يكون مستأنفا بتقدير سؤال كأنه قيل ما هذا النور الذى أخرجه إليه فقيل صراط العزيز الحميد و العزيز هو القادر الغالب و الحميد هو الكامل فى استحقاق الحمد
إبراهيم : ( 2 ) الله الذي له . . . . .
) الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( قرأ نافع وابن عامر بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو الله المتصف بملك ) ما في السماوات وما في الأرض ( وقرأ الجمهور بالجر على أنه عطف بيان لكونه من الأعلام الغالبة فلا يصح وصف ما قبله به لأن العلم لا يوصف به وقيل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى وقال أبو عمرو إن قراءة الجر محمولة على التقديم والتأخير والتقدير إلى صراط الله العزيز الحميد وكان يعقوب إذا وقف على الحميد رفع وإذا وصل خفض قال ابن الأنباري من خفض وقف على ) وما في الأرض ( ثم توعد من لا يعترف بربوبيته فقال ) وويل للكافرين من عذاب شديد ( قد تقدم بيان معنى الويل وأصله النصب كسائر المصادر ثم رفع للدلالة على الثبات قال الزجاج هى كلمة تقال للعذاب والهلكة فدعا سبحانه وتعالى بذلك على من لم يخرج من الكفار بهداية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) له بما أنزله الله عليه مما هو فيه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان و ) من عذاب شديد ( متعلق بويل على معنى يولولون ويضجون من العذاب الشديد الذى صاروا فيه
إبراهيم : ( 3 ) الذين يستحبون الحياة . . . . .
ثم وصف هؤلاء الكفار بقوله ) الذين يستحبون الحياة الدنيا ( أى يؤثرونها لمحبتهم لها ) على الآخرة ( الدائمة والنعيم الأبدي وقيل إن الموصول فى موضع رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى هم الذين وقيل الموصول مبتدأ وخبره أولئك وجملة ) ويصدون ( وكذلك ويبغون معطوفتان على يستحبون ومعنى الصد ) عن سبيل الله ( صرف الناس عنه ومنعهم منه وسبيل الله دينه الذى شرعه لعباده ) ويبغونها عوجا ( أى يطلبون لها زيغا وميلا لموافقة أهوائهم وقضاء حاجاتهم وأغراضهم والعوج بكسر العين فى المعاني وبفتح العين في الأعيان وقد سبق تحقيقه والأصل يبغون له فحذف الحرف وأوصل الفعل إلى الضمير واجتماع هذه الخصال نهاية


"""""" صفحة رقم 94 """"""
الضلال ولهذا وصف ضلالهم بالبعد عن الحق فقال ) أولئك في ضلال بعيد ( والإشارة إلى الموصوفين بتلك الصفات القبيحة والبعد وإن كان من صفة الضال لكنه يجوز وصف الضلال به مجازا لقصد المبالغة
إبراهيم : ( 4 ) وما أرسلنا من . . . . .
ثم لما من على المكلفين بإنزال الكتاب وإرسال الرسول ذكر من كمال تلك النعمة أن ذلك المرسل بلسان قومه فقال ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( أى متلبسا بلسانهم متكلما بلغتهم لأنه إذا كان كذلك فهم عنه المرسل إليهم ما يقوله لهم وسهل عليهم ذلك بخلاف ما لو كان بلسان غيرهم فإنهم لا يدرون ما يقول ولا يفهمون ما يخاطبهم به حتى يتعلموا ذلك اللسان دهرا طويلا ومع ذلك فلا بد أن يصعب عليهم فهم ذلك بعض صعوبة ولهذا علل سبحانه ما امتن به على العباد بقوله ) ليبين لهم ( أى ليوضح لهم ما أمرهم الله به من الشريعة التى شرعها لهم ووحد اللسان لأن المراد بها اللغة وقد قيل فى هذه الآية إشكال لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أرسل إلى الناس جميعا بل إلى الجن والإنس ولغاتهم متباينة وألسنتهم مختلفة وأجيب بأنه وإن كان ( صلى الله عليه وسلم ) مرسلا إلى الثقلين كما مر لكن لما كان قومه العرب وكانوا أخص به وأقرب إليه كان إرساله بلسانهم أولى من إرساله بلسان غيرهم وهم يبينونه لمن كان على غير لسانهم ويوضحونه حتى يصير فاهماله كفهمهم إياه ولو نزل القرآن بجميع لغات من أرسل إليهم وبينه رسول الله لكل قوم بلسانهم لكان ذلك مظنة للاختلاف وفتحا لباب التنازع لأن كل أمة قد تدعى من المعاني فى لسانها ما لا يعرفه غيرها وربما كان ذلك أيضا مفضيا إلى التحريف والتصحيف بسبب الدعاوي الباطلة التى يقع فيها المتعصبون وجملة ) فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ( مستأنفة أى يضل من يشاء إضلاله ويهدي من يشاء هدايته قال الفراء إذا ذكر فعل وبعده فعل آخر فإن لم يكن النسق مشاكلا للأول فالرفع على الاستئناف هو الوجه فيكون معنى هذه الآية ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( ليبين لهم تلك الشرائع باللغة التى ألفوها وفهموها ومع ذلك فإن المضل والهادي هو الله عز وجل والبيان لا يوجب حصول الهداية إلا إذا جعله الله سبحانه واسطة وسببا وتقديم الإضلال على الهداية لأنه متقدم عليها إذ هو إبقاء على الأصل والهداية إنشاء ما لم يكن ) وهو العزيز ( الذى لا يغالبه مغالب ) الحكيم ( الذى يجري أفعاله على مقتضى الحكمة
إبراهيم : ( 5 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
ثم لما بين أن المقصود من بعثة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور أراد أن يبين أن الغرض من إرسال الأنبياء لم يكن إلا ذلك وخص موسى بالذكر لأن أمته أكثر الأمم المتقدمة على هذه الأمة المحمدية فقال ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( أى متلبسا بها والمراد بالآيات المعجزات التى لموسى ومعنى ) أن أخرج ( أى أخرج لأن الإرسال فيه معنى القول ويجوز أن يكون التقدير بأن أخرج والمراد بقومه بنو إسرائيل بعد ملك فرعون ) من الظلمات ( من الكفر أو من الجهل الذى قالوا بسببه ) اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ( ) إلى النور ( إلى الإيمان أو إلى العلم ) وذكرهم بأيام الله ( أى بوقائعه قال ابن السكيت العرب تقول الأيام فى معنى الوقائع يقال فلان عالم بأيام العرب أى بوقائعها وقال الزجاج أى ذكرهم بنعم الله عليهم وبنقم أيام الله التى انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود والمعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد ) إن في ذلك ( أى فى التذكير بأيام الله أو فى نفس أيام الله ) الآيات ( لدلالات عظيمة دالة على التوحيد وكمال القدرة ) لكل صبار ( أى كثير الصبر على المحن والمنح ) شكور ( كثير الشكر للنعم التى أنعم الله بها عليه وقيل المراد بذلك كل مؤمن وعبر عنه بالوصفين المذكورين لأنهما ملاك الإيمان وقدم الصبار على الشكور لكون الشكر عاقبة الصبر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ( قال من الضلالة إلى الهدى وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك فى قوله ) يستحبون ( قال يختارون وأخرج


"""""" صفحة رقم 95 """"""
عبد بن حميد وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال إن الله فضل محمدا على أهل السماء وعلى الأنبياء قيل ما فضله على أهل السماء قال إن الله قال لأهل السماء ) ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ( وقال لمحمد ) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ( فكتب له براءة من النار قيل فما فضله على الأنبياء قال إن الله يقول ) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( وقال لمحمد ) وما أرسلناك إلا كافة للناس ( فأرسله إلى الإنس والجن وأخرج ابن مردويه عن عثمان بن عفان ) إلا بلسان قومه ( قال نزل القرآن بلسان قريش وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير فى قوله ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( قال بالآيات التسع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا ويده والسنين ونقص من الثمرات وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور ( قال من الضلالة إلى الهدى وأخرج النسائي وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى شعب الإيمان عن أبي ابن كعب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وذكرهم بأيام الله ( قال بنعم الله وآلائه وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس ) وذكرهم بأيام الله ( قال نعم الله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) وذكرهم بأيام الله ( قال وعظهم وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع فى الآية قال بوقائع الله فى القرون الأولى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( قال نعم العبد عبد إذا ابتلى صبر وإذا أعطى شكر


"""""" صفحة رقم 96 """"""
سورة إبراهيم الآية ( 6 12 )
إبراهيم : ( 6 ) وإذ قال موسى . . . . .
قوله ) وإذ قال موسى ( الظرف متعلق بمحذوف هو اذكر أى اذكر وقت قول موسى و ) إذ أنجاكم ( متعلق باذكروا أى اذكروا إنعامه عليكم وقت إنجائه لكم من آل فرعون أو بالنعمة أو بمتعلق عليكم أى مستقرة عليكم وقت أنجائه وهو بدل اشتمال من النعمة مرادا بها الإنعام أو العطية ) يسومونكم سوء العذاب ( أى يبغونكم يقال سامه ظلما وأصل السوم الذهاب في طلب الشيء وسوء العذاب مصدر ساء يسوء والمراد حبس العذاب السييء وهو استعبادهم واستعمالهم فى الأعمال الشاقة وعطف ) يذبحون أبناءكم ( على ) يسومونكم سوء العذاب ( وإن كان التذبيح من جنس سوء العذاب إخراجا له عن مرتبة العذاب المعتاد حتى كأنه جنس آخر لما فيه من الشدة ومع طرح الواو كما فى الآية الأخرى يكون التذبيح تفسيرا لسوء العذاب ) ويستحيون نساءكم ( أى يتركونهن فى الحياة لإهانتهن وإذلالهن ) وفي ذلكم ( المذكور من أفعالهم ) بلاء من ربكم عظيم ( أى ابتلاء لكم وقد تقدم تفسير هذه الآية فى سورة البقرة مستوفى
إبراهيم : ( 7 ) وإذ تأذن ربكم . . . . .
) وإذ تأذن ربكم ( تأذن بمعنى أذن قاله الفراء قال فى الكشاف ولا بد فى تفعل من زيادة معنى ليست فى أفعل كأنه قيل وإذ أذن ربكم إيذانا بليغا تنتفى عنه الشكوك وتنزاح الشبه والمعنى وإذ تأذن ربكم فقال ) لئن شكرتم ( أو أجرى تأذن مجرى قال لأنه ضرب من القول انتهى وهذا من قول موسى لقومه وهو معطوف على ) نعمة الله ( أى اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم وقيل هو معطوف على قوله إذ أنجاكم أى اذكروا نعمة الله تعالى فى هذين الوقتين فإن هذا التأذن أيضا نعمة وقيل هو من قول الله سبحانه أى واذكر يا محمد إذ تأذن ربكم وقرأ ابن مسعود ? وإذ قال ربكم ? والمعنى واحد كما تقدم واللام فى ) لئن شكرتم ( هى الموطئة للقسم وقوله ) لأزيدنكم ( ساد مسد جوابي الشرط والقسم وكذا اللام فى ) ولئن كفرتم ( وقوله ) إن عذابي لشديد ( ساد مسد الجوابين أيضا والمعنى لأن شكرتم إنعامي عليكم بما ذكر لأزيدنكم نعمة إلى نعمة تفضلا مني وقيل لأزيدنكم من طاعتي وقيل لأزيدنكم من الثواب والأول أظهر فالشك سبب المزيد ) ولئن كفرتم ( ذلك وجحدتموه ) إن عذابي لشديد ( فلا بد أن يصيبكم منه ما يصيب وقيل إن الجواب محذوف أى ولئن كفرتم لأعذبنكم والمذكور تعليل للجواب المحذوف
إبراهيم : ( 8 ) وقال موسى إن . . . . .
) وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا ( أى إن تكفروا نعمته تعالى أنتم وجميع الخلق ولم تشكروها ) فإن الله ( سبحانه ) لغني ( عن شكركم لا يحتاج إليه ولا يلحقه بذلك نقص ) حميد ( أى مستوجب للحمد لذاته لكثرة إنعامه وإن لم تشكروه أو يحمده غيركم من الملائكة
إبراهيم : ( 9 ) ألم يأتكم نبأ . . . . .
) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم ( يحتمل أن يكون هذا خطابا من موسى لقومه فيكون داخلا تحت التذكير بأيام الله ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه ابتداء خطابا لقوم موسى وتذكيرا لهم بالقرون الأولى وأخبارهم ومجئ رسل الله إليهم ويحتمل أنه ابتداء خطاب من الله سبحانه لقوم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) تحذيرا لهم عن مخالفته النبأ الخبر والجمع الأنباء ومنه قول الشاعر ألم تأتيك والأنباء تنمى
بما لاقت لبون بني زياد
و ) قوم نوح ( بدل من الموصول أو عطف بيان ) وعاد وثمود والذين من بعدهم ( أى من بعد هؤلاء


"""""" صفحة رقم 97 """"""
المذكورين ) لا يعلمهم إلا الله ( أى لا يحصى عددهم ويحيط بهم علما إلا الله سبحانه والموصول مبتدأ وخبره لا يعلمهم إلا الله والجملة معترضة أو يكون الموصول معطوفا على ما قبله ولا يعلمهم إلا الله اعتراض وعدم العلم من غير الله إما أن يكون راجعا إلى صفاتهم وأحوالهم وأخلاقهم ومدد أعمارهم أى هذه الأمور لا يعلمها إلا الله ولا يعلمها غيره أو يكون راجعا إلى ذواتهم أى أنه لا يعلم ذوات أولئك الذين من بعدهم إلا الله سبحانه وجملة ) جاءتهم رسلهم بالبينات ( مستأنفة لبيان النبأ المذكور فى ) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم ( أى جاءتهم الرسل بالمعجزات الظاهرة وبالشرائع الواضحة ) فردوا أيديهم في أفواههم ( أى جعلوا أيدى أنفسهم فى أفواههم ليعضوها غيظا مما جاءت به الرسل كما فى قوله تعالى ) عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ( لأن الرسل جاءتهم بتسفيه أحلامهم وشتم أصنامهم وقيل إن المعنى أنهم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم لما جاءتهم الرسل بالبينات أى اسكتوا واتركوا هذا الذى جئتم به تكذيبا لهم ورد لقولهم وقيل المعنى أنهن أشاروا إلى أنفسهم وما يصدر عنها من المقالة وهى قولهم ) إنا كفرنا بما أرسلتم به ( أى لا جواب لكم سوى هذا الذى قلناه لكم بألسنتنا هذه وقيل وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاء وتعجبا كما يفعله من غلبه الضحك من وضع يده على فيه وقيل المعنى ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم بأفواههم فالضمير الأول للرسل والثاني للكفار وقيل جعلوا أيديهم فى أفواه الرسل ردا لقولهم فالضمير الأول على هذا للكفار والثاني للرسل وقيل معناه أومئوا إلى الرسل أن اسكتوا وقيل أخذوا أيدى الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم وقيل إن الأيدى هنا النعم أى ردوا نعم الرسل بأفواههم أى بالنطق والتكذيب والمراد بالنعم هنا ما جاءهم به من الشرائع وقال أبو عبيدة ونعم ما قال هو ضرب مثل أى لم يؤمنوا ولم يجيبوا والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت قد رد يده فى فيه وهكذا قال الأخفش واعترض ذلك القتيبى فقال لم يسمع أحد من العرب يقول رد يده فى فيه إذا ترك ما أمر به وإنما المعنى عضوا على الأيدى حنقا وغيظا كقول الشاعر يردن فى فيه غيظ الحسود
حتى يعض علي الأكفا
وهذا هو القول الذى قدمناه على جميع هذه الأقوال ومنه قول الشاعر لو أن سلمى أبصرت تجددى
عضت من الوجد بأطراف اليد
وهو أقرب التفاسير للآية إن لم يصح عن العرب ما ذكره أبو عبيدة والأخفش فإن صح ما ذكراه فتفسير الآية به أقرب ) وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ( أى قال الكفار للرسل إنا كفرنا بما أرسلتم به من البينات على زعمكم ) وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه ( أى فى شك عظيم مما تدعوننا إليه من الإيمان بالله وحده وترك ما سواه ) مريب ( أى موجب للريب يقال أربته إذا فعلت أمرا أوجب ريبة وشكا والريب قلق النفس وعدم سكونها وقد قيل كيف صرحوا بالكفر ثم أمرهم على الشك وأجيب بأنهم أرادوا إنا كافرون برسالتكم وإن نزلنا عن هذا المقام فلا أقل من أنا نشك فى صحة نبوتكم ومع كمال الشك لا مطمع فى الاعتراف بنبوتكم
إبراهيم : ( 10 ) قالت رسلهم أفي . . . . .
وجملة ) قالت رسلهم أفي الله شك ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالت لهم الرسل والاستفهام للتقريع والتوبيخ أى أفى وحدانيته سبحانه شك وهى فى غاية الوضوح والجلاء ثم إن الرسل ذكروا بعد إنكارهم على الكفار ما يؤكد ذلك الإنكار من الشواهد الدالة على عدم الشك فى وجوده سبحانه ووحدانيته فقالوا ) فاطر السماوات والأرض ( أى خالقهما ومخترعهما ومبدعهما وموجدهما بعد العدم ) يدعوكم ( إلى الإيمان به وتوحيده ) ليغفر لكم من ذنوبكم ( قال


"""""" صفحة رقم 98 """"""
أبو عبيدة من زائدة ووجه ذلك قوله فى موضع آخر ) إن الله يغفر الذنوب جميعا ( وقال سيبويه هى للتبعيض ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع وقيل التبعيض على حقيقته ولا يلزم من غفران جميع الذنوب لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) غفران جميعها لغيرهم وبهذه الآية احتج من جوز زيادة من فى الإثبات وقيل من للبدل وليست بزائدة ولا تبعيضية أى لتكون المغفرة بدلا من الذنوب ) ويؤخركم إلى أجل مسمى ( أى إلى وقت مسمى عنده سبحانه وهو الموت فلا يعذبكم فى الدنيا ) قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا ( أى ما أنتم إلا بشر مثلنا فى الهيئة والصورة تأكلون وتشربون كما نأكل ونشرب ولستم ملائكة ) تريدون أن تصدونا ( وصفوهم بالبشر أولا ثم بإرادة الصد لهم عما كان يعبد آباؤهم ثانيا أى تريدون أن تصرفونا عن معبودات آبائنا من الأصنام ونحوها ) فأتونا ( إن كنتم صادقين بأنكم مرسلون من عند الله ) بسلطان مبين ( أى بحجة ظاهرة تدل على صحة ما تدعونه وقد جاءوهم بالسلطان المبين والحجة الظاهرة ولكن هذا النوع من تعنتاتهم ولون من تلوناتهم
إبراهيم : ( 11 ) قالت لهم رسلهم . . . . .
) قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ( أى ما نحن فى الصورة والهيئة إلا بشر مثلكم كما قلتم ) ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ( أى يتفضل على من يشاء منهم بالنبوة وقيل بالتوفيق والهداية ) وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان ( أى ما صح ولااستقام لنا أن نأتيكم بحجة من الحجج ) إلا بإذن الله ( أى إلا بمشيئته وليس ذلك فى قدرتنا قيل المراد بالسلطان هنا هو ما يطلبه الكفار من الآيات على سبيل التعنت وقيل أعم من ذلك فإن ما شاءه الله كان وما لم يشأه لم يكن ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( أى عليه وحده وهذا أمر منهم للمؤمنين بالتوكل على الله دون من عداه وكأن الرسل قصدوا بهذا الأمر للمؤمنين الأمر لهم أنفسهم قصدا أوليا
إبراهيم : ( 12 ) وما لنا ألا . . . . .
ولهذا قالوا ) وما لنا ألا نتوكل على الله ( أى وأى عذر لنا فى ألا نتوكل عليه سبحانه ) وقد هدانا سبلنا ( أى والحال أنه قد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه من هدايتنا إلى الطريق الموصل إلى رحمته وهو ما شرعه لعباده وأوجب عليهم سلوكه ) ولنصبرن على ما آذيتمونا ( بما يقع منكم من التكذيب لنا والاقتراحات الباطلة ) وعلى الله ( وحده دون من عداه ) فليتوكل المتوكلون ( قيل المراد بالتوكل الأول استحداثه وبهذا السعى فى بقائه وثبوته وقيل معنى الأول إن الذين يطلبون المعجزات يجب عليهم أن يتوكلوا فى حصولها على الله سبحانه لا علينا فإن شاء سبحانه أظهرها وإن يشاء لم يظهرها ومعنى الثاني ابداء التوكل على الله فى دفع شر الكفار وسفاهتهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع فى قوله ) وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ( قال أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق وأظهرهم على العالم وأخرج ابن جرير عن الحسن لأزيدنكم قال من طاعتى وأخرج ابن المبارك وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقى فى الشعب عن علي ابن صالح مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سفيان الثورى فى الآية قال لا تذهب أنفسكم إلى الدنيا فإنها أهون عند الله من ذلك ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي وأخرج أحمد والبيهقي عن أنس قال أتى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال تمرة من رسول الله فقال للجارية اذهبى إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهما التى عندها وفى إسناد أحمد عمارة بن زاذان وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان وقال ابن معين صالح وقال أبو زرعة لا بأس به وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين وقال البخاري ربما يضطرب فى حديثه وقال أحمد روى عنه أحاديث منكرة وقال أبو داود ليس بذلك وضعفه الدارقطنى وقال ابن عدى لا بأس به وأخرج البخارى فى تاريخه والضياء المقدسي فى المختارة عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من ألهم خمسة


"""""" صفحة رقم 99 """"""
لم يحرم خمسة وفيها ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة وأخرج الحكيم الترمذى فى نوادر الأغر أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم أربع من أعطيهن لم يمنع من الله أربعا وفيها ومن أعطى الشكر لم يمنع الزيادة ولا وجه لتقييد الزيادة بالزيادة فى الطاعة بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه فى رزقه ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ) والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ( ويقول كذب النسابون وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال قال رجل لعلي بن أبي طالب أنا أنسب الناس قال إنك لا تنسب الناس فقال بلى فقال له علي أرأيت قوله ) وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا ( قال أنا أنسب ذلك الكثير قال أرأيت قوله ) ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ( فسكت وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عروة بن الزبير قال ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء معد بن عدنان وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس قال بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) فردوا أيديهم في أفواههم ( قال لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواهم ) وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ( يقولون لا نصدقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكا قويا وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود فردوا أيديهم فى أفواههم قال عضوا عليها وفى لفظ على أناملهم غيظا على رسلهم
سورة إبراهيم الآية ( 13 18 )
إبراهيم : ( 13 ) وقال الذين كفروا . . . . .
قوله ) وقال الذين كفروا ( هؤلاء القائلون هم طائفة من المتمردين عن إجابة الرسل واللام فى ) لنخرجنكم ( هى الموطئة للقسم أى والله لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا لم يقنعوا بردهم لما جاءت به الرسل وعدم امتثالهم لما دعوهم إليه حتى اجترءوا عليهم بهذا وخيروهم بين الخروج من أرضهم أو العود فى ملتهم الكفرية وقد قيل إن أو فى ) أو لتعودن ( بمعنى حتى أو يعنى إلا أن تعودوا كما قاله بعض المفسرين ورد بأنه لا حاجة إلى ذلك بل أو على بابها للتخيير بين أحد الأمرين وقد تقدم تفسير الآية فى سورة الأعراف قيل والعود هنا بمعنى الصيرورة لعصمة الأنبياء عن أن يكونوا على ملة الكفر قبل النبوة وبعدها وقيل إن الخطاب للرسل ولمن


"""""" صفحة رقم 100 """"""
آمن بهم فغلب الرسل على أتباعهم ) فأوحى إليهم ربهم ( أى إلى الرسل ) لنهلكن الظالمين ( أى قال لهم لنهلكن الظالمين
إبراهيم : ( 14 ) ولنسكننكم الأرض من . . . . .
) ولنسكننكم الأرض ( أى أرض هؤلاء الكفار الذين توعدوكم بما توعدوا من الإخراج أو العود ومثل هذه الآية قوله سبحانه ) وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها ( وقال ) وأورثكم أرضهم وديارهم ( وقرئ ليهلكن وليسكننكم بالتحتية فى الفعلين اعتبارا بقوله فأوحى والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين فى مساكنهم ) لمن خاف مقامي ( أى موقفي وذلك يوم الحساب فإنه موقف الله سبحانه والمقام بفتح الميم مكان الإقامة وبالضم فعل الإقامة وقيل إن المقام هنا مصدر بمعنى القيام أى لمن خاف قيامى عليه ومراقبتى له كقوله تعالى ) أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ( وقال الأخفش ذلك لمن خاف مقامى أى عذابى ) وخاف وعيد ( أى خاف وعيدى بالعذاب وقيل بالقرآن وزواجره وقيل هو نفس العذاب والوعيد الإسم من الوعد
إبراهيم : ( 15 ) واستفتحوا وخاب كل . . . . .
) واستفتحوا ( معطوف على أوحى والمعنى أنهم استنصروا بالله على أعدائهم أو سألوا الله القضاء بينهم من الفتاحة وهى الحكومة ومن المعنى الأول قوله ) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( أى إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ومن المعنى الثاني قوله ) ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ( أى احكم والضمير فى استفتحوا للرسل وقيل للكفار وقيل للفريقين ) وخاب كل جبار عنيد ( الجبار المتكبر الذى لا يرى لأحد عليه حقا هكذا حكاه النحاس عن أهل اللغة والعنيد المعاند للحق والمجانب له وهو مأخوذ من العند وهو الناحية أى أخذ فى ناحية معرضا قال الشاعر إذا نزلت فاجعلونى وسطا
إنى كبير لا أطيق العندا
قال الزجاج العنيد الذى يعدل عن القصد وبمثله قال الهروى وقال أبو عبيد هو الذى عند وبغى وقال بن كيسان هو الشامخ بأنفه وقيل المراد به العاصى وقيل الذى أبى أن يقول لا إله إلا الله ومعنى الآية أنه خسر وهلك من كان متصفا بهذه الصفة
إبراهيم : ( 16 ) من ورائه جهنم . . . . .
) من ورائه جهنم ( أى من بعده جهنم والمراد بعد هلاكه على أن وراء ها هنا بمعنى بعد ومنه قول النابغة حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مذهب
أى ليس بعد الله ومثله قوله ) ومن ورائه عذاب غليظ ( أى من بعده كذا قال الفراء وقيل من ورائه أى من أمامه قال أبو عبيد هو من أسماء الأضداد لأن أحدهما ينقلب إلى الآخر ومنه قول الشاعر ومن ورائك يوم أنت بالغه
لا حاضر معجز عنه ولا بادى
وقال آخر أترجو بنو مروان سمعى وطاعتى
وقومى تميم والفلاة ورائيا
أى أمامي ومنه قوله تعالى ) وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ( أى أمامهم وبقول أبي عبيدة هذا قال قطرب وقال الأخفش هو كما يقال هذا الأمر من ورائك أى سوف يأتيك وأنا من وراء فلان إى فى طلبه وقال النحاس من ورائه أى من أمامه وليس من الأضداد ولكنه من توارى أى استتر فصارت جهنم من ورائه لأنها لاترى وحكى مثله ابن الأنباري ) ويسقى من ماء صديد ( معطوف على مقدر جوابا عن سؤال سائل كأنه قيل فماذا يكون إذن قيل يلقي فيها ويسقى والصديد ما يسيل من جلود أهل النار واشتقاقه من الصد لأنه يصد الناظرين عن رؤيته وهو دم مختلط بقيح والصديد صفة لماء وقيل عطف بيان منه
إبراهيم : ( 17 ) يتجرعه ولا يكاد . . . . .
ويتجرعه في محل جر على أنه صفة لماء أو في محل نصب على أنه حال وقيل هو استئناف مبني على سؤال والتجرع التحسي أى يتحساه مرة بعد مرة لا مرة واحدة لمرارته وحرارته ) ولا يكاد يسيغه ( أي


"""""" صفحة رقم 101 """"""
يبتلعه يقال ساغ الشراب فى الحلق يسوغ سوغا إذا كان سهلا والمعنى ولا يقارب إساغته فكيف تكون الإساغة بل يغص به فيطول عذابه بالعطش تارة ويشربه على هذه الحال أخرى وقيل إنه يسيغه بعد شدة وإبطاء كقوله ) وما كادوا يفعلون ( أي يفعلون بعد إبطاء كما يدل عليه قوله تعالى فى آية أخرى يصهر به ما فى بطونهم ) ويأتيه الموت من كل مكان ( أى تأتيه أسباب الموت من كل جهة من الجهات أو من كل موضع من مواضع بدنه وقال الأخفش المراد بالموت هنا البلايا التى تصيب الكافر فى النار سماها موتا لشدتها ) وما هو بميت ( أى والحال أنه لم يمت حقيقة فيستريح وقيل تعلق نفسه فى حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيحيا ومثله قوله تعالى ) لا يموت فيها ولا يحيى ( وقيل معنى وما هو بميت لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته عليه والأولى تفسير الآية بعدم الموت حقيقة لما ذكرنا من قوله سبحانه ) لا يموت فيها ولا يحيى ( وقوله ) لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ( ) ومن ورائه عذاب غليظ ( أى من أمامه أو من بعده عذاب شديد وقيل هو الخلود وقيل حبس النفس
إبراهيم : ( 18 ) مثل الذين كفروا . . . . .
) مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد ( قال سيبويه مثل مرتفع على الابتداء والخبر مقدر أى فيما يتلى عليكم مثل الذين كفروا وبه قال الزجاج وقال الفراء التقدير مثل أعمال الذين كفروا فحذف المضاف وروى عنه أنه قال بإلغاء مثل والتقدير الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد وقيل هو أعنى مثل مبتدأ وخبره أعمالهم كرماد على أن معناه الصفة فكأنه قال صفتهم العجيبة أعمالهم كرماد والمعنى أن أعمالهم باطلة غير مقبولة والرماد ما يبقى بعد احتراق الشئ ضرب الله سبحانه هذه الآية مثلا لأعمال الكفار فى أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف ومعنى اشتدت به الريح حملته بشدة وسرعة والعصف شدة الريح وصف به زمانها مبالغة كما يقال يوم حار ويوم بارد والبرد والحر فيهما لا منهما ) لا يقدرون مما كسبوا على شيء ( أى لا يقدر الكفار مما كسبوا من تلك الأعمال الباطلة على شئ منها ولا يرون له أثرا فى الآخرة يجازون به ويثابون عليه بل جميع ما عملوه فى الدنيا باطل ذاهب كذهاب الريح بالرماد عند شدة هبوبها والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما دل عليه التمثيل أى هذا البطلان لأعمالهم وذهاب أثرها ) هو الضلال البعيد ( عن طريق الحق المخالف لمنهج الصواب لما كان هذا خسرانا لا يمكن تداركه سماه بعيدا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) لنخرجنكم من أرضنا ( الآية قال كانت الرسل والمؤمنون يستضعفهم قومهم ويقهرونهم ويكذبونهم ويدعونهم إلى أن يعودوا فى ملتهم فأبى الله لرسوله والمؤمنين أن يعودوا فى ملة الكفر وأمرهم أن يتوكلوا على الله وأمرهم أن يستفتحوا على الجبابرة ووعدهم أن يسكنهم الأرض من بعدهم فأنجز لهم ما وعدهم واستفتحوا كما أمرهم الله أن يستفتحوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى الآية قال وعدهم النصر فى الدنيا والجنة فى الآخرة فبين الله من يسكنها من عباده فقال ) ولمن خاف مقام ربه جنتان ( وإن لله مقاما هو قائمه وإن أهل الإيمان خافوا ذلك المقام فنصبوا ودأبوا الليل والنهار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) واستفتحوا ( قال للرسل كلها يقول استنصروا وفى قوله ) وخاب كل جبار عنيد ( قال معاند للحق مجانب له وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى الآية قال استنصرت الرسل على قومها ) وخاب كل جبار عنيد ( يقول عنيد عن الحق معرض عنه أبى أن يقول لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال العنيد الناكب عن الحق وأخرج أحمد والترمذى والنسائي وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن


"""""" صفحة رقم 102 """"""
المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم فى الحلية وصححه وابن مردويه والبيهقى عن أبي أمامة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) ويسقى من ماء صديد يتجرعه ( قال يقرب إليه فيتكرهه فإذا دنا منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره يقول الله تعالى ) وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ( وقال ) وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ( وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس فى قوله ) من ماء صديد ( قال يسيل من جلد الكافر ولحمه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال ) من ماء صديد ( هو القيح والدم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ويأتيه الموت من كل مكان ( قال أنواع العذاب وليس منها نوع إلا الموت يأتيه منه لو كان يموت ولكنه لا يموت لأن الله يقول ) لا يقضى عليهم فيموتوا ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ) ويأتيه الموت من كل مكان ( قال من كل عظم وعرق وعصب وأخرج أبو الشيخ فى العظمة عن محمد بن كعب نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي قال من موضع كل شعرة فى جسده ) ومن ورائه عذاب غليظ ( قال الخلود وأخرج ابن المنذر عن الفضيل بن عياض ) ومن ورائه عذاب غليظ ( قال حبس الأنفاس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) مثل الذين كفروا بربهم ( الآية قال مثل الذين عبدوا غيره فأعمالهم يوم القيامة كرماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف لا يقدرون على شيء من أعمالهم ينفعهم كما لا يقدر على الرماد إذا أرسل فى يوم عاصف
سورة إبراهيم الآية ( 19 23 )
إبراهيم : ( 19 ) ألم تر أن . . . . .
قوله ) ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق ( الرؤية هنا هى القلبية والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعريضا لأمته أو الخطاب لكل من يصلح له وقرأ حمزة والكسائي ? خالق السموات ? ومعنى بالحق بالوجه الصحيح الذى يحق أن يخلقها عليه ليستدل بها على كمال قدرته ثم بين كمال قدرته سبحانه واستغناءه عن كل واحد من خلقه فقال ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( فيعدم الموجودين ويوجد المعدومين


"""""" صفحة رقم 103 """"""
ويهلك العصاة ويأتى بمن يطيعه من خلقه والمقام يحتمل أن يكون هذا الخلق الجديد من نوع الإنسان ويحتمل أن يكون من نوع آخر
إبراهيم : ( 20 ) وما ذلك على . . . . .
) وما ذلك على الله بعزيز ( أى بممتنع لأنه سبحانه قادر على كل شيء وفيه أن الله تعالى هو الحقيق بأن يرجى ثوابه ويخاف عقابه
إبراهيم : ( 21 ) وبرزوا لله جميعا . . . . .
فلذلك أتبعه بذكر أحوال الآخرة فقال ) وبرزوا لله جميعا ( أى برزوا من قبورهم يوم القيامة والبروز الظهور والبراز المكان الواسع لظهوره ومنه امرأة برزة أى تظهر للرجال فمعنى برزوا ظهروا من قبورهم وعبر بالماضى عن المستقبل تنبيها على تحقيق وقوعه كما هو مقرر فى علم المعاني وإنما قال وبرزوا لله مع كونه سبحانه عالما بهم لا تخفى عليه خافية من أحوالهم برزوا أو لم يبرزوا لأنهم كانوا يستترون عن العيون عند فعلهم للمعاصى ويظنون أن ذلك يخفى على الله تعالى فالكلام خارج على ما يعتقدونه ) فقال الضعفاء للذين استكبروا ( أى قال الأتباع الضعفاء للرؤساء الأقوياء المتكبرين لما هم فيه من الرياسة ) إنا كنا لكم تبعا ( أى فى الدنيا فكذبنا الرسل وكفرنا بالله متابعة لكم والتبع جمع تابع أو مصدر وصف به للمبالغة أو على تقدير ذوى تبع قال الزجاج جمعهم فى حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع فقال الضعفاء للذين استكبروا من أكابرهم عن عبادة الله إنا كنا لكم تبعا جمع تابع مثل خادم وخدم وحارس وحرس وراصد ورصد ) فهل أنتم مغنون عنا ( أى دافعون عنا من عذاب الله من شئ من الأولى للبيان والثانية للتبعيض أى بعض الشئ الذى هو عذاب الله يقال أغنى عنه إذا دفع عنه الأذى وأغناه إذا أوصل إليه النفع ) قالوا لو هدانا الله لهديناكم ( أى قال المستكبرون مجيبين عن قول المستضعفين والجملة مستأنفة بتقدير سؤال كأنه قيل كيف أجابوا أى لو هدانا الله إلى الإيمان لهديناكم إليه وقيل لو هدانا الله إلى طريق الجنة لهديناكم إليها وقيل لونجانا الله من العذاب لنجيناكم منه ) سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ( أى مستو علينا الجزع والصبر والهمزة وأم لتأكيد التسوية كما فى قوله ) سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ( ) ما لنا من محيص ( أى من منجا ومهرب من العذاب يقال حاص فلان من كذا أى فر وزاغ يحيص حيصا وحيوصا وحيصانا والمعنى ما لنا وجه نتباعد به عن النار ويجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين وإن كان الظاهر أنه من كلام المستكبرين
إبراهيم : ( 22 ) وقال الشيطان لما . . . . .
) وقال الشيطان لما قضي الأمر ( أى قال للفريقين هذه المقالة ومعنى لما قضى الأمر لما دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار على ما يأتى بيانه فى سورة مريم ) إن الله وعدكم وعد الحق ( وهو وعده سبحانه بالبعث والحساب ومجازاة المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته ) ووعدتكم فأخلفتكم ( أى وعدتكم وعدا باطلا بأنه لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار فأخلفتكم ما وعدتكم به من ذلك قال الفراء وعد الحق هو من إضافة الشيء إلى نفسه كقولهم مسجد الجامع وقال البصريون وعدكم وعد اليوم الحق ) وما كان لي عليكم من سلطان ( أى تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم ) إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي ( أى إلا مجرد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان ودعوته إياهم ليست من جنس السلطان حتى تستثنى منه بل الاستثناء منقطع أى لكن دعوتكم فاستجبتم لى أى فسارعتم إلى إجابتى وقيل المراد بالسلطان هنا القهر أى ما كان لى عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتى وقيل هذا الاستثناء هو من باب تحية بينهم ضرب وجيع مبالغة فى نفيه للسلطان عن نفسه كأنه قال إنما يكون لى عليكم سلطان إذا كان مجرد الدعاء من السلطان وليس منه قطعا ) فلا تلوموني ( بما وقعتم فيه بسبب وعدى لكم بالباطل وإخلافى لهذا الموعد ) ولوموا أنفسكم ( باستجابتكم لى بمجرد الدعوة التى لا سلطان عليها ولا حجة فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوى الزائغة عن طريق الحق فعلى نفسه جنى ولمارنه قطع ولا سيما ودعوتى هذه الباطلة وموعدى الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق ودعوته لكم إلى الدار السلام مع قيام الحجة


"""""" صفحة رقم 104 """"""
التى لا تخفى على عاقل ولا تلتبس إلا على مخذول وقريب من هذا من يقتدى بآراء الرجال المخالفة لما فى كتاب الله سبحانه ولما فى سنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ويؤثرها على ما فيهما فإنه قد استجاب للباطل الذى لم تقم عليه حجة ولا دل عليه برهان وترك الحجة والبرهان خلف ظهره كما يفعله كثير من المقتدين بالرجال المتنكبين طريق الحق بسوء اختيارهم اللهم غفرا ) ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ( يقال صرخ فلان إذا استغاث يصرخ صراخا وصرخا واستصرخ بمعنى صرخ والمصرخ المغيث والمستصرخ المستغيث يقال استصرخنى فأصرخته والصريخ صوت المستصرخ والصريخ أيضا الصارخ وهو المغيث والمستغيث وهو من أسماء الأضداد كما فى الصحاح قال ابن الأعرابى الصارخ المستغيث والمصرخ المغيث ومعنى الآية ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب وما أنتم بمغيثى مما أنا فيه وفيه إرشاد لهم إلى أن الشيطان فى تلك الحالة مبتلى بما ابتلوا به من العذاب محتاج إلى من يغيثه ويخلصه مما هو فيه فكيف يطمعون فى إغاثة من هو محتاج إلى من يغيثه ومما ورد مورد هذه الأقوال من قول العرب قول أمية بن أبى الصلت فلا تجزعوا إنى لكم غير مصرخ
وليس لكم عندى غناء ولا نفر
? ومصرخى ? بفتح الياء فى قراءة الجمهور وقرأ الأعمش وحمزة بكسر الياء على أصل التقاء الساكنين قال الفراء قراءة حمزة وهم منه وقل من سلم عن خطأ وقال الزجاج هى قراءة رديئة ولا وجه لها إلا وجه ضعيف يعنى ما ذكرناه من أنه كسرها على الأصل فى التقاء الساكنين وقال قطرب هذه لغة بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء وأنشد الفراء فيما ورد على هذه القراءة قول الشاعر قلت لها يا تاء هل لك فى
قالت له ما أنت بالمرضى
) إني كفرت بما أشركتمون من قبل ( لما كشف لهم القناع بأنه لا يغنى عنهم من عذاب الله شيئا ولا ينصرهم بنوع من أنواع النصر صرح لهم بأنه كافر بإشراكهم له مع الله فى الربوبية من قبل هذا الوقت الذى قال لهم الشيطان فيه هذه المقالة وهو ما كان منهم فى الدنيا من جعله شريكا ولقد قام لهم الشيطان فى هذا اليوم مقاما يقصم ظهورهم ويقطع قلوبهم فأوضح لهم أولا أن مواعيده التى كان يعدهم بها فى الدنيا باطلة معارضة لوعد الحق من الله سبحانه وأنه أخلفهم ما وعدهم من تلك المواعيد ولم يف لهم بشيء منها ثم أوضح لهم ثانيا بأنهم قبلوا قوله بما لا يوجب القبول ولا ينفق على عقل عاقل لعدم الحجة التى لا بد للعاقل منها فى قبول قول غيره ثم أوضح ثالثا بأنه لم يكن منه إلا مجرد الدعوة العاطلة عن البرهان الخالية عن أيسر شيء مما يتمسك به العقلاء ثم نعى عليهم رابعا ما وقعوا فيه ودفع لومهم له وأمرهم بأن يلوموا أنفسهم لأنهم هم الذين قبلوا الباطل البحت الذى لا يلتبس بطلانه على من له أدنى عقل ثم أوضح لهم خامسا بأنه لا نصر عنده ولا إغاثة ولا يستطيع لهم نفعا ولا يدفع عنهم ضرا بل هو مثلهم فى الوقوع فى البلية والعجز عن الخلوص عن هذه المحنة ثم صرح لهم سادسا بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له فتضاعفت عليهم الحسرات وتوالت عليهم المصائب وإذا كان جملة ) إن الظالمين لهم عذاب أليم ( من تتمة كلامه كما ذهب إليه البعض فهو نوع سابع من كلامه الذى خاطبهم به فأثبت لهم الظلم ثم ذكر ما هو جزاؤهم عليه من العذاب الأليم لا على قول من قال إنه ابتداء كلام من جهة الله سبحانه وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن ما مصدرية فى ) بما أشركتمون ( وقيل يجوز أن تكون موصولة على معنى إنى كفرت بالذى أشركتمونيه وهو الله عز وجل ويكون هذه حكاية لكفره بالله عند أن أمره بالسجود لآدم
إبراهيم : ( 23 ) وأدخل الذين آمنوا . . . . .
) وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ( لما أخبر سبحانه بحال أهل النار أخبر بحال أهل الجنة وقرأ الجمهور


"""""" صفحة رقم 105 """"""
) ادخل ( على البناء للمفعول وقرأ الحسن ) وأدخل ( على الاستقبال والبناء للفاعل أى وأنا أدخل الذين آمنوا ثم ذكر سبحانه خلودهم فى الجنات وعدم انقطاع نعيمهم ثم ذكر أن ذلك بإذن ربهم أى بتوفيقه ولطفه وهدايته هذا على قراءة الجمهور وأما على قراءة الحسن فيكون ) بإذن ربهم ( متعلقا بقوله ) تحيتهم فيها سلام ( أى تحية الملائكة فى الجنة سلام بإذن ربهم وقد تقدم تفسير هذا فى سورة يونس
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) ويأت بخلق جديد ( قال بخلق آخر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) فقال الضعفاء ( قال الأتباع ) للذين استكبروا ( قال للقادة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم فى قوله ) سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ( قال زيد بن أسلم جزعوا مائة سنة وصبروا مائة سنة وأخرج ابن أبي حاتم والطبرانى وابن مردويه عن كعب بن مالك يرفعه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) سواء علينا ( الآية قال يقول أهل النار هلموا فلنصبر فيصبرون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا هلموا فلنجزع فبكوا خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص والظاهر أن هذه المراجعة كانت بينهم بعد دخولهم النار كما فى قوله تعالى ) وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ( قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد وأخرج ابن المبارك فى الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبرانى وابن مردويه وابن عساكر عن عقبة بن عامر يرفعه وذكر فيه حديث الشفاعة ثم قال ويقول الكافر عند ذلك قد وجد المؤمنون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ما هو إلا إبليس فهو الذى أضلنا فيأتون إبليس فيقولون قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا فيقوم إبليس فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط ثم يعظهم بجهنم ويقول عند ذلك ) إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ( الآية وضعف السيوطى إسناده ولعل سبب ذلك كون فى إسناده رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن دجين الحجزى عن عقبة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيبا على منبر من نار فقال ) إن الله وعدكم ( إلى قوله ) وما أنتم بمصرخي ( قال بناصرى ) إني كفرت بما أشركتمون من قبل ( بطاعتكم إياى فى الدنيا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبى فى هذه الآية قال خطيبان يقومان يوم القيامة إبليس وعيسى فأما إبليس فيقوم فى حزبه فيقول هذا القول يعنى المذكور فى الآية وأما عيسى فيقول ) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي ( قال ما أنا بنافعكم وما أنتم بنافعى ) إني كفرت بما أشركتمون من قبل ( قال شركه عبادته وأخرح عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة ) ما أنا بمصرخكم ( قال ما أنا بمغيثكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) تحيتهم فيها سلام ( قال الملائكة يسلمون عليهم فى الجنة
سورة إبراهيم الآية ( 24 25 )


"""""" صفحة رقم 106 """"""
سورة إبراهيم الآية ( 26 27 )
إبراهيم : ( 24 ) ألم تر كيف . . . . .
لما ذكر سبحانه مثل أعمال الكفار وأنها كرماد اشتدت به الريح ثم ذكر نعيم المؤمنين وما جازاهم الله به من إدخالهم الجنة خالدين فها وتحية الملائكة لهم ذكر تعالى ها هنا مثلا للكلمة الطيبة وهى كلمة الإسلام أى لا إله إلا الله أو ما هو أعم من ذلك من كلمات الخير وذكر مثلا للكلمة الخبيثة وهى كلمة الشرك أو ما هو أعم من ذلك من كلمات الشر فقال مخاطبا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو مخاطبا لمن يصلح للخطاب ) ألم تر كيف ضرب الله مثلا ( أى اختار مثلا وضعه فى موضعه اللائق به وانتصاب مثلا على أنه مفعول ضرب وكلمة بدل منه ويجوز أن تنتصب الكلمة على أنها عطف بيان لمثلا ويجوز أن تنتصب الكلمة بفعل مقدر أى جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة وحكم بأنها مثلها ومحل كشجرة النصب على أنها صفة لكلمة أو الرفع على تقدير مبتدأ أى هى كشجرة ويجوز أن تكون كلمة أول مفعولى ضرب وأخرت عن المفعول الثاني وهو مثلا لئلا تبعد عن صفتها والأول أولى وكلمة وما بعدها تفسير للمثل ثم وصف الشجرة بقوله ) أصلها ثابت ( أى راسخ آمن من الانقلاع بسبب تمكنها من الأرض بعروقها ) وفرعها في السماء ( أى أعلاها ذاهب إلى جهة السماء مرتفع فى الهواء
إبراهيم : ( 25 ) تؤتي أكلها كل . . . . .
ثم وصفها سبحانه بأنه ) تؤتي أكلها كل حين ( كل وقت بإذن ربها بإرادته ومشيئته قيل وهى النخلة وقيل غيرها قيل والمراد بكونها ) تؤتي أكلها كل حين ( أى كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار فى جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف وقيل المراد فى أوقات مختلفة من غير تعيين وقيل كل غدوة وعشية وقيل كل شهر وقيل كل ستة أشهر قال النحاس وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الخبر عند جميع أهل اللغة إلا من شذ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره وأنشد الأصمعى قول النابغة تطلقه حينا وحينا تراجع
قال النحاس وهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت وقد ورد الحين فى بعض المواضع يراد به أكثر كقوله ) هل أتى على الإنسان حين من الدهر ( وقد تقدم بيان أقوال العلماء فى الحين فى سورة البقرة فى قوله ) ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( وقال الزجاج الحين الوقت طال أم قصر ) ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ( يتفكرون أحوال المبدإ والمعاد وبدائع صنعه سبحانه الدالة على وجوده ووحدانيته وفى ضرب الأمثال زيادة تذكير وتفهيم وتصوير للمعانى
إبراهيم : ( 26 ) ومثل كلمة خبيثة . . . . .
) ومثل كلمة خبيثة ( قد تقدم تفسيرها وقيل هى الكافر نفسه والكلمة الطيبة المؤمن نفسه ) كشجرة خبيثة ( أى كمثل شجرة خبيثة قيل هى شجرة الحنظل وقيل هى شجرة الثوم وقيل الكمأة وقيل الطحلبة وقيل هى الكشوث بالضم وآخره مثلثة وهى شجرة لا ورق لها ولا عروق فى الأرض قال الشاعر
وهى كشوث فلا أصل ولا ثمر
وقرئ ? ومثلا كلمة ? بالنصب عطفا على كلمة طيبة ) اجتثت من فوق الأرض ( أى استؤصلت واقتلعت من أصلها ومنه قول الشاعر
هو الجلاء الذى يجتث أصلكم
قال المؤرخ أخذت جثتها وهى نفسها والجثة شخص الإنسان يقال جثة قلعه واجتثه اقتلعه ومعنى من فوق الأرض أنه ليس لها أصل راسخ وعروق متمكنة من الأرض ) ما لها من قرار ( أى من استقرار على الأرض وقيل من ثبات على الأرض كما أن الكافر وكلمته لا حجة له ولا ثبات فيه ولا خير يأتى منه أصلا ولا يصعد له قول طيب ولا عمل طيب
إبراهيم : ( 27 ) يثبت الله الذين . . . . .
) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ( أى بالحجة الواضحة وهى الكلمة الطيبة المتقدم ذكرها وقد ثبت فى الصحيح


"""""" صفحة رقم 107 """"""
أنها كلمة الشهادة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وذلك إذا قعد المؤمن فى قبره قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فذلك قوله تعالى ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ( وقيل معنى تثبيت الله لهم هو أن يدوموا على القول الثابت ومنه قول عبد الله بن رواحة يثبت الله ما آتاك من حسن
تثبيت موسى ونصرا كالذى نصروا
ومعنى ) في الحياة الدنيا ( أنهم يستمرون على القول الثابت فى الحياة الدنيا قال جماعة المراد بالحياة الدنيا فى هذه الآية القبر لأن الموتى فى الدنيا حتى يبعثوا ومعنى ) وفي الآخرة ( وقت الحساب وقيل المراد بالحياة الدنيا وقت المساءلة فى القبر وفى الآخرة وقت المساءلة يوم القيامة والمراد أنهم إذا سئلوا عن معتقدهم ودينهم أوضحوا ذلك بالقول الثابت من دون تلعثم ولا تردد ولا جهل كما يقول من لم يوفق لا أدرى فيقال له لا دريت ولا تليت ) ويضل الله الظالمين ( أى يضلهم عن حجتهم التى هى القول الثابت فلا يقدرون على التكلم بها فى قبورهم ولا عند الحساب كما أضلهم عن اتباع الحق فى الدنيا قيل والمراد بالظالمين هم الكفرة وقيل كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة فإنه لا يثبت فى مواقف الفتن ولا يهتدى إلى الحق ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا راد لحكمه ولا يسأل عما يفعل قال الفراء أى لا تنكر له قدرة ولا يسأل عما يفعل والإظهار فى محل الإضمار فى الموضعين لتربية المهابة كما قيل والله أعلم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس فى قوله ) ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة ( قال شهادة أن لا إله إلا الله ) كشجرة طيبة ( وهو المؤمن ) أصلها ثابت ( يقول لا إله إلا الله ثابت فى قلب المؤمن ) وفرعها في السماء ( يقول يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء ) ومثل كلمة خبيثة ( وهى الشرك ) كشجرة خبيثة ( يعنى الكافر ) اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ( يقول الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان ولا يقبل الله مع الشرك عملا وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم وأخرج الترمذى والنسائى والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس قال أتى رسول الله صلى الله وآله وسلم بقناع من بسر فقال ) مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ( حتى بلغ ) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ( قال هى النخلة ) ومثل كلمة خبيثة ( حتى بلغ ) ما لها من قرار ( قال هى الحنظلة وروى موقوفا على أنس قال الترمذى الموقوف أصح وأخرج أحمد وابن مردويه قال السيوطى بسند جيد عن عمر عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) كشجرة طيبة ( قال هى التى لا ينقص ورقها قال هى النخلة وأخرج البخارى وغيره من حديث ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوما لأصحابه إن شجرة من الشجر لا يطرح ورقها مثل المؤمن قال فوقع الناس فى شجرة البوادى ووقع فى قلبى أنها النخلة فاستحييت حتى قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هى النخلة وفى لفظ للبخارى قال أخبرونى عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها و لا تؤتى أكلها كل حين فذكر نحوه وفى لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل تدرون ما الشجرة الطيبة ثم قال هى النخلة وروى نحو ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ( قال كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى الآية قال يكون أخضر ثم يكون أصفر وأخرج عنه أيضا فى قوله ) كل حين ( قال جذاذ النخل وأخرج الفريابى وابن جرير وابن المنذر وابن


"""""" صفحة رقم 108 """"""
أبى حاتم عنه أيضا ) تؤتي أكلها كل حين ( قال تطعم فى كل ستة أشهر وأخرج أبو عبيد وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا قال الحين هنا سنة وأخرج البيهقى عنه أيضا قال الحين قد يكون غدوة وعشية وقد روى عن جماعة من السلف فى هذا أقوال كثيرة وأخرج البخارى ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن البراء بن عازب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال المسلم إذا سئل فى القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله سبحانه ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( وأخرج ابن أبى شيبة والبيهقى عن البراء بن عازب فى قوله ) يثبت الله الذين آمنوا ( الآية قال التثبيت فى الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل فى القبر فقالا من ربك فقال ربى الله قال وما دينك قال دينى الإسلام قال ومن نبيك قال نبيى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فذلك التثبيت فى الحياة الدنيا وأخرج البيهقى عن ابن عباس نحوه وأخرج الطبرانى فى الأوسط وابن مردويه عن أبى سعيد فى الآية قال فى الآخرة القبر وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله تعالى ) يثبت الله الذين آمنوا ( الآية قال هذا فى القبر وأخرج البيهقى من حديثها نحوه وأخرج البزار عنها أيضا قالت قلت يا رسول الله تبتلى هذه الأمة فى قبورها فكيف بى وأنا امرأة ضعيفة قال ) يثبت الله الذين آمنوا ( الآية وقد وردت أحاديث كثيرة فى سؤال الملائكة للميت فى قبره وفى جوابه عليهم وفى عذاب القبر وفتنته وليس هذا موضع بسطها وهى معروفة
سورة إبراهيم الآية ( 28 34 )
إبراهيم : ( 28 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر ( هذا خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له وهو تعجيب من حال الكفار حتى جعلوا بدل نعمة الله عليهم الكفر أى بدل شكرها الكفر بها وذلك بتكذيبهم محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) حين بعثه الله منهم وأنعم عليهم به وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أنهم كفار مكة وأن الآية نزلت فيهم وقيل نزلت فى الذين قاتلوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر وقيل نزلت فى بطنين من بطون قريش بنى مخزوم وبنى أمية وقيل نزلت فى متنصرة العرب وهم جبلة بن الأيهم وأصحابه وفيه نظر فإن جبلة وأصحابه لم يسلموا إلا فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقيل إنها عامة فى جميع المشركين وقيل


"""""" صفحة رقم 109 """"""
المراد بتبديل نعمة الله كفرا أنهم لما كفروها سلبهم الله ذلك فصاروا متبدلين بها الكفر ) وأحلوا قومهم دار البوار ( أى أنزلوا قومهم بسبب ما زينوه لهم من الكفر دار البوار وهي جهنم والبوار الهلاك وقيل هم قادة قريش أحلوا قومهم يوم بدر دار البوار أى الهلاك وهو القتل الذى أصيبوا به ومنه قول الشاعر فلم أر مثلهم أبطال حرب
غداة الحرب إذ خيف البوار
إبراهيم : ( 29 ) جهنم يصلونها وبئس . . . . .
والأول أولى لقوله ) جهنم ( فإنه عطف بيان لدار البوار و ) يصلونها ( فى محل نصب على الحال أو هو مستأنف لبيان كيفية حلولهم فيها ) وبئس القرار ( أى بئس القرار قرارهم فيها أو بئس المقر جهنم فالمخصوص بالذم محذوف
إبراهيم : ( 30 ) وجعلوا لله أندادا . . . . .
) وجعلوا لله أندادا ( معطوف على وأحلوا أى جعلوا لله شركاء فى الربوبية أو فى التسمية وهى الأصنام قرأ ابن كثير وأبو عمرو ) ليضلوا ( بفتح الياء أى ليضلوا أنفسهم عن سبيل الله وتكون اللام للعاقبة أى ليتعقب جهلهم لله أندادا ضلالهم لأن العاقل لا يريد ضلال نفسه وحسن استعمال لام العاقبة هنا لأنها تشبه الغرض والغاية من جهة حصولها فى آخر المراتب والمشابهة أحد الأمور المصححة للمجاز وقرأ الباقون بضم الياء ليوقعوا قومهم فى الضلال عن سبيل الله فهذا هو الغرض من جعلهم لله أندادا ثم هددهم سبحانه فقال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) قل تمتعوا ( بما أنتم فيه من الشهوات وما زينته لكم أنفسكم من كفران النعم وإضلال الناس ) فإن مصيركم إلى النار ( أى مردكم ومرجعكم إليها ليس إلا ولما كان هذا حالهم وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه وإنهماكهم فيه لا يقلعون عنه ولا يقبلون فيه نصح الناصحين جعل الأمر بمباشرته مكان النهى قربانه إيضاحا لما تكون عليه عاقبتهم وأنهم لا محالة صائرون إلى النار فلا بد لهم من تعاطى الأسباب المقتضية ذلك فجملة ) فإن مصيركم إلى النار ( تعليل للأمر بالتمتع وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره ويجوز أن تكون هذه الجملة جوابا لمحذوف دل عليه سياق الكلام كأنه قيل فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار والأول أولى والنظم القرآنى عليه أدل وذلك كما يقال لما يسعى فى مخالفة السلطان اصنع ما شئت من المخالفة فإن مصيرك إلى السيف
إبراهيم : ( 31 ) قل لعبادي الذين . . . . .
) قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ( لما أمره بأن يقول للمبدلين نعمة الله كفرا الجاعلين لله أندادا ما قاله لهم أمره سبحانه أن يقول للطائفة المقابلة لهم وهى طائفة المؤمنين هذا القول والمقول محذوف دل عليه المذكور أى قل لعبادى أقيموا وأنفقوا ويقيموا وينفقوا فجزم يقيموا على أنه جواب الأمر المحذوف وكذلك ينفقوا ذكر معنى هذا الفراء وقال الزجاج إن يقيموا مجزوم بمعنى اللام أى ليقيموا فأسقطت اللام ثم ذكر وجها آخر للجزم مثل ما ذكره الفراء وانتصاب سرا وعلانية إما على الحال أى مسرين ومعلنين أو على المصدر أى إنفاق سر وإنفاق علانية أو على الظرف أى وقت سر ووقت علانية قال الجمهور السر ما خفى والعلانية ما ظهر وقيل السر التطوع العلانية الفرض وقد تقدم بيان هذا عند تفسير قوله ) إن تبدوا الصدقات فنعما هي ( ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ( قال أبو عبيدة البيع ها هنا الفداء والخلال المخالة وهو مصدر قال الواحدى هذا قول جميع أهل اللغة وقال أبو علي الفارسى يجوز أن يكون جميع خلة مثل برمة وبرام وعلبة وعلاب والمعنى أن يوم القيامة لا بيع فيه حتى يفتدى المقصر فى العمل نفسه من عذاب الله بدفع عوض عن ذلك وليس هناك مخاللة حتى يشفع الخليل لخليله وينقذه من العذاب فأمرهم سبحانه بالإنفاق فى وجوه الخير مما رزقهم الله ما داموا فى الحياة الدنيا قادرين على إنفاق أموالهم من قبل أن يأتى يوم القيامة فإنهم لا يقدرون على ذلك بل لا مال لهم إذ ذاك فالجملة أعنى ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ( لتأكيد مضمون الأمر بالإنفاق مما رزقهم الله ويمكن أن يكون فيها أيضا تأكيد


"""""" صفحة رقم 110 """"""
لمضمون الأمر بإقامة الصلاة وذلك لأن تركها كثيرا ما يكون بسبب الإشتغال بالبيع ورعاية حقوق الأخلاء وقد تقدم فى البقرة تفسير البيع والخلال
إبراهيم : ( 32 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق السماوات والأرض ( أى أبدعهما واخترعهما على غير مثال وخلق ما فيهما من الأجرام العلوية والسفلية والإسم الشريف مبتدأ وما بعده خبره ) وأنزل من السماء ماء ( المراد بالسماء هنا جهة العلو فإنه يدخل فى ذلك الفلك عند من قال إن ابتداء المطر منه ويدخل فيه السحاب عند من قال إن ابتداء المطر منها وتدخل فيه الأسباب التى تثير السحاب كالرياح وتنكير الماء هنا للنوعية أى نوعا من أنواع الماء وهو ماء المطر ) فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ( أى أخرج بذلك الماء من الثمرات المتنوعة رزقا لبنى آدم يعيشون به و ) من ( فى من الثمرات للبيان كقولك أنفقت من الدراهم وقيل للتبعيض لأن الثمرات منها ما هو رزق لبنى آدم ومنها ما ليس برزق لهم وهو ما لا يأكلونه ولا ينتفعون به ) وسخر لكم الفلك ( فجرت على إرادتكم واستعملتموها فى مصالحكم ولذا قال ) لتجري في البحر ( كما تريدون وعلى ما تطلبون ) بأمره ( أى بأمر الله ومشيئته وقد تقدم تفسير هذا فى البقرة ) وسخر لكم الأنهار ( أى ذللها لكم بالركوب عليها والإجراء لها إلى حيث تريدون
إبراهيم : ( 33 ) وسخر لكم الشمس . . . . .
) وسخر لكم الشمس والقمر ( لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما وانتصاب ) دائبين ( على الحال والدؤوب مرور الشيء فى العمل على عادة جارية أى دائبين فى إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره وقيل دائبين فى السير امتثالا لأمر الله والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران ولا ينقطع سيرهما ) وسخر لكم الليل والنهار ( يتعاقبان فالنهار لسعيكم فى أمور معاشكم وما تحتاجون إليه من أمور دنياكم والليل لتسكنوا كما قال سبحانه ) ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله )
إبراهيم : ( 34 ) وآتاكم من كل . . . . .
) وآتاكم من كل ما سألتموه ( قال الأخفش أى أعطاكم من كل مسئول سألتموه شيئا فحذف شيئا وقيل المعنى وآتاكم من كل ما سألتموه ومن كل ما لم تسألوه فحذفت الجملة الأخرى قاله ابن الأنبارى وقيل من زائدة أى آتاكم كل ما سألتموه وقيل للتبعيض أى آتاكم بعض كل ما سألتموه وقرأ ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة ) من كل ( بتنوين كل وعلى هذه القراءة يجوز أن تكون ) ما ( نافية أى آتاكم من جميع ذلك حال كونكم غير سائلين له ويجوز أن تكون موصولة أى آتاكم من كل شئ الذى سألتموه ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( أى وإن تتعرضوا لتعداد نعم الله التى أنعم بها عليكم إجمالا فضلا عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال وأصل الإحصاء أن الحاسب إذا بلغ عقدا معينا من عقود الأعداد وضع حصاة ليحفظه بها ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصى ما أنعم الله به عليه فى خلق عضو من أعضائه أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط ولا أمكنه أصلا فكيف بما عدا ذلك من النعم فى جميع ما خلقه الله فى بدنه فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه فى كل وقت على تنوعها واختلاف أجناسها اللهم إنا نشكرك على كل نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلا أنت ومما علمناه شكرا لا يحيط به حصر ولا يحصره عد وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان فى كل زمان ) إن الإنسان لظلوم ( لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه وظاهره شمول كل إنسان وقال الزجاج إن الإنسان اسم جنس يقصد به الكافر خاصة كما قال ) إن الإنسان لفي خسر ( ) كفار ( أى شديد كفران نعم الله عليه جاحد لها غير شاكر لله سبحانه عليها كما ينبغى ويجب عليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والبخارى والنسائى وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى عن ابن عباس فى قوله ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( قال كفار أهل مكة وأخرج البخارى فى تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمر بن الخطاب فى قوله ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا (


"""""" صفحة رقم 111 """"""
قال هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية فأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر وأما بنو أمية فمتعوا لى حين وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن عمر نحوه وأخرح ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى فى الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن علي فى الآية نحوه أيضا وأخرج عبد الرزاق والفريابى والنسائى وابن جرير وابن أبى حاتم وابن الأنبارى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن أبى الطفيل أن ابن لكواء سأل عليا عن الذين بدلوا نعمة الله كفرا قال هو الفجار من قريش كفيتهم يوم بدر قال فمن الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا قال منهم أهل حروراء وقد روى فى تفسير هذه الآية عن علي من طرق نحو هذا أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى الآية قال هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) وأحلوا قومهم دار البوار ( قال الهلاك وأخرج عبد بن حميد ابن المنذر عن قتادة فى قوله ) وجعلوا لله أندادا ( قال أشركوا بالله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) وسخر لكم الأنهار ( قال بكل فائدة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ( قال دؤوبهما فى طاعة الله وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة ) وآتاكم من كل ما سألتموه ( قال من كل شيء رغبتم إليه فيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير عن الحسن قال من كل الذى سألتموه وأخرج ابن أبى الدنيا والبيهقى فى الشعب عن سليمان التيمى قال إن الله أنعم على العباد على قدره وكلفهم الشكر على قدرهم وأخرجا أيضا عن بكر بن عبد الله المزنى قال يا بن آدم إن أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك وأخرج البيهقى عن أبى الدرداء قال من لم يعرف نعمة الله عليه إلا فى مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه وأخرج ابن أبى الدنيا والبيهقى عن أبى أيوب القرشى مولى بنى هاشم قال قال آل داود عليه السلام رب أخبرنى ما أدنى نعمتك علي فأوحى إلي يا داود تنفس فتنفس فقال هذا أدنى نعمتى عليك وأخرج ابن أبى حاتم عن عمر بن الخطاب أنه قال اللهم اغفر لى ظلمى وكفرى فقال قائل أمير المؤمنين هذا الظلم فما بال الكفر قال إن الإنسان لظلوم كفار
سورة إبراهيم الاية ( 35 41 )


"""""" صفحة رقم 112 """"""
إبراهيم : ( 35 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
قوله ) وإذ قال إبراهيم ( متعلق بمحذوف أى اذكر وقت قوله ولعل المراد بسياق ما قاله إبراهيم عليه السلام فى هذا الموضع بيان كفر قريش بالنعم الخاصة بهم وهى إسكانهم مكة بعد ما بين كفرهم بالنعم العامة وقيل إن ذكر قصة إبراهيم ها هنا لمثال الكلمة الطيبة وقيل لقصد الدعاء إلى التوحيد وإنكار عبادة الأصنام
إبراهيم : ( 36 ) رب إنهن أضللن . . . . .
) رب اجعل هذا البلد آمنا ( المراد بالبلد هنا مكة دعا إبراهيم ربه أن يجعله آمنا أى ذا أمن وقدم طلب الأمن على سائر المطالب المذكورة بعده لأنه إذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان لشيء آخر من أمور الدين والدنيا وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية فى البقرة عند قوله تعالى ) رب اجعل هذا بلدا آمنا ( والفرق بين ما هنا وما هنالك أن المطلوب هنا مجرد الأمن للبلد والمطلوب هنالك البلدية والأمن ) واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( يقال جنبته كذا وأجنبته وجنبته أى باعدته عنه والمعنى باعدنى وباعد بنى عن عبادة الأصنام قيل أراد بنيه من صلبه وكانوا ثمانية وقيل أراد من كان موجودا حال دعوته من بنيه وبنى بنيه وقيل أراد جميع ذريته ما تناسلوا ويؤيد ذلك ما قيل من أنه لم يعبد أحد من أولاد إبراهيم صنما والصنم هو التمثال الذى كانت تصنعه أهل الجاهلية من الأحجار ونحوها فيعبدونه وقرأ الجحدرى وعيسى بن عمر ) واجنبني ( بقطع الهمزة على أن أصله أجنب ) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ( أسند الإضلال إلى الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل لأنها سبب لضلالهم فكأنها أضلتهم وهذه الجملة تعليل لدعائه لربه ثم قال ) فمن تبعني ( أى من تبع دينى من الناس فصار مسلما موحدا ) فإنه مني ( أى من أهل دينى جعل أهل ملته كنفسه مبالغة ) ومن عصاني ( فلم يتتابعنى ويدخل فى ملتى ) فإنك غفور رحيم ( قادر على أن تغفر له قيل قال هذا قبل أن يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به كما وقع منه الاستغفار لأبيه وهو مشرك كذا قال ابن الأنبارى وقيل المراد عصيانه هنا فيما دون الشرك وقيل إن هذه المغفرة مقيدة بالتوبة من الشرك
إبراهيم : ( 37 ) ربنا إني أسكنت . . . . .
ثم قال ) ربنا إني أسكنت من ذريتي ( قال الفراء من للتبعيض أى بعض ذريتى وقال ابن الأنبارى إنها زائدة أى أسكنت ذريتى والأول أولى لأنه إنما أسكن إسماعيل وهو بعض ولده ) بواد غير ذي زرع ( أى لا زرع فيه وهو وادى مكة ) عند بيتك المحرم ( أى الذى يحرم فيه ما يستباح فى غيره وقيل إنه محرم على الجبابرة وقيل محرم من أن تنتهك حرمته أو يستخف به وقد تقدم فى سورة المائدة ما يغنى عن الإعادة ثم قال ) ربنا ليقيموا الصلاة ( اللام متعلقة بأسكنت أى أسكنتهم ليقيموا الصلاة فيه متوجهين إليه متبركين به وخصها دون سائر العبادات لمزيد فضلها ولعل تكرير النداء لإظهار العناية الكاملة بهذه العبادة ) فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ( الأفئدة جمع فؤاد وهو القلب عبر به عن جميع البدن لأنه أشرف عضو فيه وقيل هو جمع وفد والأصل أوقدة فقدمت الفاء وقلبت الواو ياء فكأنه قال وجعل وفودا من الناس تهوى إليهم و ) من ( فى من الناس للتبعيض وقيل زائدة ولا يلزم منه أن يحج اليهود والنصارى بدخولهم تحت لفظ الناس لأن المطلوب توجيه قلوب الناس إليهم للسكون معهم والجلب إليهم لا توجيهها إلى الحج ولو كان هذا مرادا لقال تهوى إليه وقيل من للابتداء كقولك القلب منى سقيم يريد قلبى ومعنى تهوى إليهم تنزع إليهم يقال هوى نحوه إذا مال وهوت الناقة تهوى هويا فهى هاوية إذا عدت عدوا شديدا كأنها تهوى فى بئر ويحتمل أن يكون المعنى تجيء إليهم أو تسرع إليهم والمعنى متقارب ) وارزقهم من الثمرات ( أى ارزق ذريتى الذين أسكنتهم هنالك أو هم ومن يساكنهم من الناس من أنواع الثمرات التى تنبت فيه أو تجلب إليه ) لعلهم يشكرون ( نعمك التى أنعمت بها عليهم
إبراهيم : ( 38 ) ربنا إنك تعلم . . . . .
) ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ( أى ما نكتمه وما نظهره لأن الظاهر والمضمر بالنسبة إليه سبحانه سيان قيل والمراد هنا بما نخفى ما يقابل ما نعلن فالمعنى ما نظهره


"""""" صفحة رقم 113 """"""
وما لا نظهره وقدم ما نخفى على ما نعلن للدلالة على أنهما مستويان فى علم الله سبحانه وظاهر النظم القرآنى عموم كل ما لا يظهر وما يظهر من غير تقييد بشيء معين من ذلك وقيل المراد ما يخفيه إبراهيم من وجده بإسماعيل وأمه حيث أسكنهما بواد غير ذى زرع وما يعلنه من ذلك وقيل ما يخفيه إبراهيم من الوجد ويعلنه من البكاء والدعاء والمجيء بضمير الجماعة يشعر بأن إبراهيم لم يرد نفسه فقط بل أراد جميع العباد فكأن المعنى أن الله سبحانه يعلم بكل ما يظهره العباد وبكل ما لا يظهرونه وأما قوله ) وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ( فقال جمهور المفسرين هو من كلام الله سبحانه تصديقا لما قاله إبراهيم من أنه سبحانه يعلم بما يخفيه العباد وما يعلنونه فقال سبحانه وما يخفى على الله شيء من الأشياء الموجودة كائنا ما كان وإنما ذكر السموات والأرض لأنها المشاهدة للعباد وإلا فعلمه سبحانه محيط بكل ما هو داخل فى العالم وكل ما هو خارج عنه لا تخفى عليه منه خافية قيل ويحتمل أن يكون هذا من قول إبراهيم تحقيقا لقوله الأول وتعميما بعد التخصيص
إبراهيم : ( 39 ) الحمد لله الذي . . . . .
ثم حمد الله سبحانه على بعض نعمه الواصلة إليه فقال ) الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ( أى وهب لى على كبر سنى وسن امرأتى قيل ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتى عشرة سنة قيل و على هنا بمعنى مع أى وهو لى مع كبرى ويأسى عن الولد ) إن ربي لسميع الدعاء ( أى لمجيب الدعاء من قولهم سمع كلامه إذا أجابه واعتد به وعمل بمقتضاه وهو من إضافة الصفة المتضمنة للمبالغة إلى المفعول والمعنى إنك لكثير إجابة الدعاء لمن يدعوك
إبراهيم : ( 40 ) رب اجعلني مقيم . . . . .
ثم سأل الله سبحانه بأن يجعله مقيم الصلاة محافظا عليها غير مهمل لشيء منها ثم قال ) ومن ذريتي ( أى بعض ذريتى أى اجعلنى واجعل بعض ذريتى مقيمين للصلاة وإنما خص البعض من ذريته لأنه علم أن منهم من لا يقيمها كما ينبغى قال الزجاج أى اجعل من ذريتى من يقيم الصلاة ثم سأل الله سبحانه أن يتقبل دعاءه على العموم ويدخل فى ذلك دعاؤه فى هذا المقام دخولا أوليا قيل والمراد بالدعاء هنا العبادة فيكون المعنى وتقبل عبادتى التى أعبدك بها ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه مما يستحق أن يغفره الله وإن لم يكن كبيرا لما هو معلوم من عصمة الأنبياء عن الكبائر
إبراهيم : ( 41 ) ربنا اغفر لي . . . . .
ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر لوالديه وقد قيل إنه دعا لهما بالمعفرة قبل أن يعلم أنهما عدوان لله سبحانه كما فى قوله سبحانه ) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ( وقيل كانت أمه مسلمة وقيل أراد بوالديه آدم وحواء وقرأ سعيد بن جبير ولوالدى بالتوحيد على إرادة الأب وحده وقرأ إبراهيم النخعى ولوالدى يعنى إسماعيل وإسحاق وكذا قرأ يحيى بن يعمر ثم استغفر للمؤمنين وظاهره شمول كل مؤمن سواء كان من ذريته أو لم يكن منهم وقيل أراد المؤمنين من ذريته فقط ) يوم يقوم الحساب ( أى يوم يثبت حساب المكلفين فى المحشر استعير له لفظ يقوم الذى هو حقيقته فى قيام الرجل للدلالة على أنه فى غاية الاستقامة وقيل إن المعنى يوم يقوم الناس للحساب والأول أولى
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد فى قوله ) وإذ قال إبراهيم ( الآية قال فاستجاب الله لإبراهيم دعوته فى ولده فلم يعبد أحد من ولده صنما بعد دعوته واستجاب الله له وجعل هذا البلد آمنا ورزق أهله من الثمرات وجعله إماما وجعل من ذريته من يقيم الصلاة وتقبل دعاءه فأراه مناسكه وتاب عليه وأخرج أبو نعيم فى الدلائل عن عقيل بن أبي طالب أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحى إليه فقرأ من سورة إبراهيم ) وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( إلى آخر السورة فرق


"""""" صفحة رقم 114 """"""
القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه وأخرج الواقدى وابن عساكر من طريق عامر بن سعد عن أبيه قال كانت سارة تحت إبراهيم فمكثت تحته دهرا لا ترزق منه ولدا فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة لها قبطية فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة ووجدت فى نفسها وعتبت على هاجر فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف فقال لها إبراهيم هل لك أن تبرى يمينك قالت كيف أصنع قال اثقبى أذنيها واخفضيها والخفض هو الختان ففعلت ذلك بها فوضعت هاجر فى أذنيها قرطين فازدادت بهما حسنا فقالت سارة أرانى إنما زدتها جمالا فلم تقاره على كونه معها ووجد بها إبراهيم وجدا شديدا فنقلها إلى مكة فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) إني أسكنت من ذريتي ( قال أسكن إسماعيل وأمه مكة وأخرج ابن المنذر عنه قال إن إبراهيم حين قال ) فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ( لو قال أفئدة الناس تهوى إليهم لازدحمت عليه فارس والروم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الحكم قال سألت عكرمة وطاوسا وعطاء بن أبى رباح عن هذه الآية ) فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ( فقالوا البيت تهوى إليه قلوبهم يأتونه وفى لفظ قالوا هواهم إلى مكة أن يحجوا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) تهوي إليهم ( قال تنزع إليهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن محمد بن مسلم الطائفى أن إبراهيم لما دعا للحرم ) وارزق أهله من الثمرات ( نقل الله الطائف من فلسطين وأخرج ابن أبى حاتم عن الزهرى قال إن الله نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقى فى شعب الإيمان قال السيوطى بسند حسن عن ابن عباس قالوا لو كان إبراهيم عليه السلام قال فاجعل أفئدة الناس تهوى إليهم لحج اليهود والنصارى والناس كلهم ولكنه قال أفئدة من الناس فخص به المؤمنين وأخرج ابن أبى حاتم عنه فى قوله ) ما نخفي وما نعلن ( قال من الحزن وأخرج ابن أبى حاتم عن إبراهيم النخعى فى قوله ) ربنا إنك تعلم ما نخفي ( قال من حب إسماعيل وأمه ) وما نعلن ( قال ما نظهر لسارة من الجفاء لهما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ( قال هذا بعد ذلك بحين وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال بشر إبراهيم بعد سبع عشرة سنة ومائة سنة
سورة إبراهيم الآية ( 42 46 )
إبراهيم : ( 42 ) ولا تحسبن الله . . . . .
قوله ) ولا تحسبن ( خطاب للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) وهو تعريض لأمته فكأنه قال ولا تحسب أمتك


"""""" صفحة رقم 115 """"""
يا محمد ويجوز أن يكون خطابا لكل من يصلح له من المكلفين وإن كان الخطاب للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) من غير تعريض لأمته فمعناه التثبيت على ما كان عليه من عدم الحسبان كقوله ) ولا تكونن من المشركين ( ونحوه وقيل المراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ولكن معاملة الرقيب عليهم أو يكون المراد بالنهى عن الحسبان الإيذان بأنه عالم بذلك لا تخفى عليه منه خافية وفى هذا تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإعلام للمشركين بأن تأخير العذاب عنهم ليس للرضا بأفعالهم بل سنة الله سبحانه فى إمهال العصاة ) إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ( أى يؤخر جزاءهم ولا يؤاخذهم بظلمهم وهذه الجملة تعليل للنهى السابق وقرأ الحسن والسلمى وهو رواية عن أبى عمرو بالنون فى نؤخرهم وقرأ الباقون بالتحتية واختارها أبو عبيد وأبو حاتم لقوله ) ولا تحسبن الله ( ومعنى ) ليوم تشخص فيه الأبصار ( أى ترفع فيه أبصار أهل الموقف ولا تغمض من هول ما تراه فى ذلك اليوم هكذا قال الفراء يقال شخص الرجل بصره وشخص البصر نفسه إلى السماء من هول ما يرى والمراد أن الأبصار بقيت مفتوحة لا تتحرك من شدة الحيرة والدهشة
إبراهيم : ( 43 ) مهطعين مقنعي رؤوسهم . . . . .
) مهطعين ( أى مسرعين من أهطع يهطع إهطاعا إذا أسرع وقيل المهطع الذى ينظر فى ذل وخشوع ومنه بدجلة دارهم ولقد أراهم
بدجلة مهطعين إلى السماء
وقيل المهطع الذى يديم النظر قال أبو عبيدة قد يكون الوجهان جميعا يعنى الإسراع مع إدامة النظر وقيل المهطع الذى لا يرفع رأسه وقال ثعلب المهطع الذى ينظر فى ذل وخضوع وقيل هو الساكت قال النحاس والمعروف فى اللغة أهطع إذا أسرع ) مقنعي رؤوسهم ( أى رافعى رؤوسهم وإقناع الرأس رفعه وأقنع صوته إذا رفعه والمعنى أنهم يومئذ رافعون رؤوسهم إلى السماء ينظرون إليها نظر فزع وذل ولا ينظر بعضهم إلى بعض وقيل إن إقناع الرأس نكسه وقيل يقال أقنع إذا رفع رأسه وأقنع إذا طأطأ ذلة وخضوعا والآية محتملة للوجهين قال المبرد والقول الأول أعرف فى اللغة قال الشاعر أنغض نحوى رأسه وأقنعا
كأنما أبصر شيئا أطمعا
) لا يرتد إليهم طرفهم ( أى لا ترجع إليهم أبصارهم وأضل الطرف تحريك الأجفان وسميت العين طرفا لأنه يكون بها ومن إطلاق الطرف على العين قول عنترة وأغض طرفى ما بدت لى جارتى
حتى توارى جارتى مأواها
) وأفئدتهم هواء ( الهواء فى اللغة المجرف الخالى الذى لم تشغله الأجرام والمعنى أن قلوبهم خالية عن العقل والفهم لما شاهدوا من الفزع والحيرة والدهش وجعلها نفس الهوى مبالغة ومنه قيل للأحمق والجبان قلبه هواء أى لا رأى فيه ولا قوة وقيل معنى الآية أنها خرجت قلوبهم عن مواضعها فصارت فى الحناجر وقيل المعنى إن أفئدة الكفار فى الدنيا خالية عن الخير وقيل المعنى وأفئدتهم ذات هواء ومما يقارب معنى هذه الآية قوله تعالى ) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ( أى خاليا من كل شئ إلا من هم موسى
إبراهيم : ( 44 ) وأنذر الناس يوم . . . . .
) وأنذر الناس ( هذا رجوع إلى خطاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمره الله سبحانه بأن ينذر الناس والمراد الناس على العموم وقيل المراد كفار مكة وقيل الكفار على العموم والأول أولى لأن الإنذار كما يكون للكافر يكون أيضا للمسلم ومنه قوله تعالى ) إنما تنذر من اتبع الذكر ( ومعنى ) يوم يأتيهم العذاب ( يوم القيامة أى خوفهم هذا اليوم وهو يوم إتيان العذاب وإنما اقتصر على ذكر إتيان العذاب فيه مع كونه يوم إتيان الثواب لأن المقام مقام تهديد وقيل المراد به يوم موتهم فإنه أول أوقات إتيان العذاب وقيل المراد يوم هلاكهم بالعذاب العاجل وانتصاب يوم


"""""" صفحة رقم 116 """"""
على أنه مفعول ثان لأنذر ) فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( المراد بالذين ظلموا ها هنا هم الناس أى فيقولون والعدول إلى الإظهار مكان الإضمار للإشعار بأن الظلم هو العلة فيما نزل بهم هذا إذا كان المراد بالناس هم الكفار وعلى تقدير كون المراد بهم من يعم المسلمين فالمعنى فيقول الذين ظلموا منهم وهم الكفار ربنا أخرنا أمهلنا إلى أجل قريب إلى أمد من الزمان معلوم غير بعيد ) نجب دعوتك ( أى دعوتك لعبادك على ألسن أنبيائك إلى توحيدك ) ونتبع الرسل ( المرسلين منك إلينا فنعمل بما بلغوه إلينا من شرائعك ونتدارك ما فرط منا من الإهمال وإنما جمع الرسل لأن دعوتهم إلى التوحيد متفقة فاتباع واحد منهم اتباع لجميعهم وهذا منهم سؤال للرجوع إلى الدنيا لما ظهر لهم الحق فى الآخرة ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( ثم حكى سبحانه ما يجاب به عنهم عند أن يقولوا هذه المقالة فقال ) أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ( أى فيقال لهم هذا القول توبيخا وتقريعا أى أو لم تكونوا أقسمتم من قبل هذا اليوم ما لكم من زوال من دار الدنيا وقيل إنه لا قسم منهم حقيقة وإنما كان لسان حالهم ذلك لاستغراقهم فى الشهوات وإخلادهم إلى الحياة الدنيا وقيل قسمهم هذا هو ما حكاه الله عنهم فى قوله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ( وجواب القسم ) ما لكم من زوال ( وإنما جاء بلفظ الخطاب فى ما لكم من زوال لمراعاة أقسمتم ولولا ذلك لقال ما لنا من زوال
إبراهيم : ( 45 ) وسكنتم في مساكن . . . . .
) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( أى استقررتم يقال سكن الدار وسكن فيها وهى بلاد ثمود ونحوهم من الكفار الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله والعصيان له ) وتبين لكم كيف فعلنا بهم ( قرأ عبد الرحمن السلمى نبين بالنون والفعل المضارع وقرأ من عداه بالتاء الفوقية والفعل الماضى أى تبين لكم بمشاهدة الآثار كيف فعلنا بهم من العقوبة والعذاب الشديد بما فعلوه من الذنوب وفاعل تبين ما دلت عليه الجملة المذكورة بعده أى تبين لكم فعلنا العجيب بهم ) وضربنا لكم الأمثال ( فى كتب الله وعلى ألسن رسله إيضاحا لكم وتقريرا وتكميلا للحجة عليكم
إبراهيم : ( 46 ) وقد مكروا مكرهم . . . . .
) وقد مكروا مكرهم ( الجملة فى محل نصب على الحال أى فعلنا بهم ما فعلنا والحال أنهم قد مكروا فى رد الحق وإثبات الباطل مكرهم العظيم الذى استفرغوا فيه وسعهم ) وعند الله مكرهم ( أى وعند الله جزاء مكرهم أو وعند الله مكتوب مكرهم فهو مجازيهم أو وعند الله مكرهم الذى يمكرهم به على أن يكون المكر مضافا إلى المفعول قيل والمراد بهم قوم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) مكروا بالنبى ( صلى الله عليه وسلم ) حين هموا بقتله أو نفيه وقيل المراد ما وقع من النمروذ حيث حاول الصعود إلى السماء فاتخذ لنفسه تابوتا وربط قوائمه بأربعة نسور ) وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( قرأ عمر وعلي وابن مسعود وأبى وإن كاد مكرهم بالدال المهملة مكان النون وقرأ غيرهم من القراء وإن كان بالنون وقرأ ابن محيصن وابن جريج والكسائى لتزول بفتح اللام على أنها لام الابتداء وقرأ الجمهور بكسرها على أنها لام الجحود قال ابن جرير الاختيار هذه القراءة يعنى قراءة الجمهور لأنها لو كانت زالت لم تكن ثابتة فعلى قراءة الكسائى ومن معه تكون إن هى المخففة من الثقيلة واللام هى الفارقة وزوال الجبال مثل لعظم مكرهم وشدته أى وإن الشأن كان مكرهم معدا لذلك قال الزجاج وإن كان مكرهم يبلغ فى الكيد إلى إزالة الجبال فإن الله ينصر دينه وعلى قراءة الجمهور يحتمل وجهين أحدهما أن تكون إن هى المخففة من الثقيلة والمعنى كما مر والثاني أن تكون نافية واللام المكسورة لتأكيد النفى كقوله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه الثابتة على حالها مدى الدهر فالجملة على هذا حال من الضمير فى مكروا لا من قوله ) وعند الله مكرهم ( أى والحال أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال


"""""" صفحة رقم 117 """"""
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والخرائطى فى مساوى الأخلاق عن ميمون بن مهران فى قوله ) ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ( قال هى تعزية للمظلوم ووعيد للظالم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ليوم تشخص فيه الأبصار ( قال شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) مهطعين ( قال يعنى بالإهطاع النظر من غير أن يطرف ) مقنعي رؤوسهم ( قال الإقناع رفع رؤوسهم ) لا يرتد إليهم طرفهم ( قال شاخصة أبصارهم ) وأفئدتهم هواء ( ليس فيها شيء من الخير فهى كالخربة وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن مجاهد مهطعين قال مديمى النظر وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة مهطعين قال مسرعين وأخرج هؤلاء عن قتادة فى قوله ) وأفئدتهم هواء ( قال ليس فيها شيء خرجت من صدورهم فنشبت فى حلوقهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مرة وأفئدتهم هواء قال منخرقة لا تعى شيئا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب ( يقول أنذرهم فى الدنيا من قبل أن يأتيهم العذاب وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال ) يوم يأتيهم العذاب ( هو يوم القيامة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) ما لكم من زوال ( قال عما أنتم فيه إلى ما تقولون وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) ما لكم من زوال ( قال بعث بعد الموت وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن فى قوله ) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( قال عملتم بمثل أعمالهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) وإن كان مكرهم ( يقول ما كان مكرهم ) لتزول منه الجبال ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) وإن كان مكرهم ( يقول شركهم كقوله ) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن الأنبارى عن علي ابن أبى طالب أنه قرأ هذه الآية ) وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( ثم فسرها فقال إن جبارا من الجبابرة قال لا أنتهى حتى أنظر إلى ما فى السماء فأمر بفراخ النسور تعلف اللحم حتى شبت وغلظت وأمر بتابوت فنجر يسع رجلين ثم جعل فى وسطه خشبة ثم ربط أرجلهن بأوتاد ثم جوعهن ثم جعل على رأس الخشبة لحما ثم دخل هو وصاحبه فى التابوت ثم ربطهن إلى قوائم التابوت ثم خلى عنهن يردن اللحم فذهبن به ما شاء الله ثم قال لصاحبه افتح فانطر ماذا ترى ففتح فقال انظر إلى الجبال كأنها الذباب قال أغلق فأغلق فطرن به ما شاء الله ثم قال افتح ففتح فقال انظر ماذا ترى فقال ما أرى إلا السماء وما أراها تزداد إلا بعدا قال صوب الخشبة فصوبها فانقضت تريد اللحم فسمع الجبال هدتها فكادت تزول عن مراتبها وقد روى نحو هذه القصة لبختنصر وللنمروذ من طرق ذكرها فى الدر المنثور
سورة إبراهيم الآية ( 47 50 )


"""""" صفحة رقم 118 """"""
سورة إبراهيم الآية ( 51 52 )
إبراهيم : ( 47 ) فلا تحسبن الله . . . . .
) مخلف ( منتصب على أنه مفعول تحسبن وانتصاب رسله على أنه مفعول وعده قيل وذلك على الاتساع والمعنى مخلف رسله وعده قال القتيبى هو من المقدم الذى يوضحه التأخير والمؤخر الذى يوضحه التقديم وسواء فى ذلك مخلف وعده رسله ومخلف رسله وعده ومثل ما فى الآية قول الشاعر ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه
وسائره باد إلى الشمس أجمع
وقال الزمخشرى قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله ) إن الله لا يخلف الميعاد ( ثم قال رسله ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا وليس من شأنه إخلاف المواعيد فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته والمراد بالوعد هنا هو ما وعدهم سبحانه بقوله إنا لننصر رسلنا و ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( وقرئ ) مخلف وعده رسله ( بجر رسله ونصب وعده قال الزمخشرى وهذه القراءة فى الضعف كمن قرأ قتل أولادهم شركائهم ) أن الله عزيز ( غالب لا يغالبه أحد ) ذو انتقام ( ينتقم من أعدائه لأوليائه والجملة تعليل للنهى وقد مر تفسيره فى أول آل عمران
إبراهيم : ( 48 ) يوم تبدل الأرض . . . . .
) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( قال الزجاج انتصاب يوم على البدل من يوم يأتيهم أو على الظرف للانتقام انتهى ويجوز أن ينتصب بمقدر يدل عليه الكلام أى واذكر أو وارتقب والتبديل قد يكون فى الذات كما فى بدلت الدراهم دنانير وقد يكون فى الصفات كما فى بدلت الحلقة خاتما والآية تحتمل الأمرين وقد قيل المراد تغير صفاتها وبه قال الأكثر وقيل تغير ذاتها ومعنى ) السماوات ( أى وتبدل السموات غير السموات على الاختلاف الذى مر ) وبرزوا لله الواحد القهار ( أى برز العباد لله أو الظالمون كما يفيده السياق أى ظهروا من قبورهم أو ظهر من أعمالهم ما كانوا يكتمونه والتعبير على المستقبل بلفظ الماضى للتنبيه على تحقق وقوعه كما فى قوله ) ونفخ في الصور ( والواحد القهار المتفرد بالألوهية الكثير القهر لمن عانده
إبراهيم : ( 49 ) وترى المجرمين يومئذ . . . . .
) وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد ( معطوف على برزوا أو على تبدل والمجئ بالمضارع لاستحضار الصورة والمجرمون هم المشركون ويومئذ يعنى يوم القيامة ) مقرنين ( أى مشدودين إما بجعل بعضهم مقرونا مع بعض أو قرنوا مع الشياطين كما فى قوله ) نقيض له شيطانا فهو له قرين ( أو جعلت أيديهم مقرونة إلى أرجلهم والأصفاد الأغلال والقيود والجار والمجرور متعلق بمقرنين أو حال من ضميره يقال صفدته صفدا أى قيدته والإسم الصفد فإذا أردت التكثير قلت صفدته قال عمرو بن كلثوم فآبوا بالنهاب وبالسبايا
وأبنا بالملوك مصفدينا
وقال حسان بن ثابت من بين مأسور يشد صفاده
صقر إذا لاقى الكريهة حامى
ويقال صفدته وأصفدته إذا أعطيته ومنه قول النابغة ولم أعرض أبيت اللعن بالصفد
إبراهيم : ( 50 ) سرابيلهم من قطران . . . . .
) سرابيلهم من قطران ( السرابيل القمص وأحدها سربال ومنه قول كعب بن مالك
تلقاكم عصب حول النبى لهم من نسج داود فى الهيجا سرابيل
والقطران هو قطران الإبل الذى تهنأ به أى قمصانهم من قطران تطلى به جلودهم حتى يعود ذلك الطلاء


"""""" صفحة رقم 119 """"""
كالسرابيل وخص القطران لسرعة اشتعال النار فيه مع نتن رائحته وقال جماعة هو النحاس أى قمصانهم من نحاس وقرأ عيسى بن عمر ) من قطران ( بفتح القاف وتسكين الطاء وقرئ بكسر القاف وسكون الطاء وقرئ بفتح القاف والطاء رويت هذه القراءة عن ابن عباس وأبى هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير ويعقوب وهذه الجملة فى محل نصب على الحال ) وتغشى وجوههم النار ( أى تعلو وجوههم وتضربها وخص الوجوه لأنها أشرف ما فى البدن وفيها الحواس المدركة والجملة فى محل نصب على الحال أيضا
إبراهيم : ( 51 ) ليجزي الله كل . . . . .
و ) ليجزي الله ( متعلق بمحذوف أى بفعل ذلك بهم ليجزى ) كل نفس ما كسبت ( من المعاصى أى جزاء موافقا لما كسبت من خير أو شر ) إن الله سريع الحساب ( لا يشغله عنه شئ وقد تقدم تفسيره
إبراهيم : ( 52 ) هذا بلاغ للناس . . . . .
) هذا بلاغ ( أى هذا الذى أنزل إليك بلاغ أى تبليغ وكفاية فى الموعظة والتذكير قيل إن الإشارة إلى ما ذكره سبحانه هنا من قوله ) ولا تحسبن الله غافلا ( إلى ) سريع الحساب ( أى هذا فيه كفاية من غير ما انطوت عليه السورة وقيل الإشارة إلى جميع السورة وقيل إلى القرآن ومعنى ) للناس ( للكفار أو لجميع الناس على ما قيل فى قوله ) وأنذر الناس ( ) ولينذروا به ( معطوف على محذوف أى لينصحوا ولينذروا به والمعنى وليخوفوا به وقرئ ) ولينذروا ( بفتح الياء التحتية والذال المعجمة يقال نذرت بالشيء أنذر إذا علمت به فاستعددت له ) وليعلموا أنما هو إله واحد ( أى ليعلموا بالأدلة التكوينية المذكورة سابقا وحدانية الله سبحانه وأنه لا شريك له ) وليذكر أولوا الألباب ( أى ولتعظ أصحاب العقول وهذه اللامات متعلقة بمحذوف والتقدير وكذلك أنزلنا أو متعلقة بالبلاغ المذكور أى كفاية لهم فى أن ينصحوا وينذروا ويعلموا بما أقام الله من الحجج والبراهين وحدانيته سبحانه وأنه لا شريك له وليتعظ بذلك أصحاب العقول التى تعقل وتدرك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) إن الله عزيز ذو انتقام ( قال عزيز والله فى أمره يملى وكيده متين ثم إذا انتقم انتقم بقدرة وأخرج مسلم وغيره من حديث كثوبان قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى الظلمة دون الحسر وأخرج مسلم أيضا وغيره من حديث عائشة قالت أنا أول من سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن هذه الآية ) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( قلت أين الناس يومئذ قال على الصراط وأخرج البزار وابن المنذر والطبرانى فى الأوسط وابن مردويه والبيهقى فى البعث وابن عساكر عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قول الله ) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( قال أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل بها خطيئة وأخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وأبو الشيخ فى العظمة والحاكم وصححه والبيهقى فى البعث عنه موقوفا نحوه قال البيهقى الموقوف أصح وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن زيد ابن ثابت قال أتى اليهود النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال جاءونى يسألوننى وسأخبرهم قبل أن يسألونى ) يوم تبدل الأرض غير الأرض ( قال أرض بيضاء كالفضة فسألهم فقالوا أرض بيضاء كالنقى وأخرج ابن مردويه مرفوعا عن علي نحو ما تقدم عن ابن مسعود وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس موقوفا نحوه وقد روى نحو ذلك عن جماعة من الصحابة وثبت فى الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقى وفيهما أيضا من حديث أبى سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها


"""""" صفحة رقم 120 """"""
الجبار بيده الحديث وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) مقرنين في الأصفاد ( قال الكبول وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة ) في الأصفاد ( قال القيود والأغلال وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال فى السلاسل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) في الأصفاد ( يقول فى وثاق وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى ) سرابيلهم ( قال قمصهم وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الحسن فى قوله ) من قطران ( قال قطران الإبل وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة فى الآية قال هذا القطران يطلى به حتى يشتعل نارا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال هو النحاس المذاب وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير أنه قرأ ) من قطران ( فقال القطر الصفر والآن الحار وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة نحوه وأخرج مسلم وغيره عن أبى مالك الأشعرى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن زيد فى قوله ) هذا بلاغ للناس ( قال القرآن ) ولينذروا به ( قال القرآن
ع15
تفسير
سورة الحجر
وهى تسع وتسعون آية
حول السورة
وهى مكية بالاتفاق كما قال القرطبى وأخرج النحاس فى ناسخه وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة الحجر بمكة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحجر الآية ( 1 12 )


"""""" صفحة رقم 121 """"""
سورة الحجر الآية ( 13 15 )
الحجر : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
قوله ) الر ( قد تقدم الكلام فى محله مستوفى والإشارة بقوله ) تلك ( إلى ما تضمنته السورة من الآيات والتعريف فى الكتاب قيل هو للجنس والمراد جنس الكتب المتقدمة وقيل المراد به القرآن ولا يقدح فى هذا ذكر القرآن بعد الكتاب فقد قيل إنه جمع له بين الإسمين وقيل المراد بالكتاب هذه السورة وتنكير القرآن للتفخيم أى القرآن الكامل
الحجر : ( 2 ) ربما يود الذين . . . . .
) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( قرأ نافع وعاصم بتخفيف الباء من ربما وقرأ الباقون بتشديدها وهما لغتان قال أبو حاتم أهل الحجاز يخففون ومنه قول الشاعر ربما ضربة بسيف صقيل
بين بصرى وطعنة نجلاء
وتيم وربيع يثقلونها وقد تزداد التاء الفوقية وأصلها أن تستعمل فى القليل وقد تستعمل فى الكثير قال الكوفيون أى يود الكفار فى أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين ومنه قول الشاعر رب رفد هرقته ذلك اليوم
وأسرى من معشر أقيال
وقيل هى هنا للتقليل لأنهم ودوا ذلك فى بعض المواضع لا فى كلها لشغلهم بالعذاب قيل وما هنا لحقت رب لتهيئها للدخول على الفعل وقيل هى نكرة بمعنى شئ وإنما دخلت رب هنا على المستقبل مع كونها لا تدخل إلا على الماضى لأن المترقب فى أخباره سبحانه كالواقع المتحقق فكأنه قيل ربما ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين أى منقادين لحكمه مذعنين له من جملة أهله وكانت هذه الودادة منهم عند موتهم أو يوم القيامة والمراد أنه لما انكشف لهم الأمر واتضح بطلان ما كانوا عليه من الكفر وأن الدين عند الله سبحانه هو الإسلام لا دين غيره حصلت منهم هذه الودادة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع بل هى لمجرد التحسر والتندم ولوم النفس على ما فرطت فى جنب الله وقيل كانت هذه الودادة منهم عند معاينة حالهم وحال المسلمين وقيل عند خروج عصاة الموحدين من النار والظاهر أن هذه الودادة كائنة منهم فى كل وقت مستمرة فى كل لحظة بعد انكشاف الأمر لهم
الحجر : ( 3 ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا . . . . .
) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ( هذا تهديد لهم أى دعهم عما أنت بصدده من الأمر لهم والنهى فهم لا يرعوون أبدا ولا يخرجون من باطل ولا يدخلون فى حق بل مرهم بما هم فيه من الاشتغال بالأكل والتمتع بزهرة الدنيا فإنهم كالأنعام التى لا تهتم إلا بذلك ولا تشتغل بغيره والمعنى اتركهم على ما هم عليه من الإشتغال بالأكل ونحوه من متاع الدنيا ومن إلهاء الأمل لهم عن اتباعك فسوف يعلمون عاقبة أمرهم وسوء صنيعهم وفى هذا من التهديد والزجر ما لا يقدر قدره يقال ألهاه كذا أى شغله ولهى هو عن الشئ يلهى أى شغلهم الأمل عن اتباع الحق وما زالوا فى الآمال الفارغة والتمنيات الباطلة حتى أسفر الصبح لذى عينين وانكشف الأمر ورأوا العذاب يوم القيامة فعند ذلك يذوقون وبال ما صنعوا والأفعال الثلاثة مجزومة على أنها جواب الأمر وهذه الآية منسوخة بآية السيف
الحجر : ( 4 ) وما أهلكنا من . . . . .
) وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( أى وما أهلكنا قرية من القرى بنوع من أنواع العذاب ) إلا ولها ( أى لتلك القرية ) كتاب ( أى أجل مقدر لا تتقدم عليه ولا تتأخر عنه ) معلوم ( غير مجهول ولا منسى فلا يتصور التخلف عنه بوجه من الوجوه وجملة ) ولها كتاب ( فى محل نصب على الحال من قرية وإن كانت نكرة لأنها قد صارت بما فيها من العموم فى حكم الموصوفة والواو للفرق بين كون هذه الجملة حالا أو صفة فإنها تعينها للحالية


"""""" صفحة رقم 122 """"""
كقولك حالى رجل على كتفه سيف وقيل إن الجملة صفة لقرية والواو لتأكيد اللصوق بين الصفة والموصوف
الحجر : ( 5 ) ما تسبق من . . . . .
) ما تسبق من أمة أجلها ( أى ما تسبق أمة من الأمم أجلها المضروب لها المكتوب فى اللوح المحفوظ والمعنى أنه لا يأتى هلاكها قبل مجئ أجلها ) وما يستأخرون ( أى وما يتأخرون عنه فيكون مجئ هلاكهم بعد مضى الأجل المضروب له وإيراد الفعل على صيغة جمع المذكر للحمل على المعنى مع التغليب ولرعاية الفواصل ولذلك حذف الجار والمجرور والجملة مبينة لما قبلها فكأنه قيل إن هذا الإمهال لا ينبغى أن يغتر به العقلاء فإن لكل أمة وقتا معينا فى نزول العذاب لا يتقدم ولا يتأخر وقد تقدم تفسير الأجل فى أول سورة الأنعام
الحجر : ( 6 ) وقالوا يا أيها . . . . .
ثم لما فرغ من تهديد الكفار شرع فى بيان بعض عتوهم فى الكفر وتماديهم فى الغى مع تضمنه لبيان كفرهم بمن أنزل عليه الكتاب بعد بيان كفرهم بالكتاب فقال ) وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ( أى قال كفار مكة مخاطبين لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومتهكمين به حيث أثبتوا له إنزال الذكر عليه مع إنكارهم لذلك فى الواقع أشد إنكار ونفيهم له أبلغ نفى أو أرادوا بيا أيها الذى نزل عليه الذكر فى زعمه وعلى وفق ما يدعيه ) إنك لمجنون ( أى إنك بسبب هذه الدعوى التى تدعيها من كونك رسولا لله مأمورا بتبليغ أحكامه لمجنون فإنه لا يدعى مثل هذه الدعوى العظيمة عندهم من كان عاقلا فقولهم هذا لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) هو كقول فرعون إن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون
الحجر : ( 7 ) لو ما تأتينا . . . . .
) لو ما تأتينا بالملائكة ( لوما حرف تحضيض مركب من لو المفيدة للتمنى ومن ما المزيدة فأفاد المجموع الحث على الفعل الداخلة هى عليه والمعنى هلا تأتينا بالملائكة ليشهدوا على صدقك ) إن كنت من الصادقين ( قال الفراء الميم فى لوما بدل من اللام فى لولا وقال الكسائى لولا ولوما سواء فى الخبر والاستفهام قال النحاس لوما ولولا وهلا واحد وقيل المعنى لوما تأتينا بالملائكة فيعاقبونا على تكذيبنا لك ) ما ننزل الملائكة إلا بالحق ( قرئ ) ما ننزل ( بالنون مبينا للفاعل وهو الله سبحانه فهو على هذا من التنزيل والمعنى على هذه القراءة قال الله سبحانه مجيبا على الكفار لما طلبوا إتيان الملائكة إليهم ما ننزل نحن ) الملائكة إلا بالحق ( أى تنزيلا متلبسا بالحق الذى يحق عنده تنزيلنا لهم فيما تقتضيه الحكمة الإلهية والمشيئة الربانية وليس هذا الذى اقترحتموه مما يحق عنده تنزيل الملائكة وقرئ ) ننزل ( مخففا من الإنزال أى ما ننزل نحن الملائكة إلا بالحق وقرئ ? ما تنزل ? بالمثناة من فرق مضارعا مثقلا مبنيا للفاعل من التنزيل بحذف إحدى التاءين أى تتنزل وقرئ أيضا بالفوقية مضارعا مبنيا للمفعول وقيل معنى إلا بالحق إلا بالقرآن وقيل بالرسالة وقيل بالعذاب ) وما كانوا إذا منظرين ( فى الكلام حذف والتقدير ولو أنزلنا الملائكة لعوجلوا بالعقوبة وما كانوا إذا منظرين فالجملة المذكورة جزاء للجملة الشرطية المحذوفة
الحجر : ( 9 ) إنا نحن نزلنا . . . . .
ثم أنكر على الكفار استهزاءهم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقولهم ) يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( فقال سبحانه ) إنا نحن نزلنا الذكر ( أى نحن نزلنا ذلك الذكر الذى أنكروه ونسبوك بسببه إلى الجنون ) وإنا له لحافظون ( عن كل ما لا يليق به من تصحيف وتحريف وزيادة ونقص ونحو ذلك وفيه وعيد شديد للمكذبين به المستهزئين برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل الضمير فى له لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والأول أولى بالمقام
الحجر : ( 10 ) ولقد أرسلنا من . . . . .
ثم ذكر سبحانه أن عادة أمثال هؤلاء الكفار مع أنبيائهم كذلك تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) ولقد أرسلنا من قبلك ( أى رسلا وحذف لدلالة الإرسال عليه أى رسلا كائنة من قبلك ) في شيع الأولين ( فى أممهم وأتباعهم وسائر فرقهم وطوائفهم قال الفراء الشيع الأمة التابعة بعضهم بعضا فيما يجتمعون عليه وأصله من شاعه إذا تبعه وإضافته إلى الأولين من إضافة الصفة إلى الموصوف عند بعض النحاة أو من حذف الموصوف عند آخرين منهم
الحجر : ( 11 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون (


"""""" صفحة رقم 123 """"""
أى ما يأتى رسول من الرسل شيعته إلا كانوا به يستهزءون كما يفعله هؤلاء الكفار مع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وجملة إلا كانوا به يستهزءون فى محل نصب على الحال أو فى محل رفع على أنها صفة رسول أو فى محل جر على أنها صفة له على اللفظ لا على المحل
الحجر : ( 12 ) كذلك نسلكه في . . . . .
) كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ( أى مثل ذلك الذى سلكناه فى قلوب أولئك المستهزئين برسلهم ) نسلكه ( أى الذكر ) في قلوب المجرمين ( فالإشارة إلى ما دل عليه الكلام السابق من إلقاء الوحى مقرونا بالاستهزاء والسلك إدخال الشيء فى الشئ كالخيط فى المخيط قاله الزجاج قال والمعنى كما فعل بالمجرمين الذين استهزءوا نسلك الضلال فى قلوب المجرمين
الحجر : ( 13 ) لا يؤمنون به . . . . .
وجملة ) لا يؤمنون به ( فى محل نصب على الحال من ضمير نسلكه أى لا يؤمنون بالذكر الذى أنزلناه ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان ما قبلها فلا محل لها وقيل إن الضمير فى نسلكه للاستهزاء وفى لا يؤمنون به للذكر وهو بعيد والأولى أن الضميرين للذكر ) وقد خلت سنة الأولين ( أى مضت طريقتهم التى سنها الله فى إهلاكهم حيث فعلوا ما فعلوا من التكذيب والاستهزاء وقال الزجاج وقد مضت سنة الله في الأولين بأن سلك الكفر والضلال فى قلوبهم
الحجر : ( 14 ) ولو فتحنا عليهم . . . . .
ثم حكى الله سبحانه إصرارهم على الكفر وتصميمهم على التكذيب والاستهزاء فقال ) ولو فتحنا عليهم ( أى على هؤلاء المعاندين لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) المكذبين له المستهزئين به ) بابا من السماء ( أى من أبوابها المعهودة ومكناهم من الصعود إليه ) فظلوا فيه ( أى في ذلك الباب ) يعرجون ( يصعدون بآلة أو بغير آلة حتى يشاهدوا ما فى السماء من عجائب الملكوت التى لا يجحدها جاحد ولا يعاند عند مشاهدتها معاند وقيل الضمير فى فظلوا للملائكة أى فظل الملائكة يعرجون فى ذلك الباب والكفار يشاهدونهم وينظرون صعودهم من ذلك الباب
الحجر : ( 15 ) لقالوا إنما سكرت . . . . .
) لقالوا ( أى الكفار لفرط عنادهم وزيادة عتوهم ) إنما سكرت أبصارنا ( قرأ ابن كثير سكرت بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد وهو من سكر الشراب أو من السكر وهو سدها عن الإحساس يقال سكر النهر إذا سده وحبسه عن الجرى ورجع الثاني بقراءة التخفيف وقال أبو عمرو بن العلاء سكرت غشيت وغطيت ومنه قول الشاعر وطلعت شمس عليها مغفر
وجعلت عين الجزور تسكر
وبه قال أبو عبيد وأبو عبيدة وروى عن أبى عمرو أيضا أنه من سكر الشراب أى غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشى السكران ما غطى عقله وقيل معنى سكرت حبست كما تقدم ومنه قول أوس بن حجر فصرت على ليلة ساهره
فليست بطلق ولا ساكره
قال النحاس وهذه الأقوال متقاربة ) بل نحن قوم مسحورون ( أضربوا عن قولهم سكرت أبصارنا ثم ادعوا أنهم مسحورون أى سحرهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وفى هذا بيان لعنادهم العظيم الذى لا يقلعهم عنه شيء من الأشياء كائنا ما كان فإنهم إذا رأوا آية توجب عليهم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله نسبوا إلى أبصارهم أن إدراكها غير حقيقي لعارض السكر أو أن عقولهم قد سحرت فصار إدراكهم غير صحيح ومن بلغ فى التعنت إلى هذا الحد فلا تنفع فيه موعظة ولا يهتدى بآية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن مجاهد فى قوله ) تلك آيات الكتاب ( قال التوراة والإنجيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم فى ) تلك آيات الكتاب ( قال الكتب التى كانت قبل القرآن ) وقرآن مبين ( قال مبين والله هداه ورشده وخيره وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( قال ود المشركون يوم بدر حين


"""""" صفحة رقم 124 """"""
ضربت أعناقهم فعرضوا على النار أنهم كانوا مؤمنين بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود فى الآية قال هذا فى الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السرى فى الزهد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقى فى البعث والنشور عن ابن عباس قال ما يزال الله يشفع ويدخل ويشفع ويرحم حتى يقول من كان مسلما فليدخل الجنة فذلك قوله ) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( وأخرج ابن المبارك فى الزهد وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقى فى البعث عن ابن عباس وأنس أنهما تذاكرا هذه الآية ) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( فقالا هذا حيث يجمع الله من أهل الخطايا من المسلمين والمشركين فى النار فيقول المشركون ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون فيغضب الله لهم فيخرجهم بفضله ورحمته وأخرج الطبرانى فى الأوسط وابن مردويه بسند قال السيوطى صحيح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن ناسا من أمتى يعذبون بذنوبهم فيكونون فى النار ما شاء الله أن يكونوا ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله من النار ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( وأخرج ابن أبى عاصم فى السنة وابن جرير وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن أبى موسى الأشعرى مرفوعا نحوه وأخرج إسحاق بن راهويه وابن حبان والطبرانى وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرى مرفوعا نحوه أيضا وأخرج هناد بن السرى والطبرانى فى الأوسط وأبو نعيم عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وفى الباب أحاديث فى تعيين هذا السبب فى نزول هذه الآية وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد فى قوله ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ( الآية قال هؤلاء الكفرة وأخرج أيضا عن أبى مالك فى قوله ) ذرهم ( قال خل عنهم وأخرج ابن جرير عن الزهرى فى قوله ) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ( قال نرى أنه إذا حضره أجله فإنه لا يؤخر ساعة ولا يقدم وأما ما لم يحضر أجله فإن الله يؤخر ما شاء ويقدم ما شاء قلت وكلام الزهرى هذا لا حاصل له ولا مفاد فيه وأخرج ابن جرير عن الضحاك فى قوله ) يا أيها الذي نزل عليه الذكر ( قال القرآن وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) ما ننزل الملائكة إلا بالحق ( قال بالرسالة والعذاب وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) وما كانوا إذا منظرين ( قال وما كانوا لو نزلت الملائكة بمنظرين من أن يعذبوا وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) وإنا له لحافظون ( قال عندنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) في شيع الأولين ( قال أمم الأولين وأخرج ابن أبى حاتم عن أنس فى قوله ) كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ( قال الشرك نسلكه فى قلوب المشركين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة مثله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن الحسن مثله أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة ) وقد خلت سنة الأولين ( قال وقائع الله فيمن خلا من الأمم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) فظلوا فيه يعرجون ( قال ابن جريج قال ابن عباس فظلت الملائكة تعرج فنظروا إليهم لقالوا ) إنما سكرت أبصارنا ( قال قريش تقوله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم فى الآية عن ابن عباس أيضا يقول ولو فتحنا عليهم بابا من أبواب السماء فظلت الملائكة تعرج فيه يختلفون فيه ذاهبين وجائين لقال أهل الشرك إنما أخذ أبصارنا وشبه علينا وإنما سحرنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) سكرت أبصارنا ( قال سدت وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه قال ومن قرأ ) سكرت ( مخففة فإنه يعنى السحرت


"""""" صفحة رقم 125 """"""
سورة الحجر الآية ( 16 25 )
الحجر : ( 16 ) ولقد جعلنا في . . . . .
لما ذكر سبحانه كفر الكافرين وعجزهم وعجز أصنامهم ذكر قدرته الباهرة وخلقه البديع ليستدل بذلك على وحدانيته فقال ) ولقد جعلنا في السماء بروجا ( الجعل إن كان بمعنى الخلق ففى السماء متعلق به وإن كان بمعنى التصيير ففى السماء خبره والبروج فى اللغة القصور والمنازل والمراد بها هنا منازل الشمس والقمر والنجوم السيارة وهى الإثنا عشر المشهورة كما تدل على ذلك لتجربة والعرب تعد المعرفة بمواقع النجوم ومنازلها من أجل العلوم ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب وقالوا الفلك اثنا عشر برجا وأسماء هذه البروج الحمل الثور الجوزاء السرطان الأسد السنبلة الميزان العقرب والقوس الجدى الدلو الحوت كل ثلاثة منها على طبيعة عنصر من العناصر الأربعة المشتغلين بهذا العلم ويسمون الحمل والأسد والقوس مثلثة نارية والثور والسنبلة والجدى مثلثة أرضية والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية وأصل البروج الظهور ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها وقال الحسن وقتادة البروج النجوم وسميت بذلك لظهورها وارتفاعها وقيل السبعة السيارة منها قاله أبو صالح وقيل هى قصور وبيوت فى السماء فيها حرس والضمير فى وزيناها راجع إلى السماء أى وزينا السماء بالشمس والقمر والنجوم والبروج للناظرين إليها أو للمتفكرين المعتبرين المستدلين إذا كان من النظر وهو الاستدلال
الحجر : ( 17 ) وحفظناها من كل . . . . .
) وحفظناها ( أى السماء ) من كل شيطان رجيم ( قال أبو عبيدة الرجيم المرجوم بالنجوم كما فى قوله ) رجوما للشياطين ( والرجم فى اللغة هو الرمى بالحجارة ثم قيل للعن والطرد والإبعاد رجم لأن الرامى بالحجارة يوجب هذه المعانى
الحجر : ( 18 ) إلا من استرق . . . . .
) إلا من استرق السمع ( استثناء متصل أى إلا ممن استرق السمع ويجوز أن يكون منقطعا أى ولكن من استرق السمع ) فأتبعه شهاب مبين ( والمعنى حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئا من الوحى وغيره إلا من استرق السمع فإنها تتبعه الشهب فتقتله أو تخبله ومعنى فأتبعه تبعه ولحقه أو أدركه والشهاب الكوكب أو النار المشتعلة الساطعة كما فى قوله ) بشهاب قبس ( قال ذو الرمة كأنه كوكب فى إثر عفريت
وسمى الكوكب شهابا لبريقه شبه النار والمبين الظاهر للمبصرين يرونه لا يلتبس عليهم قال القرطبى واختلف فى الشهاب هل يقتل أو لا فقال ابن عباس الشهاب يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل وقال الحسن وطائفة يقتل


"""""" صفحة رقم 126 """"""
فعلى هذا القول فى قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان أحدهما أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم فلا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء ولذلك انقطعت الكهانة والثانى أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن قال ذكره الماوردى ثم قال والقول الأول أصح قال واختلف هل كان رمى بالشهب قبل المبعث فقال الأكثرون نعم وقيل لا وإنما ذلك بعد المبعث قال الزجاج والرمى بالشهب من آيات النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مما حدث بعد مولده لأن الشعراء فى القديم لم يذكروه فى أشعارهم قال كثير من أهل العلم نحن نرى انقضاض الكواكب فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم يصير نارا إذا أدرك الشيطان ويجوز أن يقال يرمون بشعلة من نار الهواء فيخيل إلينا أنه نجم يسرى
الحجر : ( 19 ) والأرض مددناها وألقينا . . . . .
) والأرض مددناها ( أى بسطناها وفرشناها كما فى قوله ) والأرض بعد ذلك دحاها ( وفى قوله ) والأرض فرشناها فنعم الماهدون ( وفيه رد على من زعم أنها كالكرة ) وألقينا فيها رواسي ( أى جبال ثابتة لئلا تحرك بأهلها وقد تقدم بيان ذلك فى سورة الرعد ) وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ( أى أنبتنا فى الأرض من كل شيء مقدر معلوم فعبر عن ذلك بالوزن لأنه مقدار تعرف به الأشياء ومنه قول الشاعر قد كنت قبل لقائكم ذا مرة
عندى لكل مخاصم ميزانه
وقيل معنى موزون مقسوم وقيل معدود والمقصود من الإثبات الإنشاء والإيجاد وقيل الضمير راجع إلى الجبال أى أنبتنا فى الجبال من كل شيء موزون من الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحو ذلك وقيل موزون بميزان الحكمة ومقدر بقدر الحاجة وقيل الموزون هو المحكوم بحسنه كما يقال كلام موزون أى حسن
الحجر : ( 20 ) وجعلنا لكم فيها . . . . .
) وجعلنا لكم فيها معايش ( تعيشون بها من المطاعم والمشارب جمع معيشة وقيل هى الملابس وقيل هى التصرف فى أسباب الرزق مدة الحياة قال الماوردى وهو الظاهر قلت بل القول الأول أظهر ومنه قول جرير تكلفنى معيشة آل زيد
ومن لى بالمرقق والضباب
) ومن لستم له برازقين ( معطوف على معايش أى وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين وهم المماليك والخدم والأولاد الذين رازقهم فى الحقيقة هو الله وإن ظن بعض العباد أنه الرازق لهم باعتبار استقلاله بالكسب ويجوز أن يكون معطوفا على محل لكم أى جعلنا لكم فيها معايش وجعلنا لمن لستم له برازقين فيها معايش وهم من تقدم ذكره ويدخل فى ذلك الدواب على اختلاف أجناسها ولا يجوز العطف على الضمير المجرور فى لكم لأنه لا يجوز عند الأكثر إلا بإعادة الجار وقيل أراد الوحش
الحجر : ( 21 ) وإن من شيء . . . . .
) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ( إن هى النافية ومن مزيدة للتأكيد وهذا التركيب عام لوقوع النكرة فى حيز النفى مع زيادة من ومع لفظ شيء المتناول لكل الموجودات الصادق على كل فرد منها فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها شيء والخزائن جمع خزانة وهى المكان الذى يحفظ فيه نفائس الأمور وذكر الخزائن تمثيل لاقتداره على كل مقدور والمعنى أن كل الممكنات مقدورة ومملوكة يخرجها من العدم إلى الوجوب بمقدار كيف شاء وقال جمهور المفسرين إن المراد بما فى هذه الآية هو المطر لأنه سبب الأرزاق والمعايش وقيل الخزائن المفاتيح أى ما من شيء إلا عندنا فى السماء مفاتيحه والأولى ما ذكرناه من العموم لكل موجود بل قد يصدق الشيء على المعدوم على الخلاف المعروف فى ذلك ) وما ننزله إلا بقدر معلوم ( أى ما ننزله من السماء إلى الأرض أو نوجده للعباد إلا بقدر معلوم والقدر والمقدار والمعنى أن الله سبحانه لا يوجد للعباد شيئا من تلك الأشياء المذكورة إلا متلبسا ذلك الإيجاد


"""""" صفحة رقم 127 """"""
بمقدار معين حسبما تقتضيه مشيئته على مقدار حاجة العباد إليه كما قال سبحانه ) ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء ( وقد فسر الإنزال بالإعطاء وفسر بالإنشاء وفسر بالإيجاد والمعنى متقارب وجملة وما ننزله معطوفة على مقدر أى وإن من شئ إلا عندنا خزائنه ننزله وما ننزله أو فى محل نصب على الحال
الحجر : ( 22 ) وأرسلنا الرياح لواقح . . . . .
) وأرسلنا الرياح لواقح ( معطوف على ) وجعلنا لكم فيها معايش ( وما بينهما اعتراض قرأ حمزة ) الريح ( بالتوحيد وقرأ من عداه ) الرياح ( بالجمع وعلى قراءة حمزة فتكون اللام فى الريح للجنس قال الأزهرى ) وأرسلنا الرياح لواقح ( لأنها تحمل السحاب أى تقله وتصرفه ثم تمر به فتنزله قال الله سبحانه ) حتى إذا أقلت سحابا ثقالا ( أى حملت وناقة لاقح إذا حملت الجنين فى بطنها وبه قال الفراء وابن قتيبة وقيل لواقح بمعنى ملقحة قال ابن الأنبارى تقول العرب أبقل النبت فهو باقل أى مبقل والمعنى أنها تلقح الشجر أى بقوتها وقيل معنى لواقح ذوات لقح قال الزجاج معناه وذات لقحة لأنها تعصر السحاب وتدره كما تدر اللقحة يقال رامح أى ذو رمح ولابن أى ذو لبن وتامر أى ذو تمر قال أبو عبيدة لواقح بمعنى ملاقح ذهب إلى أنها جمع ملقحة وفى هذه الآية تشبيه الرياح التى تحمل الماء بالحامل ولقاح الشجر بلقاح الحمل ) وأنزلنا من السماء ماء ( أى من الحساب وكل ما علاك فأظلك فهو سماء وقيل من جهة السماء والمراد بالماء هنا ماء المطر ) فأسقيناكموه ( أى جعلنا ذلك المطر لسقياكم ولشرب مواشيكم وأرضكم قال أبو علي يقال سقيته الماء إذا أعطيته قدر ما يروى وأسقيته نهرا أى جعلته شربا له وعلى هذا فأسقيناكموه أبلغ من سقيناكموه وقيل سقى وأسقى بمعنى واحد ) وما أنتم له بخازنين ( أى ليست خزائنه عندكم بل خزائنه عندنا ونحن الخازنون له فنفى عنهم سبحانه ما أثبته لنفسه فى قوله ) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ( وقيل المعنى إن ما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم أى لا تقدرون على حفظه فى الآبار والغدران والعيون بل نحن الحافظون له فيها ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة إليه
الحجر : ( 23 ) وإنا لنحن نحيي . . . . .
) وإنا لنحن نحيي ونميت ( أى نوجد الحياة فى المخلوقات ونسلبها عنها متى شئنا والغرض من ذلك الاستدلال بهذه الأمور على كمال قدرته عز وجل وأنه القادر على البعث والنشور والجزاء لعباده على حسب ما يستحقونه وتقتضيه مشيئته ولهذا قال ) ونحن الوارثون ( أى للأرض ومن عليها لأنه سبحانه الباقى بعد فناء خلقه الحى الذى لا يموت الدائم الذى لا ينقطع وجوده ولله ميراث السموات والأرض
الحجر : ( 24 ) ولقد علمنا المستقدمين . . . . .
) ولقد علمنا المستقدمين منكم ( هذه اللام هى الموطئة للقسم وهكذا اللام فى ) ولقد علمنا المستأخرين ( والمراد من تقدم ولادة وموتا ومن تأخر فيهما وقيل من تقدم طاعة ومن تأخر فيها وقيل من تقدم فى صف القتال ومن تأخر وقيل المراد بالمستقدمين الأموات وبالمستأخرين الأحياء وقيل المستقدمين هم الأمم المتقدمون على أمة محمد والمستأخرون هو أمة محمد وقيل المستقدمون من قتل فى الجهاد والمستأخرون من لم يقتل
الحجر : ( 25 ) وإن ربك هو . . . . .
) وإن ربك هو يحشرهم ( أى هو المتولى لذلك القادر عليه دون غيره كما يفيده ضمير الفصل من الحصر وفيه أنه سبحانه يجازى المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته لأنه الأمر المقصود من الحشر ) إنه حكيم ( يجرى الأمور على ما تقتضيه حكمته البالغة ) عليم ( أحاط علمه بجميع الأشياء لا يخفى عليه شئ منها ومن كان كذلك فله القدرة البالغة على كل شئ مما وسعه علمه وجرى فيه حكمه سبحانه لا إله إلا هو
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) ولقد جعلنا في السماء بروجا ( قال كواكب وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة مثله وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى صالح قال الكواكب العظام وأخرج أيضا عن عطية قال قصورا فى السماء فيها الحرس وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن


"""""" صفحة رقم 128 """"""
أبى حاتم عن قتادة قال الرجيم الملعون وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إلا من استرق السمع ( أراد أن يخطف السمع كقوله ) إلا من خطف الخطفة ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الضحاك قال كان ابن عباس يقول إن الشهب لا تقتل ولكن تحرق وتخبل وتجرح من غير أن تقتل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه فى قوله ) وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ( قال معلوم وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا ) من كل شيء موزون ( قال بقدر وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن زيد قال الأشياء التى توزن وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة قال ما أنبتت الجبال مثل الكحل وشبهه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) ومن لستم له برازقين ( قال الذواب والأنعام وأخرج هؤلاء عن منصور قال الوحش وأخرج البزار وابن مردويه وأبو الشيخ فى العظمة عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خزائن الله الكلام فإذا أراد شيئا قال له كن فكان وأخرج ابن جرير عن ابن جريج فى قوله ) إلا عندنا خزائنه ( قال المطر خاصة وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال ما نقص المطر منذ أنزله الله ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر أخرى ثم قرأ وما ننزله إلا بقدر معلوم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود قال ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء ثم قرأ ) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ( وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى عن ابن مسعود فى قوله ) وأرسلنا الرياح لواقح ( قال يرسل الله الريح فتحمل الماء فتلقح به السحاب فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر وأخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب فتجعله كسفا ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه فيجعله ركاما ثم يبعث اللواقح فتلقحه فتمطر وأخرج ابن أبى الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه والديلمى بسند ضعيف عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ريح الجنوب من الجنة وهى الريح اللواقح التى ذكر الله فى كتابه وأخرج الطيالسى وسعيد ابن منصور وأحمد والترمذى والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن خزيمة وابن حبان والطبرانى والحاكم وصححه عن ابن عباس قال كانت امرأة تصلى خلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حسناء من أحسن النساء فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون فى الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون فى الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله ) ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ( وهذا الحديث هو من رواية أبى الجوزاء عن ابن عباس وقد رواه عبد الرزاق وابن المنذر من قول أبى الجوزاء قال الترمذى وهذا أشبه أن يكون أصح وقال ابن كثير فى هذا الحديث نكارة شديدة وأخرج الحاكم وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال المستقدمين الصفوف المقدمة والمستأخرين الصفوف المؤخرة وقد وردت أحاديث كثيرة فى أن خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها وأخرج ابن أبى حاتم عن عطاء ومقاتل بن حبان أن الآية فى صفوف القتال وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الحسن قال المستقدمين فى طاعة الله والمسأخرين فى معصية الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال يعنى بالمستقدمين من مات وبالمستأخرين من هو حى لم يمت


"""""" صفحة رقم 129 """"""
وأخرج هؤلاء عنه أيضا قال المستقدمين آدم ومن مضى من ذريته والمستأخرين فى أصلاب الرجال وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة نحوه
سورة الحجر الآية ( 26 44 )
الحجر : ( 26 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
المراد بالإنسان فى قوله ) ولقد خلقنا الإنسان ( هو آدم لأنه أصل هذا النوع والصلصال قال أبو عبيدة هو الطين المخلوط بالرمل الذى يتصلصل إذا حرك فإذا طبخ فى النار فهو الفخار وهذا قول أكثر المفسرين وقال الكسائى هو الطين المنن مأخوذ من قول العرب صل اللحم وأصل إذا أنتن مطبوخا كان أو نيئا
قال الحطيئة ذاك فتى يبذل ذا قدرة
لا يفسد اللحم لديه الصلول
والحمأ الطين الأسود المتغير أو الطين الأسود من غير تقييد بالمتغير قال ابن السكيت تقول منه حمأت البئر حمأ بالتسكين إذا نزعت حمأتها وحمئت البئر حمأ بالتحريك كثرت حمأتها وأحميتها إحماء ألقيت فيها الحمأة قال أبو عبيدة الحمأة بسكون الميم مثل الحمأة يعنى بالتحريك والجمع حمء مثل تمرة وتمر والحمأ المصدر مثل الهلع والجزع ثم سمى به والمسنون قال الفراء هو المتغير وأصله من سننت الحجر على الحجر إذا حككته وما يخرج بين الحجرين يقال له السنانة والسنين ومنه قول عبد الرحمن بن حسان ثم حاصرتها إلى القبة الحمرا
تمشى فى مرمر وسنون
أى محكوك ويقال أسن الماء إذا تغير ومنه قوله ) لم يتسنه ( وقوله ) ماء غير آسن ( وكلا الاشتقاقين يدل على التغير لأن ما يخرج بين الحجرين لا يكون إلا منتنا وقال أبو عبيدة المسنون المصوب وهو من قول


"""""" صفحة رقم 130 """"""
العرب سننت الماء على الوجه إذا صببته والسن الصب وقال سيبويه المسنون المصور مأخوذ من سنة الوجه وهى صورته ومنه قول ذى الرمة تريك سنة وجه غير مقرفة
ملساء ليس بها خال ولا ندب
وقال الأخفش المسنون المنصوب القائم من قولهم وجه مسنون إذا كان فيه طول والحاصل على هذه الأقوال أن التراب لما بل صار طينا فلما أنتن صار حمأ مسنونا فلما يئس صار صلصالا فأصل الصلصال هو الحمأ المسنون ولهذا وصف بهما
الحجر : ( 27 ) والجان خلقناه من . . . . .
) والجان خلقناه من قبل من نار السموم ( الجان أبو الجن عند جمهور المفسرين وقال عطاء والحسن وقتادة ومقاتل هو إبليس وسمى جانا لتواريه عن الأعين يقال جن الشيء إذا ستره فالجان يستر نفسه عن أعين بنى آدم ومعنى من قبل من قبل خلق آدم والسموم الريح الحادة النافذة فى المسام تكون بالنهار وقد تكون بالليل كذا قال أبو عبيدة وذكر خلق الإنسان والجان فى هذا الموضع للدلالة على كمال القدرة الإلهية وبيان أن القادر على النشأة الأولى قادر على النشأة الأخرى
الحجر : ( 28 ) وإذ قال ربك . . . . .
) وإذ قال ربك للملائكة ( الظرف منصوب بفعل مقدر أى اذكر بين سبحانه بعد ذكره لخلق الإنسان ما وقع عند خلقه له وقد تقدم تفسير ذلك فى البقرة والبشر مأخوذ من البشرة وهى ظاهر الجلد وقد تقدم تفسير الصلصال والحمأ المسنون قريبا مستوفى
الحجر : ( 29 ) فإذا سويته ونفخت . . . . .
) فإذا سويته ( أى سويت خلقه وعدلت صورته الإنسانية وكملت أجزاءه ) ونفخت فيه من روحي ( النفخ إجراء الريح فى تجاويف جسم آخر فمن قال إن الروح جسم لطيف كالهواء فمعناه ظاهر ومن قال إنه جوهر مجرد غير متحيز ولا حال فى متحيز فمعنى النفخ عنده تهيئة البدن لتعلق النفس الناطقة به قال النيسابورى ولا خلاف فى أن الإضافة فى روحى للتشريف والتكريم مثل ناقة الله وبيت الله قال القرطبى والروح جسم لطيف أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة فى البدن مع ذلك الجسم وحقيقته إضافة خلق إلى خالق فالروح خلق من خلقه اضافه إلى نفسه تشريفا وتكريما قال ومثله وروح منه وقد تقدم فى النساء ) فقعوا له ساجدين ( الفاء تدل على أن سجودهم واجب عليهم عقب التسوية والنفخ من غير تراخ وهو أمر بالوقوع من وقع يقع وفيه دليل على أن المأمور به هو السجود لا مجرد الإنحناء كما قيل وهذا السجود هو سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة ولله أن يكرم من يشاء من مخلوقاته كيف يشاء بما يشاء وقيل كان السجود لله تعالى وكان آدم قبله لهم
الحجر : ( 30 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . .
) فسجد الملائكة كلهم أجمعون ( أخبر سبحانه بأن الملائكة سجدوا جميعا عند أمر الله سبحانه لهم بذلك من غير تراخ قال المبرد قوله كلهم أزال احتمال أن بعض الملائكة لم يسجد وقوله أجمعون توكيد بعد توكيد ورجح هذا الزجاج قال النيسابورى وذلك لأن أجمع معرفة فلا يقع حالا ولو صح أن يكون حالا لكان منتصبا
الحجر : ( 31 ) إلا إبليس أبى . . . . .
ثم استثنى إبليس من الملائكة فقال ) إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين ( قيل هذا الاستثناء متصل لكونه كان من جنس الملائكة ولكنه أبى ذلك استكبارا واستعظاما لنفسه وحسدا لآدم فحقت عليه كلمة الله وقيل إنه لم يكن من الملائكة ولكنه كان معهم فغلب اسم الملائكة عليه وأمر بما أمروا به فكان الاستثناء بهذا الاعتبار متصلا وقيل إن الاستثناء منفصل بناء على عدم كونه منهم وعدم تغليبهم عليه أى ولكن إبليس أبى أن يكون مع الساجدين وقد تقدم الكلام فى هذا فى سورة البقرة وجملة ) أبى أن يكون مع الساجدين ( استئناف مبين لكيفية ما فيهم من الاستثناء من عدم السجود لأن عدم السجود قد يكون مع التردد فبين سبحانه أنه كان على وجه الإباء
الحجر : ( 32 ) قال يا إبليس . . . . .
وجملة ) قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين ( مستأنفة أيضا جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال الله سبحانه لإبليس بعد أن أبى السجود وهذا الخطاب له ليس للتشريف والتكريم بل للتقريع والتوبيخ والمعنى


"""""" صفحة رقم 131 """"""
غرض لك فى الامتناع وأى سبب حملك عليه على أن لا تكون مع الساجدين لآدم مع الملائكة وهم فى الشرف علو المنزلة والقرب من الله بالمنزلة التى قد علمتها
الحجر : ( 33 ) قال لم أكن . . . . .
وجملة ) قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون ( مستأنفة كالتى قبلها جعل العلة لترك سجوده كون آدم بشرا مخلوقا من صلصال من حمأ مسنون زعما منه أنه مخلوق من عنصر أشرف من عنصر آدم وفيه إشارة إجمالية فى كونه خيرا منه وقد صرح بذلك فى موضع آخر فقال ) أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ( وقال فى موضع آخر ) أأسجد لمن خلقت طينا ( واللام فى لأسجد لتأكيد النفى أى لا يصح ذلك منى
الحجر : ( 34 ) قال فاخرج منها . . . . .
فأجاب الله سبحانه عليه بقوله ) قال فاخرج منها فإنك رجيم ( والضمير فى منها قيل عائد إلى الجنة وقيل إلى السماء وقيل إلى زمرة الملائكة أى فاخرج من زمرة الملائكة فإنك رجيم أى مرجوم بالشهب وقيل معنى ) رجيم ( ملعون أى مطرود لأن من يطرد يرجم بالحجارة
الحجر : ( 35 ) وإن عليك اللعنة . . . . .
) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ( أى عليك الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه مستمرا عليك لازما لك إلى يوم الجزاء وهو يوم القيامة وجعل يوم الدين غاية للعنة لا يستلزم انقطاعها فى ذلك الوقت لأن المراد دوامها من غير انقطاع وذكر يوم الدين للمبالغة كما فى قوله تعالى ) ما دامت السماوات والأرض ( أو أن المراد أنه فى يوم الدين وما بعده يعذب بما هو أشد من اللعن من أنواع العذاب فكأنه لا يجد له ما كان يجده قبل أن يمسه العذاب
الحجر : ( 36 ) قال رب فأنظرني . . . . .
) قال رب فأنظرني ( أى أخرنى وأمهلنى ولا تمتنى إلى يوم يبعثون أى آدم وذريته طلب أن يبقى حيا إلى هذا اليوم لما سمع ذلك علم أن الله قد أخر عذابه إلى الدار الآخرة وكأنه طلب أن لا يموت أبدا لأنه إذا أخر موته إلى ذلك اليوم فهو يوم لا موت فيه وقيل إنه لم يطلب أن لا يموت بل طلب أن يؤخر عذابه إلى يوم القيامة ولا يعذب فى الدنيا
الحجر : ( 37 ) قال فإنك من . . . . .
) قال فإنك من المنظرين ( لما سأل الإنظار أجابه الله سبحانه إلى ما طلبه وأخبره بأنه من جملة من أنظره ممن أخر آجالهم من مخلوقاته أو من جملة من أخر عقوبتهم بما اقترفوا
الحجر : ( 38 ) إلى يوم الوقت . . . . .
ثم بين سبحانه الغاية التى أمهله إليها فقال ) إلى يوم الوقت المعلوم ( وهو يوم القيامة فإن يوم الدين ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم كلها عبارات عن يوم القيامة وقيل المراد بالوقت المعلوم هو الوقت القريب من البعث فعند ذلك يموت
الحجر : ( 39 ) قال رب بما . . . . .
) قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ( الباء للقسم وما مصدرية وجواب القسم لأزينن لهم أى أقسم بإغوائك إياى لأزينن لهم فى الأرض أى ما داموا فى الدنيا والتزيين منه إما بتحسين المعاصى لهم وأيقاعهم فيها أو يشغلهم بزينة الدنيا عن فعل ما أمرهم الله به فلا يلتفتون إلى غيرها وإقسامه ها هنا بإغواء الله له لا ينافى إقسامه فى موضع آخر بعزة الله التى هى سلطانه وقهره لأن الإغراء له هو من جملة ما تصدق عليه العزة ) ولأغوينهم أجمعين ( أى لأضلنهم عن طريق الهدى وأوقعهم فى طريق الغواية وأحملهم عليها
الحجر : ( 40 ) إلا عبادك منهم . . . . .
) إلا عبادك منهم المخلصين ( قرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بفتح اللام أى الذين استخلصتهم من العباد وقرأ الباقون بكسر اللام أى الذين أخلصوا لك العبادة فلم يقصدوا بها غيرك
الحجر : ( 41 ) قال هذا صراط . . . . .
) قال هذا صراط علي مستقيم ( أى حق على أن أراعيه وهو أن لا يكون لك على عبادى سلطان قال الكسائى هذا على الوعيد والتهديد كقولك لمن تهدده طريقك علي ومصيرك إلي وكقوله ) إن ربك لبالمرصاد ( فكأن معنى هذا الكلام هذا طرق مرجعه إلي فأجازى كلا بعمله وقيل على هنا بمعنى إلي وقيل المعنى على أن الصراط المستقيم بالبيان والحجة وقيل بالتوفيق والهداية وقرأ ابن سيرين وقتادة والحسن وقيس بن عباد وأبو رجاء وحميد ويعقوب ) هذا صراط علي ( على أنه صفة مشبهة ومعناه رفيع ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( المراد بالعباد هنا هم المخلصون والمراد أنه
الحجر : ( 42 ) إن عبادي ليس . . . . .
لا تسلط له عليهم بإيقاعهم فى ذنب يهلكون به ولا يتوبون منه فلا ينافى هذا ما وقع من آدم وحواء ونحوهما فإنه ذنب مغفور لوقوع التوبة عنه ) إلا من اتبعك من الغاوين ( استثنى سبحانه من عباده هؤلاء وهم المتبعون لإبليس


"""""" صفحة رقم 132 """"""
من الغاوين عن طريق الحق الواقعين فى الضلال وهو موافق لما قاله إبليس اللعين من قوله لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ويمكن أن يقال إن بين الكلامين فرقاه فكلام الله سبحانه فيه نفى سلطان إبليس على جميع عباده إلا من اتبعه من الغاوين فيدخل فى ذلك المخلصون وغيرهم ممن لم يتبع إبليس من الغاوين وكلام إبليس اللعين يتضمن إغواء الجميع إلا المخلصين فدخل فيهم من لم يكن مخلصا ولا تابعا لإبليس غاويا والحاصل أن بين المخلصين والغاوين التابعين لإبليس طائفة لم تكن مخلصة ولا غاوية تابعة لإبليس وقد قيل إن الغاوين المتبعين لإبليس هم المشركون ويدل على ذلك قوله تعالى ) إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون )
الحجر : ( 43 ) وإن جهنم لموعدهم . . . . .
ثم قال الله سبحانه متوعدا لأتباع إبليس ) وإن جهنم لموعدهم أجمعين ( أى موعد المتبعين الغاوين وأجمعين تأكيد للضمير أو حال
الحجر : ( 44 ) لها سبعة أبواب . . . . .
) لها سبعة أبواب ( يدخل أهل النار منها وإنما كانت سبعة لكثرة أهلها ) لكل باب منهم ( أى من الأتباع الغواة ) جزء مقسوم ( أى قدر معلوم متميز عن غيره وقيل المراد بالأبواب الأطباق طبق فوق طبق وهى جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية فأعلاها للموحدين والثانية لليهود والثالثة للنصارى والرابعة للصابئين والخامسة للمجوس والسادسة للمشركين والسابعة للمنافقين فجهنم أعلى الطباق ثم ما بعدها تحتها ثم كذلك كذا قيل
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس قال خلق الإنسان من ثلاث من طين لازب وصلصال وحمأ مسنون فالطين اللازب اللازم الجيد والصلصال المدقق الذى يصنع منه الفخار والحمأ المسنون الطين الذى فيه الحمأة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عنه قال الصلصال الماء يقع على الأرض الطيبة ثم يحسر عنها فتشقق ثم تصير مثل الخزف الرقاق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا قال الصلصال هو التراب اليابس الذى يبل بعد يبسه وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال الصلصال طين خلط برمل وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال الصلصال الذى إذا ضربته صلصل وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال الصلصال الطين تعصر بيدك فيخرج الماء من بين أصابعك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) من حمإ مسنون ( قال من طين رطب وأخرج هؤلاء عنه أيضا ) من حمإ مسنون ( قال من طين منتن وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال الجان مسيخ الجن كالقردة والخنازير مسيخ الإنس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة قال الجان هو إبليس خلق من قبل آدم وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) والجان خلقناه من قبل من نار السموم ( قال من أحسن النار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه قال نار السموم الحارة التى تقتل وأخرج الطيالسى والفريابى وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود قال السموم التى خلق منها الجان جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ثم قرأ ) والجان خلقناه من قبل من نار السموم ( وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ( قال أراد إبليس لا يذوق الموت فقيل إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال النفخة الأولى يموت فيها إبليس وبين النفخة والنفخة أربعون سنة وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن ابن سيرين ) هذا صراط علي مستقيم ( أى رفيع وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لها سبعة أبواب ( بعدد أطباق جهنم كما قدمنا وأخرج ابن المبارك وابن أبى شيبة وأحمد فى الزهد وهناد وعبد بن حميد وابن أبى الدنيا فى صفة النار وابن جرير وابن أبى حاتم


"""""" صفحة رقم 133 """"""
والبيهقى فى البعث من طرق عن علي قال أطباق جهنم سبعة بعضها فوق بعض فيملأ الأول ثم الثانى ثم الثالث حتى تملأ كلها وأخرج البخارى فى تاريخه والترمذى وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل السيف على أمتى وقد ورد فى صفة النار أحاديث وآثار وأخرج ابن مردويه والخطيب فى تاريخه عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله تعالى ) لكل باب منهم جزء مقسوم ( قال جزء أشركوا بالله وجزء شكوا فى الله وجزء غفلوا عن الله
سورة الحجر الآية ( 45 66 )
الحجر : ( 45 ) إن المتقين في . . . . .
قوله ) إن المتقين في جنات وعيون ( أى المتقين للشرك بالله كما قاله جمهور الصحابة والتابعين وقيل هم الذين اتقوا جميع المعاصى فى جنات وهى البساتين وعيون وهى الأنهار قرئ بضم العين من عيون على الأصل وبالكسر مراعاة للياء والتركيب يحتمل أن يكون لجميع المتقين جنات وعيون أو لكل واحد منهم جنات وعيون أو لكل واحد منهم جنة وعين
الحجر : ( 46 ) ادخلوها بسلام آمنين
) ادخلوها ( قرأ الجمهور بلفظ الأمر على تقدير القول أى قيل لهم أدخلوها وقرأ الحسن وأبو العالية وروى عن يعقوب بضم الهمزة مقطوعة وفتح الخاء على أنه فعل مبنى للمفعول أى أدخلهم الله إياها وقد قيل إنهم إذا كانوا فى جنات وعيون فكيف يقال لهم بعد ذلك ادخولها على قراءة الجمهور فإن الأمر لهم بالدخول يشعر بأنهم لم يكونوا فيها وأجيب بأن المعنى أنهم لما صاروا فى الجنات فإذا


"""""" صفحة رقم 134 """"""
انتقلوا من بعضها إلى بعض يقال لهم عند الوصول إلى التى أرادوا الإنتقال إليها ادخلوها ومعنى ) بسلام آمنين ( بسلامة من الآفات وأمن من المخافات أو مسلمين على بعضهم بعضا أو مسلما عليهم من الملائكة أو من الله عز وجل
الحجر : ( 47 ) ونزعنا ما في . . . . .
) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( الغل الحقد والعداوة وقد مر تفسيره فى الأعراف وانتصاب ) إخوانا ( على الحال أى إخوة فى الدين والتعاطف ) على سرر متقابلين ( أى حال كونهم على سرر وعلى صورة مخصوصة وهى التقابل ينظر بعضهم إلى وجه بعض والسرر جمع سرير وقيل هو المجلس الرفيع المهيب للسرور ومنه قولهم سر الوادى لأفضل موضع منه
الحجر : ( 48 ) لا يمسهم فيها . . . . .
) لا يمسهم فيها نصب ( أى تعب وإعياء لعدم وجود ما يتسبب عنه ذلك فى الجنة لأنها نعيم خالص ولذة محضة تحصل لهم بسهولة وتوافيهم مطالبهم بلا كسب ولا جهد بل بمجرد خطور شهوة الشيء بقلوبهم يحصل ذلك الشيء عندهم صفوا عفوا ) وما هم منها بمخرجين ( أبدا وفى هذا الخلود الدائم وعلمهم به تمام اللذة وكمال النعيم فإن علم من هو فى نعمة ولذة بانقطاعها وعدمها بعد حين موجب لتنغص نعيمه وتكدر لذته
الحجر : ( 49 ) نبئ عبادي أني . . . . .
ثم قال سبحانه بعد أن قص علينا ما للمتقين عنده من الجزاء العظيم والأجر الجزيل ) نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ( أى أخبرهم يا محمد أنى أنا الكثير المغفرة لذنوبهم الكثير الرحمة لهم كما حكمت به على نفسى إن رحمتى سبقت غضبى اللهم اجعلنا من عبادك الذين تفضلت عليهم بالمغفرة وأدخلتهم تحت واسع الرحمة ثم إنه سبحانه لما أمر رسوله بأن يخبر عباده بهذه البشارة العظيمة أمره بأن يذكر لهم شيئا مما يتضمن التخويف والتحذير حتى يجتمع الرجاء والخوف ويتقابل التبشير والتحذير ليكونوا راجين خائفين
الحجر : ( 50 ) وأن عذابي هو . . . . .
فقال ) وأن عذابي هو العذاب الأليم ( أى الكثير الإيلام وعند أن جمع الله لعباده بين هذين الأمرين من التبشير والتحذير صاروا فى حالة وسطا بين اليأس والرجاء وخير الأمور أوساطها وهى القيام على قدمى الرجاء والخوف وبين حالتى الأنس والهيبة
الحجر : ( 51 ) ونبئهم عن ضيف . . . . .
وجملة ) ونبئهم عن ضيف إبراهيم ( معطوفة على جملة ) نبئ عبادي ( أى أخبرهم بما جرى على إبراهيم من الأمر الذى اجتمع فيه له الرجاء والخوف والتبشير الذى خالطه نوع من الوجل ليعتبروا بذلك ويعلموا أنها سنة الله سبحانه فى عباده وأيضا لما اشتملت القصة على إنجاء المؤمنين وإهلاك الظالمين كان فى ذلك تقريرا لكونه الغفور الرحيم وأن عذابه هو العذاب الأليم وقد مر تفسير هذه القصة فى سورة هود
الحجر : ( 52 ) إذ دخلوا عليه . . . . .
وانتصاب ) إذ دخلوا عليه ( بفعل مضمر معطوف على ) نبئ عبادي ( أى واذكر لهم دخلوهم عليه أو فى محل نصب على الحال والضيف فى الأصل مصدر ولذلك وحد وإن كانوا جماعة وسمى ضيفا لإضافته إلى المضيف ) فقالوا سلاما ( أى سلمنا سلاما ) قال إنا منكم وجلون ( أى فزعون خائفون وإنما قال هذا بعد أن قرب إليهم العجل فرآهم لا يأكلون منه كما تقدم فى سورة هود ) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ( وقيل أنكر السلام منهم لأنه لم يكن فى بلادهم وقيل أنكر دخولهم عليه بغير استئذان
الحجر : ( 53 ) قالوا لا توجل . . . . .
) قالوا لا توجل ( أى قالت الملائكة لا تخف وقرئ لا تاجل ولا توجل من أوجله أى أخافه وجملة ) إنا نبشرك بغلام عليم ( مستأنفة لتعليل النهى عن الوجل والعليم كثير العلم وقيل هو الحليم كما وقع فى موضع آخر من القرآن وهذا الغلام هو إسحاق كما تقدم فى هود ولم يسمه هنا ولا ذكر التبشير بيعقوب اكتفاء بما سلف
الحجر : ( 54 ) قال أبشرتموني على . . . . .
) قال أبشرتموني ( قرأ الجمهور بألف الإستفهام وقرأ الأعمش ? بشرتمونى ? بغير الألف ) على أن مسني الكبر ( فى محل نصب على الحال أى مع حالة الكبر والهرم ) فبم تبشرون ( استفهام تعجب كأنه عجب من حصول الولد له مع ما قد صار إليه من الهرم الذى جرت العادة بأنه لا يولد لمن بلغ إليه والمعنى فبأى شيء تبشرون فإن البشارة بما لا يكون عادة لا تصح وقرأ نافع ) تبشرون ( بكسر النون والتخفيف وإبقاء الكسرة لتدل على الياء المحذوفة وقرأ ابن كثير


"""""" صفحة رقم 135 """"""
وابن محيصن بكسر النون مشددة على إدغام النون فى النون وأصله ? تبشروننى ? وقرأ الباقون تبشرون بفتح النون
الحجر : ( 55 ) قالوا بشرناك بالحق . . . . .
) قالوا بشرناك بالحق ( إى باليقين الذى لا خلف فيه فإن ذلك وعد الله وهو لا يخلف الميعاد ولا يستحيل عليه شيء فإنه القادر على كل شيء ) فلا تكن من القانطين ( هكذا قرأ الجمهور بإثبات الألف وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب من القنطين بغير ألف وروى ذلك عن أبى عمرو أى من الآيسين من ذلك الذى بشرناك به
الحجر : ( 56 ) قال ومن يقنط . . . . .
) قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ( قرئ بفتح النون من يقنط وبكسرها وهما لغتان وحكى فيه ضم النون والضالون المكذبون أو المخطئون الذاهبون عن طريق الصواب أى إنما استبعدت الولد لكبر سنى لا لقنوطى من رحمة ربى
الحجر : ( 57 ) قال فما خطبكم . . . . .
ثم سألهم عما لأجله أرسلهم الله سبحانه ف ) قال فما خطبكم أيها المرسلون ( الخطب الأمر الخطير والشأن العظيم أى فما أمركم وشأنكم وما الذى جئتم به غير ما قد بشرتمونى به وكأنه قد فهم أن مجيئهم ليس لمجرد البشارة بل لهم شأن آخر لأجله أرسلوا
الحجر : ( 58 ) قالوا إنا أرسلنا . . . . .
) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ( أى إلى قوم له إجرام فيدخل تحت ذلك الشرك وما هو دونه وهؤلاء القوم هم قوم لوط
الحجر : ( 59 ) إلا آل لوط . . . . .
ثم استثنى منهم من ليسوا مجرمين فقال ) إلا آل لوط ( وهو استثناء متصل لأنه من الضمير فى مجرمين ولو كان من قوم لكان منقطعا لكونهم قد وصفوا بكونهم مجرمين وليس آل لوط مجرمين ثم ذكر ما سيختص به آل لوط من الكرامة لعدم دخولهم مع القوم فى إجرامهم فقال ) إنا لمنجوهم أجمعين ( أى آل لوط وهم أتباعه وأهل دينه وهذه الجملة مستأنفة على تقدير كون الاستثناء متصلا كأنه قيل ماذا يكون حال آل لوط فقال إنا لمنجوهم أجعين وأما على تقدير كون الاستثناء منقطعا فهى خبر أى لكن آل لوط ناجون من عذابنا وقرأ حمزة والكسائى ) لمنجوهم ( بالتخفيف من أنجا وقرأ الباقون بالتشديد من نجى واختار هذه القراءة الأخيرة أبو عبيدة وأبو حاتم والتنجية والإنجاء التخليص مما وقع فيه غيرهم
الحجر : ( 60 ) إلا امرأته قدرنا . . . . .
) إلا امرأته ( هذا الاستثناء من الضمير فى منجوهم إخراجا لها من التنجية أى إلا امرأته فليست ممن ننجيه بل ممن نهلكه وقيل إن الاستثناء من آل لوط باعتبار ما حكم لهم به من التنجية والمعنى قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنهلكهم إلا آل لوط إنا لمنجوهم إلا امرأته فإنها من الهالكين ومعنى ) قدرنا إنها لمن الغابرين ( قضينا وحكمنا أنها من الباقين فى العذاب مع الكفرة والغابر الباقى قال الشاعر لا تكسح الشول بأغبارها
إنك لا تدرى من الناتج
والإغبار بقايا اللبن قال الزجاج معنى قدرنا دبرنا وهو قريب من معنى قضينا وأصل التقدير جعل الشيء على مقدار الكفاية وقرأ عاصم من رواية أبى بكر والمفضل ) قدرنا ( بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد قال الهروى هما بمعنى وإنما أسند التقدير إلى الملائكة مع كونه من فعل الله سبحانه لما لهم من القرب عند الله
الحجر : ( 61 ) فلما جاء آل . . . . .
) فلما جاء آل لوط المرسلون ( هذه الجملة مستأنفة لبيان وإهلاك من يستحق الهلاك وتنجية من يستحق النجاة
الحجر : ( 62 ) قال إنكم قوم . . . . .
) قال إنكم قوم منكرون ( أى قال لوط مخاطبا لهم إنكم قوم منكرون أى لا أعرفكم بل أنكركم
الحجر : ( 63 ) قالوا بل جئناك . . . . .
) قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون ( أى بالعذاب الذى كانوا يشكون فيه فالإضراب هو عن مجيئهم بما ينكره كأنهم قالوا ما جئناك بما خطر ببالك من المكروه بل جئناك بما فيه سرورك وهو عذابهم الذى كنت تحذرهم منه وهم يكذبونك
الحجر : ( 64 ) وأتيناك بالحق وإنا . . . . .
) وأتيناك بالحق ( أى باليقين الذى لا مرية فيه ولا تردد وهو العذاب النازل بهم لا محالة ) وإنا لصادقون ( فى ذلك الخبر الذى أخبرناك
الحجر : ( 65 ) فأسر بأهلك بقطع . . . . .
وقد تقدم تفسير قوله ) فأسر بأهلك بقطع من الليل ( فى سورة هود ) واتبع أدبارهم ( أى كن من ورائهم تذودهم لئلا يختلف منهم أحد فيناله العذاب ) ولا يلتفت منكم أحد ( أى لا تلتفت أنت ولا يلتفت أحد منهم فيرى ما نزل بهم من العذاب فيشتغل بالنظر فى ذلك ويتباطأ عن سرعة السير والبعد عن ديار


"""""" صفحة رقم 136 """"""
الظالمين وقيل معنى لا يلتفت لا يتخلف ) وامضوا حيث تؤمرون ( أى إلى الجهة التى أمركم الله سبحانه بالمضي إليها وهى جهة الشام وقيل مصر وقيل قرية من قرى لوط وقيل أرض الخليل
الحجر : ( 66 ) وقضينا إليه ذلك . . . . .
) وقضينا إليه ( أى أوحينا إلى لوط ) ذلك الأمر ( وهو إهلاك قومه ثم فسره بقوله ) أن دابر هؤلاء مقطوع ( قال الزجاج موضع أن نصب وهو بدل من ذلك الأمر والدابر هو الآخر أى أن آخر من يبقي منهم يهلك وقت الصبح وانتصاب ) مصبحين ( على الحال أى حال كونهم داخلين فى وقت الصبح ومثله ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك فى قوله ) آمنين ( قال آمنوا الموت فلا يموتون ولا يكبرون ولا يسقمون ولا يعرون ولا يجوعون وأخرج ابن جرير عن علي ) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( قال العداوة وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن الحسن البصري قال قال علي بن أبي طالب فينا والله أهل الجنة نزلت ) ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ( وأخرج ابن عساكر وابن مردويه عنه فى الآية قال نزلت فى ثلاثة احياء من العرب فى بني هاشم وبني تميم وبني عدي في وفى أبي بكر وعمر وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن كثير النواء قال قلت لأبي جعفر إن فلانا حدثني عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت فى أبي بكر وعمر وعلي ) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( قال والله إنها لفيهم أنزلت وفيمن تنزل إلا فيهم قلت وأى غل هو قال غل الجاهلية إن بني تميم وبني عدي وبني هاشم كان بينهم فى الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم تحابوا فأخذت أبا بكر الخاصرة فجعل علي يسخن يده فيكمد بها خاصرة أبي بكر فنزلت هذه الآية وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن علي من طرق أنه قال لابن طلحة إني لأرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله فيهم ) ونزعنا ما في صدورهم ( الآية فقال رجل من همدان الله أعدل من ذلك فصاح علي عليه صيحة تداعى لها القصر وقال فيمن إذن إن لم نكن نحن أولئك وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والطبراني وابن مردويه عن علي قال إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان والزبير وطلحة فيمن قال الله ) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( وأخرج ابن مردويه وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس فى هذه الآية قال نزلت فى عشرة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح موقوفا عليه وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) على سرر متقابلين ( قال لا يرى بعضهم قفا بعض وأخرجه ابن المنذر وابن مردويه عن مجاهد عن ابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو القاسم البغوي وابن مردويه وابن عساكر عن زيد بن أبي أوفى قال خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتلا هذه الآية ) إخوانا على سرر متقابلين ( قال المتحابون فى الله فى الجنة ينظر بعضهم إلى بعض وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) لا يمسهم فيها نصب ( قال المشقة والأذى وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح عن رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال اطلع علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الباب الذى يدخل منه بنو شيبة فقال ألا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع القهقري فقال إني لما خرجت جاء جبريل فقال يا محمد إن الله عز وجل يقول لم تقنط عبادى ) نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مصعب بن ثابت قال مر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على ناس من أصحابه يضحكون فقال


"""""" صفحة رقم 137 """"""
اذكروا الجنة واذكروا النار فنزلت ) نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ( وأخرج الطبراني والبزار وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال مر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة وارسل فى خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر كل الذى عند الله من رحمته لم ييأس من الرحمة ولو يعلم المؤمن بكل الذى عند الله من العذاب لم يأمن من النار وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ) قالوا لا توجل ( لا تخف وأخرج بن أبي حاتم عن السدي ) من القانطين ( قال الآيسين وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ) إنها لمن الغابرين ( يعني الباقين فى عذاب الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) إنكم قوم منكرون ( قال أنكرهم لوط وفى قوله ) بما كانوا فيه يمترون ( قال بعذاب قوم لوط وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة ) بما كانوا فيه يمترون ( قال يشكون وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) واتبع أدبارهم ( قال أمر أن يكون خلف أهله يتبع أدبارهم فى آخرهم إذا مشوا وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ) وامضوا حيث تؤمرون ( قال أخرجهم الله إلى الشام وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد ) وقضينا إليه ذلك الأمر ( قال أوحيناه إليه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) أن دابر هؤلاء مقطوع ( يعنى استئصال هلاكهم
سورة الحجر الآية ( 67 77 )
الحجر : ( 67 ) وجاء أهل المدينة . . . . .
ذكر سبحانه ما من قوم لوط عند وصول الملائكة إلى قريتهم فقال ) وجاء أهل المدينة يستبشرون ( أى أهل مدينة قوم لوط وهى سلوم كما سبق وجملة ) يستبشرون ( فى محل نصب على الحال أى مستبشرون بأضياف لوط طمعا فى ارتكاب الفاحشة منهم
الحجر : ( 68 ) قال إن هؤلاء . . . . .
ف ) قال ( لهم لوط ) إن هؤلاء ضيفي ( وحد الضيف لأنه مصدر كما تقدم والمراد أضيافي وسماهم ضيفا لأنه رآهم على هيئة الأضياف وقومه رأوهم مردا حسان الوجوه فلذلك طمعوا فيهم ) فلا تفضحون ( يقال فضحه فضيحة وفضحا إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار باظهاره والمعنى لا تفضحون عندهم بتعرضكم لهم بالفاحشة فيعلمون أني عاجز عن حماية من نزل بي أو لا تفضحون بفضيحة ضيفي فإن من فعل ما يفضح الضيف فقد فعل ما يفضح المضيف
الحجر : ( 69 ) واتقوا الله ولا . . . . .
) واتقوا الله ( فى أمرهم ) ولا تخزون ( يجوز أن تكون من الخزي وهو الذل والهوان ويجوز أن يكون من الخزاية وهى الحياء والخجل وقد تقدم تفسير ذلك فى هود
الحجر : ( 70 ) قالوا أو لم . . . . .
) قالوا ( أى قوم لوط مجيبين له ) أو لم ننهك عن العالمين ( الاستفهام للإنكار والواو للعطف على مقدر أى ألم نتقدم إليك وننهك عن أن تكلمنا فى شأن أحد من الناس إذا قصدناه بالفاحشة وقيل نهوه


"""""" صفحة رقم 138 """"""
عن ضيافة الناس ويجوز حمل ما فى الآية على ما هو أعم من هذين الأمرين
الحجر : ( 71 ) قال هؤلاء بناتي . . . . .
) قال هؤلاء بناتي ( فتزوجوهن ) إن كنتم فاعلين ( ما عزمتم عليه من فعل الفاحشة بضيفي فهؤلاء بناتى تزوجوهن حلالا ولا تركبوا الحرام وقيل أراد ببناته نساء قومه لكون النبي بمنزلة الأب لقومه وقد تقدم تفسير هذا فى هود
الحجر : ( 72 ) لعمرك إنهم لفي . . . . .
) لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( العمر والعمر بالفتح والضم واحد لكنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فإنه كثير الدور على ألستهم ذكر ذلك الزجاج قال القاضي عياض اتفق أهل التفسير فى هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى أبو بكر بن العربي فقال قال المفسرون بإجمعهم أقسم الله تعالى هاهنا بحياة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) تشريفا له قال أبو الجوزاء ما أقسم الله سبحانه بحياة أحد غير محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه أكرم البرية عنده قال ابن العربي ما الذى يمتنع أن يقسم الله سبحانه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء وكل ما يعطيه الله تعالى للوط من فضل يؤتى ضعفه من شرف لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه أكرم على الله منه أو لا تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم وأعطى ذلك لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا أقسم الله سبحانه بحياة لوط فحياة محمد أرفع قال القرطبي ما قاله حسن فإنه يكون قسمه سبحانه بحياة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كلاما معترضا فى قصة لوط فإن قيل قد أقسم الله سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين ونحو ذلك فما فيهما من فضل وأجيب بإنه ما من شيء أقسم الله به إلا وفى ذلك دلالة على فضله على جنسه وذكر صاحب الكشاف وأتباعه أن هذا القسم هو من الملائكة على إرادة القول أى قالت الملائكة للوط لعمرك ثم قال وقيل الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له انتهى وقد كره كثير من العلماء القسم بغير الله سبحانه وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة فى النهي عن القسم بغير الله فليس لعباده أن يقسموا بغيره وهو سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( وقيل الإقسام منه سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين والنجم والضحى والشمس والليل ونحو ذلك هو على حذف مضاف هو المقسم به أى وخالق التين وكذلك ما بعده وفى قوله ) لعمرك ( أى وخالق عمرك ومعنى ) إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( لفى غوايتهم يتحيرون جعل الغواية لكونها تذهب بعقل صاحبها كما تذهب به الخمر سكرة والضمير لقريش على أن القسم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو القوم لوط على أن القسم للرسول عليه السلام
الحجر : ( 73 ) فأخذتهم الصيحة مشرقين
) فأخذتهم الصيحة ( العظيمة أو صيحة جبريل حال كونهم ) مشرقين ( أى داخلين فى وقت الشروق يقال أشرقت الشمس أي أضاءت وشرقت إذا طلعت وقيل هما لغتان بمعنى واحد وأشرق القوم إذا دخلوا في وقت شروق الشمس وقيل أراد شروق الفجر وقيل أول العذاب كان عند شروق الفجر وامتد إلى طلوع الشمس والصيحة العذاب
الحجر : ( 74 ) فجعلنا عاليها سافلها . . . . .
) فجعلنا عاليها سافلها ( أى عالي المدينة سافلها ) وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ( من طين متحجر وقد تقدم الكلام مستوفى على هذا فى سورة هود
الحجر : ( 75 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( أى فى المذكور من قصتهم وبيان ما أصابهم ) لآيات ( لعلامات يستدل بها ) للمتوسمين ( للمتفكرين الناظرين فى الأمر ومنه قول زهير وفيهن ملهى للصديق ومنظر
أنيق لعين الناظر المتوسم
وقال الآخر أو كلما وردت عكاظ قبيلة
بعثوا إلي عريفهم يتوسم
وقال أبو عبيدة للمتبصرين وقال ثعلب الواسم الناظر إليك من قرنك إلى قدمك والمعنى متقارب وأصل التوسم التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة فى جلد البعير
الحجر : ( 76 ) وإنها لبسبيل مقيم
) وإنها لبسبيل مقيم ( يعني قرى


"""""" صفحة رقم 139 """"""
قوم لوط أو معدينتهم على طريق ثابت وهى الطريق من المدينة إلى الشام فإن السالك فى هذه الطريق يمر بتلك القرى
الحجر : ( 77 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك ( المذكور من المدينة أو القرى ) لآية للمؤمنين ( يعتبرون بها فإن المؤمنين من العباد هم الذين يعتبرون بما يشاهدونه من الآثار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وجاء أهل المدينة يستبشرون ( قال استبشروا بأضياف نبى الله لوط حين نزلوا به لما أرادوا أن يأتوا إليهم من المنكر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) أو لم ننهك عن العالمين ( قال يقولون أو لم ننهك أن تضيف أحدا أو تؤويه ) قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين ( أمرهم لوط بتزويج النساء وأراد أن يبقى أضيافه ببناته وأخرج ابن أبى شيبة وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس قال ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره قال ) لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( يقول وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك فى الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) لعمرك ( قال لعيشك وأخرج ابن مردويه عن أبى هريرة قال ما حلف الله بحياة أحد إلا بحياة محمد قال ) لعمرك ( الآية وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعى قال كانوا يكرهون أن يقول الرجل لعمرى يرونه كقوله وحياتى وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة ) إنهم لفي سكرتهم يعمهون ( أى فى ضلالهم يلعبون وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الأعمش فى الآية لفى غفلتهم يترددون وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فأخذتهم الصيحة مثل الصاعقة وكل شيء أهلك به قوم فهو صاعقة وصيحة وأخرج ابن جرير عنه ) مشرقين ( قال حين أشرقت الشمس وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم عن ابن عباس فى قوله ) إن في ذلك لآية ( قال علامة أما ترى الرجل يرسل خاتمه إلى أهله فيقول هاتوا كذا وكذا فإذا رأوه عرفوا أنه حق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه ) للمتوسمين ( قال للناظرين وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عن قتادة قال للمعتبرين وأخرج بن جريج وابن المنذر عن مجاهد قال للمتفرسين وأخرج البخارى فى التاريخ والترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم وابن السنى وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اتقو فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ ) إن في ذلك لآيات للمتوسمين ( وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس ) وإنها لبسبيل مقيم ( يقول لبهلاك وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد قال لبطريق مقيم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة لبطريق واضح
سورة الحجر الآية ( 78 86 )


"""""" صفحة رقم 140 """"""
الحجر : ( 78 ) وإن كان أصحاب . . . . .
قوله ) وإن كان أصحاب الأيكة ( إن هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المخذوف أى وإن الشأن كان أصحاب الأيكة والأيكة الغيضة وهى جماع الشجر والجمع الأيك ويروى أن شجرهم كان دوما وهو المقل فالمعنى وإن كان أصحاب الشجر المجتمع وقيل الأيكة اسم القرية التى كانوا فيها قال أبو عبيدة الأيكة وليكة مدينتهم كمكة وبكة وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب وقد تقدم خبرهم واقتصر الله سبحانه هنا على وصفهم بالظلم وقد فصل ذلك الظلم فيما سبق
الحجر : ( 79 ) فانتقمنا منهم وإنهما . . . . .
والضمير فى ) وإنهما لبإمام مبين ( يرجع إلى مدينة قوم لوط ومكان أصحاب الأيكة أى وإن المكانين لبطريق واضح والإمام اسم لما يؤتم به ومن جملة ذلك الطريق التى تسلك قال الفراء والزجاج سمى الطريق إماما لأنه يؤتم ويتبع وقال ابن قتيبة لأن المسافر يأتم به حتى يصل إلى الموضع الذى يريده وقيل الضمير للأيكة ومدين لأن شعيبا كان ينسب إليهما
الحجر : ( 80 ) ولقد كذب أصحاب . . . . .
ثم إن الله سبحانه ختم القصص بقصة ثمود فقال ) ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ( الحجر اسم لديار ثمود قاله الأزهرى وهى ما بين مكة وتبوك وقال ابن جرير هى أرض بين الحجاز والشام وقال المرسلين ولم يرسل إليهم إلا صالح لأن من كذب واحدا من الرسل فقد كذب الباقين لكونهم متفقين فى الدعوة إلى الله وقيل كذبوا صالحا ومن تقدمه من الأنبياء وقيل كذبوا صالحا ومن معه من المؤمنين
الحجر : ( 81 ) وآتيناهم آياتنا فكانوا . . . . .
) وآتيناهم آياتنا ( أى الآيات المنزلة على نبيهم ومن جملتها الناقة فإن فيها آيات جمة كخروجها من الصخرة ودنو نتاجها عند خروجها وعظمها وكثرة لبنها ) فكانوا عنها معرضين ( أى غير معتبرين ولهذا عقروا الناقة وخالفوا ما أمرهم به نبيهم
الحجر : ( 82 ) وكانوا ينحتون من . . . . .
) وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا ( النحت فى كلام العرب البرى والنجر نحته ينحته بالكسر نحتا أى براه وفى التنزيل ) أتعبدون ما تنحتون ( أى تنجرون وكانوا يتخذون لأنفسهم من الجبال بيوتا أى يخرقونها فى الجبال وانتصاب ) آمنين ( على الحال قال الفراء آمنين من أن يقع عليهم وقيل آمنين من الموت وقيل من العذاب ركونا منهم على قوتها ووثاقتها
الحجر : ( 83 ) فأخذتهم الصيحة مصبحين
) فأخذتهم الصيحة مصبحين ( أى داخلين فى وقت الصبح
الحجر : ( 84 ) فما أغنى عنهم . . . . .
وقد تقدم ذكر الصيحة فى الأعراف وفى هود وتقدم أيضا قريبا ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( أى لم يدفع عنهم شيئا من عذاب الله ما كانوا يكسبون من الأموال والحصون فى الجبال
الحجر : ( 85 ) وما خلقنا السماوات . . . . .
) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( أى متلبسة بالحق وهو ما فيهما من الفوائد والمصالح وقيل المراد بالحق مجازاة المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته كما فى قوله سبحانه ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ( وقيل المراد بالحق الزوال لأنها مخلوقة وكل مخلوق زائل ) وإن الساعة لآتية ( وعند إتيانها ينتقم الله ممن يستحق العذاب ويحسن إلى من يستحق الإحسان وفيه وعيد للعصاة وتهديد ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يصفح عن قومه فقال ) فاصفح الصفح الجميل ( أى تجاوز عنهم واعف عفوا حسنا وقيل فأعرض عنهم إعراضا جميلا ولا تعجل عليهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم قيل وهذا منسوخ بآية السيف
الحجر : ( 86 ) إن ربك هو . . . . .
) إن ربك هو الخلاق العليم ( اى الخالق للخلق جميعا العليم بأحوالهم وبالصالح والطالح منهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمرو قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال أصحاب الأيكة هم قوم شعيب والأيكة ذات آجام وشجر كانوا فيها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال الأيكة الغيضة وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال أصحاب الأيكة أهل مدين والأيكة الملتفة من الشجر وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال الأيكة مجمع الشيء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم


"""""" صفحة رقم 141 """"""
عنه أيضا فى قوله ) وإنهما لبإمام مبين ( طريق ظاهر وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى أصحاب الحجر قال أصحاب الوادى وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال كان أصحاب الحجر ثمود وقوم صالح وأخرج البخارى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأصحاب الحجر لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم وأخرج ابن مردويه عنه قال نزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عام غزوة تبوك بالحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من مياه الآبار التى كانت تشرب منها ثمود وعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم فأمره بإهراق القدور وعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم على البئر التى كانت تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا فقال إنى أخشى أن يصيبكم مثل الذى أصابهم فلا تدخلوا عليهم وأخرج ابن مردويه عن سبرة بن معبد أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال بالحجر لأصحابه من عمل من هذا الماء شيئا فليلقه قال ومنهم من عجن العجين ومنهم من حاس الحيس وأخرج ابن مردويه وابن النجار عن علي فى قوله ) فاصفح الصفح الجميل ( قال الرضا بغير عتاب وأخرج البيهقى فى الشعب عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال هذه الآية قبل القتال وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة مثله
سورة الحجر الآية ( 87 99 )
الحجر : ( 87 ) ولقد آتيناك سبعا . . . . .
اختلف أهل العلم فى السبع المثانى ماذا هى فقال جمهور المفسرين إنا الفاتحة قال الواحدى وأكثر المفسرين على أنها فاتحة الكتاب وهو قول عمر وعلي وابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة والربيع والكلبى وزاد القرطبى أبا هريرة وأبا العالية وزاد النيسابورى الضحاك وسعيد بن جبير وقد روى ذلك من قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما سيأتى بيانه فتعين المصير إليه وقيل هى السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والسابعة الأنفال والتوبة لأنها كسورة واحدة إذ ليس بينهما تسمية روى هذا القول عن ابن عباس وقيل المراد بالمثانى السبعة الأحزاب فإنها سبع صحائف والمثانى جمع مثناة من


"""""" صفحة رقم 142 """"""
التثنية أو جمع مثنية وقال الزجاج تثنى بما يقرأ بعدها معها فعلى القول الأول يكون وجه تسمية الفاتحة مثانى أنها تثنى أى تكرر فى كل صلاة وعلى القول بأنها السبع الطوال فوجه التسمية إن العبر والأحكام والحدود كررت فيها وعلى القول بأنها السبعة الأحزاب يكون وجه التسمية هو تكرير ما فى القرآن من القصص ونحوها وقد ذهب إلى أن المراد بالسبع المثانى القرآن كله الضحاك وطاوس وأبو مالك وهو رواية عن ابن عباس واستدلوا بقوله تعالى ) كتابا متشابها مثاني ( وقيل المراد بالسبع المثانى أقسام القرآن وهى الأمر والنهى والتبشير والإنذار وضرب الأمثال وتعريف النعم وأنباء قرون ماضية قاله زياد بن أبى مريم ولا يخفى عليك أن تسمية الفاتحة مثانى لا تستلزم نفى تسمية غيرها بهذا الإسم وقد تقرر أنها المرادة بهذه الآية فلا يقدح فى ذلك صدق وصف المثانى على غيرها ) والقرآن العظيم ( معطوف على سبعا من المثانى ويكون من عطف العام على الخاص لأن الفاتحة بعض من القرآن وكذلك إن أريد بالسبع المثانى السبع الطوال لأنها بعض من القرآن وأما إذا أريد بها السبعة الأحزاب أو جميع القرآن أو أقسامه فيكون من باب عطف أحد الوصفين على الآخر كما قيل فى قول الشاعر إلى الملك القرم وابن الهمام
ومما يقوى كون السبع المثانى هى الفاتحة أن هذه السورة مكية وأكثر السبع الطوال مدنية وكذلك أكثر القرآن وأكثر أقسامه وظاهر قوله ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( أنه قد تقدم إيتاء السبع على نزول هذه الآية و ) من ( فى من المثانى للتبعيض أو البيان على اختلاف الأقوال ذكر معنى ذلك الزجاج فقال هى للتبعيض إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطوال وللبيان إذا أردت الإشباع
الحجر : ( 88 ) لا تمدن عينيك . . . . .
ثم لما بين لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أنعم به عليه من هذه النعمة الدينية نفره عن اللذات العاجلة الزائلة فقال ) لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ( أى لا تطمح ببصرك إلى زخارف الدنيا طموح رغبة فيها وتمن لها والأزواج الأصناف قاله ابن قتبية وقال الجوهرى الأزواج القرناء قال الواحدى إنما يكون مادا عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه وإدامة النظر إليه تدل على استحسانه وتمنيه وقال بعضهم معنى الآية لا تحسدن أحدا على ما أوتى من الدنيا ورد بأن الحسد منهى عنه مطلقا وإنما قال فى هذه السورة لا تمدن بغير واو لأنه لم يسبقه طلب بخلاف ما فى سورة طه ثم لما نهاه عن الالتفات إلى أموالهم وأمتعتهم نهاه عن الالتفات إليهم فقال ) ولا تحزن عليهم ( حيث لم يؤمنوا وصمموا على الكفر والعناد وقيل المعنى لا تحزن على ما متعوا به فى الدنيا فلك الآخرة والأول أولى ثم لما نهاه عن أن يمد عينيه إلى أموال الكفار ولا يحزن عليهم وكان ذلك يستلزم التهاون بهم وبما معهم أمره أن يتواضع للمؤمنين فقال ) واخفض جناحك للمؤمنين ( وخفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب ومنه قوله سبحانه ) واخفض لهما جناح الذل ( وقول الكميت
خفضت لهم منى جناحى مودة إلى كنف عطفاه أهل ومرحب
وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم قبضه على الفرخ فجعل ذلك وصفا لتواضع الإنسان لأتباعه ويقال فلان خافض الجناح أى وقور ساكن والجناحان من ابن آدم جانباه ومنه واضمم يدك إلى جناحك ومنه قول الشاعر
وحسبك فتنة لزعيم قوم يمد على أخى سقم جناحا
الحجر : ( 89 ) وقل إني أنا . . . . .
) وقل إني أنا النذير المبين ( أى المنذر المظهر لقومه ما يصيبهم من عذاب الله ) كما أنزلنا على المقتسمين ( قيل


"""""" صفحة رقم 143 """"""
المفعول محذوف أى مفعول أنزلنا والتقدير كما أنزلنا على المقتسمين عذابا فيكون المعنى إنى أنا النذير المبين لكم من عذاب مثل عذاب المقتسمين الذى أنزلناه عليهم كقوله تعالى ) أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ( وقيل إن الكاف زائدة والتقدير إنى أنا النذير المبين أنذرتكم ما أنزلنا على المقتسمين من العذاب وقيل هو متعلق بقوله ) ولقد آتيناك ( أى أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون والأولى أن يتعلق بقوله ) إني أنا النذير المبين ( لأنه فى قوة الأمر بالإنذار
الحجر : ( 90 ) كما أنزلنا على . . . . .
وقد اختلف فى المقتسمين من هم فقال الفراء هم ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أنقاب مكة وفجاجها يقولون لمن دخلها لا تغتروا بهذا الخارج فينا فإنه مجنون وربما قالوا ساحر وربما قالوا شاعر وربما قالوا كاهن فقيل لهم مقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق وقيل إنهم قوم من قريش اقتسموا كتاب الله فجعلوا بعضه شعرا وبعضه سحرا وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين قاله قتادة وقيل هم أهل الكتاب وسموا مقتسمين لأنهم كانوا يقتسمون القرآن استهزاء فيقول بعضهم هذه السورة لى وهذه لك روى هذا عن ابن عباس وقيل إنهم قسموا كتابهم وفرقوه وبددوه وحرفوه وقيل المراد قوم صالح تقاسموا على قتله فسموا مقتسمين كما قال تعالى ) تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ( وقيل تقاسموا أيمانا تحالفوا عليها قاله الأخفش وقيل إنهم العاص بن وائل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف ومنبه بن الحجاج ذكره الماوردى
الحجر : ( 91 ) الذين جعلوا القرآن . . . . .
) الذين جعلوا القرآن عضين ( جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أجزاء فيكون المعنى على هذا الذين جعلوا القرآن أجزاء متفرقة بعضه شعر وبعضه سحر وبعضه كهانة ونحو ذلك وقيل هو مأخوذ من عضته إذا بهته فالمحذوف منه الهاء لا الواو وجمعت العضة على المعنيين جمع العقلاء لما لحقها من الحذف فجعلوا ذلك عوضا عما لحقها من الحذف وقيل معنى عضين إيمانهم ببعض الكتاب وكفرهم ببعض ومما يؤيد أن معنى عضين التفريق قول رؤبة وليس دين الله بالعضين
أى بالمفرق وقيل العضة والعضين فى لغة قريش السحر وهم يقولون للساحر عاضه وللساحرة عاضهة ومنه قول الشاعر
أعوذ بربى من النافثات فى عقد العاضهة والعضة
وفى الحديث أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لعن العاضهة والمستعضهة وفسر بالساحرة والمستسحرة والمعنى أنهم أكثروا البهت على القرآن وسموه سحرا وكذبا وأساطير الأولين ونظير عضة فى النقصان شفة والأصل شفهة وكذلك سنة والأصل سنهة قال الكسائى العضة الكذب والبهتان وجمعها عضون وقال الفراء إنه مأخوذ من العضاه وهى شجر يؤذى ويجرح كالشوك ويجوز أن يراد بالقرآن التوراة والإنجيل لكونهما مما يقرأ ويراد بالمقتسمين هم اليهود والنصارى أى جعلوهما أجزاء متفرقة وهو أحد الأقوال المتقدمة
الحجر : ( 92 ) فوربك لنسألنهم أجمعين
) فوربك لنسألنهم أجمعين ( أى لنسألن هؤلاء الكفرة أجمعين يوم القيامة
الحجر : ( 93 ) عما كانوا يعملون
عما كانوا يعملون فى الدنيا من الأعمال التى يحاسبون عليها ويسألون عنها وقيل إن المراد سؤالهم عن كلمة التوحيد والعموم فى عما كانوا يعملون يفيد ما هو أوسع من ذلك وقيل إن المسئولين ها هنا هم جميع المؤمنين والعصاة والكفار ويدل عليه قوله ) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ( وقوله ) وقفوهم إنهم مسؤولون ( وقوله ) إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ( ويمكن أن يقال إن قصر هذا السؤال على المذكورين فى السياق وصرف العموم إليهم لا ينافى سؤال غيرهم
الحجر : ( 94 ) فاصدع بما تؤمر . . . . .
) فاصدع بما تؤمر ( قال الزجاج يقول أظهر ما تؤمر به أخذ من الصديع وهو الصبح انتهى وأصل الصدع الفرق والشق يقال صدعته فانصدع أى انشق وتصدع القوم أى تفرقوا ومنه ) يومئذ يصدعون ( أى يتفرقون قال


"""""" صفحة رقم 144 """"""
الفراء أراد فاصدع بالأمر أى أظهر دينك فما مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر وقال ابن الأعرابى معنى اصدع بما تؤمر أى اقصد وقيل فاصدع بما تؤمر أى فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون والأولى أن الصدع الإظهار كما قاله الزجاج والفراء وغيرهم قال النحويون المعنى بما تؤمر به من الشرائع وجوزوا أن تكون مصدرية أى بأمرك وشأنك قال الواحدى قال المفسرون أى اجهر بالأمر أى بأمرك بعد إظهار الدعوة وما زال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مستخفيا حتى نزلت هذه الآية ثم أمره سبحانه بعد أمره بالصدع بالإعراض وعدم الالتفات إلى المشركين فقال ) وأعرض عن المشركين ( أى لا تبال بهم ولا تلتفت إليهم إذا لاموك على إظهار الدعوة
الحجر : ( 95 ) إنا كفيناك المستهزئين
ثم أكد هذا الأمر وثبت قلب رسوله بقوله ) إنا كفيناك المستهزئين ( مع كونهم كانوا من أكابر الكفار وأهل الشوكة فيهم فإذا كفاه الله أمرهم بقمعهم وتدميرهم كفاه أمر من هو دونهم بالأولى وهؤلاء المستهزئون كانوا خمسة من رؤساء أهل مكة الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب بن الحرث بن زمعة والأسود بن عبد يغوث والحرث بن الطلاطلة كذا قال القرطبى ووافقه غيره من المفسرين وقد أهلكهم الله جميعا وكفاهم أمرهم فى يوم واحد
الحجر : ( 96 ) الذين يجعلون مع . . . . .
ثم وصف هؤلاء المستهزئين بالشرك فقال ) الذين يجعلون مع الله إلها آخر ( فلم يكن ذنبهم مجرد الاستهزاء بل لهم ذنب آخر وهو الشرك بالله سبحانه
الحجر : ( 97 ) ولقد نعلم أنك . . . . .
ثم توعدهم فقال ) فسوف يعلمون ( كيف عاقبتهم فى الآخرة وما يصيبهم من عقوبة الله سبحانه ثم ذكر تسلية أخرى لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد التسلية الأولى بكفايته شرهم ودفعه لمكرهم فقال ) ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون ( من الأقوال الكفرية المتضمنة للطعن على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالسحر والجنون والكهانة والكذب وقد كان يحصل ذلك مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمقتضى الجبلة البشرية والمزاج الإنسانى
الحجر : ( 98 ) فسبح بحمد ربك . . . . .
ثم أمره سبحانه بأن يفزع لكشف ما نابه من ضيق الصدر إلى تسبيح الله سبحانه وحمده فقال ) فسبح بحمد ربك ( أى متلبسا بحمده أى افعل التسبيح المتلبس بالحمد ) وكن من الساجدين ( أى المصلين فإنك إذا فعلت ذلك كشف الله همك وأذهب غمك وشرح صدرك
الحجر : ( 99 ) واعبد ربك حتى . . . . .
ثم أمره بعبادة ربه أى بالدوام عليها إلى غاية هى قوله ) حتى يأتيك اليقين ( أى الموت قال الواحدى قال جماعة المفسرين يعنى الموت لأنه موقن به قال الزجاج المعنى اعبد ربك أبدا لأنه لو قيل اعبد ربك بغير توقيت لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون مطيعا فإذا قال حتى يأتيك اليقين فقد أمره بالإقامة على العبادة أبدا ما دام حيا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمر في قوله ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( قال السبع المثاني فاتحة الكتاب وأخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطنى وابن مردويه والبيهقي من طرق عن على بمثله وأخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود مثله وزاد والقرآن العظيم سائر القرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال فاتحة الكتاب استثناها الله لأمة محمد فرفعها في أم الكتاب فادخرها لهم حتى أخرجها ولم يعطها أحد قبل قيل فأين الآية السابعة قال بسم الله الرحمن الرحيم وروى عنه نحو هذا من طرق وأخرج ابن الضريس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال السبع المثاني فاتحة الكتاب وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال السبع المثاني الحمد لله رب العالمين وروى نحو قول هؤلاء الصحابة عن جماعة من التابعين وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى أنه قال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ( ألا أعلمك أفضل سورة قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليخرج فذكرت فقال الحمد


"""""" صفحة رقم 145 """"""
لله رب العالمين هى السبع المثانى والقرآن العظيم وأخرج البخارى أيضا من حديث أبى هريرة قال قال رسول اله ( صلى الله عليه وسلم ) أم القرآن هى السبع المثانى والقرآن العظيم فوجب بهذا المصير إلى القول بأنها فاتحة الكتاب ولكن تسميتها بذلك لا ينافى تسمية غيرها به كما قدمنا وأخرج ابن مردويه عن عمر قال فى الآية هى السبع الطوال وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله وأخرج الفريابى وأبو داود والنسائى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن ابن عباس قال فى الآية هى السبع الطوال وأخرج الدارمى وابن مردويه عن أبى بن كعب مثله وروى نحو ذلك عن جماعة من التابعين وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هى فاتحة الكتاب والسبع الطوال وأخرج ابن جرير عنه فى الآية قال مائتى من القرآن ألم تسمع لقول الله ) الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ( وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال المثانى القرآن يذكر الله القصة الواحدة مرارا وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقى عن زياد بن أبى مريم فى الآية قال أعطيتك سبعة أجزاء مر وانه وبشر وأنذر واضرب الأمثال واعدد النعم واتل نبأ القرآن وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لا تمدن عينيك ( قال نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) أزواجا منهم ( قال الأغنياء الأمثال والأشباه وأخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة قال من أعطى القرآن فمد عينه إلى شيء مما صغر القرآن فقد خالف القرآن ألم يسمع إلى قوله ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( وإلى قوله ) ورزق ربك خير وأبقى ( وقد فسر ابن عيينة أيضا الحديث الصحيح ليس منا من لم يتغن بالقرآن فقال إن المعنى يستغنى به وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) واخفض جناحك ( قال اخضع وأخرج الفريابى وسعيد بن منصور والبخارى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس فى قوله ) كما أنزلنا على المقتسمين ( الآية قال هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه وأخرج ابن جرير من طريق علي بن أبى طلحة عنه قال عضين فرقا وأخرج ابن إسحاق وابن أبى حاتم وأبو نعيم والبيهقى عن ابن عباس أنها نزلت فى نفر من قريش كانوا يصدون الناس عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهم الوليد بن المغيرة وأخرج الترمذى وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أنس عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ( قال عن قول لا إله إلا الله وأخرجه ابن أبى شيبة والترمذى وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن أنس موقوفا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق علي بن أبى طلحة عن ابن عباس ) فاصدع بما تؤمر ( فامضه وفى على بن أبى طلحة مقال معروف وأخرج ابن جرير عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال ما زال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مستخفيا حتى نزل ) فاصدع بما تؤمر ( فخرج هو وأصحابه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس فى الآية قال هذا أمر من الله لنبيه بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه وأخرج ابن المنذر عنه ) فاصدع بما تؤمر ( قال أعلن بما تؤمر وأخرج أبو داود فى ناسخه وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) وأعرض عن المشركين ( قال نسخه قوله تعالى ) فاقتلوا المشركين ( وأخرج الطبرانى فى الأوسط وابن مردويه وأبو نعيم والضياء فى المختارة عن ابن عباس فى قوله ) إنا كفيناك المستهزئين ( قال المستهزئون الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عيطل السهمى والعاص ابن وائل وذكر قصة هلاكهم وقد روى هذا عن جماعة من الصحابة مع زيادة فى عددهم ونقص على طول


"""""" صفحة رقم 146 """"""
فى ذلك وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم فى التاريخ وابن مردويه والديلمى عن أبى مسلم الخولانى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أوحى إلى أن أجمع المال وأكن من التاجرين ولكن أوحى إلى أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا مثله وأخرج ابن مردويه والديلمى عن أبى الدرداء مرفوعا نحوه وأخرج الخطيب فى المتفق والمفترق من طريق عبيد الله بن أبان بن عثمان بن حذيفة ابن أوس الطائفى قال حدثنى أبان بن عثمان عن أبيه عن جده يرفعه مثل حديث أبى مسلم الخولانى وأخرج ابن أبى شيبة عن سالم بن عبد الله بن عمر ) حتى يأتيك اليقين ( قال الموت وأخرج ابن المبارك عن الحسن مثله وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله
تفسير
سورة النحل
ع16
آياتها مائة آية وثمان وعشرون آية
حول السورة
وهى مكية كلها فى قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر ورواه ابن مردويه عن ابن عباس وعن أبى الزبير وأخرج النحاس من طريق مجاهد عن ابن عباس قال سورة النحل نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة فى منصرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أحد قيل وهى قوله ) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( الآية وقوله ) واصبر وما صبرك إلا بالله ( فى شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد وقوله ) ثم إن ربك للذين هاجروا ( الآية وقيل الثالثة ) ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ( إلى قوله ) بأحسن ما كانوا يعملون ( وتسمى هذه السورة سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النحل الآية ( 1 9 )
النحل : ( 1 ) أتى أمر الله . . . . .
قوله ) أتى أمر الله ( أى عقابه للمشركين وقال جماعة من المفسرين القيامة قال الزجاج هو ما وعدهم


"""""" صفحة رقم 147 """"""
به من المجازاة على كفرهم وعبر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه وقيل إن المراد بأمر الله حكمه بذلك وقد وقع وأتى فأما المحكوم به فإنه لم يقع لأنه سبحانه حكيم بوقوعه فى وقت معين فقبل مجئ ذلك الوقت لا يخرج إلى الوجود وقيل إن المراد بإتيانه إتيان مباديه ومقدماته ) فلا تستعجلوه ( نهاهم عن استعجاله أى فلا تطلبوا حضوره قبل ذلك الوقت وقد كان المشركون يستعجلون عذاب الله كما قال النضر بن الحارث ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( الآية والمعنى قرب أمر الله فلا تستعجلوه وقد كان استعجالهم له على طريقة الاستهزاء من دون استعجال على الحقيقة وفى نهيهم عن الاستعجال تهكم بهم ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( أى تنزه وترفع عن إشراكهم أو عن أن يكون له شريك وشركهم ههنا هو ما وقع منهم من استعجال العذاب أو قيام الساعة استهزاء وتكذيبا فإنه يتضمن وصفهم له سبحانه بأنه لا يقدر على ذلك وأنه عاجز عنه والعجز وعدم القدرة من صفات المخلوق لا من صفات الخالق فكان ذلك شركا
النحل : ( 2 ) ينزل الملائكة بالروح . . . . .
) ينزل الملائكة بالروح من أمره ( قرأ المفضل عن عاصم تنزل الملائكة والأصل تتنزل فالفعل مسند إلى الملائكة وقرأ الأعمش تنزل على البناء للمفعول وقرأ الجعفى عن أبى بكر عن عاصم ننزل بالنون والفاعل هو الله سبحانه وقرأ الباقون ينزل الملائكة بالياء التحتية إلا أن ابن كثير وأبا عمرو يسكنان النون والفاعل هو الله سبحانه ووجه اتصال هذه الجملة بما قبلها أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما أخبرهم عن الله أنه قد قرب أمره ونهاهم عن الاستعجال ترددوا فى الطريق التى علم بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فأخبر أنه علم بها بالوحى على ألسن رسل الله سبحانه من ملائكته والروح الوحى ومثله ) يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده ( وسمى الوحى روحا لأنه يحيى قلوب المؤمنين فإن من جملة الوحى القرآن وهو نازل من الدين منزلة الروح من الجسد وقيل المراد أرواح الخلائق وقيل الروح الرحمة وقيل الهداية لأنها تحيا بها القلوب كما تحيا الأبدان بالأرواح قال الزجاج الروح ما كان فيه من الله حياة بالإرشاد إلى أمره وقال أبو عبيد الروح هنا جبريل وتكون الباء على هذا بمعنى مع ومن فى من أمره بيانية أى بأشياء أو مبتدئا من أمره أو صفة للروح أو متعلق بينزل ومعنى ) على من يشاء من عباده ( على من اختصه بذلك وهم الأنبياء ) أن أنذروا ( قال الزجاج أن أنذروا بدل من الروح أى ينزلهم بأن أنذروا وأن إما مفسرة لأن تنزل الوحى فيه معنى القول وإما مخففة من الثقيلة وضمير الشأن مقدر أى بأن الشأن أقول لكم أنذروا أى أعلموا الناس ) أنه لا إله إلا أنا ( أى مروهم بتوحيدى وأعلموهم ذلك مع تخويفهم لأن فى الإنذار تخويفا وتهديدا والضمير فى أنه للشأن ) فاتقون ( الخطاب للمستعجلين على طريق لالتفات وهو تحذير لهم من الشرك بالله
النحل : ( 3 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
ثم إن الله سبحانه لما أرشدهم إلى توحيده ذكر دلائل التوحيد فقال ) خلق السماوات والأرض بالحق ( أى أوجدهما على هذه الصفة التى هما عليهما بالحق أى للدلالة على قدرته ووحدانيته وقيل المراد بالحق هنا الفناء والزوال ) تعالى ( الله ) عما يشركون ( أى ترفع وتقدس عن إشراكهم أو عن شركة الذى يجعلونه شريكا له
النحل : ( 4 ) خلق الإنسان من . . . . .
ثم لما كان نوع الإنسان أشرف أنواع المخلوقات السفلية قدمه وخصه بالذكر فقال ) خلق الإنسان ( وهو اسم لجنس هذا النوع ) من نطفة ( من جماد يخرج من حيوان وهو المنى فنقله أطوارا إلى أن كملت صورته ونفخ فيه الروح وأخرجه من بطن أمه إلى هذه الدار فعاش فيها ) فإذا هو ( بعد خلقه على هذه الصفة ) خصيم ( أى كثير الخصومة والمجادلة والمعنى أنه كالمخاصم لله سبحانه فى قدرته ومعنى ) مبين ( ظاهر الخصومة وأضحها وقيل يبين عن نفسه ما يخاصم به من الباطل والمبين هو المفصح عما فى ضميره بمنطقة ومثله قوله تعالى ) أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين )
النحل : ( 5 ) والأنعام خلقها لكم . . . . .
ثم عقب ذكر خلق الإنسان بخلق


"""""" صفحة رقم 148 """"""
الأنعام لما فيها من النفع لهذا النوع فالإمتنان بها أكمل من الإمتنان بغيرها فقال ) والأنعام خلقها لكم ( وهى الإبل والبقر والغنم وأكثر ما يقال نعم وأنعام للإبل ويقال للمجموع ولا يقال للغنم مفردة ومنه قول حسان وكانت لا يزال بها أنيس
خلال مروجها نعم وشاء
فعطف الشاء على النعم وهى هنا الإبل خاصة قال الجوهرى والنعم واحد الأنعام وأكثر ما يقع هذا الإسم على الإبل ثم لما أخبر سبحانه بأنه خلقها لبنى آدم بين المنفعة التى فيها لهم فقال ) فيها دفء ( الدفء السخانة وهو ما استدفئ به من أصوافها وأوبارها وأشعارها والجملة فى محل النصب على الحال ) ومنافع ( معطوف على دفء وهى درها وركوبها ونتاجها والحراثة بها ونحو ذلك وقد قيل إن الدفء النتاج واللبن قال فى الصحاح الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها ثم قال والدفء أيضا السخونة وعلى هذا فإن أريد بالدفء المعنى الأول فلا بد من حمل المنافع على ما عداه مما ينتفع به منها وإن حمل على المعنى الثانى كان تفسير المنافع بما ذكرناه واضحا وقيل المراد بالمنافع النتاج خاصة وقيل الركوب ) ومنها تأكلون ( أى من لحومها وشحومها وخص هذه المنفعة بالذكر مع دخولها تحت المنافع لأنها أعظمها وقيل خصها لأن الإنتفاع بلحمها وشحمها تعدم عنده عينها بخلاف غيره من المنافع التى فيها وتقديم الظرف المؤذن بالإختصاص للإشارة إلى أن الأكل منها هو الأصل وغيره نادر
النحل : ( 6 ) ولكم فيها جمال . . . . .
) ولكم فيها جمال ( أى لكم فيها مع ما تقدم ذكره جمال والجمال ما يتجمل به ويتزين والجمال الحسن والمعنى هنا لكم فيها تجمل وتزين عند الناظرين إليها ) حين تريحون وحين تسرحون ( أى فى هذين الوقتين وهما وقت ردها من مراعيها ووقت تسريحها إليها فالرواح رجوعها بالعشى من المراعى والسراح مسيرها إلى مراعيها بالغداة يقال سرحت الإبل أسرحها سرحا وسروحا إذا غدوت بها إلى المرعى وقدم الإراحة على التسريح لأن منظرها عند الإراحة أجمل وذواتها أحسن لكونها فى تلك الحالة قد نالت حاجتها من الأكل والشرب فعظمت بطونها وانتفخت ضروعها وخص هذين الوقتين لأنهما وقت نظر الناظرين إليها لأنها عند استقرارها فى الحظائر لا يراها أحد وعند كونها فى مراعيها هى متفرقة غير مجتمعة كل واحد منها يرعى فى جانب
النحل : ( 7 ) وتحمل أثقالكم إلى . . . . .
) وتحمل أثقالكم ( الأثقال جمع ثقل وهو متاع المسافر من طعام وغيره وسمى ثقلا لأنه يثقل الإنسان حمله وقيل المراد أبدانهم ) إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ( أى لم تكونوا واصلين إليه لو لم يكن معكم إبل تحمل أثقالكم إلا بشق الأنفس لبعده عنكم وعدم وجود ما يحمل ما لا بد لكم منه فى السفر وظاهره يتناول كل بلد بعيدة من غير تعيين وقيل المراد بالبلد مكة وقيل اليمن ومصر والشام لأنها متاجر العرب وشق الأنفس مشقتها قرأ الجمهور بكسر الشين وقرأ أبو جعفر بفتحها قال الجوهرى والشق المشقة ومنه قوله ) لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ( وحكى أبو عبيدة بفتح الشين وهما بمعنى ويجوز أن يكون المفتوح مصدرا من شققت عليه أشق شقا والمكسور بمعنى النصف يقال أخذت شق الشاة وشقة الشاة ويكون المعنى على هذا فى الآية لم تكونوا بالغيه إلا بذهاب نصف الأنفس من التعب وقد امتن الله سبحانه على عباده بخلق الأنعام على العموم
النحل : ( 8 ) والخيل والبغال والحمير . . . . .
ثم خص الإبل بالذكر لما فيها من نعمة حمل الأثقال دون البقر والغنم والاستثناء من أعم العام أى لم تكونوا بالغيه بشئ من الأشياء إلا بشق الأنفس ) والخيل والبغال والحمير ( بالنصب عطفا على الأنعام أي وخلق لكم هذه الثلاثة الأصناف وقرأ ابن أبى عبلة بالرفع فيها كلها وسميت الخيل خيلا لاختيالها فى مشيها وواحد الخيل خائل كضائن واحد الضأن وقيل لا واحد له ثم علل سبحانه خلق هذه الثلاثة الأنواع بقوله ) لتركبوها ( وهذه العلة هى باعتبار معظم منافعها لأن الانتفاع بها في غير


"""""" صفحة رقم 149 """"""
الركوب معلوم كالتحميل عليها و عطف ) زينة ( على محل ) لتركبوها ( لأنه فى محل نصب على أنه علة لخلقها ولم يقل لتتزينوا بها حتى يطابق لتركبوها لأن الركوب فعل المخاطبين والزينة فعل الزائن وهو الخالق والتحقيق فيه أن الركوب هو المعتبر فى المقصود بخلاف الزينة فإنه لا يلتفت إليه أهل الهمم العالية لأنه يورث العجب فكأنه سبحانه قال خلقتها لتركبوها فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة وأما التزين بها فهو حاصل فى نفس الأمر ولكنه غير مقصود بالذات وقد استدل بهذه الآية القائلون بتحريم لحوم الخيل قائلين بأن التعليل بالركوب يدل على أنها مخلوقة لهذه المصلحة دون غيرها قالوا ويؤيد ذلك إفراد هذه الأنواع الثلاثة بالذكر وإخراجها عن الأنعام فيفيد ذلك اتحاد حكمها فى تحريم الأكل قالوا ولو كان أكل الخيل جائز لكان ذكره والإمتنان به أولى من ذكر الركوب لأنه أعظم فائدة منه وقد ذهب إلى هذا مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعى ومجاهد وأبو عبيد وغيرهم وذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين وغيرهم إلى حل لحوم الخيل ولا حجة لأهل القول والأول فى التعليل بقوله ) لتركبوها ( لأن ذكر ما هو الأغلب من منافعها لا ينافى غيره ولا نسلم أن الأكل أكثر فائدة من الركوب حتى يذكر ويكون ذكره أقدم من ذكر الركوب وأيضا لو كانت هذه الآية تدل على تحريم الخيل لدلت على تحريم الحمر الأهلية وحينئذ لا يكون ثم حاجة لتحديد التحريم لها عام خيبر وقد قدمنا أن هذه السورة مكية والحاصل أن الأدلة الصحيحة قد دلت على حل أكل لحوم الخيل فلو سلمنا ان فى هذه الآية متمسكا للقائلين بالتحريم لكانت السنة المطهرة الثابتة رافعة لهذا الاحتمال ودافعة لهذا الاستدلال وقد أوضحنا هذه المسئلة فى مؤلفاتنا بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره ) ويخلق ما لا تعلمون ( أى يخلق مالا يحيط علمكم به من المخلوقات غير ما قد عدده ها هنا وقيل المراد من أنواع الحشرات والهوام فى أسافل الأرض وفى البحر مما لم يره البشر ولم يسمعوا به وقيل هو ما أعد الله لعباده فى الجنة وفى النار مما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على قلب بشر وقيل هو خلق السوس فى النبات والدود فى الفواكه وقيل عين تحت العرش وقيل نهر من النور وقيل أرض بيضاء ولا وجه للاقتصار فى تفسير هذه الآية على نوع من هذه الأنواع بل المراد أنه سبحانه يخلق ما لا يعلم به العباد فيشمل كل شيء لا يحيط علمهم به والتعبير هنا بلفظ المستقبل لاستحضار الصورة لأنه سبحانه قد خلق ما لا يعلم به العباد
النحل : ( 9 ) وعلى الله قصد . . . . .
) وعلى الله قصد السبيل ( القصد مصدر بمعنى الفاعل فالمعنى وعلى الله قصد السبيل أى هداية قاصد الطريق المستقيم بموجب وعده المحتوم وتفضله الواسع وقيل هو على حذف مضاف والتقدير وعلى الله بيان قصد السبيل والسبيل الإسلام وبيانه بإرسال الرسل وإقامة الحجج والبراهين والقصد فى السبيل هو كونه موصلا إلى المطلوب فالمعنى وعلى الله بيان الطريق الموصل إلى المطلوب ) ومنها جائر ( الضمير فى منها راجع إلى السبيل بمعنى الطريق لأنها تذكر وتؤنث وقيل راجع إليها بتقدير مضاف أى ومن جنس السبيل جائر مائل عن الحق عادل عنه فلا يهتدى به ومنه قول امرئ القيس ومن الطريقة جائر وهدى
قصد السبيل ومنه ذو دخل
وقيل إن الطريق كناية عن صاحبها والمعنى ومنهم جائر عن سبيل الحق أى عادل عنه فلا يهتدى إليه قيل وهم أهل الأهواء المختلفة وقيل أهل الملل الكفرية وفى مصحف عبد الله ? ومنكم جائر ? وكذا قرأ على ) ولو شاء لهداكم أجمعين ( أى ولو شاء أن يهديكم جميعا إلى الطريق الصحيح والمنهج الحق لفعل ذلك ولكنه لم


"""""" صفحة رقم 150 """"""
يشأ بل اقتضت مشيئته سبحانه إراءة الطريق والدلالة عليها ) وهديناه النجدين ( وأما الإيصال إليها بالفعل فذلك يستلزم أن لا يوجد فى العباد كافر ولا من يستحق النار من المسلمين وقد اقتضت المشيئة الربانية أنه يكون البعض مؤمنا والبعض كافرا كما نطق بذلك القرآن فى غير موضع
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزل أتى أمر الله ذعر أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى نزلت ) فلا تستعجلوه ( فسكنوا وأخرج عبد الله بن أحمد فى زائد الزهد وابن جرير وابن أبى حاتم عن أبى بكر بن حفص قال لما نزلت ) أتى أمر الله ( قاموا فنزلت ) فلا تستعجلوه ( وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس ) أتى أمر الله ( قال خروج محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال لما نزلت هذه الآية ) أتى أمر الله ( قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض إن هذا يزعم أن أمر الله أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا ما نراه نزل شيء فنزلت ) اقترب للناس حسابهم ( فقالوا إن هذا يزعم مثلها أيضا فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا ما نراه نزل شيء فنزلت ) ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الضحاك فى قوله ) أتى أمر الله ( قال الأحكام والحدود والفرائض وأخرج هؤلاء عن ابن عباس فى قوله ) ينزل الملائكة بالروح ( قال بالوحى وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه والبيهقى عنه قال الروح أمر من أمر الله وخلق من خلق الله وصورهم على صورة بنى آدم وما ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد من الروح ثم تلا ) يوم يقوم الروح والملائكة صفا ( وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن ) ينزل الملائكة بالروح ( قال القرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لكم فيها دفء ( قال الثياب ) ومنافع ( قال ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة وأخرج عبد الرزاق والفريابى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا قال نسل كل دابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) وتحمل أثقالكم إلى بلد ( يعنى مكة ) لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ( قال لو تكلفتموه لم تطيقوه إلا بجهد شديد
وقد ورد فى حل أكل لحوم الخيل أحاديث منها فى الصحيحين وغيرهما من حديث أسماء قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأكلناه وأخرج أبو عبيد وابن أبى شيبة والترمذى وصححه والنسائى وابن المنذر وابن أبى حاتم عن جابر قال أطعمنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر الأهلية وأخرج أبو داود نحوه من حديثه أيضا وهما على شرط مسلم وثبت أيضا فى الصحيحين عن حديث جابر قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى الخيل وأما ما أخرجه أبو عبيد وأبو داود والنسائى من حديث خالد بن الوليد قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أكل كل ذى ناب من السباع وعن لحوم الخيل والبغال والحمير ففى إسناده صالح بن يحيى بن أبى المقدام فيه مقال ولو فرضنا أن الحديث صحيح لم يقو على معارضة أحاديث الحل على أنه يكون أن هذا الحديث المصرح لتحريم متقدم على يوم خيبر فيكون منسوخا وأخرج الخطيب وابن عساكر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) ويخلق ما لا تعلمون ( قال البراذين وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن مما خلق الله أرضا من لؤلؤة بيضاء ثم ساق من أوصافها ما يدل على الحديث موضوع ثم قال فى آخره فذلك قوله ) ويخلق ما لا تعلمون ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن


"""""" صفحة رقم 151 """"""
ابن عباس ) وعلى الله قصد السبيل ( يقول على الله أن يبين الهدى والضلالة ) ومنها جائر ( قال السبل المتفرقة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وعلى الله قصد السبيل ( قال على الله بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته ) ومنها جائر ( قال من السبل ناكب عن الحق قال وفى قراءة ابن مسعود ? ومنكم جائر ? وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنبارى فى المصاحف عن علي أنه كان يقرأ هذه الآية ? ومنكم جائر ?
سورة النحل الآية ( 10 19
النحل : ( 10 ) هو الذي أنزل . . . . .
لما استدل سبحانه على وجوده وكمال قدرته وبديع صنعته بعجائب أحوال الحيوانات أراد أن يذكر الاستدلال على المطلوب بغرائب أحوال النبات فقال ) هو الذي أنزل من السماء ( أى من جهة السماء وهى السحاب ) ماء ( أى نوعا من أنواع الماء وهو المطر ) لكم منه شراب ( يجوز ان يتعلق لكم بأنزل أو هو خبر مقدم وشراب مبتدأ مؤخر والجملة صفة لما ) ومنه ( فى محل نصب على الحال والشراب اسم لما يشرب كالطعام لما يطعم والمعنى أن الماء النازل من السماء قسمان قسم يشربه الناس ومن جملته ماء الآبار والعيون فإنه من المطر لقوله ) فسلكه ينابيع في الأرض ( وقسم يحصل منه شجر ترعاه المواشى قال الزجاج كل ما ينبت من الأرض فهو شجر لأن التركيب يدل على الاختلاط ومنه تشاجر القوم إذا اختلط أصوات بعضهم بالبعض ومعنى الاختلاط حاصل فى العشب والكلأ وفيما له ساق وقال ابن قتيبة المراد من الشجر فى الآية الكلأ وقيل الشجر كل ماله ساق كقوله تعالى ) والنجم والشجر يسجدان ( والعطف يقتضى التغاير فلما كان النجم ما لا ساق له وجب أن يكون الشجر ما له ساق وأجيب بأن عطف الجنس على النوع جائز ) فيه تسيمون ( أى فى الشجر ترعون مواشيكم يقال سامت السائمة تسوم سوما رعت فهى سائمة وأسمتها أى أخرجتها إلى الرعى فأنا مسيم وهى مسامة وسائمة وأصل السوم الإبعاد فى المرعى قال الزجاج أخذ من السومة وهى العلامة لأنها تؤثر


"""""" صفحة رقم 152 """"""
فى الأرض علامات برعيها
النحل : ( 11 ) ينبت لكم به . . . . .
) ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ( قرأ أبو بكر عن عاصم ننبت بالنون وقرأ الباقون بالياء التحتية أى ينبت الله لكم بذلك الماء الذى أنزله من السماء وقدم الزرع لأنه أصل الأغذية التى يعيش بها الناس وأتبعه بالزيتون لكونه فاكهة من وجه وإداما من وجه لكثرة ما فيه من الدهن وهو جمع زيتونة ويقال للشجرة نفسها زيتونة ثم ذكر النخيل لكونه غذاء وفاكهة وهو مع العنب أشرف الفواكه وجمع الأعناب لاشتمالها على الأصناف المختلفة ثم أشار إلى سائر الثمرات فقال ) ومن كل الثمرات ( كما أجمل الحيوانات التى لم يذكرها فيما سبق بقوله ) ويخلق ما لا تعلمون ( وقرأ أبى ابن كعب ) ينبت لكم به الزرع ( يرفع الزرع وما بعده ) إن في ذلك ( أى الإنزال والإنبات ) لآية ( عظيمة دالة على كمال القدرة والتفرد بالربوبية ) لقوم يتفكرون ( فى مخلوقات الله ولا يهملون النظر فى مصنوعاته
النحل : ( 12 ) وسخر لكم الليل . . . . .
) وسخر لكم الليل والنهار ( معنى تسخيرهما للناس تصييرهما نافعين لهم بحسب ما تقتضيه مصالحهم وتستدعيه حاجاتهم يتعاقبان دائما كالعبد الطائع لسيده لا يخالف ما يأمره به ولا يخرج عن إرادته ولا يهمل السعى فى نفعه وكذا الكلام فى تسخير الشمس والقمر والنجوم فإنها تجرى على نمط متحد يستدل بها العباد على مقادير الأوقات ويهتدون بها ويعرفون أجزاء الزمان ومعنى مسخرات مذللات وقرأ ابن عامر وأهل الشام ) والشمس والقمر والنجوم مسخرات ( بالرفع على الإبتداء والخبر وقرأ الباقون بالنصب عطفا على الليل والنهار وقرأ حفص عن عاصم برفع النجوم على أنه مبتدأ وخبره مسخرات ) بأمره ( وعلى قراءة النصب فى مسخرات يكون حالا مؤكدة لأن التسخير قد فهم من قوله ) وسخر ( وقرأ حفص فى رواية برفع مسخرات مع نصب ما قبله على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هى مسخرات ) إن في ذلك ( التسخير ) لآيات لقوم يعقلون ( أى يعملون عقولهم فى هذه الآثار الدالة على وجود الصانع وتفرده وعدم وجود شريك له وذكر الآيات لأن الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة وجمعها ليطابق قوله مسخرات وقيل إن وجه الجمع هو أن كلا من تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم آية فى نفسها بخلاف ما تقدم من الإنبات فإنه آية واحدة ولا يخلو كل هذا عن تكلف والأولى أن يقال إن هذه المواضع الثلاثة التى أفرد الآية فى بعضها وجمعها فى بعضها كل واحد منها يصلح للجمع باعتبار وللإفراد باعتبار فلم يجرها على طريقة واحدة افتنانا وتنبيها على جواز الأمرين وحسن كل واحد منهما
النحل : ( 13 ) وما ذرأ لكم . . . . .
) وما ذرأ لكم في الأرض ( أى خلق يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا خلقهم فهو ذارئ ومنه الذرية وهى نسل الثقلين وقد تقدم تحقيق هذا وهو معطوف على النجوم رفعا ونصبا أى وسخر لكم ما ذرأ فى الأرض فالمعنى أنه سبحانه سخر لهم تلك المخلوقات السماوية والمخلوقات الأرضية وانتصاب مختلفا ألوانه على الحال وألوانه هيئاته ومناظره فإن ذرء هذه الأشياء على اختلاف الألوان والأشكال مع تساوى الكل فى الطبيعة الجسمية آية عظيمة دالة على وجود الصانع سبحانه وتفرده ) إن في ذلك ( التسخير لهذه الأمور ) لآية لقوم يذكرون ( فإن من تذكر اعتبر ومن اعتبر استدل على المطلوب قيل وإنما خص المقام الأول بالتفكر لإمكان إيراد الشبهة المذكورة وخص المقام الثانى بالعقل لذكره بعد إماطة الشبهة وإراحة العلة فمن لم يعترف بعدها بالوحدانية فلا عقل له وخص المقام الثالث بالتذكر لمزيد الدلالة فمن شك بعد ذلك فلا حس له وفى هذا من التكلف ما لا يخفى والأولى أن يقال هنا كما قلنا فيما تقدم فى إفراد الآية فى البعض وجمعها فى البعض الآخر وبيانه أن كلا من هذه المواضع الثلاثة يصلح لذكر التفكر ولذكر التعقل ولذكر التذكر لاعتبارات


"""""" صفحة رقم 153 """"""
ظاهرة غير خفية فكان فى التعبير فى كل موضع بواحد منها افتنان حسن لا يوجد فى التعبير بواحد منها فى جميع المواضع الثلاثة
النحل : ( 14 ) وهو الذي سخر . . . . .
) وهو الذي سخر البحر ( امتن الله سبحانه بتسخير البحر بإمكان الركوب عليه واستخراج ما فيه من صيد وجواهر لكونه من جملة النعم التى أنعم الله بها على عباده مع ما فيه من الدلالة على وحدانية الرب سبحانه وكمال قدرته وقد جمع الله سبحانه لعباده فى هذا المقام بين التذكير لهم بآياته الأرضية والسماوية والبحرية فأرشدهم إلى النظر والاستدلال بالآيات المتنوعة المختلفة الأمكنة إتماما للحجة وتكميلا للإنذار وتوضيحا لمنازع الاستدلال ومناطات البرهان ومواضع النظر والاعتبار ثم ذكر العلة فى تسخير البحر فقال ) لتأكلوا منه لحما طريا ( المراد به السمك ووصفه بالطراوة للإشعار بلطافته والإرشاد إلى المسارعة بأكله لكونه مما يفسد بسرعة ) وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( أى لؤلؤا ومرجانا كما فى قوله سبحانه ) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( وظاهر قوله ) تلبسونها ( أنه يجوز للرجال أن يلبسوا اللؤلؤ والمرجان أى يجعلونه حلية لهم كما يجوز للنساء ولا حاجة لما تكلفه جماعة من المفسرين فى تأويل قوله ) تلبسونها ( بقوله تلبسه نساؤهم لأنهن من جملتهم أو لكونهن يلبسنها لأجلهم وليس فى الشريعة المطهرة ما يقتضى منع الرجال من التحلى باللؤلؤ والمرجان ما لم يستعمله على صفة لا يستعمله عليها إلا النساء خاصة فإن ذلك ممنوع من جهة كونه تشبها بهن وقد ورد الشرع بمنعه لا من جهة كونه حلية لؤلؤ أو مرجان ) وترى الفلك مواخر فيه ( أى ترى السفن شواق للماء تدفعه بصدرها ومخر السفينة شقها الماء بصدرها قال الجوهرى مخر السابح إذا شق الماء بصدره ومخر الأرض شقها للزراعة وقيل مواخر جوارى وقيل معترضة وقيل تذهب وتجئ وقيل ملججة قال ابن جرير المخر فى اللغة صوت هبوب الريح ولم يقيد بكونه فى ماء ) ولتبتغوا من فضله ( معطوف على تستخرجوا وما بينهما اعتراض أو على علة محذوفة تقديره لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا أو على تقدير فعل ذلك لتبتغوا أى لتتجروا فيه فيحصل لكم الربح من فضل الله سبحانه ) ولعلكم تشكرون ( أى إذا وجدتم فضله عليكم وإحسانه إليكم اعترفتم بنعمته عليكم فشكرتم ذلك باللسان والأركان قيل ولعل وجه تخصيص هذه النعمة بالتعقيب بالشكر من حيث أن فيها قطعا لمسافة طويلة مع أحمال ثقيلة من غير مزاولة أسباب السفر بل من غير حركة أصلا مع أنها فى تضاعيف المهالك ويمكن أن يضم إلى ما ذكر من قطع المسافة على الصفة المذكورة ما اشتمل عليه البحر من كون فيه أطيب مأكول وأنفس ملبوس وكثرة النعم مع نفاستها وحسن موقعها من أعظم الأسباب المستدعية للشكر الموجبة له
النحل : ( 15 ) وألقى في الأرض . . . . .
ثم أردف هذه النعم الموجبة للتوحيد المفيدة للاستدلال على المطلوب بنعمة أخرى وآية كبرى فقال ) وألقى في الأرض رواسي ( أى جبالا ثابتة يقال رسا يرسو إذا ثبت وأقام قال الشاعر فصبرت عارفة لذلك حرة
ترسو إذا نفس الجبان تطلع
) أن تميد بكم ( أى كراهة ان تميد بكم على ما قاله البصريون أو لئلا تميد بكم على ما قاله الكوفيون والميد الاضطراب يمينا وشمالا ماد الشيء يميد ميدا تحرك ومادت الأغصان تمايلت وماد الرجل تبختر ) وأنهارا ( أى جعل فيها أنهارا لأن الإلقاء ها هنا بمعنى الجعل والخلق كقوله ) وألقيت عليك محبة مني ( ) وسبلا ( أى وجعل فيها سبلا وأظهرها وبيتها لأجل تهتدون بها فى أسفاركم إلى مقاصدكم والسبل الطرق
النحل : ( 16 ) وعلامات وبالنجم هم . . . . .
) وعلامات ( أى وجعل فيها علامات وهى معالم الطرق والمعنى أنه سبحانه جعل للطرق علامات يهتدون بها ) وبالنجم هم يهتدون ( المراد بالنجم الجنس أى يهتدون به فى سفرهم ليلا وقرأ ابن وثاب وبالنجم بضم النون والجيم ومراده النجوم فقصره أو هو جمع نجم كسقف وسقف وقيل المراد بالنجم هنا الجدى والفرقدان قاله الفراء وقيل الثريا وقيل العلامات


"""""" صفحة رقم 154 """"""
الجبال وقيل هى النجوم لأن من النجوم ما يهتدى به ومنها ما يكون علامة لا يهتدى بها وذهب الجمهور إلى أن المراد فى الآية الإهتداء فى الأسفار وقيل هو الإهتداء إلى القبلة ولا مانع من حمل ما فى الآية على ما هو أعم من ذلك قال الأخفش ثم الكلام عند قوله وعلامات وقوله ) وبالنجم هم يهتدون ( كلام منفصل عن الأول
النحل : ( 17 ) أفمن يخلق كمن . . . . .
ثم لما عدد الآيات الدالة على الصانع ووحدانيته وكمال قدرته أراد أن يوبخ أهل الشرك والعناد فقال ) أفمن يخلق ( هذه المصنوعات العظيمة ويفعل هذه الأفاعيل العجيبة ) كمن لا يخلق ( شيئا منها ولا يقدر على إيجاد واحد منها وهو هذه الأصنام التى تعبدونها وتجعلونها شركاء لله سبحانه وأطلق عليها لفظ ) من ( إجراء لها مجرى أولى العلم جريا على زعمهم بأنها آلهة أومشاكلة لقوله ) أفمن يخلق ( لوقوعها فى صحبته وفى هذا الإستفهام من التقريع والتوبيخ للكفار ما لا يخفى وما أحقهم بذلك فإنهم جعلوا بعض المخلوقات شريكا لخالقه ) تعالى الله عما يشركون ( ) أفلا تذكرون ( مخلوقات الله الدالة على وجوده وتفرده بالربوبية وبديع صنعته فتستدلون بها على ذلك فإنها لوضوحها يكفى فى الاستدلال بها مجرد التذكر لها
النحل : ( 18 ) وإن تعدوا نعمة . . . . .
ثم لما فرغ من تعديد الآيات التى هى بالنسبة إلى المكلفين نعم قال ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( وقد مر تفسير هذا فى سورة إبراهيم قال العقلاء إن كل جزء من أجزاء الإنسان لو ظهر فيه أدنى خلل وأيسر نقص لنغص النعم على الإنسان وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت فى ملكه حتى يزول عنه ذلك الخلل فهو سبحانه يدير بدن هذا الإنسان على الوجه الملائم له مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك فكيف يطيق حصر بعض نعم الله عليه أو يقدر على إحصائها أو يتمكن من شكر أدناها
يا ربنا هذه نواصينا بيدك خاضعة لعظيم نعمك معترفة بالعجز عن بادية الشكر لشيء منها لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ولا نطيق التعبير بالشكر لك فتجاوز عنا واغفر لنا وأسبل ذيول سترك على عوراتنا فإنك إن لا تفعل ذلك نهلك بمجرد التقصير فى شكر نعمك فكيف بما قد فرط منا من التساهل فى الائتمار بأوامرك والإنتهاء عن مناهيك وما أحسن ما قال من قال العفو يرجى من بنى آدم
فكيف لا يرجى من الرب
فقلت مذيلا لهذا البيت الذى هو قصر مشيد فإنه أرءف بى منهم
حسبى به حسبى به حسبى
وما أحسن ما ختم به هذا الإمتنان الذى لا يلتبس على إنسان مشيرا إلى عظيم غفرانه وسعة رحمته فقال ) إن الله لغفور رحيم ( أى كثير المغفرة والرحمة لا يؤاخذكم بالغفلة عن شكر نعمه والقصور عن إحصائها والعجز عن القيام بأدناها ومن رحمته إدامتها عليكم وإدرارها فى كل لحظة وعند كل نفس تتنفسونه وحركة تحتركون بها
اللهم إنى أشكرك عدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان فى كل زمان وعدد ما سيشكرك الشاكرون بكل لسان فى كل زمان فقد خصصتنى بنعم لم أرها على كثير من خلقك وإن رأيت منها شيئا على بعض خلقك لم أر عليه بقيتها فأنى أطيق شكرك وكيف أستطيع بادية أدنى شكر أدناها فكيف أستطيع أعلاها فكيف أستطيع شكر نوع من أنواعها
النحل : ( 19 ) والله يعلم ما . . . . .
ثم بين لعباده بأنه عالم بجميع ما يصدر منهم لا تخفى عليه منه خافية فقال ) والله يعلم ما تسرون ( أى تضمرونه من الأمور ) وما تعلنون ( أى تظهرونه منها وفيه وعيد وتعريض وتوبيخ وتنبيه على أن الإله يجب أن يكون عالما بالسر والعلانية لا كالأصنام التى يعبدونها فإنها جمادات لا شعور لها بشئ من الظواهر فضلا عن السرائر فكيف يعبدونها


"""""" صفحة رقم 155 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وما ذرأ لكم في الأرض ( قال ما خلق لكم فى الأرض مختلفا من الدواب والشجر والثمار نعم من الله متظاهرة فاشكروها لله وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) لتأكلوا منه لحما طريا ( يعنى حيتان البحر ) وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( قال هذا اللؤلؤ وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ( قال هو السمك وما فيه من الدواب وأخرج ابن أبى شيبة عن أبى جعفر قال ليس فى الحلى زكاة ثم قرأ ) وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ( أقول وفى هذا الإستدلال نظر والذى ينبغى التعويل عليه أن الأصل البراءة من الزكاة حتى يرد الدليل بوجوبها فى شئ من أنواع المال فتلزم وقد ورد فى الذهب والفضة ما هو معروف ولم يرد فى الجواهر على اختلاف أصنافها ما يدل على وجوب الزكاة فيها وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) مواخر ( قال جوارى وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة ) مواخر ( قال تشق الماء بصدرها وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن الضحاك ) مواخر ( قال السفينتان تجريان بريح واحدة مقبلة ومدبرة وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) ولتبتغوا من فضله ( قال هى التجارة
وأخرج عبد الرازق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) رواسي ( قال الجبال ) أن تميد بكم ( قال حتى لا تميد بكم كانوا على الآرض تمور بهم لا تستقر فأصبحوا صبحا وقد جعل الله الجبال وهى الرواسى أوتادا فى الأرض وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) وسبلا ( قال السبل هى الطرق بين الجبال وأخرج ان عبد الرازق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والخطيب عن قتادة ) وسبلا ( قال طرقا ) وعلامات ( قال هى النجوم وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى الآية قال علامات النهار الجبال وأخرج عبد الرازق وابن جرير وابن المنذر عن الكلبى وعلامات قال الجبال وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) وعلامات ( يعنى معالم الطرق بالنهار ) وبالنجم هم يهتدون ( يعنى بالليل
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) أفمن يخلق كمن لا يخلق ( قال الله هو الخالق الرازق وهذه الأوثان التى تعبد من دون الله تخلق شيئا ولا تملك لأهلها ضرا ولا نفعا
سورة النحل الآية ( 20 26 )


"""""" صفحة رقم 156 """"""
النحل : ( 20 ) والذين يدعون من . . . . .
شرع سبحانه فى تحقيق كون الأصنام التى أشار إليها بقوله ) كمن لا يخلق ( عاجزة على أن يصدر منها خلق شئ فلا تستحق عبادة فقال ) الذين تدعون من دون الله ( أى الآلهة الذين يدعوهم الكفار من دون الله سبحانه صفتهم هذه الصفات المذكورة وهى أنهم ) لا يخلقون شيئا ( من المخلوقات أصلا لا كبيرا ولا صغيرا ولا جليلا ولا حقيرا ) وهم يخلقون ( أى وصفتهم أنهم يخلقون فكيف يتمكن المخلوق من أن يخلق غيره ففى هذه الآية زيادة بيان لأنه أثبت لهم صفة النقصان بعد أن سلب عنهم صفة الكمال بخلاف قوله ) أفمن يخلق كمن لا يخلق ( فإنه اقتصر على مجرد سلب صفة الكمال وقراءة الجمهور والذين تدعون بالمثناة الفوقية على الخطاب مطابقة لما قبله
وروى أبو بكر عن عاصم وروى هبيرة عن حفص يدعون بالتحية وهى قراءة يعقوب
النحل : ( 21 ) أموات غير أحياء . . . . .
ثم ذكر صفة أخرى من صفتهم فقال ) أموات غير أحياء ( يعنى أن هذه الأصنام أجسادها ميتة لا حياة بها أصلا فزيادة ) غير أحياء ( لبيان أنها ليست كبعض الأجساد التى تموت بعد ثبوت الحياة لها بل لا حياة لهذه أصلا فكيف يعبدونها وهم أفضل منها لأنهم أحياء ) وما يشعرون أيان يبعثون ( الضمير فى يشعرون للآلهة وفى يبعثون للكفار الذين يعبدون الأصنام والمعنى ما تشعر هذه الجمادات من الأصنام أبان يبعث عبدتهم من الكفار ويكون هذا على طريقة التهكم بهم لأن شعور الجماد مستحيل بما هو من الأمور الظاهرة فضلا عن الأمور التى لا يعلمها إلا الله سبحانه وقيل يجوز أن يكون الضمير فى يبعثون للآلهة أى وما تشعر هذه الأصنام أيان تبعث ويؤيد ذلك ما روى أن الله يبعث الأصنام ويخلق لها أرواحا معها شياطينها فيؤمر بالكل إلى النار ويدل على هذا قوله ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( وقيل قد تم الكلام عند قوله ) وهم يخلقون ( ثم ابتدأ فوصف المشركين بأنهم أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون فيكون الضميران على هذا للكفار وعلى القول بأن الضميرين أو أحدهما للأصنام يكون التعبير عنها مع كونها لا تعقل بما هو للعقلاء جريا على اعتقاد من يعبدها بأنها تعقل وقرأ السلمى إيان بكسر الهمزة وهما لغتان وهو فى محل نصب بالفعل الذى قبله
النحل : ( 22 ) إلهكم إله واحد . . . . .
) إلهكم إله واحد ( لما زيف سبحانه طريقة عبدة الأوثان صرح بما هو الحق فى نفس الأمر وهو وحدانيته سبحانه ثم ذكر ما لأجله أصر الكفار على شركهم فقال ) فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة ( للوحدانية لا يؤثر فيها وعظ ولا ينجع فيها تذكير ) وهم مستكبرون ( عن قبول الحق متعظمون عن الإذعان للصواب مستمرون على الجحد
النحل : ( 23 ) لا جرم أن . . . . .
) لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( قال الخليل لا جرم كلمة تحقيق ولا تكون إلا جوابا أى حقا أن الله يعلم ما يسرون من أقوالهم وأفعالهم وما يعلنون من ذلك وقد مر تحقيق الكلام فى لا جرم ) إنه لا يحب المستكبرين ( أى لا يحب هؤلاء الذين يستكبرون عن توحيد الله والإستجابة لأنبيائه والجملة تعليل لما تضمنه الكلام المتقدم
النحل : ( 24 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ( أى وإذا قال لهؤلاء الكفار المنكرين المستكبرين قائل ماذا أنزل ربكم أى أى شئ أنزل ربكم أو ماذا الذى أنزل قيل القائل النضر بن الحارث والآية نزلت فيه فيكون هذا القول منه على طريق التهكم وقيل القائل هو من يفد عليهم وقيل القائل المسلمون فأجاب المشركون المنكرون المستكبرون ف ) قالوا أساطير الأولين ( بالرفع أى ما تدعونه أيها المسلمون نزوله أساطير الأولين أو أن المشركين أرادوا السخرية بالمسلمين فقالوا المنزل عليكم أساطير الأولين وعلى هذا فلا يرد ما قيل من أن هذا لا يصلح أن يكون جوابا من المشركين وإلا لكان المعنى الذى أنزله ربنا أساطير الأولين والكفار لا يقرون بالإنزال ووجه عدم وروده هو ما ذكرناه وقيل هو كلام مستأنف أى ليس ما تدعون إنزاله أيها المسلمون منزلا بل هو أساطير الأولين وقد جوز على مقتضى علم النحو نصب أساطير وإن لم تقع القراءة به ولا بد من النصب من التأويل الذى ذكرنا أى أنزل


"""""" صفحة رقم 157 """"""
على دعواكم أساطير الأولين أو يقولون ذلك من أنفسهم على طريق السخرية والأساطير الأباطيل والترهات التى يتحدث الناس بها عن القرون الأولى وليس من كلام الله فى شيء ولا مما أنزله الله أصلا فى زعمهم
النحل : ( 25 ) ليحملوا أوزارهم كاملة . . . . .
) ليحملوا أوزارهم كاملة ( أى قالوا هذه المقالة لكى يحملوا أوزارهم كاملة لم يكفر منها شيء لعدم إسلامهم الذى هو سبب لتكفير الذنوب وقيل إن اللام هى لام العاقبة لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير لأجل يحملون الأوزار ولكن لما كان عاقبتهم ذلك حسن التعليل به كقوله ) ليكون لهم عدوا وحزنا ( وقيل هى لام الأمر ) ومن أوزار الذين يضلونهم ( أى ويحملون بعض أوزار الذين أضلوهم لأن من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها وقيل من للجنس لا للتبعيض أى يحملون كل أوزار الذين يضلونهم ومحل ) بغير علم ( النصب على الحال من فاعل ) يضلونهم ( أى يضلون الناس جاهلين غير عالمين بما يدعونهم إليه ولا عارفين بما يلزمهم من الآثام وقيل إنه حال من المفعول أى يضلون من لا علم له ومثل هذه الآية ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( وقد تقدم فى الأنعام الكلام على قوله ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ) ألا ساء ما يزرون ( أى بئس شيئا يزرونه ذلك
النحل : ( 26 ) قد مكر الذين . . . . .
ثم حكى سبحانه حال أضرابهم من المتقدمين فقال ) قد مكر الذين من قبلهم ( ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد به نمروذ بن كنعان حيث بنى بناء عظيما ببابل ورام الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها فأهب الله الريح فخر ذلك البناء عليه وعلى قومه فهلكوا والأولى أن الآية عامة فى جميع المبطلين من المتقدمين الذين يحاولون إلحاق الضر بالمحقين ومعنى المكر هنا الكيد والتدبير الذى لا يطابق الحق وفى هذا وعيد للكفار المعاصرين له ( صلى الله عليه وسلم ) بأن مكرهم سيعود عليهم كما عاد مكر من قبلهم على أنفسهم ) فأتى الله بنيانهم ( أى أتى أمر الله وهو الريح التى أخربت بنيانهم قال المفسرون أرسل الله ريحا فألقت رأس الصرح فى البحر وخر عليهم الباقى ) من القواعد ( قال الزجاج من الأساطين والمعنى أنه أتاها أمر الله من جهة قواعدها فزعزعها ) فخر عليهم السقف من فوقهم ( قرأ ابن أبى هريرة وابن محيصن السقف بضم السين والقاف جميعا وقرأ مجاهد بضم السين وسكون القاف وقرأ الباقون السقف بفتح السين وسكون القاف والمعنى أنه سقط عليهم السقف لأنه بعد سقوط قواعد البناء يسقط جميع ما هو معتمد عليها قال ابن الأعرابى وإنما قال من فوقهم ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته والعرب تقول خر علينا سقف ووقع علينا حائط إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه فجاء بقوله ) من فوقهم ( ليخرج هذا الشك الذى فى كلام العرب لقال ) من فوقهم ( أى عليهم وقع وكانوا تحته فهلكوا وما أفلتوا وقيل إن المراد بالسقف السماء أى أتاهم العذاب من السماء التى فوقهم وقيل إن هذه الآية تمثيل لهلاكهم والمعنى أهلكهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه عليه
وقد اختلف فى هؤلاء الذين خر عليهم السقف فقيل هو نمروذ كما تقدم وقيل إنه بختنصر وأصحابه وقيل هم المقسمون الذين تقدم ذكرهم فى سورة الحجر ) وأتاهم العذاب ( أى الهلاك ) من حيث لا يشعرون ( به بل من حيث أنهم فى أمان
النحل : ( 27 ) ثم يوم القيامة . . . . .
ثم بين سبحانه أن عذابهم غير مقصور على عذاب الدنيا فقال ) ثم يوم القيامة يخزيهم ( بإدخالهم النار ويفضحهم بذلك ويهينهم وهو معطوف على مقدر أى هذا عذابهم فى الدنيا ثم يوم القيامة يخزيهم ) ويقول ( لهم مع ذلك توبيخا وتقريعا ) أين شركائي ( كما تزعمون وتدعون قرأ ابن كثير من رواية البزى شركاى من دون همز وقرأ الباقون بالهمز ثم وصف هؤلاء الشركاء بقوله ) الذين كنتم تشاقون فيهم ( قرأ نافع بكسر النون على الإضافة وقرأ الباقون بفتحها أى تخاصمون الأنبياء والمؤمنين فيهم وعلى قراءة نافع تخاصموننى فيهم وتعادوننى ادعوهم فليدفعوا عنكم هذا العذاب النازل بكم


"""""" صفحة رقم 158 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق علي بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله ) لا جرم ( يقول بلى وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى مالك ) لا جرم ( قال يعنى لحق وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك قال لا كذب وأخرج مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه وغيرهم عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة كبر ولا يدخل النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان فقال رجل يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمص الناس وفى ذم الكبر ومدح التواضع أحاديث كثيرة وكذلك فى إخراج محبة حسن الثوب وحسن النعل ونحو ذلك من الكبر أحاديث كثيرة والحاصل أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قد بين ماهية الكبر أنه بطر الحق وغمص الناس فهذا هو الكبر المذموم وقد ساق صاحب الدر المنثور عند تفسيره لهذه الآية أعنى قوله سبحانه ) إنه لا يحب المستكبرين ( أحاديث كثيرة ليس هذا مقام إيرادها بل المقام مقام ذكر ما له علاقة بتفسير الكتاب العزيز وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) قالوا أساطير الأولين ( أن ناسا من مشركى العرب كانوا يقعدون بطريق من أتى نبى الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا مروا سألوهم فأخبروهم بما سمعوا من النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إنما هو أساطير الأولين وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ليحملوا أوزارهم ( الآية يقول يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذين يضلونهم بغير علم وذلك مثل قوله سبحانه ) وأثقالا مع أثقالهم ( وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد نحوه وزاد ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) قد مكر الذين من قبلهم ( قال نمروذ بن كنعان حين بنى الصرح وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن أسلم أنه النمروذ أيضا وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) فأتى الله بنيانهم من القواعد ( قال أتاها أمر الله من أصلها ) فخر عليهم السقف من فوقهم ( والسقف أعالى البيوت فائتكفت بهم بيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم ) وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم من طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس ) تشاقون فيهم ( قال تخالفونى
سورة النحل الآية ( 27 32 )


"""""" صفحة رقم 159 """"""
قوله ) قال الذين أوتوا العلم ( قيل هم العلماء قالوه لأممهم الذين كانوا يعظونهم ولايلتفتون إلى وعظهم وكان هذا القول منهم على طريق الشماته وقيل هم الأنبياء وقيل الملائكة والظاهر الأول لأن ذكرهم بوصف العلم يفيد ذلك وإن كان الانبياء والملائكة هم من أهل العلم بل هم أعرق فيه لكن لهم وصف يذكرون به هو أشرف من هذا الوصف وهو كونهم أنبياء أو كونهم ملائكة ولا يقدح فى هذا جواز الإطلاق لأن المراد الاستدلال على الظهور فقط ) إن الخزي اليوم ( أي الذل والهوان والفضيحة يوم القيامة ) والسوء ( أي العذاب ) على الكافرين ( مختص بهم
النحل : ( 28 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .
) الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ( قد تقدم تفسيره والموصول فى محل الجر على أنه نعت للكافرين أو بدل منه أو فى محل نصب على الاختصاص أو فى محل رفع على تقدير مبتدأ أى هم الذين تتوفاهم وانتصاب ظالمى أنفسهم على الحال ) فألقوا السلم ( معطوف على ) فيقول أين شركائي ( وما بينهما اعتراض أى أقروا بالربوبية وانقادوا عند الموت ومعناه الإستسلام قاله قطرب وقيل معناه المسالمة أى سالموا وتركوا المشاقة قاله الأخفش وقيل معناه الإسلام أى أقروا بالإسلام وتركوا ما كانوا فيه من الكفر وجملة ) ما كنا نعمل من سوء ( يجوز أن تكون تفسيرا للسلم على أن يكون المراد بالسلم الكلام الدال عليه ويجوز أن يكون المراد بالسوء هنا الشرك ويكون هذا القول منهم على وجه الجحود والكذب ومن لم يجوز الكذب على أهل القيامة حمله على أنهم أرادوا أنهم لم يعملوا سوءا فى اعتقادهم وعلى حسب ظنونهم ومثله قولهم والله ربنا ما كنا مشركين فلما قالوا هذا أجاب عليهم أهل العلم بقولهم ) بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ( أى بلى كنتم تعملون السوء إن الله عليم بالذى كنتم تعملونه فمجازيكم عليه ولا ينفعكم هذا الكذب شيئا
النحل : ( 29 ) فادخلوا أبواب جهنم . . . . .
) فادخلوا أبواب جهنم ( أى يقال لهم ذلك عند الموت وقد تقدم ذكر أبواب جهنم وأن جهنم درجات بعضها فوق بعض و ) خالدين فيها ( حال مقدرة لأن خلودهم مستقبل ) فلبئس مثوى المتكبرين ( المخصوص بالذم محذوف والتقدير لبئس مثوى المتكبرين جهنم والمراد بتكبرهم هنا هو تكبرهم عن الإيمان والعبادة كما فى قوله ) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون )
النحل : ( 30 ) وقيل للذين اتقوا . . . . .
ثم أتبع أوصاف الأشقياء بأوصاف السعداء فقال ) وقيل للذين اتقوا ( وهم المؤمنون ) ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ( أى أنزل خيرا قال الثعلبى فإن قيل لم ارتفع الجواب فى قوله ) أساطير الأولين ( وانتصب فى قوله ) خيرا ( فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل فكأنهم قالوا الذى يقولونه محمد هو أساطير الأولين والمؤمنون آمنوا بالنزول فقال أنزل خيرا ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ( قيل هذا من كلام الله عز وجل وقيل هو حكاية لكلام الذين اتقوا فيكون على هذا بدلا من خيرا وعلى الأول يكون كلاما مستأنفا مسوقا للمدح للمتقين والمعنى للذين أحسنوا أعمالهم فى الدنيا حسنة أى مثوبة حسنة ) ولدار الآخرة ( أى مثوبتها ) خير ( مما أوتوا فى الدنيا ) ولنعم دار المتقين ( دار الآخرة فحذف المخصوص بالمدح لدلالة ما قبله عليه وارتفاع
النحل : ( 31 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
) جنات عدن ( على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها أو خبر مبتدأ محذوف وقيل يجوز أن تكون هى المخصوص بالمدح ) يدخلونها ( هو إما خبر المبتدأ أو خبر بعد خبر وعلى تقدير تنكير عدن تكون صفة لجنات وكذلك ) تجري من تحتها الأنهار ( وقيل يجوز أن تكون الجملتان فى محل نصب على الحال على تقدير أن لفظ عدن علم وقد تقدم معنى جرى الأنهار من تحت الجنات ) لهم فيها ما يشاؤون ( أى لهم فى الجنات ما تقع عليه مشيئتهم صفوا عفوا يحصل لهم بمجرد ذلك ) كذلك يجزي الله المتقين ( أى مثل ذلك الجزاء يجزيهم والمراد بالمتقين كل من يتقى الشرك وما يوجب النار من المعاصى
النحل : ( 32 ) الذين تتوفاهم الملائكة . . . . .
والموصول فى قوله ) الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ( فى محل نصب نعت للمتقين المذكور قبله قرأ الأعمش وحمزة تتوفاهم فى هذا الوضع وفى الموضع الأول بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية واختار


"""""" صفحة رقم 160 """"""
القراءة الأولى أبو عبيد مستدلا بما روى عن ابن مسعود أنه قال إن قريشا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم وطيبين فيه أقوال طاهرين من الشرك أو الصالحين أو زاكية أفعالهم وأقواهم أو طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله أو طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله أو طيبين الوفاة أى هى عليهم سهلة لا صعوبة فيها وجملة ) يقولون سلام عليكم ( فى محل نصب على الحال من الملائكة أى قائلين سلام عليكم ومعناه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة الثانى أن يكون تبشيرا لهم بالجنة لأن السلام أمان وقيل إن الملائكة يقولون السلام عليك ولى الله إن الله يقرأ عليك السلام ) ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( أى بسبب عملكم قيل يحتمل هذا وجهين الأول أن يكون تبشيرا بدخول الجنة عند الموت الثانى أن يقولوا ذلك لهم فى الآخرة ولا ينافى هذا دخول الجنة بالتفضل كما فى الحديث الصحيح سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله قيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته وقد قدمنا البحث عن هذا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وقيل للذين اتقوا ( قال هؤلاء المؤمنون يقال لهم ) ماذا أنزل ربكم ( فيقولون ) خيرا للذين أحسنوا ( أى آمنوا بالله وكتبه وأمروا بطاعته وحثوا عباد الله على الخير ودعوهم إليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ( قال أحياء وأمواتا قدر الله لهم ذلك
سورة النحل الآية ( 33 40 )
النحل : ( 33 ) هل ينظرون إلا . . . . .
قوله ) هل ينظرون ( الآية هذا جواب شبهة أخرى لمنكرى النبوة فإنهم طلبوا من النبى ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 161 """"""
أن ينزل عليهم ملكا من السماء يشهد على صدقه فى إدعاء النبوة فقال هل ينظرون فى تصديق نبوتك ) إلا أن تأتيهم الملائكة ( شاهدين بذلك ويحتمل أن يقال إنهم لما طعنوا فى القرآن بأنه أساطير الأولين أو عدهم الله بقوله ) هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ( لقبض أرواحهم ) أو يأتي أمر ربك ( أى عذابه فى الدنيا المستأصل لهم أو المراد بأمر الله القيامة وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائى وخلف ? إلا أن يأتيهم الملائكة ? بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية والمراد بكونهم ينظرون أى ينتظرون إتيان الملائكة أو إتيان أمر الله على التفسير الآخر أنهم قد فعلوا فعل من وجب عليه العذاب وصار منتظرا له وليس المراد أنهم ينتظرون ذلك حقيقة فإنهم لا يؤمنون بذلك ولا يصدقونه ) كذلك فعل الذين من قبلهم ( أى مثل فعل هؤلاء من الإصرار على الكفر والتكذيب والاستهزاء فعل الذين خلوا من قبلهم من طوائف الكفار فأتاهم أمر الله فهلكوا ) وما ظلمهم الله ( بتدميرهم بالعذاب فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( بما ارتكبوه من القبائح وفيه أن ظلمهم مقصور عليهم باعتبار ما إليه يئول
النحل : ( 34 ) فأصابهم سيئات ما . . . . .
وجملة ) فأصابهم سيئات ما عملوا ( معطوفة على فعل الذين من قبلهم وما بينهما اعتراض وقيل فى الكلام تقديم وتأخير والتقدير كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله والمعنى فأصابهم جزاء سيئات أعمالهم أو جزاء أعمالهم السيئة ) وحاق بهم ( أى نزل بهم على وجه الإحاطة ) ما كانوا به يستهزؤون ( أى العذاب الذى كانوا به يستهزئون أو عقاب استهزائهم
النحل : ( 35 ) وقال الذين أشركوا . . . . .
) وقال الذين أشركوا ( هذا نوع آخر من كفرهم الذى حكاه الله عنهم والمراد بالذين أشركوا هنا أهل مكة ) لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ( أى لو شاء عدم عبادتنا لشيء غيره ما عبدنا ذلك ) نحن ولا آباؤنا ( الذين كانوا على ما نحن عليه الآن من دين الكفر والشرك بالله قال الزجاج إنهم قالوا هذا على وجهة الاستهزاء ولو قالوه عن اعتقاد لكانوا مؤمنين وقد مضى الكلام على مثل هذا فى سورة الأنعام ) ولا حرمنا من دونه من شيء ( من السوائب والبحائر ونحوهما ومقصودهم بهذا القول المعلق بالمشيئة الطعن فى الرسالة أى لو كان ما قاله الرسول حقا من المنع من عبادة غير الله والمنع من تحريم ما لم يحرمه الله حاكيا ذلك عن الله لم يقع منا ما يخالف ما أراده منا فإنه قد شاء ذلك وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن فلما وقع منا العبادة لغيره وتحريم ما لم يحرمه كان ذلك دليلا على أن ذلك هو المطابق لمراده والموافق لمشيئته مع أنهم فى الحقيقة لا يعترفون بذلك ولا يقرون به لكنهم قصدوا ما ذكرنا من الطعن على الرسل ) كذلك فعل الذين من قبلهم ( من طوائف الكفر فإنهم أشركوا بالله وحرموا ما لم يحرمه وجادلوا رسله بالباطل واستهزءوا بهم ثم قال ) فهل على الرسل ( الذين يرسلهم الله إلى عباده بما شرعه لهم من شرائعه التى رأسها توحيده وترك الشرك به ) إلا البلاغ ( إلى من أرسلوا إليهم بما أمروا بتبليغه بلاغا واضحا يفهمه المرسل إليهم ولا يلتبس عليهم
النحل : ( 36 ) ولقد بعثنا في . . . . .
ثم إنه سبحانه أكد هذا وزاده إيضاحا فقال ) ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ( كما بعثنا فى هؤلاء لإقامة الحجة عليهم ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( و أن فى قوله ) أن اعبدوا الله ( إما مصدرية أى بعثنا بأن اعبدوا الله أو مفسرة لأن فى البعث معنى القول ) واجتنبوا الطاغوت ( أى اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم وكل من دعا إلى الضلال ) فمنهم ( أى من هذه الأمم التى بعث الله إليها رسله ) من هدى الله ( أى أرشده إلى دينه وتوحيده وعبادته واجتناب الطاغوت ) ومنهم من حقت عليه الضلالة ( أى وجبت وثبتت لإصراره على الكفر والعناد قال الزجاج أعلم الله أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة وهو من وراء الإضلال والهداية ومثل هذه الآية قوله تعالى ) فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ( وفى هذه الآية التصريح بأن الله أمر جميع عباده بعبادته واجتناب الشيطان وكل ما يدعو إلى الضلال وأنهم بعد ذلك


"""""" صفحة رقم 162 """"""
فريقان فمنهم من هدى ومنهم من حقت عليه الضلالة فكان فى ذلك دليل على أن أمر الله سبحانه لا يستلزم موافقة إرادته فإنه يأمر الكل بالإيمان ولا يريد الهداية إلا للبعض إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد وهذا معنى ما حكيناه عن الزجاج هنا ) فسيروا في الأرض ( سير معتبرين ) فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( من الأمم السابقة عند مشاهدتكم لآثارهم كعاد وثمود أى كيف صار آخر أمرهم إلى خراب الديار بعد هلاك الأبدان بالعذاب
النحل : ( 37 ) إن تحرص على . . . . .
ثم خصص الخطاب برسوله ( صلى الله عليه وسلم ) مؤكدا لما تقدم فقال ) إن تحرص على هداهم ( أى تطلب بجهدك ذلك ) فإن الله لا يهدي من يضل ( قرأ ابن مسعود وأهل الكوفة لا يهدى بفتح حرف المضارعة على أنه فعل مستقبل مسند إلى الله سبحانه أى فإن الله لا يرشد من أضله ) ومن ( فى موضع نصب على المفعولية وقرأ الباقون ) لا يهدي ( بضم حرف المضارعة على أنه مبنى للمجهول واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم على معنى أنه لا يهديه هاد كائنا من كان ومن فى موضع رفع على أنها نائب الفاعل المحذوف فتكون هذه الآية على هذه القراءة كقوله فى الآية الأخرى ) من يضلل الله فلا هادي له ( والعائد على القراءتين محذوف أى من يضله وروى أبو عبيد عن الفراء على القراءة الأولى أن معنى ) لا يهدي ( لا يهتدى كقوله تعالى ? أمن لا يهدى إلا أن يهدى ? بمعنى يهتدى قال أبو عبيد ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء وليس بمتهم فيما يحكيه قال النحاس حكى عن محمد بن يزيد المبرد كأن معنى ) لا يهدي من يضل ( من علم ذلك منه وسبق له عنده ) وما لهم من ناصرين ( ينصرونهم على الهداية لمن أضله الله أو ينصرونهم بدفع العذاب عنهم
النحل : ( 38 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
ثم ذكر عناد قريش وإنكارهم للبعث فقال ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( مصدر فى موضع الحال أى جاهدين ) لا يبعث الله من يموت ( من عباده زعموا أن الله سبحانه عاجز عن بعث الأموات فرد الله عليهم ذلك بقوله ) بلى وعدا عليه حقا ( هذا إثبات لما بعد النفى أى بلى يبعثهم ووعدا مصدر مؤكدا لما دل عليه بلى وهو يبعثهم لأن البعث وعد من الله وعد عباده به والتقدير وعد البعث وعدا عليه حقا لا خلف فيه وحقا صفة لوعد وكذا عليه فإنه صفة لوعد أى كائنا عليه أو نصب حقا على المصدرية أى حق حقا ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أن ذلك يسير عليه سبحانه غير عسير
النحل : ( 39 ) ليبين لهم الذي . . . . .
وقوله ) ليبين لهم ( أى ليظهر لهم وهو غاية لما دل عليه بلى من البعث والضمير فى ) لهم ( راجع إلى من يموت والموصول فى قوله ) الذي يختلفون فيه ( فى محل نصب على أنه مفعول ليبين أى الأمر الذى وقع الخلاف بينهم فيه وبيانه إذ ذاك يكون بما جاءتهم به الرسل ونزلت عليهم فيه كتب الله وقيل إن ليبين متعلق بقوله ) ولقد بعثنا ( أى بعثنا فى كل أمة رسولا ليبين وهو بعيد ) وليعلم الذين كفروا ( بالله سبحانه وأنكروا البعث ) أنهم كانوا كاذبين ( فى جدالهم وإنكارهم البعث بقولهم ) لا يبعث الله من يموت )
النحل : ( 40 ) إنما قولنا لشيء . . . . .
وجملة ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( مستأنفة لبيان كيفية الإبداء والإعادة بعد بيان سهولة البعث عليه سبحانه قال الزجاج أعلمهم بسهولة خلق الأشياء عليه فأخبر أنه متى أراد الشئ كان وهذا كقوله ) وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( وقرأ ابن عامر والكسائى فيكون بالنصب عطفا على أن نقول قال الزجاج يجوز أن يكون نصبا على جواب كن وقرأ الباقون بالرفع على معنى فهو يكون قال ابن الأنبارى أوقع لفظ الشئ على المعلوم عند الله تعالى قبل الخلق لأنه بمنزلة ما قد وجد وشوهد وقال الزجاج إن معنى لشئ لأجل شئ فجعل اللام سببية وقيل هى لام التبليغ كما فى قولك قلت له قم فقام ) إنما قولنا ( مبتدأ ) أن نقول له كن ( خبره وهذا الكلام من باب التمثيل على معنى أنه لا يمتنع عليه شئ وأن وجوده عند إرادته كوجود المأمورية عند أمر الآمر المطاع


"""""" صفحة رقم 163 """"""
إذا ورد على المأمور المطيع وليس هناك قول ولا مقول له ولا أمر ولا مأمور حتى يقال إنه يلزم منه أحد محالين إما خطاب المعدوم أو تحصيل لحاصل وقد مضى تفسير ذلك فى سورة البقرة مستوفى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ( قال بالموت وقال فى آية أخرى ) ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ( وهو ملك الموت وله رسل ) أو يأتي أمر ربك ( وذاكم يوم القيامة وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة فى قوله ) فإن الله لا يهدي من يضل ( قال من يضله الله لا يهديه أحد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى العالية قال كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه فكان فيما تكلم به والذى أرجوه بعد الموت إنه لكذا وكذا فقال له المشرك إنك لتزعم أنك تبعث من بعد الموت فأقسم بالله جهد يمينه لا يبعث الله من يموت فأنزل الله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ( الآية وأخرج ابن العقيلى وابن مردويه عن على فى قوله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ( قال نزلت في وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن المنذر عن أبى هريرة قال قال الله تعالى سبنى ابن آدم ولم يكن ينبغى له أن يسبنى وكذبنى ولم يكن ينبغى له أن يكذبنى أما تكذيبه إياى فقال ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ( وقلت بلى وعدا عليه حقا وأما سبه إياى فقال إن الله ثالث ثلاثة وقلت هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد هكذا ذكره أبو هريرة موقوفا وهو فى الصحيحين مرفوعا بلفظ آخر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ليبين لهم الذي يختلفون فيه ( يقول للناس عامة
سورة النحل الآية ( 41 50 )
النحل : ( 41 ) والذين هاجروا في . . . . .
قد تقدم تحقيق معنى الهجرة فى سورة النساء وهى ترك الأهل والأوطان ومعنى ) هاجروا في الله (


"""""" صفحة رقم 164 """"""
فى شأن الله سبحانه وفى رضاه وقيل ) في الله ( فى دين الله وقيل فى بمعنى اللام أى لله ) من بعد ما ظلموا ( أى عذبوا وأهينوا فإن أهل مكة عذبوا جماعة من المسلمين حتى قالوا ما أرادوا منهم فلما تركوهم هاجروا وقد اختلف فى سبب نزول الآية فقيل نزلت فى صهيب وبلال وخباب وعمار واعترض بأن السورة مكية وذلك يخالف قوله ) والذين هاجروا ( وأجيب بأنه يمكن أن تكون هذه الآية من جملة الآيات المدنية فى هذه السورة كما قدمنا فى عنوانها وقيل نزلت فى أبى جندل بن سهيل وقيل نزلت فى أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لما ظلمهم المشركون بمكة وأحرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة ) لنبوئنهم في الدنيا حسنة (
اختلف فى معنى هذا على أقوال فقيل المراد نزولهم المدينة قاله ابن عباس والحسن والشعبى وقتادة وقيل المراد الرزق الحسن قاله مجاهد وقيل النصر على عدوهم قال الضحاك وقيل ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات وقيل ما بقى لهم فيها من الثناء وصار لأولادهم من الشرف ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور ومعنى ) لنبوئنهم في الدنيا حسنة ( لنبوئنهم مباءة حسنة أو تبوئة حسنة فحسنة صفة مصدر محذوف ) ولأجر الآخرة ( أى جزاء أعمالهم فى الآخرة ) أكبر ( من أن يعلمه أحد من خلق الله قبل أن يشاهده ومنه قوله تعالى ) وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا ( ) لو كانوا يعلمون ( أى لو كان هؤلاء الظلمة يعلمون ذلك وقيل إن الضمير فى يعلمون راجع إلى المؤمنين أى لو رأوا ثواب الآخرة وعاينوه لعلموا أنه أكبر من حسنة الدنيا
النحل : ( 42 ) الذين صبروا وعلى . . . . .
) الذين صبروا ( الموصول فى محل نصب على المدح أو الرفع على تقدير مبتدأ أو هو بدل من الموصول الأول أو من الضمير فى ) لنبوئنهم ( ) وعلى ربهم يتوكلون ( أى على ربهم خاصة يتوكلون فى جميع أمورهم معرضين عما سواه والجملة معطوفة على الصلة أو فى محل نصب على الحال
النحل : ( 43 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( قرأ حفص عن عاصم نوحى بالنون وقرأ الباقون يوحى بالياء التحتية وهذه الآية رد على قريش حيث زعموا أن الله سبحانه أجل من أن يرسل رسولا من البشر فرد الله عليهم بأن هذه عادته وسنته أن لا يرسل إلا رجالا من البشر يوحى إليهم وزعم أبو علي الجبائي أن معنى الآية أن الله سبحانه لم يرسل إلى الأنبياء بوحيه إلا من هو على صورة الرجال من الملائكة ويرد عليه بأن جبريل كان يأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على صور مختلفة ولما كان كفار مكة مقرين بأن اليهود والنصارى هم أهل العلم بما أنزل الله فى التوراة والإنجيل صرف الخطاب إليهم وأمرهم أن يرجعوا إلى أهل الكتاب فقال ) فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( أى فاسألوا أيها المشركون مؤمن أهل الكتاب إن كنتم لا تعلمون فإنهم سيخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشرا أو اسألوا أهل الكتاب من غير تقييد بمؤمنيهم كما يفيده الظاهر فإنهم كانوا يعترفون بذلك ولا يكتمونه وقيل المعنى فاسألوا أهل القرآن
النحل : ( 44 ) بالبينات والزبر وأنزلنا . . . . .
و ) بالبينات والزبر ( يتعلق بأرسلنا فيكون داخلا فى حكم الاستثناء مع رجالا وأنكر الفراء ذلك وقال إن صفة ما قبل إلا لا تتأخر إلى ما بعدها لأن المستثنى عنه هو مجموع ما قبل إلا مع صلته كما لو قيل أرسلنا إلا رجالا بالبينات فلما لم يصر هذا المجموع مذكورا بتمامه امتنع إدخال الاستثناء عليه وقيل فى الكلام تقديم وتأخير والتقدير وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا وقيل يتعلق بمحذوف دل عليه المذكور أى أرسلناهم بالبينات والزبر ويكون جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل لماذا أرسلهم فقال أرسلناهم بالبينات والزبر وقيل متعلق بتعلمون على أنه مفعوله والباء زائدة أى إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وقيل متعلق برجالا أى رجالا متلبسين بالبينات والزبر وقيل بنوحى إليهم بالبينات والزبر وقيل منصوب بتقدير أعنى والباء زائدة وأهل الذكر هم أهل


"""""" صفحة رقم 165 """"""
الكتاب كما تقدم وقال الزجاج اسألوا كل من يذكر بعلم والبينات الحجج والبراهين والزبر الكتب وقد تقدم الكلام على هذا فى آل عمران ) وأنزلنا إليك الذكر ( أى القرآن ثم بين الغاية المطلوبة من الإنزال فقال ) لتبين للناس ( جميعا ) ما نزل إليهم ( فى هذا الذكر من الأحكام الشرعية والوعد والوعيد ) ولعلهم يتفكرون ( أى إرادة أن يتأملوا ويعملوا أفكارهم فيتعظوا
النحل : ( 45 ) أفأمن الذين مكروا . . . . .
) أفأمن الذين مكروا السيئات ( يحتمل أن تكون السيئات صفة مصدر محذوف أى مكروا المكرات السيئات وأن تكون مفعولة للفعل المذكور على تضمينه معنى العمل أى عملوا السيئات أو صفة لمفعول مقدر أى أفأمن الماكرون العقوبات السيئات أو على حذف حرف الجر أى مكروا بالسيئات ) أن يخسف الله بهم الأرض ( هو مفعول أمن أو بدل من مفعوله على القول بأن مفعوله محذوف وأن السيئات صفة للمحذوف والاستفهام للتقريع والتوبيخ ومكر السيئات سعيهم فى إيذاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإيذاء أصحابه على وجه الخفية واحتيالهم فى إبطال الإسلام وكيد أهله ) أن يخسف الله بهم ( كما خسف بقارون يقال خسف المكان يخسف خسوفا ذهب فى الأرض وخسف الله به الأرض خسوفا أى غاب به فيها ومنه قوله ) فخسفنا به وبداره الأرض ( وخسف هو فى الأرض وخسف به ) أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ( به فى حال غفلتهم عنه كما فعل بقوم لوط وغيرهم وقيل يريد يوم بدر فإنهم أهلكوا ذلك اليوم ولم يكن فى حسبانهم
النحل : ( 46 ) أو يأخذهم في . . . . .
) أو يأخذهم في تقلبهم (
ذكر المفسرون فيه وجوها فقيل المراد فى أسفارهم ومتاجرهم فإنه سبحانه قادر على أن يهلكهم فى السفر كما يهلكهم فى الحضر وهو لا يفوتونه بسبب ضربهم فى الأرض وبعدهم عن الأوطان وقيل المراد فى حال تقلبهم فى قضاء أوطارهم بوجود الحيل فيحول الله بينهم وبين مقاصدهم وحيلهم وقيل فى حال تقلبهم فى الليل على فرشهم وقيل فى حال إقبالهم وإدبارهم وذهابهم ومجيئهم بالليل والنهار والقلب بالمعنى الأول مأخوذ من قوله ) لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ( وبالمعنى الثانى مأخوذ من قوله ) وقلبوا لك الأمور ( ) فما هم بمعجزين ( أى بفائتين ولا ممتنعين
النحل : ( 47 ) أو يأخذهم على . . . . .
) أو يأخذهم على تخوف ( أى حال تخوف وتوقع للبلايا بأن يكونوا متوقعين للعذاب حذرين منه غير غافلين عنه فهو خلاف ما تقدم من قوله ) أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ( وقيل معنى ) على تخوف ( على تنقص قال ابن الأعرابى أى على تنقص من الأموال والأنفس والثمرات حتى أهلكهم قال الواحدى قال عامة المفسرين على تخوف قال تنقص إما بقتل أو بموت يعنى بنقص من أطرافهم ونواحيهم يأخذهم الأول فالأول حتى يأتى الأخذ على جميعهم قال والتخوف التنقص يقال هو يتخوف المال أى يتنقصه ويأخذ من أطرافه انتهى يقال تخوفه الدهر وتخونه بالفاء والنون تنقصه قال ذو الرمة لا بل هو الشوق من دار تخوفها
مرا سحاب ومرا بارح ترب
وقال لبيد تخوفها نزولى وارتحالى
أى تنقص لحمها وشحمها قال الهيثم بن عدى التخوف بالفاء التنقص لغة لأزد شنودة وأنشد
تخوف عدوهم مالى وأهدى سلاسل فى الحلوق لها صليل
وقيل على تخوف على عجل قاله الليث بن سعد وقيل على تقريع بما قدموه من ذنبوهم وروى ذلك عن ابن عباس وقيل على تخوف أن يعاقب ويتجاوز قاله قتادة ) إن ربكم لرؤوف رحيم ( لا يعاجل بل يمهل رأفة بكم ورحمة لكم مع استحقاقهم للعقوبة
النحل : ( 48 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء ( لما خوف سبحانه الماكرين


"""""" صفحة رقم 166 """"""
بما خوف أتبعه ذكر ما يدل على كمال قدرته فى تدبير أحوال العالم العلوى والسفلى ومكانهما والاستفهام فى ) أو لم يروا ( للإنكار وما مبهمة مفسرة بقوله من شئ قرأ حمزة والكسائى وخلف ويحيى بن وثاب والأعمش تروا بالمثناة الفوقية على أنه خطاب لجميع الناس وقرأ الباقون بالتحتية بإرجاع الضمير إلى الذين مكروا السيئات وقرأ أبو عمرو ويعقوب ? تتفيؤا ضلاله ? بالمثناة الفوقية وقرأ الباقون بالتحتية واختارها أبو عبيد أى يميل من جانب إلى جانب ويكون أول النهار على حال ويتقلص ثم يعود فى آخر النهار على حالة أخرى قال الأزهرى تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاف النهار فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشى وما انصرف عنه الشمس والقمر والذى يكون بالغداة هو الظل وقال ثعلب أخبرت عن أبى عبيدة أن رؤبة قال كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فئ وما لم تكن عليه الشمس فهو ظل ومعنى ) من شيء ( من شيء له ظل وهى الأجسام فهو عام أريد به الخاص وظلاله جمع ظل وهو مضاف إلى مفرد لأنه واحد يراد به الكثرة ) عن اليمين والشمائل ( أى عن جهة أيمانها وشمائلها أى عن جانبى كل واحد منها قال الفراء وحد اليمين لأنه أراد واحدا من ذوات الأظلال وجمع الشمائل لأنه أراد كلها لأن ما خلق الله لفظه مفرد ومعناه جمع وقال الواحدى وحد اليمين والمراد به الجميع إيجازا فى اللفظ كقوله ) ويولون الدبر ( ودلت الشمائل على أن المراد به الجمع وقيل إن العرب إذا ذكرت صيغتى جمع عبرت عن أحدهما بلفظ الواحد كقوله ) وجعل الظلمات والنور ( و ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وقيل المراد باليمين النقطة التى هى مشرق الشمس وأنها واحدة والشمائل عبارة عن الانحراف فى فلك الإظلال بعد وقوعها على الآرض وهى كثيرة وإنما عبر عن المشرق باليمين لأن أقوى جانبى الإنسان يمينه ومنه تظهر الحركة القوية ) سجدا لله ( منتصب على الحال أى حال كون الظلال سجدا لله قال الزجاج يعنى أن هذه الأشياء مجبولة على الطاعة وقال أيضا سجود الجسم انقياده وما يرى من أثر الصنعة ) وهم داخرون ( فى محل نصب على الحال أى خاضعون صاغرون والدخور الصغار والذل يقال دخر الرجل فهو داخر وأدخره الله قال الشاعر فلم يبق إلا داخر فى مخيس
ومتحجر فى غير أرضك فى حجر
النحل : ( 49 ) ولله يسجد ما . . . . .
ومخيس اسم سجن كان بالعراق ) ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة ( أى له وحده يخضع وينقاد لا لغيره ما فى السموات جميعا وما فى الأرض من دابة تدب على الأرض والمراد كل دابة قال الأخفش هو كقولك ما أتانى من رجل مثله وما أتانى من الرجال مثله وقد دخل فى عموم ما فى السموات وما فى الأرض جميع الأشياء الموجودة فيهما وإنما خص الدابة بالذكر لأنه قد علم من قوله ) أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء ( انقياد الجمادات وعطف الملائكة على ما قبلهم تشريفا لهم وتعظيما لدخولهم فى المعطوف عليه ) وهم لا يستكبرون ( أى والحال أنهم لا يستكبرون عن عبادة ربهم والمراد الملائكة ويحتمل أن تكون الجملة مستأنفة وفى هذا رد على قريش حيث زعموا أن الملائكة بنات الله ويجوز أن تكون حالا من فاعل يسجد وما عطف عليه أى يسجد لله ما فى السموات وما فى الأرض والملائكة وهم جميعا لا يستكبرون عن السجود
النحل : ( 50 ) يخافون ربهم من . . . . .
) يخافون ربهم من فوقهم ( هذه الجملة فى محل نصب على الحال أى حال كونهم يخافون ربهم من فوقهم أو جملة مستأنفة لبيان نفى استكبارهم ومن آثار الخوف عدم الاستكبار ومن فوقهم متعلق بيخافون على حذف مضاف أى يخافون عذاب ربهم من فوقهم أو يكون حالا من الرب أى يخافون ربهم حال كونه من فوقهم وقيل معنى ) يخافون ربهم من فوقهم ( يخافون الملائكة فيكون على حذف المضاف أى يخافون ملائكة ربهم كائنين من فوقهم وهو تكلف لا حاجة إليه وإنما


"""""" صفحة رقم 167 """"""
اقتضى مثل هذه التأويلات البعيدة المحاماة على مذاهب قد رسخت فى الأذهان وتقررت فى القلوب قيل وهذه المخافة هى مخافة الإجلال واختاره الزجاج فقال ) يخافون ربهم ( خوف مجلين ويدل على صحة هذا المعنى قوله ) وهو القاهر فوق عباده ( وقوله إخبارا عن فرعون ) وإنا فوقهم قاهرون ( ) ويفعلون ما يؤمرون ( أى ما يؤمرون به من طاعة الله يعنى الملائكة أو جميع من تقدم ذكره وحمل هذه الجمل على الملائكة أولى لأن فى مخلوقات الله من يستكبر عن عبادته ولا يخافه ولا يفعل ما يؤمر به كالكفار والعصاة الذين لا يتصفون بهذه الصفات وإبليس وجنوده
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ( قال هم قوم من أهل مكة هاجروا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد ظلمهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبى حاتم وابن عساكر عن داود بن أبى هند قال نزلت هذه الآية فى أبى جندل ابن سهيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) والذين هاجروا في الله ( الآية قال هؤلاء أصحاب محمد ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصارا من المؤمنين ) ولأجر الآخرة أكبر ( قال أى والله لما يصيبهم الله من جنته ونعمته أكبر ) لو كانوا يعلمون ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الشعبى فى قوله ) في الدنيا حسنة ( قال المدينة وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى الآية قال لنرزقنهم فى الدنيا رزقا حسنا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال لما بعث الله محمدا رسولا أنكرت العرب ذلك فأنزل الله ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( وأخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عنه فى قوله ) فاسألوا أهل الذكر ( الآية يعنى مشركى قريش أن محمدا رسول الله فى التوراة والإنجيل وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال نزلت فى عبد الله بن سلام ونفر من أهل التوراة وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) بالبينات ( قال الآيات ) والزبر ( قال الكتب وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) أفأمن الذين مكروا السيئات ( قال نمروذ بن كنعان وقومه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى الآية قال أى الشرك وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك قال تكذيبهم الرسل وإعمالهم بالمعاصى وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أو يأخذهم في تقلبهم ( قال فى اختلافهم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه ) في تقلبهم ( قال إن شئت أخذته فى سفره ) أو يأخذهم على تخوف ( يقول على أثر موت صاحبه وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا ) على تخوف ( قال تنقص من أعمالهم وأخرج ابن جرير عن عمر أنه سألهم عن هذه الآية ) أو يأخذهم على تخوف ( فقالوا ما نرى إلا أنه عند تنقص ما يردده من الآيات فقال عمر ما أرى إلا أنه على ما يتنقصون من معاصى الله فخرج رجل ممن كان عند عمر فلقى أعرابيا فقال يا فلان ما فعل ربك قال قد تخيفته يعنى انتقصته فرجع إلى عمر فأخبره فقال قد رأيته ذلك وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) أو يأخذهم على تخوف ( قال يأخذهم بنقص بعضهم بعضا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) يتفيأ ( قال يتميل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) وهم داخرون ( قال صاغرون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ولله يسجد ( الآية قال لم يدع شيئا من


"""""" صفحة رقم 168 """"""
خلقه إلا عبده له طائعا أو كارها وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن فى الآية قال يسجد من فى السموات طوعا ومن فى الأرض طوعا وكرها
سورة النحل الآية ( 51 62 )
النحل : ( 51 ) وقال الله لا . . . . .
لما بين سبحانه أن مخلوقاته السماوية والأرضية منقادة له خاضعة لجلاله أتبع ذلك بالنهى عن الشرك بقوله ) وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد ( فنهى سبحانه عن اتخاذ إلهين ثم أثبت أن الإلهية منحصرة فى إله واحد وهو الله سبحانه وقد قيل إن التثنية فى إلهين قد دلت على الاثنينية والإفراد فى إله قد دل على الوحدة فما وجه وصف إلهين باثنين ووصف إله واحد فقيل فى الجواب إن فى الكلام تقديما وتأخيرا والتقدير لا تتخذوا اثنين إلهين إنما هو واحد إله وقيل إن التكرير لأجل المبالغة فى التنفير عن اتخاذ الشريك وقيل إن فائدة زيادة اثنين هى أن يعلم أن النهى راجع إلى التعدد لا إلى الجنسية وفائدة زيادة واحد دفع توهم أن المراد إثبات الإلهية دون الواحدية مع أن الإلهية له سبحانه مسلمة فى نفسها وإنما خلاف المشركين فى الواحدية ثم نقل الكلام سبحانه من الغيبة إلى التكلم على طريقة الالتفات لزيادة الترهيب فقال ) فإياي فارهبون ( أى إن كنتم راهبين شيئا فإياى فارهبون لا غيرى وقد مر مثل هذا فى أول البقرة
النحل : ( 52 ) وله ما في . . . . .
ثم لما قرر سبحانه وحدانيته وأنه الذى يجب أن يخص بالرهبة منه والرغبة إليه ذكر أن الكل فى ملكه وتحت تصرفه فقال ) وله ما في السماوات والأرض ( وهذه الجملة مقررة لمن تقدم فى قوله ) ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض ( إلى آخره وتقديم


"""""" صفحة رقم 169 """"""
الخبر لإفادة الاختصاص ) وله الدين واصبا ( أى ثابتا واجبا دائما لا يزول والدين هو الطاعة والإخلاص قال الفراء ) واصبا ( معناه دائما ومنه قول الدؤلي لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه
بذم يكون الدهر أجمع واصبا
أى دائما وروى عن الفراء أيضا أنه قال الواصب الخالص والأول أولى ومنه قوله سبحانه ) ولهم عذاب واصب ( أى دائم وقال الزجاج أى طاعته واجبة أبدا ففسر الواصب بالواجب وقال ابن قتيبة فى تفسير الواصب أى ليس أحد يطاع إلا انقطع ذلك بزوال أو بهلكة غير الله تعالى فإن الطاعة تدوم له ففسر الواصب بالدائم وإذا دام الشيء دواما لا ينقطع فقد وجب وثبت يقال وصب الشيء يصب وصوبا فهو واصب إذا دام ووصب الرجل على الأمر إذا واظب عليه وقيل الوصب التعب والإعياء أى يجب طاعة الله سبحانه وإن تعب العبد فيها وهو غير مناسب لما فى الآية والاستفهام فى قوله ) أفغير الله تتقون ( للتقريع والتوبيخ وهو معطوف عل مقدر كما فى نظائره والمعنى إذا كان الدين أى الطاعة واجبا له دائما لا ينقطع كان المناسب لذلك تخصيص التقوى به وعدم إيقاعها لغيره
النحل : ( 53 ) وما بكم من . . . . .
ثم امتن سبحانه عليهم بأن جميع ما هم متقلبون فيه من النعم هو منه لا من غيره فقال ) وما بكم من نعمة ( أى ما يلابسكم من النعم على اختلاف أنواعها فمن الله أى فهي منه فتكون ما شرطية ويجوز أن تكون موصولة متضمنة معنى الشرط وبكم صلتها ومن نعمة حال من الضمير فى الجار والمجرور أو بيان لما وقوله ) فمن الله ( الخبر وعلى كون ما شرطية يكون فعل الشرط محذوفا أى ما يكن والنعمة إما دينية وهى معرفة الحق لذاته ومعرفة الخير لأجل العمل به وإما دنيوية نفسانية أو بدنية أو خارجية كالسعادات المالية وغيرها وكل واحدة من هذه جنس تحت أنواع لا حصر لها والكل من الله سبحانه فعلى العاقل أن لا يشكر إلا إياه ثم بين تلون الإنسان بعد استغراقه فى بحر النعم فقال ) ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ( أى إذا مسكم الضر أى مس فإلى الله سبحانه لا إلى غيره تتضرعون فى كشفه فلا كاشف له إلا هو يقال جأر يجأر جؤورا إذا رفع صوته فى تضرع قال الأعشى يصف بقرة فطافت ثلاثا بين يوم وليلة
وكان النكير أن تطيف وتجأرا
والضر المرض والبلاء والحاجة والقحط وكل ما يتضرر به الإنسان
النحل : ( 54 ) ثم إذا كشف . . . . .
) ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ( أى إذا رفع عنكم ما نزل لكم من الضر إذا فريق أى جماعة منكم بربهم الذين رفع الضر عنهم يشركون فيجعلون معه إلها آخر من صنم أو نحوه والآية مسوقة للتعجيب من فعل هؤلاء حيث يضعون الإشراك بالله الذى أنعم عليهم بكشف ما نزل بهم من الضر مكان الشكر له وهذا المعنى قد تقدم فى الأنعام ويونس ويأتى فى سبحانه قال الزجاج هذا خاص بمكر وكفر وقابل كشف الضر عنه بالجحود والكفر وعلى هذا فتكون من فى منكم للتبعيض حيث كان الخطاب للناس جميعا والفريق هم الكفرة وإن كان الخطاب موجها إلى الكفار فمن للبيان
النحل : ( 55 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
واللام فى ) ليكفروا بما آتيناهم ( لام كى أى لكى يكفروا بما آتيناهم من نعمة كشف الضر حتى كأن هذا الكفر منهم الواقع فى موضع الشكر الواجب عليهم غرض لهم ومقصد من مقاصدهم وهذا غاية فى العتو والعناد ليس وراءها غاية وقيل اللام للعاقبة يعنى ما كانت عاقبة تلك التضرعات إلا هذا الكفر
النحل : ( 56 ) ويجعلون لما لا . . . . .
ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والترهيب ملتفتا من الغيبة إلى الخطاب ) فتمتعوا ( بما أنتم فيه من ذلك ) فسوف تعلمون ( عاقبة أمركم وما يحل بكم فى هذه الدار وما تصيرون إليه فى الدار الآخرة ثم حكى سبحانه نوعا آخر من قبائح أعمالهم فقال ) ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم ( أى يقع منهم هذا الجعل بعد ما وقع منهم الجؤار إلى الله سبحانه فى كشف الضر عنهم وما يعقب كشفه عنهم من الكفر منهم بالله والإشراك


"""""" صفحة رقم 170 """"""
به ومع ذلك يجعلون لما لا يعلمون حقيقته من الجمادات والشياطين نصيبا مما رزقناهم من أموالهم يتقربون به إليه وقيل المعنى أنهم أى الكفار يجعلون للأصنام وهم لا يعلمون شيئا لكونهم جمادات ففاعل يعلمون على هذا هى الأصنام وأجراها مجرى العقلاء فى جمعها بالواو والنون جريا على اعتقاد الكفار فيها وحاصل المعنى ويجعل هؤلاء الكفار للأصنام التى لا تعقل شيئا نصيبا من أموالهم التى رزقهم الله إياها ) تالله لتسألن عما كنتم تفترون ( هذا رجوع من الغيبة إلى الخطاب وهذا السؤال سؤال تقريع وتوبيخ ) عما كنتم تفترون ( تختلقونه من الكذب على الله سبحانه فى الدنيا
النحل : ( 57 ) ويجعلون لله البنات . . . . .
) ويجعلون لله البنات ( هذا نوع آخر من فضائحهم وقبائحهم وقد كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله ) سبحانه ( نزه سبحانه نفسه عما نسبه إليه هؤلاء الجفاة الذين لا عقول لهم صحيحة ولا أفهام مستقيمة ) إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ( وفى هذا التنزيه تعجيب من حالهم ) ولهم ما يشتهون ( أى ويجعلون لأنفسهم ما يشتهوونه من البنين على أن ما فى محل نصب بالفعل المقدر ويجوز أن تكون فى محل رفع على الإبتداء وأنكر النصب الزجاج قال لأن العرب لا يقولون جعل له كذا وهو يعنى نفسه وإنما يقولون جعل لنفسه كذا فلو كان منصوبا لقال ولأنفسهم ما يشتهون وقد أجاز النصب الفراء
النحل : ( 58 ) وإذا بشر أحدهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه كراهتهم للإناث التى جعلوها لله سبحانه فقال ) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ( أى إذا أخبر أحدهم بولادة بنت له ) ظل وجهه مسودا ( أى متغيرا وليس المراد السواد الذى هو ضد البياض بل المراد الكناية بالسواد عن الإنكسار والتغير بما يحصل من الغم والعرب تقول لكل من لقى مكروها قد اسود وجهه غما وحزنا قاله الزجاج وقال الماوردى بل المراد سواد اللون حقيقة قال وهو قول الجمهور والأول أولى فإن المعلوم بالوجدان أن من غضب وحزن واغتم لا يحصل فى لونه إلا مجرد التغير وظهور الكآبة والإنكسار لا السواد الحقيقى وجملة ) وهو كظيم ( فى محل نصب على الحال أى ممتلئ من الغم غيظا وحنقا قال الأخفش هو الذى يكظم غيظه ولا يظهره وقيل إنه المغموم الذى يطبق فاه من الغم مأخوذ من الكظامة وهو سد فم البئر قاله على بن عيسى وقد تقدم فى سورة يوسف
النحل : ( 59 ) يتوارى من القوم . . . . .
) يتوارى من القوم ( أى يتغيب ويختفى ) من سوء ما بشر به ( أى من سوء الحزن والعار والحياء الذى يلحقه بسبب حدوث البنت له ) أيمسكه على هون ( أى لا يزال مترددا بين الأمرين وهو إمساك البنت التى بشر بها أو دفنها فى التراب ) على هون ( أى هوان وكذا قرأ عيسى الثقفى قال اليزيدى والهون الهوان بلغة قريش وكذا حكاه أبو عبيد من الكسائى وحكى عن الكسائى أنه البلاء والمشقة قالت الخنساء نهين النفوس وهون النفو
س يوم الكريهة أبقى لها
وقال الفراء الهون القليل بلغة تميم وحكى النحاس عن الأعمش أنه قرأ أيمسكه على سوء ) أم يدسه في التراب ( أى يخفيه فى التراب بالوأد كما كانت تفعله العرب فلا يزال الذى بشر بحدوث الأنثى مترددا بين هذين الأمرين والتذكير فى يمسكه ويدسه مع كونه عبارة عن الأنثى لرعاية اللفظ وقرأ الجحدرى ? أم يدسها فى التراب ? ويلزمه أن يقرأ أيمسكها وقيل دسها إخفاؤها عن الناس حتى لا تعرف كالمدسوس لإخفائه عن الأبصار ) ألا ساء ما يحكمون ( حيث أضافوا البنات التى يكرهونها إلى الله سبحانه وأضافوا البنين المحبوبين عندهم إلى أنفسهم ومثل هذا قوله تعالى ) ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى )
النحل : ( 60 ) للذين لا يؤمنون . . . . .
) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ( أى لهؤلاء الذين وصفهم الله سبحانه بهذه القبائح الفظيعة مثل السوء أى صفة السوء من الجهل والكفر بالله وقيل هو وصفهم لله سبحانه بالصاحبة والولد وقيل هو حاجتهم إلى الولد ليقوم مقامهم ووأد البنات لدفع العار وخشية الإملاق وقيل العذاب والنار ) ولله المثل الأعلى ( وهو أضداد صفة المخلوقين من الغنى الكامل والجود الشامل


"""""" صفحة رقم 171 """"""
والعلم الواسع أو التوحيد وإخلاص العبادة أو أنه خالق رازق قادر مجاز وقيل شهادة أن لا إله إلا الله وقيل ) الله نور السماوات والأرض مثل نوره ( ) وهو العزيز ( الذى لا يغالب فلا يضره نسبتهم إليه ما لا يليق به ) الحكيم ( فى أفعاله وأقواله
النحل : ( 61 ) ولو يؤاخذ الله . . . . .
ثم لما حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم بين سعة كرمه وحلمه حيث لم يعاجلهم بالعقوبة ولم يؤاخذهم بظلمهم فقال ) ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ( والمراد بالناس هنا الكفار أو جميع العصاة ) ما ترك عليها ( أى على الأرض وإن لم يذكر فقد دل عليها ذكر الناس وذكر الدابة فإن الجميع مستقرون على الأرض والمراد بالدابة الكافر وقيل كل ما دب وقد قيل على هذا كيف يعم بالهلاك مع أن فيهم من لا ذنب له وأجيب بإهلاك الظالم انتقاما منه وإهلاك غيره إن كان من أهل التكليف فلأجل توفير أجره وإن كان من غيرهم فبشؤم ظلم الظالمين ) فلله الحجة البالغة ( ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( ومثل هذا قوله ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( وفى معنى هذا أحاديث منها ما عند مسلم وغيره من حديث ابن عمر قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على نياتهم وكذلك حديث الجيش الذين يخسف بهم فى البيداء وفى آخره أنهم يبعثون على نياتهم وقد قدمنا عند تفسير قوله سبحانه ) واتقوا فتنة ( الآية تحقيقا حقيقا بالمراجعة له ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( معلوم عنده وهو منتهى حياتهم وانقضاء أعمارهم أو أجل عذابهم وفى هذا التأخير حكمة بالغة منها الإعذار إليهم وإرخاء العنان معهم ومنها حصول من سبق فى علمه من أولادهم ) فإذا جاء أجلهم ( الذى سماه لهم حقت عليهم كلمة الله سبحانه فى ذلك الوقت من دون تقدم عليه ولا تأخر عنه والساعة المدة القليلة وقد تقدم تفسيرها هذا وتحقيقه
النحل : ( 62 ) ويجعلون لله ما . . . . .
ثم ذكر نوعا آخر من جهلهم وحمقهم فقال ) ويجعلون لله ما يكرهون ( أى ينسبون إليه سبحانه ما يكرهون نسبته إلى أنفسهم من البنات وهو تكرير لما قد تقدم لقصد التأكيد والتقرير ولزيادة التوبيخ والتقريع ) وتصف ألسنتهم الكذب ( هذا من النوع الآخر الذى ذكره سبحانه من قبائحهم وهو أى هذا الذى تصفه ألسنتهم من الكذب هو قولهم ) أن لهم الحسنى ( أى الخصلة الحسنى أو العاقبة الحسنى قال الزجاج يصفون أن لهم مع قبح قولهم من الله الجزاء الحسن قال الزجاج أيضا والفراء أبدل من قوله وتصف ألسنتهم الكذب قوله أن لهم الحسنى والكذب منصوب على أنه مفعول تصف وقرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد وابن محيصن الكذب برفع الكاف والذال والباء على أنه صفة للألسن وهو جمع كذب فيكون المفعول على هذا هو أن لهم الحسنى ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله ) لا جرم أن لهم النار ( أى حقا أن لهم مكان ما جعلوه لأنفسهم من الحسنى النار وقد تقدم تحقيق هذا ) وأنهم مفرطون ( قال ابن الأعرابى وأبو عبيدة أى متروكون منسيون فى النار وبه قال الكسائى والفراء فيكون مشتقا من أفرطت فلانا خلفى إذا خلفته ونسيته وقال قتادة والحسن معجلون إليها مقدمون فى دخولها من أفرطته أى قدمته فى طلب الماء والفارط هو الذى يتقدم إلى الماء والفراط المتقدمون فى طلب الماء والوراد المتأخرون ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) أنا فرطكم على الحوض أى متقدمكم قال القطامى فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا
كما تعجل فراط لوراد
وقرأ نافع فى رواية ورش مفرطون بكسر الراء وتخفيفها وهى قراءة ابن مسعود وابن عباس ومعناه مسرفون فى الذنوب والمعاصى يقال أفرط فلان على فلان إذا أربى عليه وقال له أكثر مما قال من الشر وقرأ أبو جعفر القارى مفرطون بكسر الراء وتشديدها أى مضيعون أمر الله فهو من التفريط فى الواجب وقرأ الباقون مفرطون بفتح الراء مخففا ومعناه مقدمون إلى النار


"""""" صفحة رقم 172 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) وله الدين واصبا ( قال الدين الإخلاص وواصبا دائما وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى صالح ) وله الدين واصبا ( قال لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) واصبا ( قال دائما وأخرج الفريابى وابن جرير عنه قال واجبا وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) تجأرون ( قال تتضرعون دعاء وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال تصيحون بالدعاء وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن فى قوله ) فتمتعوا فسوف تعلمون ( قال وعيد وأخرج ابن جرير عن مجاهد فى قوله ) ويجعلون لما لا يعلمون ( الآية قال يعلمون أن الله خلقهم ويضرهم وينفعهم ثم يجعلون لما لا يعلمون أنه يضرهم ولا ينفعهم ) نصيبا مما رزقناهم ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى الآية قال هم مشركو العرب جعلوا لأوثانهم وشياطينهم مما رزقهم الله وجزءوا من أموالهم جزءا فجعلوه لأوثانهم وشياطينهم وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى الآية قال هو قولهم هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) ويجعلون لله البنات ( الآية يقول يجعلون لي البنات يرتضونهن لى ولا يرتضونهن لأنفسهم وذلك أنهم كانوا فى الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هوان أو دسها فى التراب وهى حية وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن الضحاك ) ولهم ما يشتهون ( قال يعنى به البنين وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج ) أم يدسه في التراب ( قال يئد ابنته وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) ألا ساء ما يحكمون ( قال بئس ما حكموا يقول شئ لا يرضونه لأنفسهم فكيف يرضونه لي وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ولله المثل الأعلى ( قال شهادة أن لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس ) ولله المثل الأعلى ( قال يقول ليس كمثله شئ وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) ما ترك عليها من دابة ( قال ما سقاهم المطر وأخرج أيضا عن السدى نحوه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى الآية قال قد فعل ذلك فى زمن نوح أهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلا ما حمل فى سفينته وأخرج أحمد فى الزهد عن ابن مسعود قال ذنوب ابن آدم قتلت الجعل فى جحره ثم قال أى والله زمن غرق قوم نوح وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الشعب عنه قال كاد الجعل أن يعذب فى جحره بذنب ابن آدم ثم قرأ ) ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ( وأخرج عبد بن حميد وابن أبى الدنيا عن أنس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن أبى الدنيا وابن جرير والبيهقى فى الشعب عن أبى هريرة أنه سمع رجلا يقول إن الظالم لا يضر إلا نفسه قال أبو هريرة بلى والله إن الحبارى لتموت هزالا فى وكرها من ظلم الظالم وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك ) ويجعلون لله ما يكرهون ( قال يجعلون لى البنات ويكرهون ذلك لأنفسهم وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى ( قال قول كفار قريش لنا البنون وله البنات وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) وأنهم مفرطون ( قال منسبون وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال معجلون وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن نحوه


"""""" صفحة رقم 173 """"""
سورة النحل الآية ( 63 69 )
النحل : ( 63 ) تالله لقد أرسلنا . . . . .
بين سبحانه أن مثل صنيع قريش قد وقع من سائر الأمم فقال مسليا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ( أى رسلا ) فزين لهم الشيطان أعمالهم ( الخبيثة ) فهو وليهم اليوم ( يحتمل أن يكون اليوم عبارة عن زمان الدنيا فيكون المعنى فهو قرينهم فى الدنيا ويحتمل أن يكون اليوم عبارة عن يوم القيامة وما بعده فيكون للحال الآتية ويكون الولى بمعنى الناصر والمراد نفى الناصر عنهم على أبلغ الوجوه لأن الشيطان لا يتصور منه النصرة أصلا فى الدار الآخرة وإذا كان الناصر منحصرا فيه لزم أن لا نصرة من غيره ويحتمل أن يراد باليوم بعض زمان الدنيا وهو على وجهين الأول أن يراد البعض الذى قد مضى وهو الذى وقع فيه التزيين من الشيطان للأمم الماضية فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية الثانى أن يراد البعض الحاضر وهو وقت نزول الآية والمراد تزيين الشيطان لكفار قريش فيكون الضمير فى وليهم لكفار قريش أى فهو ولى هؤلاء اليوم أو على حذف مضاف أى فهو ولى أمثال أولئك الأمم اليوم ) ولهم عذاب أليم ( أى فى الآخرة وهو عذاب النار
النحل : ( 64 ) وما أنزلنا عليك . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنه ما هلك من هلك إلا بعد إقامة الحجة عليهم وإزاحة العلة منهم فقال ) وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ( وهذا خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالكتاب القرآن والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أى ما أنزلناه عليك لحال من الأحوال ولا لعلة من العلل إلا لعلة التبيين لهم أى للناس الذى اختلفوا فيه من التوحيد وأحوال البعث وسائر الأحكام الشرعية و انتصاب ) هدى ورحمة ( على أنهما مفعول لهما معطوفان على محل لتبين ولا حاجة إلى اللام لأنهما فعلا فاعل الفعل المعلل بخلاف التبيين فإنه فعل المخاطب لافعل المنزل ) لقوم يؤمنون ( بالله سبحانه ويصدقون ما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب
النحل : ( 65 ) والله أنزل من . . . . .
ثم عاد سبحانه إلى تقرير وجوده وتفرده بالإلهية بذكر آياته العظام فقال ) والله أنزل من السماء ماء ( أى من السحاب أو من جهة العلو كما مر أى نوعا من أنواع الماء ) فأحيا به الأرض بعد موتها ( أى


"""""" صفحة رقم 174 """"""
أحياها بالنبات بعد أن كانت يابسة لا حياة بها ) إن في ذلك ( الإنزال والإحياء ) لآية ( أى علامة دالة على وحدانيته وعلى بعثه للخلق ومجازاتهم ) لقوم يسمعون ( كلام الله ويفهمون ما يتضمنه من العبر ويتفكرون فى خلق السموات والأرض
النحل : ( 66 ) وإن لكم في . . . . .
) وإن لكم في الأنعام لعبرة ( الأنعام هى الإبل والبقر والغنم ويدخل فى الغنم المعز والعبرة أصلها تمثيل الشيء بالشيء ليعرف حقيقته بطريق المشاكلة ومنه ) فاعتبروا يا أولي الأبصار ( وقال أبو بكر الوارق العبرة فى الأنعام تسخيرها لأربابها وطاعتها لهم والظاهر أن العبرة هى قوله ) نسقيكم مما في بطونه ( فتكون الجملة مستأنفة لبيان العبرة قرأ أهل المدينة وابن عامر وعاصم فى رواية أبى بكر نسقيكم بفتح النون من سقى يسقى وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بضم النون من أسقى يسقى قيل هما لغتان قال لبيد سقى قومى بنى مجد وأسقى
نميرا والقبائل من هلال
وقرئ بالتاء الفوقية على أن الضمير راجع إلى الأنعام وقرئ بالتحتية على إرجاع الضمير إلى الله سبحانه وهما ضعيفتان وجميع القراء على القراءتين الأوليين والفتح لغة قريش والضم لغة حمير وقيل إن بين سقى وأسقى فرقا فإذا كان الشراب من يد الساقى إلى فم المسقى فيقال سقيته وإن كان بمجرد عرضه عليه وتهيئته له قيل أسقاه والضمير فى قوله ) مما في بطونه ( راجع إلى الأنعام قال سيبويه العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد وقال الزجاج لما كان لفظ الجمع يذكر ويؤنث فيقال هو الأنعام وهى الأنعام جاز عود الضمير بالتذكير وقال الكسائى معناه مما فى بطون ما ذكرنا فهو على هذا عائد إلى المذكور قال الفراء وهو صواب وقال المبرد هذا فاش فى القرآن كثير مثل قوله للشمس ) هذا ربي ( يعنى هذا الشيء الطالع وكذلك ) وإني مرسلة إليهم بهدية ( ثم قال ) فلما جاء سليمان ( ولم يقل جاءت لأن المعنى جاء الشيء الذى ذكرنا انتهى ومن ذلك قوله ) إن هذه تذكرة فمن شاء ( ومثله قول الشاعر مثل الفراخ نيفت حواصله
ولم يقل حواصلها وقول الآخر
وطاب إلقاح اللبان وبرد
ولم يقل وبردت وحكى عن الكسائى أن المعنى مما فى بطون بعضه وهى الإناث لأن الذكور لا ألبان لها وبه قال أبو عبيدة وحكى عن الفراء أنه قال النعم والأنعام واحد يذكر ويؤنث ولهذا تقول العرب هذه نعم وارد فرجع الضمير إلى لفظ النعم الذى هو بمعنى الأنعام وهو كقول الزجاج ورجحه ابن العربى فقال إنما يرجع التذكير إلى معنى الجمع والتأنيث إلى معنى الجماعة فذكره هنا باعتبار لفظ الجمع وأنثه فى سورة المؤمنين باعتبار لفظ الجماعة ) من بين فرث ودم ( الفرث الزبل الذى ينزل إلى الكرش فإذا خرج منه لم يسم فرثا يقال أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها والمعنى أن الشئ الذى تأكله يكون منه ما فى الكرش وهو الفرث ويكون منه الدم فيكون أسفله فرثا وأعلاه دما وأوسطه ) لبنا ( فيجرى الدم فى العروق واللبن فى الضروع ويبقى الفرث كما هو ) خالصا ( يعنى من حمرة الدم وقذارة الفرث بعد أن جمعهما وعاء واحد ) سائغا للشاربين ( أى لذيذا هنيئا لا يغص به من شربه يقال ساغ الشراب يسوغ سوغا أى سهل مدخله فى الحلق
النحل : ( 67 ) ومن ثمرات النخيل . . . . .
) ومن ثمرات النخيل والأعناب ( قال ابن جرير التقدير ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون فحذف ما ودل على حذفه قوله منه وقيل هو معطوف على الأنعام والتقدير وإن لكم من ثمرات النخيل والأعناب لعبرة ويجوز أن يكون معطوفا على مما فى بطونه أى نسقيكم مما فى بطونه ومن ثمرات النخيل ويجوز أن يتعلق بمحذوف دل عليه ما قبله تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل ويكون على هذا ) تتخذون منه سكرا ( بيانا للإسقاء وكشفا عن حقيقته ويجوز أن يتعلق بتتخذون تقديره ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكرا ويكون تكرير الظرف وهو قوله منه للتأكيد كقولك زيد فى الدار فيها وإنما ذكر الضمير


"""""" صفحة رقم 175 """"""
فى منه لأنه يعود إلى المذكور أو إلى المضاف المحذوف وهو العصير كأنه قيل ومن عصير ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه والسكر ما يسكر من الخمر والرزق الحسن جميع ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالثمر والدبس والزبيب والخل وكان نزول هذه الآية قبل تحريم الخمر وقيل إن السكر الخل بلغة الحبشة والرزق الحسن الطعام من الشجرتين وقيل السكر العصير الحلو الحلال وسمى سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقى فإذا بلغ الإسكار حرم والقول الأول أولى وعليه الجمهور وقد صرح أهل اللغة بأن السكر اسم للخمر ولم يخالف فى ذلك إلا أبو عبيدة فإنه قال السكر الطعم ومما يدل على ما قاله جمهور أهل اللغة قول الشاعر بئس الصحاب وبئس الشرب شربهم
إذا جرى فيهم الهذى والسكر
ومما يدل على ما قاله أبو عبيدة ما أنشده جعلت عيب الأكرمين سكرا
أى جعلت ذمهم طعما ورجع هذا ابن جرير فقال إن السكر ما يطعم من الطعام ويحل شربه من ثمار النخيل والأعناب وهو الرزق الحسن فاللفظ مختلف والمعنى واحد مثل ) إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ( قال الزجاج قول أبى عبيدة هذا لا يعرف وأهل التفسير على خلافه ولا حجة فى البيت الذى أنشده لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس وقد حمل السكر جماعة من الحنفية على ما لا يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ قالوا وإنما يمتن الله على عباده بما أحله لهم لا بما حرمه عليهم وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر ا ه ) إن في ذلك لآية لقوم يعقلون ( أى لدلالة لمن يستعمل العقل ويعمل بما يقتضيه عند النظر فى الآيات التكوينية
النحل : ( 68 ) وأوحى ربك إلى . . . . .
) وأوحى ربك إلى النحل ( قد تقدم الكلام فى الوحى وأنه يكون بمعنى الإلهام وهو ما يخلقه فى القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ومنه قوله سبحانه ) ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ( ومن ذلك إلهام البهائم لفعل ما ينفعها وترك ما يضرها وقرأ يحيى بن وثاب إلى النحل بفتح الحاء قال الزجاج وسمى نحلا لأن الله سبحانه نحله العسل الذى يخرج منه قال الجوهرى والنحل والنحلة الدبر يقع على الذكر والأنثى ) أن اتخذي من الجبال بيوتا ( أى بأن اتخذى على أن ) إن ( هى المصدرية ويجوز أن تكون تفسيريه لأن فى الإيحاء معنى القول وأنث الضمير فى اتخذى لكونه أحد الجائزين كما تقدم أو للحمل على المعنى أو لكون النحل جمعا وأهل الحجاز يؤنثون النحل ومن فى من الجبال بيوتا و كذا فى ) ومن الشجر ( كذا فى ) ومما يعرشون ( للتبعيض أى مساكن توافقها وتليق بها فى كوى الجبال وتجويف الشجر وفى العروش التى يعرشها بنو آدم من الأجناح والحيطان وغيرها وأكثر ما يستعمل فيما يكون من الخشب يقال عرش يعرش بكسر الراء وضمها وبالضم قرأ ابن عامر وشعبة وقرأ الباقون بالكسر وقرئ أيضا بيوتا بكسر الباء وضمها
النحل : ( 69 ) ثم كلي من . . . . .
) ثم كلي من كل الثمرات ( من للتبعيض لأنها تأكل النور من الأشجار فإذا أكلتها ) فاسلكي سبل ربك ( أى الطرق التى فهمك الله وعلمك وأضافها إلى الرب لأنه خالقها وملهم النحل أن تسلكها أى ادخلى طرق ربك لطلب الرزق فى الجبال وخلال الشجر أو اسلكى ما أكلت فى سبل ربك أى فى مسالكه التى يحيل فيها بقدرته النور عسلا أو إذا أكلت الثمار فى الأمكنة البعيدة فاسلكى إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تضلين فيها وانتصاب ) ذللا ( على الحال من السبل وهى جمع ذلول أى مذللة غير متوعرة واختار هذا الزجاج وابن جرير وقيل حال من النحل يعنى مطيعه للتسخير وإخراج العسل من بطونها واختار هذا ابن قتيبة وجملة ) يخرج من بطونها ( مستأنفة عدل به عن خطاب النحل تعديدا للنعم وتعجيبا لكل سامع وتنبيها على الغير وإرشادا إلى الآيات العظيمة الحاصلة من هذا الحيوان الشبيه بالذباب والمراد با ل ) الشراب ( فى الآية هو العسل


"""""" صفحة رقم 176 """"""
ومعنى ) مختلف ألوانه ( أن بعضه أبيض وبعضه أحمر وبعضه أزرق وبعضه أصفر باختلاف ذوات النحل وألوانها ومأكولاتها وجمهور المفسرين على أن العسل يخرج من أفواه النحل وقيل من أسفلها وقيل لا يدرى من أين يخرج منها والضمير فى قوله ) فيه شفاء للناس ( راجع إلى الشراب الخارج من بطون النحل وهو العسل وإلى هذا ذهب الجمهور وقال الفراء وابن كيسان وجماعة من السلف إن الضمير راجع إلى القرآن ويكون التقدير فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس ولا وجه للعدول عن الظاهر ومخالفة المرجع الواضح والسياق البين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اختلف أهل العلم هل هذا الشفاء الذى جعله الله فى العسل عام لكل داء أو خاص ببعض الأمراض فقالت طائفة هو على العموم وقالت طائفة إن ذلك خاص ببعض الأمراض ويدل على هذا أن العسل نكرة فى سياق الإثبات فلا يكون عاما وتنكيره إن أريد به التعظيم لا يدل إلا على أن فيه شفاء عظيما لمرض أو أمراض لا لكل مرض فإن تنكير التعظيم لا يفيد العموم والظاهر المستفاد من التجربة ومن قوانين علم الطب أنه إذا استعمل منفردا كان دواء لأمراض خاصة وإن خلط مع غيره كالمعاجين ونحوها كان مع ما خلط به دواء لكثير من الأمراض وبالجملة فهو من أعظم الأغذية وأنفع الأدوية وقليلا ما يجتمع هذان الأمران فى غيره ) إن في ذلك ( المذكور من أمر النحل ) لآية لقوم يتفكرون ( أى يعملون أفكارهم عند النظر فى صنع الله سبحانه وعجائب مخلوقاته فإن أمر النحل من أعجبها وأغربها وأدقها وأحكمها
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور وأبو داود فى ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والنحاس والحاكم وصححه والبيهقى فى سننه وابن مردويه عن ابن عباس أنه سئل عن قوله ) تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ( قال السكر ما حرم من ثمرتهما والرزق الحسن ما حل وأخرج الفريابى وابن أبى حاتم وابن مردويه عنه قال السكر الحرام والرزق الحسن زبيبه وخله وعنبه ومنافعه وأخرج أبو داود فى ناسخه وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا قال السكر النبيذ والرزق الحسن الزبيب فنسختها هذه الآية ) إنما الخمر والميسر ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عنه أيضا فى الآية قال فحرم الله بعد ذلك السكر منع تحريم الخمر لأنه منه ثم قال ) ورزقا حسنا ( فهو الحلال من الخل والزبيب والنبيذ وأشباه ذلك فأقره الله وجعله حلال للمسلمين وأخرج الفريابى وابن أبى شيبة وابن أبى حاتم عن ابن عمر أنه سئل عن السكر فقال الخمر بعينها وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال السكر خمر وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس ) وأوحى ربك إلى النحل ( قال ألهمها وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) فاسلكي سبل ربك ذللا ( قال طرقا لا يتوعر عليها مكان سلكته وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة ذللا قال مطيعة وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال ذليلة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) يخرج من بطونها شراب ( قال العسل وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن أبى حاتم عن مجاهد فى الآية قال هو العسل فيه الشفاء وفى القرآن وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير عن ابن مسعود قال إن العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما فى الصدور وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه عن ابن مسعود قال عليكم بالشفاءين العسل والقرآن وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه ابن مردويه والبيهقى فى الشعب وابن السنى وأبو نعيم والخطيب عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليكم بالشفاءين العسل والقرآن وقد وردت


"""""" صفحة رقم 177 """"""
أحاديث فى كون العسل شفاء منها ما أخرجه البخارى من حديث ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وآله سلم قال الشفاء فى ثلاثة فى شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنا أنهى أمتى عن الكى وأخرج البخارى ومسلم وغيرها من حديث أبى سعيد أن رجلا أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله أن اخى استطلق بطنه فقال اسقه عسلا فسقاه عسلا ثم جاء فقال سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا قال اذهب فاسقه عسلا فذهب فسقاه ثم جاء فقال ما زاده إلا استطلاقا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صدق الله وكذب بطن أخيك اذهب فاسقه عسلا فذهب فسقاه عسلا فبرأ
سورة النحل الآية ( 70 74 )
النحل : ( 70 ) والله خلقكم ثم . . . . .
لما ذكر سبحانه بعض أحوال الحيوان وما فيها من عجائب الصنعة الباهرة وخصائص القدرة القاهرة أتبعه بعجائب خلق الإنسان وما فيه من العبر فقال ) والله خلقكم ( ولم تكونوا شيئا ) ثم يتوفاكم ( عند انقضاء آجالكم ) ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ( يقال رذل يرذل رذالة والأرذل والرذالة أرادأ الشئ وأوضعه قال النيسابورى واعلم أن العقلاء ضبطوا مراتب عمر الإنسان فى أربع أولاها سن النشو وثانيها سن الوقوف وهو سن الشباب وثالثها سن الإنحطاط اليسير وهو سن الكهولة ورابعها سن الإنحطاط الظاهر وهو سن الشيخوخة قيل وأرذل العمر هو عند أن يصير الإنسان إلى الخرف وهو أن يصير بمنزلة الصبى الذى لا عقل له وقيل خمس وسبعون سنة وقيل تسعون سنة ومثل هذه الآية قوله سبحانه ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ( ثم علل سبحانه رد من يرده إلى أرذل العمر بقوله ) لكيلا يعلم من بعد علم ( كان قد حصل له ) شيئا ( من العلم لا كثيرا ولا قليلا أو شيئا من المعلومات إذا كان العلم هنا بمعنى المعلوم وقيل المراد بالعلم هنا العقل وقيل المراد لئلا يعلم زيادة على علمه الذى قد حصل له قبل ذلك
النحل : ( 71 ) والله فضل بعضكم . . . . .
ثم لما بين سبحانه خلق الإنسان وتقلبه فى أطوار العمر ذكر طرفا من أحواله لعله يتذكر عند ذلك فقال ) والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ( فجعلكم متفاوتين فيه فوسع على بعض عباده حتى جعل له من الرزق ما يكفى ألوفا مؤلفة من بنى آدم وضيقه على بعض عباده حتى صار لا يجد القوت إلا بسؤال الناس والتكفف لهم وذلك لحكمة بالغة تقصر عقول العباد عن تعقلها والإطلاع على حقيقة أسبابها وكما جعل التفاوت بين عباده فى المال جعله بينهم فى العقل


"""""" صفحة رقم 178 """"""
والعلم والفهم وقوة البدن وضعفه والحسن والقبح والصحة والسقم وغير ذلك من الأحوال وقيل معنى الآية أن الله سبحانه أعطى الموالى أفضل مما أعطى مماليكهم بدليل قوله ) فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم ( أى فما الذين فضلهم الله بسعة الرزق على غيرهم برادى رزقهم الذى رزقهم الله إياه على ما مكلت أيمانهم من المماليك ) فهم ( أى المالكون والمماليك ) فيه ( أى فى الرزق ) سواء ( أى لا يردونه عليهم بحيث يساوونهم فالفاء على هذا للدلالة على أن التساوى مترتب على التراد أى لا يردونه عليهم ردا مستتبعا للتساوى وإنما يردون عليهم منه شيئا يسيرا وهذا مثل ضربه الله سبحانه بعبدة الأصنام أى إذا لم يكونوا عبيدكم معكم سواء ولا ترضون بذلك فكيف تجعلون عبيدى معى سواء والحال أن عبيدكم مساوون لكم فى البشرية والمخلوقية فلما لم تجعلوا عبيدكم مشاركين لكم فى أموالكم فيكف تجعلون بعض عباد الله سبحانه شركاء له فتعبدونهم معه أو كيف تجعلون بعض مخلوقاته كالأصنام شركاء له فى العبادة ذكر معنى هذا ابن جرير ومثل هذه الآية قوله سبحانه ) ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم ( وقيل إن الفاء فى فهم فيه سواء بمعنى حتى ) أفبنعمة الله يجحدون ( حيث تفعلون ما تفعلون من الشرك والنعمة هى كونه سبحانه جعل المالكين مفضلين على المماليك وقد قرئ يجحدون بالتحتيه والفوقية قال أبو عبيدة وأبو حاتم وقراءة الغيبة أولى لقرب المخبر عنه ولأنه لو كان خطابا لكان ظاهره للمسلمين والاستفهام للإنكار والفاء للعطف على مقدر أى يشركون به فيجحدون نعمته ويكون المعنى على قراءة الخطاب أن المالكين ليسوا برادى رزقهم على مماليكهم بل أنا الذى أرزقهم وإياهم فلا يظنوا أنهم يعطونهم شيئا وإنما هو رزقى أجريه على أيديهم وهم جميعا فى ذلك سواء لا مزية لهم على مماليكهم فيكون المعطوف عليه المقدر فعلا يناسب هذا المعنى كأن يقال لا يفهمون ذلك فيجحدون نعمة الله
النحل : ( 72 ) والله جعل لكم . . . . .
ثم ذكر سبحانه الحالة الأخرى من أحوال الإنسان فقال ) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( قال المفسرون يعنى النساء فإنه خلق حواء من ضلع آدم أو المعنى خلق لكم من جنسكم أزواجا لتستأنسوا بها لأن الجنس يأنس إلى جنسه ويستوحش من غير جنسه وبسبب هذه الأنسة يقع بين الرجال والنساء ما هو سبب للنسل الذى هو المقصود بالزواج ولهذا قال ) وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ( الحفدة جمع حافد يقال حفد يحفد حفدا وحفودا إذا أسرع فكل من أسرع فى الخدمة فهو حافد قال أبو عبيد الحفد العمل والخدمة قال الخليل بن أحمد الحفدة عند العرب الخدم ومن ذلك قول الشاعر وهو الأعشى كلفت مجهولنا نوقا يمانية
إذ الحداة على أكتافها حفدوا
أى الخدم والأعوان وقال الأزهرى قيل الحفدة أولاد الأولاد وروى عن ابن عباس وقيل الأختان قاله ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحى وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعى ومنه قول الشاعر فلو أن نفسى طاوعتنى لأصبحت
لها حفد مما تعد كثير
ولكنها نفس على أبية
عيوف لأصهار اللئام قذور
وقيل الحفدة الأصهار قال الأصمعى الختن من كان من قبل المرأة كابنها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى باي فلان وصاهر وقيل هم أولاد إمرأة الرجل من غيره وقيل الأولاد الذين يخدمونه وقيل البنات الخادمات لأبيهن ورجح كثير من العلماء أنهم أولاد الأولاد لأنه سبحانه امتن على


"""""" صفحة رقم 179 """"""
عباده بأن جعل لهم من الأزواج بنين وحفدة فالحفدة فى الظاهر معطوفون على البنين وإن كان يجوز أن يكون المعنى جعل لكم من أزواجكم بنين وجعل لكم حفدة ولكن لا يمتنع على هذا المعنى الظاهر أن يراد بالبنين من لا يخدم وبالحفدة من يخدم الأب منهم أو يراد بالحفدة البنات فقط ولا يفيد أنهم أولاد الأولاد إلا إذا كان تقدير الآية وجعل لكم من أزواجكم بنين ومن البنين حفدة ) ورزقكم من الطيبات ( التى تستطيبونها وتستلذونها ومن للتبعيض لأن الطيبات لا تكون مجتمعة إلا فى الجنة ثم ختم سبحانه الآية بقوله ) أفبالباطل يؤمنون ( والاستفهام للإنكار التوبيخى والفاء للعطف على مقدر أى يكفرون بالله فيؤمنون بالباطل وفى تقدم بالباطل على الفعل دلالة على أنه ليس لهم إيمان إلا به والباطل هو اعتقادهم فى أصنامهم أنها تضر وتنفع وقيل الباطل ما زين لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة ونحوهما قرأ الجمهور يؤمنون بالتحتية وقرأ أبو بكر بالفوقية على الخطاب ) وبنعمة الله هم يكفرون ( أى ما أنعم به عليهم مما لا يحيط به حصر وفى تقديم النعمة وتوسيط ضمير الفصل دليل على أن كفرهم مختص بذلك لا يتجاوزه لقصد المبالغة والتأكيد
النحل : ( 73 ) ويعبدون من دون . . . . .
) ويعبدون من دون الله ( هو معطوف على يكفرون داخل تحت الإنكار التوبيخى إنكارا منه سبحانه عليهم حيث يعبدون الأصنام وهى لا تنفع ولا تضر ولهذا قال ) ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ( قال الأخفش إن شيئا بدل من الرزق وقال الفراء هو منصوب بإيقاع الرزق عليه فجعل رزقا مصدرا عاملا فى شيئا والأخفش جعله اسما للرزق وقيل يجوز أن يكون تأكيدا لقوله لا يملك أى لا يملك شيئا من الملك والمعنى أن هؤلاء الكفار يعبدون معبودات لا تملك لهم رزقا أى رزق ومن السموات والأرض صفة لرزق أى كائنا منهما والضمير فى ) ولا يستطيعون ( راجع إلى ما وجمع جمع العقلاء بناء على زعمهم الباطل والفائدة فى نفى الاستطاعة عنهم أن من لا يملك شيئا قد يكون موصوفا باستطاعة التملك بطريق من الطرق فبين سبحانه أنها لا تملك ولا تستطيع وقيل يجوز أن يكون الضمير فى يستطيعون للكفار أى لا يستطيع هؤلاء الكفار مع كونهم أحياء متصرفين فكيف بالجمادات التى لا حياة لها ولا تستطيع التصرف
النحل : ( 74 ) فلا تضربوا لله . . . . .
ثم نهاهم سبحانه عن أن يشبهوه بخلقه فقال ) فلا تضربوا لله الأمثال ( فإن ضارب المثل يشبه حالا بحال وقصة بقصة قال الزجاج لا تجعلوا لله مثلا لأنه واحد لا مثل له وكانوا يقولون إن إله العالم أجل من أن يعبده الواحد منا فكانوا يتوسلون إلى الأصنام والكواكب كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حضرة الملك وأولئك الأكابر يخدمون الملك فنهوا عن ذلك وعلل النهى بقوله ) إن الله ( عليم ) يعلم ( ما عليكم من العبادة ) وأنتم لا تعلمون ( ما فى عبادتها من سوء العاقبة والتعرض لعذاب الله سبحانه أو أنتم لا تعلمون بشئ من ذلك وفعلكم هذا هو عن توهم فاسد وخاطر باطل وخيال مختل ويجوز أن يراد فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم كيف تضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون ذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن على فى قوله ) ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ( قال خمس وسبعون سنة وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال هو الخرف وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة قال من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر ثم قرأ ? لكيلا يعلم بعد علم شيئا ? وأخرج ابن أبى شيبة عن طاوس قال العالم لا يخرف وقد ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) فى الصحيح وغيره أنه كان يتعوذ بالله أن يرد إلى أرذل العمر وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) والله فضل بعضكم على بعض في الرزق ( قال لم يكونوا ليشركوا عبيدهم فى أموالهم ونسائهم فكيف يشركون عبيدى معى فى سلطانى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى الآية قال هذا مثل لآلهة الباطل مع الله وأخرج عبد بن حميد


"""""" صفحة رقم 180 """"""
وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( قال خلق آدم ثم خلق زوجته منه وأخرج الفريابى وسعيد بن منصور والبخارى فى تاريخه وابن جرير وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه والبيهقى فى سننه عن ابن مسعود فى قوله ) بنين وحفدة ( قال الحفدة الأختان وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال الحفدة الأصهار وأخرجا عنه قال الحفدة الولد وولد الولد وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال الحفدة بنو البنين وأخرج ابن جرير عن أبى جمرة قال سئل ابن عباس عن قوله ) بنين وحفدة ( قال من أعابك فقد حفدك أما سمعت قول الشاعر حفد الولائد حولهن وأسلمت
بأكفهن أزمة الأجمال
وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه أيضا قال الحفدة بنو امرأة الرجل ليسوا منه وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة ) أفبالباطل يؤمنون ( قال الشرك وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال هو الشيطان ) وبنعمة الله ( قال محمد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ويعبدون من دون الله ( الآية قال هذه الأوثان التى تعبد من دون الله لا تملك لمن يعبدها ) رزقا من السماوات والأرض ( ولا خيرا ولا حياة ولا نشورا ) فلا تضربوا لله الأمثال ( فإنه أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله سبحانه ) فلا تضربوا لله الأمثال ( يعنى اتخاذهم الأصنام يقول لا تجعلوا معى إلها غيرى فإنه لا إله غيرى
سورة النحل الآية ( 75 79 )
النحل : ( 75 ) ضرب الله مثلا . . . . .
قوله ) ضرب الله مثلا ( لما قال سبحانه إن الله يعلم أى بالمعلومات التى من جملتها كيف يضرب الأمثال وأنتم لا تعلمون علمهم سبحانه كيف تضرب الأمثال فقال ضرب الله مثلا أى ذكر شيئا يستدل به على تباين الحال بين جناب الخالق سبحانه وبين ما جعلوه شريكا له من الأصنام ثم ذكر ذلك فقال ) عبدا مملوكا ( والمثل فى الحقيقة هى حالة للعبد عارضة له وهى المملوكية والعجز عن التصرف فقوله ) عبدا مملوكا لا يقدر على شيء (


"""""" صفحة رقم 181 """"""
تفسير للمثل وبدل منه ووصفه بكونه مملوكا لأن العبد والحر مشتركان فى كون كل واحد منهما عبدا لله سبحانه ووصفه بكونه لا يقدر على شئ لأن المكاتب والمأذون يقدران على بعض التصرفات فهذا الوصف لتمييزه عنهما ) ومن رزقناه ( من هى الموصولة وهى معطوفة على عبدا أى والذى رزقناه ) منا ( أى من جهتنا ) رزقا حسنا ( من الأحرار الذين يملكون الأموال ويتصرفون بها كيف شاءوا والمراد بكون الرزق حسنا أنه مما يحسن فى عيون الناس لكونه رزقا كثيرا مشتملا على أشياء مستحسنة نفيسة تروق الناظرين إليها والفاء فى قوله ) فهو ينفق منه ( لترتيب الإنفاق على الرزق أى ينفق منه فى وجوه الخير ويصرف منه إلى أنواع البر والمعروف وانتصاب ) سرا وجهرا ( على الحال أى ينفق منه فى حال السر وحال الجهر والمراد بيان عموم الإنفاق للأوقات وتقديم السر على الجهر مشعر بفضيلته عليه وأن الثواب فيه أكثر وقيل أن من فى ومن رزقناه موصوفة كأنه قيل وحرا رزقناه ليطابق عبدا ) هل يستوون ( أى الحر والعبد الموصوفان بالصفات المتقدمة وجمع الضمير لمكان من لأنه اسم مبهم يستوى فيه الواحد والإثنان والجمع والمذكر والمؤنث وقيل إنه أريد بالعبد والموصول الذى هو عبارة عن الحر الجنس أى من اتصف بتلك الأوصاف من الجنسين والاستفهام للإنكار أى هل يستوى العبيد والأحرار الموصوفون بتلك الصفات مع كون كلا الفريقين مخلوقين لله سبحانه من جملة البشر ومن المعلوم أنهم لا يستوون عندهم فكيف يجعلون لله سبحانه شركاء لا يملكون لهم ضرا ولا نفعا ويجعلونهم مستحقين للعبادة مع الله سبحانه وحاصل المعنى أنه كما لا يستوى عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شئ ورجل حر قد رزقه الله رزقا حسنا فهو ينفق منه كذلك لا يستوى الرب الخالق الرازق والجمادات من الأصنام التى تعبدونها وهى لا تبصر ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع وقيل المراد بالعبد المملوك فى الآية هو الكافر المحروم من طاعة الله وعبوديته والآخر هو المؤمن والغرض أنهما لا يستويان فى الرتبة والشرف وقيل العبد هو الصنم والثانى عابد الصنم والمراد أنهما لا يستويان فى القدرة والتصرف لأن الأول جماد والثانى إنسان ) الحمد لله ( أى الحمد لله كله لأنه المنعم لا يستحق غيره من العباد شيئا منه فكيف تستحق الأصنام منه شيئا ولا نعمة منها أصلا لا بالأصالة ولا بالتوسط وقيل أراد الحمد لله على ما أنعم به على أوليائه من نعمة التوحيد وقيل أراد قل الحمد لله والخطاب إما لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو لمن رزقه الله رزقا حسنا وقيل إنه لما ذكر مثلا مطابقا للغرض كاشفا عن المقصود قال الحمد لله أى على قوة هذه الحجة ) بل أكثرهم لا يعلمون ( ذلك حتى يعبدوا من تحق له العبادة ويعرفوا المنعم عليهم بالنعم الجليلة ونفى العلم عنهم إما لكونهم من الجهل بمنزلة لا يفهمون بسببها ما يجب عليهم أو هم يتركون الحق عنادا مع علمهم به فكانوا كمن لا علم له وخص الأكثر بنفى العلم إما لكونه يريد الخلق جميعا وأكثرهم المشركون أو ذكر الأكثر وهو يريد الكل أو المراد أكثر المشركين لأن فيهم من يعلم ولا يعمل بموجب العلم
النحل : ( 76 ) وضرب الله مثلا . . . . .
ثم ذكر سبحانه مثلا ثانيا ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده من النعم الدينية والدنيوية وللأصنام التى هى أموات لا تضر ولا تنفع فقال ) وضرب الله مثلا ( أى مثلا آخر أوضح مما قبله وأظهر منه و ) رجلين ( بدل من مثل وتفسير له والأبكم العيى المفحم وقيل هو الأقطع اللسان الذى لا يسحن الكلام وروى ثعلب عن ابن الأعرابى أنه الذى لا يسمع ولا يبصر ثم وصف الأبكم فقال ) لا يقدر على شيء ( من الأشياء المتعلقة بنفسه أو بغيره لعدم فهمه وعدم قدرته على النطق ومعنى ) كل على مولاه ( ثقيل على وليه وقرابته وعيال على من يلى أمره ويعوله ووبال على إخوانه وقد يسمى اليتيم كلا لثقله على من كلفه ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 182 """"""
أكول لمال الكل قبل شبابه
إذا كان عظم الكل غير شديد
وفى هذا بيان لعدم قدرته على إقامة مصالح نفسه بعد ذكر عدم قدرته على شئ مطلقا ثم وصفه بصفة رابعة فقال ) أينما يوجهه لا يأت بخير ( أى إذا وجهه إلى أى جهة لا يأت بخير قط لأنه لا يفهم ولا يعقل ما يقال له ولا يمكنه أن يقول وقرأ يحيى بن وثاب ? أينما يوجه ? على البناء للمجهول وقرأ ابن مسعود أينما توجه على صيغة الماضى ) هل يستوي هو ( فى نفسه مع هذه الأوصاف التى اتصف بها ) ومن يأمر بالعدل ( أى يأمر الناس بالعدل مع كونه فى نفسه ينطق بما يريد النطق به ويفهم ويقدر على التصرف فى الأشياء ) وهو ( فى نفسه ) على صراط مستقيم ( على دين قويم وسيرة صالحة ليس فيه ميل إلى أحد جانبى الإفراط والتفريط قابل أوصاف الأول بهذين الوصفين المذكورين للآخر لأن حاصل أوصاف الأول عدم استحقاقه لشئ وحاصل وصفى هذا أنه مستحق أكمل استحقاق والمقصود الاستدلال بعدم تساوى هذين المذكورين على امتناع التساوى بينه سبحانه وبين ما يجعلونه شريكا له
النحل : ( 77 ) ولله غيب السماوات . . . . .
ولما فرغ سبحانه من ذكر المثلين مدح نفسه بقوله ) ولله غيب السماوات والأرض ( أى يختص ذلك به لا يشاركه فيه غيره ولا يستقل به والمراد علم ما غاب عن العباد فيهما أو أراد بغيبهما يوم القيامة لأن علمه غائب عن العباد ومعنى الإضافة إليهما التعلق بهما والمعنى التوبيخ للمشركين والتقريع لهم أى أن العبادة إنما يستحقها من كانت هذه صفته لا من كان جاهلا عاجزا لا يضر ولا ينفع ولا يعلم بشئ من أنواع العلم ) وما أمر الساعة ( التى هى أعظم ما وقعت فيه المماراة من الغيوب المختصة به سبحانه ) إلا كلمح البصر ( اللمح النظر بسرعة ولا بد فيه من زمان تتقلب فيه الحدقة نحو المرئى وكل زمان قابل للتجزئة ولذا قال ) أو هو ( أى أمرهما ) أقرب ( وليس هذا من قبيل المبالغة بل هو كلام فى غاية الصدق لأن مدة ما بين الخطاب وقيام الساعة متناهية ومنها إلى الأبد غير متناه ولا نسبة للمتناهى إلى غير المتناهى أو يقال إن الساعة لما كانت آتية ولا بد جعلت من القرب كلمح البصر وقال الزجاج لم يرد أن الساعة تأتى فى لمح البصر وإنما وصف سرعة القدرة على الإتيان بها لأنه يقول للشئ كن فيكون وقيل المعنى هي عند الله كذلك وإن لم تكن عند المخلوقين بهذه الصفة ومثله قوله سبحانه ) إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( ولفظ أو فى أو هو اقرب ليس للشك بل للتمثيل وقيل دخلت لشك المخاطب وقيل هى بمنزلة بل ) إن الله على كل شيء قدير ( ومجئ الساعة بسرعة من جملة مقدوراته
النحل : ( 78 ) والله أخرجكم من . . . . .
ثم إنه سبحانه ذكر حالة أخرى للإنسان دالة على غاية قدرته ونهاية رأفته فقال ) والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ( وهذا معطوف على قوله ) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( منتظم معه فى سلك أدلة التوحيد أى أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا لا علم لكم بشئ وجملة لا تعلمون شيئا فى محل نصب على الحال وقيل المراد لا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق وقيل لا تعلمون شيئا مما قضى به عليكم من السعادة والشقاوة وقيل لا تعلمون شيئا من منافعكم والأولى التعميم لتشمل الآية هذه الأمور وغيرها اعتبارا بعموم اللفظ فإن شيئا نكرة واقعة في سياق النفى وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة إمهاتكم بكسر الهمزة الميم هنا وفى النور والزمر والنجم وقرأ الكسائى بكسر الهمزة وفتح الميم وقرأ الباقون بضم الهمزة وفتح الميم ) وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( أى ركب فيكم هذه الأشياء وهو معطوف على أخرجكم وليس فيه دلالة على تأخير هذا الجعل عن الإخراج لما أن مدلول الواو وهو مطلق الجمع والمعنى جعل لكم هذه الأشياء لتحصلوا بها العلم الذى كان مسلوبا عنكم عند إخراجكم من بطون أمهاتكم وتعملوا بموجب العلم من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه والأفئدة جمع فؤاد وهو وسط القلب منزل منه بمنزلة القلب من الصدر وقد


"""""" صفحة رقم 183 """"""
قدمنا الوجه فى إفراد السمع وجمع الأبصار والأفئدة وهو أن إفراد السمع لكونه مصدرا فى الأصل يتناول القليل والكثير ) لعلكم تشكرون ( أى لكى تصرفوا كل آلة فيما خلقت له فعند ذلك تعرفون مقدار ما أنعم الله به عليكم فتشكرونه أو أن هذا الصرف هو نفس الشكر
النحل : ( 79 ) ألم يروا إلى . . . . .
ثم ذكر سبحانه دليلا آخر على كمال قدرته فقال ) ألم يروا إلى الطير مسخرات ( أى ألم ينظروا إليها حال كونها مسخرات أى مذللات للطيران بما خلق الله لها من الأجنحة وسائر الأسباب المواتية لذلك كرقة قوام الهواء وإلهامها بسط الجناح وقبضه كما يفعل السابح فى الماء ) في جو السماء ( أى فى الهواء المتباعد من الأرض فى سمت العلو وإضافته إلى السماء لكونه فى جانبها ) ما يمسكهن ( فى الجو ) إلا الله ( سبحانه بقدرته الباهرة فإن ثقل أجسامها ورقة قوام الهواء يقتضيان سقوطها لأنها لم تتعلق بشئ من فوقها ولا اعتمدت على شئ تحتها وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وابن عامر وحمزة ويعقوب ) ألم تروا ( بالفوقية على الخطاب واختار هذه القراءة أبو عبيد وقرأ الباقون بالتحتية ) إن في ذلك لآيات ( أى إن فى ذلك التسخير على تلك الصفة لآيات ظاهرات تدل على وحدانية الله سبحانه وقدرته الباهرة ) لقوم يؤمنون ( بالله سبحانه وبما جاءت به رسله من الشرائع التى شرعها الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ( الآية قال يعنى الكافر أنه لا يستطيع أن ينفق نفقة فى سبيل الله ) ومن رزقناه منا رزقا حسنا ( الآية قال يعنى المؤمن وهذا المثل فى النفقة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم نحوه بأطول منه وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى الآية وفى قوله ) مثلا رجلين أحدهما أبكم ( قال كل هذا مثل إله الحق وما تدعون من دونه الباطل وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال فى المثل الأول يعنى بذلك الآلهة التى لا تملك ضرا ولا نفعا ولا تقدر على شئ ينفعها ) ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا ( قال علانية الذى ينفق سرا وجهرا لله وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه وابن عساكر عنه قال نزلت هذه الآية ) ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ( فى رجل من قريش وعبدة بن هشام بن عمرو وهو الذى ينفق سرا وجهرا وفى عبدة أبى الجوزاء الذى كان ينهاه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن أيضا فى قوله ) وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم ( الآية قال يعنى بالأبكم الذى هو كل على مولاه الكافر ) ومن يأمر بالعدل ( المؤمن وهذا المثل فى الأعمال وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه وابن عساكر عنه أيضا قال نزلت هذه الآية ) وضرب الله مثلا رجلين ( الآية فى عثمان بن عفان ومولى له كافر وهو أسيد بن أبى العيص كان يكره الإسلام وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤنة وكان الآخر ينهاه عن الصدقة والمعروف فنزلت فيهما وأخرج ابن سعد وابن أبى شيبة والبخارى فى تاريخه وابن أبى حاتم وابن مردويه والضياء فى المختارة عنه أيضا فى قوله ) ومن يأمر بالعدل ( قال عثمان بن عفان وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) كل ( قال الكل العيال كانوا إذا ارتحلوا حملوه على بعير ذلول وجعلوا معه نفرا يمسكونه خشية أن يسقط عليهم فهو عناء وعذاب وعيال عليهم ) هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ( يعنى نفسه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وما أمر الساعة إلا كلمح البصر ( هو أن يقول كن فهو كلمح البصر ) أو هو أقرب ( فالساعة كلمح البصر أو هى أقرب وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ( قال من الرحم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) في جو السماء ( أى فى كبد السماء


"""""" صفحة رقم 184 """"""
سورة النحل الآية ( 80 83 )
النحل : ( 80 ) والله جعل لكم . . . . .
قوله ) والله جعل لكم ( معطوف على ما قبله وهذا المذكور من جملة أحوال الإنسان ومن تعديد نعم الله عليه والسكن مصدر يوصف به الواحد والجمع وهو بمعنى مسكون أى تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم من الحركة وهذه نعمة فإن الله سبحانه لو شاء لخلق العبد مضطربا دائما كالأفلاك ولو شاء لخلقه ساكنا أبدا كالأرض ) وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ( لما ذكر سبحانه بيوت المدن وهى التى للإقامة الطويلة عقبها بذكر بيوت البادية والرحلة أى جعل لكم من جلود الأنعام وهى الأنطاع والأدم بيوتا كالخيام والقباب ) تستخفونها ( أى يخف عليكم حملها فى الأسفار وغيرها ولهذا قال ) يوم ظعنكم ( والظعن بفتح العين وسكونها وقرئ بهما سير أهل البادية للانتجاع والتحول من موضع إلى موضع ومنه قول عنترة ظعن الذين فراقهم أتوقع
وجرى ببيتهم الغراب الأبقع
والظعن الهودج أيضا ) ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ( معطوف على جعل أى وجعل لكم من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها والأنعام تعم الإبل والبقر والغنم كما تقدم والأصواف للغنم والأوبار للإبل والأشعار للمعز وهى من جملة الغنم فيكون ذكر هذه الثلاثة على وجه التنويع كل واحد منها لواحد من الثلاثة أعنى الإبل ونوعى الغنم والأثاث متاع البيت وأصله الكثرة والإجتماع ومنه شعر أثيث أى كثير مجتمع قال الشاعر وفرع يزين المتن أسود فاحم
أثيث كقنو النخلة المتعثكل
قال الخليل أثاثا أى منضما بعضه إلى بعض من أث إذا أكثر قال الفراء لا واحد له والمتاع ما يتمتع به بأنواع التمتع وعلى قول أبى زيد الأنصارى إن الأثاث المال أجمع الإبل والغنم والعبيد والمتاع يكون عطف المتاع على الأثاث من عطف الخاص على العام وقيل إن الأثاث ما يكتسى به الإنسان ويستعمله من الغطاء والوطاء والمتاع ما يفرش فى المنازل ويتزين به ومعنى ) إلى حين ( إلى أن تقضوا أوطاركم منه أو إلى أن يبلى ويفنى أو إلى الموت أو إلى القيامة
النحل : ( 81 ) والله جعل لكم . . . . .
ثم لما كان الإنسان قد لا يكون له خيام أو أبنية يستظل بها لفقر أو لعارض آخر فيحتاج إلى أن يستظل بشجر أو جدار أو غمام أو نحو ذلك نبه سبحانه على ذلك فقال ) وجعل لكم من الجبال أكنانا ( أى أشياء تستظلون بها كالأشياء المذكورة والحاصل أن الظلال تعم الأشياء التى تظل ثم لما كان


"""""" صفحة رقم 185 """"""
المسافر قد يحتاج إلى ركن يأوى إليه فى نزوله وإلى ما يدفع به عن نفسه آفات الحر والبرد نبه سبحانه على ذلك فقال ) وجعل لكم من الجبال أكنانا ( وهى جمع كن وهو ما يستكن به من المطر وهى هنا الغيران فى الجبال جعلها الله سبحان عدة للخلق يأوون إليها ويتحصنون بها ويعتزلون عن الخلق فيها ) وجعل لكم سرابيل ( جمع سربال وهى القمصان والثياب من الصوف والقطن والكتان وغيرها قال الزجاج كل ما لبسته فهو سربال ومعنى ) تقيكم الحر ( تدفع عنكم ضرر الحر وخص الحر ولم يذكر البرد اكتفاء بذكر أحد الضدين عن ذكر الآخر لأن ما وقي من الحر وقى من البرد ووجه تخصيص الحر بالذكر أن الوقاية منه كانت أهم عندهم من الوقاية من البرد لغلبة الحر فى بلادهم ) وسرابيل تقيكم بأسكم ( وهى الدروع والجواشن يتقون بها الطعن والضرب والرمي والمعنى أنها تقيم البأس الذى يصل من بعضهم إلى بعض فى الحرب ) كذلك يتم نعمته عليكم ( أى مثل ذلك الإتمام البالغ يتم نعمته عليكم فإنه سبحانه قد من على عباده بصنوف النعم المذكورة هاهنا وبغيرها وهو بفضله وإحسانه سيتم لهم نعمة الدين والدنيا ) لعلكم تسلمون ( إرادة أن تسلموا فإن من أمعن النظر فى هذه النعم لم يسعه إلا الإسلام والإنقياد للحق وقرأ ابن محيصن وحميد تتم نعمته بتاءين فوقيتين على أن فاعله نعمته وقرأ الباقون بالتحتية على أن الفاعل هو الله سبحانه وقرأ ابن عباس وعكرمة ) تسلمون ( بفتح التاء واللام من السلامة من الجراح وقرأ الباقون بضم التاء وكسر اللام من الإسلام قال أبو عبيد والإختيار قراءة العامة لأن ما أنعم الله به علينا من الإسلام أفضل مما أنعم به من السلامة من الجراح وقيل الخطاب لأهل مكة أى لعلكم يا أهل مكة تخلصون لله الربوبية والأولى الحمل على العموم وإفراد النعمة هنا لأن المراد بها المصدر
النحل : ( 82 ) فإن تولوا فإنما . . . . .
) فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين ( أى إن تولوا عنك ولم يقبلوا ما جئت به فقد تمهد عذرك فإنما عليك البلاغ لما أرسلت به إليهم المبين أى الواضح وليس عليك غير ذلك وصرف الخطاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تسلية له
النحل : ( 83 ) يعرفون نعمة الله . . . . .
وجملة ) يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ( استئناف لبيان توليهم أى هو يعرفون نعمة الله التى عددها ويعترفون بأنها من عند الله سبحانه ثم ينكرونها بما يقع من أفعالهم القبيحة من عبادة غير الله وبأقوالهم الباطلة حيث يقولون هى من الله ولكنها بشفاعة الأصنام وحيث يقولون إنهم ورثوا تلك النعم من آبائهم وأيضا كونهم لا يستعملون هذه النعم فى مرضاة الرب سبحانه وفى وجوه الخير التى أمرهم الله بصرفها فيها وقيل نعمة الله نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا يعرفونه ثم ينكرون نبوته ) وأكثرهم الكافرون ( أى الجاحدون لنعم الله أو الكافرون بالله وعبر هنا بالأكثر عن الكل أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم أو أراد كفر الجحود ولم يكن كفر كلهم كذلك بل كان كفر بعضهم كفر جهل وكفر بعضهم بسبب تكذيب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مع اعترافهم بالله وعدم الجحد لربوبيته ومثل هذه الآية قوله تعالى ) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين (
وقد أخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد سكنا قال تسكنون فيها وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى نحوه قال ) وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا ( وهى خيام العرب ) تستخفونها ( يقول فى الحمل ) ومتاعا ( يقول بلاغا ) إلى حين ( قال إلى الموت وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس ) تستخفونها يوم ظعنكم ( قال بعض بيوت السيارة بنيانه فى ساعة وفى قوله ) وأوبارها ( قال الإبل ) وأشعارها ( قال الغنم وأخرج ابن أبى حاتم عنه فى قوله ) أثاثا ( قال الأثاث المتاع وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال الأثاث المال ) ومتاعا إلى حين ( يقول تنتفعون به إلى حين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم


"""""" صفحة رقم 186 """"""
عن قتادة فى قوله ) والله جعل لكم مما خلق ظلالا ( قال من الشجر ومن غيرها ) وجعل لكم من الجبال أكنانا ( قال غارات يسكن فيها ) وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر ( قال من القطن والكتان والصوف ) وسرابيل تقيكم بأسكم ( من الحديد ) كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ( ولذلك هذه السورة تسمى سورة النعم وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) سرابيل تقيكم الحر ( قال يعنى الثياب ) وسرابيل تقيكم بأسكم ( قال يعنى الدروع والسلاح ) كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ( يعنى من الجراحات وكان ابن عباس يقرؤها تسلمون كما قدمنا وإسناده ضعيف
سورة النحل الآية ( 84 90 )
النحل : ( 84 ) ويوم نبعث من . . . . .
لما بين سبحانه من حال هؤلاء أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها وأن أكثرهم كافرون أتبعه بأصناف وعيد يوم القيامة فقال ) ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ( أى واذكر يوم نبعث أو يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه وشهيد كل أمة نبيها يشهد لهم بالإيمان والتصديق وعليهم بالكفر والجحود والتكذيب ) ثم لا يؤذن للذين كفروا ( أى فى الإعتذار إذ لا حجة لهم ولا عذر كقوله سبحانه ) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( أو فى كثرة الكلام أو فى الرجوع إلى دار الدنيا وإيراد ثم ها هنا للدلالة على أن ابتلاءهم بالمنع عن الإعتذار المنبئ عن الإقناط الكلى أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء ) ولا هم يستعتبون ( لأن العتاب إنما يطلب لأجل العود إلى الرضا فإذا كان على عزم السخط فلا فائدة فى العتاب والمعنى أنهم لا يسترضون أى لا يكلفون أن يرضوا ربهم لأن الآخرة ليست بدار تكليف ولا يتركون إلى رجوع الدنيا فيتوبون وأصل الكلمة من العتب وهو الموجد يقال عتب عليه يعتب إذا وجد عليه فإذا أفاض عليه ما عتب فيه عليه قيل عاتبه فإذا رجع إلى مسرته قيل أعتبه والإسم لعتبى وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضى العاتب قاله الهروى ومنه قول النابغة فإن كنت مظلوما فعبدا ظلمته
وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب


"""""" صفحة رقم 187 """"""
النحل : ( 85 ) وإذا رأى الذين . . . . .
) وإذا رأى الذين ظلموا العذاب ( أى وإذا رأى الذين أشركوا العذاب الذى يستحقونه بشركهم وهو عذاب جهنم ) فلا يخفف ( ذلك العذاب ) عنهم ولا هم ينظرون ( أى ولا هم يمهلون ليتوبوا إذ لا توبة هنالك
النحل : ( 86 ) وإذا رأى الذين . . . . .
) وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم ( أى أصنامهم وأوثانهم التى عبدوها لما تقرر من أنهم يبعثون مع المشركين ليقال لهم من كان يعبد شيئا فليتبعه كما ثبت فى الصحيح من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك ( أى الذين كنا نعبدهم من دونك قال أبو مسلم الأصفهانى مقصود المشركين بهذا القول إحالة الذنب على تلك الأصنام تعللا بذلك واسترواحا مع كونهم يعلمون أن العذاب واقع بهم لا محالة ولكن الغريق يتعلق بكل ما تقع يده عليه ) فألقوا إليهم القول ( أى ألقى أولئك الأصنام والأوثان والشياطين ونحوهم إلى المشركين القول ) إنكم لكاذبون ( أى قالوا لهم إنكم أيها المشركون لكاذبون فيما تزعمون من إحالة الذنب علينا الذى هو مقصودكم من هذا القول فإن قيل إن المشركين أشاروا إلى الأصنام ونحوها أن هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك وقد كانوا صادقين فى ذلك فكيف كذبتهم الأصنام ونحوها فالجواب بأن مرادهم من قولهم هؤلاء شركاؤنا هؤلاء شركاء الله فى المعبودية فكذبتهم الأصنام فى دعوى هذه الشركة والأصنام والأوثان وإن كانت لا تقدر على النطق فإن الله سبحانه ينطقها فى تلك الحال لتخجيل المشركين وتوبيخهم وهذا كما قالت الملائكة ) بل كانوا يعبدون الجن ( يعنون أن الجن هم الذين كانوا راضين بعبادتهم لهم
النحل : ( 87 ) وألقوا إلى الله . . . . .
) وألقوا إلى الله يومئذ السلم ( أى ألقى المشركون يوم القيامة الاستسلام والإنقياد لعذابه والخضوع لعزته وقيل استسلم العابد والمعبود وانقادوا لحكمه فيهم ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أى ضاع وبطل ما كانوا يفترونه من أن لله سبحانه شركاء وما كانوا يزعمون من شفاعتهم لهم وأن عبادتهم لهم تقربهم إلى الله سبحانه
النحل : ( 88 ) الذين كفروا وصدوا . . . . .
) الذين كفروا ( فى أنفسهم ) وصدوا ( غيرهم ) عن سبيل الله ( أى عن طريق الحق وهى طريق الإسلام والإيمان بأن منعوهم من سلوكها وحملوهم على الكفر وقيل المراد بالصد عن سبيل الله الصد عن المسجد الحرام والأولى العموم ثم أخبر عن هؤلاء الذين صنعوا هذا الصنع بقوله ) زدناهم عذابا فوق العذاب ( أى زادهم الله عذابا لأجل الإضلال لغيرهم فوق العذاب الذى استحقوه لأجل ضلالهم وقيل المعنى زدنا القادة عذابا فوق عذاب أتباعهم أى أشد منه وقيل إن هذه الزيادة هى إخراجهم من النار إلى الزمهرير وقيل غير ذلك
النحل : ( 89 ) ويوم نبعث في . . . . .
) ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم ( أى نبيا يشهد عليهم ) من أنفسهم ( من جنسهم إتماما للحجة وقطعا للمعذرة وهذا تكرير لما سبق لقصد التأكيد والتهديد ) وجئنا بك ( يا محمد ) شهيدا على هؤلاء ( أى تشهد على هذه الأمم وتشهد لهم وقيل على أمتك وقد تقدم مثل هذا فى البقرة والنساء ) ونزلنا عليك الكتاب ( أى القرآن والجملة مستأنفة أو فى محل نصب على الحال بتقدير قد ) تبيانا لكل شيء ( أى بيانا له والتاء للمبالغة ونظيره من المصادر التلقاء ولم يأت غيرهما ومثل هذه الآية قوله سبحانه ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ( ومعنى كونه تبيانا لكل شئ أن فيه البيان الكثير من الأحكام والإحالة فيما بقى منها على السنة وأمرهم باتباع رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما يأتى به من الأحكام وطاعته كما فى الآيات القرآنية الدالة على ذلك وقد صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال إنى أوتيت القرآن ومثله معه ) وهدى ( للعباد ) ورحمة ( لهم ) وبشرى للمسلمين ( خاصة دون غيرهم أو يكون الهدى والرحمة والبشرى خاصة بهم لأنهم المنتفعون بذلك
النحل : ( 90 ) إن الله يأمر . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه أن فى القرآن تبيان كل شئ ذكر عقبة آية جامعة لأصول التكليف كلها تصديقا لذلك فقال ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان ( وقد اختلف أهل العلم فى تفسير العدل والإحسان فقيل العدل لا إله إلا الله والإحسان أداء الفرائض


"""""" صفحة رقم 188 """"""
وقيل العدل الفرض والإحسان النافلة وقيل العدل استواء العلانية والسريرة والإحسان أن تكون السريرة أفضل من العلانية وقيل العدل الإنصاف والإحسان التفضل فالأولى تفسير العدل بالمعنى اللغوى وهو التوسط بين طرفى الإفراط والتفريط فمعنى أمره سبحانه بالعدل أن يكون عباده فى الدين على حالة متوسطة ليست بمائلة إلى جانب الإفراط وهو الغلو المذموم فى الدين ولا إلى جانب التفريط وهو الإخلال بشئ مما هو من الدين وأما الإحسان فمعناه اللغوى يرشد إلى أنه التفضل بما لم يجب كصدقة التطوع ومن الإحسان فعل ما يثاب عليه العبد مما لم يوجبه الله عليه فى العبادات وغيرها وقد صح عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أنه فسر الإحسان بأن يعبد الله العبد حتى كأنه يراه فقال فى حديث ابن عمر الثابت فى الصحيحين والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهذا هو معنى الإحسان شرعا ) وإيتاء ذي القربى ( أى إعطاء القرابة ما تدعو إليه حاجتهم وفى الآية إرشاد إلى صلة الأقارب وترغيب فى التصدق عليهم وهو من باب عطف الخاص على العام إن كان إعطاء الأقارب قد دخل تحت العدل والإحسان وقيل من باب عطف المندوب على الواجب ومثل هذه الآية قوله ) وآت ذا القربى حقه ( وإنما خص ذوى القربى لأنهم حقهم آكد فإن الرحم قد اشتق الله اسمها من اسمه وجعل صلتها من صلته وقطيعتها من قطيعته ) وينهى عن الفحشاء ( هى الخصلة المتزايدة فى القبح من قول أو فعل وقيل هى الزنا وقيل البخل ) والمنكر ( ما أنكره الشرع بالنهى عنه وهو يعم جميع المعاصى على اختلاف أنواعها وقيل هو الشرك و أما ) البغي ( هو الكبر وقيل الظلم وقيل الحقد وقيل التعدى وحقيقته تجاوز الحد فيشمل هذه المذكورة ويندرج بجميع أقسامه تحت المنكر وإنما خص بالذكر اهتماما به لشدة ضرر ووبال عاقبته وهو من الذنوب التى ترجع على فاعلها لقوله سبحانه ) إنما بغيكم على أنفسكم ( وهذه الآية هى من الآيات الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله ) يعظكم لعلكم تذكرون ( أى يعظكم بما ذكره فى هذه الآية مما أمركم به ونهاكم عنه فإنها كافية فى باب الوعظ والتذكير لعلكم تذكرون إرادة أن تتذكروا ما ينبغى تذكره فتتعظوا بما وعظكم الله به
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ( قال شهيدها نبيها على أنه قد بلغ رسالات ربه قال الله ) وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ( قال ذكر لنا أن نبى الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) فألقوا إليهم القول ( قال حدثوهم وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج ) وألقوا إلى الله يومئذ السلم ( قال استسلموا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة نحوه وأخرج عبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور وابن ابى شيبة وهناد بن السرى وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وأبن أبى حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقى فى البعث والنشور عن ابن مسعود فى قوله ) زدناهم عذابا فوق العذاب ( قال زيدوا عقارب لها أنياب كالنخل الطوال وأخرج ابن مردويه والخطيب عن البراء أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن قول الله تعالى ) زدناهم عذابا فوق العذاب ( فقال عقارب أمثال النخل الطوال ينهشونهم فى جهنم وأخرج أبو يعلى وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) زدناهم عذابا فوق العذاب ( قال خمسة أنهار من نار صبها الله عليهم يعذبون ببعضها بالليل وببعضها بالنهار وقد روى ابن مردويه من حديث جابر عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال الزيادة خمسة أنهار تجرى من تحت العرش على رءوس أهل النار ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار فذلك قوله ) زدناهم عذابا فوق العذاب ( وأخرج ابن جرير


"""""" صفحة رقم 189 """"""
وابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال إن الله أنزل فى هذا الكتاب تبيانا لكل شئ ولكن علمنا يقصر عما بين لنا فى القرآن ثم قرأ ) ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ( وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وعبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن الضريس فى فضائل القرآن ومحمد بن نصر فى كتاب الصلاة والطبرانى والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود قال من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين وأخرج أحمد عن عثمان بن أبى العاص قال كنت عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جالسا إذ شخص بصره فقال أتانى جبريل فأمرنى أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من السورة ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان ( الآية وفى إسناده شهر بن حوشب وقال ابن كثير فى تفسيره إسناده لا بأس به وقد أخرجه مطولا أحمد والبخارى فى الأدب وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه من حديث ابن عباس وحسن ابن كثير إسناده وأخرج الماوردى وابن السكن وابن مندة وأبو نعيم فى معرفة الصحابة عن عبد الملك بن عمير أن هذه الآية لما بلغت أكثم بن صيفى حكيم العرب قال إنى أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها ثم قال لقومه كونوا فى هذا الأمر رؤوسا ولا تكونوا فيه أذنابا وكونوا فيه أولا ولا تكونوا فيه آخرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) إن الله يأمر بالعدل ( قال شهادة أن لا إله إلا الله والإحسان أداء الفرائض ) وإيتاء ذي القربى ( قال إعطاء ذوى الأرحام الحق الذى أوجبه الله عليك بسبب القرابة والرحم ) وينهى عن الفحشاء ( قال الزنا ) والمنكر ( قال الشرك ) والبغي ( قال الكبر والظلم ) يعظكم ( قال يوصيكم ) لعلكم تذكرون ( وأخرج سعيد بن منصور والبخارى فى الأدب ومحمد بن نصر فى الصلاة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب قال أعظم آية فى كتاب الله ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( وأجمع آية فى كتاب الله للخير والشر الآية التى فى النحل ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان ( وأكثر أية فى كتاب الله تفويضا ) ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ( وأشد آية فى كتاب الله رجاء ) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( الآية وأخرج البيهقى فى الشعب عن الحسن أنه قرأ هذه الآية ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان ( إلى آخرها ثم قال إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله فى آية واحدة فو الله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغى من معصية الله شيئا إلا جمعه وأخرج البخارى فى تاريخه من طريق الكلبى عن أبيه قال مر على بن أبى طالب بقوم يتحدثون فقال فيم أنتم قالوا نتذاكر المروءة فقال أو ما كفاكم الله عز وجل ذلك فى كتابه إذ يقول ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان ( فالعدل الإنصاف والإحسان التفضل فما بقى بعد هذا
سورة النحل الآية ( 91 93 )


"""""" صفحة رقم 190 """"""
سورة النحل الآية ( 94 96 )
النحل : ( 91 ) وأوفوا بعهد الله . . . . .
خص سبحانه من جملة المأمورات التى تضمنها قوله ) إن الله يأمر بالعدل ( الوفاء بالعهد فقال ) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ( وظاهره العموم فى كل عهد يقع من الإنسان من غير فرق بين عهد البيعة وغيره وخص هذا العهد المذكور فى هذه الآية بعض المفسرين بالعهد الكائن فى بيعة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) على الإسلام وهو خلاف ما يفيده العهد المضاف إلى اسم الله سبحانه من العموم الشامل لجميع عهود الله ولو فرض أن السبب خاص بعهد من العهود لم يكن ذلك موجبا لقصره على السبب فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وفسره بعضهم باليمين وهو مدفوع بذكر الوفاء بالأيمان بعده حيث قال سبحانه ) ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ( أى بعد تشديدها وتغليظها وتوثيقها وليس المراد اختصاص النهى عن النقض بالأيمان المؤكدة لا بغيرها مما لا تأكيد فيه فإن تحريم النقض يتناول الجميع ولكن فى نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذى فى نقض ما لم يوكد منها يقال وكد وأكد توكيدا وتأكيدا وهما لغتان وقال الزجاج الأصل الواو والهمزة بدل منها وهذا العموم مخصوص بما ثبت فى الأحاديث الصحيحة من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذى هو خير وليكفر عن يمينه حتى بالغ فى ذلك ( صلى الله عليه وسلم ) فقال والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذى هو خير وكفرت عن يمينى وهذه الألفاظ ثابتة فى الصحيحين وغيرهما ويخص أيضا من هذا العموم يمين اللغو لقوله سبحانه ) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ( ويمكن أن يكون التقييد بالتوكيد هنا لإخراج أيمان اللغو وقد تقدم بسط الكلام على الأيمان فى البقرة ) وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ( أى شهيدا وقيل حافظا وقيل ضامنا وقيل رقيبا لأن الكفيل يراعى حال المكفول به وقيل إن توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشئ الواحد مرارا وحكى القرطبى عن ابن عمر أن التوكيد هو أن يحلف مرتين فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه ) إن الله يعلم ما تفعلون ( فيجازيكم بحسب ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر وفيه ترغيب وترهيب
النحل : ( 92 ) ولا تكونوا كالتي . . . . .
ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض فقال ) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ( أى لا تكونوا فيما تصنعون من النقض بعد التوكيد كالتى نقضت غزلها أى ما غزلته ) من بعد قوة ( أى من بعد إبرام الغزل وإحكامه وهو متعلق بنقضت ) أنكاثا ( جمع نكث بكسر النون ما ينكث فتله قال الزجاج انتصب أنكاثا على المصدر لأن معنى نقضت نكثت ورد بأن أنكاثا ليس بمصدر وإنما هو جمع كما ذكرنا وقال الواحدى هو منصوب على أنه مفعول ثان كما تقول كسرته أقطاعا وأجزاء أى جملته أقطاعا وأجزاء ويحتمل أن يكون حالا قال ابن قتيبة هذه الآية متعلقة بما قبلها والتقدير وأوفوا بعهد الله ولا تنقضوا الأيمان فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم مثل امرأة غزلت غزلا وأحكمته ثم جعلته أنكاثا وجملة ) تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ( فى محل نصب على الحال قال الجوهرى والدخل المكر والخديعة وقال أبو عبيدة كل أمر لم يكن


"""""" صفحة رقم 191 """"""
صحيحا فهو دخل وقيل الدخل ما أدخل فى الشئ على فساده وقال الزجاج غشا وغلا ) أن تكون أمة هي أربى من أمة ( أى بأن تكون جماعة هى أربى من جماعة أى أكثر عددا وأوفر مالا يقال ربا الشئ يربو إذا كثر قال الفراء المعنى لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم أو لقلتكم وكثرتهم وقد عزرتموهم بالأيمان قيل وقد كانت قريش إذا رأوا شوكة فى أعادى حلفائهم نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم وقيل هو تحذير للمؤمنين أن يغتروا بكثرة قريش وسعة أموالهم فينقضوا بيعة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) إنما يبلوكم الله به ( أى يختبركم بكونكم أكثر وأوفر لينظر هل تتمسكون بحبل الوفاء أو تنقضون اغترار بالكثرة فالضمير فى به راجع إلى مضمون جملة أن تكون أمة هى أربى من أمة أى إنما يبلوكم الله بتلك الكثرة ليعلم ما تصنعون أو إنما يبلوكم الله بما يأمركم وينهاكم ) وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ( فيوضح الحق والمحقين ويرفع درجاتهم ويبين الباطل والمبطلين فينزل بهم من العذاب ما يستحقونه وفى هذا إنذار وتحذير من مخالفة الحق والركون إلى الباطل أو يبين لكم ما كنتم تختلفون فيه من البعث والجنة والنار
النحل : ( 93 ) ولو شاء الله . . . . .
ثم بين سبحانه أنه قادر على أن يجمع المؤمنين والكافرين على الوفاء أو على الإيمان فقال ) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ( متفقة على الحق ) ولكن ( بحكم الإلهية ) يضل من يشاء ( بخذلانه إياهم عدلا منه فيهم ) ويهدي من يشاء ( بتوفيقه إياهم فضلا منه عليهم ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( ولهذا قال ) ولتسألن عما كنتم تعملون ( من الأعمال فى الدنيا واللام فى وليبينن لكم وفى ولتسألن هما الموطئتان للقسم
النحل : ( 94 ) ولا تتخذوا أيمانكم . . . . .
ثم لما نهاهم سبحانه عن نقض مطلق الأيمان نهاهم عن نقض أيمان مخصوصة فقال ) ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم ( وهى أيمان البيعة قال الواحدى قال المفسرون وهذا فى نهى الذين بايعوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين واستدلوا على هذا التخصيص بما فى قوله ) فتزل قدم بعد ثبوتها ( من المبالغة وبما فى قوله ) وتذوقوا السوء بما صددتم ( لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صدوا غيرهم عن الدخول فى الإسلام وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هى سبب نزول هذه الآية فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقال جماعة من المفسرين إن هذا تكرير لما قبله لقصد التأكيد والتقرير ومعنى فتزل قدم بعد ثبوتها فتزل قدم من اتخذ يمينه دخلا عن محجة الحق بعد ثبوتها عليها ورسوخها فيها قيل وأفرد القدم للإيذان بأن زلل قدم واحد أى قدم كانت عزت أو هانت محذور عظيم فكيف بأقدام كثيرة وهذا استعارة للمستقيم الحال يقع فى شر عظيم ويسقط فيه لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شر ويقال لمن أخطأ فى شئ زلت به قدمه ومنه قول الشاعر تداركتما عبسا وقد ثل عرشها
وذبيان قد زلت بأقدامها النعل
) وتذوقوا السوء بما صددتم ( أى تذوقوا العذاب السئ فى الدنيا أو فى الآخرة أو فيهما بما صددتم ) عن سبيل الله ( أى بسبب صدودكم أنتم عن سبيل الله وهو الإسلام أو بسبب صدكم لغيركم عن الإسلام فإن من نقض البيعة وارتد اقتدى به غيره فى ذلك فكان فعله سنة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها ولهذا قال ) ولكم عذاب عظيم ( أى متبالغ فى العظم وهو عذاب الآخرة إن كان المراد بما قبله عذاب الدنيا
النحل : ( 95 ) ولا تشتروا بعهد . . . . .
ثم نهاهم سبحانه عن الميل إلى عرض الدنيا والرجوع عن العهد لأجله فقال ) ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ( أى لا تأخذوا فى مقابلة عهدكم عوضا يسيرا حقيرا وكل عرض دنيوى وإن كان فى الصورة كثيرا فهو لكونه ذاهبا زائلا يسير ولهذا ذكر سبحانه بعد تقليل عرض الدنيا خيرية ما عند الله فقال ) إنما عند الله هو خير لكم ( أى ما عنده من النصر


"""""" صفحة رقم 192 """"""
فى الدنيا والغنائم والرزق الواسع وما عنده فى الآخرية من نعيم الجنة الذى لا يزول ولا ينقطع هو خير لهم ثم علل النهى عن أن يشتروا بعهد الله ثمنا قليلا وأن ما عند الله هو خير لهم بقوله ) إن كنتم تعلمون ( أى إن كنتم من أهل العلم والتمييز بين الأشياء
النحل : ( 96 ) ما عندكم ينفد . . . . .
ثم ذكر دليلا قاطعا على حقارة عرض الدنيا وخيرية ما عند الله فقال ) ما عندكم ينفد وما عند الله باق ( ومعلوم لكل عاقل أن ما ينفد ويزول وإن بلغ فى الكثرة إلى أى مبلغ فهو حقير يسير وما كان يبقى ولا يزول فهو كثير جليل أما نعيم الآخرة فظاهر وأما نعيم الدنيا الذى أنعم الله به على المؤمنين فهو وإن كان زائلا لكنه لما كان متصلا بنعيم الآخرة كان من هذه الحيثية فى حكم الباقى الذى لا ينقطع ثم قال ) ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( اللام هى الموطئة أى لنجزينهم بسبب صبرهم على ما نالهم من مشاق التكليف وجهاد الكافرين والصبر على ما ينالهم منهم من الإيذاء بأحسن ما كانوا يعملون من الطاعات قيل وإنما خص أحسن أعمالهم لأن ما عداه وهو الحسن مباح والجزاء إنما يكون على الطاعة وقيل المعنى ولنجزينهم بجزاء أشرف وأوفر من عملهم كقوله ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( أو لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم على معنى لنعطينهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيهم بمقابلة الفرد الأعلى منها من الجزاء الجزيل لا أنا نعطى الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة فى مراتب الحسن بأن نجزى الحسن منها بالأجر الحسن والأحسن بالأحسن كذا قيل قرأ عاصم وابن كثير لنجزين بالنون وقرأ الباقون بالياء التحتية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن مزيدة بن جابر فى قوله ) وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ( قال أنزلت هذه الآية فى بيعة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كأن من أسلم بايع على الإسلام فقال ) وأوفوا بعهد الله ( الآية فلا يحملنكم قلة محمد وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التى بايعتم على الإسلام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ( يقول بعد تغليظها وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن مردويه من طريق عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس أن سعيدة الأسدية كانت تجمع الشعر والليف فنزلت فيها هذه الآية ) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ( وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى بكر بن حفص مثله وفى الروايتين جميعا أنها كانت مجنونة وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن السدى فى سبب نزول الآية قال كانت امرأة بمكة تسمى خرقاء مكة كانت تغزل فإذا أبرمت غزلها نقضته وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير معناه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أن تكون أمة هي أربى من أمة ( قال ناس أكثر من ناس وأخرجوا عن مجاهد فى الآية قال كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز فنهوا عن ذلك
سورة النحل الآية ( 97 100 )


"""""" صفحة رقم 193 """"""
سورة النحل الآية ( 101 105 )
النحل : ( 97 ) من عمل صالحا . . . . .
هذا شروع فى ترغيب كل مؤمن فى كل عمل صالح وتعميم للوعد ومعنى ) من عمل صالحا ( من عمل عملا صالحا أى عمل كان وزيادة التمييز بذكر أو أنثى مع كون لفظ من شاملا لهما لقصد التأكيد والمبالغة فى تقرير الوعد وقيل إن لفظ من ظاهر فى الذكور فكان فى التنصيص على الذكر والأنثى بيان لشموله للنوعين وجملة ) وهو مؤمن ( فى محل نصب على الحال جعل سبحانه الإيمان قيدا فى الجزاء المذكور لأن عمل الكافر لا اعتداد به لقوله سبحانه ) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ( ثم ذكر سبحانه الجزاء لمن عمل ذلك العمل الصالح فقال ) فلنحيينه حياة طيبة ( وقد وقع الخلاف فى الحياة الطيبة بماذا تكون فقيل بالرزق الحلال وروى ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك وقيل بالقناعة قاله الحسن البصرى وزيد بن وهب ووهب بن منبه وروى أيضا عن على وابن عباس وقيل بالتوفيق إلى الطاعة قاله الضحاك وقيل الحياة الطيبة هى حياة الجنة روى عن مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وحكى عن الحسن أنه قال لا تطيب الحياة لأحد إلا فى الجنة وقيل الحياة الطيبة هى السعادة روى ذلك عن ابن عباس وقيل هى المعرفة بالله حكى ذلك عن جعفر الصادق وقال أبو بكر الوراق هى حلاوة الطاعة وقال سهل بن عبد الله التسترى هى أن ينزع عن العبد تدبير نفسه ويرد تدبيره إلى الحق وقيل هى الإستغناء عن الخلق والإفتقار إلى الحق وأكثر المفسرين على أن هذه الحياة الطيبة هى فى الدنيا لا فى الآخرة لأن حياة الآخرة قد ذكرت بقوله ) ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( وقد قدمنا قريبا تفسير الجزاء بالأحسن ووحد الضمير فى لنحيينه وجمعه فى ولنجزينهم حملا على لفظ من وعلى معناه
النحل : ( 98 ) فإذا قرأت القرآن . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه العمل الصالح والجزاء عليه أتبعه بذكر الإستعاذة التى تخلص بها الأعمال الصالحة عن الوساوس الشيطانية فقال ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( والفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح وقيل هذه الآية متصلة بقوله ) ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ( والتقدير فإذا أخذت فى قراءته فاستعذ قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ وليس معناه استعذ بعد أن تقرأ القرآن ومثله إذا أكلت فقل بسم الله قال الواحدى وهذا إجماع الفقهاء أن الإستعاذة قبل القراءة إلا ما روى عن أبى هريرة وابن سيرين وداود ومالك وحمزة من القراء فإنهم قالوا الإستعاذة بعد القراءة ذهبوا إلى ظاهر الآية ومعنى فاستعذ بالله اسأله سبحانه أن يعيذك من الشيطان الرجيم أى من وساوسه وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالإستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها لسائر الأعمال الصالحة عند إرادتها أهم لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه


"""""" صفحة رقم 194 """"""
كانت عند إرادة غيره أولى كذا قيل وتوجيه الخطاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للإشعار بأن غيره أولى منه بفعل الإستعاذة لأنه إذا أمر بها لدفع وساوس الشيطان مع عصمته فكيف بسائر أمته وقد ذهب الجمهور إلى أن الأمر فى الآية للندب وروى عن عطاء الوجوب أخذا بظاهر الأمر وقد تقدم الكلام فى الإستعاذة مستوفى فى أول هذا التفسير
النحل : ( 99 ) إنه ليس له . . . . .
والضمير فى ) إنه ليس له سلطان ( للشأن أو للشيطان أى ليس له تسلط ) على ( إغواء ) الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ( وحكى الواحدى عن جميع المفسرين أنهم فسروا السلطان بالحجة وقالوا المعنى ليس له حجة على المؤمنين فى إغوائهم ودعائهم إلى الضلالة ومعنى ) وعلى ربهم يتوكلون ( يفوضون أمورهم إليه فى كل قول وفعل فإن الإيمان بالله والتوكل عليه يمنعان الشيطان من وسوسته لهم وإن وسوس لأحد منهم لا تؤثر فيه وسوسته وهذه الجملة تعليل للأمر بالإستعاذة وهؤلاء الجامعون بين الإيمان والتوكل هم الذين قال فيهم إبليس ) إلا عبادك منهم المخلصين ( وقال الله فيهم ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين )
النحل : ( 100 ) إنما سلطانه على . . . . .
ثم حصر سبحانه سلطان الشيطان فقال ) إنما سلطانه ( أى تسلطه على الإغواء ) على الذين يتولونه ( أى يتخذونه وليا ويطيعونه فى وساوسه ) والذين هم به مشركون ( الضمير فى به يرجع إلى الله تعالى أى الذين هم بالله مشركون وقيل يرجع إلى الشيطان والمعنى والذين هم من أجله وبسبب وسوسته مشركون بالله
النحل : ( 101 ) وإذا بدلنا آية . . . . .
) وإذا بدلنا آية مكان آية ( هذا شروع منه سبحانه فى حكاية شبه كفرية ودفعها ومعنى التبديل رفع الشئ مع وضع غيره مكانه وتبديل الآية رفعها بأخرى غيرها وهو نسخها بآية سواها وقد تقدم الكلام فى النسخ فى البقرة ) قالوا ( أى كفار قريش الجاهلون للحكمة فى النسخ ) إنما أنت ( يا محمد ) مفتر ( أى كاذب مختلق على الله متقول عليه بما لم يقل حيث تزعم أنه أمرك بشئ ثم تزعم أنه أمرك بخلافه فرد الله سبحانه عليهم بما يفيد جهلهم فقال ) بل أكثرهم لا يعلمون ( شيئا من العلم أصلا أو لا يعلمون بالحكمة فى النسخ فإنه مبنى على المصالح التى يعلمها الله سبحانه فقد يكون فى شرع هذا الشئ مصلحة مؤقتة بوقت ثم تكون المصلحة بعد ذلك الوقت فى شرع غيره ولو انكشف الغطاء لهؤلاء الكفرة لعرفوا أن ذلك وجه الصواب ومنهج العدل والرفق واللطف
النحل : ( 102 ) قل نزله روح . . . . .
ثم بين سبحانه لهؤلاء المعترضين على حكمة النسخ الزاعمين أن ذلك لم يكن من عند الله وأن رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) افتراه فقال ) قل نزله ( أى القرآن المدلول عليه بذكر الآية ) روح القدس ( أى جبريل والقدس التطهير والمعنى نزله الروح المطهر من أدناس البشرية فهو من إضافة الموصوف إلى الصفة ) من ربك ( أى ابتداء تنزيله من عنده سبحانه و ) بالحق ( فى محل نصب على الحال أى متلبسا بكونه حقا ثابتا لحكمة بالغة ) ليثبت الذين آمنوا ( على الإيمان فيقولون كل من الناسخ والمنسوخ من عند ربنا ولأنهم أيضا إذا عرفوا ما فى النسخ من المصالح ثبتت أقدامهم على الإيمان ورسخت عقائدهم وقرئ ليثبت من الإثبات ) وهدى وبشرى للمسلمين ( وهما معطوفان على محل ليثبت أى تثبيتا لهم وهداية وبشارة وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم
النحل : ( 103 ) ولقد نعلم أنهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه شبهة أخرى من شبههم فقال ) ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ( اللام هى الموطئة أى ولقد نعلم أن هؤلاء الكفار يقولون إنما يعلم محمدا القرآن بشر من بنى آدم غير ملك وقد اختلف أهل العلم فى تعيين هذا البشر الذى زعموا عليه ما زعموا فقيل هو غلام الفاكه بن المغيرة واسمه جبر وكان نصرانيا فأسلم وكان كفار قريش إذا سمعوا من النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أخبار القرون الأولى مع كونه أميا قالوا إنما يعلمه جبر وقيل اسمه يعيش عبد لبنى الحضرمى وكان يقرأ الكتب الأعجمية وقيل غلام لبنى عامر بن لؤى وقيل هما غلامان اسم أحدهما يسار واسم الآخر جبر وكانا صيقليين يعملان


"""""" صفحة رقم 195 """"""
السيوف وكانا يقرآن كتابا لهم وقيل كانا يقرآن التوارة والإنجيل وقيل عنوا سلمان الفارسى وقيل عنوا نصرانيا بمكة اسمه بلعام وكان يقرأ التوراة وقيل عنوا رجلا نصرانيا كان اسمه أبا ميسرة يتكلم بالرومية وفى رواية اسمه عداس قال النحاس وهذه الأقوال غير متناقضة لأنه يجوز أنهم زعموا أنهم جميعا يعلمونه ولكن لا يمكن الجمع باعتبار قول من قال إنه سلمان لأن هذه الآية مكية وهو إنما أتى إلى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بالمدينة ثم أجاب سبحانه عن قولهم هذا فقال ) لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ( الإلحاد الميل يقال لحد وألحد أى مال عن القصد وقد تقدم فى الأعراف وقرأ حمزة والكسائى يلحدون بفتح الياء والحاء وقرأ من عداهما بضم الياء وكسر الحاء أى لسان الذين يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمك أعجمى يقال رجل أعجم وامرأة عجماء أى لا يفصحان والعجمة الإخفاء وهى ضد البيان والعرب تسمى كل من لا يعرف لغتهم ولا يتكلم بها أعجميا قال الفراء الأعجم الذى فى لسانه عجمة وإن كان من العرب والأعجمى هو العجمى الذى أصله من العجم وقال أبو على الفارسى العجمى المنسوب إلى العجم الذى لا يفصح سواء كان من العرب أو من العجم وكذلك الأعجم والأعجمى المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحا ) وهذا لسان عربي مبين ( الإشارة إلى القرآن وسماه لسانا لأن العرب تقول للقصيدة والبيت لسانا ومنه قول الشاعر لسان الشر تهديها إلينا
وخنت وما حسبتك أن تخونا
أو أراد باللسان البلاغة فكأنه قال وهذا القرآن ذو بلاغة عربية وبيان واضح فكيف تزعمون أن بشرا يعلمه من العجم وقد عجزتم أنتم عن معارضة سورة منه وأنتم أهل اللسان العربى ورجال الفصاحة وقادة البلاغة وهاتان الجملتان مستأنفتان سيقتا لإبطال طعنهم ودفع كذبهم
النحل : ( 104 ) إن الذين لا . . . . .
ولما ذكر سبحانه جوابهم وبخهم وهددهم فقال ) إن الذين لا يؤمنون بآيات الله ( أى لا يصدقون بها ) لا يهديهم الله ( إلى الحق الذى هو سبيل النجاة هداية موصلة إلى المطلوب لما علم من شقاوتهم ) ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( بسبب ما هم عليه من الكفر والتكذيب بآيات الله
النحل : ( 105 ) إنما يفتري الكذب . . . . .
ثم لما وقع منهم نسبة الإفتراء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رد عليهم بقوله ) إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله ( فكيف يقع الإفتراء من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو رأس المؤمنين بها والداعين إلى الإيمان بها وهؤلاء الكفار هم الذين لا يؤمنون بها فهم المفترون للكذب قال الزجاج المعنى إنما يفترى الكذب الذين إذا رأوا الآيات التى لا يقدر عليها إلا الله كذبوا بها هؤلاء أكذب الكذبة ثم سماهم الكاذبين فقال ) وأولئك ( أى المتصفون بذلك ) هم الكاذبون ( أى إن الكذب نعت لازم لهم وعادة من عادتهم فهم الكاملون فى الكذب إذ لا كذب أعظم من تكذيبهم بآيات الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس أنه سئل عن الحياة الطيبة المذكورة فى الآية فقال الحياة الطيبة الرزق الحلال فى هذه الحياة الدنيا وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال الكسب الطيب والعمل الصالح وأخرج العسكرى فى الأمثال عن على فى الآية قال القناعة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب من طرق عن ابن عباس قال القنوع قال وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يدعو اللهم قنعنى بما رزقتنى وبارك لى فيه واخلف على كل غائبة لى بخير وأخرج أحمد ومسلم والترمذى وابن ماجة عن ابن عمرو أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعة الله بما آتاه وأخرج الترمذى والنسائى من حديث فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 196 """"""
وسلم يقول قد أفلح من هدى إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به وأخرج عبد الرزاق فى المصنف وابن المنذر عن عطاء قال الاستعاذة واجبة لكل قراءة فى الصلاة وغيرها من أجل قوله ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( وقد ورد فى مشروعية الاستعاذة عند التلاوة ما لعلنا قد قدمنا ذكره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إنما سلطانه على الذين يتولونه ( يقول سلطان الشيطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله وأخرج أبو داود فى ناسخه وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس فى قوله ) وإذا بدلنا آية مكان آية ( وقوله ) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ( قال عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به رسول الله أن يقتل يوم الفتح فاستجار له عثمان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأجاره وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) وإذا بدلنا آية مكان آية ( قال هو كقوله ) ما ننسخ من آية أو ننسها ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعلم بمكة قينا اسمه بلعام وكان أعجميا فكان المشركون يرون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يدخل عليه ويخرج من عنده فقالوا إنما يعلمه بلعام فأنزل الله ) ولقد نعلم أنهم يقولون ( الآية وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي فى شعب الإيمان عنه فى الآية قال قالوا إنما يعلم محمدا عبد بن الحضرمي وهو صاحب الكتب فأنزل الله هذه الآية وأخرج آدم بن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن عبد الله بن مسلم الحضرمي قال كان لنا عبدان من أهل عين التمر يقال لأحدهما يسار والآخر جبر وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقرآن الإنجيل فربما مر بهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهما يقرآن فيقف ويستمع فقال المشركون إنما يتعلم منهما فنزلت هذه الآية
سورة النحل الآية ( 106 111 )
النحل : ( 106 ) من كفر بالله . . . . .
قوله ) من كفر بالله من بعد إيمانه ( قد اختلف أهل العلم فى إعرابه فذهب الأكثرون على أنه بدل إما ) إن الذين لا يؤمنون بآيات الله ( وما بينهما اعتراض والمعنى إنما يفترى الكذب من كفر واستثنى منهم المكره فلم يدخل تحت حكم الافتراء ثم قال ) ولكن من شرح بالكفر صدرا ( أى اعتقده وطابت به نفسه واطمأن إليه


"""""" صفحة رقم 197 """"""
) فعليهم غضب ( وإما من المبتدأ الذى هو ) أولئك ( أو من الخبر الذى هو ) الكاذبون ( وذهب الزجاج إلى الأول وقال الأخفش إن من مبتدأ وخبره محذوف اكتفى منه بخبر من الثانية كقولك من يأتنا منكن نكرمه وقيل هو أى ) من ( فى ) من كفر ( منصوب على الذم وقيل إن من شرطية والجواب محذوف لأن جواب من شرح دال عليه وهو كقول الأخفش وإنما خالفه فى إطلاق لفظ الشرط على من والجواب على خبرها فكأنه قيل على هذا من كفر بالله فعليهم غضب إلا من أكره ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب وإنما صح استثناء المكره من الكافر مع أنه ليس بكافر لأنه ظهر منه بعد الإيمان ما لا يظهر إلا من الكافر لولا الإكراه قال القرطبي أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشى على نفسه القتل أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر وحكى عن محمد بن الحسن أنه إذا أظهر الكفر كان مرتدا فى الظاهر وفيما بينه وبين الله على الإسلام وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات ولا يرث أباه إن مات مسلما وهذا القول مردود على قائله مدفوع بالكتاب والسنة وذهب الحسن البصري والأوزاعي والشافعي وسحنون إلى أن هذه الرخصة المذكورة فى هذه الآية إنما جاءت فى القول وأما فى الفعل فلا رخصة مثل أن يكره على السجود لغير الله ويدفعه ظاهر الآية فإنها عامة فيمن أكره من غير فرق بين القول والفعل ولا دليل لهؤلاء القاصرين للآية على القول وخصوص السبب لا اعتبار به مع عموم اللفظ كما تقرر فى علم الأصول وجملة ) وقلبه مطمئن بالإيمان ( فى محل نصب على الحال من المستثنى أى إلا من كفر بإكراه والحال أن قلبه مطمئن بالإيمان لم تتغير عقيدته وليس بعد هذا الوعيد العظيم وهو الجمع للمرتدين بين غضب الله وعظيم عذابه
النحل : ( 107 ) ذلك بأنهم استحبوا . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الكفر بعد الإيمان أو إلى الوعيد بالغضب والعذاب والباء فى ) بأنهم استحبوا الحياة الدنيا ( للسببية أى ذلك بسبب تأثيرهم للحياة الدنيا ) على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين ( معطوف على ) بأنهم استحبوا ( أى ذلك بأنهم استحبوا وبأن الله لا يهدي القوم الكافرين إلى الإيمان به
النحل : ( 108 ) أولئك الذين طبع . . . . .
ثم وصفهم بقوله ) أولئك ( أى الموصوفون بما ذكر من الأوصاف القبيحة ) الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ( فلم يفهموا المواعظ ولا سمعوها ولا أبصروا الآيات التى يستدل بها على الحق وقد سبق تحقيق الطبع فى أول البقرة ثم أثبت لهم صفة نقص غير الصفة المتقدمة فقال ) وأولئك هم الغافلون ( عما يراد بهم وضمير الفصل يفيد أنهم متناهون فى الغفلة إذ لا غفلة أعظم من غفلتهم هذه
النحل : ( 109 ) لا جرم أنهم . . . . .
) لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ( أى الكاملون فى الخسران البالغون إلى غاية منه ليس فوقها غاية وقد تقدم تحقيق الكلام فى معنى ) لا جرم ( فى مواضع منها ما هو فى هذه السورة
النحل : ( 110 ) ثم إن ربك . . . . .
) ثم إن ربك للذين هاجروا ( من دار الكفر إلى دار الإسلام وخبر إن محذوف والتقدير لغفور رحيم وإنما حذف لدلالة خبر إن ربك المتأخرة عليه وقيل الخبر هو للذين هاجروا أى إن ربك لهم بالولاية والنصرة لا عليهم وفيه بعد وقيل إن خبرها هو قوله لغفور رحيم وإن ربك الثانية تأكيد للأولى قال فى الكشاف ثم هاهنا للدلالة على تباعد حال هؤلاء يعني الذين نزلت الآية فيهم عن حال أولئك وهم عمار وأصحابه ويدل على ذلك ما روى أنها نزلت فى عبد الله بن أبي سرح وسيأتي بيان ذلك ) من بعد ما فتنوا ( أى فتنهم الكفار بتعذيبهم لهم ليرجعوا فى الكفر وقرئ فتنوا على البناء للفاعل أى اللذين فتنوا المؤمنين وعذبوهم على الإسلام ) ثم جاهدوا ( في سبيل الله وصبروا على ما أصابهم من الكفار وعلى ما يلقونه من مشاق التكليف ) لغفور رحيم ( أى كثير الغفران والرحمة لهم ومعنى الآية على قراءة من قرأ فتنوا على البناء للفاعل واضح ظاهر أى إن ربك لهؤلاء الكفار الذين فتنوا من أسلم وعذبوهم ثم جاهدوا وصبروا لغفور رحيم وأما على قراءة البناء


"""""" صفحة رقم 198 """"""
للمفعول وهى قراءة الجمهور فالمعنى أن هؤلاء المفتونين الذين تكلموا بكلمة الكفر مكرهين وصدورهم غير منشرحة للكفر إذا صلحت أعمالهم وجاهدوا فى الله وصبروا على المكارة لغفور لهم رحيم بهم وأما إذا كان سبب الآية هذه هو عبد الله بن أبي سرح الذى ارتد عن الإسلام ثم رجع بعد ذلك إلى الإسلام فالمعنى أن هذا المفتون فى دينه بالردة إذا أسلم وجاهد وصبر فالله غفور له رحيم به والضمير فى بعدها يرجع إلى الفتنة أو إلى المهاجرة والجهاد والصبر أو إلى الجميع
النحل : ( 111 ) يوم تأتي كل . . . . .
) يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ( قال الزجاج يوم تأتي منتصب بقوله رحيم أو بإضمار اذكر أو ذكرهم أو أنذرهم وقد استشكل إضافة ضمير النفس إلى النفس ولا بد من التغاير بين المضاف والمضاف إليه وأجيب بأن المراد بالنفس الأولى جملة بدن الإنسان وبالنفس الثانية الذات فكأن قيل يوم يأتى كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه غيرها ومعنى المجادلة عنها الاعتذار عنها فهو مجادل ومخاصم عن نفسه لا يتفرغ لغيرها يوم القيامة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال لما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يهاجر إلى المدينة قال لأصحابه تفرقوا عني فمن كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل ومن لم تكن به قوة فليذهب فى أول الليل فإذا سمعتم بي قد استقرت بي الأرض فألحقوا بي فأصبح بلال المؤذن وخباب وعمار وجارية من قريش كانت أسلمت فأخذهم المشركون وأبو جهل فعرضوا على بلال أن يكفر فأبى فجعلوا يضعون درعا من حديد فى الشمس ثم يلبسونها إياه فإذا ألبسوها إياه قال أحد أحد وأما خباب فجعلوا يجرونه فى الشوك وأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقية وأما الجارية فوتد لها أبو جهل أربعة أوتاد ثم مدها فأدخل الحربة فى قبلها حتى قتلها ثم خلوا عن بلال وخباب وعمار فلحقوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبروه بالذى كان من أمرهم واشتد على عمار الذى كان تكلم به فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كيف كان قلبك حين قلت الذى قلت أكان منشرحا بالذى قلت أم لا قال لا فأنزل الله ) إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ( وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه قال أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر آلهتهم بخير فتركوه فلما أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما وراءك قال شر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال كيف تجد قلبك قال مطمئنا بالإيمان قال إن عادوا فعد فنزلت ) إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ( قال ذاك عمار بن ياسر ) ولكن من شرح بالكفر صدرا ( عبد الله بن أبي سرح وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن أبي مالك فى قوله ) إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ( قال نزلت فى عمار بن ياسر وفى الباب روايات مصرحة بأنها نزلت فى عمار بن ياسر وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال نزلت هذه الآية ) إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ( فى عياش بن أبي ربيعة وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال فى سورة النحل ) فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ( ثم نسخ واستثنى من ذلك فقال ) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ( الآية قال وهو عبد الله بن أبي سرح الذى كان يكتب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقتل يوم فتح مكة فاستجار له عثمان بن عفان فاجاره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن مثله وأخرج ابن مردويه والبيهقي فى سننه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية ) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ( فيمن


"""""" صفحة رقم 199 """"""
كان يفتى من أصحاب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن مردويه عنه قال كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فنزلت فيهم ) ثم إن ربك للذين هاجروا ( الآية فكتبوا إليهم بذلك إن الله قد جعل لكم مخرجا فاخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم فنجا من نجا وقتل من قتل وأخرج ابن أبى شيبة عن الحسن أن عيونا لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما فقال لأحدهما أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال أتشهد أنى رسول الله فأهوى إلى أذنيه فقال إنى أصم فأمر به فقتل وقال للآخر أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال أتشهد أنى رسول الله قال نعم فأرسله فأتى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له أما صاحبك فمضى على إيمانه وأما أنت فأخذت بالرخصة وهو مرسل
سورة النحل الآية ( 112 119 )
النحل : ( 112 ) وضرب الله مثلا . . . . .
قوله ) وضرب الله مثلا قرية ( قد قدمنا أن ضرب مضمن معنى جعل حتى تكون قرية المفعول الأول ومثلا المفعول الثانى وإنما تأخرت قرية لئلا يقع الفصل بينها وبين صفاتها وقدمنا أيضا أنه يجوز أن يكون ضرب على بابه غير مضمن ويكون مثلا مفعوله الأول وقرية بدلا منه وقد اختلف المفسرون هل المراد بهذه القرية قرية معينة أو المراد قربة غير معينة بل كل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة فذهب الأكثر إلى الأول وصرحوا بأنها مكة وذلك لما دعا عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام والثانى أرجح لأن تنكير قرية يفيد ذلك ومكة تدخل فى هذا العموم البدلى دخولا أوليا وأيضا يكون الوعيد أبلغ والمثل أكمل وغير مكة مثلها وعلى فرض إرادتها ففى المثل إنذار لغيرها من مثل عاقبتها ثم وصف القرية بأنها ) كانت آمنة ( غير خائفة ) مطمئنة ( غير منزعجة أى لا يخاف أهلها ولا ينزعجون ) يأتيها رزقها ( أى ما يرتزق به أهلها ) رغدا ( واسعا ) من كل مكان (


"""""" صفحة رقم 200 """"""
من الأمكنة التى يجلب ما فيها إليها ) فكفرت ( أى كفر أهلها ) بأنعم الله ( التى أنعم بها عليهم والأنعم جمع نعمة كالأشد جمع شدة وقيل جمع نعمى مثل بؤسى وأبؤس وهذا الكفر منهم هو كفرهم بالله سبحانه وتكذيب رسله ) فأذاقها الله ( أى أذاق أهلها ) لباس الجوع والخوف ( سمى ذلك لباسا لأنه يظهر به عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس فاستعير له إسمه وأوقع عليه الإذاقة وأصلها الذوق بالفم ثم استعيرت لمطلق الإتصال مع إنبائها بشدة الإصابة لما فيها من اجتماع الإدراكين إدراك اللمس والذوق روى أن ابن الرواندى الزنديق قال لابن الأعرابى إمام اللغة والأدب هل يذاق اللباس فقال له ابن الأعرابى لا بأس أيها النسناس هب أن محمدا ما كان نبيا أما كان عربيا كأنه طعن فى الآية بأن المناسب أن يقال فكساها الله لباس الجوع أو فأذاقها الله طعم الجوع فرد عليه ابن الأعرابى وقد أجاب علماء البيان أن هذا من تجريد الإستعارة وذلك أنه استعار اللباس لما غشى الإنسان من بعض الحوادث كالجوع والخوف لاشتماله عليه اشتمال اللباس على اللابس ثم ذكر الوصف ملائما للمستعار له وهو الجوع والخوف لأن إطلاق الذوق على إدراك الجوع والخوف جرى عندهم مجرى الحقيقة فيقولون ذاق فلان البؤس والضر وأذاقه غيره فكانت لإستعارة مجردة ولو قال فكساها كانت مرشحة قيل وترشيح الإستعارة وإن كان مستحسنا من جهة المبالغة إلا أن للتجريد ترجيحا من حيث إنه روعى جانب المستعار له فازداد الكلام وضوحا وقيل إن أصل الذوق بالفم ثم قد يستعار فيوضع موضع التعرف والإختبار ومن ذلك قول الشاعر ومن يذق الدنيا فإنى طعمتها
وسيق إلينا عذبها وعذابها
وقرأ حفص بن غياث ونصر بن عاصم وابن أبى إسحاق وأبو عمرو فيما روى عنه عبد الوارث بنصب الخوف عطفا على لباس وقرأ الباقون بالضم عطفا على الجوع قال الفراء كل الصفات أجريت على القرية إلا قوله ) يصنعون ( تنبيها على أن المراد فى الحقيقة أهلها
النحل : ( 113 ) ولقد جاءهم رسول . . . . .
) ولقد جاءهم ( يعنى أهل مكة ) رسول منهم ( من جنسهم يعرفونه ويعرفون نسبه فأمرهم بما فيه نفعهم ونهاهم عما فيه ضرهم ) فكذبوه ( فما جاء به ) فأخذهم العذاب ( النازل بهم من الله سبحانه والحال أنهم فى حال أخذ العذاب لهم ) ظالمون ( لأنفسهم بإيقاعها فى العذاب الأبدى ولغيرهم بالإضرار بهم وصدهم عن سبيل الله وهذا الكلام من تمام المثل المضروب وقيل إن المراد بالعذاب هنا هو الجوع الذى أصابهم وقيل القتل يوم بدر
النحل : ( 114 ) فكلوا مما رزقكم . . . . .
ثم لما وعظهم الله سبحانه بما ذكره من حال أهل القرية المذكورة أمرهم أن يأكلوا مما رزقهم الله من الغنائم ونحوها وجاء بالفاء للإشعار بأن ذلك متسبب عن ترك الكفر والمعنى أنكم لما آمنتم وتركتم الكفر فكلوا الحلال الطيب وهو الغنيمة واتركوا الخبائث وهو الميتة والدم ) واشكروا نعمة الله ( التى أنعم بها عليكم واعرفوا حقها ) إن كنتم إياه تعبدون ( ولا تعبدون غيره أو إن صح زعمكم أنكم تقصدون بعبادة الآلهة التى زعمتم عبادة الله تعالى وقيل إن الفاء فى فكلوا داخلة على الأمر بالشكر وإنما أدخلت على الأمر بالأكل لأن الأكل ذريعة إلى الشكر
النحل : ( 115 ) إنما حرم عليكم . . . . .
) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ( كرر سبحانه ذكر هذه المحرمات فى البقرة والمائدة والأنعام وفى هذه السورة قطعا للأعذار وإزالة للشبهة ثم ذكر الرخصة فى تناول شئ مما ذكر فقال ) فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم ( وقد تقدم الكلام على جميع ما هو مذكور هنا مستوفى
النحل : ( 116 ) ولا تقولوا لما . . . . .
ثم زيف طريقة الكفار فى الزيادة على هذه المحرمات كالبحيرة والسائبة وفى النقصان عنها كتحليل الميتة والدم فقال ) ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ( قال الكسائى والزجاج ما هنا مصدرية وانتصاب الكذب بلا تقولوا أى لا تقولوا الكذب لأجل وصف ألسنتكم ومعناه لا تحرموا ولا تحللوا لأجل


"""""" صفحة رقم 201 """"""
قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة ويجوز ان تكون ما موصولة والكذب منتصب بتصف أى لا تقولوا للذى تصف ألسنتكم الكذب فيه ) هذا حلال وهذا حرام ( فحذف لفظة فيه لكونه معلوما فيكون قوله هذا حلال وهذا حرام بدلا من الكذب ويجوز أن يكون فى الكلام حذف بتقدير القول أى ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم فتقول هذا حلال وهذا حرام أو قائلة هذا حلال وهذا حرام ويجوز أن ينتصب الكذب أيضا بتصف وتكون ما مصدرية أى لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب وقرئ الكذب بضم الكاف والذال والباء على أنه نعت للألسنة وقرأ الحسن بفتح الكاف وكسر الذال والباء نعتا لما وقيل على البدل من ما أى ولا تقولوا الكذب الذى تصفه ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام واللام فى ) لتفتروا على الله الكذب ( هى لام العاقبة لا لام العرض أى فيتعقب ذلك افتراؤكم على الله الكذب بالتحليل والتحريم وإسناد ذلك إليه من غير أن يكون منه ) إن الذين يفترون على الله الكذب ( أى افتراء كان ) لا يفلحون ( بنوع من أنواع الفلاح وهو الفوز بالمطلوب
النحل : ( 117 ) متاع قليل ولهم . . . . .
وارتفاع ) متاع قليل ( على أنه خبر مبتدأ محذوف قال الزجاج أى متاعهم متاع قليل أو هو مبتدأ خبره محذوف أى لهم متاع قليل ) ولهم عذاب أليم ( يردون إليه فى الآخرة
النحل : ( 118 ) وعلى الذين هادوا . . . . .
ثم خص محرمات اليهود بالذكر فقال ) وعلى الذين هادوا حرمنا ( اى حرمنا عليهم خاصة دون غيرهم ) ما قصصنا عليك ( بقولنا ) حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ( الآية و ) من قبل ( متعلق بقصصنا أو بحرمنا ) وما ظلمناهم ( بذلك التحريم بل جزيناهم ببغيهم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( حيث فعلوا أسباب ذلك فحرمنا عليهم تلك الأشياء عقوبة لهم
النحل : ( 119 ) ثم إن ربك . . . . .
ثم بين سبحانه أن الافتراء على الله سبحانه ومخالفة أمره لا يمنعهم من التوبة وحصول المغفرة فقال ) ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ( أى متلبسين بجهالة وقد تقدم تفسير هذه الآية فى سورة النساء ) ثم تابوا من بعد ذلك ( أى من بعد عملهم للسوء وفيه تأكيد فإن ثم قد دلت على البعدية فأكدها بزيادة ذكر البعدية ) وأصلحوا ( أعمالهم التى كان فيها فساد بالسوء الذى عملوه ثم كرر ذلك تأكيدا وتقريرا فقال ) إن ربك من بعدها ( أى من بعد التوبة ) لغفور رحيم ( كثير الغفران واسع الرحمة
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) وضرب الله مثلا قرية ( قال يعني مكة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية فى الآية مثله وزاد فقال ألا ترى أنه قال ) ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال القرية التى قال الله ) كانت آمنة مطمئنة ( هى يثرب قلت ولا أدري أى دليل دله على هذا التعيين ولا أى قرينة قامت له على ذلك ومتى كفرت دار الهجرة ومسكن الأنصار بأنعم الله وأى وقت أذاقها الله لباس الجوع والخوف وهى التى تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد كما صح ذلك عن الصادق المصدوق وصح عنه أيضا أنه قال والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ( الآية قال فى البحيرة والسائبة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال قرأت هذه الآية فى سورة النحل ) ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ( ) هذا حلال وهذا حرام ( إلى آخر الآية فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا قلت صدق رحمه الله فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فتيا من أفتى بخلاف ما فى كتاب الله أو فى سنة رسوله صلى الله عليه وآله سلم كما يقع كثيرا من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة وإنهم لحقيقون بأن يحال بينهم وبين فتاويهم ويمنعوا من جهالاتهم فإنهم أفتوا بغير علم من الله ولا هدى ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل كبهيمة عمياء قاد زمامها
أعمى على عوج الطريق الجائر


"""""" صفحة رقم 202 """"""
وأخرج االطبراني عن ابن مسعود قال عسى رجل أن يقول إن الله أمر بكذا أو نهى عن كذا فيقول الله عز وجل له كذبت أو يقول إن الله حرم كذا أو أحل كذا فيقول الله له كذبت وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن فى قوله ) وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك ( قال فى سورة الأنعام وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة مثله وقال حيث يقول ) وعلى الذين هادوا ( إلى قوله ) وإنا لصادقون )
سورة النحل الآية ( 120 128 )
النحل : ( 120 ) إن إبراهيم كان . . . . .
لما فرغ سبحانه من دفع شبه المشركين وإبطال مطاعنهم وكان إبراهيم عليه السلام من الموحدين وهو قدوة كثير من النبيين ذكره الله فى آخر هذه السورة فقال ) إن إبراهيم كان أمة ( قال ابن الأعرابي يقال للرجل العالم أمة والأمة الرجل الجامع للخير قال الواحدي قال أكثر أهل التفسير أى معلما للخير وعلى هذا فمعنى كون إبراهيم كان أمة أنه كان معلما للخير أو جامعا لخصال الخير أو عالما بما علمه الله من الشرائع وقيل أمة بمعنى مأموم أى يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير كما قال سبحانه ) إني جاعلك للناس إماما ( والقانت المطيع وقد تقدم بيان معاني القنوت فى البقرة والحنيف المائل عن الأديان الباطلة إلى دين الحق وقد تقدم بيانه فى الأنعام ) ولم يك من المشركين ( بالله كما تزعمه كفار قريش أنه كان على دينهم الباطل
النحل : ( 121 ) شاكرا لأنعمه اجتباه . . . . .
) شاكرا لأنعمه ( التى أنعم الله بها عليه وإن كانت قليلة كما يدل عليه جمع القلة فهو شاكر لما كثر منها بالأولى ) اجتباه ( أى اختاره للنبوة واختصه بها ) وهداه إلى صراط مستقيم ( وهو ملة الإسلام ودين الحق
النحل : ( 122 ) وآتيناه في الدنيا . . . . .
) وآتيناه في الدنيا حسنة ( أى خصلة حسنة أو حالة حسنة وقيل هى الولد الصالح وقيل الثناء الحسن وقيل النبوة وقيل الصلاة منا عليه فى التشهد وقيل هى أنه يتولاه جميع أهل الأديان ولا مانع أن يكون ما آتاه الله شاملا لذلك كله ولما عداه من خصال الخير ) وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( حسبما وقع منهم السؤال لربه حيث قال ) وألحقني بالصالحين واجعل لي لسان صدق في الآخرين واجعلني من ورثة جنة النعيم )
النحل : ( 123 ) ثم أوحينا إليك . . . . .
) ثم أوحينا إليك ( يا محمد مع علو درجتك وسمو منزلتك وكونك سيد


"""""" صفحة رقم 203 """"""
ولد آدم ) أن اتبع ملة إبراهيم ( وأصل الملة اسم لما شرعه الله لعباده على لسان نبي من أنبيائه قيل والمراد هنا اتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لملة إبراهيم فى التوحيد والدعوة إليه وقال ابن جرير فى التبري من الأوثان والتدين بدين الإسلام وقيل فى مناسك الحج وقيل فى الأصول دون الفروع وقيل فى جميع شريعته إلا ما نسخ منها وهذا هو الظاهر وقد أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالاقتداء بالأنبياء مع كونه سيدهم فقال تعالى ) فبهداهم اقتده ( وانتصاب ) حنيفا ( على الحال من إبراهيم وجاز مجئ الحال منه لأن الملة كالجزء منه وقد تقرر فى علم النحو أن الحال من المضاف إليه جائز إذا كان يقتضى المضاف العمل فى المضاف إليه أو كان جزءا منه أو كالجزء ) وما كان من المشركين ( وهو تكرير لما سبق للنكتة التى ذكرناها
النحل : ( 124 ) إنما جعل السبت . . . . .
) إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ( أى إنما جعل وبال السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه أو إنما جعل فرض تعظيم السبت وترك الصيد فيه على الذين اختلفوا فيه لا على غيرهم من الأمم
وقد اختلف العلماء فى كيفية الاختلاف الكائن بينهم فى السبت فقالت طائفة إن موسى أمرهم بيوم الجمعة وعينه لهم وأخبرهم بفضيلته على غيره فخالفوه وقالوا إن السبت أفضل فقال الله له دعهم وما اختاروا لأنفسهم وقيل إن الله سبحانه أمرهم بتعظيم يوم فى الأسبوع فاختلف اجتهادهم فيه فعينت اليهود السبت لأن الله سبحانه فرغ فيه من الخلق وعينت النصارى يوم الأحد لأن الله بدأ فيه الخلق فألزم الله كلا منهم ما أدى إليه اجتهاده وعين لهذه الأمة الجمعة من غير أن يكلهم إلى اجتهادهم فضلا منه ونعمة ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن اليهود كانوا يزعمون أن السبت من شرائع إبراهيم فأخبر الله سبحانه أنه إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ولم يجعله على إبراهيم ولا على غيره ) وإن ربك ليحكم بينهم ( أى بين المختلفين فيه ) يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( فيجازى كلا فيه بما يستحقه ثوابا وعقابا كما وقع منه سبحانه من المسخ لطائفة منهم والتنجية لأخرى
النحل : ( 125 ) ادع إلى سبيل . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يدعو أمته إلى الإسلام فقال ) ادع إلى سبيل ربك ( وحذف المفعول للتعميم لكونه بعث إلى الناس كافة وسبيل الله هو الإسلام ) الحكمة ( أى بالمقالة المحكمة الصحيحة قيل وهى الحجج القطعية المفيدة لليقين ) والموعظة الحسنة ( وهى المقالة المشتملة على الموعظة الحسنة التى يستحسنها السامع وتكون فى نفسها حسنة باعتبار انتفاع السامع بها قيل وهى الحجج الظنية الاقناعية الموجبة للتصديق بمقدمات مقبولة قيل وليس للدعوة إلا هاتان الطريقتان ولكن الداعي قد يحتاج مع الخصم الألد إلى استعمال المعارضة والمناقضة ونحو ذلك من الجدل ولهذا قال سبحانه ) وجادلهم بالتي هي أحسن ( أى بالطريق التى هى أحسن طرق المجادلة وإنما أمر سبحانه بالمجادلة الحسنة لكون الداعي محقا وغرضه صحيحا وكان خصمه مبطلا وغرضه فاسدا ) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ( لما حث سبحانه على الدعوة بالطرق المذكورة بين أن الرشد والهداية ليس إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما ذلك إليه تعالى فقال ) إن ربك هو أعلم ( أى هو العالم بمن يضل ومن يهتدى ) وهو أعلم بالمهتدين ( أى بمن يبصر الحق فيقصده غير متعنت وإنما شرع لك الدعوة وأمرك بها قطعا للمعذرة وتتميما للحجة وإزاحة للشبهة وليس عليك غير ذلك
النحل : ( 126 ) وإن عاقبتم فعاقبوا . . . . .
ثم لما كانت الدعوة تتضمن تكليف المدعوين بالرجوع إلى الحق فإن أبوا قوتلوا أمر الداعي بأن يعدل فى العقوبة فقال ) وإن عاقبتم ( أى أردتم المعاقبة ) فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( أى بمثل ما فعل بكم لا تجاوزوا ذلك قال ابن جرير أنزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة أن لا ينال من ظالمه إذا تمكن إلا مثل ظلامته لا يتعداها إلى غيرها وهذا صواب لأن الآية وإن قيل إن لها سببا خاصا كما سيأتي فالاعتبار بعموم اللفظ وعمومه يؤدي هذا المعنى الذي ذكره وسمى سبحانه الفعل الأول الذى هو فعل البادئ


"""""" صفحة رقم 204 """"""
بالشر عقوبة مع أن العقوبة ليست إلا فعل الثاني وهو المجازي للمشاكلة وهى باب معروف وقع فى كثير من الكتاب العزيز ثم حث سبحانه على العفو فقال ) ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ( أى لئن صبرتم عن المعاقبة بالمثل فالصبر خير لكم من الانتصاف ووضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون على الشدائد وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية محكمة لأنها واردة فى الصبر عن المعاقبة والثناء على الصابرين على العموم وقيل هى منسوخة بآيات القتال ولا وجه لذلك
النحل : ( 127 ) واصبر وما صبرك . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله بالصبر فقال ) واصبر ( على ما أصابك من صنوف الأذى ) وما صبرك إلا بالله ( أى بتوفيقه وتثبيته والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء أى وما صبرك مصحوبا بشيء من الأشياء إلا بتوفيقه لك وفيه تسلية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم نهاه عن الحزن فقال ) ولا تحزن عليهم ( أى على الكافرين فى إعراضهم عنك أو لا تحزن على قتلى أحد فإنهم قد أفضوا إلى رحمة الله ) ولا تك في ضيق مما يمكرون ( قرأ الجمهور بفتح الضاد وقرأ ابن كثير بكسرها قال ابن السكيت هما سواء يعني المفتوح والمكسور وقال الفراء الضيق بالفتح ما ضاق عنه صدرك والضيق بالكسر ما يكون فى الذى يتسع مثل الدار والثوب وكذا قال الأخفش وهو من الكلام المقلوب لأن الضيق وصف للإنسان يكون فيه ولا يكون الإنسان فيه وكأنه أراد وصف الضيق بالعظم حتى صار كالشيء المحيط بالإنسان من جميع جوانبه ومعنى مما يمكرون من مكرهم لك فيما يستقبل من الزمان
النحل : ( 128 ) إن الله مع . . . . .
ثم ختم هذه السورة بآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات فقال ) إن الله مع الذين اتقوا ( أى اتقوا المعاصي على اختلاف أنواعها ) والذين هم محسنون ( بتأدية الطاعات والقيام بما أمروا بها منها وقيل المعنى إن الله مع الذين اتقوا الزيادة فى العقوبة والذين هم محسنون فى أصل الانتقام فيكون الأول إشارة إلى قوله ) فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ( والثاني إشارة إلى قوله ) ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ( وقيل ) الذين اتقوا ( إشارة إلى التعظيم لأمر الله ) والذين هم محسنون ( إشارة إلى الشفقة على عباد الله تعالى
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود أنه سئل عن الأمة ما هى فقال الذى يعلم الناس الخير قالوا فما القانت قال الذى يطيع الله ورسوله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ( قال كان على الإسلام ولم يكن فى زمانه من قومه أحد على الإسلام غيره فلذلك قال الله ) كان أمة قانتا لله ( وأخرج ابن المنذر عنه فى قوله ) كان أمة ( قال إماما فى الخير ) قانتا ( قال مطيعا وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما من عبد تشهد له أمة إلا قبل الله شهادتهم والأمة الرجل فما فوقه إن الله يقول ) إن إبراهيم كان أمة ( والأمة الرجل فما فوقه وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن ابن عمر وقال صلى جبريل بإبراهيم الظهر والعصر بعرفات ثم وقف حتى إذا غابت الشمس دفع به ثم صلى المغرب والعشاء بجمع ثم صلى الفجر به كأسرع ما يصلي أحدكم من المسلمين ثم وقف به حتى إذا كان كأبطإ ما يصلي أحد من المسلمين دفع به ثم رمى الجمرة ثم ذبح ثم حلق ثم أفاض به إلى البيت فطاف به فقال الله لنبيه ) ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ( قال أراد الجمعة فأخذوا السبت مكانها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير فى الآية قال باستحلالهم إياه رأى موسى رجلا يحمل حطبا يوم السبت فضرب عنقه وفى الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا


"""""" صفحة رقم 205 """"""
الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذى فرض عليهم يعني الجمعة فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس فيه لنا تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد وأخرج مسلم وغيره من حديث حذيفة نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) وجادلهم بالتي هي أحسن ( قال اعرض عن أذاهم إياك وأخرج الترمذي وحسنه وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة فى الفوائد وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل والضياء فى المختارة عن أبي بن كعب قال لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله تعالى ) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نصبر ولا نعاقب كفوا عن القوم إلا أربعة وأخرج ابن سعد والبزار وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم فى المعرفة وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن أبي هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقف على حمزة حيث استشهد فنظر إلى منظر لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه ونظر إليه قد مثل به فقال رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمت وصولا للرحم فعولا للخير ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من أرواح شتى أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك فنزل جبريل والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) واقف بخواتيم سورة النحل ) وإن عاقبتم ( الآية فكفر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن يمينه وأمسك عن الذى أراد وصبر وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وإن عاقبتم ( الآية قال هذا حين أمر الله نبيه أن يقاتل من قاتله ثم نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم فهذا منسوخ وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن فى قوله ) إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ( قال اتقوا فيما حرم عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم
ع1
تفسير
سورة الإسراء
آياتها مائة وإحدى عشرة آية وهى مكية إلا ثلاث آيات
حول السورة
قوله عز وجل ) وإن كادوا ليستفزونك ( نزلت حين جاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفد ثقيف وحين قالت اليهود ليست هذه بأرض الأنبياء وقوله ) وقل رب أدخلني مدخل صدق ( وقوله ) إن ربك أحاط بالناس ( وزاد مقاتل قوله ) إن الذين أوتوا العلم من قبله ( وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة بني إسرائيل بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج البخاري وابن الضريس وابن مردويه عن ابن مسعود قال فى بني إسرائيل والكهف ومريم إنهم من العتاق الأول وهم من تلادي وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وابن مردويه عن عائشة قالت كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمرو الشيباني قال صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ السورتين الآخرة منهما بنو إسرائيل


"""""" صفحة رقم 206 """"""
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الإسراء الآية ( 1 3 )
الإسراء : ( 1 ) سبحان الذي أسرى . . . . .
قوله ) سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ( هو مصدر سبح يقال سبح يسبح تسبيحا وسبحانا مثل كفر اليمين تكفيرا وكفرانا ومعناه التنزيه والبراءة لله من كل نقص وقال سيبويه العامل فيه فعل لا من لفظه والتقدير أنزه الله تنزيها فوقع سبحان مكان تنزيها فهو على هذا مثل قعد القرفصاء واشتمل الصماء وقيل هو علم للتسبيح كعثمان للرجل وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحان ثم نزل منزلة الفعل وسد مسده وقد قدمنا فى قوله ) سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ( طرفا من الكلام المتعلق بسبحان والإسراء قيل هو سير الليل يقال سرى وأسرى كسقى وأسقى لغتان وقد جمع بينهما الشاعر فى قوله حي النضير وربة الخدر
أسرت إلي ولم تكن تسرى
وقيل هو سير أول الليل خاصة وإذا كان الإسراء لا يكون إلا فى الليل فلا بد للتصريح بذكر الليل بعده من فائدة فقيل أراد بقوله ليلا تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به فى بعض الليل من مكة إلى الشام مسافة أربعين ليلة ووجه دلالة ليلا على تقليل المدة ما فيه من التنكير الدال على البعضية بخلاف ما إذا قلت سريت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعا وقد استدل صاحب الكشاف على إفادة ليلا للبعضية بقراءة عبد الله وحذيفة من الليل وقال الزجاج معنى أسرى بعبده ليلا سير عبده يعني محمدا ليلا وعلى هذا فيكون معنى أسرى معنى سير فيكون للتقييد بالليل فائدة وقال بعبده ولم يقل بنبيه أو رسوله أو بمحمد تشريفا له ( صلى الله عليه وسلم ) قال أهل العلم لو كان غير هذا الاسم أشرف منه لسماه الله سبحانه به فى هذا المقام العظيم والحالة العلية لا تدعني إلا بياعبدها
فإنه أشرف أسمائي
ادعاء بأسماء نبزا فى قبائلها
كأن أسماء أضحت بعض أسمائي
) من المسجد الحرام ( قال الحسن وقتادة يعني المسجد نفسه وهو ظاهر القرآن وقال عامة المفسرين أسرى برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من دار أم هانئ فحملوا المسجد الحرام على مكة أو الحرام لإحاطة كل واحد منهما بالمسجد الحرام أو لأن الحرم كله مسجد ثم ذكر سبحانه الغاية التى أسرى برسوله ( صلى الله عليه وسلم ) إليها فقال ) إلى المسجد الأقصى ( وهو بيت المقدس وسمى الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ولم يكن حينئذ وراءه مسجد ثم وصف المسجد الأقصى بقوله ) الذي باركنا حوله ( بالثمار والأنهار والأنبياء والصالحين فقد بارك الله سبحانه حول المسجد الأقصى ببركات الدنيا والآخرة وفى باركنا بعد قوله أسرى التفات من الغيبة إلى التكلم ثم ذكر العلة التى أسرى به لأجلها فقال ) لنريه من آياتنا ( أى ما أراه الله


"""""" صفحة رقم 207 """"""
سبحانه فى تلك الليلة من العجائب التى من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة فى جزء من الليل ) أنه ( سبحانه ) هو السميع ( بكل مسموع ومن جملة ذلك قول رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) البصير ( بكل مبصر ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله
وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده ( صلى الله عليه وسلم ) مع روحه أو بروحه فقط فذهب معظم السلف والخلف إلى الأول وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم عائشة ومعاوية والحسن وابن إسحاق وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح واستدلوا على هذا التفصيل بقوله إلى المسجد الأقصى فجعله غاية للإسراء بذاته ( صلى الله عليه وسلم ) فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره والذى دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس ثم إلى السموات ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم القرآني وما يمائله من ألفاظ الأحاديث إلى ما يخالف الحقيقة ولا مقتضى لذلك إلا مجرد الاستبعاد وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شيء ولو كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط وأن رؤيا الأنبياء حق لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عند إخباره لهم بذلك حتى ارتد من ارتد ممن لم يشرح بالإيمان صدرا فإن الإنسان قد يرى فى نومه ما هو مستبعد بل ما هو محال ولا ينكر ذلك أحد وأما التمسك لمن قال بأن هذا الإسراء إنما كان بالروح على سبيل الرؤيا بقوله ) وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ( فعلى تسليم أن المراد بهذه الرؤيا هو هذا الإسراء فالتصريح الواقع هنا بقوله ) سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ( والتصريح فى الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأنه أسرى به لا تقصر عن الاستدلال بها على تأويل هذه الرؤيا الواقعة فى الآية برؤية العين فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا وكيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريح الأحاديث الصحيحة بأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ركب البراق وكيف يصح وصف الروح بالركوب وهكذا كيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريحه ( صلى الله عليه وسلم ) بأنه كان عند أن أسرى به بين النائم واليقظان
وقد اختلف أيضا فى تاريخ الإسراء فروى أن ذلك كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة وروى أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام ووجه ذلك أن خديجة صلت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد ماتت قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بثلاث وقيل بأربع ولم تفرض الصلاة إلا ليلة الاسراء وقد استدل بهذا ابن عبد البر على ذلك وقد اختلفت الرواية عن الزهري وممن قال بأن الاسراء كان قبل الهجرة بسنة الزهري فى رواية عنه وكذلك الحربي فإنه قال أسرى بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة وقال ابن القاسم فى تاريخه كان الإسراء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا من أهل السير قال بمثل هذا وروى عن الزهري أنه أسرى به قبل مبعثه بسبعة أعوام وروى عنه أنه قال كان قبل مبعثه بخمس سنين وروى يونس عن عروة عن عائشة أنها قالت توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة
الإسراء : ( 2 ) وآتينا موسى الكتاب . . . . .
) وآتينا موسى الكتاب ( أى التوراة قيل والمعنى كرمنا محمدا بالمعراج وأكرمنا موسى بالكتاب ) وجعلناه ( أى ذلك الكتاب وقيل موسى ) هدى لبني إسرائيل ( يهتدون به ? أن لا تتخذوا ? قرأ أبو عمرو بالياء التحتية وقرأ الباقون بالفوقية أى لئلا يتخذوا والمعنى آتيناه الكتاب لهداية بنى إسرائيل لئلا يتخذوا ) من دوني وكيلا ( قال الفراء أى كفيلا بأمورهم وروى عنه أنه قال كافيا وقيل معناه أى متوكلون عليه فى أمورهم وقيل


"""""" صفحة رقم 208 """"""
شريكا ومعنى الوكيل فى اللغة من توكل إليه الأمور
الإسراء : ( 3 ) ذرية من حملنا . . . . .
) ذرية من حملنا مع نوح ( نصب على الاختصاص أو النداء ذكرهم سبحانه إنعامه عليهم فى ضمن إنجاء آبائهم من الغرق ويجوز أن يكون المفعول الأول لقوله أن لا تتخذوا أى لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلا كقوله ) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ( وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من فاعل تتخذوا وقرأ مجاهد بفتح الذال وقرأ زيد بن ثابت بكسرها والمراد بالذرية هنا جميع من فى الأرض لأنهم من ذرية من كان فى السفينة وقيل موسى وقومه من بني إسرائيل وهذا هو المناسب لقراءة النصب على النداء والنصب على الاختصاص والرفع على البدل وعلى الخبر فإنها كلها راجعة إلى بني إسرائيل المذكورين وأما على جعل النصب على أن ذرية هى المفعول الأول لقوله لا تتخذوا فالأولى تفسير الذرية بجميع من فى الأرض من بني آدم ) إنه كان عبدا شكورا ( أى نوحا وصفه الله بكثرة الشكر وجعله كالعلة لما قبله إيذانا بكون الشكر من أعظم أسباب الخير ومن أفضل الطاعات حثا لذريته على شكر الله سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أسرى بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة وأخرج البيهقي فى الدلائل عن ابن شهاب قال أسرى برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة وأخرج البيهقي عن عروة مثله وأخرج البيهقي أيضا عن السدي قال أسرى برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل مهاجره بستة عشر شهرا وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) الذي باركنا حوله ( قال أنبتنا حوله الشجر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ( قال جعله الله هدى يخرجهم من الظلمات إلى النور وجعله رحمة لهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) ألا تتخذوا من دوني وكيلا ( قال شريكا وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى قوله ) ذرية من حملنا مع نوح ( قال هو على النداء يا ذرية من حملنا مع نوح وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذرية من حملنا مع نوح ما كان مع نوح إلا أربعة أولاد حام وسام ويافث وكوش فذلك أربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين كابن كثير والسيوطي وغيرهما فى هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة فى الإسراء على اختلاف ألفاظها وليس فى ذلك كثير فائدة فهي معروفة فى موضعها من كتب الحديث وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى وهو مبحث آخر والمقصود فى كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز وذكر أسباب النزول وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة
سورة الإسراء الآية ( 4 6 )


"""""" صفحة رقم 209 """"""
سورة الإسراء الآية ( 7 11 )
الإسراء : ( 4 ) وقضينا إلى بني . . . . .
قوله ) وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ( أى أعلمنا وأخبرنا أو حكمنا وأتممنا وأصل القضاء الإحكام للشيء والفراغ منه وقيل أوحينا ويدل عليه قوله إلى بني إسرائيل ولو كان بمعنى الإعلام والإخبار لقال قضينا بني إسرائيل ولو كان بمعنى حكمنا لقال على بني إسرائيل ولو كان بمعنى أتممنا لقال لبني إسرائيل والمراد بالكتاب التوراة ويكون إنزالها على نبيهم موسى كانزالها عليهم لكونهم قومه وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ وقرأ أبو العالية وسعيد بن جبير فى الكتب وقرأ عيسى الثقفي ) لتفسدن في الأرض ( بفتح المثناة ومعنى هذه القراءة قريب من معنى قراءة الجمهور لأنهم إذا أفسدوا فسدوا فى نفوسهم والمراد بالفساد مخالفة ما شرعه الله لهم فى التوراة والمراد بالأرض أرض الشام وبيت المقدس وقيل أرض مصر واللام فى ) لتفسدن ( جواب قسم محذوف قال النيسابوري أو أجرى القضاء المبتوت مجرى القسم كأنه قيل وأقسمنا لتفسدن وانتصاب ) مرتين ( على أنه صفة مصدر محذوف أو على أنه فى نفسه مصدر عمل فيه ما هو من غير جنسه والمرة الأولى قتل شعياء أو حبس أرمياء أو مخالفة أحكام التوراة والثانية قتل يحيى بن زكريا والعزم على قتل عيسى ) ولتعلن علوا كبيرا ( هذه اللام كاللام التى قبلها أى لتستكبرن عن طاعة الله ولتستعلن على الناس بالظلم والبغي مجاوزين للحد فى ذلك
الإسراء : ( 5 ) فإذا جاء وعد . . . . .
) فإذا جاء وعد أولاهما ( أى أولى المرتين المذكورتين ) بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ( أى قوة فى الحروب وبطش عند اللقاء قيل هو بختنصر وجنوده وقيل جالوت وقيل جند من فارس وقيل جند من بابل ) فجاسوا خلال الديار ( أى عاثوا وترددوا يقال جاسوا وهاسوا وداسوا بمعنى ذكره ابن غرير والقتيبي قال الزجاج معناه طافوا خلال الديار هل بقى أحد لم يقتلوه قال والجوس طلب الشيء باستقصاء قال الجوهري الجوس مصدر قولك جاسوا خلال الديار أى تخللوها كما يجوس الرجل للأخبار أى يطلبها وكذا قال أبو عبيدة وقال ابن جرير معنى جاسوا طافوا بين الديار يطلبونهم ويقتلونهم ذاهبين وجائين وقال الفراء معناه قتلوهم بين بيوتهم وأنشد لحسان ومنا الذى لاقى بسيف محمد
فجاس به الأعداء عرض العساكر
وقال قطرب معناه نزلوا وأنشد قول الشاعر فجسنا ديارهم عنوة
وأبنا بساداتهم موثقينا
وقرأ ابن عباس ? فحاسوا ? بالحاء المهملة قال أبو زيد الحوس والجوس والعوس والهوس الطوف بالليل وقيل الطوف بالليل هو الجوسان محركا كذا قال أبو عبيدة وقرئ ? خلل الديار ? ومعناه معنى خلال وهو وسط


"""""" صفحة رقم 210 """"""
الديار ) وكان ( ذلك ) وعدا مفعولا ( أى كائنا لا محالة
الإسراء : ( 6 ) ثم رددنا لكم . . . . .
) ثم رددنا لكم الكرة عليهم ( أى الدولة والغلبة والرجعة وذلك عند توبتهم قيل وذلك حين قتل داود جالوت وقيل حين قتل بختنصر ) وأمددناكم بأموال وبنين ( بعد نهب أموالكم وسبى أبنائكم حتى عاد أمركم كما كان ) وجعلناكم أكثر نفيرا ( قال أبو عبيدة النفير العدد من الرجال فالمعنى أكثر رجالا من عدوكم والنفير من ينفر مع الرجل من عشيرته يقال نفير ونافر مثل قدير وقدر ويجوز أن يكون النفير جمع نفر
الإسراء : ( 7 ) إن أحسنتم أحسنتم . . . . .
) إن أحسنتم ( أى أفعالكم وأقوالكم على الوجه المطلوب منكم ) أحسنتم لأنفسكم ( لأن ثواب ذلك عائد إليكم ) وإن أسأتم ( أفعالكم وأقوالكم فأوقعتموها لا على الوجه المطلوب منكم ) فلها ( أى فعليها ومثله قول الشاعر فخر صريعا لليدين وللفم
أي على اليدين وعلى الفم قال ابن جرير اللام بمعنى إلى أى فإليها ترجع الإساءة كقوله تعالى ) بأن ربك أوحى لها ( أى إليها وقيل المعنى فلها الجزاء أو العقاب وقال الحسين بن الفضل فلها رب يغفر الإساءة وهذا الخطاب قيل هو لبني إسرائيل الملابثين لما ذكر فى هذه الآيات وقيل لبني إسرائيل الكائنين فى زمن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ومعناه إعلامهم ما حل بسلفهم فليرتقبوا مثل ذلك وقيل هو خطاب لمشركي قريش ) فإذا جاء وعد الآخرة ( أى حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الآخرة والمرة الآخرة هى قتلهم يحيى ابن زكريا كما سبق وقصة قتله مستوافاة فى الإنجيل واسمه فيه يوحنا قتله ملك من ملوكهم بسبب امرأة حملته على قتله واسم الملك لاخت قاله ابن قتيبة وقال ابن جرير هيردوس وجواب إذا محذوف تقديره بعثناهم لدلالة جواب إذا الأولى عليه ) ليسوؤوا وجوهكم ( متعلق بهذا الجواب المحذوف أى ليفعلوا بكم ما يسوء وجوهكم حتى تظهر عليكم آثار المساءة وتتبين فى وجوهكم الكآبة وقيل المراد بالوجوه السادة منهم وقرأ الكسائى لنسوء بالنون على أن الضمير لله سبحانه وقرأ أبى لنسوءن بنون التأكيد وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة وابن عامر ليسوء بالتحتية والإفراد قال الزجاج كل شئ كسرته وفتته فقد تبرته والضمير لله أو الوعد ) وليدخلوا المسجد ( معطوف على ليسوءوا ) كما دخلوه أول مرة وليتبروا ( أى يدمروا ويهلكوا وقال قطرب يهدموا ومنه قول الشاعر
فما الناس إلا عاملان فعامل يتبر ما يبنى وآخر رافع
وقرأ الباقون بالتحتية وضم الهمزة وإثبات واو بعدها على أن الفاعل عباد لنا ) ما علوا ( أى ما غلبوا عليه من بلادكم أو مدة علوهم ) تتبيرا ( أى تدميرا ذكر المصدر إزالة للشك وتحقيقا للخبر
الإسراء : ( 8 ) عسى ربكم أن . . . . .
) عسى ربكم أن يرحمكم ( يا بنى إسرائيل بعد انتقامه منكم فى المرة الثانية ) وإن عدتم ( للثالثة ) عدنا ( إلى عقوبتكم قال أهل السير ثم إنهم عادوا إلى ما لا ينبغى وهو تكذيب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكتمان ما ورد من بعثه فى التوراة والإنجيل فعاد الله إلى عقوبتهم على أيدى العرب فجرى على بنى قريظة والنضير وبنى قينقاع وخيبر ما جرى من القتل والسبى والإجلاء وضرب الجزية على من بقى منهم وضرب الذلة والمسكنة ) وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ( وهو المحبس فهو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول والمعنى أنهم محبوسون فى جهنم لا يتخلصون عنها أبدا قال الجوهرى حصره يحصره حصرا ضيق عليه وأحاط به وقيل فراشا ومهادا وأراد على هذا بالحصير الحصير الذى يفرشه الناس
الإسراء : ( 9 ) إن هذا القرآن . . . . .
) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( يعنى القرآن يهدى الناس الطريقة التى هى أقوم من غيرها من الطرق وهي ملة الإسلام فالتى هى أقوم صفة لموصوف محذوف وهى الطريق وقال الزجاج للحال التى هى أقوم الحالات وهى توحيد الله والإيمان برسله وكذا قال الفراء ) ويبشر المؤمنين ( قرأ حمزة والكسائى يبشر بفتح


"""""" صفحة رقم 211 """"""
الياء وضم الشين وقرأ الباقون بضم الياء وكسر الشين من التبشير أى يبشر بما اشتمل عليه من الوعد بالخير آجلا وعاجلا للمؤمنين ) الذين يعملون الصالحات ( التى أرشد إلى عملها القرآن ) أن لهم أجرا كبيرا ( أى بأن لهم
الإسراء : ( 10 ) وأن الذين لا . . . . .
) وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة ( وأحكامها المبينة فى القرآن ) أعتدنا لهم عذابا أليما ( وهو عذاب النار وهذه الجملة معطوفة على جملة يبشر بتقدير يخبر أى ويخبر بأن الذين لا يؤمنون بالآخرة وقيل معطوفة على قوله ) أن لهم أجرا كبيرا ( ويراد بالتبشير مطلق الإخبار أو يكون المراد منه معناه الحقيقى ويكون الكلام مشتملا على تبشير المؤمنين ببشارتين الأولى ما لهم من الثواب والثانية ما لأعدائهم من العقاب
الإسراء : ( 11 ) ويدع الإنسان بالشر . . . . .
) ويدع الإنسان بالشر ( المراد بالإنسان هنا الجنس لوقوع هذا الدعاء من بعض أفراده وهو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له ) دعاءه بالخير ( أى مثل دعائه لربه بالخير لنفسه ولأهله كطلب العافية والرزق ونحوهما فلو استجاب الله دعاءه على نفسه بالشر هلك لكنه لم يستجب تفضلا منه ورحمة ومثل ذلك ) ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ( وقد تقدم وقيل المراد بالإنسان هنا القائل هذه المقالة هو الكافر يدعو لنفسه بالشر وهو استعجال العذاب دعاه بالخير كقول القائل اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وقيل هو أن يدعو فى طلب المحظور كدعائه فى طلب المباح وحذفت الواو من ويدع الإنسان فى رسم المصحف لعدم التلفظ بها لوقوع اللام الساكنة بعدها كقوله ) سندع الزبانية ( ويمح الله الباطل وسوف يؤت الله المؤمنين ونحو ذلك ) وكان الإنسان عجولا ( أى مطبوعا على العجلة ومن عجلته أنه يسأل الشر كما يسأل الخير وقيل إشارته إلى آدم عليه السلام حين نهض قبل أن تكمل فيه الروح والمناسب للسياق هو الأول
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وقضينا إلى بني إسرائيل ( قال أعلمناهم وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال أخبرناهم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه أيضا قضينا إلى بنى إسرائيل قضينا عليهم وأخرج ابن عساكر فى تاريخه عن على فى قوله ) لتفسدن في الأرض مرتين ( قال الأولى قتل زكريا والآخرة قتل يحيى وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود فى الآية قال كان أول الفساد قتل زكريا فبعث الله عليهم ملك النبط ثم إن بنى إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط فأصابوا منهم فذلك قوله ) ثم رددنا لكم الكرة عليهم ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال بعث الله عليهم فى الأولى جالوت وبعث عليهم فى المرة الأخرى بختنصر فعادوا فسلط الله عليهم المؤمنين وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه ) فجاسوا ( قال فمشوا وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال ) تتبيرا ( تدميرا وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك فى قوله ) عسى ربكم أن يرحمكم ( قال كانت الرحمة التى وعدهم بعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وإن عدتم عدنا ( قال فعادوا فبعث الله سبحانه عليهم محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون واعلم أنها قد اختلفت الروايات فى تعيين الواقع منهم فى المرتين وفى تعيين من سلطه الله عليهم وفى كيفية الإنتقام منهم ولا يتعلق بذلك كثير فائدة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ( قال سجنا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه قال معنى حصيرا جعل الله مأواهم فيها وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الحسن فى قوله ) حصيرا ( قال فراشا ومهادا وأخرج ابن جرير عن ابن زيد فى قوله ) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( قال للتى هى أصوب وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه كان يتلو كثيرا


"""""" صفحة رقم 212 """"""
) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر ( بالتخفيف وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ( يعنى قول الإنسان اللهم العنه واغضب عليه وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) وكان الإنسان عجولا ( قال ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن عساكر عن سلمان الفارسى قال أول ما خلق الله من آدم رأسه فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه فلما كان بعد العصر قال يا رب أعجل قبل الليل فذلك قوله ) وكان الإنسان عجولا )
سورة الإسراء الآية ( 12 17 )
الإسراء : ( 12 ) وجعلنا الليل والنهار . . . . .
لما ذكر سبحانه دلائل النبوة والتوحيد أكدها بدليل آخر من عجائب صنعه وبدائع خلقه فقال ) وجعلنا الليل والنهار آيتين ( وذلك لما فيهما من الإظلام والإنارة مع تعاقبهما وسائر ما اشتملا عليه من العجائب التى تحار فى وصفها الأفهام ومعنى كونهما آيتين أنهما يدلان على وجود الصانع وقدرته وقدم الليل على النهار لكونه الأصل ) فمحونا آية الليل ( أى طمسنا نورها وقد كان القمر كالشمس فى الإنارة والضوء قيل ومن آثار المحو السواد الذى يرى فى القمر وقيل المراد بمحوها أنه سبحانه خلقها ممحوة الضوء مطموسة وليس المراد أنه محاها بعد أن لم تكن كذلك ) وجعلنا آية النهار مبصرة ( أى جعل سبحانه شمسه مضيئة تبصر فيها الأشياء قال أبو عمرو ابن العلاء والكسائى هو من قول العرب أبصر النهار إذا صار بحالة يبصر بها وقيل مبصرة للناس من قوله أبصره فبصر فالأول وصف لها بحال أهلها والثانى وصف لها بحال نفسها وإضافة آية إلى الليل والنهار بيانية أى فمحونا الآية التى هى الليل والآية التى هى النهار كقولهم نفس الشئ وذاته ) لتبتغوا فضلا من ربكم ( أى لتتوصلوا ببياض النهار إلى التصرف فى وجوه المعاش واللام متعلق بقوله وجعلنا آية النهار مبصرة أى جعلناها لتبتغوا فضلا من ربكم أى رزقا إذ غالب تحصيل الأرزاق وقضاء الحوائج يكون بالنهار ولم يذكر هنا السكون فى الليل اكتفاء بما قاله فى موضع آخر ) هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ( ثم ذكر مصلحة أخرى فى ذلك الجعل فقال ) ولتعلموا عدد السنين والحساب ( وهذا متعلق بالفعلين جميعا أعنى محونا آية الليل وجعلنا


"""""" صفحة رقم 213 """"""
آية النهار مبصرة لا بأحدهما فقط كالأول إذ لا يكون علم عدد السنين والحساب إلا باختلاف الجديدين ومعرفة الأيام والشهور والسنين والفرق بين العدد والحساب أن العدد إحصاء ماله كمية بتكرير أمثاله من حيث يتحصل بطائفة معينة منها حد معين منه له اسم خاص فالسنة مثلا إن وقع النظر إليها من حيث عدد أيامها فذلك هو العدد وإن وقع النظر إليها من حيث تحققها وتحصلها من عدة أشهر قد يحصل كل شهر من عدة أيام قد يحصل كل يوم من عدة ساعات قد تحصلت كل ساعة من عدة دقائق فذلك هو الحساب ) وكل شيء فصلناه تفصيلا ( أى كل ما تفتقرون إليه فى أمر دينكم ودنياكم بيناه تبيينا واضحا لا يلتبس وعند ذلك تنزاح العلل وتزول الأعذار ) ليهلك من هلك عن بينة )
الإسراء : ( 13 ) وكل إنسان ألزمناه . . . . .
ولهذا قال ) وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ( قال أبو عبيدة الطائر عند العرب الحظ ويقال له البخت فالطائر ما وقع للشخص فى الأزل بما هو نصيبه من العقل والعمل والعمر والرزق والسعادة والشقاوة كأن طائرا يطير إليه من وكر الأزل وظلمات عالم الغيب طيرانا لا نهاية له ولا غاية إلى أن انتهى إلى ذلك الشخص فى وقته المقدر من غير خلاص ولا مناص وقال الأزهري الأصل فى هذا أن الله سبحانه لما خلق آدم علم المطيع من ذريته والعاصي فكتب ما علمه منهم أجمعين وقضى سعادة من علمه مطيعا وشقاوة من علمه عاصيا فطار لكل منهم ما هو صائر إليه عند خلقه وإنشائه وذلك قوله ) وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ( أى ما طار له فى علم الله وفى عنقه عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس قال الزجاج ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة العنق ) ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( قرأ ابن عباس والحسن ومجاهد وابن محيصن وأبو جعفر ويعقوب ويخرج بالمثناة التحتية المفتوحة وبالراء المضمومة على معنى ويخرج له الطائر وكتابا منصوب على الحال ويجوز أن يكون المعنى يخرج لها الطائر فيصير كتابا وقرأ يحيى بن وثاب يخرج بضم الياء وكسر الراء أى يخرج الله وقرأ شيبة ومحمد بن السميفع وروى أيضا عن أبي جعفر يخرج بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول أى ويخرج له الطائر كتابا وقرأ الباقون ) ونخرج ( بالنون على أن المخرج هو الله سبحانه وكتابا مفعول به واحتج أبو عمرو لهذه القراءة بقوله تعالى ألزمناه وقرأ أبو جعفر والحسن وابن عامر يلقاه بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف وإنما قال سبحانه ) يلقاه منشورا ( تعجيلا للبشرى بالحسنة وللتوبيخ على السيئة
الإسراء : ( 14 ) اقرأ كتابك كفى . . . . .
) اقرأ كتابك ( أى نقول له اقرأ كتابك أو قائلين له قيل يقرأ ذلك الكتاب من كان قارئا ومن لم يكن قارئا ) كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( الباء فى بنفسك زائدة و حسيبا تمييز أى حاسبا قال سيبويه ضريب القداح بمعنى ضاربها وصريم بمعنى صارم ويجوز أن يكون الحسيب بمعنى الكافي ثم وضع موضع الشهيد فعدي بعلي والنفس بمعنى الشخص ويجوز أن يكون الحسيب بمعنى المحاسب كالشريك والجليس
الإسراء : ( 15 ) من اهتدى فإنما . . . . .
) من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ( بين سبحانه أن ثواب العمل الصالح وعقاب ضده يختصان بفاعلهما لا يتعدان منه إلى غيره فمن اهتدى بفعل ما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه فإنما تعود منفعة ذلك إلى نفسه ) ومن ضل ( عن طريق الحق فلم يفعل ما أمر به ولم يترك ما نهى عنه ) فإنما يضل عليها ( أى فإن وبال ضلاله واقع على نفسه لا يجاوزها فكل أحد محاسب عن نفسه مجزي بطاعته معاقب بمعصيته ثم أكد هذا الكلام بأبلغ تأكيد فقال ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( والوزر الإثم يقال وزر يزر وزرا ووزرة أى إثما والجمع أوزار والوزر الثقل ومنه ) يحملون أوزارهم على ظهورهم ( أى أثقال ذنوبهم ومعنى الآية لا تحمل نفس حامله للوزر وزر نفس أخرى حتى تخلص الأخرى عن وزرها وتؤخذ به الأولى وقد تقدم مثل هذا فى الأنعام قال الزجاج فى تفسير هذه الآية إن الآثم والمذنب لا يؤاخذ بذنب غيره ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا (


"""""" صفحة رقم 214 """"""
لما ذكر سبحانه اختصاص المهتدي بهدايته والضال بضلاله وعدم مؤاخذة الإنسان بجناية غيره ذكر أنه لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسله وإنزال كتبه فبين سبحانه أنه لم يتركهم سدى ولا يؤاخذهم قبل إقامة الحجة عليهم والظاهر أنه لا يعذبهم لا فى الدنيا ولا فى الآخرة إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال الرسل وبه قالت طائفة من أهل العلم وذهب الجمهور إلى أن المنفى هنا هو عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة
الإسراء : ( 16 ) وإذا أردنا أن . . . . .
) وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا ( اختلف المفسرون فى معنى أمرنا على قولين الأول أن المراد به الأمر الذى هو نقيض النهي وعلى هذا اختلفوا فى المأمور به فالأكثر على أنه الطاعة والخير وقال فى الكشاف معناه أمرناهم بالفسق ففسقوا وأطال الكلام فى تقرير هذا وتبعه المقتدون به فى التفسير وما ذكره هو ومن تابعه معارض بمثل قول القائل أمرته فعصاني فإن كل من يعرف اللغة العربية يفهم من هذا أن المأمور به شئ غير المعصية لأن المعصية منافية للأمر مناقضة له فكذلك أمرته ففسق يدل على أن المأمور به شيء غير الفسق لأن الفسق عبارة عن الإتيان بضد المأمور به فكونه فسقا ينافي كونه مأمورا به ويناقضه القول الثاني أن معنى ) أمرنا مترفيها ( أكثرنا فساقها قال الواحدي تقول العرب أمر القوم إذا كثروا وأمرهم الله إذا أكثرهم وقد قرأ أبو عثمان النهدي وأبو رجاء وأبو العالية والربيع ومجاهد والحسن أمرنا بتشديد الميم أى جعلناهم أمراء مسلطين وقرأ الحسن أيضا وقتادة وأبو حيوة الشامي ويعقوب وخارجة عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلي وابن عباس آمرنا بالمد والتخفيف أى أكثرنا جبابرتها وأمراءها قاله الكسائي وقال أبو عبيدة آمرته بالمد وأمرته لغتان بمعنى كثرته ومنه الحديث خير المال مهرة مأمورة أى كثيرة النتاج والنسل وكذا قال ابن عزيز وقرأ الحسن أيضا ويحيى بن يعمر أمرنا بالقصر وكسر الميم على معنى فعلنا ورويت هذه القراءة عن ابن عباس قال قتادة والحسن المعنى أكثرنا وحكى نحوه أبو زيد وأبو عبيد وأنكره الكسائي وقال لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد قال فى الصحاح وقال أبو الحسن أمر ماله بالكسر أى كثر وأمر القوم أى كثروا ومنه قول لبيد إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا
يوما يكن للهلاك والفند
وقرأ الجمهور ) أمرنا ( من الأمر ومعناه ما قدمنا فى القول الأول ومعنى ) مترفيها ( المنعمون الذين قد أبطرتهم النعمة وسعة العيش والمفسرون يقولون فى تفسير المترفين إنهم الجبارون المتسلطون والملوك الجائرون قالوا وإنما خصوا بالذكر لأن من عداهم أتباع لهم ومعنى فسقوا فيها خرجوا عن الطاعة وتمرضوا فى كفرهم لأن الفسوق الخروج إلى ما هو أفحش ) فحق عليها القول ( أى ثبت وتحقق عليهم العذاب بعد ظهور فسقهم ) فدمرناهم تدميرا ( أى تدميرا عظيما لا يوقف على كنهه لشدته وعظم موقعه وقد قيل فى تأويل أمرنا بأنه مجاز عن الأمر الحامل لهم على الفسق وهو إدرار النعم عليهم وقيل أيضا أن المراد بأردنا أن نهلك قرية أنه قرب إهلاك قرية وهو عدول عن الظاهر بدون ملجئ إليه
الإسراء : ( 17 ) وكم أهلكنا من . . . . .
ثم ذكر سبحانه أن هذه عادته الجارية مع القرون الخالية فقال ) وكم أهلكنا من القرون ( أى كثيرا ما أهلكنا منهم فكم مفعول أهلكنا ومن القرون بيان لكم وتمييز له أى كم من قوم كفروا من بعد نوح كعاد وثمود فحل بهم البوار ونزل بهم سوط العذاب وفيه تخويف لكفار مكة ثم خاطب رسوله بما هو ردع للناس كافة فقال ) وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا ( قال الفراء إنما يجوز إدخال الباء فى المرفوع إذا كان يمدح به صاحبه أم يذم به كقولك كفاك وأكرم به رجلا وطاب بطعامك طعاما ولا يقال قام بأخيك وأنت تريد قام أخوك وفى الآية بشارة عظيمة لأهل الطاعة وتخويف شديد لأهل المعصية


"""""" صفحة رقم 215 """"""
لأن العلم التام والخبرة الكاملة والبصيرة النافذة تقتضى إيصال الجزاء إلى مستحقه بحسب استحقاقه ولا ينافيه مزيد التفضل على من هو أهل لذلك والمراد بكونه سبحانه خبيرا بصيرا أنه محيط بحقائق الأشياء ظاهرا وباطنا لا تخفى عليه منها خافية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البيهقى فى دلائل النبوة وابن عساكر عن سعيد المقبرى أن عبد الله بن سلام سأل النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عن السواد الذى فى القمر فقال كانا شمسين قال الله ) وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ( فالسواد الذى رأيت هو المحو وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) معنى هذا بأطول منه قال السيوطى وإسناده واه وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن الأنبارى فى المصاحف عن على فى قوله ) فمحونا آية الليل ( قال هو السواد الذى فى القمر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وجعلنا آية النهار مبصرة ( قال منيرة ) لتبتغوا فضلا من ربكم ( قال جعل لكم سبحا طويلا وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فصلناه ( قال بيناه وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير بسند حسن عن جابر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول طائر كل إنسان فى عنقه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ألزمناه طائره في عنقه ( قال سعادته وشقاوته وما قدر الله له وعليه فهو لازمه أين كان وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر عن أنس فى قوله ) طائره ( قال كتابه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال عمله ) ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( قال هو عمله الذى أحصى عليه فأخرج له يوم القيامة ما كتب له من العمل فقرأه منشورا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) اقرأ كتابك ( قال سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا فى الدنيا وأخرج ابن عبد البر فى التمهيد عن عائشة فى قوله ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( قال سألت خديجة عن أولاد المشركين فقال هم من آبائهم ثم سالته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( فقال هم على الفطرة أو قال فى الجنة قال السيوطى وسنده ضعيف وقد ثبت فى الصحيحين وغيرهما أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) سئل فقيل له يا رسول الله إنا نصيب فى البيات من ذرارى المشركين قال هم منهم وفى ذلك أحاديث كثيرة وبحث طويل وقد ذكر ابن كثير فى تفسير هذه الآية غالب الأحاديث الواردة فى أطفال المشركين ثم نقل كلام أهل العلم فى المسئلة فليرجع إليه وأخرج إسحاق بن راهويه وأحمد وابن حبان وأبو نعيم فى المعرفة والطبرانى وابن مردويه والبيهقى فى كتاب الإعتقاد عن الأسود بن سريع أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات فى الفترة ثم قال فيأخذ الله مواثيقهم ليطيعنه ويرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار قال فوالذى نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها وإسناده عند أحمد هكذا حدثنا على بن عبد الله حدثنا معاذ ن هشام حدثنى أبى عن أبى قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع وأخرج نحوه إسحاق بن راهويه وأحمد وابن مردويه عن أبى هريرة وهو عند أحمد بالإسناد المذكور عن قتادة عن الحسن بن أبى رافع عن أبى هريرة وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى وابن عبد البر فى التمهيد عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه وجعل مكان الأحمق المعتوه وأخرج الحكيم الترمذى فى نوادر الأصول والطبرانى وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يؤتى يوم القيامة بالممسوح عقلا وبالهالك فى الفترة


"""""" صفحة رقم 216 """"""
وبالهالك صغيرا فذكر معناه مطولا وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس فى قوله ) أمرنا مترفيها ( قال بطاعة الله فعصوا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن أبى حاتم عن شهر بن حوشب قال سمعت ابن عباس يقول فى الآية ) أمرنا مترفيها ( بحق فخالفوه فحق عليهم بذلك التدمير وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات عنه فى الآية قال سلطنا شرارنا فعصوا فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب وهو كقوله ) وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ( وأخرج البخارى وابن مردويه عن ابن مسعود قال كنا نقول للحى إذا كثروا فى الجاهلية قد أمر بنو فلان
سورة الإسراء الآية ( 18 24 )
الإسراء : ( 18 ) من كان يريد . . . . .
قوله ) من كان يريد العاجلة ( هذا تأكيد لما سلف من جملة كل إنسان ألزمناه ومن جملة من اهتدى والمراد بالعاجلة المنفعة العاجلة أو الدار العاجلة والمعنى من كان يريد بأعمال البر أو بأعمال الآخرة ذلك فيدخل تحته الكفرة والفسقة والمراءون والمنافقون ) عجلنا له ( أى عجلنا لذلك المريد ) فيها ( أى فى تلك العاجلة ثم قيد المعجل بقيدين الأول قوله ) ما نشاء ( أى ما يشاء الله سبحانه تعجيله له منها لا ما يشاؤه ذلك المريد ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء المريدين للعاجلة يريدون من الدنيا ما لا ينالون ويتمنون ما لا يصلون إليه والقيد الثانى قوله ) لمن نريد ( أى لمن نريد التعجيل له منهم ما اقتضته مشيئتنا وجملة لمن نريد بدل من الضمير فى له بإعادة الجار بدل البعض من الكل لأن الضمير يرجع إلى من وهو للعموم وهذه الآية تقيد الآيات المطلقة كقوله سبحانه ) ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ( وقوله ) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ( وقد قيل إنه قرئ ما يشاء بالياء التحتية ولا ندرى من قرأ بذلك من أهل الشواذ وعلى هذه القراءة فقيل الضمير لله سبحانه أى ما يشاؤه الله فيكون معناها معنى القراءة بالنون وفيه بعد لمخالفته لما قبله وهو عجلنا وما بعده وهو لمن نريد وقيل الضمير راجع إلى من فى قوله ) من كان يريد ( فيكون ذلك مقيدا بقوله لمن نريد أى عجلنا له ما يشاؤه لكن بحسب إرادتنا فلا يحصل لمن أراد العاجلة ما يشاؤه إلا إذا أراد الله له ذلك


"""""" صفحة رقم 217 """"""
ثم بعد هذا كله فمن وراء هذه الطلبة الفارغة التى لا تأثير لها إلا بالقيدين المذكورين عذاب الآخرة الدائم ولهذا قال ) ثم جعلنا له جهنم ( أى جعلنا له بسبب تركه لما أمر به من العمل للآخرة وإخلاصه عن الشوائب عذاب جهنم على اختلاف أنواعه ) يصلاها ( فى محل نصب على الحال أى يدخلها ) مذموما مدحورا ( أى مطرودا من رحمة الله مبعدا عنها فهذه عقوبته فى الآخرة مع أنه لا ينال من الدنيا إلا ما قدره الله سبحانه له فأين حال هذا الشقى من حال المؤمن التقى فإنه ينال من الدنيا ما قدره الله له وأراده بلا هلع منه ولا جزع مع سكون نفسه واطمئنان قلبه وثقته بربه وهو مع ذلك عامل للآخرة منتظر للجزاء من الله سبحانه وهو الجنة
الإسراء : ( 19 ) ومن أراد الآخرة . . . . .
ولهذا قال ) ومن أراد الآخرة ( أى أراد بأعماله الدار الآخرة ) وسعى لها سعيها ( أى السعى الحقيق بها اللائق بطالبها وهو الإتيان بما أمر به وترك ما نهى عنه خالصا لله غير مشوب وكان الإتيان به على القانون الشرعى من دون ابتداع ولا هوى ) وهو مؤمن ( بالله إيمانا صحيحا لأن العمل الصالح لا يستحق صاحبه الجزاء عليه إلا إذا كان من المؤمنين ) إنما يتقبل الله من المتقين ( والجملة فى محل نصب على الحال والإشارة بقوله ) فأولئك ( إلى المريدين للآخرة الساعين لها سعيها وخبره ) كان سعيهم مشكورا ( عند الله أى مقبولا غير مردود وقيل مضاعفا إلى أضعاف كثيرة فقد اعتبر سبحانه فى كون السعى مشكورا أمورا ثلاثة الأول إرادة الآخرة الثانى أن يسعى لها السعى الذى يحق لها والثالث أن يكون مؤمنا
الإسراء : ( 20 ) كلا نمد هؤلاء . . . . .
ثم بين سبحانه كمال رأفته وشمول رحمته فقال ) كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ( التنوين فى كلا عوض عن المضاف إليه والتقدير كل واحد من الفريقين نمد أى نزيده من عطائنا على تلاحق من غير انقطاع نرزق المؤمنين والكفار وأهل الطاعة وأهل المعصية لا توثر معصية العاصى فى قطع رزقه وما به الإمداد هو ما عجله لمن يريد الدنيا وما أنعم به فى الأولى والأخرى على من يريد الآخرة وفى قوله ) من عطاء ربك ( إشارة إلى أن ذلك بمحض التفضل وهو متعلق بنمد ) وما كان عطاء ربك محظورا ( أى ممنوعا يقال حظره يحظره حظرا منعه وكل ما حال بينك وبين شئ فقد حظره عليك ومن هؤلاء بدل من كلا وهؤلاء معطوف على البدل قال الزجاج أعلم الله سبحانه أنه يعطى المسلم الكافر وأنه يرزقهما جميعا الفريقين فقال ) هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك )
الإسراء : ( 21 ) انظر كيف فضلنا . . . . .
) انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض ( الخطاب لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويحتمل أن يكون لكل من له أهلية النظر والإعتبار وهذه الجملة مقررة لما مر من الإمداد وموضحة له والمعنى انظر كيف فضلنا فى العطايا العاجلة بعض العباد على بعض فمن غنى وفقير وقوى وضعيف وصحيح ومريض وعاقل وأحمق وذلك لحكمة بالغة تقصر العقول عن إدراكها ) وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ( وذلك لأن نسبة التفاضل فى درجات الآخرة إلى التفاضل فى درجات الدنيا كنسبة الآخرة إلى الدنيا وليس للدنيا بالنسبة إلى الآخرة مقدار فلهذا كانت الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا وقيل المراد أن المؤمنين يدخلون الجنة والكافرين يدخلون النار فتظهر فضيلة المؤمنين على الكافرين وحاصل المعنى أن التفاضل فى الآخرة ودرجاتها فرق التفاضل فى الدنيا ومراتب أهلها فيها من بسط وقبض ونحوهما
الإسراء : ( 22 ) لا تجعل مع . . . . .
ثم لما أجمل سبحانه أعمال البر فى قوله ) وسعى لها سعيها وهو مؤمن ( أخذ فى تفصيل ذلك مبتدئا بأشرفها الذى هو التوحيد فقال ) لا تجعل مع الله إلها آخر ( والخطاب للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد به أمته تهييجا وإلهابا أو لكل متأهل له صالح لتوجيهه إليه وقيل هو على إضمار القول والتقدير قل لكل مكلف لا تجعل وانتصاب تقعد على جواب النهى والتقدير لا يكن منك جعل فقعود ومعنى تقعد تصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها خربة وليس المراد حقيقة القعود المقابل للقيام وقيل هو كناية عن عدم القدرة على تحصيل الخيرات فإن السعى فيه إنما يتأتى بالقيام والعجز


"""""" صفحة رقم 218 """"""
عنه يلزمه أن يكون قاعدا عن الطلب وقيل إن من شأن المذموم المخذول أن يقعد نادما مفكرا على ما فرط منه فالقعود على هذا حقيقة وانتصاب ) مذموما مخذولا ( على خبرية تقعد أو على الحال أى فتصير جامعا بين الأمرين الذم لك من الله ومن ملائكته ومن صالحي عباده والخذلان لك منه سبحانه أو حال كونك جامعا بين الأمرين
الإسراء : ( 23 ) وقضى ربك ألا . . . . .
ثم لما ذكر ما هو الركن الأعظم وهو التوحيد أتبعه سائر الشعائر والشرائع فقال ) وقضى ربك ( أى أمر أمرا جزما وحكما قطعا وحتما مبرما ) أن لا تعبدوا ( أى بأن لا تعبدوا فتكون أن ناصبة ويجوز أن تكون مفسرة ولا نهى وقرئ ? ووصى ربك ? أى وصى عباده بعبادته وحده ثم أردفه بالأمر ببر الوالدين فقال ) وبالوالدين إحسانا ( أى وقضى بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا أو وأحسنوا بهما إحسانا ولا يجوز أن يتعلق بالوالدين بإحسانا لأن المصدر لا يتقدم عليه ما هو متعلق به قيل ووجه ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد عبادة الله سبحانه أنهما السبب الظاهر فى وجود المتولد بينهما وفى جعل الإحسان إلى الأبوين قرينا لتوحيد الله وعبادته من الإعلان بتأكد حقهما والعناية بشأنهما مالا يخفى وهكذا جعل سبحانه فى آية أخرى شكرهما مقترنا بشكره فقال ) أن اشكر لي ولوالديك ( ثم خص سبحانه حالة الكبر بالذكر لكونها إلى البر من الولد أحوج من غيرها فقال ) إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ( إما مركبة من إن الشرطية وما الإبهامية لتأكيد معنى الشرط ثم أدخلت نون التوكيد فى الفعل لزيادة التقرير كأنه قيل إن هذا الشرط مما سيقع ألبتة عادة قال النحويون إن الشرط يشبه النهي من حيث الجزم وعدم الثبوت فلهذا صح دخول النون المؤكدة عليه وقرأ حمزة والكسائي يبلغان قال الفراء ثنى لأن الوالدين قد ذكرا قبله فصار الفعل على عددهما ثم قال ) أحدهما أو كلاهما ( على الاستئناف وأما على قراءة ) يبلغن ( فأحدهما فاعل بالاستقلال وقوله ) أو كلاهما ( فاعل أيضا لكن لا بالاستقلال بل بتبعية العطف والأولى أن يكون أحدهما على قراءة يبلغان بدل من الضمير الراجع إلى الوالدين فى الفعل ويكون كلاهما عطفا على البدل ولا يصح جعل كلاهما تأكيدا للضمير لاستلزام العطف المشاركة ومعنى عندك فى كنفك وكفالتك وتوحيد الضمير فى عندك ولا تقل وما بعدهما للإشعار بأن كل فرد من الأفراد منهي بما فيه النهي ومأمور بما فيه الأمر ومعنى ) فلا تقل لهما أف ( لا تقل لواحد منهما فى حالتي الاجتماع والانفراد وليس المراد حالة الاجتماع فقط وفى أف لغات ضم الهمزة مع الحركات الثلاث فى الفاء وبالتنوين وعدمه وبكسر الهمز والفاء بلا تنوين وأفى ممالا وأفة بالهاء قال الفراء تقول العرب فلان يتأفف من ريح وجدها أى يقول أف أف وقال الأصمعي الأف وسخ الأذن والثف وسخ الأظفار يقال ذلك عند استقذار الشيء ثم كثر حتى استعملوه فى كل ما يتأذون به وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أن الأفف الضجر وقال القتيبني أصله أنه إذا سقط عليه تراب ونحوه نفخ فيه ليزيله فالصوت الحاصل عند تلك النفخة هو قول القائل أف ثم توسعوا فذكروه عند كل مكروه يصل إليهم وقال الزجاج معناه النتن وقال أبو عمرو بن العلاء الأف وسخ بين الأظفار والثف قلامتها والحاصل أنه اسم فعل ينبئ عن التضجر والاستثقال أو صوت ينبئ عن ذلك فنهى الولد عن أن يظهر منه ما يدل على التضجر من أبويه أو الاستثقال لهما بهذا النهي يفهم النهي عن سائر ما يؤذيها بفحوى الخطاب أو بلحنه كما هو متقرر فى الأصول ) ولا تنهرهما ( النهر الزجر والغلظة يقال نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره قال الزجاج معناه لا تكلمهما ضجرا صائحا فى وجوههما ) وقل لهما ( بدل التأفيف والنهر ) قولا كريما ( أى لينا لطيفا أحسن ما يمكن التعبير عنه من لطف القول وكرامته مع التأدب والحياء والاحتشام
الإسراء : ( 24 ) واخفض لهما جناح . . . . .
) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ( ذكر القفال فى معنى خفض الجناح وجهين الأول أن الطائر


"""""" صفحة رقم 219 """"""
إذا أراد ضم فراخه إليه للتربية خفض لها جناحه فلهذا صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير فكأنه قال للولد اكفل والديك بأن بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك فى حال صغرك والثاني أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه وإذا أراد النزول خفض جناحه فصار خفض الجناح كناية عن التواضع وترك الارتفاع وفى إضافة الجناح إلى الذل وجهان الأول أنها كاضافة حاتم إلى الجود فى قولك حاتم الجود فالأصل فيه الجناح الذليل والثاني سلوك سبيل الاستعارة كأنه تخيل للذل جناحا ثم أثبت لذلك الجناح خفضا وقرأ الجمهور الذل بضم الذال من ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذليل وقرأ سعيد بن جبير وعروة بن الزبير بكسر الذال وروى ذلك عن ابن عباس وعاصم من قولهم دابة ذلول بنية الذل أى منقادة سهلة لا صعوبة فيها ومن الرحمة فيه معنى التعليل أى من أجل فرط الشفقة والعطف عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم لمن كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس ثم كأنه قال له سبحانه ولا تكتف برحمتك التى لا دوام لها و لكن ) وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ( والكاف فى محل نصب على أنه صفة لمصدر محذوف أى رحمة مثل تربيتهما لي أو مثل رحمتهما لي وقيل ليس المراد رحمة مثل الرحمة بل الكاف لاقترانهما فى الوجود فلتقع هذه كما وقعت تلك والتربية التنمية ويجوز أن يكون الكاف للتعليل أى لأجل تربيتهما لي كقوله ) واذكروه كما هداكم ( ولقد بالغ سبحانه فى التوصية بالوالدين مبالغة تقشعر لها جلود أهل العقوق وتقف عندها شعورهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك فى قوله ) من كان يريد العاجلة ( قال من كان يريد بعمله الدنيا ) عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ( ذاك به وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم فى الحلية عن الحسن فى قوله ) كلا نمد ( الآية قال كل يرزق الله فى الدنيا البر والفاجر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى الآية قال يرزق الله من أراد الدنيا ويرزق من أراد الآخرة وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال ) محظورا ( ممنوعا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد مثله وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية عن سلمان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما من عبد يريد أن يرتفع فى الدنيا درجة فارتفع بها إلا وضعه الله فى الآخرة درجة أكبر منها وأطول ثم قرأ ) وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ( وهو من رواية زاذان عن سلمان وثبت فى الصحيحين أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما يرون الكوكب الغابر فى أفق السماء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) مذموما ( يقول ملوما وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري فى المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ ووصى ربك مكان وقضى وقال التزقت الواو والصاد وأنتم تقرءونها ) وقضى ربك ( وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه مثله وأخرج أبو عبيد وابن منيع وابن المنذر وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه أيضا مثله وزاد ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد وأقول إنما يلزم هذا لو كان القضاء بمعنى الفراغ من الأمر وهو وإن كان أحد معاني مطلق القضاء كما فى قوله ) قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ( وقوله ) فإذا قضيتم مناسككم ( ) فإذا قضيتم الصلاة ( ولكنه ها هنا بمعنى الأمر وهو أحد معاني القضاء والأمر لا يستلزم ذلك فإنه سبحانه قد أمر عباده بجميع ما أوجبه ومن جملة ذلك إفراده بالعبادة وتوحيده وذلك لا يستلزم أن لا يقع الشرك من المشركين ومن معاني مطلق القضاء معان أخر غير هذين المعنيين كالقضاء بمعنى الخلق ومنه ) فقضاهن سبع سماوات ( وبمعنى الارادة كقوله ) إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( وبمعنى العهد كقوله ) وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ( وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر من


"""""" صفحة رقم 220 """"""
طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فى قوله ) وقضى ربك ( قال أمر وأخرج ابن المنذر عن مجاهد فى الآية قال عهد ربك وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن فى قوله ) وبالوالدين إحسانا ( يقول برا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) فلا تقل لهما أف ( لما تميط عنهما من الأذى الخلاء والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول وأخرج الديلمي عن الحسين بن علي مرفوعا لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من أف لحرمه وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد فى قوله ) وقل لهما قولا كريما ( قال إذا دعواك فقل لبيكما وسعديكما وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة فى الآية قال قولا لينا سهلا وأخرج البخاري فى الأدب وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عروة فى قوله ) واخفض لهما جناح الذل ( قال يلين لهما حتى لا يمتنع من شئ أحباه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى الآية قال اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فى قوله ) وقل رب ارحمهما ( ثم أنزل الله بعد هذا ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ( وأخرج البخاري فى الأدب المفرد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر من طرق عنه نحوه وقد ورد فى بر الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة فى الصحيحين وغيرهما وهى معروفة فى كتب الحديث
سورة الإسراء الآية ( 25 33 )
الإسراء : ( 25 ) ربكم أعلم بما . . . . .
قوله ) ربكم أعلم بما في نفوسكم ( أى بما فى ضمائركم من الإخلاص وعدمه فى كل الطاعات ومن التوبة من الذنب الذى فرط منكم أو الإصرار عليه ويندرج تحت هذا العموم ما فى النفس من البر والعقوق اندراجا أوليا وقيل إن الآية خاصة بما يجب للأبوين من البر ويحرم على الأولاد من العقوق والأول أولى اعتبارا بعموم اللفظ فلا تخصصه دلالة السياق ولا تقيده ) إن تكونوا صالحين ( قاصدين الصلاح والتوبة من الذنب والإخلاص للطاعة فلا يضركم ما وقع من الذنب الذى تبتم عنه ) فإنه كان للأوابين غفورا ( أى الرجاعين عن الذنوب إلى


"""""" صفحة رقم 221 """"""
التوبة وعن عدم الإخلاص إلى محض الإخلاص غفورا لما فرط منهم من قول أو فعل أو اعتقاد فمن تاب تاب الله عليه ومن رجع إلى الله رجع الله إليه
الإسراء : ( 26 ) وآت ذا القربى . . . . .
ثم ذكر سبحانه التوصية بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما فقال ) وآت ذا القربى حقه ( والخطاب إما لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تهييجا وإلهابا لغيره من الأمة أو لكل من هو صالح لذلك من المكلفين كما فى قوله ) وقضى ربك ( والمراد بذي القربى ذو القرابة وحقهم هو صلة الرحم التى أمر الله بها وكرر التوصية فيها والخلاف بين أهل العلم فى وجوب النفقة للقرابة أو لبعضهم كالوالدين على الأولاد والأولاد على الوالدين معروف والذى ينبغي الاعتماد عليه وجوب صلتهم بما تبلغ إليه القدرة وحسبما يقتضيه الحال ) والمسكين ( معطوف على ذا القربى وفى هذا العطف دليل على أن المراد بالحق الحق المالي ) وابن السبيل ( معطوف على المسكين والمعنى وآت من اتصف بالمسكنة أو بكونه من أبناء السبيل حقه وقد تقدم بيان حقيقة المسكين وابن السبيل فى البقرة وفى التوبة والمراد فى هذه الآية التصدق عليهما بما بلغت إليه القدرة من صدقة النفل أو مما فرضه الله لهما من صدقة الفرض فإنهما من الأصناف الثمانية التى هى مصرف الزكاة ثم لما أمر سبحانه بما أمر به هاهنا نهى عن التبذير فقال ) ولا تبذر تبذيرا ( التبذير تفريق المال كما يفرق البذر كيفما كان من غير تعمد لمواقعه وهو الإسراف المذموم لمجاوزته للحد المستحسن شرعا فى الإنفاق أو هو الإنفاق فى غير الحق وإن كان يسيرا قال الشافعي التبذير إنفاق المال فى غير حقه لا تبذير فى عمل الخير قال القرطبي بعد حكايته القول الشافعي هذا وهذا قول الجمهور قال أشهب عن مالك التبذير هو أخذ المال من حقه ووضعه فى غير حقه وهو الإسراف وهو حرام لقوله
الإسراء : ( 27 ) إن المبذرين كانوا . . . . .
) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ( فإن هذه الجملة تعليل للنهي عن التبذير والمراد بالأخوة الممائلة التامة وتجنب مماثلة الشيطان ولو فى خصلة واحدة من خصاله واجب فكيف فيما هو أعم من ذلك كما يدل عليه إطلاق المماثلة والإسراف فى الإنفاق من عمل الشيطان فإذا فعله أحد من بني آدم فقد أطاع الشيطان واقتدى به ) وكان الشيطان لربه كفورا ( أى كثير الكفران عظيم التمرد عن الحق لأنه مع كفره لا يعمل إلا شرا ولا يأمر إلا بعمل الشر ولا يوسوس إلا بما لا خير فيه وفى هذه الآية تسجيل على المبذرين بمماثلة الشياطين ثم التسجيل على جنس الشيطان بأنه كفور فاقتضى ذلك أن المنذر مماثل للشيطان وكل مماثل للشيطان له حكم الشيطان وكل شيطان كفور فالمبذر كفور
الإسراء : ( 28 ) وإما تعرضن عنهم . . . . .
) وإما تعرضن عنهم ( قد تقدم قريبا أن أصل إما هذه مركب من إن الشرطية وما الإبهامية وان دخول نون التأكيد على الشرط لمشابهته للنهي أى إن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل لأمر اضطرك إلى ذلك الإعراض ) ابتغاء رحمة من ربك ( أى لفقد رزق من ربك ولكنه أقام المسيب الذى هو ابتغاء رحمة الله مقام السبب الذى هو فقد الرزق لأن فاقد الرزق مبتغ له والمعنى وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح الله به عليك ) فقل لهم قولا ميسورا ( أى قولا سهلا لينا كالوعد الجميل أو الاعتذار المقبول قال الكسائي يسرت له القول أى لينته قال الفراء معنى الآية إن تعرض عن السائل إضاقة وإعسارا فقل لهم قولا ميسورا عدهم عدة حسنة ويجوز أن يكون المعنى وإن تعرض عنهم ولم تنفعهم لعدم استطاعتك فقل لهم قولا ميسورا وليس المراد هنا الإعراض بالوجه وفى هذه الآية تأديب من الله سبحانه لعباده إذا سألهم سائل ما ليس عندهم كيف يقولون وبما يردون ولقد أحسن من قال إن لا يكن ورق يوما أجود بها
للسائلين فإني لين العود
لا يعدم السائلون الخير من خلقي
إما نوال وإما حسن مردود


"""""" صفحة رقم 222 """"""
الإسراء : ( 29 ) ولا تجعل يدك . . . . .
لما ذكر سبحانه أدب المنع بعد النهي عن التبذير بين أدب الإنفاق فقال ) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ( وهذا النهي يتناول كل مكلف سواء كان الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) تعريضا لأمته وتعليما لهم أو الخطاب لكل من يصلح له من المكلفين والمراد النهي للإنسان بأن يمسك إمساكا يصير به مضيقا على نفسه وعلى أهله ولا يوسع فى الإنفاق توسيعا لا حاجة إليه بحيث يكون به مسرفا فهو نهى عن جانبي الإفراط والتفريط ويتحصل من ذلك مشروعية التوسط وهو العدل الذى ندب الله إليه ولا تك فيها مفرطا أو مفرطا
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقد مثل الله سبحانه فى هذه الآية حال الشحيح بحال من كانت يده مغلولة إلى عنقه بحيث لا يستطيع التصرف بها ومثل حال من يجاوز الحد فى التصرف بحال من يبسط يده بسطا لا يتعلق بسببه فيها شيء مما تقبض الأيدي عليه وفى هذا التصوير مبالغة بليغة ثم بين سبحانه غائلة الطرفين المنهي عنهما فقال ) فتقعد ملوما ( عند الناس بسبب ما أنت عليه من الشح ) محسورا ( بسبب ما فعلته من الإسراف أى منقطعا عن المقاصد بسبب الفقر والمحسور فى الأصل المنقطع عن السير من حسره السفر إذا بلغ منه والبعير الحسير هو الذى ذهبت قوته فلاانبعاث به ومنه قوله تعالى ) ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ( أى كليل منقطع وقيل معناه نادما على ما سلف فجعله هذا القائل من الحسرة التى هى الندامة وفيه نظر لأن الفاعل من الحسرة حسران ولا يقال محسور إلا للملوم
الإسراء : ( 30 ) إن ربك يبسط . . . . .
ثم سلى رسوله والمؤمنين بأن الذين يرهقهم من الاضاقة ليس لهوانهم على الله سبحانه ولكن لمشيئة الخالق الرازق فقال ) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( أى يوسعه على بعض ويضيقه على بعض لحكمة بالغة لا لكون من وسع له رزقه مكرما عنده ومن ضيقه عليه هائنا لديه قيل ويجوز أن يراد أن البسط والقبض إنما هما من أمر الله الذى لا تفنى خزائنه فأما عباده فعليهم أن يقتصدوا ثم علل ما ذكره من البسط للبعض والتضييق على البعض بقوله ) إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( أى يعلم ما يسرون وما يعلنون لا يخفى عليه من ذلك خافية فهو الخبير بأحوالهم البصير بكيفية تدبيرهم فى أرزاقهم وفى هذه الآية دليل على أنه المتكفل بأرزاق عباده
الإسراء : ( 31 ) ولا تقتلوا أولادكم . . . . .
فلذلك قال بعدها ) ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ( أملق الرجل لم يبق له إلا الملقات وهى الحجارة العظام الملس قال الهذلي يصف صائدا أتيح لها أقيدر ذو خشيف
إذا سامت على الملقات ساما
الأقيدر تصغير الأقدر وهو الرجل القصير والخشيف من الثياب الخلق وسامت مرت ويقال أملق إذا افتقر وسلب الدهر ما بيده قال أوس وأملق ما عندي خطوب تنبل
نهاهم الله سبحانه عن أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر وقد كانوا يفعلون ذلك ثم بين لهم أن خوفهم من الفقر حتى يبلغوا بسبب ذلك إلى قتل الأولاد لا وجه له فإن الله سبحانه هو الرازق لعباده يرزق الأبناء كما يرزق الآباء فقال ) نحن نرزقهم وإياكم ( ولستم لهم برازقين حتى تصنعوا بهم هذا الصنع وقد مر مثل هذه الآية فى الأنعام ثم علل سبحانه النهي عن قتل الأولاد لذلك بقوله ) إن قتلهم كان خطأ كبيرا ( قرأ الجمهور بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمز المقصور وقرأ ابن عامر خطأ بفتح الخاء والطاء والقصر فى الهمز يقال خطئ فى دينه خطئا إذا أثم وأخطأ إذا سلك سبيل خطأ عامدا أو غير عامد قال الأزهري خطئ يخطأ خطئا مثل أثم يأثم إثما إذا تعمد الخطأ وأخطأ إذا لم يتعمد أخطاء وخطاء قال الشاعر
دعيني إنما خطاء وصدا علي وإنما أهلكت مالي


"""""" صفحة رقم 223 """"""
والخطأ الاسم يقوم مقام الاخطاء وفيه لغتان القصر وهو الجيد والمد وهو قليل وقرأ ابن كثير بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمز قال النحاس ولا أعرف لهذه القراءة وجها وكذلك جعلها أبو حاتم غلطا وقرأ الحسن خطأ بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز
الإسراء : ( 32 ) ولا تقربوا الزنى . . . . .
ولما نهى سبحانه عن قتل الأولاد المستدعى لإفناء النسل ذكر النهي عن الزنا المفضى إلى ذلك لما فيه من اختلاط الأنساب فقال ) ولا تقربوا الزنى ( وفى النهي عن قربانه بمباشرة مقدماته نهى عنه بالأولى فإن الوسيلة إلى الشيء إذا كانت حراما كان المتوسل إليه حراما بفحوى الخطاب والزنى فيه لغتان المد والقصر قال الشاعر كانت فريضة ما تقول كما
كان الزناء فريضة الرجم
ثم علل النهي عن الزنا بقوله ) إنه كان فاحشة ( أى قبيحا متبالغا فى القبح مجاوزا للحد ) وساء سبيلا ( أى بئس طريقا طريقه وذلك لأنه يؤدي إلى النار ولا خلاف فى كونه من كبائر الذنوب وقد رود فى تقبيحه والتنفير عنه من الأدلة ما هو معلوم
الإسراء : ( 33 ) ولا تقتلوا النفس . . . . .
ولما فرغ من ذكر النهي عن القتل لخصوص الأولاد وعن النهي عن الزنا الذى يفضي إلى ما يفضى إليه قتل الأولاد من اختلاط الأنساب وعدم استقرارها نهى عن قتل الأنفس المعصومة على العموم فقال ) ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ( والمراد بالتى حرم الله التى جعلها معصومة بعصمة الدين أو عصمة العهد والمراد بالحق الذى استثناه هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة فى الأصل وذلك كالردة والزنا من المحصن وكالقصاص من القاتل عمدا عدوانا وما يلتحق بذلك والاستثناء مفرغ أى لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب متلبس بالحق أو إلا متلبسين بالحق وقد تقدم الكلام فى هذا فى الأنعام ثم بين حكم بعض المقتولين بغير حق فقال ) ومن قتل مظلوما ( أى لا بسبب من الأسباب المسوغة لقتله شرعا ) فقد جعلنا لوليه سلطانا ( أى لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين والسلطان التسلط على القاتل إن شاء قتل وإن شاء عفا وإن شاء أخذ الدية ثم لما بين إباحة القصاص لمن هو مستحق لدم المقتول أو ما هو عوض عن القصاص نهاه عن مجاوزة الحد فقال ) فلا يسرف في القتل ( أى لا يجاوز ما أباحه الله له فيقتل بالواحد اثنين أو جماعة أو يمثل بالقاتل أو يعذبه قرأ الجمهور ? لا يسرف ? بالياء التحتية أى الولي وقرأ حمزة والكسائي تسرف بالتاء الفوقية وهو خطاب للقاتل الأول ونهى له عن القتل أى فلا تسرف أيها القاتل بالقتل فإن عليك القصاص مع ما عليك من عقوبة الله وسخطه ولعنته وقال ابن جرير الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وللأئمة من بعده أى لا تقتل يا محمد غير القاتل ولا يفعل ذلك الأئمة بعدك وفى قراءة أبي ولا تسرفوا ثم علل النهي عن السرف فقال ) إنه كان منصورا ( أى مؤيدا معانا يعني الولي فإن الله سبحانه قد نصره بإثبات القصاص له بما أبرزه من الحجج وأوضحه من الأدلة وأمر أهل الولايات بمعونته والقيام بحقه حتى يستوفيه ويجوز أن يكون الضمير راجعا إلى المقتول أى إن الله نصره بوليه قيل وهذه الآية من أول ما نزل من القرآن فى شأن القتل لأنها مكية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) إن تكونوا صالحين ( قال تكون البادرة من الولد إلى الوالد فقال الله إن تكونوا صالحين إن تكن النية صادقة ) فإنه كان للأوابين غفورا ( للبادرة التى بدرت منه وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي فى الشعب عنه فى قوله ) فإنه كان للأوابين غفورا ( قال الرجاعين إلى الخير وأخرج سعيد بن منصور وهناد وابن أبي حاتم والبيهقي عن الضحاك فى الآية قال الرجاعين


"""""" صفحة رقم 224 """"""
من الذنب إلى التوبة ومن السيئات إلى الحسنات وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) للأوابين ( قال للمطيعين المحسنين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الشعب عنه قال للتوابين وأخرج البخاري فى تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) وآت ذا القربى حقه ( قال أمره بأحق الحقوق وعلمه كيف يصنع إذا كان عنده وكيف يصنع إذا لم يكن عنده فقال ) وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ( قال إذا سألوك وليس عندك شيء انتظرت رزقا من الله ) فقل لهم قولا ميسورا ( يكون إن شاء الله يكون شبه العدة قال سفيان والعدة من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا فى الآية قال هو أن تصل ذا القرابة وتطعم المسكين وتحسن إلى ابن السبيل وأخرج ابن جرير عن علي بن الحسن أنه قال لرجل من أهل الشام أقرأت القرآن قال نعم قال فما قرأت فى بني إسرائيل ) وآت ذا القربى حقه ( قال وإنكم للقرابة التى أمر الله أن يؤتى حقهم قال نعم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى الآية قال والقربى قربى بني عبد المطلب
وأقول ليس فى السياق ما يفيد هذا التخصيص ولا دل على ذلك دليل ومعنى النظم القرآني واضح إن كان الخطاب مع كل من يصلح له من الأمة لأن معناه أمر كل مكلف متمكن من صلة قرابته بأن يعطيهم حقهم وهو الصلة التى أمر الله بها وإن كان الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن كان على وجه التعريض لأمته فالأمر فيه كالأول وإن كان خطابا له من دون تعريض فأمته أسوته فالإمر له ( صلى الله عليه وسلم ) بإيتاء ذي القربى حقه أمر لكل فرد من أفراد أمته والظاهر أن هذا الخطاب ليس خاصا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بدليل ما قبل هذه الآية وهى قوله ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ( وما بعدها وهى قوله ) ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين (
وفى معنى هذه الآية الدالة على وجوب صلة الرحم أحاديث كثير وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن أنس أن رجلا قال يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع قال تخرج الزكاة المفروضة فإنها طهرة تطهرك وتصل أقاربك وتعرف حق السائل والجار والمسكين فقال يا رسول الله أقلل لي قال فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا قال حسبي يا رسول الله وأخرج البزار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت هذه الآية ) وآت ذا القربى حقه ( دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة فأعطاها فدك وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت ) وآت ذا القربى حقه ( أقطع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاطمة فدك قال ابن كثير بعد أن ساق حديث أبي سعيد هذا ما لفظه وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده لأن الآية مكية وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة فكيف يلتئم هذا مع هذا انتهى وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري في الأدب وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي فى الشعب عن ابن مسعود فى قوله ) ولا تبذر تبذيرا ( قال التبذير إنفاق المال فى غير حقه وأخرج ابن جرير عنه قال كنا أصحاب محمد نتحدث أن التبذير النفقة فى غير حقه وأخرج سعيد بن منصور والبخاري فى الأدب وابن جرير وابن المنذر والبيهقي فى الشعب عن ابن عباس في قوله إن المبذرين ) قال هم الذين ينفقون المال في غير حقه وأخرج البيهقي في الشعب عن علي قال ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك فى غير سرف ولا تبذير وما تصدقت فلك وما أنفقت رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 225 """"""
فى قوله ) فقل لهم قولا ميسورا ( قال العدة وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سيار أبي الحكم قال أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بر من العراق وكان معطاء كريما فقسمه بين الناس فبلغ ذلك قوما من العرب فقالوا إنا نأتي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نسأله فوجدوه قد فرغ منه فأنزل الله ) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ( قال محبوسة ) ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما ( يلومك الناس ) محسورا ( ليس بيدك شيء أقول ولا أدري كيف هذا فالآية مكية ولم يكن إذ ذاك عرب يقصدون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا يحمل إليه شيء من العراق ولا مما هو أقرب منه على أن فتح العراق لم يكن إلا بعد موته ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن المنهال بن عمرو بعثت امرأة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بابنها فقالت قل له اكسني ثوبا فقال ما عندي شيء فقالت ارجع إليه فقل له اكسني قميصك فرجع إليه فنزع قميصه فاعطاها إياه فنزلت ) ولا تجعل يدك مغلولة ( الآية وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لعائشة وضرب بيده أنفقي ما على ظهر كفي قالت إذن لا يبقى شيء قال ذلك ثلاث مرات فأنزل الله ) ولا تجعل يدك مغلولة ( الآية ويقدح فى ذلك أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لم يتزوج بعائشة إلا بعد الهجرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولا تجعل يدك مغلولة ( قال يعني بذلك البخل وأخرجا عنه فى الآية قال هذا فى النفقة يقول لا تجعلها مغلولة لا تبسطها بخير ولا تبسطها كل البسط يعني التبذير ) فتقعد ملوما ( يلوم نفسه على ما فاته من ماله ) محسورا ( ذهب ماله كله وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن فى قوله ) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( قال ينظر له فإن كان الغني خيرا له أغناه وإن كان الفقر خيرا له أفقره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) خشية إملاق ( قال مخافة الفقر والفاقة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه فى قوله ) خطأ ( قال خطيئة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) ولا تقربوا الزنى ( قال يوم نزلت هذه الآية لم يكن حدود فجاءت بعد ذلك الحدود فى سورة النور وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أبي بن كعب أنه قرأ ? ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ? ) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ( فذكر لعمر فأتاه فسأله فقال أخذتها من فى رسول الله وليس لك عمل إلا الصفق بالبقيع وقد ورد فى الترهيب عن فاحشة الزنا أحاديث كثيرة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك فى قوله ) ولا تقتلوا النفس ( الآية قال هذا بمكة ونبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) بها وهو أول شيء نزل من القرآن فى شأن القتل كان المشركون من أهل مكة يغتالون أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال الله من قتلكم من المشركين فلا يحملنكم قتله إياكم على أن تقتلوا له أبا أو أخا أو واحدا من عشيرته وإن كانوا مشركين فلا تقتلوا إلا قاتلكم وهذا قبل أن تنزل براءة وقيل أن يؤمر بقتال المشركين فذلك قوله ) فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ( يقول لا تقتل غير قاتلك وهى اليوم على ذلك الموضع من المسلمين لا يحل لهم أن يقتلوا إلا قاتلهم وأخرج البيهقي فى سننه عن زيد بن أسلم أن الناس فى الجاهلية كانوا إذا قتل الرجل من القوم رجلا لم يرضوا حتى يقتلوا به رجلا شريفا إذا كان قاتلهم غير شريف لم يقتلوا قاتلهم وقتلوا غيره فوعظوا فى ذلك بقول الله سبحانه ) ولا تقتلوا النفس ( إلى قوله ) فلا يسرف في القتل ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس فى قوله ) ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ( قال بينة من الله أنزلها يطلبها ولي المقتول القود أو العقل وذلك السلطان


"""""" صفحة رقم 226 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عنه ) فلا يسرف في القتل ( قال لا يكثر فى القتل وأخرج ابن المنذر من طريق أبي صالح عنه أيضا لا يقاتل إلا قاتل رحمه
سورة الإسراء الآية ( 34 41 )
الإسراء : ( 34 ) ولا تقربوا مال . . . . .
لما ذكر سبحانه النهي عن إتلاف النفوس أتبعه بالنهي عن إتلاف الأموال وكان أهمها بالحفظ والرعاية مال اليتيم فقال ) ولا تقربوا مال اليتيم ( والنهي عن قربانه مبالغة فى النهي عن المباشرة له وإتلافه ثم بين سبحانه أن النهي عن قربانه ليس المراد منه النهي عن مباشرته فيما يصلحه ويفسده بل يجوز لولي اليتيم أن يفعل فى مال اليتيم ما يصلحه وذلك يستلزم مباشرته فقال ) إلا بالتي هي أحسن ( أى إلا بالخصلة التى هى أحسن الخصال وهى حفظه وطلب الربح فيه والسعي فيما يريد به ثم ذكر الغاية التى للنهي عن قربان مال اليتيم فقال ) حتى يبلغ أشده ( أى لا تقربوه إلا بالتى هى أحسن حتى يبلغ اليتيم أشده فإذا بلغ أشده كان لكم أن تدفعوه إليه أو تتصرفوا فيه بإذنه وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى فى الأنعام ) وأوفوا بالعهد ( قد مضى الكلام فيه فى غير موضع قال الزجاج كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد فيدخل فى ذلك ما بين العبد وربه وما بين العباد بعضهم البعض والوفاء بالعهد هو القيام يحفظه على الوجه الشرعي والقانون المرضي إلا إذا دل دليل خاص على جواز النقض ) إن العهد كان مسؤولا ( أى مسئولا عنه فالمسئول هنا هو صاحبه وقيل إن العهد يسأل تبكيتا لناقضه
الإسراء : ( 35 ) وأوفوا الكيل إذا . . . . .
) وأوفوا الكيل إذا كلتم ( أى أتموا الكيل ولا تخسروه وقت كيلكم للناس ) وزنوا بالقسطاس المستقيم ( قال الزجاج هو ميزان العدل أى ميزان كان من موازين الدراهم وغيرها وفيه لغتان ضم القاف وكسرها وقيل هو القبان المسمى بالقرسطون وقيل هو العدل نفسه وهى لغة الروم وقيل لغة سريانية وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم فى رواية أبي بكر القسطاس بضم القاف وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بكسر القاف والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى إيفاء الكيل والوزن وهو مبتدأ وخبره ) خير ( أى خير لكم


"""""" صفحة رقم 227 """"""
عند الله وعند الناس يتأثر عنه حسن الذكر وترغيب الناس فى معاملة من كان كذلك ) وأحسن تأويلا ( أى أحسن عاقبة من آل إذا رجع
الإسراء : ( 36 ) ولا تقف ما . . . . .
ثم أمر سبحانه بإصلاح اللسان والقلب فقال ) ولا تقف ما ليس لك به علم ( أى لا تتبع ما لا تعلم من قولك قفوت فلانا إذا اتبعت أثره ومنه قافية الشعر لأنها تقفو كل بيت ومنه القبيلة المشهورة بالقافة لأنهم يتبعون آثار أقدام الناس وحكى ابن جرير عن فرقة أنها قالت قفا وقاف مثل عثا وعاث قال منذر بن سعيد البلوطي قفا وقاف مثل جذب وجبذ وحكى الكسائي عن بعض القراء أنه قرأ ) تقف ( بضم القاف وسكون الفاء وقرأ الفراء بفتح القاف وهى لغة لبعض العرب وأنكرها أبو حاتم وغيره ومعنى الآية النهي عن أن يقول الإنسان ما لا يعلم أو يعمل بما لا علم له به وهذه قضية كلية وقد جعلها جماعة من المفسرين خاصة بأمور فقيل لا تذم أحدا بما ليس لك به علم وقيل هى فى شهادة الزور وقيل هى فى القذف وقال القتيبي معنى الآية لا تتبع الحدس والظنون وهذا صواب فإن ما عدا ذلك هو العلم وقيل المراد بالعلم هنا هو الإعتقاد الراجح المستفاد من مستند قطعيا كان أو ظنيا قال أبو السعود فى تفسيره واستعماله بهذا المعنى مما لا ينكر شيوعه وأقول إن هذه الآية قد دلت على عدم جواز العمل بما ليس بعلم ولكنها عامة مخصصة بالأدلة الواردة بجواز العمل بالظن كالعمل بالعام وبخبر الواحد والعمل بالشهادة والاجتهاد فى القبلة وفى جزاء الصيد ونحو ذلك فلا تخرج من عمومها ومن عموم ) إن الظن لا يغني من الحق شيئا ( إلا ما قام دليل جواز العمل به فالعمل بالرأى فى مسائل الشرع إن كان لعدم وجود الدليل فى الكتاب والسنة فقد رخص فيه النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كما فى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) لمعاذ لما بعثه قاضيا بم تقضى قال بكتاب الله قال فإن لم تجد قال فبسنة رسول الله قال فإن لم تجد قال أجتهد رأيى وهو حديث صالح للاحتجاج به كما أوضحنا ذلك فى بحث مفرد وأما التوثب على الرأى مع وجود الدليل فى الكتاب أو السنة ولكنه قصر صاحب الرأى عن البحث فجاء برأيه فهو داخل تحت هذا النهى دخولا أوليا لأنه محض رأى فى شرع الله وبالناس عنه غنى بكتاب الله سبحانه وبسنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم تدع إليه حاجة على أن الترخيص فى الرأى عند عدم وجود الدليل إنما هو رخصة للمجتهد يجوز له أن يعمل به ولم يدل دليل على أنه يجوز لغيره العمل به وينزله منزلة مسائل الشرع وبهذا يتضح لك أتم اتضاح ويظهر لك أكمل ظهور أن هذه الآراء المدونة فى الكتب الفروعية ليست من الشرع فى شئ والعامل بها على شفا جرف هار فالمجتهد المستكثر من الرأى قد قفا ما ليس له به علم والمقلد المسكين العامل برأى ذلك المجتهد قد عمل بما ليس له به علم ولا لمن قلده ظلمات بعضها فوق بعض وقد قيل إن هذه الآية خاصة بالعقائد ولا دليل على ذلك أصلا ثم علل سبحانه النهى عن العمل بما ليس يعلم بقوله ) إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ( إشارة إلى الأعضاء الثلاثة وأجريت مجرى العقلاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها وقال الزجاج إن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل بأولئك وأنشد ابن جرير مستدلا على جواز هذا قول الشاعر ذم المنازل بعد منزلة اللوى
والعيش بعد أولئك الأيام
واعترض بأن الرواية بعد أولئك الأقوام وتبعه غيره على هذا الخطأ كصاحب الكشاف والضمير فى كان من قوله ) كان عنه مسؤولا ( يرجع إلى كل وكذا الضمير فى عنه وقيل الضمير فى كان يعود إلى القافى المدلول عليه بقوله ) ولا تقف ( وقوله عنه فى محل رفع لإسناد مسئولا إليه ورد بما حكاه النحاس من الإجماع على عدم جواز تقديم القائم مقام الفاعل إذا كان جارا أو مجرورا قيل والأولى أن يقال إنه فاعل مسئولا المحذوف


"""""" صفحة رقم 228 """"""
والمذكور مفسر له ومعنى سؤال هذه الجوارح أنه يسأل صاحبها عما استعملها فيه لأنها آلات والمستعمل لها هو الروح الإنسانى فإن استعملها فى الخير استحق الثواب وإن استعملها فى الشر استحق العقاب وقيل إن الله سبحانه ينطق الأعضاء هذه عند سؤالها فتخبر عما فعله صاحبها
الإسراء : ( 37 ) ولا تمش في . . . . .
) ولا تمش في الأرض مرحا ( المرح قيل هو شدة الفرح وقيل التكبر فى المشى وقيل تجاوز الإنسان قدره وقيل الخيلاء فى المشى وقيل البطر والأشر وقيل النشاط والظاهر أن المراد به هنا الخيلاء والفخر قال الزجاج فى تفسير الآية لا تمش فى الأرض مختالا فخورا وذكر الأرض مع أن المشى لا يكون إلا عليها أو على ما هو معتمد عليها تأكيدا وتقريرا ولقد أحسن من قال ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا
فكم تحتها قوم هم منك أرفع
وإن كنت فى عز وحرز ومنعة
فكم مات من قوم هم منك أمنع
والمرح مصدر وقع حالا أى ذا مرح وفى وضع المصدر موضع الصفة نوع تأكيد وقرأ الجمهور مرحا بفتح الراء على المصدر وحكى يعقوب عن جماعة كسرها على أنه اسم فاعل ثم علل سبحانه هذا النهى فقال ) إنك لن تخرق الأرض ( يقال خرق الثوب أى شقه وخرق الأرض قطعها والخرق الواسع من الأرض والمعنى أنك لن تخرق الأرض بمشيك عليها تكبرا وفيه تهكم بالمختال المتكبر ) ولن تبلغ الجبال طولا ( أى ولن تبلغ قدرتك إلى أن تطاول الجبال حتى يكون عظم جثتك حاملا لك على الكبر والاختيال فلا قوة لك حتى تخرق الأرض بالمشى عليها ولا عظم بدنك حتى تطاول الجبال فما الحامل لك على ما أنت فيه وطولا مصدر فى موضع الحال أو تمييز أو مفعول له وقيل المراد بخرق الأرض نقبها لا قطعها بالمسافة وقال الأزهرى خرقها قطعها قال النحاس وهذا أبين كأنه مأخوذ من الخرق وهو الفتحة الواسعة ويقال فلان أخرق من فلان أى أكثر سفرا
الإسراء : ( 38 ) كل ذلك كان . . . . .
والإشارة بقوله ) كل ذلك ( إلى جميع ما تقدم ذكره من الأوامر والنواهى أو إلى ما نهى عنه فقط من قوله ) ولا تقف ( ) ولا تمش ( قرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائى ومسروق سيئه على إضافة سئ إلى الضمير ويؤيد هذه القراءة قوله ) مكروها ( فإن السئ هو المكروه ويؤيدها أيضا قراءة أبي كان سيئاته واختار هذه القراءة أبو عبيد وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو سيئة على أنها واحدة السيئات وانتصابها على خبرية كان ويكون مكروها صفة لسيئة على المعنى فإنها بمعنى سيئا أو هو بدل من سيئة وقيل هو خبر ثان لكان حملا على لفظ كل ورجح أبو علي الفارسي البدل وقد قيل فى توجيهه بغير هذا مما فيه تعسف لا يخفى قال الزجاج والإضافة أحسن لأن ما تقدم من الآيات فيها سيء وحسن فسيئه المكروه ويقوى ذلك التذكير فى المكروه قال ومن قرأ بالتنوين جعل كل ذلك إحاطة بالمنهى عنه دون الحسن المعنى كل ما نهى الله عنه كان سيئة وكان مكروها قال والمكروه على هذه القراءة بدل من السيئة وليس بنعت والمراد بالمكروه عند الله هو الذى يبغضه ولا يرضاه إلا أنه غير مراد مطلقا لقيام الأدلة القاطعة على أن الأشياء واقعة بإرادته سبحانه وذكر مطلق الكراهة مع أن فى الأشياء المتقدمة ما هو من الكبائر إشعارا بأن مجرد الكراهة عنده تعالى يوجب انزجار السامع واجتنابه لذلك والحاصل أن فى الخصال المتقدمة ما هو حسن وهو المأمور به وما هو مكروه وهو المنهى عنه فعلى قراءة الإضافة تكون الإشارة بقوله ) كل ذلك ( إلى جميع الخصال حسنها ومكروهها ثم الإخبار بأن ما هو سيء من هذه الأشياء وهو المنهي عنه مكروه عند الله وعلى قراءة الإفراد من دون إضافة تكون الإشارة إلى المنهيات ثم الإخبار عن هذه المنهيات بأنها سيئة مكروهة عند الله
الإسراء : ( 39 ) ذلك مما أوحى . . . . .
) ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ( الإشارة


"""""" صفحة رقم 229 """"""
إلى ما تقدم ذكره من قوله ) لا تجعل ( إلى هذه الغاية وترتقي إلى خمسة وعشرين تكليفا ) مما أوحى إليك ربك ( أى من جنسه أو بعض منه وسمى حكمة لأنه كلام محكم وهو ما علمه من الشرائع أو من الأحكام المحكمة التى لا يتطرق إليها الفساد وعند الحكماء أن الحكمة عبارة عن معرفة الحق لذاته و من الحكمة متعلق بمحذوف وقع حالا أى كائنا من الحكمة أو بدل من الموصول بإعادة الجار أو متعلق بأوحى ) ولا تجعل مع الله إلها آخر ( كرر سبحانه النهى عن الشرك تأكيدا وتقريرا وتنبيها على أنه رأس خصال الدين وعمدته قيل وقد راعى سبحانه فى هذا التأكيد دقيقة فرتب على الأول كونه مذموما مخذولا وذلك إشارة إلى حال الشرك فى الدنيا ورتب على الثانى أنه يلقى ) في جهنم ملوما مدحورا ( وذلك إشارة إلى حاله فى الآخرة وفى القعود هناك والإلقاء هنا إشارة إلى أن للإنسان فى الدنيا صورة اختيار بخلاف الآخرة وقد تقدم تفسير الملوم والمدحور
الإسراء : ( 40 ) أفأصفاكم ربكم بالبنين . . . . .
) أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا ( قال أبو عبيدة أصفاكم خصكم وقال الفضل أخلصكم وهو خطاب للكفار القائلين بأن الملائكة بنات الله وفيه توبيخ شديد وتقريع بالغ لما كان يقوله هؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضل والفاء للعطف على مقدر كنظائره مما قد كررناه ) إنكم لتقولون ( يعنى القائلين بأن لهم الذكور ولله الإناث ) قولا عظيما ( بالغا فى العظم والجراءة على الله إلى مكان لا يقادر قدره
الإسراء : ( 41 ) ولقد صرفنا في . . . . .
) ولقد صرفنا في هذا القرآن ( أى بينا ضروب القول فيه من الأمثال وغيرها أو كررنا فيه وقيل فى زائدة والتقدير ولقد صرفنا هذا القرآن والتصريف فى الأصل صرف الشئ من جهة إلى جهة وقيل معنى التصريف المغايرة أى غايرنا بين المواعظ ليتذكروا ويعتبروا وقراءة الجمهور صرفنا بالتشديد وقرأ الحسن بالتخفيف ثم علل تعالى ذلك فقال ) ليذكروا ( أى ليتعظوا ويتدبروا بعقولهم ويتفكروا فيه حتى يقفوا على بطلان ما يقولونه قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائى ليذكروا مخففا والباقون بالتشديد واختارها أبو عبيد لما تفيده من معنى التكثير وجملة ) وما يزيدهم إلا نفورا ( فى محل نصب على الحال أى والحال أن هذا التصريف والتذكير ما يزيدهم إلا تباعدا عن الحق وغفلة عن النظر فى الصواب لأنهم قد اعتقدوا فى القرآن أنه حيلة وسحر وكهانة وشعر وهم لا ينزعون عن هذه الغواية ولا وازع لهم يزعهم إلى الهداية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن قتادة فى قوله ) ولا تقربوا مال اليتيم ( قال كانوا لا يخالطونهم فى مال ولا مأكل ولا مركب حتى نزلت ) وإن تخالطوهم فإخوانكم ( وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) إن العهد كان مسؤولا ( قال يسأل الله ناقض العهد عن نقضه وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى الآية قال يسأل عهده من أعطاه إياه وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) وأوفوا الكيل إذا كلتم ( يعنى لغيركم ) وزنوا بالقسطاس ( يعنى الميزان وبلغة الروم الميزان القسطاس ) ذلك خير ( يعنى وفاء الكيل والميزان خير من النقصان ) وأحسن تأويلا ( عاقبة وأخرج ابن أبى شيبة والفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد قال القسطاس العدل بالرومية وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال القسطاس القبان وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن قال الحديد وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تقف ( قال لا تقل وأخرج ابن جرير عنه قال لا ترم أحدا بما ليس لك به علم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن الحنفية فى الآية قال شهادة الزور وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة فى قوله ) إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ( يقول سمعه وبصره وفؤاده تشهد عليه وأخرج الفريابى عن ابن عباس فى قوله ) كل أولئك كان عنه مسؤولا ( قال يوم القيامة أكذلك كان أم لا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن


"""""" صفحة رقم 230 """"""
قتادة فى قوله ) ولا تمش في الأرض مرحا ( قال لا تمش فخرا وكبرا فإن ذلك لا يبلغ بك الجبال ولا أن تخرق الأرض بفخرك وكبرك وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال إن التوراة فى خمس عشرة آية من بنى إسرائيل ثم تلا ) ولا تجعل مع الله إلها آخر ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فى قوله ) مدحورا ( قال مطرودا
سورة الإسراء الآية ( 42 48 )
الإسراء : ( 42 ) قل لو كان . . . . .
قوله ) قل لو كان معه آلهة كما يقولون ( قرأ ابن كثير وحفص يقولون بالياء التحتية وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب للقائلين بأن مع الله آلهة أخرى وإذن جواب عن مقالتهم الباطلة وجزاء للو ) لابتغوا إلى ذي العرش ( وهو الله سبحانه ) سبيلا ( طريقا للمغالبة والممانعة كما تفعل الملوك مع بعضهم البعض من المقاتلة والمصاولة وقيل معناه إذن لابتغت الآلهة إلى الله القربة والزلفة عنده لأنهم دونه والمشركون إنما اعتقدوا أنها تقربهم إلى الله والظاهر المعنى الأول ومثل معناه قوله سبحانه ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )
الإسراء : ( 43 ) سبحانه وتعالى عما . . . . .
ثم نزه تعالى نفسه فقال ) سبحانه ( والتسبيح التنزيه وقد تقدم ) وتعالى ( متباعد ) عما يقولون ( من الأقوال الشنيعة والفرية العظيمة ) علوا ( أى تعاليا ولكنه وضع العلو موضع التعالي كقوله ) والله أنبتكم من الأرض نباتا ( ثم وصف العلو بالكبر مبالغة فى النزاهة وتنبيها على أن بين الواجب لذاته والممكن لذاته وبين الغنى المطلق والفقير المطلق مباينة لا تعقل الزيادة عليها
الإسراء : ( 44 ) تسبح له السماوات . . . . .
ثم بين سبحانه جلالة ملكه وعظمة سلطانه فقال ) تسبح له ما في السماوات السيع والأرض ومن فيهن ( قرئ بالمثناة التحتية فى يسبح وبالفوقية وقال فيهن بضمير العقلاء لإسناده إليها التسبيح الذى هو فعل العقلاء وقد أخبر سبحانه عن السموات والأرض بأنها تسبحه وكذلك من فيها من مخلوقاته الذين لهم عقول وهم الملائكة والإنس والجن وغيرهم من الأشياء التى لا تعقل ثم زاد ذلك تعميما وتأكيدا فقال ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( فشمل كل ما يسمى شيئا كائنا ما كان وقيل إنه يحمل قوله ) ومن فيهن ( على الملائكة والثقلين ويحمل ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( على ما عدا ذلك من المخلوقات
وقد اختلف أهل العلم فى هذا العموم هل هو مخصوص أم لا فقالت طائفة ليس بمخصوص وحملوا التسبيح على تسبيح الدلالة لأن كل مخلوق يشهد على نفسه ويدل غيره بأن الله خالق قادر وقالت طائفة هذا


"""""" صفحة رقم 231 """"""
التسبيح على حقيقته والعموم على ظاهره والمراد أن كل المخلوقات تسبح لله سبحانه هذا التسبيح الذى معناه التنزيه وإن كان البشر لا يسمعون ذلك ولا يفهمونه ويؤيد هذا قوله سبحانه ) ولكن لا تفقهون تسبيحهم ( فإنه لو كان المراد تسبيح الدلالة لكان أمرا مفهوما لكل أحد وأجيب بأن المراد بقوله لا تفقهون الكفار الذين يعرضون عن الإعتبار وقالت طائفة إن هذا العموم مخصوص بالملائكة والثقلين دون الجمادات وقيل خاص بالأجسام النامية فيدخل النباتات كما روى هذا القول عن عكرمة والحسن وخصا تسبيح النباتات بوقت نموها لا بعد قطعها وقد استدل لذلك بحديث أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مر على قبرين وفيه ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين وقال إنه يخفف عنهما ما لم ييبسا ويؤيد حمل الآية على العموم قوله ) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ( وقوله ) وإن منها لما يهبط من خشية الله ( وقوله ) وتخر الجبال هدا ( ونحو ذلك من الآيات وثبت فى الصحيح أنهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام وهم يأكلون مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهكذا حديث حنين الجذع وحديث أن حجرا بمكة كان يسلم على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وكلها فى الصحيح ومن ذلك تسبيح الحصى فى كفه ( صلى الله عليه وسلم ) ومدافعه عموم هذه الآية بمجرد الاستبعادات ليس دأب من يؤمن بالله سبحانه ويؤمن بما جاء من عنده ومعنى ) إلا يسبح بحمده ( إلا يسبح متلبسا بحمده ) ولكن لا تفقهون تسبيحهم ( قرأ الحسن وأبو عمرو ويعقوب وحفص وحمزة والكسائى وخلف تسبح بالمثناة الفوقية على الخطاب وقرا الباقون بالتحتية واختار هذه القراءة أبو عبيد ) إنه كان حليما غفورا ( فمن حلمه الإمهال لكم وعدم إنزال عقوبته عليكم ومن مغفرته لكم أنه لا يؤاخذ من تاب منكم
الإسراء : ( 45 ) وإذا قرأت القرآن . . . . .
ولما فرغ سبحانه من الإلهيات شرع فى ذكر بعض من آيات القرآن وما يقع من سامعيه فقال ) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ( جعلنا بينك يا محمد وبين المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا أى إنهم لإعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب يمرون بك ولا يرونك ذكر معناه الزجاج وغيره ومعنى مستورا ساتر قال الأخفش أراد ساترا والفاعل قد يكون فى لفظ المفعول كما تقول إنك لمشئوم وميمون وإنما هو شائم ويامن وقيل معنى مستورا ذا ستر كقولهم سيل مفعم أى ذو إفعام وقيل هو حجاب لا تراه الأعين فهو مستور عنها قيل حجاب من دونه حجاب فهو مستور بغيره وقيل المراد بالحجاب المستور الطبع والختم
الإسراء : ( 46 ) وجعلنا على قلوبهم . . . . .
) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( الأكنة جمع كنان وقد تقدم تفسيره فى الأنعام وقيل هو حكاية لما كانوا يقولونه من قولهم ) قلوبنا غلف ( ) وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب ( و ) أن يفقهوه ( مفعول لأجله أى كراهة أن يفقهوه أو لئلا يفقهوه أى يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم المعاني ) وفي آذانهم وقرا ( أى صمما وثقلا وفى الكلام حذف والتقدير إن يسمعوه ومن قبائح المشركين أنهم كانوا يحبون أن يذكر آلهتهم كما يذكر الله سبحانه فإذا سمعوا ذكر الله دون ذكر آلهتهم نفروا عن المجلس ولهذا قال الله ) وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ( أى واحدا غير مشفوع بذكر آلهتهم فهو مصدر وقع موقع الحال ) ولوا على أدبارهم نفورا ( هو مصدر والتقدير هربوا نفورا أو نفورا نفورا وقيل جمع نافر كقاعد وقعود والأول أولى ويكون المصدر فى موضع الحال أى ولوا نافرين
الإسراء : ( 47 ) نحن أعلم بما . . . . .
) نحن أعلم بما يستمعون به ( أى يستمعون إليك متلبسين به من الإستخفاف بك وبالقرآن واللغو فى ذكرك لربك وحده وقيل الباء زائدة والظرف فى ) إذ يستمعون إليك ( متعلق بأعلم أى نحن أعلم وقت يستمعون إليك بما يستمعون به وفيه تأكيد للوعيد وقوله ) وإذ هم نجوى ( متعلق بأعلم أيضا أى ونحن أعلم بما يتناجون به فيما بينهم وقت تناجيهم وقد كانوا يتناجون بينهم بالتكذيب والإستهزاء


"""""" صفحة رقم 232 """"""
يقول بدل من ) وإذ هم نجوى ( ) إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( أى يقول كل منهم للآخرين عند تناجيهم ما تتبعون إلا رجلا سحر فاختلط عقله وزال عن حد الإعتدال قال ابن الأعرابي المسحور الذاهب العقل الذى أفسد من قولهم طعام مسحور إذا أفسد عمله وأرض مسحورة أصابها من المطر أكثر مما ينبغي فأفسدها وقيل المسحور المخدوع لأن السحر حيلة وخديعة وذلك لأنهم زعموا أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) كان يتعلم من بعض الناس وكانوا يخدعونه بذلك التعليم وقال أبو عبيدة معنى مسحورا أن له سحرا أى رئة فهو لا يستغني عن الطعام والشراب فهو مثلكم وتقول العرب للجبان قد انتفخ سحره وكل من كان يأكل من آدمي أو غيره مسحور ومنه قول امرئ القيس أرانا موضعين لأمر غيب
ونسحر بالطعام وبالشراب
أى نغذي ونعلل قال ابن قتيبة لا أدرى ما حمله على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسروه بالوجوه الواضحة
الإسراء : ( 48 ) انظر كيف ضربوا . . . . .
) انظر كيف ضربوا لك الأمثال ( أى قالوا تارة إنك كاهن وتارة ساحر وتارة شاعر وتارة مجنون ) فضلوا ( عن طريق الصواب فى جميع ذلك ) فلا يستطيعون سبيلا ( إلى الهدى أو إلى الطعن الذى تقبله العقول ويقع التصديق له لا أصل الطعن فقد فعلوا منه ما قدروا عليه وقيل لا يستطيعون مخرجا لتناقض كلامهم كقولهم ساحر مجنون وقد أخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ( قال على أن يزيلوا ملكه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى حاتم والطبراني وأبونعيم فى الحلية والبيهقى فى الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة أسرى به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فطارا به حتى بلغ السموات العلى فلما رجع قال سمعت تسبيحا من السموات العلى مع تسبيح كثير سبحت السموات العلى من ذى المهابة مشفقات لذى العلو بما علا سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعال وأخرج ابن مردويه عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدة فقال أطت السماء ويحقها أن تئط والذى نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أخبركم بشئ أمر به نوح ابنه إن نوحا قال لابنه يا بنى آمرك أن تقول سبحان الله فإنها صلاة الخلائق وتسبيح الخلق وبها يرزق الخلق قال الله تعالى ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( وأخرج أحمد وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى أمامة قال ما من عبد سبح تسبيحة إلا سبح ما خلق الله من شئ قال الله ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( قال ابن كثير إسناده فيه ضعف وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرصت نملة نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح وأخرج النسائي وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمرو قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قتل الضفدع وقال نقيقها تسبيح وأخرج أبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( قال الزرع يسبح وأجره لصاحبه والثوب يسبح ويقول الوسخ إن كنت مؤمنا فاغسلني إذن وأخرج أبو الشيخ عنه قال كل شئ يسبح إلا الكلب والحمار وأخرج ابن راهويه فى مسنده من طريق الزهري قال أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين فجعل ينشر جناحيه ويقول ما صيد من صيد ولا عضد من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح وأخرجه أحمد فى الزهد وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع وأخرجه أبو نعيم


"""""" صفحة رقم 233 """"""
فى الحلية وابن مردويه من حديث أبى هريرة بنحوه وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه وأخرج أبو الشيخ من حديث أبى الدرداء بمعناه وأخرج ابن عساكر من حديث أبى رهم نحوه وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال هذه الآية فى التوراة كقدر ألف آية ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( قال فى التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر ويسبح له كذا ويسبح له كذا وأخرج أحمد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال صلى داود ليلة حتى أصبح فلما أصبح وجد فى نفسه سرورا فنادته ضفدعة يا داود كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء وأخرج البيهقى فى الشعب عن صدقة بن يسار قال كان داود فى محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر فى خلقها وقال ما يعبأ الله بخلق هذه فأنطقها الله فقالت يا داود أتعجبك نفسك لأنا على قدر ما آتانى الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله قال الله ) وإن من شيء إلا يسبح بحمده ( وفى الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات وأخرج أبو يعلى وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقى عن أسماء بنت أبى بكر قال لما نزلت ) تبت يدا أبي لهب ( أقبلت العوراء أم جميل وله ولولة وفى يدها فهر وهى تقول مذمما أبينا
ودينه قلينا
وأمره عصينا
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه فقال أبو بكر لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك فقال إنها لن تراني وقرأ قرآنا اعتصم به كما قال تعالى ) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ( فجاءت حتى قامت على أبى بكر فلم تر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر لا ورب هذا البيت ما هجاك فانصرفت وهى تقول قد علمت قريش أني بنت سيدها وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ( قال الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم وأخرج ابن أبى حاتم عن زهير بن محمد فى الآية قال ذاك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) ولوا على أدبارهم نفورا ( قال الشياطين وأخرج ابن مردويه عنه فى قوله ) إذ يستمعون إليك ( قال عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل
سورة الإسراء الآية ( 49 55 )


"""""" صفحة رقم 234 """"""
الإسراء : ( 49 ) وقالوا أئذا كنا . . . . .
لما فرغ سبحانه من حكاية شبه القوم فى النبوات حكى شبهتهم فى أمر المعاد فقال ) وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ( والاستفهام للاستنكار والاستبعاد وتقرير الشبهة أن الإنسان إذا مات جفت عظامه وتناثرت وتفرقت فى جوانب العالم واختلطت بسائطها بأمثالها من العناصر فكيف يعقل بعد ذلك اجتماعها بأعيانها ثم عود الحياة إلى ذلك المجموع فأجاب سبحانه عنهم بأن إعادة بدن الميت إلى حال الحياة أمر ممكن ولو فرضتم أن بدنه قد صار أبعد شيء من الحياة ومن رطوبة الحي كالحجارة والحديد فهو كقول القائل أتطمع فى وأنا ابن فلان فيقول كن ابن السلطان أو ابن من شئت فسأطلب منك حقي والرفات ما تكسر وبلى من كل شيء كالفتات والحطام والرضاض قاله أبو عبيدة والكسائي والفراء والأخفش تقول منه رفت الشيء رفتا أى حطم فهو مرفوت وقيل الرفات الغبار وقيل التراب ) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ( كرر الاستفهام الدال على الاستنكار والاستبعاد تأكيدا وتقريرا والعامل فى إذا هو ما دل عليه لمبعوثون لا هو نفسه لأن ما بعد إن والهمزة واللام لا يعمل فيما قبلها والتقدير ) أئذا كنا عظاما ورفاتا ( نبعث ءإنا لمبعوثون وانتصاب خلقا على المصدرية من غير لفظه أو على الحال أى مخلوقين وجديدا صفة له
الإسراء : ( 50 ) قل كونوا حجارة . . . . .
) قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا ( آخر ) مما يكبر في صدوركم ( قال ابن جرير معناه إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاما ولحما فكونوا أنتم حجارة أو حديدا إن قدرتم على ذلك وقال علي بن عيسى معناه إنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا الله عز وجل إذا أرادكم إلا أنه خرج مخرج الأمر لأنه أبلغ فى الإلزام وقيل معناه لو كنتم حجارة أو حديدا لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم قال النحاس وهذا قول حسن لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة أو حديدا وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة قلت وعلى هذا الوجه قررنا جواب الشبهة قبل هذا
الإسراء : ( 51 ) أو خلقا مما . . . . .
) أو خلقا مما يكبر في صدوركم ( أى يعظم عندكم مما هو أكبر من الحجارة والحديد مباينة للحياة فإنكم مبعوثون لا محالة وقيل المراد به السموات والأرض والجبال لعظمها فى النفوس وقال جماعة من الصحابة والتابعين المراد به الموت لأنه ليس شيء أكبر فى نفس ابن آدم منه والمعنى لو كنتم الموت لأماتكم الله ثم بعثكم ولا يخفى ما فى هذا من البعد فإن معنى الآية الترقي من الحجارة إلى الحديد ثم من الحديد إلى ما هو أكبر فى صدور القوم منه والموت نفسه ليس بشيء يعقل ويحس حتى يقع الترقي من الحديد إليه ) فسيقولون من يعيدنا ( إذا كنا عظاما ورفاتا أو حجارة أو حديدا مع ما بين الحالتين من التفاوت ) قل الذي فطركم أول مرة ( أى يعيدكم الذى خلقكم واخترعكم عند ابتداء خلقكم من غير مثال سابق ولا صورة متقدمة ) فسينغضون إليك رؤوسهم ( أى يحركونها استهزاء يقال نغض رأسه ينغض وينغض وينغض نغضا ونغوضا أى تحرك وأنغض رأسه حركه كالمتعجب ومنه قول الراجز أنغض نحوى رأسه وأقنعا
وقول الراجز الآخر
ونغضت من هرم أسنانها
وقال آخر
لما رأتني أنغضت لى رأسها
) ويقولون متى هو ( أى البعث والإعادة استهزاء منهم وسخرية ) قل عسى أن يكون قريبا ( أى هو قريب لأن عسى فى كلام الله واجب الوقوع ومثله ) وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ( وكل ما هو آت قريب
الإسراء : ( 52 ) يوم يدعوكم فتستجيبون . . . . .
) يوم يدعوكم ( الظرف منتصب بفعل مضمر أى اذكر أو بدل من قريبا أو التقدير يوم يدعوكم كان ما كان الدعاء النداء إلى المحشر بكلام يسمعه الخلائق وقيل هو الصيحة التى تسمعونها فتكون داعية لهم إلى الاجتماع فى أرض المحشر ) فتستجيبون بحمده ( أى منقادين له حامدين لما فعله بكم فهو فى محل نصب على الحال وقيل المعنى فتستجيبون والحمد لله كما قال الشاعر


"""""" صفحة رقم 235 """"""
وإني بحمد الله لا ثوب فاخر
لبست ولا من غدرة أتقنع
وقد روى أن الكفار عند خروجهم من قبورهم يقولون سبحانك وبحمدك وقيل المراد بالدعاء هنا البعث وبالاستجابة أنهم يبعثون فالمعنى يوم يبعثكم فتبعثون منقادين ) وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ( أى تظنون عند البعث أنكم ما لبثتم فى قبوركم إلا زمنا قليلا وقيل بين النفختين وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين النفختين وذلك أربعون عاما ينامون فيها فلذلك ) قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ( وقيل إن الدنيا تحقرت فى أعينهم وقلت حين رأوا يوم القيامة
الإسراء : ( 53 ) وقل لعبادي يقولوا . . . . .
فقالوا هذه المقالة ) وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ( أى قل يا محمد لعبادي المؤمنين إنهم يقولون عند محاورتهم للمشركين الكلمة التى هى أحسن من غيرها من الكلام الحسن كقوله سبحانه ) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ( وقوله ) فقولا له قولا لينا ( لأن المخاشنة لهم ربما تنفرهم عن الإجابة أو تؤدي إلى ما قال سبحانه ) ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ( وهذا كان قبل نزول آية السيف وقيل المعنى قل لهم يأمروا بما أمر الله وينهوا عما نهى عنه وقيل هذه الآية للمؤمنين فيما بينهم خاصة والأول أولى كما يشهد به السبب الذى سنذكره إن شاء الله ) إن الشيطان ينزغ بينهم ( أى بالفساد وإلقاء العداوة والإغراء قال اليزيدي يقال نزغ بيننا أى أفسد وقال غيره النزغ الإغراء ) إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ( أى متظاهرا بالعداوة مكاشفا بها وهو تعليل لما قبله وقد تقدم مثل هذا فى البقرة
الإسراء : ( 54 ) ربكم أعلم بكم . . . . .
) ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم ( قيل هذا خطاب للمشركين والمعنى إن يشأ يوفقكم للإسلام فيرحمكم أو يميتكم عن الشرك فيعذبكم وقيل هو خطاب للمؤمنين أى إن يشأ يرحمكم بأن يحفظكم من الكفار أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم وقيل إن هذا تفسير للكلمة التى هى أحسن ) وما أرسلناك عليهم وكيلا ( أى ما وكلناك فى منعهم من الكفر وقسرهم على الإيمان وقيل ما جعلناك كفيلا لهم تؤخذ بهم ومنه قول الشاعر ذكرت أبا أروى فبت كأنني
برد الأمور الماضيات وكيل
أى كفيل
الإسراء : ( 55 ) وربك أعلم بمن . . . . .
) وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ( أعلم بهم ذاتا وحلالا واستحقاقا وهو أعم من قوله ) ربكم أعلم بكم ( لأن هذا يشمل كل ما فى السموات والأرض من مخلوقاته وذاك خاص ببني آدم أو ببعضهم وهذا كالتوطئة لقوله ) ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ( أى أن هذا التفضيل عن علم منه بمن هو أعلى رتبة وبمن دونه وبمن يستحق مزيد الخصوصية بتكثير فضائله وفواضله وقد تقدم هذا فى البقرة وقد اتخذ الله إبراهيم خليلا وموسى كليما وجعل عيسى كلمته وروحه وجعل لسليمان ملكا عظيما وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر وجعله سيد ولد آدم وفى هذه الآية دفع لما كان ينكره الكفار مما يحكيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من ارتفع درجته عند ربه عز وجل ثم ذكر ما فضل به داود فقال ) وآتينا داود زبورا ( أى كتابا مزبورا قال الزجاج أى فلا تنكروا تفضيل محمد وإعطاءه القرآن فقد أعطى الله داود زبورا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ورفاتا ( قال غبارا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) ورفاتا ( قال ترابا وفى قوله ) قل كونوا حجارة أو حديدا ( قال ما شئتم فكونوا فسيعيدكم الله كما كنتم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله ابن أحمد فى زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر فى قوله ) أو خلقا مما يكبر في صدوركم ( قال الموت لو كنتم موتا لأحييتكم وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن جرير والحاكم عن ابن عباس مثله وأخرج أبو الشيخ فى العظمة عن الحسن مثله أيضا وأخرج عبد الله بن أحمد وابن جرير وابن المنذر عن


"""""" صفحة رقم 236 """"""
سعيد بن جبير نحوه وزاد قال فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فسينغضون إليك رؤوسهم ( قال سيحركونها استهزاء وأخرج ابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) ويقولون متى هو ( قال الإعادة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فى قوله ) فتستجيبون بحمده ( قال بأمره وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى الآية قال يخرجون من قبورهم وهم يقولون سبحانك اللهم وبحمدك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة ) فتستجيبون بحمده ( قال بمعرفته وطاعته ) وتظنون إن لبثتم إلا قليلا ( أى فى الدنيا تحاقرت الدنيا فى أنفسهم وقلت حين عاينوا يوم القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين فى قوله ) وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ( قال لا إله إلا الله وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى الآية قال يعفو عن السيئة وأخرج ابن جرير عن الحسن قال يقول له يرحمك الله يغفر الله لك وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال نزغ الشيطان تحريشه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وآتينا داود زبورا ( قال كنا نحدث أنه دعاء علمه داود وتحميد وتمجيد لله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال الزبور ثناء على الله ودعاء وتسبيح قلت الأمر كما قاله قتادة والربيع فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطبا يخطبها داود عليه السلام ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة وجملته مائة وخمسون خطبة كل خطبة تسمى مزمورا بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثانية وآخره راء ففي بعض هذه الخطب يشكو داود على ربه من أعدائه ويستنصره عليهم وفى بعضها يحمد الله ويمجده ويثنى عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة وهى آلة من آلات الملاهي وقد ذكر السيوطي فى الدر المنثور هاهنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظا وقفوا عليها فى الزبور ليس لها كثير فائدة فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر
سورة الإسراء الآية ( 56 60 )


"""""" صفحة رقم 237 """"""
الإسراء : ( 56 ) قل ادعوا الذين . . . . .
قوله ) قل ادعوا الذين زعمتم من دونه ( هذا رد على طائفة من المشركين كانوا يعبدون تماثيل على أنها صور الملائكة وعلى طائفة من أهل الكتاب كانوا يقولون بإلهية عيسى ومريم وعزير فأمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقول لهم ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون الله وقيل أراد بالذين زعمتم نفرا من الجن عندهم ناس من العرب وإنما خصصت الآية بمن ذكرنا لقوله ) يبتغون إلى ربهم الوسيلة ( فإن هذا لا يليق بالجمادات ) فلا يملكون كشف الضر عنكم ( أى لا يستطيعون ذلك والمعبود الحق هو الذى يقدر على كشف الضر وعلى تحويله من حال إلى حال ومن مكان إلى مكان فوجب القطع بأن هذه التى تزعمونها آلهة ليست بآلهة
الإسراء : ( 57 ) أولئك الذين يدعون . . . . .
ثم إنه سبحانه أكد عدم اقتدارهم ببيان غاية افتقارهم إلى الله فى جلب المنافع ودفع المضار فقال ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ( فأولئك مبتدأ والذين يدعون صفته وضمير الصلة محذوف أى يدعونهم وخبر المبتدأ يبتغون إلى ربهم الوسيلة ويجوز أن يكون الذين يدعون خبر المبتدأ أى الذين يدعون عباده إلى عبادتهم ويكون يبتغون فى محل نصب على الحال وقرأ ابن مسعود تدعون بالفوقية على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر ولا خلاف فى يبتغون أنه بالتحتية والوسيلة القربة بالطاعة والعبادة أى يتضرعون إلى الله فى طلب ما يقربهم إلى ربهم والضمير فى ربهم يعود إلى العابدين أو المعبودين ) أيهم أقرب ( مبتدأ وخبر قال الزجاج المعنى أيهم أقرب بالوسيلة إلى الله أى يتقرب إليه بالعمل الصالح ويجوز أن يكون بدلا من الضمير فى يبتغون أى يبتغي من هو أقرب إليه تعالى الوسيلة فكيف بمن دونه وقيل إن يبتغون مضمن معنى يحرصون أى يحرصون أيهم أقرب إليه سبحانه بالطاعة والعبادة ) ويرجون رحمته ( كما يرجوها غيرهم ) ويخافون عذابه ( كما يخافه غيرهم ) إن عذاب ربك كان محذورا ( تعليل لقوله يخافون عذابه أى إن عذابه سبحانه حقيق بأن يحذره العباد من الملائكة والأنبياء وغيرهم
الإسراء : ( 58 ) وإن من قرية . . . . .
ثم بين سبحانه مآل الدنيا وأهلها فقال ) وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة ( إن نافية ومن للاستغراق أى ما من قرية أى قرية كانت من قرى الكفار قال الزجاج أى ما من أهل قرية إلا سيهلكون إما بموت وإما بعذاب يستأصلهم فالمراد بالقرية أهلها وإنما قيل قبل يوم القيامة لأن الإهلاك يوم القيامة غير مختص بالقرى الكافرة بل يعم كل قرية لانقضاء عمر الدنيا وقيل الإهلاك للصالحة والتعذيب للطالحة والأول أولى لقوله ) وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ( ) كان ذلك ( المذكور من الإهلاك والتعذيب ) في الكتاب ( أى اللوح المحفوظ ) مسطورا ( أى مكتوبا والسطر الخط وهو فى الأصل مصدر والسطر بالتحريك مثله قال جرير من شاء بايعته مالي وخلفته
ما تكمل التيم فى ديوانها سطرا
والخلفة بضم الخاء خيار المال والسطر جمع أسطار وجمع السطر بالسكون أسطر
الإسراء : ( 59 ) وما منعنا أن . . . . .
) وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ( قال المفسرون إن أهل مكة سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحى عنهم جبال مكة فأتاه جبريل فقال إن شئت كان ما سأل قومك ولكنهم إن لم يؤمنوا لم يمهلوا وإن شئت استأنيت بهم فأنزل الله هذه الآية والمعنى وما منعنا من إرسال الآيات التى سألوها إلا تكذيب الأولين فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنة الله سبحانه فى عباده فالمنع مستعار للترك والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء أى ما تركنا إرسالها لشيء من الأشياء إلا تكذيب الأولين فإن كذب بها هؤلاء كما كذب بها أولئك لاشتراكهم فى الكفر والعناد حل بهم ما حل بهم و ) إن ( الأولى فى محل نصب بإيقاع المنع عليها و ) إن ( الثانية فى محل رفع والباء فى ) بالآيات ( زائدة والحاصل أن المانع من إرسال الآيات التى


"""""" صفحة رقم 238 """"""
اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكلي وهو الاستئصال وقد عزمنا على أن نؤخر أمر من بعث إليهم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلى يوم القيامة وقيل معنى الآية إن هؤلاء الكفار من قريش ونحوهم مقلدون لآبائهم فلا يؤمنون ألبتة كما لم يؤمن أولئك فيكون إرسال الآيات ضائعا ثم إنه سبحانه استشهد على ما ذكر بقصة صالح وناقته فإنهم لما اقترحوا عليه ما اقترحوا من الناقة وصفتها التى قد بينت فى محل آخر وأعطاهم الله ما اقترحوا فلم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب وإنما خص قوم صالح بالاستشهاد لأن آثار إهلاكهم فى بلاد العرب قريبة من قريش وأمثالهم يبصرها صادرهم وواردهم فقال ) وآتينا ثمود الناقة مبصرة ( أى ذات إبصار يدركها الناس بأبصارهم كقوله ) وجعلنا آية النهار مبصرة ( أو أسند إليها حال من يشاهدها مجازا أو أنها جعلتهم ذوى إبصار من أبصره جعله بصيرا وقرئ على صيغة المفعول وقرئ بفتح الميم والصاد وانتصابها على الحال وقرئ برفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف والجملة معطوفة على محذوف يقتضيه سياق الكلام أى فكذبوها وآتينا ثمود الناقة ومعنى ) فظلموا بها ( فظلموا بتكذيبها أو على تضمين ظلموا معنى جحدوا أو كفروا أى فجحدوا بها أو كفروا بها ظالمين ولم يكتفوا بمجرد الكفر أو الجحد ) وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ( اختلف فى تفسير الآيات على وجوه الأول أن المراد بها العبر والمعجزات التى جعلها الله على أيدي الرسل من دلائل الإنذار تخويفا للمكذبين الثاني أنها آيات الانتقام تخويفا من المعاصي الثالث تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى شيب ليعتبر الإنسان بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره الرابع آيات القرآن الخامس الموت الذريع والمناسب للمقام أن تفسر الآيات المذكورة بالآيات المقترحة أى لا نرسل الآيات المقترحة إلا تخويفا من نزول العذاب فإن لم يخافوا وقع عليهم والجملة مستأنفة لا محل لها ويجوز أن تكون فى محل نصب على الحال من ضمير ظلموا بها أى فظلموا بها ولم يخافوا والحال أن ما نرسل بالآيات التى هى من جملتها إلا تخويفا قال ابن قتيبة وما نرسل بالآيات المقترحة إلا تخويفا من نزول العذاب العاجل
الإسراء : ( 60 ) وإذ قلنا لك . . . . .
ولما ذكر سبحانه الامتناع من إرسال الآيات المقترحة على رسوله للصارف المذكور قوى قلبه بوعد النصر والغلبة فقال ) وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ( الظرف متعلق بمحذوف أى اذكر إذ قلنا لك أى أنهم فى قبضته وتحت قدرته فلا سبيل لهم إلى الخروج مما يريده بهم لإحاطته لهم بعلمه وقدرته وقيل المراد بالناس أهل مكة وإحاطته بهم إهلاكه إياهم أى إن الله سيهلكهم وعبر بالماضي تنبيها على تحقق وقوعه وذلك كما وقع يوم بدر ويوم الفتح وقيل المراد أنه سبحانه عصمه من الناس أن يقتلوه حتى يبلغ رسالة ربه ) وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ( لما بين سبحانه إن إنزال الآيات يتضمن التخويف ضم إليه ذكر آية الإسراء وهى المذكورة فى صدر السورة وسماها رؤيا لأنها وقعت بالليل أو لأن الكفرة قالوا لعلها رؤيا وقد قدمنا فى صدر السورة وجها آخر فى تفسير هذه الرؤيا وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه أسرى به وقيل كانت رؤيا نوم وأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى أنه يدخل مكة فافتتن المسلمون لذلك فلما فتح الله مكة نزل قوله تعالى ) لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ( وقد تعقب هذا بأن هذه الآية مكية والرؤيا المذكورة كانت بالمدينة وقيل إن هذه الرؤيا المذكورة فى هذه الآية هى أنه رأى بني مروان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فقيل إنما هى الدنيا أعطوها فسرى عنه وفيه ضعف فإنه لا فتنة للناس فى هذه الرؤيا إلا أن يراد بالناس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وحده ويراد بالفتنة ما حصل من المساءة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو يحمل على أنه قد كان أخبر الناس بها فافتتنوا وقيل إن الله سبحانه أراه فى المنام مصارع قريش حتى


"""""" صفحة رقم 239 """"""
قال والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وهو يومئ إلى الأرض ويقول هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان فلما سمع قريش ذلك جعلوا رؤياه سخرية ) والشجرة الملعونة في القرآن ( عطف على الرؤيا قيل وفى الكلام تقديم وتأخير والتقدير وما جعلنا الرؤيا التى أريناك والشجرة الملعونة فى القرآن إلا فتنة للناس قال جمهور المفسرين وهى شجرة الزقوم والمراد بلعنها لعن آكلها كما قال سبحانه ) إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ( وقال الزجاج إن العرب تقول لكل طعام مكروه ملعون ومعنى الفتنة فيها أن أبا جهل وغيره قالوا زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر ثم يقول ينبت فيها الشجر فأنزل الله هذه الاية وروى أن أبا جهل أمر جارية فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه تزقموا وقال ابن الزبعري كثر الله من الزقوم فى داركم فإنه التمر بالزبد بلغة اليمن وقيل إن الشجرة الملعونة هى الشجرة التى تلتوى على الشجر فتقتلها وهى شجرة الكشوث وقيل هى الشيطان وقيل اليهود وقيل بنو أمية ) ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ( أى نخوفهم بالآيات فما يزيدهم التخويف إلا طغيانا متجاوزا للحد متماديا غاية التمادي فما يفيدهم إرسال الآيات إلا الزيادة فى الكفر فعند ذلك نفعل بهم ما فعلناه بمن قبلهم من الكفار وهو عذاب الاستئصال ولكنا قد قضينا بتأخير العقوبة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل عن ابن مسعود فى قوله ) قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ( قال كان نفر من الإنس يعبدون نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسك الإنسيون بعبادتهم فأنزل الله ) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ( كلاهما يعني الفعلين بالياء التحتية وروى نحو هذا عن ابن مسعود من طرق أخرى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيزا وروى عنه من وجه آخر بلفظ عيسى وأمه وعزيز وروى عنه أيضا من وجه آخر بلفظ هم عيسى وعزيز والشمس والقمر وأخرج الترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
سلوا الله لي الوسيلة قالوا وما الوسيلة قال القرب من الله ثم قرأ ) يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ( وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي فى قوله ) كان ذلك في الكتاب مسطورا ( قال فى اللوح المحفوظ وأخرج أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل والضياء فى المختارة عن ابن عباس قال سأل أهل مكة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجعل لهم الصفا ذهبا وأن ينحى عنهم الجبال فيزرعوا فقيل له إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذى سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم قال لا بل أستأنى بهم فأنزل الله ) وما منعنا أن نرسل بالآيات ( الآية وأخرج أحمد والبيهقي من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج البيهقي فى الدلائل عن الربيع بن أنس قال قال الناس لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيون فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم فإن عصيتم هلكتم فقالوا لا نريدها وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس ) وما نرسل بالآيات إلا تخويفا ( قال الموت وأخرج سعيد بن منصور وأحمد فى الزهد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال هو الموت الذريع وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن فى قوله ) وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ( قال عصمك من الناس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد فى الآية قال فهم فى قبضته وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد والبخاري والترمذي


"""""" صفحة رقم 240 """"""
والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس فى قوله ) وما جعلنا الرؤيا ( الآية قال هى رؤيا عين أريها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة أسرى به إلى بيت المقدس وليست برؤيا منام ) والشجرة الملعونة في القرآن ( قال هى شجرة الزقوم وأخرج أبو سعيد وأبو يعلى وابن عساكر عن أم هانئ أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما أسرى به أصبح يحدث نفرا من قريش وهو يستهزئون به فطلبوا منه آية فوصف لهم بيت المقدس وذكر لهم قصة العير فقال الوليد بن المغيرة هذا ساحر فأنزل الله إليه ) وما جعلنا الرؤيا ( الآية وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال رأى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بني فلان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتى مات فأنزل الله ) وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ( قال ابن كثير بعد أن ساق إسناده وهذا السند ضعيف جدا وذكر من جملة رجال السند محمد بن الحسن بن زبان وهو متروك وشيخه عبد المهيمن بن عباس ابن سهل بن سعد ضعيف جدا وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عمرو أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال رأيت ولد الحكم بن أبى العاص على المنابر كأنهم القردة فأنزل الله ) وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة ( يعنى الحكم وولده وأخرج ابن أبى حاتم عن يعلي بن مرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء واهتم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لذلك فأنزل الله الآية وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي نحوه مرفوعا وهو مرسل وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى وابن عساكر عن سعيد بن المسيب نحوه وهو مرسل وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم سعمت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول لأبيك وجدك إنكم الشجرة الملعونة فى القرآن وفى هذا نكارة لقوها يقول لأبيك وجدك ولعل جد مروان لم يدرك زمن النبوة وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أرى أنه دخل مكة هو وأصحابه وهو يومئذ بالمدينة فسار إلى مكة قبل الأجل فرده المشركون فقال ناس قد رد وقد كان حدثنا أنه سيدخلها فكانت رجعته فتنتهم وقد تعارضت هذه الأسباب ولم يمكن الجمع بينها فالواجب المصير إلى الترجيح والراجح كثرة وصحة هو كون سبب نزول هذه الآية قصة الإسراء فيتعين ذلك وقد حكى ابن كثير إجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك فى الرؤيا وفى تفسير الشجرة وأنها شجرة الزقوم فلا اعتبار بغيرهم معهم وأخرج ابن إسحاق وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى البعث عن ابن عباس قال قال أبو جهل لما ذكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شجرة الزقوم تخويفا لهم يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقزم التى يخوفكم بها محمد قالوا لا قال عجوة يثرب بالزبد والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقما قال الله سبحانه ) إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ( وأنزل ) والشجرة الملعونة في القرآن ( الآية وأخرج ابن المنذر عنه فى قوله والشجرة الملعونة قال ملعونة لأنه قال ) طلعها كأنه رؤوس الشياطين ( والشياطين ملعونون
سورة الإسراء الآية ( 61 63 )


"""""" صفحة رقم 241 """"""
سورة الإسراء الآية ( 64 65 )
الإسراء : ( 61 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
لما ذكر سبحانه أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان فى بلية عظيمة من قومه ومحنة شديدة أراد أن يبين أن جميع الأنبياء كانوا كذلك حتى أن هذه عادة قديمة سنها إبليس اللعين وأيضا لما ذكر أن الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ذكر ها هنا ما يحقق ذلك فقال ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( هذه القصة قد ذكرها الله سبحانه فى سبعة مواضع فى البقرة والأعراف والحجر وهذه السورة والكهف وطه وص وقد تقدم تفسيرها مبسوطا فلنقتصر هاهنا على تفسير ما لم يتقدم ذكره من الألفاظ فقوله ) طينا ( منتصب بنزع الخافض أى من طين أو على الحال قال الزجاج المعنى لمن خلقته طينا وهو منصوب على الحال
الإسراء : ( 62 ) قال أرأيتك هذا . . . . .
(أرأيتك) اي أخبرني عن هذا الذى فضلته علي لم فضلته وقد ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( فحذف هذا للعلم به ) لأحتنكن ذريته ( أى لأستولين عليهم بالإغواء والإضلال قال الواحدي أصله من احتناك الجراد الزرع وهو أن تستأصله بأحناكها وتفسده هذا هو الأصل ثم سمى الاستيلاء على الشيء وأخذه كله احتناكا وقيل معناه لأسوقنهم حيث شئت وأقودنهم حيث أردت من قولهم حنكت الفرس أحنكه حنكا إذا جعلت فى فيه الرسن والمعنى الأول أنسب بمعنى هذه الآية ومنه قول الشاعر أشكو إليك سنة قد أجحفت
جهدا إلى جهد بنا وأصعقت
واحتنكت أموالنا واختلفت
أى استأصلت أموالنا واللام فى ) لئن أخرتن ( هى الموطئة وإنما أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره لعلم قد سبق إليه من سمع استرقه أو قاله لما ظنه من قوة نفوذ كيده فى بني آدم وأنه يجري منهم فى مجاري الدم وأنهم بحيث يروج عندهم كيده وتنفق لديهم وسوسته إلا من عصم الله وهم المرادون بقوله ) إلا قليلا ( وفى معنى هذا الاستثناء قوله سبحانه ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ( فإنه يفيد أنه قال ما قاله هنا اعتمادا على الظن وقيل إنه استنبط ذلك من قول الملائكة ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( وقيل علم ذلك من طبع البشر لما ركب فيهم من الشهوات أو ظن ذلك لأنه وسوس لآدم فقبل منه ذلك ولم يجد له عزما كما روى عن الحسن
الإسراء : ( 63 ) قال اذهب فمن . . . . .
) قال اذهب فمن تبعك منهم ( أى أطاعك ) فإن جهنم جزاؤكم ( اى إبليس ومن أطاعه ) جزاء موفورا ( أى وافرا مكملا يقال وفرته أفره وفرا ووفر المال بنفسه يفر وفورا فهو وافر فهو مصدر ومنه قول زهير
ومن يجعل المعروف من دون عرضه
يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم
الإسراء : ( 64 ) واستفزز من استطعت . . . . .
ثم كرر سبحانه الإمهال لإبليس اللعين فقال ) واستفزز من استطعت منهم بصوتك ( أى استزعج واستخف من استطعت من بني آدم يقال أفزه واستفزه أى أزعجه واستخفه والمعنى استخفهم بصوتك داعيا لهم إلى معصية الله وقيل هو الغناء واللهو واللعب والمزامير ) وأجلب عليهم بخيلك ورجلك ( قال الفراء وأبو عبيدة


"""""" صفحة رقم 242 """"""
أجلب من الجلبة والصياح أى صح عليهم وقال الزجاج أى اجمع عليهم كل ما تقدر عليه من مكايدك فالإجلاب الجمع والباء فى ) بخيلك ( زائدة وقال ابن السكيت الإجلاب الإعانة والخيل تقع على الفرسان كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) يا خيل الله اركبي وتقع على الأفراس والرجل بسكون الجيم جمع رجل كتاجر وتجر وصاحب وصحب وقرأ حفص بكسر الجيم على أنه صفة قال أبو زيد يقال رجل ورجل بمعنى راجل فالخيل والرجل كناية عن جميع مكايد الشيطان أو المراد كل راكب وراجل فى معصية الله ) وشاركهم في الأموال والأولاد ( أما المشاركة فى الأموال فهى كل تصرف فيها يخالف وجه الشرع سواء كان أخذا من غير حق أو وضعا فى غير حق كالغصب والسرقة والربا ومن ذلك تبتيك آذان الأنعام وجعلها بحيرة وسائبة والمشاركة فى الأولاد دعوى الولد بغير سبب شرعي وتحصيله بالزنا وتسميتهم بعبد اللات وعبد العزى والإساءة فى تربيتهم على وجه يألفون فيه خصال الشر وأفعال السوء ويدخل فيه ما قتلوا من أولادهم خشية إملاق ووأد البنات وتصيير أولادهم على الملة الكفرية التى هم عليها ومن ذلك مشاركة الشيطان للمجامع إذا لم يسم ثم قال ) وعدهم ( قال الفراء قل لهم لا جنة ولا نار وقال الزجاج وعدهم بأنهم لا يبعثون ) وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( أى باطلا وأصل الغرور تزيين الخطأ بما يوهم الصواب وقيل معناه وعدهم النصرة على من خالفهم وهذه الأوامر للشيطان من باب التهديد والوعيد الشديد وقيل هى على طريقة الاستخفاف به وبمن تبعه
الإسراء : ( 65 ) إن عبادي ليس . . . . .
) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( يعني عبادة المؤمنين كما فى غير هذا الموضع من الكتاب العزيز من أن إضافة العباد إليه يراد بها المؤمنون لما فى الاضافة من التشريف وقيل المراد جميع العباد بدليل الاستثناء بقوله فى غير هذا الموضع ) إلا من اتبعك من الغاوين ( والمراد بالسلطان التسلط ) وكفى بربك وكيلا ( يتوكلون عليه فهو الذى يدفع عنهم كيد الشيطان ويعصمهم من إغوائه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال إبليس إن آدم خلق من تراب من طين خلق ضعيفا وإني خلقت من نار والنار تحرق كل شيء ) لأحتنكن ذريته إلا قليلا ( فصدق ظنه عليهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ) لأحتنكن ذريته ( قال لأستولين وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) لأحتنكن ذريته ( قال لأحتوينهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال لأضلنهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) موفورا ( قال وافرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) واستفزز من استطعت منهم بصوتك ( قال صوته كل داع دعا إلى معصية الله ) وأجلب عليهم بخيلك ( قال كل راكب فى معصية الله ) ورجلك ( قال كل راجل فى معصية الله ) وشاركهم في الأموال ( قال كل مال فى معصية الله ) والأولاد ( قال كل ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم الحرام وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه فى الآية قال كل خيل تسير فى معصية الله وكل مال أخذ بغير حقه وكل ولد زنا وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال ) الأموال ( ما كانوا يحرمون من أنعامهم ) والأولاد ( أولاد الزنا وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال ) الأموال ( البحيرة والسائبة والوصيلة لغير الله ) والأولاد ( سموا عبد الحارث وعبد شمس


"""""" صفحة رقم 243 """"""
سورة الإسراء الآية ( 66 70 )
الإسراء : ( 66 ) ربكم الذي يزجي . . . . .
قوله ) ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر ( الإزجاء السوق والإجراء والتسير ومنه قوله سبحانه ) ألم تر أن الله يزجي ( وقول الشاعر يا أيها الراكب المزجى مطيته
سائل بني أسد ما هذه الصور
وقول الآخر عوذا تزجي خلفها أطفالها
والمعنى أن الله سبحانه يسير الفلك فى البحر بالريح والفلك ها هنا جمع وقد تقدم والبحر هو الماء الكثير عذبا كان أو مالحا وقد غلب هذا الاسم على المشهور ) لتبتغوا من فضله ( أى من رزقه الذى تفضل به على عباده أو من الربح بالتجارة ومن زائدة أو للتبعيض وفى هذه الآية تذكير لهم بنعم الله سبحانه عليهم حتى لا يعبدوا غيره ولا يشركوا به أحدا وجملة ) إنه كان بكم رحيما ( تعليل لما تقدم أى كان بكم رحيما فهداكم إلى مصالح دنياكم
الإسراء : ( 67 ) وإذا مسكم الضر . . . . .
) وإذا مسكم الضر ( يعنى خوف الغرق ) في البحر ضل من تدعون ( من الآلهة وذهب عن خواطركم ولم يوجد لإغاثتكم ما كنتم تدعون من دونه من صنم أو جن أو ملك أو بشر ) إلا إياه ( وحده فإنكم تعقدون رجاءكم برحمته وإغاثته والاستثناء منقطع ومعنى الآية أن الكفار إنما يعتقدون فى أصنامهم وسائر معبوداتهم أنها نافعة لهم فى غير هذه الحالة فأما فى هذه الحالة فإن كل واحد منهم يعلم بالفطرة علما لا يقدر على مدافعته أن الأصنام ونحوها لا فعل لها ) فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ( عن الإخلاص لله وتوحيده ورجعتم إلى دعاء أصنامكم والاستغاثة بها ) وكان الإنسان كفورا ( أى كثير الكفران لنعمة الله وهو تعليل لما تقدمه والمعنى أنهم عند الشدائد يتمسكون برحمة الله وفى الرخاء يعرضون عنه
الإسراء : ( 68 ) أفأمنتم أن يخسف . . . . .
ثم أنكر سبحانه عليهم سوء معاملتهم قائلا ) أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر ( الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض فبين لهم أنه قادر على هلاكهم فى البر وإن سلموا من البحر والخسف أن تنهار الأرض بالشيء يقال بئر خسيف إذا انهدم أصلها وعين خاسف أى غائرة حدقتها فى الرأس وخسفت عين الماء إذا غار ماؤها وخسفت الشمس إذا غابت عن الأرض وجانب البر ناحية الأرض وسماه جانبا لأنه يصير بعد الخسف جانبا وأيضا فإن البحر جانب من الأرض والبر جانب وقيل إنهم كانوا على ساحل البحر وساحله جانب البر فكانوا فيه آمنين من مخاوف البحر فحذرهم ما أمنوه من البر كما حذرهم ما خافوه من البحر ) أو يرسل عليكم حاصبا ( قال أبو عبيدة والقتيبي الحصب الرمي أى ريحا شديدة حاصبة وهى التى ترمى بالحصى الصغار وقال الزجاج الحاصب التراب الذى


"""""" صفحة رقم 244 """"""
فيه حصباء فالحاصب ذو الحصباء كاللابن والتامر وقيل الحاصب حجارة من السماء تحصبهم كما فعل بقوم لوط ويقال للسحابة التى ترمي بالبرد حاصب ومنه قول الفرزدق مستقبلين جبال الشام تضربنا
بحاصب كنديف القطن منثور
) ثم لا تجدوا لكم وكيلا ( أى حافظا ونصيرا يمنعكم من بأس الله
الإسراء : ( 69 ) أم أمنتم أن . . . . .
) أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى ( أى فى البحر مرة أخرى بأن يقوى دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى ركوبه وجاء بفي ولم يقل إلى البحر للدلالة على استقرارهم فيه ) فيرسل عليكم قاصفا من الريح ( القاصف الريح الشديدة التي تكسر بشدة من قصف الشيء يقصفه أي كسره بشدة والقصف الكسر أو هو الريح التى لها قصيف أى صوت شديد من قولهم رعد قاصف أى شديد الصوت ) فيغرقكم ( قرأ أبو جعفر وشيبة ورويس ومجاهد فتغرقكم بالتاء الفوقية على أن فاعله الريح وقرأ الحسن وقتادة وابن وردان ) فيغرقكم ( بالتحتية والتشديد فى الراء وقرأ أبو جعفر أيضا ) الرياح ( وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالنون فى جميع هذه الأفعال وقرأ الباقون بالياء التحتية فى جميعها أيضا والباء فى ) بما كفرتم ( للسببية أى بسبب كفركم ) ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ( أى ثائرا يطالبنا بما فعلنا قال الزجاج لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم قال النحاس وهو من الثأر وكذا يقال لكل من طلب بثأر أو غيره تبيع وتابع
الإسراء : ( 70 ) ولقد كرمنا بني . . . . .
) ولقد كرمنا بني آدم ( هذا إجمال لذكر النعمة التى أنعم الله بها على بني آدم أى كرمناهم جميعا وهذه الكرامة يدخل تحتها خلقهم على هذه الهيئة الحسنة وتخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس على وجه لا يوجد لسائر أنواع الحيوان مثله وحكى ابن جرير عن جماعة أن هذا التكريم هو أنهم يأكلون بأيديهم وسائر الحيوانات تأكل بالفم وكذا حكاه النحاس وقيل ميزهم بالنطق والعقل والتمييز وقيل أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب وقال ابن جرير أكرمهم بتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم وقيل بالكلام والخط والفهم ولا مانع من حمل التكريم المذكور فى الآية على جميع هذه الأشياء وأعظم خصال التكريم العقل فإن به تسلطوا على سائر الحيوانات وميزوا بين الحسن والقبيح وتوسعوا فى المطاعم والمشارب وكسبوا الأموال التى تسببوا بها إلى تحصيل أمور لا يقدر عليها الحيوان وبه قدروا على تحصيل الأبنية التى تمنعهم مما يخافون وعلى تحصيل الأكسية التى تقيهم الحر والبرد وقيل تكريمهم هو أن جعل محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) منهم ) وحملناهم في البر والبحر ( هذا تخصيص لبعض أنواع التكريم حملهم سبحانه فى البر على الدواب وفى البحر على السفن وقيل حملناهم فيهما حيث لم نخسف بهم ولم نغرقهم ) ورزقناهم من الطيبات ( أى لذيذ المطاعم والمشارب وسائر ما يستلذونه وينتفعون به ) وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ( أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه فأفاد ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته وقد جعل بعض أهل العلم الكثير هنا بمعنى الجميع وهو تعسف لا حاجة إليه
وقد شغل كثير من أهل العلم بما لم تكن إليه حاجة ولا تتعلق به فائدة وهو مسئلة تفضيل الملائكة على الأنبياء أو الأنبياء على الملائكة ومن جملة ما تمسك به مفضلوا الأنبياء على الملائكة هذه الآية ولا دلالة لها على المطلوب لما عرفت من إجمال الكثير وعدم تبيينه والتعصب فى هذه المسئلة هو الذى حمل بعض الأشاعرة على تفسير الكثير هنا بالجميع حتى يتم له التفضيل على الملائكة وتمسك بعض المعتزلة بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء ولا دلالة بها على ذلك فإن لم يقم دليل على أن الملائكة من القليل الخارج عن هذا الكثير ولو سلمنا ذلك فليس فيما خرج عن هذا الكثير ما يفيد أنه أفضل من بني آدم بل غاية ما فيه أنه لم يكن الإنسان مفضلا عليه


"""""" صفحة رقم 245 """"""
فيحتمل أن يكون مساويا للإنسان ويحتمل أن يكون أفضل منه ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال والتأكيد بقوله ) تفضيلا ( يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان مكين فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) يزجي ( قال يجرى وأخرجوا عن قتادة قال يسيرها فى البحر وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) حاصبا ( قال مطر الحجارة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال حجارة من السماء وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) قاصفا من الريح ( قال التى تغرق وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن عبد الله بن عمرو قال القاصف والعاصف فى البحر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) قاصفا ( قال عاصفا وفى قوله ) ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ( قال نصيرا وأخرج الطبراني والبيهقي فى الشعب والخطيب فى تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما من شيء أكرم على الله يوم القيامة من ابن آدم قيل يا رسول الله ولا الملائكة قال ولا الملائكة الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفا قال وهو الصحيح وأخرج البيهقي فى الشعب عن أبي هريرة قال المؤمن أكرم على الله من ملائكته وأخرج الطبراني عن ابن عمرو عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الملائكة قالت يا رب أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون ونحن نسبح بحمدك ولا نأكل ولا نشرب ولا نلهو فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة قال لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان وأخرجه عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن أسلم قال قالت الملائكة وإسناد الطبراني هكذا حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة البغدادي حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي حدثنا حجاج ابن محمد حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج ابن عساكر من طريق عروة بن رويم قال حدثني أنس بن مالك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحو حديث ابن عمرو الأول مع زيادة وأخرج نحوه البيهقي أيضا فى الأسماء والصفات من وجه آخر عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى الشعب من طرق عن ابن عباس فى قوله ) ولقد كرمنا بني آدم ( قال جعلناهم يأكلون بأيديهم وسائر الخلق يأكلون بأفواههم وأخرج الحاكم فى التاريخ والديلمي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الكرامة الأكل بالأصابع
سورة الإسراء الآية ( 71 75 )


"""""" صفحة رقم 246 """"""
سورة الإسراء الآية ( 76 77 )
الإسراء : ( 71 ) يوم ندعوا كل . . . . .
قوله ) يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ( قال الزجاج يعني يوم القيامة وهو منصوب على معنى اذكر يوم ندعوا وقرئ يدعو بالياء التحتية على البناء للفاعل ويدعى على البناء للمفعول والباء فى بامامهم للإلصاق كما تقول أدعوك باسمك ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف هو حال والتقدير ندعو كل أناس متلبسين بامامهم أى يدعون وإمامهم فيهم نحو ركب بجنوده والأول أولى والامام فى اللغة كل ما يؤتم به من نبي أو مقدم فى الدين أو كتاب
وقد اختلف المفسرون فى تعيين الإمام الذى تدعى كل أناس به فقال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك إنه كتاب كل إنسان الذى فيه عمله أى يدعى كل إنسان بكتاب عمله ويؤيد هذا قوله ) فأما من أوتي كتابه ( الآية وقال ابن زيد الإمام هو الكتاب المنزل عليهم فيدعى أهل التوراة بالتوراة وأهل الإنجيل بالإنجيل وأهل القرآن بالقرآن فيقال يا أهل التوراة يا أهل الإنجيل يا أهل القرآن وقال مجاهد وقتادة إمامهم نبيهم فيقال هاتوا متبعي إبراهيم هاتوا متبعي موسى هاتوا متبعي عيسى هاتوا متبعي محمد وبه قال الزجاج وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه المراد بالإمام إمام عصرهم فيدعى أهل كل عصر بإمامهم الذى كانوا يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه وقال الحسن وأبو العالية المراد بإمامهم أعمالهم فيقال مثلا أين المجاهدون أين الصابرون أين الصائمون أين المصلون ونحو ذلك وروى عن ابن عباس وأبي هريرة وقال أبو عبيدة المراد بإمامهم صاحب مذهبهم فيقال مثلا أين التابعون للعالم فلان بن فلان وهذا من البعد بمكان وقال محمد بن كعب بإمامهم بأمهاتهم على ان إمام جمع أم كخف وخفاف وهذا بعيد جدا وقيل الإمام هو كل خلق يظهر من الإنسان حسن كالعلم والكرم والشجاعة أو قبيح كأضدادها فالداعي إلى تلك الأفعال خلق باطن هو كالإمام ذكر معناه الرازي فى تفسيره ) فمن أوتي كتابه بيمينه ( من أولئك المدعوين وتخصيص اليمين بالذكر للتشريف والتبشير ) فأولئك ( الإشارة إلى من باعتبار معناه قيل ووجه الجمع الإشارة إلى أنهم مجتمعون على شأن جليل أو الإشعار بأن قراءتهم لكتبهم تكون على وجه الاجتماع لا على وجه الانفراد ) يقرؤون كتابهم ( الذى أوتوه ) ولا يظلمون فتيلا ( أى لا ينقصون من أجورهم قدر فتيل وهو القشرة التى فى شق النواة أو هو عبارة عن أقل شيء ولم يذكر أصحاب الشمال تصريحا
الإسراء : ( 72 ) ومن كان في . . . . .
ولكنه ذكر سبحانه ما يدل على حالهم القبيح فقال ) ومن كان في هذه أعمى ( أى من كان من المدعوين فى هذه الدنيا أعمى أى فاقد البصيرة قال النيسابوري لا خلاف أن المراد بهذا العمى عمى القلب وأما قوله ) فهو في الآخرة أعمى ( فيحتمل أن يراد به عمى البصر كقوله ) ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ( وفى هذا زيادة العقوبة ويحتمل أن يراد عمى القلب وقيل المراد بالآخرة عمل الآخرة أى فهو فى عمل أو فى أمر الآخرة أعمى وقيل المراد من عمى عن النعم التى أنعم الله بها عليه فى الدنيا فهو عن نعم الآخرة أعمى وقيل من كان فى الدنيا التى تقبل فيها التوبة أعمى فهو فى الآخرة التى لا توبة فيها أعمى وقيل من كان فى الدنيا أعمى عن حجج الله فهو فى الآخرة أعمى وقد قيل إن قوله ) فهو في الآخرة أعمى ( أفعل تفضيل أى أشد عمى وهذا مبني على أنه من عمى القلب إذا لا يقال ذلك فى عمى العين قال الخليل


"""""" صفحة رقم 247 """"""
وسيبويه لأنه خلقه بمنزلة اليد والرجل فلا يقال ما أعماه كما لا يقال ما أيداه وقال الأخفش لا يقال فيه ذلك لأنه أكثر من أحرف وقد حكى الفراء عن بعض العرب أنه سمعه يقول ما أسود شعره ومن ذلك قول الشاعر أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم
لؤما وأبيضهم سربال طباخ
والبحث مستوفى فى النحو وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي وخلف ) أعمى ( بالإمالة فى الموضعين وقرأهما أبو عمرو ويعقوب والباقون بغير إمالة وأمال أبو عبيد الأول دون الثاني ) وأضل سبيلا ( يعنى أن هذا أضل سبيلا من الأعمى لكونه لا يجد طريقا إلى الهداية بخلاف الأعمى فقد يهتدى فى بعض الأحوال
الإسراء : ( 73 ) وإن كادوا ليفتنونك . . . . .
ثم لما عدد سبحانه فى الآيات المتقدمة أقسام النعم على بني آدم أردفه بما يجري مجرى التحذير من الاغترار بوساوس الأشقياء فقال ) وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك ( إن هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف واللام هى الفارقة بينها وبين النافية والمعنى وإن الشأن قاربوا أن يخدعوك فاتنين وأصل الفتنة الاختبار ومنه فتن الصائغ الذهب ثم استعمل فى كل من أزال الشيء عن حده وجهته وذلك لأن فى إعطائهم ما سألوه مخالفة لحكم القرآن وافتراء على الله سبحانه من تبديل الوعد بالوعيد وغير ذلك ) عن الذي أوحينا إليك ( من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد ) لتفتري علينا غيره ( لتتقول علينا غير الذى أوحينا إليك مما اقترحه عليك كفار قريش ) وإذا لاتخذوك خليلا ( أى لو اتبعت أهواءهم لاتخذوك خليلا لهم أى والوك وصافوك مأخوذ من الخلة بفتح الخاء
الإسراء : ( 74 ) ولولا أن ثبتناك . . . . .
) ولولا أن ثبتناك ( على الحق وعصمناك عن موافقتهم ) لقد كدت تركن إليهم ( لقاربت أن تميل إليهم أدنى ميل والركون هو الميل اليسير ولهذا قال ) شيئا قليلا ( لكن أدركته ( صلى الله عليه وسلم ) العصمة فمنعته من أن يقرب من أدنى مراتب الركون إليهم فضلا عن نفس الركون وهذا دليل على أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ما هم بإجابتهم ذكر معناه القشيري وغيره وقيل المعنى وإن كادوا ليخبرون عنك بأنك ملت إلى قولهم فنسب فعلهم إليه مجازا واتساعا كما تقول للرجل كدت تقتل نفسك أى كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت ذكر معناه المهدوي
الإسراء : ( 75 ) إذا لأذقناك ضعف . . . . .
ثم توعده سبحانه فى ذلك أشد الوعيد فقال ) إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ( أى لو قاربت أن تركن إلهم أى مثلى ما يعذب به غيرك ممن يفعل هذا الفعل فى الدارين والمعنى عذابا ضعفا فى الحياة وعذابا ضعفا فى الممات أى مضاعفا ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامة وأضيفت وذلك لأن خطأ العظيم عظيم كما قال سبحانه ) يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ( وضعف الشيء مثلاه وقد يكون الضعف النصيب كقوله ) لكل ضعف ( أى نصيب قال الرازي حاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك وعقدت على الركون همك لاستحققت تضعيف العذاب عليك فى الدنيا والآخرة ولصار عذابك مثلى عذاب المشرك فى الدنيا ومثلى عذابه فى الآخرة ) ثم لا تجد لك علينا نصيرا ( ينصرك فيدفع عنك هذا العذاب قال النيسابوري اعلم أن القرب من الفتنة لا يدل على الوقوع فيها والتهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها فلا يلزم من الآية طعن فى العصمة
الإسراء : ( 76 ) وإن كادوا ليستفزونك . . . . .
) وإن كادوا ليستفزونك ( الكلام فى هذا كالكلام فى وإن كادوا ليفنونك أى وإن الشأن أنهم قاربوا أن يزعجوك من أرض مكة لتخرج عنها ولكنه لم يقع ذلك منهم بل منعهم الله منه حتى هاجر بأمر ربه بعد أن هموا به وقيل إنه أطلق الاخراج على إرادة الإخراج تجويزا ) وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ( معطوف على ) ليستفزونك ( أى لا يبقون بعد إخراجك إلا زمنا قليلا ثم عوقبوا عقوبة تستأصلهم جميعا وقرأ عطاء بن أبي رباح لا يلبثوا بتشديد الباء الموحدة وقرئ لا يلبثوا بالنصب على إعمال إذن على أن الجملة معطوف على جملة ) وإن كادوا ( لا على الخبر فقط وقرأ نافع


"""""" صفحة رقم 248 """"""
وابن كثير وأبو بكر وأبو عمرو ) خلفك ( ومعنا بعدك وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي خلافك ومعناه أيضا بعدك وقال ابن الأنباري خلافك بمعنى مخالفتك واختار أبو حاتم القراءة الثانية لقوله ) فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ( ومما يدل على أن خلاف بمعنى بعد قول الشاعر عفت الديار خلافها فكأنما
بسط الشواطب بينهن حصيرا
يقال شطبت المرأة الجريد إذا شققته لتعمل منه الحصير قال أبو عبيدة ثم تلقيه الشاطبة إلى المثقبة
الإسراء : ( 77 ) سنة من قد . . . . .
) سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ( سنة منتصبة على المصدرية أى سن الله سنة وقال الفراء أى يعذبون كسنة من قد أرسلنا فلما سقط الخافض عمل الفعل وقيل المعنى سنتنا سنة من قد أرسلنا قال الزجاج يقول إن سنتنا هذه السنة فيمن أرسلنا قبلك إليهم أنهم إذا أخرجوا نبيهم من بين أظهرهم أو قتلوه أن ينزل العذاب بهم ) ولا تجد لسنتنا تحويلا ( أى ما أجرى الله به العادة لم يتمكن أحد من تحويله ولا يقدر على تغييره
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ( قال إمام هدى وإمام ضلالة وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب فى تاريخه عن أنس فى الآية قال نبيهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى الآية قال بكتاب أعمالهم وأخرج ابن مردويه عن علي فى الآية قال يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم وأخرج الترمذي وحسنه والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ( قال يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ويمد له فى جسمه ستين ذراعا ويبيض وجهه ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ فينطلق إلى أصحابه فيرونه من بعيد فيقولون اللهم ائتنا بهذا وبارك لنا فى هذا حتى يأتيهم فيقول أبشروا لكل رجل منكم مثل هذا وأما الكافر فيسود وجهه ويمد له فى جسمه ستين ذراعا على صورة آدم ويلبس تاجا فيراه أصحابه فيقولون نعود بالله من شر هذا اللهم لا تأتنا بهذا قال فيأتيهم فيقولون اللهم اخزه فيقول أبعدكم الله فإن لكل رجل منكم مثل هذا قال البزار بعد إخراجه لا يروى إلا من هذا الوجه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس فى قوله ) ومن كان في هذه أعمى ( يقول من كان فى الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا ) فهو ( عما وصفت له ) في الآخرة ( ولم يره ) أعمى وأضل سبيلا ( يقول أبعد حجة وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عنه نحو هذا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا يقول من عمى عن قدرة الله فى الدنيا فهو فى الآخرة أعمى وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا قال إن أمية بن خلف وأبا جهل بن هشام ورجالا من قريش أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا تعال فتمسح آلهتنا وندخل معك فى دينك وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يشتد عليه فراق قومه ويحب إسلامهم فرق لهم فأنزل الله ) وإن كادوا ليفتنونك ( إلى قوله ) نصيرا ( وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن ياذان عن جابر بن عبد الله مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يستلم الحجر فقالوا لا ندعك تستلمه حتى تستلم بآلهتنا فقال سول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما علي لو فعلت والله يعلم مني خلافه فأنزل الله ) وإن كادوا ليفتنونك ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن نفير أن قريشا أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا له إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين


"""""" صفحة رقم 249 """"""
اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك فركن إليهم فأوحى الله إليه ) وإن كادوا ليفتنونك ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال أنزل الله ) والنجم إذا هوى ( فقرأ عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) أفرأيتم اللات والعزى ( فألقى عليه الشيطان تلك الغراييق العلى وابن شفاعتهم لترتجى فقرأ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما بقى من السورة وسجد فأنزل الله ) وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك ( الآية فما زال مهموما مغموما حتى أنزل الله ) وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ( الآية وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أن ثقيفا قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أجلنا سنة حتى يهدي لآلهتنا فإذا قبضنا الذى يهدي للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا وكسرنا الآلهة فهم أن يؤجلهم فنزلت ) وإن كادوا ليفتنونك ( الآية وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) ضعف الحياة وضعف الممات ( يعنى ضعف عذاب الدنيا والآخرة وأخرج البيهقي عن الحسن فى الآية قال هو عذاب القبر وأخرج أيضا عن عطاء مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال قال المشركون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) كانت الأنبياء تسكن الشام فمالك والمدينة فهم أن يشخص فأنزل الله ) وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ( الآية وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه بلغه أن بعض اليهود فذكر نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي فى الدلائل وابن عساكر عن عبد الرحمن بن غنم أن اليهود أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إن كنت نبيا فالحق بالشام فإن الشام أرض المحشر وأرض الأنبياء فصدق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما قالوا فتحرى غزوة تبوك لا يريد إلا الشام فلما بلغ تبوك أنزل الله عليه آيات من سورة بني إسرائيل بعد ما ختمت السورة ) وإن كادوا ليستفزونك ( إلى قوله ) تحويلا ( فأمره بالرجوع إلى المدينة وقال فيها محياك وفيها مماتك ومنها تبعث وقال له جبريل سل ربك فإن لكل نبي مسئلة فقال ما تأمرني أن أسأل قال ) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ( فهؤلاء نزلن عليه فى رجعته من تبوك قال ابن كثير وفى هذا الإسناد نظر والظاهر أنه ليس بصحيح فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يغز تبوك عن قول اليهود وإنما غزاها امتثالا لقوله ) قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ( وغزاها ليقتص وينتقم ممن قتل أهل مؤتة من أصحابه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ( قال هم أهل مكة بإخراج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة وقد فعلوا بعد ذلك فأهلكهم الله يوم بدر ولم يلبثوا بعده إلا قليلا حتى أهلكهم الله يوم بدر وكذلك كانت سنة الله فى الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ( قال يعني بالقليل يوم أخذهم ببدر فكان ذلك هو القليل الذين لبثوا بعده
سورة الإسراء الآية ( 78 81 )


"""""" صفحة رقم 250 """"""
سورة الإسراء الآية ( 82 85 )
الإسراء : ( 78 ) أقم الصلاة لدلوك . . . . .
لما ذكر سبحانه الإلهيات والمعاد والجزاء أردفها بذكر أشرف الطاعات وهى الصلاة فقال ) أقم الصلاة لدلوك الشمس ( وقد أجمع المفسرون على أن هذه الآية المراد بها الصلوات المفروضة
وقد اختلف العلماء فى الدلوك المذكور فى هذه الآية على قولين أحدهما أنه زوال الشمس عن كبد السماء قاله عمر وابنه وأبو هريرة وأبو برزة وابن عباس والحسن والشعبي وعطاء ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو جعفر الباقر واختاره ابن جرير والقول الثاني أنه غروب الشمس قاله علي وابن مسعود وأبي بن كعب وروى عن ابن عباس قال الفراء دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها قال الأزهري معنى الدلوك فى كلام العرب الزوال ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة وقيل لها إذا أفلت دالكة لأنها فى الحالتين زائلة قال والقول عندي أنه زوالها نصف النهار لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس والمعنى أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس ) إلى غسق الليل ( فيدخل فيها الظهر والعصر وصلاتا غسق الليل وهما العشاءان ثم قال ) وقرآن الفجر ( هذه خمس صلوات وقال أبو عبيد دلوكها غروبها ودلكت براح يعني الشمس أى غابت وأنشد قطرب على هذا قول الشاعر هذا مقام قدمي رباح
دبت حتى دلكت براح
اسم من أسماء الشمس على وزن حذام وقطام ومن ذلك قول ذي الرمة مصابيح ليست باللواتي تقودها
نجوم ولا بالآفلات الدوالك
أى الغوارب وغسق الليل اجتماع الظلمة قال الفراء والزجاج يقال غسق الليل وأغسق إذا أقبل بظلامه قال أبو عبيد الغسق سواد الليل قال قيس بن الرقيات إن هذا الليل قد غسقا
واستكنت الهم والأرقا
وقيل غسق الليل مغيب الشفق ومنه قول زهير ظلت تجود يداها وهى لاهية
حتى إذا جعجع الإظلام والغسق
وأصل الكلمة من السيلان يقال غسقت إذا سالت وحكى الفراء غسق الليل وأغسق وظلم وأظلم ودجى وأدجى وغبش وأغبش وقد استدل بهذه الغاية أعني قوله ) إلى غسق الليل ( من قال إن صلاة الظهر يتمادى وقتها من الزوال إلى الغروب روى ذلك عن الأوزاعي وأبي حنيفة وجوزه مالك والشافعي فى حال الضرورة وقد وردت الأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى تعيين أوقات الصلوات فيجب حمل مجمل هذه الآية عل ما بينته السنة فلا نطيل بذكر ذلك قوله ) وقرآن الفجر ( انتصاب قرآن لكونه معطوفا على


"""""" صفحة رقم 251 """"""
الصلاة أى وأقم قرآن الفجر قاله الفراء وقال الزجاج والبصريون انتصابه على الإغراء أى فعليك قرآن الفجر قال المفسرون المراد بقرآن الفجر صلاة الصبح قال الزجاج وفى هذه فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إلا بقراءة حتى سميت الصلاة قرآنا وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وفى بعض الأحاديث الخارجة من مخرج حسن وقرآن معها وورد ما يدل على وجوب الفاتحة فى كل ركعة وقد حررته فى مؤلفاتي تحريرا مجودا ثم علل سبحانه ذلك بقوله ) إن قرآن الفجر كان مشهودا ( أى تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار كما ورد ذلك فى الحديث الصحيح وبذلك قال جمهور المفسرين
الإسراء : ( 79 ) ومن الليل فتهجد . . . . .
) ومن الليل فتهجد به نافلة لك ( من للتبعيض وانتصابه على الظرفية بمضمر أى قم بعض الليل فتهجد به والضمير المجرور راجع إلى القرآن وما قيل من أنه منتصب على الإغراء والتقدير عليك بعض الليل فبعيد جدا والتهجد مأخوذ من الهجود قال أبو عبيدة وابن الأعرابي هو من الأضداد لأنه يقال هجد الرجل إذا نام وهجد إذا سهر فمن استعماله فى السهر قول الشاعر ألا زارت وأهل منى هجود
فليت خيالها بمنى يعود
يعني منتبهين ومن استعماله فى النوم قول الآخر ألا طرقتنا والرفاق هجود
فباتت بعلات النوال تجود
يعني نياما وقال الأزهري الهجود فى الأصل هو النوم بالليل ولكن جاء التفعل فيه لأجل التجنب ومنه تأثم وتحرج أى تجنب الإثم والحرج فالمتهجد من تجنب الهجود فقام بالليل وروى عن الأزهري أيضا أنه قال المتهجد القائم إلى الصلاة من النوم هكذا حكى عنه الواحدي فقيد التهجد بالقيام من النوم وهكذا قال مجاهد وعلقمة والأسود فقالوا التهجد بعد النوم قال الليث تهجد إذا استيقظ للصلاة ) نافلة لك ( معنى النافلة فى اللغة الزيادة على الأصل فالمعنى أنها للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) نافلة زائدة على الفرائض والأمر بالتهجد وإن كان ظاهره الوجوب لكن التصريح بكونه نافلة قرينة صارفة للأمر وقيل المراد بالنافلة هنا أنها فريضة زائدة على الفرائض الخمس فى حقه ( صلى الله عليه وسلم ) ويدفع ذلك التصريح بلفظ النافلة وقيل كانت صلاة الليل فريضة فى حقه ( صلى الله عليه وسلم ) ثم نسخ الوجوب فصار قيام الليل تطوعا وعلى هذا يحمل ما ورد فى الحديث أنها عليه فريضة ولأمته تطوع قال الواحدي إن صلاة الليل كانت زيادة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة لرفع الدرجات لا للكفارات لأنه غفر له من ذنبه ما تقدم وما تأخر وليس لنا بنافلة لكثرة ذنوبنا إنما نعمل لكفارتها قال وهو قول جميع المفسرين والحاصل أن الخطاب فى هذه الآية وإن كان خاصا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله أقم الصلاة فالأمر له أمر لأمته فهو شرع عام ومن ذلك الترغيب فى صلاة الليل فإنه يعم جميع الأمة والتصريح بكونه نافلة يدل على عدم الوجوب فالتهجد من الليل مندوب إليه ومشروع لكل مكلف ثم وعده سبحانه على إقامة الفرائض والنوافل فقال ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( قد ذكرنا فى مواضع أن عسى من الكريم إطماع واجب الوقوع وانتصاب مقاما على الظرفية بإضمار فعل أو بتضمين البعث معنى الإقامة ويجوز أن يكون انتصابه على الحال أى يبعثك ذا مقام محمود ومعنى كون المقام محمودا أنه يحمده كل من علم به وقد اختلف فى تعيين هذا المقام على أقوال الأول أنه المقام الذى يقومه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للشفاعة يوم القيامة للناس ليريحهم ربهم سبحانه مما هو فيه وهذا القول هو الذى دلت عليه الأدلة الصحيحة فى تفسير الآية وحكاه ابن جرير عن أكثر أهل التأويل قال الواحدي وإجماع


"""""" صفحة رقم 252 """"""
المفسرين على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة القول الثانى أن المقام المحمود إعطاء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لواء الحمد يوم القيامة ويمكن أن يقال إن هذا لا ينافى القول الأول إذ لا منافاة بين كونه قائما مقام الشفاعة وبيده لواء الحمد القول الثالث أن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) معه على كرسيه حكاه ابن جرير عن فرقة منهم مجاهد وقد ورد فى ذلك حديث وحكى النقاش عن أبى داود السجستانى أنه قال من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم ما زال أهل العلم يتحدثون بهذا الحديث قال ابن عبد البر مجاهد وإن كان أحد الأئمة بالتأويل فإن له قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما هذا والثانى فى تأويل ) وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ( قال معناه تنتظر الثواب وليس من النظر انتهى وعلى كل حال فهذا القول غير مناف للقول الأول لإمكان أن يقعده الله سبحانه هذا المقعد ويشفع تلك الشفاعة القول الرابع أنه مطلق فى كل مقام يجلب الحمد من أنواع الكرامات ذكره صاحب الكشاف والمقتدون به فى التفسير ويجاب عنه بأن الأحاديث الصحيحة الواردة فى تعيين هذا المقام المحمود متواترة فالمصير إليها متعين وليس فى الآية عموم فى اللفظ حتى يقال الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومعنى قوله وهو مطلق فى كل ما يجلب الحمد أنه عام فى كل ما هو كذلك ولكنه يعبر عن العام بلفظ المطلق كما ذكره فى ذبح البقرة ولهذا قال هنا وقيل المراد الشفاعة وهى نوع واحد مما يتناوله يعنى لفظ المقام والفرق بين العموم البدلى والعموم الشمولى معروف فلا نطيل بذكره
الإسراء : ( 80 ) وقل رب أدخلني . . . . .
) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ( قرأ الجمهور ? مدخل صدق ومخرج صدق ? بضم الميمين وقرأ الحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم بفتحهما وهما مصدران بمعنى الإدخال والإخراج والإضافة إلى الصدق لأجل المبالغة نحو حاتم الجود أى إدخالا يستأهل أن يسمى إدخالا ولا يرى فيه ما يكره قال الواحدي وإضافتهما إلى الصدق مدح لهما وكل شيء أضفته إلى الصدق فهو مدح
وقد اختلف المفسرون فى معنى الآية فقيل نزلت حين أمر بالهجرة يريد إدخال المدينة والإخراج من مكة واختاره ابن جرير وقيل المعنى أمتنى إماتة صدق وابعثنى يوم القيامة مبعث صدق وقيل المعنى أدخلني فيما أمرتني به وأخرجني مما نهيتني عنه وقيل إدخاله موضع الأمن وإخراجه من بين المشركين وهو كالقول الأول وقيل المراد إدخال عز وإخراج نصر وقيل المعنى أدخلني فى الأمر الذى أكرمتني به من النبوة مدخل صدق واخرجني منه إذا أمتني مخرج صدق وقيل أدخلني القبر عند الموت مدخل صدق وأخرجني منه عند البعث مخرج صدق وقيل أدخلني حيثما أدخلتني بالصدق وأخرجني بالصدق وقيل الآية عامة فى كل ما تتناوله من الأمور فهى دعاء ومعناها رب أصلح لي وردي فى كل الأمور وصدري عنها ) واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ( أى حجة ظاهرة قاهرة تنصرني بها على جميع من خالفني وقيل اجعل لي من لدنك ملكا وعزا قويا وكأنه ( صلى الله عليه وسلم ) علم أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان فسأل سلطانا نصيرا وبه قال الحسن وقتادة واختاره ابن جرير قال ابن كثير وهو الأرجح لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه ولهذا يقول تعالى ) لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ( وفى الحديث إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن أى ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام ما لا يمنع كثيرا من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد وهذا هو الواقع انتهى
الإسراء : ( 81 ) وقل جاء الحق . . . . .
) وقل جاء الحق وزهق الباطل ( المراد بالحق الإسلام وقيل القرآن وقيل الجهاد


"""""" صفحة رقم 253 """"""
ولامانع من حمل الآية على جميع ذلك وعلى ما هو حق كائنا ما كان والمراد بالباطل الشرك وقيل الشيطان ولا يبعد أن يحمل على كل ما يقابل الحق من غير فرق بين باطل وباطل ومعنى زهق بطل واضمحل ومنه زهوق النفس وهو بطلانها ) إن الباطل كان زهوقا ( أى إن هذا شأنه فهو يبطل ولا يثبت والحق ثابت دائما
الإسراء : ( 82 ) وننزل من القرآن . . . . .
) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ( قرأ الجمهور ) ننزل ( بالنون وقرأ أبو عمرو بالتخفيف وقرأ مجاهد بالياء التحتية والتخفيف ورواها المروزى عن حفص ومن لابتداء الغاية ويصح أن تكون لبيان الجنس وقيل للتبعيض وأنكره بعض المفسرين لاستلزامه أن بعضه لا شفاء فيه ورده ابن عطية بأن المبعض هو إنزاله
واختلف أهل العلم فى معنى كونه شفاء على القولين الأول أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وذهاب الريب وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله سبحانه القول الثانى أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقى والتعوذ ونحو ذلك ولا مانع من حمل الشفاء على المعنيين من باب عموم المجاز أو من باب حمل المشترك على معنييه ثم ذكر سبحانه أنه رحمة للمؤمنين لما فيه من العلوم النافعة المشتملة على ما فيه صلاح الدين والدنيا ولما فى تلاوته وتدبره من الأجر العظيم الذى يكون سببا لرحمة الله سبحانه ومغفرته ورضوانه ومثل هذه الآية قوله تعالى ) قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ( ثم لما ذكر سبحانه ما فى القرآن من المنفعة لعباده المؤمنين ذكر ما فيه لمن عداهم من المضرة عليهم فقال ) ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ( أى ولا يزيد القرآن كله أو كل بعض منه الظالمين الذى وضعوا التكذيب موضع التصديق والشك والإرتياب موضع اليقين والاطمئنان ) إلا خسارا ( أى هلاكا لأن سماع القرآن يغيظهم ويحنقهم ويدعوهم إلى زيادة ارتكاب القبائح تمردا وعنادا فعند ذلك يهلكون وقيل الخسار النقص كقوله ) فزادتهم رجسا إلى رجسهم )
الإسراء : ( 83 ) وإذا أنعمنا على . . . . .
ثم نبه سبحانه على فتح ما جبل عليه الإنسان من الطبائع المذمومة فقال ) وإذا أنعمنا على الإنسان ( أى على هذا الجنس بالنعم التى توجب الشكر كالصحة والغنى ) أعرض ( عن الشكر لله والذكر له ) ونأى بجانبه ( النأى البعد والباء للتعدية أو للمصاحبة وهو تأكيد للإعراض لأن الإعراض عن الشئ هو أن يوليه عرض وجهه أى ناحيته والنأى بالجانب أن يلوى عنه عطفه ويوليه ظهره ولا يبعد أن يراد بالإعراض هنا الإعراض عن الدعاء والإبتهال الذى كان يفعله عند نزول البلوى والمحنة به ويراد بالنأى بجانبه التكبر والبعد بنفسه عن القيام بحقوق النعم وقرأ بن عامر فى رواية ابن ذكوان وأبو جعفر ناء مثل باع بتأخير الهمزة على القلب وقرأ حمزة ناءى بإمالة الفتحتين ووافقه الكسائي وأمال شعبة والسوسي الهمزة فقط وقرأ الباقون بالفتح فيهما ) وإذا مسه الشر ( من مرض أو فقر ) كان يؤوسا ( شديد اليأس من رحمة الله والمعنى أنه إن فاز بالمطلوب الدنيوي وظفر بالمقصود نسي المعبود وإن فاته شئ من ذلك استولى عليه الأسف وغلب عليه القنوط وكلتا الخصلتين قبيحة مذمومة ولا ينافي ما فى هذه الآية قوله تعالى ) وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ( ونظائره فإن ذلك شأن بعض آخر منهم غير البعض المذكور فى هذه الآية ولا يبعد أن يقال لا منافاة بين الآيتين فقد يكون مع شدة يأسه وكثرة قنوطه كثير الدعاء بلسانه
الإسراء : ( 84 ) قل كل يعمل . . . . .
) قل كل يعمل على شاكلته ( الشاكلة قال الفراء الطريقة وقيل الناحية وقيل الطبيعة وقيل الدين وقيل النية وقيل الجبلة وهى مأخوذة من الشكل يقال لست على شكلي ولا على شاكلتي والشكل هو المثل والنظير والمعنى أن كل إنسان يعمل على ما يشاكل أخلاقه التى ألفها وهذا ذم للكافر


"""""" صفحة رقم 254 """"""
ومدح للمؤمن ) فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ( لأنه الخالق لكم العالم بما جبلتم عليه من الطبائع وما تباينتم فيه من الطرائق فهو الذى يميز بين المؤمن الذى لا يعرض عند النعمة ولا يبأس عند المحنة وبين الكافر الذى شأنه البطر للنعم والقنوط عند النقم
الإسراء : ( 85 ) ويسألونك عن الروح . . . . .
ثم لما انجر الكلام إلى ذكر الإنسان وما جبل عليه ذكر سبحانه سؤال السائلين لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الروح فقال ) ويسألونك عن الروح ( قد اختلف الناس فى الروح المسئول عنه فقيل هو الروح المدبر للبدن الذى تكون به حياته وبهذا قال أكثر المفسرين قال الفراء الروح الذى يعيش به الإنسان لم يخبر الله سبحانه به أحدا من خلقه ولم يعط علمه أحدا من عباده فقال ) قل الروح من أمر ربي ( أى إنكم لا تعلمونه وقيل الروح المسئول عنه جبريل وقيل عيسى وقيل القرآن وقيل ملك من الملائكة عظيم الخلق وقيل خلق كخلق بني آدم وقيل غير ذلك مما لا طائل تحته ولا فائدة فى إيراده والظاهر القول الأول وسيأتي ذكر سبب نزول هذه الآية وبيان السائلين لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الروح ثم الظاهر أن السؤال عن حقيقة الروح لأن معرفة حقيقة الشئ أهم وأقدم من معرفة حال من أحواله ثم أمره سبحانه أن يجيب على السائلين له عن الروح فقال ) قل الروح من أمر ربي ( من بيانية والأمر الشأن والإضافة للاختصاص أى هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التى لم يعلم بها عباده وقيل معنى ) من أمر ربي ( من وحيه وكلامه لا من كلام البشر وفى هذه الآية ما يزجر الخائضين فى شأن الروح المتكلفين لبيان ماهيته وإيضاح حقيقته أبلغ زجر ويردعهم أعظم ردع وقد أطالوا المقال فى هذا البحث بما لا يتم له المقام وغالبه بل كله من الفضول الذى لا يأتي بنفع فى دين ولا دنيا
وقد حكى بعض المحققين أن أقوال المختلفين فى الروح بلغت إلى ثمانية عشر مائة قول فانظر إلى هذا الفضول الفارغ والتعب العاطل عن النفع بعد أن علموا أن الله سبحانه قد استأثر بعلمه ولم يطلع عليه أنبياءه ولا أذن لهم بالسؤال عنه ولا البحث عن حقيقته فضلا عن أممهم المقتدين بهم فيا لله العجب حيث تبلغ أقوال أهل الفضول إلى هذا الحد الذى لم تبلغه ولا بعضه فى غير هذه المسئلة مما أذن الله بالكلام فيه ولم يستأثر بعلمه ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله سبحانه ) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( أى أن علمكم الذى علمكم الله ليس إلا المقدار القليل بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه وإن أوتي حظا من العلم وافرا بل علم الأنبياء عليهم السلام ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلا كما يأخذ الطائر فى منقاره من البحر كما فى حديث موسى والخضر عليهما السلام
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود قال ) لدلوك الشمس ( غروبها تقول العرب إذا غربت الشمس دلكت الشمس وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن علي قال دلوكها غروبها وأخرج عبد الرزاق وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال ) لدلوك الشمس ( لزوال الشمس وأخرج البزار وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دلوك الشمس زوالها وضعف السيوطي إسناده وأخرجه مالك فى الموطأ وعبد الرزاق والفريابي وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عمر من قوله وأخرج عبد الرزاق عنه قال دلوك الشمس زياغها بعد نصف النهار وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابن عباس قال دلوكها زوالها وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر عنه فى قوله ) لدلوك الشمس ( قال إذا فاء الفئ وأخرج ابن جرير عن أبى مسعود وعقبة بن عمرو قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى


"""""" صفحة رقم 255 """"""
بي الظهر وأخرج ابن جرير عن أبى برزة الأسلمي قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي الظهر إذا زالت الشمس ثم تلا ) أقم الصلاة لدلوك الشمس ( وأخرج ابن مردويه من حديث أنس نحوه ومما يستشهد به على أن الدلوك الزوال وسط النهار ما أخرجه ابن جرير عن جابر قال دعوت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن شاء من أصحابه يطعمون عندي ثم خرجوا حين زالت الشمس فخرج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس وفى إسناده رجل مجهول ولكنه أخرجه عنه من طريق أخرى عن سهل بن بكار عن أبى عوانة عن ألأسود بن قيس عن نبيح العنبري عن جابر فذكر نحوه مرفوعا وأخرج الطبراني عن ابن مسعود فى قوله ) إلى غسق الليل ( قال إلى العشاء الآخرة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال ) غسق الليل ( إجتماع الليل وظلمته وأخرج ابن جرير عنه قال ) غسق الليل ( بدو الليل وأخرج عبد الرزاق عن أبى هريرة قال دلوك الشمس إذا زالت الشمس عن بطن السماء وغسق الليل غروب الشمس وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) وقرآن الفجر ( قال صلاة الصبح وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن أبى هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ( قال تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع فيها وهو فى الصحيحين عنه مرفوعا بلفظ تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار فى صلاة الفجر ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم ) وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود موقوفا نحوه وأخرج الحكيم والترمذي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن قرآن الفجر كان مشهودا ( قال تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) نافلة لك ( يعنى خاصة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر بقيام الليل وكتب عليه وأخرج الطبراني فى الأوسط والبيهقي فى سننه عن عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ثلاث هن على فرائض وهن لكم سنة الوتر والسواك وقيام الليل وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أمامة فى قوله ) نافلة لك ( قال كانت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) نافلة ولكم فضيلة وفى لفظ إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( وسئل عنه قال هو المقام المحمود الذى أشفع فيه لأمتي وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن كعب بن مالك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل ويكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود وأخرج البخاري وغيره عن ابن عمر قال إن كل أمة يوم القيامة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذلك يوم يبعثه الله مقاما محمودا وأخرج عنه نحوه مرفوعا والأحاديث فى هذا الباب كثيرة جدا ثابتة فى الصحيحين وغيرهما فلا نطيل بذكرها ومن رام الاستيفاء نظر فى أحاديث الشفاعة فى الأمهات وغيرها وأخرج الطبراني فى قوله ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( قال يجلسه فيما بينه وبين جبريل ويشفع لأمته فذلك المقام المحمود وأخرج الديلمي عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( قال يجلسني معه على السرير وينبغي الكشف


"""""" صفحة رقم 256 """"""
عن إسناد هذين الحديثين وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي والضياء فى المختارة عن ابن عباس قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة ثم أمر بالهجرة فأنزل الله ) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ( وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي فى الدلائل عن قتادة فى قوله ) وقل رب أدخلني ( الآية قال أخرجه الله من مكة مخرج صدق وأدخله المدينة مدخل صدق قال وعلم نبي الله أنه لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض وأكل شديدهم ضعيفهم وأخرج الخطيب عن عمر بن الخطاب قال والله لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال دخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود فى يده ويقول ) جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ( جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد وفى الباب أحاديث وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) ونأى بجانبه ( قال تباعد وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) كان يؤوسا ( قال قنوطا وفى قوله ) كل يعمل على شاكلته ( قال على ناحيته وأخرج هناد وابن المنذر عن الحسن قال على شاكلته على نيته وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال كنت أمشي مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى خرب المدينة وهو متكئ على عسيب فمر بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض اسألوه عن الروح فقال بعضهم لا تسألوه فقالوا يا محمد ما الروح فما زال متكئا على العسيب فظننت أنه يوحى إليه فقال ) ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ فى العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل قالوا سلوه عن الروح فنزلت ) ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ( قالوا أوتينا علما كثيرا أوتينا التوراة ومن أوتى التوراة فقد أوتى خيرا كثيرا فأنزل الله ) قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ( وفى الباب أحاديث وآثار
سورة الإسراء الآية ( 86 91 )


"""""" صفحة رقم 257 """"""
سورة الإسراء الآية ( 92 93 )
الإسراء : ( 86 ) ولئن شئنا لنذهبن . . . . .
لما بين سبحانه أنه ما آتاهم من العلم إلا قليلا بين أنه لو شاء أن يأخذ منهم هذا القليل لفعل فقال ) ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ( واللام هى الموطئة ولنذهبن جواب القسم ساد مسد جواب الشرط قال الزجاج معناه لو شئنا لمحوناه من القلوب ومن الكتب حتى لا يوجد له أثر انتهى وعبر عن القرآن بالموصول تفخيما لشأنه ) ثم لا تجد لك به ( أى بالقرآن ) علينا وكيلا ( أى لا تجد من يتوكل علينا فى رد شئ منه بعد أن ذهبنا به
الإسراء : ( 87 ) إلا رحمة من . . . . .
والإستثناء بقوله ) إلا رحمة من ربك ( إن كان متصلا فمعناه إلا أن يرحمك ربك فلا نذهب به وإن كان منقطعا فمعناه لكن لا يشأ ذلك رحمة من ربك أو لكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به ) إن فضله كان عليك كبيرا ( حيث جعلك رسولا وأنزل عليك الكتاب وصيرك سيد ولد آدم وأعطاك المقام المحمود وغير ذلك مما أنعم به عليه
الإسراء : ( 88 ) قل لئن اجتمعت . . . . .
ثم احتج سبحانه على المشركين بإعجاز القرآن فقال ) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ( المنزل من عند الله الموصوف بالصفات الجليلة من كمال البلاغة وحسن النظم وجزالة اللفظ ) لا يأتون بمثله ( أظهر فى مقام الإضمار ولم يكتف بأن يقول لا يأتون به على أن الضمير راجع إلى المثل المذكور لدفع توهم أن يكون له مثل معين وللإشعار بأن المراد نفى المثل على أى صفة كان وهو جواب قسم محذوف كما تدل عليه اللام الموطئة وساد مسد جواب الشرط ثم أوضح سبحانه عجزهم عن المعارضة سواء كان المتصدى لها كل واحد منهم على الإنفراد أو كان المتصدر بها المجموع بالمظاهرة فقال ) ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( أى عونا ونصيرا وجواب لو محذوف والتقدير ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا لا يأتون بمثله فثبت أنهم لا يأتون بمثله على كل حال وقد تقدم وجه إعجاز القرآن فى أوائل سورة البقرة فى هذه الآية رد لما قاله الكفار ) لو نشاء لقلنا مثل هذا ( وإكذاب لهم
الإسراء : ( 89 ) ولقد صرفنا للناس . . . . .
ثم بين سبحانه أن الكفار مع عجزهم عن المعارضة استمروا على كفرهم وعدم إيمانهم فقال ) ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ( أى رددنا القول فيه بكل مثل يوجب الإعتبار من الآيات والعبر والترغيب والترهيب والأوامر والنواهي وأقاصيص الأولين والجنة والنار والقيامة ) فأبى أكثر الناس إلا كفورا ( يعنى من أهل مكة فإنهم جحدوا وأنكروا كون القرآن كلام الله بعد قيام الحجة عليهم واقترحوا من الآيات ما ليس لهم وأظهر فى مقام الإضمار حيث قال فأبى أكثر الناس توكيدا أو توضيحا ولما كان ) أبى ( مؤولا بالنفي أى ما قبل أو لم يرض صح الإستثناء منه قوله ) إلا كفورا )
الإسراء : ( 90 ) وقالوا لن نؤمن . . . . .
(وقالوا لن نؤمن لك ( أى قال رؤساء مكة كعتبة وشيبة ابني ربيعة وأبى سفيان والنضر بن الحرث ثم علقوا نفي إيمانهم بغاية طلبوها فقالوا ) حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( قرأ حمزة والكسائي وعاصم حتى تفجر مخففا مثل تقتل وقرأ الباقون بالتشديد ولم يختلفوا فى ) فتفجر الأنهار ( أنها مشددة ووجه ذلك أبو حاتم بأن الأولى بعدها ينبوع وهو واحد والثانية بعدها الأنهار وهى جمع وأجنب عنه بأن الينبوع وإن كان واحدا فى اللفظ فالمراد به الجمع فإن الينبوع العيون التى لا تنضب ويرد بأن الينبوع عين الماء والجمع الينابيع وإنما يقال للعين ينبوع إذا كانت غزيرة من شأنها النبوع من غير انقطاع والياء زائدة كيعبوب من عب الماء
الإسراء : ( 91 ) أو تكون لك . . . . .
) أو تكون لك جنة ( أى بستان تستر أشجاره أرضه والمعنى هب أنك لا تفجر الأنهار لأجلنا ففجرها من أجلك بأن تكون لك جنة ) من نخيل وعنب فتفجر الأنهار ( أى تجريها بقوة ) خلالها تفجيرا ( أى وسطها تفجيرا كثيرا
الإسراء : ( 92 ) أو تسقط السماء . . . . .
) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا (


"""""" صفحة رقم 258 """"""
قرأ مجاهد أو تسقط مسندا إلى السماء وقرأ من عداه أو تسقط على الخطاب أى أو تسقط أنت يا محمد السماء والكسف بفتح السين جمع كسفة وهى قراءة نافع وابن عامر وعاصم والكسفة القطعة وقرأ الباقون كسفا بإسكان السين قال الأخفش من قرأ بإسكان السين جعله واحدا ومن قرأ بفتحها جعله جمعا قال المهدوي ويجوز أن يكون على قراءة الكون جمع كسفه ويجوز أن يكون مصدرا قال الجوهرى الكسفة القطعة من الشئ يقال أعطني كسفة من ثوبك والجمع كسف وكسف ويقال الكسف والكسفة واحد وانتصاب كسفا على الحال والكاف فى كما زعمت فى محل نصب على أنه صفة مصدر محذوف أى إسقاطا ممائلا لما زعمت يعنون بذلك قول الله سبحانه ) إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ( قال أبو علي الكسف بالسكون الشئ المقطوع كالطحن للمطحون واشتقاقه على ما قال أبو زيد من كسفت الثوب كسفا إذا قطعته وقال الزجاج من كسفت الشئ إذا غطيته كأنه قيل أو تسقطها طبقا علينا ) أو تأتي بالله والملائكة قبيلا (
اختلف المفسرون فى معنى ) قبيلا ( فقيل معناه معاينة قاله قتادة وابن جريج واختاره أبو علي الفارسي فقال إذا حملته على المعاينة كان القبيل مصدرا كالنكير والنذير وقيل معناه كفيلا قاله الضحاك وقيل شهيدا قاله مقاتل وقيل هو جمع القبيلة أى تأتى بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة قاله مجاهد وعطاء وقيل ضمنا وقيل مقابلا كالعشير والمعاشر
الإسراء : ( 93 ) أو يكون لك . . . . .
) أو يكون لك بيت من زخرف ( أى من ذهب وبه قرأ ابن مسعود وأصله الزينة والمزخرف المزين وزخارف الماء طرائقه وقال الزجاج هو الزينة فرجع إلى الأصل معنى الزخرف وهو بعيد لأنه يصير المعنى أو يكون لك بيت من زينة ) أو ترقى في السماء ( أى تصعد فى معارجها يقال رقيت فى السلم إذا صعدت وارتقيت مثله ) ولن نؤمن لرقيك ( أى لأجل رقيك وهو مصدر نحو مضى يمضي مضيا وهوى يهوى هويا ) حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ( أى حتى تنزل علينا من السماء كتابا يصدقك ويدل على نبوتك نقرؤه جميعا أو يقرؤه كل واحد منا وقيل معناه كتابا من الله إلى كل واحد منا كما فى قوله ) بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ( فأمر سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتى بما يفيد التعجب من قولهم والتنزيه للرب سبحانه عن اقتراحاتهم القبيحة فقال ) قل سبحان ربي ( أى تنزيها لله عن أن يعجز عن شئ وقرأ أهل مكة والشام ) قل سبحان ربي ( يعنى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) هل كنت إلا بشرا ( من البشر لا ملكا حتى أصعد السماء ) رسولا ( مأمورا من الله سبحانه بإبلاغكم فهل سمعتم أيها المقترحون لهذه الأمور أن بشرا قدر على شئ منها وإن أردتم أني أطلب ذلك من الله سبحانه حتى يظهرها على يدي فالرسول إذا أتى بمعجزة واحدة كفاه ذلك لأن بها يتبين صدقه ولا ضرورة إلى طلب الزياة وأنا عبد مأمور ليس لي أن أتحكم على ربي بما ليس بضروري ولا دعت إليه حاجة ولو لزمتني الإجابة لكل متعنت لاقترح كل معاند فى كل وقت اقتراحات وطلب لنفسه إظهار آيات فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا وتنزه عن تعنتاتهم وتقدس عن اقتراحاتهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود قال إن هذا القرآن سيرفع قيل كيف يرفع وقد أثبته الله فى قلوبنا وأثبتناه فى المصاحف قال يسرى عليه فى ليلة واحدة فلا يترك منه آية فى قلب ولا مصحف إلا رفعت فتصبحون وليس فيكم منه شئ ثم قرأ ) ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ( وقد ورى عنه هذا من طرق وأخرج ابن عدى عن أبى هريرة مرفوعا نحوه وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عمرو نحوه موقوفا وأخرج


"""""" صفحة رقم 259 """"""
الديلمى فى مسند الفردوس عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه أيضا وأخرج ابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة موقوفا نحوه أيضا وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن حذيفة بن اليمان مرفوعا نحوه أيضا وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعا نحوه أيضا وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن عمر مرفوعا نحوه
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) محمود بن شيخان ونعيمان بن آصى وبحرى بن عمرو وسلام بن مشكم فقالوا أخبرنا يا محمد بهذا الذى جئت به أحق من عند الله فإنا لا نراه متناسقا كما تناسق التوراة فقال لهم والله إنكم لتعرفونه أنه من عند الله قالوا إنا نجيئك مثل ما تأتي به فأنزل الله ) قل لئن اجتمعت الإنس والجن ( الآية وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ورجلا من بني عبد الدار وأبا البحتري أخا بني أسيد والأسود بن عبد المطلب وربيعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله ابن أبى أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيها ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه وذكر حديثا طويلا يشتمل على ما سألوه عنه وتعنتوه وأن ذلك كان سبب نزول قوله ) وقالوا لن نؤمن لك ( إلى قوله ) بشرا رسولا ( وإسناده عن ابن جرير هكذا حدثنا أبو كريب حدثنا يونس بن بكير حدثنا محمد بن إسحاق حدثني شيخ من أهل مصر قدم منذ بضع وأربعين سنة عن عكرمة عن ابن عباس فذكره ففيه هذا الرجل المجهول وأخرج سعيد ابن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) وقالوا لن نؤمن لك ( قال نزلت فى أخي أم سلمة عبد الله بن أبى أمية وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) ينبوعا ( قال عيونا وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال الينبوع هو النهر الذى يجري من العين وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أو تكون لك جنة ( يقول ضيعة وأخرج ابن جرير عنه ) كسفا ( قال قطعا وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا ) قبيلا ( قال عيانا وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) من زخرف ( قال من ذهب وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن الأنباري وأبو نعيم عن مجاهد قال لم أكن أحسن ما الزخرف حتى سمعتها فى قراءة عبد الله ) أو يكون لك بيت من زخرف ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) كتابا نقرؤه ( قال من رب العالمين إلى فلان ابن فلان يصبح عند كل رجل صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها
سورة الإسراء الآية ( 94 97 )


"""""" صفحة رقم 260 """"""
سورة الإسراء الآية ( 98 100 )
الإسراء : ( 94 ) وما منع الناس . . . . .
حكى سبحانه عنهم شبهة اخرى قد تكرر فى الكتاب العزيز التعرض لإيرادها وردها فى غير موضع فقال ) وما منع الناس أن يؤمنوا ( المراد الناس على العموم وقيل المراد أهل مكة على الخصوص أى ما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهو المفعول الثاني لمنع ومعنى ) إذ جاءهم الهدى ( أنه جاءهم الوحى من الله سبحانه على رسوله وبين ذلك لهم وأرشدهم إليه وهو ظرف لمنع أو يؤمنوا أى ما منعهم وقت مجئ الهدى أن يؤمنوا بالقرآن والنبوة ) إلا أن قالوا ( أى ما منعهم إلا قولهم فهو فى محل رفع على أنه فاعل منع والهمزة فى ) أبعث الله بشرا رسولا ( للإنكار منهم أن يكون الرسول بشرا والمعنى أن هذا الإعتقاد الشامل لهم وهو إنكار أن يكون الرسول من جنس البشر هو الذى منعهم عن الإيمان بالكتاب وبالرسول وعبر عنه بالقول للإشعار بأنه ليس إلا مجرد قول قالوه بأفواههم
الإسراء : ( 95 ) قل لو كان . . . . .
ثم أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيب عن شبهتهم هذه فقال ) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ( أى لو وجد وثبت أن فى الأرض بدل من فيها من البشر ملائكة يمشون على الأقدام كما يمشي الإنس مطمئنين مستقرين فيها ساكنين بها قال الزجاج مطمئنين مستوطنين فى الأرض ومعنى الطمأنينة السكون فالمراد ها هنا المقام والاستيطان فإنه يقال سكن البلد فلان إذا أقام فيها وإن كان ماشيا متقلبا في حاجاته ) لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( حتى يكون من جنسهم وفيه إعلام من الله سبحانه بأن الرسل ينبغي أن تكون من جنس المرسل إليهم فكأنه سبحانه اعتبر في تنزيل الرسول من جنس الملائكة أمرين الأول كون سكان الأرض ملائكة والثاني كونهم ماشين على الأقدام غير قادرين على الطيران بأجنحتهم إلى السماء إذ لو كانوا قادرين على ذلك لطاروا إليها وسمعوا من أهلها ما يجب معرفته وسماعه فلا يكون فى بعثة الملائكة إليهم فائدة وانتصاب بشرا وملكا على أنهما مفعولان للفعلين ورسولا فى الموضعين وصف لهما وجوز صاحب الكشاف أن يكونا حالين فى الموضعين من رسولا فيهما وقواه صاحب الكشاف ولعل وجه ذلك أن الإنكار يتوجه إلى الرسول المتصف بالبشرية فى الموضع الأول فيلزم بحكم التقابل أن يكون الآخر كذلك
الإسراء : ( 96 ) قل كفى بالله . . . . .
ثم ختم الكلام بما يجري مجرى التهديد فقال ) قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ( أى قل لهم يا محمد من جهتك كفى بالله وحده شهيدا على إبلاغي إليكم ما أمرني به من أمور الرسالة وقال بيني وبينكم ولم يقل بيننا تحقيقا للمفارقة الكلية وقيل إن إظهار المعجزة على وفق دعوى النبى شهادة من الله له على الصدق ثم علل كونه سبحانه شهيدا كافيا بقوله ) إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( أى عالما بجميع أحوالهم محيطا بظواهرها وبواطنها بصيرا بما كان منها وما يكون
الإسراء : ( 97 ) ومن يهد الله . . . . .
ثم بين سبحانه أن الإقرار والإنكار مستندان إلى مشيئته فقال ) من يهد الله فهو المهتدي ( أى من يرد الله هدايته فهو المهتدى إلى الحق أو إلى كل مطلوب ) ومن يضلل ( أى يرد إضلاله ) فلن تجد لهم أولياء ( ينصرونهم ) من دونه ( يعنى الله سبحانه ويهدونهم إلى الحق الذى أضلهم الله عنه أو إلى طريق النجاة وقوله ) فهو المهتدي ( حملا على لفظ من وقوله ) فلن تجد لهم ( حملا على المعنى والخطاب فى قوله فلن تجد إما للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له ) ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم ( هذا الحشر على الوجوه


"""""" صفحة رقم 261 """"""
فيه وجهان للمفسرين الأول أنه عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم من قول العرب قد مر القوم على وجوههم إذا أسرعوا الثاني أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم حقيقة كما يفعل فى الدنيا بمن يبالغ فى إهانته وتعذيبه وهذا هو الصحيح لقوله تعالى ) يوم يسحبون في النار على وجوههم ( ولما صح فى السنة كما سيأتى ومحل على وجوههم النصب على الحال من ضمير المفعول و ) عميا ( منتصب على الحال ) وبكما وصما ( معطوفان عليه والأبكم الذى لا ينطق والأصم الذى لا يسمع وهذه هيئة يبعثون عليها فى أقبح صورة وأشنع منظر قد جمع الله لهم بين عمى البصر وعدم النطق وعدم السمع مع كونهم مسحوبين على وجوههم ثم من وراء ذلك ) مأواهم جهنم ( أى المكان الذى يأوون إليه والجملة فى محل نصب على الحال أو هى مستأنفة لا محل لها ) كلما خبت زدناهم سعيرا ( أى كلما سكن لهبها يقال خبت النار تخبو خبوا إذا خمدت وسكن لهبها قال ابن قتيبة ومعنى زدناهم سعيرا تسعرا وهو التلهب وقد قيل إن فى خبو النار تخفيفا لعذاب أهلها فكيف يجمع بينه وبين قوله ) لا يخفف عنهم العذاب ( وأجيب بأن المراد بعدم التخفيف أنه لا يتخلل زمان محسوس بين الخبو والتسعر وقيل إنها تخبو من غير تخفيف عنهم من عذابها
الإسراء : ( 98 ) ذلك جزاؤهم بأنهم . . . . .
) ذلك ( أى العذاب ) جزاؤهم ( الذى أوجبه الله لهم واستحقوه عنده والباء فى قوله ) بأنهم كفروا بآياتنا ( للسببية أى بسبب كفرهم بها فلم يصدقوا بالآيات التنزيلية ولا تفكروا فى الآيات التكوينية واسم الإشارة مبتدأ وخبره جزاؤهم وبأنهم كفروا خبر آخر ويجوز أن يكون جزاؤهم مبتدأ ثانيا وخبره ما بعده والجملة خبر المبتدأ الأول ) وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ( الهمزة للإنكار وقد تقدم تفسير الآية فى هذه السورة وخلقا فى قوله ) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ( مصدر من غير لفظه أو حال أى مخلوقين
الإسراء : ( 99 ) أولم يروا أن . . . . .
فجاء سبحانه بحجة تدفعهم عن الإنكار وتردهم عن الجحود فقال ) ) أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ( ( أى من هو قادر على خلق هذا فهو على إعادة ما هو أدون منه أقدر وقيل المراد أنه قادر على إفنائهم وإيجاد غيرهم وعلى القول الأول يكون الخلق بمعنى الإعادة وعلى هذا القول هو على حقيقته وجملة ) وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ( عطف على أو لم يروا والمعنى قد علموا بدليل العقل أن من قدر على خلق السموات والأرض فهو قادر على خلق أمثالهم لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن كما قال ) أأنتم أشد خلقا أم السماء ( ) وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ( وهو الموت أو القيامة ويحتمل أن تكون الواو للاستئناف وقيل فى الكلام تقديم وتأخير أى أو لم يروا أن الله الذى خلق السموات والأرض وجعل لهم أجلا لا ريب فيه قادر على أن يخلق مثلهم ) فأبى الظالمون إلا كفورا ( أى أبى المشركون إلا جحودا وفيه وضع الظاهر موضع المضمر للحكم عليهم بالظلم ومجاوزة الحد
الإسراء : ( 100 ) قل لو أنتم . . . . .
ثم لما وقع من هؤلاء الكفار طلب إجراء الأنهار والعيون فى أراضيهم لتتسع معايشهم بين الله سبحانه أنهم لا يقنعون بل يبقون على بخلهم وشحهم فقال ) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( أنتم مرتفع على أنه فاعل فعل محذوف يفسره ما بعده أى لو تملكون أنتم تملكون على أن الضمير المنفصل مبدل من الضمير المتصل وهو الواو وخزائن رحمته سبحانه هى خزائن الأرزاق قال الزجاج أعلمهم الله أنهم لو ملكوا خزائن الأرزاق لأمسكوا شحا وبخلا وهو خشية الإنفاق أى خشية أن ينفقوا فيفتقروا وفى حذف الفعل الذى ارتفع به أنتم وإيراد الكلام فى صورة المبتدأ والخبر دلالة على أنهم هم المختصون بالشح قال أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم وأقتر بمعنى قل ماله فيكون المعنى لأمسكتم خشية قل المال ) وكان الإنسان قتورا ( أى بخيلا مضيقا عليه يقال قتر على عياله يقتر ويقتر قترا وقتورا ضيق عليهم فى النفقة ويجوز أن يراد وكان الإنسان قتورا أى قليل المال والظاهر أن المراد المبالغة فى وصفه بالشح لأن الإنسان


"""""" صفحة رقم 262 """"""
ليس بقليل المال على العموم بل بعضهم كثير المال إلا أن يراد أن جميع النوع الإنساني قليل المال بالنسبة إلى خزائن الله وما عنده وقد اختلف فى هذه الآية على قولين أحدهما أنها نزلت فى المشركين خاصة وبه قال الحسن والثاني أنها عامة وهو قول الجمهور حكاه الماوردي
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم قال الذى أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف صنف مشاة وصنف ركبانا وصنف على وجوههم ثم ذكر نحو حديث أنس وفى الباب أحاديث وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) مأواهم جهنم ( قال يعني أنهم وقودها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه فى قوله ) كلما خبت ( قال سكنت وأخرج هؤلاء عنه أيضا فى الآية قال كلما أحرقهم سعرتهم حطبا فإذا أحرقتهم فلم يبق منهم شيء صارت جمرا تتوهج فذلك خبوها فإذا بدلوا خلقا جديدا عاودتهم وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء فى قوله ) خزائن رحمة ربي ( قال الرزق وأخرج أيضا عن عكرمة فى قوله ) إذا لأمسكتم خشية الإنفاق ( قال إذا ما أطعمتم أحدا شيئا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) خشية الإنفاق ( قال الفقر ) وكان الإنسان قتورا ( قال بخيلا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة ) خشية الإنفاق ( قال خشية الفاقة ) وكان الإنسان قتورا ( قال بخيلا ممسكا
سورة الإسراء الآية ( 101 109 )
الإسراء : ( 101 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
قوله ) ولقد آتينا موسى تسع آيات ( أى علامات دالة على نبوته قيل ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن المعجزات المذكروة كأنها مساوية لتلك الأمور التى اقترحها كفار قريش بل أقوى منها فليس عدم الاستجابة


"""""" صفحة رقم 263 """"""
لما طلبوه من الآيات إلا لعدم المصلحة فى استئصالهم إن لم يؤمنوا بها قال أكثر المفسرين الآيات التسع هى الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد والسنين ونقص الثمرات وجعل الحسن مكان السنين ونقص الثمرات البحر والجبل وقال محمد بن كعب القرظي هى الخمس التى فى الأعراف والبحر والعصا والحجر والطمس على أموالهم وقد تقدم الكلام على هذه الآيات مستوفى وسيأتي حديث صفوان بن عسال فى تعداد هذه الآيات التسع ) فاسأل بني إسرائيل ( قرأ ابن عباس وابن نهيك فسأل على الخبر أى سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه وقرأ الآخرون ) فاسأل ( على الأمر أى سلهم يا محمد حين ) جاءهم ( موسى والسؤال سؤال استشهاد لمزيد الطمأنينة والإيقان لأن الأدلة إذا تظافرت كان ذلك أقوى والمسئولون مؤمنو بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وأصحابه ) فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ( الفاء هى الفصيحة أى فأظهر موسى عند فرعون ما آتيناه من الآيات البينات وبلغه ما أرسل به فقال له فرعون والمسحور الذى سحر فخولط عقله وقال أبو عبيدة والفراء هو بمعنى الساحر فوضع المفعول موضع الفاعل
الإسراء : ( 102 ) قال لقد علمت . . . . .
ف ) قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء ( يعني الآيات التى أظهرها وأنزل بمعنى أوجد ) إلا رب السماوات والأرض بصائر ( أى دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته وانتصاب بصائر على الحال قرأ الكسائي بضم التاء من علمت على أنها لموسى وروى ذلك عن علي وقرأ الباقون بفتحها على الخطاب لفرعون ووجه القراءة الأولى أن فرعون لم يعلم ذلك وإنما علمه موسى ووجه قراءة الجمهور أن فرعون كان عالما بذلك كما قال تعالى ) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ( قال أبو عبيد المأخوذ به عندنا فتح التاء وهو الأصح للمعنى لأن موسى لا يقول علمت أنا وهو الداعي وروى نحو هذا عن الزجاج ) وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ( الظن هنا بمعنى اليقين والثبور الهلاك والخسران قال الكميت ورأت قضاعة فى الأيا
من رأى مثبور وثابر
أى مخسور وخاسر وقيل المثبور الملعون ومنه قول الشاعر يا قومنا لا تروموا حزينا سفها
إن السفاه وإن البغي مثبور
أى ملعون وقيل المثبور ناقص العقل وقيل هو الممنوع من الخير يقال ما ثبرك عن كذا ما منعك منه حكاه أهل اللغة وقيل المسحور
الإسراء : ( 103 ) فأراد أن يستفزهم . . . . .
) فأراد أن يستفزهم من الأرض ( أى أراد فرعون أن يخرج بني إسرائيل وموسى ويزعجهم من الأرض يعني أرض مصر بإيعادهم عنها وقيل أراد أن يقتلهم وعلى هذا يراد بالأرض مطلق الأرض وقد تقدم قريبا معنى الاستفزاز ) فأغرقناه ومن معه جميعا ( فوقع عليه وعليهم الهلاك بالغرق ولم يبق منهم أحدا
الإسراء : ( 104 ) وقلنا من بعده . . . . .
) وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ( أى من بعد إغراقه ومن معه والمراد بالأرض هنا أرض مصر التى أراد أن يستفزهم منها ) فإذا جاء وعد الآخرة ( أى الدار الآخرة وهو القيامة أو الكرة الآخرة أو الساعة الآخرة ) جئنا بكم لفيفا ( قال الجوهري اللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى يقال جاء القوم بلفهم ولفيفهم أى بأخلاطهم فالمراد هنا جئنا بكم من قبوركم مختلطين من كل موضع قد اختلط المؤمن بالكافر قال الأصمعي اللفيف جمع وليس له واحد وهو مثل الجمع
الإسراء : ( 105 ) وبالحق أنزلناه وبالحق . . . . .
) وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ( الضمير يرجع إلى القرآن ومعنى ) وبالحق أنزلناه ( أوحيناه متلبسا بالحق ومعنى ) وبالحق نزل ( أنه نزل وفيه الحق وقيل الباقي وبالحق الأول بمعنى مع أى مع الحق أنزلناه كقولهم ركب الأمير بسيفه أى مع سيفه وبالحق نزل أى بمحمد كما تقول نزلت يزيد وقال أبو علي الفارسي الباء فى الموضعين بمعنى مع وقيل يجوز أن


"""""" صفحة رقم 264 """"""
يكون المعنى وبالحق قدرنا أن ينزل وكذلك نزل أو ما أنزلناه من السماء إلا محفوظا وما نزل على الرسول إلا محفوظا من تخليط الشياطين والتقديم فى الموضعين للتخصص ) وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ( أى مبشرا لمن أطاع بالجنة ونذيرا مخوفا لمن عصى بالنار
الإسراء : ( 106 ) وقرآنا فرقناه لتقرأه . . . . .
) وقرآنا فرقناه ( انتصاب قرآنا بفعل مضمر يفسره ما بعده قرأ علي وابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وقتادة وأبو رجاء والشعبي ) فرقناه ( بالتشديد أى أنزلناه شيئا بعد شيء لا جملة واحدة وقرأ الجمهور فرقناه بالتخفيف أى بيناه وأوضحناه وفرقنا فيه بين الحق والباطل وقال الزجاج فرقه فى التنزيل ليفهمه الناس قال أبو عبيد التخفيف أعجب إلي لأن تفسيره بيناه وليس للتشديد معنى إلا أنه نزل متفرقا ويؤيده ما رواه ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال فرقت مخففا بين الكلام وفرقت مشددا بين الأجسام ثم ذكر سبحانه العلة لقوله فرقناه فقال ) لتقرأه على الناس على مكث ( أى على تطاول فى المدة شيئا بعد شيء على القراءة الأولى أو أنزلناه آية آية وسورة سورة ومعناه على القراءة الثانية على مكث أى على ترسل وتمهل فى التلاوة فإن ذلك أقرب إلى الفهم وأسهل للحفظ وقد اتفق القراء على ضم الميم فى مكث إلا ابن محيصن فإنه قرأ بفتح الميم ) ونزلناه تنزيلا ( التأكيد بالمصدر للمبالغة والمعنى أنزلناه منجما مفرقا لما فى ذلك من المصلحة ولو أخذوا بجميع الفرائض فى وقت واحد لنفروا ولم يطيقوا
الإسراء : ( 107 ) قل آمنوا به . . . . .
) قل آمنوا به أو لا تؤمنوا ( أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول للكافرين المقترحين للآيات آمنوا به أو لا تؤمنوا فسواء إيمانكم به وامتناعكم عنه لا يزيده ذلك ولا ينقصه وفى هذا وعيد شديد لأمره ( صلى الله عليه وسلم ) بالإعراض عنهم واحتقارهم ثم علل ذلك بقوله ) إن الذين أوتوا العلم من قبله ( أى أن العلماء الذين قرءوا الكتب السابقة قبل إنزال القرآن وعرفوا حقيقة الوحي وأمارات النبوة كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وعبد الله بن سلام ) إذا يتلى عليهم ( أى القرآن ) يخرون للأذقان سجدا ( أى يسقطون على وجوههم ساجدين لله سبحانه وإنما قيد الخرور وهوالسقوط بكونه للأذقان أى عليها لأن الذقن وهو مجتمع اللحيين أول ما يحاذى الأرض قال الزجاج لأن الذقن مجتمع اللحيين وكما يبتدئ الإنسان بالخرور للسجود فأول ما يحاذى الأرض به من وجهه الذقن وقيل المراد تعفير اللحية فى التراب فإن ذلك غاية الخضوع وإيثار اللام فى ) للأذقان ( على على للدلالة على الاختصاص فكأنهم خصوا أذقانهم بالخرور أو خصوا الخرور بأذقانهم وقيل الضمير فى قوله ) من قبله ( راجع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأولى ما ذكرناه من رجوعه إلى القرآن لدلالة السياق على ذلك وفى هذا تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وحاصلها أنه إن لم يؤمن به هؤلاء الجهال الذين لا علم عندهم ولا معرفة بكتب الله ولا بأنبيائه فلا تبال بذلك فقد آمن به أهل العلم وخشعوا له وخضعوا عند تلاوته عليهم خضوعا ظهر أثره البالغ بكونهم يخرون على أذقانهم سجدا لله
الإسراء : ( 108 ) ويقولون سبحان ربنا . . . . .
) ويقولون سبحان ربنا ( أى يقولون فى سجودهم تنزيها لربنا عما يقوله الجاهلون من التكذيب أو تنزيها له عن خلف وعده ) إن كان وعد ربنا لمفعولا ( إن هذه هى المخففة من الثقيلة واللام هى الفارقة
الإسراء : ( 109 ) ويخرون للأذقان يبكون . . . . .
ثم ذكر أنهم خروا لأذقانهم باكين فقال ) ويخرون للأذقان يبكون ( وكرر ذكر الخرور للأذقان لاختلاف السبب فإن الأول لتعظيم الله سبحانه وتنزيهه والثاني للبكاء بتأثير مواعظ القرآن فى قلوبهم ومزيد خشوعهم ولهذا قال ) ويزيدهم ( أى سماع القرآن أو القرآن بسماعهم له ) خشوعا ( أى لين قلب ورطوبة عين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) تسع آيات ( فذكر ما ذكرناه عن أكثر المفسرين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال يده وعصاه


"""""" صفحة رقم 265 """"""
ولسانه والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وأخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن قانع والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي وابن مردويه عن صفون بن عسال أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه انطلق بنا إلى هذا النبي نسأله فأتياه فسألاه عن قول الله ) ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ( فقال لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرفوا ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة أو قال لا تفروا من الزحف شك شعبة وعليكم يا يهود خاصة أن لا تعتدوا فى السبت فقبلا يديه ورجليه وقالا نشهد انك نبي الله قال فما يمنعكما أن تسلما قالا إن داود دعا الله أن يزال فى ذريته نبي وإنا نخاف إن أسلمنا أن يقتلنا اليهود وأخرج ابن أبي الدنيا فى ذم الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن قوله ) وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ( قال مخالفا وقال الأنبياء أكرم من أن تلعن أو تسب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس ) مثبورا ( قال ملعونا وأخرج الشيرازي فى الألقاب وابن مردويه عنه قال قليل العقل وأخرج ابن جرير عنه أيضا لفيفا قال جميعا وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس أنه قرأ ) وقرآنا فرقناه ( مثقلا قال نزل القرآن إلى السماء الدنيا فى ليلة القدر من رمضان جملة واحدة فكان المشركون إذا أحدثوا شيئا أحدث الله لهم جوابا ففرقه الله فى عشرين سنة وقد روى نحو هذا عنه من طرق وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا ) فرقناه ( قال فصلناه على مكث بأمد ) يخرون للأذقان ( يقول للوجوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) إذا يتلى عليهم ( قال كتابهم
سورة الإسراء الآية ( 110 111 )
الإسراء : ( 110 ) قل ادعوا الله . . . . .
أراد سبحانه أن يعلم عباده كيفية الدعاء والخشوع فقال ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ( ومعناه أنهما مستويان فى جواز الإطلاق وحسن الدعاء بهما ولهذا قال ) أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( التنوين فى أيا عوض عن المضاف إليه وما مزيدة لتوكيد الإبهام فى أيا والضمير فى له راجع إلى المسمى وكان أصل الكلام أيا ما تدعوا فهو حسن فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة وللدلالة على أنها إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان ومعنى حسن الأسماء استقلالها بنعوت الجلال والإكرام ذكر معنى هذا النيسابوري وتبعه أبو السعود قال الزجاج أعلمهم الله أن دعاءهم الله ودعاءهم الرحمن يرجعان إلى قول واحد وسيأتي ذكر سبب نزول الآية وبه يتضح المراد منها ثم ذكر كيفية أخرى للدعاء فقال ) ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ( أى بقراءة صلاتك على حذف المضاف للعلم بأن الجهر والمخافتة من نعوت الصوت لا من نعوت أفعال الصلاة فهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء يقال خفت صوته خفوتا إذا انقطع كلامه وضعف وسكن وخفت الزرع إذا ذبل وخافت الرجل بقراءته إذا لم يرفع بها صوته وقيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها


"""""" صفحة رقم 266 """"""
والأول أولى ) وابتغ بين ذلك ( أى الجهر والمخافتة المدلول عليها بالفعلين ) سبيلا ( أى طريقا متوسطا بين الأمرين فلا تكن مجهورة ولا مخافتا بها وعلى التفسير الثاني يكون معنى ذلك النهي عن الجهر بقراءة الصلوات كلها والنهي عن المخافتة بقراءة الصلوات كلها والأمر بجعل البعض منها مجهورا به وهو صلاة الليل والمخافتة بصلاة النهار وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله ) ادعوا ربكم تضرعا وخفية )
الإسراء : ( 111 ) وقل الحمد لله . . . . .
ولما أمر أن لا يذكر ولا ينادى إلا بأسمائه الحسنى نبه على كيفية الحمد له فقال ) وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ( كما تقوله اليهود والنصارى ومن قال من المشركين إن الملائكة بنات الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) ولم يكن له شريك في الملك ( أى مشارك له فى ملكه وربوبيته كما تزعمه الثنوية ونحوهم من الفرق القائلين بتعدد الآلهة ) ولم يكن له ولي من الذل ( أى لم يحتج إلى موالاة أحد لذل يلحقه فهو مستغن عن الولي والنصير قال الزجاج أى لم يحتج أن ينتصر بغيره وفى التعرض فى أثناء الحمد لهذه الصفات الجليلة إيذان بأن المستحق للحمد من له هذه الصفات لأنه القادر على الإيجاد وإفاضة النعم لكون الولد مجبنة ومبخلة ولأنه أيضا يستلزم حدوث الأب لأنه متولد من جزء من أجزائه والمحدث غير قادر على كمال الإنعام والشركة فى الملك إنما تتصور لمن لا يقدر على الاستقلال به ومن لا يقدر على الاستقلال عاجز فضلا عن تمام ما هو له فضلا عن نظام ما هو عليه وأيضا الشركة موجبة للتنازع بين الشريكين فقد يمنعه الشريك من إفاضة الخير إلى أوليائه ومؤديه إلى الفساد ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( والمحتاج إلى ولي يمنعه من الذل وينصره على من أراد إذلاله ضعيف لا يقدر على ما يقدر عليه من هو مستغنى بنفسه ) وكبره تكبيرا ( أى عظمه تعظيما وصفه بأنه أعظم من كل شيء
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة ذات يوم فقال فى دعائه يا ألله يا رحمن فقال المشركون انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا ان ندعوا إلهين وهو يدعو إلهين فأنزل الله ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال إن اليهود سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الرحمن وكان لهم كاهن باليمامة يسمونه الرحمن فنزلت الآية وهو مرسل وأخرج ابن جرير عن مكحول أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يتهجد بمكة ذات ليلة يقول فى سجوده يا رحمن يا رحيم فسمعه رجل من المشركين فلما أصبح قال لأصحابه إن ابن أبي كبشة يدعو الليلة الرحمن الذى باليمن وكان رجل باليمن يقال له الرحمن فنزلت وأخرج البيهقي فى الدلائل من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قول الله ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا ( إلى آخر الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هو أمان من السرق وإن رجلا من المهاجرين من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تلاها حيث أخذ مضجعه فدخل عليه سارق فجمع ما فى البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردودا فوضع الكارة ففعل ذلك ثلاث مرات فضحك صاحب الدار ثم قال إني حصنت بيتي وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس فى قوله ) ولا تجهر بصلاتك ( الآية قال نزلت ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) متوار فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله لنبيه ) ولا تجهر بصلاتك ( أى بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ) ولا تخافت بها ( عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك ) وابتغ بين ذلك سبيلا ( يقول بين الجهر والمخافتة وأخرج ابن مردويه عنه قال كان نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) يجهر بالقراءة بمكة فيؤذى فأنزل الله ) ولا تجهر بصلاتك ( وأخرج


"""""" صفحة رقم 267 """"""
ابن أبي شيبة عنه أيضا نحوه وأخرج أبو داود فى ناسخه عنه نحوه وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضا قال كان مسيلمة الكذاب قد سمى الرحمن فكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا صلى فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قال المشركون يذكر إله اليمامة فأنزل الله ) ولا تجهر بصلاتك ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي فى الشعب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن أبا بكر كان إذا قرأ خفض وكان عمر إذا قرأ جهر فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا قال أنا أناجي ربي وقد عرف حاجتي وقيل لعمر لم تصنع هذا قال أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان فلما نزل ) ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ( قيل لأبي بكر ارفع شيئا وقيل لعمر اخفض شيئا وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وغيرهم عن عائشة قالت إنما نزلت هذه الآية ) ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ( فى الدعاء وأخرج ابن جرير والحاكم عنها قالت نزلت فى التشهد وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس مثل حديث عائشة الأول وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال إن اليهود والنصارى قالوا اتخذ الله ولدا وقالت العرب لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وقال الصابئون والمجوس لولا أولياء الله لذل فأنزل الله هذه الآية ) قل الحمد لله ( إلى آخرها وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) ولم يكن له ولي من الذل ( قال لم يحالف أحدا ولم يبتغ نصر أحد وأخرج أحمد والطبراني عن معاذ بن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آية العز ) الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ( الآية كلها وأخرج أبو يعلى وابن السنى عن أبي هريرة قال خرجت أنا ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويده فى يدي فأتى علي رجل رث الهيئة فقال أى فلان ما بلغ بك ما أرى قال السقم والضر قال ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر توكلت على الحي الذى لا يموت ) الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ( إلى آخر الآية فأتى عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد حسنت حاله فقال مهيم قال لم أزل أقول الكلمات التى علمتني وفى لفظ أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علم ذلك أبا هريرة قال ابن كثير وإسناده ضعيف وفى متنه نكارة وأخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يعلم أهله هذه الآية ) الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ( إلى آخرها الصغير من أهله والكبير وأخرج عبد الرزاق فى المصنف عن عبد الكريم بن أبي أمية قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات ) الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ( إلى آخر السورة وأخرج ابن أبي شيبة فى المصنف من طريق عبد الكريم عن عمرو بن شعيب فذكره وأخرجه ابن السني فى عمل اليوم والليلة من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده


"""""" صفحة رقم 268 """"""
ع18
تفسير
سورة الكهف
وهى مائة وإحدى عشرة آية
حول السورة
قال القرطبي وهى مكية فى قول جميع المفسرين وروى عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله ) جرزا ( والأول أصح انتهى ومن القائلين إنها مكية جميعها ابن عباس أخرجه عنه النحاس وابن مردويه ومنهم ابن الزبير أخرجه ابن مردويه وقد ورد فى فضلها أحاديث منها ما أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وغيرهم عن أبي الدرداء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن حبان عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء قال قرأ رجل سورة الكهف وفى الدار دابة فجعلت تنفر فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته فذكر ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال اقرأ فلان فإن السكبنة نزلت للقرآن وهذا الذى كان يقرأ هو أسيد بن حضير كما بينه الطبراني وأخرج الترمذي وصححه عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال وفى قراءة العشر الآيات من أولها أو من آخرها أحاديث وأخرج ابن مردويه والضياء فى المختارة عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون فإن خرج الدجال عصم منه وأخرج الطبراني فى الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي والضياء عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عيله وآله وسلم من قرأ سورة الكهف كانت له نورا من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره وأخرج الحاكم وصححه من حديث أبي سعيد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قرأ سورة الكهف فى يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين وأخرجه البيهقي أيضا فى السنن من هذا الوجه ومن وجه آخر وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة الكهف فى يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أخبركم بسورة ملأ عظمتها ما بين السماء والأرض ولكاتبها من الأجر مثل ذلك ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام ومن قرأ الخمس الأواخر منها عند نومه بعثه الله من أى الليل شاء قالوا بلى يا رسول الله قال سورة أصحاب الكهف وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) البيت الذى تقرأ فيه سورة الكهف لا يدخله شيطان تلك الليلة وفى الباب أحاديث وآثار وفيما أوردناه كفاية مغنية
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف الآية ( 1 4 )


"""""" صفحة رقم 269 """"""
سورة الكهف الآية ( 5 8 )
الكهف : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
علم عباده كيف يحمدونه على إفاضة نعمه عليهم ووصفه بالموصول يشعر بعلية ما فى حيز الصلة لما قبله ووجه كون إنزال الكتاب وهو القرآن نعمة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كونه اطلع بواسطته على أسرار التوحيد وأحوال الملائكة والأنبياء وعلى كيفية الأحكام الشرعية التى تعبده الله وتعبد أمته بها وكذلك العباد كان إنزال الكتاب على نبيهم نعمة لهم لمثل ما ذكرناه فى النبي ) ولم يجعل له عوجا ( أى شيئا من العوج بنوع من أنواع الاختلال فى اللفظ والمعنى والعوج بالكسر فى المعاني وبالفتح فى الأعيان كذا قيل ويرد عليه قوله سبحانه ) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( يعني الجبال وهى من الأعيان قال الزجاج المعنى فى الآية لم يجعل فيها اختلافا كما قال ) ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( والقيم المستقيم الذى لا ميل فيه أو القيم بمصالح العباد الدينية والدنيوية أو القيم على ما قبله من الكتب السماوية مهيمنا عليها وعلى الأول يكون تأكيدا لما دل عليه نفى العوج فرب مستقيم فى الظاهر لا يخلو عن أدنى عوج فى الحقيقة وانتصاب قيما بمضمر أى جعله قيما ومنع صاحب الكشاف أن يكون حالا من الكتاب لأن قوله ولم يجعل معطوف على أنزل فهو داخل فى حيز الصلة فجاعله حالا من الكتاب فاصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة وقال الأصفهاني هما حالان متواليان إلا أن الأول جملة والثاني مفرد وهذا صواب لأن قوله ) ولم يجعل ( لم يكن معطوفا على ما قبله بل الواو للحال فلا فصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة وقيل إن قيما حال من ضمير لم يجعل له وقيل فى الكلام تقديم وتأخير والتقدير أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا
الكهف : ( 2 ) قيما لينذر بأسا . . . . .
ثم أراد سبحانه أن يفصل ما أجمله فى قوله قيما فقال ) لينذر بأسا شديدا ( وحذف المنذر للعلم به مع قصد التعميم والمعنى لينذر الكافرين والبأس العذاب ومعنى ) من لدنه ( صادرا من لدنه نازلا من عنده روى أبو بكر عن عاصم أنه قرأ من لدنه باشمام الدال الضمة وبكسر النون والهاء وهى لغة الكلابيين وروى أبو زيد عن جميع القراء فتح اللام وضم الدال وسكون النون ) ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ( قرئ يبشر بالتشديد والتخفيف وأجرى الموصول على موصوفه المذكور لأن مدار قبول الأعمال هو الإيمان ) أن لهم أجرا حسنا ( وهو الجنة حال كونهم
الكهف : ( 3 ) ماكثين فيه أبدا
) ماكثين فيه ( أى فى ذلك الأجر ) أبدا ( أى مكثا دائما لا انقطاع له وتقديم الإنذار على التبشير لإظهار كمال العناية بزجر الكفار
الكهف : ( 4 ) وينذر الذين قالوا . . . . .
ثم كرر الإنذار وذكر المنذر لخصوصه وحذف المنذر به وهوالبأس الشديد لتقدم ذكره فقال ) وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ( وهم اليهود والنصارى وبعض كفار قريش القائلون بأن الملائكة بنات الله فذكر سبحانه أولا قضية كلية وهى إنذار عموم الكفار ثم عطف عليها قضية خاصة هى بعض جزئيات تلك الكلية تنبيها على كونها أعظم جزئيات تلك الكلية فأفاد ذلك أن نسبة الولد إلى الله سبحانه أقبح أنواع الكفر
الكهف : ( 5 ) ما لهم به . . . . .
) ما لهم به من علم ( أى بالولد أو اتخاذ الله إياه ومن مزيد لتأكيد النفي والجملة فى محل نصب على الحال أو هى مستأنفة والمعنى مالهم بذلك علم أصلا ) ولا لآبائهم ( علم بل كانوا فى زعمهم هذا على ضلالة وقلدهم أبناؤهم فضلوا جميعا ) كبرت كلمة تخرج من أفواههم ( انتصاب كلمة على التمييز وقرئ بالرفع على الفاعلية قال الفراء كبرت تلك الكلمة كلمة وقال الزجاج كبرت مقالتهم كلمة والمراد بهذه الكلمة هى قولهم اتخذ الله


"""""" صفحة رقم 270 """"""
ولدا ثم وصف الكلمة بقوله ) تخرج من أفواههم ( وفائدة هذا الوصف استعظام اجترائهم على التفوه بها والخارج من الفم وإن كان هو مجرد الهوى لكم لما كانت الحروف والأصوات كيفيات قائمة بالهوى أسند إلى الحال ما هو من شأن المحل ثم زاد فى تقبيح ما وقع منهم فقال ) إن يقولون إلا كذبا ( أى ما يقولون إلا كذبا لا مجال للصدق فيه بحال
الكهف : ( 6 ) فلعلك باخع نفسك . . . . .
ثم سلى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله ) فلعلك باخع نفسك على آثارهم ( قال الأخفش والفراء البخع الجهد وقال الكسائي بخعت الأرض بالزراعة إذا جعلتها ضعيفة بسبب متابعة الحراثة وبخع الرجل نفسه إذا نهكها وقال أبى عبيدة معناه مهلك نفسك ومنه قول ذي الرمة
ألا أيها ذا الباخع الوجد نفسه
فيكون المعنى على هذه الأقوال لعلك مجهد نفسك أو مضعفها أو مهلكها ) على آثارهم ( على فراقهم ومن بعد توليهم وإعراضهم ) إن لم يؤمنوا بهذا الحديث ( أى القرآن وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله وقرئ بفتح أن أى لأن لم يؤمنوا ) أسفا ( أى غيظا وحزنا وهو مفعول له أو مصدر فى موضع الحال كذا قال الزجاج
الكهف : ( 7 ) إنا جعلنا ما . . . . .
) إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ( هذه الجملة استئناف والمعنى إنا جعلنا ما على الأرض مما يصلح أن يكون زينة لها من الحيوانات والنبات والجماد كقوله سبحانه ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ( وانتصاب زينة على أنها مفعول ثان لجعل واللام فى ) لنبلوهم أيهم أحسن عملا ( متعلقة بجعلنا وهى إما للغرض أو للعاقبة والمراد بالإبتلاء أنه سبحانه يعاملهم معاملة لو كانت تلك المعاملة من غيره لكانت من قبيل الإبتلاء والإمتحان وقال الزجاج أيهم رفع بالإبتداء إلا أن لفظه لفظ الإستفهام والمعنى لنمتحن أهذا أحسن عملا أم ذاك قال الحسن أيهم أزهد وقال مقاتل أيهم أصلح فيما أوتي من المال
الكهف : ( 8 ) وإنا لجاعلون ما . . . . .
ثم أعلم سبحانه أنه مبيد لذلك كله ومفنيه فقال ) وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ( أى لجاعلون ما عليها من هذه الزينة عند تناهي عمر الدنيا صعيدا ترابا قال أبو عبيدة الصعيد المستوى من الأرض وقال الزجاج هو الطريق الذى لا نبات فيه قال الفراء الجرز الأرض التى لا نبات فيها ومن قولهم امرأة جرزا إذا كانت أكولا وسيفا جرازا إذا كان مستأصلا وجرز الجراد والشاة والإبل الأرض إذا أكلت ما عليها قال ذو الرمة
طوى النحز والأجراز ما فى بطونها
ومعنى النظم لا تحزن يا محمد مما وقع من هؤلاء من التكذيب فإنا قد جعلنا ما على الأرض زينة لاختبار أعمالهم وإنا لمذهبون ذلك عند انقضاء عمر الدنيا فمجازوهم إن خيرا فخير وأن شرا فشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله ) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ( الآية قال أنزل الكتاب عدلا قيما ) ولم يجعل له عوجا ( ملتبسا وأخرج ابن المنذر عن الضحاك ) قيما ( قال مستقيما وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة ) من لدنه ( أى من عنده وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى ) حسنا ( يعنى الجنة ) وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ( قال هم اليهود والنصارى وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل والنضر بن الحارث وأمية ابن خلف والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأبو البحتري فى نفر من قريش وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد كبر عليه ما يرى من خلاف قومه إياه وإنكارهم ما جاء به من النصيحة فأحزنه حزنا شديدا فأنزل الله سبحانه ) فلعلك باخع نفسك ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ) باخع نفسك ( يقول قاتل نفسك وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) أسفا ( قال جزعا وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة ) أسفا ( قال حزنا


"""""" صفحة رقم 271 """"""
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فى قوله ) إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ( قال الرجال وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير من قوله مثله وأخرج أبو نصر السجري فى الإبانة من طريق مجاهد عن ابن عباس فى الآية قال العلماء زينة الأرض وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن قال هم الرجال العباد العمال لله بالطاعة وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم فى التاريخ وابن مردويه عن ابن عمر قال تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) لنبلوهم أيهم أحسن عملا ( فقلت ما معنى ذلك يا رسول الله قال ليبلوكم أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرعكم فى طاعة الله وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة قال ليختبرهم ) أيهم أحسن عملا ( قال أيهم أتم عقلا وأخرج عن الحسن ) أيهم أحسن عملا ( قال أشدهم للدنيا تركا وأخرج أيضا عن الثوري قال أزهدهم فى الدنيا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ( قال يهلك كل شئ ويبيد وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة قال الصعيد التراب والجبال التى ليس فيها زرع وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن قال يعنى بالجرز الخراب
سورة الكهف الآية ( 9 16 )
الكهف : ( 9 ) أم حسبت أن . . . . .
قوله ) أم حسبت ( أم هى المنقطعة المقدرة ببل والهمزة عند الجمهور وببل وحدها عند بعضهم والتقدير بل أحسبت أو بل حسبت ومعناها الإنتقال من حديث إلى حديث آخر لا لإبطال الأول والإضراب عنه كما هو معنى بل فى الأصل والمعنى أن القوم لما تعجبوا من قصة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرسول على سبيل الإمتحان قال سبحانه بل أظننت يا محمد أنهم كانوا عجبا من آياتنا فقط لا تحسب ذلك فإن آياتنا كلها عجب فإن من كان قادرا على جعل ما على الأرض زينة لها للإبتلاء ثم جعل ما عليها صعيدا جرزا كأن لم تغن بالأمس لا تستبعد قدرته وحفظه ورحمته بالنسبة إلى طائفة مخصوصة وإن كانت قصتهم خارقة للعادة فإن آيات الله سبحانه كذلك وفوق ذلك و ) عجبا ( منتصبة على أنه خبر كان أى ذات عجب أو موصوفة بالعجب مبالغة ومن آياتنا فى محل نصب على الحال
الكهف : ( 10 ) إذ أوى الفتية . . . . .
و ) إذ أوى الفتية ( ظرف لحسبت أو لفعل مقدر وهو


"""""" صفحة رقم 272 """"""
اذكر أى صاروا إليه وجعلوه مأواهم والفتية هم أصحاب الكهف والكهف هو الغار الواسع فى الجبل فإن كان صغيرا سمي غارا والرقيم قال كعب والسدى إنه إسم القرية التى خرج منها أصحاب الكهف وقال سعيد بن جبير ومجاهد إنه لوح من حجارة أو رصاص رقمت فيه أسماؤهم جعل على باب الكهف قال الفراء ويروي أنه إنما سمي رقيما لأن أسماءهم كانت مرقومة فيه والرقم الكتابة وروى مثل ذلك عن ابن عباس ومنه قول العجاج فى أرجوزة له ومستقري المصحف الرقيم
وقيل إن الرقيم اسم كلبهم وقيل هو اسم الوادى الذى كانوا فيه وقيل اسم الجبل الذى فيه الغار قال الزجاج أعلم الله سبحانه أن قصة أصحاب الكهف ليست بعجيبة من آيات الله لأن خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصة اصحاب الكهف ) فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة ( أى من عندك ومن ابتدائية متعلقة بآتنا أو لمحذوف وقع حالا والتنوين فى رحمة إما للتعظيم أو للتنويع وتقديم من لدنك للإختصاص أى رحمة مختصة بأنها من خزائن رحمتك وهى المغفرة فى الآخرة والأمن من الأعداء والرزق فى الدنيا ) وهيئ لنا من أمرنا رشدا ( أى أصلح لنا من قولك هيأت الأمر فتهيأ والمراد بأمرهم الأمر الذى هو عليه وهو مفارقتهم للكفار والرشد نقيض الضلال ومن للإبتداء ويجوز أن تكون للتجريد كما فى قولك رأيت منك رشدا وتقديم المجرورين للإهتمام بهما
الكهف : ( 11 ) فضربنا على آذانهم . . . . .
) فضربنا على آذانهم ( قال المفسرون أنمناهم والمعنى سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سماع الأصوات والمفعول محذوف أى ضربنا على آذانهم الحجاب تشبيها للإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها و ) في الكهف ( ظرف لضربنا وانتصاب ) سنين ( على الظرفية و ) عددا ( صفة لسنين أى ذوات عدد على أنه مصدر أو بمعنى معدودة على أنه لمعنى المفعول ويستفاد من وصف السنين بالعدد الكثرة قال الزجاج إن الشئ إذا قل فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد وإن كثر احتاج إلى أن يعد وقيل يستفاد منه التقليل لأن الكثير قليل عند الله ) وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون )
الكهف : ( 12 ) ثم بعثناهم لنعلم . . . . .
) ثم بعثناهم ( أى أيقظناهم من تلك النومة ) لنعلم ( أى ليظهر معلومنا وقرئ بالتحتية مبنيا للفاعل على طريقة الإلتفات و ) أي الحزبين ( مبتدأ معلق عنه العلم لما فى أى من الإستفهام وخبره ) أحصى ( وهو فعل ماض قيل والمراد بالعلم الذى جعل علة للبعث هو الإختبار مجازا فيكون المعنى بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم والأولى ما ذكرناه من أن المراد به ظهور معلوم الله سبحانه لعباده والمراد بالحزبين الفريقان من المؤمنين والكافرين من أصحاب الكهف المختلفين فى مدة لبثهم ومعنى أحصى أضبط وكأنه وقع بينهم تنازع فى مدة لبثهم فى الكهف فبعثهم الله ليتبين لهم ذلك ويظهر من ضبط الحساب ممن لم يضبطه وما فى ) لما لبثوا ( مصدرية أى أحصى للبثهم وقيل اللام زائدة وما بمعنى الذى و ) أمدا ( تمييز والأمد الغاية وقيل إن أحصى أفعل تفضيل ورد بأنه خلاف ما تقرر فى علم الإعراب وما ورد من الشاذ لا يقاس عليه كقولهم أفلس من ابن المذلق وأعدى من الجرب وأجيب بأن أفعل التفضيل من المزيد قياس مطرد عند سيبويه وابن عصفور وقيل إن الحزبين هم أصحاب الكهف اختلفوا بعد انتباههم كم لبثوا وقيل إن أصحاب الكهف حزب وأصحابهم حزب وقال الفراء إن طائفتين من المسلمين فى زمان أصحاب الكهف اختلفوا فى مدة لبثهم
الكهف : ( 13 ) نحن نقص عليك . . . . .
) نحن نقص عليك نبأهم بالحق ( هذا شروع فى تفصيل ما أجمل فى قوله ) إذ أوى الفتية ( أى نحن نخبرك بخبرهم بالحق أى قصصناه بالحق أو متلبسا بالحق ) إنهم فتية ( أى أحداث شبان و ) آمنوا بربهم ( صفة لفتية والجملة مستأنفة بتقدير سؤال والفتية جمع قلة و ) وزدناهم هدى ( بالتثبيت والتوفيق وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب
الكهف : ( 14 ) وربطنا على قلوبهم . . . . .
) وربطنا على قلوبهم (


"""""" صفحة رقم 273 """"""
أى قويناها بالصبر على هجر الأهل والأوطان وفراق الخلان والأخدان ) إذ قاموا ( الظرف منصوب بربطنا واختلف أهل التفسير فى هذا القيام على أقوال فقيل إنهم اجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد فقال رجل منهم هو أكبر القوم إنى لأجد فى نفسي شيئا إن ربي رب السموات والأرض فقالوا ونحن أيضا كذلك نجد فى أنفسنا فقاموا جميعا ) فقالوا ربنا رب السماوات والأرض ( قاله مجاهد وقال أكثر المفسرين إنه كان لهم ملك جبار يقال له دقيانوس وكان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم حتى قاموا بين يديه ) فقالوا ربنا رب السماوات والأرض ( وقال عطاء ومقاتل إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم ) لن ندعوا من دونه إلها ( أى لن نعبد معبودا آخر غير الله لا اشتراكا ولا استقلالا ) لقد قلنا إذا شططا ( أى قولا ذا شطط أو قولا هو نفس الشطط لقصد المبالغة بالوصف بالمصدر واللام هى الموطئة للقسم والشطط الغلو ومجاوزة الحد قال أعشى بن قيس أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط
كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
الكهف : ( 15 ) هؤلاء قومنا اتخذوا . . . . .
) هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة ( هؤلاء مبتدأ وخبره اتخذوا وقومنا عطف بيان وفى هذا الإخبار معنى للإنكار وفى الإشارة إليهم تحقير لهم ) لولا يأتون عليهم بسلطان بين ( أى هلا يأتون بحجة ظاهرة تصلح للتمسك بها ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( فزعم أن له شريكا فى العبادة أى لا أحد أظلم منه
الكهف : ( 16 ) وإذ اعتزلتموهم وما . . . . .
) وإذ اعتزلتموهم ( أى فارقتموهم وتنحيتم عنهم جانبا أى عن العابدين للأصنام وقوله ) وما يعبدون إلا الله ( معطوف على الضمير المنصوب وما موصولة أو مصدرية أى وإذا اعتزلتموهم واعتزلتم معبودهم أو الذى يعبدونه وقوله ) إلا الله ( استثناء منقطع على تقدير أنهم لم يعبدوا إلا الأصنام أو متصل على تقدير أنهم شركوها فى العبادة مع الله سبحانه وقيل هو كلام معترض إخبار من الله سبحانه عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله فتكون ما على هذا نافية ) فأووا إلى الكهف ( أى صيروا إليه واجعلوه مأواكم قال الفراء هو جواب إذ ومعناه اذهبوا إليه واجعلوه مأواكم وقيل هو دليل على جوابه أى إذ اعتزلتموهم اعتزالا اعتقاديا فاعتزلوهم اعتزالا جسمانيا وإذا أردتم اعتزالهم فافعلوا ذلك بالإلتجاء إلى الكهف ) ينشر لكم ربكم من رحمته ( أى يبسط ويوسع ) ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ( أى يسهل وييسر لكم من أمركم الذى أنتم بصدده ) مرفقا ( المرفق بفتح الميم وكسرها لغتان قرئ بهما مأخوذ من الإرتفاق وهو الإنتفاع وقيل فتح الميم أقيس وكسرها أكثر قال الفراء وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن مرفق الإنسان وقد تفتح العرب الميم فيهما فهما لغتان وكأن الذين فتحوا ارادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر والمرفق من الإنسان وقال الكسائي الكسر فى مرفق اليد وقيل المرفق بالكسر ما ارتفقت به والمرفق بالفتح الأمر الرافق والمراد هنا ما يرتفقون به وينتفعون بحصوله والتقديم فى الموضعين يفيد الإختصاص
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الرقيم الكتاب وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم من طريق العوفي عنه قال الرقيم واد دون فلسطين قريب من أيلة والراويان عن ابن عباس ضعيفان وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه أيضا قال هو الجبل الذى فيه الكهف وأخرج ابن المنذر عنه قال والله ما أدري ما الرقيم الكتاب أم بنيان وفى رواية عنه من طريق أخرى قال وسألت كعبا فقال اسم القرية التى خرجوا منها وأخرج ابن أبى حاتم عن أنس قال الرقيم الكلب وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) كانوا من آياتنا عجبا ( يقول الذى آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) فضربنا على آذانهم ( يقول أرقدناهم ) ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين (


"""""" صفحة رقم 274 """"""
من قوم الفتية أهل الهدى وأهل الضلالة ) أحصى لما لبثوا ( وذلك أنهم كتبوا اليوم الذى خرجوا فيه والشهر والسنة وأخرج ابن أبى حاتم عن الربيع بن أنس فى قوله ) وزدناهم هدى ( قال إخلاصا وأخرج ابن ابى حاتم عن قتادة فى قوله ) وربطنا على قلوبهم ( قال بالإيمان وفى قوله ) لقد قلنا إذا شططا ( قال كذبا وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال جورا وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عطاء الخراساني فى قوله ) وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله ( قال كان قوم الفتية يعبدون الله ويعبدون معه آلهة شتى فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم تعتزل عبادة الله وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى الآية قال هى مصحف ابن مسعود وما يعبدون من دون الله فهذا تفسيرها
سورة الكهف الآية ( 17 20 )
الكهف : ( 17 ) وترى الشمس إذا . . . . .
قوله ) وترى الشمس إذا طلعت ( شرع سبحانه فى بيان حالهم بعد ما أووا إلى الكهف ) تزاور ( قرأ أهل الكوفة بحذف تاء التفاعل وقرأ ابن عامر تزور قال الأخفش لا يوضع الأزورار فى هذا المعنى إنما يقال هو مزور عني أى منقبض وقرأ الباقون بتشديد الزاى وإدغام تاء التفاعل فيه بعد تسكينها وتزاور مأخوذ من الزور بفتح الواو وهو الميل ومنه زاره إذا مال إليه والزور الميل فمعنى الآية أن الشمس إذا طلعت تميل وتتنحى ) عن كهفهم ( قال الراجز الكلبى جاب المندا عن هوانا أزور
أى مائل ) ذات اليمين ( أى ناحية اليمين وهى الجهة المسماة باليمين وانتصاب ذات على الظرف ) وإذا غربت تقرضهم ( القرض القطع قال الكسائي والأخفش والزجاج وأبو عبيدة تعدل عنهم وتتركهم قرضت المكان عدلت عنه تقول لصاحبك هل وردت مكان كذا فيقول إنما قرضته إذا مر به وتجاوز عنه والمعنى أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين أى يمين الكهف وإذا غربت تمر ) ذات الشمال ( أى شمال الكهف لا تصيبه بل تعدل عن سمته إلى الجهتين والفجوة المكان المتسع وجملة ) وهم في فجوة منه ( فى محل نصب على الحال


"""""" صفحة رقم 275 """"""
وللمفسرين فى تفسير هذه الجملة قولان الأول أنهم مع كونهم فى مكان منفتح انفتاحا واسعا فى ظل جميع نهارهم لا تصيبهم الشمس فى طلوعها ولا فى غروبها لأن الله سبحانه حجبها عنهم والثاني أن باب ذلك الكهف كان مفتوحا إلى جانب الشمال فإذا طلعت الشمس كانت عن يمين الكهف وإذا غربت كانت عن يساره ويؤيد القول الأول قوله ) ذلك من آيات الله ( فإن صرف الشمس عنهم مع توجه الفجوة إلى مكان تصل إليه عادة أنسب بمعنى كونها آية ويؤيده أيضا إطلاق الفجوة وعدم تقييدها بكونها إلى جهة كذا ومما يدل على أن الفجوة المكان الواسع قول الشاعر ألبست قومك مخزاة ومنقصة
حتى أبيحوا وخلوا فجوة الدار
ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله ) من يهد الله ( أى إلى الحق ) فهو المهتد ( الذى ظفر بالهدى وأصاب الرشد والفلاح ) ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ( أى ناصرا يهديه إلى الحق كدقيانوس وأصحابه
الكهف : ( 18 ) وتحسبهم أيقاظا وهم . . . . .
ثم حكى سبحانه طرفا آخر من غرائب أحوالهم فقال ) وتحسبهم أيقاظا ( جمع يقظ بكسر القاف وفتحها ) وهم رقود ( أى نيام وهو جمع راقد كقعود فى قاعد قيل وسبب هذا الحسبان أن عيونهم كانت مفتحة وهم نيام وقال الزجاج لكثرة تقلبهم ) ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ( أى نقلبهم فى رقدتهم إلى الجهتين لئلا تأكل الأرض أجسادهم ) وكلبهم باسط ذراعيه ( حكاية حال ماضية لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان بمعنى المضي كما تقرر فى علم النحو قال أكثر المفسرين هربوا من ملكهم ليلا فمروا براع معه كلب فتبعهم والوصيد قال أبو عبيد وأبو عبيدة هو فناء البيت وكذا قال المفسرون وقيل العتبة ورد بأن الكهف لا يكون له عتبة ولا باب وإنما اراد أن الكلب موضع العتبة من البيت ) لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ( قال الزجاج فرارا منصوب على المصدرية بمعنى التولية والفرار الهرب ) ولملئت ( قرئ بتشديد اللام وتخفيفها ) منهم رعبا ( قرئ بسكون العين وضمها أى خوفا يملا الصدر وانتصاب رعبا على التمييز أو على أنه مفعول ثان وسبب الرعب الهيبة التى ألبسهم الله إياها وقيل طول أظفارهم وشعورهم وعظم أجرامهم ووحشة مكانهم ويدفعه قوله تعالى ) لبثنا يوما أو بعض يوم ( فإن ذلك يدل على أنهم لم ينكروا من حالهم شيئا ولا وجدوا من أظفارهم وشعورهم ما يدل على طول المدة
الكهف : ( 19 ) وكذلك بعثناهم ليتساءلوا . . . . .
) وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم ( الإشارة إلى المذكور قبله أى وكما فعلنا بهم ما فعلنا من الكرامات بعثناهم من نومهم وفيه تذكير لقدرته على الإماتة والبعث جميعا ثم ذكر الأمر الذى لأجله بعثهم فقال ليتساءلوا بينهم أى ليقع التساؤل بينهم والإختلاف والتنازع فى مدة اللبث لما يترتب على ذلك من انكشاف الحال وظهور القدرة الباهرة والإقتصار على علة التساؤل لا ينفى غيرها وإنما أفرده لاستتباعه لسائر الآثار وجملة ) قال قائل منهم كم لبثتم ( مبينة لما قبلها من التساؤل أى كم مدة لبثكم فى النوم قالوا ذلك لأنهم رأوا فى أنفسهم غير ما يعهدونه فى العادة ) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ( أى قال بعضهم جوابا عن سؤال من سأل منهم قال المفسرون إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله سبحانه آخر النهار فلذلك قالوا يوما فلما رأوا الشمس قالوا أو بعض يوم وكان قد بقيت بقية من النهار وقد مر مثل هذا الجواب فى قصة عزيز فى البقرة ) قالوا ربكم أعلم بما لبثتم ( أى قال البعض الآخر هذا القول إما على طريق الإستدلال أو كان ذلك إلهاما لهم من الله سبحانه أى أنكم لا تعلمون مدة لبثكم وإنما يعلمها الله سبحانه ) فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ( أعرضوا عن التحاور فى مدة اللبث وأخذوا فى شئ آخر كأنه قال القائل منهم اتركوا ما أنتم فيه من المحاورة وخذوا فى شئ آخر مما يهمكم والفاء للسببية والورق الفضة مضروبة أو غير مضروبة وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي


"""""" صفحة رقم 276 """"""
وحفص عن عاصم بكسر الراء وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم بسكونها وقرئ بكسر الراء وإدغام القاف فى الكاف وقرأ ابن محيصن بكسر الواو وسكون الراء وفى حملهم لهذه الورق معهم دليل على أن إمساك بعض ما يحتاج إليه الإنسان لا ينافى التوكل على الله والمدينة دقسوس وهى مدينتهم التى كانوا فيها ويقال لها اليوم طرسوس كذا قال الواحدي ) فلينظر أيها أزكى طعاما ( أى ينظر أي أهلها أطيب طعاما وأحل مكسبا أو أرخص سعرا وقيل يجوز أن يعود الضمير إلى الأطعمة المدلول عليها فى المقام كما يقال زيد طبت أبا على أن الأب هو زيد وفيه بعد واستدل بالآية على حل ذبائح أهل الكتاب لأن عامة أهل المدينة كانوا كفارا وفيهم قوم يخفون إيمانهم ووجه الاستدلال أن الطعام يتناول اللحم كما يتناول غيره مما يطلق عليه اسم الطعام ) وليتلطف ( أى يدقق النظر حتى لا يعرف أو لا يغبن والأول أولى ويؤيده ) ولا يشعرن بكم أحدا ( أى لا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور ويتسبب له فهذا النهي يتضمن التأكيد للأمر بالتلطف
الكهف : ( 20 ) إنهم إن يظهروا . . . . .
ثم علل ما سبق من الأمر والنهي فقال ) إنهم إن يظهروا عليكم ( أى يطلعوا عليكم ويعلموا بمكانكم يعني أهل المدينة ) يرجموكم ( يقتلوكم بالرجم وهذه القتلة هى أخبث قتلة وكان ذلك كان عادة لهم ولهذا خصه من بين أنواع ما يقع به القتل ) أو يعيدوكم في ملتهم ( أى يردوكم إلى ملتهم التى كنتم عليها قبل أن يهديكم الله أو المراد بالعود هنا الصيرورة على تقدير أنهم لم يكونوا على ملتهم وإيثار كلمة فى على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار ) ولن تفلحوا إذا أبدا ( فى إذن معنى الشرط كأنه قال إن رجعتم إلى دينهم فلن تفلحوا إذا أبدا لا فى الدنيا ولا فى الآخرة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) تزاور ( قال تميل وفى قوله ) تقرضهم ( قال تذرهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) تقرضهم ( قال تتركهم ) وهم في فجوة منه ( قال المكان الداخل وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال الفجوة الخلوة من الأرض ويعني بالخلوة الناحية من الأرض وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) ونقلبهم ( الآية قال ستة أشهر على ذي الجنب اليمين وستة أشهر على ذي الجنب الشمال وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير فى الآية قال كي لا تأكل الأرض لحومهم وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن اسم كلبهم قطمورا وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال اسمه قطمير وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس فى قوله ) بالوصيد ( قال بالفناء وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال بالباب وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) أزكى طعاما ( قال أحل ذبيحة وكانوا يذبحون للطواغيت وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ) أزكى طعاما ( يعني أطهر لأنهم كانوا يذبحون للطواغيت


"""""" صفحة رقم 277 """"""
سورة الكهف الآية ( 21 26 )
الكهف : ( 21 ) وكذلك أعثرنا عليهم . . . . .
قوله ) وكذلك أعثرنا عليهم ( أى وكما أنمناهم وبعثناهم أعثرنا عليهم أى أطلعنا الناس عليهم وسمى الإعلام إعثارا لأن من كان غافلا عن شئ فعثر به نظر إليه وعرفه فكان الإعثار سببا لحصول العلم ) ليعلموا أن وعد الله حق ( أى ليعلم الذين أعثرهم الله عليهم أن وعد الله بالبعث حق قيل وكان ملك ذلك العصر ممن ينكر البعث فأراه الله هذه الآية قيل وسبب الإعثار عليهم أن ذلك الرجل الذى بعثوه بالورق وكانت من ضربة دقيانوس إلى السوق لما اطلع عليها أهل السوق اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك فقال له من أين وجدت هذه الدراهم قال بعت بها أمس شيئا من التمر فعرف الملك صدقه ثم قص عليه القصة فركب الملك وركب أصحابه معه حتى وصلوا إلى الكهف ) وأن الساعة لا ريب فيها ( أى وليعلموا أن القيامة لا شك فى حصولها فإن من شاهد حال أهل الكهف علم صحة ما وعد الله به من البعث ) إذ يتنازعون بينهم أمرهم ( الظرف متعلق بأعثرنا أى أعثرنا عليهم وقت التنازع والإختلاف بين أولئك الذين أعثرهم الله فى أمر البعث وقيل فى أمر أصحاب الكهف فى قدر مكثهم وفى عددهم وفيما يفعلونه بعد أن اطلعوا عليهم ) فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ( لئلا يتطرق الناس إليهم وذلك أن الملك وأصحابه لما وقفوا عليهم وهم أحياء أمات الله الفتية فقال بعضهم ابنوا عليهم بنيانا يسترهم عن أعين الناس ثم قال سبحانه حاكيا لقول المتنازعين فيهم وفى عددهم وفى مدة لبثهم وفى نحو ذلك مما يتعلق بهم ) ربهم أعلم بهم ( من هؤلاء المتنازعين فيهم قالوا ذلك تفويضا للعلم إلى الله سبحانه وقيل هو من كلام الله سبحانه ردا لقول المتنازعين فيهم أى دعوا ما أنتم فيه من التنازع فإنى أعلم بهم منكم وقيل إن الظرف فى إذ يتنازعون متعلق بمحذوف هو اذكر ويؤيده أن الإعثار ليس فى زمن التنازع بل قبله ويمكن أن يقال إن أولئك القوم ما زالوا متنازعين فيما بينهم قرنا بعد قرن منذ أووا إلى الكهف إلى وقت الإعثار ويؤيد ذلك أن خبرهم كان مكتوبا على باب الغار كتبه بعض المعاصرين لهم من المؤمنين الذين كانوا يخفون إيمانهم كما قاله المفسرون ) قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ( ذكر اتخاذ المسجد يشعر بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون وقيل هم أهل السلطان والملك من القوم المذكورين فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم والأول أولى قال الزجاج هذا يدل على أنه لما ظهر أمرهم غلب المؤمنون بالبعث والنشور لأن المساجد للمؤمنين
الكهف : ( 22 ) سيقولون ثلاثة رابعهم . . . . .
) سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ( هؤلاء القائلون بأنهم ثلاثة أو خمسة أو سبعة هم المتنازعون فى عددهم فى زمن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الكتاب والمسلمين وقيل هم أهل الكتاب خاصة وعلى كل تقدير فليس المراد أنهم جميعا قالوا جميع ذلك بل قال بعضهم بكذا وبعضهم بكذا وبعضهم بكذا ثلاثة رابعهم كلبهم أى هم ثلاثة أشخاص وجملة رابعهم كلبهم فى محل نصب على الحال


"""""" صفحة رقم 278 """"""
أى حال كون كلبهم جاعلهم أربعة بانضمامه إليهم ) ويقولون خمسة سادسهم كلبهم ( الكلام فيه كالكلام فيما قبله وانتصاب ) رجما بالغيب ( على الحال أى راجمين أو على المصدر أى يرجمون رجما والرجم بالغيب هو القول بالظن والحدس من غير يقين والموصوفون بالرجم بالغيب هم كلا الفريقين القائلين بأنهم ثلاثة والقائلين بأنهم خمسة ) ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ( كأن قول هذه الفرقة أقرب إلى الصواب بدلالة عدم إدخالهم فى سلك الراجمين بالغيب قيل وإظهار الواو فى هذه الجملة يدل على أنها مرادة فى الجملتين الأوليين قال أبو علي الفارسي قوله رابعهم كلبهم وسادسهم كلبهم جملتان استغنى عن حرف العطف فيهما بما تضمنتا من ذكر الجملة الأولى وهى قوله ثلاثة والتقدير هم ثلاثة هكذا حكاه الواحدى عن أبى علي ثم قال وهذا معنى قول الزجاج فى دخول الواو فى وثامنهم وإخراجها من الأول وقيل هى مزيدة للتوكيد وقيل إنها واو الثمانية وإن ذكره متداول على ألسن العرب إذا وصلوا إلى الثمانية كما فى قوله تعالى ) وفتحت أبوابها ( وقوله ) ثيبات وأبكارا ( ثم أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخبر المختلفين فى عددهم بما يقطع التنازع بينهم فقال ) قل ربي أعلم بعدتهم ( منكم أيها المختلفون ثم أثبت علم ذلك لقليل من الناس فقال ) ما يعلمهم ( أى يعلم ذواتهم فضلا عن عددهم أو ما يعلم عددهم على حذف المضاف ) إلا قليل ( من الناس ثم نهى الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الجدال مع أهل الكتاب فى شأن أصحاب الكهف فقال ) فلا تمار فيهم ( المراء فى اللغة الجدال يقال مارى يمارى مماراة ومراء أى جادل ثم استثنى سبحانه من المراء ما كان ظاهرا واضحا فقال ) إلا مراء ظاهرا ( أى غير متعمق فيه وهو أن يقص عليهم ما أوحى الله إليه فحسب وقال الرازي هو أن لا يكذبهم فى تعيين ذلك العدد بل يقول هذا التعيين لا دليل عليه فوجب التوقف ثم نهاه سبحانه عن الإستفتاء فى شأنهم فقال ) ولا تستفت فيهم منهم أحدا ( أى لا تستفت فى شأنهم من الخائضين فيهم أحدا منهم لأن المفتى يجب أن يكون أعلم من المستفتى وهاهنا الأمر بالعكس ولا سيما فى واقعة أهل الكهف وفيما قص الله عليك فى ذلك ما يغنيك عن سؤال من لا علم له
الكهف : ( 23 ) ولا تقولن لشيء . . . . .
) ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ( أى لأجل شئ تعزم عليه فيما يستقبل من الزمان فعبر عنه بالغد ولم يرد الغد بعينه فيدخل فيه الغد دخولا أوليا قال الواحدي قال المفسرون لما سألت اليهود النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عن خبر الفتية فقال أخبركم غدا ولم يقل إن شاء الله فاحتبس الوحي عنه حتى شق عليه فأنزل الله هذه الآية يأمره بالإستثناء بمشيئة الله يقول إذا قلت لشئ إنى فاعل ذلك غدا فقل إن شاء الله وقال الأخفش والمبرد والكسائى والفراء لا تقولن لشئ إنى فاعل ذلك غدا إلا أن تقول إن شاء الله فأضمر القول ولما حذف تقول نقل شاء إلى لفظ الإستقبال قيل وهذا الإستثناء مفرغ أى لا تقولن ذلك فى حال من الأحوال إلا حال ملابسته لمشيئة الله وهو أن تقول إن شاء الله أو فى وقت من الأوقات إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله مطلقا وقيل الإستثناء جار مجرى التأبيد كأنه قيل لا تقولنه أبدا كقوله ) وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ( لأن عودهم فى ملتهم مما لا يشاؤه الله
الكهف : ( 24 ) إلا أن يشاء . . . . .
) واذكر ربك إذا نسيت ( الإستثناء بمشيئة الله أى فقل إن شاء الله سواء كانت المدة قليلة أو كثيرة
وقد اختلف أهل العلم فى المدة التى يجوز إلحاق الإستثناء فيما بعد المستثنى منه على أقوال معروفة فى مواضعها وقيل المعنى ) واذكر ربك ( بالإستغفار ) إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا ( المشار إليه بقوله من هذا هو نبأ أصحاب الكهف أى قل يا محمد عسى أن يوفقنى ربي لشئ أقرب من هذا النبأ من الآيات والدلائل الدالة على نبوتى قال الزجاج عسى أن يعطينى ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب فى


"""""" صفحة رقم 279 """"""
الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف وقد فعل الله به ذلك حيث آتاه من علم غيوب المرسلين وخبرهم ما كان أوضح فى الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف وقيل الإشارة إلى قوله ) واذكر ربك إذا نسيت ( أى عسى أن يهديني ربي عند هذا النسيان لشيء آخر بدل هذا المنسي وأقرب منه رشدا وأدنى منه خيرا ومنفعة والأول أولى
الكهف : ( 25 ) ولبثوا في كهفهم . . . . .
) ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ( قرأ الجمهور بتنوين مائة ونصب سنين فيكون سنين على هذه القراءة بدلا أو عطف بيان وقال الفراء وأبو عبيدة والزجاج والكسائي فيه تقديم وتأخير والتقدير سنين ثلثمائة ورجح الأول أبو علي الفارسي وقرأ حمزة والكسائي بإضافة مائة إلى سنين وعلى هذه القراءة تكون سنين تمييزا على وضع الجمع موضع الواحد فى التمييز كقوله تعالى ) بالأخسرين أعمالا ( قال الفراء ومن العرب من يضع سنين موضع سنة قال أبو علي الفارسي هذه الأعداد التى تضاف فى المشهور إلى الآحاد نحو ثلثمائة رجل وثوب قد تضاف إلى المجموع وفى مصحف عبد الله ثلثمائة سنة وقال الأخفش لا تكاد العرب تقول مائة سنين وقرأ الضحاك ثلثمائة سنون بالواو وقرأ الجمهور ) تسعا ( بكسر التاء وقرأ أبو عمرو بفتحها وهذا إخبار من الله سبحانه بمدة لبثهم قال ابن جرير إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم فقال بعضهم إنهم لبثوا ثلثمائة سنة وتسع سنين فأخبر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن هذه المدة فى كونهم نياما وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر فأمر الله أن يرد علم ذلك إليه فقال ) قل الله أعلم بما لبثوا ( قال ابن عطية فقوله على هذا لبثوا الأول يريد فى يوم الكهف ولبثوا الثاني يريد بعد الإعثار عليهم إلى مدة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو إلى أن ماتوا وقال بعضهم إنه لما قال ) وازدادوا تسعا ( لم يدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جمع أم شهور أم أعوام واختلف بنوا إسرائيل بحسب ذلك فأمر الله برد العلم إليه فى التسع فهي على هذا مبهمة والأول أولى لأن الظاهر من كلام العرب المفهوم بحسب لغتهم أن التسع أعوام بدليل أن العدد فى هذا الكلام للسنين لا للشهور ولا للأيام ولا للساعات وعن الزجاج أن المراد ثلثمائة سنة شمسية وثلثمائة وتسع سنين قمرية وهذا إنما يكون من الزجاج على جهة التقريب
الكهف : ( 26 ) قل الله أعلم . . . . .
ثم أكد سبحانه اختصاصه بعلم ما لبثوا بقوله ) له غيب السماوات والأرض ( أى ما خفى فيهما وغاب من أحوالهما ليس لغيره من ذلك شيء ثم زاد فى المبالغة والتأكيد فجاء بما يدل على التعجب من إدراكه للمبصرات والمسموعات فقال ) أبصر به وأسمع ( فأفاد هذا التعجب على أن شأنه سبحانه فى علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه إدراك المدركين وأنه يستوي فى علمه الغائب والحاضر والخفي والظاهر والصغير والكبير واللطيف والكثيف وكأن أصله ما أبصره وما أسمعه ثم نقل إلى صيغة الأمر للإنشاء والباء زائدة عند سيبويه وخالفه الأخفش والبحث مقرر فى علم النحو ) ما لهم من دونه من ولي ( الضمير لأهل السموات والأرض وقيل لأهل الكهف وقيل لمعاصري محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من الكفار أى مالهم من موال يواليهم أو يتولى أمورهم أو ينصرهم وفى هذا بيان لغاية قدرته وأن الكل تحت قهره ) ولا يشرك في حكمه أحدا ( قرأ الجمهور برفع الكاف على الخبر عن الله سبحانه وقرأ ابن عباس والحسن وأبو رجاء وقتادة بالتاء الفوقية وإسكان الكاف على أنه نهى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجعل لله شريكا فى حكمه ورويت هذه القراءة عن ابن عامر وقرأ مجاهد بالتحتية والجزم قال يعقوب


"""""" صفحة رقم 280 """"""
لا أعرف وجهها والمراد بحكم الله ما يقضيه أو علم الغيب والأول أولى ويدخل علم الغيب فى ذلك دخولا أوليا فإن علمه سبحانه من جملة قضائه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وكذلك أعثرنا عليهم ( قال أطلعنا وأخرج عبد الرزاق وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) قال الذين غلبوا على أمرهم ( قال الأمراء أو قال السلاطين وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) سيقولون ثلاثة ( قال اليهود ) ويقولون خمسة ( قال النصارى وأخرج عبد الرزاق وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) رجما بالغيب ( قال قذفا بالظن وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن مسعود فى قوله ) ما يعلمهم إلا قليل ( قال أنا من القليل كانوا سبعة وأخرج الطبرانى فى الأوسط عن ابن عباس قال السيوطى بسند صحيح فى قوله ) ما يعلمهم إلا قليل ( قال أنا من أولئك القليل كانوا سبعة ثم ذكر أسماءهم وحكاه ابن كثير عن ابن عباس فى رواية قتادة وعطاء وعكرمة ثم قال فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس أنهم كانوا سبعة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) فلا تمار فيهم ( يقول حسبك ما قصصت عليك وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس فى قوله ) ولا تستفت فيهم منهم أحدا ( قال اليهود وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني عن ابن عباس فى قوله ) ولا تقولن لشيء ( الآية قال إذا نسيت أن تقول لشئ إنى افعله فنسيت أن تقول إن شاء الله فقل إذا ذكرت إن شاء الله وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير و ابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه عنه أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة ثم قرأ ) واذكر ربك إذا نسيت ( وأخرج ابن أبى حاتم والطبراني وابن مردويه عنه أيضا فى الآية قال هى خاصة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وليس لأحد أن يستثنى إلا فى صلة يمين وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه وإذا كان غير موصول فهو حانث وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على سبعين امرأة وفى رواية تسعين تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل فى سبيل الله فقال له الملك قل إن شاء الله فلم يقل فطاف فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والذى نفسي بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الشعب عن عكرمة ) إذا نسيت ( قال إذا غضبت وأخرج البيهقى فى الأسماء والصفات عن الحسن ) إذا نسيت ( قال إذا لم تقل إن شاء الله وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض ثم تلا ) ولبثوا في كهفهم ( الآية ثم قال كم لبث القوم قالوا ثلثمائة وتسع سنين قال لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله ) قل الله أعلم بما لبثوا ( ولكنه حكى مقالة القوم فقال ) سيقولون ثلاثة ( إلى قوله ) رجما بالغيب ( فأخبر أنهم لا يعلمون ثم قال سيقولون ) ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى حرف ابن مسعود وقالوا ) ولبثوا في كهفهم ( الآية يعني إنما قاله الناس ألا ترى أنه قال ) قل الله أعلم بما لبثوا ( وأخرج ابن مردويه عن الضحاك عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية ) ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة ( قيل يا رسول الله أياما أم أشهرا أم سنين فأنزل الله ) سنين وازدادوا تسعا ( وأخرجه ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الضحاك بدون ذكر ابن عباس وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) أبصر به وأسمع ( قال الله يقوله


"""""" صفحة رقم 281 """"""
سورة الكهف الآية ( 27 31 )
الكهف : ( 27 ) واتل ما أوحي . . . . .
قوله ) واتل ما أوحي إليك ( أمره الله سبحانه أن يواظب على تلاوة الكتاب الموحى إليه قيل ويحتمل أن يكون معنى قوله واتل واتبع أمرا من التلو لا من التلاوة و ) من كتاب ربك ( بيان للذى أوحي إليه ) لا مبدل لكلماته ( أى لا قادر على تبديلها وتغييرها وإنما يقدر على ذلك هو وحده قال الزجاج أى ما أخبر الله به وما أمر به فلا مبدل له وعلى هذا يكون التقدير لا مبدل لحكم كلماته ) ولن تجد من دونه ملتحدا ( الملتحد الملتجأ واصل اللحد الميل قال الزجاج لن تجد معدلا عن أمره ونهيه والمعنى أنك إن لم تتبع القرآن وتتله وتعمل بأحكامه لن تجد معدلا تعدل إليه ومكانا تميل إليه وهذه الآية آخر قصة أهل الكهف
الكهف : ( 28 ) واصبر نفسك مع . . . . .
ثم شرح سبحانه فى نوع آخر كما هو دأب الكتاب العزيز فقال ) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ( قد تقدم فى الأنعام نهيه ( صلى الله عليه وسلم ) عن طرد فقراء المؤمنين بقوله ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم ( وأمره سبحانه ههنا بأن يحبس نفسه معهم فصبر النفس هو حبسها وذكر الغداة والعشي كناية عن الإستمرار على الدعاء فى جميع الأوقات وقيل فى طرفي النهار وقيل المراد صلاة العصر والفجر وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن وابن عامر ? بالغدوة ? بالواو واحتجوا بأنها فى المصحف كذلك مكتوبة بالواو قال النحاس وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو ولا تكاد العرب تقول الغدوة ومعنى ) يريدون وجهه ( أنهم يريدون بدعائهم رضى الله سبحانه والجملة فى محل نصب على الحال ثم أمره سبحانه بالمراقبة لأحوالهم فقال ) ولا تعد عيناك عنهم ( أى لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم قال الفراء معناه لا تصرف عيناك عنهم وقال الزجاج لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوى الهيئات والزينة واستعماله بعن لتضمنه معنى النبو من عدوته عن الأمر أى صرفته منه وقيل معناه لا تحتقرهم عيناك ) تريد زينة الحياة الدنيا ( أى مجالسة أهل الشرف والغنى والجملة فى محل نصب على الحال أى حال كونك مريدا لذلك هذا إذا كان فاعل تريد هو النبى صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 282 """"""
وسلم وإن كان الفاعل ضميرا يعود إلى العينين فالتقدير مريدة زينة الحياة الدنيا وإسناده الإرادة إلى العينين مجاز وتوحيد الضمير للتلازم كقول الشاعر لمن زحلوقة زل
بها العينان تنهل
) ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ( أى جعلناه غافلا بالختم عليه نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن طاعة من جعل الله قلبه غافلا عن ذكره كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحى الفقراء عن مجلسه فإنهم طالبوا تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وهم غافلون عن ذكر الله ومع هذا فهم ممن اتبع هواه وآثره على الحق فاختار الشرك على التوحيد ) وكان أمره فرطا ( أى متجاوزا عن حد الإعتدال من قولهم فرس فرط إذا كان متقدما للخيل فهو على هذا من الإفراط وقيل هو من التفريط وهو التقصير والتضييع قال الزجاج ومن قدم العجز فى أمره أضاعه وأهلكه
الكهف : ( 29 ) وقل الحق من . . . . .
ثم بين سبحانه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ما يقوله لأولئك الغافلين فقال ) وقل الحق من ربكم ( أى قل لهم إن ما أوحي إليك وأمرت بتلاوته هو الحق الكائن من جهة الله لا من جهة غيره حتى يمكن فيه التبديل والتغيير وقيل المراد بالحق الصبر مع الفقراء قال الزجاج أى الذين أتيتكم به ) الحق من ربكم ( يعني لم آتكم به من قبل نفسي إنما أتيتكم به من الله ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( قيل هو من تمام القول الذى أمر رسوله أن يقوله والفاء لترتيب ما قبلها على ما بعدها ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه لا من القول الذى أمر به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفيه تهديد شديد ويكون المعنى قل لهم يا محمد الحق من ربكم وبعد أن تقول لهم هذا القول من شاء أن يؤمن بالله ويصدقك فليؤمن ومن شاء أن يكفر به ويكذبك فليكفر ثم أكد الوعيد وشدده فقال ) إنا أعتدنا للظالمين ( أى أعددنا وهيأنا للظالمين الذين اختاروا الكفر بالله والجحد له والإنكار لأنبيائه نارا عظيمة ) أحاط بهم سرادقها ( أى اشتمل عليهم والسرادق واحد السرادقات قال الجوهرى وهى التى تمد فوق صحن الدار وكل بيت من كرسف فهو سرادق ومنه قول رؤبة
يا حكم بن المنذر بن جارود
سرادق المجد عليك ممدود
وقال الشاعر هو المدخل النعمان بيتا سماؤه
صدور الفيول بعد بيت مسردق
يقوله سلام بن جندل لما قتل ملك الفرس ملك العرب النعمان بن المنذر تحت أرجل الفيلة وقال ابن الأعرابي سرادقها سورها وقال القتيبي السرادق الحجرة التى تكون حول الفسطاط والمعنى أنه أحاط بالكفار سرادق النار على تشبيه ما يحيط بهم من النار بالسرادق المحيط بمن فيه ) وإن يستغيثوا ( من حر النار ) يغاثوا بماء كالمهل ( وهو الحديد المذاب قال الزجاج إنهم يغاثون بماء كالرصاص المذاب أو الصفر وقيل هو دردي الزيت وقال أبو عبيدة والأخفش هو كل ما أذيب من جواهر الأرض من حديد ورصاص ونحاس وقيل هو ضرب من القطران ثم وصف هذا الماء الذى يغاثون به بأنه ) يشوي الوجوه ( إذا قدم إليهم صارت وجوههم مشوية لحرارته ) بئس الشراب ( شرابهم هذا ) وساءت ( النار ) مرتفقا ( متكأ يقال ارتفقت أى اتكأت وأصل الارتفاق نصب المرفق ويقال ارتفق الرجل إذا نام على مرفقه وقال القتيبي هو المجلس وقيل المجتمع
الكهف : ( 30 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( هذا شروع فى وعد المؤمنين بعد الفراغ من وعيد الكافرين والمعنى إن الذين آمنوا بالحق الذى أوحي إليك وعملوا الصالحات من الأعمال ) إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ( هذا خبر إن الذين


"""""" صفحة رقم 283 """"""
آمنوا والعائد محذوف أى من أحسن منهم عملا
الكهف : ( 31 ) أولئك لهم جنات . . . . .
وجملة ) أولئك لهم جنات عدن ( استئناف لبيان الأجر والإشارة إلى من تقدم ذكره وقيل يجوز أن يكون أولئك خبر إن الذين آمنوا وتكون جملة ) إنا لا نضيع ( اعتراضا ويجوز أن يكون أولئك خبرا بعد خبر وقد تقدم الكلام فى جنات عدن وفى كيفية جري الأنهار من تحتها ) يحلون فيها من أساور من ذهب ( قال الزجاج أساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار وهى زينة تلبس فى الزند من اليد وهى من زينة الملوك قيل يحلى كل واحد منهم ثلاثة أسورة واحد من فضة واحد من لؤلؤ وواحد من ذهب وظاهر الآية أنها جميعها من ذهب ويمكن أن يكون قول القائل هذا جمعا بين الآيات لقوله سبحانه فى آية أخرى ) أساور من فضة ( ولقوله فى آية أخرى ) ولؤلؤا ( ومن فى قوله من أساور للابتداء وفى من ذهب للبيان وحكى الفراء يحلون بفتح الياء وسكون الحاء وفتح اللام يقال حليت المرأة تحلى فهى حالية إذا لبست الحلي ) ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ( قال الكسائي السندس الرقيق واحده سندسة والإستبرق ما ثخن وكذا قال المفسرون وقيل الاستبرق هو الديباج كما قال الشاعر وإستبرق الديباج طور لباسها
وقيل هو المنسوج بالذهب قال القتيبي هو فارسي معرب قال الجوهري وتصغيره أبيرق وخص الأخضر لأنه الموافق للبصر ولكونه أحسن الألوان ) متكئين فيها على الأرائك ( قال الزجاج الأرائك جمع أريكة وهى السرر فى الحجال وقيل هى أسرة من ذهب مكللة بالدر والياقوت وأصل اتكأ أو تكأ وأصل متكئين موتكئين والاتكاء التحامل على الشيء ) نعم الثواب ( ذلك الذى أثابهم الله به ) وحسنت ( تلك الأرائك ) مرتفقا ( أى متكأ وقد تقدم قريبا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) ملتحدا ( قال ملتجأ وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية والبيهقي فى الشعب عن سلمان قال جاءت المؤلفة قلوبهم عيينة بن بدر والأقرع ابن حابس قالوا يا رسول الله لو جلست فى صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف جالسناك وحادثناك وأخذنا عنك فأنزل الله ) واتل ما أوحي إليك ( إلى قوله ) إنا أعتدنا للظالمين نارا ( زاد أبو الشيخ عن سلمان أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قام يلتمسهم حتى أصابهم فى مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى فقال الحمد لله الذى لم يمتنى حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا والممات وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن عبد الرحمن بن سهل ابن حنيف قال نزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو فى بعض أبياته ) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ( فخرج يلتمسهم فوجد قوما يذكرون الله منهم ثائر الرأس وحاف الجلد وذو الثوب الخلق فلما رآهم جلس معهم وقال الحمد لله الذى جعل فى أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم وأخرج البزار عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا جاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورجل يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف فسكت فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذا المجلس الذى أمرت أن أصبر نفسي معهم وفى الباب روايات وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن نافع قال أخبرني عبد الله بن عمر فى هذه الآية ) واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ( أنهم الذين يشهدون الصلوات الخمس وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فى قوله ) واصبر نفسك ( الآية قال نزلت فى صلاة الصبح وصلاة العصر وأخرج ابن مردويه من طريق جوبير عن الضحاك عن ابن عباس فى قوله ) ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ( قال نزلت فى أمية بن


"""""" صفحة رقم 284 """"""
خلف وذلك أنه دعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أمر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله هذه الآية يعنى من ختمنا على قلبه يعني التوحيد ) واتبع هواه ( يعني الشرك ) وكان أمره فرطا ( يعنى فرطا فى أمر الله وجهالة بالله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن بريدة قال دخل عيينة بن حصن على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى يوم حار وعنده سلمان عليه جبة صوف فصار منه ريح العرق فى الصوف فقال عيينة يا محمد إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وضرباءه من عندك لا يؤذينا فإذا خرجنا فأنت وهم أعلم فأنزل الله ) ولا تطع من أغفلنا قلبه ( الآية وقد ثبت فى صحيح مسلم فى سبب نزول الآية المتضمنة لمعنى هذه الآية وهى قوله تعالى ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ( عن سعد بن أبي وقاص قال كنا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ستة نفر فقال المشركون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسمهما فوقع فى نفس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) وكان أمره فرطا ( قال ضياعا وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ) وقل الحق ( قال هو القرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( يقول من شاء الله له الإيمان آمن ومن شاء له الكفر كفر وهو قوله ) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ( وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال فى الآية هذا تهديد ووعيد وأخرج ابن جرير عنه أيضا فى قوله ) أحاط بهم سرادقها ( قال حائط من نار وأخرج أحمد والترمذي وابن أبي الدنيا وابن جرير وأبو يعلي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ( لسرادق النار أربعة جدر كثافة كل جدار منها مسيرة أربعين سنة ) ) وأخرج أحمد والبخاري وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن يعلي بن أمية قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن البحر هو من جهنم ثم تلا ) نارا أحاط بهم سرادقها ( وأخرج أحمد والترمذي وأبو يعلي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى البعث عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) بماء كالمهل ( قال كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه فيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) كالمهل ( قال أسود كعكر الزيت وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية قال سئل ابن عباس عن المهل فقال ماء غليظ كدردي الزيت وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود أنه سئل عن المهل فدعا بذهب وفضة فأذابه فلما ذاب قال هذا أشبه شيء بالمهل الذى هو شراب أهل النار ولونه لون السماء غير أن شراب أهل النار أشد حرا من هذا وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال هل تدرون ما المهل المهل سهل الزيت يعنى آخره وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) وساءت مرتفقا ( قال مجتمعا وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء وأخرج البيهقي عن أبي الخير مرثد بن عبد الله قال فى الجنة شجرة تنبت السندس منه يكون ثياب أهل الجنة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عكرمة قال الإستبرق الديباج الغليظ وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن الهيثم ابن مالك الطائي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحول منه ولا


"""""" صفحة رقم 285 """"""
يمله يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأرائك السرر فى جوف الحجال عليها الفرش منضود فى السماء فرسخ وأخرج البيهقي فى البعث عنه قال لا تكون أريكة حتى يكون السرير فى الحجلة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة أنه سئل عن الأرائك فقال هى الحجال على السرر
سورة الكهف الآية ( 32 44 )
الكهف : ( 32 ) واضرب لهم مثلا . . . . .
قوله ) واضرب لهم مثلا رجلين ( هذا المثل ضربه الله سبحانه لمن يتعزز بالدنيا ويستنكف عن مجالسة الفقراء فهو على هذا متصل بقوله ) واصبر نفسك (
وقد اختلف فى الرجلين هل هما مقدران أو محققان فقال بالأول بعض المفسرين وقال بالآخر بعض آخر واختلفوا فى تعيينهما فقيل هما أخوان من بني إسرائيل وقيل هما أخوان مخزوميان من أهل مكة أحدهما مؤمن والآخر كافر وقيل هما المذكوران فى سورة الصافات فى قوله ) قال قائل منهم إني كان لي قرين ( وانتصاب مثلا ورجلين على أنهما مفعولا اضرب قيل والأول هو الثاني والثاني هو الأول ) جعلنا لأحدهما جنتين ( الكافر و ) من أعناب ( بيان لما فى الجنتين أى من كروم متنوعة ) وحففناهما بنخل ( الحف الإحاطة و ) حافين من حول العرش ( ويقال حف القوم بفلان يحفون حفا أى أطافوا به فمعنى الآية وجعلنا النخل


"""""" صفحة رقم 286 """"""
بالجنتين من جميع جوانبهما ) وجعلنا بينهما زرعا ( أى بين الجنتين وهو وسطهما ليكون كل واحد منهما جامعا للأقوات والفواكه
الكهف : ( 33 ) كلتا الجنتين آتت . . . . .
ثم أخبر سبحانه عن الجنتين بأن كل واحدة منهما كانت تؤدي حملها وما فيها فقال ) كلتا الجنتين آتت أكلها ( أخبر عن كلتا بآتت لأن لفظه مفرد فراعى جانب اللفظ وقد ذهب البصريون إلى أن كلتا وكلا اسم مفرد غير مثنى وقال الفراء هو مثنى وهو مأخوذ من كل فخففت اللام وزيدت الألف للتثنية وقال سيبويه ألف كلتا للتأنيث والتاء بدل من لام الفعل وهى واو والأصل كلوا وقال أبو عمرو التاء ملحقة وأكلهما هو ثمرهما وفيه دلالة على أنه قد صار صالحا للأكل وقرأ عبد الله بن مسعود كل الجنتين آتى أكله ) ولم تظلم منه شيئا ( أى لم تنقص من أكلها شيئا يقال ظلمه حقه أى نقصه ووصف الجنتين بهذه الصفة للإشعار بأنهما على خلاف ما يعتاد فى سائر البساتين فإنها فى الغالب تكثر فى عام وتقل فى عام ) وفجرنا خلالهما نهرا ( أى أجرينا وشققنا وسط الجنتين نهرا ليسقيهما دائما من غير انقطاع وقرئ ? فجرنا ? بالتشديد للمبالغة وبالتخفيف على الأصل
الكهف : ( 34 ) وكان له ثمر . . . . .
) وكان له ( أى لصاحب الجنتين ) ثمر ( قرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم ويعقوب وابن أبي اسحاق ) ثمر ( بفتح الثاء والميم وكذلك قرءوا فى قوله ) وأحيط بثمره ( وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم فيهما وقرأ الباقون بضمهما جميعا فى الموضعين قال الجوهري الثمرة واحدة الثمر وجمع الثمر ثمار مثل جبل وجبال قال الفراء وجمع الثمار ثمر مثل كتاب وكتب وجمع الثمر أثمار مثل عنق وأعناق وقيل الثمر جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك وقيل هو الذهب والفضة خالصة ) فقال لصاحبه ( أى قال صاحب الجنتين الكافر لصاحبه المؤمن ) وهو يحاوره ( أى والكافر يحاور المؤمن والمعنى يراجعه الكلام ويجاوبه والمحاورة المراجعة والتحاور التجاوب ) أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ( النفر الرهط وهو ما دون العشرة وأراد هاهنا الأتباع والخدم والأولاد
الكهف : ( 35 ) ودخل جنته وهو . . . . .
) ودخل جنته ( أى دخل الكافر جنة نفسه قال المفسرون أخذ بيد أخيه المسلم فأدخله جنته يطوف به فيها ويريه عجائبها وإفراد الجنة هنا يحتمل أن وجهه كونه لم يدخل أخاه إلا واحدة منهما أو لكونهما لما اتصلا كانا كواحدة أو لأنه أدخله فى واحدة ثم واحدة أو لعدم تعلق الغرض بذكرهما وما أبعد ما قاله صاحب الكشاف أنه وحد الجنة للدلالة على أنه لا نصيب له فى الجنة التى وعد المؤمنون وجملة ) وهو ظالم لنفسه ( فى محل نصب على الحال أى وذلك الكافر ظالم لنفسه بكفره وعجبه ) قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ( أى قال الكافر لفرط غفلته وطول أمله ما أظن أن تفنى هذه الجنة التى تشاهدها
الكهف : ( 36 ) وما أظن الساعة . . . . .
) وما أظن الساعة قائمة ( أنكر البعث بعد إنكاره لفناء جنته قال الزجاج أخبر أخاه بكفره بفناء الدنيا وقيام الساعة ) ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ( اللام هى الموطئة للقسم والمعنى أنه إن يرد إلى ربه فرضا وتقديرا كما زعم صاحبه واللام فى ) لأجدن ( جواب القسم والشرط أى لأجدن يومئذ خيرا من هذه الجنة فى مصاحف مكة والمدينة والشام ? خيرا منهما ? وفى مصاحف أهل البصرة والكوفة خيرا منها على الإفراد و ) منقلبا ( منتصب على التمييز أى مرجعا وعاقبة قال هذا قياسا للغائب على الحاضر وأنه لما كان غنيا فى الدنيا سيكون غنيا فى الأخرى اغترارا منه بما صار فيه من الغنى الذى هو استدراج له من الله
الكهف : ( 37 ) قال له صاحبه . . . . .
) قال له صاحبه ( أى قال للكافر صاحبه المؤمن حال محاورته له منكرا عليه ما قاله ) أكفرت بالذي خلقك من تراب ( بقولك ) وما أظن الساعة قائمة ( وقال ) خلقك من تراب ( أى جعل أصل خلقك من تراب حيث خلق أباك آدم منه وهو أصلك وأصل البشر فلكل فرد حظ من ذلك وقيل يحتمل أنه كان كافرا بالله فأنكر عليه ما هو عليه من الكفر ولم يقصد أن الكفر حدث له بسبب هذه المقالة ) ثم من نطفة ( وهى المادة القريبة ) ثم سواك رجلا ( أى صيرك


"""""" صفحة رقم 287 """"""
إسنانا ذكرا وعدل أعضاءك وكملك وفى هذا تلويح بالدليل على البعث وأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة وانتصاب رجلا على الحال أو التمييز
الكهف : ( 38 ) لكن هو الله . . . . .
) لكن هو الله ربي ( كذا قرأ الجمهور بإثبات الألف بعد لكن المشددة وأصله لكن أنا حذفت الهمزة وألقيت حركتها على النون الساكنة قبلها فصار لكننا ثم استثقلوا اجتماع النونين فسكنت الأولى وأدغمت الثانية وضمير هو للشأن والجملة بعده خبره والمجموع خبر أنا والراجع ياء الضمير وتقدير الكلام لكن أنا الشأن الله ربي قال أهل العربية إثبات ألف أنا فى الوصل ضعيف قال النحاس مذهب الكسائي والفراء والمازني أن الأصل لكن أنا وذكر نحو ما قدمنا وروى عن الكسائي أن الأصل لكن الله هو ربي أنا قال الزجاج إثبات الألف فى لكنا فى الإدراج جيد لأنها قد حذفت الألف من أنا فجاءوا بها عوضا قال وفى قراءة أبي لكن أنا هو الله ربى وقرأ ابن عامر والمثنى عن نافع وورش عن يعقوب ) لكنا ( فى حال الوصل والوقف معا بإثبات الألف ومثله قول الشاعر أنا سيف العشيرة فاعرفوني
فإني قد تذربت السناما
ومنه قول الأعشى فكيف أنا وألحان القوافي
وبعد الشيب يكفي ذاك عارا
ولا خلاف فى إثباتها فى الوقف وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية وروى عن الكسائي لكن هو الله ربي ثم نفى عن نفسه الشرك بالله فقال ) ولا أشرك بربي أحدا ( وفيه إشارة إلى أن أخاه كان مشركا
الكهف : ( 39 ) ولولا إذ دخلت . . . . .
ثم أقبل عليه يلومه فقال ) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله ( لولا للتحضيض أى هلا قلت عند ما دخلتها هذا القول قال الفراء والزجاج ما فى موضع رفع على معنى الأمر ) ما شاء الله ( أى هلا قلت حين دخلتها الأمر بمشيئة الله وما شاء الله كان ويجوز أن تكون ما مبتدأ والخبر مقدر أى ما شاء الله كائن ويجوز أن تكون ما شرطية والجواب محذوف أى أي شيء شاء الله كان ) لا قوة إلا بالله ( أى هلا قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله تحضيضا له على الاعتراف بأنها وما فيها بمشيئة الله إن شاء أبقاها وإن شاء أفناها وعلى الاعتراف بالعجز وأن ما تيسر له من عمارتها إنما هو بمعونة الله لا بقوته وقدرته قال الزجاج لا يقوى أحد على ما فى يده من ملك ونعمة إلا بالله ولا يكون إلا ما شاء الله ثم لما علمه الإيمان وتفويض الأمور إلى الله سبحانه أجابه على افتخاره بالمال والنفر فقال ) إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ( المفعول الأول ياء الضمير وأنا ضمير فصل وأقل المفعول الثاني للرؤية إن كانت علمية وإن جعلت بصرية كان انتصاب أقل على الحال ويجوز أن يكون أنا تأكيد لياء الضمير انتصاب مالا وولدا على التمييز
الكهف : ( 40 ) فعسى ربي أن . . . . .
) فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ( هذا جواب الشرط أى إن ترني أفقر منك فأنا أرجو أن يرزقني الله سبحانه جنة خيرا من جنتك فى الدنيا أو فى الآخرة أو فيهما ) ويرسل عليها حسبانا ( أى ويرسل على جنتك حسبانا والحسبان مصدر بمعنى الحساب كالغفران أى مقدار قدره الله عليها ووقع حسابه سبحانه وهو الحكم بتخريبها قال الزجاج الحسبان من الحساب أى يرسل عليها عذاب الحساب هو حساب ما كسبت يداك وقال الأخفش حسبانا أى مرامى ) من السماء ( واحدها حسبانه وكذا قال وعبيدة والقتيبي وقال ابن الأعرابي الحسبانة السحابة والحسبانة الوسادة والحسبانة الصاعقة وقال النضر بن شميل الحسبان سهام يرمى بها الرجل فى جوف قصبة تنزع فى قوس ثم يرمي بعشرين منها دفعة والمعنى سل عليها مرامي من عذابه إما برد وإما حجارة أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب ومنه قول أبي زياد


"""""" صفحة رقم 288 """"""
الكلابي أصاب الأرض حسبان
أى جراد ) فتصبح صعيدا زلقا ( أى فتصبح جنة الكافر بعد إرسال الله سبحانه عليها حسبانا صعيدا أى أرضا لا نبات بها وقد تقدم تحقيقه زلقا أى تزل فيها الأقدام لملاستها يقال مكان زلق بالتحريك أى دحض وهو فى الأصل مصدر قولك زلقت رجله تزلق زلقا وأزلقها غيره والمزلقة الموضع الذى لا يثبت عليه قدم وكذا الزلاقة وصف الصعيد بالمصدر مبالغة أو أريد به المفعول
الكهف : ( 41 ) أو يصبح ماؤها . . . . .
وجملة ) أو يصبح ماؤها غورا ( معطوفة على الجملة التى قبلها والغور الغائر وصف الماء بالمصدر مبالغة والمعنى أنها تصير عادمة للماء بعد أن كانت واجدة له وكان خلالها ذلك النهر يسقيها دائما ويجيء الغور بمعنى الغروب ومنه قول أبي ذوئيب
هل الدهر إلا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها
) فلن تستطيع له طلبا ( أى لن تستطيع طلب الماء الغائر فضلا عن وجوده ورده ولا تقدر عليه بحيلة من الحيل وقيل المعنى فلن تستطيع طلب غيره عوضا عنه
الكهف : ( 42 ) وأحيط بثمره فأصبح . . . . .
ثم أخبر سبحانه عن وقوع ما رجاه ذلك المؤمن وتوقعه من إهلاك جنة الكافر فقال ) وأحيط بثمره ( قد قدمنا اختلاف القراء فى هذا الحرف وتفسيره وأصل الإحاطة من إحاطة العدو بالشخص كما تقدم فى قوله ) إلا أن يحاط بكم ( وهى عبارة عن إهلاكه وإفنائه وهو معطوف على مقدر كأنه قيل فوقع ما توقعه المؤمن وأحيط بثمره ) فأصبح يقلب كفيه ( أى يضرب إحدى يديه على الأخرى وهو كناية عن الندم كأنه قيل فأصبح يندم ) على ما أنفق فيها ( أى فى عمارتها وإصلاحها من الأموال وقيل المعنى يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق لأن الملك قد يعبر عنه باليد من قولهم فى يده مال وهو بعيد جدا وجملة ) وهي خاوية على عروشها ( فى محل نصب على الحال أى والحال أن تلك الجنة ساقطة على دعائمها التى تعمد بها الكروم أو ساقط بعض تلك الجنة على بعض مأخوذ من خوت النجوم تخوى إذا سقطت ولم تمطر فى نوئها ومنه قوله تعالى ) فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ( قيل وتخصيص ماله عروش بالذكر دون النخل والزرع لأنه الأصل وأيضا إهلاكها مغن عن ذكر إهلاك الباقي وجملة ) ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ( معطوفة على يقلب كفيه أو حال من ضميره أى وهو يقول تمنى عند مشاهدته لهلاك جنته بأنه لم يشرك بالله حتى تسلم جنته من الهلاك أو كان هذا القول منه على حقيقته لا لما فاته من الغرض الدنيوي بل لقصد التوبة من الشرك والندم على ما فرط منه
الكهف : ( 43 ) ولم تكن له . . . . .
) ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله ( فئة اسم كان وله خيرها وينصرونه صفة لفئة أى فئة ناصرة ويجوز أن تكون ينصرونه الخبر ورجح الأول سيبويه ورجح الثاني المبرد واحتج بقوله ) ولم يكن له كفوا أحد ( والمعنى أنه لم تكن له فرقة وجماعة يلتجئ إليها وينتصر بها ولا نفعه النفر الذين افتخر بهم فيما سبق ) وما كان ( فى نفسه ) منتصرا ( أى ممتنعا بقوته عن إهلاك الله لجنته وانتقامه منه
الكهف : ( 44 ) هنالك الولاية لله . . . . .
) هنالك الولاية لله الحق ( قرأ أبو عمرو والكسائي الحق بالرفع نعتا للولاية وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وعاصم وحمزة الحق بالجر نعتا لله سبحانه قال الزجاج ويجوز النصب على المصدر والتوكيد كما تقول هذا لك حقا وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي الولاية بكسر الواو وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان بمعنى والمعنى هنالك أى فى ذلك المقام النصرة لله وحده لا يقدر عليها غيره وقيل هو على التقديم والتأخير أى الولاية لله الحق هنالك ) هو خير ثوابا وخير عقبا ( أى هو سبحانه خير ثوابا لأوليائه فى الدنيا والآخرة ) وخير عقبا ( أى عاقبة قرأ الأعمش وعاصم وحمزة ) عقبا ( بسكون القاف وقرأ الباقون بضمها وهما بمعنى واحد أى هو خير عاقبة لمن رجاه وآمن به يقال هذا عاقبة أمر فلان وعقباه أى أخراه


"""""" صفحة رقم 289 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) جعلنا لأحدهما جنتين ( قال الجنة هى البستان فكان له بستان واحد وجدار واحد وكان بينهما نهر فلذلك كانا جنتين ولذلك سماه جنة من قبل الجدار الذى عليها وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال نهر أبي قرطس نهر الجنتين قال ابن أبي حاتم وهو نهر مشهور بالرملة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولم تظلم منه شيئا ( قال لم تنقص كل شجر الجنة أطعم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه ) وكان له ثمر ( يقول مال وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال قرأها ابن عباس ) وكان له ثمر ( بالضم وقال هى أنواع المال وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) وكان له ثمر ( قال ذهب وفضة وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة ) وهو ظالم لنفسه ( يقول كفور لنعمة ربه وأخرج ابن أبي حاتم عن أسماء بنت عميس قالت علمنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كلمات أقولهن عند الكرب الله الله ربي لا أشرك به شيئا وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد عن يحيى بن سليم الطائفي عمن ذكره قال طلب موسى من ربه حاجة فأبطأت عليه فقال ما شاء الله فإذا حاجته بين يديه فقال يا رب إني أطلب حاجتي منذ كذا وكذا أعطيتها الآن فأوحى الله إليه يا موسى أما علمت أن قولك ما شاء الله أنجح ما طلبت به الحوائج وأخرج أبو يعلى وابن مردويه والبيهقي فى الشعب عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أنعم الله على عبد نعمة فى أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله إلا دفع الله عنه كل آفة حتى تأتيه منيته وقرأ ) ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ( وفى إسناده عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس قال أبو الفتح الأزدي عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس لا يصح حديثه وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أنس نحوه موقوفا وأخرج البيهقي فى الشعب عنه نحوه مرفوعا وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال قال لي نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش قلت نعم قال أن تقول لا قوة إلا بالله وقد ثبت فى الصحيح من حديث أبي موسى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف فى فضل هذه الكلمة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) فتصبح صعيدا زلقا ( قال مثل الجرز وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) حسبانا من السماء ( قال عذابا فتصبح صعيدا زلقا أى قد حصد ما فيها فلم يترك فيها شيء ) أو يصبح ماؤها غورا ( أى ذاهبا قد غار فى الأرض ) وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه ( قال يصفق ) على ما أنفق فيها ( متلهفا على ما فاته
سورة الكهف الآية ( 45 46 )
الكهف : ( 45 ) واضرب لهم مثل . . . . .
ثم ضرب سبحانه مثلا آخر لجبابرة قريش فقال ) واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ( أى اذكر لهم ما يشبه الحياة الدنيا فى حسنها ونضارتها وسرعة زوالها لئلا يركنوا إليها وقد تقدم هذا المثل فى سورة يونس ثم بين سبحانه هذا المثل فقال ) كماء أنزلناه من السماء ( ويجوز أن يكون هذا هو المفعول الثاني لقوله اضرب على جعله بمعنى صير


"""""" صفحة رقم 290 """"""
) فاختلط به نبات الأرض ( أى اختلط بالماء نبات الأرض حتى استوى وقيل المعنى إن النبات اختلط بعضه ببعض حين نزل عليه الماء لأن النبات إنما يختلط ويكثر بالمطر فتكون الباء فى به سببية ) فأصبح ( النبات ) هشيما ( الهشيم الكسير وهو من النبات ما تكسر بسبب انقطاع الماء عنه وتفتت ورجل هشيم ضعيف البدن وتهشم عليه فلان إذا تعطف واهتشم ما فى ضرع الناقة إذا احتلبه وهشم الثريد كسره وثرده ومنه قول ابن الزبعري عمرو الذى هشم الثريد لقومه
ورجال مكة مسنتون عجاف
) تذروه الرياح ( تفرقه قال أبو عبيدة وابن قتيبة تذروه تنسفه وقال ابن كيسان تذهب به وتجئ والمعنى متقارب وقرأ طلحة بن مصرف تذريه الريح قال الكسائي وفى قراءة عبد الله تذريه يقال ذرته الريح تذروه وأذرته تذريه وحكى الفراء أذريت الرجل عن فرسه أى قلبته ) وكان الله على كل شيء مقتدرا ( أى على كل شئ من الأشياء يحييه ويفنيه بقدرته لا يعجز عن شئ
الكهف : ( 46 ) المال والبنون زينة . . . . .
) المال والبنون زينة الحياة الدنيا ( هذا رد على الرؤساء الذين كانوا يفتخرون بالمال والغنى والأبناء فأخبرهم سبحانه أن ذلك مما يتزين به فى الدنيا لا مما ينفع فى الآخرة كما قال فى الآية الأخرى ) أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( وقال ) إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ( ولهذا عقب هذه الزينة الدنيوية بقوله ) والباقيات الصالحات ( أى أعمال الخير وهى ما كان يفعله فقراء المسلمين من الطاعات ) خير عند ربك ثوابا ( أى أفضل من هذه الزينة بالمال والبنين ثوابا وأكثر عائدة ومنفعة لأهلها ) وخير أملا ( أى أفضل أملا يعنى أن هذه الأعمال الصالحة لأهلها من الأمل أفضل مما يؤمله أهل المال والبنين لأنهم ينالون بها فى الآخرة أفضل مما كان يؤمله هؤلاء الأغنياء فى الدنيا وليس فى زينة الدنيا خير حتى تفضل عليها الآخرة ولكن هذا التفضيل خرج مخرج قوله تعالى ) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ( والظاهر أن الباقيات الصالحات كل عمل خير فلا وجه لقصرها على الصلاة كما قال بعض ولا لقصرها على نوع من أنواع الذكر كما قاله بعض آخر ولا على ما كان يفعله فقراء المهاجرين باعتبار السبب لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وبهذا تعرف أن تفسير الباقيات الصالحات فى الأحاديث بما سيأتى لا ينافى إطلاق هذا اللفظ على ما هو عمل صالح من غيرها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن علي قال ) المال والبنون ( حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد جمعها الله لأقوام وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) والباقيات الصالحات ( قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو يعلي وابن جرير وابن أبى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
استكثروا من الباقيات الصالحات قيل وما هن يا رسول الله قال التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله وأخرج الطبراني وابن شاهين وابن مردويه عن أبى الدرداء مرفوعا بلفظ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله هن الباقيات الصالحات وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبى حاتم والطبراني فى الصغير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن أبى هريرة مرفوعا خذوا جنتكم قيل يا رسول الله من أى عدو قد حضر قال بل جنتكم من النار قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات معقبات ومجنبات وهى الباقيات الصالحات وأخرج سعيد ابن منصور وأحمد وابن مردويه عن النعمان بن بشر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ألا وإن سبحان


"""""" صفحة رقم 291 """"""
الله والحمد لله ولا إله إلا الله الباقيات الصالحات وأخرج ابن مردويه نحوه من حديث أنس مرفوعا وزاد التكبير وسماهن الباقيات الصالحات وأخرج ابن مردويه نحوه من حديث أبى هريرة وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا نحوه وزادت ولا حول ولا قوة إلا بالله وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه من حديث علي مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس مرفوعا فذكر نحوه دون الحوقلة وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة مرفوعا نحوه وأخرج البخاري فى تاريخه وابن جرير عن ابن عمر من قوله نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس من قوله نحوه وكل هذه الأحاديث مصرحة بأنها الباقيات الصالحات وأما ما ورد فى فضل هذه الكلمات من غير تقييد بكونها المرادة فى الآية فأحاديث كثيرة لا فائدة فى ذكرها هنا وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة قال كل شئ من طاعة الله فهو من الباقيات الصالحات
سورة الكهف الآية ( 47 53 )
الكهف : ( 47 ) ويوم نسير الجبال . . . . .
وقوله ) ويوم نسير الجبال ( قرأ الحسن وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر تسير بمثناة فوقية مضمومة وفتح الياء التحتية على البناء للمفعول ورفع الجبال على النيابة عن الفاعل وقرأ ابن محيصن ومجاهد ? تسير ? بفتح التاء الفوقية والتخفيف على أن الجبال فاعل وقرأ الباقون ) نسير ( بالنون على أن الفاعل هو الله سبحانه والجبال منصوبة على المفعولية ويناسب القراءة الأولى قوله تعالى ) وإذا الجبال سيرت ( ويناسب القراءة الثانية قوله تعالى ) وتسير الجبال سيرا ( واختار القراءة الثالثة أبو عبيدة لأنها المناسبة لقوله ) وحشرناهم ( قال بعض النحويين التقدير والباقيات الصالحات خير عند ربك يوم نسير الجبال وقيل العامل فى الظرف فعل محذوف والتقدير واذكر يوم نسير الجبال ومعنى تسيير الجبال إزالتها من أماكنها وتسييرها كما تسير السحاب ومنه قوله


"""""" صفحة رقم 292 """"""
تعالى ) وهي تمر مر السحاب ( ثم تعود إلى الأرض بعد أن جعلها الله كما قال ) وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا ( والخطاب فى قوله ) وترى الأرض بارزة ( لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح للرؤية ومعنى بروزها ظهورها وزوال ما يسترها من الجبال والشجر والبنيان وقيل المعنى ببروزها بروز ما فيها من الكنوز والأموات كما قال سبحانه ) وألقت ما فيها وتخلت ( وقال ) وأخرجت الأرض أثقالها ( فيكون المعنى وترى الأرض بارزا ما فى جوفها ) وحشرناهم ( أى الخلائق ومعنى الحشر الجمع أى جمعناهم إلى الموقف من كل مكان ) فلم نغادر منهم أحدا ( فلم نترك منهم أحدا يقال غادره وأغدره إذا تركه قال عنترة
غادرته متعفرا أوصاله
والقوم بين مجرح ومجندل
أى تركته ومنه الغدر لأن الغادر ترك الوفاء للمغدور قالوا وإنما سمى الغدير غديرا لأن الماء ذهب وتركه ومنه غدائر المرأة لأنها تجعلها خلفها
الكهف : ( 48 ) وعرضوا على ربك . . . . .
) وعرضوا على ربك صفا ( انتصاب صفا على الحال أى مصفوفين كل أمة وزمرة صف وقيل عرضوا صفا واحدا كما فى قوله ) ثم ائتوا صفا ( أى جميعا وقيل قياما وفى الآية تشبيه حالهم بحال الجيش الذى يعرض على السلطان ) لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ( هو على إضمار القول أى قلنا لهم لقد جئتمونا والكاف فى كما خلقناكم نعت مصدر محذوف أى مجيئا كائنا كمجيئكم عند أن خلقناكم أول مرة أو كائنين كما خلقناكم أول مرة أى حفاة عراة غرلا كما ورد ذلك فى الحديث قال الزجاج أى بعثناكم وأعدناكم كما خلقناكم لأن قوله لقد جئتمونا معناه بعثناكم ) بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ( هذا إضراب وانتقال من كلام إلى كلام للتقريع والتوبيخ وهو خطاب لمنكري البعث أى زعمتم فى الدنيا أن لن تبعثوا وأن لن نجعل لكم موعدا نجازيكم بأعمالكم وننجز ما وعدناكم به من البعث والعذاب
الكهف : ( 49 ) ووضع الكتاب فترى . . . . .
وجملة ) ووضع الكتاب ( معطوفة على عرضوا والمراد بالكتاب صحائف الأعمال وأفرده لكون التعريف فيه للجنس والوضع إما حسى بأن يوضع صحيفة كل واحد فى يده السعيد فى يمينه والشقي فى شماله أو فى الميزان وإما عقلى أى أظهر عمل كل واحد من خير وشر بالحساب الكائن فى ذلك اليوم ) فترى المجرمين مشفقين مما فيه ( أى خائفين وجلين مما فى الكتاب الموضوع لما يتعقب ذلك من الافتضاح فى ذلك الجمع والمجازاة بالعذاب الأليم ) ويقولون يا ويلتنا ( يدعون على أنفسهم بالويل لوقوعهم فى الهلاك ومعنى هذا النداء قد تقدم تحقيقه فى المائدة ) ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ( أى أي شيء له لا يترك معصية صغيرة ولا معصية كبيرة إلا حواها وضبطها وأثبتها ) ووجدوا ما عملوا ( فى الدنيا من المعاصي الموجبة للعقوبة أو وجدوا جزاء ما عملوا ) حاضرا ( مكتوبا مثبتا ) ولا يظلم ربك أحدا ( أى لا يعاقب أحدا من عباده بغير ذنب ولا ينقص فاعل الطاعة من أجره الذى يستحقه
الكهف : ( 50 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
ثم إنه سبحانه عاد إلى الرد على أرباب الخيلاء من قريش فذكر قصة آدم واستكبار إبليس عليه فقال ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( أى واذكر وقت قولنا لهم اسجدوا سجود تحية وتكريم كما مر تحقيقه ) فسجدوا ( طاعة لأمر الله وامتثالا لطلبه السجود ) إلا إبليس ( فإنه أبى واستكبر ولم يسجد وجملة ) كان من الجن ( مستأنفة لبيان سبب عصيانه وأنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة فلهذا عصى ومعنى ) ففسق عن أمر ربه ( أنه خرج عن طاعة ربه قال الفراء العرب تقول فسقت الرطبة عن قشرها لخروجها منه قال النحاس اختلف فى معنى ) ففسق عن أمر ربه ( على قولين الأول مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى أتاه الفسق لما أمر فعصى فكان سبب الفسق أمر ربه كما تقول أطعمه عن جوع والقول الآخر قول قطرب أن المعنى على حذف المضاف أى فسق عن ترك أمره ثم إنه سبحانه عجب من حال من أطاع إبليس فى الكفر والمعاصي


"""""" صفحة رقم 293 """"""
وخالف أمر الله فقال ) أفتتخذونه وذريته أولياء ( كأنه قال أعقيب ما وجد منه من الإباء والفسق تتخذونه وتتخذون ذريته أى أولاده وقيل أتباعه مجازا أولياء ) من دوني ( فتطيعونهم بدل طاعتي وتستبدلونهم بي والحال أنهم أى إبليس وذريته ) لكم عدو ( أى أعداء وأفرده لكونه اسم جنس أو لتشبيهه بالمصادر كما فى قوله ) فإنهم عدو لي ( وقوله ) هم العدو ( أى كيف تصنعون هذا الصنع وتستبدلون بمن خلقكم وأنعم عليكم بجميع ما أنتم فيه من النعم بمن لم يكن لكم منه منفعة قط بل هو عدو لكم يترقب حصول ما يضركم فى كل وقت ) بئس للظالمين بدلا ( أى الواضعين للشئ فى غير موضعه المستبدلين بطاعة ربهم طاعة الشيطان فبئس ذلك البدل الذى استبدلوه بدلا عن الله سبحانه
الكهف : ( 51 ) ما أشهدتهم خلق . . . . .
) ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ( قال أكثر المفسرون إن الضمير للشركاء والمعنى أنهم لو كانوا شركاء لي فى خلق السموات والأرض وفى خلق أنفسهم لكانوا مشاهدين خلق ذلك مشاركين لي فيه ولم يشاهدوا ذلك ولا أشهدتهم إياه أنا فليسوا لي بشركاء وهذا استدلال بانتفاء الملزوم المساوى على انتفاء اللازم وقيل الضمير للمشركين الذين التمسوا طرد فقراء المؤمنين والمراد أنهم ما كانوا شركاء لي فى تدبير العالم بدليل أني ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ) ولا خلق أنفسهم ( وما اعتضدت بهم بل هم كسائر الخلق وقيل المعنى أن هؤلاء الظالمين جاهلون بما جرى به القلم فى الأزل لأنهم لم يكونوا مشاهدين خلق العالم فكيف يمكنهم أن يحكموا بحسن حالهم عند الله والأول من هذه الوجوه أولى لما يلزم فى الوجهين الآخرين من تفكيك الضميرين وهذه الجملة مستأنفة لبيان عدم استحقاقهم للاتخاذ المذكور وقرأ أبو جعفر ? ما أشهدناهم ? وقرأ الباقون ) ما أشهدتهم ( ويؤيده ) وما كنت متخذ المضلين عضدا ( والعضد يستعمل كثيرا فى معنى العون وذلك أن العضد قوام اليد ومنه قوله ) سنشد عضدك بأخيك ( أى سنعينك ونقويك به ويقال أعضدت بفلان إذا استعنت به وذكر العضد على جهة المثل وخص المضلين بالذكر لزيادة الذم والتوبيخ والمعنى ما استعنت على خلق السموات والأرض بهم ولا شاورتهم وما كنت متخذ الشياطين أو الكافرين أعوانا ووحد العضد لموافقة الفواصل وقرأ أبو جعفر الجحدرى ) وما كنت ( بفتح التاء على أن الخطاب للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) أى وما كنت يا محمد متخذا لهم عضدا ولا صح لك ذلك وقرأ الباقون بضم التاء وفى عضد لغات ثمان أفصحها فتح العين وضم الضاد وبها قرأ الجمهور وقرأ الحسن ? عضد ? بضم العين والضاد وقرأ عكرمة بضم العين وإسكان الضاد وقرأ الضحاك بكسر العين وفتح الضاد وقرأ عيسى ابن عمر بفتحهما ولغة تميم فتح العين وسكون الضاد
الكهف : ( 52 ) ويوم يقول نادوا . . . . .
ثم عاد سبحانه إلى ترهيبهم بأحوال القيامة فقال ) ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم ( قرأ حمزة ويحيى بن وثاب وعيسى بن عمر نقول بالنون وقرأ الباقون بالياء التحتية أى اذكر يوم يقول الله عز وجل للكفار توبيخا لهم وتقريعا نادوا شركائى الذين زعمتم أنهم ينفعونكم ويشفعون لكم وأضافهم سبحانه إلى نفسه جريا على ما يعتقده المشركون تعالى الله عن ذلك ) فدعوهم ( أى فعلوا ما أمرهم الله به من دعاء الشركاء ) فلم يستجيبوا لهم ( إذ ذاك أى لم يقع منهم مجرد الاستجابة لهم فضلا عن أن ينفعوهم أو يدفعوا عنهم ) وجعلنا بينهم موبقا ( أى جعلنا بين هؤلاء المشركين وبين من جعلوهم شركاء لله موبقا ذكر جماعة من المفسرين أنه اسم واد عميق فرق الله به تعالى بينهم وعلى هذا فهو اسم مكان قال ابن الأعرابي كل حاجز بين شيئين فهو موبق وقال الفراء الموبق المهلك والمعنى جعلنا تواصلهم فى الدنيا مهلكا لهم فى الآخرة يقال وبق يوبق فهو وبق هكذا ذكره الفراء فى المصادر وحكى الكسائي وبق يبق وبوقا فهو وابق والمراد بالمهلك على هذا هو عذاب النار يشتركون فيه والأول أولى لأن من جملة من زعموا أنهم


"""""" صفحة رقم 294 """"""
شركاء لله الملائكة وعزير والمسيح فالموبق هو المكان الحائل بينهم وقال أبو عبيدة الموبق هنا الموعد للهلاك وقد ثبت فى اللغة أوبقه بمعنى أهلكه ومنه قول زهير ومن يشترى حسن الثناء بماله
يصن عرضه عن كل شنعاء موبق
الكهف : ( 53 ) ورأى المجرمون النار . . . . .
ولكن المناسب لمعنى الآية هو المعنى الأول ) ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ( المجرمون موضوع موضع الضمير للإشارة إلى زيادة الذم لهم بهذا الوصف المسجل عليهم به والظن هنا بمعنى اليقين والمواقعة المخالطة بالوقوع فيها وقيل إن الكفار يرون النار من مكان بعيد فيظنون ذلك ظنا ) ولم يجدوا عنها مصرفا ( أى معدلا يعدلون إليه أو انصرافا لأن النار قد أحاطت بهم من كل جانب قال الواحدى المصرف الموضع الذى ينصرف إليه وقال القتيبي أى معدلا ينصرفون إليه وقيل ملجأ يلجأون إليه والمعنى متقارب فى الجميع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وترى الأرض بارزة ( قال ليس عليها بناء ولا شجر وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ( قال الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك وزاد ابن أبى الدنيا وابن أبى حاتم عنه قال الصغيرة التبسم بالإستهزاء بالمؤمنين والكبيرة القهقهة بذلك وأقول صغيرة وكبيرة نكرتان فى سياق النفى فيدخل تحت ذلك كل ذنب يتصف بصغر وكل ذنب يتصف بالكبر فلا يبقى من الذنوب شئ إلا أحصاه الله وما كان من الذنوب ملتبسا بين كونه صغيرا أو كبيرا فذلك إنما هو بالنسبة إلى العباد لا بالنسبة إلى الله سبحانه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ فى العظمة والبيهقى فى الشعب عن ابن عباس قال إن من الملائكة قبيلة يقال لهم الجن فكان إبليس منهم وكان يوسوس ما بين السماء والأرض فعصى فسخط الله عليه فمسخه الله شيطانا رجيما وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) كان من الجن ( قال كان خازن الجنان فسمى بالجان وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا قال إن إبليس كان من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة وكان خازنا على الجنان وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن الحسن قال قاتل الله أقواما زعموا أن إبليس كان من الملائكة والله يقول كان من الجن وأخرج ابن جرير وابن الأنباري عنه أنه قال ما كان من الملائكة طرفة عين إنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ( قال يقول ما أشهدت الشياطين الذين اتخذتم معي هذا ) وما كنت متخذ المضلين عضدا ( قال الشياطين عضدا قال ولا اتخذتهم عضدا على شئ عضدوني عليه فأعانونى وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق علي بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله ) وجعلنا بينهم موبقا ( يقول مهلكا وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر عن مجاهد مثله وأخرج أبو عبيد وهناد وابن المنذر عنه قال واد فى جهنم وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى البعث عن أنس فى الآية قال واد فى جهنم من قيح ودم وأخرج أحمد فى الزهد وابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عمرو قال هو واد عميق فى النار فرق الله به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) فظنوا أنهم مواقعوها ( قال علموا


"""""" صفحة رقم 295 """"""
سورة الكهف الآية ( 54 59 )
الكهف : ( 54 ) ولقد صرفنا في . . . . .
لما ذكر سبحانه افتخار الكفرة على فقراء المسلمين بأموالهم وعشائرهم وأجابهم عن ذلك وضرب لهم الأمثال الواضحة حكى بعض أهوال الآخرة فقال ) ولقد صرفنا ( أى كررنا ورددنا ) في هذا القرآن للناس ( أى لأجلهم ولرعاية مصلحتهم ومنفعتهم ) من كل مثل ( من الأمثال التى من جملتها الأمثال المذكورة فى هذه السورة وقد تقدم تفسير هذه الآية فى سورة بنى إسرائيل وحين لم يترك الكفار ما هم فيه من الجدال بالباطل ختم الآية بقوله ) وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ( قال الزجاج المراد بالإنسان الكافر واستدل على أن المراد الكافر بقوله تعالى ) ويجادل الذين كفروا بالباطل ( وقيل المراد به فى الآية النضر بن الحرث والظاهر العموم وأن هذا النوع أكثر الأشياء التى تيأنى منها الجدال جدلا ويؤيد هذا ما ثبت فى الصحيحين وغيرهما من حديث علي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) طرقه وفاطمة ليلا فقال ألا تصليان فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئا ثم سمعته يضرب فخده ويقول ) وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ( وانتصاب جدلا على التمييز
الكهف : ( 55 ) وما منع الناس . . . . .
) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين ( قد تقدم الكلام على مثل هذا فى سورة بنى إسرائيل وذكرنا أن ) إن ( الأولى فى محل نصب والثانية فى محل رفع والهدى القرآن ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والناس هنا هم أهل مكة والمعنى على حذف مضاف أى ما منع الناس من الإيمان والاستغفار إلا طلب إتيان سنة الأولين أو انتظار إتيان سنة الأولين وزاد الاستغفار فى هذه السورة لأنه قد ذكر هنا ما فرط منهم من الذنوب التى من جملتها جدالهم بالباطل وسنة الأولين هو أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا عذاب الاستئصال قال الزجاج سنتهم هو قولهم ) إن كان هذا هو الحق من عندك ( الآية ) أو يأتيهم العذاب ( أى عذاب الآخرة ) قبلا ( قال الفراء إن قبلا جمع قبيل أى متفرقا يتلو بعضه بعضا وقيل عيانا وقيل فجأة ويناسب ما قاله الفراء قراءة أبى جعفر وعاصم والأعمش وحمزة والكسائي ويحيى بن وثاب وخلف ) قبلا ( بضمتين فإنه جمع قبيل نحو سبيل وسبل والمراد أصناف العذاب ويناسب التفسير الثاني أى عيانا قراءة الباقين بكسر القاف وفتح الباء أى مقابلة ومعاينة وقرئ بفتحتين على معنى


"""""" صفحة رقم 296 """"""
أو يأتيهم العذاب مستقبلا وانتصابه على الحال فحاصل معنى الآية أنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون إلا عند نزول عذاب الدنيا المستأصل لهم أو عند إتيان أصناف عذاب الآخرة أو معاينته
الكهف : ( 56 ) وما نرسل المرسلين . . . . .
) وما نرسل المرسلين ( من رسلنا إلى الأمم ) إلا ( حال كونهم ) مبشرين ( للمؤمنين ) ومنذرين ( للكافرين فالاستثناء مفرغ من أعم العام وقد تقدم تفسير هذا ) ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ( أى ليزيلوا بالجدال بالباطل الحق ويبطلوه وأصل الدحض الزلق يقال دحضت رجله أى زلقت تدحض دحضا ودحضت الشمس عن كبد السماء زالت ودحضت حجته دحوضا بطلت ومن ذلك قول طرفة أبا منذر رمت الوفاء فهبته
وحدت كما حاد البعير عن الدحض
ومن مجادلة هؤلاء الكفار بالباطل قولهم للرسل ) ما أنتم إلا بشر مثلنا ( ونحو ذلك ) واتخذوا آياتي ( أى القرآن ) وما أنذروا ( به من الوعيد والتهديد ) هزوا ( أى لعبا وباطلا وقد تقدم هذا فى البقرة
الكهف : ( 57 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ( أى لا أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بآيات ربه التنزيلية أو التكوينية أو مجموعهما فتهاون وأعرض عن قبولها ولم يتدبرها حق التدبر ويتفكر فيها حق التفكر ) ونسي ما قدمت يداه ( من الكفر والمعاصى فلم يتب عنها قيل والنسيان هنا بمعنى الترك وقيل هو على حقيقته ) إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ( أى أغطية والأكنة جمع كنان والجملة تعليل لإعراضهم ونسيانهم قال الزجاج أخبر الله سبحانه أن هؤلاء طبع على قلوبهم ) وفي آذانهم وقرا ( أى وجعلنا فى آذانهم ثقلا يمنع من استماعه وقد تقدم تفسير هذا فى الأنعام ) وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ( لأن الله قد طبع على قلوبهم بسبب كفرهم ومعاصيهم
الكهف : ( 58 ) وربك الغفور ذو . . . . .
) وربك الغفور ذو الرحمة ( أى كثير المغفرة وصاحب الرحمة التى وسعت كل شئ فلم يعاجلهم بالعقوبة ولهذا قال ) لو يؤاخذهم بما كسبوا ( أى بسبب ما كسبوه من المعاصى التى من جملتها الكفر والمجادلة والإعراض ) لعجل لهم العذاب ( لاستحقاقهم لذلك ) بل ( جعل ) لهم موعد ( أى أجل مقدر لعذابهم قيل هو عذاب الآخرة وقيل يوم بدر ) لن يجدوا من دونه موئلا ( أى ملجأ يلجئون إليه وقال أبو عبيدة منجا وقيل محيصا ومنه قول الشاعر لا وألت نفسك خليتها
للعامريين ولم تكلم
وقال الأعشى
وقد أخالس رب البيت غفلته
وقد يحاذر منى ثم مايئل
الكهف : ( 59 ) وتلك القرى أهلكناهم . . . . .
أى ما ينجو ) وتلك القرى ( أى قرى عاد وثمود وأمثالها ) أهلكناهم ( هذا خبر اسم الإشارة والقرى صفته والكلام على حذف مضاف أى أهل القرى أهلكناهم ) لما ظلموا ( أى وقت وقوع الظلم منهم بالكفر والمعاصى ) وجعلنا لمهلكهم موعدا ( أى وقتا معينا وقرأ عاصم مهلكهم بفتح الميم واللام وهو مصدر هلك وأجاز الكسائي والفراء كسر اللام وفتح الميم وبذلك قرأ حفص وقرأ الجمهور بضم الميم وفتح اللام وقال الزجاج مهلك اسم للزمان والتقدير لوقت مهلكهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) إلا أن تأتيهم سنة الأولين ( قال عقوبة الأولين وأخرج ابن أبى حاتم عن الأعمش فى قوله ) قبلا ( قال جهارا وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد قال فجأة وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ونسي ما قدمت يداه ( قال نسى ما سلف من الذنوب الكثيرة


"""""" صفحة رقم 297 """"""
وأخرج أيضا عن ابن عباس ) بما كسبوا ( يقول بما عملوا واخرج ابن أبى حاتم عن السدى ) بل لهم موعد ( قال الموعد يوم القيامة وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق علي بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله ) موئلا ( قال ملجأ وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) موئلا ( قال محرزا
سورة الكهف الآية ( 60 70 )
الكهف : ( 60 ) وإذ قال موسى . . . . .
الظرف فى قوله ) وإذ قال ( متعلق بفعل محذوف هو اذكر قيل ووجه ذكر هذه القصة فى هذه السورة أن اليهود لما سألوا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عن قصة أصحاب الكهف وقالوا إن أخبركم فهو نبى وإلا فلا ذكر الله قصة موسى والخضر تنبيها على أن النبى لا يلزمه أن يكون عالما بجميع القصص والأخبار وقد اتفق أهل العلم على أن موسى المذكور هو موسى بن عمران النبى المرسل إلى فرعون وقالت فرقة لا التفات إلى ما تقوله منهم نوف البكالى إنه ليس ابن عمران وإنما هو موسى بن ميشى بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران وهذا باطل قد رده السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم كما فى صحيح البخارى وغيره والمراد بفتاه هنا هو يشوع بن نون قال الواحدى أجمعوا على أنه يوشع بن نون وقد مضى ذكره فى المائدة وفى آخر سورة يوسف ومن قال إن موسى هو ابن ميشى قال إن هذا الفتى لم يكن هو يوشع بن نون قال الفراء وإنما سمى فتى موسى لأنه كان ملازما له يأخذ عنهم العلم ويخدمه ومعنى ) لا أبرح ( لا أزال ومنه قوله ) لن نبرح عليه عاكفين ( ومنه قول الشاعر وأبرح ما أدام الله قومى
بمحمد الله منتطقا مجيدا
وبرح إذا كان بمعنى زال فهو من الأفعال الناقصة وخبره هنا محذوف اعتمادا على دلالة ما بعده وهو ) حتى أبلغ مجمع البحرين ( قال الزجاج لا أبرح بمعنى لا أزال وقد حذف الخبر لدلالة حال السفر عليه ولأن قوله ) حتى أبلغ ( غاية مضروبة فلا بد من ذى غاية فالمعنى لا أزال أسير إلى أن أبلغ ويجوز أن يراد لا يبرح


"""""" صفحة رقم 298 """"""
مسيري حتى أبلغ وقيل معنى لا أبرح لا أفارقك حتى أبلغ مجمع البحرين وقيل يجوز أن يكون من برح التام بمعنى زال يزال ومجمع البحرين ملتقاهما قيل المراد بالبحرين بحر فارس والروم وقيل بحر الأردن وبحر القلزم وقيل مجمع البحرين عند طنجة وقيل بإفريقية وقالت طائفة المراد بالبحرين موسى والخضر وهو من الضعف بمكان وقد حكى عن ابن عباس ولا يصح ) أو أمضي حقبا ( أى أسير زمانا طويلا قال الجوهرى الحقب بالضم ثمانون سنة وقال النحاس الذى يعرفه أهل اللغة أن الحقب والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود كما أن رهطا وقوما منهم غير محدود وجمعه أحقاب وسبب هذه العزيمة على السير من موسى عليه السلام ما روى أنه سئل موسى من أعلم الناس فقال أنا فأوحى الله إليه إن أعلم منك عبد لى عند مجمع البحرين
الكهف : ( 61 ) فلما بلغا مجمع . . . . .
) فلما بلغا ( أى موسى وفتاه ) مجمع بينهما ( أى بين البحرين وأضيف مجمع إلى الظرف توسعا وقيل البين بمعنى الافتراق أى البحران المفترقان يجتمعان هناك وقيل الضمير لموسى والخضر أى وصلا الموضع الذى فيه اجتماع شملهما ويكون البين على هذا بمعنى الوصل لأنه من الأضداد والأول أولى ) نسيا حوتهما ( قال المفسرون إنهما تزودا حوتا مملحا فى زنبيل وكانا يصيبان منه عند حاجتهما إلى الطعام وكان قد جعل الله فقدانه أمارة لهما على وجدان المطلوب والمعنى أنهما نسيا بفقد أمره وقيل الذى نسى إنما هو فتى موسى لأنه وكل أمر الحوت إليه وأمره أن يخبره إذا فقده فلما انتهيا إلى ساحل البحر وضع فتاه المكتل الذى فيه الحوت فأحياه الله فتحرك واضطرب فى المكتل ثم انسرب فى البحر ولهذا قال ) فاتخذ سبيله في البحر سربا ( انتصاب سربا على أنه المفعول الثاني لاتخذ أى اتخذ سبيلا سربا والسرب النفق الذى يكون فى الأرض للضب ونحوه من الحيوانات وذلك أن الله سبحانه أمسك جرية الماء على الموضع الذى انسرب فيه الحوت فصار كالطاق فشبه مسلك الحوت فى البحر مع بقائه وانجياب الماء عنه بالسرب الذى هو الكوة المحفورة فى الأرض قال الفراء لما وقع فى الماء جمد مذهبه فى البحر فكان كالسرب فلما جاوزا ذلك المكان الذى كانت عنده الصخرة وذهب الحوت فيه انطلقا فأصابهما ما يصيب المسافر من النصب والكلال ولم يجدا النصب حتى جاوزا الموضع الذى فيه الخضر
الكهف : ( 62 ) فلما جاوزا قال . . . . .
ولهذا قال سبحانه ) فلما جاوزا ( أى مجمع البحرين الذى جعل موعدا للملاقاة ) قال لفتاه آتنا غداءنا ( وهو ما يؤكل بالغداة وأراد موسى أن يأتيه بالحوت الذى حملاه معهما ) لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ( أى تعبا وإعياء قال المفسرون الإشارة بقوله سفرنا هذا إلى السفر الكائن منهما بعد مجاوزة المكان المذكور فإنهما لم يجدا النصب إلا فى ذلك دون ما قبله
الكهف : ( 63 ) قال أرأيت إذ . . . . .
) قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة ( أى قال فتى موسى لموسى ومعنى الاستفهام تعجيبه لموسى مما وقع له من النسيان هناك مع كون ذلك الأمر مما لا ينسى لأنه قد شاهد أمرا عظيما من قدرة الله الباهرة ومفعول أرأيت محذوف لدلالة ما ذكره من النسيان عليه والتقدير أرأيت ما دهاني أو نابنى فى ذلك الوقت والمكان وتلك الصخرة كانت عند مجمع البحرين الذى هو الموعد وإنما ذكرها دون أن يذكر مجمع البحرين لكونها متضمنة لزيادة تعيين المكان لاحتمال أن يكون المجمع مكانا متسعا يتناول مكان الصخرة وغيره وأوقع النسيان على الحوت دون الغداء الذى تقدم ذكره لبيان أن ذلك الغداء المطلوب هو ذلك الحوت الذى جعلاه زادا لهما وأمارة لوجدان مطلوبهما ثم ذكر ما يجري مجرى السبب فى وقوع ذلك النسيان فقال ) وما أنسانيه إلا الشيطان ( بما يقع منه من الوسوسة و ) أن أذكره ( بدل اشتمال من الضمير فى أنسانيه وفى مصحف عبد الله وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان ) واتخذ سبيله في البحر عجبا ( انتصاب عجبا على أنه المفعول الثانى كما مر فى سربا والظرف فى محل نصب على الحال يحتمل أن يكون هذا من كلام يوشع أخبر


"""""" صفحة رقم 299 """"""
موسى أن الحوت اتخذ سبيله عجبا للناس وموضع التعجب أن يحيا حوت قد مات وأكل شقه ثم يثب إلى البحر ويبقى أثر جريته فى الماء لا يمحو أثرها جريان ماء البحر ويحتمل أن يكون من كلام الله سبحانه لبيان طرف آخر من أمر الحوت فيكون ما بين الكلامين اعتراضا
الكهف : ( 64 ) قال ذلك ما . . . . .
) قال ذلك ما كنا نبغ ( أى قال موسى لفتاه ذلك الذى ذكرت من فقد الحوت فى ذلك الموضع هو الذى كنا نطلبه فإن الرجل الذى نريده هو هنالك ) فارتدا على آثارهما قصصا ( أى رجعا على الطريق التى جاءا منها يقصان أثرهما لئلا يخطئا طريقهما وانتصاب قصصا على أنه مصدر لفعل محذوف أو على الحال أى قاصين أو مقتصين والقصص فى اللغة اتباع الأثر
الكهف : ( 65 ) فوجدا عبدا من . . . . .
) فوجدا عبدا من عبادنا ( هو الخضر فى قول جمهور المفسرين وعلى ذلك دلت الأحاديث الصحيحة وخالف فى ذلك من لا يعتد بقوله فقال ليس هو الخضر بل عالم آخر قيل سمى الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله قيل واسمه بليا بن ملكان ثم وصفه الله سبحانه فقال ) آتيناه رحمة من عندنا ( قيل الرحمة هى النبوة وقيل النعمة التى أنعم الله بها عليه ) وعلمناه من لدنا علما ( وهو ما علمه الله سبحانه من علم الغيب الذى استأثر به وفى قوله من لدنا تفخيم لشأن ذلك العلم وتعظيم له قال الزجاج وفيما فعل موسى وهو من جملة الأنبياء من طلب العلم والرحلة فى ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته وأن يتواضع لمن هو أعلم منه
الكهف : ( 66 ) قال له موسى . . . . .
ثم قص الله سبحانه علينا ما دار بين موسى والخضر بعد اجتماعهما فقال ) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا ( فى هذا السؤال ملاطفة ومبالغة فى حسن الأدب لأنه استأذنه أن يكون تابعا له على أن يعلمه مما علمه الله من العلم والرشد الوقوف على الخير وإصابة الصواب وانتصابه على أنه مفعول ثان لتعلمنى أى علما ذا رشد أرشد به وقرئ رشدا بفتحتين وهما لغتان كالبخل والبخل وفى الآية دليل على أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب وليس فى ذلك ما يدل على أن الخضر أفضل من موسى فقد يأخذ الفاضل عن الفاضل وقد يأخذ الفاضل عن المفضول إذا اختص أحدهما بعلم لا يعلمه الآخر فقد كان علم موسى علم الأحكام الشرعية والقضاء بظاهرها وكان علم الخضر علم بعض الغيب ومعرفة البواطن
الكهف : ( 67 ) قال إنك لن . . . . .
) قال إنك لن تستطيع معي صبرا ( أى قال الخضر لموسى إنك لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمى لأن الظواهر التى هى علمك لا توافق ذلك
الكهف : ( 68 ) وكيف تصبر على . . . . .
ثم أكد ذلك مشيرا على علة عدم الاستطاعة فقال ) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ( أى كيف تصبر على علم ظاهره منكر وأنت لا تعلم ومثلك مع كونك صاحب شرع لا يسوغ له السكوت على منكر والإقرار عليه وخبرا منتصب على التمييز أى لم تحط به خبرك والخبر العلم بالشيء والخبير بالأمور هو العالم بخفاياها وبما يحتاج إلى الاختبار منها
الكهف : ( 69 ) قال ستجدني إن . . . . .
) قال ستجدني إن شاء الله صابرا ( أى قال موسى للخضر ستجدني صابرا معك ملتزما طاعتك ) ولا أعصي لك أمرا ( فجملة ولا أعصي معطوفة على صابرا فيكون التقييد بقوله إن شاء الله شاملا للصبر ونفى المعصية وقيل إن التقييد بالمشيئة مختص بالصبر لأنه أمر مستقبل لا يدري كيف يكون حاله فيه ونفى المعصية معزوم عليه فى الحال ويجاب عنه بأن الصبر ونفي المعصية متفقان فى كون كل واحد منهما معزوم عليه فى الحال وفى كون كل واحد منهما لا يدري كيف حاله فيه فى المستقبل
الكهف : ( 70 ) قال فإن اتبعتني . . . . .
) قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء ( مما تشاهده من أفعالي المخالفة لما يقتضيه ظاهر الشرع الذى بعثك الله به ) حتى أحدث لك منه ذكرا ( أى حتى أكون أنا المبتدئ لك بذكره وبيان وجهه وما يئول إليه وهذه الجمل المعنونة بقال وقال مستأنفة لأنها جوابات عن سؤالات مقدرة كل واحدة ينشأ السؤال عنها مما قبلها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الدارقطني فى الإفراد وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس قال


"""""" صفحة رقم 300 """"""
الخضر ابن آدم لصلبه ونسئ له فى أجله حتى يكذب الدجال وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إنما سمى الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هى تهتز من خلفه خضراء وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عباس وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن مجاهد إنما سمى الخضر لأنه إذا صلى اخضر ما حوله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد فى قوله ) لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين ( قال حتى أنتهى وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) مجمع البحرين ( قال بحر فارس والروم وهما نحو المشرق والمغرب وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال ) مجمع البحرين ( إفريقية وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال طنجة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) أو أمضي حقبا ( قال سبعين خريفا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال دهرا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) نسيا حوتهما ( قال كان مملوحا مشقوق البطن وأخرج ابن المنذر عنه فى قوله ) فاتخذ سبيله في البحر سربا ( قال أثره يابس فى البحر كأنه فى حجر وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) فارتدا على آثارهما قصصا ( قال عودهما على بدئهما وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) آتيناه رحمة من عندنا ( قال أعطيناه الهدى والنبوة
واعلم أنها قد رويت فى قصة الخضر مع موسى المذكورة فى الكتاب العزيز أحاديث كثيرة وأتمها وأكملها ما روى عن ابن عباس ولكنها اختلفت بعض الألفاظ وكلها مروية من طريق سعيد بن جبير عنه وبعضها فى الصحيحين وغيرهما وبعضها فى أحدهما وبعضها خارج عنهما وقد رويت من طريق العوفى عنه كما أخرجه ابن جرير وابن أبى حاتم ومن طريق هارون بن عنترة عن أبيه عنه عند ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والخطيب وابن عساكر فلنقتصر على الرواية التى هى أتم الروايات الثابتة فى الصحيحين ففى ذلك ما يغنى عن غيره وهى قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس إن نوفا البكالى يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بنى إسرائيل قال ابن عباس كذب عدو الله حدثنا أبى بن كعب أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن موسى قام خطيبا فى بنى إسرائيل فسئل أى الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن لى عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لى به قال تأخذ معك حوتا فتجعله فى مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم فأخذ حوتا فجعله فى مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت فى المكتل فخرج منه فسقط فى البحر فاتخذ سبيله فى البحر سربا وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه ) آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ( قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذى أمره الله به فقال له فتاه ) أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ( قال فكان للحوت سربا ولموسى وفتاه عجبا فقال موسى ) ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا ( قال سفيان يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة لا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش قال وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش قال فرجعا يقصان أثرهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر وأنى بأرضك السلام قال أنا موسى قال موسى بنى إسرائيل قال


"""""" صفحة رقم 301 """"""
نعم قال أتيتك لتعلمنى مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معى صبرا يا موسى إنى على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من الله علمك الله لا أعلمه قال موسى ستجدنى إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا فقال له الخضر ) فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ( فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبا فى السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستيطع معى صبرا قال لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقنى من أمرى عسرا قال وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكانت الأولى من موسى نسيانا قال وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر فى البحر نقرة فقال له الخضر ما نقص علمى وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور الذى وقع على حرف السفينة من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله فقال موسى ) أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( قال وهذه أشد من الأولى ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ( قال مائل فقال الخضر بيده هكذا فأقامه ف ) قال ( موسى قوم آتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا ) لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما قال سعيد بن جبير وكان ابن عباس يقرأ ? وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ? وكان يقرأ ? وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين ? وبقية روايات سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبى بن كعب هى موافقة لهذه الرواية فى المعنى وإن تفاوتت الألفاظ فى بعضها فلا فائدة فى الإطالة بذكرها وكذلك روايات غير سعيد عنه
سورة الكهف الآية ( 71 78 )


"""""" صفحة رقم 302 """"""
سورة الكهف الآية ( 79 82 )
الكهف : ( 71 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
قوله ) فانطلقا ( أى موسى والخضر على ساحل البحر يطلبان السفينة فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فحملوهم ) حتى إذا ركبا في السفينة خرقها ( قيل قلع لوحا من ألواحها وقيل لوحين مما يلى الماء وقيل خرق جدار السفينة ليعيبها ولا يتسارع الغرق إلى أهلها ) قال ( موسى ) أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا ( أى لقد أتيت أمرا عظيما يقال أمر الأمر إذا كبر والأمر الإسم منه وقال أبو عبيدة الأمر الداهية العظيمة وأنشد قد لقى الأقران منى نكرا
داهية دهيا وأمرا إمرا
وقال القتيبى الأمر العجب وقال الأخفش أمر أمره يأمر إذا اشتد والإسم الأمر قرأ حمزة والكسائي ? ليغرق أهلها ? بالياء التحتية المفتوحة ورفع أهلها على أنه فاعل وقرأ الباقون بالفوقية المضمومة ونصب أهلها على المفعولية
الكهف : ( 72 ) قال ألم أقل . . . . .
) قال ( أى الخضر ) ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ( أذكره ما تقدم من قوله له سابقا ) إنك لن تستطيع معي صبرا )
الكهف : ( 73 ) قال لا تؤاخذني . . . . .
ف ) قال ( له موسى ) لا تؤاخذني بما نسيت ( يحتمل أن تكون ما مصدرية أى لا تؤاخذنى بنسيانى أو موصولة أى لا تؤاخذنى بالذى نسيته وهو قول الخضر ) فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ( فالنسيان إما على حقيقته على تقدير أن موسى نسى ذلك أو بمعنى الترك على تقدير أنه لم ينس ما قاله له ولكنه ترك العمل به ) ولا ترهقني من أمري عسرا ( قال أبو زيد أرهقته عسرا إذا كلفته ذلك والمعنى عاملنى باليسر لا بالعسر وقرئ عسرا بضمتين
الكهف : ( 74 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
) فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله ( أى الخضر ولفظ الغلام يتناول الشاب البالغ كما يتناول الصغير قيل كان الغلام يلعب مع الصبيان فاقتلع الخضر رأسه ) قال ( موسى ) أقتلت نفسا زكية بغير نفس ( قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر وأويس بألف بعد الزاى وتخفيف الياء اسم فاعل وقرأ الباقون بتشديد الياء من دون ألف الزاكية البريئة من الذنوب قال أبو عمرو الزاكية التى لم تذنب والزكية التى أذنبت ثم تابت وقال الكسائي الزاكية والزكية لغتان وقال الفراء الزاكية والزكية مثل القاسية والقسية ومعنى ) بغير نفس ( بغير قتل نفس محرمة حتى يكون قتل هذه قصاصا ) لقد جئت شيئا نكرا ( أى فظيعا منكرا لا يعرف فى الشرع قيل معناه أنكر من الأمر الأول لكون القتل لا يمكن تداركه بخلاف نزع اللوح من السفينة فإنه يمكن تداركه بإرجاعه وقيل النكر أقل من الأمر لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة قيل استبعد موسى أن يقتل نفسا بغير نفس ولم يتأول للخضر بأنه يحل القتل بأسباب أخر


"""""" صفحة رقم 303 """"""
الكهف : ( 75 ) قال ألم أقل . . . . .
) قال ( الخضر ) ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ( زاد هنا لفظ لك لأن سبب العتاب أكثر وموجبه أقوى وقيل زاد لفظ لك لقصد التأكيد كما تقول لمن توبخه لك أقول وإياك أعنى
الكهف : ( 76 ) قال إن سألتك . . . . .
) قال ( موسى ) إن سألتك عن شيء بعدها ( أى بعد هذه المرة أو بعد هذه النفس المقتولة ) فلا تصاحبني ( أى لا تجعلنى صاحبا لك نهاه عن مصاحبته مع حرصه على التعلم لظهور عذره ولذا قال ) قد بلغت من لدني عذرا ( يريد أنك قد أعذرت حيث خالفتك ثلاث مرات وهذا كلام نادم شديد الندامة اضطره الحال إلى الاعتراف وسلوك سبيل الإنصاف قرأ الأعرج تصحبنى بفتح التاء والباء وتشديد النون وقرأ الجمهور تصاحبنى وقرأ يعقوب تصحبى بضم التاء وكسر الحاء ورواها سهل عن أبى عمرو قال الكسائي معناه لا تتركنى أصحبك وقرأ الجمهور ) لدني ( بضم الدال إلا أن نافعا وعاصما خففا النون وشددها الباقون وقرأ أبو بكر عن عاصم ) لدني ( بضم اللام وسكون الدال قال ابن مجاهد وهى غلط قال أبو علي هذا التغليط لعله من جهة الرواية فأما على قياس العربية فصحيحة وقرأ الجمهور ) عذرا ( بسكون الذال وقرأ عيسى بن عمر بضم الذال وحكى الدانى أن أبيا روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بكسر الراء وياء بعدها بإضافة العذر إلى نفسه
الكهف : ( 77 ) فانطلقا حتى إذا . . . . .
) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية ( قيل هى أيلة وقيل أنطاكية وقيل برقة وقيل قرية من قرى أذربيجان وقيل قرية من قرى الروم ) استطعما أهلها ( هذه الجملة فى محل الجر على أنها صفة لقرية ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التأكيد أو لكراهة اجتماع الضميرين فى هذه الكلمة لما فيه من الكلفة أو لزيادة التشنيع على أهل القرية بإظهارهم ) فأبوا أن يضيفوهما ( أى أبوا أن يعطوهما ما هو حق واجب عليهم من ضيافتهما فمن استدل بهذه الآية على جواز السؤال وحل الكدية فقد أخطأ خطأ بينا ومن ذلك قول بعض الأدباء الذين يسألون الناس فإن رددت فما فى الرد منقصة
على قد رد موسى قبل والخضر
وقد ثبت فى السنة تحريم السؤال بما لا يمكن دفعه من الأحاديث الصحيحة الكثيرة ) فوجدا فيها ( أى فى القرية ) جدارا يريد أن ينقض ( إسناد الإرادة إلى الجدار مجاز قال الزجاج الجدار لا يريد إرادة حقيقية إلا أن هيئة السقوط قد ظهرت فيه كما تظهر أفعال المريدين القاصدين فوصف بالإرادة ومنه قول الراعي فى مهمه فلقت به هاماتها
فلق الفؤوس إذا أردن نصولا
ومعنى الانقضاض السقوط بسرعة يقال انقض الحائط إذا وقع وانقض الطائر إذا هوى من طيرانه فسقط على شئ ومعنى فأقامه فسواه لأنه وجده مائلا فرده كما كان وقيل نقضه وبناه وقيل أقامه بعمود وقد تقدم فى الحديث الصحيح أنه مسحه بيده ) قال ( موسى ) لو شئت لاتخذت عليه أجرا ( أى على إقامته وإصلاحه تحريضا من موسى للخضر على أخذ الأجر قال الفراء معناه لو شئت لم تقمه حتى يقرونا فهو الأجر قرأ أبو عمرو ويعقوب وابن كثير وابن محيصن واليزيدى والحسن لتخذت يقال تخذ فلان يتخذ تخذا مثل اتخذ وقرأ الباقون لاتخذت
الكهف : ( 78 ) قال هذا فراق . . . . .
) قال ( الخضر ) هذا فراق بيني وبينك ( على إضافة فراق إلى الظرف اتساعا أى هذا الكلام والإنكار منك على ترك الأجر هو المفرق بيننا قال الزجاج المعنى هذا فراق بيننا أى هذا فراق اتصالنا وكرر بين تأكيدا ولما قال الخضر لموسى بهذا أخذ فى بيان الوجه الذى فعل بسببه تلك الأفعال التى أنكرها موسى فقال ) سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ( والتأويل رجوع الشئ إلى مآله
الكهف : ( 79 ) أما السفينة فكانت . . . . .
ثم شرع فى البيان له فقال ) أما السفينة ( يعنى التى خرقها ) فكانت لمساكين ( لضعفاء لا يقدرون على دفع من أراد ظلمهم ) يعملون في البحر ( ولم يكن لهم مال غير تلك السفينة يكرونها من الذين يركبون البحر ويأخذون الأجرة وقد استدل الشافعى بهذه


"""""" صفحة رقم 304 """"""
الآية على أن الفقير أسوأ حالا من المسكين ) فأردت أن أعيبها ( أى أجعلها ذات عيب بنزع ما نزعته منها ) وكان وراءهم ملك ( قال المفسرون يعنى أمامهم ووراء يكون بمعنى أمام وقد مر الكلام على هذا فى قوله ) ومن ورائه عذاب غليظ ( وقيل أراد خلفهم وكان طريقهم فى الرجوع عليه وما كان عندهم خبر بأنه ) يأخذ كل سفينة غصبا ( أى كل سفينة صالحة لا معيبة وقد قرئ بزيادة صالحة روى ذلك عن أبى وابن عباس وقرا جماعة بتشديد السين من مساكين واختلف فى معناها فقيل هم ملاحو السفينة وذلك أن المساك هو الذى يمسك السفينة والأظهر قراءة الجمهور بالتخفيف
الكهف : ( 80 ) وأما الغلام فكان . . . . .
) وأما الغلام ( يعنى الذى قتله ) فكان أبواه مؤمنين ( أى ولم يكن هو كذلك ) فخشينا أن يرهقهما ( أى يرهق الغلام أبويه يقال رهقه أى غشيه وأرهقه أغشاه قال المفسرون معناه خشينا أن يحملهما حبه على أن يتبعاه فى دينه وهو الكفر و ) طغيانا ( مفعول يرهقهما ) وكفرا ( معطوف عليه وقيل المعنى فخشينا أن يرهق الوالدين طغيانا عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه قيل ويجوز أن يكون فخشينا من كلام الله ويكون المعنى كرهنا كراهة من خشى سوء عاقبة أمره فغيره وهذا ضعيف جدا فالكلام كلام الخضر وقد استشكل بعض أهل العلم قتل الخضر لهذا الغلام بهذه العلة فقيل إنه كان بالغا وقد استحق ذلك بكفره وقيل كان يقطع الطريق فاستحق القتل لذلك ويكون معنى فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا أن الخضر خاف على الأبوين أن يذبا عنه ويتعصبا له فيقعا فى المعصية وقد يؤدى ذلك إلى الكفر والارتداد والحاصل أنه لا إشكال فى قتل الخضر له إذا كان بالغا كافرا أو قاطعا للطريق هذا فيما تقتضيه الشريعة الإسلامية ويمكن أن يكون للخضر شريعة من عند الله سبحانه تسوغ له ذلك وأما إذا كان الغلام صبيا غير بالغ فقيل إن الخضر علم بإعلام الله له أنه لو صار بالغا لكان كافرا يتسبب عن كفره إضلال أبويه وكفرهما وهذا وإن كان ظاهر الشريعة الإسلامية يأباه فإن قتل من لا ذنب له ولا قد جرى عليه قلم التكليف لخشية أن يقع منه بعد بلوغه ما يجوز به قتله لا يحل فى الشريعة المحمدية ولكنه حل فى شريعة أخرى فلا إشكال وقد ذهب الجمهور إلى أن الخضر كان نبيا
الكهف : ( 81 ) فأردنا أن يبدلهما . . . . .
) فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه ( قرأ الجمهور بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال وقرأ عاصم وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب بسكون الباء وتخفيف الدال والمعنى أردنا أن يرزقهما الله بدل هذا الولد ولدا خيرا منه ) زكاة ( أى دينا وصلاحا وطهارة من الذنوب ) وأقرب رحما ( قرأ ابن عباس وحمزة والكسائي وابن كثير وابن عامر رحما بضم الحاء وقرأ الباقون بسكونها ومعنى الرحم الرحمة يقال رحمه الله رحمة ورحمى والألف للتأنيث
الكهف : ( 82 ) وأما الجدار فكان . . . . .
) وأما الجدار ( يعنى الذى أصلحه ) فكان لغلامين يتيمين في المدينة ( هى القرية المذكورة سابقا وفيه جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة ) وكان تحته كنز لهما ( قيل كان مالا جسيما كما يفيده اسم الكنز إذ هو المال المجموع قال الزجاج المعروف فى اللغة ان الكنز إذا أفرد فمعناه المال المدفون فإذا لم يكن مالا قيل كنز علم وكنز فهم وقيل لوح من ذهب وقيل صحف مكتوبة ) وكان أبوهما صالحا ( فكان صلاحه مقتضيا لرعاية ولديه وحفظ مالهما قيل هو الذى دفنه وقيل هو الأب السابع من عند الدافن له وقيل العاشر ) فأراد ربك ( أى مالكك ومدبر أمرك وأضاف الرب إلى ضمير موسى تشريفا له ) أن يبلغا أشدهما ( أى كمالهما وتمام نموهما ) ويستخرجا كنزهما ( من ذلك الموضع الذى عليه الجدار ولو انقض لخرج الكنز من تحته ) رحمة من ربك ( لهما وهو مصدر فى موضع الحال أى مرحومين من الله سبحانه ) وما فعلته عن أمري ( أى عن اجتهادى ورأيى وهو تأكيد لما قبله فقد علم بقوله فأراد ربك أنه لم يفعله الخضر عن أمر نفسه ) ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ( أى ذلك المذكور من تلك البيانات التى بينتها لك


"""""" صفحة رقم 305 """"""
وأوضحت وجوهها تأويل ما ضاق صبرك عنه ولم تطق السكوت عليه ومعنى التأويل هنا هو المآل الذى آلت إليه تلك الأمور وهو اتضاح ما كان مشتبها على موسى وظهور وجهه وحذف التاء من تسطع تخفيفا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) لقد جئت شيئا إمرا ( يقول نكرا وأخرج ابن أبى حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) أمرا ( قال عجبا وأخرج ابن جرير عن أبى بن كعب فى قوله ) لا تؤاخذني بما نسيت ( قال لم ينس ولكنها من معاريض الكلام وأخرج ابن المنذر وابن أبى جاتم عن أبى العالية قال كان الخضر عبدا لا تراه الأعين إلا من أراد الله أن يريه إياه فلم يره من القوم إلا موسى ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين خرق السفينة وبين قتل الغلام وأقول ينبغى أن ينظر من أين له هذا فإن لم يكن مستنده إلا قوله ولو رآه القوم الخ فليس ذلك بموجب لما ذكره أما أولا فإن من الجائز أن يفعل ذلك من غير أن يراه أهل السفينة وأهل الغلام لا لكونه لا تراه الأعين بل لكونه فعل ذلك من غير اطلاعهم وأما ثانيا فيمكن أن أهل السفينة وأهل الغلام قد عرفوه وعرفوا أنه لا يفعل ذلك إلا بأمر من الله كما يفعل الأنبياء فسلموا لأمر الله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) نفسا زكية ( قال مسلمة وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال لم تبلغ الخطايا وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن نحوه وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) شيئا نكرا ( قال النكر أنكر من العجب وأخرج أحمد عن عطاء قال كتب نجدة الحرورى إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان فكتب إليه إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم وزاد ابن أبى شيبة من طريق أخرى عنه ولكنك لا تعلم قد نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قتلهم فاعتزلهم وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند وابن مردويه عن أبى بن كعب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الغلام الذى قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا ولو أدرك لأرهق أبويه طغيانا وكفرا وأخرج أبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد والبزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبى أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ) من لدني عذرا ( مثقلة وأخرج ابن مردويه عن أبى أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ) أن يضيفوهما ( مشددة وأخرج ابن الأنباري فى المصاحف وابن مردويه عن أبى بن كعب عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قرأ ) فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ( فهدمه ثم قعد يبنيه قلت ورواية الصحيحين التى قدمناها أنه مسحه بيده أولى وأخرج الفريابي فى معجمه وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبى أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ) لو شئت لاتخذت عليه أجرا ( مخففة وأخرج ابن أبى شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس عن أبى بن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر لقص الله علينا من خبره ولكن ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ ? وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا ? وأخرج ابن الأنباري عن أبى بن كعب أنه قرأها كذلك وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن أبى الزاهرية قال كتب عثمان وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يقرأ ? وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين ? وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة قال هى فى مصحف عبد الله ? فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا ? وأخرج ابن المنذر وابن


"""""" صفحة رقم 306 """"""
أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) خيرا منه زكاة ( قال دينا ) وأقرب رحما ( قال مودة فأبدلا جارية ولدت نبيا وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وكان تحته كنز لهما ( قال كان الكنز لمن قبلنا وحرم علينا وحرمت الغنيمة على من كان قبلنا وأحلت لنا فلا يعجبن الرجل فيقول فما شأن الكنز أحل لمن قبلنا وحرم علينا فإن الله يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء وهى السنن والفرائض يحل لأمة ويحرم على أخرى وأخرج البخاري فى تاريخه والترمذي وحسنه والبزار وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبى الدرداء عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وكان تحته كنز لهما ( قال ذهب وفضة وأخرج الطبراني عن أبى الدرداء فى قوله ) وكان تحته كنز لهما ( قال أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز وأخرج البزار وابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى ذر رفعه قال إن الكنز الذى ذكره الله فى كتابه لوح من ذهب مصمت فيه عجبت لمن أيقن بالقدر ثم نصب وعجبت لمن ذكر النار ثم ضحك وعجبت لم ذكر الموت ثم غفل لا إله إلا الله محمد رسول الله وفى نحو هذا روايات كثيرة لا تتعلق بذكرها فائدة وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد فى الزهد والحميدي فى مسنده وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس فى قوله ) وكان أبوهما صالحا ( قال حفظا بصلاح أبيهما وأخرج ابن مردويه عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله عز وجل يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وأهل دويرته وأهل دويرات حوله فما يزالون فى حفظ الله تعالى مادام فيهم وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ويحفظه فى دويرته والدويرات حوله فما يزالون فى ستر من الله وعافية وأخرج ابن جرير من طريق الحسن بن عمارة عن أبيه قال قيل لابن عباس لم نسمع لفتى موسى بذكر وقد كان معه فقال ابن عباس قال فيما يذكر من حديث الفتى إنه شرب من الماء فخلد فأخذه العالم فطابق به سفينة ثم أرسله فى البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه قال ابن كثير إسناده ضعيف الحسن متروك وأبوه غير معروف
سورة الكهف الآية ( 83 91 )


"""""" صفحة رقم 307 """"""
الكهف : ( 83 ) ويسألونك عن ذي . . . . .
لما أجاب سبحانه عن سؤالين من سؤالات اليهود وانتهى الكلام إلى حيث انتهى شرع سبحانه فى السؤال الثالث والجواب عنه فالمراد بالسائلين هنا هم اليهود
واختلفوا فى ذى القرنين اختلافا كثيرا فقيل هو الإسكندر بن فيلقوس الذى ملك الدنيا بأسرها اليوناني باني الإسكندريه وقال ابن إسحاق هو رجل من أهل مصر اسمه مرزبان من مرزبه اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح وقيل هو ملك اسمه هرمس وقيل ملك اسمه هردبس وقيل شاب من الروم وقيل كان نبيا وقيل كان عبدا صالحا قيل اسمه عبد الله بن الضحاك وقيل مصعب بن عبد الله من أولاد كهلان بن سبأ وحكى القرطبي عن السهيلي أنه قال إن الظاهر من علم الأخبار أنهما اثنان أحدهما كان على عهد إبراهيم عليه السلام والآخر كان قريبا من عيسى عليه السلام وقيل هو أبو كرب الحميري وقيل هو ملك من الملائكة ورجح الرازي القول الأول قال لأن من بلغ ملكه من السعة والقوة إلى الغاية التى نطق بها التنزيل إنما هو الإسكندر اليوناني كما تشهد به كتب التاريخ قال فوجب القطع بأن ذا القرنين هو الإسكندر قال وفيه إشكال لأنه كان تلميذا لأرسطاطاليس الحكيم وكان على مذهبه فتعظيم الله إياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطا ليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل إليه قال النيسابوري قلت ليس كل ما ذهب إليه الفلاسفة باطلا فلعله أخذ منهم ما صفا وترك ما كدر والله أعلم ورجح ابن كثير ما ذكره السهيلي أنهما اثنان كما قدمنا ذلك وبين أن الأول طاف بالبيت مع إبراهيم أول ما بناه وآمن به واتبعه وكان وزيره الخضر وأما الثاني فهو الإسكندر المقدوني اليوناني وكان وزيره الفيلسوف المشهور إرسطاطاليس وكان قبل المسيح بنحو من ثلثمائة سنة فأما الأول المذكور فى القرآن فكان فى زمن الخليل هذا معنى ما ذكره ابن كثير فى تفسيره راويا له عن الأزرقي وغيره ثم قال وقد ذكرنا طرفا صالحا فى أخباره فى كتاب البداية والنهاية بما فيه كفاية وحكى أبو السعود فى تفسيره عن ابن كثير أنه قال وإنما بينا هذا يعنى أنهما اثنان لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور فى القرآن العظيم هو هذا المتأخر فيقع بذلك خطأ كبير وفساد كثير كيف لا والأول كان عبدا صالحا مؤمنا وملكا عادلا ووزيره الخضر وقد قيل إنه كان نبيا وأما الثانى فقد كان كافرا ووزيره إرسطاطاليس الفيلسوف وكان ما بينهما من الزمان أكثر من ألفى سنة فأين هذا من ذاك انتهى قلت لعله ذكر هذا فى الكتاب الذى ذكره سابقا وسماه بالبداية والنهاية ولم يقف عليه والذى يستفاد من كتب التاريخ هو أنهما اثنان كما ذكره السهيلي والأزرقي وابن كثير وغيرهم لا كما ذكره الرازي وادعى أنه الذى تشهد به كتب التواريخ وقد وقع الخلاف هل هو نبى أم لا وسيأتى ما يستفاد منه المطلوب آخر هذا البحث إن شاء الله
وأما السبب الذى لأجله سمى ذا القرنين فقال الزجاج والأزهري إنما سمى ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مطلعها وقرن الشمس من مغربها وقيل إنه كان له ضفيرتان من شعر والضفائر تسمى قرونا ومنه قول الشاعر فلثمت فاها آخذا بقرونها
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
والحشرج ماء من مياه العرب وقيل إنه رأى فى أول ملكه كأنه قابض على قرنى الشمس فسمى بذلك وقيل كان له قرنان تحت عمامته وقيل إنه دعا إلى الله فشجه قومه على قرنه ثم دعا إلى الله فشجوه على قرنه الآخر وقيل إنما سمى بذلك لأنه كريم الطرفين من أهل بيت شرف من قبل أبيه وأمه وقيل لأنه انقرض فى وقته قرنان من الناس وهو حي وقيل لأنه كان إذا قاتل قاتل بيديه وركابيه جميعا وقيل لأنه أعطى علم الظاهر والباطن وقيل


"""""" صفحة رقم 308 """"""
لأنه دخل النور والظلمة وقيل لأنه ملك فارس والروم وقيل لأنه ملك الروم والترك وقيل لأنه كان لتاجه قرنان قوله ) قل سأتلو عليكم منه ذكرا ( أى سأتلو عليكم أيها السائلون من ذى القرنين خبرا وذلك بطريق الوحى المتلو
الكهف : ( 84 ) إنا مكنا له . . . . .
ثم شرع سبحانه فى بيان ما أمر به رسوله أن يقوله لهم من أنه سيتلو عليهم منه ذكرا فقال ) إنا مكنا له في الأرض ( أى أقدرناه بما مهدنا له من الأسباب فجعلنا له مكنة وقدرة على التصرف فيها وسهل عليه المسير فى مواضعها وذلل له طرقها حتى تمكن منها أين شاء وكيف شاء ومن جملة تمكينه فيها أنه جعل له الليل والنهار سواء فى الإضاءة ) وآتيناه من كل شيء ( مما يتعلق بمطلوبه ) سببا ( أى طريقا يتوصل بها إلى ما يريده
الكهف : ( 85 ) فأتبع سببا
) فأتبع سببا ( من تلك الأسباب قال المفسرون والمعنى طريقا تؤديه إلى مغرب الشمس قال الزجاج فأتبع سببا من الأسباب التى أوتى وذلك أنه أوتى من كل شئ سببا فأتبع من تلك الأسباب التى أوتى سببا فى المسير إلى المغرب وقيل أتبع من كل شئ علما يتسبب به إلى ما يريد وقيل بلاغا إلى حيث أراد وقيل من كل شئ يحتاج إليه الخلق وقيل من كل شئ تستعين به الملوك من فتح المدائن وقهر الأعداء وأصل السبب الحبل فاستعين لكل ما يتوصل به إلى شيء قرأ ابن عامر وأهل الكوفة وعاصم وحمزة والكسائي ) فأتبع ( بقطع الهمزة وقرأ أهل المدينة وأهل مكة وأبو عمرو بوصلها قال الأخفش تبعته وأتبعته بمعنى مثل ردفته وأردفته ومنه قوله ) فأتبعه شهاب ثاقب ( قال النحاس واختار أبو عبيده قراءة أهل الكوفة قال لأنها من السير وحكى هو والأصمعي أنه يقال تبعته وأتبعته إذا سار ولم يلحقه وأتبعه إذا لحقه قال أبو عبيدة ومثله ) فأتبعوهم مشرقين ( قال النحاس وهذا من الفرق وأن كان الأصمعي قد حكاه فلا يقبل إلا بعلم أو دليل وقوله عز وجل ) فأتبعوهم مشرقين ( ليس في الحديث أنهم لحقوهم وإنما الحديث لما خرج موسى وأصحابه من البحر وحصل فرعون وأصحابه في البحر انطبق عليهم البحر والحق في هذا أن تبع واتبع وأتبع لغات بمعنى واحد وهو بمعنى السير
الكهف : ( 86 ) حتى إذا بلغ . . . . .
) حتى إذا بلغ مغرب الشمس ( أي نهاية الأرض من جهة المغرب لأن من وراء هذه النهاية البحر المحيط وهو لا يمكن المضي فيه ) وجدها تغرب في عين حمئة ( قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي حامية أى حارة وقرأ الباقون ) حمئة ( أى كثيرة الحمأة وهى الطينة السوداء تقول حمئت البئر حمأ بالتسكين إذا نزعت حمأتها وحمأت البئر حمأتها بالتحريك كثرت حمأتها ويجوز أن تكون حامية من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء وقد يجمع بين القراءتين فيقال كانت حارة وذات حمأة قيل ولعل ذا القرنين لما بلغ ساحل البحر المحيط رآها كذلك فى نظره ولا يبعد أن يقال لا مانع من أن يمكنه الله من عبور البحر المحيط حتى يصل إلى تلك العين التى تغرب فيها الشمس وما المانع من هذا بعد أن حكى الله عنه أنه بلغ مغرب الشمس ومكن له فى الأرض والبحر من جملتها ومجرد الاستبعاد لا يوجب حمل القرآن على خلاف ظاهره ) ووجد عندها قوما ( الضمير فى عندها إما للعين أو للشمس قيل هم قوم لباسهم جلود الوحش وكانوا كفارا فخيره الله بين أن يعذبهم وبين أن يتركهم فقال ) إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ( أى إما أن تعذبهم بالقتل من أول الأمر وإما أن تتخذ فيهم أمرا ذا حسن أو أمرا حسنا مبالغة بجعل المصدر صفة للأمر والمراد دعوتهم إلى الحق وتعليمهم الشرائع
الكهف : ( 87 ) قال أما من . . . . .
) قال ( ذو القرنين مختارا للدعوة التى هى الشق الأخير من الترديد ) أما من ظلم ( نفسه بالإصرار على الشرك ولم يقبل دعوتي ) فسوف نعذبه ( بالقتل فى الدنيا ) ثم يرد إلى ربه ( فى الآخرة ) فيعذبه ( فيها ) عذابا نكرا ( أى منكرا فظيعا قال الزجاج خيره الله بين الأمرين قال النحاس ورد علي بن سليمان قوله لأنه لم يصح أن ذا القرنين نبي فيخاطب بهذا فكيف يقول لربه عز وجل ) ثم يرد إلى ربه ( وكيف يقول ) فسوف نعذبه ( فيخاطبه بالنون قال والتقدير قلنا يا محمد


"""""" صفحة رقم 309 """"""
قالوا ياذا القرنين قال النحاس وهذا الذى ذكره لا يلزم لجواز أن يكون الله عز وجل خاطبه على لسان نبي فى وقته وكأن ذا القرنين خاطب أولئك القوم فلا يلزم ما ذكره ويمكن أن يكون مخاطبا للنبي الذى خاطبه الله على لسانه أو خاطب قومه الذين وصل بهم إلى ذلك الوضع قال ثعلب إن فى قوله ) إما أن تعذب وإما أن تتخذ ( فى موضع نصب ولو رفعت لكان صوابا بمعنى فأما هو كقول الشاعر فسيروا فإما حاجة تقضيانها
وإما مقيل صالح وصديق
الكهف : ( 88 ) وأما من آمن . . . . .
) وأما من آمن ( بالله وصدق دعوتي ) وعمل ( عملا ) صالحا ( مما يقتضيه الإيمان ) فله جزاء الحسنى ( قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم وابن كثير وابن عامر ) فله جزاء ( بالرفع على الابتداء أى جزاء الخصلة الحسنى عند الله أو الفعلة الحسنى وهى الجنة قاله الفراء وإضافة الجزاء إلى الحسنى التى هى الجنة كإضافة حق اليقين ودار الآخرة ويجوز أن يكون هذا الجزاء من ذي القرنين أى أعطيه وأتفضل عليه وقرأ سائر الكوفيين ) فله جزاء الحسنى ( بنصب جزاء وتنوينه قال الفراء انتصابه على التمييز وقال الزجاج هو مصدر فى موضع الحال أى مجزيا بها جزاء وقرأ ابن عباس ومسروق بنصب ) جزاء ( من غير تنوين قال أبو حاتم هى على حذف التنوين لالتقاء الساكنين قال النحاس وهذا عند غيره خطأ لأنه ليس موضع حذف تنوين لالتقاء الساكنين وقرئ برفع ) جزاء ( منونا على أنه مبتدأ والحسنى بدل منه والخبر الجار والمجرور ) وسنقول له من أمرنا يسرا ( أى مما نأمر به قولا ذا يسر ليس بالصعب الشاق أو أطلق عليه المصدر مبالغة
الكهف : ( 89 ) ثم أتبع سببا
) ثم أتبع سببا ( أى طريقا آخر غير الطريق الأولى وهى التى رجع بها من المغرب وسار فيها إلى المشرق
الكهف : ( 90 ) حتى إذا بلغ . . . . .
) حتى إذا بلغ مطلع الشمس ( أى الموضع الذى تطلع عليه الشمس أولا من معمور الأرض أو مكان طلوعها لعدم المانع شرعا ولا عقلا من وصوله إليه كما أوضحناه فيما سبق ) وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا ( يسترهم لا من البيوت ولا من اللباس بل هم حفاة عراة لا يأوون إلى شيء من العمارة قيل لأنهم بأرض لا يمكن أن يستقر عليها البناء
الكهف : ( 91 ) كذلك وقد أحطنا . . . . .
) كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ( أى كذلك أمر ذي القرنين أتبع هذه الأسباب حتى بلغ وقد علمنا حين ملكناه ما عنده من الصلاحية لذلك الملك والاستقلال به وقيل المعنى لم نجعل لهم سترا مثل ذلك الستر الذى جعلنا لكم من الأبنية والثياب وقيل المعنى كذلك بلغ مطلع الشمس مثل ما بلغ من مغربها وقيل المعنى كذلك تطلع على قوم مثل ذلك القبيل الذى تغرب عليهم فقضى فى هؤلاء كما قضى فى أولئك من تعذيب الظالمين والإحسان إلى المؤمنين ويكون تأويل الإحاطة بما لديه فى هذه الوجوه على ما يناسب ذلك كما قلنا فى الوجه الأول
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال قالت اليهود للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يا محمد إنك إنما تذكر إبراهيم وموسى وعيسى والنبيين إنك سمعت ذكرهم منا فأخبرنا عن نبي لم يذكره الله فى التوراة إلا فى مكان واحد قال ومن هو قالوا ذو القرنين قال ما بلغني عنه شيء فخرجوا فرحين قد غلبوا فى أنفسهم فلم يبلغوا باب البيت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات ) ويسألونك عن ذي القرنين ( وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أدري أتبع كان نبيا أم لا وما أدري أذو القرنين كان نبيا أم لا وما أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا وأخرج ابن مردويه عن سالم بن أبي الجعد قال سئل علي عن ذي القرنين أنبي هو قال سمعت نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) يقول هو عبد ناصح الله فنصحه وأخرج ابن عبد الحكم فى فتوح مصر وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري فى المصاحف وابن أبي عاصم فى السنة وابن مردويه من طريق أبي الطفيل أن ابن الكول


"""""" صفحة رقم 310 """"""
سأل علي بن أبي طالب عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا قال لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله ونصح لله فنصحه الله بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه فمات ثم أحياه الله لجهادهم ثم بعثه الله إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر فمات فأحياه الله لجهادهم فلذلك سمى ذا القرنين وإن فيكم مثله وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمرو قال ذو القرنين نبي وأخرج ابن أبي حاتم عن الأخرص بن حكيم عن أبيه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن ذي القرنين فقال هو ملك مسح الأرض بالأسباب وأخرج ابن عبد الحكم فى فتوح مصر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عن خالد بن معدان الكلاعي مرفوعا مثله وأخرج ابن عبد الحكم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري فى كتاب الأضداد وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب أنه سمع رجلا ينادي بمنى ياذا القرنين فقال عمر ها أنتم قد سمعتم بأسماء الأنبياء فما بالكم وأسماء الملائكة وفى الباب غير ما ذكرناه مما يغني عنه ما قد أوردناه وقد أخرج ابن عبد الحكم فى فتوح مصر وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي فى الدلائل عن عقبة بن عامر الجهني حديثا يتضمن أن نفرا من اليهود سألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذي القرنين فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء وكان فيما أخبرهم به أنه كان شابا من الروم وأنه بنى الإسكندرية وأنه علا به ملك فى السماء وذهب به إلى السد وإسناده ضعيف وفى متنه نكارة وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل ذكر معنى هذا ابن كثير فى تفسيره وعزاه إلى ابن جرير والأموى فى مغازيه ثم قال بعد ذلك والعجب أن أبا زرعة الداري مع جلالة قدره ساقه بتمامه فى كتابه دلائل النبوة انتهى وقد ساقه بتمامه السيوطي فى الدر المنثور وساق أيضا خبرا طويلا عن وهب بن منبه وعزاه إلى ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والشيرازي فى الألقاب وأبي الشيخ وفيه أشياء منكرة جدا وكذلك ذكر خبرا طويلا عن محمد الباقر أخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ولعل هذه الأخبار ونحوها منقولة عن أهل الكتاب وقد أمرنا بأن لا نصدقهم ولا نكذبهم فيما ينقلونه إلينا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وآتيناه من كل شيء سببا ( قال علما وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار أنت تقول إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا قال له كعب إن كنت قلت ذلك فإن الله قال ) وآتيناه من كل شيء سببا ( وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاصر أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان قرأ الآية التى فى سورة الكهف ? تغرب فى عين حامية ? قال ابن عباس فقلت لمعاوية ما نقرؤها إلا ) حمئة ( فسأل معاوية عبد بن عمرو كيف تقرؤها فقال عبد الله كما قرأتها قال ابن عباس فقلت لمعاوية فى بيتي نزل القرآن فأرسل إلى كعب فقال له أين تجد الشمس تغرب فى التوراة فقال له كعب سل أهل العربية فإنهم أعلم بها وأما أنا فإني أجد فى التوراة فى ماء وطين وأشار بيده إلى المغرب قال ابن أبي حاصر لو أني عندكما أيدتك بكلام تزداد به بصيرة فى حمئة قال ابن عباس وما هو قلت فيما نأثر قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين فى كلفه بالعلم واتباعه إياه قد كان ذو القرنين عمر مسلما
ملكا تذل له الملوك وتحشد
فأتى المشارق والمغارب يبتغى
أسباب ملك من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها
فى عين ذي خلب وثاط خرمد


"""""" صفحة رقم 311 """"""
فقال ابن عباس ما الخلب قلت الطين بكلامهم قال فما الثاط قلت الحمأة قال فما الخرمد قلت الأسود فدعا ابن عباس غلاما فقال اكتب ما يقول هذا الرجل وأخرج الترمذي وأبو داود الطيالسي وابن جرير وابن المنذر عن أبي بن كعب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ فى عين حمئة وأخرج الطبراني والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا مثله
سورة الكهف الآية ( 92 98 )
الكهف : ( 92 ) ثم أتبع سببا
ثم حكى سبحانه سفر ذي القرنين إلى ناحية أخرى وهى ناحية القطر الشمالي بعد تهيئة أسبابه فقال ) ثم أتبع سببا ( أى طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب
الكهف : ( 93 ) حتى إذا بلغ . . . . .
) حتى إذا بلغ بين السدين ( قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص وابن محيصن ويحيى اليزيدي وأبو زيد عن المفضل بفتح السين وقرأ الباقون بضمها قال أبو عبيدة وابن الأنباري وأبو عمرو بن العلاء السد إن كان بخلق الله سبحانه فهو بضم السين حتى يكون بمعنى مفعول أى هو مما فعله الله وخلقه وإن كان من عمل العباد فهو بالفتح حتى يكون حدثا وقال ابن الأعرابي كل ما قابلك فسد ما وراءه فهو سد وسد نحو الضعف والضعف والفقر والفقر والسدان هما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان وانتصاب بين على أنه مفعول به كما ارتفع بالفاعلية فى قوله ) لقد تقطع بينكم ( وقيل موضع بين السدين هو منقطع أرض الترك مما يلي المشرق لا جبلا أرمينية وأذربيجان وحكى ابن جرير فى تاريخه أن صاحب أذربيجان أيام فتحها وجه إنسانا من ناحية الجزر فشاهده ووصف أنه بنيان رفيع وراء خندق وثيق منيع و ) وجد من دونهما ( أى من ورائهما مجازا عنهما وقيل أمامهما ) قوما لا يكادون يفقهون قولا ( قرأ حمزة والكسائي ) يفقهون ( بضم الياء وكسر القاف من أفقه إذا أبان أى لا يبينون لغيرهم كلاما وقرأ الباقون بفتح الياء والقاف أى لا يفهمون كلام غيرهم والقراءتان صحيحتان ومعناهما لا يفهمون عن غيرهم ولا يفهمون غيرهم لأنهم لا يعرفون غير لغة أنفسهم ) قالوا ( أى هؤلاء القوم الذين لا يفهمون قولا قيل إن فهم ذي القرنين لكلامهم من جملة الأسباب التى أعطاه الله وقيل إنهم قالوا ذلك لترجمانهم
الكهف : ( 94 ) قالوا يا ذا . . . . .
فقال لذي القرنين بما قالوا له ) يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ( يأجوج ومأجوج اسمان عجميان بدليل منع صرفهما وبه قال الأكثر وقيل مشتقان من أج الظلم فى مشيه إذا هرول وتأججت النار إذا تلهبت قرأهما الجمهور بغير همز وقرأ عاصم


"""""" صفحة رقم 312 """"""
بالهمز قال ابن الأنباري وجه همزهما وإن لم يعرف له أصل أن العرب قد همزت حروفا لا يعرف للهمز فيها أصل كقولهم كبأث ورثأت واستشأث الريح قال أبو علي يجوز أن يكونا عربيين فمن همز فهو على وزن يفعول مثل يربوع ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل راس وأما مأجوج فهو مفعول من أج والكلمتان من أصل واحد فى الاشتقاق قال وترك الصرف فيهما على تقدير كونهما عربيين للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة
واختلف فى نسبهم فقيل هم من ولد يافث بن نوح وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل والديلم وقال كعب الأحبار احتلم آدم فاختلط ماؤه بالتراب فخلقوا من ذلك الماء قال القرطبي وهذا فيه نظر لأن الأنبياء لا يحتلمون وإنما هم من ولد يافث كذلك قال مقاتل وغيره
وقد وقع الخلاف فى صفتهم فمن الناس من يصفهم بصغر الجثث وقصر القامة ومنهم من يصفهم بكبر الجثث وطول القامة ومنهم من يقول لهم مخالب كمخالب السباع وإن منهم صنفا يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى ولأهل العلم من السلف ومن بعدهم أخبار مختلفة فى صفاتهم وأفعالهم
واختلف فى إفسادهم فى الأرض فقيل هو أكل بني آدم وقيل هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد وقيل كانوا يخرجون إلى أرض هؤلاء القوم الذين شكوهم إلى ذي القرنين فى أيام الربيع فلا يدعون فيها شيئا أخضر إلا أكلوه ) فهل نجعل لك خرجا ( هذ الاستفهام من باب حسن الأدب مع ذي القرنين وقرئ خراجا قال الأزهري الخراج يقع على الضريبة ويقع على مال الفيء ويقع على الجزية وعلى الغلة والخراج أيضا اسم لما يخرج من الفرائض فى الأموال والخرج المصدر وقال قطرب الخرج الجزية والخراج فى الأرض وقيل الخرج ما يخرجه كل أحد من ماله والخراج ما يجبيه السلطان وقيل هما بمعنى واحد ) على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ( أى ردما حاجزا بيننا وبينهم وقرئ سدا بفتح السين قال الخليل وسيبويه الضم هو الاسم والفتح المصدر وقال الكسائي الفتح والضم لغتان بمعنى واحد وقد سبق قريبا ما حكيناه عن أبي عمرو بن العلاء وأبي عبيدة وابن الأنباري من الفرق بينهما وقال ابن أبي إسحاق ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح وقد قدمنا بيان من قرأ بالفتح وبالضم فى السدين
الكهف : ( 95 ) قال ما مكني . . . . .
) قال ما مكني فيه ربي ( أى قال لهم ذو القرنين ما بسطه الله لي من القدرة والملك ) خير ( من خرجكم ثم طلب منهم المعاونة له فقال ) فأعينوني بقوة ( أى برجال منكم يعملون بأيديهم أو أعينوني بآلات البناء أو بمجموعهما قال الزجاج بعمل تعملونه معى قرأ ابن كثير وحده ما مكننى بنونين وقرأ الباقون بنون واحدة ) أجعل بينكم وبينهم ردما ( هذا جواب الأمر والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل قال الهروي يقال ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أى سددتها والردم أيضا الاسم وهو السد وقيل الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوهما حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول عنترة هل غادر الشعراء من متردم
أى من قول يركب بعضه على بعض
الكهف : ( 96 ) آتوني زبر الحديد . . . . .
) آتوني زبر الحديد ( أى أعطوني وناولوني وزبر الحديد جمع زبرة وهى القطعة قال الخليل الزبرة من الحديد القطعة الضخمة قال الفراء معنى ) آتوني زبر الحديد ( ائتوني بها فلما ألقيت الياء زيدت ألفا وعلى هذا فانتصاب زبر بنزع الخافض ) حتى إذا ساوى بين الصدفين ( والصدفان


"""""" صفحة رقم 313 """"""
جانبا الجبل قال الأزهري يقال لجانبي الجبل صدفان إذا تحاذيا لتصادفهما أى تلاقيهما وكذا قال أبو عبيدة والهروي قال الشاعر
كلا الصدفين ينفده سناها
توقد مثل مصباح الظلام
وقد يقال لكل بناء عظيم مرتفع صدف قاله أبو عبيدة قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص الصدفين بفتح الصاد والدال وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب واليزيدي وابن محيصن بضم الصاد والدال وقرأ عاصم فى رواية أبي بكر بضم الصاد وسكون الدال وقرأ ابن الماجشون بفتح الصاد وضم الدال واختار القراءة الأولى أبو عبيد لأنها أشهر اللغات ومعنى الآية أنهم أعطوه زبر الحديد فجعل يبني بها بين الجبلين حتى ساواهما ) قال انفخوا ( أى قال للعملة انفخوا على هذه الزبر بالكيران ) حتى إذا جعله نارا ( أى جعل ذلك المنفوخ فيه وهو الزبر نارا أى كالنار فى حرها وإسناد الجعل إلى ذي القرنين مجاز لكونه الآمر بالنفخ قيل كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة ثم يوقد عليها الحطب والفحم بالمنافخ حتى تحمى والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار ثم يؤتى بالنحاس المذاب فيفرغه على تلك الطاقة وهو معنى قوله ) قال آتوني أفرغ عليه قطرا ( قال أهل اللغة القطر النحاس الذائب والإفراغ الصب وكذا قال أكثر المفسرين وقالت طائفة القطر الحديد المذاب وقالت فرقة أخرى منهم ابن الأنباري هو الرصاص المذاب
الكهف : ( 97 ) فما اسطاعوا أن . . . . .
) فما اسطاعوا ( أصله استطاعوا فلما اجتمع المتقاربان وهما التاء والطاء خففوا بالحذف قال ابن السكيت يقال ما أستطيع وما أسطيع وما أستيع وبالتخفيف قرأ الجمهور وقرأ حمزة وحده ) فما اسطاعوا ( بتشديد الطاء كأنه أراد استطاعوا فأدغم التاء فى الطاء وهى قراءة ضعيفة الوجه قال أبو على الفارسي هى غير جائزة وقرأ الأعمش ) فما استطاعوا ( على الأصل ومعنى ) أن يظهروه ( أن يعلوه أى فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا على ذلك الردم لارتفاعه وملاسته ) وما استطاعوا له نقبا ( يقال نقبت الحائط إذا خرقت فيه خرقا فخلص إلى ما وراءه قال الزجاج ما قدروا أن يعلوا عليه لارتفاعه وانملاسه وما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لشدته وصلابته
الكهف : ( 98 ) قال هذا رحمة . . . . .
) قال هذا رحمة من ربي ( أى قال ذو القرنين مشيرا إلى السد هذا السد رحمة من ربي أى أثر من آثار رحمته لهؤلاء المتجاوزين للسد ولمن خلفهم ممن يخشى عليه معرتهم لو لم يكن ذلك السد وقيل الإشارة إلى التمكين من بنائه ) فإذا جاء وعد ربي ( أى أجل ربي أن يخرجوا منه وقيل هو مصدر بمعنى المفعول وهو يوم القيامة ) جعله دكاء ( أى مستويا بالأرض ومنه قوله ) كلا إذا دكت الأرض دكا ( قال الترمذي أى مستويا يقال ناقة دكاء إذا ذهب سنامها وقال القتيبي أى جعله مدكوكا ملصقا بالأرض وقال الحليمي قطعا متكسرا قال الشاعر هل غير غار دك غارا فانهدم
قال الأزهري دككته أى دققته ومن قرأ دكاء بالمد وهو عاصم وحمزة والكسائي أراد التشبيه بالناقة الدكاء وهى التى لا سنام لها أى مثل دكاء لأن السد مذكر فلا يوصف بدكاء وقرأ الباقون دكا بالتنوين على أنه مصدر ومعناه ما تقدم ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الحال أى مدكوكا ) وكان وعد ربي حقا ( أى وعده بالثواب والعقاب أو الوعد المعهود حقا ثابتا لا يتخلف وهذا آخر قول ذى القرنين
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) حتى إذا بلغ بين السدين ( قال الجبلين أرمينية وأذربيجان وأخرج أيضا عن ابن جريج ) لا يكادون يفقهون قولا ( قال الترك وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال يأجوج ومأجوج شبر وشبران وأطولهم ثلاثة أشبار وهم من ولد آدم


"""""" صفحة رقم 314 """"""
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي فى البعث وابن عساكر عن ابن عمرو أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وإن من ورائهم ثلاث أمم تاويل وتاريس ومنسك وأخرج النسائي من حديث عمرو بن أوس عن أبيه مرفوعا أنه لا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى البعث عن أبي هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن يأجوج ومأجوج مفسدون فى الأرض يحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذى عليهم ارجعوا فستفتحونه غدا فيعودون إليه أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذى عليهم ارجعوا فستفتحونه غدا إن شاء الله ويستثنى فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فيستقون المياه ويتحصن الناس منهم فى حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون قهرنا من فى الأرض وعلونا من فى السماء قسرا وعلوا فيبعث الله عليهم نغفا فى أقفائهم فيهلكون قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فوالذى نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم وقد ثبت فى الصحيحين من حديث زينب بنت جحش قالت استيقظ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث وأخرجا نحوه من حديث أبي هريرة مرفوعا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فهل نجعل لك خرجا ( قال أجرا عظيما وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى قوله ) ردما ( قال هو كأشد الحجاب وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) زبر الحديد ( قال قطع الحديد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ) بين الصدفين ( قال الجبلين وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال رؤوس الجبلين وأخرج هؤلاء عن ابن عباس فى قوله ) قطرا ( قال النحاس وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة ) فما اسطاعوا أن يظهروه ( قال أن يرتقوه وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال أن يعلوه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) جعله دكاء ( قال لا أدري الجبلين يعني به أم بينهما
سورة الكهف الآية ( 99 104 )


"""""" صفحة رقم 315 """"""
سورة الكهف الآية ( 105 108 )
الكهف : ( 99 ) وتركنا بعضهم يومئذ . . . . .
قوله ) وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ( هذا من كلام الله سبحانه بعد انقضاء كلام ذي القرنين والضمير فى بعضهم ليأجوج ومأجوج أى تركنا بعض يأجوج ومأجوج يوم مجيء الوعد أو يوم خروج يأجوج ومأجوج يموج فى بعض آخر منهم يقال ماج الناس إذا دخل بعضهم فى بعض حيارى كموج الماء والمعنى أنهم يضطربون ويختلطون وقيل الضمير فى بعضهم للخلق واليوم يوم القيامة أى وجعلنا بعض الخلق من الجن والإنس يموج فى بعض وقيل المعنى وتركنا يأجوج ومأجوج يوم كمال السد وتمام عمارته بعضهم يموج فى بعض وقد تقدم تفسير ) ونفخ في الصور ( فى الأنعام قيل هى النفخة الثانية بدليل قوله بعد ) فجمعناهم جمعا ( فإن الفاء تشعر بذلك ولم يذكر النفخة الأولى لأن المقصود هنا ذكر أحوال القيامة
والمعنى جمعنا الخلائق بعد تلاشي أبدانهم ومصيرها ترابا جمعا تاما على أكمل صفة وأبدع هيئة وأعجب أسلوب
الكهف : ( 100 ) وعرضنا جهنم يومئذ . . . . .
) وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ( المراد بالعرض هنا الإظهار أى أظهرنا لهم جهنم حتى شاهدوها يوم جمعنا لهم وفى ذلك وعيد للكفار عظيم لما يحصل معهم عند مشاهدتها من الفزع والروعة
الكهف : ( 101 ) الذين كانت أعينهم . . . . .
ثم وصف الكافرين المذكورين بقوله ) الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ( أى كانت أعينهم فى الدنيا فى غطاء وهو ما غطى الشيء وستره من جميع الجوانب عن ذكرى عن سبب ذكرى وهو الآيات التى يشاهدها من له تفكر واعتبار فيذكر الله بالتوحيد والتمجيد فأطلق المسبب على السبب أو عن القرآن العظيم وتأمل معانيه وتدبر فوائده ثم لما وصفهم سبحانه بالعمى عن الدلائل التكوينية أو التنزيلية أو مجموعهما أراد أن يصفهم بالصمم عن استماع الحق فقال ) وكانوا لا يستطيعون سمعا ( أى لا يقدرون على الاستماع لما فيه الحق من كلام الله وكلام رسوله وهذا أبلغ مما لو قال وكانوا صما لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به وهؤلاء لا استطاعة لهم بالكلية وفى ذكر غطاء الأعين وعدم استطاعة السماع تمثيل لتعاميهم عن المشاهدة بالأبصار وإعراضهم عن الأدلة السمعية
الكهف : ( 102 ) أفحسب الذين كفروا . . . . .
) أفحسب الذين كفروا ( الحسبان هنا بمعنى الظن والاستفهام للتقريع والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر كنظائره والمعنى أفظنوا أنهم ينتفعون بما عبدوه مع إعراضهم عن تدبر آيات الله وتمردهم عن قبول الحق ومعنى ) أن يتخذوا عبادي من دوني ( أى يتخذوهم من دون الله وهم الملائكة والمسيح والشياطين ) أولياء ( أى معبودين قال الزجاج المعنى أيحسبون أن ينفعهم ذلك وقرئ ) أفحسب ( بسكون السين ومعناه أكافيهم ومحسبهم أن يتخذوهم أولياء على أنه مبتدأ وخبر يريد أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله كما حسبوا ) إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ( أى هيأناها لهم نزلا يتمتعون به عند ورودهم قال الزجاج النزل المأوى والمنزل وقيل إنه الذى يعد للضيف فيكون تهكما بهم كقوله ) فبشرهم بعذاب أليم ( والمعنى أن جهنم معدة لهم عندنا كما يعد النزل للضيف
الكهف : ( 103 ) قل هل ننبئكم . . . . .
) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( انتصاب أعمالا على التمييز والجمع للدلالة على إرادة الأنواع منها ومحل الموصول
الكهف : ( 104 ) الذين ضل سعيهم . . . . .
ملاحظة ( السطر غير موجود في الكتاب )


"""""" صفحة رقم 316 """"""
سعيهم والمراد بضلال السعي بطلانه وضياعه ويجوز أن يكون فى محل نصب على الذم ويكون الجواب ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ( ويجوز أن يكون فى محل جر على أنه نعت للأخسرين أو بدل منه ويكون الجواب أيضا هو أولئك وما بعده وأول هذه الوجوه هو أولاها وجملة ) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( فى محل نصب على الحال من فاعل ضل أى والحال أنهم يظنون أنهم محسنون فى ذلك منتفعون بآثاره
الكهف : ( 105 ) أولئك الذين كفروا . . . . .
وتكون جملة ) أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ( مستأنفة مسوقة لتكميل الخسران وبيان سببه هذا على الوجه الأول الراجح لا على الوجوه الآخرة فإنها هى الجواب كما قدمنا ومعنى كفرهم بآيات ربهم كفرهم بدلائل توحيده من الآيات التكوينية والتنزيلية ومعنى كفرهم بلقائه كفرهم بالبعث وما بعده من أمور الآخرة ثم رتب على ذلك قوله ) فحبطت أعمالهم ( أى التى عملوها مما يظنونه حسنا وهو خسران وضلال ثم حكم عليهم بقوله ) فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( أى لا يكون لهم عندنا قدر ولا نعبأ بهم وقيل لا يقام لهم ميزان توزن به أعمالهم لأن ذلك إنما يكون لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين وهؤلاء لا حسنات لهم قال ابن الأعرابي العرب تقول ما لفلان عندنا وزن أى قدر لخسته ويوصف الرجل بأنه لا وزن له لخفته وسرعة طيشه وقلة تثبته والمعنى على هذا أنهم لا يعتد بهم ولا يكون لهم عند الله قدر ولا منزلة وقرأ مجاهد يقيم بالياء التحتية أى فلا يقيم الله وقرأ الباقون بالنون
الكهف : ( 106 ) ذلك جزاؤهم جهنم . . . . .
ثم بين سبحانه عاقبة هؤلاء وما يئول إليه أمرهم فقال ) ذلك ( أى الذى ذكرناه من أنواع الوعيد جزاؤهم ويكون قوله جهنم عطف بيان للجزاء أو جملة جزاؤهم جهنم مبتدأ وخبر والجملة خبر ذلك والسبب فى ذلك أنهم ضموا إلى الكفر اتخاذ آيات الله واتخاذ رسله هزوا فالباء فى ) بما كفروا ( للسببية ومعنى كونهم هزوا أنهم مهزوء بهم وقد اختلف السلف فى تعيين هؤلاء الأخسرين أعمالا فقيل اليهود والنصارى وقيل كفار مكة وقيل الخوارج وقيل الرهبان أصحاب الصوامع والأولى حمل الآية على العموم لكل من اتصف بتلك الصفات المذكورة
الكهف : ( 107 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ثم ذكر سبحانه بعد هذا الوعيد لهؤلاء الكفار الوعد للمؤمنين فقال ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( أى جمعوا بينهما حتى كانوا على ضد صفة من قبلهم ) كانت لهم ( قال ابن الأنباري كانت فيما سبق من علم الله كانت لأهل طاعته ) جنات الفردوس نزلا ( قال المبرد الفردوس فيما سمعت من كلام العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب واختار الزجاج ما قاله مجاهد إن الفردوس البستان باللغة الرومية وقد تقدم بيان النزل وانتصابه على أنه خبر كان والمعنى كانت لهم ثمار جنة الفردوس نزلا معدا لهم مبالغة فى إكرامهم
الكهف : ( 108 ) خالدين فيها لا . . . . .
وانتصاب ) خالدين فيها ( على الحال وكذلك جملة ) لا يبغون عنها حولا ( فى محل نصب على الحال والحول مصدر أى لا يطلبون تحولا عنها إذ هى أعز من أن يطلبوا غيرها أو تشتاق أنفسهم إلى سواها قال ابن الأعرابي وابن قتيبة والأزهري الحول اسم بمعنى التحول يقوم مقام المصدر وقال أبو عبيدة والفراء إن الحول التحويل
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس فى قوله ) وتركنا بعضهم ( الآية قال الجن والإنس ) يموج ( بعضهم ) في بعض ( وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) لا يستطيعون سمعا ( قال يعقلون سمعا وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر عن علي أنه قرأ ? أفسحب الذين كفروا ? قال أبو عبيد بجزم السين وضم الباء وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة أنه قرأ كذلك وأخرج عبد الرزاق والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وابن مردويه من طريق مصعب بن سعد قال سألت أبى ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (


"""""" صفحة رقم 317 """"""
أهم الحرورية قال لا هم اليهود والنصارى أما اليهود فكذبوا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب والحرورية ) الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ( وكان سعد يسميهم الفاسقين وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن مصعب قال قلت لأبى ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( الحرورية هم قال لا ولكنهم أصحاب الصوامع والحرورية قوم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى حميصة عبد الله بن قيس قال سمعت علي بن أبى طالب يقول فى هذه الآية ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( إنهم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم فى السواري وأخرج ابن مردويه عن أبى الطفيل قال سمعت علي ابن أبى طالب وسأله ابن الكوا فقال ) هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( قال فجرة قريش وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه من طريقين عن علي أنه سئل عن هذه الآية ) قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ( قال لا أظن إلا أن الخوارج منهم وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال اقرءوا إن شئتم ) فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه عن أبى أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش وفى الصحيحين وغيرهما من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وأحمد والترمذي وابن جرير والحاكم والبيهقى وابن مردويه عن عبادة بن الصامت أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن فى الجنة مائة درجة كل درجة منها ما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة ومن فوقها يكون العرش ومنه تفجر أنهار الجنة الأربعة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس والأحاديث بهذا المعنى كثيرة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد قال الفردوس بستان بالرومية وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال هو الكرم بالنبطية وأخرج ابن أبى شيبة وهناد وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس سأل كعبا عن الفردوس قال هى جنات الأعناب بالسريانية وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) لا يبغون عنها حولا ( قال متحولا
سورة الكهف الآية ( 109 110 )
الكهف : ( 109 ) قل لو كان . . . . .
لما ذكر سبحانه أنواع الدلائل نبه على كمال القرآن فقال ) قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ( قال ابن الأنباري سمى المداد مدادا لإمداده الكاتب وأصله من الزيادة ومجيء الشئ بعد الشئ ويقال للزيت الذى يوقد به السراج مداد والمراد بالبحر هنا الجنس والمعنى لو كتبت كلمات علم الله وحكمته وفرض أن جنس البحر مدادا لها لنفد البحر قبل نفود الكلمات ولو جئنا بمثل البحر مدادا لنفد أيضا وقيل فى بيان المعنى لو كان البحر مدادا للقلم والقلم يكتب ) لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ( وقوله ) ولو جئنا بمثله مددا ( كلام من


"""""" صفحة رقم 318 """"""
جهته سبحانه غير داخل تحت قوله ) قل لو كان ( وفيه زيادة مبالغة وتأكيد والواو لعطف ما بعده على جملة مقدرة مدلول عليها بما قبلها أى لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته لو لم يجئ بمثله مدادا ولو جئنا بمثله مدادا والمدد الزيادة وقيل عنى سبحانه بالكلمات الكلام القديم الذى لا غاية له ولا منتهى وهو وإن كان واحدا فيجوز أن يعبر عنه بلفظ الجمع لما فيه من الفوائد وقد عبرت العرب عن الفرد بلفظ الجمع قال الأعشى ووجه نقي اللون صاف يزينه
مع الجيد لبات لها ومعاصم
فعبر باللبات عن اللبة قال الجبائي إن قوله ) قبل أن تنفد كلمات ربي ( يدل على أن كلماته قد تنفد فى الجملة وما ثبت عدمه امتنع قدمه وأجيب بأن المراد الألفاظ الدالة على متعلقات تلك الصفة الأزلية وقيل فى الجواب إن نفاد شئ قبل نفاد شئ آخر لا يدل على نفاد الشئ الآخر ولا على عدم نفاده فلا يستفاد من الآية إلا كثرة كلمات الله بحيث لا تضبطها عقول البشر أما أنها متناهية أو غير متناهية فلا دليل على ذلك فى الآية والحق أن كلمات الله تابعة لمعلوماته وهى غير متناهية فالكلمات غير متناهية وقرأ مجاهد وابن محيصن وحميد ) ولو جئنا بمثله مددا ( وهو كذلك فى مصحف أبى وقرأ الباقون مددا وقرأ حمزة والكسائي قبل أن ينفد بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية
الكهف : ( 110 ) قل إنما أنا . . . . .
ثم أمر سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يسلك مسلك التواضع فقال ) قل إنما أنا بشر مثلكم ( أى إن حالي مقصور على البشرية لا يتخطاها إلى الملكية ومن كان هكذا فهو لا يدعى الإحاطة بكلمات الله إلا أنه امتاز عنهم بالوحى إليه من الله سبحانه قال ) يوحى إلي ( وكفى بهذا الوصف فارقا بينه وبين سائر أنواع البشر ثم بين أن الذى أوحى إليه هو قوله ) أنما إلهكم إله واحد ( لا شريك له فى ألوهيته وفى هذا إرشاد إلى التوحيد ثم أمرهم بالعمل الصالح والتوحيد فقال ) فمن كان يرجو لقاء ربه ( الرجاء توقع وصول الخير فى المستقبل والمعنى من كان له هذا الرجاء الذى هو شأن المؤمنين ) فليعمل عملا صالحا ( وهو ما دل الشرع على أنه عمل خير يثاب عليه فاعله ) ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ( من خلقه سواء كان صالحا أو طالحا حيوانا أو جمادا قال الماوردي قال جميع أهل التأويل فى تفسير هذه الآية إن المعنى لا يرائي بعمله أحدا وأقول إن دخول الشرك الجلى الذى كان يفعله المشركون تحت هذه الآية هو المقدم على دخول الشرك الخفى الذى هو الرياء ولا مانع من دخول هذا الخفى تحتها إنما المانع من كونه هو المراد بهذه الآية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) لكلمات ربي ( يقول علم ربى وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى الآية قال يقول ينفد ماء البحر قبل أن ينفد كلام الله وحكمته وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن ابن عباس فى قوله ) فمن كان يرجو لقاء ربه ( الآية قال أنزلت فى المشركين الذين عبدوا مع الله إلها غيره وليست هذه فى المؤمنين وأخرج الحاكم وصححه والبيهقى عن ابن عباس قال قال رجل يا نبى الله إنى أقف المواقف أبتغى وجه الله وأحب ان يرى موطنى فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الآية ) ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ( وأخرج ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة وابن عساكر من طريق السدى الصغير عن الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال كان جندب بن زهير إذا صلى أو صام أو تصدق فذكر بخير ارتاح له فزاد فى ذلك لقالة الناس فلا يريد به الله فنزل فى ذلك ) فمن كان يرجو لقاء ربه ( الآية وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال قال رجل يا رسول الله أعتق وأحب أن يرى وأتصدق وأحب أن يرى فنزلت ) فمن كان يرجو لقاء ربه ( الآية وهو مرسل وأخرجه هناد فى الزهد عنه أيضا وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقى فى الشعب عن أبى سعيد بن أبى فضالة الأنصارى وكان من الصحابة


"""""" صفحة رقم 319 """"""
سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه نادى مناد من كان أشرك فى عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك وأخرج الحاكم وصححه والبيهقى عن أبى هريرة أن رجلا قال يا رسول الله الرجل يجاهد فى سبيل الله وهو يبتغى عرضا من الدنيا فقال لا أجر له فأعظم الناس ذلك فعاد الرجل فقال لا أجر له وأخرج ابن أبى الدنيا فى الإخلاص وابن جرير فى تهذيبه والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن شداد بن أوس قال كنا نعد الرياء على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الشرك الأصغر وأخرج الطيالسي وأحمد وابن أبى الدنيا والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن شداد بن أوس أيضا قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول من صلى يرائى فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك ثم قرأ ) فمن كان يرجو لقاء ربه ( الآية وأخرج الطيالسي وأحمد وابن مردويه وأبو نعيم عن شداد أيضا قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الله يقول أنا خير قسيم لمن أشرك بى من أشرك بى شيئا فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذى أشركه أنا عنه غنى وأخرج أحمد والحكيم الترمذى وابن جرير فى تهذيبه والحاكم وصححه والبيهقى عن أبى سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندى من المسيخ الشرك الخفى أن يقوم الرجل يصلى لمكان رجل وأخرج أحمد وابن أبى حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقى عن شداد بن أوس سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول أتخوف على أمتى الشرك والشهوة الخفية قلت أتشرك أمتك من بعدك قال نعم أما إنهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا ولكن يراءون الناس بأعمالهم قلت يا رسول الله ما الشهوة الخفية قال ليصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه ويواقع شهوته وأخرج أحمد ومسلم وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى عن أبى هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عن ربه أنه قال أنا خير الشركاء فمن عمل عملا أشرك فيه غيرى فأنا برئ منه وهو للذى أشرك وفى لفظ فمن أشرك بى أحدا فهو له كله وفى الباب أحاديث كثيرة فى التحذير من الرياء وأنه الشرك الأصغر وأن الله لا يقبله وقد استوفاها صاحب الدر المنثور فى هذا الموضع فليرجع إليه ولكنها لا تدل على أنه المراد بالآية بل الشرك الجلى يدخل تحتها دخولا أوليا وعلى فرض أن سبب النزول هو الرياء كما يشير إلى ذلك ما قدمنا فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر فى علم الأصول
وقد ورد فى فضائل هذه الآية بخصوصها ما أخرجه الطبراني وابن مردويه عن أبى حكيم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو لم ينزل على أمتى إلا خاتمة سورة الكهف لكفتهم وأخرج ابن راهويه والبزار والحاكم وصححه والشيرازي فى الألقاب وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ فى ليلة ) فمن كان يرجو لقاء ربه ( الآية كان له نور من عدن أبين إلى مكة حشوه الملائكة قال ابن كثير بعد إخراجه غريب جدا وأخرج ابن الضريس عن أبى الدرداء قال من حفظ خاتمة الكهف كان له نور يوم القيامة من لدن قرنه إلى قدمه وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن معاوية بن أبى سفيان أنه تلا هذه الآية ) فمن كان يرجو لقاء ربه ( وقال إنها آخر آية نزلت من القرآن قال ابن كثير وهذا أثر مشكل فإن هذه الآية هى آخر سورة الكهف والكهف كلها مكية ولعل معاوية أراد أنه لم ينزل بعدها ما ينسخها ولا يغير حكمها بل هى مثبتة محكمة فاشتبه ذلك على بعض الرواة فروى المعنى على ما فهمه


"""""" صفحة رقم 320 """"""
ع19
تفسير
سورة مريم
هى مكية وآياتها ثمان وتسعون آية
حول السورة
أخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال أنزلت بمكة سورة ) كهيعص ( وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال نزلت سورة مريم بمكة وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله وأخرج أحمد وابن أبى حاتم والبيهقى فى الدلائل عن أم سلمة أن النجاشي قال لجعفر بن أبى طالب هل معك مما جاء به يعنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الله شئ قال نعم فقرأ عليه صدرا من ) كهيعص ( فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ثم قال النجاشي إن هذا والذى جاء به موسى ليخرج عن مشكاة واحدة وقد ذكر ابن إسحاق القصة بطولها
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة مريم الآية ( 1 11 )
مريم : ( 1 ) كهيعص
قوله ) كهيعص ( قرأ أبو جعفر هذه الحروف مقطعة ووصلها الباقون وأمال أبو عمرو الهاء وفتح الياء وعكس ذلك ابن عامر وحمزة وأمالهما جميعا الكسائي وأبو بكر وخلف وقرأهما بين اللفظين أهل المدينة وفتحهما الباقون وعن خارجة أن الحسن كان يضم كاف وحكى عن غيره أنه كان يضم ها وقال أبو حاتم لا يجوز ضم الكاف ولا الهاء ولا الياء قال النحاس قراءة أهل المدينه من أحسن ما فى هذا والإمالة جائزة فى ها وفى يا وقد اعترض على قراءة الحسن جماعة وقيل فى تأوليها أنه كان يشم الرفع فقط وأظهر الدال من هجاء صاد نافع وأبو جعفر وابن كثير وعاصم ويعقوب وهو اختيار أبى عبيد وأدغمها الباقون وقد قيل فى توجيه هذه القراءات


"""""" صفحة رقم 321 """"""
أن التفخيم هو الأصل والإمالة فرع عنه فمن قرأ بتفخيم الهاء والياء فقد عمل بالأصل ومن أمالهما فقد عمل بالفرع ومن أمال أحدهما وفخم الآخر فقد عمل بالأمرين وقد تقدم الكلام فى هذه الحروف الواقعة فى فواتح السورة مستوفى فى أوائل البقرة ومحل هذه الفاتحة إن جعلت اسما للسورة على ما عليه الأكثر الرفع على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها قاله الفراء واعترضه الزجاج فقال هذا محال لأن كهيعص ليس هو مما أنبأنا الله عز وجل به عن زكرياء وقد أخبر الله تبارك وتعالى عنه وعما بشر به وليس كهيعص من قصته أو على أنها خبر مبتدأ محذوف وإن جعلت مسرودة على نمط التعديد
مريم : ( 2 ) ذكر رحمة ربك . . . . .
فقوله ) ذكر رحمة ربك ( خبر لمبتدأ محذوف أى هذا ذكر رحمة ربك وقيل هو مبتدأ خبره محذوف أى فيما يتلى عليك ذكر رحمة ربك قال الزجاج ذكر مرتفع بالمضمر والمعنى هذا الذى نتلوه عليك ذكر رحمة ربك ) عبده زكريا ( يعنى إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد وانتصاب عبده على أنه مفعول للرحمة قاله الأخفش وقيل للذكر ومعنى ذكر الرحمة بلوغها وإصابتها كما يقال ذكرني معروف فلان أى بلغني وقرأ يحيى بن يعمر ) ذكر ( بالنصب وقرأ أبو العالية عبده بالرفع على أن المصدر مضاف إلى المفعول وفاعل الذكر هو عبده وزكرياء على القراءتين عطف بيان له أو بدل منه وقرأ الكلبي ) ذكر ( على صيغة الفعل الماضي مشددا ومخففا على أن الفاعل عبده وقرأ ابن معمر على الأمر وتكون الرحمة على هذا عبارة عن زكرياء لأن كل نبي رحمة لأمته
مريم : ( 3 ) إذ نادى ربه . . . . .
) إذ نادى ربه نداء خفيا ( العامل فى الظرف رحمة وقيل ذكر وقيل هو بدل اشتمال من زكرياء واختلف فى وجه كون ندائه هذا خفيا فقيل لأنه أبعد عن الرياء وقيل أخفاه لئلا يلام على طلبه للولد فى غير وقته ولكونه من أمور الدنيا وقيل أخفاه مخافة من قومه وقيل كان ذلك منه لكونه قد صار ضعيفا هرما لا يقدر على الجهر
مريم : ( 4 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني وهن العظم مني ( هذه الجملة مفسرة لقوله نادى ربه يقال وهن يهن وهنا إذا ضعف فهو واهن وقرئ بالحركات الثلاث أراد أن عظامه فترت وضعفت قوته وذكر العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنانه فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ولأن أشد ما فى الإنسان صلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ووحد العظم قصدا إلى الجنس المفيد لشمول الوهن لكل فرد من أفراد العظام ) واشتعل الرأس شيبا ( قرأ أبو عمرو بإدغام السين فى الشين والباقون بعدمه والاشتعال فى الأصل انتشار شعاع النار فشبه به انتشار بياض شعر الرأس فى سواده بجامع البياض والإنارة ثم أخرجه مخرج الإستعارة بالكناية بأن حذف المشبه به وأداة التشبيه وهذه الاستعارة من أبدع الاستعارات وأحسنها قال الزجاج يقال للشيب إذا كثر جدا قد اشتعل رأس فلان وأنشد للبيد فإن ترى رأسي أمسى واضحا
سلط الشيب عليه فاشتعل
وانتصاب شيبا على التمييز قاله الزجاج وقال الأخفش انتصابه على المصدر لأن معنى اشتعل شاب قال النحاس قول الأخفش أولى لأنه مشتق من فعل والمصدرية أظهر فيما كان كذلك وكان الأصل اشتعل شيب رأسي فأسند الإشتعال إلى الرأس لإفادة الشمول ) ولم أكن بدعائك رب شقيا ( أى لم أكن بدعائي إياك خائبا فى وقت من الأوقات بل كلما دعوتك استجبت لي
قال العلماء يستحب للمرء أن يجمع فى دعائه بين الخضوع وذكر نعم الله عليه كما فعل زكرياء هاهنا فإن فى قوله ) وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ( غاية الخضوع والتذلل وإظهار الضعف والقصور عن نيل مطالبه وبلوغ مآربه وفى قوله ) ولم أكن بدعائك رب شقيا ( ذكر رما عوده الله من الإنعام عليه بإجابة أدعيته يقال شقى بكذا أى تعب فيه ولم يحصل مقصوده منه
مريم : ( 5 ) وإني خفت الموالي . . . . .
) وإني خفت الموالي من ورائي ( قرأ عثمان بن عفان ومحمد


"""""" صفحة رقم 322 """"""
ابن علي بن الحسين وأبوه علي ويحيى بن يعمر ) خفت ( بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وفاعله ) الموالي ( أى قلوا وعجزوا عن القيام بأمر الدين بعدى أو انقطعوا بالموت مأخوذا من خفت القوم إذا ارتحلوا وهذه قراءة شاذة بعيدة عن الصواب وقرأ الباقون ) خفت ( بكسر الخاء وسكون الفاء على أن فاعله ضمير يعود إلى زكرياء ومفعوله الموالى ومن ورائي متعلق بمحذوف لا بخفت وتقديره خفت فعل الموالي من بعدى قرأ الجمهور ) ورائي ( بالهمز والمد وسكون الياء وقرأ ابن كثير بالهمز والمد وفتح الياء وروى عنه أنه قرأ بالقصر مفتوح الياء مثل عصاى والموالى هنا هم الأقارب الذين يرثون وسائر العصبات من بني العم ونحوهم والعرب تسمى هؤلاء موالى قال الشاعر مهلا بنى عمنا مهلا موالينا
لا تنشروا بيننا ما كان مدفونا
قيل الموالى الناصرون له واختلفوا فى وجه المخافة من زكرياء لمواليه من بعده فقيل خاف أن يرثوا ماله وأراد أن يرثه ولده فطلب من الله سبحانه أن يرزقه ولدا وقال آخرون إنهم كانوا مهملين لأمر الدين فخاف أن يضيع الدين بموته فطلب وليا يقوم به بعد موته وهذا القول أرجح من الأول لأن الأنبياء لا يورثون وهم أجل من أن يعتنوا بأمور الدنيا فليس المراد هنا وراثة المال بل المراد وراثة العلم والنبوة والقيام بأمر الدين وقد ثبت عن نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ) وكانت امرأتي عاقرا ( العاقر هى التى لا تلد لكبر سنها والتى لا تلد أيضا لغير كبر وهى المرادة هنا ويقال للرجل الذى لا يلد عاقرا أيضا ومنه قول عامر بن الطفيل لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا
قال ابن جرير وكان اسم امرأته أشاع بنت فاقود بن ميل وهى أخت حنة وحنة هى أم مريم وقال القتيبى هى أشاع بنت عمران فعلى القول يكون يحيى بن زكرياء ابن خالة أم عيسى وعلى القول الثاني يكونان ابنى خالة كما ورد فى الحديث الصحيح ) فهب لي من لدنك وليا ( أى أعطنى من فضلك وليا ولم يصرح بطلب الولد لما علم من نفسه بأنه قد صار هو وامرأته فى حالة لا يجوز فيها حدوث الولد بينهما وحصوله منهما وقد قيل إنه كان ابن بضع وتسعين سنة وقيل بل أراد بالولى الذى طلبه هو الولد ولا مانع من سؤال من كان مثله لما هو خارق للعادة فإن الله سبحانه قد يكرم رسله بما يكون كذلك فيكون من جملة المعجزات الدالة على صدقهم
مريم : ( 6 ) يرثني ويرث من . . . . .
) يرثني ويرث من آل يعقوب ( قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة وابن محيصن واليزيدى ويحيى بن المبارك بالرفع فى الفعلين جميعا على أنهما صفتان للولى وليسا بجواب للدعاء وقرأ يحيى بن يعمر وأبو عمرو ويحيى ابن وثاب والأعمش والكسائي بالجزم فيهما على أنهما جواب للدعاء ورجح القراءة الأولى أبو عبيد وقال هى أصوب فى المعنى لأنه طلب وليا هذه صفته فقال هب لى الذى يكون وارثى ورجح ذلك النحاس وقال لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة تقول أطع الله يدخلك الجنة أى إن تطعه يدخلك الجنة وكيف يخبر الله سبحانه بهذا أعنى كونه أن يهب له وليا يرثه وهو أعلم بذلك والوراثة هنا هى وراثة العلم والنبوة على ما هو الراجح كما سلف وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن يعقوب المذكور هنا هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وزعم بعض المفسرين أنه يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان وبه قال الكلبي ومقاتل وآل يعقوب هم خاصته الذين يؤول أمرهم إليه للقرابة أو الصحبة أو الموافقة فى الدين وقد كان فيهم أنبياء وملوك وقرئ


"""""" صفحة رقم 323 """"""
يرثنى وارث من آل يعقوب على أنه فاعل يرثنى وقرأ وارث آل يعقوب أى أنا وقرئ أو يرث آل يعقوب بلفظ التصغير على أن هذا المصغر فاعل يرثنى وهذه القراءات فى غاية الشذوذ لفظا ومعنى ) واجعله رب رضيا ( أى مرضيا فى أخلاقه وأفعاله وقيل راضيا بقضائك وقدرك وقيل رجلا صالحا ترضى عنه وقيل نبيا كما جعلت آباءه أنبياء
مريم : ( 7 ) يا زكريا إنا . . . . .
) يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ( قال جمهور المفسرين إن هذا النداء من الله سبحانه وقيل إنه من جهة الملائكة لقوله فى آل عمران ) فنادته الملائكة ( وفى الكلام خذف أى فاستجاب له دعاءه فقال يا زكرياء وقد تقدم فى آل عمران وجه التسمية بيحيى وزكرياء قال الزجاج سمى يحيى لأنه حيى بالعلم والحكمة التى أوتيها ) لم نجعل له من قبل سميا ( قال أكثر المفسرين معناه لم نسم أحدا قبله يحيى وقال مجاهد وجماعة معنى ) لم نجعل له من قبل سميا ( أنه لم يجعل له مثلا ولا نظيرا فيكون على هذا مأخوذ من المساماة أو السمو ورد هذا بأنه يقتضى تفضيله على إبراهيم وموسى وقيل معناه لم تلد عاقر مثله والأول أولى
وفى إخباره سبحانه بأنه لم يسم بهذا الإسم قبله أحد فضيلة له من جهتين الأولى أن الله سبحانه هو الذى تولى تسميته به ولم يكلها إلى الأبوين والجهة الثانية أن تسميته باسم لم يوضع لغيره يفيد تشريفه وتعظيمه
مريم : ( 8 ) قال رب أنى . . . . .
) قال رب أنى يكون لي غلام ( أى كيف أو من أين يكون لى غلام وليس معنى هذا الإستفهام الإنكار بل التعجب من قدرة الله وبديع صنعه حيث يخرج ولدا من امرأة عاقر وشيخ كبير وقد تقدم الكلام على مثل هذا فى آل عمران ) وقد بلغت من الكبر عتيا ( يقال عتا الشيخ يعتو عتيا إذا انتهى سنه وكبر وشيخ عات إذا صار إلى حال اليبس والجفاف والأصل عتوا لأنه من ذوات الواو فأبدلوه ياء لكونها أخف ومثل ما فى الآية قول الشاعر
إنما يعذر الوليد ولا يعذر
من كان فى الزمان عتيا
وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائى وحفص والأعمش ) عتيا ( بكسر العين وقرأ الباقون بضم العين وهما لغتان ومحل جملة ) وكانت امرأتي عاقرا ( النصب على الحال من ضمير المتكلم ومحل جملة ) وقد بلغت من الكبر عتيا ( النصب أيضا على حال وكلا الجملتين لتأكيد الاستبعاد والتعجب المستفاد من قوله ) أنى يكون لي غلام ( أى كيف يحصل بيننا ولد الآن وقد كانت امرأتى عاقرا لم تلد فى شبابها وشبابى وهى الآن عجوز وأنا شيخ هرم
مريم : ( 9 ) قال كذلك قال . . . . .
ثم أجاب الله سبحانه على هذا السؤال المشعر بالتعجب والاستبعاد بقوله ) قال كذلك قال ربك ( الكاف فى محل رفع أى الأمر كذلك والإشارة إلى ما سبق من قول زكريا ثم ابتدأ بقوله ) قال ربك ( ويحتمل أن يكون محله النصب على المصدرية أى قال قولا مثل ذلك والإشارة بذلك إلى مبهم يفسره قوله ) هو علي هين ( وأما على الإحتمال الأول فتكون جملة ) هو علي هين ( مستأنفة مسوقة لإزالة استبعاد زكريا بعد تقريره أى قال هو من بعده عندك على هين وهو فيعل من هان الشئ يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع من المراد قال الفراء أى خلقه على هين ) وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ( هذه الجملة مقررة لما قبلها قال الزجاج أى فخلق الولد لك كخلقك والمعنى أن الله سبحانه خلقه ابتداء وأوجده من العدم المحض فإيجاد الولد له بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه وإنما لم ينسب ذلك إلى آدم عليه السلام لكونه المخلوق من العدم حقيقة بأن يقول وقد خلقت أباك آدم من قبل ولم يك شيئا للدلالة على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشاء آدم من العدم قرأ أهل المدينة وأهل مكة والبصرة وعاصم وابن عامر ) وقد خلقتك من قبل ( وقرأ سائر الكوفيين ? وقد خلقناك من قبل ?
مريم : ( 10 ) قال رب اجعل . . . . .
) قال رب اجعل لي آية ( أى علامة تدلني على وقوع المسئول وتحققه وحصول الحبل والمقصود من هذا السؤال تعريفه وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه قال ابن الأنباري وجه ذلك أن نفسه تاقت


"""""" صفحة رقم 324 """"""
إلى سرعة الأمر فسأل الله آية يستدل بها على قرب ما من به عليه وقيل طلب آية تدله على أن البشرى من الله سبحانه لا من الشيطان لأن إبليس أوهمه بذلك كذا قال الضحاك والسدي وهو بعيد جدا ) قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ( قد تقدم تفسير هذا فى آل عمران مستوفى وانتصاب سويا على الحال والمعنى آيتك أن لا تقدر على الكلام والحال أنك سوي الخلق ليس بك آفة تمنعك منه وقد دل بذكر الليالي هنا والأيام فى آل عمران أن المراد ثلاثة أيام ولياليهن
مريم : ( 11 ) فخرج على قومه . . . . .
) فخرج على قومه من المحراب ( وهو مصلاه واشتقاقه من الحرب كأن ملازمه يحارب الشيطان وقيل من الحرب محركا كأنه ملازمه يلقى حربا وتعبا ونصبا ) فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ( قيل معنى أوحى أومأ بدليل قوله فى آل عمران ) إلا رمزا ( وقيل كتب لهم فى الأرض وبالأول قال الكلبى والقرظى وقتادة وابن منبه وبالثاني قال مجاهد وقد يطلق الوحى على الكتابة ومنه قول ذى الرمة سوى الأربع الدهم اللواتى كأنها
بقية وحى فى بطون الصحائف
وقال عنترة كوحى صحائف من عهد كسرى
فأهداها لأعجم طمطمى
و ) إن ( فى قوله ) أن سبحوا ( مصدرية أو مفسرة والمعنى فأوحى إليهم بأن صلوا أو أى صلوا وانتصاب بكرة وعشيا على الظرفية قال الفراء العشي يؤنث ويجوز تذكيره إذا أبهم قال وقد يقال العشي جمع عشية قيل والمراد صلاة الفجر والعصر وقيل المراد بالتسبيح هو قولهم سبحان الله فى الوقتين أى نزهوا ربكم طرفى النهار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الأسماء والصفات والضياء فى المختارة عن ابن عباس فى قوله ) كهيعص ( كبير هاد أمين عزيز صادق وفى لفظ كاف بدل كبير وأخرج عبد الرزاق وآدم بن أبى إياس وعثمان بن سعيد الدارمي فى التوحيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى جاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس ) كهيعص ( قال كاف من كريم وهاء من هاد وياء من حكيم وعين من عليم وصاد من صادق وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة ) كهيعص ( هو الهجاء المقطع الكاف من الملك والهاء من الله والياء والعين من العزيز والصاد من المصور وأخرج ابن مردويه عن الكلبى أنه سئل عن ) كهيعص ( فحدث عن أبى صالح عن أم هانئ عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال كاف هاد عالم صادق وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي وابن ماجه وابن جرير عن فاطمة ابنة علي قالت كان علي يقول يا كهيعص اغفر لي وأخرج أبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه من طريق الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس فى ) كهيعص ( قال الكاف الكافى والهاء الهادي والعين العالم والصاد الصادق وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن السدى قال كان ابن عباس يقول فى كهيعص وحم ويس وأشباه هذا هو اسم الله الأعظم وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله
وكما وقع الخلاف فى هذا وأمثاله بين الصحابة وقع بين من بعدهم ولم يصح مرفوعا فى ذلك شئ ومن روى عنه من الصحابة فى ذلك شئ فقد روى عن غيره ما يخالفه وقد يروى عن الصحابي نفسه التفاسير المتخالفة المتناقضة فى هذه الفواتح فلا يقوم شئ من ذلك حجة بل الحق الوقف ورد العلم فى مثلها إلى الله سبحانه وقد قدمنا تحقيق هذا فى فاتحة سورة البقرة وأخرج أحمد وأبو يعلى والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبى هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال كان زكريا نجارا وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال كان


"""""" صفحة رقم 325 """"""
آخر أنبياء بنى إسرائيل زكريا بن أزر بن مسلم من ذرية يعقوب دعا ربه سرا ) قال رب إني وهن العظم مني ( إلى قوله ) خفت الموالي ( قال وهم العصبة ) يرثني ( يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب فنادته الملائكة وهو جبريل إن الله يبشرك ) بغلام اسمه يحيى ( فما سمع النداء جاءه الشيطان فقال يا زكريا إن الصوت الذى سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان سخر بك فشك وقال ) أنى يكون لي غلام ( يقول من أين يكون وقد بلغنى الكبر وامرأتي عاقر قال الله ) وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ( وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وإني خفت الموالي من ورائي ( قال الورثة وهم عصبة الرجل وأخرج الفريابى عنه قال كان زكريا لا يولد له فسأل ربه فقال ) فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ( قال يرث مالى ويرث من آل يعقوب النبوة وأخرج الفريابي وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس فى قوله ) لم نجعل له من قبل سميا ( قال مثلا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عنه قال لا أدري كيف كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ هذا الحرف عتيا أو عسيا وأخرج ابن أبى حاتم عن عطاء فى قوله ) عتيا ( قال لبث زمانا فى الكبر وأخرج أيضا عن السدى قال هرما وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ( قال اعتقل لسانه من غير مرض وفى لفظ من غير خرس أخرجه ابن المنذر وابن أبى حاتم وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا ) فأوحى إليهم ( قال كتب لهم كتابا وأخرج ابن أبى الدنيا والحاكم وصححه عن ابن عباس فى قوله ) أن سبحوا ( قال أمرهم بالصلاة ) بكرة وعشيا ( سورة مريم الآية ( 12 15 )
مريم : ( 12 ) يا يحيى خذ . . . . .
قوله ) يا يحيى ( هاهنا حذف وتقديره وقال الله للمولود يا يحيى أو فولد له مولود فبلغ المبلغ الذى يجوز أن يخاطب فيه فقلنا له يا يحيى وقال الزجاج المعنى فوهبنا له وقلنا له يا يحيى والمراد بالكتاب التوراة لأنه المعهود حينئذ ويحتمل أن يكون كتابا مختصا به وإن كنا لا نعرفه الآن والمراد بالأخذ إما الأخذ الحسي أو الأخذ من حيث المعنى وهو القيام بما فيه كما ينبغي وذلك بتحصيل ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به والإحجام عن المنهي عنه ثم أكده بقوله ) بقوة ( أى بجد وعزيمة واجتهاد ) وآتيناه الحكم صبيا ( المراد بالحكم الحكمة وهى الفهم للكتاب الذى أمر بأخذه وفهم الأحكام الدينية وقيل هى العلم وحفظه والعمل به وقيل النبوة وقيل العقل ولا مانع من أن يكون الحكم صالحا لحمله على جميع ما ذكر قيل كان يحيى عند هذا الخطاب له ابن سنتين وقيل ابن ثلاث
مريم : ( 13 ) وحنانا من لدنا . . . . .
) وحنانا من لدنا ( معطوف على الحكم قال جمهور المفسرين الحنان الرحمة والشفقة والعطف والمحبة وأصله توقان النفس مأخوذ من حنين الناقة على ولدها قال أبو عبيدة تقول حنانك يا رب وحنانيك يا رب بمعنى واحد يريد رحمتك قال طرفة أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
حنانيك بعض الشر أهون من بعض


"""""" صفحة رقم 326 """"""
وقال امرؤ القيس ويمنحها بنو سلخ بن بكر
معيزهم حنانك ذا الحنان
قال ابن الأعرابي الحنان مشددا من صفات الله عز وجل والحنان مخففا العطف والرحمة والحنان الرزق والبركة قال ابن عطية والحنان فى كلام العرب أيضا ما عظم من الأمور فى ذات الله ومنه قول زيد بن عمرو ابن نفيل والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانا يعني بلالا لما مر به وهو يعذب وقيل إن القائل لذلك هو ورقة بن نوفل قال الأزهري معنى ذلك لأترحمن عليه ولأتعطفن عليه لأنه من أهل الجنة ومثله قول الحطيئة تحنن علي هداك المليك
فإن لكل مقام مقالا
ومعنى ) من عندنا ( من جنابنا قيل ويجوز أن يكون المعنى أعطيناه رحمة من لدنا كائنة فى قلبه يتحنن بها على الناس ومنهم أبواه وقرابته حتى يخلصهم من الكفر ) وزكاة ( معطوف على ما قبله والزكاة التطهير والبركة والتنمية والبر أى جعلناه مباركا للناس يهديهم إلى الخير وقيل زكيناه بحسن الثناء عليه كتزكية الشهود وقيل صدقة تصدقنا به على أبويه قاله ابن قتيبة ) وكان تقيا ( أى متجنبا لمعاصي الله مطيعا له وقد روى أنه لم يعمل معصية قط
مريم : ( 14 ) وبرا بوالديه ولم . . . . .
) وبرا بوالديه ( معطوف على تقيا البر هنا بمعنى البار فعل بمعنى فاعل والمعنى لطيفا بهما محسنا إليهما ) ولم يكن جبارا عصيا ( أى لم يكن متكبرا ولا عاصيا لوالديه أو لربه وهذا وصف له عليه السلام بلين الجانب وخفض الجناح
مريم : ( 15 ) وسلام عليه يوم . . . . .
) وسلام عليه ( قال ابن جرير وغيره معناه أمان عليه من الله قال ابن عطية والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهى أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه وهو أقل درجاته وإنما الشرف فى أن يسلم الله عليه ومعنى ) يوم ولد ( أنه أمن من الشيطان وغيره فى ذلك اليوم أو أن الله حياه فى ذلك اليوم وهكذا معنى ) ويوم يموت ( وهكذا معنى ) ويوم يبعث حيا ( قيل أوحش ما يكون الإنسان فى ثلاثة مواطن يوم ولد لأنه خرج مما كان فيه ويوم يموت لأنه يرى قوما لم يكن قد عرفهم وأحكاما ليس له بها عهد ويوم يبعث لأنه يرى هول يوم القيامة فخص الله سبحانه يحيى بالكرامة والسلامة فى المواطن الثلاثة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) يا يحيى خذ الكتاب بقوة ( قال بجد ) وآتيناه الحكم صبيا ( قال الفهم وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال يقول اعمل بما فيه من فرائض وأخرج ابن المنذر عن مالك بن دينار قال اللب وأخرج أبو نعيم والديلمي وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وآتيناه الحكم صبيا ( قال أعطي الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن قتادة بدلة وهو ابن ثلاث سنين وأخرج الحاكم فى تاريخه من طريق نهشل بن سعد عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
قال الغلمان ليحيى بن زكريا اذهب بنا نلعب فقال يحيى ما للعب خلقنا اذهبوا نصلي فهو قول الله ) وآتيناه الحكم صبيا ( وأخرج ابن مردويه والبيهقي فى الشعب عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتى الحكم صبيا وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس موقوفا وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي فى الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس فى قوله ) وحنانا ( قال لا أدري ما هو إلا أني أظنه يعطف الله على عبده بالرحمة وقد فسرها جماعة من السلف بالرحمة وأخرج


"""""" صفحة رقم 327 """"""
ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وزكاة ( قال بركة وفى قوله ) وكان تقيا ( قال طهر فلم يعمل بذنب
سورة مريم الآية ( 16 26 )
مريم : ( 16 ) واذكر في الكتاب . . . . .
قوله ) واذكر في الكتاب مريم ( هذا شروع فى ابتداء خلق عيسى والمراد بالكتاب هذه السورة أى اذكر يا محمد للناس فى هذه السورة قصة مريم ويجوز أن يراد بالكتاب جنس القرآن وهذه السورة منه ولما كان الذكر لا يتعلق بالاعيان احتيج إلى تقدير مضاف يتعلق به الذكر وهو قصة مريم أو خبر مريم ) إذ انتبذت ( العامل فى الظرف هو ذلك المضاف المقدر ويجوز أن يجعل بدل اشتمال من مريم لأن الأزمان مشتملة على ما فيها ويكون المراد بمريم خبرها وفى هذا الإبدال دلالة على تفخيم شأن الوقت لوقوع قصتها العجيبة فيه والنبذ الطرح والرمي قال الله سبحانه ) فنبذوه وراء ظهورهم ( والمعنى أنها تنحت وتباعدت وقال ابن قتيبة اعتزلت وقيل انفردت والمعاني متقاربة واختلفوا فى سبب انتباذها فقيل لأجل أن تعبد الله سبحانه وقيل لتطهر من حيضها و ) من أهلها ( متعلق بانتبذت وانتصاب ) مكانا شرقيا ( على المفعولية للفعل المذكور أى مكانا من جانب الشرق والشرق بسكون الراء المكان الذى تشرق فيه الشمس وإنما خص المكان بالشرق لأنهم كانوا يعظمون جهة الشرق لأنها مطلع الأنوار حكى معناه ابن جرير
وقد اختلف الناس فى نبوة مريم فقيل إنها نبية بمجرد هذا الإرسال إليها ومخاطبتها للملك وقيل لم تكن نبية لأنه إنما كلمها الملك وهو على مثال البشر وقد تقدم الكلام فى هذا فى آل عمران
مريم : ( 17 ) فاتخذت من دونهم . . . . .
) فاتخذت من دونهم حجابا ( أى اتخذت من دون أهلها حجابا يسترها عنهم لئلا يروها حال العبادة أو حال التطهر من الحيض والحجاب الستر والحاجز ) فأرسلنا إليها روحنا ( هو جبريل عليه السلام وقيل هو روح عيسى لأن الله سبحانه خلق الأرواح قبل الأجساد والأول أولى لقوله ) فتمثل لها بشرا سويا ( أى تمثل جبريل لها بشرا مستوى الخلق لم يفقد من نعوت بني آدم شيئا قيل ووجه تمثل الملك لها بشرا أنها لا تطيق أن تنظر إلى الملك وهو على صورته فلما


"""""" صفحة رقم 328 """"""
رأته في صورة إنسان حسن كامل الخلق قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء فاستعاذت بالله منه
مريم : ( 18 ) قالت إني أعوذ . . . . .
و ) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ( أى ممن يتقي الله ويخافه وقيل إن تقيا اسم رجل صالح فتعوذت منه تعجبا وقيل إنه اسم رجل فاجر معروف فى ذلك الوقت والأول أولى وجواب الشرط محذوف أى فلا تتعرض لى
مريم : ( 19 ) قال إنما أنا . . . . .
) قال إنما أنا رسول ربك ( أى قال لها جبريل إنما أنا رسول ربك الذى استعذت به ولست ممن يتوقع منه ما خطر ببالك من إرادة السوء ) لأهب لك غلاما زكيا ( جعل الهبة من قبله لكونه سببا فيها من جهة كون الإعلام لها من جهته أو من جهة كون النفخ قام به فى الظاهر وقرأ أبو عمرو ويعقوب وورش عن نافع ? ليهب ? على معنى أرسلني ليهب لك وقرأ الباقون بالهمز والزكي الطاهر من الذنوب الذى ينمو على النزاهة والعفة وقيل المراد بالزكى النبى
مريم : ( 20 ) قالت أنى يكون . . . . .
) قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ( أى لم يقربني زوج ولا غيره ) ولم أك بغيا ( البغى هى الزانية التى تبغي الرجال قال المبرد أصله بغوي على فعول قلبت الواو ياء ثم أدغمت فى الياء وكسرت الغين للمناسبة وقال ابن جنى إنه فعيل وزيادة ذكر كونها لم تك بغيا مع كون قولها لم يمسسنى بشر يتناول الحلال والحرام لقصد التأكيد تنزيها لجانبها من الفحشاء وقيل ما استبعدت من قدرة الله شيئا ولكن أرادت كيف يكون هذا الولد هل من قبل زوج تتزوجه فى المستقبل أم يخلقه الله سبحانه ابتداء وقيل إن المس عبارة عن النكاح الحلال وعلى هذا لا يحتاج إلى بيان وجه قولها ولم أك بغيا وما ذكرناه من شموله أولى باستعمالات أهل اللغة وما يوجد فى محاوراتهم مما يطول تعداده ا ه ) ولنجعله آية للناس ( أى ولنجعل هذا الغلام أو خلقه من غير أب أية للناس يستدلون بها على كمال القدرة وهو علة لمعلل محذوف والتقدير خلقناه لنجعله أو معطوف على علة أخرى مضمرة تتعلق بما يدل عليه قوله سبحانه ) هو علي هين )
مريم : ( 21 ) قال كذلك قال . . . . .
وجملة ) قال كذلك قال ربك هو علي هين ( مستأنفة والقائل هو الملك والكلام فيها كالكلام فيما تقدم من قول زكرياء وقوله ) ورحمة منا ( معطوف على آية أى ولنجعله رحمة عظيمة كائنة منا للناس لما ينالونه منه من الهداية والخير الكثير لأن كل نبى رحمة لأمته ) وكان أمرا مقضيا ( أى وكان ذلك المذكور أمرا مقدرا قد قدره الله سبحانه وجف به القلم
مريم : ( 22 ) فحملته فانتبذت به . . . . .
) فحملته ( ها هنا كلام مطوى والتقدير فاطمأنت إلى قوله فدنا منها فنفخ فى جيب درعها فوصلت النفخة إلى بطنها فحملته وقيل كانت النفخة فى ذيلها وقيل فى فمها قيل إن وضعها كان متصلا بهذا الحمل من غير مضي مدة للحمل ويدل على ذلك قوله ) فانتبذت به مكانا قصيا ( أى تنحت واعتزلت إلى مكان بعيد والقصي هو البعيد قيل كان هذا المكان وراء الجبل وقيل أبعد مكان فى تلك الدار وقيل أقصى الوادى وقيل إنها حملت به ستة أشهر وقيل ثمانية أشهر وقيل سبعة
مريم : ( 23 ) فأجاءها المخاض إلى . . . . .
) فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ( أى ألجأها واضطرها ومنه قول زهير أجاءته المخافة والرجاء
وقرأ شبل فاجأها من المفاجأة ورويت هذه القراءة عن عاصم وقرأ الحسن يغير همز وفي مصحف أبى ? فلما أجاءها ? قال فى الكشاف إن أجاءها منقول من جاء إلا أن استعماله قد تعين بعد النقل إلى معنى الإلجاء وفيه بعد والظاهر أن كل واحد من الفعلين موضوع بوضع مستقل والمخاض مصدر مخضت المرأة تمخض مخضا ومخاضا إذا دنا ولادها وقرأ الجمهور بفتح الميم وقرأ ابن كثير بكسرها والجذع ساق النخلة اليابسة كأنها طلبت شيئا تستند إليه وتتعلق به كما تتعلق الحامل لشدة وجع الطلق بشئ مما تجده عندها والتعريف إما للجنس أو للعهد ) قالت يا ليتني مت قبل هذا ( أى قبل هذا الوقت تمنت الموت لأنها خافت أن يظن بها السوء فى دينها أو لئلا يقع قوم بسببها فى البهتان ) وكنت نسيا (


"""""" صفحة رقم 329 """"""
النسى فى كلام العرب الشئ الحقير الذى من شأنه أن ينسى ولا يذكر ولا يتألم لفقده كالوتد والحبل ومنه قول الكميت أتجعلنا خسرا لكلب قضاعة
ولسنا بنسى فى معد ولا دخل
وقال الفراء النسى ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها فتقول مريم ) نسيا منسيا ( أى حيضة ملقاة وقد قرئ بفتح النون وكسرها وهما لغتان مثل الحجر والحجر والوتر والوتر وقرأ محمد بن كعب القرظي نساء بالهمز مع كسر النون وقرأ نوف البكالى بالهمز مع فتح النون وقرا بكر بن حبيب ) نسيا ( بفتح النون وتشديد الياء بدون همز والمنسى المتروك الذى لا يذكر ولا يخطر ببال أحد من الناس
مريم : ( 24 ) فناداها من تحتها . . . . .
) فناداها من تحتها ( أى جبريل لما سمع قولها وكان أسفل منها تحت الأكمة وقيل تحت النخلة وقيل المنادى هو عيسى وقد قرئ بفتح الميم من ) من ( وكسرها وقوله ) ألا تحزني ( تفسير للنداء أى لا تحزنى أو المعنى بأن لا تحزنى على أنها المصدرية ) قد جعل ربك تحتك سريا ( قال جمهور المفسرين السرى النهر الصغير والمعنى قد جعل ربك تحت قدمك نهرا قيل كان نهرا قد انقطع عنه الماء فأرسل الله فيه الماء لمريم وأحيا به ذلك الجذع اليابس الذى اعتمدت عليه حتى أورق وأثمر وقيل المراد بالسرى هنا عيسى والسرى العظيم من الرجال ومنه قولهم فلان سرى أى عظيم ومن قوم سراة أى عظام
مريم : ( 25 ) وهزي إليك بجذع . . . . .
) وهزي إليك بجذع النخلة ( الهز التحريك يقال هزه فاهتز والباء فى بجذع النخلة مزيدة للتوكيد وقال الفراء العرب تقول هزه وهز به والجذع هو أسفل الشجرة قال قطرب كل خشبة فى أصل شجرة فهى جذع ومعنى إليك إلى جهتك وأصل تساقط تتساقط فأدغم التاء فى السين وقرأ حمزة والأعمش ) تساقط ( مخففا وقرأ عاصم فى رواية حفص والحسن بضم التاء مع التخفيف وكسر القاف وقرئ تتساقط بإظهار التاءين وقرئ بالتحتية مع تشديد السين وقرئ تسقط ويسقط وقرأ الباقون بإدغام التاء فى السين فمن قرأ بالفوقية جعل الضمير للنخلة ومن قرأ بالتحتية جعل الضمير للجذع وانتصاب ) رطبا ( على بعض هذه القراءات للتمييز وعلى البعض الآخر على المفعولية لتساقط قال المبرد والأخفش يجوز انتصاب رطبا بهزى أى هزى إليك رطبا ) جنيا ( بجذع النخلة أى على جذعها وضعفه الزمخشرى والجنى المأخوذ طريا وقيل هو ما طلب وصلح للاجتناء وهو فعيل بمعنى مفعول قال الفراء الجنى والمجنى واحد وقيل هو فعيل بمعنى فاعل أى رطبا طريا طيبا
مريم : ( 26 ) فكلي واشربي وقري . . . . .
) فكلي واشربي ( أى من ذلك الرطب وذلك الماء أو من الرطب وعصيره وقدم الأكل مع أن ذكر النهر مقدم على الرطب لأن احتياج النفساء إلى أكل الرطب أشد من احتياجها إلى شرب الماء ثم قال ) وقري عينا ( قرأ الجمهور بفتح القاف وحكى ابن جرير أنه قرئ بكسرها قال وهى لغة نجد والمعنى طيبي نفسا وارفضي عنك الحزن وهو مأخوذ من القر والقرة وهما البرد والمسرور بارد القلب ساكن الجوارح وقيل المعنى وقرى عينا برؤية الولد الموهوب لك وقال الشيباني معناه نامي قال أبو عمرو أقر الله عينه أى أنام عينه وأذهب سهره ) فإما ترين من البشر أحدا ( أصله ترءيين مثل تسمعين خففت الهمزة وسقطت النون للجزم وياء الضمير للساكنين بعد لحوق نون التوكيد ومثل هذا مع عدم لحوق نون التوكيد قول ابن دريد أما ترى رأسى حاكى لونه
طرة صبح تحت أذيال الدجى
وقرأ طلحة وأبو جعفر وشيبة ) ترين ( بسكون الياء وفتح النون مخففة قال أبو الفتح وهى شاذة وجواب الشرط ) فقولي إني نذرت للرحمن صوما ( أى قولي إن طلب منك الكلام أحد من الناس إنى نذرت للرحمن صوما


"""""" صفحة رقم 330 """"""
أى صمتا وقيل المراد به الصوم الشرعي وهو الإمساك عن المفطرات والأول أولى وفى قراءة أبى إنى نذرت للرحمن صوما صمتا بالجمع بين اللفظين وكذا روى عن أنس وروى عنه أنه قرأ صوما وصمتا بالواو والذى عليه جمهور المفسرين أن الصوم هنا الصمت ويدل عليه ) فلن أكلم اليوم إنسيا ( ومعنى الصوم فى اللغة أوسع من المعنيين قال أبو عبيدة كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم وقراءة أبى تدل على أن المراد بالصوم هنا الصمت لأنه تفسير للصوم وقراءة أنس تدل على أن الصوم هنا غير الصمت كما تفيده الواو ومعنى ) فلن أكلم اليوم إنسيا ( أنها لا تكلم أحدا من الإنس بعد إخبارهم بهذا الخبر بل إنما تكلم الملائكة وتناجي ربها وقيل إنها لم تخبرهم هنا باللفظ بل بالإشارة المفيدة للنذر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) انتبذت من أهلها مكانا شرقيا ( قال مكانا أظلها الشمس أن يراها أحد منهم وأخرج الفريابي وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه قال إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة لأن مريم اتخذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذوا ميلاده قبلة وإنما سجدت اليهود على حرف حين نتق فوقهم الجبل فجعلوا ينحرفون وهم ينظرون إليه يتخوفون أن يقع عليهم فسجدوا سجدة رضيها الله فاتخذوها سنة وأخرج الحاكم وصححه والبيهقى فى الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدى عن أبى مالك عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود قالا خرجت مريم بنت عمران إلى جانب المحراب لحيض أصابها فلما طهرت إذا هى برجل معها ) فتمثل لها بشرا ( ففزعت و ) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ( فخرجت وعليها جلبابها فأخذ بكمها فنفخ فى جنب درعها وكان مشقوقا من قدامها فدخلت النفخة صدرها فحملت فأتتها أختها امرأة زكرياء ليلة تزورها فلما فتحت لها الباب التزمتها فقالت امرأة زكرياء يا مريم أشعرت أني حبلى قالت مريم أشعرت أنى حبلى فقالت امرأة زكرياء فإنى وجدت ما فى بطنى سجد للذى فى بطنك فذلك قوله تعالى ) مصدقا بكلمة من الله ( فولدت امرأة زكرياء يحيى ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب ) فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا ( الآية ) فناداها ( جبريل ) من تحتها ألا تحزني ( فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بنى إسرائيل أن مريم ولدت فلما أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى فتكلم ف ) قال إني عبد الله آتاني الكتاب ( الآيات ولما ولد لم يبق فى الأرض صنم إلا خر لوجهه وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى مريم قال حين حملت وضعت وأخرج ابن عساكر عنه قال وضعت لثمانية أشهر وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) فأرسلنا إليها روحنا ( قال جبريل وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن عطاء نحوه أيضا وأخرج ابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى الأسماء والصفات وابن عساكر عن أبى بن كعب فى الآية قال تمثل لها روح عيسى فى صورة بشر فحملته قال حملت الذى خاطبها دخل فى فيها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) مكانا قصيا ( قال نائيا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) إلى جذع النخلة ( قال كان جذعا يابسا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا فى قوله ) وكنت نسيا منسيا ( قال لم أخلق ولم أك شيئا وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة ) وكنت نسيا منسيا ( قال حيضة ملقاة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرح عبد بن حميد عن نوف البكالي والضحاك مثله وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة فى قوله ) فناداها من تحتها ( قال الذى ناداها جبريل وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال الذى ناداها


"""""" صفحة رقم 331 """"""
من تحتها جبريل ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها وقد اختلفت الروايات عن السلف هل هذا المنادى هو جبريل أو عيسى وأخرج عبد بن حميد عن أبى بكر بن عياش قال قرأ عاصم بن أبى النجود ) فناداها من تحتها ( بالنصب قال وقال عاصم من قرأ بالنصب فهو عيسى ومن قرأ بالخفض فهو جبريل وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن النجار عن ابن عمر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن السرى الذى قال الله لمريم ) قد جعل ربك تحتك سريا ( نهر أخرجه الله لها لتشرب منه وفى إسناده أيوب بن نهيك الجبلي قال فيه أبو حاتم الرازي ضعيف وقال أبو زرعة منكر الحديث وقال أبو فتح الأزدي متروك الحديث وقال الطبراني بعد إخراج هذا الحديث إنه غريب جدا وأخرج الطبراني فى الصغير وابن مردويه عن البراء بن عازب عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) قد جعل ربك تحتك سريا ( قال النهر وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وصححه والحاكم وابن مردويه عن البراء قال فى الآية هو الجدول وهو النهر الصغير فظهر بهذا أن الموقوف أصح وقد روى عن جماعة من التابعين أن السرى هو عيسى وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) رطبا جنيا ( قال طريا وأخرج ابن المنذر وابن مردويه فى قوله ) إني نذرت للرحمن صوما ( قال صمتا وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عنه أنه قرأ صوما صمتا
سورة مريم الآية ( 27 33 )
مريم : ( 27 ) فأتت به قومها . . . . .
لما اطمأنت مريم عليها السلام بما رأت من الآيات وفرغت من نفاسها ) فأتت به ( أى بعيسى وجملة ) تحمله ( فى محل نصب على الحال وكان إتيانها إليهم من المكان القصى التى انتبذت فيه فلما رأوا الولد معها حزنوا وكانوا أهل بيت صالحين ) فقالوا ( منكرين لذلك ) يا مريم لقد جئت ( أى فعلت ) شيئا فريا ( قال أبو عبيدة الفري العجيب النادر وكذا قال الأخفش والفري القطع كأنه مما يخرق العادة أو يقطع بكونه عجيبا نادرا وقال قطرب الفري الجديد من الأسقية أى جئت بأمر بديع جديد لم تسبقي إليه وقال سعيد بن مسعدة الفري المختلق المفتعل يقال فريت وأفريت بمعنى واحد والولد من الزنا كالسئ المفتري قال تعالى ) ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ( وقال مجاهد الفرى العظيم
مريم : ( 28 ) يا أخت هارون . . . . .
) يا أخت هارون (
قد وقع الخلاف فى معنى هذه الأخوة وفى هارون المذكور من هو فقيل هو هارون أخو موسى والمعنى أن من كانت نظنها مثل هارون فى العبادة كيف تأتي بمثل هذا وقيل كانت مريم من ولد هارون أخي موسى فقيل لها يا أخت هارون كما يقال لمن كان من العرب يا أخا العرب وقيل كان لها أخ من أبيها اسمه هارون وقيل هارون هذا رجل صالح فى ذلك الوقت وقيل بل كان فى ذلك الوقت رجل فاجر اسمه هارون


"""""" صفحة رقم 332 """"""
فنسبوها إليه على وجهة التعيير والتوبيخ حكاه ابن جرير ولم يسم قائله وهو ضعيف ) ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ( هذا فيه تقريره لما تقدم من التعيير والتوبيخ وتنبيه على أن الفاحشة من ذرية الصالحين مما لا ينبغي أن تكون
مريم : ( 29 ) فأشارت إليه قالوا . . . . .
) فأشارت إليه ( أى إلى عيسى وإنما اكتفت بالإشارة ولم تأمره بالنطق لأنها نذرت للرحمن صوما عن الكلام كما تقدم هذا على تقدير أنها كانت إذ ذاك فى أيام نذرها وعلى تقدير أنها قد خرجت من أيام نذرها فيمكن أن يقال إن اقتصارها على الإشارة للمبالغة فى إظهار الآية العظيمة وأن هذا المولود يفهم الإشارة ويقدر على العبارة ) قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ( هذا الاستفهام للإنكار والتعجب من إشارتها إلى ذلك المولود بأن يكلمهم قال أبو عبيدة فى الكلام حشو زائد والمعنى كيف نكلم صبيا فى المهد كقول الشاعر وجيران لنا كانوا كرام
وقال الزجاج الأجود أن تكون من فى معنى الشرط والجزاء والمعنى من يكون فى المهد صبيا فكيف نكلمه ورجحه ابن الأنباري وقال لا يجوز أن يقال إن كان زائدة وقد نصبت صبيا ويجاب عنه بأن القائل بزيادتها يجعل الناصب له الفعل وهو نكلم كما سبق تقديره وقيل إن كان هنا هى التامة التى بمعنى الحدوث والوجود ورد بأنها لو كانت تامة لاستغنت عن الخبر والمهد هو شئ معروف يتخذ لتنويم الصبى والمعنى كيف نكلم من سبيله أن ينوم فى المهد لصغره وقيل هو هنا حجر الأم وقيل سرير كالمهد فلما سمع عيسى كلامهم
مريم : ( 30 ) قال إني عبد . . . . .
) قال إني عبد الله ( فكان أول ما نطق به الإعتراف بالعبودية له ) آتاني الكتاب ( أى الإنجيل أى حكم لى بإيتائى الكتاب والنبوة فى الأزل وإن لم يكن قد نزل عليه فى تلك الحال ولا قد صار نبيا وقيل إنه آتاه الكتاب وجعله نبيا فى تلك الحال وهو بعيد
مريم : ( 31 ) وجعلني مباركا أين . . . . .
) وجعلني مباركا أين ما كنت ( أى حيثما كنت والبركة أصلها من بروك البعير والمعنى جعلنى ثابتا فى دين الله وقيل البركة هى الزيادة والعلو فكأنه قال جعلني فى جميع الأشياء زائدا عاليا منجحا وقيل معنى المبارك النفاع للعباد وقيل المعلم للخير وقيل الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر ) وأوصاني بالصلاة ( أى أمرنى بها ) والزكاة ( زكاة المال أو تطهير النفس ) ما دمت حيا ( أى مدة دوام حياتي وهذه الأفعال الماضية هى من باب تنزيل ما لم يقع منزلة الواقع تنبيها على تحقق وقوعه لكونه قد سبق فى القضاء المبرم
مريم : ( 32 ) وبرا بوالدتي ولم . . . . .
) وبرا بوالدتي ( معطوف على مباركا واقتصر على البر بوالدته لأنه قد علم فى تلك الحال أنه لم يكن له أب وقرئ ) وبرا ( بكسر الباء على أنه مصدر وصف به مبالغة ) ولم يجعلني جبارا شقيا ( الجبار المتعظم الذى لا يرى لأحد عليه حقا والشقى العاصي لربه وقيل الخائب وقيل العاق
مريم : ( 33 ) والسلام علي يوم . . . . .
) والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ( قال المفسرون السلام هنا بمعنى السلامة أى السلامة علي يوم ولدت فلم يضرني الشيطان فى ذلك الوقت ولا أغواني عند الموت ولا عند البعث وقيل المراد به التحية قيل واللام للجنس وقيل للعهد أى وذلك السلام الموجه إلى يحيى فى هذه المواطن الثلاثة موجه إلي قيل إنه لم يتكلم المسيح بعد هذا الكلام حتى بلغ المدة التى تتكلم فيها الصبيان فى العادة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن عساكر عن ابن عباس فى قوله ) فأتت به قومها تحمله ( قال بعد أربعين يوما بعد ما تعالت من نفاسها وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذى والنسائى وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال بعثنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أهل نجران فقالوا أرأيت ما تقرءون ) يا أخت هارون ( وموسى قبل عيسى بكذا وكذا قال فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم وهذا التفسير النبوي يغنى عن سائر ما روى عن السلف فى ذلك وأخرج ابن أبى حاتم عن أنس قال كان عيسى قد درس الإنجيل وأحكامها فى بطن أمه


"""""" صفحة رقم 333 """"""
فذلك قوله ) إني عبد الله آتاني الكتاب ( وأخرج عبد الرزاق وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة فى قوله ) آتاني الكتاب ( الآية قال قضى أن أكون كذلك وأخرج الإسماعيلي فى معجمه وأبو نعيم فى الحلية وابن مردويه وابن النجار عن أبى هريرة قال قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قول عيسى ) وجعلني مباركا أين ما كنت ( قال جعلني نفاعا للناس أينما اتجهت وأخرج ابن عدى وابن عساكر عن ابن مسعود عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وجعلني مباركا ( قال معلما ومؤدبا وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولم يجعلني جبارا شقيا ( يقول عصيا
سورة مريم الآية ( 34 40 )
مريم : ( 34 ) ذلك عيسى ابن . . . . .
الإشارة بقوله ) ذلك ( إلى المتصف بالأوصاف السابقة قال الزجاج ذلك الذى قال إنى عبد الله عيسى ابن مريم لا ما تقوله النصارى من أنه ابن الله وأنه إله وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب ) قول الحق ( بالنصب وقرأ الباقون بالرفع فوجه القراءة الأولى أنه منتصب على المدح أو على أنه مصدر مؤكد لقال إنى عبد الله قاله الزجاج ووجه القراءة الثانية أنه نعت لعيسى أى ذلك عيسى ابن مريم قول الحق قاله الكسائي وسمى قول الحق كما سمى كلمة الله والحق هو الله عز وجل وقال أبو حاتم المعنى هو قول الحق وقيل التقدير هذا لكلام قول الحق وهو من باب إضافة الموصوف إلى الصفة مثل حق اليقين وقيل الإضافة للبيان وقرئ قال الحق وروى ذلك عن ابن مسعود وقرأ الحسن ) قول الحق ( بضم القاف والقول والقول والقال والمقال بمعنى واحد و ) الذي فيه يمترون ( صفة لعيسى أى ذلك عيسى ابن مريم الذى فيه يمترون قول الحق ومعنى يمترون يختلفون على أنه من المماراة أو يشكو على أنه من المرية وقد وقع الإختلاف فى عيسى فقالت اليهود هو ساحر وقالت النصارى هو ابن الله
مريم : ( 35 ) ما كان لله . . . . .
) ما كان لله أن يتخذ من ولد ( أى ما صح ولا استقام ذلك فأن فى محل رفع على أنها اسم كان قال الزجاج من فى ) من ولد ( مؤكدة تدل على نفى الواحد والجماعة ثم نزه سبحانه نفسه فقال ) سبحانه ( أى تنزه وتقدس عن مقالتهم هذه ثم صرح سبحانه بما هو شأنه تعالى سلطانه فقال ) إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( أى إذا قضى أمرا من الأمور فيكون حينئذ بلا تأخير وقد سبق الكلام على هذا مستوفى فى البقرة وفى إيراده فى هذا الموضع تبكيت عظيم للنصارى أى من كان هذا شأنه كيف يتوهم أن يكون له ولد
مريم : ( 36 ) وإن الله ربي . . . . .
) وإن الله ربي وربكم فاعبدوه ( قرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو بفتح أن وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بكسرها وهو من تمام كلام عيسى وقرأ أبى إن الله بغير واو قال الخليل


"""""" صفحة رقم 334 """"""
وسيبويه فى توجيه قراءة النصب بأن المعنى ولأن الله ربى وربكم وأجاز الفراء أن يكون فى موضع خفض عطفا على الصلاة وجوز أبو عمرو بن العلاء عطفه على أمرا ) هذا صراط مستقيم ( أى هذا الذى ذكرته لكم من أنه ربى وربكم هو الطريق القيم الذى لا اعوجاج فيه ولايضل سالكه
مريم : ( 37 ) فاختلف الأحزاب من . . . . .
) فاختلف الأحزاب من بينهم ( من زائدة للتوكيد والأحزاب اليهود والنصارى أى فاختلفت الفرق من أهل الكتاب فى أمر عيسى فاليهود قالوا إنه ساحر كما تقدم وقالوا إنه ابن يوسف النجار والنصارى اختلفت فرقهم فيه فقالت النسطورية منهم هو ابن الله وقالت الملكية هو ثالث ثلاثة وقالت اليعقوبية هو الله تعال فأفرطت النصارى وغلت وفرضت اليهود وقصرت ) فويل للذين كفروا ( وهو المختلفون فى أمره ) من مشهد يوم عظيم ( أى من شهود يوم القيامة وما يجري فيه من الحساب والعقاب أو من مكان الشهود فيه أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وقيل المعنى فويل لهم من حضورهم المشهد العظيم الذى اجتمعوا فيه للتشاور
مريم : ( 38 ) أسمع بهم وأبصر . . . . .
) أسمع بهم وأبصر ( قال أبو العباس العرب تقول هذا فى موضع التعجب فيقولون أسمع تريد وأبصر به أى ما أسمعه وأبصره فعجب الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) منهم ) يوم يأتوننا ( أى للحساب والجزاء ) لكن الظالمون اليوم ( أى فى الدنيا ) في ضلال مبين ( أى واضح ظاهر ولكنهم أغفلوا التفكر والإعتبار والنظر فى الآثار
مريم : ( 39 ) وأنذرهم يوم الحسرة . . . . .
) وأنذرهم يوم الحسرة ( أى يوم يتحسرون جميعا فالمسئ يتحسر على إساءته والمحسن على عدم استكثاره من الخير ) إذ قضي الأمر ( أى فرغ من الحساب وطويت الصحف وصار أهل الجنة فى الجنة وأهل النار فى النار وجملة ) وهم في غفلة ( أى محل نصب على الحال أى غافلين عما يعمل بهم وكذلك جملة ) وهم لا يؤمنون ( فى محل نصب على الحال
مريم : ( 40 ) إنا نحن نرث . . . . .
) إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ( أى نميت سكانها فلا يبقى بها أحد يرث الأموات فكأنه سبحانه ورث الأرض ومن عليها حيث أماتهم جميعا ) وإلينا يرجعون ( أى يردون إلينا يوم القيامة فنجازي كلا بعمله وقد تقدم مثل هذا فى سورة الحجر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) قول الحق ( قال الله الحق عز وجل وأخرج عبد الرزاق وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) الذي فيه يمترون ( قال اجتمع بنو إسرائيل وأخرجوا منهم أربعة نفر من كل قوم عالمهم فامتروا فى عيسى حين رفع فقال أحدهم هو الله هبط إلى الأرض وأحيا من أحيا وأمات من أمات ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية فقالت الثلاثة كذبت ثم قال اثنان منهم للثالث قل فيه فقال هو ابن الله وهم النسطورية فقال اثنان كذبت ثم قال أحد الاثنين للآخر قل فيه فقال هو ثالث ثلاثة الله إله وعيسى إله وأمه إله وهم الإسرائيلية وهم ملوك النصارى فقال الرابع كذبت هو عبد الله ورسوله وروحه من كلمته وهم المسلمون فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال فاقتتلوا فظهروا على المسلمين فذلك قول الله سبحانه ) ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ( قال قتادة وهم الذين قال الله ) فاختلف الأحزاب من بينهم ( قال اختلفوا فيه فصاروا أحزابا فاختصم القوم فقال المرء المسلم أنشدكم بالله هل تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام وأن الله لا يطعم قالوا اللهم نعم قال فهل تعلمون أن عيسى كان ينام وأن الله لا ينام قالوا اللهم نعم فخصمهم المسلمون فاقتتل القوم فذكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون فأنزل الله ) فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ( وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أسمع بهم وأبصر ( يقول الكفار يومئذ أسمع شئ وأبصره وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة في قوله ) يوم يأتوننا ( قال ذالك يوم القيامة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 335 """"""
إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون إليه فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ثم ينادي يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرئبون وينظرون فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيؤمر به فيذبح ويقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأنذرهم يوم الحسرة ( الآية وأشار بيده قال أهل الدنيا فى غفلة وأخرج النسائي وابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى هريرة مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير من طريق علي بن أبى طلحة عن ابن عباس قال يوم الحسرة هو من أسماء يوم القيامة وقرأ ) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ( وعلى هذا ضعيف والآية التى استدل بها ابن عباس لا تدل على المطلوب لا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام
سورة مريم الآية ( 41 50 )
مريم : ( 41 ) واذكر في الكتاب . . . . .
قوله ) واذكر ( معطوف على وأنذر والمراد بذكر الرسول إياه فى الكتاب أن يتلو ذلك على الناس كقوله ) واتل عليهم نبأ إبراهيم ( وجملة ) إنه كان صديقا نبيا ( تعليل لما تقدم من الأمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يذكره وهي معترضة ما بين البدل والمبدل منه والصديق كثير الصدق وانتصاب نبيئا على أنه خبر آخر لكان أى اذكر إبراهيم الجامع لهذين الوصفين و
مريم : ( 42 ) إذ قال لأبيه . . . . .
) إذ قال لأبيه ( بدل اشتمال من إبراهيم وتعليق الذكر بالوقت مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث للمبالغة وأبو إبراهيم هو آزر على ما تقدم تقريره والتاء فى يا أبت عوض عن الياء ولهذا لا يجتمعان والاستفهام فى ) لم تعبد ( للإنكار والتوبيخ ) ما لا يسمع ( ما تقوله من الثناء عليه والدعاء له ) ولا يبصر ( ما تفعله من عبادته ومن الأفعال التى تفعلها مريدا بها الثواب ويجوز أن يحمل نفي السمع والإبصار على ما هو أعم من ذلك أى لا يسمع شيئا من المسموعات ولا يبصر شيئا من المبصرات ) ولا يغني عنك شيئا ( من الأشياء فلا يجلب لك نفعا ولا يدفع عنك ضررا وهى الأصنام التى


"""""" صفحة رقم 336 """"""
كان يعبدها آزر أورد إبراهيم عليه السلام على أبيه الدلائل والنصائح وصدر كلا منها بالنداء المتضمن للرفق واللين استمالة لقلبه وامتثالا لأمر ربه
مريم : ( 43 ) يا أبت إني . . . . .
ثم كرر دعوته إلى الحق فقال ) يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ( أخبر أنه قد وصل إليه من العلم نصيب لم يصل إلى أبيه وأنه قد تجدد له حصول ما يتوصل به منه إلى الحق ويقتدر به على إرشاد الضال ولهذا أمره باتباعه فقال ) فاتبعني أهدك صراطا سويا ( مستويا موصلا إلى المطلوب منجيا من المكروه ثم أكد ذلك بنصيحة اخرى زاجرة له عما هو فيه فقال
مريم : ( 44 ) يا أبت لا . . . . .
) يا أبت لا تعبد الشيطان ( أى لا تطعه فإن عبادة الأصنام هى من طاعة الشيطان ثم علل ذلك بقوله ) إن الشيطان كان للرحمن عصيا ( حين ترك ما أمره به من السجود لآدم ومن أطاع من هو عاص لله سبحانه فهو عاص لله والعاصي حقيق بأن تسلب عنه النعم وتحل به النقم قال الكسائي العصي والعاصي بمعنى واحد
مريم : ( 45 ) يا أبت إني . . . . .
ثم بين له الباعث على هذه النصائح فقال ) يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن ( قال الفراء معنى أخاف هنا أعلم وقال الأكثرون إن الخوف هنا محمول على ظاهره لأن إبراهيم غير جازم بموت أبيه على الكفر إذ لو كان جازما بذلك لم يشتغل بنصحه ومعنى الخوف على الغير هو أن يظن وصول الضرر إلى ذلك الغير ) فتكون للشيطان وليا ( أى إنك إذا أطعت الشيطان كنت معه فى النار واللعنة فتكون بهذا السبب مواليا أو تكون بسبب موالاته فى العذاب معه وليس هناك ولاية حقيقية لقوله سبحانه ) الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ( وقيل الولي بمعنى التالي وقيل الولي بمعنى القريب أى تكون للشيطان قريبا منه فى النار
مريم : ( 46 ) قال أراغب أنت . . . . .
فلما مرت هذه النصائح النافعة والمواعظ المقبولة بسمع آزر قابلها بالغلظة والفظاظة والقسوة ف ) قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ( والاستفهام للتقريع والتوبيخ والتعجيب والمعنى أمعرض أنت عن ذلك ومنصرف إلى غيره ثم توعده فقال ) لئن لم تنته لأرجمنك ( أى بالحجارة وقيل باللسان فيكون معناه لأشتمنك وقيل معناه لأضربنك وقيل لأظهرن أمرك ) واهجرني مليا ( أى زمانا طويلا قال الكسائى يقال هجرته مليا وملوة وملاوة بمعنى الملاوة من الزمان وهو الطويل ومنه قول مهلهل فتصدعت صم الجبال لموته
وبكت عليه المرملات مليا
وقيل معناه اعتزلنى سالم العرض لا تصيبك مني معرة واختار هذا ابن جرير فمليا على هذا منتصب على الحال من إبراهيم وعلى القول الأول منتصب على الظرفية
مريم : ( 47 ) قال سلام عليك . . . . .
فلما رأى إبراهيم إصرار أبيه على العناد ) قال سلام عليك ( أى تحية توديع ومتاركة كقوله ) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ( وقيل معناه أمنة منى لك قاله ابن جرير وإنما أمنه مع كفره لأنه لم يؤمر بقتاله والأول أولى وبه قال الجمهور وقيل معناه الدعاء له بالسلامة استمالة له ورفقا به ثم وعده بأن يطلب له المغفرة من الله سبحانه تألفا له وطمعا فى لينه وذهاب قسوته والشيخ لا يترك أخلاقه
حتى يوارى فى ثرى رمسه
وكان منه هذا الوعد قبل أن يعلم أنه يموت على الكفر وتحق عليه الكلمة ولهذا قال الله سبحانه فى موضع آخر ) فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ( بعد قوله ) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه ( وجملة ) إنه كان بي حفيا ( تعليل لما قبلها والمعنى سأطلب لك المغفرة من الله فإنه كان بي كثير البر واللطف يقال حفي به وتحفى إذا بره قال الكسائي يقال حفى بى حفاوة وحفوة وقال الفراء إنه كان بى حفيا اى عالما لطيفا يجيبني إذا دعوته
مريم : ( 48 ) وأعتزلكم وما تدعون . . . . .
ثم صرح الخليل بما تضمنه سلامه من التوديع والمتاركة فقال ) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ( أى أهاجر بدينى عنكم وعن معبوداتكم حيث لم تقبلوا نصحي ولا نجعت فيكم دعوتى ) وأدعو ربي (


"""""" صفحة رقم 337 """"""
وحده ) عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ( أى خائبا وقيل عاصيا قيل أراد بهذا الدعاء هو أن يهب الله له ولدا وأهلا يستأنس بهم فى اعتزاله ويطمأن إليهم عند وحشته وقيل أراد دعاءه لأبيه بالهداية وعسى للشك لأنه كان لا يدري هل يستجاب له فيه أم لا والأول أولى
مريم : ( 49 ) فلما اعتزلهم وما . . . . .
لقوله ) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب ( أى جعلنا هؤلاء الموهوبين له أهلا وولدا بدل الأهل الذين فارقهم ) وكلا جعلنا نبيا ( أى كل واحد منهما وانتصاب كلا على أنه المفعول الأول لجعلنا قدم عليه للتخصيص لكن بالنسبة إليهم أنفسهم لا بالنسبة إلى من عداهم أى كل واحد منهم جعلنا نبيا لا بعضهم دون بعض
مريم : ( 50 ) ووهبنا لهم من . . . . .
) ووهبنا لهم من رحمتنا ( بأن جعلناهم أنبياء وذكر هذا بعد التصريح بجعلهم أنبياء لبيان أن النبوة هى من باب الرحمة وقيل المراد بالرحمة هنا المال وقيل الأولاد وقيل الكتاب ولا يبعد أن يندرج تحتها جميع هذه الأمور ) وجعلنا لهم لسان صدق عليا ( لسان الصدق الثناء الحسن عبر عنه باللسان لكونه يوجد به كما عبر باليد عن العطية وإضافته إلى الصدق ووصفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يقال فيهم من الثناء على ألسن العباد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لأرجمنك ( قال لأشتمنك ) واهجرني مليا ( قال حينا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه ) واهجرني مليا ( قال اجتنبني سويا وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا فى الآية قال اجتنبني سالما قبل أن تصيبك مني عقوبة وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وعكرمة ) مليا ( دهرا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال سالما وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) إنه كان بي حفيا ( قال لطيفا وأخرج ابن أبى حاتم عنه فى قوله ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب ( قال يقول وهبنا له إسحاق ويعقوب ابن ابنه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) وجعلنا لهم لسان صدق عليا ( قال الثناء الحسن
سورة مريم الآية ( 51 60 )


"""""" صفحة رقم 338 """"""
سورة مريم الآية ( 61 63 )
مريم : ( 51 ) واذكر في الكتاب . . . . .
قفى سبحانه قصة إبراهيم بقصة موسى لأنه تلوه فى الشرف وقدمه على إسماعيل لئلا يفصل بينه وبين ذكر يعقوب أى واقرأ عليهم من القرآن قصة موسى ) إنه كان مخلصا ( قرأ أهل الكوفة بفتح اللام أى جعلناه مختارا وأخلصناه وقرأ الباقون بكسرها أى أخلص العبادة والتوحيد لله غير مراء للعباد ) وكان رسولا نبيا ( أى أرسله الله إلى عباده فأنبأهم عن الله بشرائعه التى شرعها له فهذا وجه ذكر النبى بعد الرسول مع استلزام الرسالة للنبوة فكأنه أراد بالرسول معناه اللغوى لا الشرعي والله أعلم وقال النيسابورى الرسول الذى معه كتاب من الأنبياء والنبى الذى ينبئ عن الله عز وجل وإن لم يكن معه كتاب وكان المناسب ذكر الأعم قبل الأخص إلا أن رعاية الفاصلة اقتضت عكس ذلك كقوله فى طه ) برب هارون وموسى ( انتهى
مريم : ( 52 ) وناديناه من جانب . . . . .
) وناديناه من جانب الطور الأيمن ( أى كلمناه من جانب الطور وهو جبل بين مصر ومدين اسمه زبير ومعنى الأيمن أنه كان ذلك الجانب عن يمين موسى فإن الشجرة كانت فى ذلك الجانب والنداء وقع منها وليس المراد يمين الجبل نفسه فإن الجبال لا يمين لها ولا شمال وقيل معنى الأيمن الميمون ومعنى النداء أنه تمثل له الكلام من ذلك الجانب ) وقربناه نجيا ( أى أدنيناه بتقريب المنزلة حتى كلمناه والنجي بمعنى المناجى كالجليس والنديم فالتقريب هنا هو تقريب التشريف والإكرام مثلت حاله بحال من قربه الملك لمناجاته قال الزجاج قربه منه فى المنزلة حتى سمع مناجاته وقيل إن الله سبحانه رفعه حتى سمع صريف القلم روى هذا عن بعض السلف
مريم : ( 53 ) ووهبنا له من . . . . .
) ووهبنا له من رحمتنا ( أى من نعمتنا وقيل من أجل رحمتنا و ) هارون ( عطف بيان و ) نبيا ( حال منه وذلك حين سأل ربه قال ) واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي )
مريم : ( 54 ) واذكر في الكتاب . . . . .
ووصف الله سبحانه إسماعيل بصدق الوعد مع كونه جميع الأنبياء كذلك لأنه كان مشهورا بذلك مبالغا فيه وناهيك بأنه وعد الصبر من نفسه على الذبح فوفى بذلك وكان ينتظر لمن وعده بوعد الأيام والليالي حتى قيل إنه انتظر لبعض من وعده حولا والمراد بإسماعيل هنا هو إسماعيل بن إبراهيم ولم يخالف فى ذلك إلا من لا يعتد به فقال هو إسماعيل بن حزقيل بعثه الله إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه فخيره الله فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضى بثوابه وقد استدل بقوله تعالى فى إسماعيل ) وكان رسولا نبيا ( على أن الرسول لا يجب أن يكون صاحب شريعة فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته وقيل إنه وصفه بالرسالة لكون إبراهيم أرسله إلى جرهم
مريم : ( 55 ) وكان يأمر أهله . . . . .
) وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة ( قيل المراد بأهله هنا أمته وقيل جرهم وقيل عشيرته كما فى قوله ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( والمراد بالصلاة والزكاة هنا هما العبادتان الشرعيتان ويجوز أن يراد معناهما اللغوي ) وكان عند ربه مرضيا ( أى رضيا زاكيا صالحا قال الكسائي والفراء من قال مرضي بني على رضيت قالا وأهل الحجاز يقولون مرضو
مريم : ( 56 ) واذكر في الكتاب . . . . .
) واذكر في الكتاب إدريس ( اسم إدريس أخنوخ قيل هو جد نوح فإن نوحا هو ابن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وعلى هذا فيكون جد أبي نوح ذكره الثعلبي وغيره وقد قيل إن هذا خطأ وامتناع إدريس للعجمة والعلمية وهو أول من خط بالقلم ونظر فى النجوم والحساب وأول من خاط الثياب قيل وهو أول من أعطى النبوة من بني آدم
مريم : ( 57 ) ورفعناه مكانا عليا
وقد اختلف فى معنى قوله ) ورفعناه مكانا عليا ( فقيل إن الله رفعه إلى السماء الرابعة وقيل إلى السادسة وقيل إلى الثانية وقد روى البخاري فى صحيحه من حديث الإسراء وفيه ومنهم إدريس فى الثانية وهو غلط من رواية شريك


"""""" صفحة رقم 339 """"""
ابن عبد الله بن أبي نمر والصحيح أنه فى السماء الرابعة كما رواه مسلم فى صحيحه من حديث أنس بن مالك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل إن المراد برفعه مكانا عليا ما أعطيه من شرف النبوة وقيل إنه رفع إلى الجنة
مريم : ( 58 ) أولئك الذين أنعم . . . . .
) أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين ( الإشارة إلى المذكورين من أول السورة إلى هنا والموصول صفته ومن النبيين بيان للموصول و ) من ذرية آدم ( بدل منه بإعادة الخافض وقيل إن من فى من ذرية آدم للتبعيض ) وممن حملنا مع نوح ( أى من ذرية من حملنا معه وهم من عدا إدريس فإن إبراهيم كان من ذرية سام بن نوح ) ومن ذرية إبراهيم ( وهم الباقون ) وإسرائيل ( أى ومن ذرية إسرائيل ومنهم موسى وهارون ويحيى وعيسى وقيل إنه أراد بقوله ) من ذرية آدم ( إدريس وحده وأراد بقوله ) وممن حملنا مع نوح ( إبراهيم وحده وأراد بقوله ) ومن ذرية إبراهيم ( إسماعيل وإسحاق ويعقوب وأراد بقوله ) ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل ( موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى ) وممن هدينا ( أى من جملة من هدينا إلى الإسلام ) واجتبينا ( بالإيمان ) إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ( وهذا خبر لأولئك ويجوز أن يكون الخبر هو الذين أنعم الله عليهم وهذا استئناف لبيان خشوعهم لله وخشيتهم منه وقد تقدم فى سبحان بيان معنى خروا سجدا يقال بكى يبكي بكاء وبكيا قال الخليل إذا قصرت البكاء فهو مثل الحزن أى ليس معه صوت ومنه قول الشاعر بكت عيني وحق لها بكاها
وما يغني البكاء ولا العويل
وسجدا منصوب على الحال قال الزجاج قد بين الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا آيات الله بكوا وسجدوا وقد استدل بهذه الآية على مشروعية سجود التلاوة
مريم : ( 59 ) فخلف من بعدهم . . . . .
ولما مدح هؤلاء الأنبياء بهذه الأوصاف ترغيبا لغيرهم فى الاقتداء بهم وسلوك طريقتهم ذكر أضدادهم تنفيرا للناس عن طريقتهم فقال ) فخلف من بعدهم خلف ( أى عقب سوء قال أهل اللغة يقال لعقب الخير خلف بفتح اللام ولعقب الشر خلف بسكون اللام وقد قدمنا الكلام على هذا فى آخر الأعراف ) أضاعوا الصلاة ( قال الأكثر معنى ذلك أنهم أخروها عن وقتها وقيل أضاعوا الوقت وقيل كفروا بها وجحدوا وجوبها وقيل لم يأتوا بها على الوجه المشروع والظاهر أن من أخر الصلاة عن وقتها أو ترك فرضا من فروضها أو شرطا من شروطها أو ركنا من أركانها فقد أضاعها ويدخل تحت الاضاعة من تركها بالمرة أو جحدها دخولا أوليا
واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية فقيل فى اليهود وقيل فى النصارى وقيل فى قوم من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يأتون فى آخر الزمان ومعنى ) واتبعوا الشهوات ( أى فعلوا ما تشتهيه أنفسهم وترغب إليه من المحرمات كشرب الخمر والزنا ) فسوف يلقون غيا ( الغي هو الشر عند أهل اللغة كما أن الخير هو الرشاد والمعنى أنهم سيلقون شرا لا خيرا وقيل الغي الضلال وقيل الخيبة وقيل هو اسم واد فى جهنم وقيل فى الكلام حذف والتقدير سيلقون جزاء الغي كذا قال الزجاج ومثله قوله سبحانه ) يلق أثاما ( أى جزاء أثام
مريم : ( 60 ) إلا من تاب . . . . .
) إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ( أى تاب مما فرط منه من تضييع الصلوات واتباع الشهوات فرجع إلى طاعة الله وآمن به وعمل عملا صالحا وفى هذا الاستثناء دليل على أن الآية فى الكفرة لا فى المسلمين ) فأولئك يدخلون الجنة ( قرأ أبو جعفر وشيبة وابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب وأبو بكر ) يدخلون ( بضم الياء وفتح الخاء وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الخاء ) ولا يظلمون شيئا ( أى لا ينقص من أجورهم شيء وإن كان قليلا فإن الله سبحانه يوفي إليهم أجورهم وانتصاب
مريم : ( 61 ) جنات عدن التي . . . . .
) جنات عدن ( على البدل من الجنة بدل البعض لكون جنات عدن بعض من الجنة قال الزجاج ويجوز جنات عدن بالرفع على الابتداء وقرئ كذلك قال أبو حاتم ولولا الخط لكان


"""""" صفحة رقم 340 """"""
جنة عدن يعني بالإفراد مكان الجمع وليس هذا بشيء فإن الجنة اسم لمجموع الجنات التى هى بمنزلة الأنواع للجنس وقرئ بنصب الجنات على المدح وقد قرئ جنة بالإفراد ) التي وعد الرحمن عباده بالغيب ( هذه الجملة صفة لجنات عدن وبالغيب فى محل نصب على الحال من الجنات أو من عباده أى متلبسة أو متلبسين بالغيب وقرئ بصرف عدن ومنعها على أنها علم لمعنى العدن وهو الإقامة أو علم لأرض الجنة ) إنه كان وعده مأتيا ( أى موعوده على العموم فتدخل فيه الجنات دخولا أوليا قال الفراء لم يقل آتيا لأن كل ما أتاك فقد أتيته وكذا قال الزجاج
مريم : ( 62 ) لا يسمعون فيها . . . . .
) لا يسمعون فيها لغوا ( هو الهذر من الكلام الذى يلغى ولا طائل تحته وهو كناية عن عدم صدور اللغو منهم وقيل اللغو كل ما لم يكن فيه ذكر الله ) إلا سلاما ( هو استثناء منقطع أى سلام بعضهم على بعض أو سلام الملائكة عليهم وقال الزجاج السلام اسم جامع للخير لأنه يتضمن السلامة والمعنى أن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤلمهم وإنما يسمعون ما يسلمهم ) ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ( قال المفسرون ليس فى الجنة بكرة ولا عشية ولكنهم يؤتون رزقهم على مقدار ما يعرفون من الغداء والعشاء
مريم : ( 63 ) تلك الجنة التي . . . . .
) تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ( أى هذه الجنة التى وصفنا أحوالها نورثها من كان من أهل التقوى كما يبقى على الوارث مال موروثه قرأ يعقوب ) نورث ( بفتح الواو وتشديد الراء وقرأ الباقون بالتخفيف وقيل فى الكلام تقديم وتأخير والتقدير نورث من كان تقيا من عبادنا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) وكان رسولا نبيا ( قال النبي الذى يكلم وينزل عليه ولا يرسل ولفظ ابن أبي حاتم الأنبياء الذين ليسوا برسل يوحى إلى أحدهم ولا يرسل إلى أحد والرسل الأنبياء الذين يوحى إليهم ويرسلون وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) جانب الطور الأيمن ( قال جانب الجبل الأيمن ) وقربناه نجيا ( قال نجا بصدقه وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال قربه حتى سمع صريف القلم وروى نحو هذا عن جماعة من التابعين وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس فى الآية قال حتى سمع صريف القلم يكتب فى اللوح وأخرجه الديلمي عنه مرفوعا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون ( قال كان هارون أكبر من موسى ولكن إنما وهب له نبوته وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ورفعناه مكانا عليا ( قال كان إدريس خياطا وكان لا يغرز غرزة إلا قال سبحان الله وكان يمسي حين يمسي وليس على الأرض أفضل عملا منه فاستأذن ملك من الملائكة ربه فقال يا رب ائذن لى فأهبط إلى إدريس فأذن له فأتى إدريس فقال إني جئتك لأخدمك قال كيف تخدمني وأنت ملك وأنا إنسان ثم قال إدريس هل بينك وبين ملك الموت شيء قال الملك ذاك أخي من الملائكة قال هل تستطيع أن تنفعني قال أما يؤخر شيئا أو يقدمه فلا ولكن سأكلمه لك فيرفق بك عند الموت فقال اركب بين جناحي فركب إدريس فصعد إلى السماء العليا فلقي ملك الموت وإدريس بين جناحيه فقال له الملك إن لي إليك حاجة قال علمت حاجتك تكلمني فى إدريس وقد محى اسمه من الصحيفة فلم يبق من أجله إلا نصف طرفة عين فمات إدريس بين جناحي الملك وأخرج ابن أبي شيبة فى المصاحف وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال سألت كعبا فذكر نحوه فهذا هو من الإسرائيليات التى يرويها كعب وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال رفع إدريس إلى السماء السادسة وأخرج الترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه قال حدثنا أنس بن مالك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما عرج بي رأيت


"""""" صفحة رقم 341 """"""
إدريس فى السماء الرابعة وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى الآية قال رفع إدريس كما رفع عيسى ولم يمت وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال إدريس هو إلياس وحسنه السيوطي وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) أولئك الذين أنعم الله عليهم ( إلى آخره قال هذه تسمية الأنبياء الذين ذكرهم أما من ذرية آدم فإدريس ونوح وأما من حمل مع نوح فإبراهيم وأما ذرية إبراهيم فإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأما ذرية إسرائيل فموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) فخلف من بعدهم خلف ( قال هم اليهود والنصارى وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد فى الآية قال هم من هذه الأمة يتراكبون فى الطرق كما تراكب الأنعام لا يستحيون من الناس ولا يخافون من الله فى السماء وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود فى قوله ) أضاعوا الصلاة ( قال ليس إضاعتها تركها قد يضيع الإنسان الشيء ولا يتركه ولكن إضاعتها إذا لم يصلها لوقتها وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الشعب عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتلا هذه الآية ) فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ( الآية قال يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) فسوف يلقون غيا ( ثم يكون خلف يقرءون القرآن لا يعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثة مؤمن ومنافق وفاجر وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول سيهلك من أمتي أهل الكتاب وأهل اللبن قلت يا رسول الله ما أهل الكتاب قال قوم يتعلمون الكتاب يجادلون به الذين آمنوا قلت ما أهل اللبن قال قوم يتبعون الشهوات ويضيعون الصلوات وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه عن عائشة أنها كانت ترسل بالصدقة لأهل الصدقة وتقول لا تعطوا منها بربريا ولا بربرية فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول هم الخلف الذين قال الله ) فخلف من بعدهم خلف ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فسوف يلقون غيا ( قال خسرا وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي فى البعث من طرق عن ابن مسعود فى قوله ) فسوف يلقون غيا ( قال الغي نهر أو واد فى جهنم من قيح بعيد القعر خبيث الطعم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات وقد قال بأنه واد فى جهنم البراء ابن عازب وروى ذلك عنه ابن المنذر والطبراني وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو أن صخرة زنة عشر عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا ثم تنتهي إلى غي وأثام قلت وما غي وأثام قال نهران فى أسفل جهنم يسيل فيهما صديد أهل النار وهما اللذان ذكر الله فى كتابه ) فسوف يلقون غيا ( ومن يفعل ذلك يلق أثاما وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الغي واد فى جهنم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) لا يسمعون فيها لغوا ( قال باطلا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) بكرة وعشيا ( قال يؤتون به فى الآخرة على مقدار ما كانوا يؤتون فى الدنيا وأخرج الحكيم والترمذي فى نوادر الأصول من طريق أبان عن الحسن وأبي قلابة قالا قال رجل يا رسول الله هل فى الجنة من ليل قال وما هيجك على هذا قال سمعت الله يذكر فى الكتاب ) ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا (


"""""" صفحة رقم 342 """"""
فقلت الليل من البكرة والعشي فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليس هناك دليل وإنما هو ضوء ونور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو تأتيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلاة التى كانوا يصلون فيها فى الدنيا وتسلم عليهم الملائكة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما من غداة من غدوات الجنة وكل الجنة غدوات إلى أنه يزف إلى ولي الله فيها زوجة من الحور العين وأدناهن التى خلقت من الزعفران قال بعد إخراجه قال أبو محمد هذا حديث منكر
سورة مريم الآية ( 64 72 )
مريم : ( 64 ) وما نتنزل إلا . . . . .
قوله ) وما نتنزل ( أى قال الله سبحانه قل يا جبريل وما نتنزل وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استبطأ نزول جبريل عليه فأمر جبريل أن يخبره بأن الملائكة ما تتنزل عليه إلا بأمر الله قيل احتبس جبريل عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أربعين يوما وقيل خمسة عشر وقيل اثنى عشر وقيل ثلاثة أيام وقيل إن هذا حكاية عن أهل الجنة وأنهم يقولون عند دخولها وما نتنزل هذه الجنان ) إلا بأمر ربك ( والأول أولى بدلالة ما قبله ومعناه يحتمل وجهين الأول ما نتنزل عليك إلا بأمر ربك لنا بالتنزيل والثاني وما نتنزل عليك إلا بأمر ربك الذى يأمرك به بما شرعه لك ولأمتك والتنزل النزول على مهل وقد يطلق على مطلق النزول ثم أكد جبريل ما أخبر به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ( أى من الجهات والأماكن أو من الأزمنة الماضية والمستقبلة وما بينهما من الزمان أو المكان الذى نحن فيه فلا نقدر على أن ننتقل من جهة إلى جهة أو من زمان إلى زمان إلا بأمر ربك ومشيئته وقيل المعنى له ما سلف من أمر الدنيا وما يستقبل من أمر الآخرة وما بين ذلك وهو ما بين النفختين وقيل الأرض التى بين أيدينا إذا نزلنا والسماء التى وراءنا وما بين السماء والأرض وقيل ما مضى من أعمارنا وما غبر منها والحالة التى نحن فيها وعلى هذه الأقوال كلها يكون المعنى أن الله سبحانه هو المحيط بكل شيء لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة فلا نقدم على أمر إلا بإذنه وقال ما بين ذلك ولم يقل وما بين ذينك لأن المراد وما بين ما ذكرنا كما فى قوله سبحانه ) عوان بين ذلك ( ) وما كان ربك نسيا ( أى لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي وقيل المعنى إنه عالم بجميع الأشياء لا ينسى منها شيئا وقيل المعنى وما كان ربك ينسى الإرسال إليك عند الوقت


"""""" صفحة رقم 343 """"""
الذى يرسل فيه رسله
مريم : ( 65 ) رب السماوات والأرض . . . . .
) رب السماوات والأرض وما بينهما ( أى خالقهما وخالق ما بينهما ومالكهما ومالك ما بينهما ومن كان هكذا فالنسيان محال عليه ثم أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بعبادته والصبر عليها فقال ) فاعبده واصطبر لعبادته ( والفاء للسببية لأن كونه رب العالمين سبب موجب لأن يعيد وعدى فعل الصبر باللام دون على التى يتعدى له لتضمنه معنى الثبات ) هل تعلم له سميا ( الاستفهام للإنكار والمعنى أنه ليس له مثل ولا نظير حتى يشاركه فى العبادة فيلزم من ذلك أن تكون غير خالصة له سبحانه فلما انتفى المشارك استحق الله سبحانه أن يفرد بالعبادة وتخلص له هذا مبنى على أن المراد بالسمى هو الشريك فى المسمى وقيل المراد به الشريك فى الإسم كما هو الظاهر من لغة العرب فقيل المعنى إنه لم يسم شئ من الأصنام ولا غيرها بالله قط يعنى بعد دخول الألف واللام التى عوضت عن الهمزة ولزمت وقيل المراد هل تعلم أحدا اسمه الرحمن غيره قال الزجاج تأويله والله أعلم هل تعلم له سميا يستحق أن يقال له خالق وقادر وعالم بما كان وبما يكون وعلى هذا لا سمى لله فى جميع اسمائه لأن غيره وإن سمى بشئ من أسمائه فلله سبحانه حقيقة ذلك الوصف والمراد بنفى العلم المستفاد من الإنكار هنا نفى المعلوم على أبلغ وجه وأكمله
مريم : ( 66 ) ويقول الإنسان أئذا . . . . .
) ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ( قرأ الجمهور على الإستفهام وقرأ ابن ذكوان إذا ما مت على الخبر والمراد بالإنسان ها هنا الكافر لأن هذا الإستفهام هنا للإنكار والاستهزاء والتكذيب بالبعث وقيل اللام فى الإنسان للجنس بأسره وإن لم يقل هذه المقالة إلا البعض وهم الكفرة فقد يسند إلى الجماعة ما قام بواحد منهم والمراد بقوله أخرج أى من القبر والعامل فى الظرف فعل دل عليه أخرج لأن ما بعد اللام لا يعلم فيما قبلها
مريم : ( 67 ) أولا يذكر الإنسان . . . . .
) أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ( الهمزة للإنكار التوبيخى والواو لعطف الجملة التى بعدها على الجملة التى قبلها والمراد بالذكر هنا إعمال الفكر أى ألا يتفكر هذا الجاحد فى أول خلقه فيستدل بالإبتداء على الإعادة والإبتداء أعجب وأغرب من الإعادة لأن النشأة الأولى هى إخراج لهذه المخلوقات من العدم إلى الوجود ابتداعا واختراعا لم يتقدم عليه ما يكون كالمثال له وأما النشأة الآخرة فقد تقدم عليها النشأة الأولى فكانت كالمثال لها ومعنى ) من قبل ( قبل الحالة التى هو عليها الآن وجملة ) ولم يك شيئا ( فى محل نصب على الحال أى والحال أنه لم يكن حينئذ شيئا من الأشياء أصلا فإعادته بعد أن كان شيئا موجودا أسهل وأيسر قرأ أهل مكة وأبو عمرو وأبو جعفر وأهل الكوفة إلا عاصما ? أو لا يذكر ? بالتشديد وأصله يتذكر وقرأ شيبة ونافع وعاصم وابن عامر ) يذكر ( بالتخفيف وفى قراءة أبى ? أو لا يتذكر ?
مريم : ( 68 ) فوربك لنحشرنهم والشياطين . . . . .
ثم لما جاء سبحانه وتعالى بهذه الحجة التى أجمع العقلاء على أنه لم يكن فى حجج البعث حجة أقوى منها أكدها بالقسم باسمه سبحانه مضافا إلى رسوله تشريفا له وتعظيما فقال ) فوربك لنحشرنهم ( ومعنى لنحشرنهم لنسوقنهم إلى المحشر بعد إخراجهم من قبورهم أحياء كما كانوا والواو فى قوله ) والشياطين ( للعطف على المنصوب أو بمعنى مع والمعنى أن هؤلاء الجاحدين يحشرهم الله مع شياطينهم الذين أغووهم وأضلوهم وهذا ظاهر على جعل اللام فى الإنسان للعهد وهو الإنسان الكافر وأما على جعلها للجنس فكونه قد وجد فى الجنس من يحشر مع شيطانه ) ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ( الجثى جمع جاث من قولهم جثا على ركبتيه يجثو جثوا وهو منتصب على الحال أى جاثين على ركبهم لما يصيبهم من هول الموقف وروعة الحساب أو لكون الجثى على الركب شأن أهل الموقف كما فى قوله سبحانه ) وترى كل أمة جاثية ( وقيل المراد بقوله جثيا جماعات وأصله جمع جثوة والجثوة هي المجموع من التراب أو الحجارة


"""""" صفحة رقم 344 """"""
أرى جثوتين من تراب عليهما
صفائح صم من صفيح منضد
مريم : ( 69 ) ثم لننزعن من . . . . .
) ثم لننزعن من كل شيعة ( الشيعة الفرقة التى تبعت دينا من الأديان وخصص ذلك الزمخشري فقال هى الطائفة التى شاعت أى تبعت غاويا من الغواة قال الله تعالى ) إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ( ومعنى ) أيهم أشد على الرحمن عتيا ( من كان أعصى لله وأعتى فإنه ينزع من كل طائفة من طوائف الغي والفساد أعصاهم وأعتاهم فإذا اجتمعوا طرحهم فى جهنم والعتي ها هنا مصدر كالعتو وهو التمرد فى العصيان وقيل المعنى لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساهم فى الشر وقد اتفق القراء على قراءة أيهم بالضم إلا هارون الغازي فإنه قرأها بالفتح وقال الزجاج فى رفع أيهم ثلاثة أقوال الأول قول الخليل بن أحمد إنه مرفوع على الحكاية والمعنى ثم لننزعن من كل شيعة الذين يقال لهم أيهم أشد وأنشد الخليل فى ذلك قول الشاعر
وقد أبيت من الفتاة بمنزل
فأبيت لا حرج ولا محروم
أى فأبيت بمنزلة الذى يقال له هو لا حرج ولا محروم قال النحاس ورأيت أبا إسحاق يعنى الزجاج يختار هذا القول ويستحسنه القول الثاني قول يونس وهو أن لننزعن بمنزلة الأفعال التى تلغى وتعلق فهذا الفعل عنده معلق عن العمل فى أى وخصص الخليل وسيبويه وغيرهما التعليق بأفعال الشك ونحوها مما لم يتحقق وقوعه القول الثالث قول سيبويه إن أيهم ها هنا مبنى على الضم لأنه خالف أخواته فى الحذف وقد غلط سيبويه فى قوله هذا جمهور النحويين حتى قال الزجاج ما تبين لى أن سيبويه غلط فى كتابه إلا فى موضعين هذا أحدهما وللنحويين فى إعراب أيهم هذه فى هذا الموضع كلام طويل
مريم : ( 70 ) ثم لنحن أعلم . . . . .
) ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ( يقال صلى يصلي صليا مثل مضى الشئ يمضي مضيا قال الجوهرى يقال صليت الرجل نارا إذا أدخلته النار وجعلته يصلاها فإن ألقيته إلقاء كأنك تريد الإحراق قلت أصليته بالألف وصليته تصلية ومنه ) ويصلى سعيرا ( ومن خفف فهو من قولهم صلى فلان النار بالكسر يصلى صليا احترق قال الله تعال ) بالذين هم أولى بها صليا ( قال العجاج والله لولا النار أن تصلاها
ومعنى الآية أن هؤلاء الذين هم أشد على الرحمن عتيا هم أولى بصليها أو صليهم أولى بالنار
مريم : ( 71 ) وإن منكم إلا . . . . .
) وإن منكم إلا واردها ( الخطاب للناس من غير التفات أو للإنسان المذكور فيكون التفاتا أى ما منكم من أحد إلا واردها أى واصلها
وقد اختلف الناس فى هذا الورود فقيل الورود الدخول ويكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم وقالت فرقة الورود هو المرور على الصراط وقيل ليس الورود الدخول إنما هو كما يقول وردت البصرة ولم أدخلها وقد توقف كثير من العلماء عن تحقيق هذا الورود وحمله على ظاهره لقوله تعالى ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ( قالوا فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده عنها ومما يدل على أن الورود لا يستلزم الدخول قوله تعالى ) ولما ورد ماء مدين ( فإن المراد أشرف عليه لا أنه دخل فيه ومنه قول زهير
فلما وردن الماء زرقا حمامة وضعن عصى الحاضر المتخيم
ولا يخفى أن القول بأن الورود هو المرور على الصراط أو الورود على جهنم وهى خامدة فيه جمع بين الأدلة من الكتاب والسنة فينبغي حمل هذه الآية على ذلك لأنه قد حصل الجمع بحمل الورود على دخول النار مع كون الداخل من المؤمنين مبعدا من عذابهما أو بحمله على المضى فوق الجسر المنصوب عليها وهو الصراط ) كان على ربك حتما مقضيا ( أى كان ورودهم المذكور أمرا محتوما قد قضى سبحانه أنه لا بد من وقوعه لا محالة


"""""" صفحة رقم 345 """"""
قد استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن العقاب واجب على الله وعند الأشاعرة أن هذا مشبه بالواجب من جهة استحالة تطرق الخلف إليه
مريم : ( 72 ) ثم ننجي الذين . . . . .
) ثم ننجي الذين اتقوا ( أى اتقوا ما يوجب النار وهو الكفر بالله ومعاصيه وترك ما شرعه وأوجب العمل به قرأ عاصم الجحدرى ومعاوية بن قرة ) ننجي ( بالتخفيف من أنجى وبها قرأ حميد ويعقوب والكسائي وقرأ الباقون بالتشديد وقرأ ابن أبى ليلى ) من نذر ( بفتح الثاء من ثم والمراد بالظالمين الذين ظلموا أنفسهم بفعل ما يوجب النار أو ظلموا غيرهم بمظلمة فى النفس أو المال أو العرض والجثى جمع جاث وقد تقدم قريبا تفسير الجثى وإعرابه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لجبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت ) وما نتنزل إلا بأمر ربك ( إلى آخر الآية وزاد ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وكان ذلك الجواب لمحمد واخرج ابن مردويه من حديث أنس قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أى البقاع أحب إلى الله وأيها أبغض إلى الله قال ما أدري حتى أسأل فنزل جبريل وكان قد أبطأ عليه فقال لقد أبطأت علي حتى ظننت أن بربى على موجدة فقال ) وما نتنزل إلا بأمر ربك ( وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم عن عكرمة قال أبطأ جبريل على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أربعين يوما ثم نزل فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما نزلت حتى اشتقت إليك فقال له جبريل أنا كنت إليك أشوق ولكنى مأمور فأوحى الله إلى جبريل أن قل له ) وما نتنزل إلا بأمر ربك ( وهو مرسل وأخرج سعيد ابن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد قال أبطأت الرسل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أتاه جبريل فقال له ما حبسك عنى قال وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ولا تنقون براجمكم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون وقرأ ) وما نتنزل إلا بأمر ربك ( وهو مرسل أيضا وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير ) له ما بين أيدينا ( قال من أمر الآخرة ) وما خلفنا ( قال من أمر الدنيا ) وما بين ذلك ( قال ما بين الدنيا والآخرة وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة ) وما بين ذلك ( قال ما بين النفختين وأخرج ابن المنذر عن أبى العالية مثله وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقى والحاكم وصححه عن أبى الدرداء رفع الحديث قال ما أحل الله فى كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا ثم تلا ) وما كان ربك نسيا ( وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن ابن عباس فى قوله ) هل تعلم له سميا ( قال ليس أحد يسمى الرحمن غيره وأخرج ابن مردويه عنه أيضا فى الآية قال يا محمد هل تعلم لإلهك من ولد وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) ويقول الإنسان ( قال العاص بن وائل وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) جثيا ( قال قعودا وفى قوله ) عتيا ( قال معصية وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) عتيا ( قال عصيا وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) ثم لننزعن ( قال لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤوسهم فى الشر وأخرج ابن أبى حاتم والبيهقى فى البعث عن ابن مسعود قال نحشر الأول على الآخر حتى إذا تكاملت العدة أثارهم جميعا ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرما ثم قرأ ) فوربك لنحشرنهم ( إلى قوله ) عتيا ( وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ( قال يقول إنهم أولى بالخلود فى جهنم وأخرج أحمد وعبد بن حميد والحكيم والترمذي وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 346 """"""
وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن أبى سمية قال اختلفنا فى الورود فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن وقال بعضنا يدخلونها جميعا ) ثم ننجي الذين اتقوا ( فلقيت جابر بن عبد الله فذكرت له فقال وأهوى بأصبعه إلى أذنيه صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجا من بردها ) ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ( وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن مجاهد قال خاصم نافع بن الأزرق ابن عباس فقال ابن عباس الورود الدخول وقال نافع لا فقرأ ابن عباس ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ( وقال ورودا أم لا وقرأ ) يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ( أوردوا أم لا أما أنا وأنت فسندخلها فانظر هل نخرج منها أم لا وأخرج الحاكم عن ابن مسعود فى قوله ) وإن منكم إلا واردها ( قال وإن منكم إلا داخلها وأخرج هناد والطبراني عنه فى الآية قال ورودها الصراط وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذى وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى وابن الأنباري وابن مردويه عن ابن مسعود فى قوله ) وإن منكم إلا واردها ( قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليرد الناس كلهم النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب فى رحله ثم كشد الرحل ثم كمشيه وقد روى نحو هذا من حديث ابن مسعود من طرق وأخرج ابن مردويه عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وإن منكم إلا واردها ( يقول مجتاز فيها وأخرج مسلم وغيره عن أم مبشر قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يدخل النار أحدا شهد بدرا والحديبية قالت حفصة أليس الله يقول ) وإن منكم إلا واردها ( قالت ألم تسمعيه يقول ) ثم ننجي الذين اتقوا ( وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فليج النار إلا تحله القسم ثم قرأ سفيان ) وإن منكم إلا واردها ( وأخرج أحمد والبخاري فى تاريخه وأبو يعلى والطبراني وابن مردويه عن معاذ بن أنس عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من حرس من وراء المسلمين فى سبيل الله متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم فإن الله يقول ) وإن منكم إلا واردها ( والأحاديث فى تفسير هذه الآية كثيرة جدا وأخرج ابن أبى شيبة وعبد ابن حميد وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) حتما مقضيا ( قال قضاء من الله وأخرج الخطيب فى تالي التلخيص عن عكرمة حتما مقضيا قال قسما واجبا وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ونذر الظالمين فيها جثيا ( قال باقين فيها
سورة مريم الآية ( 73 75 )


"""""" صفحة رقم 347 """"""
سورة مريم الآية ( 76 80 )
مريم : ( 73 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
الضمير فى ) عليهم ( راجع إلى الكفار الذين سبق ذكرهم فى قوله ) أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ( أى هؤلاء إذا قرئ عليهم القرآن تعذروا بالدنيا وقالوا لو كنتم على حق وكنا على الباطل لكان حالكم فى الدنيا أطيب من حالنا ولم يكن بالعكس لأن الحكيم لا يليق به أن يهين أولياءه ويعز أعداءه ومعنى البينات الواضحات التى لا تلتبس معانيها وقيل ظاهرات الإعجاز وقيل إنها حجج وبراهين والأول أولى وهى حال مؤكدة لأن آيات الله لا تكون إلا واضحة ووضع الظاهر موضع المضمر فى قوله ) قال الذين كفروا ( للإشعار بأن كفرهم هو السبب لصدور هذا القول عنهم وقيل المراد بالذين كفروا هنا هم المتمردون المصرون منهم ومعنى قالوا ) للذين آمنوا ( قالوا لأجلهم وقيل هذه اللام هى لام التبليغ كما فى قوله ) وقال لهم نبيهم ( أى خاطبوهم بذلك وبلغوا القول إليهم ) أي الفريقين خير مقاما ( المراد بالفريقين المؤمنون والكافرون كأنهم قالوا أفريقنا خير أم فريقكم قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد مقاما بضم الميم وهو موضع الإقامة ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الإقامة وقرأ الباقون بالفتح أى منزلا ومسكنا وقيل المقام الموضع الذى يقام فيه بالأمور الجليلة والمعنى أى الفريقين أكبر جاها وأكثر أنصارا وأعوانا والندى والنادى مجلس القوم ومجتمعهم ومنه قوله تعالى ) وتأتون في ناديكم المنكر ( وناداه جالسه فى النادى ومنه دار الندوة لأن المشركين كانوا يتشاورون فيها فى أمورهم ومنه أيضا قول الشاعر أنادى به آل الوليد وجعفرا
مريم : ( 74 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . .
) وكم أهلكنا قبلهم من قرن ( القرن الأمة والجماعة ) هم أحسن أثاثا ورئيا ( الأثاث المال أجمع الإبل والغنم والبقر والعبيد والمتاع وقيل هو متاع البيت خاصة وقيل هو الجديد من الفرش وقيل اللباس خاصة واختلفت القراءات فى ) ورئيا ( فقرأ أهل المدينة وابن ذكوان وريا بياء مشددة وفى ذلك وجهان أحدهما أن يكون من رأيت ثم خففت الهمزة فأبدل منها ياء وأدغمت الياء فى الياء والمعنى على هذه القراءة هم أحسن منظرا وبه قول جمهور المفسرين وحسن المنظر يكون من جهة حسن اللباس أوحسن الأبدان وتنعمها أو مجموع الأمرين وقرأ أهل الكوفة وأبو عمرو وابن كثير ) ورئيا ( بالهمز وحكاها ورش عن نافع وهشام عن ابن عامر ومعناها معنى القراءة الأولى قال الجوهرى من همز جعله من المنظر من رأيت وهو ما رأته العين من حال حسنه وكسوة ظاهرة وأنشد أبو عبيدة لمحمد بن نمير الثقفي
أشاقتك الظعائن يوم بانوا بذى الرئى الجميل من الأثاث
ومن لم يهمز إما أن يكون من تخفيف الهمزة أو يكون من رويت ألوانهم أو جلودهم ريا أى امتلأت وحسنت وقد ذكر الزجاج معنى هذا كما حكاه عنه الواحدى وحكى يعقوب أن طلحة بن مصرف قرأ بياء واحدة خفيفة فقيل إن هذه القراءة غلط ووجهها بعض النحويين أنه كان أصلها الهمزة فقلبت ياء ثم حذفت إحدى الياءين وروى عن ابن عباس أنه قرأ بالزاى مكان الراء وروى مثل ذلك عن أبى بن كعب وسعيد بن جبير والأعصم المكي واليزيدى والزى الهيئة والحسن قيل ويجوز أن يكون من زويت أى جمعت فيكون


"""""" صفحة رقم 348 """"""
أصلها زويا فقلبت الواو ياء والزي محاسن مجموعة
مريم : ( 75 ) قل من كان . . . . .
) قل من كان في الضلالة ( أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيب على هؤلاء المفتخرين بحظوظهم الدنيوية أى من كان مستقرا فى الضلالة ) فليمدد له الرحمن مدا ( هذا وإن كان على صيغة الأمر فالمراد به الخبر وإنما خرج مخرج الأمر لبيان الإمهال منه سبحانه للعصاة وأن ذلك كائن لا محالة لتنقطع معاذير أهل الضلال ويقال لهم يوم القيامة ) أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ( أو للاستدراج كقوله سبحانه ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( وقيل المراد بالآية الدعاء بالمد والتنفيس قال الزجاج تأويله أن الله جعل جزاء ضلالته أن يتركه ويمده فيها لأن لفظ الأمر يؤكد معنى الخبر كأن المتكلم يقول أفعل ذلك وآمر به نفسي ) حتى إذا رأوا ما يوعدون ( يعني الذين مد لهم فى الضلالة وجاء بضمير الجماعة اعتبارا بمعنى من كما أن قوله ) كان في الضلالة فليمدد له ( اعتبار بلفظها وهذه غاية للمد لا لقول المفتخرين إذ ليس فيه امتداد ) إما العذاب وإما الساعة ( هذا تفصيل لقوله ما يوعدون أى هذا الذى توعدون هو أحد أمرين إما العذاب فى الدنيا بالقتل والأسر وإما يوم القيامة وما يحل بهم حينئذ من العذاب الأخروي ) فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ( هذا جواب الشرط وهو جواب على المفتخرين أى هؤلاء القائلون أى الفريقين خير مقاما إذا عاينوا ما يوعدون به من العذاب الدنيوي بأيدي المؤمنين أو الأخروي فسيعلمون عند ذلك من هو شر مكانا من الفريقين وأضعف جندا منهما أى أنصارا وأعوانا والمعنى أنهم سيعلمون عند ذلك أنهم شر مكانا لا خير مكانا وأضعف جندا لا أقوى ولا أحسن من فريق المؤمنين وليس المراد أن للمفتخرين هنالك جندا ضعفاء بل لا جند لهم أصلا كما فى قوله سبحانه ) ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا )
مريم : ( 76 ) ويزيد الله الذين . . . . .
ثم لما أخبر سبحانه عن حال أهل الضلالة أراد أن يبين حال أهل الهداية فقال ) ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ( وذلك أن بعض الهدى يجر إلى البعض الآخر والخير يدعو إلى الخير وقيل المراد بالزيادة العبادة من المؤمنين والواو فى ) ويزيد ( للاستئناف والجملة مستأنفة لبيان حال المهتدين وقيل الواو للعطف على فليمدد وقيل للعطف على جملة من كان فى الضلالة قال الزجاج المعنى أن الله يجعل جزاء المؤمنين أن يزيدهم يقينا كما جعل جزاء الكافرين أن يمدهم فى ضلالتهم ) والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا ( هى الطاعات المؤدية إلى السعادة الأبدية ومعنى كونها خيرا عند الله ثوابا أنها أنفع عائدة مما يتمتع به الكفار من النعم الدنيوية ) وخير مردا ( المرد هاهنا مصدر كالرد والمعنى وخير مردا للثواب على فاعلها ليست كأعمال الكفار التى خسروا فيها والمرد المرجع والعاقبة والتفضل للتهكم بهم للقطع بأن أعمال الكفار لا خير فيها أصلا
مريم : ( 77 ) أفرأيت الذي كفر . . . . .
ثم أردف سبحانه مقالة أولئك المفتخرين بأخرى مثلها على سبيل التعجب فقال ) أفرأيت الذي كفر بآياتنا ( أى أخبرني بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقب حديث أولئك وإنما استعملوا أرأيت بمعنى أخبر لأن رؤية الشيء من أسباب صحة الخبر عنه والآيات تعم كل آية ومن جملتها آية البعث والفاء للعطف على مقدر يدل عليه المقام أى أنظرت فرأيت واللام فى ) لأوتين مالا وولدا ( هى الموطئة للقسم كأنه قال والله لأوتين فى الآخرة مالا وولدا أى انظر إلى حال هذا الكافر وتعجب من كلامة وتأليه على الله مع كفره به وتكذيبه بآياته
مريم : ( 78 ) أطلع الغيب أم . . . . .
ثم أجاب سبحانه عن قول هذا الكافر بما يدفعه ويبطله فقال ) أطلع ( على ) الغيب ( أى أعلم ما غاب عنه حتى يعلم أنه فى الجنة ) أم اتخذ عند الرحمن عهدا ( بذلك فإنه لا يتوصل إلى العلم إلا بإحدى هاتين الطريقتين وقيل المعنى انظر فى اللوح المحفوظ أم اتخذ عند الرحمن عهدا وقيل معنى أم اتخذ عند الرحمن عهدا أم قال لا إله إلا الله فأرحمه بها وقيل المعنى أم قدم عملا صالحا فهو يرجوه واطلع مأخوذ من قولهم اطلع الجبل إذا ارتقى إلى أعلاه


"""""" صفحة رقم 349 """"""
وقرأ حمزة والكسائي ويحيى بن وثاب والأعمش ) وولدا ( بضم الواو والباقون بفتحها فقيل هما لغتان معناهما واحد يقال ولد وولد كما يقال عدم وعدم قال الحارث بن حلزة ولقد رأيت معاشرا
قد ثمروا مالا وولدا
وقال آخر فليت فلانا كان فى بطن أمه
وليت فلانا كان ولد حمار
وقيل الولد بالضم للجمع وبالفتح للواحد وقد ذهب الجمهور إلى أن هذا الكافر أراد بقوله لأوتين مالا وولدا أنه يؤتي ذلك فى الدنيا وقال جماعة فى الجنة وقيل المعنى إن أقمت على دين آبائي لأوتين وقيل المعنى لو كنت على باطل لما أوتيت مالا وولدا
مريم : ( 79 ) كلا سنكتب ما . . . . .
) كلا سنكتب ما يقول ( كلا حرف ردع وزجر أى ليس الأمر على ما قال هذا الكافر من أنه يؤتي المال والولد سيكتب ما يقول أى سنحفظ عليه ما يقوله فنجاز به فى الآخرة أو سنظهر ما يقول أو سننتقم منه انتقام من كتبت معصيته ) ونمد له من العذاب مدا ( أى نزيده عذابا فوق عذابه مكان ما يدعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد أو نطول له من العذاب ما يستحقه وهو عذاب من جمع بين الكفر والاستهزاء
مريم : ( 80 ) ونرثه ما يقول . . . . .
) ونرثه ما يقول ( أى نميته فنرثه المال والولد الذى يقول إنه يؤتاه والمعنى مسمى ما يقول ومصداقه وقيل المعنى نحرمه ما تمناه ونعطيه غيره ) ويأتينا فردا ( أى يوم القيامة لا مال له ولا ولد بل نسلبه ذلك فكيف يطمع فى أن نؤتيه وقيل المراد بما يقول نفس القول لا مسماه والمعنى إنما يقول هذا القول ما دام حيا فإذا أمتناه حلنا بينه وبين أن يقوله ويأتينا رافضا له منفردا عنه والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) أي الفريقين خير مقاما ( قال قريش تقوله لها ولأصحاب محمد وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) خير مقاما ( قال المنازل ) وأحسن نديا ( قال المجالس وفى قوله ) أحسن أثاثا ( قال المتاع والمال ) ورئيا ( قال المنظر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ( فليدعه الله فى طغيانه وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حبيب بن أبي ثابت قال فى حرف أبي قل من كان فى الضلالة فإنه يزيده الله ضلالة
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما فى قوله ) أفرأيت الذي كفر ( من حديث خباب بن الأرت قال كنت رجلا قينا وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث قال فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله فيه هذه الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أم اتخذ عند الرحمن عهدا ( قال لا إله إلا الله يرجو بها وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) ونرثه ما يقول ( قال ماله وولده
سورة مريم الآية ( 81 86 )


"""""" صفحة رقم 350 """"""
سورة مريم الآية ( 87 95 )
مريم : ( 81 ) واتخذوا من دون . . . . .
حكى سبحانه ما كان عليه هؤلاء الكفار الذين تمنوا ما لا يستحقونه وتألوا على الله سبحانه من اتخاذهم الآلهة من دون الله لأجل يتعززون بذلك قال الهروي معنى ) ليكونوا لهم عزا ( ليكونوا لهم أعوانا قال الفراء معناه ليكونوا لهم شفعاء فى الآخرة وقيل معناه ليتعززوا بهم من عذاب الله ويمتنعوا بها
مريم : ( 82 ) كلا سيكفرون بعبادتهم . . . . .
) كلا سيكفرون بعبادتهم ( أى ليس الأمر كما ظنوا وتوهموا والضمير فى الفعل إما للآلهة أى ستجحد هذه الأصنام عبادة الكفار لها يوم ينطقها الله سبحانه لأنها عند أن عبدوها عبدوها جمادات لا تعقل ذلك وإما للمشركين أى سيجحد المشركون أنهم عبدوا الأصنام ويدل على الوجه الأول قوله تعالى ) ما كانوا إيانا يعبدون ( وقوله ) فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون ( ويدل على الوجه الثاني قوله تعالى ) والله ربنا ما كنا مشركين ( وقرأ ابن أبي نهيك ) كلا ( بالتنوين وروى عنه مع ذلك ضم الكاف وفتحها فعلى الضم هى بمعنى جميعا وانتصابها بفعل مضمر كأنه قال سيكفرون كلا سيكفرون بعبادهم وعلى الفتح يكون مصدرا لفعل محذوف تقديره كل هذا الرأي كلا وقراءة الجمهور هى الصواب وهى حرف ردع وزجر ) ويكونون عليهم ضدا ( أى تكون هذه الآلهة التى ظنوها عزا لهم ضدا عليهم أى ضدا للعز وضد العز الذل هذا على الوجه الأول وأما على الوجه الثاني فيكون المشركون للآلهة ضدا وأعداء يكفرون بها بعد أن كانوا يحبونها ويؤمنون بها
مريم : ( 83 ) ألم تر أنا . . . . .
) ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين ( ذكر الزجاج فى معنى هذا وجهين أحدهما أن معناه خلينا بين الكافرين وبين الشياطين فلم نعصهم منهم ولم نعذهم بخلاف المؤمنين الذين قيل فيهم ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( الوجه الثاني أنهم أرسلوا عليهم وقيضوا لهم بكفرهم قال ) ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ( فمعنى الإرسال هاهنا التسليط ومن ذلك قوله سبحانه لإبليس ) واستفزز من استطعت منهم بصوتك ( ويؤيد الوجه الثاني تمام الآية وهو ) تؤزهم أزا ( فإن الأز والهز والاستفزاز معناها التحريك والتهييج والإزعاج فأخبر الله سبحانه أن الشياطين تحرك الكافرين وتهيجهم وتغويهم وذلك هو التسليط لها عليهم وقيل معنى الأز الاستعجال وهو مقارب لما ذكرنا لأن الاستعجال تحريك وتهييج واستفزاز وإزعاج وسياق هذه الآية لتعجيب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من حالهم وللتنبيه له على أن جميع ذلك بإضلال الشياطين وإغوائهم وجملة تؤزهم أزا فى محل نصب على الحال أو مستأنفة على تقدير سؤال يدل عليه المقام كأنه قيل ماذا تفعل الشياطين بهم
مريم : ( 84 ) فلا تعجل عليهم . . . . .
) فلا تعجل عليهم ( بأن تطلب من الله إهلاكهم بسبب تصميمهم على الكفر وعنادهم للحق وتمردهم عن داعي الله سبحانه ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله ) إنما نعد لهم عدا ( يعني نعد الأيام والليالي والشهور والسنين من أعمارهم إلى انتهاء آجالهم وقيل نعد أنفاسهم وقيل خطواتهم وقيل لحظاتهم وقيل الساعات وقال قطرب نعد أعمالهم وقيل المعنى لا تعجل عليهم فإنما نؤخرهم ليزدادوا إثما
مريم : ( 85 ) يوم نحشر المتقين . . . . .
ثم لما قرر سبحانه أمر الحشر وأجاب عن شبهة منكريه أراد أن يشرح حال المكلفين حينئذ فقال ) يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ( الظرف منصوب بفعل مقدر أى اذكر يا محمد يوم الحشر وقيل


"""""" صفحة رقم 351 """"""
منصوب بالفعل الذى بعده ومعنى حشرهم إلى الرحمن حشرهم إلى جنته ودار كرامته كقوله ) إني ذاهب إلى ربي ( والوفد جمع وافد كالركب جمع راكب وصحب جمع صاحب يقال وفد يفد وفدا إذا خرج إلى ملك أو أمر خطير كذا قال الجوهري
مريم : ( 86 ) ونسوق المجرمين إلى . . . . .
) ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ( السوق الحث على السير والورد العطاش قاله الأخفش وغيره وقال الفراء وابن الأعرابي هم المشاة وقال الأزهري هم المشاة العطاش كالإبل ترد الماء وقيل وردا أى للورد كقولك جئتك إكراما أى للإكرام وقيل أفرادا قيل ولا تناقض بين هذه الأقوال فهم يساقون مشاة عطاشا أفرادا وأصل الورد الجماعة التى ترد الماء من طير أو إبل أو قوم أو غير ذلك والورد الماء الذى يورد وجملة
مريم : ( 87 ) لا يملكون الشفاعة . . . . .
) لا يملكون الشفاعة ( مستأنفة لبيان بعض ما يكون فى ذلك اليوم من الأمور والضمير فى يملكون راجع إلى الفريقين وقيل للمتقين خاصة وقيل للمجرمين خاصة والأول أولى ومعنى لا يملكون الشفاعة أنهم لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم وقيل لا يملك غيرهم أن يشفع لهم والأول أولى ) إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ( هذا الاستثناء متصل على الوجه الأول أى لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من استعد لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم بأن يكون مؤمنا متقيا فهذا معنى اتخاذ العهد عند الله وقيل معنى اتخاذ العهد أن الله أمره بذلك كقولهم عهد الأمير إلى فلان إذا أمره به وقيل معنى اتخاذ العهد شهادة أن لا إله إلا الله وقيل غير ذلك وعلى الإتصال فى هذا الاستثناء يكون محل من فى ) من اتخذ ( الرفع على البدل أو النصب على أصل الاستثناء وأما على الوجه الثاني فالاستثناء منقطع لأن التقدير لا يملك المجرمون الشفاعة ) إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ( وهم المسلمون وقيل هو متصل على هذا الوجه أيضا والتقدير لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من كان منهم مسلما
مريم : ( 88 ) وقالوا اتخذ الرحمن . . . . .
) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ( قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ) ولدا ( بضم الواو وإسكان اللام وقرأ الباقون فى الأربعة المواضع المذكورة فى هذه السورة بفتح الواو واللام وقد قدمنا الفرق بين القراءتين والجملة مسأنفة لبيان قول اليهود والنصارى ومن يزعم من العرب أن الملائكة بنات الله
مريم : ( 89 ) لقد جئتم شيئا . . . . .
وفى قوله ) لقد جئتم شيئا إدا ( التفات من الغيبة إلى الخطاب وفيه رد لهذه المقالة الشنعاء والإد كما قال الجوهري الداهية والأمر الفظيع وكذلك الأدة وجمع الأدة أدد يقال أدت فلانا الداهية تؤده أداء بالفتح وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي أدا بفتح الهمزة وقرأ الجمهور بالكسر وقرأ ابن عباس وأبو العالية آدا مثل مادا وهى مأخوذة من الثقل يقال أده الحمل يؤده إذا أثقله قال الواحدى ) لقد جئتم شيئا إدا ( أى عظيما فى قول الجميع ومعنى الآية قلتم قولا عظيما وقيل الإد العجب والإدة الشدة والمعنى متقارب والتركيب يدور على الشدة والثقل
مريم : ( 90 ) تكاد السماوات يتفطرن . . . . .
) تكاد السماوات يتفطرن منه ( قرأ نافع والكسائي وحفص ويحيى بن وثاب ) يكاد ( بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية وقرأ نافع وابن كثير وحفص ) يتفطرن ( بالتاء الفوقية وقرأ حمزة وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر والمفضل ) يتفطرن ( بالتحتية من الإنفطار واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله ) إذا السماء انفطرت ( وقوله ) السماء منفطر به ( وقرأ ابن مسعود يتصدعن والإنفطار والتفطر التشقق ) وتنشق الأرض ( أى وتكاد أن تنشق الأرض وكرر الفعل للتأكيد لأن تتفطرن وتنشق معناهما واحد ) وتخر الجبال ( أى تسقط وتنهدم وانتصاب ) هدا ( على أنه مصدر مؤكد لأن الخرور فى معناه أو هو مصدر لفعل مقدر أى وتنهد هدا أو على الحال أى مهدودة أو على أنه مفعول له أى لأنها تنهد قال الهروى يقال هدنى الأمر وهد ركنى أى كسرنى وبلغ منى قال الجوهري هد البناء يهده هدا كسره وضعضعه وهدته المصيبة أوهنت ركنه وانهد الجبل أى انكسر والهدة صوت وقع الحائط كما قال ابن الأعرابي
مريم : ( 91 ) أن دعوا للرحمن . . . . .
ومحل ) أن دعوا للرحمن ولدا ( الجر بدلا من الضمير فى منه


"""""" صفحة رقم 352 """"""
وقال الفراء فى محل نصب بمعنى لأن دعوا وقال الكسائي هو فى محل خفض بتقدير الخافض وقيل فى محل رفع على أنه فاعل هدا والدعاء بمعنى التسمية أى سمو الرحمن ولدا أو بمعنى النسبة أى نسبوا له ولدا
مريم : ( 92 ) وما ينبغي للرحمن . . . . .
) وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ( أى لا يصلح له ولا يليق به لاستحالة ذلك عليه لأن الولد يقتضى الجنسية والحدوث والجملة فى محل نصب على الحال أى قالوا اتخذ الرحمن ولدا أو أن دعوا للرحمن ولدا والحال أنه ما يليق به سبحانه ذلك
مريم : ( 93 ) إن كل من . . . . .
) إن كل من في السماوات والأرض ( أى ما كل من السموات والأرض ) إلا ( وهو ) أتى ( الله يوم القيامة مقرا بالعبودية خاضعا ذليلا كما قال ) وكل أتوه داخرين ( أى صاغرين والمعنى أن الخلق كلهم عبيده فكيف يكون واحد منهم ولدا له وقرئ آت على الأصل
مريم : ( 94 ) لقد أحصاهم وعدهم . . . . .
) لقد أحصاهم ( أى حصرهم وعلم عددهم ) وعدهم عدا ( أى عد أشخاصهم بعد أن حصرهم فلا يخفى عليه أحد منهم
مريم : ( 95 ) وكلهم آتيه يوم . . . . .
) وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ( أى كل واحد منهم يأتيه يوم القيامة فردا لا ناصر له ولا مال معه كما قال سبحانه ) يوم لا ينفع مال ولا بنون )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ويكونون عليهم ضدا ( قال أعوانا وأخرج عبد بن حميد عنه ) ضدا ( قال حسرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال ) تؤزهم أزا ( تغويهم إغواء وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ) تؤزهم أزا ( قال تحرض المشركين على محمد وأصحابه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى الآية قال تزعجهم إزعاجا إلى معاصي الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى البعث عن ابن عباس ) وفدا ( قال ركبانا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن أبي هريرة ) وفدا ( قال على الإبل وفى الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين وراهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا والأحاديث فى هذا الباب كثيرة جدا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى البعث عن ابن عباس ) وردا ( قال عطاشا وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ( قال شهادة أن لا إله إلا الله وتبرأ من الحول والقوة ولا يرجو إلا الله وأخرج ابن مردويه عنه فى الآية قال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قرأ ) إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ( قال إن الله يقول يوم القيامة من كان له عندي عهد فليقم فلا يقوم إلا من قال هذا فى الدنيا قالوا اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك فى الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى عملي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعله لي عندك عهدا تؤديه إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أدخل على مؤمن سرورا فقد سرني ومن سرني فقد اتخذ عند الرحمن عهدا ومن اتخذ عند الرحمن عهدا فلا تمسه النار إن الله لا يخلف الميعاد وأخرج الطبراني فى الأوسط عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من جاءنا بالصلوات الخمس يوم القيامة قد حافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص منها شيئا جاء وله عند الله عهد أن لا يعذبه ومن جاء قد انتقص منه شيئا فليس له عند الله عهد إن شاء رحمه وإن شاء عذبه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لقد جئتم شيئا إدا ( قال قولا عظيما وفى قوله ) تكاد السماوات ( قال إن


"""""" صفحة رقم 353 """"""
الشرك فرغت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين وكادت تزول منه لعظمة الله سبحانه وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك يرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين وفى قوله ) وتخر الجبال هدا ( قال هدما وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد فى الزهد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى العظمة والطبراني والبيهقي فى الشعب من طريق عون عن ابن مسعود قال إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان هل مر بك اليوم أحد ذكر الله فإذا قال نعم استبشر قال عون أفيسمعن الزور إذا قيل ولا يسمعن الخير هن للخير أسمع وقرأ ) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ( الآيات
سورة مريم الآية ( 96 98 )
مريم : ( 96 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ذكر سبحانه من أحوال المؤمنين بعض ما خصهم به بعد ذكره لقبائح الكافرين قال ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ( أى حبا فى قلوب عباده يجعله لهم من دون أن يطلبوه بالأسباب التى توجب ذلك كما يقذف فى قلوب أعدائهم الرعب والسين فى ) سيجعل ( للدلالة على أن ذلك لم يكن من قبل وأنه مجعول من بعد نزول الآية وقرئ ) ودا ( بكسر الواو والجمهور من السبعة وغيرهم على الضم
مريم : ( 97 ) فإنما يسرناه بلسانك . . . . .
ثم ذكر سبحانه تعظيم القرآن خصوصا هذه السورة لاشتمالها على التوحيد والنبوة وبيان حال المعاندين فقال ) فإنما يسرناه بلسانك ( أى يسرنا القرآن بإنزالنا له على لغتك وفصلناه وسهلناه والباء بمعنى على والفاء لتعليل كلام ينساق إليه النظم كأنه قيل بلغ هذا المنزل أو بشر به أو أنذر ) فإنما يسرناه ( الآية ثم علل ما ذكره من التيسير فقال ) لتبشر به المتقين ( أى المتلبسين بالتقوى المتصفين بها ) وتنذر به قوما لدا ( اللد جمع الألد وهو الشديد الخصومة ومنه قوله تعالى ) ألد الخصام ( قال الشاعر أبيت نجيا للهموم كأنني
أخاصم أقواما ذوى جدل لدا
وقال أبو عبيدة الألد الذى لا يقبل الحق ويدعى الباطل وقيل اللد الصم وقيل الظلمة
مريم : ( 98 ) وكم أهلكنا قبلهم . . . . .
) وكم أهلكنا قبلهم من قرن ( أى من أمة وجماعة من الناس وفى هذا وعد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بهلاك الكافرين ووعيد لهم ) هل تحس منهم من أحد ( هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها أى هل تشعر بأحد منهم أو تراه ) أو تسمع لهم ركزا ( الركز الصوت الخفي ومنه ركز الرمح إذا غيب طرفه فى الأرض قال طرفة
وصادفتها سمع التوجس للسرى
لركز خفي أو لصوت مفند
وقال ذو الرمة
إذا توجس ركزا مقفر ندس
بنبأة الصوت ما فى سمعه كذب
أى فى استماعه كذب بل هو صادق الاستماع والندس الحاذق والنبأة الصوت الخفي وقال اليزيدي وأبو عبيدة الركز ما لا يفهم من صوت أو حركة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف أنه لما هاجر إلى المدينة وجد


"""""" صفحة رقم 354 """"""
فى نفسه على فراق أصحابه بمكة منهم شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف فأنزل الله ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( الآية قال ابن كثير وهو خطأ فإن السورة مكية بكمالها لم ينزل شيء منها بعد الهجرة ولم يصح سند ذلك وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت فى علي بن أبي طالب ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ( قال محبة فى قلوب المؤمنين وأخرج ابن مردويه والديلمي عن البراء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لعلي قل اللهم اجعل لي عندك عهدا واجعل لي عندك ودا واجعل لي فى صدور المؤمنين مودة فأنزل الله الآية فى علي وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس ) ودا ( قال محبة فى الناس فى الدنيا وأخرج الحكيم الترمذي وابن مردويه عن علي قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله ) سيجعل لهم الرحمن ودا ( ما هو قال المحبة الصادقة فى صدور المؤمنين وثبت فى الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه فينادي فى السماء ثم ينزل له المحبة فى أهل الأرض فذلك قوله ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ( وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل إني قد أبغضت فلانا فينادي فى أهل السماء ثم ينزل له البغضاء فى الأرض والأحاديث والآثار فى هذا الباب كثيرة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) وتنذر به قوما لدا ( قال فجارا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال صما وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) هل تحس منهم من أحد ( قال هل ترى منهم من أحد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ركزا ( قال صوتا
ع20
تفسير
سورة طه
هى مكية وآياتها مائة وخمس وثلاثون آية
حول السورة
قال القرطبي مكية فى قول الجميع وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة طه بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج الدارمي وابن خزيمة فى التوحيد والعقيلي فى الضعفاء والطبراني فى الأوسط وابن عدي وابن مردويه والبيهقي فى الشعب عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله تبارك وتعالى قرأ طه ويس قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالت طوبى لأمة ينزل عليها هذا وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسنة تكلمت بهذا قال ابن خزيمة بعد إخراجه حديث غريب وفيه نكارة وإبراهيم بن مهاجر وشيخه تكلم فيهما يعني إبراهيم بن مهاجر ابن سمار وشيخه عمر بن حفص بن ذكوان وهما من رجال إسناده وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أعطيت السورة التى ذكرت فيها الأنعام من الذكر الأول وأعطيت سورة طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال كل قرآن يوضع عن أهل الجنة فلا يقرءون منه شيئا إلا سورة طه ويس فإنهم يقرءون بهما فى الجنة وأخرج الدارقطني فى سننه عن أنس بن


"""""" صفحة رقم 355 """"""
ابن مالك فذكر قصة عمر بن الخطاب مع أخته وخباب وقراءتهما طه وكان ذلك بسبب إسلام عمر والقصة مشهورة فى كتب السير
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة طه الآية ( 1 16 )
طه : ( 1 ) طه
قوله ) طه ( قرأ بإمالة الهاء وفتح الطاء أبو عمرو وابن أبي إسحاق وأمالهما جميعا أبو بكر وحمزة والكسائي والأعمش وقرأهما أبو جعفر وشيبة ونافع بين اللفظين واختار هذه القراءة أبو عبيد وقرأ الباقون بالتفخيم قال الثعلبي وهى كلها لغات صحيحة فصيحة وقال النحاس لا وجه للإمالة عند أكثر أهل العربية لعلتين الأولى أنه ليس هاهنا ياء ولا كسرة حتى تكون الإمالة والعلة الثانية أن الطاء من موانع الإمالة
وقد اختلف أهل العلم فى معنى هذه الكلمة على أقوال الأول أنها من المتشابه الذى لا يفهم المراد به والثاني أنها بمعنى يا رجل فى لغة عكل وفى لغة عك قال الكلبي لو قلت لرجل من عك يا رجل لم يجب حتى تقول طه وأنشد ابن جرير فى ذلك دعوت بطه فى القتال فلم يجب
فخفت عليه أن يكون موائلا
ويروي مزايلا وقيل إنها فى لغة عك بمعنى يا حبيبي وقال قطرب هى كذلك فى لغة طي أى بمعنى يا رجل وكذلك قال الحسن وعكرمة وقيل هى كذلك فى اللغة السريانية حكاه المهدوي وحكى ابن جرير أنها كذلك فى اللغة النبطية وبه قال السدي وسعيد بن حبين وحكى الثعلبي عن عكرمة أنها كذلك فى لغة الحبشة ورواه عن عكرمة ولا مانع من أن تكون هذه الكلمة موضوعة لذلك المعنى فى تلك اللغات كلها إذا صح النقل القول الثالث أنها اسم من أسماء الله سبحانه والقول الرابع أنها اسم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) القول الخامس أنها


"""""" صفحة رقم 356 """"""
اسم للسورة القول السادس أنها حروف مقطعة يدل كل واحد منها على معنى ثم اختلفوا فى هذه المعانى التى تدل عليها هذه الحروف على أقوال كلها متكلفة متعسفة القول السابع أن معناها طوبى لمن اهتدى القول الثامن أن معناها طإ الأرض يا محمد قال ابن الأنباري وذلك أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كان يتحمل مشقة الصلاة حتى كادت قدماه تتورم ويحتاج إلى التروح فقيل له طإ الأرض أى لا تتعب حتى تحتاج إلى التروح وحكى القاضي عياض فى الشفاء عن الربيع بن أنس قال كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى فأنزل الله ) طه ( يعنى طإ الأرض يا محمد وحكى عن الحسن البصري أنه قرأ طه على وزن دع أمر بالوطء والأصل طأ فقلبت الهمزة هاء وقد حكى الواحدي عن أكثر المفسرين أن هذه الكلمة معناها يا رجل يريد النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال وهو قول الحسن وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة ومجاهد وابن عباس فى رواية عطاء والكلبي غير ان بعضهم يقول هى بلسان الحبشة والنبطية والسريانية ويقول الكلبي هى بلغة عك قال ابن الأنباري ولغة قريش وافقت تلك اللغة فى هذا المعنى لأن الله سبحانه لم يخاطب نبيه بلسان غير قريش انتهى وإذا تقرر أنها لهذا المعنى فى لغة من لغات العرب كانت ظاهرة المعنى واضحة الدلالة خارجة عن فواتح السور التى قدمنا بيان كونها من المتشابه فى فاتحة سورة البقرة وهكذا إذا كانت لهذا المعنى فى لغة من لغات العجم واستعملتها العرب فى كلامها فى ذلك المعنى كسائر الكلمات العجمية التى استعملتها العرب الموجودة فى الكتاب العزيز فإنها صارت بذلك الاستعمال من لغة العرب وجملة ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما كان يعتريه من جهة المشركين من التعب والشقاء يجئ فى معنى التعب قال ابن كيسان وأصل الشقاء فى اللغة العناء والتعب ومنه قول الشاعر ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله
وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم
والمعنى ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم وتحسرك على أن يؤمنوا فهو كقوله سبحانه ) فلعلك باخع نفسك ( قال النحاس بعض النحويين يقول هذه اللام فى ) لتشقى ( لام النفي وبعضهم يقول لام الجحود وقال ابن كيسان هى لام الخفض وهذا التفسير للآية هو على قول من قال إن طه كسائر فواتح السور التى ذكرت تعديدا لأسماء الحروف وإن جعلت اسما للسورة
طه : ( 2 ) ما أنزلنا عليك . . . . .
كان قوله ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( خبرا عنها وهى فى موضع المبتدأ وأما على قول من قال إن معناها يا رجل أو بمعنى الأمر بوطء الأرض فتكون الجملة مستأنفة لصرفه ( صلى الله عليه وسلم ) عما كان عليه من المبالغة فى العبادة
طه : ( 3 ) إلا تذكرة لمن . . . . .
وانتصاب ) إلا تذكرة ( على أنه مفعول له لأنزلنا كقولك ما ضربتك للتأديب إلا إشفاقا عليك وقال الزجاج هو بدل من لتشقى أى ما أنزلناه إلا تذكرة وأنكره أبو علي الفارسي من جهة أن التذكرة ليست بشقاء قال وإنما هو منصوب على المصدرية أى أنزلناه لتذكر به تذكرة أو على المفعول من أجله أى ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى به ما أنزلناه إلا للتذكرة
طه : ( 4 ) تنزيلا ممن خلق . . . . .
وانتصاب ) تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى ( على المصدرية أى أنزلناه تنزيلا وقيل بدل من قوله تذكرة وقيل هو منصوب على المدح وقيل منصوب بيخشى أى يخشى تنزيلا من الله على أنه مفعول به وقيل منصوب على الحال بتأوله باسم الفاعل وقرأ أو حيوة الشامي تنزيل بالرفع على معنى هذا تنزيل وممن خلق متعلق بتنزيلا أو بمحذوف هو صفة له وتخصيص خلق الأرض والسموات


"""""" صفحة رقم 357 """"""
لكونهما أعظم ما يشاهده العباد من مخلوقاته عز وجل والعلى جمع العليا أى المرتفعة كجمع كبرى وصغرى على كبر وصغر ومعنى الآية إخبار العباد عن كمال عظمته سبحانه وعظيم جلاله
طه : ( 5 ) الرحمن على العرش . . . . .
وارتفاع ) الرحمن ( على أنه خبر مبتدإ محذوف كما قال الأخفش ويجوز أن يكون مرتفعا على المدح أو على الابتداء وقرئ بالجر قال الزجاج على البدل ممن وجوز النحاس أن يكون مرتفعا على البدل من المضمر فى خلق وجملة ) على العرش استوى ( فى محل رفع على أنها خبر لمبتدإ محذوف أو على أنها خبر الرحمن عند من جعله مبتدأ قال أحمد بن يحيى قال ثعلب الاستواء الإقبال على الشئ وكذا قال الزجاج والفراء وقيل هو كناية عن الملك والسلطان والبحث فى تحقيق هذا يطول وقد تقدم البحث عنه فى الأعراف والذى ذهب إليه أبو الحسن الأشعري أنه سبحانه مستو على عرشه بغير حد ولا كيف وإلى هذا القول سبقه الجماهير من السلف الصالح الذى يمرون الصفات كما وردت من دون تحريف ولا تأويل
طه : ( 6 ) له ما في . . . . .
) له ما في السماوات وما في الأرض ( أى أنه مالك كل شئ ومدبره ) وما بينهما ( من الموجودات ) وما تحت الثرى ( الثرى فى اللغة التراب الندي أى ما تحت التراب من شئ قال الواحدي والمفسرون يقولون إنه سبحانه أراد الثرى الذى تحت الصخرة التى عليها الثور الذى تحت الأرض ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله سبحانه
طه : ( 7 ) وإن تجهر بالقول . . . . .
) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ( الجهر بالقول هو رفع الصوت به والسر ما حدث به الإنسان غيره وأسره إليه والأخفى من السر هو ما حدث به الإنسان نفسه وأخطره بباله والمعنى إن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غنى عن ذلك فإنه يعلم السر وما هو أخفى من السر فلا حاجة لك إلى الجهر بالقول وفى هذا معنى النهي عن الجهر كقوله سبحانه ) واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ( وقيل السر ما أسر الإنسان فى نفسه والأخفى منه هو ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه وقيل السر ما أضمره الإنسان فى نفسه والأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد وقيل السر سر الخلائق والأخفى منه سر الله عز وجل وأنكر ذلك ابن جرير وقال إن الأخفى ما ليس فى سر الإنسان وسيكون فى نفسه
طه : ( 8 ) الله لا إله . . . . .
ثم ذكر أن الموصوف بالعبادة على الوجه المذكور هو الله سبحانه المنزه عن الشريك المستحق لتسميته بالأسماء الحسنى فقال ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ( فالله خبر مبتدإ محذوف أى الموصوف بهذه الصفات الكمالية الله وجملة لا إله إلا هو مستأنفة لبيان اختصاص الإلهية به سبحانه أى لا إله فى الوجود إلا هو وهكذا جملة له الأسماء الحسنى مبينة لاستحقاقه تعالى للأسماء الحسنى وهى التسعة والتسعون التى ورد بها الحديث الصحيح
وقد تقدم بيانها فى قوله سبحانه ) ولله الأسماء الحسنى ( من سورة الأعراف والحسنى تأنيث الأحسن والأسماء مبتدأ وخبرها الحسنى ويجوز أن يكون الله مبتدأ وخبره الجملة التى بعده ويجوز أن يكون بدلا من الضمير فى يعلم
طه : ( 9 ) وهل أتاك حديث . . . . .
ثم قرر سبحانه أمر التوحيد بذكر قصة موسى المشتملة على القدرة الباهرة والخبر الغريب فقال ) وهل أتاك حديث موسى ( الاستفهام للتقرير ومعناه أليس قد أتاك حديث موسى وقيل معناه قد أتاك حديث موسى وقال الكلبي لم يكن قد أتاه حديث موسى إذ ذاك وفى سياق هذه القصة تسلية للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) لما يلاقيه من مشاق أحكام النبوة وتحمل أثقالها ومقاساة خطوبها وأن ذلك شأن الأنبياء قبله والمراد بالحديث القصة الواقعة لموسى
طه : ( 10 ) إذ رأى نارا . . . . .
و ) إذ رأى نارا ( ظرف للحديث وقيل العامل فيه مقدر أى اذكر وقيل يقدر مؤخرا أى حين رأى نارا كان كيت وكيت وكانت رؤيته للنار فى ليلة مظلمة لما خرج مسافرا إلى أمه بعد استئذانه لشعيب ف ) إذ راى ( قال لأهله امكثوا والمراد بالأهل هنا امرأته والجمع لظاهر لفظ الأهل أو للتفخيم وقيل المراد بهم المرأة والولد والخادم ومعنى امكثوا أقيموا مكانكم وعبر بالمكث دون الإقامة لأن الإقامة تقتضي الدوام والمكث ليس كذلك وقرأ حمزة ) لأهله (


"""""" صفحة رقم 358 """"""
لأهله بضم الها وكذا فى القصص قال النحاس وهذا على لغة من قال مررت بهو يا رجل فجاء به على الأصل وهو جائز إلا أن حمزة خالف أصله فى هذين الموضعين خاصة ) إني آنست نارا ( أى أبصرت يقال آنست الصوت سمعته وآنست الرجل أبصرته وقيل الإيناس الإبصار البين وقيل الإيناس مختص بإبصار ما يؤنس والجملة تعليل للأمر بالمكث ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى متوقعين بنى الأمر على الرجاء فقال ) لعلي آتيكم منها بقبس ( أى أجيئكم من النار بقبس والقبس شعلة من النار وكذا المقباس يقال قبست منه نارا أقبس قبسا فأقبسنى أى أعطاني وكذا اقتبست قال اليزيدي أقبست الرجل علما وقبسته نارا فإن كنت طلبتها له قلت أقبسته وقال الكسائي أقبسته نارا وعلما سواء قال وقبسته أيضا فيهما ) أو أجد على النار هدى ( أى هاديا يهدينى إلى الطريق ويدلني عليها قال الفراء أزاد هاديا فذكره بلفظ المصدر أو عبر بالمصدر لقصد المبالغة على حذف المضاف أى ذا هدى وكلمة أو فى الموضعين لمنع الخلو دون الجمع وحرف الاستعلاء للدلالة على أن أهل النار مستعلون على أقرب مكان إليها
طه : ( 11 ) فلما أتاها نودي . . . . .
) فلما أتاها نودي ( أى فلما أتى النار التى آنسها ) نودي ( من الشجرة كما هو مصرح بذلك فى سورة القصص أى من جهتها ومن ناحيتها
طه : ( 12 ) إني أنا ربك . . . . .
) يا موسى إني أنا ربك ( أى نودي فقيل يا موسى وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبو جعفر وابن محيصن وحميد واليزيدى أنى بفتح الهمزة وقرأ الباقون بكسرها أى بأنى ) فاخلع نعليك ( أمره الله سبحانه بخلع نعليه لأن ذلك أبلغ فى التواضع وأقرب إلى التشريف والتكريم وحسن التأدب وقيل إنهما كانا من جلد حمار غير مدبوغ وقيل معنى الخلع للنعلين تفريغ القلب من الأهل والمال وهو من بدع التفاسير ثم علل سبحانه الأمر بالخلع فقال ) إنك بالواد المقدس طوى ( المقدس المطهر والقدس الطهارة والأرض المقدسة المطهرة سميت بذلك لأن الله أخرج منها الكافرين وعمرها بالمؤمنين وطوى اسم للوادى قال الجوهري وطوى اسم موضع بالشام يكسر طاؤه ويضم يصرف ولا يصرف فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة وقرأ عكرمة ) طوى ( بكسر الطاء وقرأ الباقون بضمها وقيل إن طوى كثني من الطي مصدر لنودي أو للمقدس أى نودي نداءين أو قدس مرة بعد أخرى
طه : ( 13 ) وأنا اخترتك فاستمع . . . . .
) وأنا اخترتك ( قرأ أهل المدينة وأهل مكة وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائي ) وأنا اخترتك ( بالإفراد وقرأ حمزة ) وأنا اخترتك ( بالجمع قال النحاس والقراءة الأولى أولى من جهتين إحداهما أنها أشبه بالخط والثانية أنها أولى بنسق الكلام لقوله ) يا موسى إني أنا ربك ( ومعنى اخترتك اصطفيتك للنبوة والرسالة والفاء فى قوله ) فاستمع لما يوحى ( لترتيب ما بعدها على ما قبلها وما موصولة أو مصدرية أى فاستمع للذى يوحى إليك أو للوحى
طه : ( 14 ) إنني أنا الله . . . . .
وجملة ) إنني أنا الله ( بدل من ما فى لما يوحى ثم امره سبحانه بالعبادة فقال ) فاعبدني ( والفاء هنا كالفاء التى قبلها لأن اختصاص الإلهية به سبحانه موجب لتخصيصه بالعبادة ) وأقم الصلاة لذكري ( خص الصلاة بالذكر مع كونها داخلة تحت الأمر بالعبادة لكونها أشرف طاعة وأفضل عبادة وعلل الأمر بإقامة الصلاة بقوله لذكرى أى لتذكرني فإن الذكر الكامل لا يتحقق إلا في ضمن العبادة والصلاة أو المعنى لتذكرنى فيهما لاشتمالهما على الأذكار أوالمعنى أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة وقيل المعنى لأذكرك بالمدح فى عليين فالمصدر على هذا يحتمل الإضافة إلى الفاعل أو إلى المفعول
طه : ( 15 ) إن الساعة آتية . . . . .
وجملة ) إن الساعة آتية ( تعليل لما قبلها من الأمر أى إن الساعة التى هى وقت الحساب والعقاب آتية فاعمل الخير من عبادة الله والصلاة
ومعنى ) أكاد أخفيها ( مختلف فيه قال الواحدي قال أكثر المفسرين أخفيها من نفسي وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وقال المبرد وقطرب هذا على عادة مخاطبة العرب يقولون إذا بالغوا فى كتمان الشئ


"""""" صفحة رقم 359 """"""
كتمته حتى من نفسي أى لم أطلع عليه أحدا ومعنى الآية أن الله بالغ فى إخفاء الساعة فذكره بأبلغ ما تعرفه العرب وقد روى عن سعيد بن جبير أنه قرأ ) أخفيها ( بفتح الهمزة ومعناه أظهرها وكذا روى أبو عبيد عن الكسائي عن محمد بن سهل عن وفاء بن إياس عن سعيد بن جبير قال النحاس وليس لهذه الرواية طريق غير هذا قال القرطبي وكذا رواه ابن الأنباري فى كتاب الرد قال حدثني أبي حدثنا محمد بن الجهم حدثنا الفراء حدثنا الكسائي فذكره قال النحاس وأجود من هذا الإسناد ما رواه يحيى القطان عن الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنه قرأ ) أخفيها ( بضم الهمزة قال ابن الأنباري قال الفراء ومعنى قراءة الفتح أكاد أظهرها من خفيت الشئ إذا أظهرته أخفيه قال القرطبي وقد قال بعض اللغويين يجوز أن يكون أخفيها بضم الألف معناه أظهرها لأنه يقال خفيت الشئ وأخفيته من حروف الأضداد يقع على الستر والإظهار قال أبو عبيدة خفيت وأخفيت بمعنى واحد قال النحاس وهذا حسن وقد أنشد الفراء وسيبويه ما يد على أن معنى أخفاه أظهر وذلك قول امرئ القيس
فإن تكتموا الداء لا نخفه
وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
أى وإن تكتموا الداء لا نظهره وقد حكى أبو عبيدة عن أبى الخطاب أنه بضم النون من نخفه وقال امرؤ القيس
خفاهن من أنفاقهن كأنما
خطاهن ودق من غشى مخلب
أى أظهرهن وقد زيف النحاس هذا القول وقال ليس المعنى على أظهرها ولا سيما وأخفيها قراءة شاذة فكيف ترد القراءة الصحيحة الشائعة وقال ابن الأنباري فى الآية تفسير آخر وهو أن الكلام ينقطع على أكاد وبعده مضمر أى أكاد آتي بها ووقع الإبتداء بأخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى ومثله قول عمير ابن ضابئ البرجمي هممت ولم أفعل وكدت وليتني
تركت على عثمان تبكي حلائله
أى وكدت أفعل واختار هذا النحاس وقال أبو علي الفارسي هو من باب السلب وليس من الأضداد ومعنى أخفيها أزيل عنها خفاءها وهو سترها ومن هذا قولهم أشكيته أى أزلت شكواه وحكى أبو حاتم عن الأخفش أن أكاد زائدة للتأكيد قال ومثله ) إذا أخرج يده لم يكد يراها ( ومثله قول الشاعر سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه
فما أن يكاد قرنه يتنفس
قال والمعنى أكاد أخفيها أى أقارب ذلك لأنك إذا قلت كاد زيد يقوم جاز أن يكون قام وأن يكون لم يقم ودل على أنه قد أخفاها بدلالة غير هذه الآية على هذا وقوله ) لتجزى كل نفس بما تسعى ( متعلق بآتية أو بأخفيها وما مصدرية أى لتجزى كل نفس بسعيها والسعى وإن كان ظاهرا فى الأفعال فهو هنا يعم الأفعال والتروك للقطع بأن تارك ما يجب عليه معاقب بتركه مأخوذ به
طه : ( 16 ) فلا يصدنك عنها . . . . .
) فلا يصدنك عنها ( أى لا يصرفنك عن الإيمان بالساعة والتصديق بها أو عن ذكرها ومراقبتها ) من لا يؤمن بها ( من الكفرة وهذا النهي وإن كان للكافر بحسب الظاهر فهو فى الحقيقة نهي له ( صلى الله عليه وسلم ) عن الانصداد أو عن إظهار اللين للكافرين فهو من باب لا أرينك ها هنا كما هو معروف وقيل الضمير فى عنها للصلاة وهو بعيد وقوله ) واتبع هواه (


"""""" صفحة رقم 360 """"""
معطوف على ما قبله أى من لا يؤمن ومن اتبع هواه أى هوى نفسه بالانهماك فى اللذات الحسية الفانية ) فتردى ( أى فتهلك لأن انصدادك عنها بصد الكفارين لك مستلزم للهلاك ومستتبع له
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن مردويه والبيهقى فى الشعب وابن عساكر عن ابن عباس أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أول ما نزل عليه الوحي كان يقوم على صدر قدميه إذا صلى فأنزل الله ) طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه فأنزل الله هذه الآية
وأخرج ابن عساكر عنه أيضا قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل لئلا ينام فأنزل الله هذه الآية وأخرج البزار عن علي قال كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يراوح بين قدميه يقوم على كل رجل حتى نزلت ) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( وحسن السيوطي إسناده وأخرج ابن مردويه عنه أيضا بأطول منه وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ربما قرأ القرآن إذا صلى فقام على رجل واحدة فأنزل الله ) طه ( برجليك فما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وأخرج ابن أبى حاتم والطبراني وابن مردويه عنه فى قوله ) طه ( قال يا رجل وأخرج الحارث بن أبى أسامة وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال ) طه ( بالنبطية أى طأ يا رجل وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم عنه أيضا قال هو كقولك اقعد وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال ) طه ( بالنبطية يا رجل وأخرج ابن جرير عنه قال ) طه ( يا رجل بالسريانية وأخرج الحاكم عنه أيضا قال ) طه ( هو كقولك يا محمد بلسان الحبش وفى هذه الروايات عن ابن عباس اختلاف وتدافع وأخرج ابن مردويه عن أبى الطفيل قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن لى عند ربي عشرة أسماء قال أبو الطفيل حفظت منها ثمانية محمد وأحمد وأبو القاسم والفاتح والخاتم والماحي والعاقب والحاشر وزعم سيف أن أبا جعفر قال له الاسمان الباقيان طه ويس وأخرج البيهقى فى الدلائل عن ابن عباس فى قوله ) طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ( قال يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وكان يقوم الليل على رجليه فهى لغة لعك إن قلت لعكي يا رجل لم يلتفت وإذا قلت طه التفت إليك وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال ) طه ( قسم أقسم الله به وهو من أسمائه وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وما تحت الثرى ( قال الثرى كل شئ مبتل وأخرج أبو يعلى عن جابر أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) سئل ما تحت هذه الأرض قال الماء قيل فما تحت الماء قال ظلمة قيل فما تحت الظلمة قال الهواء قيل فما تحت الهواء قال الثرى قيل فما تحت الثرى قال انقطع علم المخلوقين عند علم الخالق وأخرج ابن مردويه عنه نحوه بأطول منه وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله و ) يعلم السر وأخفى ( قال السر ما أسره ابن آدم فى نفسه وأخفى ما خفى عن ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعمله فإنه يعلم ذلك كله فيما مضى من ذلك وما بقى علم واحد وجميع الخلائق عنده فى ذلك كنفس واحدة وهو كقوله ) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ( وأخرج الحاكم وصححه عنه فى الآية قال السر ما علمته أنت وأخفى ما قذف الله فى قلبك مما لم تعلمه وأخرجه عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وأبو الشيخ فى العظمة والبيهقى بلفظ يعلم ما تسر فى نفسك ويعلم ما تعمل غدا وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أو أجد على النار هدى ( يقول من يدل على الطريق وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن علي


"""""" صفحة رقم 361 """"""
فى قوله ) فاخلع نعليك ( قال كانتا من جلد حمار ميت فقيل له اخلعهما وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) إنك بالواد المقدس طوى ( قال المبارق طوى قال اسم الوادى وأخرج ابن أبى حاتم عنه ) بالواد المقدس طوى ( يعني الأرض المقدسة وذلك أنه مر بواديها ليلا فطوى يقال طويت وادي كذا وكذا وأخرج ابن جرير عنه أيضا فى قوله ) طوى ( قال طإ الوادي وفى الصحيحين وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال ) وأقم الصلاة لذكري ( وأخرج الترمذي وابن ماجه وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن حبان وابن مردويه من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال ) وأقم الصلاة لذكري ( وكان ابن شهاب يقرؤها للذكرى وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أكاد أخفيها ( قال لا أظهر عليها أحدا غيري وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال ) أكاد أخفيها ( من نفسي
سورة طه الآية ( 17 35 )
طه : ( 17 ) وما تلك بيمينك . . . . .
قوله ) وما تلك بيمينك يا موسى ( قال الزجاج والفراء إن تلك اسم ناقص وصلت بيمينك أى ما التى بيمينك وروى عن الفراء أنه قال تلك بمعنى هذه ولو قال ما ذلك لجاز أى ما ذلك الشئ وبالأول قال الكوفيون قال الزجاج ومعنى سؤال موسى عما فى يده من العصا التنبيه له عليها لتقع المعجزة بها بعد التثبيت فيها والتأمل لها قال الفراء ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى هى عصاى لتثبيت الحجة عليه بعد ما اعترف وإلا فقد علم الله ما هى فى الأزل ومحل ما الرفع على الابتداء وتلك خبره وبيمينك فى محل نصب على الحال إن كانت تلك اسم إشارة على ما هو ظاهر اللفظ وإن كانت اسما موصولا كان بيمينك صلة للموصول
طه : ( 18 ) قال هي عصاي . . . . .
) قال هي عصاي ( قرأ ابن أبى إسحاق عصى على لغة هذيل وقرأ الحسن ) عصاي ( بكسر الياء لالتقاء الساكنين ) أتوكأ عليها ( أى أتحامل عليها فى المشى وأعتمدها عند الإعياء والوقوف ومنه الاتكاء ) وأهش بها على غنمي ( هش بالعصا يهش هشا إذا خبط بها الشجر ليسقط منه الورق قال الشاعر


"""""" صفحة رقم 362 """"""
أهش بالعصا على أغنامي
من ناعم الأوراك والسنام
وقرأ النخعي أهس بالسين المهملة وهو زجر الغنم وكذا قرأ عكرمة وقيل هما لغتان لمعنى واحد ) ولي فيها مآرب أخرى ( أى حوائج وأحدها مأربة و مأربة ومأربة مثلث الراء كذا قال ابن الأعرابى وقطرب ذكر تفصيل منافع العصا ثم عقبه بالإجمال
وقد تعرض قوم لتعداد منافع العصا فذكروا من ذلك أشياء منها قول بعض العرب عصاي أركزها لصلاتي وأعدها لعداتي وأسوق بها دابتي وأقوى بها على سفري وأعتمد بها فى مشيتي ليتسع خطوي وأثب بها النهر وتؤمنني العثر وألقى عليها كسائى فتقيني الحر وتدفيني من القر وتدني إلي ما بعد منى وهى تحمل سفرتى وعلاقة إداوتى أعصى بها عند الضراب وأقرع بها الأبواب وأقي بها عقور الكلاب وتنوب عن الرمح فى الطعان وعن السيف عند منازلة الأقران ورثتها عن أبي وأورثها بعدي بني انتهى
وقد وقفت على مصنف فى مجلد لطيف فى منافع العصا لبعض المتأخرين وذكر فيه أخبارا وأشعارا وفوائد لطيفة ونكتا رشيقة وقد جمع الله سبحانه لموسى فى عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به من كيد السحرة ومعرة المعاندين واتخذها سليمان لخطبته وموعظته وطول صلاته وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنزته وكان يخطب بالقضيب وكذلك الخلفاء من بعده وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا والاعتماد عليها عند الكلام وفى المحافل والخطب
طه : ( 19 ) قال ألقها يا . . . . .
) قال ألقها يا موسى ( هذه جملة مستأنفة جواب سؤال مقدر أمره سبحانه بإلقائها ليريه ما جعل له فيها من المعجزة الظاهرة
طه : ( 20 ) فألقاها فإذا هي . . . . .
) فألقاها ( موسى على الأرض ) فإذا هي حية تسعى ( وذلك بقلب الله سبحانه لأوصافها وأعراضها حتى صارت حية تسعى أى تمشي بسرعة وخفة قيل كانت عصا ذات شعبتين فصار الشعبتان فما وباقيها جسم حية تنتقل من مكان إلى مكان وتلتقم الحجارة مع عظم جرمها وفظاعة منظرها فلما رآها كذلك خاف وفزع وولى مدبرا ولم يعقب
طه : ( 21 ) قال خذها ولا . . . . .
فعند ذلك ) قال ( سبحانه ) خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى ( قال الأخفش والزجاج التقدير إلى سيرتها مثل ) واختار موسى قومه ( قال ويجوز أن يكون مصدرا لأن معنى سنعيدها سنسيرها ويجوز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل أى سائرة أو بمعنى اسم المفعول أى مسيرة والمعنى سنعيدها بعد أخذك لها إلى حالتها الأولى التى هى العصوية قيل إنه لما قيل له لا تخف بلغ من عدم الخوف إلى أن كان يدخل يده فى فمها ويأخذ بلحيها
طه : ( 22 ) واضمم يدك إلى . . . . .
) واضمم يدك إلى جناحك ( قال الفراء والزجاج جناح الإنسان عضده وقال قطرب جناح الإنسان جنبه وعبر عن الجنب بالجناح لأنه فى محل الجناح وقيل إلى بمعنى مع أى مع جناحك وجواب الأمر ) تخرج بيضاء ( أى تخرج يدك حال كونها بيضاء ومحل ) من غير سوء ( النصب على الحال أى كائنة من غير سوء والسوء العيب كنى به عن البرص أى تخرج بيضاء ساطعا نورها تضيء بالليل والنهار كضوء الشمس من غير برص وانتصاب ) آية أخرى ( على الحال أيضا أى معجزة أخرى غير العصا وقال الأخفش إن آية منتصبة على أنها بدل من بيضاء قال النحاس وهو قول حسن وقال الزجاج المعنى آتيناك أو نؤتيك آية أخرى لأنه لما قال ) تخرج بيضاء ( دل على أنه قد آتاه آية أخرى
طه : ( 23 ) لنريك من آياتنا . . . . .
ثم علل سبحانه ذلك بقوله ) لنريك من آياتنا الكبرى ( قيل والتقدير فعلنا ذلك لنريك ومن آياتنا متعلق بمحذوف وقع حالا والكبرى معناها العظمى وهو صفة لموصوف محذوف والتقدير لنريك من آياتنا الآية الكبرى أى لنريك بهاتين الآيتين يعني اليد والعصا بعض آياتنا الكبرى فلا يلزم أن تكون اليد هى الآية الكبرى وحدها حتى تكون أعظم من العصا فيرد على ذلك أنه لم يكن فى اليد إلا تغير اللون فقط بخلاف


"""""" صفحة رقم 363 """"""
العصا فإن فيها مع تغير اللون الزيادة فى الحجم وخلق الحياة والقدرة على الأمور الخارقة
طه : ( 24 ) اذهب إلى فرعون . . . . .
ثم صرح سبحانه بالغرض المقصود من هذه المعجزات فقال ) اذهب إلى فرعون ( وخصه بالذكر لأن قومه تبع له ثم علل ذلك بقوله ) إنه طغى ( أى عصى وتكبر وكفر وتجبر وتجاوز الحد
طه : ( 25 ) قال رب اشرح . . . . .
وجملة ) قال رب اشرح لي صدري ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال ومعنى شرح الصدر توسيعه تضرع عليه السلام إلى ربه وأظهر عجزه بقوله ) ويضيق صدري ولا ينطلق لساني )
طه : ( 26 ) ويسر لي أمري
ومعنى تيسير الأمر تسهيله
طه : ( 27 ) واحلل عقدة من . . . . .
) واحلل عقدة من لساني ( يعني العجمة التى كانت فيه من الجمرة التى ألقاها فى فيه وهو طفل أى أطلق عن لساني العقدة التى فيه قيل أذهب الله سبحانه تلك العقدة جميعها بدليل قوله ) قد أوتيت سؤلك يا موسى ( وقيل لم تذهب كلها لأنه لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية بل سأل حل عقدة تمنع الإفهام بدليل قوله ) من لساني ( أى كائنة من عقد لساني ويؤيد ذلك قوله ) هو أفصح مني لسانا ( وقوله حكاية عن فرعون ) ولا يكاد يبين )
طه : ( 28 ) يفقهوا قولي
وجواب الأمر قوله ) يفقهوا قولي ( أى يفهموا كلامي والفقه فى كلام العرب الفهم ثم خص به علم الشريعة والعالم به فقيه قاله الجوهري
طه : ( 29 ) واجعل لي وزيرا . . . . .
) واجعل لي وزيرا من أهلي)
طه : ( 30 ) هارون أخي
( هارون أخي ( الوزير الموازر كالأكيل المواكل لأنه يحمل عن السلطان وزره أى ثقله قال الزجاج واشتقاقه فى اللغة من الوزر وهو الجبل الذى يعتصم به لينجي من الهلكة والوزير الذى يعتمد الملك على رأيه فى الأمور ويلتجئ إليه وقال الأصمعي هو مشتق من الموازرة وهى المعاونة وانتصاب وزيرا وهارون على أنهما مفعولا اجعل وقيل مفعولاه لي وزيرا ويكون هارون عطف بيان للوزير والأول أظهر ويكون لي متعلقا بمحذوف أى كائنا لي ومن أهلي صفة لوزيرا وأخي بدل من هارون
طه : ( 31 ) اشدد به أزري
قرأ الجمهور ) اشدد ( بهمزة وصل ) وأشركه ( بهمزة قطع كلاهما على صيغة الدعاء أى يا رب أحكم به قوتي واجعله شريكي فى أمر الرسالة والأزر القوة يقال آزره أى قواه وقيل الظهر أى اشدد به ظهري وقرأ ابن عامر ويحيى ابن الحارث وأبو حيوة والحسن وعبد الله بن أبي إسحاق ) اشدد ( بهمزة قطع
طه : ( 32 ) وأشركه في أمري
) وأشركه ( بضم الهمزة أى أشدد أنا به أزري وأشركه أنا فى أمري قال النحاس جعلوا الفعلين فى موضع جزم جوابا لقوله اجعل لي وزيرا وقرأ بفتح الياء من أخي ابن كثير وأبو عمرو
طه : ( 33 - 34 ) كي نسبحك كثيرا
) كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا ( هذا التسبيح والذكر هما الغاية من الدعاء المتقدم والمراد التسبيح هنا باللسان وقيل المراد به الصلاة وانتصاب كثيرا فى الموضعين على أنه نعت مصدر محذوف أو لزمان محذوف
طه : ( 35 ) إنك كنت بنا . . . . .
) إنك كنت بنا بصيرا ( البصير المبصر والبصير العالم بخفيات الأمور وهو المراد هنا أى إنك كنت بنا عالما فى صغرنا فأحسنت إلينا فأحسن إلينا أيضا كذلك الآن
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى عصا موسى قال أعطاه ملك من الملائكة إذ توجه إلى مدين فكانت تضيء له بالليل ويضرب بها الأرض فتخرج له النبات ويهش بها على غنمه ورق الشجر وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة فى قوله ) وأهش بها على غنمي ( قال أضرب بها الشجر فيتساقط منه الورق على غنمي وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم فى قوله ) ولي فيها مآرب ( قال حوائج وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج أيضا عن قتادة قال كانت تضيء له بالليل وكانت عصا آدم عليه السلام وأخرج أيضا عن ابن عباس فى قوله ) فألقاها فإذا هي حية تسعى ( قال ولم تكن قبل ذلك حية فمرت بشجرة فأكلتها ومرت بصخرة فابتلعتها فجعل موسى يسمع وقع الصخرة فى جوفها فولى مدبرا فنودي أن يا موسى خذها فلم يأخذها ثم نودي الثانية أن خذها ولا تخف فقيل له فى الثالثة إنك من الآمنين فأخذها


"""""" صفحة رقم 364 """"""
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ) سنعيدها سيرتها الأولى ( قال حالتها الأولى وأخرجا عنه أيضا ) من غير سوء ( قال من غير برص وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي ( قال كان أكبر من موسى وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى قوله ) وأشركه في أمري ( قال نبئ هارون ساعتئذ حين نبئ موسى
سورة طه الآية ( 36 44 )
طه : ( 36 ) قال قد أوتيت . . . . .
لما سأل موسى ربه سبحانه أن يشرح صدره وييسر له أمره ويحلل عقدة من لسانه ويجعل له وزيرا من أهله أخبره الله سبحانه بأنه قد أجاب ذلك الدعاء فقال ) قد أوتيت سؤلك يا موسى ( أى أعطيت ما سألته والسؤال المسئول أى المطلوب كقولك خبر بمعنى مخبور وزيادة قوله يا موسى لتشريفه بالخطاب مع رعاية الفواصل
طه : ( 37 ) ولقد مننا عليك . . . . .
وجملة ) ولقد مننا عليك مرة أخرى ( كلام مستأنف لتقوية قلب موسى بتذكيره نعم الله عليه والمن الإحسان والإفضال والمعنى ولقد أحسنا إليك مرة أخرى قبل هذه المرة وهى حفظ الله سبحانه له من شر الأعداء كما بينه سبحانه هاهنا وأخرى تأنيث آخر بمعنى غير
طه : ( 38 ) إذ أوحينا إلى . . . . .
) إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ( أى مننا ذلك الوقت وهو وقت الإيحاء فإذ ظرف للإيحاء والمراد بالإيحاء إليها إما مجرد الإلهام لها أو فى النوم بأن أراها ذلك أو على لسان نبي أو على لسان ملك لا على طريق النبوة كالوحي إلى مريم أو بإخبار الأنبياء المتقدمين بذلك وانتهى الخبر إليها والمراد بما يوحى ما سيأتى من الأمر لها أبهمه أولا وفسره ثانيا تفخيما لشأنه
طه : ( 39 ) أن اقذفيه في . . . . .
وجملة ) أن اقذفيه في التابوت ( مفسرة لأن الوحي فيه معنى القول أو مصدرية على تقدير بأن اقذفيه والقذف هاهنا الطرح أى اطرحيه فى التابوت وقد مر تفسير التابوت فى البقرة فى قصة طالوت ) فاقذفيه في اليم ( أى اطرحيه فى البحر واليم البحر أو النهر الكبير قال الفراء هذا أمر وفيه المجازاة أى اقذفيه يلقه اليم بالساحل والأمر للبحر مبني على تنزيله منزلة من يفهم ويميز لما كان إلقاؤه إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع والساحل هو شط البحر سمى ساحلا لأن الماء سحله قاله ابن دريد والمراد هنا ما يلي بالساحل من البحر لا نفس الساحل والضمائر هذه كلها لموسى لا للتابوت وإن كان قد ألقى معه لكن المقصود هو موسى مع كون الضمائر قبل هذا وبعده له وجملة ) يأخذه عدو لي وعدو له ( جواب الأمر بالالقاء والمراد بالعدو فرعون فإن أم موسى لما ألقته فى البحر وهو النيل المعروف وكان يخرج منه نهر إلى دار فرعون فساقه الله فى ذلك النهر إلى داره فأخذ التابوت فوجد موسى فيه وقيل إن


"""""" صفحة رقم 365 """"""
البحر ألقاه بالساحل فنظره فرعون فأمر من يأخذه وقيل وجدته ابنة فرعون والأول أولى ) وألقيت عليك محبة مني ( أى ألقى الله على موسى محبة كائنة منه تعالى فى قلوب عباده لا يراه أحد إلا أحبه وقيل جعل عليه مسحة من جمال لا يراه أحد من الناس إلا أحبه وقال ابن جرير المعنى وألقيت عليك رحمتي وقيل كلمة من متعلقة بألقيت فيكون المعنى ألقيت مني عليك محبة أى أحببتك ومن أحبه الله أحبه الناس ) ولتصنع على عيني ( أى ولتربى وتغذى بمرأى مني يقال صنع الرجل جاريته إذا رباها وصنع فرسه إذا داوم على علفه والقيام عليه وتفسير ) على عيني ( بمرأى مني صحيح قال النحاس وذلك معروف فى اللغة ولكن لا يكون فى هذا تخصيص لموسى فإن جميع الأشياء بمرآى من الله وقال أبو عبيدة وابن الأنباري إن المعنى لتغذى على محبتي وإرادتي تقول أتخذ الأشياء على عيني أى على محبتي قال ابن الأنباري العين فى هذه الآية يقصد بها قصد الإرادة والاختيار من قول العرب غدا فلان على عيني أى على المحبة مني قيل واللام متعلقة بمحذوف أى فعلت ذلك لتصنع وقيل متعلقة بألقيت وقيل متعلقة بما بعده أى ولتصنع على عينى قدرنا مشي أختك وقرأ ابن القعقاع ) ولتصنع ( بإسكان اللام على الأمر وقرأ أبونهيك بفتح التاء والمعنى ولتكون حركتك وتصرفك بمشيئتي وعلى عين مني
طه : ( 40 ) إذ تمشي أختك . . . . .
) إذ تمشي أختك ( ظرف لألقيت أو لتصنع ويجوز أن يكون بدلا من ) إذ أوحينا ( وأخته اسمها مريم ) فتقول هل أدلكم على من يكفله ( وذلك أنها خرجت متعرفة لخبره فوجدت فرعون وامرأته آسية يطلبان له مرضعة فقالت لهما هذا القول أى هل أدلكم على من يضمه إلى نفسه ويربيه فقالا لها ومن هو قالت أمي فقالا هل لها لبن قالت نعم لبن أخي هارون وكان هارون أكبر من موسى بسنة وقيل بأكثر فجاءت الأم فقبل ثديها وكان لا يقبل ثدي مرضعة غيرها وهذا هو معنى ) فرجعناك إلى أمك ( وفى مصحف أبي فرددناك والفاء فصيحة ) كي تقر عينها ( قرأ ابن عامر فى رواية عبد الحميد عنه كي تقر بكسر القاف وقرأ الباقون بفتحها قال الجوهري قررت به عينا قرة وقرورا ورجل قرير العين وقد قرت عينه تقر وتقر نقيض سخنت والمراد بقرة العين السرور برجوع ولدها إليها بعد أن طرحته فى البحر وعظم عليها فراقه ) ولا تحزن ( أى لا يحصل له ما يكدر ذلك السرور من الحزن بسبب من الأسباب ولو أراد الحزن بالسبب الذى قرت عينها بزواله لقدم نفي الحزن على قرة العين فيحمل هذا النفي للحزن على ما يحصل بسبب يطرأ بعد ذلك ويمكن أن يقال إن الواو لما كانت لمطلق الجمع كان هذا الحمل غير متعين وقيل المعنى ولا تحزن أنت يا موسى بفقد إشفاقها وهو تعسف ) وقتلت نفسا ( المراد بالنفس هنا نفس القبطي الذى وكزه موسى فقضى عليه وكان قتله له خطأ ) فنجيناك من الغم ( أى الغم الحاصل معك من قتله خوفا من العقوبة الأخروية أو الدنيوية أو منهما جميعا وقيل الغم هو القتل بلغة قريش وما أبعد هذا ) وفتناك فتونا ( الفتنة تكون بمعنى المحنة وبمعنى الأمر الشاق وكل ما يبتلى به الإنسان والفتون يجوز أن يكون مصدرا كالثبور والشكور والكفور أى ابتليناك ابتلاء واختبرناك اختبارا ويجوز أن يكون جمع فتنة على ترك الاعتداد بتاء التأنيث كحجور فى حجرة وبدور فى بدرة أى خلصناك مرة بعد مرة مما وقعت فيه من المحن التى سبق ذكرها قبل أن يصطفيه الله لرسالته ولعل المقصود بذكر تنجيته من الغم الحاصل له بذلك السبب وتنجيته من المحن هو الامتنان عليه بصنع الله سبحانه له وتقوية قلبه عند ملاقاة ما سيقع له من ذلك مع فرعون وبني إسرائيل ) فلبثت سنين في أهل مدين ( قال الفراء تقدير الكلام وفتناك فتونا فخرجت إلى أهل مدين فلبثت سنين ومثل هذا الحذف كثير فى التنزيل وكذا فى كلام العرب فإنهم يحذفون كثيرا من الكلام إذا كان المعنى معروفا ومدين هى بلد شعيب وكانت على ثماني


"""""" صفحة رقم 366 """"""
مراحل من مصر هرب إليها موسى فأقام بها عشر سنين وهى أتم الأجلين وقيل أقام عند شعيب ثمان وعشرين سنة منها عشر مهر امرأته ابنة شعيب ومنها ثماني عشرة سنة بقي فيها عنده حتى ولد له والفاء فى ) فلبثت ( تدل على أن المراد بالمحن المذكورة هى ما كان قبل لبثه فى أهل مدين ) ثم جئت على قدر يا موسى ( أى فى وقت سبق فى قضائي وقدري أن أكلمك وأجعلك نبيا أو على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء وهو رأس أربعين سنة أو على موعد قد عرفته بإخبار شعيب لك به قال الشاعر نال الخلافة إذ كانت له قدرا
كما أتى ربه موسى على قدر
وكلمة ثم المفيدة للتراخي للدلالة على أن مجيئه عليه السلام كان بعد مدة وذلك بسبب ما وقع له من ضلال الطريق وتفرق غنمه ونحو ذلك
طه : ( 41 ) واصطنعتك لنفسي
) واصطنعتك لنفسي ( الاصطناع اتخاذ الصنعة وهى الخير تسديه إلى إنسان والمعنى اصطنعتك لوحيي ورسالتي لتتصرف على إرادتي قال الزجاج تأويله اخترتك لإقامة حجتي وجعلتك بيني وبين خفي وصرت بالتبليغ عني بالمنزلة التى أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم قيل وهو تمثيل لما خوله الله سبحانه من الكرامة العظمى بتقريب الملك لبعض خواصه
طه : ( 42 ) اذهب أنت وأخوك . . . . .
) اذهب أنت وأخوك ( أى وليذهب أخوك وهو كلام مستأنف مسوق لبيان ما هو المقصود من الاصطناع ومعنى ) بآياتي ( بمعجزاتي التى جعلتها لك آية وهى التسع الآيات ) ولا تنيا في ذكري ( أى لا تضعفا ولا تفترا يقال ونى يني ونيا إذا ضعف
قال الشاعر
فما ونى محمد مذ أن غفر
له الإله ما مضى وما غبر
وقال امرؤ القيس
يسيح إذا ما السابحات على الونى
أثرن غبارا بالكديد الموكل
قال الفراء فى ذكري وعن ذكري سواء والمعنى لا تقصرا عن ذكري بالإحسان إليكما والإنعام عليكما وذكر النعمة شكرها وقيل معنى ) ولا تنيا ( لا تبطئا فى تبليغ الرسالة وفى قراءة ابن مسعود لا تهنا فى ذكرى
طه : ( 43 ) اذهبا إلى فرعون . . . . .
) اذهبا إلى فرعون إنه طغى ( هذا أمر لهما جميعا بالذهاب وموسى حاضر وهارون غائب تغليبا لموسى لأنه الأصل فى أداء الرسالة وعلل الأمر بالذهاب بقوله ) إنه طغى ( أى جاوز الحد فى الكفر والتمرد وخص موسى وحده بالأمر بالذهاب فيما تقدم وجمعهما هنا تشريفا لموسى بإفراده وتأكيدا للأمر بالذهاب بالتكرير وقيل إن فى هذا دليلا على أنه لا يكفي ذهاب أحدهما وقل الأول أمر لموسى بالذهاب إلى كل الناس والثاني أمر لهما بالذهاب إلى فرعون
طه : ( 44 ) فقولا له قولا . . . . .
ثم أمرهما سبحانه بإلانة القول له لما فى ذلك من التأثير فى الإجابة فإن التخشين بادئ بدء يكون من أعظم أسباب النفور والتصلب فى الكفر والقول اللين هو الذى لا خشونة فيه يقال لان الشيء يلين لينا والمراد تركهما للتعنيف كقولهما ) هل لك إلى أن تزكى ( وقيل القول اللين هو الكنية له وقيل أن يعداه بنعيم الدنيا إن أجاب ثم علل الأمر بإلانة القول له بقوله ) لعله يتذكر أو يخشى ( أى باشرا ذلك مباشرة من يرجو ويطمع فالرجاء راجع إليهما كما قاله جماعة من النحويين سيبويه وغيره وقد تقدم تحقيقه فى غير موضع قال الزجاج لعل لفظة طمع وترج فخاطبهم بما يعقلون وقيل لعل هاهنا بمعنى الاستفهام والمعنى فانظرا هل يتذكر أو يخشى وقيل بمعنى كي والتذكر النظر فيما بلغاه من الذكر وإمعان الفكر فيه حتى يكون ذلك سببا فى الإجابة والخشية هى خشية عقاب الله الموعود به على لسانهما وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع


"""""" صفحة رقم 367 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) فاقذفيه في اليم ( قال هو النيل وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وألقيت عليك محبة مني ( قال كان كل من رآه ألقيت عليه منه محبته وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل قال حببتك إلى عبادي وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني فى قوله ) ولتصنع على عيني ( قال تربى بعين الله وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى الآية قال لتغذى على عيني وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى الآية قال يقول أنت بعيني إذ جعلتك أمك فى التابوت ثم فى البحر وإذ تمشي أختك وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب عن ابن عمر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إنما قتل موسى الذى قتل من آل فرعون خطأ يقول الله سبحانه ) وقتلت نفسا فنجيناك من الغم ( قال من قتل النفس ) وفتناك فتونا ( قال أخلصناك إخلاصا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وفتناك فتونا ( قال ابتليناك ابتلاء وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال اختبرناك اختبارا وقد أخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أثرا طويلا في تفسير الآية فمن أحب استيفاء ذلك فلينظره في كتاب التفسير من سنن النسائي وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) ثم جئت على قدر ( قال لميقات وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وقتادة ) على قدر ( قال موعد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولا تنيا ( قال لا تبطئا وأخرج ابن أبي حاتم عن علي فى قوله ) قولا لينا ( قال كنه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال كنياه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) لعله يتذكر أو يخشى ( قال هل يتذكر
سورة طه الآية ( 45 57 )


"""""" صفحة رقم 368 """"""
سورة طه الآية ( 58 59 )
طه : ( 45 ) قالا ربنا إننا . . . . .
قرأ الجمهور أن يفرط بفتح الياء وضم الراء ومعنى ذلك أننا نخاف أن يعجل ويبادر بعقوبتنا يقال فرط منه أمر أى بدر ومنه الفارط وهو الذى يتقدم القوم إلى الماء أى يعذبنا عذاب الفارط فى الذنب وهو المتقدم فيه كذا قال المبرد وقال أيضا فرط منه امر وأفرط أسرف وفرط ترك وقرأ ابن محيصن ) يفرط ( بضم الياء وفتح الراء أى يحمله حامل على التسرع إلينا وقرأت طائفة بضم الياء وكسر الراء ومنهم ابن عباس ومجاهد وعكرمة من الإفراط أى يشتط فى أذيتنا قال الراجز قد أفرط العلج علينا وعجل
ومعنى ) أو أن يطغى ( قد تقدم قريبا
طه : ( 46 ) قال لا تخافا . . . . .
وجملة ) قال لا تخافا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر نهى لهما عن الخوف الذى حصل معهما من فرعون ثم علل ذلك بقوله ) إنني معكما ( أى بالنصر لهما والمعونة على فرعون ومعنى ) أسمع وأرى ( إدراك ما يجري بينهما وبينه بحيث لا يخفى عليه سبحانه منه خافية وليس بغافل عنهما
طه : ( 47 ) فأتياه فقولا إنا . . . . .
ثم أمرهما بإتيانه الذى هو عبارة عن الوصول إليه بعد أمرهما بالذهاب إليه فلا تكرار ) فقولا إنا رسولا ربك ( أرسلنا إليك ) فأرسل معنا بني إسرائيل ( أى خل عنهم وأطلقهم من الأسر ) ولا تعذبهم ( بالبقاء على ما كانوا عليه وقد كانوا عند فرعون فى عذاب شديد يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ويكلفهم من العمل ما لا يطيقونه ثم أمرهما سبحانه أن يقولا لفرعون ) قد جئناك بآية من ربك ( قيل هى العصا واليد وقيل إن فرعون قال لهما وما هى فأدخل موسى يده فى جيب قميصه ثم أخرجها لها شعاع كشعاع الشمس فعجب فرعون من ذلك ولم يره موسى العصا إلا يوم الزينة ) والسلام على من اتبع الهدى ( أى السلامة قال الزجاج أى من اتبع الهدى سلم من سخط الله عز وجل ومن عذابه وليس بتحية قال والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب قال الفراء السلام على من اتبع الهدى ولمن اتبع الهدى سواء
طه : ( 48 ) إنا قد أوحي . . . . .
) إنا قد أوحي إلينا ( من جهة الله سبحانه ) أن العذاب على من كذب وتولى ( المراد بالعذاب الهلاك والدمار فى الدنيا والخلود فى النار والمراد بالتكذيب التكذيب بآيات الله وبرسله والتولي الإعراض عن قبولها والإيمان بها
طه : ( 49 ) قال فمن ربكما . . . . .
) قال فمن ربكما يا موسى ( أى قال فرعون لهما فمن ربكما فأضاف الرب إليهما ولم يضفه إلى نفسه لعدم تصديقه لهما ولجحده للربوبية وخص موسى بالنداء لكونه الأصل فى الرسالة وقيل لمطابقة رؤوس الآى
طه : ( 50 ) قال ربنا الذي . . . . .
) قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ( أى قال موسى مجيبا له وربنا مبتدأ وخبره ) الذي أعطى كل شيء خلقه ( ويجوز أن يكون ربنا خبر مبتدأ محذوف وما بعده صفته قرأ الجمهور ) خلقه ( بسكون اللام وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ خلقه بفتح اللام على أنه فعل وهى قراءة ابن أبي إسحاق ورواها نصير عن الكسائي فعلى القراءة الأولى يكون خلقه ثاني مفعولي أعطى والمعنى أعطى كل شيء صورته وشكله الذى يطابق المنفعة المنوطة به المطابقة له كاليد للبطش والرجل للمشي واللسان للنطق والعين للنظر والأذن للسمع كذا قال الضحاك وغيره وقال الحسن وقتادة أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه وقال مجاهد المعنى لم يخلق خلق الإنسان فى خلق البهائم ولا خلق البهائم فى خلق الإنسان ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا ومنه قول الشاعر
وله فى كل شيء خلقه وكذاك الله ما شاء فعل


"""""" صفحة رقم 369 """"""
وقال الفراء المعنى خلق للرجل المرأة ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث ويجوز أن يكون خلقه على القراءة الأولى هو المفعول الأول لأعطى أى أعطى خلقه كل شئ يحتاجون إليه ويرتفقون به ومعنى ) ثم هدى ( أنه سبحانه هداهم إلى طرق الإنتفاع بما أعطاهم فانتفعوا بكل شئ فيما خلق له وأما على القراءة الآخرة فيكون الفعل صفة للمضاف أو للمضاف إليه أى أعطى كل شئ خلقه الله سبحانه ولم يخله من عطائه وعلى هذه القراءة يكون المفعول الثانى محذوفا أى أعطى كل شئ خلقه ما يحتاج إليه فيوافق معناها معنى القراءة الأولى
طه : ( 51 ) قال فما بال . . . . .
) قال فما بال القرون الأولى ( لما سمع فرعون ما احتج به موسى فى ضمن هذا الكلام على إثبات الربوبية كما لا يخفي من أن الخلق والهداية ثابتان بلا خلاف ولا بد لهما من خالق وهاد وذلك الخالق والهادي هو الله سبحانه لا رب غيره قال فرعون فما بال القرون الأولى فإنها لم تقر بالرب الذى تدعو إليه يا موسى بل عبدت الأوثان ونحوها من المخلوقات ومعنى البال الحال والشان أى ما حالهم وما شأنهم وقيل إن سؤال فرعون عن القرون الأولى مغالطة لموسى لما خاف أن يظهر لقومه أنه قد قهره بالحجة أى ما حال القرون الماضية وماذا جرى عليهم من الحوادث
طه : ( 52 ) قال علمها عند . . . . .
فأجابه موسى ف ) قال علمها عند ربي ( أى إن هذا الذى سألت عنه ليس مما نحن بصدده بل هو من علم الغيب الذى استأثر الله به لا تعلمه أنت ولا أنا وعلى التفسير الأول يكون معنى ) علمها عند ربي ( أن علم هؤلاء الذين عبدوا الأوثان ونحوها محفوظ عند الله فى كتابه سيجازيهم عليها ومعنى كونها فى كتاب أنها مثبتة فى اللوح المحفوظ قال الزجاج المعنى أن أعمالهم محفوظة عند الله يجازي بها والتقدير علم أعمالها عند ربي فى كتاب
وقد اختلف فى معنى ) لا يضل ربي ولا ينسى ( على أقوال الأول أنه ابتداء كلام تنزيه لله تعالى عن هاتين الصفتين وقد تم الكلام عند قوله فى كتاب كذا قال الزجاج قال ومعنى ) لا يضل ( لا يهلك من قوله أئذا ضللنا فى الأرض ) ولا ينسى ( شيئا من الأشياء فقد نزهه عن الهلاك والنسيان القول الثاني أم معنى ) لا يضل ( لا يخطئ القول الثالث أن معناه لا يغيب قال ابن الأعرابي أصل الضلال الغيبوبة القول الرابع أن المعنى لا يحتاج إلى كتاب ولا يضل عنه علم شئ من الأشياء ولا ينسى ما علمه منها حكى هذا عن الزجاج أيضا قال النحاس وهو أشبهها بالمعنى ولا يخفى أنه كقول ابن الأعرابي القول الخامس أن هاتين الجملتين صفة لكتاب والمعنى ان الكتاب غير ذاهب عن الله ولا هو ناس له
طه : ( 53 ) الذي جعل لكم . . . . .
) الذي جعل لكم الأرض مهدا ( الموصول فى محل رفع على أنه صفة لربي متضمنة لزيادة البيان ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أو فى محل نصب على المدح قرأ الكوفيون ) مهدا ( على أنه مصدر لفعل مقدر أى مهدها مهدا أو على تقدير مضاف محذوف أى ذات مهد وهو اسم لما يمهد كالفراش لما يفرش وقرأ الباقون ) مهادا ( واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قالا لاتفاقهم على قراءة ) ألم نجعل الأرض مهادا ( قال النحاس والجمع أولى من المصدر لأن هذا الموضع ليس موضع المصدر إلا على حذف المضاف قيل يجوز أن يكون مهادا مفردا كالفراش ويجوز أن يكون جمعا ومعنى المهاد الفراش فالمهاد جمع المهد أى جعل كل موضع منها مهدا لكل واحد منكم ) وسلك لكم فيها سبلا ( السلك إدخال الشئ فى الشئ والمعنى أدخل فى الأرض لأجلكم طرقا تسلكونها وسهلها لكم وفى الآية الأخرى ) الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون ( ثم قال سبحانه ممتنا على عباده ) وأنزل من السماء ماء ( هو ماء المطر قيل إلى هنا انتهى كلام موسى وما بعده هو ) فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ( من كلام الله سبحانه وقيل هو من الكلام المحكى عن موسى معطوف على أنزل وإنما التفت إلى التكلم للتنبيه على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة ونوقش بأن هذا الخلاف الظاهر مع استلزامه فوت الالتفات لعدم


"""""" صفحة رقم 370 """"""
اتحاد المتكلم ويجاب عنه بأن الكلام كله محكي عن واحد هو موسى والحاكي للجميع هو الله سبحانه والمعنى فأخرجنا بذلك الماء بسبب الحرث والمعالجة أزواجا أى ضروبا وأشباها من أصناف النبات المختلفة وقوله من نبات صفة لأزواجا أو بيان له وكذا شتى صفة أخرى له أى متفرقة جمع شتيت وقال الأخفش التقدير أزواجا شتى من نبات قال وقد يكون النبات شتى فيجوز أن يكون شتى نعتا لأزواجا ويجوز أن يكون نعتا للنبات يقال أمر شت أى متفرق وشت الأمر شتا وشتاتا تفرق واشتت مثله والشتيت المتفرق قال رؤبة جاءت معا وأطرقت شتيتا
طه : ( 54 ) كلوا وارعوا أنعامكم . . . . .
وجملة ) كلوا وارعوا ( فى محل نصب على الحال بتقدير القول أى قائلين لهم ذلك والأمر للإباحة يقال رعت الماشية الكلأ ورعاها صاحبها رعاية أى أسامها وسرحها يجئ لازما ومتعديا والإشارة بقوله ) إن في ذلك لآيات لأولي النهى ( إلى ما تقدم ذكره فى هذه الآيات والنهي العقول جمع نهية وخص ذوي النهي لأنهم الذين ينتهي إلى رأيهم وقيل لأنهم ينهون النفس عن القبائح وهذا كله من موسى احتجاج على فرعون فى إثبات الصانع جوابا لقوله ) فمن ربكما يا موسى )
طه : ( 55 ) منها خلقناكم وفيها . . . . .
والضمير فى ) منها خلقناكم ( وما بعده راجع إلى الأرض المذكورة سابقا قال الزجاج وغيره يعني أن آدم خلق من الأرض وأولاده منه وقيل المعنى أن كل نطفة مخلوقة من التراب فى ضمن خلق آدم لأن كل فرد من أفراد البشر له حظ من خلقه ) وفيها ( أى فى الأرض ) نعيدكم ( بعد الموت فتدفنون فيها وتتفرق أجزاؤكم حتى تصير من جنس الأرض وجاء بفى دون إلى للدلالة على الإستقرار ) ومنها ( أى من الأرض ) نخرجكم تارة أخرى ( أى بالبعث والنشور وتأليف الأجسام ورد الأرواح إليها على ما كانت عليه قبل الموت والتارة كالمرة
طه : ( 56 ) ولقد أريناه آياتنا . . . . .
) ولقد أريناه آياتنا كلها ( أى أرينا فرعون وعرفناه آياتنا كلها والمراد بالآيات هى الآيات التسع المذكورة فى قوله ) ولقد آتينا موسى تسع آيات ( على أن الإضافة للعهد وقيل المراد جميع الآيات التى جاء بها موسى والتى جاء بها غيره من الأنبياء وأن موسى قد كان عرفه جميع معجزاته ومعجزات سائر الأنبياء والأول أولى وقيل المراد بالآيات حجج الله سبحانه الدالة على توحيده ) فكذب وأبى ( أى كذب فرعون موسى وأبى عليه أن يجيبه إلى الإيمان وهذا يدل على أن كفر فرعون كفر عناد لأنه رأى الآيات وكذب بها كما فى قوله ) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا )
طه : ( 57 ) قال أجئتنا لتخرجنا . . . . .
وجملة ) قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال فرعون بعد هذا والهمزة للإنكار لما جاء به موسى من الآيات أى جئت يا موسى لتوهم الناس بأنك نبى يجب عليهم اتباعك والإيمان بما جئت به حتى تتوصل بذلك الإيهام الذى هو شعبة من السحر إلى أن تغلب على أرضنا وتخرجنا منها وإنما ذكر الملعون الإخراج من الأرض لتنفير قومه عن إجابة موسى فإنه إذا وقع فى أذهانهم وتقرر فى أفهامهم أن عاقبة إجابتهم لموسى الخروج من ديارهم وأوطانهم كانوا غير قابلين لكلامه ولا ناظرين فى معجزاته ولا ملتفتين إلى ما يدعو إليه من الخير
طه : ( 58 ) فلنأتينك بسحر مثله . . . . .
) فلنأتينك بسحر مثله ( الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها واللام هى الموطئة للقسم أى والله لنغارضنك بمثل ما جئت به من السحر حتى يتبين للناس أن الذى جئت به سحر يقدر على مثله الساحر ) فاجعل بيننا وبينك موعدا ( هو مصدر أى وعدا وقيل اسم مكان أى اجعل لنا يوما معلوما أو مكانا معلوما لا نخلفه قال القشيري والأظهر أنه مصدر ولهذا قال ) لا نخلفه ( أى لا نخلف ذلك الوعد والإخلاف أن تعد شيئا ولا تنجزه قال الجوهري الميعاد المواعدة والوقت والموضع وكذلك الموعد وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج ) لا نخلفه ( بالجزم على أنه جواب لقوله اجعل وقرأ الباقون بالرفع على أنه صفة لموعدا أى لا نخلف ذلك الوعد ) نحن ولا أنت ( وفوض تعيين الموعد إلى موسى إظهارا لكمال اقتداره


"""""" صفحة رقم 371 """"""
على الإتيان بمثل ما أتى به موسى وانتصاب ) مكانا سوى ( بفعل مقدر يدل عليه المصدر أو على أنه بدل من موعد قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة ) سوى ( بضم السين وقرأ الباقون بكسرها وهما لغتان واختار أبو عبيد وأبو حاتم كسر السين لأنها اللغة العالية الفصيحة والمراد مكانا مستويا وقيل مكانا منصفا عدلا بيننا وبينك قال سيبويه يقال سوى وسوى أى عدل يعني عدلا بين المكانين قال زهير
أرونا خطة لا ضيم فيها
يسوى بيننا فيها السواء
قال أبو عبيدة والقتيبي معناه مكانا وسطا بين الفريقين وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي
وإن أبانا كان حل ببلدة
سوى بين قيس قيس غيلان والفزر
والفزر سعد بن زيد مناة
طه : ( 59 ) قال موعدكم يوم . . . . .
ثم واعده موسى بوقت معلوم ف ) قال موعدكم يوم الزينة ( قال مجاهد وقتادة ومقاتل والسدى كان ذلك يوم عيد يتزينون فيه وقال سعيد بن جبير كان ذلك يوم عاشوراء وقال الضحاك يوم السبت وقيل يوم النيروز وقيل يوم كسر الخليج وقرأ الحسن والأعمش وعيسى الثقفي والسلمي وهبيرة عن حفص ) يوم الزينة ( بالنصب ورويت هذه القراءة عن أبى عمرو أى فى يوم الزينة إنجاز موعدنا وقرأ الباقون بالرفع على أنه خبر موعدكم وإنما جعل الميعاد زمانا بعد أن طلب منه فرعون أن يكون مكانا سوى لأن يوم الزينة يدل على مكان مشهور يجتمع فيه الناس ذلك اليوم أو على تقدير مضاف محذوف أى موعدكم مكان يوم الزينة ) وأن يحشر الناس ضحى ( معطوف على يوم الزينة فيكون فى محل رفع أو على الزينة فيكون فى محل جر يعنى ضحى ذلك اليوم والمراد بالناس أهل مصر والمعنى يحشرون إلى العيد وقت الضحى وينظرون فى أمر موسى وفرعون قال الفراء المعنى إذا رأيت الناس يحشرون من كل ناحية ضحى فذلك الموعد قال وجرت عادتهم بحشر الناس فى ذلك اليوم والضحى قال الجوهري ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضحى وهو حين تشرق الشمس وخص الضحى لأنه أول النهار فإذا امتد الأمر بينهما كان فى النهار متسع وقرأ ابن مسعود والجحدري ) وأن يحشر ( على البناء للفاعل أى وأن يحشر الله الناس ضحى وروى عن الجحدري أنه قرأ ? وأن نحشر ? بالنون وقرأ بعض القراء بالتاء الفوقية أى وأن تحشر أنت يا فرعون وقرأ الباقون بالتحتية على البناء للمفعول
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إننا نخاف أن يفرط علينا ( قال يعجل ) أو أن يطغى ( قال يعتدي وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) أسمع وأرى ( قال أسمع ما يقول وأرى ما يجاوبكما به فأوحي إليكما فتجاوبانه وأخرج ابن أبى شيبة وابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال لما بعث الله موسى إلى فرعون قال رب أى شئ أقول قال قل أهيا شراهيا قال الأعشى تفسير ذلك الحي قبل كل شئ والحي بعد كل شئ وجود السيوطي إسناده وسبقه إلى تجويد إسناده ابن كثير فى تفسيره وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) على من كذب وتولى ( قال كذب بكتاب الله وتولى عن طاعة الله وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) أعطى كل شيء خلقه ( قال خلق لكل شئ زوجه ) ثم هدى ( قال هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لا يضل ربي ( قال لا يخطئ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) من نبات شتى ( قال مختلف وفى قوله ) لأولي النهى ( قال لأولى التقى وأخرج ابن المنذر


"""""" صفحة رقم 372 """"""
عنه ) لأولي النهى ( قال لأولى الحجا والعقل وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذى يدفن فيه فيذره على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة وذلك قوله ) منها خلقناكم وفيها نعيدكم ( وأخرج أحمد والحاكم عن أبي أمامة قال لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى القبر قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ( بسم الله وفى سبيل الله وعلى ملة رسول الله وفى حديث فى السنن أنه أخذ قبضة من التراب فألقاها فى القبر وقال منها خلقناكم ثم أخرى وقال وفيها نعيدكم ثم أخرى وقال ومنها نخرجكم تارة أخرى وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) موعدكم يوم الزينة ( قال يوم عاشوراء وأخرج ابن المنذر عن ابن عمرو نحوه
سورة طه الآية ( 60 70 )
طه : ( 60 ) فتولى فرعون فجمع . . . . .
قوله ) فتولى فرعون ( أى انصرف من ذلك المقام ليهيء ما يحتاج إليه مما تواعدا عليه وقيل معنى تولى اعرض عن الحق والأول أولى ) فجمع كيده ( أى جمع ما يكيد به من سحره وحيلته والمراد أنه جمع السحرة قيل كانوا اثنين وسبعين وقيل أربعمائة وقيل اثنا عشر ألفا وقيل أربعة عشر ألفا وقال ابن المنذر كانوا ثمانين ألفا ) ثم أتى ( أى أتى الموعد الذى تواعدا إليه مع جمعه الذى جمعه
طه : ( 61 ) قال لهم موسى . . . . .
وجملة ) قال لهم موسى ( مستأنفة جواب سؤال مقدر ) ويلكم لا تفتروا على الله كذبا ( دعا عليهم بالويل ونهاهم عن افتراء الكذب قال الزجاج هو منصوب بمحذوف والتقدير ألزمهم الله ويلا قال ويجوز أن يكون نداء كقوله ) يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ( ) فيسحتكم بعذاب ( السحت الاستئصال يقال سحت وأسحت بمعنى وأصله استقصاء الشعر وقرأ الكوفيون إلا شعبة ) فيسحتكم ( بضم حرف المضارعة من أسحت وهى لغة بني تميم وقرأ الباقون بفتحه من سحت وهى لغة الحجاز وانتصابه على أنه جواب للنهي ) وقد خاب من افترى ( أى خسر وهلك والمعنى قد خسر من افترى على الله


"""""" صفحة رقم 373 """"""
أى كذب كان
طه : ( 62 ) فتنازعوا أمرهم بينهم . . . . .
) فتنازعوا أمرهم بينهم ( أى السحرة لما سمعوا كلام موسى تناظروا وتشاوروا وتجاذبوا أطراف الكلام فى ذلك ) وأسروا النجوى ( أى من موسى وكانت نجواهم هى قولهم
طه : ( 63 ) قالوا إن هذان . . . . .
) إن هذان لساحران ( وقيل إنهم تناجوا فيما بينهم فقالوا إن كان ما جاء به موسى سحرا فسنغلبه وإن كان من عند الله فسيكون له أمر وقيل الذى أسروه أنه إذا غلبهم اتبعوه قاله الفراء والزجاج وقيل الذى أسروه أنهم لما سمعوا قول موسى ويلكم لا تفتروا على الله قالوا ما هذا بقول ساحر والنجوى المناجاة يكون اسما ومصدرا
قرأ أبو عمرو ? إن هذين لساحران ? بتشديد الحرف الداخل على الجملة وبالياء فى اسم الإشارة على إعمال إن عملها المعروف وهو نصب الإسم ورفع الخبر ورويت هذه القراءة عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة وبها قرأ الحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم من التابعين وبها قرأ عاصم الجحدري وعيسى بن عمر كما حكاه النحاس وهذه القراءة موافقة للإعراب الظاهر مخالفة لرسم المصحف فإنه مكتوب بالألف وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم فى رواية حفص عنه ) إن هذان ( بتخفيف إن على أنها نافية وهذه القراءة موافقة لرسم المصحف وللإعراب وقرأ ابن كثير مثل قراءتهم إلا أنه يشدد النون من هذان وقرأ المدنيون والكوفيون وابن عامر إن هذان بتشديد إن وبالألف فوافقوا الرسم وخالفوا الإعراب الظاهر وقد تكلم جماعة من أهل العلم فى توجيه قراءة المدنيين والكوفيين وابن عامر وقد استوفى ذكر ذلك ابن الأنباري والنحاس فقيل إنها لغة بنى الحارث بن كعب وخثعم وكنانة يجعلون رفع المثنى ونصبه وجره بالألف ومنه قول الشاعر
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى
مساغا لناباه الشجاع لصمما
وقول الآخر تزود منا بين أذناه ضربة
وقول الآخر
إن أباها وأبا أباها قد بلغا فى المجد غايتاها
ومما يؤيد هذا تصريح سيبويه والأخفش وأبي زيد والكسائي والفراء إن هذه القراءة على لغة بني الحارث ابن كعب وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أنها لغة بني كنانة وحكى غيره أنها لغة خثعم وقيل إن إن بمعنى نعم ها هنا كما حكاه الكسائي عن عاصم وكذا حكاه سيبويه قال النحاس رأيت الزجاج والأخفش يذهبان إليه فيكون التقدير نعم هذان لساحران ومنه قول الشاعر
ليت شعري هل للمحب شفاء من جوى حبهن إن اللقاء
أى نعم اللقاء قال الزجاج والمعنى فى الآية أن هذا لهما ساحران ثم حذف المبتدأ وهو هما وأنكره أبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جنى وقيل إن الألف فى هذا مشبهة بالألف فى يفعلان فلم تغير وقيل إن الهاء مقدرة أى إنه هذان لساحران حكاه الزجاج عن قدماء النحويين وكذا حكاه ابن الأنباري وقال ابن كيسان إنه لما كان يقال هذا بالألف فى الرفع والنصب والجر على حال واحدة وكانت التثنية لا تغير الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فثبت الألف فى الرفع والنصب والجر فهذه أقوال تتضمن توجيه هذه القراءة توجه تصح به وتخرج به عن الخطأ وبذلك يندفع ما روى عن عثمان وعائشة أنه غلط من الكاتب للمصحف ) يريدان أن يخرجاكم من أرضكم ( وهى أرض مصر ) بسحرهما ( الذى أظهراه ) ويذهبا بطريقتكم المثلى ( قال الكسائي بطريقتكم بسنتكم والمثلى نعت كقولك امرأة كبرى تقول العرب فلان على الطريقة المثلى يعنون على الهدى


"""""" صفحة رقم 374 """"""
المستقيم قال الفراء العرب تقول هؤلاء طريقة قومهم وطرائق قومهم لأشرافهم والمثلى تأنيث الأمثل وهو الأفضل يقال فلان أمثل قومه أى أفضلهم وهم الأماثل والمعنى أنهما إن يغلبا بسحرهما مال إليهما السادة والأشراف منكم أو يذهبا بمذهبكم الذى هو أمثل المذاهب
طه : ( 64 ) فأجمعوا كيدكم ثم . . . . .
) فأجمعوا كيدكم ( الإجماع الإحكام والعزم على الشئ قاله الفراء تقول أجمعت على الخروج مثل أزمعت وقال الزجاج معناه ليكن عزمكم كلكم كالكيد مجمعا عليه وقد اتفق القراء على قطع الهمزة فى أجمعوا إلا أبا عمرو فإنه قرأ بوصلها وفتح الميم من الجمع قال النحاس وفيما حكى لي عن محمد بن يزيد المبرد انه قال يجب على أبى عمرو أن يقرأ بخلاف هذه القراءة وهى القراءة التى عليها أكثر الناس ) ثم ائتوا صفا ( أى مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأمورهم وأشد لهيبتهم وهذا قول جمهور المفسرين وقال أبو عبيدة الصف موضع المجمع ويسمى المصلى الصف قال الزجاج وعلى هذا معناه ثم ائتوا الموضع الذى تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم يقال أتيت الصف بمعنى أتيت المصلى فعلى التفسير الأول يكون انتصاب صفا على الحال وعلى تفسير أبي عبيدة يكون انتصابه على المفعولية قال الزجاج يجوز أن يكون المعنى ثم ائتوا والناس مصطفون فيكون على هذا مصدرا فى موضع الحال ولذلك لم يجمع وقرئ بكسر الهمزة بعدها ياء ومن ترك الهمزة أبدل منها ألفا ) وقد أفلح اليوم من استعلى ( أى من غلب يقال استعلى عليه إذا غلبه وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض وقيل من قول فرعون لهم
طه : ( 65 ) قالوا يا موسى . . . . .
وجملة ) قالوا يا موسى إما أن تلقي ( مستأنفة جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل فماذا فعلوا بعدما قالوا فيما بينهم ما قالوا فقيل قالوا يا موسى إما أن تلقي وإن مع ما فى حيزها فى محل نصب بفعل مضمر أى اختر إلقاءك أولا أو إلقاءنا ويجوز أن تكون فى محل رفع على أنها وما بعدها خبر مبتدأ محذوف أى الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا ومفعول تلقي محذوف والتقدير إما أن تلقي ما تلقيه أولا ) وإما أن نكون ( نحن ) أول من ألقى ( ما يلقيه أو أول من يفعل الإلقاء والمراد إلقاء العصى على الأرض وكانت السحرة معهم عصى وكان موسى قد ألقى عصاه يوم دخل على فرعون فلما أراد السحرة معارضته قالوا له هذا القول
طه : ( 66 ) قال بل ألقوا . . . . .
ف ) قال ( لهم موسى ) بل ألقوا ( أمرهم بالإلقاء أولا لتكون معجزته أظهر إذا ألقوا هم ما معهم ثم يلقي هو عصاه فتبتلع ذلك وإظهارا لعدم المبالاة بسحرهم ) فإذا حبالهم وعصيهم ( فى الكلام حذف والتقدير فألقوا فإذا حبالهم والفاء فصيحة وإذا للمفاجأة أو ظرفية والمعنى فألقوا ففاجأ موسى وقت أن ) يخيل إليه ( سعي حبالهم وعصيهم وقرأ الحسن عصيهم بضم العين وهى لغة بني تميم وقرأ الباقون بكسرها اتباعا لكسرة الصاد وقرأ ابن عباس وابن ذكوان وروح عن يعقوب ? تخيل ? بالمثناة لأن العصى والحبال مؤنثة وذلك أنهم لطخوها بالزئبق فلما أصابها حر الشمس ارتعشت واهتزت وقرئ نخيل بالنون على أن الله سبحانه هو المخيل لذلك وقرئ يخيل بالياء التحتية مبنيا للفاعل على أن المخيل هو الكيد وقيل المخيل هو أنها تسعى فأن فى موضع رفع أى يخيل إليه سعيها ذكر معناه الزجاج وقال الفراء إنها فى موضع نصب أى بأنها ثم حذف الباء قال الزجاج ومن قرأ بالتاء يعني الفوقية جعل أن فى موضع نصب أى تخيل إليه ذات سعي قال ويجوز أن يكون فى موضع رفع بدلا من الضمير فى تخيل وهو عائد على الحبال والعصي والبدل فيه بدل اشتمال يقال خيل إليه إذا شبه له وأدخل عليه البهمة والشبهة
طه : ( 67 ) فأوجس في نفسه . . . . .
) فأوجس في نفسه خيفة موسى ( أى أحس وقيل وجد وقيل أضمر وقيل خاف وذلك لما يعرض من الطباع البشرية عند مشاهدة ما يخشى منه وقيل خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه وقيل إن سبب خوفه هو أن سحرهم كان من جنس ما أراهم فى العصا فخاف أن يلتبس أمره على الناس فلا يؤمنوا فأذهب


"""""" صفحة رقم 375 """"""
الله سبحانه ما حصل معه من الخوف بما بشره به بقوله
طه : ( 68 ) قلنا لا تخف . . . . .
) قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ( أى المستعلي عليهم بالظفر والغلبة والجملة تعليل للنهي عن الخوف
طه : ( 69 ) وألق ما في . . . . .
) وألق ما في يمينك ( يعني العصا وإنما أبهمها تعظيما وتفخيما وجزم ) تلقف ما صنعوا ( على أنه جواب الأمر قرئ بتشديد القاف والأصل تتلقف فحذف إحدى التاءين وقرئ تلقف بكسر اللام من لقفه إذا ابتلعه بسرعة وقرئ ) تلقف ( بالرفع على تقدير فإنه تتلقف ومعنى ) ما صنعوا ( الذى صنعوه من الحبال والعصي قال الزجاج القراءة بالجزم جواب الأمر ويجوز الرفع على معنى الحال كأنه قال القها متلقفة وجملة ) إنما صنعوا كيد ساحر ( تعليل لقوله تلقف وارتفاع كيد على أنه خبر لإن وهى قراءة الكوفيين إلا عاصما وقرأ هؤلاء سحر بكسر السين وسكون الحاء وإضافة الكيد إلى السحر على الإتساع من غير تقدير أو بتقدير ذى سحر وقرأ الباقون ) كيد ساحر ( ) ولا يفلح الساحر حيث أتى ( أى لا يفلح جنس الساحر حيث أتى وأين توجه وهذا من تمام التعليل
طه : ( 70 ) فألقي السحرة سجدا . . . . .
) فألقي السحرة سجدا ( أى فألقى ذلك الأمر الذى شاهدوه من موسى والعصا السحرة سجدا لله تعالى وقد مر تحقيق هذا فى سورة الأعراف ) قالوا آمنا برب هارون وموسى ( إنما قدم هارون على موسى فى حكاية كلامهم رعاية لفواصل الآى وعناية بتوافق رؤوسها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فيسحتكم بعذاب ( قال يهلككم وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة ) فيسحتكم ( قال يستأصلكم وأخرج عبد بن حيمد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال فيذبحكم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن علي ) ويذهبا بطريقتكم المثلى ( قال يصرفا وجوه الناس إليهما وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى الآية قال يقول أمثلكم وهم بنو إسرائيل وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق فى قوله ) تلقف ما صنعوا ( ما يأفكون عن قتادة قال ألقاها موسى فتحولت حية تأكل حبالهم وما صنعوا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة أن سحرة فرعون كانوا تسعمائة فقالوا لفرعون إن يكن هذان ساحران فإنا نغلبهما فإنه لا أسحر منا وإن كانا من رب العالمين فإنه لا طاقة لنا برب العالمين فلما كان من أمرهم أن خروا سجدا أراهم الله فى سجودهم منازلهم التى إليها يصيرون فعندها ) قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ( إلى قوله ) والله خير وأبقى )
سورة طه الآية ( 71 76 )


"""""" صفحة رقم 376 """"""
طه : ( 71 ) قال آمنتم له . . . . .
قوله ) قال آمنتم له ( يقال آمن له وآمن به فمن الأول قوله ) فآمن له لوط ( ومن الثاني قوله فى الأعراف ) آمنتم به قبل أن آذن لكم ( وقيل إن الفعل هنا متضمن معنى الاتباع وقرئ على الاستفهام التوبيخي أى كيف آمنتم به من غير إذن مني لكم بذلك ) إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ( أى إن موسى لكبيركم أى أسحركم وأعلاكم درجة فى صناعة السحر أو معلمكم وأستاذكم كما يدل عليه قوله ) الذي علمكم السحر ( قال الكسائي الصبي بالحجاز إذا جاء من عند معلمه قال جئت من عند كبيري وقال محمد بن إسحاق إنه لعظيم السحر قال الواحدي والكبير فى اللغة الرئيس ولهذا يقال للمعلم الكبير أراد فرعون بهذا القول أن يدخل الشبهة على الناس حتى لا يؤمنوا وإلا فقد علم أنهم لم يتعلموا من موسى ولا كان رئيسا لهم ولا بينه وبينهم مواصلة ) فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ( أى والله لأفعلن بكم ذلك والتقطيع للأيدي والأرجل من خلاف هو قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ومن للابتداء ) ولأصلبنكم في جذوع النخل ( أى على جذوعها كقوله ) أم لهم سلم يستمعون فيه ( أى عليه ومنه قول سويد بن أبى كاهل
هم صلبوا العبدي فى جذع نخلة
فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
وإنما آثر كلمة ) في ( للدلالة على استقرارهم عليها كاستقرار المظروف فى الظرف ) ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى ( أراد لتعلمن هل أنا أشد عذابا لكم أم موسى ومعنى أبقى أدوم وهو يريد بكلامه هذا الاستهزاء بموسى لأن موسى لم يكن من التعذيب فى شئ ويمكن أن يريد العذاب الذى توعدهم به موسى إن لم يؤمنوا وقيل أراد بموسى رب موسى على حذف المضاف
طه : ( 72 ) قالوا لن نؤثرك . . . . .
) قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ( أى لن نختارك على ما جاءنا به موسى من البينات الواضحة من عند الله سبحانه كاليد والعصا وقيل إنهم أرادوا بالبينات ما رأوه فى سجودهم من المنازل المعدة لهم فى الجنة ) والذي فطرنا ( معطوف على ما جاءنا أى لن نختارك على ما جاءنا به موسى من البينات وعلى الذى فطرنا أى خلقنا وقيل هو قسم أى والله الذى فطرنا لن نؤثرك أو لا نؤثرك وهذان الوجهان فى تفسير الآية ذكرهما الفراء والزجاج ) فاقض ما أنت قاض ( هذا جواب منهم لفرعون لما قال لهم لأقطعن الخ والمعنى فاصنع ما أنت صانع واحكم ما أنت حاكم والتقدير ما أنت صانعه ) إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ( أى إنما سلطانك علينا ونفوذ أمرك فينا فى هذه الدنيا ولا سبيل لك علينا فيما بعدها فاسم الإشارة فى محل نصب على الظرفية أو على المفعولية وما كافة وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل ما بمعنى الذى أى أن الذى تقضيه هذه الحياة الدنيا فقضاؤك وحكمك منحصر فى ذلك
طه : ( 73 ) إنا آمنا بربنا . . . . .
) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا ( التى سلفت منا من الكفر وغيره ) وما أكرهتنا عليه من السحر ( معطوف على خطايانا أى ويغفر لنا الذى أكرهتنا عليه من عمل السحر فى معارضة موسى فما فى محل نصب على المفعولية وقيل هى نافية قال النحاس والأول أولى قيل ويجوز أن يكون فى محل رفع بالابتداء والخبر مقدر أى وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنا ) والله خير وأبقى ( أى خير منك ثوابا وأبقى منك عقابا وهذا جواب قوله ) ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى )
طه : ( 74 ) إنه من يأت . . . . .
) إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ( المجرم هو المتلبس بالكفر والمعاصي ومعنى لا يموت فيها ولا يحيى أنه لا يموت فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه قال المبرد لا يموت ميتة مريحة ولا يحيا حياة ممتعة فهو يألم كما يألم الحى ويبلغ به حال الموت فى المكروه إلا أنه لا يبطل فيها عن إحساس الألم والعرب تقول فلان لا حى ولا ميت إذا كان غير منتفع بحياته وأنشد ابن الأنباري فى مثل هذا
ألا من لنفس لا تموت فينقضي
شقاها ولا تحيا حياة لها طعم


"""""" صفحة رقم 377 """"""
وهذه الآية من جملة ما حكاه الله سبحانه من قول السحرة وقيل هو ابتداء كلام والضمير فى إنه على هذا الوجه للشأن
طه : ( 75 ) ومن يأته مؤمنا . . . . .
) ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات ( أى ومن يأت ربه مصدقا به قد عمل الصالحات أى الطاعات والموصوف محذوف والتقدير الأعمال الصالحات وجملة قد عمل فى محل نصب على الحال وهكذا مؤمنا منتصب على الحال والإشارة ب ) أولئك ( إلى من باعتبار معناه ) لهم الدرجات العلى ( أى المنازل الرفيعة التى قصرت دونها الصفات
طه : ( 76 ) جنات عدن تجري . . . . .
) جنات عدن ( بيان للدرجات أو بدل منها والعدن الإقامة وقد تقدم بيانه وجملة ) تجري من تحتها الأنهار ( حال من الجنات لأنها مضافة إلى عدن وعدن علم للإقامة كما سبق وانتصاب ) خالدين فيها ( على الحال من ضمير الجماعة فى لهم أى ماكثين دائمين و الإشارة ) بذلك ( إلى ما تقدم لهم من الأجر وهو مبتدأ و ) جزاء من تزكى ( خبره أى جزاء من تطهر من الكفر والمعاصي الموجبة للنار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وما أكرهتنا عليه من السحر ( قال أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يعلموا السحر بالفرما قال علموهم تعليما لا يغلبهم أحد فى الأرض قال ابن عباس فهم من الذين آمنوا بموسى وهم الذين قالوا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر واخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن محمد بن كعب القرظي فى قوله ) والله خير وأبقى ( قال خير منك إن أطيع وأبقى منك عذابا إن عصى وأخرج أحمد ومسلم وابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى سعيد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطب فأتى على هذه الآية ) إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أما أهلها الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون وأما الذين ليسوا بأهلها فإن النار تميتهم إماتة ثم يقوم الشفعاء فيشفعون فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما ينبت الغثاء فى حميل السيل وأخرج أبو داود وابن مردويه عن أبى سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدري فى أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما وفى الصحيحين بلفظ إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر فى أفق السماء
سورة طه الآية ( 77 85 )


"""""" صفحة رقم 378 """"""
سورة طه الآية ( 86 91 )
طه : ( 77 ) ولقد أوحينا إلى . . . . .
هذا شروع فى إنجاء بني إسرائيل وإهلاك عدوهم وقد تقدم فى البقرة وفى الأعراف وفى يونس واللام فى لقد هى الموطئة للقسم وفى ذلك من التأكيد ما لا يخفى و ) إن ( فى أن أسر بعبادي إما المفسرة لأن فى الوحي معنى القول أو مصدرية أى بأن أسر أى أسر بهم من مصر وقد تقدم هذا مستوفى ) فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا ( أى اجعل لهم طريقا ومعنى يبسا يابسا وصف به الفاعل مبالغة وذلك أن الله تعالى أيبس لهم تلك الطريق حتى لم يكن فيها ماء ولا طين وقرئ ) يبسا ( بسكون الباء على أنه مخفف من يبسا المحرك أو وجمع يابس كصحب فى صاحب وجملة ) لا تخاف دركا ( فى محل نصب على الحال أى آمنا من أن يدرككم العدو أو صفة أخرى لطريق والدرك اللحاق بهم من فرعون وجنوده وقرأ حمزة ) لا تخف ( على أنه جواب الأمر والتقدير إن تضرب لا تخف ولا تخشى على هذه القراءة مستأنف أى ولا أنت تخشى من فرعون أو من البحر وقرأ الجمهور ) لا تخاف ( وهى أرجح لعدم الجزم فى تخشى أو يجوز أن تكون هذه الجملة على قراءة الجمهور صفة أخرى لطريق أى لا تخاف منه ولا تخشى منه
طه : ( 78 ) فأتبعهم فرعون بجنوده . . . . .
) فأتبعهم فرعون بجنوده ( أتبع هنا مطاوع تبع يقال أتبعتهم إذا تبعتهم وذلك إذا سبقوك فلحقتهم فالمعنى تبعهم فرعون ومعه جنوده وقيل الباء زائدة والأصل اتبعهم جنوده أى أمرهم أن يتبعوا موسى وقومه وقرئ ) فأتبعهم ( بالتشديد أى لحقهم بجنوده وهو معهم كما يقال ركب الأمير بسيفه أى معه سيفه ومحل بجنوده النصب على الحال أى سابقا جنوده معه ) فغشيهم من اليم ما غشيهم ( أى علاهم وأصابهم ما علاهم وأصابهم والتكرير للتعظيم والتهويل كما فى قوله ) الحاقة ما الحاقة ( وقيل غشيهم ما سمعت قصته وقال ابن الأنباري غشيهم البعض الذى غشيهم لأنه لم يغشهم كل ماء البحر بل الذى غشيهم بعضه فهذه العبارة للدلالة على أن الذى غرقهم بعض الماء والأول أولى لما يدل عليه من التهويل والتعظيم وقرئ فغشاهم من اليم ما غشاهم أى غطاهم ما غطاهم
طه : ( 79 ) وأضل فرعون قومه . . . . .
) وأضل فرعون قومه وما هدى ( أى أضلهم عن الرشد وما هداهم إلى طريق النجاة لأنه قدر أن موسى ومن معه لا يفوتونه لكونهم بين يديه يمشون فى طريق يابسة وبين أيديهم البحر وفى قوله ) وما هدى ( تأكيد لإضلاله لأن المضل قد يرشد من يضله فى بعض الأمور
طه : ( 80 ) يا بني إسرائيل . . . . .
) يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ( ذكر سبحانه ما أنعم على بني إسرائيل بعد إنجائهم والتقدير قلنا لهم بعد إنجائهم يا بني إسرائيل ويجوز أن يكون خطابا لليهود المعاصرين لنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) لأن النعمة على الآباء معدودة من النعم على الأبناء والمراد بعدوهم هنا فرعون وجنوده وذلك بإغراقه وإغراق قومه


"""""" صفحة رقم 379 """"""
فى البحر بمرأى من بني إسرائيل ) وواعدناكم جانب الطور الأيمن ( انتصاب جانب على أنه مفعول به لا على الظرفيه لأنه مكان معين غير مبهم وإنما تنتصب الأمكنة على الظرفية إذا كانت مبهمة قال مكي وهذا أصل لا خلاف فيه قال النحاس والمعنى أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه لنكلمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام وقيل وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور فالوعد كان لموسى وإنما خوطبوا به لأن الوعد كان لأجلهم وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب ووعدناكم بغير ألف واختاره أبو عبيدة لأن الوعد إنما هو من الله لموسى خاصة والمواعدة لا تكون إلا من اثنين وقد قدمنا فى البقرة هذا المعنى والأيمن منصوب على أنه صفة للجانب والمراد يمين الشخص لأن الجبل ليس له يمين ولا شمال فإذا قيل خذ عن يمين الجبل بمعناه عن يمينك من الجبل وقرئ بجر الأيمن على أنه صفة للمضاف إليه ) ونزلنا عليكم المن والسلوى ( قد تقدم تفسير المن بالترنجبين والسلوى بالسماني وأوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه وإنزال ذلك عليهم كان فى التيه
طه : ( 81 ) كلوا من طيبات . . . . .
) كلوا من طيبات ما رزقناكم ( أى وقلنا لهم كلوا والمراد بالطيبات المستلذات وقيل الحلال على الخلاف المشهور فى ذلك وقرأ حمزة والكسائي والأعمش قد أنجيتكم من عدوكم ووعدتكم جانب الطور كلوا من طيبات ما رزقتكم بتاء المتكلم فى الثلاثة وقرأ الباقون بنون العظمة فيها ) ولا تطغوا فيه ( الطغيان التجاوز أى لا تتجاوزوا ما هو جائز إلى ما لا يجوز وقيل المعنى لا تجحدوا نعمة الله فتكونوا طاغين وقيل لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكرها وقيل لا تعصوا المنعم أى لا تحملنكم السعة والعافية على المعصية ولا مانع من حمل الطغيان على جميع هذه المعاني فإن كل واحد منها يصدق عليه أنه طغيان ) فيحل عليكم غضبي ( هذا جواب النهي أى يلزمكم غضبي وينزل بكم وهو مأخوذ من حلول الدين أى حضور وقت أدائه ) ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ( قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي ) فيحل ( بضم الحاء وكذلك قرءوا يحلل بضم اللام الأولى وقرأ الباقون بالكسر فيهما وهما لغتان قال الفراء والكسر أحب إلي من الضم لأن الضم من الحلول بمعنى الوقوع ويحل بالكسر يجب وجاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع وذكر نحو هذا أبو عبيدة وغيره ومعنى ) فقد هوى ( فقد هلك قال الزجاج ) فقد هوى ( أى صار إلى الهاوية وهى قعر النار من هوى يهوي هويا أى سقط من علو إلى سفل وهوى فلان أى مات
طه : ( 82 ) وإني لغفار لمن . . . . .
) وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ( أى لمن تاب من الذنوب التى أعظمها الشرك بالله وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وعمل عملا صالحا مما ندب إليه الشرع وحسنه ) ثم اهتدى ( أى استقام على ذلك حتى يموت كذا قال الزجاج وغيره وقيل لم يشك فى إيمانه وقيل أقام على السنة والجماعة وقيل تعلم العلم ليهتدي به وقيل علم أن لذلك ثوابا وعلى تركه عقابا والأول أرجح مما بعده
طه : ( 83 ) وما أعجلك عن . . . . .
) وما أعجلك عن قومك يا موسى ( هذا حكاية لما جرى بين الله سبحانه وبين موسى عند موافاته الميقات قال المفسرون وكانت المواعدة أن يوافي موسى وجماعة من وجوه قومه فسار موسى بهم ثم عجل من بينهم شوقا إلى ربه فقال الله له ما أعجلك أى ما الذى حملك على العجلة حتى تركت قومك وخرجت من بينهم
طه : ( 84 ) قال هم أولاء . . . . .
فأجاب موسى عن ذلك ) قال هم أولاء على أثري ( أى هم بالقرب مني تابعون لأثري واصلون بعدي وقيل لم يرد أنهم يسيرون خلفه بل أراد أنهم بالقرب منه ينتظرون عوده إليهم ثم قال مصرحا بسبب ما سأله الله عنه فقال ) وعجلت إليك رب لترضى ( أى لترضى عني بمسارعتي إلى امتثال أمرك أو لتزداد رضا عني بذلك قال أبو حاتم قال عيسى بن عمر بنو تميم يقولون أولا مقصورة وأهل الحجاز يقولون أولاء ممدودة وقرأ ابن أبى إسحاق ونصر ورويس عن يعقوب ) على أثري ( بكسر الهمزة وإسكان الثاء وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان ومعنى عجلت


"""""" صفحة رقم 380 """"""
إليك عجلت إلى الموضع الذى أمرتني بالمصير إليه لترضى عني يقال رجل عجل وعجول وعجلان بين العجلة والعجلة خلاف البطء
طه : ( 85 ) قال فإنا قد . . . . .
وجملة ) قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال الله له فقيل قال إنا قد فتنا قومك من بعدك أى ابتليناهم واختبرناهم وألقيناهم فى فتنة ومحنة قال ابن الأنباري صيرناهم مفتونين أشقياء بعبادة العجل من بعد انطلاقك من بينهم وهم الذين خلفهم مع هارون ) وأضلهم السامري ( أى دعاهم إلى الضلالة وكان من قوم يعبدون البقر فدخل فى دين بني إسرائيل فى الظاهر وفى قلبه ما فيه من عبادة البقر وكان من قبيلة تعرف بالسامرة وقال لمن معه من بني إسرائيل إنما تخلف موسى عن الميعاد الذى بينكم وبينه لما صار معكم من الحلي وهى حرام عليكم وأمرهم بإلقائها فى النار فكان من أمر العجل ما كان
طه : ( 86 ) فرجع موسى إلى . . . . .
) فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ( قيل وكان الرجوع إلى قومه بعد ما استوفى أربعين يوما ذا القعدة وعشر ذي الحجة والأسف الشديد الغضب وقيل الحزين وقد مضى فى الأعراف بيان هذا مستوفى ) قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ( الاستفهام للإنكار التوبيخي والوعد الحسن وعدهم بالجنة إذا أقاموا على طاعته ووعدهم أن يسمعهم كلامه فى التوراة على لسان موسى ليعملوا بما فيها فيستحقوا ثواب عملهم وقيل وعدهم النصر والظفر وقيل هو قوله ) وإني لغفار لمن تاب ( الآية ) أفطال عليكم العهد ( الفاء للعطف على مقدر أى أوعدكم ذلك فطال عليكم الزمان فنسيتم ) أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ( أى يلزمكم وينزل بكم والغضب العقوبة والنقمة والمعنى أم أردتم أن تفعلوا فعلا يكون سبب حلول غضب الله عليكم ) فأخلفتم موعدي ( أي موعدكم إياي فالمصدر مضاف إلى المفعول لأنهم وعدوه أن يقيموا على طاعة الله عز وجل إلى أن يرجع إليهم من الطور وقيل وعدوه أن يأتوا على أثره إلى الميقات
طه : ( 87 ) قالوا ما أخلفنا . . . . .
فتوقفوا فأجابوه و ) قالوا ما أخلفنا موعدك ( الذى وعدناك ) بملكنا ( بفتح الميم وهى قراءة نافع وأبي جعفر وعاصم وعيسى بن عمر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر الميم واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لأنها على اللغة العالية الفصيحة وهو مصدر ملكت الشيء أملكه ملكا والمصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف أى بملكنا أمورنا أو بملكنا الصواب بل أخطأنا ولم نملك أنفسنا وكنا مضطرين إلى الخطأ وقرأ حمزة والكسائي ) بملكنا ( بضم الميم والمعنى بسلطاننا أى لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك وقيل إن الفتح والكسر والضم فى بملكنا كلها لغات فى مصدر ملكت الشيء ) ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم ( قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص وأبو جعفر ورويس ) حملنا ( بضم الحاء وتشديد الميم وقرأ الباقون بفتح الحاء والميم مخففة واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لأنهم حملوا حلية القوم معهم باختيارهم وما حملوها كرها فإنهم كانوا استعاروها منهم حين أرادوا الخروج مع موسى وأوهموهم أنهم يجتمعون فى عيد لهم أو وليمة وقيل هو ما أخذوه من آل فرعون لما قذفهم البحر إلى الساحل وسميت أوزارا أى آثاما لأنه لا يحل لهم أخذها ولا تحل لهم الغنائم فى شريعتهم والأوزار فى الأصل الأثقال كما صرح به أهل اللغة والمراد بالزينة هنا الحلي ) فقذفناها ( أى طرحناها فى النار طلبا للخلاص من إثمها وقيل المعنى طرحناها إلى السامري لتبقى لديه حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه ) فكذلك ألقى السامري ( أى فمثل ذلك القذف ألقاها السامري قيل إن السامري قال لهم حين استبطأ القوم رجوع موسى إنما احتبس عنكم لأجل ما عندكم من الحلي فجمعوه ودفعوه إليه فرمى به فى النار وصاغ لهم منه عجلا ثم ألقى عليه قبضة من أثر الرسول وهو جبريل فصار
طه : ( 88 ) فأخرج لهم عجلا . . . . .
) عجلا جسدا له خوار ( أى يخور كما يخور الحي من العجول والخوار صوت البقر وقيل خواره كان بالريح لأنه كان عمل فيه خروقا فإذا دخلت


"""""" صفحة رقم 381 """"""
الريح فى جوفه خار ولم يكن فيه حياة ) فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ( أى قال السامري ومن وافقه هذه المقالة ) فنسي ( أى فضل موسى ولم يعلم مكان إلهه هذا وذهب يطلبه فى الطور وقيل المعنى فنسي موسى أن يذكر لكم أن هذا إلهه وإلهكم وقيل الناسي هو السامري أى ترك السامري ما أمر به موسى من الإيمان وضل كذا قال ابن الأعرابي
طه : ( 89 ) أفلا يرون ألا . . . . .
) أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ( أى أفلا يعتبرون ويتفكرون فى أن هذا العجل لا يرجع إليهم قولا أى لا يرد عليهم جوابا ولا يكلمهم إذا كلموه فكيف يتوهمون أنه إله وهو عاجز عن المكالمة فأن فى ) ألا يرجع ( هى المخففة من الثقيلة وفيها ضمير مقدر يرجع إلى العجل ولهذا ارتفع الفعل بعدها ومنه قول الشاعر
فى فتية من سيوف الهند قد علموا
أن هالك كل من يحفى وينتعل
أى أنه هالك وقرئ بنصب الفعل على أنها الناصبة وجملة ) ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ( معطوفة على جملة لا يرجع أى أفلا يرون أنه لا يقدر على أن يدفع عنهم ضرا ولا يجلب إليهم نفعا
طه : ( 90 ) ولقد قال لهم . . . . .
) ولقد قال لهم هارون من قبل ( اللام هي الموطئة للقسم والجملة مؤكدة لما تضمنته الجملة التى قبلها من الإنكار عليهم والتوبيخ لهم أى ولقد قال لهم هارون من قبل أن يأتي موسى ويرجع إليهم ) يا قوم إنما فتنتم به ( أى وقعتم فى الفتنة بسبب العجل وابتليتم به وضللتم عن طريق الحق لأجله قيل ومعنى القصر المستفاد من إنما هو أن العجل صار سببا لفتنتهم لا لرشادهم وليس معناه أنهم فتنوا بالعجل لا بغيره ) وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ( أى ربكم الرحمن لا العجل فاتبعوني فى أمري لكم بعبادة الله ولا تتبعوا السامري فى أمره لكم بعبادة العجل وأطيعوا أمري لا أمره
طه : ( 91 ) قالوا لن نبرح . . . . .
) قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ( أجابوا هارون عن قوله المتقدم بهذا الجواب المتضمن لعصيانه وعدم قبول ما دعاهم إليه من الخير وحذرهم عنه من الشر أى لن نزال مقيمين على عبادة هذا العجل حتى يرجع إلينا موسى فينظر هل يقررنا على عبادته أو ينهانا عنها فعند ذلك اعتزلهم هارون فى اثنى عشر ألفا من المنكرين لما فعله السامري
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم عن محمد بن كعب فى قوله ) يبسا ( قال يابسا ليس فيه ماء ولا طين وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) لا تخاف دركا ( من آل فرعون ) ولا تخشى ( من البحر غرقا وأخرجا عنه أيضا فى قوله ) فقد هوى ( شقى وأخرجا عنه أيضا ) وإني لغفار لمن تاب ( قال من الشرك ) وآمن ( قال وحد الله ) وعمل صالحا ( قال أدى الفرائض ) ثم اهتدى ( قال لم يشكك وأخرج سعيد بن منصور والفريابى عنه أيضا ) وإني لغفار لمن تاب ( قال من تاب من الذنب وآمن من الشرك وعمل صالحا فيما بينه وبين ربه ) ثم اهتدى ( علم أن لعمله ثوابا يجزى عليه وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير ) ثم اهتدى ( قال ثم استقام لزم السنة والجماعة وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة والبيهقى فى البعث من طريق عمرو بن ميمون عن رجل من أصحاب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال تعجل موسى إلى ربه فقال الله ) وما أعجلك عن قومك يا موسى ( الآية قال فرأى فى ظل العرش رجلا فعجب له فقال من هذا يا رب قال لا أحدثك من هو لكن سأخبرك بثلاث فيه كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله ولا يعق والديه ولا يمشي فى النميمة وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن علي قال لما تعجل موسى إلى ربه عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلي بني إسرائيل فضربه عجلا ثم ألقى القبضة فى جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار فقال لهم السامري هذا إلهكم وإله موسى فقال لهم هارون يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا فلما أن رجع


"""""" صفحة رقم 382 """"""
موسى أخذ برأس أخيه فقال له هارون ما قال فقال موسى للسامري ما خطبك قال ) فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ( فعمد موسى إلى العجل فوضع موسى عليه المبارد فبرده بها وهو على شط نهر فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد ذلك العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب فقالوا لموسى ما توبتنا قال يقتل بعضكم بعضا فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه ولا يبالي بمن قتل حتى قتل منهم سبعون ألفا فأوحى الله إلى موسى مرهم فليرفعوا أيديهم فقد غفرت لمن قتل وتبت على من بقي والحكايات لهذه القصة كثيرة جدا وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) بملكنا ( قال بأمرنا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة ) بملكنا ( قال بطاقتنا وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى مثله وأخرج أيضا عن الحسن قال بسلطاننا وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) هذا إلهكم وإله موسى فنسي ( قال فنسي موسى أن يذكر لكم أن هذا إلهه
سورة طه الآية ( 92 101 )
طه : ( 92 ) قال يا هارون . . . . .
جملة ) قال يا هارون ( مستأنفة جواب سؤال مقدر والمعنى أن موسى لما وصل إليهم أخذ بشعور رأس أخيه هارون وبلحيته وقال ) ما منعك ( من اتباعي واللحوق بي عند أن وقعوا فى هذه الضلالة ودخلوا فى الفتنة وقيل معنى ) ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن ( ما منعك من اتباعي فى الإنكار عليهم وقيل معناه هلا قاتلتهم إذ قد علمت أنى لو كنت بينهم لقاتلتهم وقيل معناه هلا فارقتهم
طه : ( 93 ) ألا تتبعن أفعصيت . . . . .
ولا فى ) ألا تتبعن ( زائدة وهو فى محل نصب على أنه مفعول ثان لمنع أى أى شئ منعك حين رؤيتك لضلالهم من اتباعي والاستفهام فى ) أفعصيت أمري ( للإنكار والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر كنظائره والمعنى كيف خالفت أمري لك بالقيام لله ومنابذة من خالف دينه وأقمت بين هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلها وقيل المراد بقوله أمري هو قوله الذى حكى الله عنه ) وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ( فلما أقام معهم ولم يبالغ فى الإنكار


"""""" صفحة رقم 383 """"""
عليهم نسبه إلى عصيانه
طه : ( 94 ) قال يا ابن . . . . .
) قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ( قرئ بالفتح والكسر للميم وقد تقدم الكلام على هذا فى سورة الأعراف ونسبه إلى الأم مع كونه أخاه لأبيه وأمه عند الجمهور استعطافا له وترقيقا لقلبه ومعنى ) ولا برأسي ( ولا بشعر رأسي أى لا تفعل هذا بى عقوبة منك لي فإن لى عذرا هو ) إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ( أى خشيت إن خرجت عنهم وتركتهم أن يتفرقوا فتقول إنى فرقت جماعتهم وذلك لأن هارون لو خرج لتبعه جماعة منهم وتخلف مع السامري عند العجل آخرون وربما أفضى ذلك إلى القتال بينهم ومعنى ) ولم ترقب قولي ( ولم تعمل بوصيتي لك فيهم إني خشيت أن تقول فرقت بينهم وتقول لم تعمل بوصيتي لك فيهم وتحفظها ومراده بوصية موسى له هو قوله ) اخلفني في قومي وأصلح ( قال أبو عبيد معنى ) ولم ترقب قولي ( ولم تنتظر عهدى وقدومي لأنك أمرتني أن أكون معهم فاعتذر هارون إلى موسى ها هنا بهذا واعتذر إليه فى الأعراف بما حكاه الله عنه هنالك حيث قال ) إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني )
طه : ( 95 ) قال فما خطبك . . . . .
ثم ترك موسى الكلام مع أخيه وخاطب السامري ف ) قال فما خطبك يا سامري ( أى ما شأنك وما الذى حملك على ما صنعت
طه : ( 96 ) قال بصرت بما . . . . .
) قال بصرت بما لم يبصروا به ( أى قال السامري مجيبا موسى رأيت ما لم يروا أو علمت بما لم يعلموا وفطنت لما لم يفطنوا له وأراد بذلك أنه رأى جبريل على فرس الحياة فألقى فى ذهنه أن يقبض قبضة من أثر الرسول وأن ذلك الأثر لا يقع على جماد إلا صار حيا وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وخلف ما لم تبصروا به بالمثناة من فوق على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية وهى أولى لأنه يبعد كل البعد أن يخاطب موسى بذلك ويدعى لنفسه أنه علم ما لم يعلم به موسى وقرئ بضم الصاد فيهما وبكسرها فى الأول وفتحها فى الثاني وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود والحسن وقتادة فقبصت قبصة بالصاد المهملة فيهما وقرأ الباقون بالضاد المعجمة فيهما والفرق بينهما أن القبض بالمعجمة هو الأخذ بجميع الكف وبالمهملة بأطراف الأصابع والقبضة بضم القاف القدر المقبوض قال الجوهري هى ما قبضت عليه من شئ قال وربما جاء بالفتح وقد قرئ ) قبضة ( بضم القاف وفتحها ومعنى الفتح المرة من القبض ثم أطلقت على المقبوض وهو معنى القبضة بضم القاف ومعنى ) من أثر الرسول ( من المحل الذى وقع عليه حافر فرس جبريل ومعنى ) فنبذتها ( فطرحتها فى الحلي المذابة المسبوكة على صورة العجل ) وكذلك سولت لي نفسي ( قال الأخفش أى زينت أى ومثل ذلك التسويل سولت لى نفسي وقيل معنى سولت لى نفسي حدثتني نفسي
طه : ( 97 ) قال فاذهب فإن . . . . .
فلما سمع موسى منه ذلك ) قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ( أى فاذهب من بيننا واخرج عنا فإن لك فى الحياة أى ما دمت حيا وأطول حياتك أن تقول لا مساس المساس مأخوذ من المماسة أى لا يمسك أحد ولا تمس أحدا لكن لا بحسب الاختيار منك بل بموجب الاضطرار اللمجئ إلى ذلك لأن الله سبحانه أمر موسى أن ينفي السامري عن قومه وأمر بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقربوه ولا يكلموه عقوبة له قيل إنه لما قال له موسى ذلك هرب فجعل يهيم فى البرية مع السباع والوحش لا يجد أحدا من الناس يمسه حتى صار كمن يقول لا مساس لبعده عن الناس وبعد الناس عنه كما قال الشاعر
حمال رايات بها قناعسا
حتى تقول الأزد لا مسايسا
قال سيبويه وهو مبني على الكسر قال الزجاج كسرت السين لأن الكسرة من علامة التأنيث قال الجوهوي فى الصحاح وأما قول العرب لا مساس مثل قطام فإنما بني على الكسر لأنه معدول عن المصدر وهو المس قال النحاس وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد المبرد يقول إذا اعتل الشئ من ثلاث


"""""" صفحة رقم 384 """"""
جهات وجب أن يبنى وإذا اعتل من جهتين وجب أن لا ينصرف لأنه ليس بعد الصرف إلا البناء فمساس دراك اعتل من ثلاث جهات منها أنه معدول ومنها أنه مؤنث ومنها أنه معرفة فلما وجب البناء فيه وكانت الألف قبل السين ساكنة كسرت السين لالتقاء الساكنين وقد رأيت أبا إسحاق يعني الزجاج ذهب إلى أن هذا القول خطأ وألزم أبا العباس إذا سميت امرأة بفرعون أن يبنيه وهذا لا يقوله أحد وقد قرأ بفتح الميم أبو حيوة والباقون بكسرها وحاصل ما قيل فى معنى لا مساس ثلاثة أوجه الأول أنه حرم عليه مماسة الناس وكان إذا ماسه أحد حم الماس والممسوس فلذلك كان يصيح إذا رأى أحدا لا مساس والثانى أن المراد منع الناس من مخالطته واعترض بأن الرجل إذا صار مهجورا فلا يقول هو لا مساس وإنما يقال له وأجيب بأن المراد الحكاية أى أجعلك يا سامري بحيث إذا أخبرت عن حالك قلت لا مساس والقول الثالث أن المراد انقطاع نسله وأن يخبر بأنه لا يتمكن من مماسة المرأة قاله أبو مسلم وهو ضعيف جدا ثم ذكر حاله فى الآخرة فقال ) وإن لك موعدا لن تخلفه ( أى لن يخلفك الله ذلك الموعد وهو يوم القيامة والموعد مصدر أى إن لك وعدا لعذابك وهو كائن لا محالة قال الزجاج أى يكافئك الله على ما فعلت فى القيامة والله لا يخلف الميعاد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن واليزيدي والحسن لن تخلفه بكسر اللام وله على هذه القراءة معنيان أحدهما ستأتيه ولن تجده مخلفا كما تقول أحمدته أي وجدته محمودا والثاني على التهديد أى لا بد لك من أن تصير إليه وقرأ ابن مسعود لن نخلفه بالنون أى لن يخلفه الله وقرأ الباقون بفتح اللام وبالفوقية مبنيا للمفعول معناه ما قدمناه ) وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ( ظلت أصله ظللت فخذفت اللام الأولى تخفيفا والعرب تفعل ذلك كثير وقرأ الأعمش بلامين على الأصل وفى قراءة ابن مسعود ) ظلت ( بكسر الظاء والمعنى انظر إلى إلهك الذى دمت وأقمت على عبادته والعاكف الملازم ) لنحرقنه ( قرأ الجمهور بضم النون وتشديد الراء من حرقه يحرقه وقرأ الحسن بضم النون وسكون الحاء وتخفيف الراء من أحرقه يحرقه وقرأ علي وابن عباس وأبو جعفر وابن محيصن وأشهب والعقيلي ) لنحرقنه ( بفتح النون وضم الراء مخففة من حرقت الشئ أحرقه حرقا إذا بردته وحككت بعضه ببعض أى لنبردنه بالمبارد ويقال للمبرد المحرق والقراءة الأول أولى ومعناها الإحراق بالنار وكذا معنى القراءة الثانية وقد جمع بين هذه الثلاث القراءات بأنه أحرق ثم برد بالمبرد وفى قراءة ابن مسعود ? لنذبحنه ? ثم لنحرقنه واللام هى الموطئة للقسم ) ثم لننسفنه في اليم نسفا ( النسف نفض الشئ ليذهب به الريح قرأ أبو رجاء ) لننسفنه ( بضم السين وقرأ الباقون بكسرها وهما لغتان والمنسف ما ينسف به الطعام وهو شئ منصوب الصدر أعلاه مرتفع والنسافة ما يسقط منه
طه : ( 98 ) إنما إلهكم الله . . . . .
) إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ( لا هذا العجل الذى فتنتم به السامري ) وسع كل شيء علما ( قرأ الجمهور وسع بكسر السين مخففة وهو معتد إلى مفعول واحد وهو كل شئ وانتصاب علما على التمييز المحول عن الفاعل أى وسع علمه كل شئ وقرأ مجاهد وقتادة وسع بتشديد السين وفتحها فيتعدى إلى مفعولين ويكون انتصاب علما على أنه المفعول الأول وإن كان متاخرا لأنه فى الأصل فاعل والتقدير وسع علمه كل شئ وقد مر نحو هذا فى الأعراف
طه : ( 99 ) كذلك نقص عليك . . . . .
) كذلك نقص عليك ( الكاف فى محل نصب على أنها نعت لمصدر محذوف أى كما قصصنا عليك خبر موسى كذلك نقص عليك ) من أنباء ما قد سبق ( أى من أخبار الحوادث الماضية فى الأمم الخالية لتكون تسلية لك ودلالة على صدقك ومن للتبعيض أى بعض أخبار ذلك ) وقد آتيناك من لدنا ذكرا ( المراد بالذكر القرآن وسمى ذكرا لما فيه من الموجبات للتذكر والاعتبار وقيل المراد بالذكر الشرف كقوله ) وإنه لذكر لك ولقومك )
طه : ( 100 ) من أعرض عنه . . . . .
ثم توعد سبحانه المعرضين على هذا الذكر فقال


"""""" صفحة رقم 385 """"""
) من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ( أى أعرض عنه فلم يؤمن به ولا عمل بما فيه وقيل أعرض عن الله سبحانه فإن المعرض عنه يحمل يوم القيامة وزرا أى إثما عظيما وعقوبة ثقيلة بسبب إعراضه
طه : ( 101 ) خالدين فيه وساء . . . . .
) خالدين فيه ( أى فى الوزر والمعنى أنهم يقيمون فى جزائه وانتصاب خالدين على الحال ) وساء لهم يوم القيامة حملا ( أى بئس الحمل يوم القيامة والمخصوص بالذم محذوف أى ساء لهم حملا وزرهم واللام للبيان كما فى هيت لك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) يا هارون ما منعك ( إلى قوله ) أفعصيت أمري ( قال أمره موسى أن يصلح ولا يتبع سبيل المفسدين فكان من إصلاحه أن ينكر العجل وأخرج عنه أيضا فى قوله ) ولم ترقب قولي ( قال لم تنتظر قولي ما أنا صانع وقال ابن عباس لم ترقب لم تحفظ قولي وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس ( قال عقوبة له ) وإن لك موعدا لن تخلفه ( قال لن تغيب عنه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا ( قال اقمت ) لنحرقنه ( قال بالنار ) ثم لننسفنه في اليم ( قال لنذرينه فى البحر وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس أنه كان يقرأ ) لنحرقنه ( خفيفة ويقول إن الذهب والفضة لا تحرق بالنار بل تسحل بالمبرد ثم تلقى على النار فتصير رمادا وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال ) أليم ( البحر وأخرج أيضا عن علي قال ) أليم ( النهر وأخرج أيضا عن قتادة فى قوله ) وسع كل شيء علما ( قال ملأ وأخرج أيضا عن ابن زيد فى قوله ) من لدنا ذكرا ( قال القرآن وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) وزرا ( قال إثما وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وساء لهم يوم القيامة حملا ( يقول بئس ما حملوا
سورة طه الآية ( 102 112 )
طه : ( 102 ) يوم ينفخ في . . . . .
الظرف وهو ) يوم ينفخ ( متعلق بمقدر هو اذكر وقيل هو بدل من يوم القيامة والأول أولى قرأ الجمهور ) ينفخ ( بضم الياء التحتية مبنيا للمفعول وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق بالنون مبنيا للفاعل واستدل أبو عمرو على قراءته هذه بقوله ) ونحشر ( فإنه بالنون وقرأ ابن هرمز ) ينفخ ( بالتحتية مبنيا للفاعل على أن الفاعل


"""""" صفحة رقم 386 """"""
هو الله سبحانه أو إسرافيل وقرأ أبو عياض ) في الصور ( بفتح الواو جمع صورة وقرأ الباقون بسكون الواو وقرأ طلحة بن مصرف والحسن ) يحشر ( بالياء التحتية مبنيا للمفعول ورفع ) المجرمين ( وهو خلاف رسم المصحف وقرأ الباقون بالنون وقد سبق تفسير هذا فى الأنعام والمراد بالمجرمين المشركون والعصاة المأخوذون بذنوبهم التى لم يغفرها الله لهم والمراد ب ) يومئذ ( يوم النفخ فى الصور وانتصاب زرقا على الحال من المجرمين أى زرق العيون والزرقة الخضرة فى العين كعين السنور والعرب تتشاءم بزرقة العين وقال الفراء زرقا أى عمياء وقال الأزهري عطاشا وهو قول الزجاج لأن سواد العين يتغير بالعطش إلى الزرقة وقيل إنه كنى بقوله زرقا عن الطمع الكاذب إذا تعقبته الخيبة وقيل هو كناية عن شخوص البصر من شدة الحرص ومنه قول الشاعر
لقد زرقت عيناك يا بن معكبر
كما كل ضبي من اللؤم أزرق
والقول الأول أولى والجمع بين هذه الآية وبين قوله ) ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ( ماقيل من أن ليوم القيامة حالات ومواطن تختلف فيها صفاتهم ويتنوع عندها عذابهم
طه : ( 103 ) يتخافتون بينهم إن . . . . .
وجملة ) يتخافتون بينهم ( فى محل نصب على الحال أو مستأنفة لبيان ما هم فيه فى ذلك اليوم والخفت فى اللغة السكون ثم قيل لمن خفض صوته خفته والمعنى يتساررون أى يقول بعضهم لبعض سرا ) إن لبثتم إلا عشرا ( أى ما لبثتم فى الدنيا إلا عشر ليال وقيل فى القبور وقيل بين النفختين والمعنى أنهم يستقصرون مدة مقامهم فى الدنيا أو فى القبور أو بين النفختين لشدة ما يرون من أهوال القيامة وقيل المراد بالعشر عشر ساعات
طه : ( 104 ) نحن أعلم بما . . . . .
ثم لما قالوا هذا القول قال الله سبحانه ) نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة ( أى أعدلهم قولا وأكملهم رأيا وأعلمهم عند نفسه ) إن لبثتم إلا يوما ( أى ما لبثتم إلا يوما واحدا ونسبة هذا القول إلى أمثلهم لكونه أدل على شدة الهول لا لكونه أقرب إلى الصدق
طه : ( 105 ) ويسألونك عن الجبال . . . . .
) ويسألونك عن الجبال ( أى عن حال الجبال يوم القيامة وقد كانوا سألوا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك فأمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال ) فقل ينسفها ربي نسفا ( قال ابن الأعرابي وغيره يقلعها قلعا من أصولها ثم يصيرها رملا يسيل سيلا ثم يسيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا ثم كالهباء المنثور والفاء فى قوله ) فقل ( لجواب شرط مقدر والتقدير إن سألوك فقل أو للمسارعة إلى إلزام السائلين
طه : ( 106 ) فيذرها قاعا صفصفا
والضمير فى قوله ) فيذرها ( راجع إلى الجبال باعتبار مواضعها أى فيذر مواضعها بعد نسف ما كان عليها من الجبال ) قاعا صفصفا ( قال ابن الأعرابي القاع الصفصف الأرض الملساء بلا نبات ولا بناء وقال الفراء القاع مستنقع الماء والصفصف القرعاء الملساء التى لا نبات فيها وقال الجوهري القاع المستوى من الأرض والجمع أقوع واقواع وقيعان والظاهر من لغة العرب أن القاع الموضع المنكشف والصفصف المستوى الأملس وأنشد سيبويه
وكم دون بيتك من صفصف
ودكداك رمل وأعقادها
وانتصاب قاعا على أنه مفعول ثان ليذر على تضمينه معنى التصيير أو على الحال والصفصف صفة له
طه : ( 107 ) لا ترى فيها . . . . .
ومحل ) لا ترى فيها عوجا ( النصب على أنه صفة ثانية لقاعا والضمير راجع إلى الجبال بذلك الاعتبار والعوج بكسر العين التعوج قاله ابن الأعرابي والأمت التلال الصغار والأمت فى اللغة المكان المرتفع وقيل العوج الميل والأمت الأثر مثل الشراك وقيل العوج الوادي والأمت الرابية وقيل هما الارتفاع وقيل العوج المصدوع والأمت الأكمة وقيل الأمت الشقوق فى الأرض وقيل الأمت أن يغلظ فى مكان ويدق فى مكان ووصف مواضع الجبال بالعوج بكسر العين ها هنا يدفع ما يقال إن العوج بكسر العين فى المعانى وبفتحها فى


"""""" صفحة رقم 387 """"""
الأعيان وقد تكلف لذلك صاحب الكشاف فى هذا الموضع بما عنه غنى وفى غيره سعة
طه : ( 108 ) يومئذ يتبعون الداعي . . . . .
) يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ( أى يوم نسف الجبال يتبع الناس داعي الله إلى المحشر وقال الفراء يعني صوت الحشر وقيل الداعي هو إسرافيل إذا نفخ فى الصور لا عوج له أى لا معدل لهم عن دعائه فلا يقدرون على أن يزيغوا عنه أو ينحرفوا منه بل يسرعون إليه كذا قال أكثر المفسرين وقيل لا عوج لدعائه ) وخشعت الأصوات للرحمن ( أى خضعت لهيبته وقيل ذلت وقيل سكتت ومنه قول الشاعر
لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة والجبال الخشع
) فلا تسمع إلا همسا ( الهمس الصوت الخفي قال أكثر المفسرين هو صوت نقل الأقدام إلى المحشر ومنه قول الشاعر وهن يمشين بنا هميسا
يعني صوت أخفاف الإبل
وقال رؤبة يصف نفسه
ليث يدق الأسد الهموسا ولا يهاب الفيل والجاموسا
يقال للأسد الهموس لأنه يهمس فى الظلمة أى يطأ وطئا خفيا والظاهر أن المراد هنا كل صوت خفي سواء كان بالقدم أو من الفم أو غير ذلك ويؤيده قراءة أبي بن كعب فلا ينطقون إلا همسا
طه : ( 109 ) يومئذ لا تنفع . . . . .
) يومئذ لا تنفع الشفاعة ( أى يوم يقع ما ذكر لا تنفع الشفاعة من شافع كائنا من كان ) إلا من أذن له الرحمن ( أى إلا شفاعة من أذن له الرحمن أن يشفع له ) ورضي له قولا ( أى رضى قوله فى الشفاعة أو رضى لأجله قول الشافع والمعنى إنما تنفع الشفاعة لمن أذن له الرحمن فى أن يشفع له وكان له قول يرضى ومثل هذه الآية قوله ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( وقوله ) لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ( وقوله ) فما تنفعهم شفاعة الشافعين )
طه : ( 110 ) يعلم ما بين . . . . .
) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( أى ما بين أيديهم من أمر الساعة وماخلفهم من أمر الدنيا والمراد هنا جميع الخلق وقيل المراد بهم الذين يتبعون الداعي وقال ابن جرير الضمير يرجع إلى الملائكة أعلم الله من يعبدها أنها لا تعلم ما بين أيديها وماخلفها ) ولا يحيطون به علما ( أى بالله سبحانه لا تحيط علومهم بذاته ولا بصفاته ولا بمعلوماته وقيل الضمير راجع إلى ما فى الموضعين فإنهم لا يعلمون جميع ذلك
طه : ( 111 ) وعنت الوجوه للحي . . . . .
) وعنت الوجوه للحي القيوم ( أى ذلت وخضعت قاله ابن الأعرابي قال الزجاج معنى عنت فى اللغة خضعت يقال عنى يعنو عنوا إذا خضع ومنه قيل للأسير عان ومنه قول أمية بن أبي الصلت
مليك على عرش السماء مهيمن لعزته تعنو الوجوه وتسجد
وقيل هو من العناء بمعنى التعب ) وقد خاب من حمل ظلما ( أى خسر من حمل شيئا من الظلم وقيل هو الشرك
طه : ( 112 ) ومن يعمل من . . . . .
) ومن يعمل من الصالحات ( أى الأعمال الصالحة ) وهو مؤمن ( بالله لأن العمل لا يقبل من غير إيمان بل هو شرط فى القبول ) فلا يخاف ظلما ( يصاب به من نقص ثواب فى الآخرة ) ولا هضما ( الهضم النقص والكسر يقال هضمت لك من حقي أى حططته وتركته وهذا يهضم الطعام أى ينقص ثقله وامرأة هضيم الكشح أى ضامرة البطن وقرأ ابن كثير ومجاهد لا يخف بالجزم جوابا لقوله ) ومن يعمل من الصالحات ( وقرأ الباقون ) يخاف ( على الخبر
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن رجلا أتاه فقال رأيت قوله ) ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ( وأخرى عميا قال إن يوم القيامة فيه حالات يكونون فى حال زرقا وفى حال عميا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) يتخافتون بينهم ( قال يتساررون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير فى قوله ) أمثلهم طريقة ( قال أوفاهم عقلا وفى لفظ قال أعلمهم فى نفسه وأخرج ابن المنذر وابن جريج قال قالت قريش كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة فنزلت ) ويسألونك عن الجبال ( الآية


"""""" صفحة رقم 388 """"""
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فيذرها قاعا صفصفا ( قال لا نبات فيه ) لا ترى فيها عوجا ( قال واديا ) ولا أمتا ( قال رابية وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة أنه سئل عن قوله ) قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( قال كان ابن عباس يقول هى الأرض الملساء التى ليس فيها رابية مرتفعة ولا انخفاض وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) عوجا ( قال ميلا ) ولا أمتا ( قال الأمت الأثر مثل الشراك وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال يحشر الناس يوم القيامة فى ظلمة تطوى السماء وتتناثر النجوم وتذهب الشمس والقمر وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه فذلك قول الله ) يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح فى الآية قال لا عوج عنه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وخشعت الأصوات ( قال سكتت ) فلا تسمع إلا همسا ( قال الصوت الخفي وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) إلا همسا ( قال صوت وطء الأقدام وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد قال الصوت الخفي وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال سر الحديث وصوت الأقدام وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وعنت الوجوه ( قال ذلت وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال خشعت وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال خضعت وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ) وعنت الوجوه ( الركوع والسجود وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج ) وقد خاب من حمل ظلما ( قال شركا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة ) وقد خاب من حمل ظلما ( قال شركا ) فلا يخاف ظلما ولا هضما ( قال ظلما أن يزاد فى سيئاته ) ولا هضما ( قال ينقص من حسناته وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال لا يخاف أن يظلم سيئاته ولا يهضم فى حسناته وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ) ولا هضما ( قال غصبا
سورة طه الآية ( 113 122 )


"""""" صفحة رقم 389 """"""
طه : ( 113 ) وكذلك أنزلناه قرآنا . . . . .
قوله ) وكذلك أنزلناه ( معطوف على قوله ) كذلك نقص عليك ( أى مثل ذلك الإنزال أنزلناه أى القرآن حال كونه ) قرآنا عربيا ( أى بلغة العرب ليفهموه ) وصرفنا فيه من الوعيد ( بينا فيه ضروبا من الوعيد تخويفا وتهديدا أو كررنا فيه بعضا منه ) لعلهم يتقون ( أى كي يخافوا الله فيتجنبوا معاصيه ويحذروا عقابه ) أو يحدث لهم ذكرا ( أى اعتبارا واتعاظا وقيل ورعا وقيل شرفا وقيل طاعة وعبادة لأن الذكر يطلق عليها وقرأ الحسن أو نحدث بالنون
طه : ( 114 ) فتعالى الله الملك . . . . .
) فتعالى الله الملك الحق ( لما بين للعباد عظيم نعمته عليهم بإنزال القرآن نزه نفسه عن مماثلة مخلوقاته فى شيء من الأشياء أى جل الله عن إلحاد الملحدين وعما يقول المشركون فى صفاته فإنه الملك الذى بيده الثواب والعقاب وأنه الحق أى ذو الحق ) ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ( أى يتم إليك وحيه قال المفسرون كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي حرصا منه على ما كان ينزل عليه منه فنهاه الله عن ذلك ومثله قوله ) لا تحرك به لسانك لتعجل به ( على ما يأتى إن شاء الله وقيل المعنى ولا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله وقرأ ابن مسعود ويعقوب والحسن والأعمش من قبل أن نقضى بالنون ونصب وحيه ) وقل رب زدني علما ( أى سل ربك زيادة العلم بكتابه
طه : ( 115 ) ولقد عهدنا إلى . . . . .
) ولقد عهدنا إلى آدم ( اللام هى الموطئة للقسم والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها من تصريف الوعيد أى لقد أمرناه ووصيناه والمعهود محذوف وهو ما سيأتي من نهيه عن الأكل من الشجرة ومعنى ) من قبل ( أى من قبل هذا الزمان ) فنسي ( قرأ الأعمش بإسكان الياء والمراد بالنسيان هنا ترك العمل بما وقع به العهد إليه فيه وبه قال أكثر المفسرين وقيل النسيان على حقيقتة وإنه نسى ما عهد الله به إليه وينتهي عنه وكان آدم مأخوذا بالنسيان فى ذلك الوقت وإن كان النسيان مرفوعا عن هذه الأمة والمراد من الآية تسلية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على القول الأول أى أن طاعة بني آدم للشيطان أمر قديم وأن هؤلاء المعاصرين له إن نقضوا العهد فقد نقض أبوهم آدم كذا قال ابن جرير والقشيري واعترضه ابن عطية قائلا بأن كون آدم مماثلا للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء وقرئ ) فنسي ( بضم النون وتشديد السين مكسورة مبنيا للمفعول أى فنساه إبليس ) ولم نجد له عزما ( العزم فى اللغة توطين النفس على الفعل والتصميم عليه والمضي على المعتقد فى أي شيء كان وقد كان آدم عليه السلام قد وطن نفسه على أن لا يأكل من الشجرة وصمم على ذلك فلما وسوس إليه إبليس لانت عريكته وفتر عزمه وأدركه ضعف البشر وقيل العزم الصبر أى لم نجد له صبرا عن أكل الشجرة قال النحاس وهو كذلك فى اللغة يقال لفلان عزم أى صبر وثبات على التحفظ عن المعاصي حتى يسلم منها ومنه ) كما صبر أولوا العزم من الرسل ( وقيل المعنى ولم نجد له عزما على الذنب وبه قال ابن كيسان وقيل ولم نجد به رأيا معزوما عليه وبه قال ابن قتيبة
طه : ( 116 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
ثم شرع سبحانه فى كيفية ظهور نسياه وفقدان عزمه والعامل فى إذ مقدر أى و اذكر ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( وتعليق الذكر بالوقت مع أن المقصود ذكر ما فيه من الحوادث للمبالغة لأنه إذا وقع الأمر بذكر الوقت كان ذكر ما فيه من الحوادث لازما بطريق الأولى وقد تقدم تفسير هذه القصة فى البقرة مستوفى
طه : ( 117 ) فقلنا يا آدم . . . . .
ومعنى ) فتشقى ( فتتعب فى تحصيل ما لا بد منه فى المعاش كالحرث والزرع ولم يقل فتشقيا لأن الكلام من أول القصة مع آدم وحده
طه : ( 118 ) إن لك ألا . . . . .
ثم علل ما يوجبه ذلك النهي بما فيه الراحة الكاملة عن التعب والاهتمام فقال ) إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ( أى فى الجنة والمعنى أن لك فيها تمتعا بأنواع المعايش وتنعما بأصناف النعم من المآكل الشهية والملابس البهية فإنه لما نفى عنه الجوع والعرى أفاد ثبوت الشبع والاكتساء له
طه : ( 119 ) وأنك لا تظمأ . . . . .
وهكذا قوله ) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ( فإن نفى الظمأ يستلزم حصول الري ووجود المسكن الذى يدفع عنه مشقة الضحى


"""""" صفحة رقم 390 """"""
يقال ضحى الرجل يضحى ضحوا إذا برز للشمس فأصابه حرها فذكر سبحانه هاهنا أنه قد كفاه الاشتغال بأمر المعاش وتعب الكد فى تحصيله ولا ريب أن أصول المتاعب فى الدنيا هى تحصيل الشبع والري والكسوة والكن وما عدا هذه ففضلات يمكن البقاء بدونها وهو إعلام من الله سبحانه لآدم أنه إن أطاعه فله فى الجنة هذا كله وإن ضيع وصيته ولم يحفظ عهده أخرجه من الجنة إلى الدنيا فيحل به التعب والنصب بما يدفع الجوع والعرى والظمأ والضحو فالمراد بالشقاء شقاء الدنيا كما قاله كثير من المفسرين لا شقاء الأخرى قال الفراء هو أن يأكل من كد يديه وقرأ أبو عمرو والكوفيون إلا عاصما ? وأنك لتظمأ ? بفتح أن وقرأ الباقون بكسرها على العطف على إن لك
طه : ( 120 ) فوسوس إليه الشيطان . . . . .
) فوسوس إليه الشيطان ( قد تقدم تفسيره فى الأعراف فى قوله ) فوسوس لهما الشيطان ( أى أنهى إليه وسوسته وجملة ) قال يا آدم ( إلى آخره إما بدل من وسوس أو مستأنفة بتقدير سؤال كأنه قيل فماذا قال له فى وسوسته و ) شجرة الخلد ( هى الشجرة التى من أكل منها لم يمت أصلا ) وملك لا يبلى ( أى لا يزول ولا ينقضى
طه : ( 121 ) فأكلا منها فبدت . . . . .
) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما ( قد تقدم تفسير هذا وما بعده فى الأعراف قال الفراء ومعنى طفقا فى العربية أقبلا وقيل جعلا يلصقان عليهما من ورق التين ) وعصى آدم ربه فغوى ( أى عصاه بالأكل من الشجرة فغوى فضل عن الصواب أو عن مطلوبه وهوالخلود بأكل تلك الشجرة وقيل فسد عليه عيشه بنزوله إلى الدنيا وقيل جهل موضع رشده وقيل بشم من كثرة الأكل قال ابن قتيبة أكل آدم من الشجرة التى نهى عنها باستزلال إبليس وخدائعه إياه والقسم له بالله إنه له لمن الناصحين حتى دلاه بغرور ولم يكن ذنبه عن اعتقاد متقدم ونية صحيحة فنحن نقول عصى آدم ربه فغوى انتهى قال القاضي أبو بكر بن العربي لا يجوز لأحد أن يخبر اليوم بذلك عن آدم قلت لا مانع من هذا بعد أن أخبرنا الله فى كتابه بأنه عصاه وكما يقال حسنات الأبرار سيئات المقربين ومما قلته فى هذا المعنى
عصى أبو العالم وهو الذى
من طينة صوره الله
وأسجد الأملاك من أجله
وصير الجنة مأواه
أغواه إبليس فمن ذا أنا المس
كين إن إبليس أغواه
طه : ( 122 ) ثم اجتباه ربه . . . . .
) ثم اجتباه ربه ( أى اصطفاه وقربه قال ابن فورك كانت المعصية من آدم قبل النبوة بدليل ما فى هذه الآية فإنه ذكر الاجتباء والهداية بعد ذكر المعصية وإذا كانت المعصية قبل النبوة فجائز عليهم الذنوب وجها واحدا ) فتاب عليه وهدى ( أى تاب عليه من معصيته وهداه إلى الثبات على التوبة قيل وكانت توبة الله عليه قبل أن يتوب هو وحواء بقولهما ) ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( وقد مر وجه تخصيص آدم بالذكر دون حواء
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) أو يحدث لهم ( أى القرآن ) ذكرا ( قال جدا وورعا وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) ولا تعجل بالقرآن ( يقول لا تعجل حتى نبينه لك وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال لطم رجل امرأته فجاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تطلب قصاصا فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بينهما القصاص فأنزل الله ) ولا تعجل بالقرآن ( الآية فوقف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى نزلت ) الرجال قوامون على النساء ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) ولا تعجل ( الآية قال لا تتله على أحد حتى نتمه لك وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 391 """"""
وابن منده فى التوحيد والطبراني فى الصغير وصححه عن ابن عباس قال إنما سمى الإنسان لأنه عهد إليه فنسى وأخرج عبد الغنى وابن سعد عن ابن عباس ) ولقد عهدنا إلى آدم ( أن لا تقرب الشجرة ) فنسي ( فترك عهدي ) ولم نجد له عزما ( قال حفظا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) فنسي ( فترك ) ولم نجد له عزما ( يقول لم نجعل له عزما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ( قال لا يصيبك فيها عطش ولا حر وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة عام لا يقطعها وهى شجرة الخلد وفى الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال حاج آدم موسى قال له أنت الذى أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم بمعصيتك قال آدم يا موسى أنت الذى اصطفاك الله برسالته وبكلامه أتلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره علي قبل أن يخلقني قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فحج آدم موسى
سورة طه الآية ( 123 127 )
طه : ( 123 ) قال اهبطا منها . . . . .
قوله ) قال اهبطا ( قد مر تفسيره فى البقرة أى انزلا من الجنة إلى الأرض خصهما الله سبحانه بالهبوط لأنهما أصل البشر ثم عمم الخطاب لهما ولذريتهما فقال ) بعضكم لبعض عدو ( والجملة فى محل نصب على الحال ويجوز أن يقال خاطبهما فى هذا وما بعده خطاب الجمع لأنهما منشأ الأولاد ومعنى ) بعضكم لبعض عدو ( تعاديهم فى أمر المعاش ونحوه فيحدث بسبب ذلك القتال والخصام ) فإما يأتينكم مني هدى ( بإرسال الرسل وإنزال الكتب ) فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ( أى لا يضل فى الدنيا ولا يشقى فى الآخرة
طه : ( 124 ) ومن أعرض عن . . . . .
) ومن أعرض عن ذكري ( أى عن ديني وتلاوة كتابي والعمل بما فيه ولم يتبع هداي ) فإن له معيشة ضنكا ( أى فإن له فى هذه الدنيا معيشة ضنكا أى عيشا ضيقا يقال منزل ضنك وعيش ضنك مصدر يستوى فيه الواحد وما فوقه والمذكر والمؤنث قال عنترة
إن المنية لو تمثل مثلت
مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
وقرئ ? ضنكى ? بضم الضاد على فعلي ومعنى الآية أن الله عز وجل جعل لمن اتبع هداه وتمسك بدينه أن يعيش فى الدنيا عيشا هنيا غير مهموم ولا مغموم ولا متعب نفسه كما قال سبحانه ) فلنحيينه حياة طيبة ( وجعل لمن لم يتبع هداه وأعرض عن دينه أن يعيش عيشا ضيقا وفى تعب ونصب ومع ما يصيبه فى هذه الدنيا من المتاعب فهو فى الأخرى أشد تعبا وأعظم ضيقا وأكثر نصبا وذلك معنى ) ونحشره يوم القيامة أعمى ( أى مسلوب البصر


"""""" صفحة رقم 392 """"""
وقيل المراد العمى عن الحجة وقيل أعمى عن جهات الخير لا يهتدى إلى شيء منها وقد قيل إن المراد بالمعيشة الضنكى عذاب القبر وسيأتي ما يرجح هذا ويقويه
طه : ( 125 ) قال رب لم . . . . .
) قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ( فى الدنيا
طه : ( 126 ) قال كذلك أتتك . . . . .
) قال كذلك ( أى مثل ذلك فعلت أنت ثم فسره بقوله ) أتتك آياتنا فنسيتها ( أى أعرضت عنها وتركتها ولم تنظر فيها ) وكذلك اليوم تنسى ( أى مثل ذلك النسيان الذى كنت فعلته فى الدنيا تنسى أى تترك فى العمى والعذاب فى النار قال الفراء يقال إنه يخرج بصيرا من قبره فيعمى فى حشره
طه : ( 127 ) وكذلك نجزي من . . . . .
) وكذلك نجزي من أسرف ( أى مثل ذلك الجزاء نجزيه والإسراف الانهماك فى الشهوات وقيل الشرك ) ولم يؤمن بآيات ربه ( بل كذب بها ) ولعذاب الآخرة أشد ( أى أفظع من المعيشة الضنكى ) وأبقى ( أى أدوم وأثبت لأنه لا ينقطع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة والطبراني وأبو نعيم فى الحلية وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة فى الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة وذلك أن الله يقول ) فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ( وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي فى الشعب من طرق عن ابن عباس قال أجار الله تابع القرآن من أن يضل فى الدنيا أو يشقى فى الآخرة ثم قرأ ) فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ( قال لا يضل فى الدنيا ولا يشقى فى الآخرة وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ومسدد فى مسنده وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا فى قوله ) معيشة ضنكا ( قال عذاب القبر ولفظ عبد الرزاق قال يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ولفظ ابن أبي حاتم قال ضمة القبر وفى إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف وقد روى موقوفا قال ابن كثير الموقوف أصح وأخرج البزار وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) فإن له معيشة ضنكا ( قال المعيشة الضنكى أن يسلط عليه تسعة وتسعون حية ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة وأخرج ابن أبي الدنيا والحكيم الترمذي وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا نحوه بأطول منه قال ابن كثير رفعه منكر جدا وأخرج ابن أبي شيبة والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) فإن له معيشة ضنكا ( قال عذاب القبر قال ابن كثير بعد إخراجه إسناد جيد وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود فى قوله ) فإن له معيشة ضنكا ( قال عذاب القبر ومجموع ما ذكرنا هنا يرجح تفسير المعيشة الضنكى بعذاب القبر وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي فى كتاب عذاب القبر عن ابن مسعود أنه فسر المعيشة الضنكى بالشقاء وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة فى قوله ) ونحشره يوم القيامة أعمى ( قال عمى عليه كل شيء إلا جهنم وفى لفظ لا يبصر إلا النار وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان فى قوله ) وكذلك نجزي من أسرف ( قال من أشرك بالله
سورة طه الآية ( 128 130 )


"""""" صفحة رقم 393 """"""
سورة طه الآية ( 131 135 )
طه : ( 128 ) أفلم يهد لهم . . . . .
قوله ) أفلم يهد لهم ( الاستفهام للتقريع والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر كما مر غير مرة والجملة مستأنفة لتقرير ما قبله وفاعل يهد هو الجملة المذكورة بعدها والمفعول محذوف وأنكر البصريون مثل هذا لأن الجمل لا تقع فاعلا وجوزه غيرهم قال القفال جعل كثرة ما أهلك من القرون مبينا لهم قال النحاس وهذا خطأ لأن كم استفهام فلا يعمل فيها ما قبلها وقال الزجاج المعنى أو لم يهد لهم الأمر بإهلاكنا من أهلكناه وحقيقته تدل على الهدى فالفاعل هو الهدى وقال ) كم ( فى موضع نصب بأهلكنا وقيل إن فاعل يهد ضمير لله أو للرسول والجملة بعده تفسره ومعنى الآية على ما هو الظاهر أفلم يتبين لأهل مكة خبر من ) أهلكنا قبلهم من القرون ( حال كون القرون ) يمشون في مساكنهم ( ويتقلبون فى ديارهم أو حال كون هؤلاء يمشون فى مساكن القرون الذين أهلكناهم عند خروجهم للتجارة وطلب المعيشة فيرون بلاد الأمم الماضية والقرون الخالية خاوية خاربة من أصحاب الحجر وثمود وقرى قوم لوط فإن ذلك مما يوجب اعتبارهم لئلا يحل بهم مثل ما حل بأولئك وقرأ ابن عباس والسلمي ? نهد ? بالنون والمعنى على هذه القراءة واضح وجملة ) إن في ذلك لآيات لأولي النهى ( تعليل للإنكار وتقرير للهداية والإشارة بقوله ذلك إلى مضمون كم أهلكنا إلى آخره والنهي جمع نهية وهى العقل أى لذوى العقول التى تنهى أربابها عن القبيح
طه : ( 129 ) ولولا كلمة سبقت . . . . .
) ولولا كلمة سبقت من ربك ( أى ولولا الكلمة السابقة وهى وعد الله سبحانه بتأخير عذاب هذه الأمة إلى النار الآخرة ) لكان ( عقاب ذنوبهم ) لزاما ( أى لازما لهم لا ينفك عنهم بحال ولا يتأخر وقوله ) وأجل مسمى ( معطوف على كلمة قاله الزجاج وغيره والأجل المسمى هو يوم القيامة أو يوم بدر واللزام مصدر لازم قيل ويجوز عطف وأجل مسمى على الضمير المستتر فى كان العائد إلى الأخذ العاجل المفهوم من السياق تنزيلا للفصل بالخبر منزلة التأكيد أى لكان الأخذ العاجل ) وأجل مسمى ( لازمين لهم كما كانا لازمين لعاد وثمود وفيه تعسف ظاهر
طه : ( 130 ) فاصبر على ما . . . . .
ثم لما بين الله سبحانه أنه لا يهلكهم بعذاب الاستئصال أمره بالصبر فقال ) فاصبر على ما يقولون ( من أنك ساحر كذاب ونحو ذلك من مطاعنهم الباطلة والمعنى لا تحتفل بهم فإن لعذابهم وقتا مضروبا لا يتقدم ولا يتأخر وقيل هذا منسوخ بآية القتال ) وسبح بحمد ربك ( أى متلبسا بحمده قال أكثر المفسرين والمراد الصلوات الخمس كما يفيد قوله ) قبل طلوع الشمس ( فإنه إشارة إلى صلاة الفجر ) وقبل غروبها ( فإنه إشارة إلى صلاة العصر ) ومن آناء الليل ( العتمة والمراد بالآناء الساعات وهى جمع إني بالكسر والقصر وهو الساعة ومعنى ) فسبح ( أى فصل


"""""" صفحة رقم 394 """"""
) وأطراف النهار ( أى المغرب والظهر لأن الظهر فى آخر طرف النهار الأول وأول طرف النهار الآخر وقيل إن الإشارة إلى صلاة الظهر هى بقوله ) وقبل غروبها ( لأنها هى وصلاة العصر قبل غروب الشمس وقيل المراد بالآية صلاة التطوع ولو قيل ليس فى الآية إشارة إلى الصلاة بل المراد التسبيح فى هذه الأوقات أى قول القائل سبحان الله لم يكن ذلك بعيدا من الصواب والتسبيح وإن كان يطلق على الصلاة ولكنه مجاز والحقيقة أولى إلا لقرينة تصرف ذلك إلى المعنى المجازي وجملة ) لعلك ترضى ( متعلقة بقوله فسبح أى سبح فى هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله سبحانه ما ترضى به نفسك هذا على قراءة الجمهور وقرأ الكسائي وأبو بكر عن عاصم ) ترضى ( بضم التاء مبنيا للمفعول أى يرتضيك ربك
طه : ( 131 ) ولا تمدن عينيك . . . . .
) لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ( قد تقدم تفسير هذه الآية فى الحجر والمعنى لا تطل نظر عينيك وأزواجا مفعول متعنا وزهرة منصوبة على الحال أو بفعل محذوف أى جعلنا أو أعطينا ذكر معنى هذا الزجاج وقيل هى بدل من الهاء فى به باعتبار محله وهو النصب لا باعتبار لفظه فإنه مجرور كما تقول مررت به أخاك ورجح الفراء النصب على الحال يجوز أن تكون بدلا ويجوز أن تكون منتصبة على المصدر مثل صبغة الله ووعد الله و ) زهرة الحياة الدنيا ( زينتها وبهجتها بالنبات وغيره وقرأ عيسى بن عمر ) زهرة ( بفتح الهاء وهى نور النبات واللام فى ) لنفتنهم ( فيه متعلق بمتعنا أى لنجعل ذلك فتنة لهم وضلالة ابتلاء منا لهم كقوله ) إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ( وقيل لنعذبنهم وقيل لنشدد عليهم فى التكليف ) ورزق ربك خير وأبقى ( أى ثواب الله وما ادخر لصالحي عباده فى الآخرة خير مما رزقهم فى الدنيا على كل حال وأيضا فإن ذلك لا ينقطع وهذا ينقطع وهو معنى وأبقى وقيل المراد بهذا الرزق ما يفتح الله على المؤمنين من الغنائم ونحوها والأول أولى لأن الخيرية المحققة والدوام الذى لا ينقطع إنما يتحققان فى الرزق الأخروي لا الدنيوي وإن كان حلالا طيبا ) ما عندكم ينفد وما عند الله باق )
طه : ( 132 ) وأمر أهلك بالصلاة . . . . .
) وأمر أهلك بالصلاة ( أمره الله سبحانه بأن يأمر أهله بالصلاة والمراد بهم أهل بيته وقيل جميع أمته ولم يذكر ها هنا الأمر من الله له بالصلاة بل قصر الأمر على أهله إما لكون إقامته لها أمرا معلوما أو لكون أمره بها قد تقدم فى قوله ) وسبح بحمد ربك ( إلى آخر الآية أو لكون أمره بالأمر لأهله أمرا له ولهذا قال ) واصطبر عليها ( أى اصبر على الصلاة ولا تشتغل عنها بشئ من أمور الدنيا ) لا نسألك رزقا ( أى لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك وتشتغل بذلك عن الصلاة ) نحن نرزقك ( ونرزقهم ولا نكلفك ذلك ) والعاقبة للتقوى ( أى العاقبة المحمودة وهى الجنة لأهل التقوى على حذف المضاف كما قال الأخفش وفيه دليل على أن التقوى هى ملاك الأمر وعليها تدور دوائر الخير
طه : ( 133 ) وقالوا لولا يأتينا . . . . .
) وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه ( أى قال كفار مكة هلا يأتينا محمد بآية من آيات ربه كما كان يأتي بها من قبله من الأنبياء وذلك كالناقة والعصا أو هلا يأتينا بآية من الآيات التى قد اقترحناها عليه فأجاب الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله ) أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ( يريد بالصحف الأولى التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب المنزلة وفيها التصريح بنبوته والتبشير به وذلك يكفي فإن هذه الكتب المنزلة هم معترفون بصدقها وصحتها وفيها ما يدفع إنكارهم لنبوته ويبطل تعنتاتهم وتعسفاتهم وقيل المعنى أو لم يأتهم إهلاكنا للأمم الذين كفروا واقترحوا الآيات فما يؤمنهم إن أتتهم الآيات التى اقترحوها أن يكون حالهم كحالهم وقيل المراد أو لم تأتهم آية هى أم الآيات وأعظمها فى باب الإعجاز يعني القرآن فإنه برهان لما فى سائر الكتب المنزلة وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وأبو عمرو ويعقوب وابن أبى إسحاق وحفص ) أو لم تأتهم ( بالتاء الفوقية وقرأ الباقون بالتحتية لأن معنى البينة البيان والبرهان فذكروا الفعل اعتبار بمعنى البينة واختار هذه القراءة


"""""" صفحة رقم 395 """"""
أبو عبيد وأبو حاتم قال الكسائي ويجوز بينة بالتنوين قال النحاس إذا نونت بينة ورفعت جعلت ما بدلا منها وإذا نصبت فعلى الحال والمعنى أو لم يأتهم ما فى الصحف الأولى مبينا وهذا على ما يقتضيه الجواز النحوي وإن لم تقع القراءة به
طه : ( 134 ) ولو أنا أهلكناهم . . . . .
) ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله ( أى من قبل بعثة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو من قبل إتيان البينة لنزول القرآن ) لقالوا ( يوم القيامة ) ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ( أى هلا أرسلت إلينا رسولا فى الدنيا ) فنتبع آياتك ( التى يأتي بها الرسول ) من قبل أن نذل ( بالعذاب فى الدنيا ) ونخزى ( بدخول النار وقرئ ) نذل ونخزى ( على البناء للمفعول وقد قطع الله معذرة هؤلاء الكفرة بإرسال الرسول إليهم قبل إهلاكهم ولهذا حكى الله عنهم أنهم ) قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء )
طه : ( 135 ) قل كل متربص . . . . .
) قل كل متربص فتربصوا ( أى قل لهم يا محمد كل واحد منا ومنكم متربص أى منتظر لما يؤول إليه الأمر فتربصوا أنتم ) فستعلمون ( عن قريب ) من أصحاب الصراط السوي ( أى فستعلمون بالنصر والعاقبة من هو من أصحاب الصراط المستقيم ) ومن اهتدى ( من الضلالة ونزع عن الغواية ومن فى الموضعين فى محل رفع بالابتداء قال النحاس والفراء يذهب إلى أن معنى ) من أصحاب الصراط السوي ( من لم يضل وإلى أن معنى ) من اهتدى ( من ضل ثم اهتدى وقيل من فى الموضعين فى محل نصب وكذا قال الفراء وحكى عن الزجاج أنه قال هذا خطأ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وقرأ أبو رافع فسوف تعلمون وقرأ يحيى بن يعمر وعاصم الجحدري ) السوي ( على فعلى وردت هذه القراءة بأن تأنيث الصراط شاذ وقيل هى بمعنى الوسط والعدل ا ه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) أفلم يهد لهم ( ألم نبين لهم ) كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم ( نحو عاد وثمود ومن أهلك من الأمم وفى قوله ) ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ( يقول هذا من مقاديم الكلام يقول لولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاما وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى نحوه وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال الأجل المسمى الكلمة التى سبقت من ربك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) لكان لزاما ( قال موتا وأخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) وسبح بحمد ربك ( الآية قال هى الصلاة المكتوبة وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن جرير عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ( قال قبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر وفى الصحيحين وغيرهما من حديث جرير قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون فى رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا وقرأ ) وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ( وفى صحيح مسلم وسنن أبى داود والنسائي عن عمارة بن رؤبة سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وأخرج ابن أبى شيبة وابن راهويه والبزار وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والخرائطي وأبو نعيم عن أبى رافع قال أضاف النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ضيفا ولم يكن عند النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ما يصلحه فأرسلني إلى رجل من اليهود أن بعنا أو سلفنا دقيقا إلى هلال رجب فقال لا إلا برهن فأتيت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته فقال أما والله إنى لأمين فى السماء أمين فى الأرض ولئن أسلفني أو باعني لأديت إليه اذهب بدرعي الجديد فلم أخرج من عنده حتى نزلت هذه الآية ) ولا تمدن عينيك ( كأنه يعزيه عن الدنيا وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى سعيد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن


"""""" صفحة رقم 396 """"""
أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا قالوا وما زهرة الدنيا يا رسول الله قال بركات الأرض وأخرج ابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن أبي سعيد الخدري قال لما نزلت ) وأمر أهلك بالصلاة ( كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يجئ إلى باب علي صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول الصلاة رحمكم الله ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( وأخرج ابن مردويه عن أبى الحمراء نحوه وأخرج أحمد فى الزهد وابن أبى حاتم والبيهقى فى الشعب عن ثابت قال كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله يا أهلاه صلوا صلوا قال ثابت وكانت الأنبي
الأنبياء : ( 1 ) اقترب للناس حسابهم . . . . .
الأنبياء : ( 1 ) اقترب للناس حسابهم . . . . .
اء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر والطبراني فى الأوسط وأبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى الشعب بإسناد السيوطي صحيح عن عبد الله بن سلام قال كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة وقرأ ) وأمر أهلك بالصلاة ( الآية
21
تفسير
سورة الأنبياء
وهى مكية قال القرطبي فى قول الجميع وهى مائة واثنتا عشرة آية
حول السورة
وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال بنو إسرائيل والكهف ومريم والأنبياء هن من العتاق الأول وهن من تلادي وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجاءه الرجل فقال إني استقطعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واديا ما فى العرب واد أفضل منه وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك فقال عامر لا حاجة لي في قطعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا ) اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون (
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنبياء الآية ( 1 7 )


"""""" صفحة رقم 397 """"""
سورة الأنبياء الاية ( 8 9 )
الأنبياء : ( 1 ) اقترب للناس حسابهم . . . . .
يقال قرب الشئ واقترب وقد اقترب الحساب أى قرب الوقت الذى يحاسبون فيه قال الزجاج المعنى ) اقترب للناس ( وقت ) حسابهم ( أى القيامة كما فى قوله ) اقتربت الساعة ( واللام فى للناس متعلقة بالفعل وتقديمها هى ومجرورها على الفاعل لإدخال الروعة ومعنى اقتراب وقت الحساب دنوه منهم لأنه فى كل ساعة أقرب إليهم من الساعة التى قبلها وقيل لأن كل ما هو آت قريب وموت كل إنسان قيام ساعته والقيامة أيضا قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان فما بقى من الدنيا أقل مما مضى والمراد بالناس العموم وقيل المشركون مطلقا وقيل كفار مكة وعلى هذا الوجه قيل المراد بالحساب عذابهم يوم بدر وجملة ) وهم في غفلة معرضون ( فى محل نصب على الحال أى هم فى غفلة بالدنيا معرضون عن الآخرة غير متأهبين بما يجب عليهم من الإيمان بالله والقيام بفرائضه والانزجار عن مناهيه
الأنبياء : ( 2 ) ما يأتيهم من . . . . .
) ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ( من لابتداء الغاية وقد استدل بوصف الذكر لكونه محدثا على أن القرآن محدث لأن الذكر هنا هو القرآن وأجيب بأنه لا نزاع فى حدوث المركب من الأصوات والحروف لأنه متجدد فى النزول فالمعنى محدث تنزيله وإنما النزاع فى الكلام النفسي وهذه المسئلة أعني قدم القرآن وحدوثه قد ابتلى بها كثير من أهل العلم والفضل فى الدولة المأمونية والمعتصمية والواثقية وجرى للإمام أحمد بن حنبل ما جرى من الضرب الشديد والحبس الطويل وضرب بسببها عنق محمد بن نصر الخزاعي وصارت فتنة عظيمة فى ذلك الوقت وما بعده والقصة أشهر من أن تذكر ومن أحب الوقوف على حقيقتها طالع ترجمة الإمام أحمد بن حنبل فى كتاب النبلاء لمؤرخ الإسلام الذهبي ولقد أصاب أئمة السنة بامتناعهم من الإجابة إلى القول بخلق القرآن وحدوثه وحفظ الله بهم أمة نبيه عن الابتداع ولكنهم رحمهم الله جاوزوا ذلك إلى الجزم بقدمه ولم يقتصروا على ذلك حتى كفروا من قال بالحدوث بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من قال لفظي بالقرآن مخلوق بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من وقف وليتهم لم يجاوزوا حد الوقف وإرجاع العلم إلى علام الغيوب فإنه لم يسمع من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى وقت قيام المحنة وظهور القول فى هذه المسئلة شئ من الكلام ولا نقل عنه كلمة فى ذلك فكان الامتناع من الإجابة إلى ما دعوا إليه والتمسك بأذيال الوقف وإرجاع علم ذلك إلى عالمه هو الطريقة المثلى وفيه السلامة والخلوص من تكفير طوائف من عباد الله والأمر لله سبحانه وقوله ) إلا استمعوه ( استثناء مفرغ فى محل نصب على الحال وجملة ) وهم يلعبون ( فى محل نصب على الحال من فاعل استمعوه
الأنبياء : ( 3 ) لاهية قلوبهم وأسروا . . . . .
و ) لاهية قلوبهم ( حال أيضا والمعنى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فى حال من الأحوال إلا فى الاستماع مع اللعب والاستهزاء ولهوة القلوب وقرئ ) لاهية ( بالرفع كما قرئ محدث بالرفع ) وأسروا النجوى الذين ظلموا ( النجوى اسم من التناجي والتناجي لا يكون إلا سرا فمعنى إسرار النجوى المبالغة فى الإخفاء وقد اختلف فى محل الموصول على أقوال فقيل إنه فى محل رفع بدل من الواو فى أسروا قاله المبرد وغيره وقيل هو فى محل رفع على الذم وقيل هو فاعل لفعل محذوف والتقدير يقول الذين ظلموا واختار هذا النحاس وقيل فى محل نصب بتقدير أعنى وقيل فى محل خفض على أنه بدل من الناس ذكر ذلك المبرد وقيل هو فى محل رفع على أنه فاعل


"""""" صفحة رقم 398 """"""
أسروا على لغة من يجوز الجمع بين فاعلين كقولهم أكلوني البراغيث ذكر ذلك الاخفش ومثله ) ثم عموا وصموا كثير منهم ( ومنه قول الشاعر فاهتدين البغال للأغراض
وقول الآخر
ولكن دنا بى أبوه وأمه بحوران يعصرن السليط أقاربه
وقال الكسائي فيه تقديم وتأخير أى والذين ظلموا أسروا النجوى قال أبو عبيدة أسروا هنا من الأضداد يحتمل أن يكون بمعنى أخفوا كلامهم ويحتمل أن يكون بمعنى أظهروه وأعلنوه ) هل هذا إلا بشر مثلكم ( هذه الجملة بتقدير القول قبلها أى قالوا هل هذا الرسول إلا بشر مثلكم لا يتميز عنكم بشئ ويجوز أن تكون هذه الجملة بدلا من النجوى وهل بمعنى النفي أى وأسروا هذا الحديث والهمزة فى ) أفتأتون السحر ( للإنكار الفاء للعطف على مقدر كنظائره وجملة ) وأنتم تبصرون ( فى محل نصب على الحال والمعنى إذا كان بشرا مثلكم وكان الذى جاء به سحرا فكيف تجيبونه إليه وتتبعونه
الأنبياء : ( 4 ) قال ربي يعلم . . . . .
فأطلع الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) على ما تناجوا به وأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال ) قال ربي يعلم القول في السماء والأرض ( أى لا يخفى عليه شيء مما يقال فيهما وفى مصاحف أهل الكوفة ) قال ربي ( أى قال محمد ربي يعلم القول فهو عالم بما تناجيتم به قيل القراءة الأولى أولى لأنهم أسروا هذا القول فأطلع الله رسوله صلى الله عيله وآله وسلم على ذلك وأمره أن يقول لهم هذا قال النحاس والقراءتان صحيحتان وهما بمنزلة آيتين ) وهو السميع ( لكل ما يسمع ) العليم ( بكل معلوم فيدخل فى ذلك ما أسروا دخولا أوليا
الأنبياء : ( 5 ) بل قالوا أضغاث . . . . .
) بل قالوا أضغاث أحلام ( قال الزجاج أي قالوا الذى تأتي به أضغاث أحلام قال القتيبي أضغاث الأحلام الرؤيا الكاذبة وقال اليزيدي الأضغاث ما لم يكن له تأويل وهذا إضراب من جهة الله سبحانه حكاية لما وقع منهم وانتقال من حكاية قولهم السابق إلى حكاية هذا القول ثم حكى سبحانه إضرابهم عن قولهم أضغاث أحلام قال ) بل افتراه ( أى بل قالوا افتراه من تلقاء نفسه من غير أن يكون له أصل ثم حكى سبحانه عنهم أنهم أضربوا عن هذا وقالوا ) بل هو شاعر ( وما أتى به من جنس الشعر وفى هذا الاضطراب منهم والتلون والتردد أعظم دليل على أنهم جاهلون بحقيقة ما جاء به لا يدرون ما هو ولا يعرفون كنهه أو كانوا قد علموا أنه حق وأنه من عند الله ولكن أرادوا أن يدفعوه بالصدر ويرموه بكل حجر ومدر وهذا شأن من غلبته الحجة وقهره البرهان ثم بعد هذا كله قالوا ) فليأتنا بآية ( وهذا جواب شرط محذوف أى إن لم يكن كما قلنا فليأتنا بآية ) كما أرسل الأولون ( أى كما أرسل موسى بالعصا وغيرها وصالح بالناقة ومحل الكاف الجر صفة لآية ويجوز أن يكون نعت مصدر محذوف وكان سؤالهم هذا سؤال تعنت لأن الله سبحانه قد أعطاهم من الآيات ما يكفي ولو علم الله سبحانه أنهم يؤمنون إذا أعطاهم ما يقترحوه لأعطاهم ذلك كما قال ) ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ( قال الزجاج اقترحوا الآيات التى لا يقع معها إمهال
الأنبياء : ( 6 ) ما آمنت قبلهم . . . . .
فقال الله مجيبا لهم ) ما آمنت قبلهم من قرية ( أى قبل مشركي مكة ومعنى من قرية من أهل قرية ووصف القرية بقوله ) أهلكناها ( أى أهلكنا أهلها أو أهلكناها بإهلاك أهلها وفيه بيان أن سنة الله فى الأمم السالفة أن المقترحين إذا أعطوا ما اقترحوه ثم لم يؤمنوا نزل بهم عذاب الاستئصال لا محالة ومن فى من قرية مزيدة للتأكيد والمعنى ما آمنت قربة من القرى التى أهلكناها بسبب اقتراحهم قبل هؤلاء فكيف نعطيهم ما يقترحون وهم أسوة من قبلهم والهمزة فى ) أفهم يؤمنون ( للتقريع


"""""" صفحة رقم 399 """"""
والتوبيخ والمعنى إن لم تؤمن أمة من الأمم المهلكة عند إعطاء ما اقترحوا فكيف يؤمن هؤلاء لو أعطوا ما اقترحوا
الأنبياء : ( 7 ) وما أرسلنا قبلك . . . . .
ثم أجاب سبحانه عن قولهم هل هذا إلا بشر مثلكم بقوله ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( أى لم نرسل قبلك إلى الأمم السابقة إلا رجالا من البشر ولم نرسل إليهم ملائكة كما قال سبحانه ) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ( وجملة يوحى إليهم مستأنفة لبيان كيفية الإرسال ويجوز أن تكون صفة لرجالا أى متصفين بصفة الإيحاء إليهم قرأ حفص وحمزة والكسائي نوحى بالنون وقرأ الباقون بالياء التحتية ثم أمرهم الله بأن يسألوا أهل الذكر إن كانوا يجهلون هذا فقال ) فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( وأهل الذكر هم أهل الكتابين اليهود والنصارى ومعنى ) إن كنتم لا تعلمون ( إن كنتم لا تعلمون أن رسل الله من البشر كذا قال أكثر المفسرين وقد كان اليهود والنصارى لا يجهلون ذلك ولا ينكرونه وتقدير الكلام إن كنتم لا تعلمون ما ذكر فاسألوا أهل الذكر وقد استدل بالآية على أن التقليد جائز وهو خطأ ولو سلم لكان المعنى سؤالهم عن النصوص من الكتاب والسنة لا عن الرأي البحت وليس التقليد إلا قبول قول الغير دون حجته وقد أوضحنا هذا فى رسالة بسيطة سميناها القول المفيد فى حكم التقليد
الأنبياء : ( 8 ) وما جعلناهم جسدا . . . . .
ثم لما فرغ سبحانه من الجواب عن شبهتهم أكد كون الرسل من جنس البشر فقال ) وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام ( أى أن الرسل أسوة لسائر أفراد بني آدم فى حكم الطبيعة يأكلون كما يأكلون ويشربون كما يشربون والجسد جسم الإنسان قال الزجاج هو واحد يعني الجسد ينبئ عن جماعة أى وما جعلناهم ذوى أجساد لا يأكلون الطعام فجملة ) لا يأكلون الطعام ( صفة لجسدا أى وما جعلناهم جسدا مستغنيا عن الأكل بل هو محتاج إلى ذلك ) وما كانوا خالدين ( بل يموتون كما يموت غيرهم من البشر وقد كانوا يعتقدون أن الرسل لا يموتون فأجاب الله عليهم بهذا
الأنبياء : ( 9 ) ثم صدقناهم الوعد . . . . .
وجملة ) ثم صدقناهم الوعد ( معطوفة على جملة يدل عليها السياق والتقدير أوحينا إليهم ما أوحينا ) ثم صدقناهم الوعد ( أى أنجزنا وعدهم الذى وعدناهم بإنجائهم وإهلاك من كذبهم ولهذا قال سبحانه ) فأنجيناهم ومن نشاء ( من عبادنا المؤمنين والمراد إنجاؤهم من العذاب وإهلاك من كفر بالعذاب الدنيوي والمراد ب ) المسرفين ( المجاوزون للحد فى الكفر والمعاصي وهم المشركون
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وهم في غفلة معرضون ( قال فى الدنيا وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى الآية قال من أمر الدنيا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) بل قالوا أضغاث أحلام ( أى فعل الأحلام إنما هى رؤيا رآها ) بل افتراه بل هو شاعر ( كل هذا قد كان منه ) فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ( كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ) ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها ( أى أن الرسل كانوا إذا جاءوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا وأخرج ابن جرير عن قتادة قال قال أهل مكة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان ما تقوله حقا ويسرك أن نؤمن فحول لنا الصفا ذهبا فأتاه جبريل فقال إن شئت كان الذى سألك قومك ولكنه إن كان ثم لم يؤمنوا لم ينظروا وإن شئت استأنيت بقومك قال بل أستأنى بقومي فأنزل الله ) ما آمنت قبلهم ( الآية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام ( يقول لم نجعلهم جسدا ليس يأكلون الطعام إنما جعلناهم جسدا يأكلون الطعام


"""""" صفحة رقم 400 """"""
سورة الأنبياء الآية ( 10 25 )
الأنبياء : ( 10 ) لقد أنزلنا إليكم . . . . .
نبه عباده على عظيم نعمته عليهم بقوله ) لقد أنزلنا إليكم كتابا ( يعني القرآن ) فيه ذكركم ( صفة لكتابا والمراد بالذكر هنا الشرف أى فيه شرفكم كقوله ) وإنه لذكر لك ولقومك ( وقيل فيه ذكركم أى ذكر أمر دينكم وأحكام شرعكم وما تصيرون إليه من ثواب أو عقاب وقيل فيه حديثكم قاله مجاهد وقيل مكارم أخلاقكم ومحاسن أعمالكم وقيل فيه العمل بما فيه حياتكم قاله سهل بن عبد الله وقيل فيه موعظتكم والاستفهام فى ) أفلا تعقلون ( للتوبيخ والتقريع أى أفلا تعقلون أن الأمر كذلك أو لا تعقلون شيئا من الأشياء التى من جملتها ما ذكر
الأنبياء : ( 11 ) وكم قصمنا من . . . . .
ثم أوعدهم وحذرهم ما جرى على الأمم المكذبة فقال ) وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة ( كم فى محل نصب على أنها مفعول قصمنا وهى الخبرية المفيدة للتكثير والقصم كسر الشيء ودقه يقال قصمت ظهر فلان إذا كسرته واقتصمت سنه إذا انكسرت والمعنى هنا الإهلاك والعذاب وأما الفصم بالفاء فهو الصدع فى الشيء من غير بينونة وجملة ) كانت ظالمة ( فى محل جر صفة لقرية وفى الكلام مضاف محذوف أى وكم قصمنا من أهل قرية كانوا ظالمين أى كافرين بالله مكذبين بآياته والظلم فى الأصل وضع الشيء فى غير موضعه وهم وضعوا الكفر فى موضع الإيمان ) وأنشأنا بعدها قوما آخرين ( أى أوجدنا وأحدثنا بعد إهلاك أهلها قوما ليسوا منهم
الأنبياء : ( 12 ) فلما أحسوا بأسنا . . . . .
) فلما أحسوا بأسنا ( أى أدركوا أو رأوا عذابنا وقال الأخفش خافوا وتوقعوا أو البأس العذاب الشديد ) إذا هم منها يركضون ( الركض الفرار والهرب والانهزام وأصله من ركض الرجل الدابة برجليه يقال ركض الفرس إذا كده بساقيه ثم كثر حتى قيل ركض الفرس إذا عدا ومنه ) اركض برجلك (


"""""" صفحة رقم 401 """"""
والمعنى أنهم يهربون منها راكضين دوابهم
الأنبياء : ( 13 ) لا تركضوا وارجعوا . . . . .
فقيل لهم ) لا تركضوا ( أى لا تهربوا قيل إن الملائكة نادتهم بذلك عند فرارهم وقيل إن القائل لهم ذلك هم من هنالك من المؤمنين استهزاء بهم وسخرية منهم ) وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ( أى إلى نعمكم التى كانت سبب بطركم وكفركم والمترف المنعم يقال أترف فلان أى وسع عليه فى معاشه ) ومساكنكم ( أى وارجعوا إلى مساكنكم التى كنتم تسكنونها وتفتخرون بها ) لعلكم تسألون ( أى تقصدون للسؤال والتشاور والتدبير فى المهمات وهذا على طريقة التهكم بهم والتوبيخ لهم وقيل المعنى لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة فتخبرون به وقيل لعلكم تسألون أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول العذاب بكم قال المفسرون وأهل الأخبار إن المراد بهذه الآية أهل حضور من اليمن وكان الله سبحانه قد بعث إليهم نبيا اسمه شعيب بن مهدم وقبره بجبل من جبال اليمن يقال له ضين وبينه وبين حضور نحو بريد قالوا وليس هو شعيا صاحب مدين قلت وآثار القبر بجبل ضين موجودة والعامة من أهل تلك الناحية يزعمون أنه قبر قدم بن قادم
الأنبياء : ( 14 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
) قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين ( أى قالوا لما قالت لهم الملائكة لا تركضوا يا ويلنا أى بإهلاكنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا مستوجبين العذاب بما قدمنا فاعترفوا على أنفسهم بالظلم الموجب للعذاب
الأنبياء : ( 15 ) فما زالت تلك . . . . .
) فما زالت تلك دعواهم ( أى ما زالت هذه الكلمة دعواهم أى دعوتهم والكلمة هى قولهم يا ويلنا أى يدعون بها ويرددونها ) حتى جعلناهم حصيدا ( أى بالسيوف كما يحصد الزرع بالمنجل والحصيد هنا بمعنى المحصود ومعنى ) خامدين ( أنهم ميتون من خمدت النار إذا طفئت فشبه خمود الحياة بخمود النار كما يقال لمن مات قد طفىء
الأنبياء : ( 16 ) وما خلقنا السماء . . . . .
) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ( أى لم نخلقهما عبثا ولا باطلا بل للتنبيه على أن لهما خالقا قادرا يجب امتثال أمره وفيه إشارة إجمالية إلى تكوين العالم والمراد بما بينهما سائر المخلوقات الكائنة بين السماء والأرض على اختلاف أنواعها وتباين أجناسها
الأنبياء : ( 17 ) لو أردنا أن . . . . .
) لو أردنا أن نتخذ لهوا ( اللهو ما يتلهى به قيل اللهو الزوجة والولد وقيل الزوجة فقط وقيل الولد فقط قال الجوهري قد يكفي باللهو عن الجماع ويدل على ما قاله قول امرئ القيس
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني
كبرت وألا يحسن اللهو أمثالي
ومنه قول الآخر وفيهن ملهى للصديق ومنظر
والجملة مستأنفة لتقرير مضمون ما قبلها وجواب لو قوله ) لاتخذناه من لدنا ( أى من عندنا ومن جهة قدرتنا لا من عندكم قال المفسرون أى من الحور العين وفى هذا رد على من قال بإضافة الصاحبة والولد إلى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وقيل أراد الرد على من قال الأصنام أو الملائكة بنات الله وقال ابن قتيبة الآية رد على النصارى ) إن كنا فاعلين ( قال الواحدي قال المفسرون ما كنا فاعلين قال الفراء والمبرد والزجاج يجوز أن تكون إن للنفي كما ذكره المفسرون أى ما فعلنا ذلك ولم نتخذ صاحبة ولا ولدا ويجوز أن تكون للشرط أى إن كنا ممن يفعل ذلك لاتخذناه من لدنا قال الفراء وهذا أشبه الوجهين بمذهب العربية
الأنبياء : ( 18 ) بل نقذف بالحق . . . . .
) بل نقذف بالحق على الباطل ( هذا إضراب عن اتخاذ اللهو أى دع ذلك الذى قالوا فإنه كذب وباطل بل شأننا أن نرمي بالحق على الباطل ) فيدمغه ( أى يقهره وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ ومنه الدامغة قال الزجاج المعنى نذهبه ذهاب الصغار والإذلال وذلك أن أصله إصابة الدماغ بالضرب قيل أراد بالحق الحجة ا ه وبالباطل شبههم وقيل الحق المواعظ والباطل المعاصي وقيل الباطل الشيطان وقيل كذبهم ووصفهم الله سبحانه بغير صفاته ) فإذا هو زاهق ( أى زائل ذاهب وقيل هالك تالف والمعنى متقارب وإذا هى الفجائية ) ولكم الويل مما تصفون ( أى العذاب فى الآخرة بسبب وصفكم لله بما لا يجوز عليه وقيل الويل واد فى جهنم وهو وعيد لقريش بأن لهم من العذاب مثل الذى لأولئك ومن


"""""" صفحة رقم 402 """"""
هى التعليلية
الأنبياء : ( 19 ) وله من في . . . . .
) وله من في السماوات والأرض ( عبيدا وملكا وهو خالقهم ورازقهم ومالكهم فكيف يجوز أن يكون له بعض مخلوقاته شريكا يعبد كما يعبد وهذه الجملة مقررة لما قبلها ) ومن عنده ( يعني الملائكة وفيه رد على القائلين بأن الملائكة بنات الله وفى التعبير عنهم بكونهم عنده إشارة إلى تشريفهم وكرامتهم وأنهم بمنزلة المقربين عند الملوك ثم وصفهم بقوله ) لا يستكبرون عن عبادته ( أى لا يتعاظمون ولا يأنفون عن عبادة الله سبحانه والتذلل له ) ولا يستحسرون ( أى لا يعيون مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب يقال حسر البعير يحسر حسورا أعيا وكل واستحسر وتحسر مثله وحسرته أنا حسرا يتعدى ولا يتعدى قال أبو زيد لا يكلون وقال ابن الأعرابي لا يفشلون قال الزجاج معنى الآية أن هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد الله عباد الله لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها كقوله ) إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ( وقيل المعنى لا ينقطعون عن عبادته وهذه المعاني متقاربة
الأنبياء : ( 20 ) يسبحون الليل والنهار . . . . .
) يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( أى ينزهون الله سبحانه دائما لا يضعفون عن ذلك ولا يسأمون وقيل يصلون الليل والنهار قال الزجاج مجرى التسبيح منهم كمجرى النفس منا لا يشغلنا عن النفس شيء فكذلك تسبيحهم دائم وهذه الجملة إما مستأنفة جواب سؤال مقدر أو فى محل نصب على الحال
الأنبياء : ( 21 ) أم اتخذوا آلهة . . . . .
) أم اتخذوا آلهة من الأرض ( قال المفضل مقصود هذا الاستفهام الجحد أى لم يتخذوا آلهة تقدر على الإحياء وأم هى المنقطعة والهمزة لإنكار الوقوع قال المبرد إن أم هنا بمعنى هل أى هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض يحيون الموتى ولا تكون أم هنا بمعنى بل لأن ذلك يوجب لهم إنشاء الموتى إلا أن تقدر أم مع الاستفهام فتكون أم المنقطعة فيصح المعنى ومن الأرض متعلق باتخذوا أو بمحذوف هو صفة لآلهة ومعنى ) هم ينشرون ( هم يبعثون الموتى والجملة صفة لآلهة وهذه الجملة هى التى يدور عليها الإنكار والتجهيل لا نفس الاتخاذ فإنه واقع منهم لا محالة والمعنى بل اتخذوا آلهة من الأرض هم خاصة مع حقارتهم ينشرون الموتى وليس الأمر كذلك فإن ما اتخذوها آلهة بمعزل عن ذلك قرأ الجمهور ) ينشرون ( بضم الياء وكسر الشين من أنشره أى أحياه وقرأ الحسن بفتح الياء أى يحيون ولا يموتون
الأنبياء : ( 22 ) لو كان فيهما . . . . .
ثم إنه سبحانه أقام البرهان على بطلان تعدد الآلهة فقال ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( أى لو كان فى السموات والأرض آلهة معبودون غير الله لفسدتا أى لبطلتا يعني السموات والأرض بما فيهما من المخلوقات قال الكسائي وسيبويه والأخفش والزجاج وجمهور النحاة إن إلا هنا ليست للاستثناء بل بمعنى غير صفة لآلهة ولذلك ارتفع الاسم الذى بعدها وظهر فيه إعراب غير التى جاءت إلا بمعناها ومنه قول الشاعر
وكل أخ مفارقه أخوه
لعمر أبيك إلا الفرقدان
وقال الفراء إن إلا هنا بمعنى سوى والمعنى لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسدتا ووجه الفساد أن كون مع الله إلها آخر يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادرا على الاستبداد بالتصرف فيقع عند ذلك التنازع والاختلاف ويحدث بسببه الفساد ا ه ) فسبحان الله رب العرش عما يصفون ( الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان أى تنزه عز وجل عما لا يليق به من ثبوت الشريك له وفيه إرشاد للعباد أن ينزهوا الرب سبحانه عما لا يليق به
الأنبياء : ( 23 ) لا يسأل عما . . . . .
) لا يسأل عما يفعل ( هذه الجملة مستأنفة مبينة أنه سبحانه لقوة سلطانه وعظيم جلاله لا يسأله أحد من خلقه عن شيء من قضائه وقدره ) وهم ( أى العباد ) يسألون ( عما يفعلون أى يسألهم الله عن ذلك لأنهم عبيده وقيل إن المعنى أنه سبحانه لا يؤاخذ على أفعاله وهم يؤاخذون قيل والمراد بذلك أنه سبحانه بين لعباده أن من يسأل عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح لأن يكون إلها
الأنبياء : ( 24 ) أم اتخذوا من . . . . .
) أم اتخذوا من دونه آلهة ( أى بل اتخذوا وفيه


"""""" صفحة رقم 403 """"""
إضراب وانتقال من إظهار بطلان كونها آلهة بالبرهان السابق إلى إظهار بطلان اتخاذها آلهة مع توبيخهم بطلب البرهان منهم ولهذا قال ) قل هاتوا برهانكم ( على دعوى أنها آلهة أو على جواز اتخاذ آلهة سوى الله ولا سبيل لهم إلى شيء من ذلك لا من عقل ولا نقل لأن دليل العقل قد مر بيانه وأما دليل النقل فقد أشار إليه بقوله ) هذا ذكر من معي وذكر من قبلي ( أى هذا الوحي الوارد فى شأن التوحيد المتضمن للبرهان القاطع ذكر أمتي وذكر الأمم السالفة وقد أقمته عليكم وأوضحته لكم فأقيموا أنتم برهانكم وقيل المعنى هذا القرآن وهذه الكتب التى أنزلت قبلي فانظروا هل فى واحد منها أن الله أمر باتخاذ إله سواه قال الزجاج قيل لهم هاتوا برهانكم بأن رسولا من الرسل أنبأ أمته بأن لهم إلها غير الله فهل فى ذكر من معي وذكر من قبلي إلا توحيد الله وقيل معنى الكلام الوعيد والتهديد أى افعلوا ما شئتم فعن قريب ينكشف الغطاء وحكى أبو حاتم أن يحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف قرآ هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بالتنوين وكسر الميم وزعم أنه لا وجه لهذه القراءة وقال الزجاج فى توجيه هذه القراءة إن المعنى هذا ذكر مما أنزل إلي ومما هو معي وذكر من قبلي وقيل ذكر كائن من قبلي أى جئت بما جاءت به الأنبياء من قبلي ثم لما توجهت الحجة عليهم ذمهم بالجهل بمواضع الحق فقال ) بل أكثرهم لا يعلمون الحق ( وهذا إضراب من جهته سبحانه وانتقال من تبكيتهم بمطالبتهم بالبرهان إلى بيان أنه لا يؤثر فيهم إقامة البرهان لكونهم جاهلين للحق لا يميزون بينه وبين الباطل وقرأ ابن محيصن والحسن ) الحق ( بالرفع على معنى هذا الحق أو هو الحق وجملة ) فهم معرضون ( تعليل لما قبله من كون أكثرهم لا يعلمون أى فهم لأجل هذا الجهل المستولى على أكثرهم معرضون عن قبول الحق مستمرون على الإعراض عن التوحيد واتباع الرسول فلا يتأملون حجة ولا يتدبرون فى برهان ولا يتفكرون في دليل
الأنبياء : ( 25 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه ( قرأ حفص وحمزة والكسائي ) نوحي ( بالنون وقرأ الباقون بالياء أى نوحي إليه ) أنه لا إله إلا أنا ( وفى هذا تقرير لأمر التوحيد وتأكيد لما تقدم من قوله ) هذا ذكر من معي ( وختم الآية بالأمر لعباده بعبادته فقال ) فاعبدون ( فقد اتضح لكم دليل العقل ودليل النقل وقامت عليكم حجة الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى الشعب عن ابن عباس فى قوله ) لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ( قال شرفكم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن فى الآية قال فيه حديثكم وفى رواية عنه قال فيه دينكم وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال بعث الله نبيا من حمير يقال له شعيب فوثب إليه عبد فضربه بعصا فسار إليهم بختنصر فقاتلهم فقتلهم حتى لم يبق منهم شيء وفيهم أنزل الله ) وكم قصمنا ( إلى قوله ) خامدين ( وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن الكلبي فى قوله ) وكم قصمنا من قرية ( قال هى حضور بني أزد وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ( قال ارجعوا إلى دوركم وأموالكم وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) فما زالت تلك دعواهم ( قال هم أهل حضور كانوا قتلوا نبيهم فأرسل الله عليهم بختنصر فقتلهم وفى قوله ) جعلناهم حصيدا خامدين ( قال بالسيف ضرب الملائكة وجوههم حتى رجعوا إلى مساكنهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال حدثني رجل من الجزريين قال كان اليمن قريتان يقال لإحداهما حضور وللأخرى قلابة فبطروا وأترفوا حتى ما كانوا يغلقون أبوابهم فلما أترفوا بعث الله إليهم نبيا فدعاهم فقتلوه فألقى الله فى قلب بختنصر أن يغزوهم فجهز لهم جيشا فقاتلوهم فهزموا جيشه فرجعوا منهزمين إليه فجهز إليهم جيشا آخر أكثف من الأول فهزموهم أيضا فلما رأى بختنصر ذلك


"""""" صفحة رقم 404 """"""
غزاهم هو بنفسه فقاتلوهم فهزمهم حتى خرجوا منها يركضون فسمعوا مناديا يقول ) لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم ( فرجعوا فسمعوا صوتا مناديا يقول يا لثارات النبى فقتلوا بالسيف فهى التى قال الله ) وكم قصمنا من قرية ( إلى قوله ) خامدين ( قلت وقرى حضور معروفة الآن بينها وبين مدينة صنعاء نحو بريد فى جهة الغرب منها وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) حصيدا خامدين ( قال كخمود النار إذا طفئت وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة فى قوله ) لو أردنا أن نتخذ لهوا ( قال اللهو الولد وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن فى قوله ) لو أردنا أن نتخذ لهوا ( قال النساء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولا يستحسرون ( يقول لا يرجعون وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) لا يسأل عما يفعل ( قال بعباده ) وهم يسألون ( قال عن أعمالهم وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس قال ما فى الأرض قوم أبغض إلي من القدرية وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدرة الله قال الله ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )
سورة الأنبياء الآية ( 26 35 )
الأنبياء : ( 26 ) وقالوا اتخذ الرحمن . . . . .
قوله ) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا ( هؤلاء القائلون هم خزاعة فإنهم قالوا الملائكة بنات الله وقيل هم اليهود ويصح حمل الآية على كل من جعل لله ولدا وقد قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقالت طائفة من العرب الملائكة بنات الله ثم نزه عز وجل نفسه فقال ) سبحانه ( أى تنزيها له عن ذلك وهو مقول على ألسنة العباد ثم أضرب عن قولهم وأبطله فقال ) بل عباد مكرمون ( أى ليسوا كما قالوا بل هم عباد لله سبحانه مكرمون بكرامته لهم مقربون عنده وقرئ ) مكرمون ( بالتشديد وأجاز الزجاج والفراء نصب عباد على معنى بل اتخذ عبادا
الأنبياء : ( 27 ) لا يسبقونه بالقول . . . . .
ثم وصفهم بصفة أخرى فقال ) لا يسبقونه بالقول ( أى لا يقولون شيئا حتى يقوله أو يأمرهم به كذا قال ابن قتيبة وغيره وفى هذا دليل على كمال طاعتهم وانقيادهم وقرئ ) لا يسبقونه ( بضم


"""""" صفحة رقم 405 """"""
الباء من سبقته أسبقه ) وهم بأمره يعملون ( أى هم العاملون بما يأمرهم الله به التابعون له المطيعون لربهم
الأنبياء : ( 28 ) يعلم ما بين . . . . .
) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( هذه الجملة تعليل لما قبلها أى يعلم ما عملوا وما هم عاملون أو يعلم ما بين أيديهم وهو الآخرة وما خلفهم وهو الدنيا ووجه التعليل أنهم إذا علموا بأنه عالم بما قدموا وأخروا لم يعملوا عملا ولم يقولوا قولا إلا بأمره ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( أى يشفع الشافعون له وهو من رضى عنه وقيل هم أهل لا إله إلا الله وقد ثبت فى الصحيح أن الملائكة يشفعون فى الدار الآخرة ) وهم من خشيته مشفقون ( أى من خشيتهم منه فالمصدر مضاف إلى المفعول والخشية الخوف مع التعظيم والإشفاق الخوف مع التوقع والحذر أى لا يأمنون مكر الله
الأنبياء : ( 29 ) ومن يقل منهم . . . . .
) ومن يقل منهم إني إله من دونه ( أى من يقل من الملائكة إني إله من دون الله قال المفسرون عنى بهذا إبليس لأنه لم يقل أحد من الملائكة إني إله إلا إبليس وقيل الإشارة إلى جميع الأنبياء ) فذلك نجزيه جهنم ( أى فذلك القائل على سبيل الفرض والتقدير نجزيه جهنم بسبب هذا القول الذى قاله كما نجزي غيره من المجرمين ) كذلك نجزي الظالمين ( أى مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي الظالمين أو مثل ما جعلنا جزاء هذا القائل جهنم فكذلك نجزي الظالمين الواضعين الإلهية والعبادة فى غير موضعها والمراد بالظالمين المشركون
الأنبياء : ( 30 ) أولم ير الذين . . . . .
) أولم ير الذين كفروا ( الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر والرؤية هى القلبية أى ألم يتفكروا أو لم يعلموا ) أن السماوات والأرض كانتا رتقا ( قال الأخفش إنما قال كانتا لأنهما صنفان أى جماعتا السموات والأرضين كما قال سبحانه ) إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ( وقال الزجاج إنما قال كانتا لأنه يعبر عن السموات بلفظ الواحد لأن السموات كانت سماء واحدة وكذلك الأرضون والرتق السد ضد الفتق يقال رتقت الفتق أرتقه فارتتق أى التأم ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج يعنى أنهما كانتا شيئا واحدا ملتزقتين ففصل الله بينهما وقال رتقا ولم يقل رتقين لأنه مصدر والتقدير كانتا ذواتي رتق ومعنى ) ففتقناهما ( ففصلناهما أى فصلنا بعضهما من بعض فرفعنا السماء وأبقينا الأرض مكانها ) وجعلنا من الماء كل شيء حي ( أى أحيينا بالماء الذى ننزله من السماء كل شئ فيشمل الحيوان والنبات والمعنى أن الماء سبب حياة كل شئ وقيل المراد بالماء هنا النطفة وبه قال أكثر المفسرين وهذا احتجاج على المشركين بقدرة الله سبحانه وبديع صنعه وقد تقدم تفسير هذه الآية والهمزة فى ) أفلا يؤمنون ( للإنكار عليهم حيث لم يؤمنوا مع وجود ما يقتضيه من الآيات الربانية
الأنبياء : ( 31 ) وجعلنا في الأرض . . . . .
) وجعلنا في الأرض رواسي ( أى جبالا ثوابت ) أن تميد بهم ( الميد التحرك والدوران أى لئلا تتحرك وتدور بهم أو كراهة ذلك وقد تقدم تفسير ذلك فى النحل مستوفى ) وجعلنا فيها ( أى فى الرواسى أو فى الأرض ) فجاجا ( قال أبو عبيدة هى المسالك وقال الزجاج كل مخترق بين جبلين فهو فج و ) سبلا ( تفسير للفجاج لأن الفج قد لا يكون طريقا نافذا مسلوكا ) لعلهم يهتدون ( إلى مصالح معاشهم وما تدعو إليه حاجاتهم
الأنبياء : ( 32 ) وجعلنا السماء سقفا . . . . .
) وجعلنا السماء سقفا محفوظا ( عن أن يقع ويسقط على الأرض كقوله ) ويمسك السماء أن تقع على الأرض ( وقال الفراء محفوظا بالنجوم من الشيطان كقوله ) وحفظناها من كل شيطان رجيم ( وقيل محفوظا لا يحتاج إلى عماد وقيل المراد بالمحفوظ هنا المرفوع وقيل محفوظا عن الشرك والمعاصي وقيل محفوظا عن الهدم والنقض ) وهم عن آياتها معرضون ( أضاف الآيات إلى السماء لأنها مجعولة فيها وذلك كالشمس والقمر ونحوهما ومعنى الإعراض أنهم لا يتدبرون فيها ولا يتفكرون فيما توجبه من الإيمان
الأنبياء : ( 33 ) وهو الذي خلق . . . . .
) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر ( هذا تذكير لهم بنعمة أخرى مما أنعم به عليهم وذلك بأنه خلق لهم الليل ليسكنوا فيه


"""""" صفحة رقم 406 """"""
والنهار ليتصرفوا فيه فى معايشهم وخلق الشمس والقمر أى جعل الشمس آية النهار والقمر آية الليل ليعلموا عدد الشهور والحساب كما تقدم بيانه فى سبحان ) كل في فلك يسبحون ( أى كل واحد من الشمس والقمر والنجوم فى فلك يسبحون أى يجرون فى وسط الفلك ويسيرون بسرعة كالسابح فى الماء والجمع فى الفعل باعتبار المطالع قال سيبويه إنه لما أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن فى الطاعة بمنزلة من يعقل جعل الضمير عنهن ضمير العقلاء ولم يقل يسبحن أو تسبح وكذا قال الفراء وقال الكسائي إنما قال يسبحون لأنه رأس آية والفلك واحد أفلاك النجوم وأصل الكلمة من الدوران ومنه فلك المغزل لاستدارتها
الأنبياء : ( 34 ) وما جعلنا لبشر . . . . .
) وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ( أى دوام البقاء فى الدنيا ) أفإن مت ( بأجلك المحتوم ) فهم الخالدون ( أى أفهم الخالدون قال الفراء جاء بالفاء لتدل على الشرط لأنه جواب قولهم سيموت قال ويجوز حذف الفاء وإضمارها والمعنى إن مت فهم يموتون أيضا فلا شماتة فى الموت وقرئ ) مت ( بكسر الميم وضمها لغتان وكان سبب نزول هذه الاية قول المشركين فيما حكاه الله عنهم ) أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون )
الأنبياء : ( 35 ) كل نفس ذائقة . . . . .
) كل نفس ذائقة الموت ( أى زائقة مفارقة جسدها فلا يبقى أحد من ذوات الأنفس المخلوقة كائنا ما كان ) ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( أى نختبركم بالشدة والرخاء لننظر كيف شكركم وصبركم والمراد أنه سبحانه يعاملهم معاملة من يبلوهم وفتنة مصدر لنبلوكم من غير لفظه ) وإلينا ترجعون ( لا إلى غيرنا فنجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة قال قالت اليهود إن الله عز وجل صاهر الجن فكانت بنيهم الملائكة فقال الله تكذيبا لهم ) بل عباد مكرمون ( أى الملائكة ليس كما قالوا بل عباد أكرمهم بعبادته ) لا يسبقونه بالقول ( يئني عليهم ) ولا يشفعون ( قال لا تشفع الملائكة يوم القيامة ) إلا لمن ارتضى ( قال لأهل التوحيد وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) إلا لمن ارتضى ( قال لأهل التوحيد لمن رضي عنه وأخرج عبد بن حميد عن الحسن فى الآية قال قول لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى البعث عن ابن عباس فى الآية قال الذين ارتضاهم لشهادة أن لا إله إلا الله واخرج الحاكم وصححه والبيهقى فى البعث عن جابر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تلا قوله تعالى ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( قال إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والحاكم وصححه والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) كانتا رتقا ففتقناهما ( قال فتقت السماء بالغيث وفتقت الأرض بالنبات وأخرج ابن أبى حاتم عنه ) كانتا رتقا ( قال لا يخرج منهما شئ وذكر مثل ما تقدم وأخرجه ابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو نعيم فى الحلية عنه أيضا من طريق أخرى وأخرج ابن جرير عنه ) كانتا رتقا ( قال ملتصقتين وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات عن أبى العالية فى قوله ) وجعلنا من الماء كل شيء حي ( قال نطفة الرجل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) وجعلنا فيها فجاجا سبلا ( قال بين الجبال وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) كل في فلك ( قال دوران ) يسبحون ( قال يجرون وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عنه ) كل في فلك ( قال فلك كفلكة المغزل ) يسبحون ( قال يدورون فى أبواب السماء كما تدور الفلكة فى المغزل وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا قال هو فلك السماء وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى عن عائشة قال دخل أبو بكر على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وقد مات فقبله وقال وانبياه واخليلاه واصفياه ثم تلا ) وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد ( الآية وقوله ) إنك ميت وإنهم ميتون (


"""""" صفحة رقم 407 """"""
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( قال نبتليكم بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية والهدى والضلالة
سورة الأنبياء الآية ( 36 43 )
الأنبياء : ( 36 ) وإذا رآك الذين . . . . .
قوله ) وإذا رآك الذين كفروا ( يعني المستهزئين من المشركين ) إن يتخذونك إلا هزوا ( أى ما يتخذونك إلا مهزوءا بك والهزؤ السخرية وهؤلاء هم الذين قال الله فيهم ) إنا كفيناك المستهزئين ( والمعنى ما يفعلون بك إلا اتخذوك هزؤا ) أهذا الذي يذكر آلهتكم ( هو على تقدير القول أى يقولون أهذا الذى فعلى هذا هو جواب إذا ويكون قوله ) إن يتخذونك إلا هزوا ( اعتراضا بين الشرط وجوابه ومعنى يذكرها يعيبها قال الزجاج يقال فلان يذكر الناس أى يغتابهم ويذكرهم بالعيوب وفلان يذكر الله أى يصفه بالتعظيم ويثني عليه وإنما يحذف مع الذكر ما عقل معناه وعلى ما قالوا لا يكون الذكر فى كلام العرب العيب وحيث يراد به العيب يحذف منه السوء قيل ومن هذه قول عنترة
لا تذكري مهري وما أطعمته
فيكون جلدك مثل جلد الأجرب
أى لا تعيبي مهري وجملة ) وهم بذكر الرحمن هم كافرون ( فى محل نصب على الحال أى وهم بالقرآن كافرون أو هم بذكر الرحمن الذى خلقهم كافرون والمعنى أنهم يعيبون على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أن يذكر آلهتهم التى لا تضر ولا تنفع بالسوء والحال أنهم بذكر الله سبحانه بما يليق به من التوحيد أو القرآن كافرون فهم أحق بالعيب لهم والإنكار عليهم فالضمير الأول مبتدأ خبره كافرون وبذكر متعلق بالخبر والضمير الثاني تأكيد
الأنبياء : ( 37 ) خلق الإنسان من . . . . .
) خلق الإنسان من عجل ( أى جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق من العجل قال الفراء كأنه يقول بنيته وخلقته من العجلة وعلى العجلة وقال الزجاج خوطبت العرب بما تعقل والعرب تقول للذى يكثر منه الشئ خلقت منه كما تقول أنت من لعب وخلقت من لعب تريد المبالغة فى وصفه بذلك ويدل على هذا المعنى قوله ) وكان الإنسان عجولا ( والمراد بالإنسان الجنس وقيل المراد بالإنسان آدم فإنه لما خلقه


"""""" صفحة رقم 408 """"""
الله ونفخ فيه الروح صار الروح فى رأسه فذهب لينهض قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه فوقع فقيل خلق الإنسان من عجل كذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والسدى والكلبي ومجاهد وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعانى العجل الطين بلغة حمير وأنشدوا والنخل تنبت بين الماء والعجل
وقيل إن هذه الآية نزلت فى النضر بن الحارث وهو القائل ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( وقيل نزلت فى قريش لأنهم استعجلوا العذاب وقال الأخفش معنى خلق الإنسان من عجل أنه قيل له كن فكان وقيل إن هذه الآية من المقلوب أى خلق العجل من الإنسان وقد حكى هذا عن أبى عبيدة والنحاس والقول الأول أولى ) سأريكم آياتي ( أى سأريكم نقماتي منكم بعذاب النار ) فلا تستعجلون ( أى لا تستعجلوني بالإتيان به فإنه نازل بكم لا محالة وقيل المراد بالآيات ما دل على صدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من المعجزات وما جعله الله له من العاقبة المحمودة والأول أولى
الأنبياء : ( 38 ) ويقولون متى هذا . . . . .
ويدل عليه قولهم ) متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( أى متى حصول هذا الوعد الذى تعدنا به من العذاب قالوا ذلك على جهة الاستهزاء والسخرية وقيل المراد بالوعد هنا القيامة ومعنى ) إن كنتم صادقين ( إن كنتم يا معشر المسلمين صادقين فى وعدكم والخطاب للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين الذين يتلون الآيات القرآنية المنذرة بمجئ الساعة وقرب حضور العذاب
الأنبياء : ( 39 ) لو يعلم الذين . . . . .
وجملة ) لو يعلم الذين كفروا ( وما بعدها مقررة لما قبلها أى لو عرفوا ذلك الوقت وجواب لو محذوف والتقدير لو علموا الوقت الذى ) لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون ( لما استعجلوا الوعيد وقال الزجاج فى تقدير الجواب لعلموا صدق الوعد وقيل لو علموه ما أقاموا على الكفر وقال الكسائي هو تنبيه على تحقيق وقوع الساعة أى لو علموه علم يقين لعلموا أن الساعة آتية
الأنبياء : ( 40 ) بل تأتيهم بغتة . . . . .
ويدل عليه قوله ) بل تأتيهم بغتة ( وتخصيص الوجوه والظهور بالذكر بمعنى القدام والخلف لكونهما أشهر الجوانب فى استلزام الإحاطة بها للإحاطة بالكل بحيث لا يقدرون على دفعها من جانب من جوانبهم ومحل حين لا يكفون النصب على أنه مفعول العلم وهو عبارة عن الوقت الموعود الذى كانوا يستعجلونه ومعنى ولا هم ينصرون ولا ينصرهم أحد من العباد فيدفع ذلك عنهم وجملة بل تأتيهم بغتة معطوفة على يكفون أى لا يكفونها بل تأتيهم العدة أو النار أو الساعة بغتة أى فجأة ) فتبهتهم ( قال الجوهري بهته بهتا أخذه بغتا وقال الفراء فتبهتهم أى تحيرهم وقيل فتفجؤهم ) فلا يستطيعون ردها ( أى صرفها عن وجوههم ولا عن ظهورهم فالضمير واجع إلى النار وقيل راجع إلى الوعد بتأويله بالعدة وقيل راجع إلى الحين بتأويله بالساعة ) ولا هم ينظرون ( أى يمهلون ويؤخرون لتوبة واعتذار
الأنبياء : ( 41 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
وجملة ) ولقد استهزئ برسل من قبلك ( مسوقة لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتعزيته كأنه قال إن استهزأ بك هؤلاء فقد فعل ذلك بمن قبلك من الرسل على كثرة عددهم وخطر شأنهم ) فحاق بالذين سخروا منهم ( أى أحاط ودار بسبب ذلك بالذين سخروا من أولئك الرسل وهزئوا بهم ) ما كانوا به يستهزؤون ( ما موصولة أو مصدرية أى فأحاط بهم الأمر الذى كانوا يستهزئون به أو فأحاط بهم استهزاؤهم أى جزاؤه على وضع السبب موضع المسبب أو نفس الاستهزاء إن أريد به العذاب الأخروي
الأنبياء : ( 42 ) قل من يكلؤكم . . . . .
) قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن ( أى يحرسكم ويحفظكم والكلاءة الحراسة والحفظ يقال كلأه الله كلأة بالكسر أى حفظه وحرسه قال ابن هرمة
إن سليمى والله يكلؤها ضنت بشئ ما كان يرزؤها
أى قل يا محمد لأولئك المستهزئين بطريق التقريع والتوبيخ من يحرسكم ويحفظكم بالليل والنهار من بأس الرحمن وعذابه الذى تستحقون حلوله بكم ونزوله عليكم وقال الزجاج معناه من يحفظكم من بأس الرحمن


"""""" صفحة رقم 409 """"""
وقال الفراء المعنى من يحفظكم مما يريد الرحمن إنزاله بكم من عقوبات الدنيا والآخرة وحكى الكسائي والفراء من يكلوكم بفتح اللام وإسكان الواو ) بل هم عن ذكر ربهم معرضون ( أى عن ذكره سبحانه فلا يذكرونه ولا يخطرونه ببالهم بل يعرضون عنه أو عن القرآن أو عن مواعظ الله أو عن معرفته
الأنبياء : ( 43 ) أم لهم آلهة . . . . .
) أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ( أم هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة للإضراب والانتقال عن الكلام السابق المشتمل على بيان جهلهم بحفظه سبحانه إياهم إلى توبيخهم وتقريعهم باعتمادهم على من هو عاجز عن نفع نفسه والدفع عنها والمعنى بل لهم آلهة تمنعهم من عذابنا وقيل فيه تقديم وتأخير والتقدير أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم ثم وصف آلهتهم هذه التى زعموا أنها تنصرهم بما يدل على الضعف والعجز فقال ) لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون ( أى هم عاجزون عن نصر أنفسهم فكيف يستطيعون أن ينصروا غيرهم ولا هم منا يصحبون أى ولا هم يجارون من عذابنا وقال ابن قتيبة أى لا يجيرهم منا أحد لأن المجير صاحب الجار والعرب تقول صحبك الله أى حفظك وأجارك ومنه قول الشاعر
ينادي بأعلى صوته متعوذا
ليصحب منا والرماح دواني
تقول العرب أنا لك جار وصاحب من فلان أى مجير منه قال المازني هو من أصحبت الرجل إذا منعته
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال مر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) على أبى سفيان وأبى جهل وهما يتحدثان فلما رآه أبو جهل ضحك وقال لأبي سفيان هذا نبى بنى عبد مناف فغضب أبو سفيان فقال ما تنكرون أن يكون لبني عبد مناف نبى فسمعها النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فرجع إلى أبى جهل فوقع به وخوفه وقال ما أراك منتهيا حتى يصيبك ما أصاب عمك وقال لأبى سفيان أما إنك لم تقل ما قلت إلا حمية فنزلت هذه الآية ) وإذا رآك الذين كفروا ( قلت ينظر من الذى روى عنه السدى وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال لما نفخ فى آدم الروح صار فى رأسه فعطس فقال الحمد لله فقالت الملائكة يرحمك الله فذهب لينهض قبل أن تمور فى رجليه فوقع فقال الله ) خلق الإنسان من عجل ( وقد أخرج نحو هذا ابن جرير وابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير وأخرج نحوه أيضا ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عن مجاهد وكذا أخرج ابن المنذر عن ابن جريج وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) قل من يكلؤكم ( قال يحرسكم وفى قوله ) ولا هم منا يصحبون ( قال لا ينصرون وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولا هم منا يصحبون ( قال لا يجارون وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه فى الآية قال لا يمنعون
سورة الأنبياء الآية ( 44 46 )


"""""" صفحة رقم 410 """"""
سورة الأنبياء الآية ( 47 56 )
الأنبياء : ( 44 ) بل متعنا هؤلاء . . . . .
لما أبطل كون الأصنام نافعة أضرب عن ذلك منتقلا إلى بيان أن ما هم فيه من الخير والتمتع بالحياة العاجلة هو من الله لا من مانع يمنعهم من الهلاك ولا من ناصر ينصرهم على أسباب التمتع فقال ) بل متعنا هؤلاء وآباءهم ( يعنى أهل مكة متعهم الله بما أنعم عليهم ) حتى طال عليهم العمر ( فاغتروا بذلك وظنوا أنهم لا يزالون كذلك فرد سبحانه عليهم قائلا ) أفلا يرون ( أى أفلا ينظرون فيرون ) أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ( أى أرض الكفر ننقصها بالظهور عليها من أطرافها فنفتحها بلدا بعد بلد وأرضا بعد أرض وقيل ننقصها بالقتل والسبي وقد مضى فى الرعد الكلام على هذا مستوفى والاستفهام فى قوله ) أفهم الغالبون ( للإنكار والفاء للعطف على مقدر كنظائره أى كيف يكونون غالبين بعد نقصنا لأرضهم من أطرافها وفى هذا إشارة إلى أن الغالبين هم المسلمون
الأنبياء : ( 45 ) قل إنما أنذركم . . . . .
) قل إنما أنذركم بالوحي ( أى أخوفكم وأحذركم بالقرآن وذلك شأني وما أمرني الله به وقوله ) ولا يسمع الصم الدعاء ( إما من تتمة الكلام الذى أمر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله لهم أو من جهة الله تعالى والمعنى أن من أصم الله سمعه وختم على قلبه وجعل على بصره غشاوة لا يسمع الدعاء قرأ أبو عبد الرحمن السلمي ومحمد بن السميفع ) ولا يسمع ( بضم الياء وفتح الميم على ما لم يسم فاعله وقرأ ابن عامر وأبو حيوة ويحيى بن الحارث بالتاء الفوقية مضمومة وكسر الميم أى إنك يا محمد لا تسمع هؤلاء قال أبو علي الفارسي ولو كان كما قال ابن عامر لكان إذا ما تنذرهم فيحسن نظم الكلام فأما ) إذا ما ينذرون ( فحسن أن يتبع قراءة العامة وقرأ الباقون بفتح الياء وفتح الميم ورفع الصم على أنه الفاعل
الأنبياء : ( 46 ) ولئن مستهم نفحة . . . . .
) ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ( المراد بالنفحة القليل مأخوذ من نفح المسك قاله ابن كيسان ومنه قول الشاعر
وعمرة من سروات النسا
ء تنفح بالمسك أردانها
وقال المبرد النفحة الدفعة من الشئ التى دون معظمه يقال نفحه نفحة بالسيف إذا ضربه ضربة خفيفة وقيل هى النصيب وقيل هى الطرف والمعنى متقارب أى ولئن مسهم أقل شئ من العذاب ) ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ( أى ليدعون على أنفسهم بالويل والهلاك ويعترفون عليها بالظلم
الأنبياء : ( 47 ) ونضع الموازين القسط . . . . .
) ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ( الموازين جمع ميزان وهو يدل على أن هناك موازين ويمكن أن يراد ميزان واحد عبر عنه بلفظ الجمع وقد


"""""" صفحة رقم 411 """"""
ورد فى السنة فى صفة الميزان ما فيه كفاية وقد مضى فى الأعراف وفى الكهف فى هذا ما يغني عن الإعادة والقسط صفة للموازين قال الزجاج قسط مصدر يوصف به تقول ميزان قسط وموازين قسط والمعنى ذوات قسط والقسط العدل وقرئ القصط بالصاد والطاء ومعنى ) ليوم القيامة ( لأهل يوم القيامة وقيل اللام بمعنى فى أى فى يوم القيامة ) فلا تظلم نفس شيئا ( أى لا ينقص من إحسان محسن ولا يزاد فى إساءة مسئ ) وإن كان مثقال حبة من خردل ( قرأ نافع وشيبة وأبو جعفر برفع مثقال على أن كان تامة أى إن وقع أو وجد مثقال حبة وقرأ الباقون بنصب المثقال على تقدير وإن كان العمل المدلول عليه بوضع الموازين مثقال حبة كذا قال الزجاج وقال أبو علي الفارسي وإن كان الظلامة مثقال حبة قال الواحدي وهذا أحسن لتقدم قوله فلا تظلم نفس شيئا ومثقال الشئ ميزانه أى وإن كان فى غاية الخفة والحقارة فإن حبة الخردل مثل فى الصغر ) أتينا بها ( قرأ الجمهور بالقصر أى أحضرناها وجئنا بها للمجازاة عليها وبها أى بحبة الخردل وقرأ مجاهد وعكرمة ) آتينا ( بالمد على معنى جازينا بها يقال آتي يؤاتي مؤاتاة جازى ) وكفى بنا حاسبين ( أى كفى بنا محصين والحسب فى الأصل معناه العد وقيل كفى بنا عالمين لأن من حسب شيئا علمه وحفظه وقيل كفى بنا مجازين على ما قدموه من خير وشر
الأنبياء : ( 48 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
ثم شرع سبحانه فى تفصيل ما أجمله سابقا بقوله ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي ( فقال ) ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ( المراد بالفرقان هنا التوارة لأن فيها الفرق بين الحلال والحرام وقيل الفرقان هنا هو النصر على الأعداء كما فى قوله ) وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ( قال الثعلبي وهذا القول أشبه بظاهر الآية ومعنى وضياء أنهم استضاءوا بها فى ظلمات الجهل والغواية ومعنى وذكرا الموعظة أى أنهم يتعظون بما فيها وخص المتقين لأنهم الذين ينتفعون بذلك ووصفهم
الأنبياء : ( 49 ) الذين يخشون ربهم . . . . .
بقوله ) الذين يخشون ربهم بالغيب ( لأن هذه الخشية تلازم التقوى ويجوز أن يكون الموصول بدلا من المتقين أو بيانا له ومحل بالغيب النصب على الحال أى يخشون عذابه وهو غائب عنهم أو هم غائبون عنه لأنهم فى الدنيا والعذاب فى الآخرة وقرأ ابن عباس وعكرمة ) ضياء ( بغير واو قال الفراء حذف الواو والمجئ بها واحد واعترضه الزجاج بأن الواو تجئ لمعنى فلا تزاد ) وهم من الساعة مشفقون ( أى وهم من القيامة خائفون وجلون
الأنبياء : ( 50 ) وهذا ذكر مبارك . . . . .
والإشارة بقوله ) وهذا ذكر مبارك ( إلى القرآن قال الزجاج المعنى وهذا القرآن ذكر لمن تذكر به وموعظة لمن اتعظ به والمبارك كثير البركة والخير وقوله ) أنزلناه ( صفة ثانية للذكر أو خبر بعد خبر والاستفهام فى قوله ) أفأنتم له منكرون ( للإنكار لما وقع منهم من الإنكار أى كيف تنكرون كونه منزلا من عند الله مع اعترافكم بأن التوراة منزلة من عنده
الأنبياء : ( 51 ) ولقد آتينا إبراهيم . . . . .
) ولقد آتينا إبراهيم رشده ( أى الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل ومعنى ) من قبل ( أنه أعطى رشده قبل إيتاء موسى وهرون التوراة وقال الفراء المعنى أعطيناه هداه من قبل النبوة أى وفقناه للنظر والاستدلال لما جن عليه الليل فرأى الشمس والقمر والنجم وعلى هذا أكثر المفسرين وبالأول قال أقلهم ) وكنا به عالمين ( أى موضع لإيتاء الرشد وأنه يصلح لذلك
الأنبياء : ( 52 ) إذ قال لأبيه . . . . .
والظرف فى قوله ) إذ قال لأبيه ( متعلق بآتينا أو بمحذوف أى اذكر حين قال وأبوه هو آزر ) وقومه ( نمروذ ومن اتبعه والتماثيل الأصنام وأصل التمثال الشئ المصنوع مشابها لشئ من مخلوقات الله سبحانه يقال مثلث الشئ بالشئ إذا جعلته مشابها له واسم ذلك الممثل تمثال أنكر عليهم عبادتها بقوله ) ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ( والعكوف عبارة عن اللزوم والاستمرار على الشئ واللام فى لها للاختصاص ولو كانت للتعدية لجئ بكلمة على أى ما هذه الأصنام التى أنتم مقيمون على عبادتها وقيل إن العكوف مضمن معنى العبادة
الأنبياء : ( 53 ) قالوا وجدنا آباءنا . . . . .
) قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين (


"""""" صفحة رقم 412 """"""
أجابوه بهذا الجواب الذى هو العصا التى يتوكأ عليها كل عاجز والحبل الذى يتشبث به كل غريق وهو التمسك بمجرد تقليد الآباء أى وجدنا آباءنا يعبدونها فعبدناها اقتداء بهم ومشيا على طريقتهم وهكذا يجيب هؤلاء المقلدة من أهل هذه الملة الإسلامية وإن العالم بالكتاب والسنة إذا أنكر عليهم العمل بمحض الرأى المدفوع بالدليل قالوا هذا قد قال به إمامنا الذى وجدنا آباءنا له مقلدين وبرأيه آخذين وجوابهم هو ما أجاب به الخليل ها هنا
الأنبياء : ( 54 ) قال لقد كنتم . . . . .
) قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين ( أى فى خسران واضح ظاهر لا يخفى على أحد ولا يلتبس على ذى عقل فإن قوم إبراهيم عبدوا الأصنام التى لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تبصر وليس بعد هذا الضلال ضلال ولا يساوي هذا الخسران خسران وهؤلاء المقلدة من أهل الإسلام استبدلوا بكتاب الله وبسنة رسوله كتابا قد دونت فيه اجتهادات عالم من علماء الإسلام زعم أنه لم يقف على دليل يخالفها إما لقصور منه أو لتقصير فى البحث فوجد ذلك الدليل من وجده وأبرزه واضح المنار كأنه علم فى رأسه نار
وقال هذا كتاب الله أو هذه سنة رسوله وأنشدهم
دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن فى دينه كمخاطر
فقالوا كما قال الأول
ما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وان ترشد غزية أرشد
وقد أحسن من قال
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ومنهج الحق له واضح
الأنبياء : ( 55 ) قالوا أجئتنا بالحق . . . . .
ثم لما سمع أولئك مقالة الخليل ) قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين ( أى أجاد أنت فيما تقول أم أنت لاعب مازح قال مضربا عما بنوا عليه مقالتهم من التقليد
الأنبياء : ( 56 ) قال بل ربكم . . . . .
) بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن ( أى خلقهن وأبدعهن ) وأنا على ذلكم ( الذى ذكرته لكم من كون ربكم هو رب السموات والأرض دون ما عداه ) من الشاهدين ( أى العالمين به المبرهنين عليه فإن الشاهد على الشئ هو من كان عالما به مبرهنا عليه مبينا له
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد والترمذي وابن جرير فى تهذيبه وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن عائشة أن رجلا قال يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلا لك وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافا لا عليك ولا لك وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل فجعل الرجل يبكي ويهتف فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أما تقرأ كتاب الله ) ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ( فقال له الرجل يا رسول الله ما أجد لي ولهم خيرا من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار رواه أحمد هكذا حدثنا أبو نوح الأقراد أخبرنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهرى عن عروة عن عائشة فذكره وفى معناه أحاديث وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ ) ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء ( وأخرج عبد بن حميد عن أبى صالح ) ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ( قال التوراة وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال ) الفرقان ( الحق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة ) وهذا ذكر مبارك ( أى القرآن وأخرج ابن أبى شيبة


"""""" صفحة رقم 413 """"""
وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) ولقد آتينا إبراهيم رشده ( قال هديناه صغيرا وفى قوله ) ما هذه التماثيل ( قال الأصنام
سورة الانبياء الآية ( 57 70 )
الأنبياء : ( 57 ) وتالله لأكيدن أصنامكم . . . . .
قوله ) وتالله لأكيدن أصنامكم ( أخبرهم أنه سينتقل من المحاجة باللسان إلى تغيير المنكر بالفعل ثقة بالله سبحانه ومحاماة على دينه والكيد المكر يقال كاده يكيده كيدا ومكيدة والمراد هنا الاجتهاد فى كسر الأصنام قيل إنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك سرا وقيل سمعه رجل منهم ) بعد أن تولوا مدبرين ( أى بعد أن ترجعوا من عبادتها ذاهبين منطلقين قال المفسرون كان لهم عيد فى كل سنة يجتمعون فيه فقالوا لإبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا فقال إبراهيم هذه المقالة
الأنبياء : ( 58 ) فجعلهم جذاذا إلا . . . . .
والفاء فى قوله ) فجعلهم جذاذا ( فصيحة أى فولوا فجعلهم جذاذا الجذ القطع والكسر يقال جذذت الشئ قطعته وكسرته الواحد جذاذة والجذاذ والجذاذ ما كسر منه قال الجوهرى قال الكسائي ويقال لحجارة الذهب الجذاذ لأنها تكسر قرأ الكسائي والأعمش وابن محيصن ) جذاذا ( بكسر الجيم أى كسرا وقطعا جمع جذيذ وهو الهشيم مثل خفيف وخفاف وظريف وظراف قال الشاعر
جذذ الأصنام فى محرابها
ذاك فى الله العلي المقتدر
وقرأ الباقون بالضم واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم أى الحطام والرقاق فعال بمعنى مفعول وهذا هو الكيد الذى وعدهم به وقرأ ابن عباس وأبو السماك ) جذاذا ( بفتح الجيم ) إلا كبيرا لهم ( أى للأصنام ) لعلهم إليه ( أى إلى إبراهيم ) يرجعون ( فيحاجهم بما سيأتي فيحجهم وقيل لعلهم إلى الصنم الكبير يرجعون فيسألونه عن الكاسر لأن من شأن المعبود أن يرجع إليه فى المهمات فإذا رجعوا إليه لم يجدوا عنده خبرا فيعلمون حينئذ أنها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضررا ولا تعلم بخير ولا شر ولا تخبر عن الذى ينوبها من الأمر وقيل لعلهم إلى الله


"""""" صفحة رقم 414 """"""
يرجعون وهو بعيد جدا
الأنبياء : ( 59 ) قالوا من فعل . . . . .
) قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ( فى الكلام حذف والتقدير فلما رجعوا من عيدهم ورأوا ما حدث بآلهتهم قالوا هذه المقالة والاستفهام للتوبيخ وقيل إن من ليست استفهامية بل هى مبتدأ وخبرها إنه لمن الظالمين أى فاعل هذا ظالم والأول أولى
الأنبياء : ( 60 ) قالوا سمعنا فتى . . . . .
لقولهم ) سمعنا فتى ( الخ فإنه قال بهذا بعضهم مجيبا للمستفهمين لهم وهذا القائل هو الذى سمع إبراهيم يقول ) وتالله لأكيدن أصنامكم ( ومعنى ) يذكرهم ( يعيبهم وقد سبق تحقيق مثل هذه العبارة وجملة ) يقال له إبراهيم ( صفة ثانية لفتى قال الزجاج وارتفع إبراهيم على معنى يقال له هو إبراهيم فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف وقيل ارتفاعه على أنه مفعول ما لم يسم فاعله وقيل مرتفع على النداء
ومن غرائب التدقيقات النحوية وعجائب التوجيهات الإعرابية أن الأعلم الشنتمري الأشبيلي قال إنه مرتفع على الإهمال قال ابن عطية ذهب إلى رفع بغير شئ والفتى هو الشاب والفتاة الشابة
الأنبياء : ( 61 ) قالوا فأتوا به . . . . .
) قالوا فأتوا به على أعين الناس ( القائلون هم السائلون أمروا بعضهم أن يأتي به ظاهرا بمرأى من الناس قيل إنه لما بلغ الخبر نمروذ وأشراف قومه كرهوا أن يأخذوه بغير بينة فقالوا هذه المقالة ليكون ذلك حجة عليه يستحلون بها منه ما قد عزموا على أن يفعلوه به ومعنى ) لعلهم يشهدون ( لعلهم يحضرون عقابه حتى ينزجر غيره عن الاقتداء به فى مثل هذا وقيل لعلهم يشهدون عليه بأنهم رأوه يكسر الأصنام أو لعلهم يشهدون طعنه على أصنامهم
الأنبياء : ( 62 ) قالوا أأنت فعلت . . . . .
وجملة ) قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ( مستأنفة جواب سؤال مقدر وفى الكلام حذف تقديره فجاء إبراهيم حين أتوا به فاستفهموه هل فعل ذلك لإقامة الحجة عليه فى زعمهم
الأنبياء : ( 63 ) قال بل فعله . . . . .
) قال بل فعله كبيرهم هذا ( أى قال إبراهيم مقيما للحجة عليهم مبكتا لهم بل فعله كبيرهم هذا مشيرا إلى الصنم الذى تركه ولم يكسره ) فاسألوهم إن كانوا ينطقون ( أى إن كانوا ممن يمكنه النطق ويقدر على الكلام ويفهم ما يقال له فيجيب عنه بما يطابقه أراد عليه الصلاة والسلام أن يبين لهم أن من لا يتكلم ولا يعلم ليس بمستحق للعبادة ولا يصح فى العقل أن يطلق عليه أنه إله فأخرج الكلام مخرج التعريض لهم بما يوقعهم فى الاعتراف بأن الجمادات التى عبدوها ليست بآلهة لأنهم إذا قالوا إنهم لا ينطقون قال لهم فكيف تعبدون من يعجز عن النطق ويقصر عن أن يعلم بما يقع عنده فى المكان الذى هو فيه فهذا الكلام من باب فرض الباطل مع الخصم حتى تلزمه الحجة ويعترف بالحق فإن ذلك أقطع لشبهته وأدفع لمكابرته وقيل أراد إبراهيم عليه السلام بنسبة الفعل إلى ذلك الكبير من الأصنام أنه فعل ذلك لأنه غار وغضب من أن يعبد وتعبد الصغار معه إرشادا لهم إلى أن عبادة هذه الأصنام التى لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تدفع لا تستحسن فى العقل مع وجود خالقها وخالقهم والأول أولى وقرأ ابن السميفع ) بل فعله ( بتشديد اللام على معنى بل فلعل الفاعل كبيرهم
الأنبياء : ( 64 ) فرجعوا إلى أنفسهم . . . . .
) فرجعوا إلى أنفسهم ( أى رجع بعضهم إلى بعض رجوع المنقطع عن حجته المتفطن لصحة حجة خصمه المراجع لعقله وذلك أنهم تنبهوا وفهموا عند هذه المقاولة بينهم وبين إبراهيم أن من لا يقدر على دفع المضرة عن نفسه ولا على الإضرار بمن فعل به ما فعله إبراهيم بتلك الأصنام يستحيل أن يكون مستحقا للعبادة ولهذا ) فقالوا إنكم أنتم الظالمون ( أى قال بعضهم لبعض أنتم الظالمون لأنفسكم بعبادة هذه الجمادات وليس الظالم من نسبتم الظلم إليه بقولكم إنه لمن الظالمين
الأنبياء : ( 65 ) ثم نكسوا على . . . . .
) ثم نكسوا على رؤوسهم ( أى رجعوا إلى جهلهم وعنادهم شبه سبحانه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء أعلاه وقيل المعنى أنهم طأطئوا رءوسهم خجلة من إبراهيم وهو ضعيف لأنه لم يقل نكسوا رءوسهم بفتح الكاف وإسناد الفعل إليهم حتى يصح


"""""" صفحة رقم 415 """"""
هذا التفسير بل قال نكسوا على رءوسهم وقرئ ) نكسوا ( بالتشديد ثم قالوا بعد أن نكسوا مخاطبين لإبراهيم ) لقد علمت ما هؤلاء ينطقون ( أى قائلين لإبراهيم لقد علمت أن النطق ليس من شأن هذه الأصنام
الأنبياء : ( 66 ) قال أفتعبدون من . . . . .
ف ) قال ( إبراهيم مبكتا لهم ومزريا عليهم ) أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ( من النفع ) ولا يضركم ( بنوع من أنواع الضرر
الأنبياء : ( 67 ) أف لكم ولما . . . . .
ثم تضجر عليه السلام منهم فقال ) أف لكم ولما تعبدون من دون الله ( وفى هذا تحقير لهم ولمعبوداتهم واللام فى ) لكم ( لبيان المتأفف به أى لكم ولآلهتكم والتأفف صوت يدل على التضجر ) أفلا تعقلون ( أى ليس لكم عقول تتفكرون بها فتعلمون هذا الصنع القبيح الذى صنعتموه
الأنبياء : ( 68 ) قالوا حرقوه وانصروا . . . . .
) قالوا حرقوه ( أى قال بعضهم لبعض لما أعيتهم الحيلة فى دفع إبراهيم وعجزوا عن مجادلته وضاقت عليهم مسالك المناظرة حرقوا إبراهيم انصرافا منهم إلى طريق الظلم والغشم وميلا منهم إلى إظهار الغلبة بأي وجه كان وعلى أي أمر اتفق ولهذا قالوا ) وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ( أى انصروها بالانتقام من هذا الذى فعل بها ما فعل إن كنتم فاعلين للنصر وقيل هذا القائل هو نمروذ وقيل رجل من الأكراد
الأنبياء : ( 69 ) قلنا يا نار . . . . .
) قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ( فى الكلام حذف تقديره فأضرموا النار وذهبوا بإبراهيم إليها فعند ذلك قلنا يا نار كوني ذات برد وسلام وقيل إن انتصاب سلاما على أنه مصدر لفعل محذوف أى وسلمنا سلاما عليه
الأنبياء : ( 70 ) وأرادوا به كيدا . . . . .
) وأرادوا به كيدا ( أى مكرا ) فجعلناهم الأخسرين ( أى أخسر من كل خاسر ورددنا مكرهم عليهم فجعلنا لهم عاقبة السوء كما جعلنا لإبراهيم عاقبة الخير
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال لما خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم مروا عليه فقالوا يا إبراهيم ألا تخرج معنا قال إني سقيم وقد كان بالأمس قال ) وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ( فسمعه ناس منهم فلما خرجوا انطلق إلى أهله فأخذ طعاما ثم انطلق إلى آلهتهم فقربه إليهم فقال ألا تأكلون فكسرها إلا كبيرهم ثم ربط فى يده الذى كسر به آلهتهم فلما رجع القوم من عيدهم دخلوا فإذا هم بآلهتهم قد كسرت وإذا كبيرهم فى يده الذى كسر الأصنام قالوا من فعل هذا بآلهتنا فقال الذين سمعوا إبراهيم يقول ) وتالله لأكيدن أصنامكم ( ) سمعنا فتى يذكرهم ( فجادلهم عند ذلك إبراهيم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) جذاذا ( قال حطاما وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال فتاتا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا ) بل فعله كبيرهم هذا ( قال عظيم آلهتهم وأخرج أبو داود والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يكذب إبراهيم فى شيء قط إلا فى ثلاث كلهن فى الله قوله ) إني سقيم ( ولم يكن سقيما وقوله لسارة أختي وقوله ) بل فعله كبيرهم هذا ( وهذا الحديث هو فى الصحيحين من حديث أبي هريرة بأطول من هذا وقد روى نحو هذا أبو يعلى من حديث أبي سعيد وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما جمع لإبراهيم ما جمع وألقى فى النار جعل خازن المطر يقول متى أومر بالمطر فأرسله فكان أمر الله أسرع قال الله ) كوني بردا وسلاما ( فلم يبق فى الأرض نار إلا طفئت وأخرج أحمد وابن ماجه وابن حبان وأبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني عن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن إبراهيم حين ألقى فى النار لم تكن دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقتله وأخرج ابن أبي شيبة فى المصنف وابن المنذر عن ابن عمر قال أول كلمة قالها إبراهيم حين ألقى فى النار حسبنا الله ونعم الوكيل وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) يا نار كوني ( قال كان جبريل هو الذى ناداها وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من بردها وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وأحمد فى الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن علي نحوه وأخرج ابن جرير عن معتمر


"""""" صفحة رقم 416 """"""
ابن سليمان التيمي عن بعض أصحابه قال جاء جبريل إلى إبراهيم وهو يوثق ليلقى فى النار فقال يا إبراهيم ألك حاجة قال أما إليك فلا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن كعب قال ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن المنهال ابن عمرو قال أخبرت أن إبراهيم ألقى فى النار فكان فيها إما خمسين وإما أربعين قال ما كنت أياما وليالي قط أطيب عيشا إذ كنت فيها وددت أن عيشي وحياتي كلها مثل عيشي إذ كنت فيها
سورة الأنبياء الآية ( 71 77 )
الأنبياء : ( 71 ) ونجيناه ولوطا إلى . . . . .
قد تقدم أن لوطا هو ابن أخي إبراهيم فحكى الله سبحانه هاهنا انه نجى إبراهيم ولوطا إلى الأرض التى باركنا فيها للعالمين قال المفسرون وهى أرض الشام وكانا بالعراق وسماها سبحانه مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها ولأنها معادن الأنبياء وأصل البركة ثبوت الخير ومنه برك البعير إذا لزم مكانه فلم يبر وقيل الأرض المباركة مكة وقيل بيت المقدس لأن منها بعث الله أكثر الأنبياء وهى أيضا كثيرة الخصب وقد تقدم تفسير العالمين
الأنبياء : ( 72 ) ووهبنا له إسحاق . . . . .
ثم قال سبحانه ممتنا على إبراهيم ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ( النافلة الزيادة وكان إبراهيم قد سأل الله سبحانه أن يهب له ولدا فوهب له إسحاق ثم وهب لإسحاق يعقوب من غير دعاء فكان ذلك نافلة أى زيادة وقيل المراد بالنافلة هنا العطية قاله الزجاج وقيل النافلة هنا ولد الولد لأنه زيادة على الولد وانتصاب نافلة على الحال قال الفراء النافلة يعقوب خاصة لأنه ولد الولد ) وكلا جعلنا صالحين ( أى وكل واحد من هؤلاء الأربعة إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب لا بعضهم دون بعض جعلناه صالحا عاملا بطاعة الله تاركا لمعاصية وقيل المراد بالصلاح هنا النبوة
الأنبياء : ( 73 ) وجعلناهم أئمة يهدون . . . . .
) وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ( أى رؤساء يقتدى بهم فى الخيرات وأعمال الطاعات ومعنى بأمرنا بأمرنا لهم بذلك أى بما أنزلنا عليهم من الوحي ) وأوحينا إليهم فعل الخيرات ( أى أن يفعلوا الطاعات وقيل المراد بالخيرات شرائع النبوات ) وكانوا لنا عابدين ( أى كانوا لنا خاصة دون غيرنا مطيعين فاعلين لما نأمرهم به تاركين ما ننهاهم عنه
الأنبياء : ( 74 ) ولوطا آتيناه حكما . . . . .
) ولوطا آتيناه حكما وعلما ( انتصاب لوطا بفعل مضمر دل عليه قوله آتيناه أى وآتينا لوطا آتيناه وقيل بنفس الفعل المذكور بعده وقيل بمحذوف هو اذكر والحكم النبوة والعلم المعرفة بأمر الدين وقيل الحكم هو فصل الخصومات بالحق وقيل هو الفهم ) ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث (


"""""" صفحة رقم 417 """"""
القرية هى سدوم كما تقدم ومعنى تعمل الخبائث يعمل أهلها الخبائث فوصفت القرية بوصف أهلها والخبائث التى كانوا يعملونها هى اللواطة والضراط وخذف الحصى كما سيأتي ثم علل سبحانه ذلك بقوله ) إنهم كانوا قوما فاسقين ( أى خارجين عن طاعة الله والفسوق الخروج كما تقدم
الأنبياء : ( 75 ) وأدخلناه في رحمتنا . . . . .
) وأدخلناه في رحمتنا ( بإنجائنا إياه من القوم المذكورين ومعنى فى رحمتنا فى أهل رحمتنا وقيل فى النبوة وقيل فى الإسلام وقيل فى الجنة ) إنه من الصالحين ( الذين سبقت لهم منا الحسنى
الأنبياء : ( 76 ) ونوحا إذ نادى . . . . .
) ونوحا إذ نادى ( أى واذكر نوحا إذ نادى ربه ) من قبل ( أى من قبل هؤلاء الأنبياء المذكورين ) فاستجبنا له ( دعاءه ) فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ( أى من الغرق بالطوفان والكرب الغم الشديد والمراد بأهله المؤمنون منهم
الأنبياء : ( 77 ) ونصرناه من القوم . . . . .
) ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا ( أى نصرناه مستتبعا للانتقام من القوم المذكورين وقيل المعنى منعناه من القوم وقال أبو عبيدة من بمعنى على ثم علل سبحانه ذلك بقوله ) إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين ( أى لم نترك منهم أحدا بل أغرقنا كبيرهم وصغيرهم بسبب إصرارهم على الذنب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب فى قوله ) إلى الأرض التي باركنا فيها ( قال الشام وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مالك نحوه وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال لوط كان ابن أخي إبراهيم وأخرج ابن جرير عنه ) ووهبنا له إسحاق ( قال ولدا ) ويعقوب نافلة ( قال ابن الإبن وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم نحوه أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) ووهبنا له إسحاق ( قال أعطيناه ) ويعقوب نافلة ( قال عطية
سورة الأنبياء الآية ( 78 88 )


"""""" صفحة رقم 418 """"""
الأنبياء 78 88 قوله :
الأنبياء : ( 78 ) وداود وسليمان إذ . . . . .
78 وداود معطوف على نوحا ومعمول لعامله المذكور أو المقدر كما مر وسليمان معطوف على داود والظرف في إذ يحكمان متعلق بما عمل في داود : أي واذكرهما وقت حكمهما . والمراد من ذكرهما ذكر خبرهما . ومعنى في الحرث في شأن الحرث وقيل كان زرعا وقيل كرما واسم الحرث يطلق عليهما إذ نفشت فيه أي تفرقت وانتشرت فيه غنم القوم قال ابن السكيت : النفش بالتحريك أن تنتشر الغنم بالليل من غير راع وكنا لحكمهم شاهدين أي لحكم الحاكمين وفيه جواز إطلاق الجمع على الاثنين وهو مذهب طائفة من أهل العربي كالزمخشري والرضي وتقدمهما إلى القول به الفراء . وقيل المراد الحاكمان والمحكوم عليه ومعنى شاهدين حاضرين والجملة اعتراضية .
الأنبياء : ( 79 ) ففهمناها سليمان وكلا . . . . .
وجملة 79 ففهمناها سليمان معطوفة على إذ يحكمان لأنه في حكم الماضي والضمير في ففهمناها يعود إلى القضية المفهومة من الكلام أو الحكومة المدلول عليها بذكر الحكم . قال المفسرون : دخل رجلان على داود وعنده ابنه سليمان : أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم فقال صاحب الحرث : إن هذا انفلتت غنمه ليلا فوقعت في حرثي فلم تبق منه شيئا فقال : لك رقاب الغنم فقال سليمان : أو غير ذلك ينطلق أصحاب الكرم بالغنم فيصيبون من ألبانها ومنافعها ويقوم أصحاب الغنم على الكرم حتى إذا كان كليلة نفشت فيه دفع هؤلاء إلى هؤلاء غنمهم ودفع هؤلاء إلى هؤلاء كرمهم فقال داود : القضاء ما قضيت وحكم بذلك . قال النحاس : إنما قضى داود بالغنم لصاحب الحرث لأن ثمنها كانا قريبا منه وأما في حكم سليمان فقد قيل : كانت قيمة ما نال من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم سواء . قال جماعة من العلماء : إن داود حكم بوحي وحكم سليمان بوحي نسخ الله به حكم داود فيكون التفهيم على هذا بطريق الوحي . وقال الجمهور : إن حكمهما كان باجتهاد وكلام أهل العلم في حكم اجتهاد الأنبياء معروف وهكذا ما ذكره أهل العلم في اختلاف المجتهدين وهل كل مجتهد مصيب أو الحق مع واحد وقد استدل المستدلون بهذه الآية على أن كل مجتهد مصيب فلا تدل عليه هذه الآية ولا غيرها بل صرح الحديث المتفق عليه في الصحيحين وغيرهما أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر فسماه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مخطئا فكيف يقال إنه مصيب لحكم الله موافق له فإن حكم الله سبحانه واحد لا يختلف باختلاف المجتهدين وإلا لزم توقف حكمه عز وجل على اجتهادات المجتهدين واللازم باطل فالملزوم مثله . وأيضا يستلزم أن تكون العين التي اختلف اجتهاد المجتهدين فيها بالحل والحرمة حلالا في حكم الله سبحانه . وهذا اللازم كل مجتهد له اجتهاد في تلك الحادثة ولا ينقطع ما يريده الله سبحانه فيها إلا بانقطاع المجتهدين واللازم بأطل فالملزوم مثله . وقد أوضحنا هذه المسألة بما لا مزيد عليه في المؤلف الذين سميناه القول المفيد في حكم التقليد وفي أدب الطلب ومنتهى الأرب فمن أحب الوقوف على تحقيق الحق فليرجع إليهما . فإن قلت : فما حكم هذه الحادثة التي حكم فيها داود وسليمان في هذه الشريعة المحمدية والملة الإسلامية قلت : قد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حديث البراء أنه شرع لأمته أن على أهل الماشية حفظها بالليل وعلى أصحاب الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل مضمون على أهلها وهذا الضمان هو مقدار الذاهب عينا أو قيمة . وقد ذهب جمهور العلماء إلى العمل بما تضمنه هذا الحديث . وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ وأن البهائم إذا أفسدت زرعا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء وأدخلوا فسادها في عموم قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جرح العجماء


"""""" صفحة رقم 419 """"""
جبار قياسا لجميع أفعالها على جرحها . ويجاب عنه بأن هذا القياس فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يضمن رب الماشية ما أفسدته من غير فرق بين الليل والنهار . ويجاب عنه بحديث البراء ومما يدل على أن هذين الحكمين من داود وسليمان كانا بوحي من الله سبحانه لا باجتهاد . قوله : وكلا آتينا حكما وعلما فإن الله سبحانه أخبرنا بأنه أعطى كل واحد منهما هذين الأمرين وهما إن كانا خاصين فصدقهما على هذه القضية التي حكاها الله سبحانه عنهما مقدم على صدقهما على غيرها وإن كانا عامين فهذا الفرد من الحكم والعلم وهو ما وقع من كل واحد منهما في هذه القضية أحق أفراد ذلك العام بدخوله تحته ودلالته عليه ومما يستفاد من ذلك دفع ما عسى يوهمه تخصيص سليمان بالتفهيم من عدم كون حكم داود حكما شرعيا : أي وكل واحد منهما أعطيناه حكما وعلما كثيرا لا سليمان وحده . ولما مدح داود سليمان على سبيل الاشتراك ذكر ما يختص بكل واحد ممنهما فبدأ بداود فقال : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن التسبيح إما حقيقة أو مجاز وقد قال بالأول جماعة وهو الظاهر . وذلك أن داود كان إذا سبح سبحت الجبال معه وقيل إنها كانت تصلي معه إذا صلى وهو معنى التسبيح . وقال بالمجاز جماعة آخرون وحملوا التسبيح على تسبيح من رآها تعجبا من عظيم خلقها وقدرة خالقها وقيل كانت الجبال تسير مع داود فكان من رآها سائرة معه سبح والطير معطوف على الجبال وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف : أي والطير مسخرات ولا يصح العطف على الضمير في يسبحن لعدم التأكيد والفضل وكنا فاعلين يعني ما ذكر من التفهيم وإيتاء الحكم والتسخير .
الأنبياء : ( 80 ) وعلمناه صنعة لبوس . . . . .
80 وعلمناه صنعة لبوس لكم اللبوس عند العرب السلاح كله درعا كان أو جوشنا أو سيفا أو رمحا قال الهذلي : وعندي لبوس في اللباس كأنه إلخ والمراد في الآية الدروع خاصة وهو بمعنى الملبوس كالركوب والجلوب والجار والمجرور أعني لكم متعلق بعلمنا لتحصنكم من بأسكم قرأ الحسن وأبو جعفر وابن عامر وحفص وروح لتحصنكم بالتاء الفوقية بإرجاع الضمير إلى الصنعة أو إلى اللبوس بتأويل الدرع . وقرأ شيبة وأبو بكر والمفضل وابن أبي إسحاق لتحصنكم بالنون بإرجاع الضمير إليه سبحانه . وقرأ الباقون بالياء بإرجاع الضمير إلى اللبوس أو إلى داود أو إلى الله سبحانه . ومعنى من بأسكم من حربكم أو من وقع السلاح فيكم فهل أنتم شاكرون لهذه النعمة التي أنعمنا بها عليكم والاستفهام في معنى الأمر . سورة الأنبياء الجزء : 3 الصفحة : 600
الأنبياء : ( 81 ) ولسليمان الريح عاصفة . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما خص به سليمان . فقال : 81 ولسليمان الريح أي وسخرنا له الريح عاصفة أي شديدة الهبوب . يقال عصفت الريح : أي اشتدت فهي ريح عاصف وعصوف وانتصاب الريح على الحال . وقرأ عبد الرحمن الأعرج والسلمي وأبو بكر ولسليمان الريح برفع الريح على القطع مما قبله ويكون مبتدأ وخبره تجري . وأما على قراءة النصب فيكون محل تجري بأمره النصب أيضا على الحالية أو على البدلية إلى الأرض التي باركنا فيها وهي أرض الشام كما تقدم وكنا بكل شيء عالمين أي بتدمير كل شيء .
الأنبياء : ( 82 ) ومن الشياطين من . . . . .
82 ومن الشياطين أي وسخرنا من الشياطين من يغوصون له في البحار ويستخرجون منها ما يطلبه منهم وقيل إن من مبتدأ وخبره ما قبله والغوص النزول تحت الماء يقال غاص في الماء والغواص : الذي يغوص في البحر على اللؤلؤ ويعملون عملا دون ذلك قال الفراء : أي سوى ذلك وقيل أراد بذلك المحاريب والتماثيل وغير ذلك مما يسخرهم فيه وكنا لهم حافظين أي لأعمالهم . وقال الفراء : حافظين لهم من أن يهربوا أو يتمنعوا أو حفظناهم من أن يخرجوا عن أمره . قال الزجاج : كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا وكان دأبهم أن يفسدوا بالليل ما عملوا بالنهار .
الأنبياء : ( 83 ) وأيوب إذ نادى . . . . .
83 وأيوب إذ نادى ربه معطوف


"""""" صفحة رقم 420 """"""
على ما قبله والعامل فيه : إما المذكور أو المقدر كما مر والعامل في الظرف وهو إذ نادى ربه هو العامل في أيوب أني مسني الضر أي بأني مسني الضر . وقرئ بكسر إني . واختلف في الضر الذي نزل به ماذا هو فقيل إنه قام ليصلي فلم يقدر على النهوض وقيل إنه أقر بالعجز فلا يكون ذلك منافيا للصبر وقيل انقطع الوحي عنه أربعين يوما وقيل إن دودة سقطت من لحمه فأخذها وردها في موضعها فأكلت منه فصاح مسني الضر وقيل كان الدود تناول بدنه فيصبر حتى تناولت قلبه وقيل إن ضره قول إبليس لزوجته اسجدي لي فخاف ذهاب إيمانها وقيل إنه تقذره قومه وقيل أراد بالضر الشماتة وقيل غير ذلك . ولما نادى ربه متضرعا إليه وصفه بغاية الرحمة فقال : وأنت أرحم الراحمين .
الأنبياء : ( 84 ) فاستجبنا له فكشفنا . . . . .
فأخبر الله سبحانه باستجابته لدعائه فقال : فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر أي شفاه الله مما كان به وأعاضه بما ذهب عليه ولهذا قال سبحانه : وآتيناه أهله ومثلهم معهم قيل تركهم الله عز وجل له وأعطاه مثلهم في الدنيا . قال النحاس : والإسناد بذلك صحيح وقد كان مات أهله جميعا إلا امرأته فأحياهم الله في أقل من طرف البصر وآتاه مثلهم معهم وقيل كان ذلك بأن ولد له ضعف الذين أماتهم الله فيكون معنى الآية على هذا : آتيناه مثل أهله ومثلهم معهم وانتصاب رحمة من عندنا على العلة : أي آتيناه ذلك لرحمتنا له وذكرى للعابدين أي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر . واختلف في مدة إقامته على البلاء : فقيل سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ليال وقيل ثلاثين سنة وقيل ثماني عشرة سنة . سورة الأنبياء الجزء : 3 الصفحة : 601 85
الأنبياء : ( 85 ) وإسماعيل وإدريس وذا . . . . .
وإسماعيل وإدريس وذا الكفل أي واذكر هؤلاء وإدريس هو أخنوخ وذا الكفل إلياس وقيل يوشع بن نون وقيل زكريا . والصحيح أنه رجل من بني إسرائيل كان لا يتورع عن شيء من المعاصي فتاب فغفر الله له وقيل إن اليسع لما كبر قال : من يتكفل لي بكذا وكذا من خصال الخير حتى استخلفه فقال رجل أنا فاستخلفه وسمي ذا الكفل . وقيل كان رجلا يتكفل بشأن كل إنسان إذا وقع في شيء من المهمات وقيل غير ذلك . وقد ذهب الجمهور إلى أنه ليس بنبي . وقال جماعة : هو نبي . ثم وصف الله سبحانه هؤلاء بالصبر فقال : كل من الصابرين أي كل واحد من هؤلاء من الصابرين على القيام بما كلفهم الله به . 86
الأنبياء : ( 86 ) وأدخلناهم في رحمتنا . . . . .
وأدخلناهم في رحمتنا أي في الجنة أو في النبوة أو في الجير على عمومه ثم علل ذلك بقوله : إنهم من الصالحين أي الكاملين في الصلاح . 8
الأنبياء : ( 87 ) وذا النون إذ . . . . .
وذا النون أي واذكر ذا النون وهو يونس بن متى ولقب ذا النون لابتلاع الحوت له فإن النون من أسماء الحوت وقيل سمي ذا النون لأنه رأى صبيا مليحا فقال دسموا نونته لئلا تصيبه العين . وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي أن نونة الصبي هي الثقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير ومعنى دسموا سودوا إذ ذهب مغاضبا أي اذكر ذا النون وقت ذهابه مغاضبا : أي مراغما . قال الحسن والشعبي وسعد بن جبير : ذهب مغاضبا لربه واختاره ابن جرير والقتيبي والمهدوي . وحكى عن ابن مسعود : قال النحاس : وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة وهو قول صحيح . والمعنى : مغاضبا من أجل ربه كما تقول غضبت لك : أي من أجلك . وقال الضحاك : ذهب مغاضبا لقومه . وحكى عن ابن عباس : وقالت فرقة منهم الأخفش : إنما خرج مغاضبا للملك الذي كان في وقته واسمه حزقيا وقيل لم يغاضب ربه ولا قومه ولا الملك ولكنه مأخوذ من غضب إذا أنف وذلك أنه لما وعد قومه بالعذاب وخرج عنهم تابوا وكشف الله عنهم العذاب فلما رجع وعلم أنهم لم يهلكوا أنف من ذلك فخرج عنهم ومن استعمال الغضب في هذا المعنى قول الشاعر :


"""""" صفحة رقم 421 """"""
وأغضب أن تهجى تميم بعامر أي آنف فظن أن لن نقدر عليه قرأ الجمهور نقدر بفتح النون وكسر الدال . واختلف في معنى الآية على هذه القراءة فقيل معناها : أنه وقع في ظنه أن الله تعالى لا يقدر على معاقبته . وقد حكي هذا القول عن الحسن وسعيد بن جبير وهو قول مردود فإن هذا الظن بالله كفر ومثل ذلك لا يقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وذهب جمهور العلماء أن معناها : فظن أن لن نضيق عليه كقوله : يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي يضيق ومنه قوله : ومن قدر عليه رزقه يقال قدر وقدر وقتر وقتر : أي ضيق وقيل : هو من القدر الذي هو القضاء والحكم : أي فظن أن لن نقضي عليه العقوبة : قاله قتادة ومجاهد واختاره الفراء والزجاج مأخوذ من القدر وهو الحكم دون القدرة والاستطاعة . قال أحمد بن يحيى ثعلب : هو من التقدير ليس من القدرة يقال منه : قدر الله لك الخير يقدره قدرا وأنشد ثعلب : فليس ت عشيات اللوى برواجع لن ا أب دا ما أبرم الس لم النض ر ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر مع ذلك الشكر أي ما تقدره وتقضي به ومما يؤيد ما قاله هؤلاء قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري فظن أن نقدر بضم النون وتشديد الدال من التقدير . وحكى هذه القراءة الماوردي عن ابن عباس ويؤيد ذلك أيضا قراءة عبيد بن عمير وقتادة والأعرج أن لن يقدر بضم الياء والتشديد مبنيا للمفعول وقرأ يعقوب وعبد الله بن أبي إسحاق والحسن يقدر بضم الياء وفتح الدال مخففا مبنيا للمفعول . وقد اختلف العلماء في تأويل الحديث الصحيح في قول الرجل الذي لم يعمل خيرا قط لأهله أن يحرقوه إذا مات ثم قال : فوالله لئن قدر الله علي الحديث كما اختلفوا في تأويل هذه الآية والكلام في هذا يطول وقد ذكرنا ها هنا ما لا يحتاج معه الناظر إلى غيره والفاء في قوله : فنادى في الظلمات فصيحة : أي كان ما كان من التقام الحوت له فنادى في الظلمات والمراد بالظلمات : ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وكان نداؤه : هو قوله : أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أي بأن لا إله إلخ ومعنى سبحانك : تنزيها لك من أن يعجزك شيء إني كنت من الظالمين الذي يظلمون أنفسهم قال الحسن وقتادة هذا القول من يونس اعتراف بذنبه وتوبة من خطيئته قال ذلك وهو في بطن الحوت .
الأنبياء : ( 88 ) فاستجبنا له ونجيناه . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه بأنه استجاب له فقال : 88 فاستجبنا له دعاءه الذي دعانا به في ضمن اعترافه بالذنب على ألطف وجه ونجيناه من الغم بإخراجنا له من بطن الحوت حتى قذفه إلى الساحل وكذلك ننجي المؤمنين أي نخلصهم من همهم بما سبق من عملهم وما أعددناه لهم من الرحمة وهذا هو معنى الآية الأخرى وهو قوله : فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون قرأ الجمهور ننجي بنونين . وقرأ ابن عامر نجي بنون واحدة وجيم مشددة وتسكين الياء على الفعل الماضي وإضمار المصدر وكذلك نجى النجاة المؤمنين كما تقول ضرب زيدا : أي ضرب الضرب زيدا ومنه قول الشاعر : ولو ولدت فقيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا هكذا قال في توجيه هذه القراءة الفراء وأبو عبيد وثعلب وخطأهم أبو حاتم والزجاج وقالا : هي لحن لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله وإنما يقال نجي المؤمنون . ولأبي عبيدة قول آخر وهو أن أدغم النون في الجيم وبه قال القتيبي . واعترضه النحاس فقال : هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين لبعد مخرج النون من مخرج الجيم


"""""" صفحة رقم 422 """"""
فلا يدغم فيها ثم قال النحاس : لم أسمع في هذا أحسن من شيء سمعته من علي بن سليمان الأخفش قال : الأصل ننجي فحذف إحدى النوتين لاجتماعهما كما يحذف إحدى التاءين لاجتماعهما نحو قوله تعالى : ولا تفرقوا والأصل ولا تتفرقوا . قلت : وكذا الواحدي عن أبي علي الفارسي أنه قال : إن النون الثانية تخفى مع الجيم ولا يجوز تبيينها فالتبس على السامع الإخفاء بالإدغام فظن أنه إدغام ويدل على هذا إسكانه الياء من نجى ونصب المؤمنين ولو كان على ما لم يسم فاعله ما سكن الياء ولوجب أن يرفع المؤمنين . قلت : ولا نسلم قوله إنه لا يجوز تبيينها فقد بينت في قراءة الجمهور وقرأ محمد بن السميفع وأبو العالية وكذلك نجى المؤمنين على البناء للفاعل : أي نجى الله المؤمنين .
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن مرة في قوله : إذ يحكمان في الحرث قال : كان الحرث نبتا فنقشت فيه ليلا فاختصموا فيه إلى داود فقضى بالغنم لأصحاب الحرث فمروا على سليمان فذكروا ذلك له فقال : لا تدفع الغنم فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم فإذا كان كما كان ردوا عليهم فنزلت ففهمناها سليمان وقد روي هذا عن مرة عن ابن مسعود . وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث قال : كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان : غير هذا يا نبي الله قال : وما ذاك قال : يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه والغنم إلى صاحبيها فذلك قوله : ففهمناها سليمان . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مسروق نحوه . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه ولكنه لم يذكر الكرم . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا نفشت قال : رعت . وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن حرام بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها وقد علل هذا الحديث وقد بسطنا الكلام عليه في شرح المنتقي . وأخرج ابن مردويه من حديث عائشة نحوه . وزاد في آخره ثم تلا هذه الآية وداود وسليمان الآية . وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : بينما امرأتان معهما ابنان جاء الذئب فأخذ أحد الاثنين فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما فقالت الصغرى : رحمك الله هو ابنها لا تشقه فقضى به للصغرى . وهذا الحديث وإن لم يكن داخلا فيما حكته الآية من حكمهما لكنه من جملة ما وقع لهما . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن قتادة في قوله : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير قال : يصلين مع داود إذا صلى وعلمناه صنعة لبوس لكم قال : كانت صفائح فأول من سردها وحلقها داود عليها السلام . وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة ألف كرسي ثم يجيء أشراف الإنس فيجلسون مما يليه ثم يجيء أشراف الجن فيجلسون مما يلي أشراف الإنس ثم يدعوا الطير فتظلم ثم يدعو الريح فتحملهم تسير مسيرة شهر في الغداة الواحدة . وأخرج ابن عساكر والديلمي وابن النجار عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : قال الله لأيوب : تدري ما جرمك


"""""" صفحة رقم 423 """"""
علي حتى ابتليتك قال : لا يا رب قال : لأنك دخلت على فرعون فداهنت عنده في كلمتين . وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : إنما كان ذنب أيوب أنه استعان به مسكين على ظالم يدرؤه فلم يعنه ولم يأمر بالمعروف ولم ينه الظالم عن ظلم المسكين فابتلاه الله . وفي إسناده جويبر . وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : كان لأيوب أخوان جاءا يوما فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد فقال أحدهما للآخر : لو كان علم الله من أيوب خيرا ما ابتلاه بهذا فجزع أيوب من قولهما جزعا لم يجزع من شيء قط مثله فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعان وأنا أعلم مكان جائع فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان ثم قال : اللهم إن كنت تعلم أي لم ألبس قميصا قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان ثم خر ساجدا وقال : اللهم بعزتك لا أرفع رأسي حتى تكشف عني فلما رفع رأسه حتى كشف الله عنه . وقد رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر مرفوعا بنحو هذا . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : وآتيناه أهله ومثلهم معهم قال : قيل له يا أيوب إن أهلك لك في الجنة فإن شئت أتيناك لهم وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن الضحاك قال : بلغ ابن مسعود أن مروان قال في هذه الآية وآتيناه أهله ومثلهم معهم قال : أوتي أهلا غير أهله فقال ابن مسعود : بل أوتي أهله بأعيانهم ومثلهم معهم . وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : إن أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد قال : وما ذاك قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف عنه ما به فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر له ذلك فقال أيوب : لا أدري ما يقول غير أن الله يعلم أني أمر بالرجلين يتنازعان يذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهة أن يذكر الله إلا في حق وكان يخرج لحاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فاستبطأته فتلقته وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله المبتلى والله على ذلك ما رأيت رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحا قال : فإني أنا هو قال : وكان له أندران : أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : وذا الكفل قال : رجل صالح غير نبي تكفل لنبي قومه أن يكفيه أمر قومه ويقيمهم به ويقضي بينهم بالعدل ففعل ذلك فسمي ذا الكفل . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان في بني إسرائيل قاض فحضره الموت فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب فقال رجل : أنا فسمي ذا الكفل فكان ليله جميعا يصلي ثم يصبح قائما فيقضي بين الناس وذكر القصة . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : ما كان ذو الكفل نبيا ولكن كان في بني إسرائيل رجل صالح يصلي كل يوم مائة صلاة فتوفي


"""""" صفحة رقم 424 """"""
فتكفل له ذو الكفل من بعده فكان يصلي كل يوم مائة صلاة فسمى ذا الكفل وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه البيهقي في شعب الإيمان من طريق سعد مولى طلحة عن ابن عمر عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال كان الكفل من بني اسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد قعد منها مقعد الرجل من امرأته ارتعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتك قالت لا ولكنه عمل ما عملته قط وما حملني عليه إلا الحاجة فقال تفعلين أنت هذا وما فعلته اذهبي فهي لك والله لا أعصى الله بعدها أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه إن الله قد غفر للكفل وأخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وابن مردويه من طريق سعد مولى طلحة وأخرجه ابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمرو قال فيه ذو الكفل وأخرج ابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ) وذا النون إذ ذهب مغاضبا ( غضب على قومه ) فظن أن لن نقدر عليه ( يقول أن لن نقضي عليه عقوبة ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم وفراره قال وعقوبته أخذ النون إياه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) فظن أن لن نقدر عليه ( قال ظن أن لن يأخذه العذاب الذي أصابه وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود ) فنادى في الظلمات ( قال ظلمة الليل وظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وأخرج أحمد والترمذي والنسائي والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن سعد بن أبي وقاص سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له وأخرج ابن جرير عنه قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول اسم الله إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى قلت يا رسول الله هل ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين قال هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامة إذا دعوا به ألم تسمع قول الله ) وكذلك ننجي المؤمنين ( فهو شرط من الله لمن دعاه وأخرج الحاكم من حديثه أيضا نحوه وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس ابن متى وروى أيضا في الصحيح وغيره من حديث ابن مسعود وروى أيضا في الصحيحين من حديث أبي هريرة


"""""" صفحة رقم 425 """"""
الأنبياء 89 97 قوله : 89
الأنبياء : ( 89 ) وزكريا إذ نادى . . . . .
وزكريا أي واذكر خبر زكريا وقت ندائه لربه قال رب لا تذرني فردا أي منفردا وحيدا لا ولد لي . وقد تقدم الكلام على هذه الآية في آل عمران وأنت خير الوارثين أي خير من يبقى بعد كل من يموت فأنت حسبي إن لم ترزقني ولدا فإني أعلم أنك لا تضيع دينك وأنه سيقوم بذلك من عبادك من تختاره له وترتضيه للتبليغ .
الأنبياء : ( 90 ) فاستجبنا له ووهبنا . . . . .
فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له يحيى . وقد تقدم مستوفى في سورة مريم وأصلحنا له زوجه . قال أكثر المفسرين : إنها كانت عاقرا لجعلها الله ولودا فهذا هو المراد بإصلاح زوجه وقيل كانت سيئة الخلق فجعلها الله سبحانه حسنة الخلق ولا مانع من إرادة الأمرين جميعا وذلك بأن يصلح الله سبحانه ذاتها فتكون ولودا بعد أن كانت عاقرا ويصلح أخلاقها فتكون أخلاقها مرضية بعد أن كانت غير مرضية وجملة إنهم كانوا يسارعون في الخيرات للتعليل لما قبلها من إحسانه سبحانه إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام . فالضمير المذكور راجع إليهم وقيل هو راجع إلى زكريا وامرأته ويحيى . ثم وصفهم الله سبحانه بأنهم كانوا يدعونه رغبا ورهبا أي يتضرعون إليه في حال الرخاء وحال الشدة وقيل الرغبة : رفع بطون الأكف إلى السماء والرهبة رفع ظهورها وانتصاب رغبا ورهبا على المصدرية : أي يرغبون رغبا ويرهبون رهبا أو على العلة : أي للرغب والرهب أو على الحال : أي راغبين وراهبين . وقرأ طلحة بن مصرف ويدعونا بنون واحدة وقرأ الأعمش بضم الراء فيهما وإسكان ما بعده وقرأ ابن وثاب بفتح الراء فيهما وفتح ما عبده فيهما وكانوا لنا خاشعين أي متواضعين متضرعين .
الأنبياء : ( 91 ) والتي أحصنت فرجها . . . . .
والتي أحصنت فرجها أي واذكر خبرها وهي مريم فإنها أحصنت فرجها من الحلال والحرام ولم يمسسها بشر وإنما ذكرها مع الأنبياء وإن لم تكن منهم لأجل ذكر عيسى وما في ذكر قصتها من الآية الباهرة فنفخنا فيها من روحنا أضاف سبحانه الروح إليه وهو للملك تشريفا وتعظيما وهو يريد روح عيسى وجعلناها وابنها آية للعالمين قال الزجاج : الآية فيها واحدة لأنها ولدته من غير فحل وقيل إن التقدير على مذهب سيبويه : وجعلناها آية وجعلنا ابنها آية كقوله سبحانه والله ورسوله أحق أن يرضوه والمعنى : أن الله سبحانه جعل قصتهما آية تامة مع تكاثر آيات كل واحد منهما وقيل أراد بالآية الجنس الشامل لما لكل واحد منهما من الآيات ومعنى أحصنت عفت فامتنعت من الفاحشة وغيرها وقيل المراد بالفرج جيب القميص : أي أنها طاهرة الأثواب وقد مضى بيان مثل هذا في سورة النساء ومريم .
الأنبياء : ( 92 ) إن هذه أمتكم . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه الأنبياء بين أنهم كلهم مجتمعون على التوحيد فقال : إن هذه أمتكم أمة واحدة والأمة الذين كما قال ابن قتيبة . ومثله إنا وجدنا آباءنا على أمة أي على دين كأنه قال : إن هذا دينكم دين واحد لا خلاف بين الأمم المختلفة في التوحيد ولا يخرج عن ذلك إلا الكفرة المشركون بالله وقيل المعنى : إن هذه الشريعة التي بينتها لكم في كتابكم شريعة واحدة وقيل المعنى : إن هذه ملتكم ملة واحدة وهي ملة الإسلام . وانتصاب أمة واحدة على الحال . أي متفقة غير مختلفة وقرئ إن هذه أمتكم بنصب أمتكم على البدل من اسم إن والخبر أمة واحدة . وقرأ الجمهور برفع أمتكم


"""""" صفحة رقم 426 """"""
على أنه الخبر ونصب أمة على الحال كما قدمنا . وقال الفراء : والزجاج على القطع بسبب مجيء النكرة بعد تمام الكلام وأنا ربكم فاعبدون خاصة لا تعبدوا غير كائنا ما كان . 93
الأنبياء : ( 93 ) وتقطعوا أمرهم بينهم . . . . .
وتقطعوا أمرهم بينهم أي تفرقوا فرقا في الدين حتى صار كالقطع المتفرقة . . وقال الأخفش : اختلفوا فيه وهو كالقول الأول . قال الأزهري : أي تفرقوا في أمرهم فنصب أمرهم بحذف في والمقصود بالآية المشركون ذمهم الله بمخالفة الحق واتخاذهم آلهة من دون الله وقيل المراد جميع الخلق وأنهم جعلوا أمرهم في أديانهم قطعا وتقسموه بينهم فهذا موحد وهذا يهودي وهذا نصراني وهذا مجوسي وهذا عابد وثن . ثم أخبر سبحانه بأن مرجع الجميع إليه فقال : كل إلينا راجعون أي كل واحد من هذه الفرق راجع إلينا بالبعث لا إلى غيرنا . 94
الأنبياء : ( 94 ) فمن يعمل من . . . . .
فمن يعمل من الصالحات أي من يعمل بعض الأعمال الصالحة لا كلها إذ لا يطيق ذلك أحد وهو مؤمن بالله ورسله واليوم الآخر فلا كفران لسعيه أي لا جحود لعمله ولا تضييع لجزائه والكفر ضد الإيمان والكفر أيضا جحود النعمة وهو ضد الشكر يقال كفر كفورا وكفرانا وفي قراءة ابن مسعود فلا كفر لسعيه وإنا له كاتبون أي لسعيه حافظون ومثله قوله سبحانه : أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى . 95
الأنبياء : ( 95 ) وحرام على قرية . . . . .
وحرام على قرية أهلكناها . قرأ زيد بن ثابت وأهل المدينة وحرام وقرأ أهل الكوفة وحرم وقد اختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم ورويت القراءة الثانية عن علي وابن مسعود وابن عباس : وهما لغتان مثل حل وحلال . وقرأ سعيد بن جبير وحرم بفتح الحاء وكسر الراء وفتح الميم . وقرأ عكرمة وأبو العالية حرم بضم الراء وفتح الحاء والميم ومعنى أهلكناها قدرنا إهلاكها وجملة أنهم لا يرجعون في محل رفع على أنه مبتدأ وخبره حرام أو على أنه فاعل له ساد مسد خبره . والمعنى : وممتنع ألبتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء وقيل إن لا في لا يرجعون زائدة : أي حرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا بعد الهلاك إلى الدنيا واختار هذا أبو عبيدة وقيل إن لفظ حرام هنا بمعنى الواجب : أي واجب على قرية ومنه قول الخنساء : وإن حراما لا أرى الدهر باكيا على شجوه إلا بكيت على صخر وقيل حرام : أي ممتنع رجوعهم إلى التوبة على أن لا زائدة . قال النحاس : والآية مشكلة ومن أحسن ما قيل فيها وأجله ما رواه ابن عيينة وابن علية وهشيم وابن إدريس ومحمد بن فضل وسليم بن حبان ومعلى عن داود بن أبي الهند عن عكرمة عن ابن عباس في معنى الآية قال : واجب أنهم لا يرجعون : أي لا يتوبون . قال الزجاج وأبو علي الفارسي : إن في الكلام إضمارا أي وحرام على قرية حكمنا باستئصالها أو بالختم على قلوب أهلها أن يتقبل منهم عمل لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون . 96
الأنبياء : ( 96 ) حتى إذا فتحت . . . . .
حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج حتى هذه هي التي يحكى بعدها الكلام على حذف المضاف وقيل إن حتى هذه هي التي للغاية . والمعنى : أن هؤلاء المذكورين سابقا مستمرون على ما هم عليه إلى يوم القيامة وهي يوم فتح سد يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون الضمير ليأجوج ومأجوج والحدب كل أكمة من الأرض مرتفعة والجمع أحداب مأخوذ من حدبة الأرض ومعنى ينسلون يسرعون وقيل يخرجون . قال الزجاج : والنسلان مشية الذئب إذا أسرع . يقال نسل فلان في العدو ينسل بالكسر والضم نسلا ونسولا ونسلانا : أي أن يأجوج ومأجوج من كل مرتفع من الأرض يسرعون المشي وتفرقون في الأرض وقيل الضمير في قوله : وهم لجميع الخلق والمعنى أنهم يحشرون إلى أرض الموقف وهم يسرعون من كل مرتفع من الأرض . وقرئ بضم السين . حكى ذلك المهدوي عن ابن مسعود . وحكى هذه القراءة أيضا الثعلبي عن مجاهد وأبي الصهباء . 9
الأنبياء : ( 97 ) واقترب الوعد الحق . . . . .
واقترب الوعد عطف على فتحت والمراد ما بعد الفتح من الحساب .


"""""" صفحة رقم 427 """"""
وقال الفراء والكسائي وغيرهما : المراد بالوعد الحق القيامة والواو زائدة والمعنى : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق وهو القيامة فاقترب جواب إذا وأنشد الفراء : فلما أجزنا ساحة الحي والتحى أي انتحى ومنه قوله تعالى : وتله للجبين وناديناه وأجاز الفراء أن يكون جواب إذا فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا وقال البصريون : الجواب محذوف والتقدير : قالوا يا ويلنا . وبه قال الزجاج والضمير في فإذا هي للقصة أو مبهم يفسره ما بعده وإذا للمفاجأة وقيل إن الكلام تم عند قوله هي والتقدير : فإذا هي يعني القيامة بارزة واقعة كأنها آتية حاضرة ثم ابتدأ فقال شاخصة أبصار الذين كفروا على تقديم الخبر على المبتدأ : أي أبصار الذين كفروا شاخصة و يا ويلنا على تقدير القول : قد كنا في غفلة من هذا أي من هذا الذي دهمنا من العبث والحساب بل كنا ظالمين أضربوا عن وصف أنفسهم بالغفلة : أي لم نكن غافلين بل كنا ظالمين لأنفسنا بالتكذيب وعدم الانقياد للرسل .
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله : وأصلحنا له زوجه قال : كان في لسان امرأة زكريا طول فأصلحه الله . وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : وهبنا له ولدها . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : كانت عاقرا فجعلها ولودا ووهب له منها يحيى وفي قوله : وكانوا لنا خاشعين قال : أذلاء . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله : ويدعوننا رغبا ورهبا قال : رغبا في رحمة الله ورهبا من عذاب الله . وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قول الله سبحانه : ويدعوننا رغبا ورهبا قال : رغبا هكذا ورهبا هكذا وبسط كفيه يعني جعل ظهرهما للأرض في الرغبة وعكسه في الرهبة . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن عكيم قال : خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو له أهل وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة فإن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال : إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : إن هذه أمتكم أمة واحدة قال : إن هذا دينكم دينا واحدا . وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه . وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله : وتقطعوا أمرهم بينهم قال : تقطعوا اختلفوا في الدين . وأخرج الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله : وحرام على قرية أهلكناها قال : وجب إهلاكها أنهم لا يرجعون قال : لا يتوبون . وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يقرأ وحرم على قرية قال : وجب على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون كما قال : ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون . وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وسعيد بن جبير مثله . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : من كل حدب قال : شرف ينسلون قال : يقبلون وقد ورد في صفة يأجوج ومأجوج وفي وقت خروجهم أحاديث كثيرة لا يتعلق بذكرها ها هنا كثير فائدة


"""""" صفحة رقم 428 """"""
الأنبياء 98 112
الأنبياء : ( 98 ) إنكم وما تعبدون . . . . .
بين سبحانه حال معبودهم يوم القيامة فقال : 98 إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وهذا خطاب منه سبحانه لأهل مكة والمراد بقوله وما تعبدون : الأصنام التي كانوا يعبدون . قرأ الجمهور حصب بالصاد المهملة : أي وقود جهنم وحطبها وكل ما أوقدت به النار أو هيجتها به فهو حصب كذا قال الجوهري . قال أبو عبيدة : كل ما قذفته في النار فقد حصبتها به ومثل ذلك قوله تعالى : فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة وقرأ علي بن أبي طالب وعائشة حطب جهنم بالطاء وقرأ ابن عباس حضب بالضاد المعجمة . قال الفراء : ذكر لنا أن الحضب في لغة أهل اليمن الحطب ووجه إلقاء الأصنام في النار مع كونها جمادات لا تعقل ذلك ولا تحس به : التبكيت لمن عبدها وزيادة التوبيخ لهم وتضاعف الحسرة عليهم وقيل إنها تحمى فتلصق بهم زيادة في تعذيبهم وجملة أنتم لها واردون إما مستأنفة أو بدل من حصب جهنم والخطاب لهم ولما يعبدون تغليبا واللام في لها للتقوية لضعف عمل اسم الفاعل وقيل هي بمعنى على والمراد بالورود هنا الدخول . قال كثير من أهل العلم : ولا يدخل في هذه الآية عيسى وعزير والملائكة لأن ما لمن لا يعقل ولو أراد العموم لقال ومن يعبدون . قال الزجاج : ولأن المخاطبين بهذه الآية مشركو مكة دون غيرهم . 99
الأنبياء : ( 99 ) لو كان هؤلاء . . . . .
(لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) أي لو كانت هذه الأصنام آلهة كما تزعمون ما وردوها : أي ما ورد العابدون هم والمعبودون النار وقيل ما ورد العابدون فقط لكنهم وردوها فلم يكونوا آلهة وفي هذا تبكيت لعباد الأصنام وتوبيخ شديد وكل فيها خالدون أي كل العابدين والمعبودين في النار خالدون لا يخرجون منها . 100
الأنبياء : ( 100 ) لهم فيها زفير . . . . .
(لهم فيها زفير) أي لهؤلاء الذين وردوا النار والزفير صوت نفس المغموم والمراد هنا الأنين والتنفس الشديد وقد تقدم بيان هذا في هود وهم فيها لا يسمعون أي لا يسمع بعضهم زفير بعض لشدة الهول وقيل لا يسمعون شيئا لأنهم يحشرون صما كما قال سبحانه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما وإنما سلبوا السماع لأن فيه بعض تروح وتأنس وقيل لا يسمعون ما يسرهم بل يسمعون ما يسوءهم .
الأنبياء : ( 101 ) إن الذين سبقت . . . . .
ثم لما بين سبحانه حال هؤلاء الأشقياء شرع في بيان حال السعداء فقال :


"""""" صفحة رقم 429 """"""
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أي الخصلة الحسنى التي هي أحسن الخصال وهي السعادة وقيل التوفيق أو التبشير بالجنة أو نفس الجنة أولئك عنها مبعدون إشارة إلى الموصوفين بتلك الصفة عنها أي عن جهنم مبعدون لأنهم قد صاروا في الجنة . 102
الأنبياء : ( 102 ) لا يسمعون حسيسها . . . . .
(لا يسمعون حسيسها) الحس والحسيس الصوت تسمعه من الشيء يمر قريبا منك . والمعنى : لا يسمعون حركة النار وحركة أهلها وهذه الجملة بدل من مبعدون أو حال من ضميره وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون أي دائمون وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين كما قال سبحانه ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . 103
الأنبياء : ( 103 ) لا يحزنهم الفزع . . . . .
(لا يحزنهم الفزع الأكبر ) قرأ أبو جعفر وابن محيصن لا يحزنهم بضم الياء وكسر الزاي وقرأ الباقون لا يحزنهم بفتح الياء وضم الزاي . قال اليزيدي : حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم والفزع الأكبر : أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب وتتلقاهم الملائكة أي تستقبلهم على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم هذا يومكم الذي كنتم توعدون أي توعدون به في الدنيا وتبشرون فيه هكذا قال جماعة من المفسرين إن المراد بقوله : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى إلى هنا هم كافة الموصوفين بالإيمان والعمل الصالح لا المسيح وعزير والملائكة وقال أكثر المفسرين : إنه لما نزل إنكم وما تعبدون الآية أتى ابن الزبعري إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : يا محمد ألست تزعم أن عزيزا رجل صالح وأن عيسى رجل صالح وأن مريم امرأة صالحة قال بلى فقال : فإن الملائكة عيسى وعزيرا ومريم ويعبدون من دون الله فهؤلاء في النار فأنزل الله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى وسيأتي بيان من أخرج هذا قريبا إن شاء الله . 104
الأنبياء : ( 104 ) يوم نطوي السماء . . . . .
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب قرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج والزهري نطوي بمثناة فوقية مضمومة ورفع السماء وقرأ مجاهد نطوي بالتحتية المفتوحة مبنيا للفاعل على معنى يطوي الله السماء وقرأ الباقون نطوي بنون العظمة وانتصاب يوم قوله : نعيده أي نعيده يوم نطوي السماء وقيل هو بدل من الضمير المحذوف في توعدون والتقدير : الذين كنتم توعدونه يوم نطوي وقيل بقوله لا يحزنهم الفزع وقيل بقوله تتلقاهم وقيل متعلق بمحذوف وهو اذكر وهذا أظهر وأوضح والطي ضد النشر وقيل المحو والمراد بالسماء الجنس والسجل الصحيفة : أي طيا كطي الطومار وقيل السجل الصك وهو مشتق من المساجلة وهي المكاتبة وأصلها من السجل وهو الدلو يقال : ساجلت الرجل إذا نزعت دلوا ونزع دلوا ثم استعيرت للمكاتبة والمراجعة في الكلام ومنه قول الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب : من يساجلني يساجل ماجدا يملأ الدلو إلى عقد الكرب وقرأ أبو زرعة بن عمرو وابن جرير السجل بضم السين والجيم وتشديد اللام وقرأ الأعمش وطلحة بفتح السين وإسكان الجيم وتخفيف اللام والطي في هذه الآية يحتمل معنيين : أحدهما الطي الذي هو ضد النشر ومنه قوله : والسماوات مطويات بيمينه . والثاني الإخفاء والتعمية والمحو لأن الله سبحانه يمحو ويطمس رسومها ويكدر نجومها . وقيل السجل اسم ملك وهو الذي يطوي كتب بني آدم وقيل هو اسم كاتب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والأول أولى . قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ويحيى وخلف للكتب جميعا وقرأ الباقون للكتاب وهو متعلق بمحذوف حال من السجل : أي كطي السجل كائنا للكتب أو صفة له : أي الكائن للكتب فإن الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها فسجلها بعض أجزائها وبه يتعلق الطي حقيقة . وأما على القراءة الثانية فالكتاب مصدر واللام للتعليل : أي كما يطوي الطومار للكتابة : أي ليكتب فيه أو لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة وهذا على تقدير أن المراد بالطي المعنى الأول وهو ضد النشر كما بدأنا أول خلق نعيده أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم وأخرجناهم إلى الأرض حفاة عراة غرلا كذلك نعيدهم يوم القيامة فأول خلق


"""""" صفحة رقم 430 """"""
مفعول نعيد مقدرا يفسره نعيده المذكور أو مفعول ل بدأنا وما كافة أو موصولة والكاف متعلقة بمحذوف أي نعيد مثل الذي بدأناه نعيده وعلى هذا الوجه يكون أول ظرف لبدأنا أو حال وإنما خص أول الخلق بالذكر تصويرا للإيجاد عن العدم والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على المبدأ لشمول الإمكان الذاتي لهما وقيل معنى الآية : نهلك كل نفس كما كان أول مرة وعلى هذا فالكلام متصل بقوله : يوم نطوي السماء وقل المعنى نغير السماء ثم نعيدها مرة أخرى بعد طيها وزوالها والأول أولى وهو مثل قوله : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ثم قال سبحانه : وعدا علينا إنا كنا فاعلين انتصاب وعدا على أنه مصدر : أي وعدنا وعدا علينا إنجازه والوفاء به . وهو البعث والإعادة ثم أكد سبحانه ذلك بقوله : إنا كنا فاعلين قال الزجاج : معنى إنا كنا فاعلين : إنا كنا قادرين على ما نشاء وقيل إنا كنا فاعلين ما وعدناكم ومثله قوله كان وعده مفعولا . 105
الأنبياء : ( 105 ) ولقد كتبنا في . . . . .
ولقد كتبنا في الزبور الزبر في الأصل الكتب يقال زبرت : أي كتبت وعلى هذا يصح إطلاق الزبور على التوراة والإنجيل وعلى كتاب داود المسمى بالزبور وقيل المراد به هنا كتاب داود ومعنى من بعد الذكر أي اللوح المحفوظ وقيل هو التوراة : أي والله ولقد كتبنا في كتاب داود من بعد ما كتبنا في التوراة أو من بعد ما كتبنا في اللوح المحفوظ أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . قال الزجاج : الزبور جمع الكتب : التوراة والإنجيل والقرآن لأن الزبور والكتاب في معنى واحد يقال زبرت وكتبت ويؤيد ما قاله قراءة حمزة في الزبور بضم الزاي فإنه جمع زبر . وقد اختلف في معنى يرثها عبادي الصالحون فقيل المراد أرض الجنة واستدل القائلون بهذا بقوله سبحانه : وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض وقيل هي الأرض المقدسة وقيل هي أرض الأمم الكافرة يرثها نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وأمته بفتحها وقيل المراد بذلك بنو إسرائيل بدليل قوله سبحانه : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها والظاهر أن هذا تبشير لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بوراثة أرض الكافرين وعليه أكثر المفسرين . وقرأ حمزة عبادي بتسكين الياء وقرأ الباقون بتحريكها . 106
الأنبياء : ( 106 ) إن في هذا . . . . .
(إن في هذا لبلاغا ) أي فيما جرى ذكره في هذه السورة من الوعظ والتنبيه لبلاغا لكفاية يقال في هذا الشيء بلاغ وبلغة وتبليغ : أي كفاية وقيل الإشارة بقوله : إن في هذا إلى القرآن لقوم عابدين أي مشغولين بعبادة الله مهتمين بها والعبادة هي الخضوع والتذلل وهم أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ورأس العبادة الصلاة . 10
الأنبياء : ( 107 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أي وما أرسلناك يا محمد بالشرائع والأحكام إلا رحمة لجميع الناس والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال والعلل : أي ما أرسلناك لعلة من العلل إلا لرحمتنا الواسعة فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين . قيل ومعنى كونه رحمة للكفار : أنهم أمنوا به من الخسف والمسخ والاستئصال : وقيل المراد بالعالمين المؤمنون خاصة والأول أولى بدليل قوله سبحانه : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم . ثم بين سبحانه أن أصل تلك الرحمة هو التوحيد والبراءة من الشرك فقال : 108
الأنبياء : ( 108 ) قل إنما يوحى . . . . .
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد إن كانت ما موصولة فالمعنى : أن الذي يوحى إلي هو أن وصفه تعالى مقصور على الوحدانية لا يتجاوزها إلى ما يناقضها أو يضادها وإن كانت ما كافة فالمعنى : أن الوحي إلي مقصور على استئثار الله بالوحدة ووجه ذلك أن القصر أبدا يكون لما يلي إنما فإنما الأولى لقصر الوصف على الشيء كقولك إنما يقوم زيد : أي ما يقوم إلا زيد . والثانية لقصر الشيء على الحكم كقولك إنما زيد قائم : أي ليس به إلا صفة القيام فهل أنتم مسلمون منقادون مخلصون للعبادة ولتوحيد الله سبحانه . 109
الأنبياء : ( 109 ) فإن تولوا فقل . . . . .
(فإن تولوا )أي أعرضوا عن الإسلام فقل لهم آذنتكم على سواء أي أعلمتكم


"""""" صفحة رقم 431 """"""
أنا وإياكم حرب لا صلح بيننا كائنين على سواء في الإعلام لم أخص به بعضكم دون بعض كقوله سبحانه : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء أي أعلمهم أنك نقضت العهد نقضا سويت بينهم فيه . وقال الزجاج : المعنى أعلمتكم ما يوحى إلي على استواء في العلم به ولا أظهر لأحد شيئا كتمته على غيره وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون أي ما أدري أما توعدون به قريب حصوله أم بعيد وهو غلبة الإسلام أهله على الكفر وأهله وقيل المراد بما توعدون القيامة وقيل آذنتكم بالحرب ولكن لا أدري ما يؤذن لي في محاربتكم . 110
الأنبياء : ( 110 ) إنه يعلم الجهر . . . . .
إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون أي يعلم سبحانه ما تجاهرون به من الكفر والطعن على الإسلام وأهله وما تكتمونه من ذلك وتخفونه . 111
الأنبياء : ( 111 ) وإن أدري لعله . . . . .
وإن أدري لعله فتنة لكم أي ما أدري لعل الإمهال فتنة لكم واختبار ليرى كيف صنعكم ومتاع إلى حين أي وتمتيع إلى وقت مقدر تقتضيه حكمته . ثم حكى سبحانه وتعالى دعاء نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله : 112
الأنبياء : ( 112 ) قال رب احكم . . . . .
قال رب احكم بالحق أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذبين بما هو الحق عندك ففوض الأمر إليه سبحانه . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وابن محيصن رب بضم الباء . وقال النحاس : وهذا لحن عند النحويين لا يجوز عندهم رجل أقبل حتى يقول يا رجل . وقرأ الضحاك وطلحة ويعقوب أحكم بقطع الهمزة وفتح الكاف وضم الميم : أي قال محمد ربي أحكم بالحق . وقرئ قل بصيغة الأمر : أي قل يا محمد . ورب في موضع نصب لأنه منادى مضاف إلى الضمير وقد استجاب سبحانه دعاء نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فعذبهم ببدر ثم جعل العاقبة والغلبة والنصر لعباده المؤمنين والحمد ( صلى الله عليه وسلم ) رب العالمين . ثم قال سبحانه متمما لتلك الحكاية وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون من الكفر والتكذيب فربنا مبتدأ وخبره الرحمن : أي هو كثير الرحمة لعباده والمستعان خبر آخر : أي المستعان به في الأمور التي من جملتها ما تصفونه من أن الشوكة تكون لكم ومن قولكم : هل هذا إلا بشر مثلكم وقولكم اتخذ الرحمن ولدا وكثيرا ما يستعمل الوصف في كتاب الله بمعنى الكذب كقوله : ولكم الويل مما تصفون وقوله : سيجزيهم وصفهم وقرأ المفضل والسلمي على ما يصفون بالياء التحتية . وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب . وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال : لما نزلت : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون قال المشركون : فالملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله فنزلت : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون عيسى وعزير والملائكة . وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عنه قال : جاء عبد الله بن الزبعري إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون قال ابن الزبعري : قد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى ابن مريم كل هؤلاء في النار مع آلهتنا فنزلت ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ثم نزلت إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون . وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر والطبراني من وجه آخر عنه أيضا نحوه بأطول منه . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله : إن الذين سبقت لهم منا الحسنى قال : عيسى وعزير والملائكة وأخرج ابن جرير عنه أيضا في قوله : حصب جهنم قال : شجر جهنم وفي إسناده العوفي . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من وجه آخر أن حصب جهنم وقودها . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا


"""""" صفحة رقم 432 """"""
قال : هو حطب جهنم بالزنجية . وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله : لا يسمعون حسيسها قال : حيات على الصراط تقول حس حس . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي في قوله : لا يسمعون حسيسها قال : حيات على الصراط تلسعهم فإذا لسعتهم قالوا حس حس . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن محمد بن حاطب قال : سئل علي عن هذه الآية إن الذين سبقت لهم منا الحسنى قال : هو عثمان وأصحابه . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : لا يسمعون حسيسها يقول : لا يسمع أهل الجنة حسيس النار إذا نزلوا منزلهم من الجنة . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : لا يحزنهم الفزع الأكبر قال : النفخة الآخرة وفي إسناده العوفي . وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة : رجل أم قوما وهم لها راضون ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة وعبد أدى حق الله وحق مواليه . وأخرج عبد بن حميد عن علي في قوله : كطي السجل قال : ملك . السجل ملك فإذا صعد بالاستغفار قال اكتبوها نورا . وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي جعفر الباقر قال : السجل ملك . وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده في المعرفة وابن مردويه والبيهقي في سننه وصححه عن ابن عباس قال : السجل كاتب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) . وأخرج ابن المنذر وابن عدي وابن عساكر عن ابن عباس قال : كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كاتب يسمى السجل وهو قوله : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب . قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء . وأخرج ابن منده وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر قال : كان للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) كاتب يقال له السجل فأنزل الله يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب قال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا الحديث : وهذا منكر جدا من حديث نافع عن ابن عمر لا يصح أصلا . قال : وكذلك ما تقدم عن ابن عباس من رواية أبي داود وغيره لا يصح أيضا . وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه وإن كان في سنن أبي داود منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المزني وقد أفردت بهذا الحديث جزءا له على حدة ولله الحمد . قال : وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير للإنكار على هذا الحديث ورده أتم رد وقال : ولا نعرف في الصحابة أحدا اسمه سجل وكتاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا معروفين وليس فيهم أحد اسمه السجل وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث وأما من ذكر في أسماء الصحابة هذا فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم . قال : والصحيح عن ابن عباس أن السجل هو الصحيفة قاله علي بن أبي طلحة والعوفي عنه . ونص على ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد واختاره ابن جرير لأنه المعروف في اللغة فعلى هذا يكون معنى الكلام : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب : أي على الكتاب يعني المكتوب كقوله : فلما أسلما وتله للجبين أي على الجبين وله نظائر في اللغة والله أعلم . قلت : أما كون هذا هو الصحيح عن ابن عباس فلا فإن علي بن أبي طلحة والعوفي ضعيفان فالأولى التعويل على المعنى اللغوي والمصير إليه . وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال . السجل هو الرجل زاد ابن مردويه بلغة الحبشة . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسير الآية قال : كطي الصحيفة على الكتاب . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : كما بدأنا أول خلق نعيده يقول : نهلك


"""""" صفحة رقم 433 """"""
كل شيء كما كان أول مرة . وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر قال : القرآن أن الأرض قال : أرض الجنة . وأخرج ابن جرير عنه أيضا ولقد كتبنا في الزبور قال : الكتب من بعد الذكر قال : التوراة وفي إسناده العوفي . وأخرج سعيد بن منصور عنه أيضا قال : الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن . والذكر : الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب الذي في السماء والأرض : أرض الجنة . وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : أن الأرض يرثها عبادي الصالحون قال : أرض الجنة . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق عمله قبل أن تكون السموات والأرض أن يورث أمة محمد الأرض ويدخلهم الجنة وهم الصالحون وفي قوله : لبلاغا لقوم عابدين قال : عالمين وفي إسناده علي بن أبي طلحة . وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي هريرة إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين قال : الصلوات الخمس . وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والديلمي عن أنس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قول الله إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين قال : في الصلوات الخمس شغلا للعبادة . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباسي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ هذه الآية لبلاغا لقوم عابدين قال : هي الصلوات الخمس في المسجد الحرام جماعة . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين قال : من آمن تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ومن لم يؤمن عوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف . وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله ادع الله على المشركين قال إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة . وأخرج الطيالسي وأحمد والطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أمامة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إن الله بعثني رحمة للعالمين وهدى للمتقين . وأخرج أحمد والطبراني عن سلمان أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : أيما رجل من أمتي سببته سبة في غضبي أو لعنته لعنة فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليه صلاة يوم القيامة . وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : إنما أنا رحمة مهداة وقد روي معنى هذا من طرق . وأخرج ابن أبي خثيمة وابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : لما أسري بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى فلانا وهو بعض بني أمية على المنبر يخطب الناس فشق ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين يقول : هذا الملك . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وإن أدري لعله فتنة لكم يقول : ما أخبركم به من العذاب والساعة لعل تأخير ذلك عنكم فتنة لكم . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله : قال رب احكم بالحق قال : لا يحكم الله إلا بالحق وإنما يستعجل بذلك في الدنيا يسأل ربه .


"""""" صفحة رقم 434 """"""
S22
تفسير
سورة الحج
حول السورة
وهي ثمان وسبعون آية . اختلف أهل العلم هل هي مكية أو مدينة فأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة الحج بالمدينة . وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله . وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال : نزل بالمدينة من القرآن الحج غير أربع آيات مكيات وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلى عذاب يوم عقيم وحكى القرطبي عن ابن عباس أنها مكية سوى ثلاث آيات وقيل أربع آيات إلى قوله عذاب الحريق . وحكي عن النقاش أنه نزل بالمدينة منها عشر آيات . قال القرطبي وقال الجمهور : إن السورة مختلطة منها مكي ومنها مدني . قال : وهذا هو الصحيح . قال العزيزي : وهي من أعاجيب السور نزلت ليلا ونهارا سفرا وحضرا مكيا ومدنيا سلميا وحربيا ناسخا ومنسوخا محكما ومتشابها . وقد ورد في فضلها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين قال : نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما . قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بالقوي . وأخرج أبو داود في المراسيل والبيهقي عن خالد بن معدان أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين . وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والإسماعيلي وابن مردويه والبيهقي عن عمر أنه كان يسجد سجدتين في الحج وقال : إن هذه السورة فضلت على سائر القرآن بسجدتين . وقد روي عن كثير من الصحابة أن فيها سجدتين وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . وقال بعضهم : إن فيها سجدة واحدة وهو قول سفيان الثوري وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس وإبراهيم النخعي .


"""""" صفحة رقم 435 """"""
سورة الحج 1
الحج : ( 1 ) يا أيها الناس . . . . .
لما انجر الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها حثا على التقوى التي هي أنفع زاد فقال : 1 يا أيها الناس اتقوا ربكم أي احذروا عقابه بفعل ما أمركم به من الواجبات وترك ما نهاكم عنه من المحرمات ولفظ الناس يشمل جميع المكلفين من الموجودين ومن سيوجد على ما تقرر في موضعه وقد قدمنا طرفا من تحقيق ذلك في سورة البقرة وجملة إن زلزلة الساعة شيء عظيم تعليل لما قبلها من الأمر بالتقوى والزلزلة شدة الحركة وأصلها من زل عن الموضع : أي زال عنه وتحرك وزلزل الله قدمه : أي حركها وتكرير الحرف يدل على تأكيد المعنى وهو من إضافة المصدر إلى فاعله وهي على هذا : الزلزلة التي هي أحد أشراط الساعة التي تكون في الدنيا قبل يوم القيامة هذا قول الجمهور وقيل إنها تكون في النصف من شهر رمضان ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها وقيل إن المصدر هنا مضاف إلى الظرف وهو الساعة إجراء له مجرى المفعول أو بتقدير في كما في قوله : بل مكر الليل والنهار وهي المذكورة في قوله : إذا زلزلت الأرض زلزالها قيل وفي التعبير عنها بالشيء إيذان بأن العقول قاصرة عن إدراك كنهها . 2
الحج : ( 2 ) يوم ترونها تذهل . . . . .
يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت انتصاب الظرف بما بعده والضمير يرجع إلى الزلزلة : أي وقت رؤيتكم لها تذهل كل ذات رضاع عن رضيعها وتغفل عنه . قال قطرب : تذهل تشتغل وأنشد قول الشاعر : ضرب يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله وقيل تنسى وقيل تلهو وقيل تسلو وهذه معانيها متقاربة . قال المبرد : إن ما فيما أرضعت بمعنى المصدر : أي تذهل عن الإرضاع قال : وهذا يدل على أن هذه الزلزلة في الدنيا إذ ليس بعد القيامة حمل وإرضاع إلا أن يقال : من ماتت حاملا فتضع حملها للهول ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك ويقال هذا مثل كما يقال : يوما يجعل الولدان شيبا وقيل يكون من النفخة الأولى قال : ويحتمل أن تكون الساعة عبارة عن أهوال يوم القيامة كما في قوله مستهم البأساء والضراء وزلزلوا ومعنى وتضع كل ذات حمل حملها أنها تلقي جنينها لغير تمام من شدة الهول كما أن المرضعة تترك ولدها بغير رضاع لذلك وترى الناس سكارى قرأ الجمهور بفتح التاء والراء خطاب لكل واحد : أي يراهم الرائي كأنهم سكارى وما هم بسكارى حقيقة قرأ حمزة والكسائي سكارى بغير ألف وقرأ الباقون بإثباتها وهما لغتان يجمع بهما سكران مثل كسلى وكسالى ولما نفى سبحانه عنهم السكر أوضح السبب الذي لأجله شابهوا السكارى فقال : ولكن عذاب الله شديد فبسبب هذه الشدة والهول العظيم طاشت عقولهم واضطربت أفهامهم فصاروا كالسكارى بجامع سلب كمال التمييز وصحة الإدراك وقرئ وترى بضم التاء وفتح الراء مسندا إلى المخاطب من أرأيتك : أي تظنهم سكارى . قال الفراء ولهذه القراءة وجه جيد في العربية . ثم لما أراد سبحانه أن يحتج على على منكري البعث قدم قبل ذلك مقدمة تشمل أهل الجدال كلهم فقال : 3
الحج : ( 3 ) ومن الناس من . . . . .
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم وقد تقدم إعراب مثل هذا التركيب في قوله : ومن الناس من يقول ومعنى في الله في شأن الله وقدرته ومحل بغير علم النصب على الحال . والمعنى : أنه يخاصم في قدرة الله


"""""" صفحة رقم 436 """"""
فيزعم أنه غير قادر على البعث بغير علم يعلمه ولا حجة يدلي بها ويتبع فيما يقوله ويتعاطاه ويحتج به ويجادل عنه كل شيطان مريد أي متمرد على الله وهو العاتي سمي بذلك لخلوه عن كل خير والمراد إبليس وجنوده أو رؤساء الكفار الذين يدعون أشياعهم إلى الكفر . وقال الواحدي : قال المفسرون : نزلت في النضر بن الحارث وكان كثير الجدال وكان ينكر أن الله يقدر على إحياء الأموات وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة . 4
الحج : ( 4 ) كتب عليه أنه . . . . .
كتب عليه أنه من تولاه أي كتب على الشيطان وفاعل كتب أنه من تولاه والضمير للشأن : أي من اتخذ وليا فأنه يضله أي فشأن الشيطان أن يضله عن طريق الحق فقوله أنه يضله جواب الشرط إن جعلت من شرطية أو خبر الموصول إن جعلت موصولة فقد وصف الشيطان بوصفين : الأول أنه مريد والثاني ما أفاده جملة كتب عليه إلخ . وجملة ويهديه إلى عذاب السعير معطوفة على جملة يضله : أي يحمله على مباشرة ما يصير به في عذاب السعير .
الحج : ( 5 ) يا أيها الناس . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما هو المقصود من الاحتجاج على الكفار بعد فراغه من تلك المقدمة فقال : 5 يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث قرأ الحسن البعث بفتح العين وهي لغة وقرأ الجمهور بالسكون وشكهم يحتمل أن يكون في وقوعه أو في إمكانه . والمعنى : إن كنتم في شك من الإعادة فانظروا في مبدإ خلقكم أي خلق أبيكم آدم ليزول عنكم الريب ويرتفع الشك وتدحض الشبهة الباطلة فإنا خلقناكم من تراب في ضمن خلق أبيكم آدم ثم خلقناكم من نطفة أي من مني سمي نطفة لقلته والنطفة : القليل من الماء . وقد يقع على الكثير منه والنطفة : القطرة يقال نطف ينطف : أي قطر وليلة نطوف : أي دائمة القطر ثم من علقة والعلقة : الدم الجامد والعلق : الدم العبيط : أي الطري أو المتجمد وقيل الشديد الحمرة والمراد الدم الجامد المتكون من المني ثم من مضغة وهي القطعة من الحم قدر ما يمضغ الماضغ تتكون من العلقة مخلقة بالجر صفة لمضغة : أي مستبينة الخلق ظاهرة التصوير وغير مخلقة أي لم يستبن خلقها ولا ظهر تصويرها . قال ابن الأعرابي : مخلقة يريد قد بدأ خلقه وغير مخلقة لم تصور . قال الأكثر : ما أكمل خلقه بنفخ الروح فيه فهو المخلقة وهو الذي ولد لتمام وما سقط كان غير مخلقة أي غير حي بإكمال خلقته بالروح . قال الفراء : مخلقة تام الخلق وغير مخلقة : السقط ومنه قول الشاعر : أفي غير المخلقة البكاء فأين الحزم ويحك والحياء واللام في لنبين لكم متعلق بخلقنا : أي خلقناكم على هذا النمط لنبين لكم كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم ونقر في الأرحام ما نشاء روى أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم أنه قرأ بنصب تقر عطفا على نبين وقرأ الجمهور نقر بالرفع على الاستئناف : أي ونحن نقر . قال الزجاج : نقر بالرفع لا غير لأنه ليس المعنى فعلنا ذلك لنقر في الأرحام ما نشاء ومعنى الآية : ونثبت في الأرحام ما نشاء فلا يكون سقطا إلى أجل مسمى وهو وقت الولادة وقال ما نشاء ولم يقل من نشاء لأنه يرجع إلى الحمل وهو جماد قبل أن ينفخ فيه الروح وقرئ ليبين ويقر ويخرجكم بالتحتية في الأفعال الثلاثة وقرأ ابن أبي وثاب ما نشاء بكسر النون ثم نخرجكم طفلا أي نخرجكم من بطون أمهاتكم طفلا : أي أطفالا وإنما أفرده إرادة للجنس الشامل للواحد والمتعدد . قال الزجاج طفلا في معنى أطفالا ودل عليه ذكر الجماعة : يعني في نخرجكم والعرب كثيرا ما تطلق اسم الواحد على الجماعة ومنه قول الشاعر : يليحنني من حبها ويلمنني إن العواذل لسن لي بأمير


"""""" صفحة رقم 437 """"""
وقال المبرد : هو اسم يستعمل مصدرا كالرضا والعدل فيقع على الواحد والجمع قال الله سبحانه : أو الطفل الذين لم يظهروا . قال ابن جرير : هو منصوب على التمييز كقوله : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا وفيه بعد والظاهر انتصابه على الحال بالتأويل المذكور والطفل يطلق على الصغير من وقت انفصاله إلى البلوغ ثم لتبلغوا أشدكم قيل هو علة لنخرجكم معطوف على علة أخرى مناسبة له كأنه قيل : نخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا إلى الأشد وقيل إن ثم زائدة والتقدير لتبلغوا وقيل إنه معطوف على نبين والأشد هو كمال العقل وكمال القوة والتمييز فيل وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين . وقد تقدم الكلام في هذا مستوفى في الأنعام ومنكم من يتوفى يعني قبل بلوغ الأشد وقرئ يتوفى مبنيا للفاعل . وقرأ الجمهور يتوفى مبنيا للمفعول ومنكم من يرد إلى أرذل العمر أي أخسه وأدونه وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل ولهذا قال سبحانه : لكيلا يعلم من بعد علم شيئا أي شيئا من الأشياء أو شيئا من العلم والمعنى : أنه يصير من بعد أن كان ذا علم بالأشياء وفهم لها لا علم له ولا فهم ومثله قوله : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين وقوله : ومن نعمره ننكسه في الخلق وترى الأرض هامدة هذه حجة أخرى على البعث فإنه سبحانه احتج بإحياء الأرض بإنزال الماء على إحياء الأموات والهامدة اليابسة التي لا تنبت شيئا . قال ابن قتيبة : أي ميتة يابسة كالنار إذا طفئت وقيل دراسة والهمود الدروس ومنه قول الأعشى : قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همودا وقيل هي التي ذهب عنها الندى وقيل هالكة ومعني هذه الأقوال متقاربة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت المراد بالماء هنا المطر ومعنى اهتزت تحركت والاهتزاز شدة الحركة يقال هززت الشيء فاهتز : أي حركته فتحرك : والمعنى : تحركت بالنبات لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة حقيقة فسماه اهتزازا مجازا . وقال المبرد : المعنى اهتز نباتها فحذف المضاف واهتزازه شدة حركته والاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض ومعنى ربت ارتفعت وقيل انتفخت . والمعنى واحد وأصله الزيادة يقال ربا الشيء يربوا ربوا إذا زاد ومنه الربا والربوة . وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس وربأت أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الرابية وهو الذي يحفظ القوم على مكان مشرف يقال له رابئ ورابئة وربيئة وأنبتت أي أخرجت من كل زوج بهيج أي من كل صنف حسن ولون مستحسن والبهجة الحسن .
الحج : ( 6 ) ذلك بأن الله . . . . .
وجملة 6 ذلك بأن الله هو الحق مستأنفة لما ذكر افتقار الموجودات إليه سبحانه وتسخيرها على وفق إرادته واقتداره . قال بعد ذلك هذه المقالات وهي إثبات أنه سبحانه الحق وأنه المتفرد بإحياء الموتى وأنه قادر على كل شيء من الأشياء . والمعنى : أنه المتفرد بهذه الأمور وأنها من شأنه لا يدعى غيره أنه يقدر على شيء منها فدل سبحانه بهذا على أنه الحق الحقيقي الغني المطلق وأن وجود كل موجود مستفاد منه والحق هو الموجود الذي لا يتغير ولا يزول وقيل ذو الحق على عباده وقيل الحق في أفعاله . قال الزجاج : ذلك في موضع رفع : أي الأمر ما وصفه لكم وبين بأن الله هو الحق . قال : ويجوز أن يكون ذلك نصبا .
الحج : ( 7 ) وأن الساعة آتية . . . . .
ثم أخبر سبحانه بأن 7 الساعة آتية أي في مستقبل الزمان قيل لا بد من إضمار فعل : أي ولتعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها أي لا شك فيها ولا تردد وجملة لا ريب فيها خبر ثان للساعة أو في محل نصب على الحال . ثم أخبر سبحانه عن البعث فقال : وأن الله يبعث من في القبور فيجازيهم بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر وأن ذلك كائن لا محالة .
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 438 """"""
وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال : لما نزلت يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله : ولكن عذاب الله شديد أنزلت عليه هذه وهو في سفر فقال : أتدرون أي يوم ذلك قالوا : الله ورسوله أعلم قال : ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار قال : يا رب وما بعث النار قال : من كل ألف تسمعائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة فأنشأ المسلمون يبكون فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : قاربوا وسددوا وأبشروا فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدة من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال : إني أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال : إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا قال : ولا أدري قال الثلثين أم لا . وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حصين مرفوعا نحوه وقال في آخره : اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانت مع شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس فسري عن القوم بعض الذي يجدون قال : اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس مرفوعا نحوه . وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه وفي آخره فقال : من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : كتب عليه قال : كتب على الشيطان . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله أنه من تولاه قال : اتبعه . وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو الصادق والمصدوق إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسيق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا . وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله : مخلقة وغير مخلقة قال : المخلقة ما كان حيا وغير المخلقة ما كان سقطا . وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : من كل زوج بهيج قال : حسن . وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن معاذ بن جبل قال : من علم أن الله عز وجل حق وأن الساعة آتيه لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور دخل الجنة .


"""""" صفحة رقم 439 """"""
الأنبياء 8 24 8
الحج : ( 8 ) ومن الناس من . . . . .
قوله ومن الناس من يجادل في الله أي في شأن الله كقول من قال : إن الملائكة بنات الله والمسيح ابن الله وعزير ابن الله . قيل نزلت في النضر بن الحارث وقيل في أبي جهل وقيل هي عامة لكل من يتصدى لإضلال الناس وإغوائهم وعلى كل حال فالاعتبار بما يدل عليه اللفظ وإن كان السبب خاصا . ومعنى اللفظ : ومن الناس فريق يجادل في الله فيدخل في ذلك كل مجادل في ذات الله أو صفاته أو شرائعه الواضحة و بغير علم في محل نصب على الحال : أي كائنا بغير علم . قيل والمراد بالعلم هو العلم الضروري وبالهدى هو العلم النظري الاستدلالي . والأولى حمل العمل على العموم وحمل الهدى على معناه اللغوي وهو الإرشاد . والمراد بالكتاب المنير هو القرآن والمنير النير البين الحجة الواضح البرهان وهو إن دخل تحت قوله : بغير علم فإفراده بالذكر كإفراد جبريل بالذكر بعد ذكر الملائكة وذلك لكونه الفرد الكامل الفائق على غيره من أفراد العلم . وأما من حمل العلم على الضروري والهدى على الاستدلالي فقد حمل الكتاب هنا على الدليل السمعي فتكون الآية متضمنة لنفي الدليل العقلي ضروريا كان أو استدلاليا ومتضمنة لنفي الدليل النقلي بأقسامه وما ذكرناه أولى . قيل والمراد بهذا المجادل في هذه الآية هو المجادل في الآية الأولى أعني قوله ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد وبذلك قال كثير من المفسرين والتكرير للمبالغة في الذم كما تقول للرجل تذمه وتوبخه أنت فعلت هذا أنت فعلت هذا ويجوز أن يكون التكرير لكونه وصفه في كل آية بزيادة على ما وصفه به في الآية الأخرى فكأنه قال : ومن الناس من يجادل في الله ويتبع كل شيطان مريد بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ليضل عن سبيل الله اه وقيل الآية الأولى في المقلدين اسم فاعل . والثانية في المقلدين اسم مفعول . والثانية عامة في كل إضلال وجدال وانتصاب ثاني عطفه على الحال من فاعل يجادل والعطف الجانب وعطفا الرجل جانباه من يمين وشمال وفي تفسيره وجهان : الأول أن المراد به من يلوي عنقه مرحا وتكبرا ذكر معناه الزجاج . قال وهذا يوصف به المتكبر . والمعنى : ومن الناس من يجادل في الله متكبرا . قال المبرد : العطف ما انثنى من العنق . والوجه الثاني أن المراد بقوله : 9
الحج : ( 9 ) ثاني عطفه ليضل . . . . .
ثاني عطفه الإعراض : أي معرضا عن الذكر كذا قال الفراء والمفضل وغيرهما كقوله تعالى : ولى مستكبرا كأن لم يسمعها وقوله . لووا رؤوسهم وقوله : أعرض ونأى بجانبه واللام


"""""" صفحة رقم 440 """"""
في ليضل عن سبيل الله متعلق بتجادل : أي إن غرضه هو الإضلال عن السبيل وإن لم يعترف بذلك وقرئ ليضل بفتح الياء على أن تكون اللام هي لام العاقبة كأنه جعل ضلاله غاية لجداله وجملة له في الدنيا خزي مستأنفة مبينة لما يحصل له بسبب جداله من العقوبة . والخزي الذل وذلك بما يناله من العقوبة في الدنيا من العذاب المعجل وسوء الذكر على ألسن الناس . وقيل الخزي الدنيوي هو القتل كما وقع في يوم بدر ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق أي عذاب النار المحرقة .
الحج : ( 10 ) ذلك بما قدمت . . . . .
والإشارة بقوله : 10 ذلك إلى ما تقدم من العذاب الدنيوي والأخروي وهو مبتدأ خبره بما قدمت يداك . والباء للسببية : أي ذلك العذاب النازل بك بسبب ما قدمته يداك من الكفر والمعاصي وعبر باليد عن جملة البدن لكون مباشرة المعاصي تكون بها في الغالب ومحل أن وما بعدها في قوله : وأن الله ليس بظلام للعبيد الرفع على أنها خبر مبتدإ محذوف : أي والأمر أنه سبحانه لا يعذب عباده بغير ذنب . وقد مر الكلام على هذه الآية في آخر آل عمران فلا نعيده . 11
الحج : ( 11 ) ومن الناس من . . . . .
ومن الناس من يعبد الله على حرف هذا بيان لشقاق أهل الشقاق . قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : الحرف الشك وأصله من حرف الشيء وهو طرفه مثل حرف الجبل والحائط فإن القائم عليه غير مستقر والذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات وطمأنينة كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضطرب اضطرابا ويضعف قيامه فقيل للشاك في دينه إنه يعبد الله على حرف لأنه على غير يقين من وعده ووعيده بخلاف المؤمن لأنه يعبده على يقين وبصيرة فلم يكن على حرف . وقيل الحرف الشرط : أي ومن الناس من يعبد الله على شرط والشرط هو قوله : فإن أصابه خير اطمأن به أي خير دنيوي من رخاء وعافية وخصب وكثرة مال ومعنى اطمأن به ثبت على دينه واستمر على عبادته أو اطمأن قلبه بذلك الخير الذي أصابه وإن أصابته فتنة أي شيء يفتتن به من مكروه يصيبه في أهله أو ماله أو نفسه انقلب على وجهه أي ارتد ورجع إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر ثم بين حاله بعد انقلابه على وجهه فقال خسر الدنيا والآخرة أي ذهبا منه وفقدهما فلاحظ له في الدنيا من الغنيمة والثناء الحسن ولا في الآخرة من الأجر وما أعده الله للصالحين من عباده . وقرأ مجاهد وحميد بن قيس والأعرج والزهري وابن أبي إسحاق خاسرا الدنيا والآخرة على صيغة اسم الفاعل منصوبا على الحال . وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف . والإشارة بقوله : ذلك إلى خسران الدنيا والآخرة وهو مبتدأ وخبره ذلك هو الخسران المبين أي الواضح الظاهر الذي لا خسران مثله . 12
الحج : ( 12 ) يدعو من دون . . . . .
يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه أي هذا الذي انقلب على وجهه ورجع إلى الكفر يدعو من دون الله : أي يعبد متجاوزا عبادة الله إلى عبادة الأصنام ما لا يضره إن ترك عبادته ولا ينفعه إن عبده لكون ذلك المعبود جمادا لا يقدر على ضر ولا نفع والإشارة بقول : ذلك إلى الدعاء المفهوم من الفعل وهو يدعو واسم الإشارة مبتدأ وخبره هو الضلال البعيد أي عن الحق والرشد مستعار من ضلال من سلك غير الطريق فصار بضلاله بعيدا عنها . قال الفراء : البعيد الطويل . 13
الحج : ( 13 ) يدعو لمن ضره . . . . .
يدعو لمن ضره أقرب من نفعه يدعو بمعنى يقول والجملة مقررة لما قبلها من كون ذلك الدعاء ضلالا بعيدا . والأصنام لا نفع فيها بحال من الأحوال بل هي ضرر بحت لمن يعبدها لأنه دخل النار بسبب عبادتها وإيراد صيغة التفضيل مع عدم النفع بالمرة للمبالغة في تقبيح حال ذلك الداعي أو ذلك من باب وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين واللام هي الموطئة للقسم ومن موصولة أو موصوفة وضره مبتدأ خبره أقرب والجملة صلة الموصول . وجملة لبئس المولى ولبئس العشير جواب القسم والمعنى : أنه يقول ذلك الكافر يوم القيامة لمعبوده الذي ضره أقرب من نفعه : لبئس المولى أنت ولبئس العشير . والمولى الناصر والعشير الصاحب ومثل ما في هذه الآية قول عنترة : يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم وقال الزجاج : يجوز أن يكون يدعو في موضع الحال وفيه هاء محذوفة : أي ذلك هو الضلال البعيد يدعوه


"""""" صفحة رقم 441 """"""
وعلى هذا يوقف على يدعو ويكون قوله لمن ضره أقرب من نفعه كلاما مستأنفا مرفوعا بالابتداء وخبره لبئس المولى . قال : وهذا لأن اللام لليمين والتوكيد فجعلها أول الكلام . وقال الزجاج والفراء : يجوز أن يكون يدعو مكررة على ما قبلها على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء : أي يدعو ما لا يضره ولا ينفعه يدعو . مثل ضربت زيدا ضربت . وقال الفراء والكسائي والزجاج : معنى الكلام القسم واللام مقدمة على موضعها والتقدير : يدعو من لضره أقرب من نفعه فمن في موضع نصب بيدعو واللام جواب القسم وضره مبتدأ وأقرب خبره ومن التصرف في اللام بالتقديم والتأخير قول الشاعر : خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الأخوالا أي لخالي أنت . قال النحاس : وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال : في الكلام حذف والمعنى : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها . قال النحاس : وأحسب هذا القول غلطا عن محمد بن يزيد ولعل وجهه أن ما قبل اللام هذه لا يعمل فيما بعدها . وقال الفراء أيضا والقفال اللام صلة : أي زائدة والمعنى : يدعو من ضره أقرب من نفعه : أي يعبده وهكذا في قراءة عبد الله بن مسعود بحذف اللام وتكون اللام في لبئس المولى وفي لبئس العشير على هذا موطئة للقسم .
الحج : ( 14 ) إن الله يدخل . . . . .
14 إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار لما فرغ من ذكر حال المشركين ومن يعبد الله على حرف ذكر حال المؤمنين في الآخرة وأخبر أنه يدخلهم هذه الجنات المتصفة بهذه الصفة وقد تقدم الكلام في جري الأنهار من تحتها ظاهر وإن أريد بها الأرض فلا بد من تقدير مضاف : أي من تحت أشجارها إن الله يفعل ما يريد هذه الجملة تعليل لما قبلها : أي يفعل ما يريده من الأفعال لا يسأل عما يفعل فيثيب من يشاء ويعذب من يشاء . 15
الحج : ( 15 ) من كان يظن . . . . .
من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة قال النحاس : من أحسن ما قيل في هذه الآية أن المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه فليمدد بسبب إلى السماء أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء ثم ليقطع أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له فلينظر هل يذهبن كيده وحيلته ما يغيظ من نصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظا ثم فسره بقوله : فليمدد بسبب إلى السماء أي فليشدد حبلا في سقف بيته ثم ليقطع أي ثم ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا والمعنى : فليختنق غيظا حتى يموت فإن الله ناصره ومظهره ولا ينفعه غيظه ومعنى فلينظر هل يذهبن كيده : أي صنيعه وحيلته ما يغيظ : أي غيظه وما مصدرية . وقيل إن الضمير في ينصره يعود إلى من والمعنى : من كان يظن أن الله لا يرزقه فليقتل نفسه وبه قال أبو عبيدة . وقيل إن الضمير يعود إلى الدين : أي من كان يظن أن لن ينصر الله دينه . وقرأ الكوفيون بإسكان اللام في ثم ليقطع قال النحاس : وهذه القراءة بعيدة من العربية .
الحج : ( 16 ) وكذلك أنزلناه آيات . . . . .
16 وكذلك أنزلناه آيات بينات أي مثل ذلك الإنزال البديع أنزلناه آيات واضحات ظاهرة الدلالة على مدلولاتها وأن الله يهدي من يريد هدايته ابتداء أو زيادة فيها لمن كان مهديا من قبل .
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : ثاني عطفه قال : لاوي عنقه . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسدي وابن زيد وابن جريج أنه المعرض . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله : ثاني عطفه قال : أنزلت في النضر بن الحارث . وأخرج


"""""" صفحة رقم 442 """"""
ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : هو رجل من بني عبد الدار . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ومن الناس من يعبد الله على حرف قال : كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء . وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما وأنتجت خيله قال : هذا دين صالح وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء . وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه بسند صحيح قال : كان ناس من الأعراب يأتون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يسلمون فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا : إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا : ما في ديننا هذا خير فأنزل الله ومن الناس من يعبد الله على حرف . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا نحوه وفي إسناده العوفي . وأخرج ابن مردويه أيضا من طريقه أيضا عن أبي سعيد قال : أسلم رجل من اليهود فذهب بصره ماله وولده فتشاءم بالإسلام فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : أقلني أقلني قال : إن الإسلام لا يقال فقال : لم أصب من ديني هذا خيرا ذهب بصري ومالي ومات ولدي فقال : يا يهودي الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة فنزلت ومن الناس من يعبد الله على حرف . وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : من كان يظن أن لن ينصره الله قال : من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب قال : فليربط بحبل إلى السماء قال : إلى سماء بيته السقف ثم ليقطع قال : ثم ليختنق به حتى يموت . وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال من كان يظن أن لن ينصره الله يقول : أن لن يرزقه الله فليمدد بسبب إلى السماء فليأخذ حبلا فليربطه في سماء بيته فليختنق به فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ قال : فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق .


"""""" صفحة رقم 443 """"""
الحج : ( 17 ) إن الذين آمنوا . . . . .
قوله ) إن الذين آمنوا ( أى بالله وبرسوله أو بما ذكر من الآيات البينات ) والذين هادوا ( هم اليهود المنتسبون إلى ملة موسى ) والصابئين ( قوم يعبدون النجوم وقيل هم من جنس النصارى وليس ذلك بصحيح بل هم فرقة معروفة لا ترجع إلى ملة من الملل المنتسبة إلى الأنبياء ) والنصارى ( هم المنتسبون إلى ملة عيسى ) والمجوس ( هم الذين يعبدون النار ويقولون إن للعالم أصلين النور والظلمة وقيل هم قوم يعبدون الشمس والقمر وقيل هم قوم يستعملون النجاسات وقيل هم قوم من النصارى اعتزلوهم ولبسوا المسوح وقيل إنهم أخذوا بعض دين اليهود وبعض دين النصارى ) والذين أشركوا ( الذين يعبدون الأصنام وقد مضى تحقيق هذا فى البقرة ولكنه سبحانه قدم هنالك النصارى على الصابئين وأخرهم عنهم هنا فقيل وجه تقديم النصارى هنالك أنهم أهل كتاب دون الصابئين ووجه تقديم الصابئين هنا أن زمنهم متقدم على زمن النصارى وجملة ) إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ( فى محل رفع على أنها خبر لإن المتقدمة ومعنى الفصل أنه سبحانه يقضى بينهم فيدخل المؤمنين منهم الجنة والكافرين منهم النار وقيل الفصل هو أن يميز المحق من المبطل بعلامة يعرف بها كل واحد منهما وجملة ) إن الله على كل شيء شهيد ( تعليل لما قبلها أى أنه سبحانه على كل شئ من أفعال خلقه وأقوالهم شهيد لا يعزب عنه شئ منها وأنكر الفراء أن تكون جملة ) إن الله يفصل بينهم ( خبرا لإن المتقدمة وقال لا يجوز فى الكلام إن زيدا إن أخاه منطلق ورد الزجاج ما قاله الفراء وأنكره وأنكر ما جعله مماثلا للآية ولا شك فى جواز قولك إن زيدا إن الخير عنده وإن زيدا إنه منطلق ونحو ذلك
الحج : ( 18 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ( الرؤية هنا هى القلبية لا البصرية أى ألم تعلم والخطاب لكل من يصلح له وهو من تتأتى منه الرؤية والمراد بالسجود هنا هو الانقياد الكامل لا سجود الطاعة الخاصة بالعقلاء سواء جعلت كلمة من خاصة بالعقلاء أو عامة لهم ولغيرهم ولهذا عطف ) والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب ( على من فإن ذلك يفيد أن السجود هو الانقياد لا الطاعة الخاصة بالعقلاء وإنما أفرد هذه الأمور بالذكر مع كونها داخلة تحت من على تقدير جعلها عامة لكون قيام السجود بها مستبعدا فى العادة وارتفاع ) وكثير من الناس ( بفعل مضمر يدل عليه المذكور أى ويسجد له كثير من الناس وقيل مرتفع على الابتداء وخبره محذوف وتقديره وكثير من الناس يستحق الثواب والأول أظهر وإنما لم يرتفع بالعطف على من لأن سجود هؤلاء الكثير من الناس هو سجود الطاعة الخاصة بالعقلاء والمراد بالسجود المتقدم هو الانقياد فلو ارتفع بالعطف على من لكان فى ذلك جمع بين معنيين مختلفين فى لفظ واحد وأنت خبير بأنه لا ملجئ إلى هذا بعد حمل السجود على الانقياد ولا شك أنه يصح أن يراد من سجود كثير من الناس هو انقيادهم لا نفس السجود الخاص فارتفاعه على العطف لابأس به وإن أبى ذلك صاحب الكشاف ومتابعوه وأما قوله ) وكثير حق عليه العذاب ( فقال الكسائي والفراء إنه مرتفع بالابتداء وخبره ما بعده وقيل هو معطوف على كثير الأول ويكون المعنى وكثير من الناس يسجد وكثير منهم يأبى ذلك وقيل المعنى وكثير من الناس فى الجنة وكثير حق عليه العذاب هكذا حكاه ابن الأنباري ) ومن يهن الله فما له من مكرم ( أى من أهانه الله بأن جعله كافرا شقيا فما له من مكرم يكرمه فيصير سعيدا عزيزا وحكى الأخفش والكسائي والفراء أن المعنى ومن يهن الله فما له من مكرم أى إكرام ) إن الله يفعل ما يشاء ( من الأشياء التى من جملتها ما تقدم ذكره من الشقاوة والسعادة والإكرام والإهانة
الحج : ( 19 ) هذان خصمان اختصموا . . . . .
) هذان خصمان ( الخصمان أحدهما أنجس الفرق اليهود والنصارى والصابئون والمجوس والذين أشركوا والخصم الآخر المسلمون فهما فريقان مختصمان قاله الفراء وغيره وقيل المراد بالخصمين الجنة والنار قالت الجنة خلقنى لرحمته وقالت النار خلقنى لعقوبته وقيام المراد بالخصمين هم الذين برزوا يوم بدر فمن المؤمنين حمزة وعلي وعبيدة ومن الكافرين عتبة وشيبة ابنا ربيعة


"""""" صفحة رقم 444 """"""
والوليد بن عتبة وقد كان أبو ذر رضى الله عنه يقسم أن هذه الآية نزلت فى هؤلاء المتبارزين كما ثبت عنه فى الصحيح وقال بمثل هذا جماعة من الصحابة وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول وقد ثبت فى الصحيح أيضا عن علي أنه قال فينا نزلت هذه الآية وقرأ ابن كثير ) هذان ( بتشديد النون وقال سبحانه ) اختصموا ( ولم يقل اختصما قال الفراء لأنهم جمع ولو قال اختصما لجاز ومعنى ) في ربهم ( فى شأن ربهم أى فى دينه أو فى ذاته أو فى صفاته أو فى شريعته لعباده أو فى جميع ذلك ثم فصل سبحانه ما أجمله فى قوله ) يفصل بينهم ( فقال ) فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ( قال الأزهري أى سويت وجعلت لبوسا لهم شبهت النار بالثياب لأنها مشتملة عليهم كاشتمال الثياب وعبر بالماضى عن المستقبل تنبيها على تحقق وقوعه وقيل إن هذه الثياب من نحاس قد أذيب فصار كالنار وهى السرابيل المذكورة فى آية أخرى وقيل المعنى فى الآية أحاطت النار بهم وقرئ ) قطعت ( بالتخفيف ثم قال سبحانه ) يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( والحميم هو الماء الحار المغلي بنار جهنم والجملة مستأنفة أو هى خبر ثان للموصول
الحج : ( 20 ) يصهر به ما . . . . .
) يصهر به ما في بطونهم ( الصهر الإذابة والصهارة ما ذاب منه يقال صهرت الشئ فانصهر أى أذبته فذاب فهو صهير والمعنى أنه يذاب بذلك الحميم ما فى بطونهم من الأمعاء والأحشاء ) والجلود ( معطوفة على ما أى ويصهر به الجلود والجملة فى محل نصب على الحال وقيل إن الجلود لا تذاب بل تحرق فيقدر فعل يناسب ذلك ويقال وتحرق به الجلود كما فى قول الشاعر علفتها تبنا وماء باردا
أى وسقيتها ماء ولا يخفى أنه لا ملجئ لهذا فإن الحميم إذا كان يذيب ما فى البطون فإذابته للجلد الظاهر بالأولى
الحج : ( 21 ) ولهم مقامع من . . . . .
) ولهم مقامع من حديد ( المقامع جمع مقمعة ومقمع قمعته ضربته بالمقمعة وهى قطعة من حديد والمعنى لهم مقامع من حديد يضربون بها أى للكفرة وسميت المقامع مقامع لأنه تقمع المضروب أى تذلله قال ابن السكيت أقمعت الرجل عنى إقماعا إذا اطلع عليك فرددته عنك
الحج : ( 22 ) كلما أرادوا أن . . . . .
) كلما أرادوا أن يخرجوا منها ( أى من النار ) أعيدوا فيها ( أى فى النار بالضرب بالمقامع و ) من غم ( بدل من الضمير فى منها بإعادة الجار أو مفعول له أى لأجل غم شديد من غموم النار ) وذوقوا عذاب الحريق ( هو بتقدير القول أى أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق أى العذاب المحرق وأصل الحريق الاسم من الاحتراق تحرق الشئ بالنار واحترق حرقة واحتراقا والذوق مماسة يحصل معها إدراك الطعم وهو هنا توسع والمراد به إدراك الألم قال الزجاج وهذا لأحد الخصمين
الحج : ( 23 ) إن الله يدخل . . . . .
وقال فى الخصم الآخر وهم المؤمنون ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ( فبين سبحانه حال المؤمنين بعد بيانه لحال الكافرين ثم بين الله سبحانه بعض ما أعده لهم من النعيم بعد دخولهم الجنة فقال ) يحلون فيها ( قرأ الجمهور يحلون بالتشديد والبناء للمفعول وقرئ مخففا أى يحليهم الله أو الملائكة بأمره ومن فى قوله ) من أساور ( للتبعيض أى يحلون بعض أساور أو للبيان أو زائدة ومن فى ) من ذهب ( للبيان والأساور جمع أسورة والأسورة جمع سوار وفى السوار لغتان كسر السين وضمها وفيه لغة ثالثة وهى أسوار قرأ نافع وابن كثير وعاصم وشيبة ) ولؤلؤا ( بالنصب عطف على محل أساور أى ويحلون لؤلؤا أو بفعل مقدر ينصبه وهكذا قرأ بالنصب يعقوب والجحدري وعيسى بن عمر وهذه القراءة هى الموافقة لرسم المصحف فإن هذا الحرف مكتوب فيه بالألف وقرأ الباقون بالجر عطفا على أساور أى يحلون من أساور ومن لؤلؤ واللؤلؤ ما يستخرج من البحر من جوف الصدف قال القشيري والمراد ترصيع السوار باللؤلؤ ولا يبعد أن يكون فى الجنة سوار من لؤلؤ مصمت كما أن فيها أساور من ذهب ) ولباسهم فيها حرير ( أى جميع ما يلبسونه حرير كما تفيده هذه الإضافة


"""""" صفحة رقم 445 """"""
ويجوز أن يراد أن هذا النوع من الملبوس الذى كان محرما عليهم فى الدنيا حلال لهم فى الآخرة وأنه من جملة ما يلبسونه فيها ففيها ما تشتهيه الأنفس وكل واحد منهم يعطى ما تشتهيه نفسه وينال ما يريده
الحج : ( 24 ) وهدوا إلى الطيب . . . . .
) وهدوا إلى الطيب من القول ( أى أرشدوا إليه قيل هو لا إله إلا الله وقيل الحمد لله وقيل القرآن وقيل هو ما يأتيهم من الله سبحانه من البشارات وقد ورد فى القرآن ما يدل على هذا القول المجمل هنا وهو قوله سبحانه ) الحمد لله الذي صدقنا وعده ( ) الحمد لله الذي هدانا لهذا ( ) الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ( ومعنى ) وهدوا إلى صراط الحميد ( أنهم أرشدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة أو صراط الله الذى هو دينه القويم وهو الإسلام
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) والصابئين ( قال هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون القبلة ويقرءون الزبور ) والمجوس ( عبدة الشمس والقمر والنيران ) والذين أشركوا ( عبدة الأوثان ) إن الله يفصل بينهم ( قال الأديان ستة فخمسة للشيطان ودين الله عز وجل وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة فى الآية قال فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال هادوا اليهود والصابئون ليس لهم كتاب والمجوس أصحاب الأصنام والمشركون نصارى العرب وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبى ذر أنه كان يقسم قسما أن هذه الآية ) هذان خصمان ( الآية نزلت فى الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر وهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعلي بن أبى طالب وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة قال علي وأنا أول من يجثو فى الخصومة على ركبتيه بين يدى الله يوم القيامة وأخرجه البخارى وغيره من حديث علي وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه وهكذا روى عن جماعة من التابعين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) قطعت لهم ثياب من نار ( قال من نحاس وليس من الآنية شئ إذا حمى أشد حرا منه وفى قوله ) يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( قال النحاس يذاب على رءوسهم وقوله ) يصهر به ما في بطونهم ( قال تسيل أمعاؤهم ) والجلود ( قال تتناثر جلودهم وأخرج عبد بن حميد والترمذى وصححه وعبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم فى الحلية وابن مردويه عن أبى هريرة أنه تلا هذه الآية ) يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( فقال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما فى جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) يصهر به ما في بطونهم ( قال يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم وفى قوله ) ولهم مقامع من حديد ( قال يضربون بها فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور وأخرج ابن جرير عنه فى الآية قال يسقون ماء إذا دخل فى بطونهم أذابها والجلود مع البطون وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى البعث والنشور عن أبى سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لو أن مقمعا من حديد وضع فى الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن سلمان قال النار سوداء مظلمة لا يضئ لهبها ولا جمرها ثم قرأ ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ( وفى الصحيحين وغيرهما عن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة وفى الباب أحاديث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن


"""""" صفحة رقم 446 """"""
ابن عباس فى قوله ) وهدوا إلى الطيب من القول ( قال ألهموا وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى العالية قال هدوا إلى الطيب من القول فى الخصومة إذ قالوا الله مولانا ولا مولى لكم وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن إسماعيل ابن أبى خالد فى الآية قال القرآن ) وهدوا إلى صراط الحميد ( قال الإسلام وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الضحاك فى الآية قال الإسلام وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد قال لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله الذي قال ) إليه يصعد الكلم الطيب )
سورة الحج الآية ( 25 29 )
الحج : ( 25 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ) إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ( عطف المضارع على الماضي لأن المراد بالمضارع ما مضى من الصد ومثل هذا قوله ) الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ( أو المراد بالصد ها هنا الاستمرار لا مجرد الاستقبال فصح بذلك عطفه على الماضى ويجوز أن تكون الواو فى ويصدون واو الحال أى كفروا والحال أنهم يصدون وقيل الواو زائدة والمضارع خبر إن والأولى أن يقدر خبر إن بعد قوله ) والباد ( وذلك نحو خسروا أوهلكوا وقال الزجاج إن الخبر نذقه من عذاب أليم ورد بأنه لو كان خبرا لأن لم يجزم وأيضا لو كان خبرا لإن لبقي الشرط وهو ) من يرد ( بغير جواب فالأولى أنه محذوف كما ذكرنا والمراد بالصد المنع وبسبيل الله دينه أى يمنعون من أراد الدخول فى دين الله والمسجد الحرام معطوف على سبيل الله قيل المراد به المسجد نفسه كما هو الظاهر من هذا النظم القرآنى وقيل الحرم كله لأن المشركين صدوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه عنه يوم الحديبية وقيل المراد به مكة بدليل قوله ) الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ( أى جعلناه للناس على العموم يصلون فيه ويطوفون به مستويا فيه العاكف وهو المقيم فيه الملازم له والباد أى الواصل من البادية والمراد به الطارئ عليه من غير فرق بين كونه من أهل البادية أو من غيرهم وانتصاب سواء على أنه المفعول الثاني لجعلناه وهو بمعنى مستويا والعاكف مرتفع به وصف المسجد الحرام بذلك لزيادة التقريع والتوبيخ للصادين عنه ويحتمل أن يكون انتصاب ) سواء ( على الحال وهذا على قراءة النصب وبها قرأ حفص عن عاصم وهى قراءة الأعمش وقرأ الجمهور برفع ) سواء ( على أنه مبتدأ وخبره ) العاكف ( أو على أنه خبر مقدم والمبتدأ ) العاكف ( أى العاكف فيه والبادى سواء وقرئ بنصب ) سواء ( وجر ) العاكف ( على أنه صفة للناس أى جعلناه للناس العاكف والبادى سواء وأثبت الياء فى البادى ابن كثير


"""""" صفحة رقم 447 """"""
وعلى هذا يوقف علي يدعو ويكون قوله لمن ضره أقرب من نفعه كلاما مستأنفا مرفوعا بالابتداء وخبره لبئس المولى قال وهذا لأن اللام لليمين والتوكيد فجعلها أول الكلام وقال الزجاج والفراء يجوز أن يكون يدعو مكررة على ما قبلها على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء اي يدعو ما لا يضره ولا ينفعه يدعو مثل ضربت زيدا ضربت وقال الفراء والكسائي والزجاج معنى الكلام القسم واللام مقدمة على موضعها والتقدير يدعو من لضره أقرب من نفعه فمن في موضع نصب بيدعو واللام جواب القسم وضره مبتدأ وأقرب خبره ومن التصرف في اللام بالتقديم والتأخير قول الشاعر خالي لأنت ومن جرير خاله
ينل العلاء ويكرم الأخوال
أي لخالي أنت قال النحاس وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال في الكلام حذف والمعنى يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها قال النحاس وأحسب هذا القول غلطا عن محمد بن يزيد ولعل وجهه أن ما قبل اللام هذه لا يعمل فيما بعدها وقال الفراء أيضا والقفال اللام صلة أي زائدة والمعنى يدعو من ضره أقرب من نفعه أي يعبده وهكذا في قراءة عبدالله بن مسعود بحذف اللام وتكون اللام في لبئس المولى وفي لبئس العشير على هذا موطئة للقسم ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ( لما فرغ من ذكر حال المشركين ومن يعبد الله على حرف ذكر حال المؤمنين في الآخرة وأخبر أنه يدخلهم هذه الجنات المتصفة بهذه الصفة وقد تقدم الكلام في جري الأنهار من تحت الجنات وبينا أنه إن اريد بها الاشجار المتكاثفة الساترة لما تحتها فجريان الأنهار من تحتها ظاهر وإن اريد بها الأرض فلا بد من تقدير مضاف اي من تحت أشجارها ) إن الله يفعل ما يريد ( هذه الجملة تعليل لما قبلها اي يفعل ما يريده من الافعال لايسأل عما يفعل فيثيب من يشاء ويعذب من يشاء ) من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة ( قال النحاس من احسن ما قيل في هذه الآية أن المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأنه يتهيأ له ان يقطع النصر الذي أوتيه ) فليمدد بسبب إلى السماء ( أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء ) ثم ليقطع ( أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له ) فلينظر هل يذهبن كيده ( وحيلته ) ما يغيظ ( من نصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظا ثم فسره بقوله ) فليمدد بسبب إلى السماء ( أي فليشدد حبلا في سقف بيته ) ثم ليقطع ( اي ثم ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا والمعنى فليختنق غيظا حتى يموت فإن الله ناصره ومظهره ولا ينفعه غيظه ومعنى فلينظر هل يذهبن كيده اي صنيعه وحيلته ما يغيظ اي غيظه وما مصدرية وقيل إن الضمير في ينصره يعود إلى من والمعنى من كان يظن ان الله لا يرزقه فليقتل نفسه وبه قال أبو عبيدة وقيل إن الضمير يعود إلى الدين اي من كان يظن ان لن ينصر الله دينه وقرأ الكوفيون بإسكان اللام في ثم ليقطع قال النحاس وهذه القراءة بعيدة من العربية ) وكذلك أنزلناه آيات بينات ( أي مثل ذلك الانزال البديع أنزلناه آيات واضحات ظاهرة الدلالة على مدلولاتها ) وأن الله يهدي من يريد ( هدايته ابتداء أو زيادة فيها لمن كان مهديا من قبل
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ثاني عطفه ( قال لاوي عنقه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسدي وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) ثاني عطفه ( قال أنزلت في النضر بن الحارث وأخرج


"""""" صفحة رقم 448 """"""
المخففة من الثقيلة وقيل هى زائدة
الحج : ( 26 ) وإذ بوأنا لإبراهيم . . . . .
وقيل معنى الآية وأوحينا إليه أن لا تعبد غيرى قال المبرد كأنه قيل له وحدنى فى هذا البيت لأن معنى لا تشرك بى وحدنى ) وطهر بيتي ( من الشرك وعبادة الأوثان وفى الآية طعن على ما أشرك من قطان البيت أى هذا كان الشرط على أبيكم فمن بعده وأنتم فلم تفوا بل أشركتم وقالت فرقة الخطاب بقوله ) لا تشرك ( لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهذا ضعيف جدا ومعنى ) وطهر بيتي ( تطهيره من الكفر والأوثان والدماء وسائر النجاسات وقيل عنى به التطهير عن الأوثان فقط وذلك أن جرهما والعمالقة كانت لهم أصنام فى محل البيت وقد مر فى سورة براءة ما فيه كفاية فى هذا المعنى والمراد بالقائمين هنا هم المصلون و ذكر ) والركع السجود ( بعده لبيان أركان الصلاة دلالة على عظم شأن هذه العبادة وقرن الطواف بالصلاة لأنهما لا يشرعان إلا فى البيت فالطواف عنده والصلاة إليه
الحج : ( 27 ) وأذن في الناس . . . . .
) وأذن في الناس بالحج ( قرأ الحسن وابن محيصن وآذن بتخفيف الذال والمد وقرأ الباقون بتشديد الذال والأذان الإعلام وقد تقدم فى براءة
قال الواحدى قال جماعة المفسرين لما فرغ إبراهيم من بناء البيت جاءه جبريل فأمره أن يؤذن فى الناس بالحج فقال يا رب من يبلغ صوتى فقال الله سبحانه أذن وعلي البلاغ فعلا المقام فأشرف به حتى صار كأعلى الجبال فأدخل أصبعيه فى أذنيه وأقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا وقال يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت فأجيبوا ربكم فأجابه من كان فى أصلاب الرجال وأرحام النساء لبيك اللهم لبيك وقيل إن الخطاب لنبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أعلمهم يا محمد بوجوب الحج عليهم وعلى هذا فالخطاب لإبراهيم انتهى عند قوله ) والركع السجود ( وقيل إن خطابه انقضى عند قوله ) وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ( وأن قوله ) أن لا تشرك بي ( وما بعده خطاب لنبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقرأ الجمهور ) بالحج ( بفتح الحاء وقرا ابن أبى إسحاق فى كل القرآن بكسرها ) يأتوك رجالا ( هذا جواب الأمر وعده الله إجابة الناس له إلى حج البيت ما بين راجل وراكب فمعنى رجالا مشاة جمع راجل وقيل جمع رجل وقرأ ابن أبى إسحاق ) رجالا ( بضم الراء وتخفيف الجميم وقرأ مجاهد رجالى على وزن فعالى مثل كسالى وقدم الرجال على الركبان فى الذكر لزيادة تعبهم فى المشي وقال يأتوك وإن كانوا يأتون البيت لأن من أتى الكعبة حاجا فقد أتى إبراهيم لأنه أجاب نداءه ) وعلى كل ضامر ( عطف على رجالا أى وركبانا على كل بعير والضامر البعير المهزول الذى أتعبه السفر يقال ضمر يضمر ضمورا ووصف الضامر بقوله ) يأتين ( باعتبار المعنى لأن ضامر فى معنى ضوامر وقرأ أصحاب ابن مسعود وابن أبى عبلة والضحاك يأتون على أنه صفة لرجالا والفتح الطريق الواسع الجمع فجاج والعميق البعيد
الحج : ( 28 ) ليشهدوا منافع لهم . . . . .
واللام فى ) ليشهدوا منافع لهم ( متعلقة بقوله يأتوك وقيل بقوله وأذن والشهود الحضور والمنافع هى تعم منافع الدنيا والآخرة وقيل المراد بها المناسك وقيل المغفرة وقيل التجارة كما فى قوله ) ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( ) ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ( أى يذكروا عند ذبح الهدايا والضحايا اسم الله وقيل إن هذا الذكر كناية عن الذبح لأنه لا ينفك عنه والأيام المعلومات هى أيام النحر كما يفيد ذلك قوله ) على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( وقيل عشر ذى الحجة وقد تقدم الكلام فى الأيام المعلومات والمعدودات فى البقرة فلا نعيده والكلام فى وقت ذبح الأضحية معروف فى كتب الفقه وشروح الحديث ومعنى على ما رزقهم على ذبح ما رزقهم من بهيمة الأنعام وهى الإبل والبقر والغنم وبهيمة الأنعام هى الأنعام فالإضافة فى هذا كالإضافة فى قولهم مسجد الجامع وصلاة الأولى ) فكلوا منها ( الأمر هنا للندب عند الجمهور وذهبت طائفة إلى أن الأمر للوجوب وهذا التفات من الغيبة إلى الخطاب ) وأطعموا البائس الفقير ( البائس


"""""" صفحة رقم 449 """"""
ذو البؤس وهو شدة الفقر فذكر الفقير بعده لمزيد الإيضاح والأمر هنا للوجوب وقيل للندب
الحج : ( 29 ) ثم ليقضوا تفثهم . . . . .
) ثم ليقضوا تفثهم ( المراد بالقضاء هنا هو التأدية أى ليؤدوا إزالة وسخهم لأن التفث هو الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار وقد أجمع المفسرون كما حكاه النيسابوري على هذا قال الزجاج إن أهل اللغة لا يعرفون التفث وقال أبو عبيدة لم يأت فى الشعر ما يحتج به فى معنى التفث وقال المبرد أصل التفث فى اللغة كل قاذورة تلحق الإنسان وقيل قضاؤه ادهانه لأن الحاج مغبر شعث لم يدهن ولم يستحد فإذا قضى نسكه وخرج من إحرامه حلق شعره ولبس ثيابه فهذا هو قضاء التفث قال الزجاج كأنه خروج من الإحرام إلى الإحلال ) وليوفوا نذورهم ( أى ما ينذرون به من البر فى حجهم والأمر للوجوب وقيل المراد بالنذور هنا أعمال الحج ) وليطوفوا بالبيت العتيق ( هذا الطواف هو طواف الإفاضة قال ابن جرير لا خلاف فى ذلك بين المتأولين والعتيق القديم كما يفيده قوله سبحانه ) إن أول بيت وضع للناس ( الآية وقد سمى العتيق لأن الله أعتقه من أن يتسلط عليه جبار وقيل لأن الله يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب وقيل لأنه أعتق من غرق الطوفان وقيل العتيق الكريم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد عن ابن عباس فى قوله ) والمسجد الحرام ( قال الحرم كله وهو المسجد الحرام ) سواء العاكف فيه والباد ( قال خلق الله فيه سواء وأخرج ابن أبى شيبة عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى الآية قال هم فى منازل مكة سواء فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم وقال البادى وأهل مكة سواء يعنى فى المنزل والحرم وأخرج ابن أبى شيبة عن عبد الله بن عمرو قال من أخذ من أجور بيوت مكة إنما يأكل فى بطونه نارا وأخرج ابن سعد عن عمر بن الخطاب أن رجلا قال له عند المروة يا أمير المؤمنين أقطعنى مكانا لى ولعقبى فأعرض عنه عمر وقال هو حرم الله سواء العاكف فيه والباد وأخرج ابن أبى شيبة عن عطاء قال كان عمر يمنع أهل مكة أن يجعلوا لها أبوابا حتى ينزل الحاج فى عرصات الدور وأخرج ابن أبى حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بإسناد صحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قول الله ) سواء العاكف فيه والباد ( قال سواء المقيم والذى يدخل وأخرج أبن مردويه عن ابن عمر أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال مكة مباحة لا تؤجر بيوتها ولا تباع رباعها وأخرج ابن أبى شيبة وابن ماجه عن علقمة بن نضلة قال توفى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن رواه ابن ماجه عن أبى بكر بن أبى شيبة عن عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد بن أبى حفرة عن عثمان بن أبى سليمان عن علقمة فذكره وأخرج الدارقطنى عن ابن عمر مرفوعا من أكل كراء بيوت مكة أكل نارا وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن راهويه وأحمد وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود رفعه فى قوله ) ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ( قال لو أن رجلا هم فيه بإلحاد وهو بعدن أبين لأذاقه الله عذابا أليما قال ابن كثير هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري ووقفه أشبه من رفعه ولهذا صمم شعبة على وقفه وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود فى الآية قال من هم بخطيئة فلم يعملها فى سوى البيت لم تكتب عليه حتى يعملها ومن هم بخطيئة فى البيت لم يمته الله من الدنيا حتى يذيقه من عذاب أليم وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية فى عبد الله بن أنيس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعثه مع رجلين أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار فافتخروا فى الأنساب فغضب عبد الله بن أنيس فقتل الأنصارى ثم ارتد عن الإسلام وهرب إلى مكة فنزلت فيه ) ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ( يعنى من لجأ


"""""" صفحة رقم 450 """"""
إلى الحرم بإلحاد يعنى بميل عن الإسلام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قول ) ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ( قال بشرك وأخرج عبد بن حميد والبخاري فى تاريخه وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن يعلى بن أمية عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال احتكار الطعام فى الحرم إلحاد فيه وأخرج سعيد بن منصور والبخاري فى تاريخه وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم عن ابن عمر قال بيع الطعام بمكة إلحاد وأخرج البيهقى فى الشعب عنه قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول احتكار الطعام بمكة إلحاد وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن علي قال لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج معه إسماعيل وهاجر فلما قدم مكة رأى على رابية فى موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس فكلمه فقال يا إبراهيم ابن على ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر وذلك حين يقول الله ) وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ( الآية وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عطاء ) والقائمين ( قال المصلين عنده وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة معناه وأخرج ابن أبى شيبة فى المصنف وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى السنن عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال رب قد فرغت فقال ) وأذن في الناس بالحج ( قال رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ قال رب كيف أقول قال قل يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من فى السماء والأرض ألا ترى أنهم يجيئون من أقصى الأرض يلبون وفى الباب آثار عن جماعة من الصحابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) ليشهدوا منافع لهم ( قال أسواقا كانت لهم ما ذكر الله منافع إلا الدنيا وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال منافع فى الدنيا ومنافع فى الآخرة فأما منافع الآخرة فرضوان الله وأما منافع الدنيا فمما يصيبون من لحوم البدن فى ذلك اليوم والذبائح والتجارات وأخرج أبو بكر المروزى فى كتاب العيدين عنه أيضا قال الأيام المعلومات أيام العشر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا قال الأيام المعلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال أيام التشريق وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا فى الأيام المعلومات قال قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال البائس الزمن وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال التفث المناسك كلها وأخرج هؤلاء عن ابن عباس نحوه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال التفث حلق الرأس والأخذ من العارضين ونتف الإبط وحلق العانة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمى الجمار وقص الأظفار وقص الشارب والذبح وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ) وليطوفوا بالبيت العتيق ( هو طواف الزيارة يوم النحر وورد فى وجه تسمية البيت بالعتيق آثار عن جماعة من الصحابة وقد أشرنا إلى ذلك سابقا وورد فى فضل الطواف أحاديث ليس هذا موضع ذكرها


"""""" صفحة رقم 451 """"""
سورة الحج الآية ( 30 35 )
الحج : ( 30 ) ذلك ومن يعظم . . . . .
محل ) ذلك ( الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى الأمر ذلك أو مبتدأ خبره محذوف أو فى محل نصب بفعل محذوف أى افعلوا ذلك والمشار إليه هو ما سبق من أعمال الحج وهذا وأمثاله يطلق للفصل بين الكلامين أو بين طرفي كلام واحد والحرمات جمع حرمة قال الزجاج الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه وهى فى هذه الآية ما نهى عنها ومنع من الوقوع فيها والظاهر من الآية عموم كل حرمة فى الحج وغيره كما يفيده اللفظ وإن كان السبب خاصا وتعظيمها ترك ملابستها ) فهو خير له ( أى فالتعظيم خير له ) عند ربه ( يعنى فى الآخرة من التهاون بشئ منها وقيل إن صيغة التفضيل هنا لا يراد بها معناها الحقيقى بل المراد أن ذلك التعظيم خير ينتفع به فهى عدة بخير ) وأحلت لكم الأنعام ( وهى الإبل والبقر والغنم ) إلا ما يتلى عليكم ( أى فى الكتاب العزيز من المحرمات وهى الميتة وما ذكر معها فى سورة المائدة وقيل فى قوله ) إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم ( ) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( الرجس القذر والوثن التمثال وأصله من وثن الشئ أى أقام فى مقامه وسمى الصليب وثنا لأنه ينصب ويركز فى مقامه فلا يبرح عنه والمراد اجتناب عبادة الأوثان وسماها رجسا لأنها سبب الرجس وهو العذاب وقيل جعلها سبحانه رجسا حكما والرجس النجس وليست النجاسة وصفا ذاتيا لها ولكنها وصف شرعي فلا تزول إلا بالإيمان كما أنها لا تزول النجاسة الحسية إلا بالماء قال الزجاج من هنا لتخليص جنس من أجناس أى فاجتنبوا الرجس الذى هو وثن ) واجتنبوا قول الزور ( الذى هو الباطل وسمى زورا لأنه مائل عن الحق ومنه قوله تعالى ) تزاور عن كهفهم ( وقولهم مدينة زوراء أى مائلة والمراد هنا قول الزور على العموم وأعظمه الشرك بالله بأى لفظ كان وقال الزجاج المراد بقول الزور ها هنا تحليلهم بعض الأنعام وتحريمهم بعضها وقولهم هذا حلال وهذا حرام وقيل المراد به شهادة الزور
الحج : ( 31 ) حنفاء لله غير . . . . .
وانتصاب ) حنفاء ( على الحال أى مستقيمين على الحق أو مائلين إلى الحق ولفظ حنفاء من الأضداد يقع على الاستقامة ويقع على الميل وقيل معناه حجاجا ولا وجه لهذا ) غير مشركين به ( هو حال كالأول أى غير مشركين به شيئا من الأشياء كما يفيده الحذف من العموم وجملة ) ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ( مبتدأة مؤكدة لما قبلها من الأمر بالاجتناب ومعنى خر من السماء سقط إلى الأرض أى انحط من رفيع الإيمان إلى حضيض الكفر ) فتخطفه الطير ( يقال خطفه يخطفه إذا سلبه ومنه قوله ) يخطف أبصارهم ( أى تخطف لحمه وتقطعه بمخالبها قرأ أبو جعفر ونافع بتشديد الطاء وفتح الخاء وقرئ بكسر الخاء والطاء وبكسر


"""""" صفحة رقم 452 """"""
التاء مع كسرهما ) أو تهوي به الريح ( أى تقذفه وترمى به ) في مكان سحيق ( أى بعيد يقال سحق يسحق سحقا فهو سحيق إذا بعد قال الزجاج أعلم الله أن بعد من أشرك به من الحق كبعد ما خر من السماء فتذهب به الطير أو هوت به الريح فى مكان بعيد
الحج : ( 32 ) ذلك ومن يعظم . . . . .
) ذلك ومن يعظم شعائر الله ( الكلام فى هذه الإشارة قد تقدم قريبا والشعائر جمع الشعيرة وهى كل شئ فيه لله تعالى شعار ومنه شعار القوم فى الحرب وهو علامتهم التى يتعارفون بها ومنه إشعار البدن وهو الطعن فى جانبها الأيمن فشعائر الله أعلام دينه وتدخل الهدايا فى الحج دخولا أوليا والضمير فى قوله ) فإنها من تقوى القلوب ( راجع إلى الشعائر بتقدير مضاف محذوف أى فإن تعظيمها من تقوى القلوب أى من أفعال القلوب التى هى من التقوى فإن هذا التعظيم ناشئ من التقوى
الحج : ( 33 ) لكم فيها منافع . . . . .
) لكم فيها منافع ( أى فى الشعائر على العموم أو على الخصوص وهى البدن كما يدل عليه السياق ومن منافعها الركوب والدر والنسل والصوف وغير ذلك ) إلى أجل مسمى ( وهو وقت نحرها ) ثم محلها إلى البيت العتيق ( أى حيث يحل نحرها والمعنى أنها تنتهى إلى البيت وما يليه من الحرم فمنافعهم الدنيوية المستفادة منها مستمرة إلى وقت نحرها ثم تكون منافعها بعد ذلك دينية وقيل إن محلها هاهنا مأخوذ من إحلال الحرام والمعنى أن شعائر الحج كلها من الوقوف بعرفة ورمى الجمار والسعي تنتهى إلى طواف الإفاضة بالبيت فالبيت على هذا مراد بنفسه
الحج : ( 34 ) ولكل أمة جعلنا . . . . .
) ولكل أمة جعلنا منسكا ( المنسك هاهنا المصدر من نسك ينسك إذا ذبح القربان والذبيحة نسيكة وجمعها نسك وقال الأزهرى إن المراد بالمنسك فى الآية موضع النحر ويقال منسك بكسر السين وفتحها لغتان قرأ بالكسر الكوفيون إلا عاصما وقرا الباقون بالفتح وقرأ الفراء المنسك فى كلام العرب الموضع المعتاد فى خير أو شر وقال ابن عرفة ) ولكل أمة جعلنا منسكا ( أى مذهبا من طاعة الله وروى عن الفراء أن المنسك العيد وقيل الحج والأول أولى لقوله ) ليذكروا اسم الله ( إلى آخره والأمة الجماعة المجتمعة على مذهب واحد والمعنى وجعلنا لكل أهل دين من الأديان ذبحا يذبحونه ودما يريقونه أو متعبدا أو طاعة أو عيدا أو حجا يحجونه ليذكروا اسم الله وحده ويجعلوا نسكهم خاصا به ) على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ( أى على ذبح ما رزقهم منها وفيه إشارة إلى أن القربان لا يكون إلا من الأنعام دون غيرها وفى الآية دليل على أن المقصود من الذبح المذكور هو ذكر اسم الله عليه ثم أخبرهم سبحانه بتفرده بالإلهية وأنه لا شريك له والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ثم أمرهم بالإسلام له والانقياد لطاعته وعبادته وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر والفاء هنا كالفاء التى قبلها ثم أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يبشر ) المخبتين ( من عباده أى المتواضعين الخاشعين المخلصين وهو مأخوذ من الخبيت وهو المنخفض من الأرض والمعنى بشرهم يا محمد بما أعد الله لهم من جزيل ثوابه وجليل عطائه وقيل إن المخبتين هم الذين لا يظلمون غيرهم وإذا ظلمهم غيرهم لم ينتصروا
الحج : ( 35 ) الذين إذا ذكر . . . . .
ثم وصف سبحانه هؤلاء المخبتين بقوله ) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( أى خافت وحذرت مخالفته وحصول الوجل منهم عند الذكر له سبحانه دليل على كمال يقينهم وقوة إيمانهم ووصفهم بالصبر ) على ما أصابهم ( من البلايا والمحن فى طاعة الله ثم وصفهم بإقامة ) الصلاة ( أى الإتيان بها فى أوقاتها على وجه الكمال قرأ الجمهور والمقيمى الصلاة بالجر على ما هو الظاهر وقرأ أبو عمرو بالنصب على توهم بقاء النون وأنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر
الحافظ عورة العشيرة
البيت بنصب عورة وقيل لم يقرأ بهذه القراءة أبو عمرو وقرأ ابن محيصن ) والمقيمين ( بإثبات النون على الأصل ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود ثم وصفهم سبحانه بقوله ) ومما رزقناهم ينفقون (


"""""" صفحة رقم 453 """"""
أي يتصدقون به وينفقونه فى وجوه البر ويضعونه فى مواضع الخير ومثل هذه الآية قوله سبحانه ) إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) حرمات الله ( قال الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( يقول اجتنبوا طاعة الشيطان فى عبادة الأوثان ) واجتنبوا قول الزور ( يعني الافتراء على الله والتكذيب به وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أيمن بن حريم قال قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطيبا فقال يا أيها الناس عدلت شهادة الزور شركا بالله ثلاثا ثم قرأ ) فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( قال أحمد غريب إنما نعرفه من حديث سفيان بن زياد وقد اختلف عنه فى رواية هذا الحديث ولا نعرف لأيمن بن حريم سماعا من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد أخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي فى الشعب من حديث حريم وقد ثبت فى الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) حنفاء لله غير مشركين به ( قال حجاجا لله غير مشركين به وذلك أن الجاهلية كانوا يحجون مشركين فلما أظهر الله الإسلام قال الله للمسلمين حجوا الآن غير مشركين بالله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ومن يعظم شعائر الله ( قال البدن وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ومن يعظم شعائر الله ( قال الاستسمان والاستحسان والاستعظام وفى قوله ) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ( قال إلى أن تسمى بدنا وأخرج هؤلاء عن مجاهد نحوه وفيه قال ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى فى ظهورها والبانها وأوبارها وأشعارها وأصوافها إلى أن تسمى هديا فإذا سميت هديا ذهبت المنافع ) ثم محلها ( يقول حين تسمى ) إلى البيت العتيق ( وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال إذا دخلت الحرم فقد بلغت محلها وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولكل أمة جعلنا منسكا ( قال عيدا وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى الآية قال إهراق الدماء وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة قال ذبحا وأخرج ابن أبى حاتم عن زيد بن أسلم فى الآية قال مكة لم يجعل الله لأمة قط منسكا غيرها وقد وردت أحاديث فى الأضحية ليس هذا موضع ذكرها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) وبشر المخبتين ( قال المطمئنين وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن أبى الدنيا فى ذم الغضب وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيقهى فى شعب الإيمان عن عمرو بن أوس قال المخبتون فى الآية الذين لا يظلمون الناس وإذا ظلموا لم ينتصروا


"""""" صفحة رقم 454 """"""
سورة الحج الآية ( 36 37 )
الحج : ( 36 ) والبدن جعلناها لكم . . . . .
قرأ ابن أبى إسحاق ) والبدن ( بضم الباء والدال وقرأ الباقون بإسكان الدال وهما لغتان وهذا الإسم خاص بالإبل وسميت بدنة لأنه تبدن والبدانة السمن وقال أبو حنيفة ومالك إنه يطلق على غير الإبل والأول أولى لما سيأتي من الأوصاف التى هى ظاهرة فى الإبل ولما تفيده كتب اللغة من اختصاص هذا الإسم بالإبل وقال ابن كثير فى تفسيره واختلفوا فى صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما صح فى الحديث ) جعلناها لكم ( وهى ما تقدم بيانه قريبا ) لكم فيها خير ( أى منافع دينية ودنيوية كما تقدم ) فاذكروا اسم الله عليها ( أى على نحرها ومعنى ) صواف ( أنها قائمة قد صفت قوائمها لأنها تنحر قائمة معقولة وأصل هذا الوصف فى الخيل يقال صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاث قوائم وثنى الرابعة وقرا الحسن والأعرج ومجاهد وزيد بن أسلم وأبو موسى الأشعري صوافى أى خوالص لله لا تشركون به فى التسمية على نحرها أحدا وواحد صواف صافة وهى قراءة الجمهور وواحد صوافى صافية وقرأ ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبو جعفر ومحمد بن علي صوافن بالنون جمع صافنة والصافنة هى التى قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب ومنه قوله تعالى ) الصافنات الجياد ( ومنه قول عمرو بن كلثوم
تركنا الخيل عاكفة عليه
مقلدة أعنتها صفونا
وقال الآخر
ألف الصفون فما يزال كأنه
مما يقوم على الثلاث كسير
) فإذا وجبت جنوبها ( الوجوب السقوط أى فإذا سقطت بعد نحرها وذلك عند خروج روحها ) فكلوا منها ( ذهب الجمهور أن هذا الأمر للندب ) وأطعموا القانع والمعتر ( هذا الأمر قيل هو للندب كالأول وبه قال مجاهد والنخعي وابن جرير وابن سريج وقال الشافعي وجماعة هو للوجوب
واختلف فى القانع من هو فقيل هو السائل يقال قنع الرجل بفتح النون يقنع بكسرها إذا سأل ومنه قول الشماخ لمال المرء يصلحه فيغنى
مفاقره أعف من القنوع
أى السؤال وقيل هو المتعفف عن السؤال المستغنى ببلغة ذكر معناه الخليل قال ابن السكيت من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة وهى الرضا والتعفف وترك المسألة وبالأول قال زيد بن أسلم وابنه وسعيد بن جبير والحسن وروى عن ابن عباس وبالثاني قال عكرمة وقتادة وأما المعتر فقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي والحسن أنه الذى يتعرض من غير سؤال وقيل هو الذى يعتريك ويسألك وقال مالك أحسن ما سمعت أن القانع الفقير والمعتر الزائر وروى عن ابن عباس أن كلاهما الذى لا يسأل ولكن القانع الذى يرضى بما عنده ولا يسأل والمعتر الذى يتعرض لك ولا يسألك وقرأ الحسن والمعترى ومعناه كمعنى المعتر ومنه قول زهير على مكثريهم رزق من يعتريهم
وعند المقلين السماحة والبذل


"""""" صفحة رقم 455 """"""
يقال اعتره واعتراه وعره وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه ذكره النحاس ) كذلك سخرناها لكم ( أى مثل ذلك التسخير البديع سخرناها لكم فصارت تنقاد لكم إلى مواضع نحرها فتنحرونها وتنتفعون بها بعد أن كانت مسخرة للحمل عليها والركوب على ظهرها والحلب لها ونحو ذلك ) لعلكم تشكرون ( هذه النعمة التى أنعم الله بها عليكم
الحج : ( 37 ) لن ينال الله . . . . .
) لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ( أى لن يصعد إليه ولا يبلغ رضاه ولا يقع موقع القبول منه لحوم هذه الإبل التى تتصدقون بها ولا دماؤها التى تنصب عند نحرها من حيث إنها لحوم ودماء ) ولكن يناله ( أى يبلغ إليه تقوى قلوبكم ويصل إليه إخلاصكم له وإرادتكم بذلك وجهه فإن ذلك هو الذى يقبله الله ويجازي عليه وقيل المراد أصحاب اللحوم والدماء أى لن يرضى المضحون والمتقربون إلى ربهم باللحوم والدماء ولكن بالتقوى قال الزجاج أعلم الله أن الذى يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به وحقيقة معنى هذا الكلام تعود إلى القبول وذلك أن ما يقبله الإنسان يقال قد ناله ووصل إليه فخاطب الله الخلق كعادتهم فى مخاطبتهم ) كذلك سخرها لكم ( كرر هذا للتذكير ومعنى ) لتكبروا الله على ما هداكم ( هو قول الناحر الله أكبر عند النحر فذكر فى الآية الأولى الأمر بذكر اسم الله عليها وذكر هنا التكبير للدلالة على مشروعية الجمع بين التسمية والتكبير وقيل المراد بالتكبير وصفه سبحانه بما يدل على الكبرياء ومعنى ) على ما هداكم ( على ما أرشدكم إليه من علمكم بكيفية التقرب بها وما مصدرية أو موصولة ) وبشر المحسنين ( قيل المراد بهم المخلصون وقيل الموحدون والظاهر أن المراد بهم كل من يصدر منه من الخير ما يصح به إطلاق اسم المحسن عليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عبد الله بن عمر لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال البدن ذات الجوف وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن أبى حاتم عن مجاهد قال ليس البدن إلا من الإبل وأخرجوا عن الحكم نحوه وأخرجوا عن عطاء نحو ما قال ابن عمر وأخرج ابن أبى شيبة عن سعيد بن المسيب نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن نحوه أيضا وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد عن يعقوب الرباحي عن أبيه قال أوصى إلى رجل وأوصى ببدنة فأتيت ابن عباس فقلت له إن رجلا أوصى إلى وأوصى ببدنة فهل تجزئ عنى بقرة قال نعم ثم قال ممن صاحبكم فقلت من بنى رباح فقال ومتى اقتنى بنو رباح البقر إلا الإبل وهم صاحبكم إنما البقر للأسد وعبد القيس وأخرج عبد بن حميد وابن أبى الدنيا فى الأضاحى وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى سننه عن أبى ظبيان قال سألت ابن عباس عن قوله ) فاذكروا اسم الله عليها صواف ( قال إذا أردت أن تنحر البدنة فأقمها على ثلاث قوائم معقولة ثم قل بسم الله والله أكبر وأخرج الفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم من طرق عن ابن عباس فى قوله ) صواف ( قال قياما معقولة وفى الصحيحين وغيرهما عنه أنه رأى رجلا قد أناخ بدنته وهو ينحرها فقال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج أبو عبيدة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ميمون بن مهران قال فى قراءة ابن مسعود صوافن يعنى قياما وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) فإذا وجبت ( قال سقطت على جنبها وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال نحرت وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال ) القانع ( المتعفف ) والمعتر ( السائل وأخرج ابن أبى شيبة عن ابن عمر قال القانع الذى يقنع بما آتيته وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال القانع الذى يقنع بما أوتى والمعتر الذى يعترض وأخرج عنه أيضا قال القانع الذى يجلس فى بيته وأخرج عبد بن حميد والبيهقى فى سننه عنه أنه سئل عن هذه الآية فقال أما القانع فالقانع بما أرسلت إليه فى بيته والمعتر الذى يعتريك


"""""" صفحة رقم 456 """"""
وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال القانع الذى يسأل والمعتر الذى يتعرض ولا يسأل وقد روى عن التابعين فى تفسير هذه الآية أقوال مختلفة والمرجع المعنى اللغوي لا سيما مع الاختلاف بين الصحابة ومن بعدهم فى تفسير ذلك وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال كان المشركون إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء فينضحون بها نحو الكعبة فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله ) لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج نحوه
سورة الحج الآية ( 38 41 )
الحج : ( 38 ) إن الله يدافع . . . . .
قرأ أبو عمرو وابن كثير ? يدفع ? وقرأ الباقون يدافع وصيغة المفاعلة هنا مجردة عن معناها الأصلي وهو وقوع الفعل من الجانبين كما تدل عليه القراءة الأخرى وقد ترد هذه الصيغة ولا يراد بها معناها الأصلي كثيرا مثل عاقبت اللص ونحو ذلك وقد قدمنا تحقيقه وقيل إن إيراد هذه الصيغة هنا للمبالغة وقيل للدلالة على تكرر الواقع والمعنى يدافع عن المؤمنين غوائل المشركين وقيل يعلى حجتهم وقيل يوفقهم والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من رب العالمين وأنه المتولي للمدافعة عنهم وجملة ) إن الله لا يحب كل خوان كفور ( مقررة لمضمون الجملة الأولى فإن المدافعة من الله لهم عن عباده المؤمنين مشعرة أتم إشعار بأنهم مبغضون إلى الله غير محبوبين له قال الزجاج من ذكر غير اسم الله وتقرب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوان كفور وإيراد صيغتي المبالغة للدلالة على أنهم كذلك فى الواقع لا لإخراج من خان دون خيانتهم أو كفر دون كفرهم
الحج : ( 39 ) أذن للذين يقاتلون . . . . .
) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ( قرئ ) آذن ( مبني للفاعل ومبنيا للمفعول وكذلك يقاتلون قرئ مبنيا للفاعل ومبنيا للمفعول وعلى كلا القراءتين فالإذن من الله سبحانه لعباده المؤمنين بأنهم إذا صلحوا للقتال أو قاتلهم المشركون قاتلوهم قال المفسرون كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بألسنتهم وأيديهم فيشكون ذلك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزل الله سبحانه هذه الآية بالمدينة وهى أول آية نزلت فى القتال وهذه الآية مقررة أيضا لمضمون قوله ) إن الله يدافع ( فإن إباحة القتال لهم هى من جملة دفع الله عنهم والباء فى ) بأنهم ظلموا ( للسببية أى بسبب أنهم ظلموا بما كان يقع عليهم من المشركين من سب وضرب وطرد ثم وعدهم سبحانه النصر على المشركين فقال ) وإن الله على نصرهم لقدير ( وفيه تأكيد لما مر من المدافعة أيضا
الحج : ( 40 ) الذين أخرجوا من . . . . .
ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله ) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ( ويجوز أن يكون بدلا من الذين يقاتلون أو فى محل نصب على المدح أو محل رفع بإضمار


"""""" صفحة رقم 457 """"""
مبتدأ والمراد بالديار مكة ) إلا أن يقولوا ربنا الله ( قال سيبويه هو استثناء منقطع أى لكن لقولهم ربنا الله أى أخرجوا بغير حق يوجب إخراجهم لكن لقولهم ربنا الله وقال الفراء والزجاج هو استثناء متصل والتقدير الذين أخرجوا من ديارهم بلا حق إلا بأن يقولوا ربنا لله فيكون مثل قوله سبحانه ) هل تنقمون منا إلا أن آمنا ( وقول النابغة
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكنائب
? ولولا دفاع الله الناس ? قرأ نافع ? ولولا دفاع ? وقرأ الباقون ) ولولا دفع ( لولا ماشرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك وذهبت مواضع العبادة من الأرض ومعنى ) لهدمت ( لخربت باستيلاء أهل الشرك على أهل الملل فالصوامع هى صوامع الرهبان وقيل صوامع الصابئين والبيع جمع بيعة وهى كنيسة النصارى والصلوات هى كنائس اليهود واسمها بالعبرانية صلوثا بالمثلثة فعربت والمساجد هى مساجد المسلمين وقيل المعنى لولا هذا الدفع لهدمت فى زمن موسى الكنائس وفى زمن عيسى الصوامع والبيع وفى زمن محمد المساجد قال ابن عطية هذا أصوب ما قيل فى تأويل الآية وقيل المعنى ولولا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة وقيل لولا دفع الله العذاب بدعاء الأخيار وقيل غير ذلك والصوامع جمع صومعة وهى بناء مرتفع يقال صمع الثريدة إذا رفع رأسها ورجل أصمع القلب أى حاد الفطنة والأصمع من الرجال الحديد القول وقيل الصغير الأذن ثم استعمل فى المواضع التى يؤذن عليها فى الإسلام وقد ذكر ابن عطية فى صلوات تسع قراءات ووجه تقديم مواضع عبادات أهل الملل على موضع عبادة المسلمين كونها أقدم بناء وأسبق وجودا والظاهر من الهدم المذكور معناه الحقيقي كما ذكره الزجاج وغيره وقيل المراد به المعنى المجازى وهو تعطلها من العبادة وقرئ ) لهدمت ( بالتشديد وانتصاب كثيرا فى قوله ) يذكر فيها اسم الله كثيرا ( على أنه صفة لمصدر محذوف أى ذكرا كثيرا أو وقتا كثيرا والجملة صفة للمساجد وقيل لجميع المذكورات ) ولينصرن الله من ينصره ( اللام هى جواب لقسم محذوف أى والله لينصر الله من ينصره والمراد بمن ينصر الله من ينصر دينه وأولياءه والقوي القادر على الشيء والعزيز الجليل الشريف قاله الزجاج وقيل الممتنع الذى لا يرام ولا يدافع ولا يمانع
الحج : ( 41 ) الذين إن مكناهم . . . . .
والموصول فى قوله ) الذين إن مكناهم في الأرض ( فى موضع نصب صفة لمن فى قوله ) من ينصره ( قاله الزجاج وقال غيره هو فى موضع جر صفة لقوله للذين يقاتلون وقيل المراد بهم المهاجرون والأنصار والتابعون لهم بإحسان وقيل أهل الصلوات الخمس وقيل ولاة العدل وقيل غير ذلك وفيه إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من مكنه الله فى الأرض وأقدره على القيام بذلك وقد تقدم تفسير الآية ومعنى ) ولله عاقبة الأمور ( أن مرجعها إلى حكمه وتدبيره دون غيره
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه النسائي وابن ماجه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال لما أخرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم ) إنا لله وإنا إليه راجعون ( ليهلكن القوم فنزلت ) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ( الآية قال ابن عباس وهى أول آية نزلت فى القتال قال الترمذي حسن وقد رواه غير واحد عن الثوري وليس فيه ابن عباس انتهى وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال ) الذين أخرجوا من ديارهم ( أى من مكة إلى المدينة بغير حق يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه


"""""" صفحة رقم 458 """"""
عن عثمان بن عفان قال فينا نزلت هذه الآية ) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ( والآية بعدها أخرجنا من ديارنا بغير حق ثم مكناهم فى الأرض أقمنا الصلاة وآتينا الزكاة وأمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر فهي لي ولأصحابي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال إنما نزلت هذه الآية فى أصحاب محمد ) ولولا دفع الله الناس ( الآية قال لولا دفع الله بأصحاب محمد من التابعين لهدمت صوامع وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) لهدمت صوامع ( الآية قال الصوامع التى تكون فيها الرهبان والبيع مساجد اليهود وصلوات كنائس النصارى والمساجد مساجد المسلمين وأخرجا عنه قال البيع بيع النصارى وصلوات كنائس اليهود وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد ابن أسلم فى قوله ) الذين إن مكناهم في الأرض ( قال أرض المدينة ) أقاموا الصلاة ( قال المكتوبة ) وآتوا الزكاة ( قال المفروضة ) وأمروا بالمعروف ( قال بلا إله إلا الله ) ونهوا عن المنكر ( قال عن الشرك بالله ) ولله عاقبة الأمور ( قال وعند الله ثواب ما صنعوا
سورة الحج الآية ( 42 51 )
الحج : ( 42 - 43 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
قوله ) وإن يكذبوك ( الخ هذه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتعزية له متضمنة للوعد له بإهلاك المكذبين له كما أهلك سبحانه المكذبين لمن كان قبله وفيه إرشاد له ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الصبر على قومه والاقتداء بمن قبله من الأنبياء فى ذلك وقد تقدم ذكر هذه الأمم وما كان منهم ومن أنبيائهم وكيف كانت عاقبتهم
الحج : ( 44 ) وأصحاب مدين وكذب . . . . .
وإنما غير النظم فى قوله ) وكذب موسى ( فجاء بالفعل مبنيا للمفعول لأن قوم موسى لم يكذبوه وإنما كذبه غيرهم من القبط ) فأمليت للكافرين ( أى أخرت عنهم العقوبة وأمهلتهم والفاء لترتيب الإمهال على التكذيب ) ثم أخذتهم ( أى أخذت كل فريق من المكذبين بالعذاب بعد انقضاء مدة الإمهال ) فكيف كان نكير ( هذا الاستفهام للتقرير أى فانظر كيف كان إنكاري عليهم وتغيير ما كانوا فيه من النعم وإهلاكهم والنكير اسم


"""""" صفحة رقم 459 """"""
من المنكر قال الزجاج أى ثم أخذتهم فأنكرت أبلغ إنكار قال الجوهري النكير والإنكار تغيير المنكر
الحج : ( 45 ) فكأين من قرية . . . . .
ثم ذكر سبحانه كيف عذب أهل القرى المكذبة فقال ) فكأين من قرية أهلكناها ( أى أهلكنا أهلها وقد تقدم الكلام على هذا التركيب فى آل عمران وقرئ أهلكتها وجملة ) وهي ظالمة ( حالية وجملة ) فهي خاوية ( عطف على أهلكناها لا على ظالمة لأنها حالية والعذاب ليس فى حال الظلم والمراد بنسبة الظلم إليها نسبته إلى أهلها والخواء بمعنى السقوط أى فهى ساقطة ) على عروشها ( أى على سقوفها وذلك بسبب تعطل سكانها حتى تهدمت فسقطت حيطانها فوق سقوفها وقد تقدم تفسير هذه الآية فى البقرة ) وبئر معطلة ( معطوف على قرية والمعنى وكم من أهل قرية ومن أهل بئر معطلة هكذا قال الزجاج وقال الفراء إنه معطوف على عروشها والمراد بالمعطلة المتروكة وقيل الخالية عن أهلها لهلاكهم وقيل الغائرة وقيل معطلة من الدلاء والأرشية والقصر المشيد هو المرفوع البنيان كذا قال قتادة والضحاك ويدل عليه قول عدي بن زيد شاده مرمرا وجلله كلسا
فللطير فى ذراه وكور
شاده أى رفعه وقال سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومجاهد المراد بالمشيد المجصص مأخوذ من الشيد وهوالجص ومنه قول الراجز لا تحسبني وإن كنت امرأ غمرا
كحية الماء بين الطين والشيد
وقيل المشيد الحصين قاله الكلبي قال الجوهري المشيد المعمول بالشيد والشيد بالكسر كل شيء طليت به الحائط من جص أو بلاط وبالفتح المصدر تقول شاده يشيده جصصه والمشيد بالتشديد المطول
قال الكسائي للواحد من قوله تعالى ) في بروج مشيدة ( والمعنى المعني وكم من قصر مشيد معطل مثل البئر المعطلة ومعنى التعطيل فى القصر هو أنه معطل من أهله أو من آلاته أو نحو ذلك قال القرطبي فى تفسيره ويقال إن هذه البئر والقصر بحضرموت معروفان فالقصر مشرف على قلة جبل لا يرتقى إليه بحال والبئر فى سفحه لا تقر الريح شيئا سقط فيها إلا أخرجته وأصحاب القصر ملوك الحضر وأصحاب البئر ملوك البدو حكى الثعلبي وغيره أن البئر كان بعدن من اليمن فى بلد يقال لها حضوراء نزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح ونجوا من العذاب ومعهم صالح فمات صالح فسمى المكان حضرموت لأن صالحا لما حضره مات فبنوا حضوراء وقعدوا على هذه البئر وأمروا عليهم رجلا ثم ذكر قصة طويلة وقال بعد ذلك وأما القصر المشيد فقصر بناه شداد بن عاد بن إرم لم يبن فى الأرض مثله فيما ذكروا وزعموا وحاله أيضا كحال هذه البئر المذكورة فى إيحاشه بعد الأنس وإقفاره بعد العمران وإن أحدا لا يستطيع أن يدنو منه على أميال لما يسمع فيه من عزيف الجن والأصوات المنكرة بعد النعيم والعيش الرغد وبهاء الملك وانتظام الأهل كالسلك فبادوا وما عادوا فذكرهم الله سبحانه فى هذه الآية موعظة وعبرة قال وقيل إنهم الذين أهلكهم بختنصر على ما تقدم فى سورة الأنبياء فى قوله ) وكم قصمنا من قرية ( فتعطلت بئرهم وخربت قصورهم انتهى
الحج : ( 46 ) أفلم يسيروا في . . . . .
ثم أنكر سبحانه على أهل مكة عدم اعتبارهم بهذه الآثار قائلا ) أفلم يسيروا في الأرض ( حثا لهم على السفر ليروا مصارع تلك الأمم فيعتبروا ويحتمل أن يكونوا قد سافروا ولم يعتبروا فلهذا أنكر عليهم كما فى قوله ) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ( ومعنى ) فتكون لهم قلوب يعقلون بها ( أنهم بسبب ما شاهدوا من العبر تكون لهم قلوب يعقلون بها ما يجب أن يتعقلوه وأسند التعقل إلى القلوب لأنها محل العقل كما أن الآذان محل السمع وقيل إن العقل محله الدماغ ولا مانع من ذلك فإن القلب هو الذى يبعث على إدراك العقل وإن كان محله خارجا عنه


"""""" صفحة رقم 460 """"""
وقد اختلف علماء المعقول فى محل العقل وماهيته اختلافا كثيرا لا حاجة إلى التطويل بذكره ) أو آذان يسمعون بها ( أي ما يجب أن يسمعوه مما تلاه عليهم أنبياؤهم من كلام الله وما نقله أهل الأخبار إليهم من أخبار الأمم المهلكة ) فإنها لا تعمى الأبصار ( قال الفراء الهاء عماد يجوز أن يقال فإنه وهى قراءة عبد الله بن مسعود والمعنى واحد التذكير على الخبر والتأنيث على الأبصار أو القصة أى فإن الأبصار لا تعمى أو فإن القصة لا تعمى الأبصار أي أبصار العيون ) ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ( أي ليس الخلل فى مشاعرهم وإنما هو فى عقولهم أى لا تدرك عقولهم مواطن الحق ومواضع الاعتبار قال الفراء والزجاج إن قوله التى فى الصدور من التوكيد الذى تزيده العرب فى الكلام كقوله عشرة كاملة ويقولون بأفواههم ويطير بجناحيه
الحج : ( 47 ) ويستعجلونك بالعذاب ولن . . . . .
ثم حكى سبحانه عن هؤلاء ما كانوا عليه من التكذيب والاستهزاء فقال ) ويستعجلونك بالعذاب ( لأنهم كانوا منكرين لمجيئه أشد إنكار فاستعجالهم له هو على طريقة الاستهزاء والسخرية وكأنهم كانوا يقولون ذلك عند سماعهم لما تقوله الأنبياء عن الله سبحانه من الوعد منه عز وجل بوقوعه عليهم وحلوله بهم ولهذا قال ) ولن يخلف الله وعده ( قال الفراء فى هذه الآية وعيد لهم بالعذاب فى الدنيا والآخرة وذكر الزجاج وجها آخر فقال أعلم أن الله لا يفوته شيء وإن يوما عنده وألف سنة فى قدرته واحد ولا فرق بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره فى القدرة إلا أن الله تفضل بالإمهال انتهى ومحل جملة ولن يخلف الله وعده النصب على الحال أى والحال أنه لا يخلف وعده أبدا وقد سبق الوعد فلا بد من مجيئه حتما أو هى اعتراضية مبينة لما قبلها وعلى الأول تكون جملة ) وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( مستأنفة وعلى الثاني تكون معطوفة على الجملة التى قبلها مسوقة لبيان حالهم فى الاستعجال وخطابهم فى ذلك ببيان كمال حلمه لكون المدة القصيرة عنده كالمدة الطويلة عندهم كما فى قوله ) إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ( قال الفراء هذا وعيد لهم بامتداد عذابهم فى الآخرة أي يوم من أيام عذابهم فى الآخرة كألف سنة وقيل المعنى وإن يوما من الخوف والشدة فى الآخرة كألف سنة من سنى الدنيا فيها خوف وشدة وكذلك يوم النعيم قياسا قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي مما يعدون بالتحتية واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله ) ويستعجلونك ( وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب واختارها أبو حاتم
الحج : ( 48 ) وكأين من قرية . . . . .
) وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ( هذا إعلام منه سبحانه أنه أخذ قوما بعد الإملاء والتأخير قيل وتكرير هذا مع ذكره قبله للتأكيد وليس بتكرار في الحقيقة لأن الأول سيق لبيان الإهلاك مناسبا لقوله ) فكيف كان نكير ( ولهذا عطف بالفاء بدلا عن ذلك والثاني سيق لبيان الإملاء مناسبا لقوله ) ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة ( فكأنه قيل وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أمهلتهم حينا ثم أخذتهم بالعذاب ومرجع الكل إلى حكمي فجملة وإلي المصير تذييل لتقرير ما قبلها
الحج : ( 49 - 51 ) قل يا أيها . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يخبر الناس بأنه نذير لهم بين يدى الساعة مبين لهم ما نزل إليهم فمن آمن وعمل صالحا فاز بالمغفرة والرزق الكريم وهو الجنة ومن كان على خلاف ذلك فهو فى النار وهم الذين سعوا فى آيات الله معاجزين يقال عاجزه سابقه لأن كل واحد منهما فى طلب إعجاز الآخر فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه قاله الأخفش وقيل معنى معاجزين ظانين ومقدرين أن يعجزوا الله سبحانه ويفوتوه فلا يعذبهم قاله الزجاج وقيل معاندين قاله الفراء
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) فهي خاوية على عروشها ( قال خربة ليس فيها أحد ) وبئر معطلة ( عطلها أهلها وتركوها ) وقصر مشيد ( قال شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) وبئر معطلة ( قال التى تركت لا أهل لها وأخرج عبد بن حميد


"""""" صفحة رقم 461 """"""
وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ) وقصر مشيد ( قال هو المجصص وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن عطاء نحوه أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( قال من الأيام الستة التى خلق الله فيها السموات والأرض وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال فى الآية هو يوم القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضى منها ستة آلاف وأخرج ابن عدي والديلمي عن أنس مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) معاجزين ( قال مراغمين وأخرج ابن جرير عنه أنه قال مشاقين
سورة الحج الآية ( 52 57 )
الحج : ( 52 ) وما أرسلنا من . . . . .
قوله ) من رسول ولا نبي ( قيل الرسول الذى أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عيانا ومحاورته شفاها والنبي الذى يكون إلهاما أو مناما وقيل الرسول من بعث بشرع وأمر بتبليغه والنبي من أمر أن يدعو إلى شريعة من قبله ولم ينزل عليه كتاب ولا بد لهما جميعا من المعجزة الظاهرة ) إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ( معنى تمنى تشهى وهيأ فى نفسه ما يهواه قال الواحدي وقال المفسرون معنى تمنى تلا قال جماعة المفسرين فى سبب نزول هذه الآية أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما شق عليه إعراض قومه عنه تمنى فى نفسه أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه لحرصه على إيمانهم فكان ذات يوم جالسا فى ناد من انديتهم وقد نزل عليه سورة ) والنجم إذا هوى ( فأخذ يقرؤها عليهم حتى بلغ قوله ) أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ( وكان ذلك التمني فى نفسه فجرى على لسانه مما ألقاه الشيطان عليه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قراءته حتى ختم السورة فلما سجد فى آخرها سجد معه جميع من فى النادي من المسلمين والمشركين فتفرقت قريش مسرورين بذلك وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر فأتاه جبريل فقال ما صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله فحزن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وخاف خوفا شديدا فأنزل الله هذه الآية هكذا قالوا


"""""" صفحة رقم 462 """"""
ولم يصح شيء من هذا ولا ثبت بوجه من الوجوه ومع عدم صحته بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه قال الله ) ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ( وقوله ) وما ينطق عن الهوى ( وقوله ) ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم ( فنفى المقاربة للركون فضلا عن الركون قال البزار هذا حديث لا نعلمه يروى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بإسناد متصل وقال البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم أن رواة هذه القصة مطعون فيهم وقال إمام الأئمة ابن خزيمة إن هذه القصة من وضع الزنادقة قال القاضي عياض فى الشفاء إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ أنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه لا قصدا ولا عمدا ولا سهوا ولا غلطا قال ابن كثير قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير من المهاجرين إلى أرض الحبشة ظنا منهم أن مشركي قريش قد أسلموا ولكنها من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح وإذا تقرر لك بطلان ذلك عرفت أن معنى ) تمنى ( قرأ وتلا كما قدمنا من حكاية الواحدي لذلك عن المفسرين وكذا قال البغوي إن أكثر المفسرين قالوا معنى ) تمنى ( تلا وقرأ كتاب الله ومعنى ) ألقى الشيطان في أمنيته ( أى فى تلاوته وقراءته قال ابن جرير هذا القول أشبه بتأويل الكلام ويؤيد هذا ما تقدم فى تفسير قوله ) لا يعلمون الكتاب إلا أماني ( وقيل معنى ) تمنى ( حدث ومعنى ) ألقى الشيطان في أمنيته ( فى حديثه روى هذا عن ابن عباس وقيل معنى ) تمنى ( قال فحاصل معنى الآية أن الشيطان أوقع فى مسامع المشركين ذلك من دون أن يتكلم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا جرى على لسانه فتكون هذه الآية تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أى لا يهولنك ذلك ولا يحزنك فقد أصاب مثل هذا من قبلك من المرسلين والأنبياء وعلى تقدير أن معنى تمنى حدث نفسه كما حكاه الفراء والكسائي فإنهما قالا تمنى إذا حدث نفسه فالمعنى أنه إذا حدث نفسه بشئ تكلم به الشيطان وألقاه فى مسامع الناس من دون أن يتكلم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا جرى على لسانه قال ابن عطية لا خلاف أن إلقاء الشيطان إنما هو لألفاظ مسموعة وقعت بها الفتنة وقد قيل فى تأويل الآية إن المراد بالغرانيق الملائكة ويرد بقوله ) فينسخ الله ما يلقي الشيطان ( أى يبطله وشفاعة الملائكة غير باطلة وقيل إن ذلك جرى على لسانه ( صلى الله عليه وسلم ) سهوا ونسيانا وهما مجوزان على الأنبياء ويرد بأن السهو والنسيان فيما طريقه البلاغ غير جائز كما هو مقرر فى مواطنه ثم لما سلاه الله سبحانه بهذه التسلية وأنها قد وقعت لما قبله من الرسل والأنبياء بين سبحانه أنه يبطل ذلك ولا يثبته ولا يستمر تعزيز الشيطان به فقال ) فينسخ الله ما يلقي الشيطان ( أى يبطله ويجعله ذاهبا غير ثابت ) ثم يحكم الله آياته ( أى يثبتها ) والله عليم حكيم ( أى كثير العلم والحكمة فى كل أقواله وأفعاله
الحج : ( 53 ) ليجعل ما يلقي . . . . .
وجملة ) ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة ( للتعليل أى ذلك الإلقاء الذى يلقيه الشيطان فتنة أى ضلالة ) للذين في قلوبهم مرض ( أى شك ونفاق ) والقاسية قلوبهم ( هم المشركون فإن قلوبهم لا تلين للحق أبدا ولا ترجع إلى الصواب بحال ثم سجل سبحانه على هاتين الطائفتين وهما من فى قلبه مرض ومن فى قلبه قسوة بأنهم ظالمون فقال ) وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ( أى عداوة شديدة ووصف الشقاق بالبعد مبالغة والموصوف به فى الحقيقة من قام به
الحج : ( 54 ) وليعلم الذين أوتوا . . . . .
ولما بين سبحانه أن ذلك الإلقاء كان فتنة فى حق أهل النفاق والشك والشرك بين أنه فى حق المؤمنين العالمين بالله العارفين به سبب لحصول العلم لهم بأن القرآن حق وصدق فقال ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك ( أى الحق النازل من عنده وقيل إن الضمير فى أنه راجع إلى تمكين الشيطان من الإلقاء لأنه مما جرت به عادته مع أنبيائه ولكنه يرد هذا قوله ) فيؤمنوا به ( فإن المراد الإيمان بالقرآن أى يثبتوا على


"""""" صفحة رقم 463 """"""
الإيمان به ) فتخبت له قلوبهم ( أى تخشع وتسكن وتنقاد فإن الإيمان به وإخبات القلوب له لا يمكن أن يكونا تمكين من الشيطان بل للقرآن ) وإن الله لهاد الذين آمنوا ( فى أمور دينهم ) إلى صراط مستقيم ( أى طريق صحيح لا عوج به وقرأ أبو حيوة ) وإن الله لهاد الذين آمنوا ( بالتنوين
الحج : ( 55 ) ولا يزال الذين . . . . .
) ولا يزال الذين كفروا في مرية منه ( أى فى شك من القرآن وقيل فى الدين الذى يدل عليه ذكر الصراط المستقيم وقيل فى إلقاء الشيطان فيقولون ما باله ذكر الأصنام بخير ثم رجع عن ذلك وقرأ أبو عبد الرحمن السملى ) في مرية ( بضم الميم ) حتى تأتيهم الساعة ( أى القيامة ) بغتة ( أى فجأة ) أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ( وهو يوم القيامة لأنه لا يوم بعده فكان بهذا الاعتبار عقيما والعقيم فى اللغة من لا يكون له ولد ولما كانت الأيام تتوالى جعل ذلك كهيئة الولادة ولما لم يكن بعد ذلك اليوم يوم وصف بالعقم وقيل يوم حرب يقتلون فيه كيوم بدر وقيل إن اليوم وصف بالعقم لأنه لا رأفة فيه ولا رحمة فكأنه عقيم من الخير ومنه قوله تعالى ) أرسلنا عليهم الريح العقيم ( أى التى لا خير فيها ولا تأتي بمطر
الحج : ( 56 ) الملك يومئذ لله . . . . .
) الملك يومئذ لله ( أى السلطان القاهر والاستيلاء التام يوم القيامة لله سبحانه وحده لا منازع له فيه ولا مدافع له عنه وجملة ) يحكم بينهم ( مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر ثم فسر هذا الحكم بقوله سبحانه ) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ( أى كائنون فيها مستقرون فى أرضها منغمسون فى نعيمها
الحج : ( 57 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ( أى جمعوا بين الكفر بالله والتكذيب بآياته ) فأولئك لهم عذاب مهين ( أى عذاب متصف بأنه مهين للمعذبين بالغ منهم المبلغ العظيم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن الأنباري فى المصاحف عن عمرو بن دينار قال كان ابن عباس يقرأ ? وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى ولا محدث ? وأخرج ان أبى حاتم عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف مثله وزاد فنسخت محدث قال والمحدثون صاحب يس ولقمان ومؤمن آل فرعون وصاحب موسى وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء فى المختارة قال السيوطي بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ففرح المشركون بذلك وقالوا قد ذكر آلهتنا فجاءه جبريل فقال اقرأ علي ما جئت به فقرأ أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فقال ما أتيتك بهذا هذا من الشيطان فأنزل الله ) وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم قال السيوطي بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة النجم فذكر نحوه ولم يذكر ابن عباس وكذا رواه ابن أبى حاتم عن أبى العالية والسدى عن سعيد مرسلا ورواه عبد بن حميد عن السدى عن أبى صالح مرسلا ورواه ابن أبى حاتم عن ابن شهاب مرسلا وأخرج ابن جرير عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام نحوه مرسلا أيضا والحاصل أن جميع الروايات فى هذا الباب إما مرسلة أو منقطعة لا تقوم الحجة بشئ منها وقد أسلفنا عن الحفاظ فى أول هذا البحث ما فيه كفاية وفى الباب روايات من أحب الوقوف على جميعها فلينظرها فى الدر المنثور للسيوطي ولا يأتي التطويل بذكرها هنا بفائدة فقد عرفناك أنها جميعها لا تقوم بها الحجة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ( يقول إذا حدث ألقى الشيطان فى حديثه وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك قال يعنى بالتمني التلاوة والقراءة ألقى الشيطان فى أمنيته فى تلاوته ) فينسخ الله ( ينسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان على لسان النبى وأخرج


"""""" صفحة رقم 464 """"""
عبد بن حميد وابن أبى حاتم عن مجاهد ) إذا تمنى ( قال تكلم ) في أمنيته ( قال كلامه وأخرج ابن مردويه والضياء فى المختارة عن ابن عباس فى قوله ) عذاب يوم عقيم ( قال يوم بدر وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير عذاب يوم عقيم قال يوم بدر وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير وعكرمة مثله وأخرج ابن أبى حاتم عن مجاهد فى الآية قال يوم القيامة لا ليلة له وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم عن الضحاك مثله
سورة الحج الآية ( 58 66 )
الحج : ( 58 ) والذين هاجروا في . . . . .
أفرد سبحانه المهاجرين بالذكر تخصيصا لهم بمزيد الشرف فقال ) والذين هاجروا في سبيل الله ( قال بعض المفسرين هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وقال بعضهم الذين هاجروا من الأوطان فى سرية أو عسكر ولا يبعد حمل ذلك على الأمرين والكل من سبيل الله ) ثم قتلوا أو ماتوا ( أى فى حال المهاجرة واللام فى ) ليرزقنهم الله رزقا حسنا ( جواب قسم محذوف والجملة خبر الموصول بتقدير القول وانتصاب رزقا على أنه مفعول ثان أى مرزوقا حسنا أو على أنه مصدر مؤكدة والرزق الحسن هو نعيم الجنة الذى لا ينقطع وقيل هو الغنيمة لأنه حلال وقيل هو العلم والفهم كقول شعيب ) ورزقني منه رزقا حسنا ( قرأ ابن عامر وأهل الشام ) ثم قتلوا ( بالتشديد على التكثير وقرأ الباقون بالتخفيف ) وإن الله لهو خير الرازقين ( فإنه سبحانه يرزق بغير حساب وكل رزق يجري على يد العباد لبعضهم البعض فهو منه سبحانه لا رازق سواه ولا معطي غيره والجملة تذييل مقررة لما قبلها
الحج : ( 59 ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه . . . . .
وجملة ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه ( مستأنفة أو بدل من جملة ليرزقنهم الله قرأ أهل المدينة ) مدخلا ( بفتح الميم وقرأ الباقون بضمها وهو اسم مكان أريد به الجنة وانتصابه على أنه مفعول


"""""" صفحة رقم 465 """"""
ثان أو مصدر ميمى مؤكد للفعل المذكور وقد مضى الكلام على مثل هذا فى سورة سبحان وفى هذا من الامتنان عليهم والتبشير لهم ما لا يقادر قدره فإن المدخل الذى يرضونه هو الأوفق لنفوسهم والأقرب إلى مطلبهم على أنهم يرون فى الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وذلك هو الذى يرضونه وفوق الرضا ) وإن الله لعليم ( بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم ) حليم ( عن تفريط المفرطين منهم لا يعاجلهم بالعقوبة
الحج : ( 60 ) ذلك ومن عاقب . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم قال الزجاج أى الأمر ما قصصنا عليكم من إنجاز الوعد للمهاجرين خاصة إذا قتلوا أو ماتوا فهو على هذا خبر مبتدأ محذوف ومعنى ) ومن عاقب بمثل ما عوقب به ( من جازى الظالم بمثل ما ظلمه وسمى الابتداء باسم الجزاء مشاكلة كقوله تعالى ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( وقوله تعالى ) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( والعقوبة فى الأصل إنما تكون بعد فعل تكون جزاء عنه والمراد بالمثلية أنه اقتصر على المقدار الذى ظلم به ولم يزد عليه ومعنى ) ثم بغي عليه ( أن الظالم له فى الابتداء عاوده بالمظلمة بعد تلك المظلمة الأولى قيل المراد بهذا البغي هو ما وقع من المشركين من إزعاج المسلمين من أوطانهم بعد أن كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به واللام فى ) لينصرنه الله ( جواب قسم محذوف أى لينصرن الله المبغى عليه على الباغي ) إن الله لعفو غفور ( أى كثير العفو والغفران للمؤمنين فيما وقع منهم من الذنوب وقيل العفو والغفران لما وقع من المؤمنين من ترجيح الانتقام على العفو وقيل إن معنى ) ثم بغي عليه ( أى ثم كان المجازى مبغيا عليه أى مظلوما ومعنى ثم تفاوت الرتبة لأن الابتداء بالقتال معه نوع ظلم كما قيل فى أمثال العرب البادي أظلم وقيل إن هذه الآية مدنية وهى فى القصاص والجراحات
الحج : ( 61 ) ذلك بأن الله . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ( إلى ما تقدم من نصر الله سبحانه للمبغي عليه وهو مبتدأ وخبره جملة بأن الله يولج والباء للسببية أى ذلك بسبب أنه سبحانه قادر ومن كمال قدرته إيلاج الليل فى النهار والنهار فى الليل وعبر عن الزيادة بالإيلاج لأن زيادة أحدهما تستلزم نقصان الآخر والمراد تحصيل أحد العرضين فى محل الآخر وقد مضى فى آل عمران معنى هذا الإيلاج ) وأن الله سميع ( يسمع كل مسموع ) بصير ( يبصر كل مبصر أو سميع للأقوال مبصر للأفعال فلا يعزب عنه مثقال ذرة
الحج : ( 62 ) ذلك بأن الله . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك بأن الله هو الحق ( إلى ما تقدم من اتصافه سبحانه بكمال القدرة الباهرة والعلم التام أى هو سبحانه ذو الحق فدينه حق وعبادته حق ونصره لأوليائه على أعدائه حق ووعده حق فهو عز وجل فى نفسه وأفعاله وصفاته حق ) وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ( قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وشعبة تدعون بالفوقية على الخطاب للمشركين واختار هذه القراءة أبو حاتم وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر واختار هذه القراءة أبو عبيدة والمعنى إن الذين تدعونه إلها وهى الأصنام هو الباطل الذى لا ثبوت له ولا لكونه إلها ) وأن الله هو العلي ( أى العالي على كل شئ بقدرته المتقدس على الأشباه والأنداد المتنزه عما يقول الظالمون من الصفات ) الكبير ( أى ذو الكبرياء وهو عبارة عن كمال ذاته وتفرده بالإلهية
الحج : ( 63 ) ألم تر أن . . . . .
ثم ذكر سبحانه دليلا بينا على كمال قدرته فقال ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ( الاستفهام للتقرير والفاء للعطف على أنزل وارتفع الفعل بعد الفاء لكون استفهام التقرير بمنزلة الخبر كما قاله الخليل وسيبويه قال الخليل المعنى أنزل من السماء ماء فكان كذا وكذا كما قال الشاعر
ألم تسأل الربع القواء فينطق
وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق
معناه قد سألته فنطق قال الفراء ألم تر خبر كما تقول فى الكلام إن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة أى ذات خضرة كما تقول مبقلة ومسبعة أى ذوات بقل وسباع وهو عبارة عن استعجالها


"""""" صفحة رقم 466 """"""
أثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة وصيغة الاستقبال لاستحضار صورة الاخضرار مع الإشعار بتجدد الإنزال واستمراره وهذا المعنى لا يحصل إلا بالمستقبل والرفع هنا متعين لأنه لو نصب لانعكس المعنى المقصود من الآية فينقلب إلى نفى الاخضرار والمقصود إثباته قال ابن عطية هذا لا يكون يعنى الاخضرار فى صباح ليلة المطر إلا بمكة وتهامة والظاهر أن المراد بالاخضرار اخضرار الأرض فى نفسها لا باعتبار النبات فيها كما فى قوله ) فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ( والمراد بقوله ) إن الله لطيف ( أنه يصل علمه إلى كل دقيق وجليل وقيل لطيف بأرزاق عباده وقيل لطيف باستخراج النبات ومعنى ) خبير ( أنه ذو خبرة بتدبير عباده وما يصلح لهم وقيل خبير بما ينطوون عليه من القنوط عند تأخير المطر وقيل خبير بحاجتهم وفاقتهم
الحج : ( 64 ) له ما في . . . . .
) له ما في السماوات والأرض ( خلقا وملكا وتصرفا وكلهم محتاجون إلى رزقه ) وإن الله لهو الغني ( فلا يحتاج إلى شئ ) الحميد ( المستوجب للحمد فى كل حال
الحج : ( 65 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض ( هذه نعمة أخرى ذكرها الله سبحانه فأخبر عباده بأنه سخر لهم ما يحتاجون إليه من الدواب والشجر والأنهار وجعله لمنافعهم ) والفلك ( عطف على ما أو على اسم أن أى وسخر لكم الفلك فى حال جريها فى البحر وقرأ عبد الرحمن الأعرج ) والفلك ( بالرفع على الابتداء وما بعده خبره وقرأ الباقون بالنصب ومعنى ) تجري في البحر بأمره ( أى بتقديره والجملة فى محل نصب على الحال على قراءة الجمهور ) ويمسك السماء أن تقع على الأرض ( أى كراهة أن تقع وذلك بأنه خلقها على صفة مستلزمة للإمساك والجملة معطوفة على تجرى ) إلا بإذنه ( أى بإرادته ومشيئته وذلك يوم القيامة ) إن الله بالناس لرؤوف رحيم ( أى كثير الرأفة والرحمة حيث سخر هذه الأمور لعباده وهيأ لهم أسباب المعاش وأمسك السماء أن تقع على الأرض فتهلكهم تفضلا منه على عباده وإنعاما عليهم
الحج : ( 66 ) وهو الذي أحياكم . . . . .
ثم ذكر سبحانه نعمة أخرى فقال ) وهو الذي أحياكم ( بعد أن كنتم جمادا ) ثم يميتكم ( عند انقضاء أعماركم ) ثم يحييكم ( عند البعث للحساب والعقاب ) إن الإنسان لكفور ( أى كثير الجحود لنعم الله عليه مع كونها ظاهرة غير مستترة ولا ينافى هذا خروج بعض الأفراد عن هذا الجحد لأن المراد وصف جميع الجنس بوصف من يوجد فيه ذلك من أفراده مبالغة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمان الفارسي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول من مات مرابطا أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين واقرءوا إن شئتم ) والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ( إلى قوله ) حليم ( وإسناد ابن أبى حاتم هكذا حدثنا المسيب ابن واضح حدثنا ابن المبارك عن عبد الرحمن بن شريح عن عبد الكريم بن الحرث عن أبى عقبة يعني أبا عبيدة ابن عقبة قال شرحبيل بن السمط طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم فمر بي سلمان يعني الفارسي قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن فضالة بن عبيد الأنصاري الصحابى أنه كان برودس فمروا بجنازتين أحدهما قتيل والآخر متوفى فمال الناس عن القتيل فقال فضالة مالي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا فقالوا هذا القتيل فى سبيل الله فقال والله ما أبالي من أى حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله ) والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ( الآية وإسناده عند ابن أبى حاتم هكذا حدثنا أبو زرعة عن زيد بن بشر أخبرني ضمام أنه سمع أبا قبيل وربيعة ابن سيف المغافري يقولان كنا برودس ومعنا فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره قلت ويؤيد هذا قول الله سبحانه ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ( وأخرج ابن أبى حاتم عن مقاتل فى قوله ) ومن عاقب بمثل ما عوقب به ( قال إن النبى صلى


"""""" صفحة رقم 467 """"""
الله عليه وآله وسلم بعث سرية فى ليلتين بقيتا من المحرم فلقوا المشركين فقال المشركون بعضهم لبعض قاتلوا أصحاب محمد فإنهم يحرمون القتال فى الشهر الحرم وإن أصحاب محمد ناشدوهم وذكروهم بالله أن يعرضوا لقتالهم فإنهم لا يستحلون القتال فى الشهر الحرام إلا من بادأهم وإن المشركين بدءوا فقاتلوهم فاستحل الصحابة قتالهم عند ذلك فقاتلوهم ونصرهم الله عليهم وهو مرسل وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) ومن عاقب ( الآية قال تعاون المشركون على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه فأخرجوه فوعده الله أن ينصره وهو فى القصاص أيضا وأخرج ابن أبى حاتم عن مجاهد ) وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ( قال الشيطان وأخرج ابن أبى حاتم عن الحسن فى قوله ) إن الإنسان لكفور ( قال يعد المصيبات وينسى النعم
سورة الحج الآية ( 67 72 )
الحج : ( 67 ) لكل أمة جعلنا . . . . .
عاد سبحانه إلى بيان أمر التكاليف مع الزجر لمعاصري رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الأديان عن منازعته فقال ) لكل أمة جعلنا منسكا ( أى لكل قرن القرون الماضية وضعنا شريعة خاصة بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى وجملة ) هم ناسكوه ( صفة لمنسكا والضمير لكل أمة أى تلك الأمة هى العاملة به لا غيرها فكانت التوراة منسك الأمة التى كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى والإنجيل منسك الأمة التى من مبعث عيسى إلى مبعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن منسك المسلمين والمنسك مصدر لا اسم مكان كما يدل عليه هم ناسكوه ولم يقل ناسكون فيه وقيل المنسك موضع أداء الطاعة وقيل هو الذبائح ولا وجه للتخصيص ولا اعتبار بخصوص السبب والفاء فى قوله ) فلا ينازعنك في الأمر ( لترتيب النهي على ما قبله والضمير راجع إلى الأمم الباقية آثارهم أى قد عينا لكل أمة شريعة ومن جملة الأمم هذه الأمة المحمدية وذلك موجب لعدم منازعة من بقي منهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومستلزم لطاعتهم إياه فى أمر الدين والنهي إما على حقيقته أو كناية عن نهيه ( صلى الله عليه وسلم ) عن الالتفات إلى نزاعهم له قال الزجاج إنه نهي لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن منازعتهم أى لا تنازعهم أنت كما تقول لا يخاصمك فلان أى لا تخاصمه وكما تقول لا يضاربنك فلان أى لا تضاربه وذلك أن المفاعلة تقتضي العكس ضمنا ولا يجوز لايضربنك فلان وأنت تريد لاتضربه وحكى عن الزجاج أنه قال فى معنى الآية فلا ينازعنك أى فلا يجادلنك قال ودل على هذا ) وإن جادلوك ( وقرأ أبو مجلز فلا ينزعنك فى الأمر أى


"""""" صفحة رقم 468 """"""
لا يستخفنك ولا يغلبنك على دينك وقرأ الباقون ) ينازعنك ( من المنازعة ) وادع إلى ربك ( أى وادع هؤلاء المنازعين أو ادع الناس على العموم إلى دين الله وتوحيده والإيمان به ) إنك لعلى هدى مستقيم ( أى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه
الحج : ( 68 ) وإن جادلوك فقل . . . . .
) وإن جادلوك ( أى وإن أبوا إلا الجدال بعد البيان لهم وظهور الحجة عليهم ) فقل الله أعلم بما تعملون ( أى فكل أمرهم إلى الله وقل لهم هذا القول المشتمل على الوعيد
الحج : ( 69 ) الله يحكم بينكم . . . . .
) الله يحكم بينكم ( أى بين المسلمين والكافرين ) يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ( من أمر الدين فيتبين حينئذ الحق من الباطل وفى هذه الآية تعليم لهذه الأمة بما ينبغي لهم أن يجيبوا به من أراد الجدال بالباطل وقيل إنها منسوخة بآية السيف
الحج : ( 70 ) ألم تعلم أن . . . . .
وجملة ) ألم تعلم ( مستأنفة مقررة لمضمون ما قبلها والاستفهام للتقرير أى قد علمت يا محمد وتيقنت ) أن الله يعلم ما في السماء والأرض ( ومن جملة ذلك ما أنتم فيه مختلفون ) إن ذلك ( الذى فى السماء والأرض من معلوماته ) في كتاب ( أى مكتوب عنده فى أم الكتاب ) إن ذلك على الله يسير ( أى إن الحكم منه سبحانه بين عباده فيما يختلفون فيه يسير عليه غير عسير أو إن إحاطة علمه بما فى السماء والأرض يسير عليه
الحج : ( 71 ) ويعبدون من دون . . . . .
) ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا ( هذا حكاية لبعض فضائحهم أى إنهم يعبدون أصناما لم يتمسكوا فى عبادتها بحجة نيرة من الله سبحانه ) وما ليس لهم به علم ( من دليل عقل يدل على جواز ذلك بوجه من الوجوه ) وما للظالمين من نصير ( ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله وقد تقدم الكلام على هذه الآية فى آل عمران
الحج : ( 72 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
وجملة ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ( معطوفة على يعبدون وانتصاب بينات على الحال أى حال كونها واضحات ظاهرات الدلالة ) تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ( أى الأمر الذى ينكر وهو غضبهم وعبوسهم عند سماعها أو المراد بالمنكر الإنكار أى تعرف فى وجوههم إنكارها وقيل هو التجبر والترفع وجملة ) يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ما ذلك المنكر الذى يعرف فى وجوههم فقيل يكادون يسطون أى يبطشون والسطوة شدة البطش يقال سطا به يسطو إذا بطش به بضرب أو شتم أو أخذ باليد وأصل السطو القهر
وهكذا ترى أهل البدع المضلة إذا سمع الواحد منهم ما يتلوه العالم عليهم من آيات الكتاب العزيز أو من السنة الصحيحة مخالفا لما اعتقده من الباطل والضلالة رأيت فى وجهه من المنكر ما لو تمكن من أن يسطو بذلك العالم لفعل به ما لا يفعله بالمشركين وقد رأينا وسمعنا من أهل البدع ما لا يحيط به الوصف والله ناصر الحق ومظهر الدين وداحض الباطل ودامغ البدع وحافظ المتكلمين بما أخذه عليهم المبينين للناس ما نزل إليهم وهو حسبنا ونعم الوكيل ثم أمر رسوله أن يرد عليهم فقال ) قل أفأنبئكم ( أى أخبركم ) بشر من ذلكم ( الذى فيكم من الغيظ على من يتلو عليكم آيات الله ومقاربتكم للوثوب عليهم وهو النار التى أعدها الله لكم فالنار مرتفعة على أنها خبر لمبتدإ محذوف والجملة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ما هذا الأمر الذى هو شر مما نكابده ونناهده عند سماعنا ما تتلوه علينا فقال هو ) النار وعدها الله الذين كفروا ( وقيل إن النار مبتدأ وخبره جملة وعدها الله الذين كفروا وقيل المعنى أفأخبركم بشر مما يلحق تالي القرآن منكم من الأذى والتوعد لهم والتوثب عليهم وقرئ النار بالنصب على تقدير أعنى وقرئ بالجر بدلا من شر ) وبئس المصير ( أى الموضع الذى تصيرون إليه وهو النار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) هم ناسكوه ( قال يعني هم ذابحوه ) فلا ينازعنك في الأمر ( يعني فى أمر الذبح وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة نحوه وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد نحوه أيضا وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال ) فلا ينازعنك في الأمر ( قول أهل الشرك أما ما ذبح الله بيمينه فلا تأكلوه وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 469 """"""
قال خلق الله اللوح المحفوظ لمسيرة مائة عام وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش اكتب قال ما أكتب قال علمي فى خلقي إلى يوم تقوم الساعة فجرى القلم بما هو كائن فى علم الله إلى يوم القيامة فذلك قوله للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض ( يعني ما فى السموات السبع والأرضين السبع ) إن ذلك ( العلم ) في كتاب ( يعني فى اللوح المحفوظ مكتوب قبل أن يخلق السموات والأرضين ) إن ذلك على الله يسير ( يعني هين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) يكادون يسطون ( يبطشون
سورة الحج الآية ( 73 78 )
الحج : ( 73 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله ) يا أيها الناس ضرب مثل ( هذا متصل بقوله ) ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا ( قال الأخفش ليس ثم مثل وإنما المعنى ضربوا لي مثلا ) فاستمعوا ( قولهم يعني أن الكفار جعلوا لله مثلا بعبادتهم غيره فكأنه قال جعلوا لي شبها فى عبادتي فاستمعوا خبر هذا الشبه وقال القتيبي إن المعنى يأيها الناس مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذبابا وإن سلبها شيئا لم تستطع أن تستنقذه منه قال النحاس المعنى ضرب الله عز وجل لما يعبدونه من دونه مثلا قال وهذا من أحسن ما قيل فيه أى بين الله لكم شبها ولمعبودكم وأصل المثل جملة من الكلام متلقاة بالرضا والقبول مسيرة في الناس مستغربة عندهم وجعلوا مضربها مثلا لموردها ثم قد يستعيرونها للقصة أو الحالة أو الصفة المستغربة لكونها مماثلة لها فى الغرابة كهذه القصة المذكورة فى هذه الآية والمراد بما يدعونه من دون الله الأصنام التى كانت حول الكعبة وغيرها وقيل المراد بهم السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله لكونهم أهل الحل والعقد فيهم وقيل الشياطين الذين حملوهم على معصية الله والأول أوفق بالمقام وأظهر فى التمثيل والذباب اسم للواحد يطلق على الذكر والأنثى وجمع القلة أذبة والكثرة ذبان مثل غراب وأغربة وغربان وقال الجوهرى الذباب معروف الواحد ذبابة والمعنى لن يقدروا على خلقه مع كونه صغير الجسم حقير الذات وجملة ) ولو اجتمعوا له ( معطوفة على جملة أخرى شرطية محذوفة أى لو لم يجتمعوا


"""""" صفحة رقم 470 """"""
له لن يخلقوه ولو اجتمعوا له والجواب محذوف والتقدير لن يخلقوه وهما فى محل نصب على الحال أى لن يخلقوه على كل حال ثم بين سبحانه كمال عجزهم وضعف قدرتهم فقال ) وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ( أى إذا أخذ منهم الذباب شيئا من الأشياء لا يقدرون على تخليصه منه لكمال عجزهم وفرط ضعفهم والاستنقاذ والإنقاذ التخلص وإذا عجزوا عن خلق هذا الحيوان الضعيف وعن استنقاذ ما أخذه عليهم فهم عن غيره مما هو أكبر منه جرما وأشد منه قوة أعجز وأضعف ثم عجب سبحانه من ضعف الأصنام والذباب فقال ) ضعف الطالب والمطلوب ( فالصنم كطالب من حيث إنه يطلب خلق الذباب أو يطلب استنقاذ ما سلبه منه والمطلوب الذباب وقيل الطالب عابد الصنم والمطلوب الصنم وقيل الطالب الذباب والمطلوب الآلهة
الحج : ( 74 ) ما قدروا الله . . . . .
ثم بين سبحانه أن المشركين الذين عبدوا من دون الله آلهة عاجزة إلى هذه الغاية فى العجز ما عرفوا الله حق معرفته فقال ) ما قدروا الله حق قدره ( أى ما عظموه حق تعظيمه ولا عرفوه حق معرفته حيث جعلوا هذه الأصنام شركاء له مع كون حالها هذا الحال وقد تقدم فى الأنعام ) إن الله لقوي ( على خلق كل شئ ) عزيز ( غالب لا يغالبه أحد بخلاف آلهة المشركين فإنها جماد لا تعقل ولا تنفع ولا تضر ولا تقدر على شئ
الحج : ( 75 ) الله يصطفي من . . . . .
ثم أراد سبحانه أن يرد عليهم ما يعتقدونه فى النبوات والإلهيات فقال ) الله يصطفي من الملائكة رسلا ( كجبريل وإسرافيل وميكائيل وعزرائيل و يصطفى أيضا رسلا ) من الناس ( وهم الأنبياء فيرسل الملك إلى النبى والنبى إلى الناس أو يرسل الملك لقبض أرواح مخلوقاته أو لتحصيل ما ينفعكم أو لإنزال العذاب عليهم ) إن الله سميع ( لأقوال عباده ) بصير ( بمن يختاره من خلقه
الحج : ( 76 ) يعلم ما بين . . . . .
) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( أى ما قدموا من الأعمال وما يتركونه من الخير والشر كقوله تعالى ) ونكتب ما قدموا وآثارهم ( ) وإلى الله ترجع الأمور ( لا إلى غيره
الحج : ( 77 ) يا أيها الذين . . . . .
ولما تضمن ما ذكره من أن الأمور ترجع إليه الزجر لعباده عن معاصيه والحض لهم على طاعاته صرح بالمقصود فقال ) يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ( أى صلوا الصلاة التى شرعها الله لكم وخص الصلاة لكونها أشرف العبادات ثم عمم فقال ) واعبدوا ربكم ( أى افعلوا جميع أنواع العبادة التى امركم الله بها ) وافعلوا الخير ( أى ما هو خير وهو أعم من الطاعة الواجبة والمندوبة وقيل المراد بالخير هنا المندوبات ثم علل ذلك بقوله ) لعلكم تفلحون ( أى إذا فعلتم هذه كلها رجوتم الفلاح وهذه الآية من مواطن سجود التلاوة عند الشافعي ومن وافقه لا عند أبى حنيفة ومن قال بقوله وقد تقدم أن هذه السورة فضلت بسجدتين وهذا دليل على ثبوت السجود عند تلاوة هذه الآية
الحج : ( 78 ) وجاهدوا في الله . . . . .
ثم أمرهم بما هو سنام الدين وأعظم أعماله فقال ) وجاهدوا في الله ( أى فى ذاته ومن أجله والمراد به الجهاد الأكبر وهو الغزو للكفار ومدافعتهم إذا غزوا بلاد المسلمين وقيل المراد بالجهاد هنا امتثال ما أمرهم الله به فى الآية المتقدمة أو امتثال جميع ما أمر به ونهى عنه على العموم ومعنى ) حق جهاده ( المبالغة فى الأمر بهذا الجهاد لأنه أضاف الحق إلى الجهاد والأصل إضافة الجهاد إلى الحق أى جهادا خالصا لله فعكس ذلك لقصد المبالغة وأضاف الجهاد إلى الضمير اتساعا أو لاختصاصه به سبحانه من حيث كونه مفعولا له ومن أجله وقيل المراد بحق جهاده هو أن لا تخافوا فى الله لومة لائم وقيل المراد به استفراغ ما فى وسعهم فى إحياء دين الله وقال مقاتل والكلبي إن الآية منسوخة بقوله تعالى ) فاتقوا الله ما استطعتم ( كما أن قوله ) اتقوا الله حق تقاته ( منسوخ بذلك ورد ذلك بأن التكليف مشروط بالقدرة فلا حاجة إلى المصير إلى النسخ ثم عظم سبحانه شأن المكلفين بقوله ) هو اجتباكم ( أى اختاركم لدينه وفيه تشريف لهم عظيم ثم لما كان فى التكليف مشقة على النفس فى بعض الحالات قال ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( أى من ضيق وشدة


"""""" صفحة رقم 471 """"""
وقد اختلف العلماء فى هذا الحرج الذى رفعه الله فقيل هو ما أحله الله من النساء مثنى وثلاث ورباع وملك اليمين وقيل المراد قصر الصلاة والإفطار للمسافر والصلاة بالإيماء على من لا يقدر على غيره وإسقاط الجهاد عن الأعرج والأعمى والمريض واغتفار الخطأ فى تقديم الصيام وتأخيره لاختلاف الأهلة وكذا فى الفطر والأضحى وقيل المعنى أنه سبحانه ما جعل عليهم حرجا بتكليف ما يشق عليهم ولكن كلفهم بما يقدرون عليه ورفع عنهم التكاليف التى فيها حرج فلم يتعبدهم بها كما تعبد بها بنى إسرائيل وقيل المراد بذلك أنه جعل لهم من الذنب مخرجا بفتح باب التوبة وقبول الاستغفار والتكفير فيما شرع فيه الكفارة والأرش أو القصاص فى الجنايات ورد المال أو مثله أو قيمته فى الغصب ونحوه والظاهر أن الآية أعم من هذا كله فقد حط سبحانه ما فيه مشقة من التكاليف على عباده إما بإسقاطها من الأصل وعدم التكليف بها كما كلف بها غيرهم أو بالتخفيف وتجويز العدول إلى بدل لا مشقة فيه أو بمشروعية التخلص عن الذنب بالوجه الذى شرعه الله وما أنفع هذه الآية وأجل موقعها وأعظم فائدتها ومثلها قوله سبحانه ) فاتقوا الله ما استطعتم ( وقوله ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( وقوله ) ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ( وفى الحديث الصحيح أنه سبحانه قال قد فعلت كما سبق بيانه فى تفسير هذه الآية والأحاديث فى هذا كثيرة وانتصاب ملة فى ) ملة أبيكم إبراهيم ( على المصدرية بفعل دل عليه ما قبله أى وسع عليكم دينكم توسعة ملة أبيكم إبراهيم وقال الزجاج المعنى اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم وقال الفراء انتصب على تقدير حذف الكاف أى كملة وقيل التقدير وافعلوا الخير كفعل أبيكم إبراهيم فأقام الملة مقام الفعل وقيل على الإغراء وقيل على الاختصاص وإنما جعله سبحانه أباهم لأنه أبو العرب قاطبة ولأن له عند غير العرب الذين لم يكونوا من ذريته حرمة عظيمة كحرمة الأب على الابن لكونه أبا لنبيهم ( صلى الله عليه وسلم ) ) هو سماكم المسلمين من قبل ( أى فى الكتب المتقدمة ) وفي هذا ( أى القرآن والضمير لله سبحانه وقيل راجع إلى إبراهيم والمعنى هو أى إبراهيم سماكم المسلمين من قبل النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وفى هذا أى فى حكمه أن من اتبع محمدا فهو مسلم قال النحاس وهذا القول مخالف لقول علماء الأمة ثم علل سبحانه ذلك بقوله ) ليكون الرسول شهيدا عليكم ( أى بتبليغه إليكم ) وتكونوا شهداء على الناس ( أن رسلهم قد بلغتهم وقد تقدم ببيان معنى هذه الآية فى البقرة ثم أمرهم بما هو أعظم الأركان الإسلامية فقال ) فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( وتخصيص الخصلتين بالذكر لمزيد شرفهما ) واعتصموا بالله ( أى اجعلوه عصمة لكم مما تحذرون والتجئوا إليه فى جميع أموركم ولا تطلبوا ذلك لا منه ) هو مولاكم ( أى ناصركم ومتولى أموركم دقيقها وجليلها ) فنعم المولى ونعم النصير ( أى لا مماثل له فى الولاية لأموركم والنصرة على أعدائكم وقيل المراد بقوله اعتصموا بالله تمسكوا بدين الله وقيل ثقوا به تعالى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) يا أيها الناس ضرب مثل ( قال نزلت فى صنم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ) ضعف الطالب والمطلوب ( قال الطالب آلهتهم والمطلوب الذباب وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر عن عكرمة فى قوله ) لا يستنقذوه منه ( قال لا تستنقذ الأصنام ذلك الشئ من الذباب وأخرج الحاكم وصححه عنه أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله اصطفى موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة وأخرج أيضا عن أنس وصححه أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال موسى بن عمران صفي الله وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف قال قال لي عمر ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ وجاهدوا فى الله


"""""" صفحة رقم 472 """"""
جهاده فى آخر الزمان كما جاهدتم فى أوله قلت بلى فمتى هذا يا أمير المؤمنين قال إذا كانت بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء وأخرجه البيهقى فى الدلائل عن المسور بن مخرمة قال قال عمر لعبد الرحمن بن عوف فذكره وأخرج الترمذي وصححه وابن حبان وابن مردويه والعسكرى فى الأمثال عن فضالة بن عبيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عن عائشة أنها سألت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عن هذه الآية ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( قال الضيق وأخرج ابن أبى حاتم عن محمد قال قال أبو هريرة لابن عباس أما علينا فى الدين من حرج فى أن نسرق أو نزني قال بلى قال فما جعل عليكم فى الدين من حرج قال الإصر الذى كان على بنى إسرائيل وضع عنكم وأخرج ابن أبى حاتم من طريق ابن شهاب أن ابن عباس كان يقول وما جعل عليكم فى الدين من حرج توسعة الإسلام وما جعل الله من التوبة والكافرات وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق عثمان بن يسار عن ابن عباس ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( قال هذا فى هلال رمضان إذا شك فيه الناس وفى الحج إذا شكوا فى الأضحى وفى الفطر وأشباهه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير أن ابن عباس سئل عن الحرج فقال ادع لى رجلا من هذيل فجاءه فقال ما الحرج فيكم قال الحرجة من الشجر التى ليس فيها مخرج فقال ابن عباس الذى ليس له مخرج وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقى فى سننه من طريق عبيد الله بن أبي يزيد أن ابن عباس سئل عن الحرج فقال هاهنا أحد من هذيل قال رجل أنا فقال ما تعدون الحرجة فيكم قال الشئ الضيق قال هو ذاك وأخرج البيهقى فى سننه عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( ثم قال لي ادع لي رجلا من بني مدلج قال عمر ما الحرج فيكم قال الضيق وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى فى قوله ) ملة أبيكم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طرق عن ابن عباس فى قوله ) سماكم المسلمين من قبل ( قال الله عز وجل سماكم وروى نحوه عن جماعة من التابعين وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري فى تاريخه والترمذى وصححه والنسائي وأبو يعلي وابن خزيمة وابن حبان والبغوي والبارودي وابن قانع والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقى فى شعب الإيمان عن الحارث الأشعري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من دعا بدعوة الجاهلية فإنه من جثى جهنم قال رجل يا رسول الله وإن صام وصلى قال نعم فادعوا بدعوة الله التى سماكم بها المسلمين والمؤمنين عباد الله


"""""" صفحة رقم 473 """"""
S23
تفسير
سورة المؤمنون
هى مكية بلا خلاف قال القرطبي كلها مكية فى قول الجميع
وآياتها مائة وتسع عشرة آية
حول السورة
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن عبد الله بن السائب قال صلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة الصبح فاستفتح سورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع وأخرج البيهقي من حديث أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي فقالت ) قد أفلح المؤمنون ( وأخرجه أيضا ابن عدي والحاكم وأخرج الطبراني فى السنة وابن مردويه من حديث ابن عباس مثله وقد ورد فى فضائل العشر الآيات من أول هذه السورة ما سيأتي قريبا
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون الآية ( 1 11 )
المؤمنون : ( 1 ) قد أفلح المؤمنون
قوله ) قد أفلح المؤمنون ( قال الفراء قد هاهنا يجوز أن تكون تأكيدا لفلاح المؤمنين ويجوز أن تكون تقريبا للماضي من الحال لأن قد تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه ألا تراهم يقولون قد قامت الصلاة قبل حال قيامها ويكون المعنى فى الآية أن الفلاح قد حصل لهم وأنهم عليه فى الحال والفلاح الظفر بالمراد والنجاة من المكروه وقيل البقاء فى الخير وأفلح إذا دخل فى الفلاح ويقال أفلحه إذا أصاره إلى الفلاح وقد تقدم بيان معنى الفلاح فى أول البقرة وقرأ طلحة بن مصرف ) قد أفلح ( بضم الهمزة وبناء الفعل للمفعول وروى عنه أنه قرأ أفلحوا المؤمنون على الإبهام والتفسير أو على لغة أكلوني البراغيث
المؤمنون : ( 2 ) الذين هم في . . . . .
ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله ) الذين هم في صلاتهم خاشعون ( وما عطف عليه والخشوع منهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات والعبث وهو فى اللغة السكون والتواضع والخوف والتذلل
وقد اختلف الناس فى الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها على قولين قيل الصحيح الأول وقيل الثاني وادعى عبد الواحد بن زيد إجماع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته حكاه النيسابوري


"""""" صفحة رقم 474 """"""
فى تفسيره قال ومما يدل على صحة هذا القول قوله تعالى ) أفلا يتدبرون القرآن ( والتدبر لا يتصور بدون الوقوف على المعنى وكذا قوله ) وأقم الصلاة لذكري ( والغفلة تضاد الذكر ولهذا قال ) ولا تكن من الغافلين ( وقوله ) حتى تعلموا ما تقولون ( نهى للسكران والمستغرق فى هموم الدنيا بمنزلته
المؤمنون : ( 3 ) والذين هم عن . . . . .
واللغو قال الزجاج هو كل باطل ولهو وهزل ومعصية وما لا يجمل من القول والفعل وقد تقدم تفسيره فى البقرة وقال الضحاك إن اللغو هنا الشرك وقال الحسن إنه المعاصي كلها ومعنى إعراضهم عنه تجنبهم له وعدم التفاتهم إليه وظاهره اتصافهم بصفة الإعراض عن اللغو فى كل الأوقات فيدخل وقت الصلاة فى ذلك دخولا أوليا كما تفيده الجملة الاسمية وبناء الحكم على الضمير
المؤمنون : ( 4 ) والذين هم للزكاة . . . . .
ومعنى فعلهم للزكاة تأديتهم لها فعبر عن التأدية بالفعل لأنها مما يصدق عليه الفعل والمراد بالزكاة هنا المصدر لأنه الصادر عن الفاعل وقيل يجوز أن يراد بها العين على تقدير مضاف أى ) والذين هم ( لتأدية ) للزكاة فاعلون
المؤمنون : ( 5 ) والذين هم لفروجهم . . . . .
(والذين هم لفروجهم حافظون ( الفرج يطلق على فرج الرجل والمرأة ومعنى حفظهم لها أنهم ممسكون لها بالعفاف عما لا يحل لهم قيل والمراد هنا الرجال خاصة دون النساء بدليل قوله ) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ( للإجماع على أنه لا يحل للمرأة أن يطأها من تملكه
المؤمنون : ( 6 ) إلا على أزواجهم . . . . .
قال الفراء إن على في قوله ) إلا على أزواجهم ( بمعنى من وقال الزجاج المعنى أنهم يلامون فى إطلاق ما حظر عليهم فأمروا بحفظه إلا على أزواجهم ودل على المحذوف ذكر اللوم فى آخر الآية والجملة فى محل نصب على الحال وقيل إن الاستثناء من نفي الإرسال المفهوم من الحفظ أى لا يرسلونها على أحد إلا على أزواجهم وقيل المعنى إلا والين على أزواجهم وقوامين عليهم من قولهم كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلان والمعنى أنهم لفروجهم حافظون فى جميع الأحوال إلا فى حال تزوجهم أو تسريهم وجملة ) أو ما ملكت أيمانهم ( فى محل جر عطفا على أزواجهم وما مصدرية والمراد بذلك الإماء وعبر عنهن بما التى لغير العقلاء لأنه اجتمع فيهن الأنوثة المنبئة عن قصور العقل وجواز البيع والشراء فيهن كسائر السلع فأجراهن بهذين الأمرين مجرى غير العقلاء وجملة ) فإنهم غير ملومين ( تعليل لما تقدم مما لا يجب عليهم حفظ فروجهم منه
المؤمنون : ( 7 ) فمن ابتغى وراء . . . . .
) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( الإشارة إلى الزوجات وملك اليمين ومعنى العادون المجاوزون إلى ما لا يحل لهم فسمى سبحانه من نكح ما لا يحل عاديا ووراء هنا بمعنى سوى وهو مفعول ابتغى قال الزجاج أى فمن ابتغى ما بعد ذلك فمفعول الابتغاء محذوف ووراء ظرف
وقد دلت هذه الآية على تحريم نكاح المتعة واستدل بها بعض أهل العلم على تحريم الاستمناء لأنه من الوراء لما ذكر وقد جمعنا فى ذلك رسالة سميناها بلوغ المنى فى حكم الاستمنا وذكرنا فيها أدلة المنع والجواز وترجيح الراجح منهما
المؤمنون : ( 8 ) والذين هم لأماناتهم . . . . .
) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ( قرأ الجمهور ) لأماناتهم ( بالجمع وقرأ ابن كثير بالإفراد والأمانة ما يؤتمنون عليه والعهد ما يعاهدون عليه من جهة الله سبحانه أو جهة عباده وقد جمع العهد والأمانة كل ما يتحمله الإنسان من أمر الدين والدنيا والأمانة أعم من العهد فكل عهد أمانة ومعنى راعون حافظون
المؤمنون : ( 9 ) والذين هم على . . . . .
) والذين هم على صلواتهم يحافظون ( قرأ الجمهور ) صلواتهم ( بالجمع وقرأ حمزة والكسائي صلاتهم بالإفراد ومن قرأ بالإفراد فقد أراد اسم الجنس وهو فى معنى الجمع والمحافظة على الصلاة إقامتها والمحافظة عليها فى أوقاتها وإتمام ركوعها وسجودها وقراءتها والمشروع من أذكارها
المؤمنون : ( 10 ) أولئك هم الوارثون
ثم مدح سبحانه هؤلاء فقال ) أولئك هم الوارثون ( أى الأحقاء بأن يسموا بهذا الاسم دون غيرهم
المؤمنون : ( 11 ) الذين يرثون الفردوس . . . . .
ثم بين الموروث بقوله ) الذين يرثون الفردوس ( وهو أوسط الجنة كما صح تفسيره بذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أن من عمل بما ذكر فى هذه


"""""" صفحة رقم 475 """"""
الآيات فهو الوارث الذى يرث من الجنة ذلك المكان وفيه استعارة لاستحقاقهم الفردوس بأعمالهم وقيل المعنى أنهم يرثون من الكفار منازلهم حيث فرقوها على أنفسهم لأنه سبحانه خلق لكل إنسان منزلا فى الجنة ومنزلا فى النار ولفظ الفردوس لغة رومية معربة وقيل فارسية وقيل حبشية وقيل هى عربية وجملة ) هم فيها خالدون ( فى محل نصب على الحال المقدرة أو مستأنفة لا محل لها ومعنى الخلود أنهم يدومون فيها لا يخرجون منها ولا يموتون فيها وتأنيث الضمير مع أنه راجع إلى الفردوس لأنه بمعنى الجنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن المنذر والعقيلي والحاكم وصححه والبيهقي فى الدلائل والضياء فى المختارة عن عمر بن الخطاب قال كان إذا أنزل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه يوما فمكثنا ساعة فسرى عنه فاستقبل القبلة فقال اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وأرضنا وارض عنا ثم قال لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ ) قد أفلح المؤمنون ( حتى ختم العشر وفى إسناده يونس ابن سليم الإيلي قال النسائي لا نعرف أحدا رواه عن ابن شهاب إلا يونس بن سليم ويونس لا نعرفه وأخرج البخاري فى الأدب المفرد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن يزيد بن بابنوس قال قلنا لعائشة كيف كان خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالت كان خلقه القرآن ثم قالت تقرأ سورة المؤمنين اقرأ ) قد أفلح المؤمنون ( حتى بلغ العشر فقالت هكذا كان خلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن البيهقي فى سننه عن محمد بن سيرين قال نبئت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت ) الذين هم في صلاتهم خاشعون ( فطأطأ رأسه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سيرين بلفظ كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يرفعون رءوسهم وأبصارهم إلى السماء فى الصلاة يلتفتون يمينا وشمالا فأنزل الله ) قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ( فمالوا برءوسهم فلم يرفعوا أبصارهم بعد ذلك فى الصلاة ولم يلتفتوا يمينا وشمالا وأخرج ابن المبارك فى الزهد وعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي فى سننه عن علي أنه سئل عن قوله ) الذين هم في صلاتهم خاشعون ( قال الخشوع فى القلب وأن تلين كتفك للمرء المسلم وأن لا تلتفت فى صلاتك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) الذين هم في صلاتهم خاشعون ( قال خائفون ساكنون وقد ورد فى مشروعية الخشوع فى الصلاة والنهي عن الالتفات وعن رفع البصر إلى السماء أحاديث معروفة فى كتب الحديث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) والذين هم عن اللغو معرضون ( قال الباطل وأخرج عبد الرزاق وأبو داود فى ناسخه عن القاسم بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال إني لأرى تحريمها فى القرآن ثم تلا ) والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ( وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني عن


"""""" صفحة رقم 476 """"""
ابن مسعود أنه قيل له إن الله يكثر ذكر الصلاة فى القرآن ) الذين هم على صلاتهم دائمون ( ) والذين هم على صلواتهم يحافظون ( قال ذلك على مواقيتها قالوا ما كنا نرى ذلك إلا على تركها قال تركها كفر وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة فى قوله ) أولئك هم الوارثون ( قال يرثون مساكنهم ومساكن إخوانهم التى أعدت لهم لو أطاعوا الله وأخرج سعيد بن منصور وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى البعث عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل فى الجنة ومنزل فى النار فإذا مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله ) أولئك هم الوارثون ( وأخرج عبد بن حميد والترمذي وقال حسن صحيح غريب عن أنس فذكر قصة وفيها أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها ويدل على هذه الوراثة المذكورة هنا قوله تعالى ) تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ( وقوله ) تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ( ويشهد لحديث أبي هريرة هذا ما فى صحيح مسلم عن أبي موسى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى وفى لفظ له قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول هذا فكاكك من النار
سورة المؤمنون الآية ( 12 22 )
المؤمنون : ( 12 ) ولقد خلقنا الإنسان . . . . .
لما حث سبحانه عباده على العبادة ووعدهم الفردوس على فعلها عاد إلى تقرير المبدأ والمعاد ليتمكن ذلك فى نفوس المكلفين فقال ) ولقد خلقنا الإنسان ( إلى آخره واللام جواب قسم محذوف والجملة مبتدأة وقيل معطوفة على ما قبلها والمراد بالإنسان الجنس لأنهم مخلوقون فى ضمن خلق أبيهم آدم وقيل المراد به آدم والسلالة فعالة من السل وهو استخراج الشيء من الشيء يقال سللت الشعرة من العجين والسيف من الغمد فانسل فالنطفة سلالة والولد سليل وسلالة أيضا ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 477 """"""
فجاءت به عضب الأديم غضنفرا
سلالة فرج كان غير حصين
وقول الآخر وهل هند إلا مهرة عربية
سلالة أفراس تحللها بغل
و ) من سلالة من طين ( بيانية متعلقة بمحذوف وقع صفة لسلاله أى كائنة من طين والمعنى أنه سبحانه خلق جوهر الإنسان أولا من طين لأن الأصل آدم وهو من طين خالص وأولاده من طين ومني وقيل السلالة الطين إذا عصرته انسل من بين أصابعك فالذى يخرج هو السلالة قاله الكلبي
المؤمنون : ( 13 ) ثم جعلناه نطفة . . . . .
) ثم جعلناه ( أى الجنس باعتبار أفراده الذين هم بنو آدم أو جعلنا نسله على خذف مضاف إن أريد بالإنسان آدم ) نطفة ( وقد تقدم تفسير النطفة فى سورة الحج وكذلك تفسير العلقة والمضغة والمراد بالقرآن المكين الرحم وعبر عنها بالقرار الذى هو مصدر مبالغة
المؤمنون : ( 14 ) ثم خلقنا النطفة . . . . .
ومعنى ) ثم خلقنا النطفة علقة ( أى أنه سبحانه أحال النطفة البيضاء علقة حمراء ) فخلقنا العلقة مضغة ( أى قطعة لحم غير مخلقة ) فخلقنا المضغة عظاما ( أى جعلها الله سبحانه متصلبة لتكون عمودا للبدن على أشكال مخصوصة ) فكسونا العظام لحما ( أى أنبت الله سبحانه على كل عظم لحما على المقدار الذى يليق به ويناسبه ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( أى نفخنا فيه الروح بعد أن كان جمادا وقيل أخرجناه إلى الدنيا وقيل هو نبات الشعر وقيل خروج الأسنان وقيل تكميل القوى المخلوقة فيه ولا مانع من إرادة الجميع والمجئ بثم لكمال التفاوت بين الخلقين ) فتبارك الله أحسن الخالقين ( أى استحق التعظيم والثناء وقيل مأخوذ من البركة أى كثر خيره وبركته والخلق فى اللغة التقدير يقال خلقت الأديم إذا قسته لتقطع منه شيئا فمعنى أحسن الخالقين أتقن الصانعين المقدرين ومنه قول الشاعر ولأنت تفرى ما خلقت وبعض
القوم يخلق ثم لا يفرى
المؤمنون : ( 15 ) ثم إنكم بعد . . . . .
) ثم إنكم بعد ذلك لميتون ( الإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الأمور المتقدمة أى ثم إنكم بعد تلك الأمور لميتون صائرون إلى الموت
المؤمنون : ( 16 ) ثم إنكم يوم . . . . .
لا محالة ) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ( من قبوركم إلى المحشر للحساب والعقاب
المؤمنون : ( 17 ) ولقد خلقنا فوقكم . . . . .
واللام فى ) ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ( جواب لقسم محذوف والجملة مبتدأة مشتملة على بيان خلق ما يحتاجون إليه بعد بيان خلقهم والطرائق هى السموات قال الخليلي والفراء والزجاج سميت طرائق لأنه طورق بعضها فوق بعض كمطارقة النعل قال أبو عبيدة طارقت الشئ جعلت بعضه فوق بعض والعرب تسمي كل شئ فوق شئ طريقة وقيل لأنها طرائق الملائكة وقيل لأنها طرائق الكواكب ) وما كنا عن الخلق غافلين ( المراد بالخلق هنا المخلوق أى وما كنا عن هذه السبع الطرائق وحفظها عن أن تقع على الأرض بغافلين وقال أكثر المفسرين المراد الخلق كلهم بغافلين بل حفظنا السموات عن أن تسقط وحفظنا من فى الأرض أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم أو تميد بهم الأرض أو يهلكون بسبب من الأسباب المستأصلة لهم ويجوز أن يراد نفي الغفلة عن القيام بمصالحهم وما يعيشون به ونفى الغفلة عن حفظهم
المؤمنون : ( 18 ) وأنزلنا من السماء . . . . .
) وأنزلنا من السماء ماء ( هذا من جملة ما امتن الله سبحانه به على خلقه والمراد بالماء ماء المطر فإن به حياة الأرض وما فيها من الحيوان ومن جملة ذلك ماء الأنهار النازلة من السماء والعيون والآبار المستخرجة من الأرض فإن أصلها من ماء السماء وقيل أراد سبحانه فى هذه الآية الأنهار الأربعة سيحان وجيحان والفرات والنيل ولا وجه لهذا التخصيص وقيل المراد به الماء العذب ولا وجه لذلك أيضا فليس فى الأرض ماء إلا وهو من السماء ومعنى ) بقدر ( بتقدير منا أو بمقدار يكون به صلاح الزرائع والثمار فإنه لو كثر لكان به هلاك ذلك ومثله قوله سبحانه ) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم (


"""""" صفحة رقم 478 """"""
ومعنى ) فأسكناه في الأرض ( جعلناه مستقرا فيها ينتفعون به وقت حاجتهم إليه كالماء الذى يبقى فى المستنقعات والغدران ونحوها ) وإنا على ذهاب به لقادرون ( أى كما قدرنا على إنزاله فنحن قادرون على أن نذهب به بوجه من الوجوه ولهذا التنكير حسن موقع لا يخفى وفى هذا تهديد شديد لما يدل عليه من قدرته سبحانه على إذهابه وتغويره حتى يهلك الناس بالعطش وتهلك مواشيهم ومثله قوله ) قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين )
المؤمنون : ( 19 ) فأنشأنا لكم به . . . . .
ثم بين سبحانه ما يتسبب عن إنزال الماء فقال ) فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب ( أى أوجدنا بذلك الماء جنات من النوعين المذكورين ) لكم فيها ( أى فى هذه الجنات ) فواكه كثيرة ( تتفكهون بها وتتطعمون منها وقيل المعنى ومن هذه الجنات وجوه أرزاقكم ومعاشكم كقوله فلان يأكل من حرفة كذا وهو بعيد واقتصر سبحانه على النخيل والأعناب لأنها الموجودة بالطائف والمدينة وما يتصل بذلك كذا قال ابن جرير وقيل لأنها أشرف الأشجار ثمرة وأطيبها منفعة وطعما ولذة قيل المعنى بقوله ) لكم فيها فواكه ( أن لكم فى هذه الجنات فواكه من غير العنب والنخيل وقيل المعنى لكم فى هذين النوعين خاصة فواكه لأن فيهما أنواعا مختلفة متفاوتة فى الطعم واللون
وقد اختلف أهل الفقه فى لفظ الفاكهة على ماذا يطلق اختلافا كثيرا وأحسن ما قيل إنها تطلق على الثمرات التى يأكلها الناس وليست بقوت لهم ولا طعام ولا إدام واختلف فى البقول هل تدخل فى الفاكهة أم لا
المؤمنون : ( 20 ) وشجرة تخرج من . . . . .
وانتصاب شجرة على العطف على جنات وأجاز الفراء الرفع على تقدير وثم شجرة فتكون مرتفعة على الابتداء وخبرها محذوف مقدر قبلها وهو الظرف المذكور قال الواحدي والمفسرون كلهم يقولون إن المراد بهذه الشجرة شجرة الزيتون وخصت بالذكر لأنه لا يتعاهدها أحد بالسقى وهى التى يخرج الدهن منها فذكرها الله سبحانه امتنانا منه على عباده بها ولأنها أكرم الشجر وأعمها نفعا وأكثرها بركة ثم وصف سبحانه هذه الشجرة بأنها ) تخرج من طور سيناء ( وهو جبل ببيت المقدس والطور الجبل فى كلام العرب وقيل هو مما عرب به كلام العجم واختلف فى معنى سيناء فقيل هو الحسن وقيل هو المبارك وذهب الجمهور إلى أنه اسم للجبل كما تقول جبل أحد وقيل سيناء حجر بعينه أضيف الجبل إليه لوجوده عنده وقيل هو كل جبل يحمل الثمار وقرأ الكوفيون ) سيناء ( بفتح السين وقرأ الباقون بكسر السين ولم يصرف لأنه جعل اسما للبقعة وزعم الأخفش أنه أعجمي وقرأ الجمهور ) تنبت بالدهن ( بفتح المثناة وضم الباء الموحدة وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم المثناة وكسر الباء الموحدة والمعنى على القراءة الأولى أنها تنبت فى نفسها متلبسة بالدهن وعلى القراءة الثانية الباء بمعنى مع فهى للمصاحبة قال أبو علي الفارسي التقدير تنبت جناحها ومعه الدهن وقيل الباء زائدة قاله أبو عبيدة ومثله قول الشاعر هن الحرائر لاربات أحمرة
سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وقال آخر نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
وقال الفراء والزجاج إن نبت وأنبت بمعنى والأصمعي ينكر أنبت ويرد عليه قول زهير
رأيت ذوى الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل
أى نبت وقرأ الزهري والحسن والأعرج ) تنبت ( بضم المثناة وفتح الموحدة قال الزجاج وابن جنى أى تنبت ومعها الدهن وقرأ ابن مسعود تخرج بالدهن وقرأ زر بن حبيش تنبت الدهن بحذف حرف الجر وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب بالدهان ) وصبغ للآكلين ( معطوف على الدهن أى تنبت بالشئ الجامع بين


"""""" صفحة رقم 479 """"""
كونه دهنا يدهن به وكونه صبغا به يؤتدم به قرأ الجمهور ? صبغ ? وقرأ قوم صباغ مثل لبس ولباس وكل إدام يؤتدم به فهو صبغ وصباغ وأصل الصبغ ما يلون به الثوب وشبه الإدام به لأن الخبز يكون بالإدام كالمصبوغ به
المؤمنون : ( 21 ) وإن لكم في . . . . .
) وإن لكم في الأنعام لعبرة ( هذه من جملة النعم التى امتن الله بها عليهم وقد تقدم تفسير الأنعام فى سورة النحل قال النيسابوري فى تفسيره ولعل القصد بالأنعام هنا إلى الإبل خاصة لأنها هى المحمول عليها فى العادة ولأنه قرنها بالفلك وهى سفائن البر كما أن الفلك سفائن البحر وبين سبحانه أنها عبرة لأنها مما يستدل بخلقها وأفعالها على عظيم القدرة الإلهية ثم فصل سبحانه ما فى هذه الأنعام من النعم بعد ما ذكره من العبرة فيها للعباد فقال ) نسقيكم مما في بطونها ( يعنى سبحانه اللبن المتكون فى بطونها المنصب إلى ضروعها فإن فى انعقاد ما تأكله من العلف واستحالته إلى هذا الغذاء اللذيذ والمشروب النفيس أعظم عبرة للمعتبرين وأكبر موعظة للمتعظين قرئ ) نسقيكم ( بالنون على أن الفاعل هو الله سبحانه وقرئ بالتاء الفوقية على أن الفاعل هو الأنعام ثم ذكر ما فيها من المنافع إجمالا فقال ) ولكم فيها منافع كثيرة ( يعنى فى ظهورها وألبانها وأولادها وأصوافها وأشعارها ثم ذكر منفعة خاصة فقال ) ومنها تأكلون ( لما فى الأكل من عظيم الانتفاع لهم وكذلك ذكر الركوب عليها لما فيه من المنفعة العظيمة فقال ) وعليها وعلى الفلك تحملون ( أى وعلى الأنعام فإن أريد بالأنعام الإبل والبقر والغنم فالمراد وعلى بعض الأنعام وهى الإبل خاصة وإن أريد بالأنعام الإبل خاصة فالمعنى واضح
المؤمنون : ( 22 ) وعليها وعلى الفلك . . . . .
ثم لما كانت الأنعام هى غالب ما يكون الركوب عليه فى البر ضم إليها ما يكون الركوب عليه فى البحر فقال ) وعلى الفلك تحملون ( تميما للنعمة وتكميلا للمنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال السلالة صفو الماء الرقيق الذى يكون منه الولد وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال إن النطفة إذا وقعت فى الرحم طارت فى شعر وظفر فتمكث أربعين يوما ثم تنحدر فى الرحم فتكون علقة وللتابعين فى تفسير السلالة أقوال قد قدمنا الإشارة إليها وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( قال الشعر والأسنان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( قال نفخ فيه الروح وكذا قال مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن وأبو العالية والربيع بن أنس والسدى والضحاك وابن زيد واختاره ابن جرير وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( قال حين استوى به الشباب وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن صالح أبى الخليل قال لما نزلت هذه الآية على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إلى قوله ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( قال عمر ) فتبارك الله أحسن الخالقين ( قال والذى نفسي بيده إنها ختمت بالذى تكلمت به يا عمر وأخرج الطيالسي وابن أبى حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أنس قال قال عمر وافقت ربي فى أربع قلت يا رسول الله لو صلينا خلف المقام فأنزل الله ) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( وقلت يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجابا فإنه يدخل عليك البر والفاجر فأنزل الله ) وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ( وقلت لأزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن فنزلت ) عسى ربه إن طلقكن ( الآية ونزلت ) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة ( إلى قوله ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( فقلت أنا ) فتبارك الله أحسن الخالقين ( وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني فى الأوسط وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال أملى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) ولقد خلقنا الإنسان ( إلى قوله ) خلقا آخر ( فقال معاذ بن جبل ) فتبارك الله أحسن الخالقين ( فضحك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 480 """"""
فقال له معاذ مم ضحكت يا رسول الله قال بها ختمت ) فتبارك الله أحسن الخالقين ( وفى إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف جدا قال ابن كثير وفى خبره هذا نكارة شديدة وذلك أن هذه السورة مكية وزيد بن ثابت إنما كتب الوحي بالمدينة وكذلك إسلام معاذ بن جبل إنما كان بالمدينة والله أعلم وأخرج ابن مردويه والخطيب قال السيوطي بسند ضعيف عن ابن عباس عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال أنزل الله من الجنة إلى الأرض خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العراق والنيل وهو نهر مصر أنزلها من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل فاستودعها الجبال وأجراها فى الأرض وجعلها منافع للناس فى أصناف معايشهم فذلك قوله ) وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض ( فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم والحجر من ركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله ) وإنا على ذهاب به لقادرون ( فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا والآخرة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال طور سيناء هو الجبل الذى نودى منه موسى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) تنبت بالدهن ( قال هو الزيت يؤكل ويدهن به


"""""" صفحة رقم 481 """"""
سورة المؤمنون الآية ( 22 41 )
المؤمنون : ( 23 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
لما ذكر سبحانه الفلك أتبعه بذكر نوح لأنه أول من صنعه وذكر ما صنعه قوم نوح معه بسبب إهمالهم للتفكر فى مخلوقات الله سبحانه والتذكر لنعمه عليهم فقال ) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ( وفى ذلك تعزية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتسلية له ببيان أن قوم غيره من الأنبياء كانوا يصنعون مع أنبيائهم ما يصنعه قومه معه واللام جواب قسم محذوف ) فقال يا قوم اعبدوا الله ( أى اعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا كما يستفاد من الآيات الآخرة وجملة ) ما لكم من إله غيره ( واقعة موقع التعليل لما قبلها وارتفاع غيره لكونه وصفا لإله على المحل لأنه مبتدأ خبره لكم أى ما لكم فى الوجود إله غيره سبحانه وقرئ بالجر اعتبارا بلفظ إله ) أفلا تتقون ( أى أفلا تخافون أن تتركوا عبادة ربكم الذى لا يستحق العبادة غيره وليس لكم إله سواه وقيل المعنى أفلا تخافون أن يرفع عنكم ما خولكم من النعم ويسلبها عنكم وقيل المعنى أفلا تقون أنفسكم عذابه الذى تقتضيه ذنوبكم
المؤمنون : ( 24 ) فقال الملأ الذين . . . . .
) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ( أى قال أشراف قومه الذين كفروا به ) ما هذا إلا بشر مثلكم ( أى من جنسكم فى البشرية لا فرق بينكم وبينه ) يريد أن يتفضل عليكم ( أى يطلب الفضل عليكم بأن يسودكم حتى تكونوا تابعين له منقادين لأمره ثم صرحوا بأن البشر لا يكون رسولا فقالوا ) ولو شاء الله لأنزل ملائكة ( أى لو شاء الله إرسال رسول لأرسل ملائكة وإنما عبر بالإنزال عن الإرسال لأن إرسالهم إلى العباد يستلزم نزولهم إليهم ) ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ( أى بمثل دعوى هذا المدعي للنبوة من البشر أو بمثل كلامه وهو الأمر بعبادة الله وحده أو ما سمعنا ببشر يدعي هذه الدعوى فى آبائنا الأولين أى فى الأمم الماضية قبل هذا وقيل الباء فى بهذا زائدة أى ما سمعنا هذا كائنا فى الماضين قالوا هذا اعتمادا منهم على التقليد واعتصاما بحبله ولم يقنعوا بذلك حتى ضموا إليه الكذب البحت والبهت الصراح
المؤمنون : ( 25 ) إن هو إلا . . . . .
فقالوا ) إن هو إلا رجل به جنة ( أى جنون لا يدري ما يقول ) فتربصوا به حتى حين ( أى انتظروا به حتى يستبين أمره بأن يفيق من جنونه فيترك هذه الدعوى أو حتى يموت فتستريحوا منه قال الفراء ليس يريد بالحين هنا وقتا بعينه إنما هو كقولهم دعه إلى يوم ما فلما سمع عليه الصلاة والسلام كلامهم وعرف تماديهم على الكفر وإصرارهم عليه
المؤمنون : ( 26 ) قال رب انصرني . . . . .
) قال رب انصرني ( عليهم فانتقم منهم بما تشاء وكيف تريد والباء فى ) بما كذبون ( للسببية أى بسبب تكذيبهم إياى
المؤمنون : ( 27 ) فأوحينا إليه أن . . . . .
) فأوحينا إليه ( عند ذلك أى أرسلنا إليه رسولا من السماء ) أن اصنع الفلك ( وأن هى مفسرة لما فى الوحي من معنى القول ) بأعيننا ( أى متلبسا بحفظنا وكلاءتنا وقد تقدم بيان هذا فى هود ومعنى ) ووحينا ( أمرنا لك وتعليمنا إياك لكيفية صنعها والفاء فى قوله ) فإذا جاء أمرنا ( لترتيب ما بعدها على ما قبلها من صنع الفلك والمراد بالأمر العذاب ) وفار التنور ( معطوف على الجملة التى قبله عطف النسق وقيل عطف البيان أى إن مجئ الأمر هو فور التنور أى تنور آدم الصائر إلى نوح أى إذا وقع ذلك ) فاسلك فيها من كل زوجين اثنين ( أى ادخل فيها يقال سلكه فى كذا أدخله وأسلكته أدخلته قرأ حفص ) من كل ( بالتنوين وقرأ الباقون بالإضافة ومعنى القراءة الأولى من كل أمة


"""""" صفحة رقم 482 """"""
زوجين ومعنى الثانية من كل زوجين وهما أمة الذكر والأنثى اثنين وانتصاب أهلك بفعل معطوف على فاسلك لا بالعطف على زوجين أو على اثنين على القراءتين لأدائه إلى اختلاف المعنى أى واسلك أهلك ) إلا من سبق عليه القول منهم ( أى القول بإهلاكهم منهم ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا ( بالدعاء لهم بإنجائهم وجملة ) إنهم مغرقون ( تعليل للنهي عن المخاطبة أى إنهم مقضى عليهم بالإغراق لظلمهم ومن كان هكذا فهو لا يستحق الدعاء له
المؤمنون : ( 28 ) فإذا استويت أنت . . . . .
) فإذا استويت ( أى علوت ) أنت ومن معك ( من أهلك وأتباعك ) على الفلك ( راكبين عليه ) فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ( أى حال بيننا وبينهم وخلصنا منهم كقوله ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ( وقد تقدم تفسير هذه القصة فى سورة هود على التمام والمال وإنما جعل سبحانه استواءهم على السفينة نجاة من الغرق جزما لأنه قد سبق فى علمه أن ذلك سبب نجاتهم من الظلمة وسلامتهم من أن يصابوا بما أصيبوا به من العذاب
المؤمنون : ( 29 ) وقل رب أنزلني . . . . .
ثم أمره أن يسأل ربه ما هو أنفع له وأتم فائدة فقال ) وقل رب أنزلني منزلا مباركا ( أى أنزلني فى السفينة قرأ الجمهور منزلا بضم الميم وفتح الزاى على أنه مصدر وقرا زر بن حبيش وأبو بكر عن عاصم والمفضل بفتح الميم وكسر الزاى على أنه اسم مكان فعلى القراءة الأولى أنزلني إنزالا مباركا وعلى القراءة الثانية أنزلني مكانا مباركا قال الجوهرى والمنزل بفتح الميم والزاى النزول وهو الحلول تقول نزلت نزولا ومنزلا قال الشاعر أإن ذكرتك الدار منزلها جمل
بكيت فدمع العين منحدر سجل
بنصب منزلها لأنه مصدر قيل أمره الله سبحانه بأن يقول هذا القول عند دخوله السفينة وقيل عند خروجه منها والآية تعليم من الله لعباده إذا ركبوا ثم نزلوا أن يقولوا هذا القول ) وأنت خير المنزلين ( هذا ثناء منه على الله عز وجل إثر دعائه له قال الواحدي قال المفسرون إنه أمر أن يقول عند استوائه على الفلك الحمد لله وعند نزوله منها ) رب أنزلني منزلا مباركا )
المؤمنون : ( 30 ) إن في ذلك . . . . .
والإشارة بقوله ) إن في ذلك ( إلى ما تقدم مما قصه الله علينا من أمر نوح عليه السلام والآيات الدلالات على كمال قدرته سبحانه والعلامات التى يستدل بها على عظيم شأنه ) وإن كنا لمبتلين ( أى لمختبرين لهم بإرسال الرسل إليهم ليظهر المطيع والعاصي للناس أو للملائكة وقيل المعنى إنه يعاملهم سبحانه معاملة المختبر لأحوالهم تارة بالإرسال وتارة بالعذاب
المؤمنون : ( 31 ) ثم أنشأنا من . . . . .
) ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ( أى من بعد إهلاكهم قال أكثر المفسرين إن هؤلاء الذين أنشأهم الله بعدهم هم عاد قوم هود لمجئ قصتهم على إثر قصة نوح فى غير هذا الموضع ولقوله فى الأعراف ) واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ( وقيل هم ثمود لأنهم الذين أهلكوا بالصيحة وقد قال سبحانه فى هذه القصة ) فأخذتهم الصيحة ( وقيل هم أصحاب مدين قوم شعيب لأنهم ممن أهلك بالصيحة
المؤمنون : ( 32 ) فأرسلنا فيهم رسولا . . . . .
) فأرسلنا فيهم رسولا ( عدى فعل الإرسال بفى مع أنه يتعدى بإلى للدلالة على أن هذا الرسول المرسل إليهم نشأ فيهم بين أظهرهم يعرفون مكانه ومولده ليكون سكونهم إلى قوله أكثر من سكونهم إلى من يأتيهم من غير مكانهم وقيل وجه التعدية للفعل المذكور بفى أنه ضمن معنى القول أى قلنا لهم على لسان الرسول ) اعبدوا الله ( ولهذا جئ بأن المفسرة والأول أولى لأن تضمين أرسلنا معنى قلنا لا يستلزم تعديته بفى وجملة ) ما لكم من إله غيره ( تعليل للأمر بالعبادة ) أفلا تتقون ( عذابه الذى يقتضيه شرككم
المؤمنون : ( 33 ) وقال الملأ من . . . . .
) وقال الملأ من قومه ( أى أشرافهم وقادتهم ثم وصف الملأ بالكفر والتكذيب فقال ) الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة ( أى كذبوا بما فى الآخرة من الحساب والعقاب أو كذبوا بالبعث ) وأترفناهم ( أى وسعنا لهم نعم الدنيا فبطروا بسبب ما صاروا فيه ) في الحياة الدنيا ( من كثرة الأموال ورفاهة العيش ) ما هذا إلا بشر مثلكم (


"""""" صفحة رقم 483 """"""
أى قال الملأ لقومهم هذا القول وصفوه بمساواتهم فى البشرية وفى الأكل ) مما تأكلون منه ( والشرب مما تشربون منه وذلك يستلزم عندهم أنه لا فضل له عليهم قال الفراء إن معنى ) ويشرب مما تشربون ( على حذف منه أى مما تشربون منه وقيل إن ما مصدرية فلا تحتاج إلى عائد
المؤمنون : ( 34 ) ولئن أطعتم بشرا . . . . .
) ولئن أطعتم بشرا مثلكم ( فيما ذكر من الأوصاف ) إنكم إذا لخاسرون ( أى مغبونون بترككم آلهتكم واتباعكم إياه من غير فضيلة له عليكم
المؤمنون : ( 35 ) أيعدكم أنكم إذا . . . . .
والاستفهام فى قوله ) أيعدكم أنكم إذا متم ( للإنكار والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها من تقبيح اتباعهم له قرئ بكسر الميم من متم من مات بمات كخاف يخاف وقرئ بضمها من مات يموت كقال يقول ) وكنتم ترابا وعظاما ( أى كان بعض أجزائكم ترابا وبعضها عظاما نخرة لا لحم فيها ولا أعصاب عليها قيل وتقديم التراب لكونه أبعد فى عقولهم وقيل المعنى كان متقدموكم ترابا ومتأخروكم عظاما ) أنكم مخرجون ( أى من قبوركم أحياء كما كنتم قال سيبويه أن الأولى فى موضع نصب بوقوع أيعدكم عليها وأن الثانية بدل منها وقال الفراء والجرمي والمبرد إن أن الثانية مكررة للتوكيد وحسن تكريرها لطول الكلام وبمثله قال الزجاج وقال الأخفش أن الثانية فى محل رفع بفعل مضمر أى يحدث إخراجكم كما تقول اليوم القتال فالمعنى اليوم يحدث القتال
المؤمنون : ( 36 ) هيهات هيهات لما . . . . .
) هيهات هيهات لما توعدون ( أى بعد ما توعدون أو بعيد ما توعدون والتكرير للتأكيد قال ابن الأنباري وفى هيهات عشر لغات ثم سردها وهى مبينة فى علم النحو وقد قرئ ببعضها واللام فى لما توعدون لبيان المستبعد كما فى قولهم هيت لك كأنه قيل لماذا هذا الاستبعاد فقيل لما توعدون والمعنى بعد إخراجكم للوعد الذى توعدون هذا على أن هيهات اسم فعل وقال الزجاج هو فى تقدير المصدر أى البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون على قراءة من نون فتكون على هذا مبتدأ خبره لما توعدون
المؤمنون : ( 37 ) إن هي إلا . . . . .
ثم بين سبحانه إترافهم بأنهم قالوا ) إن هي إلا حياتنا الدنيا ( أى ما الحياة إلا حياتنا الدنيا لا الحياة الآخرة التى تعدنا بها وجملة ) نموت ونحيا ( مفسرة لما ادعوه من قصرهم حياتهم على حياة الدنيا ثم صرحوا بنفي البعث وأن الوعد به منه افتراء على الله فقالوا ) وما نحن بمبعوثين
المؤمنون : ( 38 ) إن هو إلا . . . . .
( إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا ( أى ما هو فيما يدعيه إلا مفتر للكذب على الله ) وما نحن له بمؤمنين ( أى بمصدقين له فيما يقوله
المؤمنون : ( 39 ) قال رب انصرني . . . . .
) قال رب انصرني ( أى قال نبيهم لما علم بأنهم لا يصدقونه ألبتة رب انصرنى عليهم وانتقم لى منهم بسبب تكذيبهم إياى
المؤمنون : ( 40 ) قال عما قليل . . . . .
) قال عما قليل ليصبحن نادمين ( أى قال الله سبحانه مجيبا لدعائه واعدا له بالقبول لما دعا به عما قليل من الزمان ليصبحن نادمين على ما وقع منهم من التكذيب والعناد والإصرار على الكفر و ) ما ( فى عما قليل مزيدة بين الجار والمجرور للتوكيد لقلة الزمان كما فى قوله ) فبما رحمة من الله )
المؤمنون : ( 41 ) فأخذتهم الصيحة بالحق . . . . .
ثم أخبر سبحانه بأنها ) فأخذتهم الصيحة ( وحاق بهم عذابه ونزل عليهم سخطه قال المفسرون صاح بهم جبريل صيحة واحدة مع الريح التى أهلكهم الله بها فماتوا جميعا وقيل الصيحة هى نفس العذاب الذى نزل بهم ومنه قول الشاعر صاح الزمان بآل برمك صيحة
خروا لشدتها على الأذقان
والباء فى بالحق متعلق بالأخذ ثم أخبر سبحانه عما صاروا إليه بعد العذاب النازل بهم فقال ) فجعلناهم غثاء ( أى كغثاء السيل الذى يحمله والغثاء ما يحمل السيل من بالى الشجر والحشيش والقصب ونحو ذلك مما يحمله على ظاهر الماء والمعنى صيرهم هلكى فيبسوا كما يبس الغثاء ) فبعدا للقوم الظالمين ( انتصاب بعدا على المصدرية وهو من المصادر التى لا يذكر فعلها معها أى بعدوا بعدا واللام لبيان من قيل له ذلك


"""""" صفحة رقم 484 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فاسلك فيها ( يقول اجعل معك فى السفينة ) من كل زوجين اثنين ( وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) وقل رب أنزلني منزلا مباركا ( قال لنوح حين أنزل من السفينة وأخرج هؤلاء عن قتادة فى الآية قال يعلمكم سبحانه كيف تقولون إذا ركبتم وكيف تقولون إذا نزلتم أما عند الركوب ) سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ( و ) بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ( وعند النزول ) رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ( وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى مالك فى قوله ) قرنا ( قال أمة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) هيهات هيهات ( قال بعيد بعيد وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) فجعلناهم غثاء ( قال جعلوا كالشئ الميت البالي من الشجر
سورة المؤمنون الآية ( 42 56 )
المؤمنون : ( 42 ) ثم أنشأنا من . . . . .
قوله ) ثم أنشأنا من بعدهم ( أى من بعد إهلاكهم ) قرونا آخرين ( قيل هم قوم صالح ولوط وشعيب كما وردت قصتهم على هذا الترتيب فى الأعراف وهود وقيل هم بنو إسرائيل والقرون الأمم ولعل وجه الجمع هنا للقرون والإفراد فيما سبق قريبا أنه أراد هاهنا أمما متعددة وهناك أمة واحدة
المؤمنون : ( 43 ) ما تسبق من . . . . .
ثم بين سبحانه كمال علمه وقدرته فى شأن عباده فقال ) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ( أى ما تتقدم كل طائفة مجتمعة فى قرن آجالها المكتوبة لها فى الهلاك ولا تتأخر عنها وقيل ذلك قوله تعالى ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )
المؤمنون : ( 44 ) ثم أرسلنا رسلنا . . . . .
ثم بين سبحانه أن رسله كانوا بعد هذه القرون متواترين وأن شأن أممهم كان واحدا فى التكذيب لهم فقال ) ثم أرسلنا رسلنا تترا ( والجملة معطوفة على الجملة التى قبلها بمعنى أن إرسال كل رسول متأخر عن إنشاء القرن الذى أرسل إليه لا على معنى أن إرسال الرسل جميعا متأخر عن إنشاء تلك القرون جميعا ومعنى ) تترا ( تتواتر واحدا بعد


"""""" صفحة رقم 485 """"""
واحد ويتبع بعضهم بعضا من الوتر وهو الفرد قال الأصمعي واترت كتبي عليه أتبعت بعضها بعضا إلا أن بين كل واحد منها وبين الآخر مهلة وقال غيره المتواترة المتتابعة بغير مهلة قرأ ابن كثير وابن عمرو تترى بالتنوين على أنه مصدر قال النحاس وعلى هذا يجوز تترى بكسر التاء الأولى لأن معنى ثم أرسلنا واترنا ويجوز أن يكون فى موضع الحال أى متواترين ) كل ما جاء أمة رسولها كذبوه ( هذه الجملة مستأنفة مبينة لمجئ كل رسول لأمته على أن المراد بالمجئ التبليغ ) فأتبعنا بعضهم بعضا ( أى فى الهلاك بما نزل بهم من العذاب ) وجعلناهم أحاديث ( الأحاديث جمع أحدوثة وهى ما يتحدث به الناس كالأعاجيب جمع أعجوبة وهى ما يتعجب الناس منه قال الأخفش إنما يقال جعلناهم أحاديث فى الشر ولا يقال فى الخير كما يقال صار فلان حديثا أى عبرة وكما قال سبحانه فى آية أخرى ) فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ( قلت وهذه الكلية غير مسلمة فقد يقال صار فلان حديثا حسنا ومنه قول ابن دريد فى مقصورته وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثا حسنا لما روى
) فبعدا لقوم لا يؤمنون ( وصفهم هنا بعدم الإيمان وفيما سبق قريبا بالظلم لكون كل من الوصفين صادرا عن كل طائفة من الطائفتين أو لكون هؤلاء لم يقع منهم إلا مجرد عدم التصديق وأولئك ضموا إليه تلك الأقوال الشنيعة التى هى من أشد الظلم وأفظعه
المؤمنون : ( 45 ) ثم أرسلنا موسى . . . . .
ثم حكى سبحانه ما وقع من فرعون وقومه عند إرسال موسى وهارون إليهم فقال ) ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا ( هى التسع المتقدم ذكرها غير مرة ولا يصح عد فلق البحر منها هنا لأن المراد بالآيات التى كذبوا بها واستكبروا عنها والمراد بالسلطان المبين الحجة الواضحة البينة قيل هى الآيات التسع نفسها والعطف من باب إلى الملك القرم وابن الهمام
وقيل أراد العصى لأنها أم الآيات فيكون من باب عطف جبريل على الملائكة وقيل المراد بالآيات التى كانت لهما وبالسلطان الدلائل المبين التسع الآيات
المؤمنون : ( 46 ) إلى فرعون وملئه . . . . .
والمراد بالملأ فى قوله ) إلى فرعون وملئه ( هم الأشراف منهم كما سبق بيانه غير مرة ) فاستكبروا ( أى طلبوا الكبر وتكلفوه فلم ينقادوا للحق ) وكانوا قوما عالين ( قاهرين للناس بالبغي والظلم مستعلين عليهم متطاولين كبرا وعنادا وتمردا
المؤمنون : ( 47 ) فقالوا أنؤمن لبشرين . . . . .
وجملة ) فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ( معطوفة على جملة ) استكبروا ( وما بينهما اعتراض والاستفهام للإنكار أى كيف نصدق من كان مثلنا فى البشرية والبشر يطلق على الواحد كقوله ) بشرا سويا ( كما يطلق على الجمع كما فى قوله ) فإما ترين من البشر أحدا ( فتثنيته هنا هى باعتبار المعنى الأول وأفرد المثل لأنه فى حكم المصدر ومعنى ) وقومهما لنا عابدون ( أنهم مطيعون لهم منقادون لما يأمرونهم به كانقياد العبيد قال المبرد العابد المطيع الخاضع قال أبو عبيدة العرب تسمى كل من دان لملك عابدا له وقيل يحتمل أنه كان يدعي الإلهية فدعى الناس إلى عبادته فأطاعوه واللام فى ) لنا ( متعلقة بعابدون قدمت عليه لرعاية الفواصل
المؤمنون : ( 48 ) فكذبوهما فكانوا من . . . . .
والجملة حالية ) فكذبوهما ( أى فأصروا على تكذيبهما ) فكانوا من المهلكين ( بالغرق فى البحر
المؤمنون : ( 49 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
ثم حكى سبحانه ما جرى على قوم موسى بعد إهلاك عدوهم فقال ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( يعني التوراة وخص موسى بالذكر لأن التوراة أنزلت عليه فى الطور وكان هارون خليفته فى قومه ) لعلهم يهتدون ( أى لعل قوم موسى يهتدون بها إلى الحق ويعملون بما فيها من الشرائع فجعل سبحانه إيتاء موسى إياها إيتاء لقومه لأنها وإن كانت منزلة على موسى فهى لإرشاد قومه وقيل إن ثم مضافا محذوفا أقيم المضاف إليه مقامه أى آتينا قوم موسى الكتاب وقيل إن الضمير فى ) لعلهم ( يرجع إلى فرعون وملائه وهو وهم لأن موسى لم يؤت التوراة إلا بعد إهلاك فرعون وقومه كما قال سبحانه ) ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى (


"""""" صفحة رقم 486 """"""
المؤمنون : ( 50 ) وجعلنا ابن مريم . . . . .
ثم أشار سبحانه إلى قصة عيسى إجمالا فقال ) وجعلنا ابن مريم وأمه آية ( أى علامة تدل على عظيم قدرتنا وبديع صنعنا وقد تقدم الكلام على هذا فى آخر سورة الأنبياء فى تفسير قوله سبحانه ) وجعلناها وابنها آية للعالمين ( ومعنى قوله ) وآويناهما إلى ربوة ( إلى مكان مرتفع أى جعلناهما يأويان إليها قيل هى أرض دمشق وبه قال عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب ومقاتل وقيل بيت المقدس قاله قتادة وكعب وقيل أرض فلسطين قال السدى ) ذات قرار ( أى ذات مستقر يستقر عليه ساكنوه ) ومعين ( أى وماء معين قال الزجاج هو الماء الجاري فى العيون فالميم على هذا زائدة كزيادتها فى منبع وقيل هو فعيل بمعنى مفعول قال علي بن سليمان الأخفش معن الماء إذا جرى فهو معين وممعون وكذا قال ابن الأعرابي وقيل هو مأخوذ من الماعون وهو النفع وبمثل ما قال الزجاج قال الفراء
المؤمنون : ( 51 ) يا أيها الرسل . . . . .
) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ( قال الزجاج هذه مخاطبة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودل الجمع على أن الرسل كلهم كذا أمروا وقيل إن هذه المقالة خوطب بها كل نبى لأن هذه طريقتهم التى ينبغي لهم الكون عليها فيكون المعنى وقلنا يا أيها الرسل خطابا لكل واحد على انفراده لاختلاف أزمنتهم وقال ابن جرير إن الخطاب لعيسى وقال الفراء هو كما تقول للرجل الواحد كفوا عنا والطيبات ما يستطاب ويستلذ وقيل هى الحلال وقيل هى ما جمع الوصفين المذكورين ثم بعد أن أمرهم بالأكل من الطيبات أمرهم بالعمل الصالح فقال ) واعملوا صالحا ( أى عملا صالحا وهو ما كان موافقا للشرع ثم علل هذا الأمر بقوله ) إني بما تعملون عليم ( لا يخفى علي شئ منه وإني مجازيكم على حسب أعمالكم إن خيرا فخير وان شرا فشر
المؤمنون : ( 52 ) وإن هذه أمتكم . . . . .
) وإن هذه أمتكم أمة واحدة ( هذا من جملة ما خوطب به الأنبياء والمعنى أن هذه ملتكم وشريعتكم أيها الرسل ملة واحدة وشريعة متحدة يجمعها أصل هو أعظم ما بعث الله به أنبياءه وأنزل فيه كتبه وهو دعاء جميع الأنبياء إلى عبادة الله وحده لا شريك له وقيل المعنى إن هذا الذى تقدم ذكره هو دينكم وملتكم فالزموه على أن المراد بالأمة هنا الدين كما فى قوله ) إنا وجدنا آباءنا على أمة ( ومنه قول النابغة حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
قرئ بكسر ) إن ( على الاستئناف المقرر لما تقدمه وقرئ بفتحها وتشديدها قال الخليل هى فى موضع نصب لما زال الخافض أى أنا عالم بأن هذا دينكم الذى أمرتكم أن تؤمنوا به وقال الفراء إن متعلقة بفعل مضمر وتقديره واعلموا أن هذه أمتكم وقال سيبويه هى متعلقة باتقون والتقدير فاتقون لأن أمتكم أمة واحدة والفاء فى ) فاتقون ( لترتيب الأمر بالتقوى على ما قبله من كونه ربكم المختص بالربوبية أى لا تفعلوا ما يوجب العقوبة عليكم مني بأن تشركوا بي غيري أو تخالفوا ما أمرتكم به أو نهيتكم عنه
المؤمنون : ( 53 ) فتقطعوا أمرهم بينهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما وقع من الأمم من مخالفتهم لما أمرهم به الرسل فقال ) فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ( والفاء لترتيب عصيانهم على ما سبق من الأمر بالتقوى والضمير يرجع إلى ما يدل عليه لفظ الأمة والمعنى أنهم جعلوا دينهم مع اتحاده قطعا متفرقة مختلفة قال المبرد زبرا فرقا وقطعا مختلفة واحدها زبور وهى الفرقة والطائفة ومثله الزبرة وجمعها زبر فوصف سبحانه الأمم بأنهم اختلفوا فاتبعت فرقة التوراة وفرقة الزبور وفرقة الإنجيل ثم حرفوا وبدلوا وفرقة مشركة تبعوا ما رسمه لهم آباؤهم من الضلال قرئ ) زبرا ( بضم الباء جمع زبور وقرئ بفتحها أى قطعا كقطع الحديد ) كل حزب بما لديهم فرحون ( أى كل فريق من هؤلاء المختلفين بما لديهم أى بما عندهم من الدين فرحون أى معجبون به
المؤمنون : ( 54 ) فذرهم في غمرتهم . . . . .
) فذرهم في غمرتهم حتى حين ( أى اتركهم فى جهلهم فليسوا بأهل للهداية ولا يضق صدرك بتأخير العذاب عنهم فلكل شئ وقت شبه سبحانه ما هم فيه من الجهل بالماء الذى يغمر من


"""""" صفحة رقم 487 """"""
دخل فيه والغمرة فى الأصل ما يغمرك ويعلوك وأصله الستر والغمر الماء الكثير لأنه يغطي الأرض وغمر الرداء هو الذى يشمل الناس بالعطاء ويقال للحقد الغمر والمراد هنا الحيرة والغفلة والضلالة والآية خارجة مخرج التهديد لهم لا مخرج الأمر له ( صلى الله عليه وسلم ) بالكف عنهم ومعنى ) حتى حين ( حتى يحضر وقت عذابهم بالقتل أو حتى يموتوا على الكفر فيعذبون فى النار
المؤمنون : ( 55 ) أيحسبون أنما نمدهم . . . . .
) أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين ( أى أيحسبون أنما نعطيهم فى هذه الدنيا من الأموال والبنين
المؤمنون : ( 56 ) نسارع لهم في . . . . .
) نسارع ( به ) لهم ( فيما فيه خيرهم وإكرامهم والهمزة للإنكار والجواب عن هذا مقدر يدل عليه قوله ) بل لا يشعرون ( لأنه عطف على مقدر ينسحب إليه الكلام أى كلا لا نفعل ذلك بل هم لا يشعرون بشئ أصلا كالبهائم التى لا تفهم ولا تعقل فإن ما خولناهم من النعم وأمددناهم به من الخيرات إنما هو استدراج لهم ليزدادوا إثما كما قال سبحانه ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( قال الزجاج المعنى نسارع لهم به فى الخيرات فحذفت به و ) ما ( فى إنما موصولة والرابط هو هذا المحذوف وقال الكسائي إن أنما هنا حرف واحد فلا يحتاج إلى تقدير رابط قيل يجوز الوقف على بنين وقيل لا يحسن لأن يحسبون يحتاج إلى مفعولين فتمام المفعولين فى الخيرات قال ابن الأنباري وهذا خطأ لأن ما كافة وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعبد الرحمن بن أبى بكرة ? يسارع ? بالياء التحتية على أن فاعله ما يدل عليه أمددنا وهو الإمداد ويجوز أن يكون المعنى يسارع الله لهم وقرأ الباقون ) نسارع ( بالنون قال الثعلبي وهذه القراءة هى الصواب لقوله نمدهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ثم أرسلنا رسلنا تترا ( قال يتبع بعضهم بعضا وفى لفظ قال بعضهم على إثر بعض وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة ) وجعلنا ابن مريم وأمه آية ( قال ولدته من غير أب وأخرج ابن أبى حاتم عن الربيع ابن أنس آية قال عبرة وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) وآويناهما إلى ربوة ( قال الربوة المستوية والمعين الماء الجاري وهو النهر الذى قال الله ) قد جعل ربك تحتك سريا ( وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه ) وآويناهما إلى ربوة ( قال هى المكان المرتفع من الأرض وهو أحسن ما يكون فيه النبات ) ذات قرار ( ذات خصب والمعين الماء الظاهر وأخرج وكيع والفريابي وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وتمام الرازي وابن عساكر قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس فى قوله ) إلى ربوة ( قال أنبئنا أنها دمشق وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن سلام مثله وكذا أخرجه ابن أبى حاتم عنه
وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة مرفوعا نحوه وإسناده ضعيف وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والطبراني فى الأوسط وابن مردويه وابن عساكر عن مرة النهزي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الربوة الرملة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم فى الكنى وابن عساكر عن أبي هريرة قال هى الرملة من فلسطين وأخرجه ابن مردويه من حديثه مرفوعا وأخرج الطبراني وابن السكن وابن منده وأبو نعيم وابن عساكر عن الأقرع بن شفى العكي مرفوعا نحوه وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ( وقال ) يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ( ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذى بالحرام يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب فأنى يستجاب لذلك وأخرج سعيد


"""""" صفحة رقم 488 """"""
ابن منصور عن حفص الفزاري فى قوله ) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات ( قال ذلك عيسى بن مريم يأكل من غزل أمه وأخرجه عبدان فى الصحابة عن حفص مرفوعا وهو مرسل لأن حفصا تابعى
سورة المؤمنين الآية ( 57 67 )
المؤمنون : ( 57 ) إن الذين هم . . . . .
لما نفى سبحانه الخيرات الحقيقية عن الكفرة المتنعمين أتبع ذلك بذكر من هو أهل للخيرات عاجلا وآجلا فوصفهم بصفات أربع الأولى قوله ) إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ( الإشفاق الخوف تقول أنا مشفق من هذا الأمر أى خائف قيل الإشفاق هو الخشية فظاهر ما فى الآية التكرار وأجيب بحمل الخشية على العذاب أى من عذاب ربهم خائفون وبه قال الكلبي ومقاتل وأجيب أيضا بحمل الإشفاق على ما هو أثر له وهو الدوام على الطاعة أى الذين هم من خشية ربهم دائمون على طاعته وأجيب أيضا بأن الإشقاق كمال الخوف فلا تكرار وقيل هو تكرار للتأكيد
المؤمنون : ( 58 ) والذين هم بآيات . . . . .
والصفة الثانية قوله ) والذين هم بآيات ربهم يؤمنون ( قيل المراد بالآيات هى التنزيلية وقيل هى التكوينية وقيل مجموعهما قيل وليس المراد بالإيمان بها هو التصديق بوجودها فقط فإن ذلك معلوم بالضرورة ولا يوجب المدح بل المراد التصديق بكونها دلائل وأن مدلولها حق
المؤمنون : ( 59 ) والذين هم بربهم . . . . .
والصفة الثالثة قوله ) والذين هم بربهم لا يشركون ( أى يتركون الشرك تركا كليا ظاهرا وباطنا
المؤمنون : ( 60 ) والذين يؤتون ما . . . . .
والصفة الرابعة قوله ) والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ( أى يعطون ما أعطوا وقلوبهم خائفة من أجل ذلك الإعطاء يظنون أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله وجملة ) وقلوبهم وجلة ( فى محل نصب على الحال أى والحال أن قلوبهم خائفة أشد الخوف قال الزجاج قلوبهم خائفة لأنهم إلى ربهم راجعون وسبب الوجل هو أن يخافوا أن لا يقبل منهم ذلك على الوجه المطلوب لا مجرد رجوعهم إليه سبحانه وقيل المعنى أن من اعتقد الرجوع إلى الجزاء والحساب وعلم أن المجازي والمحاسب هو الرب الذى لا تخفى عليه خافية لم يخل من وجل قرأت عائشة وابن عباس والنخعي ? يأتون ما أتوا ? مقصورا على الإتيان قال الفراء ولو صحت هذه القراءة لم تخالف قراءة الجماعة لأن من العرب من يلزم فى الهمز الألف فى كل الحالات قال النحاس ومعنى هذه القراءة يعملون ما عملوا
المؤمنون : ( 61 ) أولئك يسارعون في . . . . .
والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بهذه الصفات ومعنى ) يسارعون في الخيرات ( يبادرون بها قال الفراء والزجاج ينافسون فيها وقيل يسابقون وقرئ يسرعون ) وهم لها سابقون ( اللام للتقوية والمعنى هم


"""""" صفحة رقم 489 """"""
سابقون إياها وقيل اللام بمعنى إلى كما فى قوله ) بأن ربك أوحى لها ( أى أوحى إليها وأنشد سيبويه قول الشاعر
تجانف عن أهل اليمامة يا فتى
وما قصدت من أهلها لسوائكا
أى إلى سوائكا وقيل المفعول محذوف والتقدير وهو سابقون الناس لأجلها
المؤمنون : ( 62 ) ولا نكلف نفسا . . . . .
ثم لما انجر الكلام إلى ذكر أعمال المكلفين ذكر لهما حكمين الأول قوله ) ولا نكلف نفسا إلا وسعها ( الوسع هو الطاقة وقد تقدم بيان هذا فى آخر سورة البقرة وفى تفسير الوسع قولان الأول أنه الطاقة كما فسره بذلك أهل اللغة الثانى أنه دون الطاقة وبه قال مقاتل والضحاك والكلبي والمعتزلة قالوا لأن الوسع إنما سمى وسعا لأنه يتسع على فاعله فعله ولا يضيق عليه فمن لم يستطع الجلوس فليوم إيماء ومن لم يستطع الصوم فليفطر وهذه الجملة مستأنفة للتحريض على ما وصف به السابقون من فعل الطاعات المؤدي إلى نيل الكرامات ببيان سهولته وكونه غير خارج عن حد الوسع والطاقة وأن ذلك عادة الله سبحانه فى تكليف عباده وجملة ) ولدينا كتاب ينطق بالحق ( من تمام ما قبلها من نفي التكليف بما فوق الوسع والمراد بالكتاب صحائف الأعمال أى عندنا كتاب قد أثبت فيه أعمال كل واحد من المكلفين على ما هى عليه ومعنى ) ينطق بالحق ( يظهر به الحق المطابق للواقع من دون زيادة ولا نقص ومثله قوله سبحانه ) هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ( وفى هذا تهديد للعصاة وتأنيس للمطيعين من الحيف والظلم وقيل المراد بالكتاب اللوح المحفوظ فإنه قد كتب فيه كل شئ وقيل المراد بالكتاب القرآن والأول أولى وفى هذه الآية تشبيه الكتاب بمن يصدر عنه البيان بالنطق بلسانه فإن الكتاب يعرب عما فيه كما يعرب الناطق المحق وقوله ) بالحق ( يتعلق بينطق أو بمحذوف هو حال من فاعله أى ينطق ملتبسا بالحق وجملة ) وهم لا يظلمون ( مبينة لما قبلها من تفضله وعدله فى جزاء عباده أى لا يظلمون بنقص ثواب أو بزيادة عقاب ومثله قوله سبحانه ) ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا )
المؤمنون : ( 63 ) بل قلوبهم في . . . . .
ثم أضرب سبحانه عن هذا فقال ) بل قلوبهم في غمرة من هذا ( والضمير للكفار أى بل قلوب الكفار فى غمرة غامرة لها عن هذا الكتاب الذى ينطق بالحق أو عن الأمر الذى عليه المؤمنون يقال غمره الماء إذا غطاه ونهر غمر يغطي من دخله والمراد بها هنا الغطاء ( ) أو الحيرة والعمى وقد تقدم الكلام على الغمرة قريبا ) ولهم أعمال من دون ذلك ( قال قتادة ومجاهد أى لهم خطايا لا بد أن يعملوها من دون الحق وقال الحسن وابن زيد المعنى ولهم أعمال رديئة لم يعملوها من دون ما هم عليه لا بد أن يعملوها فيدخلون بها النار فالإشارة بقوله ) ذلك ( إما إلى أعمال المؤمنين أو إلى أعمال الكفار أى لهم أعمال من دون أعمال المؤمنين التى ذكرها الله أو من دون أعمال الكفار التى تقدم ذكرها من كون قلوبهم فى غفلة عظيمة مما ذكر وهى فنون كفرهم ومعاصيهم التى من جملتها ما سيأتي من طعنهم فى القرآن قال الواحدي إجماع المفسرين وأصحاب المعاني على أن هذا إخبار عما سيعملونها من أعمالهم الخبيثة التى كتبت عليهم لا بد لهم أن يعملوها وجملة ) هم لها عاملون ( مقررة لما قبلها أى واجب عليهم أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة لا محيص لهم عن ذلك
المؤمنون : ( 64 ) حتى إذا أخذنا . . . . .
ثم رجع سبحانه إلى وصف الكفار فقال ) حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب ( حتى هذه هى التى يبتدأ بعدها الكلام والكلام هو الجملة الشرطية المذكورة وهذه الجملة مبينة لما قبلها والضمير فى مترفيهم راجع إلى من تقدم ذكره من الكفار والمراد بالمترفين المتنعمين منهم وهم الذين أمدهم الله بما تقدم ذكره من المال والبنين أو المراد بهم الرؤساء منهم والمراد بالعذاب هو عذابهم بالسيف يوم بدر أو بالجوع بدعاء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) حيث قال اللهم


"""""" صفحة رقم 490 """"""
اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف وقيل المراد بالعذاب عذاب الآخرة ورجح هذا بأن ما يقع منهم من الجؤار إنما يكون عند عذاب الآخرة لأنه الاستغاثة بالله ولم يقع منهم ذلك يوم بدر ولا فى سنى الجوع ويجاب عنه بأن الجؤار فى اللغة الصراخ والصياح قال الجوهري الجؤار مثل الخوار يقال جأر الثور يجأر أى صاح وقد وقع منهم ومن أهلهم وأولادهم عند أن عذبوا بالسيف يوم بدر وبالجوع فى سنى الجوع وليس الجؤار هاهنا مقيد بالجؤار الذى هو التضرع بالدعاء حتى يتم ما ذكره ذلك القائل وجملة ) إذا هم يجأرون ( جواب الشرط وإذا هى الفجائية والمعنى حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فاجئوا بالصراخ
المؤمنون : ( 65 ) لا تجأروا اليوم . . . . .
ثم أخبر سبحانه أنه يقال لهم حينئذ على جهة التبكيت ) لا تجأروا اليوم ( فالقول مضمر والجملة مسوقة لتبكيتهم وإقناطهم وقطع أطماعهم وخصص سبحانه المترفين مع أن العذاب لاحق بهم جميعا واقع على مترفيهم وغير مترفيهم لبيان أنهم بعد النعمة التى كانوا فيها صاروا على حالة تخالفها وتباينها فانتقلوا من النعيم التام إلى الشقاء الخالص وخص اليوم بالذكر للتهويل وجملة ) إنكم منا لا تنصرون ( تعليل للنهي عن الجؤار والمعنى إنكم من عذابنا لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم وقيل المعنى إنكم لا يلحقكم من جهتنا نصرة تمنعكم مما دهمكم من العذاب
المؤمنون : ( 66 ) قد كانت آياتي . . . . .
ثم عدد سبحانه عليهم قبائحهم توبيخا لهم فقال ) قد كانت آياتي تتلى عليكم ( أى فى الدنيا وهى آيات القرآن ) فكنتم على أعقابكم تنكصون ( أى ترجعون وراءكم وأصل النكوص أن يرجع القهقري ومنه قول الشاعر زعموا أنهم على سبل الحق
وأنا نكص على الأعقاب
وهو هنا استعارة للإعراض عن الحق وقرأ علي بن أبي طالب على أدباركم بدل ) على أعقابكم تنكصون ( بضم الكاف وعلى أعقابكم متعلق بتنكصون أو متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل تنكصون
المؤمنون : ( 67 ) مستكبرين به سامرا . . . . .
) مستكبرين به ( الضمير فى به راجع إلى البيت العتيق وقيل للحرم والذى سوغ الإضمار قبل الذكر اشتهارهم بالاستكبار به وافتخارهم بولايته والقيام به وكانوا يقولون لا يظهر علينا أحد لأنا أهل الحرم وخدامه وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين وقيل الضمير عائد إلى القرآن والمعنى أن سماعه يحدث لهم كبرا وطغيانا فلا يؤمنون به قال ابن عطية وهذا قول جيد وقال النحاس القول الأول أولى وبينه بما ذكرنا فعلى القول الأول يكون به متعلقا بمستكبرين وعلى الثاني يكون متعلقا ب ) سامرا ( لأنهم كانوا يجتمعون حول البيت بالليل يسمرون وكان عامة سمرهم ذكر القرآن والطعن فيه والسامر كالحاضر فى الاطلاق على الجمع قال الواحدي السامر الجماعة يسمرون بالليل أى يتحدثون ويجوز أن يتعلق به بقوله ) تهجرون ( والهجر بالفتح الهذيان أى تهذون فى شأن القرآن ويجوز أن يكون من الهجر بالضم وهو الفحش وقرأ ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبو حيوة سمرا بضم السين وفتح الميم مشددة وقرأ زيد بن علي وأبو رجاء سمارا ورويت هذه القراءة عن ابن عباس وانتصاب سامرا على الحال إما من فاعل تنكصون أو من الضمير فى مستكبرين وقيل هو مصدر جاء على لفظ الفاعل يقال قوم سامر ومنه قول الشاعر كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
قال الراغب ويقال سامر وسمار وسمر وسامرون قرأ الجمهور ) تهجرون ( بفتح التاء المثناة من فوق وضم الجيم وقرأ نافع وابن محيصن بضم التاء وكسر الجيم من أهجر أى أفحش فى منطقه وقرأ زيد بن علي وابن محيصن وأبو نهيك بضم التاء وفتح الهاء وكسر الجيم مشددة مضارع هجر بالتشديد وقرأ ابن أبي عاصم كالجمهور إلا أنه بالياء التحتية وفيه التفات


"""""" صفحة رقم 491 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا فى نعت الخائفين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الشعب عن عائشة قالت قلت يا رسول الله قول الله ) والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ( أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو مع ذلك يخاف الله قال لا ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو مع ذلك يحاف الله أن لا يتقبل منه وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن الأنباري فى المصاحف وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال قالت عائشة يا رسول الله فذكر نحوه وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس فى قوله ) والذين يؤتون ما آتوا ( قال يعطون ما أعطوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) وقلوبهم وجلة ( قال يعملون خائفين وأخرج الفريابي وابن جرير عن ابن عمر ) والذين يؤتون ما آتوا ( قال الزكاة وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن المنذر عن عائشة ) والذين يؤتون ما آتوا ( قالت هم الذين يخشون الله ويطيعونه وأخرج عبد بن حميد عن ابن أبي ملكية قال قالت عائشة لأن تكون هذه الآية كما أقرأ أحب إلي من حمر النعم فقال لها ابن عباس ما هى قالت ) والذين يؤتون ما آتوا ( وقد قدمنا ذكر قراءتها ومعناها وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عنها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قرأ ) والذين يؤتون ما آتوا ( مقصورا من المجيء وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري فى تاريخه وابن المنذر وابن أبي شيبة وابن الأنباري فى المصاحف والدارقطني فى الأفراد والحاكم صححه وابن مردويه عن عبيد بن عمير أنه سأل عائشة كيف كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ هذه الآية ) والذين يؤتون ما آتوا ( قالت أيتهما أحب إليك قلت والذى نفسي بيده لأحدهما أحب إلي من الدنيا وما فيها جميعا قالت أيهما قلت ) والذين يؤتون ما آتوا ( فقالت أشهد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرؤها كذلك وكذلك أنزلت ولكن الهجاء حرف وفى إسناده إسماعيل بن علي وهو ضعيف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ( قال سبقت لهم السعادة من الله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) بل قلوبهم في غمرة من هذا ( يعني بالغمرة الكفر والشك ) ولهم أعمال من دون ذلك ( يقول أعمال سيئة دون الشرك ) هم لها عاملون ( قال لا بد لهم أن يعملوها وأخرج النسائي عنه ) حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب ( قال هم أهل بدر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) إذا هم يجأرون ( قال يستغيثون وفى قوله ) فكنتم على أعقابكم تنكصون ( قال تدبرون وفى قوله ) سامرا تهجرون ( قال تسمرون حول البيت وتقولون هجرا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) مستكبرين به ( قال بحرم الله أنه لا يظهر عليهم فيه أحد وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ايضا ) سامرا تهجرون ( قال كانت قريش يتحلقون حلقا يتحدثون حول البيت وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عنه أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ ) مستكبرين به سامرا تهجرون ( قال كان المشركون يهجرون برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى القول فى سمرهم وأخرج النسائي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال إنما كره السمرحين نزلت هذه الآية ) مستكبرين به سامرا تهجرون (


"""""" صفحة رقم 492 """"""
سورة المؤمنون الآية ( 68 83 )
المؤمنون : ( 68 ) أفلم يدبروا القول . . . . .
قوله ) أفلم يدبروا القول ( بين سبحانه أن سبب إقدامهم على الكفر هو أحد هذه الأمور الأربعة الأول عدم تدبر فى القرآن فإنهم لو تدبروا معانيه لظهر لهم صدقه وآمنوا به وبما فيه والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر أى فعلوا ما فعلوا فلم يتدبروا والمراد بالقول القرآن ومثله ) أفلا يتدبرون القرآن ( والثاني قوله ) أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ( أم هى المنقطعة أى بل أجاءهم من الكتاب ما لم يأت آباءهم الأولين فكان ذلك سببا لاستنكارهم للقرآن والمقصود تقرير أنه لم يأت آباءهم الأولين رسول فلذلك أنكروه ومثله قوله ) لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ( وقيل إنه أتى آباءهم الأقدمين رسل أرسلهم الله إليهم كما هى سنة الله سبحانه فى إرسال الرسل إلى عباده فقد عرف هؤلاء ذلك فكيف كذبوا هذا القرآن وقيل المعنى أم جاءهم من الأمن من عذاب الله ما لم يأت آباءهم الأولين كإسماعيل ومن بعده
المؤمنون : ( 69 ) أم لم يعرفوا . . . . .
والثالث قوله ) أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ( وفى هذا إضراب وانتقال من التوبيخ بما تقدم إلى التوبيخ بوجه آخر أى بل ألم يعرفوه بالأمانة والصدق فأنكروه ومعلوم أنهم قد عرفوه بذلك
المؤمنون : ( 70 ) أم يقولون به . . . . .
والرابع قوله ) أم يقولون به جنة ( وهذا أيضا انتقال من توبيخ إلى توبيخ أى بل أتقولون به جنة أى جنون مع أنهم قد عملوا أنه أرجح الناس عقلا ولكنه جاء بما يخالف هواهم فدفعوه وجحدوه تعصبا وحمية ثم أضرب سبحانه عن ذلك كله فقال ) بل جاءهم بالحق ( أى ليس الأمر كما زعموا فى حق القرآن والرسول بل جاءهم ملتبسا بالحق والحق هو الدين القويم ) وأكثرهم للحق كارهون ( لما جبلوا عليه من التعصب والانحراف عن الصواب والبعد عن الحق فلذلك كرهوا هذا الحق الواضح الظاهر وظاهر النظم أن أقلهم كانوا لا يكرهون الحق ولكنهم لم يظهروا الإيمان خوفا من الكارهين له
المؤمنون : ( 71 ) ولو اتبع الحق . . . . .
وجملة ) ولو اتبع الحق أهواءهم (


"""""" صفحة رقم 493 """"""
مستأنفة مسوقة لبيان أنه لو جاء الحق عل ما يهوونه ويريدونه لكان ذلك مستلزما للفساد العظيم وخروج نظام العالم عن الصلاح بالكلية وهو معنى قوله ) لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن ( قال أبو صالح وابن جريج ومقاتل والسدي الحق هو الله والمعنى لو جعل مع نفسه كما يحبون شريكا لفسدت السموات والأرض وقال الفراء والزجاج يجوز أن يكون المراد بالحق القرآن أى لو نزل القرآن بما يحبون من الشرك لفسد نظام العالم وقيل المعنى ولو كان الحق ما يقولون من اتحاد الآلهة مع الله لاختلف الآلهة ومثل ذلك قوله ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( وقد ذهب إلى القول الأول الأكثرون ولكنه يرد عليه أن المراد بالحق هنا هو الحق المذكور قبله فى قوله ) بل جاءهم بالحق ( ولا يصح أن يكون المراد به هنالك الله سبحانه فالأولى تفسير الحق هنا وهناك بالصدق الصحيح من الدين الخالص من شرع الله والمعنى ولو ورد الحق متابعا لأهوائهم موافقا لفاسد مقاصدهم لحصل الفساد والمراد بقوله ) ومن فيهن ( من فى السموات والأرض من المخلوقات وقرأ ابن مسعود وما بينهما وسبب فساد المكلفين من بني آدم ظاهر وهو ذنوبهم التى من جملتها الهوى المخالف للحق وأما فساد ما عداهم فعلى وجه التبع لأنهم مدبرون فى الغالب بذوي العقول فلما فسد وفسدوا ثم ذكر سبحانه أن نزول القرآن عليهم من جملة الحق فقال ) بل أتيناهم بذكرهم ( والمراد بالذكر هنا القرآن أى بالكتاب الذى هو فخرهم وشرفهم ومثله قوله ) وإنه لذكر لك ولقومك ( والمعنى بل أتيناهم بفخرهم وشرفهم الذى كان يجب عليهم أن يقبلوه ويقبلوا عليه وقال قتادة المعنى بذكرهم الذى ذكر فيه ثوابهم وعقابهم وقيل المعنى بذكر ما لهم به حاجة من أمر الدين وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر أتيتهم بتاء التكلم وقرأ أبو حيوة والجحدري أتيتهم بتاء الخطاب أى أتيتهم يا محمد وقرأ عيسى بن عمر بذكراهم وقرأ قتادة نذكرهم النون والتشديد من التذكير وتكون الجملة على هذه القراءة فى محل نصب على الحال وقيل الذكر هو الوعظ والتحذير ) فهم عن ذكرهم معرضون ( أى هم بما فعلوا من الاستكبار والنكوص عن هذا الذكر المختص بهم معرضون لا يلتفون إليه بحال من الأحوال وفى هذا التركيب ما يدل على أن إعراضهم مختص بذلك لا يتجاوزه إلى غيره
المؤمنون : ( 72 ) أم تسألهم خرجا . . . . .
ثم بين سبحانه أن دعوة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ليست مشوبة بأطماع الدنيا فقال ) أم تسألهم خرجا ( وأم هى المنقطعة والمعنى أم يزعمون أنك تسألهم خرجا تأخذه على الرسالة والخرج الأجر والجعل فتركوا الإيمان بك وبما جئت به لأجل ذلك مع أنهم يعلمون أنك لم تسألهم ذلك ولا طلبته منهم ) فخراج ربك خير ( أى فرزق ربك الذى يرزقك فى الدنيا وأجره الذى يعطيكه فى الآخرة خير لك مما ذكر قرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب أم تسألهم خراجا وقرأ الباقون ) خرجا ( وكلهم قرءوا ) فخراج ( إلا ابن عامر وأبا حيوة فإنهما قرآ فخرج بغير ألف والخرج هو الذى يكون مقابلا للدخل يقال لكل ما تخرجه إلى غيرك خرجا والخراج غالب فى الضريبة على الأرض قال المبرد الخرج المصدر والخراج الاسم قال النضر بن شميل سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال الخراج ما لزمك والخرج ما تبرعت به وروى عنه أنه قال الخرج من الرقاب والخراج من الأرض ) وهو خير الرازقين ( هذه الجملة مقررة لما قبلها من كون خراجه سبحانه خير
المؤمنون : ( 73 ) وإنك لتدعوهم إلى . . . . .
ثم لما أثبت سبحانه لرسوله من الأدلة الواضحة المقتضية لقبول ما جاء به ونفى عنه أضداد ذلك قال ) وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ( أى إلى طريق واضحة تشهد العقول بأنها مستقيمة غير معوجة والصراط فى اللغة الطريق فسمى الدين طريقا لأنها تؤدي إليه
المؤمنون : ( 74 ) وإن الذين لا . . . . .
ثم وصفهم سبحانه بأنهم على خلاف ذلك فقال ) وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ( يقال نكب عن الطريق ينكب نكوبا إذا عدل عنه ومال إلى غيره والنكوب والنكب العدول والميل ومنه النكباء للريح بين ريحين سميت بذلك لعدولها عن المهاب وعن الصراط


"""""" صفحة رقم 494 """"""
متعلق بناكبون والمعنى أن هؤلاء الموصوفين بعدم الإيمان بالآخرة عن ذلك الصراط أو جنس الصراط لعادلون عنه
المؤمنون : ( 75 ) ولو رحمناهم وكشفنا . . . . .
ثم بين سبحانه أنهم مصرون على الكفر لا يرجعون عنه بحال فقال ) ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر ( أى من قحط وجدب ) للجوا في طغيانهم ( أى لتمادوا فى طغيانهم وضلالهم ) يعمهون ( يترددون ويتذبذبون ويخبطون وأصل اللجاج التمادي فى العناد ومنه اللجة بالفتح لتردد الصوت ولجة البحر تردد أمواجه ولجة الليل ترد ظلامه وقيل المعنى لوردناهم إلى الدنيا ولم ندخلهم النار وامتحناهم للجوا فى طغيانهم
المؤمنون : ( 76 ) ولقد أخذناهم بالعذاب . . . . .
) ولقد أخذناهم بالعذاب ( جملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها والعذاب قيل هو الجوع الذى أصابهم فى سنى القحط وقيل المرض وقيل القتل يوم بدر واختاره الزجاج وقيل الموت وقيل المراد من أصابه العذاب من الأمم الخالية ) فما استكانوا لربهم ( أى ماخضعوا ولا تذللوا بل أقاموا على ما كانوا فيه من التمرد على الله والانهماك فى معاصيه ) وما يتضرعون ( أى وما يخشعون لله فى الشدائد عند إصابتها لهم ولا يدعونه لرفع ذلك
المؤمنون : ( 77 ) حتى إذا فتحنا . . . . .
) حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد ( قيل هو عذاب الآخرة وقيل قتلهم يوم بدر بالسيف وقيل القحط الذى أصابهم وقيل فتح مكة ) إذا هم فيه مبلسون ( أى متحيرون لا يدرون ما يصنعون والإبلاس التحير والإياس من كل خير وقرأ السلمي ) مبلسون ( بفتح اللام من أبلسه أى أدخله فى الإبلاس وقد تقدم فى الأنعام
المؤمنون : ( 78 ) وهو الذي أنشأ . . . . .
) وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار ( امتن عليهم ببعض النعم التى أعطاهم وهى نعمة السمع والبصر ) والأفئدة ( فصارت هذه الأمور معهم ليسمعوا المواعظ وينظروا العبر ويتفكروا بالأفئدة فلم ينتفعوا بشيء من ذلك لإصرارهم على الكفر وبعدهم عن الحق ولم يشكروه على ذلك ولهذا قال ) قليلا ما تشكرون ( أى شكرا قليلا حقيرا غير معتد به باعتبار تلك النعم الجليلة وقيل المعنى أنهم لا يشكرونه ألبتة لا أن لهم شكرا قليلا كما يقال لجاحد النعمة ما أقل شكره أى لا يشكر ومثل هذه الآية قوله ) فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم )
المؤمنون : ( 79 ) وهو الذي ذرأكم . . . . .
) وهو الذي ذرأكم في الأرض ( أى بثكم فيها كما تبث الحبوب لتنبت وقد تقدم تحقيقه ) وإليه تحشرون ( أى تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم
المؤمنون : ( 80 ) وهو الذي يحيي . . . . .
) وهو الذي يحيي ويميت ( على جهة الانفراد والاستقلال وفى هذا تذكير لنعمة الحياة وبيان الانتقال منها إلى الدار الآخرة ) وله اختلاف الليل والنهار ( قال الفراء هو الذى جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان فى السواد والبياض وقيل اختلافهما نقصان أحدهما وزيادة الآخر وقيل تكررهما يوما بعد يوم وليلة بعد ليلة ) أفلا تعقلون ( كنه قدرته وتتفكرون فى ذلك
المؤمنون : ( 81 ) بل قالوا مثل . . . . .
ثم بين سبحانه أن لا شبهة لهم فى إنكار البعث إلا التشبث بحبل التقليد المبني على مجرد الاستبعاد فقال ) بل قالوا مثل ما قال الأولون ( أى آباؤهم والموافقون لهم فى دينهم
المؤمنون : ( 82 ) قالوا أئذا متنا . . . . .
ثم بين ما قاله الأولون فقال ) قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( فهذا مجرد استبعاد لم يتعلقوا له بشيء من الشبه
المؤمنون : ( 83 ) لقد وعدنا نحن . . . . .
ثم كملوا ذلك القول بقولهم ) لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل ( أى وعدنا هذا البعث ووعده آباؤنا الكائنون من قبلنا فلم نصدقه كما لم يصدقه من قبلنا ثم صرحوا بالتكذيب وفروا إلى مجرد الزعم الباطل فقالوا ) إن هذا إلا أساطير الأولين ( أى ما هذا إلا أكاذيب الأولين التى سطروها فى الكتب جمع أسطورة كأحدوثة والأساطير الأباطيل والترهات والكذب
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح فى قوله ) أم لم يعرفوا رسولهم ( قال عرفوه ولكنهم حسدوه وفى قوله ) ولو اتبع الحق أهواءهم ( قال الحق الله عز وجل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) بل أتيناهم بذكرهم ( قال بينا لهم وأخرجوا عنه فى قوله ) عن الصراط لناكبون ( قال عن الحق لحائدون وأخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 495 """"""
والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال جاء أبو سفيان إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز يعني الوبر بالدم فأنزل الله ) ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ( وأصل الحديث فى الصحيحين أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعا على قريش حين استعصوا فقال اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف الحديث وأخرج ابن جرير وأبو نعيم فى المعرفة والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس أن ابن أثال الحنفي لما أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأسلم وهو أسير فخلى سبيله لحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العلهز فجاء أبو سفيان إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أليس تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال بلى قال فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فأنزل الله ) ولقد أخذناهم بالعذاب ( الآية وأخرج العسكري فى المواعظ عن علي بن أبي طالب فى قوله ) فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ( قال أى لم يتواضعوا فى الدعاء ولم يخضعوا ولو خضعوا لله لاستجاب لهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد ( قال قد مضى كان يوم بدر
سورة المؤمنون الآية ( 84 98 )
المؤمنون : ( 84 ) قل لمن الأرض . . . . .
أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يسأل الكفار عن أمور لا عذر لهم من الاعتراف فيها ثم أمره أن ينكر عليهم بعد الاعتراف منهم ويوبخهم فقال ) قل لمن الأرض ومن فيها ( أى قل يا محمد لأهل مكة هذه المقالة والمراد بمن فى الأرض الخلق جميعا وعبر عنهم بمن تغليبا للعقلاء ) إن كنتم تعلمون ( شيئا من العلم وجواب الشرط محذوف أى إن كنتم تعلمون فأخبروني وفى هذا تلويح بجهلهم وفرط غباوتهم
المؤمنون : ( 85 ) سيقولون لله قل . . . . .
) سيقولون لله ( أى لا بد لهم أن يقولوا ذلك لأنه معلوم ببديهة العقل ثم أمره سبحانه أن يقول لهم بعد اعترافهم ) أفلا تذكرون ( ترغيبا لهم فى التدبر وإمعان النظر والفكر فإن ذلك مما يقودهم إلى اتباع الحق وترك الباطل لأن من قدر على ذلك ابتداء


"""""" صفحة رقم 496 """"""
قدر على إحياء الموتى
المؤمنون : ( 86 ) قل من رب . . . . .
) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم
المؤمنون : ( 87 ) سيقولون لله قل . . . . .
(سيقولون لله ( جاء سبحانه باللام نظرا إلى معنى السؤال فإن قولك من ربه ولمن هو فى معنى واحد كقولك من رب هذه الدار فيقال زيد ويقال لزيد وقرأ أبو عمرو وأهل العراق ? سيقولون الله ? بغير لام نظرا إلى لفظ السؤال وهذه القراءة أوضح من قراءة الباقين باللام ولكنه يؤيد قراءة الجمهور أنها مكتوبة فى جميع المصاحف باللام بدون ألف
المؤمنون : ( 88 ) قل من بيده . . . . .
وهكذا قرأ الجمهور فى قوله ) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون )
المؤمنون : ( 89 ) سيقولون لله قل . . . . .
(سيقولون لله ( باللام نظرا إلى معنى السؤال كما سلف وقرأ أبو عمرو وأهل العراق بغير لام نظرا إلى لفظ السؤال ومثل هذا قول الشاعر
إذا قيل من رب المزالف والقرى
ورب الجياد الجرد قيل لخالد
أى لمن المزالف والملكوت الملك وزيادة التاء للمبالغة نحو جبروت ورهبوت ومعنى ) وهو يجير ( أنه يغيث غيره إذا شاء ويمنعه ) ولا يجار عليه ( أى لا يمنع أحد أحدا من عذاب الله ولا يقدر على نصره وإغاثته يقال أجرت فلانا إذا استغاث بك فحميته وأجرت عليه إذا حميت عنه ) قل فأنى تسحرون ( قال الفراء والزجاج أى تصرفون عن الحق وتخدعون والمعنى كيف يخيل لكم الحق باطلا والصحيح فاسدا والخادع لهم هو الشيطان أو الهوى أو كلاهما
المؤمنون : ( 90 ) بل أتيناهم بالحق . . . . .
ثم بين سبحانه أنه قد بالغ فى الاحتجاج عليهم فقال ) بل أتيناهم بالحق ( أى الأمر الواضح الذى يحق اتباعه ) وإنهم لكاذبون ( فيما ينسبونه إلى الله سبحانه من الولد والشريك
المؤمنون : ( 91 ) ما اتخذ الله . . . . .
ثم نفاهما عن نفسه فقال ) ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ( من فى الموضعين زائدة لتأكيد النفي ثم بين سبحانه ما يستلزمه ما يدعيه الكفار من إثبات الشريك فقال ) إذا لذهب كل إله بما خلق ( وفى الكلام حذف تقديره لو كان مع الله آلهة لانفرد كل إله بخلقه واستبد به وامتاز ملكه عن ملك الأخر ووقع بينهم التطالب والتحارب والتغالب ) ولعلا بعضهم على بعض ( أى غلب القوي على الضعيف وقهره وأخذ ملكه كعادة الملوك من بني آدم وحينئذ فذلك الضعيف المغلوب لا يستحق أن يكون إلها وإذا تقرر عدم إمكان المشاركة فى ذلك وأنه لا يقوم به إلا واحد تعين أن يكون هذا الواحد هو الله سبحانه وهذا الدليل كما دل على نفي الشريك فإنه يدل على نفي الولد لأن الولد ينازع أباه فى ملكه ثم نزه سبحانه نفسه فقال ) سبحان الله عما يصفون ( أى من الشريك والولد وإثبات ذلك لله عز وجل
المؤمنون : ( 92 ) عالم الغيب والشهادة . . . . .
) عالم الغيب والشهادة ( أى هو مختص بعلم الغيب والشهادة وأما غيره فهو وإن علم الشهادة لا يعلم الغيب قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي ) عالم ( بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو عالم وقرأ الباقون بالجر على أنه صفة لله أو بدل منه وروى عن يعقوب أنه كان يخفض إذا وصل ويرفع إذا ابتدأ ) فتعالى ( الله ) عما يشركون ( معطوف على معنى ما تقدم كأنه قال علم الغيب فتعالى كقولك زيد شجاع فعظمت منزلته أى شجع فعظمت أو يكون على إضمار القول أى أقول فتعالى الله والمعنى أنه سبحانه متعال عن أن يكون له شريك فى الملك
المؤمنون : ( 93 ) قل رب إما . . . . .
) قل رب إما تريني ما يوعدون ( أى إن كان ولا بد أن تريني ما يوعدون من العذاب المستأصل لهم
المؤمنون : ( 94 ) رب فلا تجعلني . . . . .
) رب فلا تجعلني في القوم الظالمين ( أى قل يا رب فلا تجعلني قال الزجاج أى إن أنزلت بهم النقمة يا رب فاجعلني خارجا عنهم ومعنى كلامه هذا أن النداء معترض و ) ما ( فى إما زائدة أى قل رب إن تريني والجواب فلا تجعلني وذكر الرب مرتين مرة قبل الشرط ومرة بعده مبالغة فى التضرع وأمره الله أن يسأله أن لا يجعله فى القوم الظالمين مع أن الأنبياء لا يكونون مع القوم الظالمين أبدا تعليما له ( صلى الله عليه وسلم ) من ربه كيف يتواضع وقيل يهضم نفسه أو لكون شؤم الكفر قد يلحق من لم يكن من أهله كقوله واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة
المؤمنون : ( 95 ) وإنا على أن . . . . .
ثم لما كان المشركون ينكرون العذاب ويسخرون من النبي ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 497 """"""
إذا ذكر لهم ذلك أكد سبحانه وقوعه بقوله ) وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ( أى أن الله سبحانه قادر على أن يرى رسوله عذابهم ولكنه يؤخره لعلمه بأن بعضهم سيؤمن أو لكون الله سبحانه لا يعذبهم والرسول فيهم وقيل قد أراه الله سبحانه ذلك يوم بدر ويوم فتح مكة
المؤمنون : ( 96 ) ادفع بالتي هي . . . . .
ثم أمره سبحانه بالصبر إلى أن ينقضي الأجل المضروب للعذاب فقال ) ادفع بالتي هي أحسن السيئة ( أى ادفع بالخصلة التى هى أحسن من غيرها وهى الصفح والإعراض عما يفعله الكفار من الخصلة السيئة وهى الشرك قيل وهذه الآية منسوخة بآية السيف وقيل هى محكمة فى حق هذه الأمة فيما بينهم منسوخة فى حق الكفار ) نحن أعلم بما يصفون ( أى ما يصفونك به مما أنت على خلافه أو بما يصفون من الشرك والتكذيب وفى هذا وعيد لهم بالعقوبة
المؤمنون : ( 97 ) وقل رب أعوذ . . . . .
ثم علمه سبحانه ما يقويه على ما أرشده إليه من العفو والصفح ومقابلة السيئة بالحسنة فقال ) وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ( الهمزات جمع همزة وهى فى اللغة الدفعة باليد أو بغيرها وهمزات الشياطين نزغاتهم ووساوسهم كما قاله المفسرون يقول همزه ولمزه ونخسه أى دفعه وقيل الهمز كلام من وراء القفا واللمز المواجهة وفيه إرشاد لهذه الأمة إلى التعود من الشيطان ومن همزات الشياطين سورات الغضب التى لايملك الإنسان فيها نفسه
المؤمنون : ( 98 ) وأعوذ بك رب . . . . .
) وأعوذ بك رب أن يحضرون ( أمره سبحانه أن يتعوذ بالله من حضور الشياطين بعد ما أمره أن يتعوذ من همزاتهم والمعنى وأعوذ بك أن يكونوا معي فى حال من الأحوال فإنهم إذا حضروا الإنسان لم يكن لهم عمل إلا الوسوسة والإغراء على الشر والصرف عن الخير وفى قراءة أبي ) وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) قل من بيده ملكوت كل شيء ( قال خزائن كل شيء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه ) ادفع بالتي هي أحسن السيئة ( يقول أعرض عن أذاهم إياك وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء ) ادفع بالتي هي أحسن ( قال بالسلام وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم فى الحلية عن أنس فى قوله ) ادفع بالتي هي أحسن السيئة ( قال قول الرجل لأخيه ما ليس فيه فيقول إن كنت كاذبا فأنا أسأل الله أن يغفر لك وإن كنت صادقا فأنا أسأل الله أن يغفر لي وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي فى الأسماء والصفات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون قال فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه ومن كان منهم صغيرا لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعلقها فى عنقه وفى إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وأخرج أحمد عن الوليد بن الوليد أنه قال يا رسول الله إني لأجد وحشة قال إذا أخذت مضجعك فقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنه لا يحضرك وبالحري لا يضرك
سورة المؤمنون الآية ( 99 102 )


"""""" صفحة رقم 498 """"""
سورة المؤمنون الآية ( 103 118 )
المؤمنون : ( 99 ) حتى إذا جاء . . . . .
) حتى ( هى الابتدائية دخلت على الجملة الشرطية وهى مع ذلك غاية لما قبلها متعلقة بقوله لكاذبون وقيل بيصفون والمراد بمجيء الموت مجيء علاماته ) قال رب ارجعون ( أى قال ذلك الأحد الذى حضره الموت تحسرا وتحزنا على ما فرط منه رب ارجعون أى ردوني إلى الدنيا وإنما قال ارجعون بضمير الجماعة لتعظيم المخاطب وقيل هو على معنى تكرير الفعل أى ارجعني ارجعني ارجعني ومثله قوله ) ألقيا في جهنم ( قال المازني معناه ألق ألق وهكذا قيل فى قول امرئ القيس قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
ومنه قول الحجاج
يا حرسي اضربا عنقه
ومنه قول الشاعر
ولو شئت حرمت النساء سواكم
وقول الآخر ألا فارحموني يا إله محمد
وقيل إنهم لما استغاثوا بالله قال قائلهم رب ثم رجع إلى مخاطبة الملائكة فقال ) ارجعون لعلي أعمل صالحا ( أى أعمل عملا صالحا فى الدنيا إذا رجعت إليها من الإيمان وما يتبعه من أعمال الخير ولما تمنى أن يرجع ليعمل رد الله عليه ذلك بقوله ) كلا إنها كلمة هو قائلها ( فجاء بكلمة الردع والزجر والضمير فى إنها يرجع إلى قوله ) رب ارجعون ( أى إن هذه الكلمة هو قائلها لا محالة وليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا أو المعنى أنه لو أجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء كما فى قوله ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( وقيل إن


"""""" صفحة رقم 499 """"""
الضمير فى قائلها يرجع إلى الله أى لا خلف فى خبره وقد أخبرنا بأنه لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها
المؤمنون : ( 100 ) لعلي أعمل صالحا . . . . .
) ومن ورائهم برزخ ( أى من أمامهم وبين أيديهم والبرزخ هو الحاجز بين الشيئين قاله الجوهري
واختلف فى معنى الآية فقال الضحاك ومجاهد وابن زيد حاجز بين الموت والبعث وقال الكلبي هو الأجل ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة وقال السدى هو الأجل و ) إلى يوم يبعثون ( هو يوم القيامة
المؤمنون : ( 101 ) فإذا نفخ في . . . . .
) فإذا نفخ في الصور ( قيل هذه هى النفخة الأولى وقيل الثانية وهذا أولى وهي النفخة التى تقع بين البعث والنشور وقيل المعنى فإذا نفخ فى الأجساد أرواحها على أن الصور جمع صورة لا القرن ويدل على هذا قراءة ابن عباس والحسن ) الصور ( بفتح الواو مع ضم الصاد جمع صورة وقرأ أبو رزين بفتح الصاد والواو وقرأ الباقون بضم الصاد وسكون الواو وهو القرن الذى ينفخ فيه ) فلا أنساب بينهم يومئذ ( أى لا يتفاخرون بالأنساب ويذكرونها لما هم فيه من الحيرة والدهشة ) ولا يتساءلون ( أى لا يسأل بعضهم بعضا فإن لهم إذ ذاك شغلا شاغلا ومنه قوله تعالى ) يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ( وقوله ) ولا يسأل حميم حميما ( ولا ينافي هذا ما فى الآية الأخرى من قوله ) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( فإن ذلك محمول على اختلاف المواقف يوم القيامة فالإثبات باعتبار بعضها والنفي باعتبار بعض آخر كما قررناه فى نظائر هذا مما أثبت تارة ونفي أخرى
المؤمنون : ( 102 ) فمن ثقلت موازينه . . . . .
) فمن ثقلت موازينه ( أى موزوناته من أعماله الصالحة ) فأولئك هم المفلحون ( أى الفائزون بمطالبهم المحبوبة الناجون من الأمور التى يخافونها
المؤمنون : ( 103 ) ومن خفت موازينه . . . . .
) ومن خفت موازينه ( وهى أعماله الصالحة ) فأولئك الذين خسروا أنفسهم ( أى ضيعوها وتركوا ما ينفعها ) في جهنم خالدون ( هذا بدل من صلة الموصول أو خبر ثان لاسم الإشارة وقد تقدم الكلام على هذه الآية مستوفى فلا نعيده
المؤمنون : ( 104 ) تلفح وجوههم النار . . . . .
وجملة ) تلفح وجوههم النار ( مستأنفة ويجوز أن تكون فى محل نصب على الحال أو تكون خبرا آخر لأولئك واللفح الإحراق يقال لفحته النار إذا أحرقته ولفحته بالسيف إذا ضربته وخص الوجوه لأنها أشرف الأعضاء ) وهم فيها كالحون ( هذه الجملة فى محل نصب على الحال والكالح الذى قد تشمرت شفتاه وبدت أسنانه قاله الزجاج ودهر كالح أى شديد قال أهل اللغة الكلوح تكنيز فى عبوس
المؤمنون : ( 105 ) ألم تكن آياتي . . . . .
وجملة ) ألم تكن آياتي تتلى عليكم ( هى على إضمار القول أى يقال لهم ذلك توبيخا وتقريعا أى ألم تكن آياتي تتلى عليكم فى الدينا ) فكنتم بها تكذبون )
المؤمنون : ( 106 ) قالوا ربنا غلبت . . . . .
وجمله ) قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر أى غلبت علينا لذاتنا وشهواتنا فسمى ذلك شقوة لأنه يؤول إلى الشقاء قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم ) شقوتنا ( وقرأ الباقون شقاوتنا وهذه القراءة مروية عن ابن مسعود والحسن ) وكنا قوما ضالين ( أى بسبب ذلك فإنهم ضلوا عن الحق بتلك الشقوة
المؤمنون : ( 107 ) ربنا أخرجنا منها . . . . .
ثم طلبوا ما لا يجابون إليه فقالوا ) ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ( أى فإن عدنا إلى ما كنا عليه من الكفر وعدم الإيمان فإنا ظالمون لأنفسنا بالعود إلى ذلك
المؤمنون : ( 108 ) قال اخسؤوا فيها . . . . .
فأجاب الله عليهم بقوله ) قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون ( أى اسكنوا فى جهنم قال المبرد الخس إبعاد بمكروه وقال الزجاج تباعدوا تباعد سخط وأبعدوا بعد الكلب فالمعنى على هذا أبعدوا فى جهنم كما يقال للكلب اخسأ أى ابعد خسأت الكلب خسأ طردته ولا تكلمون فى إخراجكم من النار ورجوعكم إلى الدنيا أو فى رفع العذاب عنكم وقيل المعنى لا تكلمون رأسا
المؤمنون : ( 109 ) إنه كان فريق . . . . .
ثم علل ذلك بقوله ) إنه كان فريق من عبادي يقولون ( وهم المؤمنون وقيل الصحابة يقولون ) ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين ( قرأ الجمهور ) إنه كان فريق ( بكسر إن استئنافا تعليليا وقرأ أبي بفتحها
المؤمنون : ( 110 ) فاتخذتموهم سخريا حتى . . . . .
) فاتخذتموهم سخريا ( قرأ نافع وحمزة والكسائي بضم السين وقرأ


"""""" صفحة رقم 500 """"""
الباقون بكسرها وفرق بينهما أبو عمرو فجعل الكسر من جهة الهزو والضم من جهة السخرية قال النحاس ولا يعرف هذا الفرق الخليل ولا سيبويه ولا الكسائي ولا الفراء وحكى الثعلبي عن الكسائي أن الكسر بمعنى الاستهزاء والسخرية بالقول والضم بمعنى التسخير والاستبعاد بالفعل ) حتى أنسوكم ذكري ( أى اتخذتموهم سخريا إلى هذه الغاية فإنهم نسوا ذكر الله لشدة اشتغالهم بالاستهزاء ) وكنتم منهم تضحكون ( فى الدنيا والمعنى حتى نسيتم ذكري باشتغالكم بالسخرية والضحك فنسب ذلك إلى عباده المؤمنين لكونهم السبب
المؤمنون : ( 111 ) إني جزيتهم اليوم . . . . .
وجملة ) إني جزيتهم اليوم بما صبروا ( مستأنفة لتقرير ما سبق والباء فى بما صبروا للسببية ) أنهم هم الفائزون ( قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستئناف وقرأ الباقون بالفتح أى لأنهم الفائزون ويجوز أن يكون منصوبا على أنه المفعول الثاني للفعل
المؤمنون : ( 112 ) قال كم لبثتم . . . . .
) قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين ( القائل هو الله عز وجل وتذكيرا لهم كم لبثوا لما سألوا الرجوع إلى الدنيا بعد أن أخبرهم بأن ذلك غير كائن كما فى قوله اخسئوا فيها والمراد بالأرض هى الأرض التى طلبوا الرجوع إليها ويحتمل أن يكون السؤال عن جميع ما لبثوه فى الحياة وفى القبور وقيل هو سؤال عن مدة لبثهم فى القبور لقوله ) في الأرض ( ولم يقل على الأرض ورد بمثل قوله تعالى ) ولا تفسدوا في الأرض ( وانتصاب عدد سنين على التمييز لما فى كم من الإبهام وسنين بفتح النون على أنها نون الجمع ومن العرب من يخفضها وينونها
المؤمنون : ( 113 ) قالوا لبثنا يوما . . . . .
) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ( استقصروا مدة لبثهم لما هم فيه من العذاب الشديد وقيل إن العذاب رفع عنهم بين النفختين فنسوا ما كانوا فيه من العذاب فى قبورهم وقيل أنساهم الله ما كانوا فيه من العذاب من النفخة الأولى إلى النفخة الثانية ثم لما عرفوا ما أصابهم من النسيان لشدة ما هم فيه من الهول العظيم أحالوا على غيرهم فقالوا ) فاسأل العادين ( أى المتمكنين من معرفة العدد وهم الملائكة لأنهم الحفظة العارفون بأعمال العباد وأعمارهم وقيل المعنى فاسأل الحاسبين العارفين بالحساب من الناس وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ? قل كم لبثتم فى الأرض ? على الأمر والمعنى قل يا محمد للكفار أو يكون أمرا للملك بسؤالهم أو التقدير قولوا كم لبثتم فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد والمراد الجماعة وقرأ الباقون ) قال كم لبثتم ( على أن القائل هو الله عز وجل أو الملك
المؤمنون : ( 114 ) قال إن لبثتم . . . . .
) قال إن لبثتم إلا قليلا ( قرأ حمزة والكسائي ? قل إن لبثتم ? كما فى الآية الأولى وقرأ الباقون قال على الخبر وقد تقدم توجيه القراءتين أى ما لبثتم فى الأرض إلا لبثا قليلا ) لو أنكم كنتم تعلمون ( شيئا من العلم والجواب محذوف أى لو كنتم تعلمون لعلمتم اليوم قلة لبثكم فى الأرض أو فى القبور أو فيهما فكل ذلك قليل بالنسبة إلى لبثهم
المؤمنون : ( 115 ) أفحسبتم أنما خلقناكم . . . . .
ثم زاد سبحانه فى توبيخهم فقال ) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ( الهمزة للتوبيخ والتقرير والفاء للعطف على مقدر كما تقدم بيانه فى مواضع أى ألم تعلموا شيئا فحسبتم وانتصاب عبثا على الحال أى عابثين أو على العلة أى للعبث قال بالأول سيبويه وقطرب وبالثاني أبو عبيدة وقال أيضا يجوز أن يكون منتصبا على المصدرية وجملة ) وأنكم إلينا لا ترجعون ( معطوفة على أنما خلقناكم عبثا والعبث فى اللغة اللعب يقال عبث يعبث عبثا فهو عابث أى لاعب وأصله من قولهم عبثت الأقط أى خلطته والمعنى أفحسبتم أن خلقنا لكم للإهمال كما خلقت البهائم ولا ثواب ولا عقاب وأنكم إلينا لا ترجعون بالبعث والنشور فنجازيكم بأعمالكم قرأ حمزة والكسائي ) ترجعون ( بفتح الفوقية وكسر الجيم مبنيا للفاعل وقرأ الباقون على البناء للمفعول وقيل إنه يجوز عطف وأنكم إلينا لا ترجعون على عبثا على معنى أنما خلقناكم للعبث ولعدم الرجوع
المؤمنون : ( 116 ) فتعالى الله الملك . . . . .
ثم نزه سبحانه نفسه فقال ) فتعالى الله ( أى تنزه عن الأولاد والشركاء أو عن أن يخلق شيئا عبثا أو عن جميع ذلك وهو ) الملك ( الذى يحق له الملك على الإطلاق ) الحق ( فى جميع أفعاله وأقواله ) لا إله إلا هو رب العرش الكريم (


"""""" صفحة رقم 501 """"""
فكيف لا يكون إلها وربا لما هو دون العرش الكريم من المخلوقات ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والخير منه أو باعتبار من استوى عليه كما يقال بيت كريم إذا كان ساكنوه كراما قرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل وأبان بن ثعلب ) الكريم ( بالرفع على أنه نعت لرب وقرأ الباقون بالجر على أنه نعت للعرش
المؤمنون : ( 117 ) ومن يدع مع . . . . .
ثم زيف ما عليه أهل الشرك توبيخا لهم وتقريعا فقال ) ومن يدع مع الله إلها آخر ( يعبده مع الله أو يعبده وحده وجملة ) لا برهان له به ( فى محل نصب صفة لقوله إلها وهى صفة لازمة جيء بها للتأكيد كقوله ) يطير بجناحيه ( والبرهان الحجة الواضحة والدليل الواضح وجواب الشرط قوله ) فإنما حسابه عند ربه ( وجملة لا برهان له به معترضة بين الشرط والجزاء كقولك من أحسن إلى زيد لا أحق منه بالإحسان فالله مثيبه وقيل إن جواب الشرط قوله لا برهان له به على حذف فاء الجزاء كقول الشاعر من يفعل الحسنات الله يشكرها
) إنه لا يفلح الكافرون ( قرأ الحسن وقتادة بفتح ) إن ( على التعليل وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف وقرأ الحسن ) لا يفلح ( بفتح الياء واللام مضارع فلح بمعنى أفلح
المؤمنون : ( 118 ) وقل رب اغفر . . . . .
ثم ختم هذه السورة بتعليم رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدعوه بالمغفرة والرحمة فقال ) وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ( أمره سبحانه بالاستغفار لتقتدي به أمته وقيل أمره بالاستغفار لأمته وقد تقدم بيان كونه أرحم الراحمين ووجه اتصال هذا بما قبله أنه سبحانه لما شرح أحوال الكفار أمر بالانقطاع إليه والالتجاء إلى غفرانه ورحمته
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى الدنيا فى ذكر الموت وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال إذا أدخل الكافر فى قبره فيرى مقعده من النار ) قال رب ارجعون ( أتوب أعمل صالحا فيقال له قد عمرت ما كنت معمرا فيضيق عليه قبره فهو كالمنهوش ينازع ويفزع تهوى إليه حيات الأرض وعقاربها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال زعموا أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال لعائشة إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا نرجعك إلى الدنيا فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدما إلى الله وأما الكافر فيقولون له نرجعك فيقول رب ارجعون ) لعلي أعمل صالحا فيما تركت ( وهو مرسل وأخرج الديلمي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شئ يمنعه عن الحق فيجعل بين عينيه فعند ذلك بقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت وأخرج البيهقى فى الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس فى قوله ) أعمل صالحا ( قال أقول لا إله إلا الله وأخرج ابن أبى حاتم عن عائشة قالت ويل لأهل المعاصي من أهل القبور يدخل عليهم فى قبورهم حيات سود حية عند رأسه وحية عند رجليه يقرصانه حتى تلتقيا فى وسطه فذلك العذاب فى البرزخ الذى قال الله ) ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ( قال حين نفخ فى الصور فلا يبقى حى إلا الله وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أنه سئل عن قوله ) فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ( وقوله ) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( فقال إنها مواقف فأما الموقف الذى لا أنساب بينهم ولا يتساءلون عند الصعقة الأولى ولا أنساب بينهم فيها إذا صعقوا فإذا كانت النفخة الآخرة فإذا هم قيام يتساءلون وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عنه أيضا أنه سئل عن الآيتين فقال أما قوله ) ولا يتساءلون ( فهذا فى النفخة الأولى حين لا يبقى على الأرض شئ وأما قوله ) فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( فإنهم لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون وأخرج ابن المبارك فى الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو نعيم فى الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين


"""""" صفحة رقم 502 """"""
والآخرين وفى لفظ يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد ألا إن هذا فلان بن فلان فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه وفى لفظ من كان له مظلمة فليجئ فليأخذ حقه فيفرح والله المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا ومصداق ذلك فى كتاب الله ) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ( وأخرج أحمد والطبراني والحاكم والبيهقى فى سننه عن المسور بن مخرمة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري وأخرج البزار والطبراني وأبو نعيم والحاكم والضياء فى المختارة عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كل نسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول على المنبر ما بال رجال يقولون إن رحم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا ينفع قومه بلى والله إن رحمي موصولة فى الدنيا والآخرة وإني أيها الناس فرط لكم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) تلفح وجوههم النار ( قال تنفخ وأخرج ابن مردويه والضياء فى صفة النار عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) تلفح وجوههم النار ( قال تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعقابهم وأخرج أبو نعيم فى الحلية عن ابن مسعود فى الآية قال لفحتهم لفحة فما أبقت لحما على عظم إلا ألقته على أعقابهم وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن أبي الدنيا فى صفة النار وأبو يعلي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم فى الحلية وابن مردويه فى قوله ) وهم فيها كالحون ( قال تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبى شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود فى الآية قال كلوح الرأس النضيج بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) كالحون ( قال عابسون وقد ورد فى صفة أهل النار وما يقولونه وما يقال لهم أحاديث كثيرة معروفة وأخرج الحكيم الترمذي وأبو يعلي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني فى عمل اليوم والليلة وابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية عن ابن مسعود أنه قرأ فى أذن مصاب ) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ( حتى ختم السورة فبرئ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بماذا قرأت فى أذنه فأخبره فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والذى نفسي بيده لو أن رجلا موقنا قرأ بها على جبل لزال وأخرج ابن السني وابن مندة وأبو نعيم فى المعرفة قال السيوطي بسند حسن من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال بعثنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى سرية وأمرنا أن نقول إذا أمسينا وأصبحنا ) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( فقرأناها فغنمنا وسلمنا ا ه
بحمد الله تعالى تم طبع الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع وأوله تفسير
سورة النور=

ج4.سورة النور

 صفحة رقم 3 "  ع24--تفسير
سورة النور
هي مدنية وآياتها أربع وستون آية
حول السورة
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير قالا أنزلت سورة النور بالمدينة وأخرج الحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن عائشة مرفوعا لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة يعنى النساء وعلموهن الغزل وسورة النور وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نساءكم سورة النور وهو مرسل وأخرج أبو عبيد في فضائله عن حارثة بن مضرب قال كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور
النور ( 1 3 )
النور : ( 1 ) سورة أنزلناها وفرضناها . . . . .
السورة في اللغة اسم للمنزلة الشريفة ولذلك سميت السورة من القرآن سورة ومنه قوله زهير ألم تر أن الله أعطاك سورة
ترى كل ملك دونها يتذبذب
أي منزلة قرأ الجمهور سورة بالرفع وفيه وجهان أحدهما أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف أي هذه سورة ورجحه الزجاج والفراء والمبرد قالوا لأنها نكرة ولا يبتدأ بالنكرة في كل موضع والوجه الثاني أن يكون مبتدأ


"""""" صفحة رقم 4 """"""
وجاز الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة بقوله ) أنزلناها ( والخبر ) الزانية والزاني ( ويكون المعنى السورة المنزلة المفروضة كذا وكذا إذ السورة عبارة عن آيات مسرودة لها مبدأ ومختم وهذا معنى صحيح ولا وجه لما قاله الأولون من تعليل المنع من الابتداء بها كونها نكرة فهي نكرة مخصصة بالصفة وهو مجمع على جواز الابتداء بها وقيل هي مبتدأ محذوف الخبر على تقدير فيما أوحينا إليك سورة ورد بأن مقتضى المقام ببيان شأن هذه السورة الكريمة لا بيان أن في جملة ما أوحى إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سورة شأنها كذا وكذا وقرأ الحسن بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهد وأبو حيوة وطلحة بن مصرف بالنصب وفيه أوجه الأول أنها منصوبة بفعل مقدر غير مفسر بما بعده تقديره اتل سورة أو اقرأ سورة والثاني أنها منصوبة بفعل مضمر يفسره ما بعده على ما قيل في باب اشتغال الفعل عن الفاعل بضميره أي أنزلنا سورة أنزلناها فلا محل لأنزلناها ها هنا لأنها جملة مفسرة بخلاف الوجه الذي قبله فإنها في محل نصب على أنها صفة لسورة الوجه الثالث أنها منصوبة على الإغراء أي دونك سورة قاله صاحب الكشاف ورده أبو حيان بأنه لا يجوز حذف أداة الإغراء الرابع أنها منصوبة على الحال من ضمير أنزلناها قال الفراء هي حال من الهاء والألف والحال من المكنى يجوز أن تتقدم عليه وعلى هذا فالضمير في أنزلناها ليس عائدا على سورة بل على الأحكام كأنه قيل أنزلنا الأحكام حال كونها سورة من سور القرآن قرأ ابن كثير وأبو عمرو وفرضناها بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف قال أبو عمرو فرضناها بالتشديد أي قطعناها في الإنزال نجما نجما والفرض القطع ويجوز أن يكون التشديد للتكثير أو للمبالغة ومعنى التخفيف أوجبناها وجعلناها مقطوعا بها وقيل ألزمناكم العمل بها وقيل قدرنا ما فيها من الحدود والفرض التقدير ومنه ) إن الذي فرض عليك القرآن ( وأنزلنا فيها آيات بينات أى أنزلنا في غضونها وتضاعيفها ومعنى كونها بينات أنها واضحة الدلالة على مدلولها وتكرير أنزلنا لكمال العناية بإنزال هذه السورة لما اشتملت عليه من الأحكام
النور : ( 2 ) الزانية والزاني فاجلدوا . . . . .
) الزانية والزاني ( هذا شروع في تفصيل ما أجمل من الآيات البينات والارتفاع على الابتداء والخبر ) فاجلدوا كل واحد منهما ( أو على الخبرية لسورة كما تقدم والزنا هو وطء الرجل للمرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح وقيل هو إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا والزانية هي المرأة المطاوعة للزنا الممكنة منه كما تنبىء عنه الصيغة لا المكرهة وكذلك الزاني ودخول الفاء في الخبر لتضمن المبتدإ معنى الشرط على مذهب الأخفش وأما على مذهب سيبويه فالخبر محذوف والتقدير فيما يتلى عليكم حكم الزانية ثم بين ذلك بقوله ) فاجلدوا ( والجلد الضرب يقال جلده إذا ضرب جلده مثل بطنه إذا ضرب بطنه ورأسه إذا ضرب رأسه وقوله ) مائة جلدة ( هو حد الزاني الحر البالغ البكر وكذلك الزانية وثبت بالستة زيادة على هذا الجلد وهي تغريب عام وأما المملوك والمملوكة فجلد كل واحد منهما خمسون جلدة لقوله سبحانه ) فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( وهذا نص في الإماء وألحق بهن العبيد لعدم الفارق وأما من كان محصنا من الأحرار فعليه الرجم بالسنة الصحيحة المتواترة وبإجماع أهل العلم بل وبالقرآن المتسوخ لفظه الباقي حكمه وهو الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة وزاد جماعة من أهل العلم مع الرجم جلد مائة وقد أوضحنا ما هو الحق في ذلك شرحنا للمنتقى وقد مضى الكلام في حد الزنا مستوفى وهذه الآية ناسخة لآية الحبس وآية الأذى اللتين في سورة النساء وقرأ عيسى بن عمر الثقفي ويحيى بن يعمر وأبو جعفر وأبو شيبة ) الزانية والزاني ( بالنصب قيل وهو القياس عند سيبويه لأنه عنده كقولك زيدا اضرب وأما الفراء والمبرد والزجاج فالرفع عندهم أوجه وبه قرأ الجمهور ووجه تقديم الزانية على الزاني ها هنا أن


"""""" صفحة رقم 5 """"""
الزنا في ذلك الزمان كان في النساء أكثر حتى كان لهن رايات تنصب على أبوابهن ليعرفهن من أراد الفاحشة منهن وقيل وجه التقديم أن المرأة هي الأصل في الفعل وقيل لأن الشهوة فيها أكثر وعليها أغلب وقيل لأن العار فيهن أكثر إذ موضوعهن الحجبة والصيانة فقدم ذكر الزانية تغليظا واهتماما والخطاب في هذه الآية للأئمة ومن قام مقامهم وقيل للمسلمين أجمعين لأن إقامة الحدود واجبة عليهم جميعا والإمام ينوب عنهم إذ لا يمكنهم الاجتماع على إقامة الحدود ) ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ( يقال رأف يرأف رأفة على وزن فعلة ورآفة على وزن فعالة مثل النشأة والنشاءة وكلاهما بمعنى الرقة والرحمة وقيل هي أرق الرحمة وقرأ الجمهور رأفة بسكون الهمزة وقرأ ابن كثير بفتحها وقرأ ابن جريج رآفة بالمد كفعالة ومعنى في دين الله في طاعته وحكمه كما في قوله ) ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ( ثم قال مثبتا للمأمورين ومهيجا لهم ) إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( كما تقول للرجل تحضه على أمر إن كنت رجلا فافعل كذا أي إن كنتم تصدقون بالتوحيد والبعث الذي فيه جزاء الأعمال فلا تعطلوا الحدود ) وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( أي ليحضره زيادة في التنكيل بهما وشيوع العار عليهما وإشهار فضيحتهما والطائفة الفرقة التي تكون حافة حول الشيء من الطوف وأقل الطائفة ثلاثة وقيل إثنان وقيل واحد وقيل أربعة وقيل عشرة
النور : ( 3 ) الزاني لا ينكح . . . . .
ثم ذكر سبحانه شيئا يختص بالزاني والزانية فقال ) الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة (
قد اختلف أهل العلم في معنى هذه الآية على أقوال الأول أن المقصود منها تشنيع الزنا وتشنيع أهله وأنه محرم على المؤمنين ويكون معنى الزاني لا ينكح الوطء لا العقد أي الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا تزني إلا بزان وزاد ذكر المشركة والمشرك لكون الشرك أعم في المعاصي من الزنا ورد هذا الزجاج وقال لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج ويرد هذا الرد بأن النكاح بمعنى الوطء ثابت في كتاب الله سبحانه ومنه قوله ) حتى تنكح زوجا غيره ( فقد بينه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأن المراد به الوطء ومن جملة القائلين بأن معنى الزاني لا ينكح إلا زانية الزاني لا يزني إلا بزانية سعيد بن جبير وابن عباس وعكرمة كما حكاه ابن جرير عنهم وحكاه الخطابي عن ابن عباس القول الثاني أن الآية هذه نزلت في امرأة خاصة كما سيأتي بيانه فتكون خاصة بها كما قاله الخطابي القول الثالث أنها نزلت في رجل من المسلمين فتكون خاصة به قاله مجاهد الرابع أنها نزلت في أهل الصفة فتكون خاصة بهم قاله أبو صالح الخامس أن المراد بالزاني والزانية المحدودان حكاه الزجاج وغيره عن الحسن قال وهذا حكم من الله فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة وروى نحوه عن إبراهيم النخعي وبه قال بعض أصحاب الشافعي قال ابن العربي وهذا معنى لا يصح نظرا كما لم يثبت نقلا السادس أن الآية هذه منسوخة بقوله سبحانه ) وأنكحوا الأيامى منكم ( قال النحاس وهذا القول عليه أكثر العلماء القول السابع أن هذا الحكم مؤسس على الغالب والمعنى أن غالب الزناة لا يرغب إلا في الزواج بزانية مثله وغالب الزواني لا يرغبن إلا في الزواج بزان مثلهن والمقصود زجر المؤمنين عن نكاح الزواني بعد زجرهم عن الزنا وهذا أرجح الأقوال وسبب النزول يشهد له كما سيأتي
وقد اختلف في جواز تزوج الرجل بامرأة قد زنى هو بها فقال الشافعي وأبو حنيفة بجواز ذلك وروي عن ابن عباس وروي عن عمر وابن مسعود وجابر أنه لا يجوز قال ابن مسعود إذا زنى الرجل بالمرأة ثم نكحها بعد ذلك فهما زانيان أبدا وبه قال مالك ومعنى ) وحرم ذلك على المؤمنين ( أي نكاح الزواني لما فيه من


"""""" صفحة رقم 6 """"""
التشبه بالفسقة والتعرض للتهمة والطعن في النسب وقيل هو مكروه فقط وعبر بالتحريم عن كراهة التنزيه مبالغة في الزجر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله ) سورة أنزلناها وفرضناها ( قال بيناها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها وظهرها فقلت ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله قال يا بنى ورأيتني أخذتنى بها رأفة إن الله لم يأمرني أن أقتلها ولا أن أجلد رأسها وقد أوجعت حيث ضربت وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( قال الطائفة الرجل فما فوقه وأخرج عبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى في سننه والضياء المقدسي في المختارة من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس في قوله ) الزاني لا ينكح ( قال ليس هذا بالنكاح ولكن الجماع لا يزنى بها حين يزنى إلا زان أو مشرك ) وحرم ذلك على المؤمنين ( يعنى الزنا وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد عن مجاهد في قوله ) الزاني لا ينكح إلا زانية ( قال كن نساء في الجاهلية بغيات فكانت منهن امرأة جميلة تدعى أم جميل فكان الرجل من المسلمين يتزوج إحداهن لتنفق عليه من كسبها فنهى الله سبحانه أن يتزوجهن أحد من المسلمين وهو مرسل وأخرج عبد بن حميد عن سليمان بن يسار نحوه مختصرا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء عن ابن عباس قال كانت بغايا في الجاهلية بغايا آل فلان وبغايا آل فلان فقال الله ) الزاني لا ينكح إلا زانية ( الآية فأحكم الله ذلك في أمر الجاهلية وروى نحو هذا عن جماعة من التابعين وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الضحاك في الآية قال إنما عنى بذلك الزنا ولم يعن به التزويج وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبى شيبة عن عكرمة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس في هذه الآية قال الزاني من أهل القبلة لا يزنى إلا بزانية مثله من أهل القبلة أو مشركة من غير أهل القبلة والزانية من أهل القبلة لا تزنى إلا بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة وحرم الزنا على المؤمنين وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى في سننه عن عبد الله بن عمرو قال كانت امرأة يقال لها أم مهزول وكانت تسافح وتشترط أن تنفق عليه فأراد رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتزوجها فأنزل الله ) والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ( وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان رجل يقال له مرثد يحمل الأسارى من مكة حتى يأتى بهم المدينة وكانت امرأة بغى بمكة يقال لها عناق وكانت صديقة له وذكر قصة وفيها فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت يا رسول الله أنكح عناقا فلم يرد على شيئا حتى نزلت ) الزاني لا ينكح إلا زانية ( الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين فلا تنكحها وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو في الآية قال كن نساء معلومات فكان الرجل من فقراء المسلمين يتزوج المرأة منهن لتنفق عليه فنهاهم الله عن ذلك وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر والبيهقى عن ابن عباس أنها نزلت في بغايا معلنات كن في الجاهلية وكن زوانى مشركات فحرم الله


"""""" صفحة رقم 7 """"""
نكاحهن على المؤمنين وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه من طريق شعبة مولى ابن عباس قال كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال إنى كنت أتبع امرأة فأصبت منها ما حرم الله على وقد رزقنى الله منها توبة فأردت أن أتزوجها فقال الناس الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة فقال ابن عباس ليس هذا موضع هذه الآية إنما كن نساء بغايا متعالنات يجعلن على أبوابهن رايات يأتيهن الناس يعرفن بذلك فأنزل الله هذه الآية تزوجها فما كان فيها من إثم فعلى وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن عدى وابن مردويه والحاكم عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن على بن أبى طالب أن رجلا تزوج امرأة ثم إنه زنى فأقيم عليه الحد فجاءوا به إلى على ففرق بينه وبين امرأته وقال لا تتزوج إلا مجلودة مثلك
سورة النور ( 4 10 )
النور : ( 4 ) والذين يرمون المحصنات . . . . .
قوله ) والذين يرمون ( استعار الرمى للشتم بفاحشة الزنا لكونه جناية بالقول كما قال النابغة وجرح اللسان كجرح اليد
وقال آخر
رمانى بأمر كنت عنه ووالدى بريا ومن أجل الطوى رمانى
ويسمى هذا الشتم بهذه الفاحشة الخاصة قذفا والمراد بالمحصنات النساء وخصهن بالذكر لأن قذفهن أشنع والعار فيهن أعظم ويلحق الرجال بالنساء في هذا الحكم بلا خلاف بين علماء هذه الأمة وقد جمعنا في ذلك رسالة رددنا بها على بعض المتأخرين من علماء القرن الحادى عشر لما نازع في ذلك وقيل إن الآية تعم الرجال والنساء والتقدير والأنفس المحصنات ويؤيد هذا قوله تعالى في آية أخرى ) والمحصنات من النساء ( فإن البيان بكونهن من النساء يشعر بأن لفظ المحصنات يشمل غير النساء وإلا لم يكن للبيان كثير معنى وقيل أراد بالمحصنات الفروج كما قال ) والتي أحصنت فرجها ( فتتناول الآية الرجال والنساء وقيل إن لفظ المحصنات وإن كان للنساء لكنه ها هنا يشمل النساء والرجال تغليبا وفيه أن تغليب النساء على الرجال غير معروف في لغة العرب والمراد بالمحصنات هنا العفائف وقد مضى في سورة النساء ذكر الإحصان وما يحتمله من المعانى وللعلماء في الشروط المعتبرة في المقذوف والقاذف أبحاث مطولة مستوفاة في كتب الفقه منها ما هو مأخوذ من دليل ومنها


"""""" صفحة رقم 8 """"""
ما هو مجرد رأى بحت قرأ الجمهور ) والمحصنات ( بفتح الصاد وقرأ يحيى بن وثاب بكسرها وذهب الجمهور من العلماء أنه لا حد على من قذف كافرا أو كافرة وقال الزهرى وسعيد بن المسيب وابن أبى ليلى إنه يجب عليه الحد وذهب الجمهور أيضا أن العبد يجلد أربعين جلدة وقال ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وقبيصة يجلد ثمانين قال القرطبي وأجمع العلماء على أن الحر لا يجلد للعبد إذا افترى عليه لتباين مرتبتهما وقد ثبت في الصحيح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أن من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال ثم ذكر سبحانه شرطا لإقامة الحد على من قذف المحصنات فقال ) ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ( أي يشهدون عليهن بوقوع الزنا منهن ولفظ ثم يدل على أنه يجوز أن تكون شهادة الشهود في غير مجلس القذف وبه قال الجمهور وخالف في ذلك مالك وظاهر الآية أنه يجوز أن يكون الشهود مجتمعين ومفترقين وخالف في ذلك الحسن ومالك وإذا لم تكمل الشهود أربعة كانوا قذفة يحدون حد القذف وقال الحسن والشعبى إنه لا حد على الشهود ولا على المشهود عليه وبه قال أحمد وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن ويرد ذلك ما وقع في خلافة عمر رضى الله عنه من جلده للثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة رضى الله عنه قرأ الجمهور بأربعة شهداء بإضافة أربعة إلى شهداء وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار وأبو زرعة بن عمرو بتنوين أربعة
وقد اختلف في إعراب شهداء على هذه القراءة فقيل هو تمييز ورد بأن المميز من ثلاثة إلى عشرة يضاف إليه العدد كما هو مقرر في علم النحو وقيل إنه في محل نصب على الحال ورد بأن الحال لا يجىء من النكرة التي لم تخصص وقيل إن شهداء في محل جر نعتا لأربعة ولما كان فيه ألف التأنيث لم ينصرف وقال النحاس يجوز أن يكون شهداء في موضع نصب على المفعولية أى ثم لم يحضروا أربعة شهداء وقد قوى ابن جنى هذه القراءة ويدفع ذلك قول سيبويه إن تنوين العدد وترك إضافته إنما يجوز في الشعر ثم بين سبحانه ما يجب على القاذف فقال ) فاجلدوهم ثمانين جلدة ( الجلد الضرب كما تقدم والمجالدة المضاربة في الجلود أو بالجلود ثم استعير للضرب بالعصى والسيف وغيرهما ومنه قول قيس بن الخطيم أجالدهم يوم الحديقة حاسرا
كأن يدى بالسيف مخراق لاعب
وقد تقدم بيان الجلد قريبا وانتصاب ثمانين كانتصاب المصادر وجلدة منتصبة على التمييز وجملة ) ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ( معطوفة على اجلدوا أى فاجمعوا لهم بين الأمرين الجلد وترك قبول الشهادة لأنهم قد صاروا بالقذف غير عدول بل فسقة كما حكم الله به عليهم في آخر هذه الآية واللام في لهم متعقلة بمحذوف هو حال من شهادة ولو تأخرت عليها لكانت صفة لها ومعنى أبدا ماداموا في الحياة ثم بين سبحانه حكمهم بعد صدور القذف منهم وإصرارهم عليه وعدم رجوعهم إلى التوبة فقال ) وأولئك هم الفاسقون ( وهذه جملة مستأنفة مقررة لما قبلها والفسق هو الخروج عن الطاعة ومجاوزة الحد بالمعصية وجوز أبو البقاء أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال
النور : ( 5 ) إلا الذين تابوا . . . . .
ثم بين سبحانه أن هذا التأييد لعدم قبول شهادتهم هو مع عدم التوبة فقال ) إلا الذين تابوا ( وهذه الجملة في محل نصب على الاستثناء لأنه من موجب وقيل يجوز أن يكون في موضع خفض على البدل ومعنى التوبة قد تقدم تحقيقه ومعنى ) من بعد ذلك ( من بعد اقترافهم لذنب القذف ومعنى ) وأصلحوا ( إصلاح أعمالهم التي من جملتها ذنب القذف ومداركة ذلك بالتوبة والانقياد للحد


"""""" صفحة رقم 9 """"""
فوائد
وقد اختلف أهل العلم في هذا الاستثناء هل يرجع إلى الجملتين قبله وهي جملة عدم قبول الشهادة وجملة الحكم عليهم بالفسق أم إلى الجملة الأخيرة وهذا الاختلاف بعد اتفاقهم على أنه لا يعود إلى جملة الجلد بل يجلد التائب كالمصر وبعد إجماعهم أيضا على أن هذا الاستثناء يرجع إلى جملة الحكم بالفسق فمحل الخلاف هل يرجع إلى جملة عدم قبول الشهادة أم لا فقال الجمهور إن هذا الاستثناء يرجع إلى الجملتين فإذا تاب القاذف قبلت شهادته وزال عنه الفسق لأن سبب ردها هو ما كان متصفا به من الفسق بسبب القذف فإذا زال بالتوبة بالإجماع كان الشهادة مقبولة وقال القاضى شريح وإبراهيم النخعى والحسن البصرى وسعيد بن جبير ومكحول وعبد الرحمن بن زيد وسفيان الثورى وأبو حنيفة إن هذا الاستثناء يعود إلى جملة الحكم بالفسق لا إلى جملة عدم قبول الشهادة فيرتفع بالتوبة عن القاذف وصف الفسق ولا تقبل شهادته أبدا وذهب الشعبى والضحاك إلى التفصيل فقالا لا تقبل شهادته وإن تاب إلا أن يعترف على نفسه بأنه قد قال البهتان فحينئذ تقبل شهادته وقول الجمهور هو الحق لأن تخصيص التقييد بالجملة الأخيرة دون ماقبلها مع كون الكلام واحدا في واقعة شرعية من متكلم واحد خلاف ما تقتضيه لغة العرب وأولوية الجملة الأخيرة المتصلة بالقيد بكونه قيدا لها لا تنفى كونه قيدا لما قبلها غاية الأمر أن تقييد الأخيرة بالقيد المتصل بها أظهر من تقييد ما قبلها به ولهذا كان مجمعا عليه وكونه أظهر لا ينافى قوله فيما قبلها ظاهرا وقد أطال أهل الأصول الكلام في القيد الواقع بعد جمل بما هو معروف عند من يعرف ذلك الفن والحق هو هذا والاحتجاج بما وقع تارة من القيود عائدا إلى جميع الجمل التي قبله وتارة إلى بعضها لا تقوم به حجة ولا يصلح للاستدلال فإنه قد يكون ذلك لدليل كما وقع هنا من الإجماع على عدم رجوع هذا الاستثناء إلى جملة الجلد ومما يؤيد ما قررناه ويقويه أن المانع من قبول الشهادة وهو الفسق المتسبب عن القذف قد زال فلم يبق ما يوجب الرد للشهادة
واختلف العلماء في صورة توبة القاذف فقال عمر بن الخطاب والشعبى والضحاك وأهل المدينة إن توبته لا تكون إلا بأن يكذب نفسه في ذلك القذف الذى وقع منه وأقيم عليه الحد بسببه وقال فرقة منهم مالك وغيره إن توتبه تكون بأن يحسن حاله ويصلح عمله ويندم على ما فرط منه ويستغفر الله من ذلك ويعزم على ترك العود إلى مثله وإن لم يكذب نفسه ولا رجع عن قوله ويؤيد هذا الآيات والأحاديث الواردة في التوبة فإنها مطلقة غير مقيدة بمثل هذا القيد
وقد أجمعت الأمة على أن التوبة تمحو الذنب ولو كان كفرا فتمحو ما هو دون الكفر بالأولى هكذا حكى الإجماع القرطبى قال أبو عبيد الاستثناء يرجع إلى الجمل السابقة وليس من رمى غيره بالزنا بأعظم جرما من مرتكب الزنا والزانى إذا تاب قبلت شهادته لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وإذا قبل الله التوبة من العبد كان العباد بالقبول أولى مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن منها قوله ) إنما جزاء الذين يحاربون الله ( إلى قوله ) إلا الذين تابوا ( ولا شك أن هذا الاستثناء يرجع إلى الجميع قال الزجاج وليس القاذف بأشد جرما من الكافر فحقه إذا تاب وأصلح أن تقبل شهادته قال وقوله ) أبدا ( أي ما دام قاذفا كما يقال لا تقبل شهادة الكافر أبدا فإن معناه ما دام كافرا انتهى وجملة ) فإن الله غفور رحيم ( تعليل لما تضمنه الاستثناء من عدم المؤاخذة للقاذف بعد التوبة وصيرورته مغفورا له مرحوما من الرحمن الرحيم غير فاسق ولا مردود الشهادة ولا مرفوع العدالة ثم ذكر سبحانه بعد ذكره لحكم القذف على العموم حكم نوع من أنواع القذف وهو قذف الزوج للمرأة التي
النور : ( 6 ) والذين يرمون أزواجهم . . . . .
تحته بعقد النكاح فقال ) والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم (


"""""" صفحة رقم 10 """"""
أي لم يكن لهم شهداء يشهدون بما رموهن به من الزنا إلا أنفسهم بالرفع على البدل من شهداء قيل ويجوز النصب على خبر يكن قال الزجاج أو على الاستثناء على الوجه المرجوح ) فشهادة أحدهم أربع شهادات ( قرأ الكوفيون برفع أربع على أنها خبر لقوله ) فشهادة أحدهم ( أى فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو أربع بالنصب على المصدر ويكون ) فشهادة أحدهم ( خبر مبتدأ محذوف أى فالواجب شهادة أحدهم أو مبتدأ محذوف الخبر أى فشهادة أحدهم واجبة وقيل إن أربع منصوب بتقدير فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات وقوله ) بالله ( متعلق بشهادة أو بشهادات وجملة ) إنه لمن الصادقين ( هي المشهود به وأصله على أنه فحذف الجار وكسرت إن وعلق العامل عنها
النور : ( 7 ) والخامسة أن لعنة . . . . .
) والخامسة ( قرأ السبعة وغيرهم الخامسة بالرفع على الابتداء وخبرها ) أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ( وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص والخامسة بالنصب على معنى وتشهد الشهادة الخامسة ومعنى ) إن كان من الكاذبين ( أي فيما رماها به من الزنا قرأ الجمهور بتشديد أن من قوله ) أن لعنة الله ( وقرأ نافع بتخفيفها فعلى قراءة نافع يكون اسم أن ضمير الشأن ولعنة الله مبتدأ وعليه خبره والجملة خبر أن وعلى قراءة الجمهور تكون لعنة الله اسم أن قال سيبويه لا تخفف أن في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأنت تريد الثقيلة وقال الأخفش لا أعلم الثقيلة إلا أجود في العربية
النور : ( 8 ) ويدرأ عنها العذاب . . . . .
) ويدرأ عنها العذاب ( أى عن المرأة والمراد بالعذاب الدنيوى وهو الحد وفاعل يدرأ قوله ) أن تشهد أربع شهادات بالله ( والمعنى أنه يدفع عن المرأة الحد شهادتها أربع شهادات بالله أن الزوج ) لمن الكاذبين )
النور : ( 9 ) والخامسة أن غضب . . . . .
(والخامسة ( بالنصب عطفا على أربع أى وتشهد الخامسة كذلك قرأ حفص والحسن والسلمى وطلحة والأعمش وقرأ الباقون بالرفع على الابتداء وخبره ) أن غضب الله عليها إن كان ( الزوج ) من الصادقين ( فيما رماها به من الزنا وتخصيص الغضب بالمرأة للتغليظ عليها لكونها أصل الفجور ومادته ولأن النساء يكثرن اللعن في العادة ومع استكثارهن منه لا يكون له في قلوبهن كبير موقع بخلاف الغضب
النور : ( 10 ) ولولا فضل الله . . . . .
) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( جواب لولا محذوف قال الزجاج المعنى ولولا فضل الله لنال الكاذب منهما عذاب عظيم ثم بين سبحانه كثير توبته على من تاب وعظيم حكمته البالغة فقال ) وأن الله تواب حكيم ( أى يعود على من تاب إليه ورجع عن معاصيه بالتوبة عليه والمغفرة له حكيم فيما شرع لعباده من اللعان وفرض عليهم من الحدود
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) إلا الذين تابوا ( قال تاب الله عليهم من الفسوق وأما الشهادة فلا تجوز وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبى بكرة إن تبت قبلت شهادتك وأخرج ابن مردويه عنه قال توبتهم إكذابهم أنفسهم فإن أكذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقى في سننه عن ابن عباس قال من تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل وفي الباب روايات عن التابعين وقصة قذف المغيرة في خلافة عمر مروية من طرق معروفة وأخرج البخارى والترمذى وابن ماجه عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بشريك بن سحماء فقال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) البينة وإلا حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل رسول الله صلى عليه وآله وسلم يقول البينة وإلا حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إنى لصادق ولينزلن الله ما يبرىء ظهرى من الحد ونزل جبريل فأنزل عليه ) والذين يرمون أزواجهم ( حتى بلغ ) إن كان من الصادقين ( فانصرف النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد والنبى ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الله يعلم أن أحدكما كاذب


"""""" صفحة رقم 11 """"""
فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا إنها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومى سائر اليوم فمضت فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لولا ما مضى من كتاب الله لكان لى ولها شأن وأخرج هذه القصة أبو داود الطيالسي وعبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس مطولة وأخرجها البخاري ومسلم وغيرهما ولم يسموا الرجل ولا المرأة وفي آخر القصة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له اذهب فلا سبيل لك عليها فقال يا رسول الله مالى قال لا مالك لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد قال جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال سل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع فسأل عاصم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فعاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المسائل فقال عويمر والله لآتين رسوا الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل عليه فدعا بهما فلاعن بينهما قال عويمر إن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها ففارقها قبل أن يأمره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فصارت سنة للمتلاعنين فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا فجاءت به مثل النعت المكروه وفي الباب أحاديث كثيرة وفيما ذكرنا كفاية وأخرج عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود قالوا لا يجتمع المتلاعنان أبدا
سورة النور ( 11 21 )


"""""" صفحة رقم 12 """"""
النور : ( 11 ) إن الذين جاؤوا . . . . .
خبر إن من قوله ) إن الذين جاؤوا بالإفك ( هو عصبة و منكم صفة لعصبة وقيل هو ) لا تحسبوه شرا لكم ( ويكون عصبة بدلا من فاعل جاءوا قال ابن عطية وهذا أنسق في المعنى وأكثر فائدة من أن يكون الخبر عصبة وجملة لا تحسبوه وإن كانت طلبية فجعلها خبرا يصح بتقدير كما في نظائر ذلك والإفك أسوأ الكذب وأقبحه وهو مأخوذ من أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه فالإفك هو حديث المقلوب وقيل هو البهتان وأجمع المسلمون على أن المراد بما في الآية ما وقع من الإفك على عائشة أم المؤمنين وإنما وصفه الله بأنه إفك لأن المعروف من حالها رضى الله عنها خلاف ذلك قال الواحدي ومعنى القلب في هذا الحديث الذي جاء به أولئك النفر أن عائشة رضي الله عنها كانت تستحق الثناء بما كانت عليه من الحصانة وشرف النسب والسبب لا القذف فالذين رموها بالسوء قلبوا الأمر عن وجهه فهو إفك قبيح وكذب ظاهر والعصبة هم الجماعة من العشرة إلى الأربعين والمراد بهم هنا عبد الله بن أبي رأس المنافقين وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم وقيل العصبة من الثلاثة إلى العشرة وقيل من عشرة إلى خمسة عشر وأصلها في اللغة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض وجملة ) لا تحسبوه شرا لكم ( إن كانت خبرا لإن فظاهر وإن كان الخبر عصبة كما تقدم فهي مستأنفة خوطب بها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعائشة وصفوان بن المعطل الذى قذف مع أم المؤمنين وتسلية لهم والشر مازاد ضره على نفعه والخير ما زاد نفعه على ضره وأما الخير الذي لا 2 شر فيه فهو الجنة والشر الذي لا خير فيه فهو النار ووجه كونه خيرا لهم أنه يحصل لهم به الثواب العظيم مع بيان براءة أم المؤمنين وصيرورة قصتها هذه شرعا عاما ) لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ( أى بسبب تكلمه بالإفك ) والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ( قرأ الحسن والزهري وأبو رجاء وحميد الأعرج ويعقوب وابن أبى علية ومجاهد وعمرة بنت عبد الرحمن بضم الكاف قال الفراء وهو وجه جيد لأن العرب تقول فلان تولى عظيم كذا وكذا أى أكبره وقرأ الباقون بكسرها قيل هما لغتان وقيل هو بالضم معظم الإفك وبالكسر البداءة به وقيل هو بالكسر الإثم فالمعنى إن الذى تولى معظم الإفك من العصبة له عذاب عظيم في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما
واختلف في هذا الذي تولى كبره من عصبة الإفك من هو منهم فقيل هو عبدالله بن أبي وقيل هو حسان والأول هو الصحيح وقد روى محمد بن إسحاق وغيره أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جلد في الإفك رجلين وامرأة وهم مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وقيل جلد عبد الله بن أبي وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ولم يجلد مسطحا لأنه لم يصرح بالقذف ولكن كان يسمع ويشيع من غير تصريح وقيل لم يجلد أحدا منهم قال القرطبي المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذين حدوا حسان ومسطح وحمنة ولم يسمع بحد لعبد الله بن أبي ويؤيد هذا ما في سنن أبى داود عن عائشة قالت لما نزل عذرى قام


"""""" صفحة رقم 13 """"""
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم وسماهم حسان ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش
واختلفوا في وجه تركه ( صلى الله عليه وسلم ) لجلد عبد الله بن أبى فقيل لتوفير العذاب العظيم له في الآخرة وحد من عداه ليكون ذلك تكفيرا لذنبهم كما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الحدود أنه قال إنها كفارة لمن أقيمت عليه وقيل ترك حده تألفا لقومه واحتراما لابنه فإنه كان من صالحى المؤمنين وإطفاء لنائرة الفتنة فقد كانت ظهرت مباديها من سعد بن عبادة ومن معه كما في صحيح مسلم
النور : ( 12 ) لولا إذ سمعتموه . . . . .
ثم صرف سبحانه الخطاب عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه إلى المؤمنين بطريق الالتفات فقال لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا لولا هذه هي التحضيضية تأكيدا للتوبيخ والتقريع ومبالغة في معاتبتهم أي كان ينبغي للمؤمنين حين سمعوا مقالة أهل الإفك أن يقيسوا ذلك على أنفسهم فإن كان ذلك يبعد فيهم فهو في أم المؤمنين أبعد قال الحسن معنى بأنفسهم بأهل دينهم لأن المؤمنين كنفس واحدة ألا ترى إلى قوله ولا تقتلوا أنفسكم قال الزجاج ولذلك يقال للقوم الذين يقتل بعضهم بعضا إنهم يقتلون أنفسهم قال المبرد ومثله قوله سبحانه ) فاقتلوا أنفسكم ( قال النحاس بأنفسهم بإخوانهم فأوجب الله سبحانه على المسلمين إذا سمعوا رجلا يقذف أحدا ويذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه قال العلماء إن في الآية دليلا على أن درجة الإيمان والعفاف لا يزيلها الخبر المحتمل وإن شاع ) وقالوا هذا إفك مبين ( أى قال المؤمنون عند سماع الإفك هذا إفك ظاهر مكشوف
النور : ( 13 ) لولا جاؤوا عليه . . . . .
وجملة ) لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء ( من تمام ما يقوله المؤمنون أى وقالوا هلا جاء الخائضون بأربعة شهداء يشهدون على ما قالوا ) فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك ( أى الخائض ونفي الإفك ) عند الله هم الكاذبون ( أى فى حكم الله تعالى هم الكاذبون الكاملون في الكذب
النور : ( 14 ) ولولا فضل الله . . . . .
) ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة ( هذا خطاب للسامعين وفيه زجر عظيم ولولا هذه هي لامتناع الشيء لوجود غيره ) لمسكم فيما أفضتم فيه ( أى بسبب ما خضتم فيه من حديث الإفك يقال أفاض في الحديث واندفع وخاض والمعنى لولا أنى قضيت عليكم بالفضل في الدنيا بالنعم التي من جملتها الإمهال والرحمة في الآخرة بالعفو لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك وقيل المعنى لولا فضل الله عليكم لمسكم العذاب في الدنيا والآخرة معا ولكن برحمته ستر عليكم في الدنيا ويرحم والآخرة من أتاه تائبا
النور : ( 15 ) إذ تلقونه بألسنتكم . . . . .
) إذ تلقونه بألسنتكم ( الظرف منصوب بمسكم أو بأفضتم قرأ الجمهور إذ تلقونه من التلقى والأصل تتلقونه فحذف إحدى التاءين قال مقاتل ومجاهد المعنى يرويه بعضكم عن بعض قال الكلبي وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا ويتلقونه تلقيا قال الزجاج معناه يلقيه بعضكم إلى بعض وقرأ محمد بن السميفع بضم التاء وسكون اللام وضم القاف من الإلقاء ومعنى هذه القراءة واضح وقرأ أبي مسعود تتلقونه من التلقي وهي كقراءة الجمهور وقرأ ابن عباس وعائشة وعيسى بن عمر ويحيى بن يعمر وزيد بن علي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف وهذه القراءة مأخوذة من قول العرب ولق يلق ولقا إذا كذب قال ابن سيده جاءوا بالمتعدى شاهدا على غير المتعدى قال ابن عطية وعندى أنه أراد يلقون فيه فحذف حرف الجر فاتصل الضمير قال الخليل وأبو عمرو أصل الولق الإسراع يقال جاءت الإبل تلق أى تسرع ومنه قول الشاعر لما رأوا جيشا عليهم قد طرق
جاءوا بأسراب من الشام ولق
وقال الآخر جاءت به عيسى من الشام تلق
قال أبو البقاء أي يسرعون فيه قال ابن جرير


"""""" صفحة رقم 14 """"""
وهذه اللفظة أى تلقونه على القراءة الأخيرة مأخوذة من الولق وهو الإسراع بالشيء بعد الشيء كعدد في إثر عدد وكلام في إثر كلام وقرأ زيد بن أسلم وأبو جعفر تألقونه بفتح التاء وهمزة ساكنة ولام مكسورة وقاف مضمومة من الألق وهو الكذب وقرأ يعقوب تيلقونه بكسر التاء من فوق بعدها ياء تحتية ساكنة ولام مفتوحة وقاف مضمومة وهو مضارع ولق بكسر اللام ومعنى ) وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ( أن قولهم هذا مختص بالأفواه من غير أن يكون واقعا في الخارج معتقدا في القلوب وقيل إن ذكر الأفواه للتأكيد كما في قوله يطير بجناحيه ونحوه والضمير في تحسبونه راجع إلى الحديث الذي وقع الخوض فيه والإذاعة له ) وتحسبونه هينا ( أي شيئا يسيرا لا يلحقكم فيه إثم وجملة ) وهو عند الله عظيم ( في محل نصب على الحال أى عظيم ذنبه وعقابه
النور : ( 16 ) ولولا إذ سمعتموه . . . . .
) ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ( هذا عتاب لجميع المؤمنين أي هلا إذ سمعتم حديث الإفك قلتم تكذيبا للخائضين فيه المفترين له ما ينبغي لنا ولا يمكننا أن نتكلم بهذا الحديث ولا يصدر ذلك منا بوجه من الوجوه ومعنى قوله ) سبحانك هذا بهتان عظيم ( التعجب من أولئك الذين جاءوا بالإفك وأصله التنزيه لله سبحانه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه والبهتان هو أن يقال في الإنسان ما ليس فيه أى هذا كذب عظيم لكونه قيل في أم المؤمنين رضي الله عنها وصدوره مستحيل شرعا من مثلها
النور : ( 17 ) يعظكم الله أن . . . . .
ثم وعظ سبحانه الذين خاضوا في الإفك فقال ) يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ( أى ينصحكم الله أو يحرم عليكم أو ينهاكم كراهة أن تعودوا أو من أن تعودوا لمثل هذا القذف مدة حياتكم إن كنتم مؤمنين فإن الإيمان يقتضى عدم الوقوع في مثله مادمتم وفيه تهييج عظيم وتقريع بالغ
النور : ( 18 ) ويبين الله لكم . . . . .
) ويبين الله لكم الآيات ( في الأمر والنهى لتعملوا بذلك وتتأدبوا بآداب الله وتنزجروا عن الوقوع في محارمه والله عليم بما تبدونه وتخفونه حكيم في تدبيراته لخلقه
النور : ( 19 ) إن الذين يحبون . . . . .
ثم هدد سبحانه القاذفين ومن أراد أن يتسامع الناس بعيوب المؤمنين وذنوبهم فقال ) إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ( أي يحبون أن تفشو الفاحشة وتنتشر ومن قولهم شاع الشىء يشيع شيوعا وشيعا وشيعانا إذا ظهر وانتشر والمراد بالذين آمنوا المحصنون العفيفون أو كل من اتصف بصفة الإيمان والفاحشة هي فاحشة الزنا أو القول السىء ) لهم عذاب أليم في الدنيا ( بإقامة الحد عليهم والاخرة بعذاب النار والله يعلم جميع المعلومات وأنتم لا تعلمون إلا ما علمكم به وكشفه لكم ومن جملة ما يعلمه الله عظم ذنب القذف وعقوبة فاعله
النور : ( 20 ) ولولا فضل الله . . . . .
) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( هو تكرير لما تقدم تذكيرا للمنة منه سبحانه على عبادة بترك المعاجلة لهم ) وأن الله رؤوف رحيم ( ومن رأفته بعباده لا يعاجلهم بذنوبهم ومن رحمته لهم أن يتقدم إليهم بمثل هذا الإعذار والإنذار وجملة ) فإن الله غفور رحيم ( معطوفة على فضل الله وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه أى لعاجلكم بالعقوبة
النور : ( 21 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ( الخطوات جمع خطوة وهي ما بين القدمين والخطوة بالفتح المصدر أى لا تتبعوا مسالك الشيطان ومذاهبه ولا تسلكوا طرائقه التي يدعوكم إليها قرأ الجمهور خطوات بضم الخاء والطاء وقرأ عاغصم والأعمش بضم الخاء وإسكان الطاء ) ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ( قيل جزاء الشرط محذوف أقيم مقامه ما هو علة له كأنه قيل فقد ارتكب الفحشاء والمنكر لأن دأبه أن يستمر آمرا لغيره بهما والفحشاء ما أفرط قبحه والمنكر ما ينكره الشرع وضمير إنه للشيطان وقيل للشأن والأولى أن يكون عائدا إلى من يتبع خطوات الشيطان لأن من اتبع الشيطان صار مقتديا في الأمر بالفحشاء والمنكر ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته ( قد تقدم بيانه وجواب لولا هو قوله ) ما زكا منكم من أحد أبدا ( أى لولا التفضل والرحمة من الله ما طهر أحد منكم نفسه من دنسها ما دام حيا قرأ الجمهور زكى بالتخفيف


"""""" صفحة رقم 15 """"""
وقرأ الأعمش وابن محيصن وأبو جعفر بالتشديد أى ما طهره الله وقال مقاتل أى ما صلح والأولى تفسير زكى بالتطهر والتطهير وهو الذي ذكره ابن قتيبة قال الكسائي إن قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ( معترض وقوله ) ما زكا منكم من أحد أبدا ( جواب لقوله أولا وثانيا ولولا فضل الله وقراءة التخفيف أرجح لقوله ) ولكن الله يزكي من يشاء ( أى من عباده بالتفضل عليهم والرحمة لهم والله سميع لما يقولونه عليم بجميع المعلومات وفيه حث بالغ على الإخلاص وتهييج عظيم لعباده التائبين ووعيد شديد لمن يتبع الشيطان ويحب أن تشيع الفاحشة في عباد الله المؤمنين ولا يزجر نفسه بزواجر الله سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم حديث عائشة الطويل في سبب نزول هذه الايات بألفاظ متعددة وطرق مختلفة حاصله أن سبب النزول هو ما وقع من أهل الإفك الذين تقدم ذكرهم في شأن عائشة رضى الله عنها وذلك أنها خرجت من هودجها تلتمس عقدا لها انقطع من جزع فرحلوا وهم يظنون أنها في هودجها فرجعت وقد ارتحل الجيش والهودج معهم فأقامت في ذلك المكان ومر بها صفوان بن المعطل وكان متأخرا عن الجيش فأناخ راحلته وحملها عليها فلما رأى ذلك أهل الإفك قالوا ما قالوا فبرأها الله مما قالوه هذا حاصل القصة مع طولها وتشعب أطرافها فلا نطول بذكر ذلك وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأهل السنن الأربع وابن المنذر وابن مردويه والبيهقى في الدلائل عن عائشة قالت لما نزل عذري قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم قال الترمذي هذا حديث حسن ووقع عند أبي داود تسميتهم حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال الذين افتروا على عائشة عبد الله بن أبي سلول ومسطح وحسان وحمنة بنت جحش وأخرج البخاري وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الزهرى قال كنت عند الوليد بن عبد الملك فقال الذي تولى كبره منهم على فقلت لا حدثني سعيد بن المسيب وعروة ابن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبد الله بن عتبة بن مسعود كلهم سمع عائشة تقول الذي تولى كبره منهم عبدالله بن أبي قال فقال لي فما كان جرمه قلت حدثني شيخان من قومك أبو سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنهما سمعا عائشة تقول كان مسيئا في أمرى وقال يعقوب بن شيبة في مسنده حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا الشافعي حدثنا عمى قال دخل سليمان ابن يسار على هشام بن عبد الملك فقال له يا سليمان الذي تولى كبره من هو قال عبد الله بن أبى قال كذبت هو على قال أمير المؤمنين أعلم بما يقول فدخل الزهرى فقال يا ابن شهاب من الذي تولى كبره فقال ابن أبى قال كذبت هو علي قال أنا أكذب لا أبالك والله لو نادى مناد من السماء أن الله قد أحل الكذب ما كذبت حدثنى عروة وسعيد وعبد الله وعلقمة عن عائشة أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبى وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن مسروق قال دخل حسان بن ثابت على عائشة فشبب وقال
حصان رزان ماتزن بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
قالت لكنك لست كذلك قلت تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله ) والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ( فقالت وأى عذاب أشد من العمى وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن بعض الأنصار أن امرأة أبى أيوب قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة قال بلى وذلك الكذب أكنت أنت فاعلة ذلك يا أم أيوب قالت لا والله قال


"""""" صفحة رقم 16 """"""
فعائشة والله خير منك وأطيب إنما هذا كذب وإفك باطل فلما نزل القرآن ذكر الله من قال من الفاحشة ما قال من أهل الإفك ثم قال ) لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين ( أى كما قال أبو أيوب وصاحبته وأخرج الواقدى والحاكم وابن عساكر عن أفلح مولى أبى أيوب أن أم أيوب فذكر نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس ) يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ( قال يحرج الله عليكم وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب قال القائل الفاحشة والذي شيع بها في الإثم سواء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله ) ما زكا منكم من أحد أبدا ( قال ما اهتدى أحد من الخلائق لشيء من الخير
سورة النور ( 22 26 )
النور : ( 22 ) ولا يأتل أولوا . . . . .
قوله ) ولا يأتل ( أى يحلف وزنه يفتعل من الألية وهي اليمين ومنه قول الشاعر
تألى ابن أوس حلفة ليردني
إلى نسوة كأنهن مفايد
وقول الآخر قليل الألايا حافظ ليمينه
وإن بدرت منه الألية برت
يقال ائتلى يأتلي إذا حلف ومنه قوله سبحانه ) للذين يؤلون من نسائهم ( وقالت فرقة هو من ألوت في كذا إذا قصرت ومنه لم آل جهدا أي لم أقصر وكذا منه قوله ) لا يألونكم خبالا ( ومنه قول الشاعر
وما المرء مادامت حشاشة نفسه
بمدرك أطراف الخطوب ولا آل
والأول أولى بدليل سبب النزول وهو ما سيأتي والمراد بالفضل الغنى والسعة في المال ) أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ( أى على أن لا يؤتوا قال الزجاج أن لايؤتوا فحذف لا ومنه قول الشاعر
فقلت يمين الله أبرح قاعدا
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
وقال أبو عبيدة لا حاجة إلى إضمار لا والمعنى لا يحلفوا على أن لايحسنوا إلى المستحقين للإحسان الجامعين لتلك الأوصاف وعلى والوجه الآخر يكون المعنى لايقصروا في أن يحسنوا إليهم وإن كانت بينهم شحناء لذنب اقترحونه وقرأ أبو حيوة ? إن تؤتوا ? بتاء الخطاب على الالتفات ثم علمهم سبحانه أدبا آخر فقال


"""""" صفحة رقم 17 """"""
) وليعفوا ( عن ذنبهم الذى أذنبوه عليهم وجنايتهم التي اقترفوها من عفا الربع أى درس والمراد محو الذئب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع ) وليصفحوا ( بالإغضاء عن الجانى والإغماض عن جنايته وقريء بالفوقية في الفعلين جميعا ثم ذكر سبحانه ترغييا عظما لمن عفا وصفح فقال ) ألا تحبون أن يغفر الله لكم ( بسبب عفوكم وصفحكم عن الفاعلين للإساءة عليكم ) والله غفور رحيم ( أى كثير المغفرة والرحمة لعباده مع كثرة ذنوبهم فكيف لا يقتدى العباد بربهم في العفو والصفح عن المسيئين إليهم
النور : ( 23 ) إن الذين يرمون . . . . .
) إن الذين يرمون المحصنات ( قد مر تفسير المحصنات وذكرنا الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حد القذف
وقد اختلف في هذه الآية هل هي خاصة أو عامة فقال سعيد بن جبير هي خاصة فيمن رمى عائشة رضى الله عنها وقال مقاتل هي خاصة بعبد الله بن أبى رأس المنافقين وقال الضحاك والكلبي هذه الآية هي في عائشة وسائر أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دون سائر المؤمنين والمؤمنات فمن قذف إحدى أزواج النبي صلى الله عليه وآله سلم فهو من أهل هذه الآية قال الضحاك ومن أحكام هذه الآية أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه ( صلى الله عليه وسلم ) ومن قذف غيرهن فقد جعل الله له التوبة كما تقدم في قوله ) إلا الذين تابوا ( وقيل إن هذه الآية خاصة بمن أصر على القذف ولم يتب وقيل إنها تعم كل قاذف ومقذوف من المحصنات والمحصنين واختاره النحاس وهو الموافق لم قرره أهل الأصول من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقيل إنها خاصة بمشركي مكة لأنهم كانوا يقولون للمرأة إذا خرجت مهاجرة إنما خرجت خرجت لتفجر قال أهل العلم إن كان المراد بهذه الاية المؤمنون من القذفة فالمراد باللعنة الإبعاد وضرب الحد وهجر سائر المؤمنين لهم وزوالهم عن رتبة العدالة والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين وإن كان المراد بها من قذف عائشة خاصة كانت هذه الأمور في جانب عبد الله بن أبى رأس المنافقين وإن كانت في مشركي مكة فإنهم ملعونون ) في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم ( والمراد بالغافلات اللاتي غفلن عن الفاحشة بحيث لا تخطر ببالهن ولا يفطن لها وفى ذلك من الدلالة على كمال النزاهة وطهارة الجيب مالم يكن في المحصنات وقيل هن السليمات الصدور النقيات القلوب
النور : ( 24 ) يوم تشهد عليهم . . . . .
) يوم تشهد عليهم ألسنتهم ( هذه الجملة مقررة لما قبلها مبينة لوقت حلول ذلك العذاب بهم وتعيين اليوم لزيادة التهويل بما فيه من العذاب الذي لا يحيط به وصف وقرأ الجمهور يوم تشهد بالفوقية واختار هذه القراءة أبو حاتم وقراء الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف بالتحتية وأختار هذه القراءة أبو عبيد لأن الجار والمجرور قد حال بين الاسم والفعل والمعنى تشهد ألسنة بعضهم على بعض في ذلك اليوم وقيل تشهد عليهم ألسنتهم في ذلك اليوم بما تكلموا به ) وأيديهم وأرجلهم ( بما عملوا بها في الدنيا وإن الله سبحانه ينطقها بالشهادة عليهم والمشهود محذوف وهو ذنوبهم التي اقترفوها أى تشهد هذه عليهم بذنوبهم التي اقترفوها ومعاصيهم التي عملوها
النور : ( 25 ) يومئذ يوفيهم الله . . . . .
) يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ( أي يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم القبيحة يعطيهم الله جزاءهم عليها موفرا فالمراد بالدين هاهنا الجزاء وبالحق الثابت الذى لا شك في ثبوته قرأ زيد بن على ) يوفيهم ( مخففا من أوفى وقرأ من عداه بالتشديد من وفى وقرأ أبو حيوة ومجاهد الحق بالرفع على أنه نعت لله وروى ذلك عن ابن مسعود وقرأ الباقون بالنصب على أنه نعت لدينهم قال أبو عبيدة ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع ليكون نعتا لله عز وجل ولتكون موافقة لقراءة أبى وذلك أن جرير ابن حازم قال رأيت في مصحف أبى ? يوفيهم الله الحق دينهم ? قال النحاس وهذا الكلام من أبى عبيدة غير مرضى لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم ولا حجة أيضا فيه لأنه لو صح أنه في مصحف أبى كذلك جاز أن يكون دينهم


"""""" صفحة رقم 18 """"""
بدلا من الحق ) ويعلمون أن الله هو الحق المبين ( أى ويعلمون عند معاينتهم لذلك ووقوعه على ما نطق به الكتاب العزيز أن الله هو الحق الثابت في ذاته وصفاته وأفعاله المبين المظهر للأشياء كما هي في أنفسها وإنما سمى سبحانه الحق لأن عبادته هي الحق دون عبادة غيره وقيل سمى بالحق أى الموجود لأن نقيضه الباطل وهو المعدوم
النور : ( 26 ) الخبيثات للخبيثين والخبيثون . . . . .
ثم ختم سبحانه الآيات الواردة في أهل الإفك بكلمة جامعة فقال ) الخبيثات للخبيثين ( أى الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال أى مختصة بهم لا تتجاوزهم وكذا الخبيثون مختصون بالخبيثات لا يتجاوزونهن وهكذا قوله ) والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ( قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وأكثر المفسرين المعنى الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات قال النحاس وهذا أحسن ما قيل قال الزجاج ومعناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء وهذا ذم للذين قذفوا عائشة بالخبث ومدح للذين برءوها وقيل إن هذه الآية مبنية على قوله ) الزاني لا ينكح إلا زانية ( فالخبيثات الزواني والطيبات العفائف وكذا الخبيثون والطيبون والإشارة بقوله ) أولئك مبرؤون مما يقولون ( إلى الطيبين والطيبات أى هم مبرءون مما يقوله الخبيثون والخبيثات وقيل الإشارة إلى أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعائشة وصفوان بن المعطل وقيل عائشة وصفوان فقط قال الفراء وجمع كما قال فإن كان له إخوة والمراد إخوان ) لهم مغفرة ( أى هؤلاء المبرءون لهم مغفرة عظيمة لما لا يخلو عنه البشر من الذنوب ) ورزق كريم ( وهو رزق الجنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ولا يأتل الآية يقول لايقسموا أن لاينفعوا أحدا وأخرج ابن المنذر عن عائشة قالت كان مسطح بن أثاثة ممن تولى كبره من أهل الإفك وكان قريبا لأبى بكر وكان في عياله فحلف أبو بكر أن لا ينيله خيرا أبدا فأنزل الله ) ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة ( الاية قالت فأعاده أبو بكر إلى عياله وقال لا أحلف علي يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا تحللتها وأتيت الذي هو خير وقد روى هذا من طرق عن جماعة من التابعين وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في الاية قال كان ناس من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قدرموا عائشة بالقبيح وأفشوا ذلك وتكلموا فيها فأقسم ناس من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهم أبو بكر ان لايتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا ولايصلوه فقال لايقسم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم وأن يعطوهم من أموالهم كالذي كان يفعلون قبل ذلك فأمر الله أن يغفر لهم وأن يعفى عنهم وأخرج ابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عنه في قوله ) إن الذين يرمون المحصنات ( الآية قال نزلت في عائشة خاصة وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني وابن مردويه عنه أيضا في الآية قال هذه في عائشة وأزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يجعل بمن يجعل لمن فعل ذلك توبة وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) التوبة ثم قرأ ) والذين يرمون المحصنات ( إلى قوله ) إلا الذين تابوا ( وأخرج أبو يعلى وابن أبى حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبى سعيد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقال هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقال أهلك وعشيرتك فيقول كذبوا فيقال احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم الله وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم ثم يدخلهم النار وقد روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من طريق جماهة من الصحابة ما يتضمن شهادة


"""""" صفحة رقم 19 """"""
الجوارح على العصاة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله سبحانه ) يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ( قال حسابهم وكل شيء في القرآن الدين فهو الحساب وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن حكيم عن أبيه عن جده زن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ يومئذ يوفيهم الله الحق دينهم وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله الخبيثات قال من الكلام للخبيثين قال من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلام والطيبات من الكلام للطيبين من الناس والطيبون من الناس للطيبات من الكلام نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما قالوا من البهتان وأخرج عبد الزراق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير والطبرانى عن قتادة نحوه أيضا وكذا روى عن جماعة من التابعين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبرانى عن ابن زيد في الآية قال نزلت في عائشة حين رماها المنافقون بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك وكان عبد الله بن أبى هو الخبيث فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثة ويكون لها وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) طيبا فكان أولى أن تكون له الطيبة وكانت عائشة الطيبة وكانت أولى بأن يكون لها الطيب وفي قوله ) أولئك مبرؤون مما يقولون ( قال هاهنا برئت عائشة وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت لقد نزل عذري من السماء ولقد خلقت طيبه وعند طيب ولقد وعدت مغفرة وأجرا عظيما
سورة النور ( 27 29 )
النور : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر الزجر عن الزنا والقذف شرع في ذكر الزجر عن دخول البيوت استئذان لما في ذلك من مخالطة الرجال بالنساء فربما يؤدي إلى أحد الأمرين المذكورين وأيضا إن الإنسان يكون في بيته ومكان خلوته على حالة قد لا يحب أن يراه عليها غيره فنهى الله سبحانه عن دخول بيوت الغير إلى غاية هي قوله ) حتى تستأنسوا ( والاستئناس الاستعلام والاستخبار أي حتى تستعلموا من في البيت والمعنى حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم فإذا علمتم ذلك دخلتم ومنه قوله ) فإن آنستم منهم رشدا ( أي علمتم قال الخليل الاستئناس الاستكشاف من أنس الشيء إذا أبصره كقوله ) إني آنست نارا ( أى أبصرت وقال ابن جرير إنه بمعنى وتؤنسوا أنفسكم قال ابن عطية وتصريف الفعل يأبى أن يكون من أنس ومعنى كلام ابن جرير هذا أنه من الاستئناس الذي هو خلاف الاستيحاش لأن الذي يطرق باب غيره لايدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش حتى يؤذن له فإذا أذن له استأنس فنهى سبحانه عن دخول تلك البيوت حتى يؤذن للداخل وقيل هو من الإنس وهو أن يتعرف هل ثم إنسان أم لا وقيل معنى الاستئناس الاستئذان أي لاتدخلوها حتى تستأذنوا قال الواحدي قال جماعة المفسرين حتى تسأذنوا ويؤيده ما حكاه


"""""" صفحة رقم 20 """"""
القرطبي عن ابن عباس وأبى وسعيد بن جبير أنهم قرءوا حتى تستأذنوا قال مالك فيما حكاه عنه ابن وهب الاستئناس فيما يرى والله أعلم الاستئذان وقوله ) وتسلموا على أهلها ( قد بينه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما سيأتي بأن يقول السلام عليكم أدخل مرة أو ثلاثا كما سيأتي
واختلفوا هل يقدم الاستئذان على السلام أو العكس فقيل يقدم الاستئذان فيقول أدخل سلام عليكم لتقديم الاستئناس في الآية على السلام وقال الأكثرون إنه يقدم السلام على الاستئذان فيقول السلام عليكم أدخل وهو الحق لأن البيان منه ( صلى الله عليه وسلم ) للآية كان هكذا وقيل إن وقع بصره على إنسان قدم السلام وإلا قدم الاستئذان ) ذلكم خير لكم ( الإشارة إلى الاستئناس والتسليم أى دخولكم مع الاستئذان والسلام خير لكم من الدخول بغتة ) لعلكم تذكرون ( أن الاستئذان خير لكم وهذه الجملة متعلقة بمقدر أى أمرتم بالإستئذان والمراد بالتذكر الاتعاظ والعمل بما أمروا به
النور : ( 28 ) فإن لم تجدوا . . . . .
) فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ( أى فإن تجدوا في البيوت التي لغيركم أحدا ممن يستأذن عليه فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم بدخولها من جهة من يملك الإذن وحكى ابن جرير عن مجاهد أنه قال معنى الآية فإن لم تجدوا فيها أحدا أى لم يكن لكم فيها متاع وضعفه وهو حقيق بالضعف فإن المراد بالأحد المذكور وأهل البيوت الذين يأذنون للغير بدخولها لامتاع الداخلين إليها ) وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ( أى إن قال لكم أهل البيت ارجعوا فارجعوا ولا تعاودوهم بالاستئذان مرة أخرى ولا تنتظروا بعد ذلك أن يأذنوا لكم بعد أمرهم لكم بالرجوع ثم بين سبحانه أن الرجوع أفضل من الإلحاح وتكرار الاستئذان والقعود على الباب فقال ) هو أزكى لكم ( أي أفضل وأطهر من التدنيس بالمشاحة على الدخول لما في ذلك من سلامة الصدر والبعد من الريبة والفرار من الدناءة ) والله بما تعملون عليم ( لا تخفى عليه من أعمالكم خافية
النور : ( 29 ) ليس عليكم جناح . . . . .
) ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم ( أى لا جناح عليكم في الدخول بغير استئذان إلى البيوت التي ليست بمسكونة
وقد اختلف الناس في المراد بهذه البيوت فقال محمد بن الحنفية وقتادة ومجاهد هى الفنادق التي في الطرق السابلة الموضوعة لابن السبيل يأوي إليها وقال ابن زيد والشعبي هي حوانيت القيساريات قال الشعبي لأنهم جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس هلم وقال عطاء المراد بها الخرب التي يدخلها الناس للبول والغائط ففي هذا أيضا متاع وقيل هي بيوت مكة روى ذلك عن محمد ابن الحنفية أيضا وهو موافق لقول من قال إن الناس شركاء فيها ولكن قد قيد سبحانه هذه البيوت المذكورة هنا بأنها غير مسكونة والمتاع المنفعة عند أهل اللغة فيكون معنى الآية فيها منفعة لكم ومنه قوله ) ومتعوهن ( وقولهم أمتع الله بك وقد فسر الشعبي المتاع في كلامه المتقدم بالأعيان التي تباع قال جابر بن زيد وليس المراد بالمتاع الجهاز ولكن ماسواه من الحاجة قال النحاس وهو حسن موافق للغة ) والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ( أي ما تظهرون وما تخفون وفيه وعيد لمن لم يتأدب بآداب الله في دخول بيوت الغير
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الفريابي وابن جرير من طريق عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال قالت امرأة يا رسول الله إني أكون في بيتى على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد ولد ولا والد فيأتيني الأب فيدخل على فكيف أصنع ولفط ابن جرير وإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلى وأنا على تلك الحالة فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ( الآية وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن


"""""" صفحة رقم 21 """"""
أبى حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن منده في غرائب شعبة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى في الشعب والضياء في المختارة من طرق عن ابن عباس في قوله ) حتى تستأنسوا ( قال أخطأ الكاتب حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقى عن إبراهيم النخعي قال في مصحف عبد الله ? حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا ? وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال الاستئناس الاستئذان وأخرج ابن أبى شيبة والحكيم الترمذي والطبراني وابن مردويه وابن أبى حاتم عن أبى أيوب قال قلت يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى ) حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ( هذا التسليم قد عرفناه فما الاستئناس قال يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت قال ابن كثير هذا حديث غريب وأخرج الطبراني عن أبى زيوب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الاستئناس أن يدعو الخادم حتى يستأنس أهل البيت الذين يسلم عليهم وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري في الآدب وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي في الشعب من طريق كلدة أن صفوان بن أميه بعثه في الفتح بلباء وسلم بأعلى الوادي قال فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ارجع فقل السلام عليكم أأدخل قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد والبخارى في الأدب وأبو داود والبيهقى في السنن من طريق ربعي قال حدثنا رجل من بنى عامر استأذن على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في بيت فقال أألج فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لخادمه أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له قل السلام عليكم أأدخل وأخرج ابن جرير عن عمر بن سعيد الثقفي نحوه مرفوعا ولكنه قال إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأمة له يقال لها روضة قومى إلى هذا فعلميه وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى سعيد الخدرى قال كنت جالسا في مجلس من مجالس الأنصار فجاء أبو موسى فزعا فقلنا له ما أفزعك قال أمرني عمر أن آتيه فأتيته فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فقال ما منعك أن تأتيني فقلت قد جئت فأستاذنت ثلاثا فلم يؤذن لي وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا استأذن أحدكم ثلاثا يؤذن له فليرجع قال لتأتيني على هذا بالبينة فقالوا لا يقوم إلا أصغر القوم فقام أبو سعيد معه ليشهد له فقال عمر لأبي موسى إني لم أتهمك ولكن الحديث عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم شديد وفي الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن سعد قال اطلع رجل من جحر في حجرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومعه مدرى يحك بها رأسه قال لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر وفي لفظ إنما جعل الإذن من أجل البصر وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن مردويه عن أنس قال قال رجل من المهاجرين لقد طلبت عمرى كله في هذه الآية فما أدركتها أن آستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا مغتبط لقوله وإن قيل لكم راجعوا فارجعوا هو أزكى لكم وأخرج البخارى في الأدب وأبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير عن ابن عباس قال ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ( فنسخ واستثنى من ذلك فقال ) ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم (


"""""" صفحة رقم 22 """"""
سورة النور ( 30 31 )
النور : ( 30 ) قل للمؤمنين يغضوا . . . . .
لما ذكر سبحانه حكم الاستئذان أتبعه بذكر حكم النظر على العموم فيندرج تحته غض البصر من المستأذن كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) إنما جعل الإذن من أجل البصر وخص المؤمنين مع تحريمه على غيرهم لكون قطع ذرائع الزنا التي منها النظر هم أحق من غيرهم بها وأولى بذلك ممن سواهم وقيل إن في الآية دليلا على أن الكفار غير مخاطبين بالشرعيات كما يقوله بعض أهل العلم وفي الكلام حذف والتقدير ) قل للمؤمنين ( غضوا يغضوا ومعنى غض البصر إطباق الجفن على العين بحيث تمتنع الرؤية ومنه قول جرير فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وقول عنترة وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى تواري جارتي مأواها
ومن في قوله ) من أبصارهم ( هي التبعيضية وإليه ذهب الأكثرون وبينوه بأن المعنى غض البصر عما يحرم والاقتصار به على مايحل وقيل وجه التبعيض أنه يعض للناضر أول نظرة تقع من غير قصد وقال الأخفش إنها زائدة وأنكر ذلك سيبويه وقيل إنها لبيان الجنس قاله أبو البقاء واعترض عليه بأنه لم يتقدم مبهم يكون مفسرا بمن وقيل إنها لابتداء الغاية قاله ابن عطية وقيل الغض النقصان يقال غض فلان من فلان أى وضع منه فالبصر إذا لم يمكن من عمله فهو مغضوض منه ومنقوص فتكون من صلة للغض وليست لمعنى من تلك المعاني الأربعة وفي هذه الآية دليل على تحريم النظر إلى غير من يحل النظر إليه ومعنى ) ويحفظوا فروجهم ( أنه يجب عليهم حفظها عما يحرم عليهم وقيل المراد ستر فروجهم عن أن يراها من لاتحل له رؤيتها ولا مانع من إرادة العينين فالكل يدخل تحت حفظ الفرج قيل ووجه المجىء بمن في الأبصار دون الفروج أنه موسع في النظر فإنه لا يحرم منه إلا ما استثنى بخلاف حفظ الفرج فإنه مضيق فيه فإنه لا يحل منه إلا ما استثنى وقيل الوجه أن غض البصر كله كالمتعذر بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق والإشارة بقوله ذلك إلى ما ذكره من الغض والحفظ وهو مبتدأ وخبره أزكى لهم أي أظهر لهم من دنس الريبة وأطيب من التلبس بهذه الدنيئة ) إن الله خبير بما يصنعون ( لا يخفى عليه شيء من صنعهم وفي ذلك لمن لم يغض بصره ويحفظ فرجه
النور : ( 31 ) وقل للمؤمنات يغضضن . . . . .
) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ( خص سبحانه الإناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد لدخولهن تحت خطاب المؤمنين تغليبا كما في سائر الخطابات القرآنية وظهر التضعيف في يغضض ولم يظهر في يغضوا لأن لام الفعل من الأول متحركة ومن الثاني ساكنة وهما في موضع جزم جوابا للأمر وبدأ سبحانه بالغض


"""""" صفحة رقم 23 """"""
في الموضعين قبل حفظ الفرج لأن النظر وسيلة إلى عدم حفظ الفرج والوسيلة مقدمة على المتوسل إليه ومعنى يغضضن من أبصارهن كمعنى يغضوا من أبصارهم فيستدل به على تحريم نظر النساء إلى ما يحرم عليهن وكذلك يجب عليهن حفظ فروجهن على الوجه الذى تقدم في حفظ الرجال لفروجهم ) ولا يبدين زينتهن ( أى ما يتزين به من الحلية وغيرها وفي النهى عن إبداء الزينة نهى عن إبداء مواضعها من أبدانهن بالأولى ثم استثنى سبحانه من هذا النهى فقال ) إلا ما ظهر منها (
واختلف الناس في ظاهر الزينة ماهو فقال ابن مسعود وسعيد بن جبير ظاهر الزينة هو الثياب وزاد سعيد بن جبير الوجه وقال عطاء والأوزاعي الوجه والكفان وقال ابن عباس وقتادة والمسمور بن مخرمة ظاهر الزينة هو الكل والسواك والخضاب إلى نصف الساق ونحو ذلك فإنه يجوز للمرأة أن تبديه وقال ابن عطية إن المرأة لاتبدي شيئا من الزينة وتخفي كل شيء من زينتها ووقع الاستثناء فيما يظهر منها بحكم الضرورة ولا يخفى عليك أن ظاهر النظم القرآني النهى عن إبذاء الزينة إلا ما ظهر منها كاكجلبات والخمار ونحوهما مما على الكف والقدمين من الحلية ونحوها وإن كان المراد بالزينة مواضعها كان الاستثناء راجعا إلى ما يشق على المرأة ستره كالكفين والقدمين ونحو ذلك وهكذا إذا كان النهى عن إظهار الزينة يستلزم النهي عن إظهار مواضعها بفحوى الخطاب فإنه يحمل الاستثناء على ما ذكرناه في الموضعين وأما إذا كانت الزينة تشمل مواضع الزينة وما تتزين به النساء فالأمر واضح والاستثناء يكون من الجميع قال القرطبي في تفسيره الزينة على قسمين خلقية ومكتسبة فالخلقية وجهها فإنه أصل الزينة والزينة المكتسبة ماتحاوله المرأة في تحسين خلقها كالثياب والحلى والكحل والخضاب ومنه قوله تعالى ) خذوا زينتكم ( وقول الشاعر
يأخذن زينتهن أحسن ما ترى
وإذا عطلن فهن خير عواطل
) وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( قرأ الجمهور بإسكان اللام التي للأمر وقرأ أبو عمرو بكسرها على الأصل لأن أصل لام الأمر الكسر ورويت هذه القراءة عن ابن عباس والخمر جمع خمار وهو ما تغطى به المرأة رأسها ومنه اختمرت المرأة وتخمرت والجيوب جمع جيب وهو موضع القطع من الدرع والقميص مأخوذ من الجوب وهو القطع قال المفسرون إن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من خلفهن وكانت جيوبهن من قدام واسعة فكان تنكشف نحورهن وقلائدهن فأمرن أن يضربن مقانعهن على الجيوب لتستر بذلك ما كان يبدو وفي لفظ الضرب مبالغة في الألقاء الذي هو الإلصاق قرأ الجمهور ) بخمرهن ( بتحريك الميم وقرأ طلحة ابن مصرف بسكونها وقرأ الجمهور جيوبهن بضم الجيم وقرأ ابن كثير وبعض الكوفيين بكسرها وكثير من متقدمى النحويين لايجوزون هذه القراءة وقال الزجاج يجوز أن يبدل من الضمة كسرة فأما ما روى عن حمزة من الجمع بين الضم والكسر فمحال لايقدر أحد أن ينطق به إلا على الإيماء وقد فسر الجمهور الجيوب بما قدمنا وهو المعنى الحقيقي وقال مقاتل إن معنى على جيوبهن على صدورهن فيكون في الآية مضاف محذوف أى على مواضع جيوبهن ثم كرر سبحانه النهى عن إبداء الزينة لأجل ما سيذكره من الاستثناء فقال ) ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ( البعل هو الزوج والسيد في كلام العرب وقدم البعولة لأنهم المقصودون بالزينة ولأن كل بدن الزوجة والسرية حلال لهم ومثله قوله سبحانه ) والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ( ثم لما استثنى سبحانه الزوج أتبعه باستثناء ذوى المحارم فقال ) أو آبائهن أو آباء بعولتهن (


"""""" صفحة رقم 24 """"""
إلى قوله أو بني أخواتهن فجوز للنساء أن يبدين الزينة لهؤلاء لكثرة المخالطة وعدم خشية الفتنة لما في الطباع من النفرة عن القرائب وقد روى عن الحسن والحسين رضى الله عنهما أنهما كانا لا ينظران إلى أمهات المؤمنين ذهابا منهما إلى أن أبناء البعولة لم يذكروا في الآية التي في أزواج النبي صلي الله عليه وآله وسلم وهى قوله ) لا جناح عليهن في آبائهن ( والمراد بأبناء بعولتهن ذكور أولاد الأزواج ويدخل في قوله أو أبنائهن أولاد الأولاد وإن سفلوا وأولاد بناتهن وإن سفلوا وكذا آباء البعولة وآباء الآباء وآباء الأمهات وإن علوا وكذلك أبناء البعولة وإن سفلوا وكذلك أبناء الإخوة والأخوات وذهب الجمهور إلى أن العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر إلى ما يجوز لهم وليس في الآية ذكر الرضاع وهو كالنسب وقال الشعبي وعكرمة ليس العم والخال من المحارم ومعنى أو نسائهن هن المختصات بهن الملابسات لهن بالخدمة أو الصحبة ويدخل في ذلك الإماء ويخرج من ذلك نساء الكفار من أهل الذمة وغيرهم فلا يحل لهن أن يبدين زينتهن لهن لأنهن لا يتحرجن عن وصفهن للرجال وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات ) ما ملكت أيمانهن ( ظاهر الآية يشمل العبيد والإماء من غير فرق بين أن يكونوا مسلمين أو كافرين وبه قال جماعة من أهل العلم وإليه ذهبت عائشة وأم سلمة وابن عباس ومالك وقال سعيد بن المسيب لاتغرنكم هذه الآية ) أو ما ملكت أيمانهن ( إنما عني بها الإماء ولم يعن بها العبيد وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته وهو قول عطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين وروى عن ابن مسعود وبه قال أبو حنيفة وابن جريج ) أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ( قرأ الجمهور غير بالجر وقرأ أبو بكر وابن عامر بالنصب على الاستثناء وقيل على القطع والمراد بالتابعين هم الذين يتبعون القوم فيصيبون من طعامهم لاهمة لهم إلا ذلك ولا حاجة لهم في النساء قاله مجاهد وعكرمة والشعبي ومن الرجال في محل نصب على الحال وأصل الإربة والأرب والمأربة الحاجة والجمع مآرب أى حوائج ومنه قوله سبحانه ) ولي فيها مآرب أخرى ( ومنه قول طرفة
إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا
تقدم يوما ثم ضاعت مآربه
وقيل المراد بغير أولى الأربة من الرجال الحمقى الذين لا حاجة لهم في النساء وقيل البله وقيل العنين وقيل الخصى وقيل المخنث وقيل الشيخ الكبير ولا وجه لهذا التخصيص بل المراد بالآية ظاهرها وهم من يتبع أهل البيت ولا حاجة له في النساء ولا يحصل منه ذلك في حال من الأحوال فيدخل من هؤلاء من هو بهذه الصفة ويخرج من عداه ) أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ( الطفل يطلق على المفرد والمثنى والمجموع أو المراد به هنا الجنس الموضوع موضع الجمع بدلالة وصفة بوصف الجمع وفي مصحف أبى أو الأطفال على الجمع يقال للإنسان طفل ما لم يراهق الحلم ومعنى لم يظهروا لم يطلعوا من الظهور بمعنى الاطلاع قاله ابن قتيبة وقيل معناه لم يبلغوا حد الشهوة قاله الفراء والزجاج يقال ظهرت على كذا إذا غلبته وقهرته والمعنى لم يطلعوا على عورات النساء ويكشفوا عنها للجماع أو لم يبلغوا حد الشهوة للجماع قراءة الجمهور عورات بسكون الواو تخفيفا وهى لغة جمهور الغرب وقرأ ابن عامر في رواية بفتحها وقرأ بذلك ابن أبى إسحاق والأعمش ورويت هذه القراءة عن ابن عباس وهي لغة هذيل بن مدركة ومنه قول الشاعر الذى أنشده الفراء
أخو بيضات رائح متأوب
رفيق لمسح المنكبين سبوح


"""""" صفحة رقم 25 """"""
واختلف العلماء في وجوب ستر ما عدا الوجه والكفين من الأطفال فقيل لا يلزم لأنه لا تكليف عليه وهو الصحيح وقيل يلزم لأنها قد تشتهي المرأة وهكذا اختلف في عورة الشيخ الكبير الذي قد سقطت شهوته والأولى بقاء الحرمة كما كانت فلا يحل النظر إلى عورته ولا يحل له أن يكشفها
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اختلف العلماء في حد العورة قال القرطبي أجمع المسلمون على أن السوءتين عورة من الرجل والمرأة وأن المرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها على خلاف في ذلك وقال الأكثر إن عورة الرجل من سرته إلى ركبته ) ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ( أى لاتضرب المرأة برجلها إذا مشت ليسمع صوت خلخالها من يسمعه من الرجال فيعلمون أنها ذات خلخال قال الزجاج وسماع هذه الزينة أشد تحريكا للشهوة من إبدائها ثم أرشد عباده إلى التوبة عن المعاصي فقال سبحانه ) وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ( فيه الأمر بالتوبة ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها وأنها فرض من فرائض الدين وقد تقدم الكلام على التوبة في سورة النساء ثم ذكر ما يرغبهم في التوبة فقال لعلكم تفلحون أى تفوزون بسعادة الدنيا والاخرة وقيل إن المراد بالتوبة هنا هي عما كانوا يعملونه في الجاهلية والأول أولى لما تقرر في السنة أن الإسلام نجب ما قبله
وقد أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال مر رجل على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في طريق من طرقات المدينة فنظر إلى امرأة ونظرت إليه فوسوس لهما الشيطان أنه لم ينظر أحدهما إلى الآخر إلا إعجابا به فبينما الرجل يمشي إلى جنب حائط وهو ينظر إليها إذا استقبله الحائط فشق أنفه فقال والله لا أغسل االدم حتى آتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأعلمه أمرى فأتاه فقص عليه قصته فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذا عقوبة ذنبك وأنزل الله ) قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ( قال يعنى من شهواتهم مما يكره الله وأخرج ابن شيبة وأبو داود والترمذي والبيهقى في سننه عن بريدة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك وليست لك الأخرى وفي مسلم وأبى داود والترمذي والنسائي عن جرير البجلى قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصرى وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبى سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إياكم والجلوس على الطرقات قالوا يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها فقال إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه قالوا وما حقه يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأخرج البخارى وأهل السنن وغيرهم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتى منها وما نذر قال احفط عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا نبي الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها قلت إذا كان أحدنا خاليا قال فالله أحق أن يستحيا منه من الناس وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كتب الله على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محاله فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق وزنا الأذنين السماع وزنا اليدين البطش وزنا الرجلين الخطو والنفس تتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه والأحاديث في هذا الباب كثيرة وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال بلغنا والله أعلم أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدث أن أسماء بنت يزيد كانت في نخل لها لبنى حارثة فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات فيبدو ما فى أرجلهن يعنى الخلاخل


"""""" صفحة رقم 26 """"""
وتبدو صدورهن وذوائبهن فقالت أسماء ما أقبح هذا فأنزل الله ذلك ) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ( الآية وفيه مع كونه مرسلا مقاتل وأخرج عبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ) ولا يبدين زينتهن ( قال الزينة السوار والدملج والخلخال والقرط والقلادة إلا ما ظهر منها قال الثياب والجلباب وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر عنه قال الزينة زينتان زينة ظاهرة وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج فأما الزينة الظاهرة فالثياب وأما الزينة الباطنة فالكحل والسوار والخاتم ولفط ابن جرير فالظاهرة منها الثياب وما خفى الخلخالان والقرطان والسواران وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله ) إلا ما ظهر منها ( قال الكحل والخاتم وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقى في سننه عن ابن عباس ) ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ( قال الكحل والخاتم والقرط والقلادة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عنه قال هو خضاب الكف والخاتم وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد عن ابن عمر قال الزينة الظاهرة الوجه والكفان وأخرجا عن ابن عباس قال إلا ما ظهر منها وجهها وكفاها والخاتم وأخرجا أيضا عنه قال رقعة الوجه وباطن الكف وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقى في سننه عن عائشة أنها سئلت عن الزينة الظاهرة قال القلب والفتخ وضمن طرف كمها وأخرج أبو داود وابن مردويه والبيهقي عن عائشة أن أسماء بنت أبى بكر دخلت على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفه قال أبو داود وأبو حاتم الرازى هذا مرسل لأنه من طريق خالد بن دريك عن عائشة ولم يسمع منها وأخرج البخارى وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقى في سننه عن عائشة قالت رحم الله نساء المهاجرات الأولات لما أنزل الله ) وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( شققن أكثف مروطهن فاختمرن به وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عنها بلفظ أخذ النساء أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى في سننه عن ابن عباس في قوله ) ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ( والزينة الظاهرة الوجه وكحل العينين وخضاب الكف والخاتم فهذا تظهره في بيتها لمن دخل عليها ثم قال ) ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ( الآية والزينة التي تبديها لهؤلاء قرطها وقلادتها وسوارها فأما خلخالها ومعضدها ونحرها وشعرها فإنها لاتبديه إلا لزوجها وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس أو نسائهن قال هن المسلمات لا تبديه اليهودية ولا نصرانية وهو النحر والقرط والوشاح وما يحرم أن يراه إلا محرم وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقى في سننه عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبى عبيدة أما بعد فإنه بلغنى أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء أهل الشرك فإنه من قبلك عن ذلك فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ينظر إلى عورتها إلا أهل ملتها وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال لا بأس أن يرى العبد شعر سيدته وأخرج أبو داود وابن مردويه والبيهقى عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أتى فاطمة بعبد قد وهب لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنع به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما تلقى قال إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك وإسناده في سنن أبى داود هكذا حدثنا محمد بن عيسى حدثنا أبو جميع سالم بن دينار عن ثابت عن أنس فذكره وأخرج عبد الرزاق وأحمد عن أم سلمة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا


"""""" صفحة رقم 27 """"""
كان لإحداكن مكاتب وكان له ما يؤدي فلتحتجب منه وإسناد أحمد هكذا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهرى عن نبهان أن أم سلمة فذكره وأخرج الغريابى وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال ( قال هذا الذي لا تستحي منه النساء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقى في سننه عن ابن عباس في الآية قال هذا الرجل يتبع القوم وهو مغفل في عقله لا يكثرت للنساء ولا يشتهى النساء وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في الآية قال كان الرجل يتبع الرجل في الزمان الأول لا يغار عليه ولا ترهب المرأة أن تضع خمارها عنده وهو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا في الآية قال هو المخنث الذى لا يقوم زبه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائى وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى عن عائشة قالت كان رجل يدخل على أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) محنث فكانوا يدعونه من غير أولى الإربة فدخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخلن عليكم فحجبوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يضربن بأرجلهن ( وهو أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال أو يكون في رجلها خلاخل فتحركهن عند الرجال فنهى الله عن ذلك لأنه من عمل الشيطان
سورة النور 32 34 )
النور : ( 32 ) وأنكحوا الأيامى منكم . . . . .
لما أمر سبحانه بغض الأبصار وحفظ الفروج أرشد بعد ذلك إلى ما يحل للعباد من النكاح الذى يكون به قضاء الشهوة وسكون دواعي الزنا ويسهل بعده غض البصر عن المحرمات وحفظ الفرج عما لا يحل فقال ) وأنكحوا الأيامى منكم ( الأيم التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا والجمع أيامى والأصل أيايم والأيم بتشديد الياء ويشمل الرجل والمرأة قال أبو عمرو والكسائي اتفق أهل اللغة على أن الأيم في الأصل هى المرأة التى لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا قال أبو عبيد يقال رجل أيم وامرأة أيم وأكثر ما يكون في النساء وهو كالمستعار في الرجال ومنه قول أمية بنت أبى الصلت لله در بنى على
أيم منهم وناكح
ومنه أيضا قول الآخر لقد إمت حتى لا منى كل صاحب
رجاء سليمى أن تأيم كما إمت


"""""" صفحة رقم 28 """"""
والخطاب في الآية للأولياء وقيل للأزواج والأول أرجح وفيه دليل على أن المرأة لا تنكح نفسها وقد خالف في ذلك أبو حنيفة
واختلف أهل العلم في النكاح هل مباح أو مستحب أو واجب فذهب إلى الأول الشافعى وغيره وإلى الثانى مالك وأبو حنيفة وإلى الثالث بعض أهل العلم على تفصيل لهم في ذلك فقالوا إن خشى على نفسه الوقوع في المعصية وجب عليه وإلا فلا والظاهر أن القائلين بالإباحة والاستحباب لا يخالفون في الوجوب مع تلك الخشية وبالجملة فهو مع عدمها سنة من السنن المؤكدة لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديث الصحيح بعد ترغيبه في النكاح ومن رغب عن سنتي فليس منى ولكن مع القدرة عليه وعلى مؤنه كما سيأتي قريبا والمراد بالأيامى هنا الأحرار والحرائر وأما المماليك فقد بين دلك بقوله ) والصالحين من عبادكم وإمائكم ( قرأ الجمهور عبادكم وقرأ الحسن عبيدكم قال الفراء ويجوز وإماءكم بالنصب والصلاح هو الإيمان وذكر سبحانه الصلاح في المماليك دون الأحرار لأن الغالب في الأحرار الصلاح برده على الصالحين بخلاف المماليك وفيه دليل على أن المملوك لا يزوج نفسه وإنما يزوجه مالكه وقد ذهب الجمهور إلى أنه يجوز للسيد أن يكره عبده وأمته على النكاح وقال مالك لا يجوز ثم رجع سبحانه إلى الكلام في الأحرار فقال ) إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ( أى لا تمتنعوا من تزويج الأحرار بسبب فقر الرجل والمرأة أو أحدهما فإنهم إن يكونوا فقراء يغنهم الله سبحانه ويتفضل عليهم بذلك قال الزجاج حث الله على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر ولا يلزم أن يكون هذا حاصلا لكل فقير إذا تزوج فإن ذلك مقيد بالمشيئة وقد يوجد في الخارج كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوجوا وقيل المعنى إنه يغني يغنى النفس وقيل المعنى إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله من فضله بالحلال ليتغففوا عن الزنا والوجه الأول أولى ويدل عليه قوله سبحانه وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء فيحمل المطلق هنا على المقيد هناك وجملة ) والله واسع عليم ( مؤكدة لما قبلها ومقررة لها والمراد أنه سبحانه ذو سعة لا ينقص من سعة ملكه غنى من يغنيه من عباده عليم بمصالح خلقه يغنى من يشاء ويفقر من يشاء
النور : ( 33 ) وليستعفف الذين لا . . . . .
ثم ذكر سبحانه حال العاجزين عن النكاح بعد بيان جواز مناكحتهم إرشادا لهم إلى ما هو الأولى فقال ) وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ( استعف طلب أن يكون عفيفا أى ليطلب العفة عن الزنا والحرام من لا يجد نكاحا أى سبب نكاح وهو المال وقيل النكاح هنا ما تنكح به المرأة من المهر والنفقة كاللحاف اسم لما يلتحف به واللباس اسم لما يلبس وقيد سبحانه هذا النهى بتلك الغاية وهي ) حتى يغنيهم الله من فضله ( أى يرزقهم رزقا يستغنون به ويتمكنون بسببه من النكاح وفي هذه الآية ما يدل على تقييد الجملة الأولى وهي إن يكونوا فقراء يغنهم الله بالمشيئة كما ذكرنا فإنه لو كان وعدا حتما لا محالة في حصوله لكان الغنى والزواج متلازمين وحينئذ لا يكون للأمر بالاستعفاف مع الفقر كثير فائدة فإنه سيغني عند تزوجه لا محالة فيكون في تزوجه مع فقره تحصيل للغنى إلا أن يقال إن هذا الأمر بالاستغفاف للعاجز عن تحصيل مباديء النكاح ولا ينافى ذلك وقوع الغنى له من بعد أن ينكح فإنه قد صدق عليه أنه لم يجد نكاحا إذا كان غير واجد لأسبابه التي يتحصل بها وأعظمها المال ثم لما رغب سبحانه في تزويج الصالحين من العبيد والإماء أرشد المالكين طريقة يصير بها المملوك من جملة الأحرار فقال ) والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم ( الموصول في محل رفع ويجوز أن يكون في محل نصب على إضمار فعل يفسره ما بعده أى وكاتبوا الذين يبتغون الكتاب كالمكاتبة يقال كاتب يكاتب كتابا ومكاتبة كما يقال قاتل يقاتل قتالا ومقاتلة


"""""" صفحة رقم 29 """"""
وقيل الكتاب ها هنا اسم عين للكتاب الذى يكتب فيه الشىء وذلك لأنهم كانوا إذا كاتبوا العبد كتبوا عليه وعلى أنفسهم بذلك كتابا فيكون المعنى الذين يطلبون كتاب المكاتبة ومعنى المكاتبة في الشرع أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه منجما فإذا أداه فهو حر وظاهر قوله فكاتبوهم أن العبد إذا طلب الكتابة من سيده وجب عليه أن يكاتبه بالشرط المذكور بعده وهو ) إن علمتم فيهم خيرا ( والخير هو القدرة على أداء ما كوتب عليه وإن لم يكن له مال وقيل هو المال فقط كما ذهب إليه مجاهد والحسن وعطاء والضحاك وطاوس ومقاتل وذهب إلى الأول ابن عمر وابن زيد واختاره مالك والشافعى والفراء والزجاج قال الفراء يقول إن رجوتم عندهم وفاء وتأدية للمال وقال الزجاج لما قال فيهم كان الأظهر الاكتساب والوفاء وأداء الأمانة وقال النخعى إن الخير الدين والأمانة وروى مثل هذا عن الحسن وقال عبيدة السلماني إقامة الصلاة قال الطحاوى وقول من قال إنه المال لا يصح عندنا لأن العبد مال لمولاه فكيف يكون له مال قال والمعنى عندنا إن علمتم فيهم الدين والصدق قال أبو عمر بن عبد البر من لم يقل إن الخير هنا المال أنكر أن يقال إن علمتم فيهم مالا وإنما يقال علمت فيه الخير والصلاح والأمانة ولا يقال علمت فيه المال هذا حاصل ما وقع من الاختلاف بين أهل العلم في الخير المذكور في هذه الآية وإذا تقرر لك هذا فاعلم أنه قد ذهب ظاهر ما يقتضيه الأمر المذكور في الآية من الوجوب عكرمة وعطاء ومسروق وعمرو بن دينار والضحاك وأهل الظاهر فقالوا يجب على السيد أن يكاتب مملوكه إذا طلب منه ذلك وعلم فيه خيرا وقال الجمهور من أهل العلم لا يجب ذلك وتمسكوا بالإجماع على أنه لو سأل العبد سيده أن يبيعه من غيره لم يجب عليه ذلك ولم يجبر عليه فكذا الكتابة لأنها معاوضة
ولايخفاك أن هذه حجة واهية وشبهة داحضة والحق ما قاله الأولون وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس واختاره ابن جرير ثم أمر سبحانه الموالى بالإحسان إلى المكاتبين فقال ) وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ( ففي هذه الآية الأمر للمالكين بإعانة المكاتبين على مال الكتابة إما بأن يعطوهم شيئا من المال أو بأن يحطوا عنهم مما كوتبوا عليه وظاهر الآية عدم تقدير ذلك بمقدار وقيل الثلث وقيل الربع وقيل العشر ولعل وجه تخصيص الموالى بهذا الأمر هو كون الكلام فيهم وسياق الكلام معهم فإنهم المأمورون بالكتابة وقال الحسن والنخعى وبريدة إن الخطاب بقوله وآتوهم لجميع الناس وقال زيد بن أسلم إن الخطاب للولاة بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم كما في قوله سبحانه وفي الرقاب وللمكاتب أحكام معروفة إذا وفى ببعض مال الكتابة ثم إنه سبحانه لما أرشد الموالى إلى نكاح الصالحين من المماليك نهى المسلمين عما كان يفعله أهل الجاهلية من إكراه إمائهم على الزنا فقال ) ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ( والمراد بالفتيات هنا الإماء وإن كان الفتى والفتاة قد يطلقان على الأحرار في مواضع أخر والبغاء الزنا مصدر بغت المرأة تبغى بغاء إذا زنت وهذا مختص بزنا النساء فلا يقال للرجل إذا زنا إنه بغى وشرط الله سبحانه هذا النهى بقوله ) إن أردن تحصنا ( لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادتهم للتحصن فإن من لم ترد التحصن لا يصح أن يقال لها مكرهة على الزنا والمراد بالتحصن هنا التعفف والتزوج وقيل إن هذا القيد راجع إلى الأيامى قال الزجاج والحسن بن الفضل في الكلام تقديم وتأخير أي وأنكحوا الأيامى والصالحين من عبادكم وإمائكم أن أردن تحصنا وقيل هذا الشرط ملغى وقيل إن هذا الشرط باعتبار ما كانوا عليه فإنهم كانوا يكرهونهن وهن يردن التعفف وليس لتخصص النهى


"""""" صفحة رقم 30 """"""
بصورة إرادتهن التعفف وقيل إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب لأن الغالب أن الإكراه لا يكون إلا عند إرادة التحصن فلا يلزم منه جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصن وهذا الوجه أقوى هذه الوجوه فإن الأمة قد تكون غير مريدة للحلال ولا للحرام كما فيمن لا رغبة لها في النكاح والصغيرة فتوصف بأنها مكرهة على الزنا مع عدم إرادتها للتحصن فلا يتم ما قيل من أنه لا يتصور الإكراه إلا عند إرادة التحصن إلا أن يقال إن المراد بالتحصن هنا مجرد التعفف وأنه لا يصدق على من كانت تريد الزواج أنها مريدة للتحصن وهو بعيد فقد قال الحبر ابن عباس إن المراد بالتحصن والتعفف والتزوج وتابعه على ذلك غيره ثم علل سبحانه هذا النهى بقوله ) لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ( وهو ما تكسبه الأمة بفرجها وهذا التعليل أيضا خارج مخرج الغالب والمعنى أن هذا العرض هو الذى كان يحملهم على إكراه الإماء على البغاء في الغالب لأن إكراه الرجل لأمته على البغاء لا لفائدة له أصلا لا يصدر مثله عن العقلاء فلا يدل هذا التعليل على أنه يجوز له أن يكرهها إذا لم يكن مبتغيا بإكراهها عرض الحياة الدنيا وقيل إن هذا التعليل للإكراه هو باعتبار أن عادتهم كانت كذلك لا أنه مدار للنهى عن الإكراه لهن وهذا يلاقى المعنى الأول ولا يخالفه ) ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ( هذا مقرر لما قبله ومؤكد له والمعنى أن عقوبة الإكره راجعة إلى المكرهين لا إلى المكرهات كما تدل عليه قراءة ابن مسعود وجابر بن عبد الله وسعيد بن جبير فإن الله غفور رحيم لهن قيل وفى هذا التفسير بعد لأن المكرهة على الزنا غير آثمة وأجيب بأنها وإن كانت مكرهة فربما لا تخلو في تضاعيف الزنا عن شائبة مطاوعة إما بحكم الجبلة البشرية أو يكون الإكراه قاصرا عن حد الإلجاء المزيل للاختيار وقيل إن المعنى فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم لهم إما مطلقا أو بشرط التوبة
النور : ( 34 ) ولقد أنزلنا إليكم . . . . .
ولما فرغ سبحانه من بيان تلك الأحكام شرع في وصف القرآن بصفات ثلاث الأولى أنه آيات مبينات أى واضحات في أنفسهن أو موضحات فتدخل الآيات المذكورة في هذه الصورة دخولا أوليا والصفة الثانية كونه مثلا من الذين خلوا من قبل هؤلاء أى مثلا كائنا من جهة أمثال الذين مضوا من القصص العجيبة والأمثال المضروبة لهم في الكتب السابقة فإن العجب من قصة عائشة رضى الله عنها هو كالعجب من قصة يوسف ومريم وما اتهما به ثم تبين بطلانه وبراءتهما سلام الله عليهما والصفة الثالثة كونه موعظة ينتفع بها المتقون خاصة فيتقتدون بما فيه من الأوامر وينزجوون عما فيه من النواهي وأما غير المتقين فإن الله قد ختم على قلوبهم وجعل على أبصارهم غشاوة عن سماع المواعظ والاعتبار بقصص الذين خلوا وفهم ما تشتمل عليه الآيات البينات
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وأنكحوا الأيامى ( الآية قال أمر الله سبحانه بالنكاح ورغبهم فيه وأمرهم أن يزوجوا أحرارهم وعبيدهم ووعدهم في ذلك الغنى فقال ) إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق قال أطيعوا الله فيما أمركم من النكاحينجز لكم ماوعدكم من الغنى قال تعالى ) إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ( وأخرج عبد الرزاق في المصنف وعبد بن حميد عن قتادة قال ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال ما رأيت كرجل لم يلتمس الغنى في الباءة وقد وعد الله فيها ما وعد فقال ) إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ( وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عنه نحوه من طريق أخرى وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه وأخرج البزار والدارقطني في العلل والحاكم وابن مردويه والديلمي من طريق عروة عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنكحوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال وأخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود في مراسيله عن عروة مرفوعا إلى النبي


"""""" صفحة رقم 31 """"""
( صلى الله عليه وسلم ) ولم يذكر عائشة وهو مرسل وأخرج عبد الرزاق وأحمد والترمذي وصححه والنسائى وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقى في السنن عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة حق على الله عونهم الناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الأداء والغازى في سبيل الله وقد ورد فى الترغيب في مطلق النكاح أحاديث كثيرة ليس هذا موضع ذكرها وأخرج الخطيب في تاريخه عن ابن عباس في قوله ) وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا ( قال ليتزوج من لايجد فإن الله سيغنيه وأخرج ابن السكن في معرفة الصحابة عن عبدالله بن صبيح عن أبيه قال كنت مملوكا لحويطب عن عبد العزى فسألته الكتابة فأبى فنزلت ) والذين يبتغون الكتاب ( الآية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن أنس بن مالك قال سألني سيرين المكاتبة فأبيت عليه فأتى عمر بن الخطاب فأقبل علي بالدرة وقال كاتبه وتلا ) فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ( فكاتبته قال ابن كثير إن إسناده صحيح وأخرج أبو داود في المراسيل والبيهقى في سننه عن يحيى بن أبى كثير قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا ( قال إن علمتم فيهم حرفة ولا ترسلوهم كلا على الناس وأخرج عبد الرزاق وابن شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس ) إن علمتم فيهم خيرا ( قال المال وأخرج ابن مردويه عن على مثله وأخرج البيهقى عن ابن عباس في الآية قال أمانة ووفاء وأخرج عنه أيضا قال إن علمت مكاتبك يقضيك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عنه في الآية قال إن علمتم لهم حيلة ولا تلقوا مؤنتهم على المسلمين ) وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ( يعنى ضعوا عنهم من مكاتبتهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقى عن نافع قال كان ابن عمر يكره أن يكاتب عبده إذا لم تكن له حرفة ويقول يطعمنى من أوساخ الناس وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس في قوله ) وآتوهم من مال الله ( الآية أمر المؤمنين أن يعينوا في الرقاب وقال علي بن أبى طالب أمر الله السيد أن يدع للمكاتب الربع من ثمنه وهذا تعليم من الله ليس بفريضة ولكن فيه أجر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والروياني في مسنده والضياء المقدسي في المختارة عن بريدة في الآية قال حث الناس عليه أن يعطوه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة ومسلم والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقى من طريق أبى سفيان عن جابر بن عبد الله قال كان عبد الله بن أبى يقول لجارية له اذهبى فابغينا شيئا وكانت كارهة فأنزل الله ) ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ( هكذا كان يقرؤها وذكر مسلم في صحيحه عن جابر أن جارية لعبد الله بن أبى يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة فكان يريدهما على الزنا فشكتا ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) ولا تكرهوا فتياتكم ( الآية وأخرج البزار وابن مردويه عن أنس نحو حديث جابر الأول وأخرج ابن مردويه عن على بن أبى طالب في الآية قال كان أهل الجاهلية يبغين إماءهم فنهوا عن ذلك في الإسلام وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا يأخذون أجورهن فنزلت الآية وقد ورد النهى منه ( صلى الله عليه وسلم ) عن مهر البغي وكسب الحجام وحلوان الكاهن


"""""" صفحة رقم 32 """"""
سورة النور 35 38 )
النور : ( 35 ) الله نور السماوات . . . . .
لما بين سبحانه من الأحكام ما بين أردف ذلك بكونه سبحانه في غاية الكمال فقال ) الله نور السماوات والأرض ( وهذه الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها والاسم الشريف مبتدأ ونور السموات والأرض خبره إما على حذف مضاف أى ذو نور السموات والأرض أو لكون المراد المبالغة في وصفه سبحانه بأنه نور لكمال جلاله وظهور عدله وبسطه أحكامه كما يقال فلان نور البلد وقمر الزمن وشمس العصر ومنه قول النابغة فإنك شمس والملوك كواكب
إذا ظهرت لم يبق فيهن كوكب
وقول الآخر هلا قصدت من البلاد لمفضل
قمر القبائل خالد بن يزيد
ومن ذلك قول الشاعر
إذا سار عبد الله من مرو ليلة
فقد سار منها نورها وجمالها
وقول الآخر نسب كأن عليه من شمس الضحى
نورا ومن فلق الصباح عمودا
ومعنى النور في اللغة الضياء وهو الذى يبين ويرى الأبصار حقيقة ما تراه فيجوز إطلاق النور على الله سبحانه على طريقه المدح ولكونه أوجد الأشياء المنورة وأوجد أنوارها ونورها ويدل على هذا المعنى قراءة زيد بن علي وأبى جعفر وعبد العزيز المكى ) الله نور السماوات والأرض ( على صيغة الفل الماضي وفاعله ضمير يرجع إلى الله والسموات مفعوله فمعنى ) الله نور السماوات والأرض ( ءانه سبحانه صيرهما منيرتين باستقامة أحوال أهلهما وكمال تدبيره عز وجل لمن فيهما كما يقال الملك نور البلد هكذا قال الحسن ومجاهد والأزهرى والضحاك والقرظى وابن عرفة وابن جرير وغيرهم ومثله قول الشاعر
وأنت لنا نور وغيث وعصمة
ونبت لمن يرجو نداك وريف
وقال هشام الجواليقى وطائفة من المجسمة إنه سبحانه نور لا كالأنوار وجسم لا كالأجسام وقوله ) مثل نوره ( مبتدأ وخبره كمشكاة أى صفة نوره الفائض عنه الظاهر على الأشياء كمشكاة والمشكاة الكوة في الحائط غير النافذة كذا حكاه الواحدى عن جميع المفسرين وحكته القرطبي عن جمهورهم ووجه تخصيص المشكاة أنها أجمع للضوء الذى يكون فيه مصباح أو غيره وأصل المشكاة الوعاء يجعل فيه الشىء وقيل المشكاة عمود القنديل الذى فيه الفتيلة وقال مجاهد هى القنديل والأول أولى ومنه قول الشاعر
كأن عينيه مشكاتان في جحر
ثم قال فيها مصباح وهو السراج المصباح في زجاجة قال الزجاج النور في الزجاج وضوء النار أبين منه في كل شيء وضوءه يزيد في الزجاج ووجه ذلك أن الزجاج جسم


"""""" صفحة رقم 33 """"""
شفاف يظهر فيه النور أكمل ظهور ثم وصف الزجاجة فقال ) الزجاجة كأنها كوكب دري ( أي منسوب إلى الدر لكون فيه من الصفاء والحسن ما يشابه الدر وقال الضحاك الكوكب الدرى الزهرة قرأ أبو عمرو درى بكسر الدال قال أبو عمرو لم أسمع أعرابيا يقول إلا كأنه كوكب درى بكسر الدال أخذوه من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت وقرأ حمزة بضم الدال مهموزا وأنكره الفراء والزجاج والمبرد وقال أبو عبيد إن ضممت الدال وجب أن لا تهمز لأنه ليس في كلام العرب والدرارى هى المشهورة من الكواكب كالمشترى والزهرة والمريخ وما يضاهيها من الثوابت ثم وصف المصباح بقوله ) يوقد من شجرة مباركة ( ومن هذه هي الابتدائية أى ابتداء إيقاد المصباح منها وقيل هو على تقدير مضاف أى يوقد من زيت شجرة مباركة والمباركة الكثيرة المنافع وقيل المنماة والزيتون من أعظم الثمار نماء ومنه قول أبى طالب يرثى مسافر بن أبى عمرو ابن أمية بن عبد شمس ليث شعرى مسافر بن أبى عمرو
وليت يقولها المخرون
بورك الميت الغريب كما
بورك نبع الرمان والزيتون
قيل ومن بركتها أن أغصانها تورق ومن أسفلها إلى أعلاها وهى إدام ودهان ودباغ ووقود وليس فيها شىء إلا وفيه منفعة ثم وصفها بأنها ) لا شرقية ولا غربية (
وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الوصف فقال عكرمة وقتادة وغيرهم إن الشرقية هى التى تصيبها الشمس إذا شرقت ولاتصيبها إذا غربت والغربية هى التي تصيبها إذا غربت ولا تصيبها إذا شرقت وهذه الزيتونة هى في صحراء بحيث لا يسترها عن الشمس شىء لا فى حال شروقها ولا في حال غروبها وما كانت من الزيتون هكذا فثمرها أجود وقيل إن المعنى إنها شجرة في دوحة قد أحاطت بها فهى غير منكشفة من جهة الشرق ولا من جهة الغرب حكى هذا ابن جرير عن ابن عباس قال ابن عطية وهذا لا يصح عن ابن عباس لأن الثمرة التى بهذه الصفة يفسد جناها وذلك مشاهد في الوجود ورجح القول الأول الفراء والزجاج وقال الحسن ليست هذه الشجرة من شجر الدنيا وإنما هو مثل ضربه الله لنوره ولو كانت في الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية قال الثعلبي قد أفصح القرآن بأنها من شجر الدنيا لأن قوله زيتونة بدل من قوله شجرة قال ابن زيد إنها من شجر الشام فإن الشام لا شرقى ولا غربى والشام هى الأرض المباركة وقد قريء توقد بالتاء الفوقية على أن الضمير راجع إلى الزجاجة دون المصباح وبها قرأ الكوفيون وقرأ شيبة ونافع وأيوب وسلام وابن عامر وأهل الشام وحفص يوقد بالتحتية مضمومة وتخفيف القاف وضم الدال وقرأ الحسن والسلمي وأبو عمرو بن العلاء وأبو جعفر توقد بالفوقية مفتوحة وفتح الواو وتشديد القاف وفتح الدال على أنه فعل ماض من توقد يتوقد والضمير في هاتين القراءتين راجع إلى المصباح قال النحاس وهاتان القراءتان متقاربتان لأنهما جميعا للمصباح وهو أشبه بهذا الوصف لأنه الذى ينير ويضيء وإنما الزجاجة وعاء له وقرأ نصر بن عاصم كقراءة أبى عمرو ومن معه إلا أنه ضم الدال على أنه فعل مضارع وأصله تتوقد ثم وصف الزيتونة بوصف آخر فقال ) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ( قرأ الجمهور تمسسه بالفوقية لأن النار مؤنثة قال أبو عبيد إنه لا يعرف إلا هذه القراءة وحكى أبو حاتم أن السدى روى عن أبى مالك عن ابن عباس أنه قرأ يمسسه بالتحتية لكون تأنيث النار غير حقيقي والمعنى أن هذا الزيت في صفاته وإنارته يكاد


"""""" صفحة رقم 34 """"""
يضيء بنفسه من غير أن تمسه النار أصلا وارتفاع نور على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو نور وعلى نور متعلق بمحذوف هو صفة لنور مؤكدة له والمعنى هو نور كائن على نور قال مجاهد والمراد النار على الزيت وقال الكلبي المصباح نور والزجاجة نور وقال السدى نورالإيمان ونور القرآن ) يهدي الله لنوره من يشاء ( من عبادة أى هداية خاصة موصلة إلى المطلوب وليس المراد بالهداية هنا مجرد الدلالة ) ويضرب الله الأمثال للناس ( أى يبين الأشياء بأشباهها ونظائرها تقريبا لها إلى الأفهام وتسهيلا لإدراكها لأن إبراز المعقول في هيئة المحسوس وتصويره بصورته يزيده وضوحا وبيانا ) والله بكل شيء عليم ( لا يغيب عنه شىء من الأشياء معقولا كان أو محسوسا ظاهرا أو باطنا
النور : ( 36 ) في بيوت أذن . . . . .
واختلف في قوله ) في بيوت أذن الله أن ترفع ( بما هو متعلق فقيل متعلق بما قبله أى كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد كأنه قيل مثل نوره كما ترى في المسجد نور المشكاة التي صفتها كيت وكيت وقيل متعلق بمصباح وقال ابن الأنبارى سمعت أبا العباس يقول هو حال للمصباح والزجاجة والكوكب كإنه قيل وهى في بيوت وقيل متعلق يتوقد أي توقد في بيوت وقد قيل متعلق بما بعده وهو يسبح أى يسبح له رجال في بيوت وعلى هذا يكون قوله فيها تكريرا كقولك زيد في الدار جالس فيها وقيل إنه منفصل عما قبله كأنه قال الله في بيوت أذن الله أن ترفع قال الحكيم الترمذى وبذلك جاءت الأخبار أنه من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه وقد قيل على تقدير تعلقه بمشكاة أو بمصباح أو بتوقد ما الوجه في توحيد المصباح والمشكاة وجمع البيوت ولا تكون المشكاة الواحدة ولا المصباح الواحد إلا في بيت واحد وأجيب بأن هذا الخطاب الذى يفتح أوله بالتوحيد ويختم بالجمع كقوله سبحانه ) يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ( ونحوه وقيل معنى في بيوت في كل واحد من البيوت فكأنه قال في كل بيت أو في كل واحد من البيوت واختلف الناس في البيوت على أقوال الأول أنها المساجد وهو قول مجاهد والحسن وغيرهما الثانى أن المراد بها بيوت بيت المقدس روى ذلك عن الحسن الثالث أنها بيوت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) روى عن مجاهد الرابع هي البيوت كلها قاله عكرمة الخامس أنها المساجد الأربعة الكعبة ومسجد قباء ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس قاله ابن زيد والقول الأول أظهر لقوله ) يسبح له فيها بالغدو والآصال ( والباء من بيوت تضم وتكسر كل ذلك ثابت في اللغة ومعنى أذن الله أن ترفع أمر وقضى ومعنى ترفع تبنى قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما ومنه قوله سبحانه ) وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ( وقال الحسن البصري وغيره معنى ترفع تعظم ويرفع شأنها وتطهر من الأنجاس والأقذار ورجحه الزجاج وقيل المراد بالرفع هنا مجموع الأمرين ومعنى ) يذكر فيها اسمه ( كل ذكر لله عز وجل وقيل هو التوحيد وقيل المراد تلاوة القرآن والأول أولى ) يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ( قرأ ابن عامر وأبو بكر يسبح بفتح الباء الموحدة مبنيا للمفعول وقرأ الباقون بكسرها مبنيا للفاعل إلا ابن وثاب وأبا حيوة فإنهما قرآ بالتاء الفوقية وكسر الموحدة فعلى القراءة الأولى يكون القائم مقام الفاعل أحد المجرورات الثلاثة ويكون رجال مرفوع على أحد وجهين إما بفعل مقدر وكأنه جواب سؤال مقدر كأنه قيل من يسبحه فقيل يسبحه رجال الثاني أن رجال مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وعلى القراءة الثانية يكون رجال فاعل يسبح وعلى القراءة الثالثة يكون الفاعل أيضا رجال وإنما ءانثى الفعل لكون جمع التكسير يعامل معاملة المؤنث في بعض الأحوال
واختلف في هذا التسبيح ما هو فالأكثرون حملوه على الصلاة المفروضة قالوا الغدو صلاة الصبح والآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين لأن اسم الآصال يشملها ومعنى بالغدو والآصال بالغداة والعشي


"""""" صفحة رقم 35 """"""
وقيل صلاة الصبح والعصر وقيل المراد صلاة الضحى وقيل المراد بالتسبيح هنا معناه الحقيقي وهو تنزيه الله سبحانه عما لا يليق به في ذاته وصفاته وأفعاله ويؤيد هذا ذكر الصلاة والزكاة بعده وهذا أرجح مما قبله لكونه المعنى الحقيقى مع وجود دليل يدل على خلاف ما ذهب إليه الأولون وهو ما ذكرناه
النور : ( 37 ) رجال لا تلهيهم . . . . .
) لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( هذه الجملة صفة لرجال أى لا تشغلهم التجارة والبيع عن الذكر وخص التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الذكر وقال الفراء التجارة لأهل الجلب والبيع ما باعه الرجل على بدنه وخص قوم التجارة هاهنا بالشراء لذكر البيع بعدها وبمثل قول الفراء قال الواقدي فقال التجار هم الجلاب المسافرون والباعة هم المقيمون ومعنى عن ذكر الله هو ما تقدم في قوله ) ويذكر فيها اسمه ( وقيل المراد الأذان وقيل عن ذكره بأسمائه الحسنى أى يوحدونه ويمجدونه وقيل المراد عن الصلاة ويرده ذكر الصلاة بعد الذكر هنا والمراد بإقام الصلاة إقامتها لمواقيتها من غير تأخير وحذفت التاء لأن الإضافة تقوم مقامها في ثلاث كلمات جمعها الشاعر في قوله
ثلاثة تحذف تاآتها
مضافة عند جمع النحاة
وهي إذا شئت أبو عذرها
وليت شعرى وإقام الصلاة
وأنشد الفراء في الاستشهاد للحذف المذكور في هذه الآية قول الشاعر
إن الخليط أجدوا البين وانجردوا
وأخلفوك عد الأمر الذى وعدوا
أى عدة الأمر وفي هذا البيت دليل على أن الحذف مع الإضافة لا يختص بتلك الثلاثة المواضع قال الزجاج وإنما حذفت الهاء لأنه يقال أقمت الصلاة إقامة وكان الأصل إقواما ولكن قلبت الواو ألفا فاجتمعت ألفان فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين فبقى أقمت الصلاة إقاما فأدخلت الهاء عوضا من المحذوف وقامت الإضافة هاهنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة وهذا إجماع من النحويين انتهى وقد احتاج من حمل ذكر الله على الصلاة المفروضة أن يحمل إقام الصلاة على تأديتها في أوقاتها فرارا من التكرار ولا ملجيء إلى ذلك بل يحمل الذكر على معناه الحقيقى كما قدمنا والمراد بالزكاة المذكورة هى المفروضة وقيل المراد بالزكاة طاعة الله والإخلاص إذ ليس لكل مؤمن مال يخافون يوما أى يوم القيامة وانتصابه على أنه مفعول للفعل لا ظرف له ثم وصف هذا اليوم بقوله ) تتقلب فيه القلوب والأبصار ( أى تضطرب وتتحول قيل المراد بتقلب القلوب انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر فلا ترجع إلى أماكنها ولا تخرج والمراد بتقلب الأبصار هو أن تصير عمياء بعد أن كانت مبصرة وقيل المراد بتقلب القلوب أنها تكون متقلبة بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك وأما تقلب الأبصار فهو نظرها من أى ناحية يؤخذون وإلى أى ناحية يصيرون وقيل المراد تحول قلوبهم وأبصارهم عما كانت عليه من الشك إلى اليقين ومثله قوله ) فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ( فما كان يراه في الدنيا غيا يراه فى الآخرة رشدا وقيل المراد التقلب على جمر جهنم وقيل غير ذلك
النور : ( 38 ) ليجزيهم الله أحسن . . . . .
) ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ( متعلق بمحذوف أى يفعلون ما يفعلون من التسبيح والذكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا أى أحسن جزاء أعمالهم حسبما وعدهم من تضعيف ذلك إلى عشرة أمثاله وإلى سبعمائة ضعف وقيل المراد بما في هذه الآية ما يتفضل سبحانه به عليهم زيادة على مايستحقونه والأول أولى لقوله ) ويزيدهم من فضله ( فإن المراد به التفضل عليهم بما فوق الجزاء الموعود به ) والله يرزق من يشاء بغير حساب ( أى من غير أن يحاسبه على ما أعطاه أو أن عطاءه سبحانه لا نهاية له والجملة مقررة لما سبقها من الوعد بالزيادة


"""""" صفحة رقم 36 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) الله نور السماوات والأرض ( قال يدبر الأمر فيهما نجومهما وشمسهما وقمرهما وأخرج الفريابي عنه في قوله ) الله نور السماوات والأرض ( مثل نوره الذى أعطاه المؤمن كمشكاة وقال في تفسير ) زيتونة لا شرقية ولا غربية ( إنها التي في سفح جبل لا تصيبها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت ) يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور ( فذلك مثل قلب المؤمن نور على نور وأخرج عبد بن حميد وابن الأنبارى في المصاحف عن الشعبي قال في قراءة أبى بن كعب مثل نور المؤمن كمشكاة وأخرج ابن أبى حاتم وصححه عن ابن أبى عباس في الآية قال يقول مثل نور من آمن بالله كمشكاة وهى الكوه وأخرج ابن أبى حاتم عنه مثل نوره قال هي خطأ من الكاتب هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة قال مثل نور المؤمن كمشكاة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى في الأسماء والصفات عنه أيضا ) الله نور السماوات والأرض ( قال هادى أهل والسموات والأرض مثل نوره مثل هداه فى قلب المؤمن كمشكاة يقول موضع الفتيلة كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوئه كذلك يكون قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور وفى إسناده على بن أبى طلحة وفيه مقال وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبى بن كعب ) الله نور السماوات والأرض ( مثل نوره قال هو المؤمن الذى قد جعل الإيمان والقرآن في صدره فضرب الله مثله فقال ) نور السماوات والأرض مثل نوره ( فبدأ بنور نفسه ثم ذكر نور المؤمن فقال مثل نور من آمن به فكان أبى بن كعب يقرؤها ? مثل نور من آمن به ? فهو المؤمن جعل الإيمان والقرآن في صدره كمشكاة قال فصدر المؤمن المشكاة فيها مصباح المصباح النور وهو القرآن والإيمان الذى جعل في صدره في زجاجة والزجاجة قلبه ) كأنها كوكب دري ( يقول كوكب مضىء ) يوقد من شجرة مباركة ( والشجرة المباركة أصل المبارك الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له ) زيتونة لا شرقية ولا غربية ( قال فمثله كمثل شجرة التفت بها الشجر فهى خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس على أى حال كانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت فكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يضله شىء من الفتن وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن اليهود قالوا لمحمد كيف يخلص نور الله من دون السماء فضرب الله مثل ذلك لنوره فقال ) الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة ( المشكاة كوة البيت فيها مصباح وهو السراج يكون في الزجاجة وهو مثل ضربه الله لطاعته فسمى طاعته نورا ثم سماها أنواعا شتى ) لا شرقية ولا غربية ( قال وهي وسط الشجر لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت وذلك أجود الزيت ) يكاد زيتها يضيء ( بغير نار ) نور على نور ( يعنى إيمان العبد وعلمه ) يهدي الله لنوره من يشاء ( وهو مثل المؤمن وأخرج الطبراني وابن عدى وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر في قوله ) كمشكاة فيها مصباح ( قال المشكاة جوف محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والزجاجة قلبه والمصباح النور الذى فى قلبه ) يوقد من شجرة مباركة ( الشجرة إبراهيم ) زيتونة لا شرقية ولا غربية ( لايهودية ولا نصرانية ثم قرأ ) ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن شمر بن عطية قال جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال حدثنى عن قول الله الله نور السموات والأرض مثل نوره قال مثل نور محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كمشكاة قال المشكاة الكوة ضربها الله مثلا لقمة فيها مصباح والمصباح قلبه ) المصباح في زجاجة ( والزجاجة


"""""" صفحة رقم 37 """"""
صدره ) كأنها كوكب دري ( شبه صدر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالكوكب الدرى ثم رجع المصباح إلى قلبه فقال ) يوقد من شجرة مباركة ( ) يكاد زيتها يضيء ( قال يكاد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يبين للناس ولو لم يتكلم أنه نبى كما يكاد الزيت أن يضىء ولو لم تمسسه نار
وأقول إن تفسير النظم القرآني بهذا ونحوه مما تقدم عن أبى بن كعب وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ليس على ماتقتضيه لغة العرب ولا ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما يجوز العدول عن المعنى العربى إلى هذه المعانى التى هي شبيهة بالألغاز والتعمية ولكن هؤلاء الصحابة ومن وافقهم ممن جاء بعدهم استبعدو تمثيل نور الله سبحانه بنور المصباح في المشكاة ولهذا قال ابن عباس هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة كما قدمنا عنه ولا وجه لهذا الاستبعاد فإنا قد قدمنا في أول البحث ما يرفع الإشكال ويوضح ما هو المراد على أحسن وجه وأبلغ أسلوب وعلى ما تقتضيه لغة العرب ويفيده كلام الفصحاء فلا وجه للعدول عن الظاهر لا من كتاب ولا من سنة ولا من لغة وأما ما حكى عن كعب الأحبار في هذا كما قدمنا فإن كان هو سبب عدول أولئك الصحابة الأجلاء عن الظاهر في تفسير الآية فليس مثل كعب رحمه الله ممن يقتدى به في مثل هذا وقد نبهناك فيما سبق أن تفسير الصحابى إذا كان مستنده الرواية عن أهل الكتاب كما يقع ذلك كثيرا فلا تقوم به الحجة ولا يسوغ لأجله العدول عن التفسير العربي نعم إن صحت قراءة أبى بن كعب كانت هى المستند لهذه التفاسير المخالفة للظاهر وتكون كالزيادة المبينة للمراد وإن لم تصح فالوقوف على ما تقتضيه قراءة الجمهور من السبعة وغيرهم ممن قبلهم وممن بعدهم هو المتعين وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) في بيوت أذن الله أن ترفع ( قال هى المساجد تكرم وينهى عن اللغو فيها ويذكر فيها اسم الله يتلى فيها كتابه ) يسبح له فيها بالغدو والآصال ( صلاة الغداة وصلاة العصر وهما أول ما فرض الله من الصلاة فأحب أن يذكرهما ويذكر بهما عباده وقد ورد في تعظيم المساجد وتنزيهها عن القذر واللغو وتنظيفها وتطييبها أحاديث ليس هذا موضع ذكرها وأخرج ابن أبى شيبة والبيهقى في الشعب عن ابن عباس قال إن صلاة الضحى لفى القرآن وما يغوص عليها إلا غواص في قوله ) في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ( وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( قال هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبى سعيد الخدرى عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( قال هم الذين يبتغون من فضل الله وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال كانوا رجالا يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا مافى أيديهم وقاموا إلى المسجد فصلوا وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم والبيهقى في الشعب عنه في الآية قال ضرب الله هذا المثل قوله كمشكاة لأولئك القوم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وكانوا أتجر الناس وأبيعهم ولكن لم تكن تلهيهم تجارتهم ولابيعهم عن ذكر الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عنه أيضا عن ذكر الله قال عن شهود الصلاة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ثم دخلوا المسجد فقال ابن عمر فيهم نزلت ) رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني والبيهقى في الشعب عن ابن مسعود أنه رأى ناسا من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم فقال هؤلاء الذين قال الله فيهم ) لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ( وأخرج


"""""" صفحة رقم 38 """"""
هناد بن السرى في الزهد وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى في الشعب ومحمد بن نصر في الصلاة عن أسماء بنت يزيد قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يجمع الله يوم القيامة الناس في صعيد واحد يسمعهم الداعى وينفذهم البصر فيقوم مناد فينادى أين الذين كانوا يحمدون الله في السراء والضراء فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يعود فينادى أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يعود فينادى ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يقوم سائر الناس فيحاسبون وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى في الشعب عن عقبة بن عامر مرفوعا نحوه
سورة النور 39 46 )
النور : ( 39 ) والذين كفروا أعمالهم . . . . .
لما ذكر سبحانه حال المؤمنين وما يئول إليه أمرهم ذكر مثلا للكافرين فقال ) والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ( المراد بالأعمال هنا هى الأعمال التى من أعمال الخير كالصدقة والصلة وفك العانى وعمارة البيت وسقاية الحاج والسراب ما يرى في المفاوز من لمعان الشمس عند اشتداد حر النهار على صورة الماء في ظن من يراه وسمى سرابا لأنه يسرب أى يجرى كالماء يقال سرب الفحل أى مضى وسار في الأرض ويسمى الآل أيضا وقيل الآل هو الذى يكون ضحى كالماء إلا أنه يرتفع عن الأرض حتى يصير كإنه بين السماء والأرض قال أمرو القيس


"""""" صفحة رقم 39 """"""
ألم أنض المطى بكل خرق
طويل الطول لماع السراب
وقال آخر فلما كففنا الحرب كانت عهودهم
كلمع سراب بالفلا متألق
والقيعة جمع قاع وهو الموضع المنخفض الذى يستقر فيه الماء مثل جيرة وجار قاله الهروى وقال أبو عبيد قيعة وقاع واحد قال الجوهرى القاع المستوى من الأرض والجمع أقوع وأقواع وقيعان صارت الواو ياء لكسر ما قبلها والقيعة مثل القاع قال وبعضهم يقول هو جمع ) يحسبه الظمآن ماء ( هذه صفة ثانية لسراب والظمآن العطشان وتخصيص الحسبان بالضمآن مع كون الريان يراه كذلك لتحقيق التشبيه المبنى على الطمع ) حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ( أى إذا جاء العطشان ذلك الذى حسبه ماء لم يجده شيئا مما قدره وحسبه ولا من غيره والمعنى أن الكفار يعولون على أعمالهم التي يظنونها من الخير ويطمعون في ثوابها فإذا قدموا على الله سبحانه لم يجدوا منها شيئا لأن الكفر أحبطها ومحا أثرها والمراد بقوله ) حتى إذا جاءه ( مع أنه ليس بشىء أنه جاء الموضع الذى كان يحسبه فيه ثم ذكر سبحانه ما يدل على زيادة حسرة الكفرة وأنه لم يكن قصارى أمرهم مجرد الخيبة كصاحب السراب فقال ) ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ( أي وجد الله بالمرصاد فوفاه حسابه أى جزاء عمله كما قال امرؤ القيس فولى مدبرا يهوى حثيثا
وأيقن أنه لاقى الحسابا
وقيل وجد وعد الله بالجزاء على عمله وقيل وجد أمر الله عند حشره وقيل وجد حكمه وقضاءه عند المجىء وقيل عند العمل والمعنى متقارب وقرأ مسلمة بن محارب بقيعاه بهاء مدورة كما يقال رجل عزهاه وروى عنه أنه قرأ بقيعات بتاء مبسوطة قيل يجوز أن تكون الألف متولدة من إشباع العين على الأول وجمع قيعة على الثانى وروى عن نافع وأبى جعفر وشيبة أنهم قرءوا الظمان بغير همز والمشهور عنهم الهمز
النور : ( 40 ) أو كظلمات في . . . . .
(أو كظلمات) معطوف على كسراب ضرب الله مثلا آخر لأعمال الكفار كما أنه تشبه السراب الموصوف بتلك الصفات فهى أيضا تشبه الظلمات قال الزجاج أعلم الله سبحانه أن أعمال الكفار إن مثلت بما يوجد فمثلها كمثل السراب وإن مثلت بما يرى فهى كهذه الظلمات التي وصف قال أيضا إن شئت مثل بالسراب وإن شئت مثل بهذه الظلمات فأو للإباحة حسبما تقدم من القول في أو كصيب قال الجرجانى الآية الأولى فى ذكر أعمال الكفار والثانية في ذكر كفرهم ونسق الكفر على أعمالهم لأنه أيضا من أعمالهم قال القشيرى فعند الزجاج التمثيل وقع لأعمال الكفار وعند الجرجانى لكفر الكفار ) في بحر لجي ( اللجة معظم الماء والجمع لجج وهو الذى لايدرك لعقمه ثم وصف سبحانه هذا البحر بصفة أخرى فقال يغشاه موج أى يعلو هذا البحر موج فيستره ويغطيه بالكلية ثم وصف هذا الموج بقوله ) من فوقه موج ( أى من فوق هذا الموج موج ثم وصف الموج الثاني فقال ) من فوقه سحاب ( أي فوق ذلك الموج الثانى سحاب فيجتمع حينئذ عليهم خوف البحر وأمواجه والسحاب المرتفعة فوقه وقيل إن المعنى يغشاه موج من بعده موج فيكون الموج يتبع بعضه بعضا حتى كأن بعضه فوق بعض والبحر أخوف ما يكون إذا توالت أمواجه فإذا انضم إلى ذلك وجود السحاب من فوقه زاد الخوف شدة لأنها تستر النجوم التى يهتدى بها من في البحر ثم إذا أمطرت تلك السحاب وهبت الريح المعتادة في الغالب عند نزول المطر تكاثفت الهموم وترادفت الغموم وبلغ الأمر إلى الغاية التي ليس وراءها غاية ولهذا قال سبحانه ) ظلمات بعضها فوق بعض ( أى هى ظلمات أو هذه ظلمات متكاثفة مترادفة ففى هذه


"""""" صفحة رقم 40 """"""
الجملة بيان لشدة الأمر وتعاظمه وقرأ ابن محيصن والبزى سحاب ظلمات بإضافة سحاب إلى ظلمات ووجه الإضافة أن السحاب يرتفع وقت هذه الظلمات فأضيف إليها لهذه الملابسة وقرأ الباقون بالقطع والتنوين
ومن غرائب التفاسير أنه سبحانه أراد بالظلمات أعمال الكافر وبالبحر اللجى قلبه وبالموج فوق الموج ما يغشى قلبه من الجهل والشك والحيرة والسحاب الرين والختم والطبع على قلبه وهذا تفسير هو عن لغة العرب بمكان بعيد ثم بالغ سبحانه في هذه الظلمات المذكورة بقوله ) إذا أخرج يده لم يكد يراها ( وفاعل أخرج ضمير يعود على مقدر دل عليه المقام أى إذا أخرج الحاضر في هذه الظلمات أو من ابتلى بها قال الزجاج وأبو عبيدة المعنى لم يرها ولم يكد وقال الفراء إن كاد زائدة والمعنى إذا أخرج يده لم يرها كما تقول ما كدت أعرفه وقال المبرد يعنى لم يرها إلا من بعد الجهد قال النحاس أصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها فإذن لم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة وجملة ) ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ( مقررة لما قبلها من كون أعمال الكفرة على تلك الصفة والمعنى ومن لم يجعل الله له هداية فما له من هداية قال الزجاج ذلك في الدنيا والمعنى من لم يهده الله لم يهتد وقيل المعنى من لم يجعل له نورا يمشى به يوم القيامة فما له من نور يهتدي به إلى الجنة
النور : ( 41 ) ألم تر أن . . . . .
) ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض ( قد تقدم تفسير مثل هذه الآية فى سورة سبحان والخطاب لكل من له أهلية النظر أو للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقد علمه من جهة الاستدلال ومعنى ) ألم تر ( ألم تعلم والهمزة للتقرير أى قد علمت علما يقينيا شبيها بالمشاهدة والتسبيح التنزيه في ذاته وأفعاله وصفاته عن كل ما لا يليق به ومعنى ) من في السماوات والأرض ( من هو مستقر فيهما من العقلاء وغيرهم وتسبيح غير العقلاء ما يسمع من أصواتها ويشاهد من أثر الصنعة البديعة فيها وقيل إن التسبيح هنا هو الصلاة من العقلاء والتنزيه من غيرهم وقد قيل إن هذه الآية تشمل الحيوانات والجمادات وأن آثار الصنعة الإلهية في الجمادات ناطق ومخبر باتصافه سبحانه بصفات الجلال والكمال وتنزهه عن صفات النقص وفي ذلك تقريع للكفار وتوبيخ لهم حيث جعلوا الجمادات التي من شأنها التسبيح لله سبحانه شركاء له يعبدونها كعبادته عز وجل وبالجملة فإنه ينبغي حمل التسبيح على ما يليق بكل نوع من أنواع المخلوقات على طريقة عموم المجاز قرأ الجمهور ) والطير صافات ( بالرفع للطير والنصب لصافات على أن الطير معطوفة على من وصافات منتصب على الحال وقرأ الأعرج والطير والطير بالنصب على المفعول معه وصافات حال أيضا قال الزجاج وهى أجود من الرفع وقرأ الحسن وخارجة عن نافع والطير صافات برفعهما على الابتداء والخبر ومفعول صافات محذوف أى أجنحتها وخص الطير بالذكر مع دخولها تحت من في السموات والأرض لعدم استمرار استقرارها فى الأرض وكثرة لبثها في الهواء وهو ليس من السماء ولا من الأرض ولما فيها من الصنعة البديعة التي تقدر بها تارة على الطيران وتارة على المشى بخلاف غيرها من الحيوانات وذكر حالة من حالات الطير وهى كون صدور التسبيح منها حال كونها صافات لأجنحتها لأن هذه الحالة هي أغرب أحوالها فإن استقرارها في الهواء مسبحة من دون تحريك لأجنحتها ولا استقرار على الأرض من أعظم صنع الله الذي أتقن كل شىء ثم زاد في البيان فقال ) كل قد علم صلاته وتسبيحه ( أى كل واحد مما ذكر والضمير في علم يرجع إلى كل والمعنى أن كل واحد من هذه المسبحات لله قد علم صلاة المصلى وتسبيح المسبح وقيل المعنى أن كل مصل ومسبح قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه قيل والصلاة هنا بمعنى التسبيح وكرر للتأكيد والصلاة قد تسمى تسبيحا وقيل المراد بالصلاة هنا الدعاء أى كل واحد قد علم دعاءه وتسبيحه وفائدة الإخبار بأن كل واحد قد علم


"""""" صفحة رقم 41 """"""
ذلك أن صدور هذا التسبيح هو عن علم قد علمها الله ذلك وألهمها إليه إلا أن صدوره منها على طريقة الاتفاق بلا روية وفي ذلك زيادة دلالة على بديع صنع الله سبحانه وعظيم شأنه كونه جعلها مسبحة له عالمة بما يصدر منها غير جاهلة له ) والله عليم بما يفعلون ( هذه الجملة مقررة لما قبلها أى لا تخفى عليه طاعتهم ولا تسبيحهم ويجوز أن يكون الضمير في علم لله سبحانه أى كل واحد من هذه المسبحة قد علم الله صلاته له وتسبيحه إياه والأول أرجح لاتفاق القراء على رفع كل ولو كان الضمير في علم لله لكان نصب كل أولى وذكر بعض المفسرين أنها قراءة طائفة من القراء علم على البناء للمفعول
النور : ( 42 ) ولله ملك السماوات . . . . .
ثم بين سبحانه أن المبدأ منه والمعاد إليه فقال ) ولله ملك السماوات والأرض ( أى له لا لغيره ) وإليه المصير ( لا إلى غيره والمصير الرجوع بعد الموت وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية في غير موضع
النور : ( 43 ) ألم تر أن . . . . .
ثم ذكر سبحانه دليلا آخر من الآثار العلوية فقال ) ألم تر أن الله يزجي سحابا ( الإزجاء السوق قليلا قليلا ومنه قول النابغة
إنى أتيتك من أهل ومن وطنى
أزجى حشاشة نفس ما بها رمق
وقوله أيضا أسرت عليه من الجوزاء سارية
يزجى السماك عليه جامد البرد
والمعنى أنه سبحانه يسوق السحاب سوقا رقيقا إلى حيث يشاء ) ثم يؤلف بينه ( أى بين أجزائه فيضم بعضه إلى بعض ويجمعه بعد تفرقه ليقوى ويتصل ويكثف والأصل في التأليف الهمز وقرأ ورش وقالون عن نافع يولف بالواو تخفيفا والسحاب واحد في اللفظ ولكن معناه جمع ولهذا دخلت بين عليه لأن أجزاءه في حكم المفردات له قال الفراء إن الضمير في بينه راجع إلى جملة السحاب كما تقول الشجر قد جلست بينه لأنه جمع وأفرد الضمير باعتبار اللفظ ) ثم يجعله ركاما ( أى متراكما يركب بعضه بعضا والركم جمع الشىء يقال ركم الشيء يركمه ركما أى جمعه وألقى بعضه على بعض وارتكم الشىء وتراكم إذا اجتمع والركمة الطين المجموع والركام الرمل المتراكب ) فترى الودق يخرج من خلاله ( الودق المطر عند جمهور المفسرين ومنه قوله الشاعر
فلا مزنة ودقت ودقها
ولا أرض أبقل إبقالها
وقال امرؤ القيس
فدفهما ودق وسح وديمة
وسكب وتوكاف وتهملان
يقال ودقت السحاب فهى وادقة وودق المطر يدق أى قطر يقطر وقيل إن الودق البرق ومنه قول الشاعر أثرن عجاجة وخرجن منها
خروج الودق من خلل السحاب
والأول أولى ومعنى من خلاله من فتوقه التى هى مخارج القطر وجملة ) يخرج من خلاله ( فى محل نصب على الحال لأن الرؤية هنا هى البصرية وقرأ ابن عباس وابن مسعود والضحاك وأبو العالية من خلله على الإفراد وقد وقع الخلاف في خلال هل هو مفرد كحجاب أو جمع كجبال ) وينزل من السماء من جبال فيها من برد ( المراد بقوله من سماء من عال لأن السماء قد تطلق على جهة العلو ومعنى من جبال من قطع عظام تشبه الجبال ولفظ فيها في محل نصب على الحال ومن في من برد للتبعيض وهو مفعول ينزل وقيل إن المفعول محذوف والتقدير ينزل من جبال فيها من برد بردا وقيل إن من فى من برد زائدة والتقدير ينزل من السماء من جبال فيها برد وقيل إن فى الكلام مضافا محذوفا أى ينزل من السماء قدر جبال أو مثل جبال من برد إلى الأرض قال الأخفش إن من في من جبال وفي من برد زائدة في الموضعين والجبال والبرد في موضع


"""""" صفحة رقم 42 """"""
نصب أى ينزل من السماء بردا يكون كالجبال والحاصل أن من فى من السماء لابتداء الغاية بلا خلاف ومن في من جبال فيها ثلاثة أوجه الأول لابتداء الغاية فتكون هى ومجرورها بدلا من الأولى بإعادة الخافض بدل اشتمال الثانى أنها للتبعيض فتكون على هذا هى ومجرورها في محل نصب على أنها مفعول الإنزال كأنه قال وينزل بعض جبال الثالث أنها زائدة أي ينزل من السماء جبالا وأما من في من برد ففيها أربعة أوجه الثلاثة المتقدمة والرابع أنها لبيان الجنس فيكون التقدير على هذا الوجه وينزل من السماء بعض جبال التي هي البرد قال الزجاج معنى الآية وينزل من السماء من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدى من حديد أى خاتم حديد في يدى لأنك إذا قلت هذا خاتم من حديد وخاتم حديد كان المعنى واحدا انتهى وعلى هذا يكون من برد في موضع جر صفة لجبال كما كان من حديد صفة لخاتم ويكون مفعول ينزل من جبال ويلزم من كون الجبال بردا أن يكون المنزل بردا وذكر أبو البقاء أن التقدير شيئا من جبال فحذف الموصوف واكتفى بالصفة ) فيصيب به من يشاء ( أى يصيب بما ينزل من البرد من يشاء أن يصيبه من عباده ) ويصرفه عن من يشاء ( منهم أو يصيب به مال من يشاء ويصرفه عن مال من يشاء وقد تقدم الكلام عن مثل هذا في البقرة ) يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ( السنا الضوء أى يكاد ضوء البرق الذى في السحاب يذهب بالأبصار من شدة بريقه وزيادة لمعانه وهو كقوله ) يكاد البرق يخطف أبصارهم ( قال الشماخ
وما كادت إذا رفعت سناها
ليبصر ضوءها إلا البصير
وقال امرؤ القيس يضىء سناه أو مصابيح راهب
أهان السليط في الذبال المفتل
فالسنا بالقصر ضوء البرق وبالمد الرفعة كذا قال المبرد وغيره وقرأ طلحة بن مصرف ويحيى بن وثاب سناء برقه بالمد على المبالغة في شدة الضوء والصفاء فأطلق عليه اسم الرفعة والشرف وقرأ طلحة ويحيى أيضا بضم الباء من برقه وفتح الراء قال أحمد بن يحيى ثعلب وهى على هذه القراءة جمع برق وقال النحاس البرقة المقدار من البرق والبرقة الواحدة وقرأ الجحدرى وابن القعقاع يذهب بضم الياء وكسر الهاء من الإذهاب وقرأ الباقون سنا بالقصر وبرقه بفتح الباء وسكون الراء ويذهب بفتح الياء والهاء من الذهاب وخطأ قراءة الجحدرى وابن القعقاع الأخفش وأبو حاتم ومعنى ذهاب البرق بالأبصار خطفه إياها من شدة الإضاءة وزيادة البريق والباء في الأبصار على قراءة الجمهور للإلصاق وعلى قراءة غيرهم زائدة
النور : ( 44 ) يقلب الله الليل . . . . .
) يقلب الله الليل والنهار ( أى يعاقب بينهما وقيل يزيد في أحدهما وينقص الآخر وقيل يقلبهما باختلاف ما يقدره فيهما من خير وشر ونفع وضر وقيل بالحر والبرد وقيل المراد بذلك تغيير النهار بظلمة السحاب مرة وبضوء الشمس أخرى وتغيير الليل بظلمة السحاب تارة وبضوء القمر أخرى والإشارة بقوله ) إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ( إلى ما تقدم ومعنى العبرة الدلالة الواضحة التي يكون بها الاعتبار والمراد بأولى الأبصار كل من له بصر يبصر به
النور : ( 45 ) والله خلق كل . . . . .
ثم ذكر سبحانه دليلا ثالثا من عجائب خلق الحيوان وبديع صنعته فقال ) والله خلق كل دابة من ماء ( قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائى والله خالق كل دابة وقرأ الباقون خلق والمعنيان صحيحان والدابة كل ما دب على الأرض من الحيوان يقال دب يدب فهو داب والهاء للمبالغة ومعنى من ماء من نطفة وهى المنى كذا قال الجمهور وقال جماعة إن المراد الماء المعروف لأن آدم خلق من الماء والطين وقيل فى الآية تنزيل الغالب منزلة الكل على القول الأول لأن في الحيوانات ما يتولد لا عن نطفة ويخرج من هذا


"""""" صفحة رقم 43 """"""
العموم الملائكة فإنهم خلقوا من نور والجان فإنهم خلقوا من نار ثم فصل سبحانه أحوال كل دابة فقال ) فمنهم من يمشي على بطنه ( وهى الحيات والحوت والدود ونحو ذلك ) ومنهم من يمشي على رجلين ( الإنسان والطير ) ومنهم من يمشي على أربع ( سائر الحيوانات ولم يتعرض لما يمشى على أكثر من أربع لقلته وقيل لأن المشى على أربع فقط وإن كانت القوائم كثيرة وقيل لعدم الاعتداد بما يمشى على أكثر من أربع ولا وجه لهذا فإن المراد التنبيه على بديع الصنع وكمال القدرة فكيف يقال لعدم الاعتداد بما يمشى على أكثر من أربع وقيل ليس في القرآن ما يدل على عدم المشى على أكثر من أربع لأنه لم ينف ذلك ولا جاء بما يقتضى الحصر وفى مصحف أبى ومنهم من يمشى على أكثر فعم بهذه الزيادة جميع ما يمشي على أكثر من أربع كالسرطان والعناكب وكثير من خشاش الأرض ) يخلق الله ما يشاء ( مما ذكره هاهنا ومما لم يذكره كالجمادات مركبها وبسيطها ناميها وغير ناميها ) إن الله على كل شيء قدير ( لا يعجزه شىء بل الكل من مخلوقاته داخل تحت قدرته سبحانه
النور : ( 46 ) لقد أنزلنا آيات . . . . .
) لقد أنزلنا آيات مبينات ( أى القرآن فإنه قد اشتمل على بيان كل شىء وما فرطنا فى الكتاب من شىء وقد تقدم بيان مثل هذا في غير موضع ) والله يهدي من يشاء ( بتوفيقه للنظر الصحيح وإرشاده إلى التأمل الصادق ) إلى صراط مستقيم ( إلى طريق مستوى لا عوج فيه فيتوصل بذلك إلى الخير التام وهو نعيم الجنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) والذين كفروا أعمالهم كسراب ( قال هو مثل ضربه الله كرجل عطش فاشتد عطشه فرأى سرابا فحسبه ماء فطلبه فظن أنه قدر عليه حتى أتى فلما أتاه لم يجده شيئا وقبض عند ذلك يقول الكافر كذلك السراب إذا أتاه الموت لم يجد عمله يغنى عنه شيئا ولا ينفعه إلا كما نفع السراب العطشان ) أو كظلمات في بحر لجي ( قال يعنى بالظلمات الأعمال وبالبحر اللجى قلب الإنسان ) يغشاه موج ( يعنى بذلك الغشاوة التى على القلب والسمع والبصر وأخرج ابن جرير عنه بقيعة بأرض مستوية وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق السدى عن أبيه عن أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الكفار يبعثون يوم القيامة وردا عطاشا فيقولون أين الماء فيتمثل لهم السراب فيحسبونه ماء فينطلقون إليه فيجدون الله عنده فيوفيهم حسابه والله سريع الحساب وفي إسناده السدى عن أبيه وفيه مقال معروف وأخرج بن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ في العظمة في قوله ) كل قد علم صلاته وتسبيحه ( قال الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه وأخرج ابن أبى حاتم عنه في قوله ) والطير صافات ( قال بسط أجنحتهن وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله ) يكاد سنا برقه ( يقول ضوء برقه وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال كل شىء يمشى على أربع إلا الإنسان وأقول هذه الطيور على اختلاف أنواعها تمشى على رجلين وهكذا غيرها كالنعامة فإنها تمشى على رجلين وليست من الطير فهذه الكلية المروية عنه رضى الله عنه لا تصح
سورة النور 47 57 )


"""""" صفحة رقم 44 """"""
النور : ( 47 ) ويقولون آمنا بالله . . . . .
شرع سبحانه في بيان أحوال من لم تحصل له الهداية إلى الصراط المستقيم فقال ) ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ( وهؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ويقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم فإنهم كما حكى الله عنهم هاهنا ينسبون إلى أنفسهم الإيمان بالله وبالرسول والطاعة لله ولرسوله نسبة بمجرد اللسان لا عن اعتقاد صحيح ولهذا قال ) ثم يتولى فريق منهم ( أى من هؤلاء المنافقين القائلين هذه المقالة من بعد ذلك أى من بعد ما صدر عنهم ما نسبوه إلى أنفسهم من دعوى الإيمان والطاعة ثم حكم عليهم سبحانه وتعالى بعدم الإيمان فقال ) وما أولئك بالمؤمنين ( أى ما أولئك القائلون هذه المقالة بالمؤمنين على الحقيقة فيشمل الحكم بنفى الايمان جميع القائلين ويندرج تحتهم من تولى اندراجا أوليا وقيل إن الإشارة بقوله أولئك راجع إلى من تولى والأول أولى والكلام مشتمل على حكمين الحكم الأول علي بعضهم بالتولى والحكم الثاني على جميعهم بعدم الإيمان وقيل أراد بمن تولى عن قبول حكمه ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل أراد رؤساء المنافقين وقيل أراد بتولى هذا الفريق رجوعهم إلى الباقين ولا ينافى ما تحتمله هذه الآية باعتبار لفظها ورودها على سبب خاص كما سيأتي بيانه
النور : ( 48 ) وإذا دعوا إلى . . . . .
ثم وصف هؤلاء المنافقين بأن فريقا منهم يعرضون عن إجابة الدعوة إلى الله وإلى رسوله في خصوماتهم فقال ) وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ( أى ليحكم الرسول بينهم فالضمير راجع إليه لأنه المباشر للحكم وإن كان الحكم في الحقيقة لله سبحانه ومثل ذلك قوله تعالى ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( وإذا في قوله ) إذا فريق منهم معرضون ( هى الفجائية أى فاجاء فريق منهم الإعراض عن المحاكمة إلى الله والرسول
النور : ( 49 ) وإن يكن لهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه أن إعراضهم إنما هو إذا كان الحق عليهم وأما إذا كان لهم فإنهم


"""""" صفحة رقم 45 """"""
يذعنون لعلمهم بأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يحكم إلا بالحق فقال ) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ( قال الزجاج الإذعان الإسراع مع الطاعة يقال أذعن لى بحقى أى طاوعنى لما كنت ألتمس منه وصار يسرع إليه وبه قال مجاهد وقال الأخفش وابن الأعرابي مذعنين مقرين وقال النقاش مذعنين خاضعين
النور : ( 50 ) أفي قلوبهم مرض . . . . .
ثم قسم الأمر في إعراضهم عن حكومته إذا كان الحق عليهم فقال ) أفي قلوبهم مرض ( وهذه الهمزة للتوبيخ والتقريع لهم والمرض النفاق أى أكان هذا الإعراض منهم بسبب النفاق الكائن في قلوبهم ) أم ارتابوا ( وشكوا في أمر نبوته ( صلى الله عليه وسلم ) وعدله في الحكم ) أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ( والحيف الميل في الحكم يقال حاف في قضيته أى جار فيما حكم به ثم أضرب عن هذه الأمور التى صدرها بالإستفهام الإنكارى فقال ) بل أولئك هم الظالمون ( أى ليس ذلك لشىء مما ذكر بل لظلمهم وعنادهم فإنه لو كان الاعراض لشئ مما ذكر لما أتوا إليه مذعنين إذا كان الحق لهم وفى هذه الآية دليل على وجوب الإجابة إلى القاضي العالم بحكم الله العادل في حكمه لأن العلماء ورثة االأنبياء والحكم من قضاة الإسلام العالمين بحكم الله العارفين بالكتاب والسنة العادلين في القضاء هو حكم بحكم الله وحكم رسوله فالداعي إلى التحاكم إليهم قد دعا إلى الله وإلى رسوله أى إلى حكمهما قال ابن خويزمنداد واجب على كل من دعى إلى مجلس الحاكم أن يجيب مالم يعلم أن الحاكم فاسق قال القرطبي في هذه الآية دليل علي وجوب إجبة الداعى إلى الحاكم لأن الله سبحانه ذم من دعى إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال أفى قلوبهم مرض الآية انتهى فإن كان القاضي مقصرا لا يعلم بأحكام الكتاب والسنة ولا يعقل حجج الله ومعانى كلامه وكلام رسوله بل كان جاهلا جهلا بسيطا وهو من لا علم له بشىء من ذلك أو جهلا مركبا وهو من لا علم عنده بما ذكرنا ولكنه قد عرف بعض اجتهادات المجتهدين واطلع على شىء من علم الرأى فهذا في الحقيقة جاهل وإن اعتقد أنه يعلم بشىء من العلم فاعتقاده باطل فمن كان من القضاة هكذا فلا تجب الإجابة إليه لأنه ليس ممن يعلم بحكم الله ورسوله حتى يحكم به بين المتخاصمين إليه بل هو من قضاة الطاغوت وحكام الباطل فإن ما عرفه من علم الرأي إنما رخص في العمل به للمجتهد الذى هو منسوب إليه عند عدم الدليل من الكتاب والسنة ولم يرخص فيه لغيره ممن يأتى بعده وإذا تقرر لديك هذا وفهمته حق فهمه علمت أن التقليد والانتساب إلى عالم من العلماء دون غيره والتقيد بجميع ما جاء به من رواية ورأى وإهمال ما عداه من أعظم ما حدث في هذه الملة الإسلامية من البدع المضلة والفواقر الموحشة فإنا لله وإنا إليه راجعون وقد أوضحنا هذا في مؤلفنا الذى سميناه القول المفيد في حكم التقليد وفي مؤلفنا الذى سميناه أدب الطلب ومنتهى الأرب فمن أراد أن يقف على حقيقة هذه البدعة التى طبقت الأقطار الإسلامية فليرجع إليهما
النور : ( 51 ) إنما كان قول . . . . .
ثم لما ذكر ما كان عليه أهل النفاق أتبع بما يجب على المؤمنين أن يفعلوه إذا دعوا إلى حكم الله ورسوله فقال ) إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ( قرأ الجمهور بنصب قول على أنه خبر كان واسمها أن يقولوا وقرأ علي والحسن وابن أبى إسحاق برفع قول على أنه الاسم وأن المصدرية وما فى حيزها الخبر وقد رجحت القراءة الأولى بما تقرر عند النحاة من أنه إذا اجتمع معرفتان وكانت إحداهما أعرف جعلت التى هي أعرف اسما وأما سيبويه فقد خير بين كل معرفتين ولم يفرق هذه التفرقة وقد قدمنا الكلام على الدعوة إلى الله ورسوله للحكم بين المتخاصمين وذكرنا من تجب الإجابة إليه من القضاة ومن لا تجب ) أن يقولوا سمعنا وأطعنا ( أى أن يقولوا هذا القول لا قولا آخر وهذا وإن كان على طريقة الخبر فليس المراد به ذلك بل المراد به تعليم الأدب الشرعي عند هذه الدعوة من أحد


"""""" صفحة رقم 46 """"""
المتخاصمين للآخر والمعنى أنه ينبغي للمؤمنين أن يكونوا هكذا بحيث إذا سمعوا الدعاء المذكور قابلوه بالطاعة والإذعان قال مقاتل وغيره يقولون سمعنا قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأطعنا أمره وإن كان ذلك فيما يكرهونه ويضرهم ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله وأولئك أى المؤمنون الذين قالوا هذا القول ) هم المفلحون ( أى الفائزون بخير الدنيا والآخرة
النور : ( 52 ) ومن يطع الله . . . . .
ثم أردف الثناء عليهم بثناء آخر فقال ) ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون ( وهذه الجملة مقررة لما قبلها من حسن حال المؤمنين وترغيب من عداهم إلى الدخول في عدادهم والمتابعة في طاعة الله ورسوله والخشية من الله عز وجل والتقوى له قرأ حفص ويتقه بإسكان القاف على نية الجزم وقرأ الباقون بكسرها لأن جزم هذا الفعل بحذف آخره وأسكن الهاء أبو عمرو وأبو بكر واختلس الكسرة يعقوب وقالون عن نافع والمثنى عن أبى عمرو وحفص وأشبع كسرة الهاء الباقون قال ابن الأنبارى وقراءة حفص على لغة من قال لم أر زيدا ولم أشتر طعاما يسقطون الياء للجزم ثم يسكنون الحرف الذى قبلها ومنه قول الشاعر قالت سليمى اشتر لنا دقيقا
وقول الاخر
عجبت لمولود وليس له أب وذى ولد لم يلده أبوان
وأصله يلد بكسر اللام وسكون الدال للجزم فلما سكن اللام التقى ساكنان فلو حرك الأول لرجع إلى ما وقع الفرار منه فحرك ثانيهما وهو الدال ويمكن أن يقال إنه حرك الأول على أصل التقاء الساكنين وبقى السكون على الدال لبيان ما عليه أهل هذه اللغة ولا يضر الرجوع إلى ما وقع الفرار منه فهذه الحركة غير تلك الحركة والإشارة بقوله فأولئك هم الفائزون إلى الموصوفين بما ذكر من الطاعة والخشية والتقوى أى هم الفائزون بالنعيم الدنيوى والأخروى لا من عداهم
النور : ( 53 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
ثم حكى سبحانه عن المنافقين أنهم لما كرهوا حكمه أقسموا بأنه لو أمرهم بالخروج إلى الغزو لخرجوا فقال ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن ( أى لئن أمرتهم بالخروج إلى الجهاد ليخرجن وجهد أيمانهم منتصب على أنه مصدر مؤكد للفعل المحذوف الناصب له أى أقسموا بالله يجهدون أيمانهم جهدا ومعنى جهد أيمانهم طاقة ما قدروا أن يحلفوا مأخوذ من قولهم جهد نفسه إذا بلغ طاقتها وأقصى وسعها وقيل هو منتصب على الحال والتقدير مجتهدين في أيمانهم كقولهم افعل ذلك جهدك وطاقتك وقد خلط الزمخشري الوجهين فجعلهما واحدا وجواب القسم قوله ليخرجن ولما كانت مقالتهم هذه كاذبة وأيمانهم فاجرة رد الله عليهم فقال ) قل لا تقسموا ( أى رد عليهم زاجرا لهم وقل لهم لاتقسموا أى لا تحلفوا على ما تزعمونه من الطاعة والخروج إلى الجهاد إن أمرتم به وهاهنا تم الكلام ثم ابتدأ فقال طاعة معروفة وارتفاع طاعة على أنها خبر مبتدأ محذوف أى طاعتهم طاعة معروفة بأنها طاعة نفاقية لم تكن عن اعتقاد ويجوز أن تكون طاعة مبتدأ لأنها قد خصصت بالصفة ويكون الخبر مقدرا أى طاعة معروفة أولى بكم من أيمانكم ويجوز أن ترتفع بفعل محذوف أى لتكن منكم طاعة أو لتوجد وفي هذا ضعف لأن الفعل لا يحذف إلا إذا تقدم ما يشعر به وقرأ زيد بن على والترمذى طاعة بالنصب على المصدر لفعل محذوف آى اطيعوا طاعة ) إن الله خبير بما تعملون ( من الأعمال وما تضمرونه من المخالفة لما تنطق به ألسنتكم وهذه الجملة تعليل لما قبلها من كون طاعتهم طاعة نفاق
النور : ( 54 ) قل أطيعوا الله . . . . .
ثم أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأمرهم بطاعة الله ورسوله فقال ) قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ( طاعة ظاهرة وباطنة بخلوص اعتقاد وصحة نية وهذا التكرير منه تعالى لتأكيد وجوب الطاعة عليهم فإن قوله ) قل لا تقسموا طاعة معروفة ( في حكم الأمر بالطاعة وقيل إنهما مختلفان فالأول فهي بطريق الرد والتوبيخ والثانى أمر بطريق التكليف لهم والإيجاب عليهم فإن تولوا


"""""" صفحة رقم 47 """"""
حطاب للمأمورين وأصله فإن تتولوا فحذف إحدى التاءين تخفيفا وفيه رجوع من الخطاب مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الخطاب لهم لتأكيد الأمر عليهم والمبالغة في العناية بهدايتهم إلى الطاعة والانقياد وجواب الشرط قوله ) فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم ( أى فاعلموا أنما على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما حمل مما أمر به من التبليغ وقد فعل وعليكم ما حملتم أى ما أمرتم به من الطاعة وهو وعيد لهم كأنه قال لهم فإن توليتم فقد صرتم حاملين للحمل الثقيل ) وإن تطيعوه ( فيما أمركم به ونهاكم عنه تهتدوا إلى الحق وترشدوا إلى الخير وتفوزوا بالأجر وجملة ) وما على الرسول إلا البلاغ المبين ( مقررة لما قبلها واللام إما للعهد فيراد بالرسول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وإما للجنس فيراد كل رسول والبلاغ المبين التبيلغ الواضح أو الموضح قيل يجوز أن يكون قوله ) فإن تولوا ( ماضيا وتكون الواو لضمير الغائبين وتكون هذه الجملة الشرطية مما أمر به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله لهم ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة والأول أرجح ويؤيده الخطاب في قوله ) وعليكم ما حملتم ( وفي قوله ) وإن تطيعوه تهتدوا ( ويؤيده أيضا قراءة البزى ) فإن تولوا ( بتشديد التاء وإن كانت ضعيفة لما فيها من الجمع بين ساكنين
النور : ( 55 ) وعد الله الذين . . . . .
) وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ( هذه الجملة مقررة لما قبلها من أن طاعتهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سبب لهدايتهم وهذا وعد من الله سبحانه لمن آمن بالله وعمل الأعمال الصالحات بالاستخلاف لهم في الأرض لما استخلف الذين من قبلهم من الأمم وهو وعد يعم جميع الأمة وقيل هو خاص بالصحابة ولا وجه لذلك فإن الإيمان وعمل الصالحات لا يختص بهم بل يمكن وقوع ذلك من كل واحد من هذه الأمة ومن عمل بكتاب الله وسنة رسوله فقد أطاع الله ورسوله واللام في ) ليستخلفنهم في الأرض ( جواب لقسم محذوف أو جواب للوعد بتنزيله منزلة القسم لأنه ناجز لا محالة ومعنى ليستخلفنهم في الأرض ليجعلنهم فيها خلفاء يتصرفون فيها تصرف الملوك في مملوكالتهم وقد أبعد من قال إنها مختصة بالخلفاء الأربعة أو بالمهاجرين أو بأن المراد بالأرض أرض مكة وقد عرفت أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وظاهر قوله ) كما استخلف الذين من قبلهم ( كل من استخلفه الله في أرضه فلا يخص ذلك ببنى إسرائيل ولا أمة من الأمم دون غيرها قرأ الجمهور ) كما استخلف ( بفتح الفوقية على البناء للفاعل وقرأ عيسى بن عمر وأبو بكر والمفضل عن عاصم بضمها على البناء للمفعول ومحل الكاف النصب على المصدرية أى استخلافا كما أستخلف وجملة ) وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ( معطوفة على ليستخلفنهم داخلة تحت حكمه كائنة من جملة الجواب والمراد بالتمكين هنا التثبيت والتقرير أى يجعله الله ثابتا مقررا ويوسع لهم في البلاد ويظهر دينهم على جميع الأديان والمراد بالدين هنا الإسلام كما في قوله ) ورضيت لكم الإسلام دينا ( ذكر سبحانه وتعالى الاستخلاف لهم أولا وهو جعلهم ملوكا وذكر التمكين ثانيا فأفاد ذلك أن هذا الملك ليس على وجه العروض والطرو بل على وجه الاستقرار والثبات بحيث يكون الملك لهم ولعقبهم من بعدهم وجملة ) وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ( معطوفة على التى قبلها قرأ ابن كثير وابن محيصن ويعقوب وأبو بكر ليبدلنهم بالتخفيف من أبدل وهى قراءة الحسن واختارها أبو حاتم وقرأ الباقون بالتشديد من بدل واختارها أبو عبيد وهما لغتان وزيادة البناء تدل على زيادة المعنى فقراءة التشديد أرجح من قراءة التخفيف قال النحاس وزعم أحمد بن يحيى ثعلب أن بين التخفيف والتثقيل فرقا وأنه يقال بدلته أى غيرته وأبدلته أزلته وجعلت غيره قال النحاس وهذا القول صحيح والمعنى أنه سبحانه يجعل لهم مكان ما كانوا فيه من الخوف من الأعداء أمنا ويذهب عنهم أسباب الخوف الذى كانوا فيه بحيث لايخشون إلا الله


"""""" صفحة رقم 48 """"""
سبحانه ولا يرجون غيره وقد كان المسلمون قبل الهجرة وبعدها بقليل في خوف شديد من المشركين لا يخرجون إلا في السلاح ولا يمسون ويصبحون إلا على ترقب لنزول المضرة بهم من الكفار ثم صاروا في غاية الأمن والدعة وأذل الله لهم شياطين المشركين وفتح عليهم البلاد ومهد لهم في الأرض ومكنهم منها فلله الحمد وجملة يعبدوننى في محل نصب على الحال ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة للثناء عليهم وجملة ) لا يشركون بي شيئا ( في محل نصب على الحال من فاعل يعبدوننى أي يعبدوني غير مشركين بى في العبادة شيئا من الأشياء وقيل معناه لايراءون بعبادتي أحدا وقيل معناه لايخافون غيرى وقيل معناه لايحبون غيري ) ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ( أى من كفر هذه النعم بعد ذلك الوعد الصحيح أو من استمر على الكفر أو من كفر بعد إيمان فأولئك الكافرون هم الفاسقون أى الكاملون في الفسق وهو الخروج عن الطاعة والطغيان في الكفر
النور : ( 56 ) وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . .
وجملة ) وأقيموا الصلاة ( معطوفة على مقدر يدل عليه ما تقدم كأنه قيل لهم فآمنوا واعملوا صالحا وأقيموا الصلاة وقيل معطوف على وأطيعوا الله وقيل التقدير فلا تكفروا وأقيموا الصلاة وقد تقدم الكلام على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وكرر الأمر بطاعة الرسول للتأكيد وخصه بالطاعة لأن طاعته طاعة لله ولم يذكر ما يطيعونه فيه لقصد التعميم كما يشعر به الحذف على ماتقرر في علم المعاني من أن مثل هذا الحذف مشعر بالتعميم ) لعلكم ترحمون ( أى افعلوا ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول راجين أن يرحمكم الله سبحانه
النور : ( 57 ) لا تحسبن الذين . . . . .
) لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ( قرأ ابن عامر وحمزة وأبو حيوة لايحسبن بالتحتية بمعنى لاتحسبن الذين كفروا وقرأ الباقون بالفوقية أى لا تحسبن يا محمد والموصول المفعول الأول ومعجزين الثاني لأن الحسبان يتعدى إلى مفعولين قاله الزجاج والفراء وأبو على وأما على القراءة الأولى فيكون المفعول الأول محذوفا أى لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم قال النحاس وما علمت أحدا بصريا ولا كوفيا إلا وهو يخطئ قراءة حمزة ومعجزين معناه فائتين وقد تقدم تفسيره وتفسير ما بعده
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرح عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة في قوله ) ويقولون آمنا بالله وبالرسول ( الآية قال أناس من المنافقين أظهروا الإيمان والطاعة وهم في ذلك يصدون عن سبيل الله وطاعته وجهاد مع رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرجوا أيضا عن الحسن قال إن الرجل كان يكون بينه وبين الرجل خصومة أو منازعة على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا دعى إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو محق أذعن وعلم أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سيقضى له بالحق وإذا أراد أن يظلم فدعى إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أعرض وقال أنطلق إلى فلان فأنزل الله سبحانه ) وإذا دعوا إلى الله ورسوله ( إلى قوله هم الظالمون فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من كان بينه وبين أخيه شىء فدعاه إلى حكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم لاحق له قال ابن كثير بعد أن ساق هذا المتن ما لفظه وهذا حديث غريب وهو مرسل وقال ابن العربي هذا حديث باطل فأما قوله فهو ظالم فكلام صحيح وأما قوله فلاحق له فلايصح ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق انتهى وأقول أما كون الحديث مرسلا فظاهر وأما دعوى كونه باطلا فمحتاجة إلى برهان فقد أخرجه ثلاثة من أئمة الحديث عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم كما ذكرنا ويبعد كل البعد أن ينفق عليهم ما هو باطل وإسناده عند ابن أبى حاتم هكذا قال ابن أبى حاتم حدثنا أبى حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مبارك حدثنا الحسن فذكره وليس في هؤلاء كذاب ولا وضاع ويشهد له ما أخرجه الطبراني عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من دعي إلى سلطان فلم


"""""" صفحة رقم 49 """"""
يجب فهو ظالم لا حق له أنتهى ولا يخفاك أن قضاء العدل وحكام الشرع الذين هم على الصفة التي قدمنا لك قريبا هم سلاطين الدين المترجمون عن الكتاب والسنة المبينون للناس ما نزل إليهم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال أتى قوم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا رسول الله لو أمرتنا أن نخرج من أموالنا لخرجنا فأنزل الله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( الآية وأخرج ابن أبى حاتم عن مقاتل في الآية قال ذلك في شأن الجهاد قال يأمرهم أن لا يحلفوا على شيء ) طاعة معروفة ( قال أمرهم أن يكون منهم طاعة معروفة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) من غير أن يقسموا وأخرج ابن المنذر عن مجاهد طاعة معروفة يقول قد عرفت طاعتهم أى إنكم تكذبون به وأخرج مسلم والترمذي وغيرهما عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال قدم زيد بن أسلم على رسول الله صلى الله وآله وسلم فقال أرأيت إن كان علينا أمراء يأخذون منا الحق ولايعطونا قال فإنما عليهم ماحملوا وعليكم ماحملتم وأخرج ابن جرير وابن قانع والطبراني عن علقمة بن وائل الحضرمي عن سلمة بن يزيد الجعفي قال قلت يا رسول فذكر نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن الزبير عن جابر أنه سئل إن كان على إمام فاجر فلقيت معه أهل ضلالة أقاتل أم لا قال قاتل أهل الضلالة أينما وجدتهم وعلى الإمام ماحمل وعليكم ماحملتم وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن البراء في قوله ) وعد الله الذين آمنوا منكم ( الآية قال فينا نزلت ونحن في خوف شديد وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم عن أبى العالية قال كان النبي صلى الله عليه واله وسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وعبادته وحده لاشريك له سرا وهم خائفون لايؤمرون بالقتال حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموا المدينة فأمرهم الله بالقتال وكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح فغبروا بذلك ماشاء الله ثم إن رجلا من أصحابه قال يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا ما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لن تغبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليست فيهم حديدة فأنزل الله ) وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ( إلى آخر الآية فأظهر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) على جزيرة العرب فأمنوا ووضعوا السلاح ثم إن الله قبض نبيه فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبى بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا وكفروا النعمة فأدخل الله عليهم الخوف الذى كان رفع عنهم واتخذوا الحجر والشرط وغيروا فغير مابهم وأخرج ابن المنذر والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى في الدلائل والضياء في المختارة عن أبى بن كعب قال لما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحد فكانوا لايبيتون إلا في السلاح ولايصبحون إلا فيه فقالوا أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت ) وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ( الآية وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ) يعبدونني لا يشركون بي شيئا ( قال لايخافون أحدا غيرى وأخرج الفريابى وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد مثله قال ) ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ( العاصون وأخرج عبد بن حميد عن أبى العالية قال كفر بهذه النعمة ليس الكفر بالله وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ) معجزين في الأرض ( قال سابقين في الأرض


"""""" صفحة رقم 50 """"""
سورة النور 58 61 )
النور : ( 58 ) يا أيها الذين . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر ماذكره من دلائل التوحيد رجع إلى ما كان فيه من الاستئذان فذكره هاهنا على وجه أخص فقال ) يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ( والخطاب للمؤمنين وتدخل المؤمنات فيه تغليبا كما في غيره من الخطابات قال العلماء هذه الآية خاصة ببعض الأوقات واختلفوا في المراد بقوله ليستأذنكم على أقوال الأول أنها منسوخة قاله سعيد بن المسيب وقال سعيد بن جبير إن الأمر فيها للندب لا للوجوب وقيل كان ذلك واجبا حيث كانوا لا أبواب لهم ولو عاد الحال لعاد الوجوب حكاه المهدوى عن ابن عباس وقيل إن الأمر هاهنا للوجوب وإن الآية محكمة غير منسوخة وأن حكمها ثابت على الرجال والنساء قال القرطبى وهو قول أكثر أهل العلم وقال أبو عبد الرحمن السلمى إنها خاصة بالنساء وقال ابن عمر هى خاصة بالرجال دون النساء والمراد بقوله ) ملكت أيمانكم ( العبيد والإماء والمراد بالذين لم يبلغوا الحلم الصبيان منكم أي من الأحرار ومعنى ثلاث مرات ثلاثة أوقات في اليوم والليلة وعبر بالمرات عن الأوقات لأن أصل وجوب الاستئذان هو بسبب مقارنة تلك الأوقات لمرور المستأذنين بالمخاطبين لا نفس الأوقات وانتصاب ثلاث مرات على الظرفية الزمانية أى ثلاثة أوقات ثم فسر تلك الأوقات بقوله ) من قبل صلاة الفجر ( الخ أو منصوب على المصدرية أى ثلاث استئذانات ورجح هذا أبو حيان فقال والظاهر من قوله ثلاث مرات ثلات استئذانات ورجع هذا أبو حيان فقال والظاهر من قوله ثلاث مرات ثلاث استتذانات لأنك إذا قلت ضربتك ثلاث مرات لايفهم منه إلا ثلاث ضربات ويرد بأن الظاهر هنا متروك للقرينة المذكورة وهو التفسير بالثلاثة الأوقات قرأ الحسن وأبو عمرو في رواية الحلم بسكون اللام وقرأ الباقون بضمها قال الأخفش الحلم من حلم الرجل بفتح اللام ومن الحلم حلم بضم اللام يحلم بكسر اللام


"""""" صفحة رقم 51 """"""
ثم فسر الثلاث المرات فقال ) من قبل صلاة الفجر ( وذلك لأنه وقت القيام عن المضاجع وطرح ثياب النوم وليس ثياب اليقظة وربما يبيت عريانا أو على حال لايحب أن يراه غيره فيها ومحله النصب على أنه بدل من ثلاث ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هى من قبل وقوله ) وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ( معطوف على محل ) من قبل صلاة الفجر ( ومن فى من الظهيرة للبيان أو بمعنى فى أو بمعنى اللام والمعنى حين تضعون ثيابكم التى تلبسونها في النهار من شدة حر الظهيرة وذلك عند انتصاف النهار فإنهم قد يتجردون عن الثياب لأجل القيلولة ثم ذكر سبحانه الوقت الثالث فقال ) ومن بعد صلاة العشاء ( وذلك لأنه وقت التجرد عن الثياب والخلوة بالأهل ثم أجمل سبحانه هذه الأوقات بعد التفصيل فقال ) ثلاث عورات لكم ( قرأ الجمهور ثلاث عورات برفع ثلاث وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بالنصب على البدل من ثلاث مرات قال ابن عطية إنما يصح البدل بتقدير أوقات ثلاث عورات فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ويحتمل أنه جعل نفس ثلاث مرات نفس ثلاث عورات مبالغة ويجوز أن يكون ثلاث عورات بدلا من الأوقات المذكورة أى من قبل صلاة الفجر الخ ويجوز أن تكون منصوبة بإضمار فعل أى أعنى ونحوه وأما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أى هن ثلاث قال أبو حاتم النصب ضعيف مردود وقال الفراء الرفع أحب إلى قال وإنما اخترت الرفع لأن المعنى هذه الخصال ثلاث عورات وقال الكسائي إن ثلاث عورات مرتفعة بالابتداء والخبر ما بعدها قال والعورات الساعات التي تكون فيها العورة قال الزجاج المعنى ليستأذنكم أوقات ثلاث عورات فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وعورات جمع عورة والعورة في الأصل الخلل ثم غلب فى الخلل الواقع فيما يهم حفظه ويتعين ستره أى هى ثلاث أوقات يختل فيها الستر وقرأ الأعمش عورات بفتح الواو وهى لغة هذيل وتميم فإنهم يفتحون عين فعلات سواء كان واو أو ياء ومنه أخو بيضات رايح متأوب
رفيق بمسح المنكبين سبوح
وقوله أبو بيضات رايح أو مبعد
عجلان ذا زاد وغير مزود
ولكم متعلق بمحذوف هو صفة لثلاث عورات أى كائنة لكم والجملة مستأنفة مسوقة لبيان علة وجوب الاستئذان ) ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ( أى ليس على المماليك ولا على الصبيان جناح أى إثم في الدخول بغير استئذان لعدم ما يوجبه من مخالفة الأمر والاطلاع علي العورات ومعنى بعدهن بعد كل واحدة من هذه العورات الثلاث وهى الأوقات المتخللة بين كل اثنين منها وهذه الجملة مستأنفة مقررة للأمر بالأستئذان في تلك الأحوال خاصة ويجوز أن تكون في محل رفع صفة لثلاث عورات على قراءة الرفع فيها قال أبو البقاء بعدهن أى بعد استئذانهم فيهن ثم حذف حرف الجر والمجرور فبقى بعد استئذانهم ثم حذف المصدر وهو الاستئذان والضمير المتصل به ورد بأنه لا حاجة إلى هذا التقدير الذى ذكره بل المعنى ليس عليكم جناح ولا عليهم أى العبيد والإماء والصبيان جناح في عدم الاستئذان بعد هذه الأوقات المذكورة وارتفاع طوافون على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هم طوافون عليكم والجملة مستأنفة مبينة للعذر المرخص في ترك الاستئذان قال الفراء هذا كقولك في الكلام هم خدمكم وطوافون عليكم وأجاز أيضا نصب طوافين لأنه نكرة والمضمر فى عليكم معرفة ولايجيز البصريون أن تكون حالا من المضمرين اللذين في عليكم وفى بعضكم لاختلاف العاملين ومعنى طوافون عليكم أى يطوفون عليكم عليكم ومنه الحديث في الهرة


"""""" صفحة رقم 52 """"""
إنما هى من الطوافين عليكم أو الطوافات أى هم خدمكم فلا بأس أن يدخلوا عليكم في غير هذه الأوقات بغير إذن ومعنى ) بعضكم على بعض ( بعضكم يطوف أو طائف على بعض وهذه الجملة بدل مما قبلها أو مؤكدة لها والمعنى أن كلا منكم يطوف على صاحبه العبيد على الموالى والموالى على العبيد ومنه قول الشاعر ولما قرعنا النبع بالنبع بعضه
ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
وقرأ ابن أبي عبلة طوافين بالنصب على الحال كما تقدم عن الفراء وإنما أباح سبحانه الدخول في غير تلك الأوقات الثلاثة بغير استئذان لأنها كانت العادة أنهم لايكشفون عوراتهم في غيرها والإشارة بقوله ) كذلك يبين الله لكم الآيات ( إلى مصدر الفعل الذى بعده كما فى سائر المواضع في الكتاب العزيز أى مثل ذلك التبيين يبين الله لكم الايات الدالة على ما شرعه لكم من الأحكام ) والله عليم حكيم ( كثير العلم بالمعلومات وكثير الحكمة فى أفعاله
النور : ( 59 ) وإذا بلغ الأطفال . . . . .
) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ( بين سبحانه هاهنا حكم الأطفال الأحرار إذا بلغوا الحلم بعد مابين فيما مر حكم الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم في أنه لاجناح عليهم في ترك الاستئذان فيما عدا الأوقات الثلاثة فقال فليستأذنوا يعنى الذين بلغوا الحلم إذا دخلوا عليكم ) كما استأذن الذين من قبلهم ( والكاف نعت مصدر محذوف أى استئذانا كما استأذن الذين من قبلهم والموصول عبارة عن الذين قيل لهم ) لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا ( الآية والمعنى أن هؤلاء الذين بلغوا الحلم يستأذنون في جميع الأوقات كما استأذن الذين من قبلهم من الكبار الذين أمروا بالاستئذان من غير استثناء ثم كرر ما تقدم للتأكيد فقال ) كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم ( وقرأ الحسن الحلم فحذف الضمة لثقلها قال عطاء واجب على الناس أن يستأذنوا إذا احتلموا أحرارا كانوا أو عبيدا وقال الزهري يستأذن الرجل على أمه وفى هذا المعنى نزلت هذه الآية
النور : ( 60 ) والقواعد من النساء . . . . .
والمراد بالقواعد من النساء العجائز التي قعدن عن الحيض والولد من الكبر واحدتها قاعد بلا هاء ليدل حذفها على أنه قعود الكبر كما قالوا امرأة حامل ليدل بحذف الهاء على أنه حمل حبل ويقال قاعدة في بيتها وحاملة على ظهرها قال الزجاج هن اللاتى قعدن عن التزويج وهو معنى قوله ) اللاتي لا يرجون نكاحا ( أى لايطمعن فيه لكبرهن وقال أبو عبيدة اللاتى قعدن عن الولد وليس هذا بمستقيم لأن المرأة تقعد عن الولد وفيها مستمعتع ثم ذكر سبحانه حكم القواعد فقال ) فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ( أى الثياب التي تكون على ظاهر البدن كالجلباب ونحوه لا الثياب التى على العورة الخاصة وإنما جاز لهن لانصراف الأنفس عنهن إذ لا رغبة للرجال فيهن فأباح الله سبحانه لهن مالم يبحه لغيرهن ثم استثنى حالة من حالاتهن فقال ) غير متبرجات بزينة ( أى غير مظهرات للزينة التى أمرت بإخفائها في قوله ) ولا يبدين زينتهن ( والمعنى من غير أن يردن بوضع الجلابيب إظهار زينتهن ولا متعرضات بالتزين لينظر إليهن الرجال والتبرج التكشف والظهور للعيون ومنه بروج مشيدة وبروج السماء ومنه قولهم سفينة بارجة أى لاغطاء عليها ) وأن يستعففن خير لهن ( أى وأن يتركن وضع الثياب فهو خير لهن من وضعها وقرأ عبد الله بن مسعود وأبى بن كعب وابن عباس ? أن يضعن من ثيابهن ? بزيادة من وقرأ ابن مسعود وان يعففن بغير سين ? والله سيمع عليم ? كثير السماع والعلم أو بليغهما
النور : ( 61 ) ليس على الأعمى . . . . .
) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( اختلف أهل العلم في هذه الاية هل هي محكمة إو منسوخة قال بالأول جماعة من العلماء وبالثاني جماعة قيل إن المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا زمناهم وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما فى بيوتنا فكانوا يتحرجون من ذلك وقالوا لا ندخلها وهم غيب فنزلت هذه الآية رخصة لهم فمعنى الآية نفى الحرج عن


"""""" صفحة رقم 53 """"""
الزمنى في أكلهم من بيوت أقاربهم أو بيوت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو قال النحاس وهذا القول من أجل ماروى في الآية لما فيه من الصحابة والتابعين من التوقيف وقيل إن هؤلاء المذكورين كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء حذارا من استقذارهم إياهم وخوفا من تأذيهم بأفعالهم فنزلت وقيل إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به القدرة الكاملة على المشي على وجه يتعذر الإتيان به مع العرج وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه وقيل المراد بهذا الحرج المرفوع عن هؤلاء هو الحرج في الغزو أى لاحرج على هؤلاء في تأخرهم عن الغزو وقيل كان الرجل إذا أدخل أحدا من هؤلاء الزمنى إلى بيته فلم يجد فيه شيئا يطعمهم إياه ذهب بهم إلى بيوت قرابته فيتحرج الزمنى من ذلك فنزلت ومعنى قوله ) ولا على أنفسكم ( عليكم وعلى من يماثلكم من المؤمنين ) أن تأكلوا ( زنتم ومن معكم وهذا ابتداء كلام أى ولا عليكم أيها الناس والحاصل أن رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض إن كان باعتبار مؤاكلة الأصحاء أو دخول بيوتهم فيكون ولا على أنفسكم متصلا بما قبله وإن كان رفع الحرج عن أولئك باعتبار التكاليف التي يشترط فيها وجود البصر وعدم العرج وعدم المرض فقوله ) ولا على أنفسكم ( ابتداء كلام غير متصل بما قبله ومعنى ) من بيوتكم ( البيوت التى فيها متاعهم وأهلهم فيدخل بيوت الأولاد كذا قال المفسرون لأنها داخلة في بيوتهم لكون بيت ابن الرجل بيته فلذا لم يذكر سبحانه بيوت الأولاد وذكر بيوت الاباء وبيوت الأمهات ومن بعدهم قال النحاس وعارض بعضهم هذا فقال هذا تحكم على كتاب الله سبحانه بل الأولى في الظاهر أن يكون الابن مخالفا لهؤلاء ويجاب عن هذه المعارضة بأن رتبة الأولاد بالنسبة إلى الآباء لا تنقص عن رتبة الآباء بالنسبة إلى الأولاد بل للآباء مزيد خصوصية في أموال الأولاد لحديث أنت ومالك لأبيك وحديث ولد الرجل من كسبه ثم قد ذكر الله سبحانه هاهنا بيوت الإخوة والأخوات بل بيوت الأعمام والعمات بل بيوت الأخوال والخالات فكيف ينفى سبحانه الحرج عن الأكل من بيوت هؤلاء ولا ينفيه عن بيوت الأولاد وقد قيد بعض العلماء جواز الأكل من بيوت هؤلاء بالإذن منهم وقال آخرون لايشترط الإذن قيل وهذا إذا كان الطعام مبذولا فإن كان محرزا دونهم لم يجز لهم أكله ثم قال سبحانه ) أو ما ملكتم مفاتحه ( أى البيوت التي تملكون التصرف فيها بإذن أربابها وذلك كالوكلاء والعبيد والخزان فإنهم يملكون التصرف في بيوت من أذن لهم بدخول بيته وإعطائهم مفاتحه وقيل المراد بها بيوت المماليك قرأ الجمهور ملكتم بفتح الميم وتخفيف اللام وقرأ سعيد بن جبير بضم الميم وكسر اللام مع تشديدها وقرأ أيضا مفاتيحه بياء بين التاء والحاء وقرأ قتادة مفاتحه على الإفراد والمفاتح جمع مفتح والمفاتيح جمع مفتاح أو صديقكم أى لا جناح عليكم أن تأكلوا من بيوت صديقكم وإن لم يكن بينكم وبينه قرابة فرن الصديق في الغالب يسمح لصديقه بذلك وتطيب به نفسه والصديق يطلق على الواحد والجمع ومنه قول جرير
دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا
بأسهم أعداء وهن صديق
ومثله العدو والخليط والقطين والعشير ثم قال سبحانه ) ليس عليكم جناح أن تأكلوا ( من بيوتكم ) جميعا أو أشتاتا ( انتصاب جميعا وأشتاتا على الحال والأشتات جمع شت والشت المصدر بمعنى التفرق يقال شت القوم أى تفرقوا وهذه الجملة كلام مستأنف مشتمل على بيان حكم آخر من جنس ما قبله أي ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم مجتمعين أو متفرقين وقد كان بعض العرب يتحرج أن يأكل وحده حتى يجد له أكيلا يؤاكله فيأكل معه وبعض العرب كان لا يأكل إلا مع ضيف ومنه قول حاتم


"""""" صفحة رقم 54 """"""
اذا ما صنعت الزاد فالتمسى له
أكيلا فإني لست آكله وحدي
) فإذا دخلتم بيوتا ( هذا شروع في بيان أدب آخر أدب به عباده أى إذا دخلتم بيوتا غير البيوت التى تقدم ذكرها ) فسلموا على أنفسكم ( أي على أهلها الذين هم بمنزلة أنفسكم وقيل المراد البيوت المذكورة سابقا وعلى القول الأول فقال الحسن والنخعى هى المساجد والمراد سلموا على من فيها من صنفكم فإن لم يكن فى المساجد أحد فقيل يقول السلام على رسول الله وقيل يقول السلام عليكم مريدا للملائكة وقيل يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وقال بالقول الثاني أعنى أنها البيوت المذكورة سابقا جماعة من الصحابة والتابعين وقيل المراد بالبيوت هنا هى كل البيوت المسكونة وغيرها فيسلم على أهل المسكونة وأما غير المسكونة فيسلم على نفسه قال ابن العربي القول بالعموم في البيوت هو الصحيح وانتصاب تحية على المصدرية لأن قوله فسلموا معناه فحيوا أى تحية ثابتة ) من عند الله ( أى إن الله حياكم بها وقال الفراء أى إن الله أمركم أن تفعلوها طاعة له ثم وصف هذه التحية فقال مباركة أى كثيرة البركة والخير دائمتهما طيبة أى تطيب بها نفس المستمع وقيل حسنة جميلة وقال الزجاج أعلم الله سبحانه أن السلام مبارك طيب لما فيه من الأجر والثواب ثم كرر سبحانه فقال ) كذلك يبين الله لكم الآيات ( تأكيدا لما سبق وقد قدمنا أن الإشارة بذلك إلى مصدر الفعل ) لعلكم تعقلون ( تعليل لذلك التبيين برجاء تعقل آيات الله سبحانه وفهم معانيها
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال بلغنا أن رجلا من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرشدة صنعا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) طعاما فقالت أسماء يا رسول الله ما أقبح هذا إنه ليدخل على المرأة وزوجها وهما فيب ثوب واحد غلامهما بغير إذن فأنزل الله في ذلك ) يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ( يعنى العبيد والإماء ) والذين لم يبلغوا الحلم منكم ( قال من أحراركم من الرجال والنساء وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى في هذه الآية قال كان أناس من أصحاب رسول الله عليه وآله وسلم يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لايدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن وأخرج ابن مردويه عن ثعلبة القرظى عن عبد الله بن سويد قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن العورات الثلاث فقال إذا أنا وضعت ثيابى بعد الظهيرة لم يلج على أحد من الخدم من الذين لم يبلغوا الحلم ولا أحد لم يبلغ الحلم من الأحرار إلا بإذن وإذا وضعت ثيابى بعد صلاة العشاء ومن قبل صلاة الصبح وأخرجه عبد بن حميد والبخارى في الأدب عن عبد الله بن سويد من قوله وأخرج نحوه أيضا ابن سعد عن سويد بن النعمان وأخرج سعيد بن منصور وابن وأبي شيبة وأبو داود وابن مردويه والبيهقى في سننه عن ابن عباس قال إنه لم يؤمن بها أكثر الناس يعنى آية الإذن وإنى لآمر جاريتى هذه لجارية قصيرة قائمة على رأسه أن تستأذن علي وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال ترك الناس ثلاث آيات لم يعملوا بهن ) يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ( والاية التي في سورة النساء ) وإذا حضر القسمة ( الاية والآية التي في الحجرات ) إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى في السنن عنه أيضا في الآية قال إذا خلا الرجل بأهله بعد العشاء فلايدخل عليه صبي ولا خادم إلا بإذنه حتى يصلى الغداة وإذا خلا بأهله عند الظهر فمثل ذلك ورخص لهم فى الدخول فيما بين ذلك بغير إذن وهو قوله ) ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ( فأما من بلغ الحلم فإنه لايدخل على الرجل وأهله إلا بإذن على كل حال وهو قوله ) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ( وأخرج أبو داود ابن


"""""" صفحة رقم 55 """"""
المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى في السنن بسند صحيح من طريق عكرمة عنه أيضا أن رجلا سأله عن الاستئذان في الثلاث العورات التى أمر الله بها فى القران فقال ابن عباس إن الله ستير يحب الستر وكان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولا حجاب في بيوتهم فربما فجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيم في حجره وهو على أهله فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التى سمى الله ثم جاء الله بعد بالستور فبسط عليهم في الرزق فاتخذوا الستور واتخذوا الحجاب فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذى أمروا به وأخرج ابن أبي شيبة والبخارى في الأدب وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر في قوله ) ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ( قال هى على الذكور دون الإناث ولا وجه لهذا التخصيص فالاطلاع على العورات في هذه الأوقات كما يكرهه الأنسان من الذكور يكرهه من الإناث وأخرج ابن مردويه عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآل وسلم في الآية قالت نزلت في النساء أن يستأذن علينا وأخرج الحاكم وصححه عن على في الاية قال النساء فإن الرجال يستأذنون وأخرج الفريابى وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى عبد الرحمن السلمى فى هذه الآية قال هى فى السناء خاصه الرجال يستأذنون على كل حال بالليل والنهار وأخرج الفريابى عن موسى بن أبى عائشة قال سألت الشعبى عن هذه الآية أمنسوخة هى قال لا وأخرج سعيد بن منصور والبخارى في الأدب وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن عطاء أنه سأل ابن عباس أأستأذن على أختى قال نعم قلت إنها في حجرى وإنى أنفق عليها وإنها معى في البيت أأستأذن عليها قال نعم إن الله يقول ) ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ( الآية فلم يؤمر هؤلاء بالإذن إلا فى هؤلاء العورات الثلاث قال ) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ( فالإذن واجب على كل خلق الله أجمعين وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير والبيهقى في سننه عن ابن مسعود قال عليكم إذن على أمهاتكم وأخرج سعيد بن منصور والبخارى في الأدب عنه قال يستأذن الرجل على أبيه وأمه وأخيه وأخته وأخرج ابن أبى شيبة والبخارى في الأدب عن جابر نحوه وأخرج ابن جرير والبيهقى في السنن عن عطاء بن يسار أن رجلا قال يا رسول الله أأستأذن على أمى قال نعم قال إنى معها في البيت قال استأذن عليها قال إنى خادمها أفأستأذن عليها كلما دخلت قال أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها وهو مرسل وأخرج ابن أبى شيبة نحوه عن زيد بن أسلم أن رجلا سأل النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وهو أيضا مرسل واخرج أبو داود والبيهقى في السنن عن ابن عباس ) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ( الاية فنسخ واستثنى من ذلك ) والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا ( الآية وزخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى في السنن عنه قال هى المرأة لاجناح عليها أن تجلس في بيتها بدرع وخمار وتضع عليها الجلباب مالم تتبرج بما يكرهه الله وهو قوله ) فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ( وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر وابن الأنبارى في المصاحف والبيهقى عن ابن عباس أنه كان يقرأ ) أن يضعن ثيابهن ( ويقول هو الجلباب وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عمر في الآية قال تضع الجلباب وأخرج عبد الرزاق والفريابى وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبرانى والبيهقى في السنن عن ابن مسعود ) أن يضعن ثيابهن ( قال الجلباب والرداء وأخرج ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال لما نزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( قالت الأنصار ما بالمدينة مال أعز من الطعام كانوا يتحرجون أن


"""""" صفحة رقم 56 """"""
يأكلوا مع الأعمى يقولون إنه لايبصر موضع الطعام وكانوا يتحرجون الأكل مع الأعراج يقولون الصحيح يسبقه إلى المكان ولايستطيع أن يزاحم ويتحرجون الأكل مع المريض يقولون لايستطيع أن يأكل مثل الصحيح وكانوا يتحرجون أن يأكلوا في بيوت أقاربهم فنزلت ) ليس على الأعمى ( يعنى في الأكل مع الأعمى وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مقسم نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن مجاهد قال كان الرجل يذهب بالأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو بيت أخيه أو بيت عمه أو بيت عمته أو بيت خاله أو بيت خالته فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم فنزلت هذه الآية رخصة لهم وأخرج البزار وابن أبى حاتم وابن مردويه وابن النجار عن عائشة قالت كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول ( صلى الله عليه وسلم ) فيدفعون مفاتيحهم إلى أمنائهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما احتجتم إليه فكانوا يقولون إنه لايحل لنا أن نأكل إنهم أذنوا لنا من غير طيب نفس وإنما نحن زمنى فأنزل الله ) ولا على أنفسكم أن تأكلوا ( إلى قوله ) أو ما ملكتم مفاتحه ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال المسلمون إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله ) ليس على الأعمى حرج ( إلى قوله ) أو ما ملكتم مفاتحه ( وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته والذى رخص الله أن يأكل من ذلك الطعام والتمر ويشرب اللبن وكانوا أيضا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال ) ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الضحاك قال كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا يخالطهم في طعامهم زعمى ولا مريض ولا أعرج لايستطع المزاحمة علي الطعام فزلت رخصة في مؤاكلتهم وزخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود فى مراسيله وابن جرير والبيهقى عن الزهرى أنه سئل عن قوله ) ليس على الأعمى حرج ( ما بال الأعمى والأعرج والمريض ذكروا هنا فقال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن المسلمين كانوا وإذا غزوا خلفوا زمناهم وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم يقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما فى بيوتنا وكانوا يتحرجون من ذلك يقولون لاندخلها وهم غيب فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة قال كان هذا الحى من بنى كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أن عليه مخزاة آن يأكل وحده في الجاهلية حتى إن كان الرجل يسوق الزود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه فأنزل الله ) ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وأبى صالح قالا كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لايأكلون حتى يأكل الضيف معهم فنزلت رخصة لهم وأخرج الثعلبى عن ابن عباس في الآية قال خرج الحارث غازيا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وخلف على أهله خالد بن يزيد فحرج أن يأكل من طعامه وكان مجهودا فنزلت وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله أو صديقكم قال إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته ثم أكلت من طعامه بغير إذنه لم يكن بذلك بأس وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد في قوله أو صديقكم قال هذا شىء قد انقطع إنما كان هذا فى أوله ولم يكن لهم أبواب وكانت الستور مرخاة فربما دخل البيت وليس فيه أحد فربها وجد الطعام وهو جائع فسوغه الله أن يأكله وقال ذهب ذلك اليوم البيوت فيها أهلها فإذا خرجوا أغلقوا فقد ذهب ذلك


"""""" صفحة رقم 57 """"""
وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس في قوله ) فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ( يقول إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أنفسكم ) تحية من عند الله ( وهو السلام لأنه اسم الله وهو تحية أهل الجنة وأخرج البخارى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق أبى الزبير عن جابر بن عبد الله قال إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله ) مباركة طيبة ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى في الشعب عن ابن عباس في قوله ) فسلموا على أنفسكم ( قال هو المسجد إذا دخلته فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وأخرج ابن أبى شيبة والبخارى في الأدب عن ابن عمر قال إذا دخل البيت غير المسكون أو المسجد فليقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين
سورة النور 62 64
النور : ( 62 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
جملة ) إنما المؤمنون ( مستأنفة مسوقة لتقدير ما تقدمها من الأحكام وإنما من صيغ الحصر والمعنى لايتم إيمان ولايكمل حتى يكون بالله ورسوله وجملة ) وإذا كانوا معه على أمر جامع ( معطوفة على آمنوا داخلة معه في حيز الصلة أى إذا كانوا مع رسول الله على أمر جامع أى على طاعة يجتمعون عليها نحو الجمعة والنحر والفطر والجهاد وأشباه ذلك وسمى الأمر جامعا مبالغة ) لم يذهبوا حتى يستأذنوه ( قال المفسرون كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر لم يخرج حتى يقوم بحيال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حيث يراه فيعرف أنه إنما قام ليستأذن فيأذن لمن يشاء منهم قال مجاهد وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده قال الزجاج أعلم الله أن المؤمنين إذا كانوا مع نبيه فيما يحتاج فيه إلى الجماعة لم يذهبوا حتى يستأذنوه وكذلك ينبغي أن يكونوا مع الإمام لايخالفونه ولايرجعون عنه في جمع من جموعهم إلا بإذنه وللإمام أن يأذن وله أن لايأذن على ما يرى لقوله تعالى ) فأذن لمن شئت منهم ( وقرأ اليمانى على أمر جميع والحاصل أن الأمر الجامع أو الجميع هو الذى يعم نفعه أو ضرره وهو الأمر الجليل الذى يحتاج إلى اجتماع أهل الرأي والتجارب قال العلماء كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن ثم قال سبحانه ) إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله ( فبين سبحانه ءان المستأذنين هم المؤمنون بالله ورسوله كما حكم أولا بأن المؤمنين الكاملين الإيمان هم الجامعون بين الإيمان بهما وبين الاستئذان ) فإذا استأذنوك لبعض شأنهم ( أى استأذن المؤمنون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 58 """"""
لبعض الأمور التى تهمهم فإنه يأذن لمن شاء منهم ويمنع من شاء على حسب ما تقتضيه المصلحة التى يراها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أرشده الله سبحانه إلى الاستغفار لهم وفيه إشارة إلى أن الاستئذان إن كان لعذر مسوغ فلا يخلو عن شائبة تأثير أمر الدنيا على الاخرة ) إن الله غفور رحيم ( أى كثير المغفرة والرحمة بالغ فيهما إلى الغاية التى ليس وراءها غاية
النور : ( 63 ) لا تجعلوا دعاء . . . . .
) لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ( وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها أي لاتجعلوا دعوته إياكم كالدعاء من بعضكم لبعض في التساهل في بعض الأحوال عن الإجابة أو الرجوع بغير استئذان أو رفع الصوت وقال سعيد بن جبير ومجاهد المعنى قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم وقال قتادة أمرهم أن يشرفوه ويفخموه وقيل المعنى لا تتعرضوا لدعاء الرسول عليكم بإسخاطه فإن دعوته موجبة ) قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا ( التسلل الخروج في خفية يقال تسلل فلان من بين أصحابه إذا خرج من بينهم واللواذ من الملاوذة وهو أن تستتر بشيء مخافة من يراك وأصله أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا واللوذ ما يطيف بالجبل وقيل اللواذ الزوغان من شىء إلى شىء في خفية وانتصاب لواذا على الحال أى متلاوذين يلوذ بعضهم ببعض وينضم إليه وقيل هو منتصب على المصدرية لفعل مضمر هو الحال في الحقيقة أى يلوذون لواذا وقرأ زيد بن قطيب لواذا بفتح اللام وفي الآية بيان ما كان يقع من المنافقين فإنهم كانوا يتسللون عن صلاة الجمعة متلاوذين ينضم بعضهم إلى بعض استتارا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد كان يوم الجمعة أثقل يوم على المنافقين لما يرون من الاجتماع للصلاة والخطبة فكانوا يفرون على الحضور ويتسللون في خفية ويستتر بعضهم ببعض وينضم إليه وقيل اللواذ الفرار من الجهاد وبه قال الحسن ومنه قول حسان
وقريش تجول منكم لواذا
لم تحافظ وجف منها الحلوم
) فليحذر الذين يخالفون عن أمره ( الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أى يخالفون أمر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بترك العمل بمقتضاه وعدى فعل المخالفة بعن مع كونه متعديا بنفسه لتضمينه معنى الإعراض أو الصد وقيل الضمير لله سبحانه لأنه الآمر بالحقيقة ) أن تصيبهم فتنة ( مفعول يحذر وفاعلة الموصول والمعنى فليحذر المخالفون عن أمر الله أو أمر رسوله أو أمرهما جميعا إصابة فتنة لهم ) أو يصيبهم عذاب أليم ( أى في الآخرة كما أن الفتنة التى حذرهم من إصابتها لهم هى في الدنيا وكلمة أو لمنع الخلو قال القرطبى احتج الفقهاء على أن الأمر للوجوب بهذه الآية ووجه ذلك أن الله سبحانه قد حذر من مخالفة أمره وتوعد بالعقاب عليها بقوله ) أن تصيبهم فتنة ( الآية فيجب امتثال أمره وتحرم مخالفته والفتنة هنا غير مقيدة بنوع من أنواع الفتن وقيل هي القتل وقيل الزلازل وقيل تسلط سلطان جائر عليهم وقيل الطبع على قلوبهم قال أبو عبيدة والأخفش عن فى هذا الموضع زائدة وقال الخليل وسيبويه ليست بزائدة بل هى بمعنى بعد كقوله ) ففسق عن أمر ربه ( أى بعد أمر ربه والأولى ما ذكرناه من التضمين
النور : ( 64 ) ألا إن لله . . . . .
) ألا إن لله ما في السماوات والأرض ( من المخلوقات بأسرها فهى ملكه ) قد يعلم ما أنتم عليه ( أيها العباد من الأحوال التي أنتم عليها فيجازيكم بحسب ذلك ويعلم هاهنا بمعنى علم ويوم يرجون إليه معطوف على ما أنتم عليه أى يعلم ما أنتم عليه ويعلم يوم يرجعون إليه فيجازيكم فيه بما عملتم وتعليق علمه سبحانه بيوم يرجعون لابنفس رجعهم لزيادة تحقيق علمه لأن العلم بوقت وقوع الشىء يستلزم العلم بوقوعه على أبلغ وجه ) فينبئهم بما عملوا ( أى يخبرهم بما عملوا من الأعمال التى من جملتها مخالفة الأمر والظاهر من السياق أن هذا الوعيد للمنافقين ) والله بكل شيء عليم ( لايخفى عليه شىء من أعمالهم


"""""" صفحة رقم 59 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن المنذر والبيهقى فى الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظى قالا لما أقبلت قريش عام الأحزاب نزلوا بمجمع الأسيال من رومة بئر بالمدينة قائدها أبو سفيان وأقبلت غطفان حتى نزلوا بنقمى إلى جانب أحد وجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الخبر فضرب الخندق على المدينة وعمل فيه المسلمون وأبطأ رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعيف من العمل فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا إذن وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التى لابد منها يذكر ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويستأذنه فى اللحوق لحاجته فيأذن له فإذا قضى حاجته رجع فأنزل الله في أولئك ) إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم عن سعيد ابن جبير في الآية قال هى في الجهاد والجمعة والعيدين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) على أمر جامع ( قال من طاعة الله عام وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عنه في قوله ) لا تجعلوا دعاء الرسول ( الآية قال يعنى كدعاء أحدكم إذا دعا أخاه باسمه ولكن وقروه وقولوا له يارسول الله بانبي الله وأخرج عبد الغنى بن سعيد في تفسيره وأبو نعيم في الدلائل عنه أيضا في الآية قال لاتصيحوا به من بعيد يا أبا القاسم ولكن كما قال الله في الحجرات ) إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله ( وأخرج أبو داود في مراسيله عن مقاتل قال كان لايخرج أحد لرعاف أو أحداث حتى يستأذن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يشير إليه بأصبعه التى تلى الإبهام فيأذن له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يشير إليه بيده وكان من المنافقين من يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به حتى يخرج فأنزل الله ) الذين يتسللون منكم لواذا ( الآية وأخرج أبو عبيد فى فضائله والطبرانى قال السيوطي بسند حسن عن عقبة بن عامر قال رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يقرأ هذه الآية في خاتمة سورة النور وهو جاعل أصبعيه تحت عينيه يقول بكل شىء بصير
25
S
تفسير
سورة الفرقان
هى سبع وسبعون آية
حول السورة
وهي مكية كلها في قول الجمهور وكذا أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه من طرق عن ابن عباس وأخرجه ابن مردويه عن ابن الزبير قال القرطبي وقال ابن عباس وقتادة إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهي ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ( الآيات وأخرج مالك والشافعى والبخارى ومسلم وابن حبان والبيهقى في سننه عن عمر بن الخطاب قال سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال أقرأنيها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت كذبت فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت إنى سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أرسله أقرئنا هشام فقرأ عليه القراءة التى سمعته يقرأ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كذلك أنزلت ثم قال أقرئنا عمر فقرأت القراءة


"""""" صفحة رقم 60 """"""
التى أقرأنى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه
سورة الفرقان 1 6
الفرقان : ( 1 ) تبارك الذي نزل . . . . .
تكلم سبحانه في هذه السورة على التوحيد لأنه أقدم وأهم ثم في النبوة لأنها الواسطة ثم فى المعاد لأنه الخاتمة وأصل تبارك مأخوذ من البركة وهى النماء والزيادة حسية كانت أو عقلية قال الزجاج تبارك تفاعل من البركة قال ومعنى البركة الكثرة من كل ذى خير وقال الفراء إن تبارك وتقدس في العربية واحد ومعناهما العظمة وقيل المعنى تبارك عطاؤه أى زاد كثر وقيل المعنى دام وثبت قال النحاس وهذا أولاها في اللغة والاشتقاق من برك الشىء إذا ثبت ومنه برك الجمل أي دام وثبت واعترض ما قاله الفراء بأن التقديس إنما هو من الطهارة وليس من ذا فى شىء قال العلماء هذه اللفظة لاتستعمل إلا لله سبحانه ولا تستعمل إلا بلفظ الماضي والفرقان القرآن وسمى فرقانا لأنه يفرق بين الحق والباطل بأحكامه أو بين المحق والمبطل والمراد بعبده نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ثم علل التنزيل ) ليكون للعالمين نذيرا ( فإن النذارة هى الغرض المقصود من الإنزال والمراد محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو الفرقان والمراد بالعالمين هنا الإنس والجن لأن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مرسل إليهما ولم يكن غيره من الأنبياء مرسلا إلى الثقلين والندير المنذر أى ليكون محمد منذرا أو ليكون إنزال القرآن منذرا ويجوز أن يكون النذير هنا بمعنى المصدر للمبالغة أي ليكون إنزاله إنذارا أو ليكون محمد إنذارا وجعل الضمير للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) أولى لأن صدور الإنذار منه حقيقة ومن القرآن مجاز والحمل على الحقيقة أولى ولكونه أقرب مذكور وقيل إن رجوع الضمير إلى الفرقان أولى لقوله تعالى ) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )
الفرقان : ( 2 ) الذي له ملك . . . . .
ثم إنه سبحانه وصف نفسه بصفات أربع الأولى ) له ملك السماوات والأرض ( دون غيره فهو المتصرف فيهما ويحتمل أن يكون الموصول الآخر بدلا أو بيانا للموصول الأول والوصف أولى وفيه تنبيه على افتقار الكل إليه في الوجود وتوابعه من البقاء وغيره والصفة الثانية ) ولم يتخذ ولدا ( وفيه رد على النصارى واليهود والصفة الثالثة ) ولم يكن له شريك في الملك (


"""""" صفحة رقم 61 """"""
وفيه رد على طوائف المشركين من الوثنية والثنوية وأهل الشرك الخفى والصفة الرابعة ) وخلق كل شيء ( من الموجودات ) فقدره تقديرا ( أى قدر كل شيء مما خلق بحكمته على ما أراد وهيأه لما يصلح له قال الواحدى قال المفسرون قدر له تقديرا من الأجل والرزق فجرت المقادير على ماخلق وقيل أريد بالخلق هنا مجرد الإحداث والإيجاد مجازا من غير ملاحظة معنى التقدير وإن لم يخل عنه في نفس الأمر فيكون المعنى أوجد كل شىء فقدره لئلا يلزم التكرار
الفرقان : ( 3 ) واتخذوا من دونه . . . . .
ثم صرح سبحانه بتزييف مذاهب عبدة الأوثان فقال ) واتخذوا من دونه آلهة ( والضمير في اتخذوا للمشركين وإن لم يتقدم لهم ذكر لدلالة نفى الشريك عليهم أى اتخذ المشركون لأنفسهم متجاوزين الله آلهة ) لا يخلقون شيئا ( والجملة في محل مصب صفة الآلهة أى لايقدرون على خلق شىء من الأشياء وغلب العقلاء علي غيرهم لأن في معبودات الكفار الملائكة وعزير والمسيح ) وهم يخلقون ( أى يخلقهم الله سبحانه وقيل عبر عن الآلهة بضمير العقلاء جريا على اعتقاد الكفار أنها تضر وتنفع وقيل معنى ) وهم يخلقون ( أن عبدتهم يصورونهم ثم لما وصف سبحانه نفسه بالقدرة الباهرة وصف آلهة المشركين بالعجز البالغ فقال ) ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ( أى لايقدرون على أن يجلبوا لأنفسهم نفعا ولايدفعوا عنها ضررا وقدم ذكر الضر لأن دفعه أهم من جلب النفع وإذا كانوا بحيث لايقدرون على الدفع والنفع فيما يتعلق بأنفسهم فكيف يملكون ذلك لمن يعبدهم ثم زاد في بيان عجزهم فنصص على هذه الأمور فقال ) ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ( أى لايقدرون على إماتة الأحياء ولا إحياءالموتى ولا بعثهم من القبور لأن النشور الإحياء بعد الموت يقال أنشر الله الموتى فنشروا ومنه قول الأعشى
حتى يقول الناس مما رأوا
يا عجبا للميت الناشر
الفرقان : ( 4 ) وقال الذين كفروا . . . . .
ولما فرغ من بيان التوحيد وتزييف مذاهب المشركين شرع في ذكر شبه منكرى النبوة فالشبهة الأولى ما حكاه عنهم بقوله ) وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك ( أى كذب افتراه أى اختلقه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والإشارة بقوله هذا إلى القرآن ) وأعانه عليه ( أى علي الاختلاق ) قوم آخرون ( يعنون من اليهود قيل وهم أبو فكيهة يسار مولى الحضرمى وعداس مولى حويطب بن عبد العزى وجبر مولى ابن عامر وكان هؤلاء الثلاثة من اليهود وقد مر الكلام على مثل هذا في النحل ثم رد الله سبحانه عليهم فقال ) فقد جاؤوا ظلما وزورا ( أى فقد قالوا ظلما هائلا عظيما وكذابا ظاهرا وانتصاب ظلما بجاءوا فإن جاء قد يستعمل استعمال أتى ويعدى تعديته وقال الزجاج إنه منصوب بنزع الخافض والأصل جاءوا بظلم وقيل هو منتصب على الحال وإنما كان ذلك منهم ظلما لأنهم نسبوا القبيح إلى من هو مبرأ منه فقد وضعوا الشىء في غير موضعه وهذا هو الظلم وأما كون ذلك منهم زورا فظاهر لأنهم قد كذبوا فى هذه المقالة
الفرقان : ( 5 ) وقالوا أساطير الأولين . . . . .
ثم ذكر الشبهة الثانية فقال ) وقالوا أساطير الأولين ( أى أحاديث الأولين وما سطروه من الأخبار قال الزجاج واحد الأساطير أسطورة مثل أحاديث وأحدوثة وقال غيره أساطير جمع أسطار مثل أقاويل وأقوال اكتتبها أى استكتبها أو كتبها لنفسه ومحل اكتتبها النصب على أنه حال من أساطير أو محله الرفع على أنه خبر ثان لأن أساطير مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هذه أساطير الأولين اكتتبها ويجوز أن يكون أساطير مبتدأ واكتتبها خبره ويجوز أن يكون معنى اكتتبها جمعها من الكتب وهو الجمع لا من الكتابة بالقلم والأول أولى وقرأ طلحة اكتتبها مبنيا للمفعول والمعنى اكتتبها له كاتب لأنه كان أميا لا يكتب ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه ثم بنى الفعل للضمير الذى هو إياه فانقلب مرفرعا مستترا بعد أن كان منصوبا بارزا كذا قال في الكشاف واعترضه أبو حيان ) فهي تملى عليه ( أى تلقى عليه تلك الأساطير بعد ما اكتتبها ليحفظها من أفواه


"""""" صفحة رقم 62 """"""
من يمليها عليه من ذلك المكتتب لكونه أميا لايقدر على أن يقرأها من ذلك المكتوب بنفسه ويجوز أن يكون المعنى اكتتبها أراد اكتتابها ) فهي تملى عليه ( لأنه يقال أمليت علي فهوه يكتب ) بكرة وأصيلا ( غدوة وعشيا كأنهم قالوا إأن هؤلاء يعلمون محمد طرق النهار وقيل معنى بكرة وأصيلا دائما في جميع الأوقات
الفرقان : ( 6 ) قل أنزله الذي . . . . .
فأجاب سبحانه عن هذه الشبهة بقوله ) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ( أى ليس ذلك مما يفترى ويفتعل بإعانة قوم وكتابة آخرين من الأحاديث الملفقة وأخبار الأولين بل هو أمر سماوى أنزله الذي يعلم كل شىء لايغيب عنه شيء من الأشياء فلهذا عجزتم عن معارضته ولم تأتوا بسورة منه وخص السر للإشارة إلى انطواء ما أنزله سبحانه على أسرار بديعة لاتبلغ إليها عقول البشر والسر الغيب أى يعلم الغيب الكائن فيهما وجملة ) إنه كان غفورا رحيما ( تعليل لتأخير العقوبة أى إنكم وإن كنتم مستحقين لتعجيل العقوبة بما تفعلونه من الكذب على رسوله والظلم له فإنه لايعجل عليكم بذلك لأنه كثير المغفرة والرحمة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس تبارك تفاعل من البركة وأخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد في قوله ) وأعانه عليه قوم آخرون ( قال يهود ) فقد جاؤوا ظلما وزورا ( قال كذبا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة في قوله ) تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ( هوالقرآن فيه حلاله وحرامه وشرائعه ودينه وفرق الله بين الحق والباطل ) ليكون للعالمين نذيرا ( قال بعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) نذيرا من الله لينذر الناس بأس الله ووقائعه بمن قبلكم ) وخلق كل شيء فقدره تقديرا ( قال بين لكل شىء من خلقه صلاحه وجعل ذلك بقدر معلوم ) واتخذوا من دونه آلهة ( قال هى الأوثان التي تعبد من دون الله ) لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ( وهو الله الخالق الرازق وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئا ولا تضر ولا تنفع ولا تملك ولا حياة ولا نشورا يعنى بعثا ) وقال الذين كفروا ( هذا قول مشركي العرب ) إن هذا إلا إفك افتراه ( هو الكذب ) افتراه وأعانه عليه ( أى على حديثه هذا وأمره قوم آخرون ) أساطير الأولين ( كذب الأولين وأحاديثهم
الفرقان 7 16


"""""" صفحة رقم 63 """"""
الفرقان : ( 7 ) وقالوا ما لهذا . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر ما طعنوا به على القرآن ذكر ما طعنوا به على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) وقالوا ما لهذا الرسول ( وفى الإشارة هنا تصغير لشأن المشار إليه وهو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسموه رسولا استهزاء وسخرية ) يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( أى ما باله يأكل الطعام كما نأكل ويتردد فى الأسواق لطلب المعاش منا نتردد وزعموا أنه كان يجب أن يكون ملكا مستغنيا عن الطعام والكسب وما الاستفهامية في محل رفع على الابتداء والاستفهام للاستنكار وخبر المبتدأ لهذا الرسول وجملة يأكل في محل نصب على الحال وبها تتم فائدة الإخبار كقوله ) فما لهم عن التذكرة معرضين ( والإنكار متوجه إلى السبب مع تحقيق المسبب وهو الأكل والمشى ولكنه استبعد تحقق ذلك لانتفاء سببه عندهم تهكما واستهزاء والمعنى أنه إن صح ما يدعيه من النبوة فما باله لم يخالف حاله حالنا ) لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( طلبوا أن يكون النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مصحوبا بملك يعضده ويساعده تنزلوا عن اقتراح أن يكون الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ملكا مستغنيا عن الأكل والكسب إلى اقتراح أن يكون معه ملك يصدقه ويشهد له بالرسالة قرأ الجمهور فيكون بالنصب على كونه جواب التحضيض وقريء فيكون بالرفع على أنه معطوف على أنزل وجاز عطفه على الماضى لأن المراد به المستقبل
الفرقان : ( 8 ) أو يلقى إليه . . . . .
) أو يلقى إليه كنز ( معطوف على أنزل ولايجوز عطفه على فيكون والمعنى أو هلا يلقى إليه كنز تنزلوا من مرتبة نزول الملك معه إلى اقتراح أن يكون معه كنز يلقى إليه من السماء ليستغنى به على طلب الرزق ) أو تكون له جنة يأكل منها ( قرأ الجمهور تكون بالمثناة الفوقية وقرأ الأعمش وقتادة يكون بالتحتية لأن تأنيث الجنة غير حقيقى وقرأ نأكل بالنون حمزة وعلي وخلف وقرأ الباقون يأكل بالمثناة التحتية أى بستان نأكل نحن من ثماره أو يأكل هو وحده منه ليكون له بذلك مزية علينا حيث يكون أكله من جنته قال النحاس والقراءتان حسنتان وإن كانت القراءة بالياء أبين لأنه قد تقدم ذكر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وحده فعود الضمير إليه بين ) وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( المراد بالظالمون هنا هم القائلون بالمقالات الأولى وإنما وضع الظاهر موضع المضمر مع الوصف بالظلم للتسجيل عليهم به أى ما تتبعون إلا رجلا مغلوبا على عقله بالسحر وقيل ذا سحر وهى الرئة أى بشرا له رئة لا ملكا وقد تقدم بيان مثل هذا في سبحان
الفرقان : ( 9 ) انظر كيف ضربوا . . . . .
) انظر كيف ضربوا لك الأمثال ( ليتوصلوا بها إلى تكذيبك والأمثال هى الأقوال النادرة والاقتراحات الغريبة وهى ما ذكروه هاهنا فضلوا عن الصواب فلايجدون طريقا إليه ولا وصلوا إلى شىء منه بل جاءوا بهذه المقالات الزائفة التى لا تصدر عن أدنى العقلاء وأقلهم تمييز ولهذا قال ) فلا يستطيعون سبيلا ( أى لايجدون إلى القدح في نبوة هذا النبي طريقا من الطرق
الفرقان : ( 10 ) تبارك الذي إن . . . . .
) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك ( أى تكاثر خير الذى إن شاء جعل لك في الدنيا معجلا خيرا من ذلك الذى اقترحوه ثم فسر الخير فقال ) جنات تجري من تحتها الأنهار ( فجنات بدل من خيرا ) ويجعل لك قصورا ( معطوف على موضع جعل وهو الجزم وبالجزم قرأ الجمهور وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر برفع يجعل على أنه مستأنف وقد تقرر فى علم الإعراب أن الشرط إذا كان ماضيا جاز في جوابه الجزم والرفع فجاز أن يكون جعل هاهنا في محل جزم ورفع


"""""" صفحة رقم 64 """"""
فيجوز فيما عطف عليه أن يجزم ويرفع وقريء بالنصب وقريء بإدغام لام لك في لام يجعل لاجتماع المثلين وقريء بترك الإدغام لأن الكلمتين منفصلتان والقصر البيت من الحجارة لأن الساكن به مقصور عن أن يوصل إليه وقيل هو بيت الطين وبيوت الصوف والشعر
الفرقان : ( 11 ) بل كذبوا بالساعة . . . . .
ثم أضرب سبحانه عن توبيخهم بما حكاه عنهم من الكلام الذى لايصدر عن العقلاء فقال ) بل كذبوا بالساعة ( أى بل أتوا بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة فلهذا لاينتفعون بالدلائل ولا يتأملون فيها ثم ذكر سبحانه ما أعده لمن كذب بالساعة فقال ) وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ( أى نارا مشتعلة متسعرة والجملة في محل نصب على الحال أى بل كذبوا بالساعة والحال أنا أعتدنا قال أبو مسلم أعتدنا أى جعلناه عتيدا ومعدا لهم
الفرقان : ( 12 ) إذا رأتهم من . . . . .
) إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( هذه الجملة الشرطية في محل نصب صفة لسعير لأنه مؤنث بمعنى النار قيل معنى إذا رأتهم إذا ظهرت لهم فكانت بمرأى الناظر في البعد وقيل المعنى إذا رأتهم خزنتها وقيل إن الرؤية منها حقيقية وكذلك التغيظ والزفير ولا مانع من أن يجعلها الله سبحانه مدركة هذا الإدراك ومعنى من مكان بعيد أنها رأتهم وهى بعيدة عنهم قيل بينها وبينهم مسيرة خمسمائة عام ومعنى التغيظ أن لها صوتا يدل على التغيظ على الكفار أو لغيلانها صوتا يشبه صوت المغتاظ والزفير هو الصوت الذى يسمع من الجوف قال الزجاج المراد سماع ما يدل على الغيظ وهو الصوت أى سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ وقال قطرب أراد علموا لها تغيظا وسمعوا لها زفيرا كما قال الشاعر متقلدا سيفا ورمحا
أى وحاملا رمحا وقيل المعنى سمعوا فيها تغيظا وزفيرا للمعذبين كما قال ) لهم فيها زفير وشهيق ( وفي اللام متقاربان تقول افعل هذا فى الله ولله
الفرقان : ( 13 ) وإذا ألقوا منها . . . . .
) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا ( وصف المكان بالضيق للدلالة على زيادة الشدة وتناهي البلاء عليهم وانتصاب مقرنين علي الحال أى إذا ألقوا منها مكانا ضيقا حال كونهم مقرنين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالجوامع مصفدين بالحديد وقيل مكتفين وقيل قرنوا مع الشياطين أى قرن كل واحد منهم إلى شيطانه وقد تقدم الكلام على مثل هذا فى سورة إبراهيم دعوا هنالك أى في ذلك المكان الضيق ثبورا أى هلاكا قال الزجاج وانتصابه على المصدرية أى ثبرنا ثبورا وقيل منتصب على أنه مفعول له والمعنى أنهم يتمنون هنالك الهلاك وينادونه لما حل بهم من البلاء
الفرقان : ( 14 ) لا تدعوا اليوم . . . . .
فأجيب عليهم بقوله ) لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ( أى فيقال لهم هذه المقالة والقائل لهم هم الملائكة أى اتركوا دعاء ثبور واحد فإن ما أنتم فيه من الهلاك أكبر من ذلك وأعظم كذا قال الزجاح ) وادعوا ثبورا كثيرا ( والثبور مصدر يقع على القليل والكثير فلهذا لم يجمع ومثله ضربته ضربا كثيرا وقعد قعودا طويلا فالكثرة ها هنا هى بحسب كثرة الدعاء المتعلق به الحسب كثرته في نفسه فإنه شيء واحد والمعنى لاتدعوا على أنفسكم بالثبور دعاء واحدا وادعوه أدعية كثيرة فإن ما أنتم فيه من العذاب أشد من ذلك لطول مدته وعدم تناهيه وقيل هذا تمثيل وتصوير لحالهم بحال من يقال له ذلك من غير أن يكون هناك قول وقيل إن المعنى إنكم وقعتم فيما ليسي ثبوركم فيه واحدا بل هو ثبور كثير لأن العذاب أنواع والأولى أن المراد بهذا الجواب عليهم الدلالة على خلود عذابهم وإقناطهم عن حصول ما يتمنونه من الهلاك المنجى لهم مما هم فيه
الفرقان : ( 15 ) قل أذلك خير . . . . .
ثم وبخهم الله سبحانه توبيخا بالغا على لسان رسوله فقال ) قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون ( والإشارة بقوله ذلك إلى السعير المتصفة بتلك الصفات العظيمة أى أتلك السعير خير أم جنة الخلد وفي إضافة الجنة إلى الخلد إشعار بدوام نعيمها وعدم انقطاعه ومعنى ) التي وعد المتقون ( التى وعدها المتقون والمجىء بلفظ خير هنا مع أنه لا خير في النار أصلا لأن العرب قد تقول ذلك ومنه ما حكاه سيبويه عنهم أنهم يقولون السعادة


"""""" صفحة رقم 65 """"""
أحب إليك أم الشقاوة وقيل ليس هذا من باب التفضيل وإنما هو كقولك عنده خير قال النحاس وهذا قول حسن كما قال أتهجوه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء
ثم قال سبحانه ) كانت لهم جزاء ومصيرا ( أى كانت تلك الجنة للمتقين جزاء على أعمالهم ومصيرا يصيرون إليه
الفرقان : ( 16 ) لهم فيها ما . . . . .
) لهم فيها ما يشاؤون ( أى مايشاءونه من النعيم وضروب الملاذ كما فى قوله ) ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ( وانتصاب خالدين على الحال وقد تقدم تحقيق معنى الخلود ) كان على ربك وعدا مسؤولا ( أى كان ما يشاءونه وقيل كان الخلود وقيل كان الوعد المدلول عليه بقوله وعد المتقون ومعنى الوعد المسئول الوعد المحقق بأن يسأل ويطلب كما فى قوله ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك وقيل إن الملائكة تسأل لهم الجنة كقوله وأدخلهم جنات عدن التى وعدتهم وقيل المراد به الوعد الواجب وإن لم يسأل
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس أن عتبة بن ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر ابن الحارث وأبا البحترى والأسود بن عبد المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيه بن الحجاج ومنبه بن الحجاج اجتموا فقال بعضهم لبعض ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا منه فبعثوا إليه إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك قال فجاءهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر منك فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا وإن كنت تطلب به الشرف فنحن نسودك وإن كنت تريد به ملكا ملكناك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما بي مما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثنى إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه على أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بينى وبينكم قالوا يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضنا عليك أو قالوا فإذا لم تفعل هذا فسل لنفسك وسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما نراك تبتغى فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أنا بفاعل ما أنا بالذى يسأل ربه هذا وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثنى بشيرا ونذيرا فأنزل الله في ذلك ) وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ( ) وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا ( أى جعلت بعضكم لبعض بلاء لتصبروا ولو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلى فلا يخالفون لفعلت وأخرج الفريابى وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن خيثمة قال قيل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن شئت أعطيناك من خزائن الأرض ومفاتيحها مالم يعط نبى قبلك ولا نعطها أحدا بعدك ولا نيقصك ذلك مما لك عند الله شيئا وإن شئت جمعتها لك في الآخرة فقال اجمعوها لى فى الآخرة فأنزل الله سبحانه ) تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا ( وأخرج نحوه عنه ابن مردويه من طريق أخرى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق خالد بن دريك عن رجل من الصحابة قال قال النبى صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 66 """"""
وآله وسلم من يقل على مالم أقل أو ادعى إلى غير والديه أو انتمى إلى غير مواليه فليتبوأ بين عينى جهنم مقعدا قيل يا رسول الله وهل لها من عينين قال نعم أما سمعتم الله يقول ) إذا رأتهم من مكان بعيد ( وأخرج آدم ابن أبى إياس في تفسيره عن ابن عباس في قوله ) إذا رأتهم من مكان بعيد ( قال من مسيرة مائة عام وذلك إذا أتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام يشد بكل زمام سبعون ألف ملك لو تركت لأتت على كل بر وفاجر ) سمعوا لها تغيظا وزفيرا ( تزفر زفرة لاتبقى قطرة من دمع إلا بدت ثم تزفر الثانية فتقطع القلوب من أماكنها وتبلغ القلوب الحناجر وزخرج ابن أبى حاتم عن يحيى بن أسيد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن قول الله ) وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين ( قال والذى نفسى بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) دعوا هنالك ثبورا ( قال ويلا لاتدعوا اليوم ثبورا واحدا يقول لاتدعوا اليوم ويلا واحدا وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى في البعث قال السيوطى بسند صحيح عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أول ما يكسى حلته من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده وهو ينادى يا ثبوراه ويقولون ياثبورهم حتى يقف على الناس فيقول ياثبوراه ويقولون يا ثبورهم فيقال لهم لاتدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا وإسناد أحمد هكذا حدثنا عفان عن حميد بن سلمة عن على بن زيد عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وفى على بن زيد بن جدعان مقال معروف وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) كان على ربك وعدا مسؤولا ( يقول سلوا الذى وعدتكم تنجزوه
سورة الفرقان ( 17 24 )


"""""" صفحة رقم 67 """"""
الفرقان : ( 17 ) ويوم يحشرهم وما . . . . .
قوله ) ويوم نحشرهم ( الظرف منصوب بفعل مضمر أى واذكر وتعليق التذكير باليوم مع أن المقصود ذكر مافيه للمبالغة والتأكيد كما مر مرارا قرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وحفص ويعقوب وأبو عمر في رواية الدورى يحشرهم بالياء التحتية واختارها أبو عبيد وأبو حاتم لقوله في أول الكلام كان على ربك والباقون بالنون على التعظيم ماعدا الأعرج فإنه قرأ نحشرهم بكسر الشين في جميع القرآن قال ابن عطية هى قليلة فى الاستعمال قوية في القياس لأن يفعل بكسر العين في المتعدى أقيس من يفعل بضمها ورده أبو حبان باستواء المضموم والمكسور إلا أن يشتهر أحدهما اتبع ) وما يعبدون من دون الله ( معطوف على مفعول نحشر وغلب غير العقلاء من الأصنام والأوثان ونحوها على العقلاء من الملائكة والجن والمسيح تنبيها على أنها جميعا مشتركة في كونها غير صالحة لكونها آلهة أو لأن من يعبد من لايعقل أكثر ممن يعبد من يعقل منها فغلبت اعتبارا بكثرة من يعبدها وقال مجاهد وابن جريج المراد الملائكة والإنس والجن والمسيح وعزير بدليل خطابهم وجوابهم فيما بعد وقال الضحاك وعكرمة والكلبي المراد الأصنام خاصة وإنها وإن كانت لا تسمع ولا تتكلم فإن الله سبحانه يجعلها يوم القيامة سامعة ناطقة ) فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ( قرأ ابن عامر وأبو حيوة وابن كثير وحفص فنقول بالنون وقرأ الباقون بالياء التحتية واختارها أبو عبيد كما اختار القراءة بها فى نحشرهم وكذا أبو حاتم والاستفهام في قوله ? ءأنتم أضللتم ? للتوبيخ والتقريع والمعنى أكان ضلالهم بسببكم وبدعوتكم لهم إلى عبادتكم أم هم ضلوا عن سبيل الحق بأنفسهم لعدم التفكير فيما يستدل به على الحق والتدبر فيما يتوصل به إلى الصواب
الفرقان : ( 18 ) قالوا سبحانك ما . . . . .
وجملة قالوا سبحانك مستأنفة جواب سؤال مقدر ومعنى سبحانك التعجب مما قيل لهم لكونهم ملائكة أو أنبياء معصومين أو جمادات لا تعقل أى تنزيها لك ) ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ( أى ما صح ولا استقام لنا أن نتخذ من دونك أولياء فنعبدهم فكيف ندعو عبادك إلى عبادتنا نحن مع كوننا لا نعبد غيرك والولي يطلق على التابع كما يطلق على المتبوع هذا معنى الاية على قراءة الجمهور نتخذ مبنيا للفاعل وقرأ الحسن وأبو جعفر نتخذ مبنيا للمفعول أى ما كان ينبغى لنا أن نتخذنا المشركون أولياء من دونك قال أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر لاتجوز هذه القراءة ولو كانت صحيحة لحذفت من الثانية قال أبو عبيدة لا تجوز هذه القرادة لأن الله سبحانه ذكر من مرتين ولو كان كما قرأ لقال أن نتخذ من دونك أولياء وقيل إن من الثانية زائدة ثم حكى عنهم سبحانه بأنهم بعد هذا الجواب ذكروا سبب ترك المشركين للإيمان فقال ) ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر ( وفى هذا ما يدل على أنهم هم الذين ضلوا السبيل ولم يضلهم غيرهم والمعنى ما أضللناهم ولكنك يارب متعتهم ومتعت آباءهم بالنعم ووسعت عليهم الرزق وأطلت لهم العمر حتى غفلوا عن ذكرك ونسوا موعظتك والتدبر لكتابك والنظر في عجائب صنعك وغرائب مخلوقاتك وقرأ أبو عيسى الأسود القاريء ينبغى مبنيا للمفعول قال ابن خالويه زعم سيبويه أنها لغة وقيل المراد بنسيان الذكر هنا هو ترك الشكر ) وكانوا قوما بورا ( أى وكان هؤلاء الذين أشركوا بك وعبدوا غيرك في قضائك الأزلى قوما بورا أى هلكى مأخوذ من البوار وهو الهلاك يقال رجل بائر وقوم بور يستوى فيه الواحد والجماعة لأنه مصدر يطلق على القليل والكثير ويجوز أن يكون جمع بائر وقيل البوار الفساد يقال بارت بضاعته أى فسدت وأمر بائر أى فاسد وهى لغة الأزد وقيل المعنى لا خير فيهم مأخوذ من بوار الأرض وهو تعطيلها من الزرع فلا يكون فيها خير وقيل إن البوار الكساد ومنه بارت السلعة إذا كسدت


"""""" صفحة رقم 68 """"""
الفرقان : ( 19 ) فقد كذبوكم بما . . . . .
) فقد كذبوكم بما تقولون ( في الكلام حذف والتقدير فقال الله عند تبرى المعبودين مخاطبا للمشركين العابدين لغير الله فقد كذبوكم أى فقد كذبكم المعبودون بما تقولون أى فى قولكم إنهم آلهة ) فما تستطيعون ( أى الآلهة صرفا أي دفعا للعذاب عنكم بوجه من الوجوه وقيل حيلة ولا نصرا أى ولا يستطيعون نصركم وقيل المعنى فما يستطيع هؤلاء الكفار لما كذبهم المعبودون صرفا للعذاب الذى عذبهم الله به ولا نصرا من الله وهذا الوجه مستقيم على قراءة من قرأ تستطيعون بالفوقية وهى قراءة حفص وقرأ الباقون بالتحتية وقال ابن زيد المعنى فقد كذبوكم أيها المؤمنون هؤلاء الكفار بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى هذا فمعنى بما تقولون ما تقولونه من الحق وقال أبو عبيد المعنى فما يستطيعون لكم صرفا عن الحق الذى هداكم الله إليه ولا نصرا لأنفسهم بما ينزل بهم من العذاب بتكذيبهم إياكم وقرأ الجمهور بما تقولون بالتاء الفوقية على الخطاب وحكى الفراء أنه يجوز أن يقرأ فقد كذبوكم مخففا بما يقولون أى كذبوكم فى قولهم وكذا قرأ بالياء التحتية مجاهد والبزى ) ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا ( هذا وعيد لكل ظالم ويدخل تحته الذين فيهم السياق دخولا أوليا والعذاب الكبير عذاب النار وقريء يذقه بالتحتية وهذه الاية وأمثالها مقيدة بعدم التوبة
الفرقان : ( 20 ) وما أرسلنا قبلك . . . . .
ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله موضحا لبطلان ما تقدم من قوله يأكل الطعام ويمشى في الأسواق فقال ) وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ( قال الزجاج الجملة الواقعة بعد إلا صفة لموصوف محذوف والمعنى وما أرسلنا قبلك أحد من المرسلين إلا آكلين وماشين وإنما حذف الموصوف لأن في قوله من المرسلين دليلا عليه نظيره ) وما منا إلا له مقام معلوم ( أى وما منا أحد وقال الفراء لا محل لها من الإعراب وإنما هى صلة لموصول محذوف هو المفعول والتقدير إلا من أنهم فالضمير فى أنهم وما بعده راجع إلى من المقدرة ومثله قوله تعالى ) وإن منكم إلا واردها ( أى إلا من يردها وبه قرأ الكسائى قال الزجاج هذا خطأ لأن من الموصولة لايجوز حذفها وقال ابن الأنبارى إنها في محل نصب على الحال والتقدير إلا وأنهم فالمحذوف عنده الواو قرأ الجمهور إلا إنهم بكسر إن لوجود اللام في خبرها كما تقرر في علم النحو وهو مجمع عليه عندهم قال النحاس إلا أن علي بن سليمان الأخفش حكى لنا عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال يجوز في إن هذه الفتح وإن كان بعدها اللام وأحسبه وهما وقرأ الجمهور يمشون بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين وقرأ علي وابن عوف وابن مسعود بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشددة وهى بمعنى القراءة الأولى قال الشاعر أمشى بأعطان المياه وأتقى
قلائص منها صعبة وركوب
وقال كعب بن زهير منه تظل سباع الحى ضامزة
ولا تمشى بواديه الأراجيل
) وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ( هذا الخطاب عام للناس وقد جعل سبحانه بعض عبيدة فتنة لبعض فالصحيح فتنة للمريض والغنى فتنة للفقير وقيل المراد بالبعض الأول كفار الأمم وبالبعض الثانى الرسل ومعنى الفتنة الابتلاء والمحنة والأول أولى فإن البعض من الناس ممتحن بالبعض مبتلى به فالمريض يقول لم لم أجعل كالصحيح وكذا كل صاحب آفة والصحيح مبتلى بالمريض فلا يضجر منه ولا يحقره والغنى مبتلى بالفقير يواسيه والفقير مبتلى بالغنى يحسده ونحو هذا مثله وقيل المراد بالآية أنه كان إذا أراد الشريف أن يسلم ورأى الوضيع قد أسلم قبله أنف وقال لا أسلم بعده فيكون له على السابقة والفضل فيقيم على كفره فذلك افتتان


"""""" صفحة رقم 69 """"""
بعضهم لبعض واختار هذا الفراء والزجاج ولا وجه لقصر الآية على هذا فإن هؤلاء إن كانوا سبب النزول فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ثم قال سبحانه بعد الإخبار بجعل البعض للبعض فتنة أتصبرون هذا الاستفهام للتقرير وفى الكلام حذف تقديره أم لا تصبرون أى أتصبرون على ما ترون من هذه الحال الشديدة والابتلاء العظيم قيل موقع هذه الجملة الأستفهامية هاهنا موقع قوله أيكم عملا أحسن في قوله ليبلوكم أيكم أحسن عملا ثم وعد الصابرين بقوله ) وكان ربك بصيرا ( أى بكل من يصبر ومن لايصبر فيجازى كلا منهما بما يستحقه وقيل معنى أتصبرون اصبروا مثل قوله ) فهل أنتم منتهون ( أى انتهوا
الفرقان : ( 21 ) وقال الذين لا . . . . .
) وقال الذين لا يرجون لقاءنا ( هذه المقالة من جملة شبههم التى قدحوا بها فى النبوة والجملة معطوفة على وقالوا ما لهذا أى وقال المشركون الذين لايبالون بلقاء الله كما فى قول الشاعر لعمرك ما أرجو إذا كنت مسلما
على أى جنب كان فى الله مصرعى
أى لا أبالى وقيل المعنى لا يخافون لقاء ربهم كقول الشاعر إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
وخالفها في بيت نوب عوامل
أي لم يخف وهى لغة تهامة قال الفراء وضع الرجاء موضع الخوف وقيل لايأملون ومنه قول الشاعر أترجو أمة قتلت حسينا
شفاعة جده يوم الحساب
والحمل على المعنى الحقيقى أولى فالمعنى لا يأملون لقاء ما وعدنا على الطاعة من الثواب ومعلوم أن من لايرجو الثواب لايخاف العقاب ) لولا أنزل علينا الملائكة ( أى هلا أنزلوا علينا فيخبرونا أن محمدا صادق أو هلا أنزلوا علينا رسلا يرسلهم الله ) أو نرى ربنا ( عيانا فيخبرنا بأن محمدا رسول ثم أجاب سبحانه عن شبهتهم هذه فقال ) لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ( أى أضمروا الاستكبار عن الحق والعناد في قلوبهم كما فى قوله ) إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ( والعتو مجاوزة الحد في الطغيان والبلوغ إلى أقصى غاياته ووصفه بالكبر لكون التكلم بما تكلموا به من هذه المقالة الشنيعة في غاية الكبر والعظم فإنهم لم يكتفوا بإرسال البشر حتى طلبوا إرسال الملائكة إليهم بل جاوزوا ذلك إلى التخيير بينه وبين مخاطبة الله سبحانه ورؤيته في الدنيا من دون أن يكون بينهم وبينه ترجمان ولقد بلغ هؤلاد الرذالة بأنفسهم مبلغا هى أحقر وأقل وأرذل من أن تكون من أهله أو تعد من المستعدين له وهكذا من جهل قدر نفسه ولم يقف عند حده ومن جهلت نفسه قدره رأي غيره منه مالا يرى
الفرقان : ( 22 ) يوم يرون الملائكة . . . . .
وانتصاب ) يوم يرون الملائكة ( بفعل محذوف أى واذكر يوم يرون الملائكة رؤية ليست على الوجه الذى طلبوه والصورة التي اقترحوها بل على وجه آخر وهو يوم ظهورهم لهم عند الموت أو عند الحشر ويجوز أن يكون انتصاب هذا الظرف بما يدل عليه قوله ) لا بشرى يومئذ للمجرمين ( أى يمنعون البشرى يوم يرون أو لا توجد لهم بشرى فيه فزعلم سبحانه بأن الوقت الذى يرون فيه الملائكة وهو وقت الموت أو يوم القيامة قد حرمهم الله البشرى قال الزجاج المجرمون فى هذا الموضع الذين اجترموا الكفر بالله ) ويقولون حجرا محجورا ( أى ويقول الكفار عند مشاهدتهم للملائكة حجرا محجورا وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدو وهجوم نازلة يضعونها موضع الاستعاذة يقال للرجل أتفعل كذا فيقول حجرا محجورا أى حراما عليك التعرض لى وقيل إن هذا من قول الملائكة أي يقولون للكفار حراما محرما أن يدخل أحدكم الجنة ومن ذلك قول الشاعر ألا أصبحت أسماء حجرا محرما
وأصبحت من أدنى حمومتها حماء


"""""" صفحة رقم 70 """"""
أى أصبحت أسماء حراما محرما وقال آخر حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها
حجر حرام إلا تلك الدهاريس
وقد ذكر سيبويه في باب المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها هذه الكلمة وجعلها من جملتها
الفرقان : ( 23 ) وقدمنا إلى ما . . . . .
) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ( هذا وعيد آخر وذلك أنهم كانوا يعملون أعمالا لها صورة الخير من صلة الرحم وإغاثة الملهوف وإطعام الطعام وأمثالها ولم يمنع من الإثابة عليها إلا الكفر الذى هم عليه فمثلت حالهم وأعمالهم بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه فقدم إلى ما معهم من المتاع فأفسده ولم يترك منها شيئا وإلا فلا قدوم هاهنا قال الواحدى معنى قدمنا عمدنا وقصدنا يقال قدم فلان إلى أمر كذا إذا قصده أو عمده ومنه قول الشاعر وقدم الخوارج الضلال
إلى عباد ربهم فقالوا
إن دماءكم لنا حلال
وقيل هو قدوم الملائكة أخبر به عن نفسه تعالى والهباء واحده هباءة والجمع أهباء قال النضر بن شميل الهباء التراب الذى تطيره الربح كأنه دخان وقال الزجاج هو ما يدخل من الكوة مع ضوء الشمس يشبه الغبار وكذا قال الأزهرى والمنثور المفرق والمعنى أن الله سبحانه أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء المنثور لم يكتف سبحانه يتشبيه عملهم بالهباء حتى وصفه بأنه متفرق متبدد وقيل إن الهباء ما أذرته الرياح من يابس أوراق الشجر وقيل هو الماء المهراق وقيل الرماد والأول هو الذى ثبت في لغة العرب ونقله العارفون بها
الفرقان : ( 24 ) أصحاب الجنة يومئذ . . . . .
ثم ميز سبحانه حال الأبرار من حال الفجار فقال ) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ( أي أفضل منزلا فى الجنة ) وأحسن مقيلا ( أى موضع قائلة وانتصاب مستقرا على التمييز قال الأزهرى القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن مع ذلك يوم قال النحاس والكوفيون يجيزون العسل أحلى من الخل
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابى وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) ويوم نحشرهم ( الآية قال عيسى وعزير والملائكة وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) قوما بورا ( قال هلكى وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن في قوله ) ومن يظلم منكم ( قال هو الشرك وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال يشرك وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة ) وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ( يقول إن الرسل قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا بهذه المنزلة يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق ) وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ( قال بلاء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى في الشعب عن الحسن ) وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ( قال يقول الفقير لوشاء الله لجعلنى غنيا مثل فلان ويقول السقيم لو شاء لجعلني صحيحا مثل فلان ويقول الأعمى لو شاء الله لجعلنى بصيرا مثل فلان وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) وعتوا عتوا كبيرا ( قال شدة الكفر وأخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) يوم يرون الملائكة ( قال يوم القيامة وأخرج أبي وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية العوفى نحوه وأخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) ويقولون حجرا محجورا ( قال عوذا معاذا الملائكة تقوله وفى لفظ قال حراما محرما أن تكون البشرى فى اليوم إلا للمؤمنين وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق عطية العوفى عن أبى سعيد الخدرى فى قوله ) ويقولون حجرا محجورا ( قال حراما محرما


"""""" صفحة رقم 71 """"""
أن نبشركم بما نبشر به المتقين وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن الحسن وقتادة ) ويقولون حجرا محجورا ( قالا هى كلمة كانت العرب تقولها كان الرجل إذا نزلت به شدة قال حجرا محجورا حراما محرما وأخرج الفريابى وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل ( قال عمدنا إلى ماعملوا من خير ممن لا يتقبل منه فى الدنيا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن على بن أبي طالب في قوله ) هباء منثورا ( قال الهباء شعاع الشمس الذى يخرج من الكوة وأخرج عبد الرزاق والفريابى وابن المنذر وابن أبى حاتم عن على بن أبى طالب قال الهباء وهيج الغبار يسطع ثم يذهب فلا يبقى منه شىء فجعل الله أعمالهم كذلك وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال الهباء الذى يطير من النار إذا اضطرمت يطير منها الشرر فإذا وقع لم يكن شيئا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال هو ما تسفي الريح وتبثه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه أيضا قال هو الماء المهراق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا ) خير مستقرا وأحسن مقيلا ( قال في الغرف من الجنة وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال لا ينصرف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ ) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا )
سورة الفرقان ( 25 34 )
الفرقان : ( 25 ) ويوم تشقق السماء . . . . .
قوله ) ويوم تشقق السماء بالغمام ( وصف سبحانه هاهنا بعض حوادث يوم القيامة والتشقق التفتح قرأ عاصم والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وأبو عمر تشقق بتخفيف الشين وأصله تتشقق وقرأ الباقون بتشديد الشين على الأدغام واختار القراءة الأولى أبو عبيد واختار الثانية أبو حاتم ومعنى تشققها بالغمام أنها تتشقق عن الغمام قال أبو على الفارسى تشقق السماء وعليها غمام كما تقول ركب الأمير بسلاحه أي وعليه سلاحه وخرج بثيابه أي وعليه ثيابه ووجه ما قاله أن الباء وعن يتعاقبان كما تقول رميت بالقوس وعن القوس


"""""" صفحة رقم 72 """"""
وروى أن السماء تتشقق عن سحاب رقيق أبيض وقيل إن السماء تتشقق بالغمام الذى بينها وبين الناس والمعنى أنه يتشقق السحاب بتشقق السماء وقيل إنها تشقق لنزول الملائكة كما قال سبحانه بعد هذا ) ونزل الملائكة تنزيلا ( وقيل إن الباء فى الغمام سببية أى بسبب الغمام يعنى بسبب طلوعه منها كأنه الذى تتشقق به السماء وقيل إن الباء متعلقة بمحذوف أى ملتبسة بالغمام قرأ ابن كثير ? وننزل الملائكة ? مخففا من الإنزال بنون بعدها نون ساكنة وزاى مخففة بكسرة مضارع أنزل والملائكة منصوبة على المفعولية وقرأ الباقون من السبعة ونزل بضم النون وكسر الزاى المشددة ماضيا مبنيا للمفعول وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء نزل بالتشديد ماضيا مبنيا للفاعل وفاعلة الله سبحانه وقرأ أبى بن كعب ? أنزل الملائكة ? وروى عنه أنه قرأ تنزلت الملائكة وقد قرى فى الشواذ بغير هذه وتأكيد هذا الفعل بقوله تنزيلا يدل على أن هذا التنزيل علي نوع غريب ونمط عجيب قال أهل العلم إن هذا تنزيل رضا ورحمة لاتنزيل سخط وعذاب
الفرقان : ( 26 ) الملك يومئذ الحق . . . . .
) الملك يومئذ الحق للرحمن ( الملك مبتدأ والحق صفة له وللرحمن الخبر كذا قال الزجاج أى الملك الثابت الذى لايزول للرحمن يومئذ لأن الملك الذى يزول وينقطع ليس بملك في الحقيقة وفائدة التقييد بالظرف أن ثبوت الملك المذكور له سبحانه خاصة فى هذا اليوم وأما فيما عداه من أيام الدنيا فلغيره ملك في الصورة وإن لم يكن حقيقيا وقيل إن خبر المبتدأ هو الظرف والحق نعت للملك والمعنى الملك الثابت للرحمن خاص في هذا اليوم ) وكان يوما على الكافرين عسيرا ( أى وكان هذا اليوم مع كون الملك فيه لله وحده شديدا على الكفار لما يصابون به فيه وينالهم من العقاب بعد تحقيق الحساب وأما على المؤمنين فهو يسير غير عسير لما ينالهم فيه من الكرامة والبشرى العظيمة
الفرقان : ( 27 ) ويوم يعض الظالم . . . . .
) ويوم يعض الظالم على يديه ( الظرف منصوب بمحذوف أى واذكر كما انتصب بهذا المحذوف الظرف الأول أعنى يوم تشقق ويوم يعض الظالم على يديه الظاهر أن العض هنا حقيقة ولا مانع من ذلك ولا موجب لتأويله وقيل هو كناية عن الغيظ والحسرة والمراد بالظالم كل ظالم يرد ذلك المكان وينزل ذلك المنزل ولا ينافيه ورود الآية على سبب خاص فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ( يقول فى محل نصب على الحال ومقول القول هو ياليتنى الخ والمنادى محذوف أى ياقوم ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا طريقا وهو طريق الحق ومشيت فيه حتى أخلص من هذه الأمور المضلة والمراد اتباع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فيما جاء به
الفرقان : ( 28 ) يا ويلتى ليتني . . . . .
) يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ( دعاء على نفسه بالويل والثبور على مخاللة الكافر الذى أضله فى الدنيا وفلان كناية عن الأعلام قال النيسابورى زعم بعض أئمة اللغة أنه لم يثبت استعمال فلان في الفصيح إلا حكاية لايقال جاءنى فلان ولكن يقال قال زيد جاءنى فلان لأنه اسم اللفظ الذى هو علم الاسم وكذلك جاء فى كلام الله وقيل فلان كناية عن علم ذكور من يعقل وفلانه عن علم إناثهم وقيل كناية عن نكرة من يعقل من الذكور وفلانة عمن يعقل من الإناث وأما الفلان والفلانة فكناية عن غير العقلاء وفل يختص بالنداء إلا فى ضرورة كقول الشاعر فى لجة أمسك فلانا عن فل
وقوله
حدثاني عن فلان وفل وليس فل مرخما من فلان خلافا للفراء وزعم أبو حيان أن ابن عصفور وابن مالك وهما فى جعل فلان كناية علم من يعقل وقرأ الحسن ياويلتى بالياء الصريحة وقرأ الدورى بالإمالة قال أبو على وترك الإمالة أحسن لأن أصل هذه اللفظة الياء فأبدلت الكسرة فتحة والياء التاء فرارا من الياء فمن أمال رجع إلى الذى فر منه
الفرقان : ( 29 ) لقد أضلني عن . . . . .
) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ( أى والله لقد أضلنى هذا الذى اتخذته خليلا عن القرآن أو عن الموعظة أو كلمة الشهادة أو مجموع ذلك بعد إذ جاءنى وتمكنت منه وقدرت عليه ) وكان الشيطان للإنسان خذولا ( الخذل ترك الإغاثة


"""""" صفحة رقم 73 """"""
ومنه خذلان إبليس للمشركين حيث يوالونه ثم يتركهم عند استغاثتهم به وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى أو من تمام كلام الظالم وأنه سمى خليله شيطانا بعد أن جعله مضلا أو أراد بالشيطان إبليس لكونه الذى حمله على مخاللة المضلين
الفرقان : ( 30 ) وقال الرسول يا . . . . .
) وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ( معطوف على ) وقال الذين لا يرجون لقاءنا ( والمعنى إن قومى اتخذوا هذا القرآن الذى جئت به إليهم وأمرتنى بإبلاغه وأرسلتني به مهجورا متروكا لم يؤمنوا به ولا قبلوه بوجه من الوجوه وقيل هو من هجر إذا هذى والمعنى أنهم اتخذوه هجرا وهذيانا وقيل معنى مهجورا مهجورا فيه ثم حذف الجار وهجرهم فيه قولهم إنه سحر وشعر وأساطير الأولين وهذا القول يقوله الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يوم القيامة وقيل إنه حكاية لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) فى الدنيا
الفرقان : ( 31 ) وكذلك جعلنا لكل . . . . .
) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ( هذا تسلية من الله سبحانه لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أن الله سبحانه جعل لكل نبى من الأنبياء الداعين إلى الله عدوا يعاديه من مجرمى قومه فلا تجزع يا محمد فإن هذا دأب الأنبياء قبلك واصبر كما صبروا ) وكفى بربك هاديا ونصيرا ( قال المفسرون الباء زائدة أى كفى ربك وانتصاب نصيرا وهاديا على الحال أو التمييز أى يهدى عباده إلى مصالح الدين والدنيا وينصرهم على الأعداء
الفرقان : ( 32 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ( هذا من جملة اقتراحاتهم وتعنتاتهم أى هلا نزل الله علينا هذا القرآن دفعة واحدة غير منجم واختلف في قائل هذه المقالة فقيل كفار قريش وقيل اليهود قالوا هلا أتيتنا بالقرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور وهذا زعم باطل ودعوى داحضة فإن هذه الكتب نزلت مفرقة كما نزل القرآن ولكنهم معاندون أو جاهلون لايدرون بكيفية نزول كتب الله سبحانه على أنبيائه ثم رد الله سبحانه عليهم فقال ) كذلك لنثبت به فؤادك ( أى نزلنا القرآن كذلك مفرقا والكاف في محل نصب على أنها نعت مصدر محذوف وذلك إشارة إلى مايفهم من كلامهم أى مثل ذلك التنزيل المفرق الذى قدحوا فيه واقترحوا خلافه نزلناه لنقوى بهذا التنزيل على هذه الصفة فؤادك فإن إنزاله مفرقا منجما على حسب الحوادث أقرب إلى حفظك له وفهمك لمعانيه وذلك من أعظم أسباب التثبيت واللام متعلقة بالفعل المحذوف الذى قدرناه وقال أبو حاتم إن الأخقش قال إنها جواب قسم محذوف قال وهذا قول مرجوح وقرأ عبد الله ليثبت بالتحتية أى الله سبحانه وقيل إن هذه الكلمة أعنى كذلك هى من تمام كلام المشركين والمعنى كذلك أى كالتوراة والإنجيل والزبور فيوقف على قوله كذلك ثم يبتدأ بقوله ) لنثبت به فؤادك ( على معنى أنزلناه عليك متفرقا لهذا الغرض قال ابن الأنبارى وهذا أجود وأحسن قال النحاس وكان ذلك أى إنزال القرآن منجما من أعلام النبوة لأنهم لايسألونه عن شىء إلا أجيبوا عنه وهذا لايكون إلا من نبى فكان ذلك تثبيتا لفؤاده وأفئدتهم ) ورتلناه ترتيلا ( هذا معطوف على الفعل المقدر أى كذلك نزلناه ورتلناه ترتيلا ومعنى الترتيل أن يكون آية بعد آية قال النخعى والحسن وقتادة وقيل إن المعني بيناه تبيينا حكى هذا عن ابن عباس وقال مجاهد بعضه في إثربعض وقال السدى فصلناه تفصيلا قال ابن الأعرابي ما أعلم الترتيل إلا التحقيق والتبين
الفرقان : ( 33 ) ولا يأتونك بمثل . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنهم محجوجون فى كل أوان مدفوع قولهم بكل وجه وعلى كل حالة فقال ) ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ( أى لايأتيك يا محمد المشركون بمثل من أمثالهم التى من جملتها اقتراحاتهم المتعنتة إلا جئناك في مقابلة مثلهم بالجواب الحق الثابت الذى يبطل ماجاءوا به من المثل ويدمغه ويدفعه فالمراد بالمثل هنا السؤال والاقتراح وبالحق جوابه الذى يقطع ذريعته ويبطل شبهته ويحسم مادته ومعنى ) وأحسن تفسيرا ( جئناك


"""""" صفحة رقم 74 """"""
بأحسن نفسير فأحسن تفسيرا معطوف على الحق والاستثناء بقوله ) إلا جئناك ( مفرغ والجملة فى محل نصب على الحال أى لايأتونك بمثل إلا فى حال إيتائنا إياك ذلك
الفرقان : ( 34 ) الذين يحشرون على . . . . .
ثم أوعد هؤلاء الجهلة وذمهم فقال ) الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم ( أى يحشرون كائنين على وجوهم والموصول مبتدأ وخبره أولئك أو هو خبر مبتدأ محذوف أى هم الذين ويجوز نصبه علي الذم ومعنى يحشرون على وجوهم يسحبون عليها إلى جهنم ) أولئك شر مكانا ( أى منزلا ومصيرا ) وأضل سبيلا ( وأخطا طريقا وذلك لأنهم قد صاروا في النار وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية فى سورة سبحان وقد قيل إن هذا متصل بقوله أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبى الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم عن ابن عباس فى قوله ) ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ( قال يجمع الله الخلق يوم القيامة فى صعيد واحد الجن والانس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق فتنشق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن فى الأرض من الجن والإنس وجميع الخلق فيحيطون بالجن والإنس وجميع الخلق فيقول أهل الأرض أفيكم ربنا فيقولون لا ثم تنشق السماء الثانية وذكر مثل ذلك ثم كذلك فى كل سماء إلى السماء السابعة وفى كل سماء أكثر من السماء التي قبلها ثم ينزل ربنا فى ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم أكثر من أهل السموات السبع والإنس والجن وجميع الخلق لهم قرون ككعوب القثاء وهم تحت العرش لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى ما بين إخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ومن ركبته إلى فخذه مسيرة خمسمائة عام ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام وإسناده عند ابن جرير هكذا قال حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنى الحجاج بن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس فذكره وأخرجه ابن أبى حاتم باسناد هكذا قال حدثنا محمد بن عمار بن الحرث مأمول حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد به وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل بسند قال السيوطى صحيح من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أبا معيط كان يجلس مع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بمكة لايؤذيه وكان رجلا حليما وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه وكان لأبى معيط خليل غائب عنه بالشام فقالت قريش صبأ أبو معيط وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته مافعل محمد مما كان عليه فقالت أشد ما كان أمرا فقال ما فعل خليلى أبو معيط فقالت صبأ فبات بليلة سوء فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه فلم يرد عليه التحية فقال مالك لاترد على تحيتى فقال كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت قال أو قد فعلتها قريش قال نعم قال فما يبريء صدورهم إن أنا فعلته قال تأتيه فى مجلسه فتبزق فى وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم ففعل فلم يرد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أن مسح وجهه من البزاق ثم ألتفت إليه فقال إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج فقال له أصحابه أخرج معنا قال وعدنى هذا الرجل إن وجدنى خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقى صبرا فقالوا لك جمل أحمر لايدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه فخرج معهم فلما هزم الله المشركين وحمل به جمله فى جدود من الأرض فأخذه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أسيرا فى سبعين من قريش وقدم إليه أبو معيط فقال أتقتلنى من بين هؤلاء قال نعم بما بزقت فى وجهى فأنزل الله فى أبى معيط ) ويوم يعض الظالم على يديه ( إلي قوله ) وكان الشيطان للإنسان خذولا ( وأخرج أبو نعيم هذه القصة


"""""" صفحة رقم 75 """"""
من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس وذكر أن خليل أبى معيط هو أبى بن خلف وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أيضا في قوله ) ويوم يعض الظالم على يديه ( قال أبى بن خلف وعقبة بن أبى معيط وهما الخليلان فى جهنم وأخرج ابن مردويه عنه أيضا فى قوله ) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ( قال كان عدو النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أبو جهل وعدو موسى قارون وكان قارون ابن عم موسى وأخرج ابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء فى المختارة عن ابن عباس قال قال المشركون لو كان محمد كما يزعم نبيا فلم يعذبه ربه ألا ينزل عليه القرآن جملة واحدة ينزل عليه الآية والآيتين والسورة والسورتين فأنزل الله على نبيه جواب ما قالوا ) وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ( إلى ) وأضل سبيلا ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) لنثبت به فؤادك ( قال لنشدد به فؤادك ونربط على قلبك ) ورتلناه ترتيلا ( قال رسلناه ترسيلا يقول شيئا بعد شىء ولا يأتونك بمثل يقول لو أنزلنا عليك القرآن جملة واحدة ثم سألوك لم يكن عنده ما يجيب ولكنا نمسك عليك فإذا سألوك أجبت
سورة الفرقان ( 35 44 )
الفرقان : ( 35 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
اللام فى قوله ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( جواب قسم محذوف أى والله لقد آتينا موسى التوراة ذكر سبحانه طرفا من قصص الأولين تسلية له ( صلى الله عليه وسلم ) بأن تكذيب قوم أنبياء الله لهم عادة للمشركين بالله وليس ذلك بخاص بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهرون عطف بيان ويجوز أن ينصب على القطع ووزيرا المفعول الثانى وقيل حال والمفعول الثانى معه والأول أولى قال الزجاج الوزير في اللغة الذى يرجع إليه ويعمل برأيه والوزر ما يعتصم به ومنه ) كلا لا وزر ( وقد تقدم تفسير الوزير فى طه والوزارة لاتنافى النبوة فقد كان يبعث فى الزمن الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يوازر بعضهم بعضا وقد كان هارون فى أول الأمر وزيرا لموسى
الفرقان : ( 36 ) فقلنا اذهبا إلى . . . . .
ولاشتراكهما فى النبوة قيل لهما قيل لهما ) اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا ( وهم فرعون


"""""" صفحة رقم 76 """"""
وقومه والايات هى التسع التى تقدم ذكرها وإن لم يكونوا قد كذبوا بها عند أمر الله لموسى وهارون بالذهاب بل كان التكذيب بعد ذلك لكن هذا الماضى بمعنى المستقبل على عادة إخبار الله أى اذهبا إلى القوم الذين يكذبون بآياتنا وقيل إنما وصفوا بالتكذيب عند الحكاية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيانا لعلة استحقاقهم للعذاب وقيل يجوز أن يراد إلى القوم الذين آل حالهم إلى أن كذبوا وقيل إن المراد بوصفهم بالتكذيب عند الإرسال إنهم كانوا مكذبين للآيات الإلهية وليس المراد آيات الرسالة قال القشيرى وقوله تعالى فى موضع آخر ) اذهب إلى فرعون إنه طغى ( لاينافى هذا لأنهما إذا كانا مأمورين فكل واحد مأمور ويمكن أن يقال إن تخصيص موسى بالخطاب فى بعض المواطن لكونه الأصل فى الرسالة والجمع بينهما فى الخطاب لكونهما مرسلين جميعا ) فدمرناهم تدميرا ( فى الكلام حذف أى فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم أى أهلكناهم إثر ذلك التكذيب إهلاكا عظيما وقيل إن المراد بالتدمير هنا الحكم به لأنه لم يحصل عقب بعث موسى وهارون إليهم بل بعده بمدة
الفرقان : ( 37 ) وقوم نوح لما . . . . .
) وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم ( فى نصب قوم أقوال العطف على الهاء والميم فى دمرناهم أو النصب بفعل محذوف أى اذكر أو بفعل مضمر يفسره ما بعده وهو أغرقناهم أى أغرقنا قوم نوح أغرقناهم وقال الفراء هو منصوب بأغرقناهم المذكور بعده من دون تقدير مضمر يفسره ما بعده ورده النحاس بأن أغرقنا لايتعدى إلى مفعولين حتى يعمل فى الضمير المتصل وفى قوم نوح ومعنى ) لما كذبوا الرسل ( أنهم كذبوا نوحا وكذبوا من قبله من رسل الله وقال الزجاج من كذب نبيا فقد كذب جميع الأنبياء وكان إغراقهم بالطوفان كما تقدم فى هود ) وجعلناهم للناس آية ( أي جعلنا إغراقهم أو قصتهم للناس آية أى عبرة لكل الناس على العموم يتعظ بها كل مشاهد لها وسامع لخبرها ) وأعتدنا للظالمين ( المراد بالظالمين قوم نوح على الخصوص ويجوز أن يكون المراد كل من سلك مسلكهم فى التكذيب والعذاب الزليم هو عذاب الآخرة
الفرقان : ( 38 ) وعادا وثمود وأصحاب . . . . .
وانتصاب عادا بالعطف على قوم نوح وقيل على محل الظالمين وقيل على مفعول جعلناهم وثمود معطوف على عادا وقصة عاد وثمود قد ذكرت فيما سبق ) وأصحاب الرس ( الرس فى كلام العرب البئر التى تكون غير مطوية والجمع رساس كذا قال أبو عبيدة ومنه قول الشاعر وهم سائرون إلى أرضهم
تنابلة يحفرون الرساسا
قال السدى هى بئر بانطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار فنسبوا إليها وهو صاحب يس الذى قال ياقوم اتبعوا المرسلين وكذا قال مقاتل وعكرمة وغيرهما وقيل هم قوم بأذربيجان قتلوا أنبياءهم فجفت أشجارهم وزروعهم فماتوا جوعا وعطشا وقيل كانوا يعبدون الشجر وقيل كانوا يعبدون الأصنام فأرسل الله إليهم شعيبا فكذبوه وآذوه وقيل هم قوم أرسل الله إليهم نبيا فأكلوه وقيل هم أصحاب الأخدود وقيل إن الرس هى البئر المعطلة التى تقدم ذكرها وأصحابها أهلها وقال فى الصحاح والرس اسم بئر كانت لبقية ثمود وقيل الرس ماء ونخل لبنى أسد وقيل الثلج المتراكم فى الجبال والرس اسم واد ومنه قول زهير بكرن بكورا واستحرن بسحرة
فهن لوادى الرس كاليد للفم
والرس أيضا الإصلاح بين الناس والإفساد بينهم فهو من الأضداد وقيل هم أصحاب حنطلة بن صفوان وهم الذين ابتلاهم الله بالطائر المعروف بالعنقاء ) وقرونا بين ذلك كثيرا ( معطوف على ماقبله والقرون جمع قرن أى أهل قرون والقرن مائة سنة وقيل مائة وعشرون وقيل القرن أربعون سنة والإشارة بقوله بين ذلك


"""""" صفحة رقم 77 """"""
إلى ما تقدم ذكره من الأمم وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك
الفرقان : ( 39 ) وكلا ضربنا له . . . . .
) وكلا ضربنا له الأمثال ( قال الزجاج أى وأنذرنا كلا ضربنا لهم الأمثال وبينا لهم الحجة ولم نضرب لهم الأمثال الباطلة كما يفعله هؤلاء الكفرة فجعله منصوبا بعقل مضمر يفسره ما بعده لأن حذرنا وذكرنا وأنذرنا فى معنى ضربنا ويجوز أن يكون معطوفا على ما قبله والتنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف وهو الأمم أى كل الأمم ضربنا لهم الأمثال و أما كلا الأخرى فهى منصوبة بالفعل الذى بعدها والتتبير الإهلاك بالعذاب قال الزجاج كل شىء كسرته وفتته فقد تبرته وقال غير واضحة والأخفش معنى ) تبرنا تتبيرا ( أدمرنا تدميرا أبدلت التاء والباء من الدال والميم
الفرقان : ( 40 ) ولقد أتوا على . . . . .
) ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء ( هذه جملة مستأنفة مبينة بمشاهدتهم لآثار هلاك بعض الأمم والمعنى ولقد أتوا أى مشركوا مكة على قرية قوم لوط التى أمطرت مطر السوء وهو الحجارة أى هلكت بالحجارة التى أمطروا بها وانتصاب مطر على المصدرية أو على أنه مفعول ثان إذ المعنى أعطيتها وأوليتها مطر السوء أو على أنه نعت مصدر محذوف أي إمطار مثل مطر السوء وقرأ أبو السمأل السوء بضم السين وقد تقدم تفسير السوء فى براءة ) أفلم يكونوا يرونها ( الاستفهام للتقريع والتوبيخ أى يرون القرية المذكورة عند سفرهم إلى الشام للتجارة فإنهم يمرون بها والفاء للعطف على مقدر أى لم يكونوا ينظرون إليها فلم يكونوا يرونها ) بل كانوا لا يرجون نشورا ( أضرب سبحانه عما سبق من عدم رؤيتهم لتلك الآثار إلى عدم رجاء البعث منهم المستلزم لعدم رجائهم للجزاء ويجوز أن يكون معنى يرجون يخافون
الفرقان : ( 41 ) وإذا رأوك إن . . . . .
) وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا ( أي ما يتخذونك إلا هزوءا أى مهزوءا بك قصر معاملتهم له على اتخاذهم إياه هزوا فجواب إذا هو إن يتخذونك وقيل الجواب محذوف وهو قالوا أهذا الذى وعلى هذا فتكون جملة ) إن يتخذونك إلا هزوا ( معترضة والأول أولى وتكون جملة ) أهذا الذي بعث الله رسولا ( فى محل نصب على الحال بتقدير القول أى قائلين أهذا الخ وفى اسم الإشارة دلالة على استحقارهم له وتهكمهم به والعائد محذوف أى بعثه الله وانتصاب رسولا على الحال أى مرسلا واسم الإشارة مبتدأ وخبره الموصول وصلته
الفرقان : ( 42 ) إن كاد ليضلنا . . . . .
) إن كاد ليضلنا عن آلهتنا ( أى قالوا إن كاد هذا الرسول ليضلنا ليصرفنا عن آلهتنا فنترك عبادتها وإن هنا هى المخففة وضمير الشأن محذوف أى إنه كاد أن يصرفنا عنها ) لولا أن صبرنا عليها ( أى حبسنا أنفسنا على عبادتها ثم إنه سبحانه أجاب عليهم فقال ) وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ( أى حين يرون عذاب يوم القيامة الذى يستحقونه ويستوجبونه بسبب كفرهم من هو أضل سبيلا أى أبعد طريقا عن الحق والهدى أهم أم المؤمنون
الفرقان : ( 43 ) أرأيت من اتخذ . . . . .
ثم بين لهم سبحانه أنه لاتمسك فيما ذهبوا إليه سوى التقليد واتباع الهوى فقال معجبا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) أرأيت من اتخذ إلهه هواه ( قدم المفعول الثانى للعناية كما تقول علمت منطلقا زيدا أى أطاع هواه طاعة كطاعة الإله أى انظر إليه يا محمد وتعجب منه قال الحسن معنى الآية لايهوى شيئا إلا اتبعه ) أفأنت تكون عليه وكيلا ( الاستفهام للإنكار والاستبعاد أى أفأنت تكون عليه حفيظا وكفيلا حتى ترده إلى الإيمان وتخرجه من الكفر ولست تقدر على ذلك ولا تطيقه فليست الهداية والضلالة موكولتين إلى مشيئتك وإنما عليك البلاغ وقد قيل إن هذه الاية منسوخة بآية القتال
الفرقان : ( 44 ) أم تحسب أن . . . . .
ثم انتقل سبحانه من الإنكار الأول إلى إنكار آخر فقال ) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ( أى أتحسب أن أكثرهم يسمعون ماتتلو عليهم من آيات القرآن ومن المواعظ أو يعقلون معانى ذلك ويفهمونه حتى تعتنى بشأنهم وتطمع فى إيمانهم وليسوا كذلك بل هم بمنزلة من لايسمع ولا يعقل ثم بين سبحانه حالهم وقطع مادة الطمع فيهم فقال ) إن هم إلا كالأنعام (


"""""" صفحة رقم 78 """"""
أى ماهم فى الانتفاع بما يسمعونه إلا كالبهائم التى هى مسلوبة الفهم والعقل فلا تطمع فيهم فإن فائدة السمع والعقل مفقودة وإن كانوا يسمعون ما يقال لهم ويعقلون ما يتلى عليهم ولكنهم لما لم ينتفعوا بذلك كانوا كالفاقد له ثم أضرب سبحانه عن الحكم عليهم بأنهم كالأنعام إلى ماهو فوق ذلك فقال ) بل هم أضل سبيلا ( أى أضل من الأنعام طريقا قال مقاتل البهائم تعرف ربها وتهتدى إلى مراعيها وتنقاد لأربابها وهؤلاء لاينقادون ولا يعرفون ربهم الذى خلقهم ورزقهم وقيل إنما كانوا أضل من الأنعام لأنه لا حساب عليها ولا عقاب لها وقيل إنما كانوا أضل لأن البهائم إذا لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك بخلاف هؤلاء فإنهم اعتقدوا البطلان عنادا ومكابرة وتعصبا وغمطا للحق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ( قال عونا وعضدا وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فدمرناهم تدميرا ( قال أهلكناهم بالعذاب وأخرج ابن جرير عنه قال الرس قرية من ثمود وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال الرس بئر بأذربيجان وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس أنه سأل كعبا عن أصحاب الرس قال صاحب يس الذى قال ياقوم اتبعوا المرسلين فرسصه قومه فى بئر بالزحجار وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن محمد بن كعب القرظى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود وذلك أن الله بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن به من أهلها أحد إلا ذلك الأسود ثم إن أهل القرية غدوا على النبى فحفروا له بئرا فألقوه فيها ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ثم يأتي يحطبه فيبيعه فيشتري طعاما وشرابا ثم يأتى به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة فيعينه الله عليها فيدلى طعامه وشرابه ثم يردها كما كانت فكان كذلك ماشاء الله أن يكون ثم إنه ذهب يوما يحتطب كما كان يصنع فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها فلما أراد أن يحملها وجد سنة فاضطجع فنام فضرب على أذنه سبع سنين نائما ثم إنه ذهب فتمطى فتحول لشقه الآخر فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ثم إنه ذهب فاحتمل حزمته ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار فجاء إلى القرية فباع حزمته ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع ثم ذهب إلى الحفرة فى موضعها الذى كانت فيه فالتمسه فلم يجده وقد كان بدا لقومه فيه بد فاستخرجوه فآمنوا به وصدقوه وكان النبى يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل فيقولون ما ندرى حتى قبض ذلك النبى فأذهب الله الأسود من نومته بعد ذلك إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة قال ابن كثير فى تفسيره بعد إخراجه وفيه غرابة ونكارة ولعل فيه إدراجا انتهى الحديث أيضا مرسل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن زرارة بن أوفى قال القرن مائة وعشرون عاما وأخرج هؤلاء عن قتادة قال القرن سبعون سنة وأخرج ابن مردويه عن أبى سلمة قال القرن مائة سنة وقد روى مرفوعا إلى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال القرن مائة سنة وقال القرن خمسون سنة وقال القرن أربعون سنة وما أظنه يصح شىء من ذلك وقد سمى الجماعة من الناس قرنا كما فى الحديث الصحيح خير القرون قرنى وأخرج الحاكم فى الكنى عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا انتهى إلى معد بن عدنان أمسك ثم يقول كذب النسابون قال الله ) وقرونا بين ذلك كثيرا ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) ولقد أتوا على القرية ( قال هى سدوم قرية لوط ) التي أمطرت مطر السوء ( قال الحجارة وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) أرأيت من اتخذ إلهه هواه ( قال كان الرجل يعبد الحجر الأبيض زمانا من الدهر في الجاهلية


"""""" صفحة رقم 79 """"""
فإذا وجد حجرا أحسن منه رمى به وعبد الآخر فأنزل الله الآية وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم فى الآية قال ذلك الكافر لايهوى شيئا إلا اتبعه
سورة الفرقان ( 45 54 )
الفرقان : ( 45 ) ألم تر إلى . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر جهالة الجاهلين وضلالتهم أتبعه بذكر طرف من دلائل التوحيد مع مافيها من عظيم الإنعام فأولها الاستدلال بأحوال الظل فقال ) ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( هذه الرؤية إما بصرية والمراد بها ألم تبصر إلى صنع ربك أوألم تبصر إلى الظل كيف مده ربك وإما قلبية بمعنى العلم فإن الظل متغير وكل متغير حادث ولكل حادث موجد قال الزجاج ألم تر ألم تعلم وهذا من رؤية القلب قال وهذا الكلام على القلب والتقدير ألم تر إلى الظل كيف مده ربك يعنى الظل من وقت الإسفار إلى طلوع الشمس وهو لا شمس معه وبه قال الحسن وقتادة وقيل هو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها قال أبو عبيدة الظل بالغداة والفىء بالعشى لأنه يرجع بعد زوال الشمس سمى فيئا لأنه فاء من المشرق إلى جانب المغرب قال حميد ابن ثور يصف سرحة وكنى بها عن امرأة فلا الظل من برد الضحى تستطيعه
ولا الفىء من برد العشى تذوق
وقال ابن السكيت الظل ما نسخته الشمس والفىء مانسخ الشمس وحكى أبو عبيدة عن رؤبة قال كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فىء وظل ومالم تكن عليه الشمس فهو ظل انتهى وحقيقة الظل أنه أمر متوسط بين الضوء الخالص والظلمة الخالصة وهذا التوسط هو أعدل من الطرفين لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس والضوء الكامل لقوته يبهر الحس البصرى ويؤذي بالتسخين ولذلك وصفت الجنة به بقوله وظل ممدود وجملة ) ولو شاء لجعله ساكنا ( معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه أى لو شاء الله سبحانه سكونه لجعله ساكنا ثابتا دائما مستقرا لاتنسخه الشمس وقيل المعنى لو شاء لمنع الشمس الطلوع والأول أولى والتعبير بالسكون عن الإقامة والاستقرار سائغ ومنه قولهم سكن فلان بلد كذا إذا أقام به واستقر فيه وقوله ) ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ( معطوف على قوله مد الظل داخل فى حكمه أى جعلناها علامة يستدل بها بأحوالها على أحواله وذلك لأن الظل يتبعها كما يتبع الدليل فى الطريق


"""""" صفحة رقم 80 """"""
من جهة أنه يزيد بها وينقص ويمتد ويتقلص
الفرقان : ( 46 ) ثم قبضناه إلينا . . . . .
وقوله ) ثم قبضناه ( معطوف أيضا على مد داخل فى حكمه والمعنى ثم قبضنا ذلك الظل الممدود ومحوناه عند إيقاع شعاع الشمس موقعه بالتدريج حتى انتهى الإظلال إلى العدم والاضمحلال وقيل المراد فى الآية قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه وهى الأجرام النيرة والأول أولى والمعنى أن الظل يبقى فى هذا الجو من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا وخلفه فى هذا الجو شعاع الشمس فأشرقت على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها فإذا غربت فليس هنالك ظل إنما فيه بقية نور النهار وقال قوم قبضه بغروب الشمس لأنها إذا لم تغرب فالظل فيه بقية وإنما يتم زواله بمجىء الليل ودخول الظلمة عليه وقيل المعنى ثم قبضنا ضياء الشمس بالفىء ) قبضا يسيرا ( ومعنى إلينا أن مرجعه إليه سبحانه كما أن حدوثه منه قبضا يسيرا أي على تدريج قليلا قليلا بقدر ارتفاع الشمس وقيل يسيرا سريعا وقيل المعنى يسيرا علينا أى يسيرا قبضه علينا ليس بعسير
الفرقان : ( 47 ) وهو الذي جعل . . . . .
) وهو الذي جعل لكم الليل لباسا ( شبه سبحانه ما يستر من ظلام الليل باللباس الساتر قال ابن جرير وصف الليل باللباس تشبيها من حيث أنه يستر الأشياء ويغشاها واللام متعلقة بجعل ) والنوم سباتا ( أى وجعل النوم سباتا أى راحة لكم لأنكم تنقطعون عن الاشتغال وأصل السبات التمدد يقال سبتت المرأة شعرها أى نقضته وأرسلته ورجل مسبوت أى ممدود الخلقة وقيل للنوم ثبات لأنه بالتمدد يكون وفى التمدد معنى الراحة وقيل السبت القطع فالنوم انقطاع عن الاشتغال ومنه سبت اليهود لانقطاعهم عن الاشتغال قال الزجاج السبات النوم وهو أن ينقطع عن الحركة والروح فى بدنه أى جعلنا نومكم راحة لكم وقال الخليل السبات نوم ثقيل أى جعلنا نومكم ثقيلا ليكمل الإجمام والراحة ) وجعل النهار نشورا ( أى زمان بعث من ذلك السبات شبه اليقظة بالحياة كما شبه النوم بالسبات الشبية بالممات وقال فى الكشاف إن السبات الموت واستدل على ذلك بكون النشور فى مقابلته
الفرقان : ( 48 ) وهو الذي أرسل . . . . .
) وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ( قرئ الريح وقريء بشرا بالباء الموحدة وبالنون وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى فى الأعراف ) وأنزلنا من السماء ماء طهورا ( أى يتطهر به كما يقال وضوء للماء الذى يتوضأ به قال الأزهرى الطهور في اللغة الطاهر المطهر والطهور ما يتطهر به قال ابن الأنبارى الطهور بفتح الطاء الاسم وكذلك الوضوء والوقود وبالضم المصدر هذا هو المعروف فى اللغة وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر ويؤيد ذلك كونه بناء مبالغة وروي عن أبى حنيفة أنه قال الطهور هو الطاهر واستدل لذلك بقوله تعالى ) وسقاهم ربهم شرابا طهورا ( يعنى طاهرا ومنه قول الشاعر خليلى هل فى نظرة بعد توبة
أدواى بها قلبى علي فجور
إلى رجح الأكفان غيد من الظبى
عذاب الثنايا ريقهن طهور
فوصف الريق بأنه طهور وليس بمطهر ورجح القول الأول ثعلب وهو راجح لما تقدم من حكاية الأزهرى لذلك عن أهل اللغة وأما وصف الشاعر للريق بأنه طهور فهو على طريق المبالغة وعلى كل حال فقد ورد الشرع بأن الماء طاهر فى نفسه مطهر لغيره قال الله تعالى ) وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ( وقال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) خلق الماء طهورا
الفرقان : ( 49 ) لنحيي به بلدة . . . . .
ثم ذكر سبحانه علة الإنزال فقال ) لنحيي به ( أى بالماء المنزل من السماء ) بلدة ميتا ( وصف البلدة بميتا وهى صفة للمذكر لأنها بمعنى البلد وقال الزجاج أراد بالبلد المكان والمراد بالإحياء هنا إخراج النبات من المكان الذى لانبات فيه ) ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ( أى نسقى ذلك الماء قرأ أبو عمرو وعاصم فى رواية عنهما وأبو حيان وابن أبى عبلة بفتح النون من نسقيه وقرأ الباقون بضمها ومن فى مما خلقنا للابتداء وهي متعلقة بنسقيه ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه حال


"""""" صفحة رقم 81 """"""
والأنعام قد تقدم الكلام عليها والأناسى جمع إنسان على ماذهب إليه سيبويه وقال الفراء والمبرد والزجاج إنه جمع إنسى وللفراء قول آخر إنه جمع إنسان والأصل أناسين مثل سرحان وسراحين وبستان وبساتين فجعلوا الباء عوضا من النون
الفرقان : ( 50 ) ولقد صرفناه بينهم . . . . .
) ولقد صرفناه بينهم ليذكروا ( ضمير صرفناه ذهب الجمهور إلى أنه راجع إلى ماذكر من الدلائل أى كررنا أحوال الإظلال وذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر فى القرآن وفى سائر الكتب السماوية ليتفكروا ويعتبروا فأبى أكثر هم إلا كفران النعمة وجحدها وقال آخرون إنه يرجع إلى أقرب المذكورات وهو المطر أى صرفنا المطر بينهم فى البلدان المختلفة فنزيد منه فى بعض البلدان وننقص فى بعض آخر منها وقيل الضمير راجع إلى القرآن وقد جرى ذكره في أول السورة حيث قال ) تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ( وقوله ) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ( وقوله اتخذوا هذا القرآن مهجورا والمعنى ولقد كررنا هذا القرآن برنزال آياته بين الناس ليذكروا به ويعتبروا بما فيه فأبى أكثرهم ) إلا كفورا ( به وقيل هو راجع إلى الريح وعلى رجوع الضمير إلى المطر فقد اختلف فى معناه فقيل ماذكرناه وقيل صرفناه بينهم وابلا وطشا وطلا ورذاذا وقيل تصريفه تنويع الانتفاع به فى الشرب والسقى والزراعات به والطهارات قال عكرمة إن المراد بقوله ) فأبى أكثر الناس إلا كفورا ( هو قولهم فى الأنواء مطرنا بنوء كذا قال النحاس ولا نعلم بين أهل التفسير اختلافا أن الكفر هنا قولهم مطرنا بنوء كذا وقرأ عكرمة صرفناه مخففا وقرأ الباقون بالتثقيل وقرأ حمزة والسكائي ليذكروا مخففة الذال من الذكر وقرأ الباقون بالتثقيل من التذكر
الفرقان : ( 51 ) ولو شئنا لبعثنا . . . . .
) ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ( أى رسولا ينذرهم كما قسمنا المطر بينهم ولكنا لم نفعل ذلك بل جعلنا نذيرا واحدا وهو أنت يا محمد فقابل ذلك بشكر النعمة
الفرقان : ( 52 ) فلا تطع الكافرين . . . . .
) فلا تطع الكافرين ( فيما يدعونك إليه من اتباع آلهتهم بل اجتهد فى الدعوة واثبت فيها و الضمير فى قوله ) وجاهدهم به جهادا كبيرا ( راجع إلى القرآن أي جاهدهم بالقرآن واتل عليهم مافيه من القوارع والزواجرت والأوامر والنواهى وقيل الضمير يرجع إلى الإسلام وقيل بالسيف والأول أولى وهذه السورة مكية والأمر بالقتال إنما كان بعد الهجرة وقيل الضمير راجع إلى ترك الطاعة المفهوم من قوله ) فلا تطع الكافرين ( وقيل الضمير يرجع إلي مادل عليه قوله ) ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ( لأنه سبحانه لو بعث فى كل قرية نذيرا لم يكن على كل نذير إلا مجاهدة القرية التي أرسل إليها وحين اقتصر على نذير واحد لكل القرى وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فلا جرم اجتمع عليه كل المجاهدات فكبر جهاده وعظم وصار جامعا لكل مجاهدة ولا يخفى مافى هذين الوجهين من البعد
الفرقان : ( 53 ) وهو الذي مرج . . . . .
ثم ذكر سبحانه دليلا رابعا على التوحيد فقال ) وهو الذي مرج البحرين ( مرج خلى وخلط وأرسل يقال مرجت الدابة وأمرجتها إذا أرسلتها فى المرعى وخليتها تذهب حيث تشاء قال مجاهد أرسلهما وأفاض أحدهما إلى الاخر وقال ابن عرفة خلطهما فهما يلتقيان يقال مرجته إذا خلطته ومرج الدين والأمر اختلط واضطرب ومنه قوله ) في أمر مريج ( وقال الأزهرى مرج البحرين خلى بينهما يقال مرجت الدابة إذا خليتها ترعى وقال ثعلب المرج الإجراء فقوله مرج البحرين أى أجراهما قال الأخفش ويقول قوم أمرج البحرين مثل مرج فعل وأفعل بمعنى ) هذا عذب فرات ( الفرات البليغ العذوبة وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل كيف مرجهما فقيل هذا عذب وهذا ملح ويجوز أن يكون فى محل نصب على الحال قيل سمى الماء الحلو فراتا لأنه يفرت العطش أى يقطعه ويكسره ) وهذا ملح أجاج ( أى بليغ الملوحة هذا معنى الأجاج وقيل الأجاج البليغ فى الحرارة وقيل البليغ في المرارة وقرأ طلحة ملح بفتح الميم وكسر اللام ) وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ( البرزخ الحاجز والحائل الذي جعله الله بينهما من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمارج ومعنى ) حجرا محجورا ( ستر مستورا


"""""" صفحة رقم 82 """"""
يمنع أحدهما من الاختلاط بالآخر فالبرزخ الحاجز والحجز المانع وقيل معنى ) حجرا محجورا ( هو ماتقدم من أنها كلمة يقولها المتعوذ كأن كل واحد من البحرين يتعوذ من صاحبه ويقول له هذا القول وقيل حدا محدودا وقيل المراد من البحر العذب الأنهار العظام كالنيل والفرات وجيحون ومن البحر الأجاج البحار المشهورة والبرزخ بينهما الحائل من الأرض وقيل معنى ) حجرا محجورا ( حراما محرما أن يعذب هذا المالح بالعذب أو يملح هذا العذب بالمالح ومثل هذه الآية قوله سبحانه فى سورة الرحمن ) مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان )
الفرقان : ( 54 ) وهو الذي خلق . . . . .
ثم ذكر سبحانه حالة من أحوال خلق الإنسان والماء فقال ) وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا ( والمراد بالماء هنا ماء النطفة أى خلق من ماء النطفة إنسانا فجعله نسبا وصهرا وقيل المراد بالماء الماء المطلق الذى يراد فى قوله ) وجعلنا من الماء كل شيء حي ( والمراد بالنسب هو الذي لايحل نكاحه قال الفراء والزجاج واشتقاق الصهر من صهرت الشىء إذا خلطته وسميت المناكح صهرا لاختلاط الناس بها وقيل الصهر قرابة النكاح فقرابة الزوجة هم الأختان وقرابة الزوج هم الأحماء والأصهار تعمهما قاله الأصمعى قال الواحدى قال المفسرون النسب سبعة أصناف من القرابة يجمعها قوله ) حرمت عليكم أمهاتكم ( إلى قوله وأمهات نسائكم ومن هنا إلى قوله وأن تجمعوا بين الأختين تحريم بالصهر وهو الخلطة التى تشبه القرابة حرم الله سبعة أصناف من النسب وسبعة من جهة الصهر قد اشتملت الآية المذكورة على ستة منها والسابعة قوله ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( وقد جعل ابن عطية والزجاج وغيرهما الرضاع من جملة النسب ويؤيده قوله ( صلى الله عليه وسلم ) يحرم في الرضاع ما يحرم من النسب ) وكان ربك قديرا ( أى بليغ القدرة عظيمها ومن جملة قدرته الباهرة خلق الإنسان وتقسيمه إلى القسمين المذكورين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( قال بعد الفجر قبل أن تطلع الشمس وأخرج ابن أبى حاتم عنه بلفظ ألم تر أنك إذا صليت الفجر كان بين مطلع الشمس إلى مغربها ظلا ثم بعث الله عليه الشمس دليلا فقبض الظل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى الآية قال مد الظل مابين طلوع الفجر إلي طلوع الشمس ) ولو شاء لجعله ساكنا ( قال دائما ) ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ( يقول طلوع الشمس ) ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ( قال سريعا وأخرج أهل السنن وأحمد وغيرهم من حديث أبى سعيد قال قيل يارسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهى بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال إن الماء طهور لاينجسه شىء وفى إسناد هذا الحديث كلام طويل قد استوفيناه فى شرحنا على المنتقى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى سننه عن ابن عباس قال ما من عام بأقل مطر من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء ثم قرأ هذه الآية ) ولقد صرفناه بينهم ليذكروا ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) وجاهدهم به ( قال بالقرآن وأخرج ابن جرير عنه ) وهو الذي مرج البحرين ( يعنى خلط أحدهما على الآخر فليس يفسد العذب المالح وليس يفسد المالح العذب وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) وحجرا محجورا ( يقول حجر أحدهما عن الآخر بأمره وقضائه وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن المغيرة قال سئل عمر بن الخطاب ) نسبا وصهرا ( فقال ما أراكم إلا وقد عرفتم النسب وأما الصهر فالأختان والصحابة


"""""" صفحة رقم 83 """"""
سورة الفرقان ( 55 67 )
الفرقان : ( 55 ) ويعبدون من دون . . . . .
لما ذكر سبحانه دلائل التوحيد عاد إلى ذكر قبائح الكفار وفضائح سيرتهم فقال ) ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ( إن عبدوه ) ولا يضرهم ( إن تركوه ) وكان الكافر على ربه ظهيرا ( الظهير المظاهر أى المعاون على ربه بالشرك والعدواة والمظاهرة على الرب هى المظاهرة على رسوله أو على دينه قال الزجاج لأنه يتابع الشيطان ويعاونه على معصية الله لأن عبادتهم للأصنام معاونة للشيطان وقال أبو عبيدة المعنى وكان الكافر على ربه هينا ذليلا من قول العرب ظهرت به أى جعلته خلف ظهرك لم تلتفت إليه ومنه قوله ) واتخذتموه وراءكم ظهريا ( أى هينا ومنه أيضا قول الفرزدق تميم بن بدر لا تكونن حاجتى
بظهر فلا يعيا على جوابها
وقيل إن المعنى وكان الكافر على ربه الذى يعبده وهو الصنم قويا غالبا يعمل به مايشاء لأن الجماد لاقدرة له على دفع ونفع ويجوز أن يكون الظهير جمعا كقوله ) والملائكة بعد ذلك ظهير ( والمعنى أن بعض الكفرة مظاهر لبعض على رسول الله أو على دين والمراد بالكافر هنا الجنس ولا ينافيه كون سبب النزول هو كافر معين كما قيل إنه أبو جهل
الفرقان : ( 56 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
) وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ( أي مبشرا للمؤمنين بالجنة ومنذرا للكافرين بالنار
الفرقان : ( 57 ) قل ما أسألكم . . . . .
) قل ما أسألكم عليه من أجر ( أى قل لهم يا محمد ما أسألكم على القرآن من أجر أو على تبليغ الرسالة المدلول عليه بالإرسال والاستثناء فى قوله ) إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ( منقطع أى لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا فليفعل وقيل هو متصل والمعنى إلا من شاء أن يتقرب إليه سبحانه بالطاعة وصور ذلك بصورة الأجر من حيث أنه مقصود الحصول
الفرقان : ( 58 ) وتوكل على الحي . . . . .
ولما بين سبحانه أن الكفار متظاهرون على رسول الله وأمره أن لايطلب منهم أجرا ألبتة أمره أن يتوكل عليه فى دفع المضار وجلب المنافع فقال ) وتوكل على الحي الذي لا يموت ( وخص صفة الحياة إشارة إلى أن الحي هو الذى يوثق به في المصالح ولا حياة على الدوام إلا لله سبحانه دون الأحياء


"""""" صفحة رقم 84 """"""
المنقطعة حياتهم فإنهم إذا ماتوا ضاع من يتوكل عليهم والتوكل اعتماد العبد على الله فى كل الأمور ) وسبح بحمده ( أى نزهه عن صفات النقصان وقيل معنى سبح صل والصلاة تسمى تسبيحا ) وكفى به بذنوب عباده خبيرا ( أى حسبك وهذه كلمة يراد بها المبالغة كقولك كفى بالله ربا والخبير المطلع على الأمور بحيث لايخفى عليه منها شىء
الفرقان : ( 59 ) الذي خلق السماوات . . . . .
ثم زاد فى المبالغة فقال ) الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ( قد تقدم تفسير هذا في الأعراف والموصول فى محل جر على أنه صفة للحى وقال بينهما ولم يقل بينهن لأنه أراد النوعين كما قال القطامى ألم يحزنك أن جبال قيس
وتغلب قد تباتتا انقطاعا
فإن قيل يلزم أن يكون خلق العرش بعد خلق السموات والأرض كما تفيده ثم فيقال إن كلمة ثم لم تدخل على خلق العرش بل على رفعه على السموات والأرض والرحمن مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف وهو صفة أخرى للحى وقد قرأه الجمهور بالرفع وقيل يجوز أن يكون بدلا من الضمير في استوى أو يكون مبتدأ وخبره الجملة أى فاسأل على رأى الأخفش كما فى قول الشاعر وقائلة خولان فانكح فتاتهم
وقرأ زيد ابن على الرحمن بالجر على أنه نعت للحى أو للموصول ) فاسأل به خبيرا ( الضمير فى به يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش والمعنى فاسأل بتفاصيل ما ذكر إجمالا من هذه الأمور وقال الزجاج والأخفش الباء بمعنى عن أى فاسأل عنه كقوله ) سأل سائل بعذاب واقع ( وقول امريء القيس
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلم
وقال امرؤ القيس
فإن تسألوني بالنساء فإننى خبير بأدواء النساء طبيب
والمراد بالخبير الله سبحانه لأنه لا يعلم تفاصيل تلك المخلوقات إلا هو ومن هذا قول العرب لو لقيت فلانا للقيك به الأسد أى للقيك بلقائك إياه الأسد فخبيرا منتصب على المفعولية أو على الحال المؤكدة واستضعف الحالية أبو البقاء فقال يضعف أن يكون خبيرا حالا من فاعل اسأل لأن الخبير لا يسأل إلا على جهة التوكيد كقوله ) وهو الحق مصدقا ( قال ويجوز أن يكون حالا من الرحمن إذا رفعته باستوى وقال ابن جرير يجوز أن تكون الباء فى به زائدة والمعنى فاسأله حال كونه خبيرا وقيل قوله به يجرى مجرى القسم كقوله ) واتقوا الله الذي تساءلون به ( والوجه الأول أقرب هذه الوجوه
الفرقان : ( 60 ) وإذا قيل لهم . . . . .
ثم أخبر سبحانه عنهم بأنهم جهلوا معنى الرحمن فقال ) وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ( قال المفسرون إنهم قالوا ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة قال الزجاج الرحمن اسم من أسماء الله فلما سمعوه أنكروا فقالوا وما الرحمن ) أنسجد لما تأمرنا ( والاستفهام للإنكار أى لانسجد للرحمن الذى تأمرنا بالسجود له ومن قرأ بالتحيتة فالمعني أنسجد لما يأمرنا محمد بالسجود له ومن قرأ بالتحيته فالمعنى أنسجد لما يأمرنا محمد بالسجود له وقد قرأ المدنيون والبصريون لما تأمرنا بالفوقية واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ الأعمش وحمزة والكسائى بالتحتية قال أبو عبيد يعنون الرحمن قال النحاس وليس يجب أن يتأول علي الكوفيين فى قراءتهم هذا التأويل البعيد ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم اسجدوا لما يأمرنا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فتصح القراءة على هذا وإن كانت الأولى أبين ) وزادهم نفورا ( أى زادهم الأمر بالسجود نفورا عن الدين وبعد عنه وقيل زادهم ذكر الرحمن تباعدا من الإيمان كذا قال مقاتل والأول أولى
الفرقان : ( 61 ) تبارك الذي جعل . . . . .
ثم ذكر سبحانه مالو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود للرحمن فقال ) تبارك الذي جعل في السماء بروجا ( المراد بالبروج بروج


"""""" صفحة رقم 85 """"""
النجوم أى منازلها الاثنا عشر وقيل هى النجوم الكبار والأول أولى وسميت بروجا وهى القصور العالية لأنها للكواكب كالمنازل الرفيعة لمن يسكنها واشتقاق البرج من التبرج وهو الظهور ) وجعل فيها سراجا ( أى شمسا ومثله قوله تعالى ) وجعل الشمس سراجا ( قرأ الجمهور سراجا بالإفراد وقرأ حمزة والكسائى سرجا بالجمع أى النجوم العظام الوقادة ورجح القراءة الأولى أبو عبيد قال الزجاج فى تأويل قراءة حمزة والكسائى أراد الشمس والكواكب ) وقمرا منيرا ( أى ينير الأرض إذا طلع وقرأ الأعمش قمرا بضم القاف وإسكاف الميم وهي قراءة ضعيفة شاذة
الفرقان : ( 62 ) وهو الذي جعل . . . . .
) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ( قال أبو عبيدة الخلفة كل شيء بعد شيء الليل خلفه للنهار والنهار خلفه لليل لأن أحدهما يخلف الاخر ويأتى بعده ومنه خلفه النبات وهو ورق يخرج بعد الورق الأول في الصيف ومنه قول زهير بن أبى سلمى بها العين والآرام يمشين خلفه
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
قال الفراء فى تفسير الآية يقول يذهب هذا ويجىء هذا وقال مجاهد خلفه من الخلاف هذا أبيض وهذا أسود وقيل يتعاقبان فى الضياء والظلام والزيادة والنقصان وقيل هو من باب حذف المضاف أى جعل الليل والنهار ذوى خلفة أى اختلاف ) لمن أراد أن يذكر ( قرأ حمزة مخففا وقرأ الجمهور بالتشديد فالقراءة الأولى من الذكر لله والقراءة الثانية من التذكر له وقرأ أبي بن كعب يتذكر ومعنى الآية أن المتذكر المعتبر إذا نظر فى اختلاف الليل والنهار علم أنه لابد فى انتقالهما من حال إلى حال من ناقل ) أو أراد شكورا ( أى أراد أن يشكر الله على ما أودعه فى الليل والنهار من النعم العظيمة والألطاف الكثيرة قال الفراء ويذكر ويتذكر يأتيان بمعنى واحد قال الله تعالى واذكروا ما فيه وفى حرف عبد الله ويذكروا ما فيه
الفرقان : ( 63 ) وعباد الرحمن الذين . . . . .
) وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ( هذا كلام مستأنف مسوق لبيان صالحى عباد الله سبحانه وعباد الرحمن مبتدأ وخبره الموصول مع صلته والهون مصدر وهو السكينة والوقار وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن الهون متعلق بيمشون أى يمشون على الأرض مشيا هونا قال ابن عطية ويشبه أن يتأول هذا على أن تكون أخلاق ذلك الماشى هونا مناسبة لمشيه وأما أن يكون المراد صفة المشي وحده فباطل لأنه رب ماش هونا رويدا وهو ذئب أطلس وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتكفأ فى مشيه كأنما يمشى فى صيب ) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ( ذكر سبحانه أنهم يتحملون مايرد عليهم من أذى أهل الجهل والسفه فلا يجهلون مع من يجهل ولا يسافهون أهل السفه قال النحاس ليس هذا السلام من التسليم إنما هو من التسلم تقول العرب سلاما أى تسلما منك أى براءة منك منصوب على أحد أمرين إما على أنه مصدر لفعل محذوف أى قالوا سلمنا سلاما وهذا على قول سيبويه أو على أنه مفعول به أي قالوا هذا اللفظ ورجحه ابن عطية وقال مجاهد معنى سلاما سدادا أي يقول للجاهل كلاما يدفعه به برفق ولين قال سيبويه لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين لكنه على قوله تسليما منكم ولا خير ولا شر بيننا وبينكم قال المبرد كان ينبغى أن يقال لم يؤمر المسلمون يومئذ بحربهم ثم أمروا بحربهم وقال محمد بن يزيد أخطأ سيبويه فى هذا وأساء العبارة قال النحاس ولا نعلم لسيبويه كلاما فى معنى الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية لأنه قال فى آخر كلامه فنسختها آية السيف وأقول هكذا يكون كلام الرجل إذا تكلم فى غير علمه ومشى فى غير طريقته ولم يؤمر المسلمون بالسلام على المشركين ولا نهوا عنه بل أمروا بالصفح والهجر الجميل فلا حاجة إلى دعوى النسخ قال النضر بن شميل حدثنى الخليل قال أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من علم من رأيت فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا


"""""" صفحة رقم 86 """"""
استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ماقال فقال لنا أعرابى إلى جنبه أمركم أن ترتفعوا قال الخليل هو من قول الله ) ثم استوى إلى السماء ( قال فصعدنا إليه فقال هل لكم فى خبز فطير ولبن هجر فقلنا الساعة فارقناه فقال سلاما فلم ندر ماقال فقال الأعرابي إنه سالمكم متاركة لا خير فيها ولا شر قال الخليل هو من قول الله ) وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما
الفرقان : ( 64 ) والذين يبيتون لربهم . . . . .
والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ( البيتوتة هى أن يدركك الليل نمت أو لم تنم قال الزجاج من أدركه الليل فقد بات نام أو لم ينم كما يقال بات فلان قلقا والمعنى يبيتون لربهم سجدا على وجوههم وقياما على أقدامهم ومنه قول امريء القيس فبتنا قياما عند رأس جوادنا
يزاولنا عن نفسه ونزاوله
الفرقان : ( 65 ) والذين يقولون ربنا . . . . .
) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ( أى هم مع طاعتهم مشفقون وجلون خائفون من عذابه والغرام اللازم الدائم ومنه سمى الغريم لملازمته ويقال فلان مغرم بكذا أى ملازم له مولع به هذا معناه فى كلام العرب كما ذكره ابن الأعرابى وابن عرفة وغيرهما ومنه قول الأعشى إن يعاقب يكن غراما
وإن يعط جزيلا فإنه لايبالي
وقال الزجاج الغرام أشد العذاب وقال أبو عبيدة هو الهلاك وقال ابن زيد الشر
الفرقان : ( 66 ) إنها ساءت مستقرا . . . . .
وجملة ) إنها ساءت مستقرا ومقاما ( تعليل لما قبلها والمخصوص محذوف أي هي وانتصاب مستقرا على الحال أو التمييز وكذا مقاما قيل هما مترادفان وإنما عطف أحدهما على الآخر لاختلاف لفظيهما وقيل بل هما مختلفان معنى فالمستقر للعصاة فإنهم يخرجون والمقام الكفار فإنهم يخلدون وساءت من أفعال الذم كبئست ويجوز أن يكون هذا من كلام الله سبحانه ويجوز أن يكون حكاية لكلامهم
الفرقان : ( 67 ) والذين إذا أنفقوا . . . . .
ثم وصفهم سبحانه بالتوسط فى الإنفاق فقال ) والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ( قرأ حمزة والكسائى والأعمش وعاصم ويحيى بن وثاب يقتروا بفتح التحتية وضم الفوقية من قتر يقتر كقعد يقعد وقرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح التحتية وكسر التاء الفوقية وهى لغة معروفة حسنة وقرأ أهل المدينة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم التحتية وكسر الفوقية قال أبو عبيدة يقال قتر الرجل على عياله يقتر ويقتر قترا وأقتر يقتر إقتارا ومعنى الجميع التضييق فى الإنفاق قال النحاس ومن أحسن ما قبل فى معنى الآية أن من أنفق فى غير طاعة الله فهو الإسراف ومن أمسك عن طاعة الله فهو الإقتار ومن أنفق فى طاعة الله فهو القوام وقال إبراهيم النخعى هو الذى لايجيع ولا يعرى ولاينفق نفقة يقول الناس قد أسرف وقال يزيد بن أبى حبيب أولئك أصحاب محمد كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ولايلبسون ثوبا للجمال ولكن كانوا يريدون من الطعام مايسد عنهم الجوع ويقويهم على عبادة الله ومن اللباس مايستر عوراتهم ويقيهم الحر والبرد وقال أبو عبيدة لم يزيدوا على المعروف ولم يبخلوا كقوله ) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ( قرأ حسان بن عبد الرحمن ) وكان بين ذلك قواما ( بكسر القاف وقرأ الباقون بفتحها فقيل هما بمعني وقيل القوام بالكسر ما يدوم عليه الشىء ويستقر وبالفتح العدل والاستقامة قاله ثعلب وقيل بالفتح العدل بين الشيئين وبالكسر ما يقام به الشىء لايفضل عنه ولا ينقص وقيل بالكسر السداد والمبلغ واسم كان مقدر فيها أى كان إنفاقهم بين ذلك قواما وخبرها قواما قال الفراء وروي عن الفراء قول اخر وهو أن اسم كان بين ذلك وتبنى بين على الفتح لأنها من الظروف المفتوحة وقال النحاس ما أدرى ما وجه هذا لأن بين إذا كانت فى موضع رفع رفعت


"""""" صفحة رقم 87 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وكان الكافر على ربه ظهيرا ( يعنى أبا الحكم الذى سماه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبا جهل بن هشام وأخرج ابن أبى حاتم عنه فى قوله ) قل ما أسألكم عليه من أجر ( قال قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من أجر يقول عرض من عرض الدنيا وأخرج الخطيب فى كتاب النجوم عنه أيضا فى قوله ) تبارك الذي جعل في السماء بروجا ( قال هى هذه الاثنا عشر برجا أولها الحمل ثم الثور ثم الجوزاء ثم السرطان ثم الأسد ثم السنبلة ثم الميزان ثم العقرب ثم القوس ثم الجدى ثم الدلو ثم الحوت وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا ) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ( ثال أبيض وأسود وأخرج ابن جرير وابن المنذر أخرج وابن أبى حاتم عنه أيضا يقول من فاته شىء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار ومن النهار أدركه بالليل وأخرج الطيالسي وابن أبى حاتم عن الحسن أن عمر أطال صلاة الضحى فقيل له صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه فقال إنه بقي علي من وردي شيء فأحببت أن أتمه أو قال أقضيه وتلا هذه الآية ) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وعباد الرحمن ( قال هم المؤمنون ) الذين يمشون على الأرض هونا ( قال بالطاعة والعفاف والتواضع وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال هونا علما وحلما وأخرج عبد بن حميد عن أبي سعيد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) إن عذابها كان غراما ( قال الدائم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ( قال هم المؤمنون لايسرفون فينفقوا فى معصية الله ولايقترون فيمنعوا حقوق الله
سورة الفرقان ( 68 77 )
الفرقان : ( 68 ) والذين لا يدعون . . . . .
قوله ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ( لما فرغ من ذكر إتيانهم بالطاعات شرع فى بيان اجتنابهم للمعاصى فقال والذين لايدعون مع الله سبحانه ربا من الأرباب والمعنى لايشركون به شيئا بل يوحدونه ويخلصون


"""""" صفحة رقم 88 """"""
له العبادة والدعوة ) ولا يقتلون النفس التي حرم الله ( أى حرم قتلها ) إلا بالحق ( أى بما يحق أن تقتل به النفوس من كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أوقتل نفس بغير نفس ) ولا يزنون ( أى يستحلون الفروج المحرمة بغير نكاح ولا ملك يمين ) ومن يفعل ذلك ( أى شيئا مما ذكر يلق فى الآخرة أثاما والأثام في كلام العرب العقاب قال الفراء آثمة الله يؤثمه أثاما وآثاما أى جازاه جزاء الإثم وقال عكرمة ومجاهد إن أثاما واد فى جهنم جعله الله عقابا للكفرة وقال السدى جبل فيها وقرئ يلق بضم الياء وتشديد القاف قال أبو مسلم والأثام الإثم واحد والمراد هنا جزاء الآثام فأطلق اسم الشىء على جزائه وقرأ الحسن يلق أياما جمع يوم يعنى شدائد والعرب تعبر عن ذلك بالأيام وما أظن هذه القراءة تصح عنه
الفرقان : ( 69 ) يضاعف له العذاب . . . . .
) يضاعف له العذاب ( قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي يضاعف ويخلد بالجزم وقرأ ابن كثير يضعف بتشديد العين وطرح الألف والجزم وقرأ طلحة بن سليمان نضعف بضم النون وكسر العين المشددة والجزم وهى قراءة أبى جعفر وشيبة وقرأ عاصم فى رواية أبى بكر بالرفع فى الفعلين على الاستئناف وقرأ طلحة بن سليمان وتخلد بالفوقية خطابا للكافر وروى عن أبى عمرو أنه قرأ ويخلد بضم الياء التحتية وفتح اللام قال أبو على الفارسي وهى غلط من جهة الرواية ووجه الجزم فى يضاعف أنه بدل من يلق لاتحادهما فى المعنى ومثله قول الشاعر إن على الله أن تبايعا
تؤخذ كرها أو تجىء طائعا
والضير فى قوله ) ويخلد فيه ( راجع إلى العذاب المضاعف أى يخلد في العذاب المضاعف مهانا ذليلا حقيرا
الفرقان : ( 70 ) إلا من تاب . . . . .
) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ( قيل هو استثناء متصل وقيل منقطع قال أبو حيان لايظهر الاتصال لأن المشتنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب فيصير التقدير إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا فلا يضاعف له العذاب ولايلزم من انتفاء التضعف انتفاء العذاب غير المضعف قال والأولى عندى أن تكون منقطعا أى لكن من تاب قال القرطبى لاخلاف بين العلماء أن الاستثناء عام فى الكافر والزانى واختلفوا فى القاتل من المسلمين وقد تقدم بيانه فى النساء والمائدة والإشارة بقوله ) فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( إلى المذكورين سابقا ومعنى تبديل السيئات حسنات أنه يمحو عنهم المعاصى ويثبت لهم مكانها طاعات قال النحاس من أحسن ما قيل فى ذلك أنه يكتب موضع كافر مؤمن وموضع عاص مطيع قال الحسن قوم يقولون التبديل فى الآخرة وليس كذلك إنما التبديل فى الدنيا يبدل الله لهم إيمانا مكان الشرك وإخلاصا من الشك وإحصانا من الفجور قال الزجاج ليس يجعل مكان السيئة الحسنة ولكن يجعل مكان السيئة التوبة والحسنة مع التوبة وقيل إن السيئات تبدل بحسنات وبه قال جماعة من الصحابة ومن بعدهم وقيل التبديل عبارة عن الغفران أى يغفر الله لهم تلك السيئات لا أن يبدلها حسنات وقيل المراد بالتبديل أن يوفقه لأضداد ماسلف منه ) وكان الله غفورا رحيما ( هذه الجملة مقررة لما قبلها من التبديل
الفرقان : ( 71 ) ومن تاب وعمل . . . . .
) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ( أى من تاب عما اقترف وعمل صالحا بعد ذلك فإنه يتوب بذلك إلى الله متابا أى يرجع إليه رجوعا صحيحا قويا قال القفال يحتمل أن تكون الآية الأولى فيمن تاب من المشركين ولهذا قال ) إلا من تاب وآمن ( ثم عطف عليه من تاب من المسلمين وأتبع توبته عملا صالحا فله حكم التائبين أيضا وقيل أى من تاب بلسانه ولم يحقق التوبة بفعله فليست تلك التوبة نافعة بل من تاب وعمل صالحا فحقق توبته بالأعمال الصالحة فهو الذى تاب إلى الله متابا أى تاب حق التوبة وهى النصوح ولذلك أكد بالمصدر ومعنى الآية من أراد التوبة وعزم عليها فليتب إلى الله فالخبر فى معنى الأمر كذا قيل لئلا يتحد الشرط والجزاء فإنه لايقال من


"""""" صفحة رقم 89 """"""
تاب فإنه يتوب
الفرقان : ( 72 ) والذين لا يشهدون . . . . .
ثم وصف سبحانه هؤلاء التائبين العاملين للصالحات فقال ) والذين لا يشهدون الزور ( أى لا يشهدون الشهادة الكاذبة أو لايحضرون الزور والزور هوالكذب والباطل ولا يشاهدونه وإلى الثانى ذهب جمهور المفسرين قال الزجاج الزور فى اللغة الكذب ولاكذب فوق الشرك بالله قال الواحدى أكثر المفسرين على أن الزور هاهنا بمعنى الشرك والحاصل أن يشهدون إن كان من الشهادة ففي الكلام مضاف محذوف أى لايشهدون شهادة الزور وإن كان من الشهود والحضور كما ذهب إليه الجمهور فقد اختلفوا فى معناه فقال قتادة لايساعدون أهل الباطل على باطلهم وقال محمد بن الحنفية لايحضرون اللهو والغناء وقال ابن جريج الكذب وروى عن مجاهد أيضا والأولى عدم التخصيص بنوع من أنواع الزور بل المراد الذين لايحضرون مايصدق عليه اسم الزور كائنا ما كان ) وإذا مروا باللغو مروا كراما ( أى معرضين عنه غير ملتفتين إليه واللغو كل ساقط من قول أو فعل قال الحسن اللغو المعاصى كلها وقيل المراد مروا بذوى اللغو يقال فلان يكرم عما يشينه أى يتنزه ويكرم نفسه عن الدخول فى اللغو والاختلاط بأهله
الفرقان : ( 73 ) والذين إذا ذكروا . . . . .
) والذين إذا ذكروا بآيات ربهم ( أى بالقرآن أو بما فيه موعظة وعبرة ) لم يخروا عليها صما وعميانا ( أى لم يقعوا عليها حال كونهم صما وعميانا ولكنهم أكبوا عليها سامعين مبصرين وانتفعوا بها قال ابن قتيبة المعنى لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها وعمى لم يبصروها قال ابن جرير ليس ثم خرور بل كما يقال قعد يبكى وإن كان غير قاعد قال ابن عطية كأن المستمع للذكر قائم فإذا أعرض عنه كان ذلك خرورا وهو السقوط على غير نظام قيل المعنى إذا تليت عليهم آيات الله وجلت قلوبهم فخروا سجدا وبكيا ولم يخروا عليها صما وعميانا قال الفراء أى لم يقعدوا على حالهم الأول كأن لم يسمعوا قال فى الكشاف ليس بنفى للخرور وإنما هو إثبات ونفى للصمم والعمى وأراد أن النفى متوجه إلى القيد لا إلى المقيد
الفرقان : ( 74 ) والذين يقولون ربنا . . . . .
) والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ( من ابتدائية أو بيانية قرأ نافع وابن كثير وابن عباس والحسن وذرياتنا بالجمع وقرأ أبو عمر وحمزة والكسائي وطلحة وعيسى وذريتنا بالإفراد والذرية تقع على الجمع كما فى قوله ذرية ضعافا وتقع على الفرد كما فى قوله ذرية طيبة وانتصاب قرة أعين على المفعولية يقال قرت عينه قرة قال الزجاج يقال أقر الله عينك أى صادف فؤادك ما يحبه وقال المفضل فى قرة العين ثلاثة أقوال أحدها برد دمعها لأنه دليل السرور والضحك كما أن حره دليل الحزن والغم والثانى نومها لأنه يكون مع فراغ الخاطر وذهاب الحزن والثالث حصول الرضا ) واجعلنا للمتقين إماما ( أى قدوة يقتدى بنا فى الخير وإنما قال إماما ولم يقل أئمة لأنه يريد به الجنس كقوله ) ثم نخرجكم طفلا ( قال الفراء قال إماما ولم يقل أئمة كما قال للاثنين أنا رسول رب العالمين يعني أنه من الواحد الذى أريد به الجمع وقال الأخفش الإمام جمع أم من أم يأم جمع على فعال نحو صاحب وصحاب وقائم وقيام وقيل إن إماما مصدر يقال أم فلان فلانا إماما مثل الصيام والقيام وقيل أرادوا اجعل كل واحد منا إماما وقيل أرادوا اجعلنا إماما واحدا لاتحاد كلمتنا وقيل إنه من الكلام المقلوب وأن المعنى واجعل المتقين لنا إماما وبه قال مجاهد وقيل إن هذا الدعاء صادر عنهم بطريق الانفراد وأن عبارة كل واحد منهم عند الدعاء واجعلنى للمتقين إماما ولكنها حكيت عبارات الكل بصيغة المتكلم مع الغير لقصد الإيجاز كقوله ) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ( وفى هذا إبقاء إماما على حاله ومثل مافى الآية قول الشاعر يا عاذلاتي لاتزدن ملامتي
إن العواذل ليس لى بأمين


"""""" صفحة رقم 90 """"""
أى أمناء قال القفال وعندى أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل اجعلنا حجة للمتقين ومثله البينة يقال هؤلاء بينة فلان قال النيسابورى قيل فى الآية دلالة على أن الرياسة الدينية مما يجب أن تطلب ويرغب فيها والأقرب أنهم سألوا الله أن يبلغهم فى الطاعة المبلغ الذى يشار إليهم ويقتدى بهم
الفرقان : ( 75 ) أولئك يجزون الغرفة . . . . .
والإشارة بقوله ) أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ( إلى المتصفين بتلك الصفات وهو مبتدأ وخبره ما بعده والجمل مستأنفة وقيل إن أولئك وما بعده خبر لقوله وعباد الرحمن كذا قال الزجاج والغرفة الدرجة الرفيعة وهى أعلى منازل الجنة وأفضلها وهى فى الأصل لكل بناء مرتفع والجمع غرف وقال الضحاك الغرفة الجنة والباء فى ) بما صبروا ( سببية وما مصدرية أى يجزون الغرفة بسبب صبرهم على مشاق التكليف ) ويلقون فيها تحية وسلاما ( قرأ أبو بكر والمفضل والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف يلقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف واختار هذه القراءة الفراء قال لأن العرب تقول فلان يلقى بالسلام والتحية والخير وقل ما يقولون يلقى وقرأ الباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله ) ولقاهم نضرة وسرورا ( والمعنى أنه يحى بعضهم بعضا ويرسل إليهم الرب سبحانه بالسلام قيل التحية البقاء الدائم والملك العظيم وقيل هى بمعنى السلام وقيل إن الملائكة تحييهم وتسلم عليهم والظاهر أن هذه التحية والسلام هى من الله سبحانه لهم ومن ذلك قوله سبحانه ) تحيتهم يوم يلقونه سلام ( وقيل معنى التحية الدعاء لهم بطول الحياة ومعنى السلام الدعاء لهم بالسلامة من الافات
الفرقان : ( 76 ) خالدين فيها حسنت . . . . .
وانتصاب خالدين فيها على الحال أى مقيمين فيها من غير موت ) حسنت مستقرا ومقاما ( أى حسنت الغرفة مستقرا يستقرون فيه ومقاما يقيمون به وهذا فى مقابل ما تقدم من قوله ساءت مستقرا ومقاما
الفرقان : ( 77 ) قل ما يعبأ . . . . .
) قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ( بين سبحانه أنه غنى عن طاعة الكل وإنما كلفهم لينتفعوا بالتكليف يقال ما عبأت بفلان أى ما باليت به ولا له عندى قدر وأصل يعبأ من العبء وهو الثقل قال الخليل ما أعبأ بفلان أى ما أصنع به كأنه يستقله ويستحقره ويدعى أن وجوده وعدمه سواء وكذا قال أبو عبيدة قال الزجاج ما يعبأ بكم ربى يريد أى وزن يكون لكم عنده والعبء الثقل وما استفهامية أو نافية وصرح الفراء بأنها استفهامية قال ابن الشجرى وحقيقة القول عندى أن موضع ما نصب والتقدير أى عبء يعبأ بكم أى أى مبالاة يبالى بكم لولا دعاؤكم أى لولا دعاؤكم إياه لتعبدوه وعلى هذا فالمصدر الذى هو الدعاء مضاف إلى مفعوله وهو اختيار الفراء وفاعله محذوف وجواب لولا محذوف تقديره لولا دعاؤكم لم يعبأ بكم ويؤيد هذا قوله ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( والخطاب لجميع الناس ثم خص الكفار منهم فقال فقد كذبتم وقرأ ابن الزبير فقد كذب الكافرون وفى هذه القراءة دليل بين على أن الخطاب لجميع الناس وقيل إن المصدر مضاف إلى الفاعل أى لولا استغاثتكم إليه فى الشدائد وقيل المعنى ما يعبأ بكم أى بمغفرة ذنوبكم لولا دعاؤكم الآلهة معه وحكى ابن جني أن ابن عباس قرأ كقراءة ابن الزبير وحكى الزهراوى والنحاس أن ابن مسعود قرأ كقراءتهما وممن قال بأن الدعاء مضاف إلى الفاعل القتيبى والفارسي قالا والأصل لولا دعاؤكم آلهة من دونه وجواب لولا محذوف تقديره على هذا الوجه لولا دعاؤكم لم يعذبكم ويكون معنى فقد كذبتم على الوجه الأول فقد كذبتم بما دعيتم إليه وعلى الوجه الثاني فقد كذبتم بالتوحيد ثم قال سبحانه ) فسوف يكون لزاما ( أى فسوف يكون جزاء التكذيب لازما لكم وجمهور المفسرين على أن المراد باللزام هنا ما لزم المشركين يوم بدر وقالت طائفة هو عذاب الاخرة قال أبو عبيدة لزاما فيصلا أى فسوف يكون فيصلا بينكم وبين المؤمنين قال


"""""" صفحة رقم 91 """"""
الزجاج فسوف يكون تكذيبكم لزاما يلزمكم فلا تعطون التوبة وجمهور القراء على كسر اللام من لزاما وأنشد أبو عبيدة لصخر فاما ينجوا من خسف أرض
فقد لقيا حتوفهما لزاما
قال ابن جرير لزاما عذابا دائما وهلاكا مفنيا يلحق بعضكم ببعض كقول أبى ذؤيب ففاجأه بعادية لزام
كما يتفجر الحوض اللفيف
يعنى باللزام الذى يتبع بعضه بعضا وباللفيف المتساقط من الحجارة المنهدمة وحكى أبو حاتم عن أبى زيد قال سمعت أبا السماك يقرأ لزاما بفتح اللام قال أبو جعفر يكون مصدر لزم والكسر أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أى الذنب أكبر قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أى قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أى قال أن تزانى حليلة جارك فأنزل الله تصديق ذلك ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ( وأخرجا وغيرهما أيضا عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت ) والذين لا يدعون ( الآية ونزلت قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهم الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عبد الله بن عمرو فى قوله ) يلق أثاما ( قال واد فى جهنم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ( الاية اشتد ذلك علي المسلمين فقالوا مامنا أحد إلا أشرك وقتل وزنى فأنزل الله ) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( الآية يقول لهؤلاء الذين أصابوا هذا فى الشرك ثم نزلت هذه الآية ) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( فأبدلهم الله بالكفر الإسلام وبالمعصية الطاعة وبالإنكار المعرفة وبالجهالة العلم وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قرأنهاا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سنين ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ( ثم نزلت ) إلا من تاب وآمن ( فما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرح بشىء قط فرحه بها وفرحه ) إنا فتحنا لك فتحا مبينا ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ( قال هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات فرغب الله بهم عن ذلك فحولهم إلى الحسنات فأبدلهم مكان السيئات الحسنات وأخرج أحمد وهناد والترمذى وابن جرير والبيهقى فى الأسماء والصفات عن أبى ذر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه فيعرض عليه صغارها وينحى عنه كبارها فيقال عملت يوم كذا كذا وهو يقر ليس ينكر وهو مشفق من الكبائر أن تجيء فيقال أعطوه بكل سيئة عملها حسنة والأحاديث فى تكفير السيئات وتبديلها بالحسنات كثيرة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) والذين لا يشهدون الزور ( قال إن الزور كان صنما بالمدينة يلعبون حوله كل سبعة أيام وكان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا مروا به مروا كراما لاينظرون إليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ( قال يعنون من يعمل بالطاعة فتقر به أعيننا فى الدنيا والآخرة ) واجعلنا للمتقين إماما ( قال أئمة هدى يهتدى بنا ولا تجعلنا أئمة ضلالة لأنه قال لأهل السعادة ) وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا (


"""""" صفحة رقم 92 """"""
ولأهل الشقاوة وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار وأخرج الحكيم الترمذى عن سهل بن سعد عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) أولئك يجزون الغرفة ( قال الغرفة قال الغرفة من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم ولا وصم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ( يقول لولا إيمانكم فأخبر الله أنه لاحاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ولوكانت له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين ) فسوف يكون لزاما ( قال موتا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنبارى عنه أنه كان يقرأ فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن الزبير أنه قرأها كذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه ) فسوف يكون لزاما ( قال القتلى يوم بدر وفى الصحيحين عنه قال خمس قد مضين الدخان والقمر واللزوم والبطشة واللزام
ع26
تفسير
سورة الشعراء
وآياتها مائتان وسبع وعشرون آية
حول السورة
وهى مكية عند الجمهور وكذا أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وأخرج النحاس عن ابن عباس قال سورة الشعراء أنزلت بمكة سوى خمس آيات من آخرها نزلت بالمدينة وهى ) والشعراء يتبعهم الغاوون ( إلى آخرها وأخرج القرطبى فى تفسيره عن البراء أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله أعطانى السبع الطوال مكان التوراة ة أعطاني المئين مكان الإنجيل وأعطانى الطواسين مكان الزبور وفضلنى بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبى قبلى وأخرج أيضا عن ابن عباس قال قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أعطيت السورة التى تذكر فيها البقرة من الذكر الأول وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة قال ابن كثير فى تفسيره لا ووقع في تفسير مالك المروى عنه تسميتها بسورة الجمعة


"""""" صفحة رقم 93 """"""
سورة الشعراء ( 1 22 )
الشعراء : ( 1 ) طسم
قوله طسم قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وأبو بكر والمفضل وحمزة والكسائى وخلف بإمالة الطاء وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة والزهرى بين اللفظين واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ الباقون بالفتح مشبعا وقرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم والكسائي بإدغام النون من طسن فى الميم وقرأ الأعمش وحمزة بأظهارها قال الثعلبى الإدغام اختيار أبى عبيد وأبى حاتم قال النحاس وحكى الزجاج فى كتابه فيما يجرى وما لايجرى أنه يجوز أن يقال طاسين ميم بفتح النون وضم الميم كما يقال هذا معدى كرب وقرأ عيسى ويروى عن نافع بكسر الميم على البناء وفى مصحف عبد الله بن مسعود ط س م هكذا حروفا مقطعة فيوقف على كل حرف وقفة يتميز بها عن غيره وكذلك قرأ أبو جعفر ومحله الرفع على الابتداء إن كان اسما للسورة كما ذهب إليه الأكثر أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن يكون فى محل نصب بتقدير اذكر أو اقرأ وأما إذا كان مسرودا على نمط التعديد كما تقدم فى غير موضع من هذا التفسير فلا محل له من الإعراب وقد قيل إنه اسم من أسماء الله سبحانه وقيل اسم من أسماء القرآن
الشعراء : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . .
والإشارة بقوله ) تلك آيات الكتاب المبين ( إلى السورة ومحلها الرفع على أنها وما بعدها خبر للمبتدأ إن جعلنا طسم مبتدأ وإن جعلناه خبر لمبتدأ محذوف فمحلها الرفع على أنه مبتدأ خبره مابعده أو خبر مبتدأ محذوف أو بدل من طسم والمراد بالكتاب هنا القرآن والمبين المبين المظهر أو البين الظاهر إن كان من أبان بمعنى بان
الشعراء : ( 3 ) لعلك باخع نفسك . . . . .
) لعلك باخع نفسك ( أى قاتل نفسك ومهلكها ) ألا يكونوا مؤمنين ( أى لعدم إيمانهم بما جئت به والبخع فى الأصل أن يبلغ بالذبح النخاع بالنون قاموس وهو عرق في القفا وقد مضى تحقيق هذا فى سورة الكهف وقرأ قتادة باخع نفسك بالإضافة وقرأ الباقون بالقطع قال الفراء أن فى قوله ) ألا يكونوا مؤمنين ( فى موضع نصب لأنها جزاء قال النحاس وإنما يقال إن مكسورة لأنها جزء هكذا التعارف والقول فى هذا ما قاله الزجاج فى كتابه فى القرآن أنها فى موضع نصب مفعول لأجله والمعنى لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان وفى هذا تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه كان حريصا على إيمان قومه شديد الأسف لما يراه من إعراضهم
الشعراء : ( 4 ) إن نشأ ننزل . . . . .
وجملة ) إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية ( مستأنفة مسوقة لتعليل ما سبق من التسلية والمعنى إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية تلجئهم إلى الإيمان ولكن قد سبق القضاء بأنا لاننزل ذلك ومعنى ) فظلت أعناقهم لها خاضعين ( أنهم صاروا منقادين لها أى فتظل أعناقهم الخ قيل وأصله فضلوا لها خاضعين


"""""" صفحة رقم 94 """"""
فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير والتصوير لأن الأعناق موضع الخضوع وقيل أنها لما وضعت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم ووصفت بما يوصفون به قال عيسى بن عمر خاضعين وخاضعة هنا سواء واختاره المبرد والمعنى أنها إذا ذلت رقابهم ذلوا فالإخبار عن الرقاب إخبار عن أصحابها ويسوغ فى كلام العرب أن يترك الخبر عن الأول ويخبر عن الثانى ومنه قول الراجز طول الليالى أسرعت فى نقضى
طوين طولى وطوين عرضي
فأخبر عن الليالي وترك الطول ومنه قول جرير أرى مر السنين أخذن منى
كما أخذ السرار من الهلال
وقال أبو عبيد والكسائى إن المعنى خاضعيها هم وضعفه النحاس وقال مجاهد أعناقهم كبراؤهم قال النحاس وهذا معروف فى اللغة يقال جاءنى عنق من الناس أى رؤساء منهم وقال أبو زيد والأخفش أعناقهم جماعاتهم يقال جاءنى عنق من الناس أي جماعة
الشعراء : ( 5 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين ( بين سبحانه أنه مع اقتداره على أن يجعلهم ملجئين إلى الإيمان يأتيهم بالقرآن حالا بعد حال وأن لايجدد لهم موعظة وتذكيرا إلا جددوا ماهو نقيض المقصود وهو الإعراض والتكذيب والاستهزاء ومن فى من ذكر مزيدة لتأكيد العموم ومن فى من ربهم لابتداء الغاية والاستثناء مفرغ من أعم العام محله النصب على الحالية من مفعول يأتيهم وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية في سورة الانبياء
الشعراء : ( 6 ) فقد كذبوا فسيأتيهم . . . . .
) فقد كذبوا ( أى بالذكر الذى يأتيهم تكذيبا صريحا ولم يكتفوا بمجرد الإعراض وقيل إن الإعراض بمعنى التكذيب لأن من أعرض عن شىء ولم يقبله فقد كذبه وعلى هذا فيكون ذكر التكذيب للدلالة على صدور ذلك منهم على وجه التصريح والأول أولى فالإعراض عن الشىء عدم الالتفات إليه ثم انتقلوا عن هذا إلى ماهو أشد منه وهو التصريح بالتكذيب ثم انتقلوا عن التكذيب إلى ماهو أشد منه وهو الأستهزاء كما يدل عليه قوله ) فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ( والأنباء هى مايستحقونه من العقوبة آجلا وعاجلا وسميت أنباء لكونها مما أنبأ عنه القرآن وقال ) ما كانوا به يستهزؤون ( ولم يقل ماكانوا عنه معرضين أو ماكانوا به يكذبون لأن الاستهزاء أشد منهما ومستلزم لهما وفى هذا وعيد شديد وقد مر تفسير مثل هذا فى سورة الأنعام
الشعراء : ( 7 ) أو لم يروا . . . . .
ثم ذكر سبحانه مايدل على كمال قدرته من الأمور الحسية التى يحصل بها للمتأمل فيها والناظر إليها والمستدل بها أعظم دليل وأوضح برهان فقال ) أو لم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ( الهمزة للتوبيخ والواو للعطف على مقدر كما فى نظائره فنبه سبحانه على عظمته وقدرته وأن هؤلاء المكذبين المستهزئين لو نظروا حق النظر لعلموا أنه سبحانه الذى يستحق أن يعبد والمراد بالزوج هنا الصنف وقال الفراء هو اللون وقال الزجاج معنى زوج نوع وكريم محمود والمعنى من كل زوج نافع لايقدر على إنباته إلا رب العالمين والكريم فى الأصل الحسن الشريف يقال نخلة كريمة أى كثيرة الثمرة ورجل كريم شريف فاضل وكتاب كريم إذا كان مرضيا فى معانيه والنبات الكريم هو المرضى فى منافعة قال الشعبى الناس مثل نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ومن صار منهم إلى النار فهو لئيم
الشعراء : ( 8 ) إن في ذلك . . . . .
والإشارة بقوله ) إن في ذلك لآية ( إلي المذكور قبله أى إن فيما ذكر من الإنبات فى الأرض لدلالة بينة وعلامة واضحة على كمال قدرة الله سبحانه وبديع صنعته ثم أخبر سبحانه بأن أكثر هؤلاء مستمر على ضلالته مصمم على جحوده وتكذيبه واستهزائه فقال ) وما كان أكثرهم مؤمنين ( أى سبق علمى فيهم أنهم سيكونون هكذا وقال سيبويه إن كان هنا صلة
الشعراء : ( 9 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( أى


"""""" صفحة رقم 95 """"""
الغالب القاهر لهؤلاء بالانتقام منهم مع كونه كثير الرحمة ولذلك أمهلهم ولم يعالجهم بالعقوبة أو المعنى أنه منتقم من أعدائه رحيم بأوليائه
الشعراء : ( 10 ) وإذ نادى ربك . . . . .
وجملة ) وإذ نادى ربك موسى ( الخ مستأنفة مسوقة لتقرير ما قبلها من الإعراض والتكذيب والاستهزاء والعامل فى الظرف محذوف تقديره واتل إذ نادى أو اذكر والنداء الدعاء و أن فى قوله ) أن ائت القوم الظالمين ( يجوز أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية ووصفهم بالظلم لأنهم جمعوا بين الكفر الذى ظلموا به أنفسهم وبين المعاصى التى ظلموا بها غيرهم كاستعباد بنى إسرائيل بنى إسرائيل وذبح أبنائهم
الشعراء : ( 11 ) قوم فرعون ألا . . . . .
وانتصاب قوم فرعون على أنه بدل أو عطف بيان من القوم الظالمين ومعنى ) ألا يتقون ( ألا يخافون عقاب الله سبحانه فيصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته وقيل المعنى قل لهم ألا تتقون وجاء بالياء التحتية لأنهم غيب وقت الخطاب وقرأ عبيد بن عمير وأبو حازم ) ألا تتقون ( بالفوقية أى قل لهم ذلك ومثله قل للذين كفروا ستغلبون بالتحيتة والفوقية
الشعراء : ( 12 ) قال رب إني . . . . .
) قال رب إني أخاف أن يكذبون ( أى قال موسى هذه المقالة والمعنى أخاف أن يكذبونى فى الرسالة
الشعراء : ( 13 ) ويضيق صدري ولا . . . . .
) ويضيق صدري ولا ينطلق لساني ( معطوفان على أخاف أى يضيق صدرى لتكذيبهم إياى ولاينطلق لسانى بتأدية الرسالة قرأ الجمهور برفع يضيق ولاينطلق بالعطف على أخاف كما ذكرنا أو على الاستئناف وقرأ يعقوب وعيسى بن عمر وأبو حيوة بنصبهما عطفا على يكذبون قال الفراء كلا القراءتين له وجه قال النحاس الوجه الرفع لأن النصب عطف على يكذبون وهذا بعيد ) فأرسل إلى هارون ( أى أرسل إليه جبريل بالوحي ليكون معى رسولا موازر مظاهرا معاونا ولم يذكر الموازرة هنا لأنها معلومة من غير هذا الموضع كقوله فى طه واجعل لى وزيرا وفى القصص ) فأرسله معي ردءا يصدقني ( وهذا من موسى عليه السلام من باب طلب المعاونة له بإرسال أخيه لا من باب الاستعفاء من الرسالة ولا من التوقف عن المسارعة بالامتثال
الشعراء : ( 14 ) ولهم علي ذنب . . . . .
) ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون ( الذنب هو قتله للقبطى وسماه ذنبا بحسب زعمهم فخاف موسى أن يقتلوه به وفيه دليل على أن الخوف قد يحصل مع الأنبياء فضلا عن الفضلاء
الشعراء : ( 15 ) قال كلا فاذهبا . . . . .
ثم أجابه سبحانه بما يشتمل على نوع من الردع وطرف من الزجر ) قال كلا فاذهبا بآياتنا ( وفى ضمن هذا الجواب إجابة موسى إلى ما طلبه من ضم أخيه إليه كما يدل عليه توجيه الخطاب إليهما كأنه قال ارتدع يا موسى عن ذلك واذهب أنت ومن استدعيته ولاتخف من القبط ) إنا معكم مستمعون ( وفى هذا تعليل للردع عن الخوف وهو كقوله سبحانه ) إنني معكما أسمع وأرى ( وأراد بذلك سبحانه تقوية قلوبهما وأنه متول لحفظهما وكلاءتهما وأجراهما مجرى الجمع فقال معكم لكون الاثنين أقل الجمع على ماذهب إليه بعض الأئمة أو لكونه أراد موسى وهارون ومن أرسلا إليه ويجوز أن يكون المراد هما مع بنى إسرائيل ومعكم ومستمعون خبران لأن أو الخبر مستمعون ومعكم متعلق به ولايخفى ما فى المعية من المجاز لأن المصاحبة من صفات الأجسام فالمراد معية النصرة والمعونة
الشعراء : ( 16 ) فأتيا فرعون فقولا . . . . .
) فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين ( الفاء لترتيب ما بعدها على ماقبلها ووحد الرسول هنا ولم يثنه كما فى قوله إنا رسولا ربك لأنه مصدر بمعنى رسالة والمصدر يوحد وأما إذا كان بمعنى المرسل فإنه يثنى مع المثنى ويجمع مع الجمع قال أبو عبيدة رسول بمعنى رسالة والتقدير على هذا إنا ذوا رسالة رب العالمين ومنه قول الشاعر ألا أبلغ أبا عمرو رسولا
فإنى عن فتاحتكم غنى
أي رسالة وقال العباس بن مرداس ألا من مبلغ عنى خفافا
رسولا بيت أهلك منتهاها


"""""" صفحة رقم 96 """"""
أى رسالة قال أبو عبيدة أيضا ويجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع تقول العرب هذا رسولي ووكيلي وهذان رسولى ووكيلى وهؤلاء رسولى ووكيلى ومنه قوله تعالى فإنهم عدو لى وقيل معناه إن كل واحد منا رسول رب العالمين وقيل إنهما لما كانا متعاضدين متساندين فى الرسالة كانا بمنزلة رسول واحد
الشعراء : ( 17 ) أن أرسل معنا . . . . .
وأن فى قوله ) أن أرسل معنا بني إسرائيل ( مفسرة لتضمن الإرسال المفهوم من الرسول معنى القول
الشعراء : ( 18 ) قال ألم نربك . . . . .
) قال ألم نربك فينا وليدا ( أى قال فرعون لموسى بعد أن أتياه وقالا له ما أمرهما الله به ومعنى فينا أى فى حجرنا ومنازلنا أراد بذلك المن عليه والاحتقار له أى ربيناك لدينا صغيرا ولم نقتلك فيمن قتلنا من الأطفال ) ولبثت فينا من عمرك سنين ( فمتى كان هذا الذى تدعيه قيل لبث فيهم ثمانى عشرة سنة وقيل ثلاثين سنة وقيل أربعين سنة
الشعراء : ( 19 ) وفعلت فعلتك التي . . . . .
ثم قرر بقتل القبطى فقال ) وفعلت فعلتك التي فعلت ( الفعلة بفتح الفاء المرة من الفعل وقرأ الشعبى فعلتك بكسر الفاء والفتح أولى لأنها للمرة الواحدة لا للنوع والمعنى أنه لما عدد عليه النعم ذكر له ذنوبه وأراد بالفعل قتل القبطى ثم قال ) وأنت من الكافرين ( أى من الكافرين للنعمة حيث قتلت رجلا من أصحابى وقيل المعنى من الكافرين بأن فرعون إله وقيل من الكافرين بالله فى زعمه لأنه كان معهم على دينهم والجملة في محل نصب على الحال
الشعراء : ( 20 ) قال فعلتها إذا . . . . .
) قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ( أى قال موسى مجيبا لفرعون فعلت هذه الفعلة التى ذكرت وهى قتل القبطى وأنا إذ ذاك من الضالين أى الجاهلين فنفى عليه السلام عن نفسه الكفر وأخبر أنه فعل ذلك علي الجهل قبل أن يأتيه العلم الذى علمه الله وقيل المعنى من الجاهلين أن تلك الوكزة تبلغ القتل وقال أبو عبيدة من الناسين
الشعراء : ( 21 ) ففررت منكم لما . . . . .
) ففررت منكم لما خفتكم ( أي خرجت من بينكم إلى مدين كما فى سورة القصص ) فوهب لي ربي حكما ( أى نبوة أو علما وفهما وقال الزجاج المراد بالحكم تعليمه التوارة التى فيها حكم الله ) وجعلني من المرسلين
الشعراء : ( 22 ) وتلك نعمة تمنها . . . . .
وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل ( قيل هذا الكلام من موسى على جهة الإقرار بالنعمة كأنه قال نعم تلك التربية نعمة تمن بها على ولكن لايدفع ذلك رسالتى وبهذا قال الفراء وابن جرير وقيل هو من موسى على جهة الإنكار أى أتمن على بأن ربيتنى وليدا وأنت قد استعبدت بنى إسرائيل وقتلتهم وهم قومى قال الزجاج المفسرون أخرجوا هذا على جهة الإنكار بأن يكون ما ذكر فرعون نعمة على موسى واللفظ لفظ خبر وفيه تبكيت للمخاطب على معنى أنك لو كنت لاتقتل أبناء بنى إسرائيل لكانت أمى مستغنية عن قذفى فى اليم فكأنك تمن على ما كان بلاؤك سببا له وذكر نحوه الأزهرى بأبسط منه وقال المبرد يقول التربية كانت بالسبب الذى ذكرت من التعبيد أى تربيتك إياى كانت لأجل التملك والقهر لقومى وقيل إن فى الكلام تقدير الاستفهام أى أو تلك نعمة قاله الأخفش وأنكره النحاس قال الفراء ومن قال إن الكلام إنكار قال معناه أو تلك نعمة ومعنى ) أن عبدت بني إسرائيل ( أن اتخذتهم عبيدا يقال عبدته وأعبدته بمعنى كذا قال الفراء ومحله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف بدل من نعمة والجر بإضمار الباء والنصب بحذفها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ) فظلت أعناقهم لها خاضعين ( قال ذليلين وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة ) ولهم علي ذنب ( قال قتل النفس وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ( قال للنعمة إن فرعون لم يكن ليعلم ما الكفر وفى قوله ) فعلتها إذا وأنا من الضالين ( قال من الجاهلين وأخرج الفريابى وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد ) أن عبدت بني إسرائيل ( قال قهرتهم واستعملتهم


"""""" صفحة رقم 97 """"""
سورة الشعراء ( 23 51 )
الشعراء : ( 23 ) قال فرعون وما . . . . .
لما سمع فرعون قول موسى وهارون ) إنا رسول رب العالمين ( قال مستفسرا لهما عن ذلك عازما على الاعتراض لما قالاه فقال ) وما رب العالمين ( أى أى شىء هو جاء فى الاستفهام بما التى يستفهم بها عن المجهول ويطلب بها تعيين الجنس فلما قال فرعون ذلك
الشعراء : ( 24 ) قال رب السماوات . . . . .
قال موسى ) رب السماوات والأرض وما بينهما ( فعين له ما أراد بالعالمين وترك جواب ما سأل عنه فرعون لأنه سأله عن جنس رب العالمين ولاجنس له فأجابه موسى بما يدل على عظيم القدرة الإلهية التى تتضح لكل سامع أنه سبحانه الرب ولا رب غيره ) إن كنتم موقنين ( أى إن كنتم موقنين بشىء من الأشياء فهذا أولى بالإيقان
الشعراء : ( 25 ) قال لمن حوله . . . . .
قال فرعون ) لمن حوله ألا تستمعون ( أى لمن حوله من الأشراف ألا تستمعون ما قاله يعنى موسى معجبا لهم من ضعف المقالة كأنه قال أتسمعون وتعجبون وهذا من اللعين


"""""" صفحة رقم 98 """"""
مغالطة لما لم يجد جوابا عن الحجة التى أوردها عليه موسى
الشعراء : ( 26 ) قال ربكم ورب . . . . .
فلما سمع موسى ما قال فرعون عليه حجة أخرى هى مندرجة تحت الحجة الأولى ولكنها أقرب إلى فهم السامعين له ف ) قال ربكم ورب آبائكم الأولين ( فأوضح لهم أن فرعون مربوب لا رب كما يدعيه والمعنى أن هذا الرب الذى أدعوكم إليه هو الذى خلق آباءكم الأولين وخلقكم فكيف تعبدون من هو واحد منكم مخلوق كخلقكم وله آباء قد فنوا كآبائكم
الشعراء : ( 27 ) قال إن رسولكم . . . . .
فلم يجبه فرعون عند ذلك بشىء يعتد به بل جاء بما يشكك قومه ويخيل إليهم أن هذا الذى قاله موسى مما لايقوله العقلاء ف ) قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( قاصدا بذلك المغالطة وإيقاعهم فى الحيرة مظهرا إنه مستخف بما قاله موسى مستهزئ به
الشعراء : ( 28 ) قال رب المشرق . . . . .
فأجابه موسى عند ذلك بما هو تكميل لجوابه الأول ف ) قال رب المشرق والمغرب وما بينهما ( ولم يشتغل موسى بدفع ما نسبه إليه من الجنون بل بين لفرعون شمول ربوبية الله سبحانه للمشرق والمغرب وما بينهما وإن كان ذلك داخلا تحت ربوبيته سبحانه للسموات والأرض وما بينهما لكن فيه تصريح بإسناد حركات السموات وما فيها وتغيير أحوالها وأوضاعها تارة بالنور وتارة بالظلمة إلى الله سبحانه وتثنية الضمير فى وما بينهما الأول لجنسى السموات والأرض كما في قول الشاعر تنقلت فى أشرف التنقل
بين رماحي نهشل ومالك
إن كنتم تعقلون أى شيئا من الأشياء أو إن كنتم من أهل العقل أى إن كنت يا فرعون ومن معك من العقلاء عرفت وعرفوا أنه لاجواب لسؤالك إلا ماذكرت لك
الشعراء : ( 29 ) قال لئن اتخذت . . . . .
ثم إن اللعين لما انقطع عن الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب ف ) قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ( أى لأجعلنك من أهل السجن وكان سجن فرعون أشد من القتل لأنه إذا سجن أحدا لم يخرجه حتى يموت فلما سمع موسى عليه السلام ذلك لاطفه طمعا فى إجابته وإرخاء لعنان المناظرة معه مريدا لقهره بالحجة المعتبرة فى باب النبوة وهى إظهار المعجزة
الشعراء : ( 30 ) قال أولو جئتك . . . . .
فعرض له على وجه يلجئه إلى طلب المعجزة ف ) قال أولو جئتك بشيء مبين ( أى أتجعلنى من المسجونين ولو جئتك بشىء يتبين به صدقي ويظهر عنده صحة دعواى والهمزة هنا للاستفهام والواو للعطف على مقدر كما مر مرارا
الشعراء : ( 31 ) قال فأت به . . . . .
فلما سمع فرعون ذلك طلب ماعرضه عليه موسى ف ) قال فأت به إن كنت من الصادقين ( فى دعواك وهذا الشرط جوابه محذوف لأنه قد تقدم مايدل عليه
الشعراء : ( 32 ) فألقى عصاه فإذا . . . . .
فعند ذلك أبرز موسى المعجزة ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ( وقد تقدم تفسير هذا وما بعده فى سورة الأعراف واشتقاق الثعبان من ثعبت الماء في الأرض فانبعث أي فجرته فانفجر وقد عبر سبحانه في موضع آخر مكان الثعبان بالحية بقوله ) فإذا هي حية تسعى ( وفي موضع بالجان فقال كأنها جان والجان هو المائل إلى الصغر والثعبان هو المائل إلى الكبر والحية جنس يشمل الكبير والصغير
الشعراء : ( 35 ) يريد أن يخرجكم . . . . .
ومعنى ) فماذا تأمرون ( ما رأيكم فيه وما مشورتكم فى مثله فأظهر لهم الميل إلى مايقولونه تألفا لهم واستجلابا لمودتهم لأنه قد أشرف ما كان فيه من دعوى الربوبية على الزوال وقارب ما كان يغرر به عليهم الاضمحلال وإلا فهو أكبر تيها وأعظم كبرا من أن يخاطبهم مثل هذه المخاطبة المشعرة بأنه فرد من أفرادهم وواحد منهم مع كونه قبل هذا الوقت يدعى أنه إلههم ويذعنون له بذلك ويصدقونه فى دعواه
الشعراء : ( 36 ) قالوا أرجه وأخاه . . . . .
ومعنى ) أرجه وأخاه ( أخر أمرهما من أرجأته إذا أخرته وقيل المعنى احبسهما ) وابعث في المدائن حاشرين ( وهم الشرط الذين يحشرون الناس أى يجمعونهم
الشعراء : ( 37 ) يأتوك بكل سحار . . . . .
) يأتوك بكل سحار عليم ( هذا ما أشاروا به عليه والمراد بالسحار العليم الفائق فى معرفة السحر وصنعته
الشعراء : ( 38 ) فجمع السحرة لميقات . . . . .
) فجمع السحرة لميقات يوم معلوم ( هو يوم الزينة كما فى قوله ) قال موعدكم يوم الزينة )
الشعراء : ( 39 ) وقيل للناس هل . . . . .
) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون ( حثا لهم على الاجتماع ليشاهدوا ما يكون من موسى والسحرة ولمن تكون الغلبة


"""""" صفحة رقم 99 """"""
ذلك ثقة من فرعون بالظهور وطلبا أن يكون بمجمع من الناس حتى لايؤمن بموسى أحد منهم فوقع ذلك من موسى الموقع الذى يريده لأنه يعلم أن حجة الله هى الغالبة وحجة الكافرين هى الداحضة وفى ظهور حجة الله بمجمع من الناس زيادة فى الاستظهار للمحقين والانقهار للمبطلين ومعنى
الشعراء : ( 40 ) لعلنا نتبع السحرة . . . . .
) لعلنا نتبع السحرة ( نتبعهم فى دينهم ) إن كانوا هم الغالبين ( والمراد باتباع السحرة في دينهم هو البقاء على ما كانوا عليه لأنه دين السحرة إذ ذاك والمقصود المخالفة لما دعاهم إليه موسى
الشعراء : ( 41 ) فلما جاء السحرة . . . . .
فعند ذلك طلب السحرة من موسى الجزاء على ما سيفعلونه ف ) قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا ( أى لجزاء تجزينا به من مال أو جاه وقيل أرادوا إن لنا ثوابا عظيما ثم قيدوا ذلك بظهور غلبتهم لموسى فقالوا ) إن كنا نحن الغالبين )
الشعراء : ( 42 ) قال نعم وإنكم . . . . .
فوافقهم فرعون على ذلك و ) قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين ( أى نعم لكم ذلك عندى مع زيادة عليه وهى كونكم من المقربين لدى
الشعراء : ( 43 ) قال لهم موسى . . . . .
) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ( وفى آية أخرى قالوا يا موسى إما أن تلقي وأما نكون نحن الملقين فيحمل ما هنا على أنه قال لهم ألقوا بعد أن قالوا هذا القول ولم يكن ذلك من موسى عليه السلام أمرا لهم بفعل السحر بل أراد أن يقهرهم بالحجة ويظهر لهم أن الذى جاء به ليس هو من الجنس الذي أرادوا معارضته به
الشعراء : ( 44 ) فألقوا حبالهم وعصيهم . . . . .
) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا ( عند الألقاء ) بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون ( يحتمل قولهم بعزة فرعون وجهين الأول أنه قسم وجوابه إنا لنحن الغالبون والثانى متعلق بمحذوف والباء للسببية أى نغلب بسبب عزته والمراد بالعزة العظمة
الشعراء : ( 45 ) فألقى موسى عصاه . . . . .
(فألقى موسى عصاه فإذا هى تلقف ما يأفكون) قد تقدم تفسير هذا مستوفى والمعنى أنها تلقف ماصدر منهم من الافك بإخراج الشىء عن صورته الحقيقية
الشعراء : ( 46 ) فألقي السحرة ساجدين
) فألقي السحرة ساجدين ( أى لما شاهدوا ذلك وعلموا أنه صنع صانع حكيم ليس من صنيع البشر ولا من تمويه السحرة آمنوا بالله وسجدوا له وأجابوا دعوة موسى وقبلوا نبوته وقد تقدم بيان معنى ألقى ومن فاعله لوقوع التصريح به
الشعراء : ( 47 - 48 ) قالوا آمنا برب . . . . .
وعند سجودهم ) قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ( رب موسى عطف بيان لرب العالمين وأضافوه سبحانه إليهما لأنهما القائمان بالدعوة فى تلك الحال وفيه تبكيت لفرعون بأنه ليس برب وأن الرب فى الحقيقة هو هذا
الشعراء : ( 49 ) قال آمنتم له . . . . .
فلما سمع فرعون ذلك منهم ورأى سجودهم لله ) قال آمنتم له قبل أن آذن لكم ( أى بغير إذن منى ثم قال مغالطا للسحرة الذين امنوا وموهما للناس أن فعل موسى سحر من جنس ذلك السحر ) إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ( وإنما اعترف له بكونه كبيرهم مع كونه لايحب الاعتراف بشىء يرتفع به شأن موسى لأنه قد علم كل من حضر أن ماجاء به موسى إبهر مما جاءوا به السحرة فأراد أن يشكك على الناس بأن هذا الذي شاهدتم وإن كان قد فاق على مافعله هؤلاء السحرة فهو فعل كبيرهم ومن هو أستاذهم الذى أخذوا عنه هذه الصناعة فلا تظنوا أنه فعل لايقدر عليه البشر وأنه من فعل الرب الذى يدعو إليه موسى ثم توعد أولئك السحرة الذين آمنوا بالله لما قهرتهم حجة الله فقال ) فلسوف تعلمون ( أجمل التهديد أولا للتهويل ثم فصله فقال ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين )
الشعراء : ( 49 ) قال آمنتم له . . . . .
فلما سمعوا ذلك من قوله ) قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون ( أى لاضرر علينا فيما يلحقنا من عقاب الدنيا فإن ذلك يزول وننقلب بعده إلى ربنا فيعطينا من النعيم الدائم مالا يحد ولايوصف قال الهروى لاضير ولاضرر ولاضر بمعنى واحد وأنشد أبو عبيدة فإنك لايضرك بعد حول
أظبى كان أمك أم حمار
قال الجوهرى ضاره يضوره ويضره ضيرا وضورا أى ضره قال الكسائى سمعت بعضهم يقول لاينفعنى ذلك ولايضورنى
الشعراء : ( 51 ) إنا نطمع أن . . . . .
) إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا ( ثم عللوا هذا بقولهم ) أن كنا أول المؤمنين ( بنصب أن أى لأن كنا أول المؤمنين وأجاز الفراء والكسائى كسرها على أن يكون مجازاة ومعنى أول


"""""" صفحة رقم 100 """"""
المؤمنين أنهم أول من آمن من قوم فرعون بعد ظهور الآية وقال الفراء أول مؤمنى زمانهم وأنكره الزجاج وقال قد روى أنه آمن معهم ستمائة ألف وسبعون ألفا وهم الشرذمة القليلون الذين عناهم فرعون بقوله إن هؤلاء لشرذمة قليلون
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ( يقول مبين له خلق حية ونزع يده يقول وأخرج موسى يده من جيبه فإذا هى بيضاء تلمع للناظرين لمن ينظر إليها ويراها وأخرج ابن جرير عن ابن زيد فى قوله ) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون ( قال كانوا بالإسكندرية قال ويقال بلغ ذنب الحية من وراء البحيرة يومئذ قال وهربوا وأسلموا فرعون وهمت به فقال خذها يا موسى وكان مما بلى الناس به منه أنه كان لايضع على الأرض شيئا أى يوهمهم أنه لايحدث فأحدث يومئذ تحته وأخرج ابن جرير عن ابن زيد فى قوله لاضير قال يقولون لايضيرنا الذى تقول وإن صنعت بنا وصلبتنا ) إنا إلى ربنا منقلبون ( يقولون إنا إلى ربنا راجعون وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك إيانا وثباتنا على توحيده والبراءة من الكفر وفى قوله ) أن كنا أول المؤمنين ( قالوا كانوا كذلك يومئذ أول من آمن بآياته حين رأوها
سورة الشعراء ( 52 68 )
الشعراء : ( 52 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
قوله ) أن أسر بعبادي ( أمر الله سبحانه موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلا وسماهم عباده لأنهم آمنوا بموسى وبما جاء به وقد تقدم تفسير مثل هذا فى سورة الأعراف وجملة ) إنكم متبعون ( تعليل للأمر المتقدم أى يتبعكم فرعون وقومه ليردوكم
الشعراء : ( 53 ) فأرسل فرعون في . . . . .
و ) فأرسل فرعون في المدائن حاشرين ( وذلك حين بلغه مسيرهم والمراد بالحاشرين الجامعون للجيش من الأمكنة التي فيها أتباع فرعون
الشعراء : ( 54 ) إن هؤلاء لشرذمة . . . . .
ثم قال فرعون لقومه بعد اجتماعهم لديه ) إن هؤلاء لشرذمة قليلون ( يريد بنى إسرائيل والشرذمة الجمع الحقير القليل والجمع شراذم قال الجوهرى الشرذمة الطائفة من الناس والقطعة من الشىء وثوب شراذم أى قطع ومنه قول الشاعر جاء الشتاء وقميصى أخلاق
شراذم يضحك منها الخلاق
قال الفراء يقال عصبة قليلة وقليلون وكثيرة وكثيرون قال المبرد الشرذمة القطعة من الناس غير الكثير


"""""" صفحة رقم 101 """"""
وجمعها الشراذم قال الواحدى قال المفسرون وكان الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف ولا يحصى عدد أصحاب فرعون
الشعراء : ( 55 ) وإنهم لنا لغائظون
) وإنهم لنا لغائظون ( يقال غاظنى كذا وأغاظنى والغيظ والغضب ومنه التغيظ والاغتياظ أى غاظونا بخروجهم من غير إذن منى
الشعراء : ( 56 ) وإنا لجميع حاذرون
) وإنا لجميع حاذرون ( قرئ حذرون وحاذرون وحذرون بضم الذال حكى ذلك الأخفش قال الفراء الحاذر الذى يحذرك الآن والحذر المخلوق كذلك لا تلقاه إلا حذرا وقال الزجاج الحاذر المستعد والحذر المتيقظ وبه قال الكسائى ومحمد بن يزيد قال النحاس حذرون قراءة المدنيين وأبى عمرو وحاذرون قراءة أهل الكوفة قال وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى حذرون وحاذرون واحد وهو قول سيبويه وأنشد سيبويه حذر أمورا لاتضير وحاذر
ماليس ينجيه من الأقدار
الشعراء : ( 57 - 58 ) فأخرجناهم من جنات . . . . .
) فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم ( يعنى فرعون وقومه أخرجهم الله من أرض مصر وفيها الجنات والعيون والكنوز وهى جمع جنة وعين وكنز والمراد بالكنوز الخزائن وقيل الدفائن وقيل الأنهار وفيه نظر لأن العيون المراد بها عند جمهور المفسرين عيون الماء فيدخل تحتها الأنهار
واختلف فى المقام الكريم فقيل المنازل الحسان وقيل المنابر وقيل مجالس الرؤساء والأمراء وقيل مرابط الخيل والأول أظهر ومن ذلك قول الشاعر وفيهم مقامات حسان وجوهها
وأندية ينتابها القول والفعل
الشعراء : ( 59 ) كذلك وأورثناها بني . . . . .
) كذلك وأورثناها بني إسرائيل ( يحتمل أن يكون كذلك فى محل نصب أى أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذى وصفنا ويحتمل أن يكون فى محل جر على الوصفية أى مقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم ويحتمل الرفع علي أنه خبر مبتدأ محذوف أى الأمر كذلك ومعنى وأورثناها بنى إسرائيل جعلناها ملكا لهم وهو معطوف على فأخرجناهم
الشعراء : ( 60 ) فأتبعوهم مشرقين
) فأتبعوهم مشرقين ( قراءة الجمهور بقطع الهمزة وقرأ الحسن والحارث الدينارى بوصلها وتشديد التاء أى فلحقوهم حال كونهم مشرقين أى داخلين في وقت الشروق يقال شرقت الشمس شروقا إذا طلعت كأصبح وأمسى أى دخل في هذين الوقتين وقيل داخلين نحو المشرق كأنجد وأتهم وقيل معنى مشرقين مضيئين قال الزجاج يقال شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا أضائت
الشعراء : ( 61 ) فلما تراءى الجمعان . . . . .
) فلما تراءى الجمعان ( قرأ الجمهور تراءى بتخفيف الهمزة وقرأ ابن وثاب والأعمش من غير همز والمعنى تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه وهو تفاعل من الرؤية وقرئ ) تراءت الفئتان ( قال أصحاب موسى إنا لمدركون أى سيدركنا جمع فرعون ولاطاقة لنا بهم قرأ الجمهور إنا لمدركون اسم مفعول من أردك ومنه حتى إذا أدركه الغرق وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بفتح الدال مشددة وكسر الراء قال الفراء هما بمعنى واحد قال النحاس ليس كذلك يقول النحويون الحذاق إنما يقولون مدركون بالتخفيف ملحقون وبالتشديد مجتهدون فى لحاقهم قال وهذا معنى قول سيبويه وقال الزمخشرى إن معنى هذه القراءة إنا لمتتابعون فى الهلاك على أيديهم حتى لايبقى منا أحد
الشعراء : ( 62 ) قال كلا إن . . . . .
) قال كلا إن معي ربي سيهدين ( قال موسى هذه المقالة زجرا لهم وردعا والمعنى أنهم لايدركونكم وذكرهم وعد الله بالهداية والظفر والمعنى إن معى ربى بالنصر والهداية سيهدين أى يدلنى على طريق النجاة فلما عظم البلاء على بني إسرائيل ورأوا من الجيوش مالا طاقة لهم به
الشعراء : ( 63 ) فأوحينا إلى موسى . . . . .
وأمر الله سبحانه موسى أن يضرب البحر بعصاه وذلك قوله ) فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ( لما قال موسى ) إن معي ربي سيهدين ( بين الله سبحانه له طريق الهداية فأمره بضرب البحر وبه نجا بنو إسرائيل وهلك عدوهم والفاء في فانفلق فصيحة أى


"""""" صفحة رقم 102 """"""
فضرب فانفلق فصار اثنى عشر فلقا بعدد الأسباط وقام الماء عن يمين الطريق وعن يساره كالجبل العظيم وهو معنى قوله ) فكان كل فرق كالطود العظيم ( والفرق القطعة من البحر وقرئ فلق بلام بدل الراء والطود الجبل قال امرؤ القيس فبينا المرء فى الأحياء طود
رماه الناس عن كثب فمالا
وقال الأسود بن يعفر حلوا بأنقرة يسيل عليهم
ماء الفرات يجىء من أطواد
الشعراء : ( 64 ) وأزلفنا ثم الآخرين
) وأزلفنا ثم الآخرين ( أى قربناهم إلى البحر يعنى فرعون وقومه قال الشاعر وكل يوم مضى أو ليلة سلفت
فيها النفوس إلى الآجال تزدلف
قال أبو عبيدة أزلفنا جمعنا ومنه قيل لليلة المزدلفة ليلة جمع وثم ظرف مكان للبعيد وقيل إن المعنى وأزلفنا قربنا من النجاة والمراد بالآخرين موسى وأصحابه والأول أولى وقرأ الحسن وأبو حيوة وزلفنا ثلاثيا وقرأ أبى وابن عباس وعبد الله بن الحارث وأزلقنا بالقاف أى أزللنا وأهلكنا من قولهم أزلقت الفرس إذا ألقت ولدها
الشعراء : ( 65 ) وأنجينا موسى ومن . . . . .
) وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ( بمرورهم فى البحر بعد أن جعله الله طرقا يمشون فيها
الشعراء : ( 66 ) ثم أغرقنا الآخرين
) ثم أغرقنا الآخرين ( يعنى فرعون وقومه أغرقهم الله باطباق البحر عليهم بعد أن دخلوا فيه متبعين موسى وقومه
الشعراء : ( 67 ) إن في ذلك . . . . .
والإشارة بقوله ) إن في ذلك لآية ( إلى ماتقدم ذكره مما صدر بين موسى وفرعون إلى هذه الغاية ففى ذلك آية عظيمة وقدرة باهرة من أدل العلامات علي قدرة الله سبحانه وعظيم سلطانه ) وما كان أكثرهم مؤمنين ( أى ما كان أكثر هؤلاء الذين مع فرعون مؤمنين فإنه لم يؤمن منهم فيما بعد إلا القليل كحزقيل وابنته وآسية امرأة فرعون والعجوز التي دلت على قبر يوسف وليس المراد أكثر من كان مع فرعون عند لحاقه بموسى فإنهم هلكوا فى البحر جميعا بل المراد من كان معه من الأصل ومن كان متابعا له ومنتسبا إليه هذا غاية مايمكن أن يقال وقال سيبويه وغيره إن كان زائدة وأن المراد الإخبار عن المشركين بعد ماسمعوا الموعظة
الشعراء : ( 68 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( أى المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن مسعود فى قوله ) إن هؤلاء لشرذمة قليلون ( قال ستمائة ألف وسبعون ألفا وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال كانوا ستمائة ألف وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان أصحاب موسى الذين جازوا البحر اثنى عشر سبطا فكان فى كل طريق اثنا عشر ألفا كلهم ولد يعقوب وأخرج ابن مردويه عنه أيضا بسند قال السيوطي واه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان فرعون عدو الله حيث أغرقه الله هو وأصحابه فى سبعين قائدا مع كل قائد سبعون ألفا وكان موسى مع سبعين ألفا حيث عبروا البحر وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال كان طلائع فرعون الذين بعثهم فى أثرهم ستمائة ألف ليس فيها أحد إلا على بهيم
وأقول هذه الروايات المضطربة قد روى عن كثير من السلف ما يماثلها فى الاضطراب والاختلاف ولا يصح منها شىء عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس ) ومقام كريم ( قال المنابر وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى قوله كالطود قال كالجبل وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس وأزلفنا قال قربنا وأخرج الفريابى وعبد بن


"""""" صفحة رقم 103 """"""
حميد وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن أبى موسى عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن موسى لما أراد أن يسير ببنى إسرائيل أضل الطريق فقال لبنى إسرائيل ماهذا فقال له علماء بنى إسرائيل أن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا أن لانخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا فقال لهم موسى أيكم يدري أين قبره فقالوا مايعلم أحد مكان قبره إلا عجوز لبنى إسرائيل فأرسل إليها موسى فقال دلينا على قبر يوسف فقالت لا والله حتى تعطينى حكمى قال وما حكمك قالت أن أكون معك فى الجنة فكأنه ثقل عليه ذلك فقيل له أعطها حكمها فأعطاها حكمها فانطلقت بهم إلى بحيرة مستنقعة ماء فقالت لهم انضبوا عنها الماء ففعلوا قالت احفروا فحفروا فاستخرجوا قبر يوسف فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار
سورة الشعراء ( 69 104 )
الشعراء : ( 69 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
قوله ) واتل عليهم ( معطوف على العامل فى قوله وإذ نادى ربك موسى وقد تقدم والمراد بنبأ إبراهيم


"""""" صفحة رقم 104 """"""
خبره أى اقصص عليهم يا محمد خبر إبراهيم وحديثه
الشعراء : ( 70 ) إذ قال لأبيه . . . . .
وإذ قال منصوب بنبأ إبرهيم أى وقت قوله ) لأبيه وقومه ما تعبدون ( وقيل إذا بدل من نبأ بدل اشتمال فيكون العامل فيه اتل والأول أولى ومعنى ماتعبدون أى شىء تعبدون وهو يعلم أنهم يعبدون الأصنام ولكنه أراد إلزامهم الحجة
الشعراء : ( 71 ) قالوا نعبد أصناما . . . . .
) قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين ( أى فتقيم علي عبادتها مستمرا لا فى وقت معين يقال ظل يفعل كذا إذا فعله نهارا وبات يفعل كذا إذا فعله ليلا فظاهره أنهم يستمرون على عبادتها نهارا لا ليلا والمراد من العكوف لها الإقامة على عبادتها وإنما قال لها لإفادة أن ذلك العكوف لأجلها
الشعراء : ( 72 ) قال هل يسمعونكم . . . . .
فلما قالوا هذه المقالة قال إبراهيم منبها على فساد مذهبهم ) هل يسمعونكم إذ تدعون ( قال الأخفش فيه حذف والمعنى هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم وقرأ قتادة هل يسمعونكم بضم الياء أى هل يسمعونكم أصواتهم وقت دعائكم لهم
الشعراء : ( 73 ) أو ينفعونكم أو . . . . .
(أو ينفعونكم ) بوجه من وجوه النفع أو يضرون أى يضرونكم إذا تركتم عبادتهم وهذا الاستفهام للتقرير فإنها إذا كانت لاتسمع ولاتنفع ولاتضر فلا وجه لعبادتها فإذا قالوا نعم هى كذلك أقروا بأن عبادتهم لها من باب اللعب والعبث وعند ذلك تقوم الحجة عليهم
الشعراء : ( 74 ) قالوا بل وجدنا . . . . .
فلما أورد عليهم الخليل هذه الحجة الباهرة لم يجدوا لها جوابا إلا رجوعهم إلى التقليد البحت وهو أنهم وجدوا آباءهم كذلك يفعلون أى يفعلون لهذه العبادة لهذه الأصنام مع كونها بهذه الصفة التي هى سلب السمع والنفع والضر عنها وهذا الجواب هو العصى التى يتوكأ عليها كل عاجز ويمشى بها كل أعرج ويغتر بها كل مغرور وينخدع لها كل مخدوع فإنك لو سألت الآن هذه المقلدة للرجال التى طبقت الأرض بطولها والعرض وقلت لهم ما الحجة لهم على تقليد فرد من أفراد العلماء والأخذ بكل ما يقوله فى الدين ويبتدعه من الرأى المخالف للدليل لم يجدوا غير هذا الجواب ولا فاهوا بسواه وأخذوا يعددون عليك من سبقهم إلى تقليد هذا من سلفهم واقتداء بأقواله وأفعاله وهم قد ملئوا صدورهم هيبة وضاقت أذهانهم عن تصورهم وظنوا أنهم خير أهل الأرض وأعلمهم وأورعهم فلم يسمعوا لناصح نصحا ولا لداع إلى الحق دعاء ولو فظنوا لوجدوا أنفسهم فى غرور عظيم وجهل شنيع وإنهم كالبهيمة العمياء وأولئك الأسلاف كالعمى الذين يقودون البهائم العمى كمال قال الشاعر كبهيمة عمياء قاد زمامها
أعمى على عوج الطريق الحائر
فعليك أيها العامل بالكتاب والسنة المبرأ من التعصب والتعسف أن تورد عليهم حجج الله وتقيم عليهم براهينه فإنه ربما انقاد لك منهم من لم يستحكم داء التقليد فى قلبه وأما من قد استحكم فى قلبه هذا الداء فلو أوردت عليه كل حجة وأقمت عليه كل برهان لما أعارك إلا أذنا صماء وعينا عمياء ولكنك قد قمت بواجب البيان الذي أوجبه عليك القرآن والهداية بيد الخلاق العليم ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )
الشعراء : ( 75 - 76 ) قال أفرأيتم ما . . . . .
ولما قال هؤلاء المقلدة هذه المقالة قال الخليل ) أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون ( أى فهل أبصرتم وتفكرتم ماكنتم تعبدون من هذه الأصنام التى لا تسمع ولا تنفع حتى تعلموا أنكم على ضلالة وجهالة
الشعراء : ( 77 ) فإنهم عدو لي . . . . .
ثم أخبرهم بالبراءة من هذه الأصنام التي يعبدونها فقال ) فإنهم عدو لي ( ومعنى كونهم عدوا له مع كونهم جمادا أنه إن عبدهم كانوا له عدوا يوم القيامة قال الفراء هذا من المقلوب أى فإنى عدو لهم لأن من عاديته عاداك والعدو كالصديق يطلق على الواحد والمثنى والجماعة والمذكر والمؤنث كذا قال الفراء قال على بن سليمان من قال عدوة الله فأثبت الهاء قال هى بمعنى المعادية ومن قال عدو للمؤنت والجمع جعله بمعنى النسب وقيل


"""""" صفحة رقم 105 """"""
المراد بقوله ) فإنهم عدو لي ( آباؤهم الأقدمون لأجل عبادتهم الأصنام ورد بأن الكلام مسوق فيما عبدوه لا فى العابدين والاستثناء فى قوله ) إلا رب العالمين ( منقطع أى لكن رب العالمين ليس كذلك بل هو ولي في الدنيا والآخرة قال الزجاج قال النحويون هو استثناء ليس من الأول وأجاز الزجاج أيضا أن يكون من الأول على أنهم كانوا يعبدون الله عز وجل ويعبدون معه الأصنام فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلا الله قال الجرجاني تقديره أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين فإنهم عدو لى فجعله من باب التقديم والتأخير وجعل إلا بمعنى دون وسوى كقوله لايذقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أي دون الموتة الأولى وقال الحسن بن الفضل إن المعنى إلا من عبد رب العالمين
الشعراء : ( 78 ) الذي خلقني فهو . . . . .
ثم وصف رب العالمين بقوله ) الذي خلقني فهو يهدين ( أي فهو يرشدنى إلى مصالح الدين والدنيا وقيل إن الموصول مبتدأ وما بعده خبره والأول أولى ويجوز أن يكون الموصول بدلا من رب وأن يكون عطف بيان له وأن يكون منصوبا على المدح بتقدير أعنى أو أمدح وقد وصف الخليل ربه بما يستحق العبادة لأجله فإن الخلق والهداية والرزق يدل عليه
الشعراء : ( 79 ) والذي هو يطعمني . . . . .
قوله ) والذي هو يطعمني ويسقين ( ودفع ضر المرض وجلب نفع الشفاء والإماتة والإحياء والمغفرة للذنب كلها نعم يجب علي المنعم عليه ببعضها فضلا عن كلها أن يشكر المنعم بجميع أنواع الشكر التى أعلاها وأولاها العبادة ودخول هذه الضمائر فى صدور هذه الجمل للدلالة على أنه الفاعل لذلك دون غيره
الشعراء : ( 80 ) وإذا مرضت فهو . . . . .
وأسند المرض إلى نفسه دون غيره من هذه الأفعال المذكورة رعاية للأدب مع الرب وإلا فالمرض وغيره من الله سبحانه
الشعراء : ( 81 ) والذي يميتني ثم . . . . .
ومراده بقوله ) ثم يحيين ( البعث وحذف الياء من هذه الأفعال لكونها رؤوس الآى وقرأ ابن أبى إسحاق هذه الأفعال كلها بإثبات الياء
الشعراء : ( 82 ) والذي أطمع أن . . . . .
وإنما قال عليه الصلاة والسلام ) والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ( هضما لنفسه وقيل إن الطمع هنا بمعنى اليقين فى حقه وبمعنى الرجاء فى حق سواه وقرأ الحسن وابن أبى إسحاق خطاياى قالا ليست خطيئته واحدة قال النحاس خطيئة بمعنى خطايا فى كلام العرب قال مجاهد يعنى بخطيئته قوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله إنى سقيم وقوله إن سارة أخته زاد الحسن وقوله للكوكب هذا ربى وحكى الواحدى عن المفسرين أنهم فسروا الخطايا بما فسرها به مجاهد قال الزجاج الأنبياء بشر ويجوز أن تقع عليهم الخطيئة إلا أنهم لاتكون منهم الكبيرة لأنهم معصومون والمراد بيوم الدين يوم الجزاء للعباد بأعمالهم ولايخفى أن تفسير الخطايا بما ذكره مجاهد ومن معه ضعيف فإن تلك معاريض وهى أيضا إنما صدرت عنه بعد هذه المقاولة الجارية بينه وبين قومه
الشعراء : ( 83 ) رب هب لي . . . . .
ثم لما فرغ الخليل من الثناء على ربه والاعتراف بنعمه عقبه بالدعاء ليقتدى به غيره فى ذلك فقال ) رب هب لي حكما ( والمراد بالحكم العلم والفهم وقيل النبوة والرسالة وقيل المعرفة بحدود الله وأحكامه إلى اخره ) وألحقني بالصالحين ( يعنى بالنبيين من قبلى وقيل بأهل الجنة
الشعراء : ( 84 ) واجعل لي لسان . . . . .
) واجعل لي لسان صدق في الآخرين ( أى اجعل لى ثناء حسنا فى الآخرين الذين يأتون بعدى إلي يوم القيامة قال القتيبى وضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكون به وقد تكنى العرب بها عن الكلمة ومنه قول الأعشى إنى أتتنى لسان لا أسر بها
وقد أعطى الله سبحانه إبراهيم ذلك بقوله ) وتركنا عليه في الآخرين ( فإن كل أمة تتمسك به وتعظمه وقال مكى قيل معنى سؤاله أن يكون من ذريته فى آخر الزمان من يقوم بالحق فأجيبت دعوته فى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولا وجه لهذا التخصيص وقال القشيرى أراد الدعاء الحسن إلى قيام الساعة ولا وجه لهذا أيضا فإن لسان الصدق أعم من ذلك
الشعراء : ( 85 ) واجعلني من ورثة . . . . .
) واجعلني من ورثة جنة النعيم ( من ورثة يحتمل أن يكون مفعولا ثانيا وأن يكون صفة لمحذوف هو المفعول الثانى أى وارثا من ورثة جنة النعيم لما طلب عليه


"""""" صفحة رقم 106 """"""
السلام بالدعوة الأولى سعادة الدنيا طلب بهذه الدعوة سعادة الآخرة وهى جنة النعيم وجعلها مما يورث تشبيها لغنيمة الآخرة بغنيمة الدنيا وقد تقدم تفسير معنى الوراثة فى سورة مريم
الشعراء : ( 86 ) واغفر لأبي إنه . . . . .
) واغفر لأبي إنه كان من الضالين ( كان أبوه قد وعده أنه يؤمن به فاستغفر له فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه وقد تقدم تفسير هذا مستوفى فى سورة التوبة وسورة مريم ومعنى ) من الضالين ( من المشركين الضالين عن طريق الهداية وكان زائدة على مذهب سيبويه كما تقدم فى غير موضع
الشعراء : ( 87 ) ولا تخزني يوم . . . . .
) ولا تخزني يوم يبعثون ( أى لاتفضحنى على رءوس الأشهاد بمعاتبتى أو لاتعذبنى يوم القيامة أو لاتخزنى بتعذيب أبى أو ببعثه فى جملة الضالين والإخزاء يطلق على الخزى وهو الهوان وعلى الخزاية وهى الحياء
الشعراء : ( 88 ) يوم لا ينفع . . . . .
) يوم لا ينفع مال ولا بنون ( بدل من يوم يبعثون أى يوم لاينفع فيه المال والبنون أحدا من الناس والابن هو أخص القرابة وأولاهم بالحماية والدفع والنفع فإذا لم ينفع فغيره من القرابة والأعوان بالأولى وقال ابن عطية إن هذا وما بعده من كلام الله وهو ضعيف
الشعراء : ( 89 ) إلا من أتى . . . . .
والاستثناء بقوله ) إلا من أتى الله بقلب سليم ( قيل هو منقطع أى لكن من أتى الله بقلب سليم قال فى الكشاف إلا حال من أتى الله بقلب سليم فقدر مضافا محذوفا قال أبو حيان ولا ضرورة تدعو إلى ذلك وقيل إن هذا الاستثناء بدل من المفعول المحذوف أو مستثنى منه إذ التقدير لاينفع مال ولابنون أحدا من الناس إلا من كانت هذه صفته ويحتمل أن يكون بدلا من فاعل ينفع فيكون مرفوعا قال أبو البقاء فيكون التقدير إلا مال من أو بنو من فإنه ينفع
واختلف فى معنى القلب السليم فقيل السليم من الشرك فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد قاله أكثر المفسرين وقال سعيد بن المسيب القلب السليم الصحيح وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض وقيل هو القلب الخالى عن البدعة المطمئن إلى السنة وقيل السالم من آفة المال والبنين وقال الضحاك السليم الخالص وقال الجنيد السليم فى اللغة اللديغ فمعناه أنه قلب كاللديغ من خوف الله تعالى وهذا تحريف وتعكيس لمعنى القران قال الرازى أصح الأقوال أن المراد منه سلامة النفس عن الجهل والأخلاق الرذيلة
الشعراء : ( 90 ) وأزلفت الجنة للمتقين
) وأزلفت الجنة للمتقين ( أى قربت وأدنيت لهم ليدخلوها وقال الزجاج قرب دخولهم إياها ونظرهم إليها
الشعراء : ( 91 ) وبرزت الجحيم للغاوين
) وبرزت الجحيم للغاوين ( أى جعلت بارزة لهم والمراد بالغاوين الكافرون والمعنى أنها أظهرت قبل أن يدخلها المؤمنون ليشتد حزن الكافرين ويكثر سرور المؤمنين
الشعراء : ( 92 - 93 ) وقيل لهم أين . . . . .
) وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله ( من الأصنام والأنداد ) هل ينصرونكم ( فيدفعون عنكم العذاب أو ينتصرون بدفعه عن أنفسهم وهذا كله توبيخ وتقريع لهم وقرأ مالك بن دينار وبرزت بفتح الباء والراء مبنيا للفاعل
الشعراء : ( 94 ) فكبكبوا فيها هم . . . . .
) فكبكبوا فيها هم والغاوون ( أى ألقوا فى جهنم هم يعنى المعبودين والغاومن يعنى العابدين لهم وقيل معنى كبكبوا قلبوا على رءوسهم وقيل ألقى بعضهم على بعض وقيل جمعوا مأخوذ من الكبكبة وهى الجماعة قاله الهروى وقال النحاس هو مشتق من كوكوب الشيءء أي معظمه والجماعة من الخيل كوكب وكبكبة وقيل دهدهوا وهذه المعانى متقاربة وأصله كببوا بباءين الأولى مشددة من حرفين فأبدل من الباء الوسطى الكاف وقد رجح الزجاج أن المعنى طرح بعضهم على بعض ورجح ابن قتيبة أن المعنى ألقوا على رءوسهم وقيل الضمير فى كبكبوا لقريش والغاوون الالهة
الشعراء : ( 95 ) وجنود إبليس أجمعون
والمراد بجنود إبليس شيا طينه الذين يغوون العباد وقيل ذريته وقيل كل من يدعو إلى عبادة الأصنام وأجمعون تأكيد للضمير فى كبكبوا وما عطف عليه
الشعراء : ( 96 ) قالوا وهم فيها . . . . .
وجملة ) قالوا وهم فيها يختصمون ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ماذا قالوا حين فعل بهم مافعل
الشعراء : ( 97 ) تالله إن كنا . . . . .
ومقول القول ) تالله إن كنا لفي ضلال مبين ( وجملة وهم فيها يختصمون فى محل نصب على الحال أى قالوا هذه المقالة حال كونهم فى جهنم مختصمين وإن فى إن


"""""" صفحة رقم 107 """"""
كنا هى المخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية أى قالوا تالله إن الشأن كوننا فى ضلال واضح ظاهر والمراد بالضلال هنا الخسار والتبار والحيرة عن الحق والعامل فى الظرف أعنى
الشعراء : ( 98 - 99 ) إذ نسويكم برب . . . . .
) إذ نسويكم برب العالمين ( هو كونهم فى الضلال المبين وقيل العامل هو الضلال وقيل مايدل عليه الكلام كأنه قيل ضللنا وقت تسويتنا لكم برب العالمين وقال الكوفيون إن إن فى إن كنا نافية واللام بمعنى إلا أى ما كنا ألا في ضلال مبين الأول أولى وهو مذهب البصريين
الشعراء : ( 100 ) فما لنا من . . . . .
فما لنا من شافعين يشفعون لنا من العذاب كما للمؤمنين
الشعراء : ( 101 ) ولا صديق حميم
(ولا صديق حميم) أى ذى قرابة والحميم القريب الذى توده ويودك ووحد الصديق لما تقدم غير مرة أنه يطلق على الواحد والاثنين والجماعة والمذكر والمؤنث والحميم مأخوذ من حامة الرجل أى أقرابائه ويقال حم الشىء وأحم إذا قرب منه ومنه الحمى لأنه يقرب من الأجل وقال على بن عيسى إنما سمى القريب حميما لأنه يحمى لغضب صاحبه فجعله مأخوذ من الحمية
الشعراء : ( 102 ) فلو أن لنا . . . . .
) فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ( هذا منهم علي طريق التمنى الدال على كمال التحسر كأنهم قالوا فليت لنا كرة أى رجعة إلى الدنيا وجواب التمنى فنكون من المؤمنين أى نصير من جملتهم
الشعراء : ( 103 ) إن في ذلك . . . . .
والإشارة بقوله ) إن في ذلك لآية ( إلى ماتقدم ذكره من نبأ إبراهيم والاية العبرة والعلامة والتنوين يدل على التعظيم والتفخيم ) وما كان أكثرهم مؤمنين ( أى أكثر هؤلاء الذين يتلو عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نبأ إبراهيم وهم قريش ومن دان بدينهم وقيل وما كان أكثر قوم إبراهيم بمؤمنين وهو ضعيف لأنهم كلهم غير مؤمنين
الشعراء : ( 104 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( أى هو القاهر لأعدائه الرحيم بأوليائه أو الرحيم للأعداء بتأخير عقوبتهم وترك معاجلتهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) وألحقني بالصالحين ( يعنى بأهل الحنة وأخرج ابن أبى حاتم عنه فى قوله ) واجعل لي لسان صدق في الآخرين ( قال اجتماع أهل الملل على إبراهيم وأخرج عنه أيضا ) واغفر لأبي ( قال امنن عليه بتوبة يستحق بها مغفرتك وأخرج البخارى وغيره من حديث أبى هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لاتعصنى فيقول أبوه فاليوم لا أعصينك فيقول إبراهيم رب إنك وعدتنى أن لاتخزينى يوم يبعثون فأى خزى أخزى من أبى الأبعد فيقول الله إنى حرمت الجنة على الكافرين ثم يقول يا إبراهيم ماتحت رجليك فإذا هو بذيخ متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى فى النار والذيخ هو الذكر من الضباع فكأنه حول آزر إلى صورة ذيخ وقد أخرجه النسائى بأطول من هذا وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) إلا من أتى الله بقلب سليم ( قال شهادة أن لا إله إلا الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فكبكبوا فيها قال جمعوا فيها ) هم والغاوون ( قال مشركو العرب والآلهة وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا ) فلو أن لنا كرة ( قال رجعة إلى الدنيا ) فنكون من المؤمنين ( حتى تحل لنا الشفاعة كما حلت لهؤلاء


"""""" صفحة رقم 108 """"""
سورة الشعراء ( 105 135 )
الشعراء : ( 105 ) كذبت قوم نوح . . . . .
قوله ) كذبت قوم نوح المرسلين ( أنث الفعل لكونه مسندا إلى قوم وهو فى معنى الجماعة أو الأمة أو القبيلة وأوقع التكذيب على المرسلين وهم لم يكذبوا إلا الرسول المرسل إليهم لأن من كذب رسولا فقد كذب الرسل لأن كل رسول يأمر بتصديق غيره من الرسل وقيل كذبوا نوحا فى الرسالة وكذبوه فيما أخبرهم به من مجىء المرسلين بعده
الشعراء : ( 106 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم نوح ( أى أخوهم من أبيهم لا أخوهم فى الدين وقيل هى أخوة المجانسة وقيل هو من قول العرب يا أخا بنى تميم يريدون واحدا منهم ) ألا تتقون ( أى ألا تتقون الله بترك عبادة الأصنام وتجيبون رسوله الذي أرسله إليكم
الشعراء : ( 107 ) إني لكم رسول . . . . .
) إني لكم رسول أمين ( أى إنى لكم رسول من الله أمين فيما أبلغكم عنه وقيل أمين فيما بينكم فإنهم كانوا قد عرفوا أمانته وصدقه
الشعراء : ( 108 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ( أى اجعلوا طاعة الله وقاية لكم من عذابه وأطيعون فيما آمركم به عن الله من الإيمان به وترك الشرك والقيام بفرائض الدين
الشعراء : ( 109 ) وما أسألكم عليه . . . . .
) وما أسألكم عليه من أجر ( أى ما أطلب منكم أجرا على تبليغ الرسالة ولا أطمع فى ذلك منكم إن أجرى الذي اطلبه وأريده إلا على رب العالمين أي على ما أجري إلا عليه
الشعراء : ( 110 ) فاتقوا الله وأطيعون
وكرر قوله ) فاتقوا الله وأطيعون ( للتأكيد والتقرير فى النفوس مع كونه علق كل واحد منهم بسبب وهو الأمانة فى الأول وقطع الطمع فى الثانى ونظيره قولك ألا تتقى الله فى عقوقى وقد ربيتك صغيرا ألا تتقى الله فى عقوقى وقد علمتك كبيرا وقدم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته لأن تقوى الله علة لطاعته
الشعراء : ( 111 ) قالوا أنؤمن لك . . . . .
) قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ( الاستفهام للإنكار أى كيف نتبعك ونؤمن لك والحال أن قد أتبعك الأرذلون وهم جمع أرذل وجمع التكسير أرذل والأنثى رذلى وهم الأقلون جاها ومالا


"""""" صفحة رقم 109 """"""
والرذالة الخسة والذلة استرذلوهم لقلة أموالهم وجامعهم أو لاتضاع أنسابهم وقيل كانوا من أهل الصناعات الخسيسة وقد تقدم تفسير هذه الآيات فى هود وقرأ ابن مسعود والضحاك ويعقوب الحضرمى وأتباعك الأرذلون قال النحاس وهى قراءة حسنة لأن هذه الواو تتبعها الأسماء كثيرا وأتباع جمع تابع
الشعراء : ( 112 ) قال وما علمي . . . . .
فأجابهم نوح بقوله ) وما علمي بما كانوا يعملون ( كان زائدة والمعنى وما علمى بعملهم أى لم أكلف العلم بأعمالهم إنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان والاعتبار به لا بالحرف والصنائع والفقر والغنى وكأنهم أشاروا بقولهم ) واتبعك الأرذلون ( إلى أن إيمانهم لم يكن عن نظر صحيح فأجابهم بهذا وقيل المعنى إنى لم أعلم أن سيهديهم ويضلكم
الشعراء : ( 113 ) إن حسابهم إلا . . . . .
) إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون ( أي ما حسابهم عن ضمائرهم وأعمالهم إلا على الله لو كنتم من أهل الشعور والفهم قرأ الجمهور تشعرون بالفوقية وقرأ ابن أبى عبلة وابن السميفع والأعرج وأبو زرعة بالتحتية كأنه ترك الخطاب للكفار والتفت إلى الإخبار عنهم قال الزجاج والصناعات لاتضر فى باب الديانات
الشعراء : ( 114 ) وما أنا بطارد . . . . .
وما أحسن ما قال ) وما أنا بطارد المؤمنين ( هذا جواب من نوح على ماظهر من كلامهم من طلب الطرد لهم
الشعراء : ( 115 ) إن أنا إلا . . . . .
) إن أنا إلا نذير مبين ( أى ما أنا إلا نذير موضح لما أمرنى الله سبحانه بإبلاغه إليكم وهذه الجملة كالعلة لما قبلها
الشعراء : ( 116 ) قالوا لئن لم . . . . .
) قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ( أى إن لم تترك عيب ديننا وسب آلهتنا لتكونن من المرجومين بالحجارة وقيل من المشتومين وقيل من المقتولين فعدلوا بعد تلك المحاورة وبينهم وبين نوح إلى التجبر والتوعد
الشعراء : ( 117 ) قال رب إن . . . . .
فلما سمع نوح قولهم هذا ) قال رب إن قومي كذبون ( أى أصروا على تكذيبى ولم يسمعوا قولى ولا أجابوا دعائى
الشعراء : ( 118 ) فافتح بيني وبينهم . . . . .
) فافتح بيني وبينهم فتحا ( الفتح الحكم أى احكم بينى وبينهم حكما وقد تقدم تحقيق معنى الفتح ) ونجني ومن معي من المؤمنين )
الشعراء : ( 119 ) فأنجيناه ومن معه . . . . .
فلما دعا ربه بهذا الدعاء استجاب له فقال ) فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ( أى السفينة المملوءة والشحن ملء السفينة بالناس والدواب والمتاع
الشعراء : ( 120 ) ثم أغرقنا بعد . . . . .
) ثم أغرقنا بعد الباقين ( أى ثم أغرقنا بعد إنجائهم الباقين ومن قومه
الشعراء : ( 121 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( أى علامة وعبرة عظيمة وما كان أكثرهم مؤمنين وما كان زائدة عند سيبويه وغيره على ما تقدم تحقيقه
الشعراء : ( 122 ) وإن ربك لهو . . . . .
) وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( أى القاهر لأعدائه الرحيم بأوليائه
الشعراء : ( 123 ) كذبت عاد المرسلين
) كذبت عاد المرسلين ( أنت الفعل باعتبار إسناده إلى القبيلة لأن عادا اسم أبيهم الأعلى ومعنى تكذيبهم المرسلين مع كونهم لم يكذبوا إلا رسولا واحدا قد تقدم وجهه فى قصة نوح قريبا
الشعراء : ( 124 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون ( الكلام فيه كالكلام فى قول نوح المتقدم قريبا
الشعراء : ( 125 - 127 ) إني لكم رسول . . . . .
وكذا قوله ) إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ( الكلام فيه كالذى قبله سواء
الشعراء : ( 128 ) أتبنون بكل ريع . . . . .
) أتبنون بكل ريع آية تعبثون ( الريع المكان المرتفع من الأرض جمع ريعة يقال كم ريعك أرضك أى كم ارتفاعها قال أبو عبيدة الريع الارتفاع جمع ريعة وقال قتادة والضحاك والكلبى الريع الطريق وبه قال مقاتل والسدى وإطلاق الريع على ما ارتفع من الأرض معروف عند أهل اللغة ومنه قول ذى الرمة طراق الخوافى مشرف فوق ريعة
بذى ليلة فى ريشه يترقرق
وقيل الريع الجبل واحده ريعة والجمع أرياع وقال مجاهد هو الفج بين الجبلين وروى عنه أن الثنية الصغيرة وروى عنه أيضا أنه المنظرة ومعنى الآية أنكم تبنون بكل مكان مرتفع علما تعبثون ببنيان تلعبون بالمارة وتسخرون منهم لأنكم تشرفون من ذلك البناء المرتفع على الطريق فتؤذون المارة وتسخرون منهم قال الكلبى إنه عبث العشارين بأموال من يمر بهم حكاه الماوردى قال ابن الأعرابى الريع الصومعة ريع البرج يكون فى الصحراء والريع التل العالى وفى الريع لغتان كسر الراء وفتحها
الشعراء : ( 129 ) وتتخذون مصانع لعلكم . . . . .
(وتتخذون مصانع)


"""""" صفحة رقم 110 """"""
المصانع هى الأبنية التى يتخذها الناس منازل قال أبو عبيدة كل بناء مصنعة ومنه وبه قال الكلبى وغيره ومنه قول الشاعر نركن ديارهم منهم قفارا
وهد من المصانع والبروجا
وقيل هى الحصون المشيدة قاله مجاهد وغيره وقال الزجاج إنها مصانع الماء التى تجعل تحت الأرض واحدتها مصنعة ومصنع ومنه قول لبيد بلينا وما تبلى النجوم الطوالع
وتبقى الجبال بعدنا والمصانع
وليس فى هذا البيت مايدل صريحا على ماقاله الزجاج ولكنه قال الجوهرى المصنعة بضم النون الحوض بجمع فيه ماء المطر والمصانع الحصون وقال عبد الرزاق المصانع عندنا بلغة اليمن القصور العالية ومعنى ) لعلكم تخلدون ( راجين أن تخلدوا وقيل إن لعل هنا للاستفهام التوبيخى أى هل تخلدون كقولهم لعلك تشتمنى أى هل تشتمنى وقال الفراء كى تخلدون لاتتفكرون فى الموت وقيل المعنى كأنكم مخلدون وقرأ ابن مسعود كى تخلدوا
الشعراء : ( 129 ) وتتخذون مصانع لعلكم . . . . .
(وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) البطش السطوة والأخذ بالعنف قال مجاهد وغيره البطش العسف قتلا بالسيف وضربا بالسوط والمعنى فعلتم ذلك ظلما وقيل هو القتل على العصب قاله الحسن والكلبى قيل والتقدير وإذا أردتم البطش لئلا يتحد الشرط والجزاء وانتصاب جبارين على الحال قال الزجاج إنما أنكر عليهم ذلك لأنه ظلم وأما فى الحق فالبطش بالسوط والسيف جائز
الشعراء : ( 131 ) فاتقوا الله وأطيعون
ثم لما وصفهم بهذه الأوصاف القبيحة الدالة علي الظلم والعتو والتمرد والتجبر أمرهم بالتقوى فقال ) فاتقوا الله وأطيعون ( أجمل التقوى
الشعراء : ( 132 - 133 ) واتقوا الذي أمدكم . . . . .
ثم فصلها بقوله ) واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين ( وأعاد الفعل للتقرير والتأكيد
الشعراء : ( 134 ) وجنات وعيون
) وجنات وعيون ( أى بساتين وأنهار وأبيار
الشعراء : ( 135 ) إني أخاف عليكم . . . . .
ثم وعظهم وحذرهم فقال ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( إن كفرتم وأصررتم على ما أنتم فيه ولم تشكروا هذه النعم والمراد بالعذاب العظيم الدنيوى والأخروى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) قالوا أنؤمن لك ( أى أنصدقك وأخرج ابن أبى حاتم عن مجاهد ) واتبعك الأرذلون ( قال الحواكون وأخرج أيضا عن قتادة قال سفلة الناس وأراذلهم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) الفلك المشحون ( قال الممتلئ وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أنه قال أتدرون ما المشحون قلنا لا قال هو الموقر وأخرج ابن جريرعنه أيضا قال هو المثقل وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) بكل ريع ( قال شرف وأخرجوا أيضا عنه ) لعلكم تخلدون ( قال كأنكم تخلدون وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا ) جبارين ( قال أقوياء


"""""" صفحة رقم 111 """"""
سورة الشعراء ( 136 159 )
الشعراء : ( 136 ) قالوا سواء علينا . . . . .
أى وعظك وعدمه سواء عندنا لانبالى بشىء منه ولا نلتفت إلى ما تقوله وقد روى العباس عن أبى عمرو وروى بشر عن الكسائي أوعظت بإدغام الظاء فى التاء وهو بعيد لأن حرف الظاء حرف إطباق إنما يدغم فيما قرب منه جدا وروى ذلك عن عاصم والأعمش وابن محيصن وقرأ الباقون بإظهار الظاء
الشعراء : ( 137 ) إن هذا إلا . . . . .
) إن هذا إلا خلق الأولين ( أى ما هذا الذى جئتنا به ودعوتنا إليه من الدين إلا خلق الأولين أى عادتهم التى كانوا عليها وقيل المعنى ما هذا الذى نحن عليه إلا خلق الأولين وعادتهم وهذا بناء على ماقاله الفراء وغيره إن معنى خلق الأولين عادة الأولين قال النحاس خلق الأولين عند الفراء بمعنى عادة الأولين وحكى لنا محمد بن الوليد عن محمد بن يزيد قال ) خلق الأولين ( مذهبهم وما جرى عليه أمرهم والقولان متقاربان قال وحكى لنا محمد بن يزيد أن معنى ) خلق الأولين ( تكذيبهم قال مقاتل قالوا ما هذا الذى تدعونا إليه إلا كذب الأولين قال الواحدى وهو قول ابن مسعود ومجاهد قال والخلق والاختلاق الكذب ومنه قوله وتخلقون إفكا قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى ويعقوب خلق الأولين بفتح الخاء وسكون اللام وقرأ الباقون بضم الخاء واللام قال الهروى معناه على القراءة الأولى اختلاقهم وكذبهم وعلى القراءة الثانية عادتهم وهذا التفصيل لابد منه قال ابن الأعرابى الخلق الدين والخلق الطبع والخلق المروءة وقرأ أبو قلابة بضم الخاء وسكون اللام وهي تخفيف لقراءة الضم لهما والظاهر أن المراد بالآية هو قول من قال ما هذا الذى نحن عليه إلا عادة الأولين وفعلهم ويؤيده
الشعراء : ( 138 ) وما نحن بمعذبين
قولهم ) وما نحن بمعذبين ( أى على مانفعل من البطش ونحوه مما نحن عليه الان
الشعراء : ( 139 ) فكذبوه فأهلكناهم إن . . . . .
) فكذبوه فأهلكناهم ( أى بالريح كما صرح القرآن فى غير هذا الموضع بذلك ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( تقدم تفسير هذا قريبا فى هذه السورة
الشعراء : ( 141 - 145 ) كذبت ثمود المرسلين
ثم لما فرغ سبحانه من ذكر قصة هود وقومه ذكر قصة صالح وقومه وكانوا يسكنون الحجر فقال ) كذبت ثمود ( إلى قوله ) إلا على رب العالمين ( قد تقدم تفسيره فى قصة هود المذكورة قبل هذه القصة
الشعراء : ( 146 ) أتتركون في ما . . . . .
) أتتركون في ما ها هنا آمنين ( الاستفهام للإنكار أى أتتركون


"""""" صفحة رقم 112 """"""
فى هذه النعم التى أعطاكم الله آمنين من الموت والعذاب باقين فى الدنيا
الشعراء : ( 147 - 148 ) في جنات وعيون
ولما أبهم النعم فى هذا فسرها بقوله ) في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم ( والهضيم النضيج الرخص اللين اللطيف والطلع مايطلع من الثمر وذكر النخل مع دخوله تحت الجنات لفضله على سائر الأشجار وكثيرا مايذكرون الشىء الواحد بلفظ يعمه وغيره كما يذكرون النعم ولايقصدون إلا الإبل وهكذا يذكرون الجنة ولايريدون إلا النخل قال زهير كأن عينى فى غربى مقبلة
من النواضح تسقى جنة سحقا
وسحقا جمع سحوق ولايوصف به إلا النخل وقيل المراد بالجنات غير النخل من الشجر والأول أولى وحكى الماوردى فى معنى هضيم اثنى عشر قولا أحسنها وأوفقها للغة ماذكرناه
الشعراء : ( 149 ) وتنحتون من الجبال . . . . .
) وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ( النحت النجر والبرى نحته ينحته بالكسر براه والنحاتة البراية وكانوا ينحتون بيوتهم من الجبال لما طالت أعمارهم وتهدم بناؤهم من المدر قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن ذكوان فرهين بغير ألف وقرأ الباقون فارهين بالألف قال أبو عبيدة وغيره وهما بمعني واحد والفره النشاط وفرق بينهما أبو عبيد وغيره فقالوا فارهين حاذقين بنحتها وقيل متجبرين وفرهين بطرين أشرين وبه قال مجاهد وغيره وقيل شرهين وقال الضحاك كيسين وقال قتادة معجبين ناعمين آمنين وبه قال الحسن وقيل فرحين قاله الأخفش وقال ابن زيد أقوياء
الشعراء : ( 150 - 151 ) فاتقوا الله وأطيعون
) فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين ( أى المشركين وقيل الذين عقروا الناقة
الشعراء : ( 152 ) الذين يفسدون في . . . . .
ثم وصف هؤلاء المسرفين بقوله ) الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ( أى ذلك دأبهم يفعلون الفساد فى الأرض ولايصدر منهم الصلاح ألبتة
الشعراء : ( 153 ) قالوا إنما أنت . . . . .
) قالوا إنما أنت من المسحرين ( أى الذين أصيبوا بالسحر قاله مجاهد وقتادة وقيل المسحر هو المعلل بالطعام والشراب قال الكلبى وغيره فيكون المسحر الذى له سحر وهو الرئة فكأنهم قالوا إنما أنت بشر مثلنا تأكل وتشرب قال الفراء أى إنك تأكل الطعام والشراب وتسحر به ومنه قول امرئ القيس أو لبيد فإن تسألينا فيم نحن فإننا
عصافير من هذا الأنام المسحر
وقال امرؤ القيس أيضا أرانا موضعين لحتم غيب
ونسحر بالطعام وبالشراب
قال المؤرج المسحر المخلوق بلغة ربيعة
الشعراء : ( 154 ) ما أنت إلا . . . . .
) ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين ( فى قولك ودعواك
الشعراء : ( 155 ) قال هذه ناقة . . . . .
) قال هذه ناقة ( الله ) لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ( أى لها نصيب من الماء ولكم نصيب منه معلوم ليس لكم أن تشربوا فى اليوم الذى هو نصيبها ولا هى تشرب فى اليوم الذى هو نصيبكم قال الفراء الشرب الحظ من الماء قال النحاس فأما المصدر فيقال فيه شرب شربا وشربا وأكثرها المضموم والشرب بفتح الشين جمع شارب والمراد هنا الشرب بالكسر وبه قرأ الجمهور فيهما وقرأ ابن أبى عبلة بالضم فيهما
الشعراء : ( 156 ) ولا تمسوها بسوء . . . . .
) ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم ( أى لاتمسوها بعقر أو ضرب أو شىء مما يسوؤها وجواب النهى فيأخذكم
الشعراء : ( 157 ) فعقروها فأصبحوا نادمين
) فعقروها فأصبحوا نادمين ( على عقرها لما عرفواأن العذاب نازل بهم وذلك أنه أنظرهم ثلاثا فظهرت عليهم العلامة فى كل يوم وندموا حيث لاينفع الندم لأن ذلك لايجدى عند معاينة العذاب وظهور آثاره
الشعراء : ( 158 ) فأخذهم العذاب إن . . . . .
) فأخذهم العذاب ( الذى وعدهم به وقد تقدم تفسير قوله ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ( وإن ربك لهو العزيز الرحيم فى هذه السورة وتقدم أيضا تفسير قصة صالح وقومه في غير هذه السورة


"""""" صفحة رقم 113 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) ونخل طلعها هضيم ( قال معشب وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه قال أينع وبلغ وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال أرطب واسترخى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) فارهين ( قال حاذقين وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه قال ) فارهين ( أشرين وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال شرهين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس فى قوله ) إنما أنت من المسحرين ( قال من المخلوقين وأنشد قول لبيد بن ربيعة فإن تسألينا فيم نحن البيت
وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا فى قوله ) لها شرب ( قال إذا كان يومها أصدر لها لبنا ماشاءوا
الشعراء ( 160 188 )


"""""" صفحة رقم 114 """"""
سورة الشعراء ( 160 191 )
الشعراء : ( 160 - 164 ) كذبت قوم لوط . . . . .
ذكر سبحانه القصة السادسة من قصص الأنبياء مع قومهم وهى قصة لوط وقد تقدم تفسير قوله ) إذ قال لهم ( إلى قوله ) إلا على رب العالمين ( فى هذه السورة وتقدم أيضا تفسير قصة لوط مستوفى فى الأعراف
الشعراء : ( 165 ) أتأتون الذكران من . . . . .
قوله ) أتأتون الذكران من العالمين ( الذكران جمع الذكر ضد الأثنى ومعنى تأتون تنكحون الذكران من العالمين وهم بنو آدم أو كل حيوان وقد كانوا يفعلون ذلك بالغرباء على ماتقدم فى الأعراف
الشعراء : ( 166 ) وتذرون ما خلق . . . . .
) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ( أى وتتركون ما خلقه الله لأجل استمتاعكم به من النساء وأراد بالأزواج جنس الإناث ) بل أنتم قوم عادون ( أى مجاوزون للحد فى جميع المعاصى ومن جملتها هذه المعصية التى ترتكبونها من الذكران
الشعراء : ( 167 ) قالوا لئن لم . . . . .
) قالوا لئن لم تنته يا لوط ( عن الإنكار علينا وتقبيح أمرنا ) لتكونن من المخرجين ( من بلدنا البغضين عنها
الشعراء : ( 168 ) قال إني لعملكم . . . . .
) قال إني لعملكم ( وهو ما أنتم فيه من إتيان الذكران ) من القالين ( المبغض له والقلى البغض قليته أقليه قلا وقلاء ومنه قول الشاعر فلست بمقلى الخلال ولا قالى
وقال الآخر
ومالك عندى إن نأيت قلاء
الشعراء : ( 169 ) رب نجني وأهلي . . . . .
ثم رغب عليه الصلاة والسلام عن محاورتهم وطلب من الله عز وجل أن ينجيه فقال ) رب نجني وأهلي مما يعملون ( أى من عملهم الخبيث أو من عقوبته التى ستصيبهم
الشعراء : ( 170 ) فنجيناه وأهله أجمعين
فأجاب الله سبحانه دعاءه وقال ) فنجيناه وأهله أجمعين ( أى أهل بيته ومن تابعه على دينه وأجاب دعوته
الشعراء : ( 171 ) إلا عجوزا في . . . . .
) إلا عجوزا في الغابرين ( هي امرأة لوط ومعنى من الغابرين من الباقين فى العذاب وقال أبو عبيدة من الباقين فى الهرم أى بقيت حتى هرمت قال النحاس يقال للذاهب غابر وللباقى غابر قال الشاعر
لاتكسع الشول بأغبارها
إنك لاتدرى من الناتج
والأغبار بقية الألبان وتقول العرب مامضى وما غبر أى مامضى وما بقى
الشعراء : ( 172 ) ثم دمرنا الآخرين
) ثم دمرنا الآخرين ( أى أهلكناهم بالخسف والحصب
الشعراء : ( 173 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . .
) وأمطرنا عليهم مطرا ( يعنى الحجارة ) فساء مطر المنذرين ( المخصوص بالذم محذوف والتقدير مطرهم
الشعراء : ( 174 - 175 ) إن في ذلك . . . . .
وقد تقدم تفسير ) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( فى هذه السورة
الشعراء : ( 176 ) كذب أصحاب الأيكة . . . . .
) كذب أصحاب الأيكة المرسلين ( قرأ نافع وابن كثير وابن عامر ليكة بلام واحدة وفتح التاء جعلوه اسما غير معرف بأل مضافا إليه أصحاب وقرأ الباقون الأيكة معرفا والأيكة الشجر الملتف وهى الغيضة وليكة اسم للقرية وقيل هما بمعنى واحد اسم للغيضة قال القرطبى فأما ما حكاه أبو عبيد من أن ليكة اسم القرية التى كانوا فيها وأن الأيكة اسم البلد كله فشىء لايثبت ولايعرف من قاله ولو عرف لكان فيه نظر لأن أهل العلم جميعا على خلافه قال أبو على الفارسى الأيكة تعريف أيكة فإذا حذفت الهمزة تخفيفا ألقيت حركتها على اللام قال الخليل الأيكة غيضة تنبت السدر والأراك ونحوهما من ناعم الشجر
الشعراء : ( 177 ) إذ قال لهم . . . . .
) إذ قال لهم شعيب ألا تتقون ( لم يقل أخوهم كما قال فى الأنبياء قبله لأنه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب فلما ذكر مدين قال أخاهم شعيبا لأنه كان منهم وقد مضى تحقيق نسبه فى الأعراف
الشعراء : ( 178 - 180 ) إني لكم رسول . . . . .
وقد تقدم تفسير قوله ) إني لكم رسول أمين ( إلي قوله تعالى ) إلا على رب العالمين ( فى هذه السورة
الشعراء : ( 181 ) أوفوا الكيل ولا . . . . .
قوله ) أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين ( أى أتموا الكيل لمن أراده وعامل به ولاتكونوا من المخسرين الناقضين للكيل والوزن يقال أخسرت الكيل والوزن


"""""" صفحة رقم 115 """"""
أى نقصته ومنه قوله تعالى ) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون )
الشعراء : ( 182 ) وزنوا بالقسطاس المستقيم
ثم زاد سبحانه فى البيان فقال ) وزنوا بالقسطاس المستقيم ( أى أعطوا الحق بالميزان السوى وقد مر بيان تفسير هذا فى سورة سبحان وقد قرئ بالقسطاس مضموما ومكسورا
الشعراء : ( 183 ) ولا تبخسوا الناس . . . . .
) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( البخس النقص يقال بخسه حقه إذا نقصه أى لاتنقصوا الناس حقوقهم التى لهم وهذا تعميم بعد التخصيص وقد تقدم تفسيره فى سورة هود وتقدم أيضا تفسير ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( فيها وفى غيرها
الشعراء : ( 184 ) واتقوا الذي خلقكم . . . . .
) واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ( قرأ الجمهور بكسر الجيم والباء وتشديد اللام وقرأ أبو حصين والأعمش والحسن والأعرج وشيبة بضمهما وتشديد اللام وقرأ السلمى بفتح الجيم مع سكون الباء والجبلة الخليقة قاله مجاهد وغيره يعنى الأمم المتقدمة يقال جبل فلان على كذا أى خلق قال النحاس الخلق يقال له جبلة بكسر الحرفين الأولين وبضمهما مع تشديد اللام فيهما وبضم الجيم وسكون الباء وضمه فتحها قال الهروى الجبلة والجبلة والجبل والجبل لغات وهو الجمع ذو العدد الكثير من الناس ومنه قوله تعالى جبلا كثيرا أى خلقا كثيرا ومن ذلك قول الشاعر والموت أعظم حادث
فيما يمر على الجبلة
الشعراء : ( 185 - 186 ) قالوا إنما أنت . . . . .
) قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا ( قد تقدم تفسيره مستوفى فى هذه السورة ) وإن نظنك لمن الكاذبين ( إن هى المخففة من الثقيلة عملت فى ضمير شأن مقدر واللام هى الفارقة أى فيما تدعيه علينا من الرسالة وقيل هى النافية واللام بمعنى إلا أى مانظنك إلا من الكاذبين والأول أولى
الشعراء : ( 187 ) فأسقط علينا كسفا . . . . .
) فأسقط علينا كسفا من السماء ( كان شعيب يتوعدهم بالعذاب إن لم يؤمنوا فقالوا له هذا القول نعتا واستبعادا وتعجيزا والكسف القطعة قال أبو عبيدة الكسف جمع كسفة مثل سدر وسدرة قال الجوهرى الكسفة القطعة من الشىء يقال أعطنى كسفة من ثوبك والجمع كسف وقد مضى تحقيق هذا فى سورة سبحان ) إن كنت من الصادقين ( فى دعواك
الشعراء : ( 188 ) قال ربي أعلم . . . . .
) قال ربي أعلم بما تعملون ( من الشرك والمعاصى فهو مجازيكم علي ذلك إن شاء وفى هذا تهديد شديد
الشعراء : ( 189 ) فكذبوه فأخذهم عذاب . . . . .
) فكذبوه ( فاستمروا على تكذيبه وأصروا علي ذلك ) فأخذهم عذاب يوم الظلة ( والظلة السحاب أقامها الله فوق رءوسهم فأمطرت عليهم نارا فهلكوا وقد أصابهم الله بما اقترحوا لأنهم إن أرادوا بالكسف القطعة من السحاب فظاهر وإن أرادوا بها القطعة من السماء فقد نزل عليهم العذاب من جهتها وأضاف العذاب إلى يوم الظلة لا إلى الظلة تنبيها علي أن لهم فى ذلك اليوم عذابا غير عذاب الظلة كذا قيل ثم وصف سبحانه هذا العذاب الذى أصابهم بقوله ) إنه كان عذاب يوم عظيم ( لما فيه من الشدة عليهم التى لايقادر قدرها وقد تقدم تفسير قوله
الشعراء : ( 190 - 191 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ( فى هذه السورة مستوفى فلا نعيده وفي هذا التكرير لهذه الكلمات فى آخر هذه القصص من التهديد والزجر والتقرير والتأكيد مالا يخفى علي من يفهم مواقع الكلام ويعرف أساليبه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابى وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد فى قوله ) وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ( قال تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر عن عكرمة نحوه وأخرجا أيضا عن قتادة ) إلا عجوزا في الغابرين ( قال هى امرأة لوط غبرت فى عذاب الله وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ليكة قال هى الأيكة وأخرج اسحاق بن بشر وابن عساكر وابن عباس فى قوله ) كذب أصحاب الأيكة المرسلين ( قال كانوا أصحاب غيضة من ساحل البحر إلى


"""""" صفحة رقم 116 """"""
مدين ) إذ قال لهم شعيب ( ولم يقل أخوهم شعيب لأنه لم يكن من جنسهم ) ألا تتقون ( كيف لاتتقون وقد علمتم أنى رسول أمين لاتعتبرون من هلاك مدين وقد أهلكوا فيما يأتون وكان أصحاب الأيكة مع ما كانوا فيه من الشرك استنوا بسنة أصحاب مدين فقال لهم شعيب ) إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم ( علي ما أدعوكم إليه ) من أجر ( فى العاجل من أموالكم ) إن أجري إلا على رب العالمين ( ) واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ( يعنى القرون الأولين الذي أهلكوا بالمعاصى ولاتهلكوا مثلهم ) قالوا إنما أنت من المسحرين ( يعنى من المخلوقين ) وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا من السماء ( يعنى قطعا من السماء ) فأخذهم عذاب يوم الظلة ( أرسل الله إليهم سموما من جهنم فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر فحميت بيوتهم وغلت مياههم فى الآبار والعيون فخرجوا من منازلهم ومحلتهم هاربين والسموم معهم فسلط الله عليهم الشمس من فوق رءوسهم فغشيتهم حتى تقلقت فيها جماجمهم وسلط الله عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم ثم نشأت لهم ظلة كالسحابة السوداء فلما رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حتى إذا كانوا جميعا أطبقت عليهم فهلكوا ونجى الله شعيبا والذين آمنوا معه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه قال ) والجبلة الأولين ( الخلق الأولين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم عنه أيضا أنه سئل عن قوله ) فأخذهم عذاب يوم الظلة ( قال بعث الله عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم أجوافها فأخذ بأنفسهم فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية فبعث الله عليهم سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها بردا ولذة فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أسقط الله عليهم نارا فذلك عذاب يوم الظلة وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم عنه أيضا قال من حدثك من العلماء عذاب يوم الظلة فكذبه أقول فما نقوله له رضى الله عنه فيما حدثنا به من ذلك مما نقلناه عنه هاهنا ويمكن أن يقال إنه لما كان هو البحر الذى علمه الله تأويل كتابه بدعوة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) كان مختصا بمعرفة هذا الحديث دون غيره من أهل العلم فمن حدث بحديث عذاب الظلة على وجه غير هذا الوجه الذى حدثنا به فقد وصانا بتكذيبه لأنه قد علمه ولم يعلمه غيره
الشعراء ( 192 207 )


"""""" صفحة رقم 117 """"""
سورة الشعراء ( 192 227 )
الشعراء : ( 192 ) وإنه لتنزيل رب . . . . .
قوله ) وإنه لتنزيل رب العالمين ( الضمير يرجع إلى مانزله عليه من الأخبار أى وإن هذه الأخبار أو وإن القرآن وإن لم يجر له ذكر للعلم به قيل وهو على تقدير مضاف محذوف أى ذو تنزيل وأما إذا كان تنزيل بمعنى منزل فلا حاجة إلى تقدير مضاف
الشعراء : ( 193 ) نزل به الروح . . . . .
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم ) نزل ( مخففا وقرأه الباقون مشددا و ) الروح الأمين ( على القراءة الثانية منصوب على أنه مفعول به وقد اختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد والروح الأمين جبريل كما فى قوله ) قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك )
الشعراء : ( 194 ) على قلبك لتكون . . . . .
ومعنى ) على قلبك ( أنه تلاه على قلبه ووجه تخصيص القلب لأنه أول مدرك من الحواس الباطنة قال أبو حيان إن على قلبك ولتكون متعلقان بنزل وقيل يجوز أن يتعلقا بتنزيل والأول أولى وقريء نزل مشدد مبنيا للمفعول والفاعل هو الله تعالى ويكون الروح على هذه القراءة مرفوعا علي النيابة ) لتكون من المنذرين ( علة للإنزال أى أنزله لتنذرهم بما تضمنه من التحذيرات والإنذارات والعقوبات
الشعراء : ( 195 ) بلسان عربي مبين
) بلسان عربي مبين ( متعلق بالمنذرين أى لتكون من المنذرين بهذا اللسان وجوز أبو البقاء أن يكون بدلا من به وقيل متعلق بنزل وإنما أخر للاعتناء بذكر الإنذار وإنما جعل الله سبحانه القرآن عربيا بلسان الرسول العربى لئلا يقول مشركوا العرب لسنا نفهم ماتقوله بغير لساننا فقطع بذلك حجتهم وأزاح علتهم ودفع معذرتهم
الشعراء : ( 196 ) وإنه لفي زبر . . . . .
) وإنه لفي زبر الأولين ( أى إن هذا القرآن باعتبار احكامه التى أجمعت عليها الشرائع فى كتب الأولين من الأنبياء والزبر الكتب الواحد زبور وقد تقدم الكلام على تفسير مثل هذا وقيل الضمير لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد بكون القرآن فى زبر الأولين أنه مذكور فيها هو نفسه لا ما اشتمل عليه من الأحكام والأول أولى
الشعراء : ( 197 ) أو لم يكن . . . . .
) أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ( الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر كما تقدم مرارا والآية العلامة والدلالة أى ألم


"""""" صفحة رقم 118 """"""
يكن لهؤلاء علامة دالة على أن القرآن حق وأنه تنزيل رب العالمين وأنه فى زبر الأولين أن يعلمه علماء بنى إسرائيل على العموم أو من آمن منهم كعبد الله بن سلام وإنما صارت شهادة أهل الكتاب حجة على المشركين لأنهم كانوا يرجعون إليهم ويصدقونهم قرأ ابن عامر تكن بالفوقية وآية بالرفع على أنها اسم كان وخبرها أن يعلمه الخ ويجوز أن تكون تامة وقرأ الباقون يكن بالتحتية وآية بالنصب على أنها خبر يكن واسمها أن يعلمه لحخ قال الزجاج أن يعلمه اسم يكن وآية خبره والمعنى أو لم يكن لهم علم علماء بنى إسرائيل أن محمدا نبى حق علامة ودلالة على نبوته لأن العلماء الذين آمنوا من بنى إسرائيل كانوا يخبرون بوجود ذكره فى كتبهم وكذا قال الفراء ووجها قراءة الرفع بما ذكرنا وفى قراءة ابن عامر نظر لأن جعل النكرة اسما والمعرفة خبرا غير سائغ وإن ورد شاذا فى مثل قول الشاعر فلا يك موقف منك الوداعا
وقول الآخر
وكان مزاجها عسل وماء
ولا وجه لما قيل إن النكرة قد تخصصت بقولهم لهم لأنه فى محل نصب على الحال والحال صفة فى المعنى فأحسن مايقال فى التوجيه ما قدمنا ذكره من أن يكن تامة
الشعراء : ( 198 ) ولو نزلناه على . . . . .
) ولو نزلناه على بعض الأعجمين ( أى لو نزلنا القرآن علي الصفة التي هو عليها على رجل من الأعجمين الذى لايقدرون علي التكلم بالعربية
الشعراء : ( 199 ) فقرأه عليهم ما . . . . .
) فقرأه عليهم ( قراءة صحيحة ) ما كانوا به مؤمنين ( مع انضمام إعجاز القراءة من الرجل الأعجمى للكلام العربى إلى إعجاز القران وقيل المعنى ولو نزلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم فقرأه عليهم بلغته لم يؤمنوا به وقالوا مانفقه هذا ولا نفهمه ومثل هذا قوله ) ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ( يقال رجل أعجم وأعجمى إذا كان غير فصيح اللسان وإن كان عربيا ورجل عجمى إذا كان أصله من العجم وإن كان فصيحا إلا أن الفراء أجاز أن يقال رجل عجمى بمعنى أعجمى وقرأ الحسن على بعض الأعجمين وكذلك قرأ الجحدرى قال أبو الفتح بن جنى أصل الأعجمين الأعجميين ثم حذفت ياء النسب وجعل جمعه بالياء والنون دليلا عليها
الشعراء : ( 200 ) كذلك سلكناه في . . . . .
) كذلك سلكناه في قلوب المجرمين ( أى مثل ذلك السلك سلكناه أى أدخلناه فى قلوبهم يعنى القرآن حتى فهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه معجز وقال الحسن وغيره سلكنا الشرك والتكذيب فى قلوب المجرمين وقال عكرمة سلكنا القسوة والأول أولى لأن السياق فى القرآن
الشعراء : ( 201 ) لا يؤمنون به . . . . .
وجملة ) لا يؤمنون ( تحتمل وجهين الأول الاستئناف على جهة البيان والإيضاح لما قبلها والثانى أنها فى محل نصب علي الحال من الضمير فى سلكناه ويجوز أن يكون حالا من المجرمين وأجاز الفراء الجزم فى لايؤمنون لأن فيه معنى الشرط والمجازاة وزعم أن من شأن العرب إذا وضعت لا موضع كيلا مثل هذا ربما جزمت ما بعدها وربما رفعت فتقول ربطت الفرس لاينفلت بالرفع والجزم لأن معناه إن لم أربطه ينفلت وأنشد لبعض بنى عقل
وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا
مساكنه لايقرب الشر قارب
بالرفع ومن الجزم قول الآخر
لطال ما حللتماها لاترد
فخلياها والسخال تبترد
قال النحاس وهذا كله فى لايؤمنون خطأ عند البصريين ولايجوزالجزم بلا جازم ) حتى يروا العذاب الأليم ( أى لا يؤمنون إلى هذه الغاية وهى مشاهدتهم للعذاب الأليم
الشعراء : ( 202 ) فيأتيهم بغتة وهم . . . . .
) فيأتيهم ( العذاب ) بغتة ( أى فجأة و الحال ) وهم لا يشعرون ( بإتيانه وقرأ الحسن فتأتيهم بالفوقية أى الساعة وإن لم يتقدم لها ذكر لكنه قد دل العذاب


"""""" صفحة رقم 119 """"""
عليها
الشعراء : ( 203 ) فيقولوا هل نحن . . . . .
) فيقولوا هل نحن منظرون ( أى مؤخرون وممهلون قالوا هذا تحسرا على مافات من الإيمان وتمنيا للرجعة إلى الدنيا لاستدراك مافرط منهم وقيل إن المراد بقولهم ) هل نحن منظرون ( الاستعجال للعذاب علي طريقة الاستهزاء
الشعراء : ( 204 ) أفبعذابنا يستعجلون
لقوله ) أفبعذابنا يستعجلون ( ولايخفى مافى هذا من البعد والمخالفة للمعنى الظاهر فإن معنى ) هل نحن منظرون ( طلب النظرة والإمهال وأما قوله ) أفبعذابنا يستعجلون ( فالمراد به الرد عليهم والإنكار لما وقع منهم من قولهم أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وقولهم فأتنا بما تعدنا
الشعراء : ( 205 ) أفرأيت إن متعناهم . . . . .
) أفرأيت إن متعناهم سنين ( الاستفهام للإنكار والفاء للعطف علي مقدر يناسب المقام كما مر فى غير موضع ومعنى أرأيت أخبرنى والخطاب لكل من يصلح له أى أخبرنى إن متعناهم سنين فى الدنيا متطاولة وطولنا لهم الأعمار
الشعراء : ( 206 ) ثم جاءهم ما . . . . .
) ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ( من العذاب والهلاك
الشعراء : ( 207 ) ما أغنى عنهم . . . . .
) ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ( ماهى الاستفهامية والمعنى أى شىء أغنى عنهم كونهم ممتعين ذلك التمتع الطويل وما فى ماكانوا يمتعون يجوز أن تكون المصدرية ويجوز تكون الموصولة والاستفهام للإنكار التقريرى ويجوز أن تكون ما الأولى نافية والمفعول محذوف أى لم يغن عنهم تمتيعهم شيئا وقرئ يمتعون بإسكان الميم وتخفيف التاء من أمتع الله زيدا بكذا
الشعراء : ( 208 ) وما أهلكنا من . . . . .
) وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ( من مزيدة للتأكيد أى وما أهلكنا قرية من القرى إلا لها منذرون وجملة ) إلا لها منذرون ( يجوز أن تكون صفة لقرية ويجوز أن تكون حالا منها وسوغ ذلك سبق النفى والمعنى ما أهلكنا قرية من القرى إلا بعد الأنذار إليهم والإعذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب
الشعراء : ( 209 ) ذكرى وما كنا . . . . .
وقوله ) ذكرى ( بمعنى تذكرة وهى فى محل نصب على العلة أو المصدرية وقال الكسائي ذكرى فى موضع نصب على الحال وقال الفراء والزجاج إنها فى موضع نصب على المصدرية أى يذكرون ذكرى قال النحاس وهذا قول صحيح لأن معنى ) إلا لها منذرون ( إلا لها مذكرون قال الزجاج ويجوز أن يكون ذكرى فى موضع رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أى إنذارنا ذكرى أو ذلك ذكرى قال ابن الأنبارى المعنى هى ذكرى أو يذكرهم ذكرى وقد رجح الأخفش أنها خبر مبتدأ محذوف ) وما كنا ظالمين ( فى تعذيبهم فقد قدمنا الحجة إليهم وأنذرناهم وأعذرنا إليهم
الشعراء : ( 210 ) وما تنزلت به . . . . .
) وما تنزلت به الشياطين ( أى بالقرآن وهذا رد لما زعمه الكفرة فى القرآن أنه من قبيل ما يلقيه الشياطين على الكهنة
الشعراء : ( 211 ) وما ينبغي لهم . . . . .
) وما ينبغي لهم ( ذلك ولايصح منهم ) وما يستطيعون ( مانسبه الكفار إليهم أصلا
الشعراء : ( 212 ) إنهم عن السمع . . . . .
) إنهم عن السمع ( للقرآن أو لكلام الملائكة ) لمعزولون ( محجوبون مرجومون بالشهب وقرأ الحسن وابن السميفع والأعمش ) وما تنزلت به الشياطين ( بالواو والنون إجراء له مجرى جمع السلامة قال النحاس وهذا غلط عند جميع النحويين قال وسمعت على بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول هذا من غلط العلماء وإنما يكون بشبهة لما رأى الحسن فى آخره ياء ونونا وهو فى موضع رفع اشتبه عليه بالجمع السالم فغلط قال الفراء غلط الشيخ يعنى الحسن فقيل ذلك للنضر بن شميل فقال إن جاز أن يحتج بقول رؤبة والعجاج و ذويهما جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه يعنى محمد بن السميفع مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ بذلك إلا وقد سمعا فيه شيئا وقال المؤرج إن كان الشيطان من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه قال يونس بن حبيب سمعت أعرابيا يقول دخلنا بساتين من ورائها بساتون
الشعراء : ( 213 ) فلا تدع مع . . . . .
ثم لما قرر سبحانه حقية القرآن وأنه منزل من عنده أمر بنيه ( صلى الله عليه وسلم ) بدعاء الله وحده فقال ) فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين ( وخطاب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا مع كونه منزها عنه معصوما منه لحث العباد علي التوحيد ونهيهم عن شوائب الشرك وكأنه قال أنت أكرم الخلق على وأعزهم عندى ولو اتخذت معى إلها لعذبتك فكيف بغيرك من العباد
الشعراء : ( 214 ) وأنذر عشيرتك الأقربين
) وأنذر عشيرتك الأقربين ( خص الأقربين لأن


"""""" صفحة رقم 120 """"""
الاهتمام بشأنهم أولى وهدايتهم إلى الحق أقدم قيل هم قريش وقيل بنو عبد مناف وقيل بنو هاشم وقد ثبت فى الصحيح أن هذه الآية لما نزلت دعا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قريشا فاجتمعوا فعم وخص فذلك منه ( صلى الله عليه وسلم ) بيان للعشيرة الإقربين وسيأتى بيان ذلك
الشعراء : ( 215 ) واخفض جناحك لمن . . . . .
) واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ( يقال خفض جناحه إذا ألانه وفيه استعارة حسنة والمعنى ألن جناحك وتواضع لمن اتبعك من المؤمنين وأظهر لهم المحبة والكرامة وتجاوز عنهم
الشعراء : ( 216 ) فإن عصوك فقل . . . . .
) فإن عصوك ( أى خالفوا أمرك ولم يتبعوك ) فقل إني بريء مما تعملون ( أى من عملكم أو من الذى تعملونه وهذا يدل على أن المراد بالمؤمنين المشارفون للإيمان المصدقون باللسان لأن المؤمنين الخلص لايعصونه ولايخالفونه
الشعراء : ( 217 ) وتوكل على العزيز . . . . .
ثم بين له مايعتمد عليه عند عصيانهم له فقال ) وتوكل على العزيز الرحيم ( أى فوض أمورك إليه فإنه القادر على قهر الأعداء وهو الرحيم للأولياء قرأ نافع وابن عامر فتوكل بالفاء وقرأ الباقون وتوكل بالواو فعلى القراءة الأولى يكون مابعد الفاء كالجزء مما قبلها مترتبا عليه وعلى القراءة الثانية يكون مابعد الواو معطوفا علي ماقبلها عطف جملة على جملة من غير ترتيب
الشعراء : ( 218 ) الذي يراك حين . . . . .
) الذي يراك حين تقوم ( أى حين تقوم إلى الصلاة وحدك فى قول أكثر المفسرين وقال مجاهد حين تقوم حيثما كنت ) وتقلبك في الساجدين ( أى ويراك إن صليت فى الجماعة راكعا وساجدا وقائما كذا قال أكثر المفسرين وقيل يراك فى الموحدين من نبى إلى نبى حتى أخرجك فى هذه الأمة وقيل المراد بقوله يراك حين تقوم قيامه إلى التهجد
الشعراء : ( 219 ) وتقلبك في الساجدين
وقوله ) وتقلبك في الساجدين ( يريد ترددك فى تصفح أحوال المجتهدين فى العبادة وتقلب بصرك فيهم كذا قال مجاهد
الشعراء : ( 220 ) إنه هو السميع . . . . .
) إنه هو السميع ( لما تقوله ) العليم ( به
الشعراء : ( 221 ) هل أنبئكم على . . . . .
ثم أكد سبحانه معنى قوله ) وما تنزلت به الشياطين ( وبينه فقال ) هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ( أى على من تتنزل فحذف إحدى التاءين وفيه بيان استحالة تنزل الشياطين على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الشعراء : ( 222 ) تنزل على كل . . . . .
) تنزل على كل أفاك أثيم ( والأفاك الكثير الإفك والأثيم كثير الإثم والمراد بهم كل من كان كاهنا فإن الشياطين كانت تسترق السمع ثم يأتون إليهم فيلقونه إليهم
الشعراء : ( 223 ) يلقون السمع وأكثرهم . . . . .
وهو معنى قوله ) يلقون السمع ( أى مايسمعون مما يسترقونه فتكون جملة يلقون السمع على هذا راجعة إلى الشياطين فى محل نصب علي الحال أى حال كون الشياطين ملقين السمع أى مايسمعونه من الملإ الأعلى إلى الكهان ويجوز أن يكون المعنى إن الشياطين يلقون السمع أى ينصتون إلى الملإ الأعلى ليسترقوا منهم شيئا ويكون المراد بالسمع على الوجه الأول المسموع وعلى الوجه الثانى نفس حاسة السمع ويجوز أن تكون جملة يلقون السمع راجعة إلى كل أفاك أثيم على أنها صفة أو مستأنفة ومعنى الإلقاء أنهم يسمعون ماتلقيه إليهم الشياطين من الكلمات التى تصدق الواحدة منها وتكذب المائة الكلمة كما ورد فى الحديث وجملة ) وأكثرهم كاذبون ( راجعة إلى كل أفاك أثيم أى وأكثر هؤلاء الكهنته كاذبون فيما يتلقونه من الشياطين لأنهم يضمون إلى ما يسمعونه كثيرا من أكاذيبهم المختلفة أو أكثرهم كاذبون فيما يلقونه من السمع أي المسموع من الشياطين إلى الناس ويجوز أن تكون جملة ) وأكثرهم كاذبون ( راجعة إلى الشياطين أى وأكثر الشياطين كاذبون فيما يلقونه إلى الكهنة مما يسمعونه فإنهم يضمون إلى ذلك من عند أنفسهم كثيرا من الكذب وقد قيل كيف يصح على الوجه الأول وصف الأفاكين بأن أكثرهم كاذبون بعد ما وصفوا جميعا بالإفك وأجيب بأن المراد بالإفاك الذى يكثر الكذب لا الذى لاينطق إلا بالكذب فالمراد بقوله وأكثرهم كاذبون أنه قل من يصدق منهم فيما يحكى عن الشياطين والغرض الذى سيق لأجله هذا الكلام إد ما كان يزعمه المشركون من كون النبى ( صلى الله عليه وسلم ) من جملة من يلقى إليه الشيطان السمع من الكهنة ببيان أن الأغلب على الكهنة الكذب ولم يظهر


"""""" صفحة رقم 121 """"""
من أحوال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلا الصدق فكيف يكون كما زعموا ثم إن هؤلاء الكهنة يعظمون الشياطين وهذا النبى المرسل من عند الله برسالته إلى الناس يذمهم ويلعنهم ويأمر بالتعوذ منهم
الشعراء : ( 224 ) والشعراء يتبعهم الغاوون
ثم لما كان قد قال قائل من المشركين إن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) شاعر بين سبحانه حال الشعراء ومنافاة ماهم عليه لما عليه النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) والشعراء يتبعهم الغاوون ( والمعنى أن الشعراء يتبعهم أى يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون أى الضالون عن الحق والشعراء جمع شاعر والغاوون جمع غاو وهم ضلال الجن والإنس وقيل الزائلون عن الحق وقيل الذين يروون الشعر المشتمل على الهجاء وما لايجوز وقيل المراد شعراء الكفار خاصة قرأ الجمهور والشعراء بالرفع على أنه مبتدأ وخبره مابعده وقرأ عيسى بن عمر الشعراء بالنصب على الاشتغال وقرأ نافع وشيبة والحسن والسلمى يتبعهم بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد
الشعراء : ( 225 ) ألم تر أنهم . . . . .
ثم بين سبحانه قبائح شعراء الباطل فقال ) ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ( والجملة مقررة لما قبلها والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية يقال هام يهيم هيما وهيمانا إذا ذهب علي وجهه أى ألم تر أنهم فى كل فن من فنون الكذب يخوضون وفى كل شعب من شعاب الزور يتكلمون فتارة يمزقون الأعراض بالهجاء وتارة يأتون من المجون بكل مايمجه السمع ويستقبحه العقل وتارة يخوضون فى بحر السفاهة والوقاحة ويذمون الحق ويمدحون الباطل ويرغبون فى فعل المحرمات ويدعون الناس إلى فعل المنكرات كما تسمعه فى أشعارهم من مدح الخمر والزنا واللواط ونحو هذه الرذائل الملعونة
الشعراء : ( 226 ) وأنهم يقولون ما . . . . .
ثم قال سبحانه ) وأنهم يقولون ما لا يفعلون ( أى يقولون فعلنا وفعلنا وهم كذبة فى ذلك فقد يدلون بكلامهم على الكرم والخير ولايفعلونه وقد ينسبون إلى أنفسهم من أفعال الشر مالا يقدرون علي فعله كما تجده فى كثير من أشعارهم من الدعاوى الكاذبة والزور الخالص المتضمن لقذف المحصنات وأنهم فعلوا بهن كذا وكذا وذلك كذب محض وافتراء بحت
الشعراء : ( 227 ) إلا الذين آمنوا . . . . .
ثم استثنى سبحانه الشعراء المؤمنين الصالحين الذين أغلب أحوالهم تحرى والصدق فقال ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( أى دخلوا فى حزب المؤمنين وعملوا بأعمالهم الصالحة ) وذكروا الله كثيرا ( فى أشعارهم ) وانتصروا من بعد ما ظلموا ( كمن يهجو منهم من هجاء أو ينتصر لعالم أو فاضل كما كان يقع من شعراء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فإنهم كانوا يهجون من يهجوه ويحمون عنه ويذبون عن عرضه ويكافحون شعراء المشركين وينافحونهم ويدخل فى هذا من انتصر بشعره لأهل السنة وكافح أهل البدعة وزيف مايقوله شعراؤهم من مدح بدعتهم وهجو السنة المطهرة كما يقع ذلك كثيرا من شعراء الرافضة ونحوهم فإن الانتصار للحق وتزييف الباطل به من أعظم المجاهدة وفاعلة من المجاهدين فى سبيل الله المنتصرين لدينه القائمين بما أمر الله بالقيام به
واعلم أن الشعر فى نفسه ينقسم إلى أقسام فقد يبلغ ما لا خير فيه منه إلى قسم الحرام وقد يبلغ ما فيه خير منه إلى قسم الواجب وقد وردت أحاديث فى ذمه وذم الاستكثار منه ووردت أحاديث أحر فى إباحته وتجويزه والكلام فى تحقيق ذلك يطول وسنذكر فى أخر البحث ماورد فى ذلك من الأحاديث ختم سبحانه هذه السورة بآية جامعة للوعيد كله فقال ) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( فإن فى قوله سيعلم تهويلا عظيما وتهديدا شديد وكذا فى إطلاق الذين ظلموا وإبهام أى منقلب ينقلبون وخصص هذه الاية بعضهم بالشعراء ولا وجه لذلك فإن الاعتبار بعموم اللفظ وقوله ) أي منقلب ( صفة لمصدر محذوف أى ينقلبون منقلبا أى منقلب وقدم لتضمنه معني الاستفهام ولايعمل فيه سيعلم لأن الاستفهام لايعمل فيه ماقبله بل هو معلق عن العمل فيه وقرأ ابن عباس والحسن أى منفلت ينقلتون بالفاء مكان القاف والتاء مكان الباء من الانفلات


"""""" صفحة رقم 122 """"""
بالنون والفاء الفوقية وقرأ الباقون بالقاف والباء من الانقلاب بالنون والقاف الموحدة والمعنى على قراءة ابن عباس والحسن أن الظالمين يطمعون فى الانفلات من عذاب الله والانفكاك منه ولايقدرون على ذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة ) وإنه لتنزيل رب العالمين ( قال هذا القرآن ) نزل به الروح الأمين ( قال جبريل وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) نزل به الروح الأمين ( قال جبريل وأخرج أبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) الروح الأمين ( قال الروح الأمين جبريل رأيت له ستمائة جناح من لؤلؤ قد نشرها فيها مثل ريش الطواويس وأخرج ابن النجار فى تاريخه عن ابن عباس فى قوله ) بلسان عربي مبين ( قال بلسان قريش ولو كان غير عربى مافهموه وأخرج الحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب عن بريدة فى قوله ) بلسان عربي مبين ( قال بلسان جرهم وأخرج مثله أيضا عنه ابن المنذر وابن أبى حاتم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال كان عبد الله بن سلام من علماء بنى إسرائيل وكان من خيارهم فآمن بكتاب محمد فقال لهم ) أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ( وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة قال لما نزلت هذه الآية ) وأنذر عشيرتك الأقربين ( دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قريشا وعم وخص فقال يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإنى لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار فإنى لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بنى قصى أنقذوا أنفسكم من النار فإنى لا أملك ضرا ولا نفعا يا معشر بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولا نفعا يا معشر بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضرا ولانفعا يا فاطمة بنت محمد أنقذى نفسك من النار فإني لا أملك لك ضرا ولا نفعا إلا أن لكم رحما وسأبلها ببلالها وفى الباب أحاديث من طريق جماعة من الصحابة وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) الذي يراك حين تقوم ( قال للصلاة وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه ) الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ( يقول قيامك وركوعك وسجودك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا ) وتقلبك في الساجدين ( قال يراك وأنت مع الساجدين تقوم وتقعد معهم وأخرج ابن مردويه عنه أيضا فى قوله ) وتقلبك في الساجدين ( قال كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قام إلى الصلاة يرى من خلفه كما يرى من بين يديه ومنه الحدديث فى الصحيحين وغيرهما عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل ترون قبلتى هاهنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم وإنى لأراكم من وراء ظهرى وأخرج ابن أبى عمر العدنى فى مسنده والبزار وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس فى قوله ) وتقلبك في الساجدين ( قال من نبي إلى بني حتى أخرجت نبيا وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عنه فى الآية نحوه وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت سأل أناس النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عن الكهان قال إنهم ليسو بشىء قالوا يارسول الله إنهم يحدثون أحيانا بالشىء يكون حقا قال تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فيقذفها فى أذن وليه فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة وفى لفظ للبخارى فيزيدون معها مائة كذبة وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال تهاجى رجلان على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحدهما من الأنصار والاخر من قوم آخرين وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فأنزل الله ) والشعراء يتبعهم الغاوون ( الآيات وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عروة لما نزلت ) والشعراء ( إلى قوله ) ما لا يفعلون ( قال عبد الله بن رواحة يارسول الله قد


"""""" صفحة رقم 123 """"""
علم الله أنى منهم فأنزل الله ) إلا الذين آمنوا ( إلى قوله ) ينقلبون ( وروى نحو هذا من طرق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) يتبعهم الغاوون ( قال هم الكفار يتبعون ضلال الجن والإنس فى ) كل واد يهيمون ( قال فى كل لغو يخوضون ) وأنهم يقولون ما لا يفعلون ( أكثر قولهم يكذبون ثم استثنى منهم فقال ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا ( قال ردوا على الكفار كانوا يهجون المؤمنين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا ) والشعراء ( قال المشركون منهم الذين كانوا يهجون النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) يتبعهم الغاوون ( قال قال غواة الجن فى كل وادي يهيمون فى كل فن من الكلام يأخذون ثم استثنى فقال ) إلا الذين آمنوا ( الاية يعنى حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك كانوا يذبون عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه بهجاء المشركين وأخرج الفريابى وابن جريروابن أبى حاتم عنه ) الغاوون ( قال هم الرواة وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عنه أيضا ) إلا الذين آمنوا ( الاية قال أبو بكر وعمر وعلى وعبدالله بن رواحة وأخرج أحمد والبخارى فى تاريخه وأبو يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك أنه قال للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قد أنزل فى الشعراء ما أنزل فكيف ترى فيه فقال إن المؤمن يجاهد سيفه ولسانه والذى نفسى بيده لكأن ماترمونهم به نضح النبل وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد عن أبي سعيد قال بينما نحن نسير مع رسول ( صلى الله عليه وسلم ) إذا عرض شاعر ينشد فقال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا وأخرج الديلمى عن ابن مسعود مرفوعا الشعراء الذين يموتون فى الإسلام يأمرهم الله أن يقولوا شعرا يتغنى به الحور العين لأزواجهن فى الجنة والذين ماتوا فى الشرك يدعون بالويل والثبور فى النار وأخرج ابن مردويه عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن من الشعر لحكمة قال وأتاه قريظة بن كعب وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت فقالواإنا نقول الشعر وقد نزلت هذه الاية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اقرءوا فقرءوا ) والشعراء ( إلى قوله ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( فقال أنتم هم ) وذكروا الله كثيرا ( فقال أنتم هم ) وانتصروا من بعد ما ظلموا ( فقال أنتم هم وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لحسان بن ثابت اهج المشركين فإن جبريل معك وأخرج ابن سعد عن البراء بن عازب قال قيل يارسول الله إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك فقام بن رواحة فقال يارسول الله ائذن لى فيه فقال أنت الذى تقول ثبت الله فقال نعم يا رسول قلت ثبت الله ما أعطاك من حسن
تثبيت موسى ونصرا مثل مانصرا
قال وأنت ففعل الله بك مثل ذلك ثم وثب كعب فقال يا رسول الله ائذن لى فيه فقال أنت الذى تقول همت قال نعم يا رسول الله قلت همت سخينة أن تغالب ربها
فلتغلبن مغالب الغلاب
فقال أما إن الله لم ينسى ذلك لك ثم قام حسان فقال يا رسول الله ائذن لى فيه وأخرج لسانا له أسود فقال يا رسول الله لوشئت لفريت به المراد ائذن لى فيه فقال اذهب إلي أبى بكر فليحدثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم واهجهم وجبريل معك وأخرج أحمد وابن سعد عن أبى هريرة قال مر عمر بحسان وهو ينشد فى المسجد فلحظ إليه فنظر إليه فقال قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك فسكت ثم التفت


"""""" صفحة رقم 124 """"""
حسان إلى أبى هريرة فقال أنشدك بالله هل سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول أجب عنى اللهم أيده بروح القدس قال نعم وأخرج ابن سعد من حديث جابر مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبى شيبة عن بريدة قال قال رسول الله النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إن من الشعر حكما وأخرج ابن أبى شيبة عن ابن مسعود عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إن من الشعر حكما ومن البيان سحرا وأخرج مسلم عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأن يمتلئ جوف أحدكم فيحايريه خيرا من أن يمتليء شعرا وفى الصحيح من حديث أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا قال فى الصحاح وروى القبح جوفه يريه وريا إذا أكله قال القرطبى روى إسماعيل ابن عباس عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حسن الشعر كحسن الكلام وقبيح الشعر كقبيح الكلام قال القرطبى رواه إسماعيل عن عبد الله بن عون الشامى وحديثه عن أهل الشام صحيح فيما قال يحيى بن معين وغيره قال وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام وأخرج مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال هل معك من شعر أمية بن أبى الصلت قلت نعم قال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت وأخرج ابن أبى حاتم عن فضالة بن عبيد فى قوله ) وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ( قال هؤلاء الذين يخربون البيت
ع2
تفسير
سورة النمل
هى ثلاث وتسعون آية وقيل أربع وتسعون
حول السورة
قال القرطبى وهى مكية كلها فى قول الجميع وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردوية والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال أنزلت سورة النمل بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله
سورة النمل ( 1 14 )


"""""" صفحة رقم 125 """"""
النمل : ( 1 ) طس تلك آيات . . . . .
قوله طس قد مر الكلام مفصلا فى فواتح السور وهذه الحروف إن كانت اسما للسورة فحملها الرفع على الابتداء وما بعده خبره ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أى هذا اسم هذه السورة وإن لم تكن هذه الحروف إسما للسورة بل مسرودة على نمط التعديد فلا محل لها والإشارة بقوله ) تلك ( إلى نفس السورة لأنها قد ذكرت إجمالا بذكر اسمها واسم الإشارة مبتدأ وخبره ) آيات القرآن ( والجملة خبر المبتدأ الأول على تقدير أنه مرتفع بالابتداء ) وكتاب مبين ( قرأ الجمهور بجر كتاب عطفا علي القرآن أى آيات القرآن وآيات كتاب مبين ويحتمل أن يكون المراد بقوله ) وكتاب ( القرآن نفسه فيكون من عطف بعض الصفات علي بعض مع اتحاد المدلول وأن يكون المراد بالكتاب اللوح المحفوظ أو نفس السورة وقرأ ابن عبلة وكتاب مبين برفعهما عطفا على آيات وقيل هو على هذه القراءة علي تقدير مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أى وآيات كتاب مبين فقد وصف الآيات بالوصفين القرآنية الدالة على كونه مقروءا مع الإشارة إلى كونه قرآنا عربيا معجزا والكتابية الدالة على كونه مكتوبا مع الإشارة إلى كونه متصفا بصفة الكتب المنزلة فلا يكون علي هذا من باب عطف صفة علي صفة مع اتحاد المدلول ثم ضم إلى الوصفين وصفا ثالثا وهى الإبانة لمعانيه لمن يقرؤه أو هو من أبان بمعنى بان معناه واتضح إعجازه بما اشتمل عليه من البلاغة وقدم وصف القرآنية هنا نظرا إلى تقدم حال القرآنية على حال الكتابة وأخره فى سورة الحجر فقال ) الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ( نظرا إلى حالته التى قد صار عليها فإنه مكتوب والكتابة سبب القراءة والله أعلم وأما تعريف القرآن وتنكير الكتاب وتعريف الكتاب فى سورة الحجر وتنكير القرآن فلصلاحية كل واحد منهما للتعريف والتنكير
النمل : ( 2 ) هدى وبشرى للمؤمنين
) هدى وبشرى للمؤمنين ( فى موضع نصب على الحال من الايات أو من الكتاب أى تلك آيات هادية ومبشرة ويجوز أن يكون فى محل على الابتداء أى هو هدى أو هما خبران آخران لتلك أو هما مصدران منصوبان بفعل مقدر أى يهدى هدى ويبشر بشرى
النمل : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
ثم وصف المؤمنين الذين لهم الهدى والبشرى فقال ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ( والموصول فى محل جر أو يكون بدلا أو بيانا أو منصوبا علي المدح أو مرفوعا على تقدير مبتدأ والمراد بالصلاة الصلوات الخمس والمراد بالزكاة الزكاة المفروضة وجملة ) وهم بالآخرة هم يوقنون ( فى محل نصب على الحال وكرر الضمير للدلالة على الحصر أى لايوقن بالاخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون


"""""" صفحة رقم 126 """"""
بين الإيمان والعمل الصالح وجعل الخبر مضارعا للدلالة على التجدد فى كل وقت وعدم الانقطاع
النمل : ( 4 ) إن الذين لا . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه أهل السعادة ذكر بعدهم أهل الشقاوة فقال ) إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ( وهم الكفار أى لايصدقون بالبعث ) زينا لهم أعمالهم ( قيل المراد زين الله لهم أعمالهم السيئة حتى رأوها حسنة وقيل المراد أن الله زين لهم الأعمال الحسنة وذكر لهم مافيها من خيرى الدنيا والآخرة فلم يقبلوا ذلك قال الزجاج معنى الاية انا جعلنا جزاءهم علي كفرهم أن زينا لهم ماهم فيه ) فهم يعمهون ( أى يترددون فيها متحيرين على الاستمرار لايهدتون إلى طريقة ولايقفون علي حقيقة وقيل معنى يعمهون يتمادون وقال قتادة يلعبون وفى معنى التحير قال الشاعر ومهمه أطرافه فى مهمه
أعمى الهدى الحائرين العمه
النمل : ( 5 ) أولئك الذين لهم . . . . .
والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المذكورين قبله وهو مبتدأ خبره ) لهم سوء العذاب ( قيل فى الدنيا كالقتل والأسر ووجه تخصيصه بعذاب الدنيا قوله بعده ) وهم في الآخرة هم الأخسرون ( أى هم أشد الناس خسرانا وأعظمهم خيبة
النمل : ( 6 ) وإنك لتلقى القرآن . . . . .
ثم مهد سبحانه مقدمة نافعة لما سيذكره بعد ذلك من الأخبار العجيبة فقال ) وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ( أى يلقى عليك فتلقاه وتأخذه من لدن كثير الحكمة والعلم قيل إن لدن هاهنا بمعنى عند وفيها لغات كما تقدم فى سورة الكهف
النمل : ( 7 ) إذ قال موسى . . . . .
) إذ قال موسى لأهله ( الظرف منصوب بمضمر وهو اذكر قال الزجاج موضع إذ نصب المعنى اذكر إذ قال موسى أى اذكر قصته إذ قال لأهله والمراد بأهله امرأته فى مسيره من مدين إلى مصر ولم يكن معه إذ ذاك إلا زوجته بنت شعيب فكنى عنها بلفظ الأهل الدال على الكثرة ومثله قوله امكثوا ومعنى ) إني آنست نارا ( أبصرتها ) سآتيكم منها بخبر ( السين تدل علي بعد مسافة النار ) أو آتيكم بشهاب قبس ( قرأ عاصم وحمزة والكسائى بتنوين شهاب وقرأ الباقون بإضافته إلى قبس فعلى القراءة الأولى يكون قبس بدلا من شهاب أو صفة له لأنه بمعنى مقبوس وعلى القراءة الثانية الإضافة للبيان والمعنى على القراءتين آتيكم بشعلة نار مقبوسة أى مأخوذة من أصلها قال الزجاج من نون جعل قبس من صفة شهاب وقال الفراء هذه الإضافة كالإضافة فى قولهم مسجد الجامع وصلاة الأولى أضاف الشىء إلى نفسه لاختلاف أسمائه وقال النحاس هى إضافة النوع إلى الجنس كما تقول ثوب خز وخاتم حديد قال ويجوز فى غير القرآن بشهاب قبسا على أنه مصدر أو بيان أو حال ) لعلكم تصطلون ( أى رجاء أن تستدفئوا بها أو لكي تستدفئوا بها من البرد يقال صلى بالنار واصطلى بها إذا استدفأ بها الزجاج كل أبيض ذى نور فهو شهاب وقال أبو عبيدة الشهاب النار ومنه قول أبي النجم
كأنما كان شهابا واقدا أضاء ضوءا ثم صار خامدا
وقال ثعلب اصل الشهاب عود فى أحد طرفيه جمرة والاخر لا نار فيه والشهاب الشعاع المضئ وقيل للكوكب شهاب ومنه قول الشاعر
فى كفه صعدة مثقفة فيها سنان كشعلة القبس
النمل : ( 8 ) فلما جاءها نودي . . . . .
) فلما جاءها ( أى جاء النار موسى ) نودي أن بورك من في النار ومن حولها ( أن هى المفسرة لما فى النداء من معني القول أو هى المصدرية أى بأن بورك وقيل هى المخففة من الثقيلة قال الزجاج أن فى موضع نصب أى بأن قال ويجوز أن يكون فى موضع رفع اسم مالم يسم فاعله والأولى أن النائب ضمير يعود إلى موسى وقرأ أبي وابن عباس ومجاهد ? أن بوركت النار ومن حولها ? حكى ذلك أبو حاتم وحكى الكسائى عن العرب


"""""" صفحة رقم 127 """"""
باركك الله وبارك فيك وبارك عليك وبارك لك وكذلك حكى هذا الفراء قال ابن جرير قال بورك من فى النار ولم يقل بورك على لغة من يقول باركك الله أى بورك على من فى النار وهو موسى أو على من فى قرب النار لا أنه كان فى وسطها وقال السدى كان فى النار ملائكة والنار هنا هى مجرد نور ولكنه ظن موسى أنها نار فلما وصل إليها وجدها نورا وحكى عن الحسن وسعيد بن جبير أن المراد بمن فى النار هو الله سبحانه أى نوره وقيل بورك ما فى النار من أمر الله سبحانه الذى جعلها علي تلك الصفة قال الواحدى ومذهب المفسرين أن المراد بالنار النور ثم نزه سبحانه نفسه فقال ) وسبحان الله رب العالمين ( وفيه تعجيب لموسى من ذلك
النمل : ( 9 ) يا موسى إنه . . . . .
) يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ( الضمير للشأن أنا الله العزيز الغالب القاهر الحكيم فى أمره وفعله وقيل إن موسى قال يارب من الذى نادانى فأجابه الله سبحانه بقوله إنه أنا الله ثم أمره سبحانه بأن يلقى عصاه ليعرف ما أجراه الله سبحانه علي يده من المعجزة الخارقة
النمل : ( 10 ) وألق عصاك فلما . . . . .
وجملة ) وألق عصاك ( معطوفة على بورك وفى الكلام حذف والتقدير فألقاها من يده فصارت حية ) فلما رآها تهتز كأنها جان ( قال الزجاج صارت العصا تتحرك كما يتحرك الجان وهى الحية البيضاء وإنما شبهها بالجان فى خفة حركتها وشبهها فى موضع آخر بالثعبان لعظمها وجمع الجان جنان وهى الحية الخفيفة الصغيرة الجسم وقال الكلبى لا صغيرة ولا كبيرة ) ولى مدبرا ( من الخوف ) ولم يعقب ( أى لم يرجع يقال عقب فلان إذا رجع وكل راجع معقب وقيل لم يقف ولم يلتفت والأول أولى لأن التعقيب هو الكر بعد الفر فلما وقع منه ذلك قال الله سبحانه ) يا موسى لا تخف ( أى من الحية وضررها ) إني لا يخاف لدي المرسلون ( أى لايخاف عندى من أرسلته برسالتى فلا تخف أنت قيل ونفى الخوف عن المرسلين ليس فى جميع الأوقات بل فى وقت الخطاب لهم لأنهم إذ ذاك مستغرقون
النمل : ( 11 ) إلا من ظلم . . . . .
ثم استثنى استثناء منقطعا فقال ) إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ( أى لكن من أذنب فى ظلم نفسه بالمعصية ثم بدل حسنا أى توبة وندما بعد سوء أى بعد عمل سوء ) فإني غفور رحيم ( وقيل الاستثناء من مقدر محذوف أى لايخاف لدى المرسلون وإنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلا من ظلم ثم بدل الخ كذا قال الفراء قال النحاس الاستثناء من محذوف محال لأنه استثناء من شىء لم يذكر وروى عن الفراء أنه قال إلا بمعنى الواو وقيل إن الاستثناء متصل من المذكور لا من المحذوف والمعنى إلا من ظلم من المرسلين بإتيان الصغائر التى لايسلم منها أحد واختار هذا النحاس وقال علم من عصى منهم فاستثناه فقال إلا من ظلم وإن كنت قد غفرت له كآدم وداود وإخوة يوسف وموسى بقتله القبطى ولا مانع من الخوف بعد المغفرة فإن نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) الذى غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر كان يقول وددت أنى شجرة تعضد
النمل : ( 12 ) وأدخل يدك في . . . . .
) وأدخل يدك في جيبك ( المراد بالجيب هو المعروف وفي القصص ) اسلك يدك في جيبك ( وفي أدخل من المبالغة مالم يكن فى اسلك ) تخرج بيضاء من غير سوء ( أى من غير برص أو نحوه من الآفات فهو احتراس وقوله تخرج جواب أدخل يدك وقيل في الكلام حذف تقديره أدخل يدك تدخل وأخرجها تخرج ولاحاجة لهذا الحذف ولاملجىء إليه قال المفسرون كانت على موسى مدرعة من صوف لا كم لها ولا إزار فأدخل يده فى جيبه وأخرجها فإذا هى تبرق كالبرق وقوله ) في تسع آيات ( قال أبو البقاء هو فى محل نصب على الحال من فاعل تخرج وفيه بعد وقيل متعلق بمحذوف أى اذهب فى تسع آيات وقيل متعلق بقوله ألق عصاك وأدخل يدك فى جملة تسع آيات أو مع تسع آيات وقيل المعنى فهما ايتان من تسع يعنى العصا واليد فتكون الآيات إحدى عشرة هاتان والفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة


"""""" صفحة رقم 128 """"""
والجدب فى بواديهم والنقصان فى مزارعهم قال النحاس أحسن ماقيل فيه أن هذه الاية يعنى اليد داخلة فى تسع آيات وكذا قال المهدوى والقشيرى قال القشيرى تقول خرجت فى عشرة نفر وأنت أحدهم أى خرجت عاشر عشرة ففى بمعنى من لقربها منها كما تقول خذلى عشرا من الإبل فيها فحلان أى منها قال الأصمعى فى قول امرئ القيس وهل ينعمن من كان آخر عهده
ثلاثون شهرا فى ثلاثة أحوال
فى بمعنى من وقيل فى بمعنى مع ) إلى فرعون وقومه ( قال الفراء فى الكلام إضمار أى إنك مبعوث أو مرسل إلي فرعون وقومه وكذا قال الزجاج ) إنهم كانوا قوما فاسقين ( الجملة تعليل لما قبلها
النمل : ( 13 ) فلما جاءتهم آياتنا . . . . .
) فلما جاءتهم آياتنا مبصرة ( أى جاءتهم آياتنا التي علي يد موسى حال كونها مبصرة أى واضحة بينه كأنها لفرط وضوحها تبصر نفسها كقوله ) وآتينا ثمود الناقة مبصرة ( قال الأخفش ويجوز أن تكون بمعنى مبصرة على أن اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول وقد تقدم تحقيق الكلام فى هذا وقرأ علي بن الحسين وقتادة مبصرة بفتح الميم والصاد أى مكانا يكثر فيه التبصر كما يقال الولد مجبنة ومبخلة ) قالوا هذا سحر مبين ( أى لما جاءتهم قالوا هذا القول أى سحر واضح
النمل : ( 14 ) وجحدوا بها واستيقنتها . . . . .
) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ( أى كذبوا بها حال كون أنفسهم مستيقنة لها فالواو للحال وانتصاب ) ظلما وعلوا ( علي الحال أى ظالمين عالين ويجوز أن ينتصبا على العلة أى الحامل لهم على ذلك الظلم والعلو ويجوز أن يكونا نعت مصدر محذوف أى جحدوا بها جحودا ظلما وعلوا قال أبو عبيدة والباء فى وجحدوا بها زائدة أى وجحدوها قال الزجاج التقدير وجحدوا بها ظلما وعلوا أى شركا وتكبرا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى وهم يعلمون أنها من عند الله ) فانظر ( يا محمد ) كيف كان عاقبة المفسدين ( أى تفكر فى ذلك فإن فيه معتبرا للمعتبرين وقد كان عاقبة أمرهم الإغراق لهم فى البحر علي تلك الصفة الهائلة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ( يعنى تبارك وتعالى نفسه كان نور رب العالمين فى الشجرة ) ومن حولها ( يعنى الملائكة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى الآية قال كان الله فى النور نودى من النور ) ومن حولها ( قال الملائكة وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عنه أيضا قال ناداه الله وهو فى النور وأخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضا ) أن بورك من في النار ( قال بوركت النار وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال فى مصحف أبى بن كعب بوركت النار ومن حولها أما النار فيزعمون أنها نور رب العالمين وأخرج ابن أبي حاتم وابن عباس ) أن بورك ( قال قدس وأخرج عبد بن حميد وابن ماجه وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة والبيهقى فى الأسماء والصفات من طريق أبى عبيدة عن أبى موسي الأشعرى قال فينا فينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن الله لاينام ولاينبغى له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور لو رفع لأحرقت سبحات وجهه كل شىء أدركه بصره ثم قرأ أبو عبيدة ) أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ( والحديث أصله مخرج فى صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرة وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال كانت على موسى جبة من صوف لاتبلغ مرفقيه فقال له أدخل يدك فى جيبك فأدخلها وأخرج ابن المنذر عنه فى قوله ) واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ( قال تكبرا وقد اسيتقنتها أنفسهم وهذا من التقديم والتأخير


"""""" صفحة رقم 129 """"""
سورة النمل ( 15 26 )
النمل : ( 15 ) ولقد آتينا داود . . . . .
لما فرغ سبحانه من قصة موسى شرع فى قصة داود وابنه سليمان وهذه القصص وما قبلها وما بعدها هى كالبيان والتقرير لقوله ) وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ( والتنوين فى ) علما ( إما للنوع أى طائفة من العلم أو للتعظيم أى علما كثيرا والواو فى قوله ) وقالا الحمد لله ( للعطف علي محذوف لأن هذا المقام مقام الفاء فالتقدير ولقد آتيناهما علما فعملا به وقالا الحمد لله ويؤيده أن الشكر باللسان إنما يحسن إذا كان مسبوقا بعمل القلب وهو العزم على فعل الطاعة وترك المعصية ) الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ( أى فضلنا بالعلم والنبوة وتسخير الطير والجن والإنس ولم يفضلوا أنفسهم علي الكل تواضعا منهم وفى الاية دليل على شرف العلم وارتفاع محله وأن نعمة العلم من أجل النعم التى ينعم الله بها علي عباده وأن من أوتيه فقد أوتى فضلا علي كثير من العباد ومنح شرفا جليلا
النمل : ( 16 ) وورث سليمان داود . . . . .
) وورث سليمان داود ( أي ورثة العلم والنبوة قال قتادة والكلبى كان لداود تسعة عشر ولدا ذكرا فورث سليمان من بينهم نبوته ولو كان المراد وراثة المال لم يخص سليمان بالذكر لأن جميع أولاده فى ذلك سواء وكذا قال جمهور المفسرين فهذه الوراثة هى وراثة مجازية كما فى قوله ( صلى الله عليه وسلم ) العلماء ورثة الأنبياء ) وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير ( قال سليمان هذه المقالة مخاطبا


"""""" صفحة رقم 130 """"""
للناس تحدثا بما أنعم الله به عليه وشكر النعمة التي خصه بها وقدم منطق الطير لأنها نعمة خاصة به لايشاركه فيها غيره قال الفراء منطق الطير كلام الطير فجعل كمنطق الرجل وأنشد قول حميد بن ثور عجيب لها أن يكون غناؤها
فصيحا ولم يغفر بمنطقها فما
ومعنى الآية فهمنا ما يقول الطير قال جماعة من المفسرين إنه علم منطق جميع الحيوانات وإنما ذكر الطير لأنه كان جندا من جنده يسير معه لتظليله من الشمس وقال قتادة والشعبى إنما علم منطق الطير خاصة ولا يعترض ذلك بالنملة فإنها من جملة الطير وكثيرا ما تخرج لها أجنحة فتطير وكذلك كانت هذه النملة التى سمع كلامها وفهمه ومعنى ) وأوتينا من كل شيء ( كل شىء تدعو إليه الحاجة كالعلم والنبوة والحكمة والمال وتسخير الجن والإنس والطير والرياح والوحش والدواب وكل مابين السماء والأرض وجاء سليمان بنون العظمة والمراد نفسه بيانا لحاله من كونه مطاعا لايخالف لاتكبرا وتعظيما لنفسه والإشارة بقوله ) إن هذا ( إلى ماتقدم ذكره من التعليم والإيتاء ) لهو الفضل المبين ( أى الظاهر الواضح الذى لايخفى على أحد أو المظهر لفضيلتنا
النمل : ( 17 ) وحشر لسليمان جنوده . . . . .
) وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير ( الحشر الجمع أى جمع له حنوده من هذه الأجناس وقد أطال المفسرون فى ذكر مقدار جنده وبالغ كثير منهم مبالغة تستبعدها العقول ولاتصح من جهة النقل ولو صحت لكان في القدرة الربانية ماهو أعظم من ذلك وأكثر ) فهم يوزعون ( أى لكل طائفة منهم وزعة ترد أولهم على آخرهم فيقفون على مراتبهم يقال وزعه يزعه وزعا كفه والوازع فى الحرب الموكل بالصفوف يزع من تقدم منهم أى يرده ومنه قول النابغة على حين عاتبت المشيب على الصبا
وقلت ألما أصح والشيب وازع
وقل آخر ومن لم يزعه لبه وحياؤه
فليس له من شيب فوديه وازع
وقول آخر ولايزع النفس اللجوج عن الهوى
من الناس إلا وافر العقل كامله
وقيل من التوزيع بمعنى التفريق يقال القوم أوزاع أى طوائف
النمل : ( 18 ) حتى إذا أتوا . . . . .
) حتى إذا أتوا على وادي النمل ( حتى هى التى يبتدأ بعدها الكلام ويكون غاية لما قبلها والمعنى فهم يوزعون إلى حصول هذه الغاية وهو إتيانهم على واد النمل أى فهم يسيرون ممنوعا بعضهم من مفارقة بعض حتى إذا أتوا الخ وعلى واد النمل متعلق بأتوا وعدى بعلى لأنهم كانوا محمولين على الريح فهم مستعلون والمعنى أنهم قطعوا الوادى وبلغوا اخره ووقف القراء جميعهم على واد بدون ياء اتباعا للرسم حيث لم تحذف لالتقاء الساكنين كقوله ) الذين جابوا الصخر بالواد ( إلا الكسائى فإنه وقف بالياء قال لأن الموجب للحذف إنما هو التقاء الساكنين بالوصل قال كعب واد النمل بالطائف وقال قتادة ومقاتل هو بالشام ) قالت نملة ( هذا جواب إذا كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادى فرت ونبهت سائر النمل منادية لها قائلة ) يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ( جعل خطاب النمل كخطاب العقلاء لفهمها لذلك الخطاب والمساكن هى الأمكنة التى يسكن النمل فيها
قيل وهذه النملة التي سمعها معها سليمان هى أنثى بدليل تأينث الفعل المسند إليها ورد هذا أبو حيان فقال لحاق التاء فى قالت لايدل على أن النملة مؤنثة بل يصح أن يقال فى المذكر قالت لأن نملة وإن كانت بالتاء فهى مما لايتميز فيه المذكر من المؤنث بتذكير الفعل ولابتأنيثه بل يتميز بالإخبار عنه بأنه ذكر أو أنثى ولايتعلق بمثل هذا كثير فائدة ولا بالتعرض لاسم النملة ولما ذكر من القصص الموضوعة والأحاديث المكذوبة وقرأ الحسن وطلحة ومعمر بن سليمان نملة والنمل بضم الميم وفتح النون بزنة رجل وسمرة وقرأ سليمان التيمى بضمتين فيهما


"""""" صفحة رقم 131 """"""
) لا يحطمنكم سليمان وجنوده ( الحطم الكسر يقال حطمته حطما أى كسرته كسرا وتحطم تكسر وهذا النهى هو فى الظاهر للنمل وفى الحقيقة لسليمان فهو من باب لا أرينك هاهنا ويجوز أن يكون بدلا من الأمر ويحتمل أن يكون جوابا للأمر قال أبو حيان أما تخريجه على جواب الأمر فلا يكون إلا على قراءة الأعمش فإنه قرأ لايحطمكم بالجزم بدون نون التوكيد وأما مع وجود نون التوكيد فلا يجوز ذلك إلا فى الشعر قال سيبويه وهو قليل فى الشعر شبهوه بالنهى حيث كان مجزوما وقرأ أبى ادخلوا مساكنكن وقرأ شهر بن حوشب مسكنكم وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وعيسى الهمذانى لايحطمنكم بضم الياء وفتح الحاء وتشديد الطاء وقرأ ابن أبى إسحاق ويعقوب وأبو عمرو فى رواية بسكون نون التوكيد وجملة ) وهم لا يشعرون ( فى محل نصب علي الحال من فاعل يحطمنكم أى لايشعرون بحطمكم ولايعلمون بمكانكم وقيل إن المعنى والنمل لايشعرون أن سليمان يفهم مقالتها وهو بعيد
النمل : ( 19 ) فتبسم ضاحكا من . . . . .
) فتبسم ضاحكا من قولها ( قرأ ابن السميفع ضحكا وعلى قراءة الجمهور يكون ضاحكا حالا مؤكدة لأنه قد فهم الضحك من التبسم وقيل هي حال مقدرة لأن التبسم أول الضحك وقيل لما كان التبسم قد يكون للغضب كان الضحك مبينا له وقيل إن ضحك الأنبياء هو التبسم لاغير وعلى قراءة ابن السميفع يكون ضحكا مصدرا منصوبا بفعل محذوف أو فى موضع الحال وكان ضحك سليمان تعجبا من قولها وفهمها واهتدائها إلى تحذير النمل ) وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ( قد تقدم بيان معنى أوزعنى قريبا فى قوله فهم يوزعون قال فى الكشاف وحقيقة أوزعنى اجعلنى أزع شكر نعمك عندى وأكفه وأرتبطه لاينفلت عنى حتى لا أنفك شاكرا لك انتهى قال الواحدى أوزعنى أى ألهمنى أن اشكر نعمتك على يقال موزع بكذا أى مولع به انتهى قال القرطبى وأصله من وزع فكأنه قال كفني عما يسخطك انتهى والمفعول الثانى لأوزعنى هو أن أشكر نعمتك التي أنعمت على وقال الزجاج إن معنى أوزعنى امنعنى أن أكفر نعمتك وهو تفسير باللازم ومعنى وعلى والدي الدعاء منه بأن يوزعه الله شكر نعمته على والديه كما أوزعه شكر نعمته عليه فإن الإنعام عليهما إنعام عليه وذلك يستوجب الشكر منه لله سبحانه ثم طلب أن يضيف الله له لواحق نعمه إلى سوابقها ولا سيما النعم الدينية فقال ) وأن أعمل صالحا ترضاه ( أي عملا صالحا ترضاه منى ثم دعا أن يجعله الله سبحانه في الآخرة داخلا في زمرة الصالحين فإن ذلك هو الغاية التي يتعلق الطلب بها فقال ) وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ( والمعنى أدخلني في جملتهم وأثبت اسمى في أسمائهم واحشرني في زمرتهم إلى دار الصالحين وهي الجنة اللهم وإني أدعوك بما دعاك به هذا النبي الكريم فتقبل ذلك مني وتفضل على به فإني وإن كنت مقصرا في العمل ففضلك هو سبب الفوز بالخير فهذه الآية منادية بأعلى صوت وأوضح بيان بأن دخول الجنة التي هي دار المؤمنين بالتفضل منك لا بالعمل منهم كما قال رسولك الصادق المصدوق فيما ثبت عنه في الصحيح سددوا وقاربوا واعلموا أن لن يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته فإذا لم يكن إلا تفضلك الواسع فترك طلبه منك عجز والتفريط في التوسل إليك بالإيصال إليه تضييع
النمل : ( 20 ) وتفقد الطير فقال . . . . .
ثم شرع سبحانه في ذكر قصة بلقيس وما جرى بينها وبين سليمان وذلك بدلالة الهدهد فقال ) وتفقد الطير ( التفقد تطلب ما غاب عنك وتعرف أحواله والطير اسم جنس لكل ما يطير والمعنى أنه تطلب ما فقد من الطير وتعرف حال ما غاب منها وكانت الطير تصحبه في سفره وتظله بأجنحتها ) فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ( أي


"""""" صفحة رقم 132 """"""
ما للهدهد لا أراه فهذا الكلام من الكلام المقلوب الذي تستعمله العرب كثيرا وقيل لا حاجة إلى ادعاء القلب بل هو استفهام عن المانع له من رؤية الهدهد كأن قال مالى لا أراه هل ذلك لساتر يستره عني أو لشيء آخر ثم ظهر له أنه غائب فقال أم كان من الغائبين وأم هي المنقطعة التي بمعنى الإضراب قرأ ابن كثير وابن محيصن وهشام وأيوب مالى بفتح الياء وكذلك قرءوا في يس ومالى لاأعبد الذي فطرني بفتح الياء وقرأ بإسكانها في الموضعين حمزة والكسائي ويعقوب وقرأ الباقون بفتح التي في يس وإسكان التي هنا قال أبو عمرو لأن هذه التي هنا استفهام والتي في يس نفى واختار أبو حاتم وأبو عبيد الإسكان
النمل : ( 21 ) لأعذبنه عذابا شديدا . . . . .
) لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه (
اختلفوا في هذا العذاب الشديد ما هو فقال مجاهد وابن جريج هو أن ينتف ريشه جميعا وقال يزيد بن رومان هو أن ينتف ريش جناحيه وقيل هو أن يحبسه مع أضداده وقيل أن يمنعه من خدمته وفي هذا دليل على أن العقوبة على قدر الذنب لا على قدر الجسد وقوله عذابا اسم مصدر أو مصدر على حذف الزوائد كقوله ) أنبتكم من الأرض نباتا ( ) أو ليأتيني بسلطان مبين ( قرأ ابن كثير وحده بنون التأكيد المشددة بعدها نون الوقاية وقرأ الباقون بنون مشددة فقط وهي نون التوكيد وقرأ عيسى ابن عمر بنون مشددة مفتوحة غير موصولة بالياء والسلطان المبين هو الحجة البينة في غيبته
النمل : ( 22 ) فمكث غير بعيد . . . . .
) فمكث غير بعيد ( أى الهدهد مكث زمانا غير بعيد قرأ الجمهور مكث بضم الكاف وقرأ عاصم وحده بفتحها ومعناه في القراءتين أقام زمانا غير بعيد قال سيبويه مكث يمكث مكوثا كقعد يقعد قعودا وقيل إن الضمير في مكث لسليمان والمعنى بقى سليمان بعد التفقد والتوعد زمانا غير طويل والأول أولى ) فقال أحطت بما لم تحط به ( أي علمت مالم تعلمه من الأمر والإحاطة العلم بالشيء من جميع جهاته ولعل في الكلام حذفا والتقدير فمكث الهدهد غير بعيد فجاء فعوتب على مغيبه فقال معتذرا عن ذلك ) أحطت بما لم تحط به ( قال الفراء ويجوز إدغام التاء في الطاء فيقال أحط وإدغام الطاء في التاء فيقال أحت ) وجئتك من سبإ بنبإ يقين ( قرأ الجمهور من سبأ بالصرف على أنه اسم رجل نسب إليه قوم ومنه قول الشاعر الواردون وتيم في ذرى سبأ
قد غض أعناقهم جلد الجواميس
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الهمزة وترك الصرف على أنه اسم مدينة وأنكر الزجاج أن يكون اسم الرجل وقال سبأ اسم مدينة تعرف بمأرب اليمن بينهما وبين صنعاء ثلاثة أيام وقيل هو اسم امرأة سميت بها المدينة قال القرطبي والصحيح أنه اسم رجل كما في كتاب الترمذي من حديث فروة بن مسيك المرادي قال ابن عطية وخفى هذا على الزجاج فخبط خبط عشواء وزعم الفراء أن الرؤاسى سأل أبا عمرو بن العلاء عن سبأ فقال ما أدرى ما هو قال النحاس وأبو عمرو أجل من أن يقول هذا قال والقول في سبأ ما جاء التوقيف فيه أنه في الأصل اسم رجل فإن صرفته فلأنه قد صار اسما للحي وإن لم تصرفه جعلته اسما للقبيلة مثل ثمود إلا أن الاختيار عند سيبويه الصرف انتهى
وأقول لا شك أن سبأ اسم لمدينة باليمن كانت فيها بلقيس وهو أيضا اسم رجل من قحطان وهو سبأ بن


"""""" صفحة رقم 133 """"""
يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود ولكن المراد هنا أن الهدهد جاء إلى سليمان بخبر ما عاينه في مدينة سبأ مما وصفه وسيأتي في آخر هذا البحث من المأثور ما يوضح هذا ويؤيده ومعنى الآية أن الهدهد جاء سليمان من هذه المدينة بخبر يقين والنبأ هو الخبر الخطير الشأن فلما قال الهدهد لسليمان ما قال قال له سليمان وما ذاك
النمل : ( 23 ) إني وجدت امرأة . . . . .
فقال ) إني وجدت امرأة تملكهم ( وهي بلقيس بنت شرحبيل وجدها الهدهد تملك أهل سبأ والجملة هذه كالبيان والتفسير للجملة التي قبلها أى ذلك النبأ اليقين هو كون هذه المرأة تملك هؤلاء ) وأوتيت من كل شيء ولها ( مبالغة والمراد أنها أوتيت من كل شيء من الأشياء التي تحتاجها وقيل المعنى أوتيت من كل شيء في زمانها شيئا فحذف شيئا لأن الكلام قد دل عليه ) ولها عرش عظيم ( أي سرير عظيم ووصفه بالعظم لأنه كما قيل كان من ذهب طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا وارتفاعه في السماء ثلاثون ذراعا مكلل بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وقيل المراد بالعرش هنا الملك والأول أولى لقوله ) أيكم يأتيني بعرشها ( قال ابن عطية واللازم من الآية أنها امرأة ملكة على مدائن اليمن ذات ملك عظيم وسرير عظيم وكانت كافرة من قوم كفارا
النمل : ( 24 ) وجدتها وقومها يسجدون . . . . .
) وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله ( أي يعبدونها متجاوزين عبادة الله سبحانه قيل كانوا مجوسا وقيل زنادقة ) وزين لهم الشيطان أعمالهم ( التي يعملونها وهي عبادة الشمس وسائر أعمال الكفر ) فصدهم عن السبيل ( أي صدهم الشيطان بسبب ذلك التزيين عن الطريق الواضح وهو الإيمان بالله وتوحيده ) فهم لا يهتدون ( إلى ذلك
النمل : ( 25 ) ألا يسجدوا لله . . . . .
) ألا يسجدوا ( قرأ الجمهور بتشديد ألا قال ابن الأنباري الوقف على فهم لا يهتدون غير تام عند من شدد ألا لأن المعنى وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا قال النحاس هي أن دخلت عليها لا وهي في موضع نصب قال الأخفش أي زين لهم أن لا يسجدوا لله بمعنى لئلا يسجدوا لله وقال الكسائي هي في موضع نصب بصدهم أي فصدهم ألا يسجدوا بمعنى لئلا يسجدوا فهو على الوجهين مفعول له وقال اليزيدي إنه بدل من أعمالهم في موضع نصب وقال أبو عمرو في موضع خفض على البدل من السبيل وقيل العامل فيها لايهتدون أى فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله وتكون لا على هذا زائدة كقوله ) ما منعك ألا تسجد ( وعلى قراءة الجمهور ليس هذه الآية موضع سجدة لأن ذلك إخبار عنهم بترك السجود إما بالتزيين أو بالصد أو بمنع الاهتداء وقد رجح كونه علة للصد الزجاج ورجح الفراء كونه علة لزين قال زين لهم أعمالهم لئلا يسجدوا ثم حذفت اللام وقرأ الزهرى والكسائى بتخفيف ألا قال الكسائى ما كنت أسمع الأشياخ يقرءونها إلا بالتخفيف على نية الأمر فتكون ألا على هذه القراءة حرف تنبيه واستفتاح وما بعدها حرف نداء واسجدوا فعل أمر وكان حق الخط على هذه القراءة أن يكون هكذا ألا يا اسجدوا ولكن الصحابة رضى الله عنهم أسقطوا الألف من يا وهمزة الوصل من اسجدوا خطأ ووصلوا الياء بسين اسجدوا فصارت صورة الخط ألا يسجدوا والمنادى محذوف وتقديره ألا يا هؤلاء اسجدوا وقد حذفت العرب المنادى كثيرا في كلامها ومنه قول الشاعر ألا يا اسلمى يا دار مي على البلى
ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وقل الآخر ألا يا اسلمى ثم اسلمى ثمت اسلمى
ثلاث تحيات وإن لم تكلم
وقول الآخر أيضا ألا يا اسلمى يا هند هند بنى بكر
وهو كثير في أشعارهم قال الزجاج وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون قراءة التشديد واختار أبو حاتم وأبو عبيد قراءة التشديد قال الزجاج ولقراءة التخفيف وجه حسن إلا أن فيها انقطاع الخبر عن أمر سبأ ثم الرجوع بعد ذلك إلى ذكرهم


"""""" صفحة رقم 134 """"""
والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع في وسطه وكذا قال النحاس وعلى هذه القراءة تكون جملة ألا يسجدوا معترضة من كلام الهدهد أو من كلام سليمان أو من كلام الله سبحانه وفي قراءة عبد الله بن مسعود هل لا تسجدوا بالفوقية وفي قراءة أبي ألا تسجدوا بالفوقية أيضا الذي يخرج الخبء في السموات والأرض أي يظهر ما هو مخبوء ومخفي فيهما يقال خبأت الشيء أخبؤه خبأ والخبء ما خبأته قال الزجاج جاء في التفسير أن الخبء ها هنا بمعنى القطر من السماء والنبات من الأرض وقيل خبء الأرض كنوزها ونباتها وقال قتادة الخبء السر قال النحاس أي ما غاب في السموات والأرض وقرأ أبي وعيسى بن عمر الخب بفتح الباء من غير همز تخفيفا وقرأ عبدالله وعكرمة ومالك بن دينار الخبا بالألف قال أبو حاتم وهذا لا يجوز في العربية ورد عليه بأن سيبويه حكى عن العرب أن الألف تبدل من الهمزة إذا كان قبلها ساكن وفي قراءة عبد الله ) يخرج الخبء في السماوات والأرض ( قال الفراء ومن وفي يتعاقبان والموصول يجوز أن يكون في محل جر نعتا لله سبحانه أو بدلا منه أو بيانا له ويجوز أن يكون في محل نصب على المدح ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وجملة ) ويعلم ما تخفون وما تعلنون ( معطوفة على يخرج قرأ الجمهور بالتحتية في الفعلين وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وحفص والكسائي بالفوقية للخطاب أما القراءة الأولى فلكون الضمائر المتقدمة ضمائر غيبة وأما القراءة الثانية فلكون قراءة الزهرى والكسائى فيها الأمر بالسجود والخطاب لهم بذلك فهذا عندهم من تمام ذلك الخطاب والمعنى أن الله سبحانه يخرج ما في هذا العالم الإنساني من الخفاء بعلمه له كما يخرج ما خفى في السموات والأرض
النمل : ( 26 ) الله لا إله . . . . .
ثم بعد ما وصف الرب سبحانه بما تقدم مما يدل على عظيم قدرته وجليل سلطانه ووجوب توحيده وتخصيصه بالعبادة قال ) الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ( قرأ الجمهور العظيم بالجر نعتا للعرش وقرأ ابن محيصن بالرفع نعتا للرب وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات كما ثبت ذلك في المرفوع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل قال الله عز وجل ) ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ( وأى نعمة أفضل مما أعطى داود وسليمان
أقول ليس في الآية ما يدل على ما فهمه رحمه الله والذي تدل عليه أنهما حمدا الله سبحانه على ما فضلهما به من النعم فمن أين تدل على أن حمده أفضل من نعمته وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة في قوله ) وورث سليمان داود ( قال ورثه نبوته وملكه وعلمه وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد في الزهد وابن أبى حاتم عن أبى الصديق الناجي قال خرج سليمان بن داود يستسقى بالناس فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا فقال سليمان للناس ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم وأخرج الحاكم في المستدرك عن جعفر بن محمد قال أعطى سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها فملك سليمان سبعمائة سنة وستة أشهر ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والدواب والطير والسباع وأعطى كل شيء ومنطق كل شيء وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة حتى إذا أراد الله أن يقبضه إليه أوحى إليه أن يستودع علم الله وحكمته أخاه وولد داود كانوا أربعمائة وثمانين رجلا أنبياء بلا رسالة قال الذهبى هذا باطل وقد رويت قصص في عظم ملك سليمان لا تطيب النفس بذكر شيء منها فالإمساك عن ذكرها أولى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله


"""""" صفحة رقم 135 """"""
) فهم يوزعون ( قال يدفعون وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) فهم يوزعون ( قال جعل لكل صنف وزعة ترد أولاها على أخراها لئلا تتقدمه في السير كما تصنع الملوك وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة في قوله أوزعنى قال أهلمنى وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس أنه سئل كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير قال إن سليمان نزل منزلا فلم يدر ما بعد الماء وكان الهدهد يدل سليمان على الماء فأراد أن يسأله عنه ففقده قيل كيف ذاك والهدهد ينصب له الفخ يلقى عليه التراب ويضع له الصبى الحبالة فيغيبها فيصيده فقال إذا جاء القضاء ذهب البصر وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) لأعذبنه عذابا شديدا ( قال أنتف ريشه كله وروى نحو هذا عن جماع من التابعين وروى ابن أبى حاتم عن الحسن قال كان اسم هدهد سليمان غبر
وأقول من أين جاء علم هذا للحسن رحمه الله وهكذا ما رواه عنه ابن عساكر أن اسم النملة حرس وأنها من قبيلة يقال لها بنو الشيصان وأنها كانت عرجاء وكانت بقدر الذئب وهو رحمه الله أورع الناس عن نقل الكذب ونحن نعلم أنه لم يصح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك شيء ونعلم أنه ليس للحسن إسناد متصل بسليمان أو بأحد من أصحابه فهذا العلم مأخوذ من أهل الكتاب وقد أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم فإن ترحض مترخص بالرواية عنهم لمثل ماروى حدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج فليس ذلك فيما يتعلق بتفسير كتاب الله سبحانه بلا شك بل فيما يذكر عنهم من القصص الواقعة لهم وقد كررنا التنبيه على مثل هذا عند عروض ذكر التفاسير الغريبة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله ) أو ليأتيني بسلطان مبين ( قال خبر الحق الصدق البين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال قال ابن عباس كل سلطان في القرآن حجة وذكر هذه الآية ثم قال وأي سلطان كان للهدهد يعنى أن المراد بالسلطان الحجة لا السلطان الذي هو الملك وأخرج ابن أبى حاتم عنه في قوله ) أحطت بما لم تحط به ( قال اطلعت على ما لم تطلع عليه وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا ) وجئتك من سبإ ( قال سبأ بأرض اليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال ) بنبإ يقين ( قال بخبر حق وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر عنه أيضا ) إني وجدت امرأة تملكهم ( قال كان اسمها بلقيس بنت ذى شيرة وكانت صلباء شعراء وروى عن الحسن وقتادة وزهير بن محمد أنها بلقيس بنت شراحيل وعن ابن جريج بنت ذى شرح وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وابن عساكر عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم إحدى أبوى بلقيس كان جنيا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ولها عرش عظيم ( قال سرير كريم من ذهب وقوائمه من جوهر ولؤلؤ حسن الصنعة غالى الثمن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه في قوله ) يخرج الخبء ( قال يعلم كل خبيئة في السماء والأرض
سورة النمل الآية ( 27 31 )


"""""" صفحة رقم 136 """"""
سورة النمل ( 32 40 )
النمل : ( 27 ) قال سننظر أصدقت . . . . .
جملة ) قال سننظر ( مستأنفة جواب سؤال مقدر أى قال سليمان للهدهد سننظر فيما أخبرتنا به من هذه القصة ) أصدقت ( فيما قلت ) أم كنت من الكاذبين ( هذه الجملة الاستفهامية في محل نصب على أنها مفعول سننظر وأم هي المتصلة وقوله ) أم كنت من الكاذبين ( أبلغ من قوله أم كذبت لأن المعنى من الذين اتصفوا بالكذب وصار خلقا لهم والنظر هو التأمل والتصفح وفيه إرشاد إلى البحث عن الأخبار والكشف عن الحقائق وعدم قبول خبر المخبرين تقليدا لهم واعتماد عليهم إذا تمكن من ذلك بوجه من الوجوه
النمل : ( 28 ) اذهب بكتابي هذا . . . . .
ثم بين سليمان هذا النظر الذي وعد به فقال ) اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ( أى إلى أهل سبأ قال الزجاج في ألقه خمسة أوجه إثبات الياء في اللفظ وحذفها وإثبات الكسرة للدلالة عليها وبضم الهاء وإثبات الواو وبحذف الواو وإثبات الضمة للدلالة عليها وبإسكان الهاء وقرأ بهذه اللغة الخامسة أبو عمرو وحمزة وأبو بكر وقرأ قالون بكسر الهاء فقط من غير ياء وروى عن هشام وجهان إثبات الياء لفظا وحذفها مع كسر الهاء وقرأ الباقون بإثبات الياء في اللفظ وقوله ) بكتابي هذا ( يحتمل أن يكون اسم الاشارة صفة للكتاب وأن يكون بدلا منه وأن يكون بيانا له وخص الهدهد بإرساله بالكتاب لأنه المخبر بالقصة ولكونه رأى منه من مخايل الفهم والعلم ما يقتضي كونه أهلا للرسالة ) ثم تول عنهم ( أى تنح عنهم أمره بذلك لكون التنحى بعد دفع الكتاب من أحسن الآداب التي يتأدب بها رسل الملوك والمراد التنحى إلى مكان يسمع فيه حديثهم حتى يخبر سليمان بما سمع وقيل معنى التولى الرجوع إليه والأول أولى لقوله ) فانظر ماذا يرجعون ( أي تأمل وتفكر فيما يرجع بعضهم إلى بعض من القول وما يتراجعونه بينهم من الكلام
النمل : ( 29 ) قالت يا أيها . . . . .
) قالت ( أي بلقيس ) يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ( في الكلام حذف


"""""" صفحة رقم 137 """"""
وتفسير فذهب الهدهد فألقاه إليهم فسمعها تقول يا أيها الملأ الخ ووصفت الكتاب بالكريم لكن عند عظيم في نفسها فعظمته إجلالا لسليمان وقيل وصفته بذلك لاشتماله على كلام حسن وقيل وصفته لكونه وصل إليها مختوما بخاتم سليمان وكرامة الكتاب ختمه كما روى ذلك مرفوعا
النمل : ( 30 ) إنه من سليمان . . . . .
ثم بينت ما تضمنه الكتاب فقالت ) إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ( أي وإن ما اشتمل عليه من الكلام وتضمنه من مفتتح بالتسمية وبعد التسمية
النمل : ( 31 ) ألا تعلوا علي . . . . .
) وأن لا تعلوا على ( أى لا تتكبروا كما يفعله جبابرة الملوك وأن هي المفسرة مصدرية ولا ناهية وقيل نافية ومحل الجملة الرفع على أنها بدل من كتاب أو خبر مبتدأ محذوف أي لا تعلوا قرأ الجمهور ) إنه من سليمان وإنه ( بكسرهما على الاستئناف وقرأ عكرمة وابن أبى عبلة بفتحهم إسقاط حرف الجر وقرأ أبى إن من سليمان وإن بسم الله بحذف الضميرين وإسكان النونين على أنهما مفسرة وقرأ عبد الله بن مسعود وإنه من سليمان بزيادة الواو وروى ذلك أيضا عن أبى وقرأ أشهب العقيلى السميفع أن لا تغلوا بالغين المعجمة من الغلو وهو تجاوز الحد في الكبر وأتوني مسلمين أى منقادين لي مؤمنين بما جئت به
النمل : ( 32 ) قالت يا أيها . . . . .
) قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ( الملأ أشراف القوم والمعنى يا أيها الأشراف أشيروا وبينوا لي الصواب في هذا الأمر وأجيبوني بما يقتضيه الحزم وعبرت عن المشورة بالفتوى لكون في ذلك لما أشكل من الأمر عليها وفي الكلام حذف والتقدير فلما قرأت بلقيس الكتاب جمعت أشراف قومها وقالت لهم يا أيها الملأ إنى ألقى إلى يا أيها الملأ افتونى وكرر قالت لمزيد العناية بما قالته لهم ثم زادت في التأمل واستجلاب خواطرهم ليمحضوها النصح ويشيروا عليها بالصواب فقالت ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون وما كنت مبرمة أمرا من الأمور حتى تحضروا عندى وتشيروا على
النمل : ( 33 ) قالوا نحن أولوا . . . . .
فقالوا مجيبين لها ) نحن أولوا قوة ( في العتاد والعدة ) وأولو بأس شديد ( عند الحرب واللقاء لنا من الشجاعة والنجدة ما نمنع به أنفسنا وبلدنا ومملكتنا فوضوا الأمر إليها لعلمهم بصحة رأيها وقوة عقلها فقالوا ) والأمر إليك ( أي موكول إلى رأيك ونظرك ) فانظري ماذا تأمرين ( أى تأملي ماذا تأمرينا به فنحن سامعون لأمرك مطيعون له
النمل : ( 34 ) قالت إن الملوك . . . . .
فلما سمعت تفويضهم الأمر إليها ) قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ( أى إذا دخلوا قرية من القرى خربوا مبانيها وغيروا مغانيها وأتلفوا أموالها وفرقوا شمل أهلها ) وجعلوا أعزة أهلها أذلة ( أي أهانوا أشرافها وحطوا مراتبهم فصاروا عند ذلك أذلاء وإنما يفعلون ذلك لأجل أن يتم لهم الملك وتستحكم لهم الوطأة وتتقرر لهم في قلوبهم المهابة قال الزجاج أى إذ دخلوها عنوة عن قتال وغلبة والمقصود من قولها هذا تحذير قومها من مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم وقد صدقها الله سبحانه فيما قالت فقال سبحانه ) وكذلك يفعلون ( أي مثل ذلك الفعل يفعلون قال ابن الأنبارى الوقف على قوله ) وجعلوا أعزة أهلها أذلة ( وقف تام فقال الله عز وجل تحقيقا لقولها ) وكذلك يفعلون ( وقيل هذه الجملة من تمام كلامها فتكون من جملة مقول قولها وعلى القول الأول تكون هذه الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب
النمل : ( 35 ) وإني مرسلة إليهم . . . . .
ثم لما قدمت لهم هذه المقدمة وبينت لهم ما في دخول الملوك إلى أرضهم من المفسدة أوضحت لهم وجه الرأى عندها وصرحت لهم بصوابه فقالت ) وإني مرسلة إليهم بهدية ( أى إنى أجرب هذا الرجل بإرسال رسلى إليه بهدية مشتملة على نفائس الأموال فإن كان ملكا أرضيناه بذلك وكفينا أمره وإن كان نبيا لم يرضه ذلك لأن غاية مطلبه ومنتهى أربه هو الدعاء إلى الدين فلا ينجينا منه إلا إجابته ومتابعته والتدين بدينه وسلوك طريقته ولهذا قالت ) فناظرة بم يرجع المرسلون ( الفاء للعطف على مرسلة وبم متعلق بيرجع والمعنى إنى ناظرة فيما يرجع به رسلى المرسلون بالهدية من قبول أو رد فعاملة بما يقتضيه ذلك وقد طول المفسرون في ذكر


"""""" صفحة رقم 138 """"""
هذه الهدية وسيأتي في آخر البحث بيان ما هو أقرب ما قيل إلى الصواب والصحة
النمل : ( 36 ) فلما جاء سليمان . . . . .
) فلما جاء سليمان ( أى فلما جاء رسولها المرسل بالهدية سليمان والمراد بهذا المضمر الجنس فلا ينافى كونهم جماعة كما يدل عليه قولها ) بم يرجع المرسلون ( وقرأ عبد الله ? فلما جاءوا سليمان ? أي الرسل وجملة ) قال أتمدونن بمال ( مستأنفة جواب سؤال مقدر والاستفهام للإستنكار أى قال منكرا لإمدادهم له بالمال مع علو سلطانه وكثرة ماله وقرأ حمزة بإدغام نون الإعراب في نون الوقاية والباقون بنونين من غير إدغام وأما الياء فإن نافعا وأبا عمرو وحمزة يثبتونها وصلا ويحذفونها وقفا وابن كثير يثبتها في الحالين والباقون يحذفونها في الحالين وروى عن نافع أن يقرأ بنون واحدة ) فما آتاني الله خير مما آتاكم ( أى ما آتانى من النبوة والملك العظيم والأموال الكثيرة خير مما آتاكم من المال الذي هذه الهدية من جملته قرأ أبو عمرو ونافع وحفص آتاني الله بياء مفتوحة وقرأ يعقوب بإثباتها في الوقف وحذفها في الوصل وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل والوقف ثم إنه أضرب عن الإنكار المتقدم فقال ) بل أنتم بهديتكم تفرحون ( توبيخا لهم بفرحهم بهذه الهدية فرح فخر وخيلاء وأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي لأن الله سبحانه قد أعطاني منها ما لم يعطه أحدا من العالمين ومع ذلك أكرمنى بالنبوة والمراد بهذا الإضراب من سليمان بيان السبب الحامل لهم على الهدية مع الإزراء بهم والحط عليهم
النمل : ( 37 ) ارجع إليهم فلنأتينهم . . . . .
) ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ( أى قال سليمان للرسول ارجع إليهم أى إلى بلقيس وقومها وخاطب المفرد هاهنا بعد خطابه للجماعة فيما قبل إما لأن الذي سيرجع هو الرسول فقط أو خص أمير الرسل بالخطاب هنا وخاطبهم معه فيما سبق افتنانا في الكلام وقرأ عبدالله بن عباس ارجعوا وقيل إن الضمير يرجع إلى الهدهد واللام في لنأتينهم جواب قسم محذوف قال النحاس وسمعت ابن كيسان يقول هي لام توكيد ولام أمر ولام خفض وهذا قول الحذاق من النحويين لأنهم يردون الشيء إلى أصله وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية ومعنى لا قبل لهم لا طاقة لهم بها والجملة فى محل جر صفة لجنود ) ولنخرجنهم ( معطوف على جواب القسم أى لنخرجنهم من أرضهم التى هم فيها ) أذلة ( أى حال كونهم أذلة بعد ماكانوا أعزة وجملة ) وهم صاغرون ( فى محل نصب علي الحال قيل وهى حال مؤكدة لأن الصغار هو الذلة وقيل إن المراد بالصغار هنا الأسر والاستعباد وقيل إن الصغار الإهانة التى تسبب عنها الذلة
النمل : ( 38 ) قال يا أيها . . . . .
ولما رجع الرسول إلى بلقيس تجهزت للمسير إلى سليمان وأخبر جبريل سليمان بذلك فقال سليمان ) يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها ( أى عرش بلقيس الذى تقدم وصفه بالعظم ) قبل أن يأتوني مسلمين ( أى قبل أن تأتينى هى وقومها مسلمين قيل إنما أراد سليمان أخذ عرشها قبل أن يصلوا إليه ويسلموا لأنها إذا أسلمت وأسلم قومها لم يحل أخذ أموالهم بغير رضاهم قال ابن عطية وظاهر الروايات أن هذه المقالة من سليمان هى بعد مجىء هديتها ورده إياها وبعثه الهدهد بالكتاب وعلى هذا جمهور المتأولين وقيل استدعاء العرش قبل وصولها ليريها القدرة التى هى من عند الله ويجعله دليلا على نبوته وقيل أراد أن يختبر عقلها ولهذا ) قال نكروا لها عرشها ( الخ وقيل أراد أن يختبر صدق الهدهد فى وصفه للعرش بالعظم والقول الأول هو الذى عليه الأكثر
النمل : ( 39 ) قال عفريت من . . . . .
) قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك ( قرأ الجمهور بكسر العين وسكون الفاء وكسر الراء وسكون المثناة التحتية وبالتاء وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفى وابن السميفع وأبو السمال عفريه بفتح التحتية بعدها تاء تأنيث منقلبة هاء رويت هذه القراءة عن أبى بكر الصديق وقرأ أبو حيان بفتح العين والعفريت المارد الغليظ الشديد قال النحاس يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء عفر وعفرية وقال قتادة هو الداهية وقيل هو رئيس الجن قال ابن عطية وقرأ فرقة عفر بكسر العين جمعه على عفار ومما ورد من أشعار العرب مطابقا لقراءة الجمهور ما أنشده الكسائى


"""""" صفحة رقم 139 """"""
فقال شيطان لهم عفريت
مالكم مكث ولا تبييت
ومما ورد على القراءة الثانية قول ذى الرمة كأنه كوكب فى إثر عفرية
مصوب فى سواد الليل منقضب
ومعنى قول العفريت أنه سيأتى بالعرش إلى سليمان قبل أن يقوم من مجلسه الذي يجلس فيه للحكومة بين الناس ) وإني عليه لقوي أمين ( إنى لقوى على حملة أمين على مافيه قيل اسم هذا العفريت كودن ذكره النحاس عن وهب بن منبه وقال السهيلى ذكوان وقيل اسمه دعوان وقيل صخر وقوله ) آتيك ( فعل مضارع وأصله ءأتيك بهمزتين فأبدلت الثانية ألفا وقيل هو اسم فاعل
النمل : ( 40 ) قال الذي عنده . . . . .
) قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ( قال أكثر المفسرين اسم هذا الذى عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بنى إسرائيل وكان وزيرا لسليمان وكان يعلم اسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب وإذا سئل به أعطى قال ابن عطية وقالت فرقة هو سليمان نفسه ويكون الخطاب على هذا للعفريت كأن سليمان استبطأ ما قاله العفريت فقال له تحقيرا له ) أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ( وقيل هو جبريل وقيل الخضر والأول أولى وقد قيل غير ذلك بما لا أصل له والمراد بالطرف تحريك الأجفان وفتحها للنظر وارتداده انضمامها وقيل هو بمعنى المطروف أى الشىء الذى ينظره وقيل هو نفس الجفن عبر به عن سرعة الأمر كما تقول لصاحبك افعل ذلك فى لحظة قاله مجاهد وقال سعيد بن جبير إنه قال لسليمان انظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه والمعنى حتى يعود إليك طرفك بعد مده إلى السماء والأول أولى هذه الأقوال ثم الثالث ) فلما رآه مستقرا عنده ( قيل فى الآية حذف والتقدير فأذن له سليمان فدعا الله فأتى به فلما رآه سليمان مستقرا عنده أى رأى العرش حاضرا لديه ) قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ( الإشارة بقوله هذا إلى حضور العرش ليبلونى أى ليختبرنى أشكره بذلك وأعترف أنه من فضله من غير حول منى ولا قوة أم أكفر بترك الشكر وعدم القيام به قال الأخفش المعنى لينظر أأشكر أم أكفر وقال غيره معنى ليبلونى ليتعبدنى وهو مجاز والأصل فى الابتلاء الاختبار ) ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ( لأنه استحق بالشكر تمام النعمة ودوامها والمعنى أنه لايرجع نفع ذلك إلا إلى الشاكر ) ومن كفر ( بترك الشكر ) فإن ربي غني ( عن شكره كريم فى ترك المعالجة بالعقوبة بنزع نعمة عنه وسلبه ما أعطاه منها وأم فى أم أكفر هى المتصلة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم ( يقول كن قريبا منهم ) فانظر ماذا يرجعون ( فانطلق بالكتاب حتى إذا توسط عرشها ألقى الكتاب إليها فقرئ عليها فإذا فيه ) إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ( وأخرج ابن مردويه عنه ) كتاب كريم ( قال مختوم وأخرج ابن أبى حاتم عن ميمون بن مهران أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كان يكتب باسمك اللهم حتى نزلت ) إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ( وأخرج أبو داود فى مراسيله عن أبي مالك مرفرعا مثله وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أفتوني في أمري ( قال جمعت رءوس مملكتها فشاورتهم في رأيها فأجمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه فسارت حتى إذا كانت قريبة قالت أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملك أقاتله وإن ردها تابعته فهو نبي فلما دنت رسلها من سليمان علم خبرهم فأمر الشياطين فموهوا ألف قصر من ذهب وفضة فلما رأت رسلها قصور الذهب قالوا مايصنع هذا بهديتنا وقصوره ذهب وفضة فلما دخلوا عليه بهديتها ) قال أتمدونن بمال ( ثم قال سليمان ) أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ( فقال كاتب سليمان ارفع


"""""" صفحة رقم 140 """"""
بصرك فرفع بصره فلما رجع إليه طرفه فإذا هو بسرير ) قال نكروا لها عرشها ( فنزع منه فصوصه ومرافقه وما كان عليه من شىء ) قيل لها ( أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأمر الشياطين فجعلوا لها صرحا ممردا من قوارير وجعل فيها تماثيل السمك ) قيل لها ادخلي الصرح ( فكشفت عن ساقيها فإذا فيها شعر فعند ذلك أمر بصنعة النورة فصنعت فقيل لها ) إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ( وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ( قال إذا أخذوها عنوة أخربوها وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال يقول الرب تبارك وتعالى ) وكذلك يفعلون ( وأخرج ابن أبى شيبة فى المصنف وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) وإني مرسلة إليهم بهدية ( قال أرسلت بلبنة من ذهب فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب فذلك قوله ) أتمدونن بمال ( الآية وقال ثابت البناني أهدت له صفائح الذهب فى أوعية الديباج وقال مجاهد جوارى لباسهن لباس الغلمان وغلمان لباسهم لباس الجوارى وقال عكرمة أهدت مائتى فرس على كل فرس غلام وجارية وعلى كل فرس لون ليس على الاخر وقال سعيد بن جبير كانت الهدية جواهر وقيل غير ذلك مما لافائدة فى التطويل بذكره وأخرج ابن المنذر من طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس فى قوله ) قبل أن يأتوني مسلمين ( قال طائعين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه قال اسم العفريت صخر وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا ) قبل أن تقوم من مقامك ( قال من مجلسك وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا ) قال الذي عنده علم من الكتاب ( قال هو آصف بن برخيا وكان صديقا يعلم الاسم الأعظم وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد قال فى قراءة ابن مسعود قال الذى عنده علم من الكتاب أنا أنظر فى كتاب ربى ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك قال فتكلم ذلك العالم بكلام دخل العرش فى نفق تحت الأرض حتى خرج إليهم وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس فى قوله ) قبل أن يرتد إليك طرفك ( قال قال لسليمان انظر إلى السماء قال فما أطرف حتى جاءه به فوضعه بين يديه وأخرج ابن شيبة وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء ولكن انشقت به الأرض فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدى سليمان
سورة النمل ( 41 44 )
النمل : ( 41 ) قال نكروا لها . . . . .
قوله ) نكروا لها عرشها ( التنكير التعيير يقول غيروا سريرها إلى حال تنكره إذا رأته قيل جعل أعلاه أسلفه وأسفله أعلاه وقيل غير بزيادة ونقصان قال الفراء وغيره إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له إن فى عقلها


"""""" صفحة رقم 141 """"""
شيئا فأراد أن يمتحنها وقيل خافت الجن أن يتزوج بها سليمان فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبدا فقالوا لسليمان إنها ضعيفة العقل ورجلها كرجل الحمار وقوله ننظر بالجزم على أنه جواب الأمر وبالجزم قرأ الجمهور وقرأ أبو حيان بالرفع على الاستئناف أتهتدي إلى معرفته أو إلى الإيمان بالله ) أم تكون من الذين لا يهتدون ( إلى ذلك
النمل : ( 42 ) فلما جاءت قيل . . . . .
(فلما جاءت) أي بلقيس إلى سليمان قيل لها والقائل هو سليمان أو غيره بأمره أهكذا عرشك لم يقل هذا عرشك لئلا يكون ذلك تلقينا لها فلا يتم الاختبار لعقلها قالت كأنه هو قال مجاهد جعلت تعرف وتنكر وتعجب من حضوره عند سليمان فقالت كأنه هو وقال مقاتل عرفته ولكنه شبهت عليهم كما شبهوا عليها ولو قيل لها أهذا عرشك لقالت نعم وقال عكرمة كانت حكيمة قالت إن قلت هو هو خشيت أن أكذب وإن قلت لا خشيت أن أكذب فقالت كأنه هو وقيل أراد سليمان أن يظهر لها أن الجن مسخرون له ) وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين ( قيل هو من كلام بلقيس أي أوتينا العلم بصحة نبوة سليمان من قبل هذه الاية في العرش وكنا مسلمين منقادين لأمره قيل هو من قول سليمان أي أوتينا العلم بقدرة الله من قبل بلقيس وقيل أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبلها أي من قبل مجيئها وقيل هو من كلام قوم سليمان والقول الثاني أرجح من سائر الأقوال
النمل : ( 43 ) وصدها ما كانت . . . . .
وصدها ما كانت تعبد من دون الله هذا من كلام الله سبحانه بيان لما كان يمنعها من إظهار ما ادعته من الإسلام ففاعل صد هو ما كانت تعبد أي منعها من إظهار الإيمان ما كانت تعبده وهي الشمس قال النحاس أي صدها عبادتها من دون الله وقيل فاعل صد هو الله أي منعها الله ما كانت تعبد من دونه فتكون ما في محل نصب وقيل الفاعل سليمان أي ومنعها سليمان ما كانت تعبد والأول أولى والجملة مستأنفة للبيان كما ذكرنا وجملة إنها كانت من قوم كافرين تعليل للجملة الأولى أي سبب تأخرها عن عبادة الله ومنع ما كانت تعبده عن ذلك أنها كانت من قوم متصفين بالكفر قرأ الجمهور إنها بالكسر وقرأ أبو حيان بالفتح وفي هذه القراءة وجهان أحدهما أن الجملة بدل مما كانت تعبد والثاني أن التقدير لأنها كانت تعبد فسقط حرف التعليل
النمل : ( 44 ) قيل لها ادخلي . . . . .
) قيل لها ادخلي الصرح ( قال أبو عبيدة الصرح القصر وقال الزجاج الصرح الصحن يقال هذه صرحة الدار وقاعتها قال ابن قتيبة الصرح بلاط اتخذ لها من قوارير وجعل تحته ماء وسمك وحكى أبو عبيد في الغريب أن الصرح كل بناء عال مرتفع وأن الممرد الطويل ) فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ( أي فلما رأت الصرح بين يديها حسبت أنه لجة واللجة معظم الماء فلذلك كشفت عن ساقيها لتخوض الماء فلما فعلت ذلك قال سليمان ) إنه صرح ممرد من قوارير ( الممرد المحكوك المملس ومنه الأمرد وتمرد الرجل إذا لم تخرج لحيته قاله الفراء ومنه الشجرة المرداء التي لا ورق لها والممرد أيضا المطول ومنه قيل للحصن ما رد ومنه قول الشاعر غدوت صباحا باكرا فوجدتهم
قبيل الضحى في السابري الممرد
أي الدروع الواسعة الطويلة فلما سمعت بلقيس ذلك أذعنت واستسلمت ) قالت رب إني ظلمت نفسي ( أي بما كنت عليه من عبادة غيرك وقيل بالظن الذي توهمته في سليمان لأنها توهمت أنه أراد تغريقها في اللجة والأول أولى ) وأسلمت مع سليمان ( متابعة له داخلة في دينه لله رب العالمين التفتت من الحطاب إلى الغيبة قيل لإظهار معرفتها بالله والأولى أنها التفتت لما في هذا الاسم الشريف من الدلالة على جميع الأسماء ولكونه علما للذات


"""""" صفحة رقم 142 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله نكروا لها عرشها قال زيد فيه ونقص ل ننظر أتهتدي قال لننظر إلى عقلها فوجدت ثابتة العقل وأخرج الفريابي وأبن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وأوتينا العلم من قبلها ( قال من قول سليمان وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد نحوه وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله فلما رأته حسبته لجة قال بحرا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في أثر طويل أن سليمان تزوجها بعد ذلك قال أبو بكر ابن أبي شيبة ما أحسنه من حديث قال ابن كثير في تفسيره بعد حكايته لقول أبي بكر بن أبي شيبة بل هو منكر جدا ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس والله أعلم
والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب بما يوجد في صحفهم كروايات كعب ووهب سامحهما الله فيما نقلا إلى هذه الأمة من بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب مما كان ومما لم يكن ومما حرف وبدل ونسخ انتهى وكلامه هذا هو شعبة مما قد كررناه في هذا التفسير ونبهنا عليه في عدة مواضع وكنت أظن أنه لم ينبه على ذلك غيري فالحمد لله على الموافقة لمثل هذا الحافظ المنصف وأخرج البخاري في تاريخه والعقيلي عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أول من صنعت له الحمامات سليمان وروى عنه مرفوعا من طريق أخرى رواها الطبراني وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب بلفظ أول من دخل الحمام سليمان فلما وجد حرة قال أوه من عذاب الله
النمل ( 45 53 )
النمل : ( 45 ) ولقد أرسلنا إلى . . . . .
قوله ولقد ارسلنا معطوف على قوله ) ولقد آتينا داود ( واللام هي الموطئة للقسم وهذه القصة من جملة بيان قوله وإنك لتلقى القران من لدن حكيم عليم و صالحا عطف بيان و أن اعبدوا الله تفسير للرسالة وأن هي المفسرة ويجوز أن تكون مصدرية أي بأن اعبدوا الله وإذا في فإذا هم فريقان هي الفجائية أي ففاجئوا التفرق والاختصام والمراد بالفريقان المؤمنون منهم والكافرون ومعنى الاختصام أن كل فريق يخاصم على ما هو فيه ويزعم أن الحق معه وقيل إن الخصومه بينهم في صالح هل هو مرسل أم لا وقيل أحد


"""""" صفحة رقم 143 """"""
الفريقين صالح والفريق الاخر جميع قومه وهو ضعيف
النمل : ( 46 ) قال يا قوم . . . . .
) قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ( أي قال صالح للفريق الكافر منهم منكرا عليهم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة قال مجاهد بالعذاب قبل الرحمة والمعنى لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب وتقدمون الكفر الذي يجلب إليكم العقوبة وقد كانوا لفرط كفرهم يقولون ائتنا يا صالح بالعذاب لولا تستغفرون الله هلا تستغفرون الله وتتوبون إليه من الشرك لعلكم ترحمون رجاء أن ترحموا أوكى ترحموا فلا تعذبوا فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر ووصف العذاب بأنه سيئة مجازا إما لأن العقاب من لوازمه أو لأنه يشبهه في كونه مكروها
النمل : ( 47 ) قالوا اطيرنا بك . . . . .
فكان جوابهم عليه بعد هذا الإرشاد الصحيح والكلام اللين أنهم قالوا اطيرنا بك وبمن معك أصله تطيرنا وقد قرىء بذلك والتطير التشاؤم أي تشاؤمنا بك وبمن معك ممن أجابك ودخل في دينك وذلك لأنه أصابهم قحط فتشاءموا بصالح وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة وأشقاهم بها وكانوا إذا أرادوا سفرا أو أمرا من الأمور نفروا طائرا من وكره فإن طار يمنة ساروا وفعلوا ما عزموا عليه وإن طار يسرة تركوا ذلك فلما قالوا ذلك قال لهم صالح طائركم عند الله أي ليس ذلك بسبب الطير الذي تتشاءمون به بل سبب ذلك عند الله وهو ما يقدره عليكم والمعنى أن الشؤم الذي أصابكم هو من عند الله بسبب كفركم وهذا كقوله تعالى يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ثم أوضح لهم سبب ما هم فيه بأوضح بيان فقال بل أنتم قوم تفتنون أي تمتحنون وتختبرون وقيل تعذبون بذنوبكم وقيل يفتنكم غيركم وقبل يفتنكم الشيطان بما تقعون فيه من الطيرة أو بما لأجله تطيرون فأضرب عن ذكر الطائر إلى ما هو السبب الداعي إليه
النمل : ( 48 ) وكان في المدينة . . . . .
(وكان في المدينة ) التي فيها صالح وهو الحجر تسعة رهط أي تسعة رجال من أبناء الأشراف والرهط اسم للجماعة فكأنهم كانوا رؤساء يتبع كل واحد منهم جماعة والجمع أرهط وأراهط وهؤلاء التسعة هم أصحاب قدار عاقر الناقة ثم وصف هؤلاء بقوله ) يفسدون في الأرض ولا يصلحون ( أي شأنهم وعملهم الفساد في الأرض الذي لا يخالطه صلاح وقد اختلف في أسماء هؤلاء التسعة اختلافا كثيرا لا حاجة إلى التطويل بذكره
النمل : ( 49 ) قالوا تقاسموا بالله . . . . .
(قالوا تقاسموا بالله ) أي قال بعضهم لبعض احلفوا بالله هذا على أن تقاسموا فعل أمر ويجوز أن يكون فعلا ماضيا مفسرا لقالوا كأنه قيل ما قالوا فقال تقاسموا أو يكون حالا على إظمار قد أي قالوا ذلك متقاسمين وقرأ ابن مسعود يفسدون في الأرض ولا يصلحون تقاسموا بالله وليس فيها قالوا واللام في لنبيتنه وأهله جواب القسم أي لنأتينه بغتة في وقت البيات فنقتله وأهله ثم لنقولن لوليه قرأ الجمهور بالنون للمتكلم في لنبيتنه وفي لنقولن واختار هذه القراءة أبو حاتم وقرأ حمزة والكسائي بالفوقية فيهما على خطاب بعضهم لبعضهم واختار هذه القراءة أبو عبيد وقرأ مجاهد وحميد بالتحتية فيهما والمراد بولى صالح رهطه ) ما شهدنا مهلك أهله ( أي ما حضرنا قتلهم ولا ندري من قتله وقتل أهله ونفيهم لشهودهم لمكان الهلاك يدل على نفي شهودهم لنفس القتل بالأولى وقيل إن الملك بمعنى الإهلاك وقرأ حفص والسلمي مهلك بفتح الميم واللام وقرأ أبو بكر والمفضل بفتح الميم وكسر اللام وإنا لصادقون فيما قلناه قال الزجاج وكان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيتوا صالحا وأهله ثم ينكروا عند أوليائه أنهم ما فعلوا ذلك ولا رأوه وكان هذا مكرا منهم
النمل : ( 50 ) ومكروا مكرا ومكرنا . . . . .
ولهذا قال الله سبحانه ) ومكروا مكرا ( أي بهذه المحالفة ) ومكرنا مكرا ( جازيناهم بفعلهم فأهلكناهم ) وهم لا يشعرون ( بمكر الله بهم
النمل : ( 51 ) فانظر كيف كان . . . . .
(فانظر كيف كان عاقبة مكرهم ) أي انظر ما انتهى إليه أمرهم الذي بنوه على المكر وما أصابهم بسببه ) أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ( قرأ الجمهور بكسر همزة أنا وقرأ حمزة


"""""" صفحة رقم 144 """"""
والكسائي والأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم بفتحها فمن كسر جعله استئنافا قال الفراء والزجاج من كسر استأنف وهو يفسر به ما كان قبله كأنه جعله تابعا للعاقبة كأنه قال العاقبة إنا دمرناهم وعلى قراءة الفتح يكون التقدير بأنا دمرناهم أو لأنا دمرناهم وكان تامة وعاقبة فاعل لها أو يكون بدلا من عاقبة أو يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي أنا دمرناهم ويجوز أن تكون كان ناقصة وكيف خبرها ويجوز أن يكون خبرها أنا دمرنا قال أبو حاتم وفي حرف أبي أن دمرناهم والمعنى في الآية أن الله دمر التسعة الرهط المذكورين ودمر قومهم الذين لم يكونوا معهم عند مباشرتهم لذلك ومعنى التأكيد بأجمعين أنه لم يشذ منهم أحد ولا سلم من العقوبة فرد من أفرادهم
النمل : ( 52 ) فتلك بيوتهم خاوية . . . . .
وجملة فتلك بيوتهم خاوية مقررة لما قبلها قرأ الجمهور خاوية بالنصب على الحال قال الزجاج المعنى فانظر إلى بيوتهم حال كونها خاوية وكذا قال الفراء والنحاس أي خالية عن أهلها خرابا ليس بها ساكن وقال الكسائي وأبو عبيدة نصب خاوية على القطع والأصل فتلك بيوتهم الخاوية فلما قطع منها الألف واللام نصبت كقوله وله الدين واصبا وقرأ عاصم بن عمر ونصر بن عاصم والجحدي وعيسى بن عمر برفع خاوية على أنه خبر اسم الإشارة وبيوتهم بدل أو عطف بيان أو خبر لاسم الإشارة وخاوية خبر اخر والباء في بما ظلموا للسببية أي بسبب ظلمهم إن في ذلك التدمير والإهلاك لاية عظيمة لقوم يعلمون أي يتصفون بالعلم بالأشياء
النمل : ( 53 ) وأنجينا الذين آمنوا . . . . .
وأنجينا الذين امنوا وهم صالح ومن امن به وكانوا يتقون الله ويخافون عذابه
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس طائركم قال مصائبكم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله وكان في المدينة تسعة رهط قال هم الذين عقروا الناقة وقالوا حين عقروها نبيت صالحا وأهله فنقتلهم ثم نقول لأولياء صالح ما شهدنا من هذا شيئا وما لنا به علم فدمرهم الله أجمعين
النمل ( 54 62 )


"""""" صفحة رقم 145 """"""
النمل ( 63 - 66 )
النمل : ( 54 ) ولوطا إذ قال . . . . .
انتصاب لوطا بفعل مضمر معطوف على أرسلنا أي وأرسلنا لوطا و إذ قال ظرف للفعل المقدر ويجوز أن يقدر اذكر والمعنى وأرسلنا لوطا وقت قوله ) لقومه أتأتون الفاحشة ( أي الفعلة المتناهية في القبح والشناعة وهم أهل سدوم وجملة وأنتم تبصرون في محل نصب على الحال متضمنه لتأكيد الإنكار أي وأنتم تعلمون أنها فاحشة وذلك أعظم لذنوبكم على أن تبصرون من بصر القلب وهو العلم أو بمعنى النظر لأنهم كانوا لا يستترون حال فعل الفاحشة عتوا وتمردا وقد تقدم تفسير هذه القصة في الأعراف مستوفى
النمل : ( 55 ) أئنكم لتأتون الرجال . . . . .
أئنكم لتأتون الرجال شهوة فيه تكرير للتوبيخ مع التصريح بأن تلك الفاحشة هي اللواطة وانتصاب شهوة على العلة أي للشهوة أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي إتيانا شهوة أو أنه بمعنى الحال أي مشتهين لهم من دون النساء أي متجاوزين النساء اللاتى هن محل لذلك بل أنتم قوم تجهلون التحريم أو العقوبة على هذه المعصية واختار الخليل وسيبويه تخفيف الهمزة من أئنكم
النمل : ( 56 ) فما كان جواب . . . . .
فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا ال لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون قرأ الجمهور بنصب جواب على أنه خبر كان واسمها إلا أن قالوا أي إلا قولهم وقرأ ابن أبي إسحاق برفع جواب على أنه اسم كان وخبرها ما بعده ثم عللوا ما أمروا به بعضهم بعضا من الإخراج بقولهم إنهم أناس يتطهرون أي يتنزهون عن أدبار الرجال قالوا ذلك استهزاء منهم بهم
النمل : ( 57 ) فأنجيناه وأهله إلا . . . . .
) فأنجيناه وأهله ( من العذاب ) إلا امرأته قدرناها من الغابرين ( أي قدرنا أنها من الباقين في العذاب ومعنى قدرنا قضينا قرأ الجمهور قدرنا بالتشديد وقرأ عاصم بالتخفيف والمعنى واحد مع دلالة زيادة البناء على زيادة المعنى
النمل : ( 58 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . .
وأمطرنا عليهم مطرا هذا التأكيد يدل على شدة المطر وأنه غير معهود ) فساء مطر المنذرين ( المخصوص بالذم محذوف أي ساء مطر المنذرين مطرهم والمراد بالمنذرين الذين أنذروا فلم يقبلوا وقد مضى بيان هذا كله في الأعراف والشعراء
النمل : ( 59 ) قل الحمد لله . . . . .
) قل الحمد لله وسلام على عباده ( قال الفراء قال أهل المعاني قيل للوط قل الحمد لله على هلاكهم وخالفه جماعة فقالوا إن هذا خطاب لنبينا صلى الله عليه واله وسلم أي قيل الحمد لله على هلاك كفار الأمم الخالية وسلام على عباده الذين اصطفى قال النحاس وهذا أولى لأن القرآن منزل على النبي صلى الله عليه واله وسلم وكل ما فيه فهو مخاطب به إلا ما لم يصح معناه إلا لغيره قيل والمراد بعباده الذين اصطفى أمة محمد صلى الله عليه واله وسلم والأولى حمله على العموم فيدخل في ذلك الأنباء وأتباعهم الله خير أما


"""""" صفحة رقم 146 """"""
يشركون أي الله الذي ذكرت أفعاله وصفاته الدالة على عظيم قدرته خير أما يشركون به من الأصنام وهذه الخيرية ليست بمعناها الأصلي بل هي كقول الشاعر أتهجوه ولست له بكفء
فشركما لخيركما الفداء
فيكون ما في الاية من باب التهكم بهم إذ لا خير فيهم أصلا وقد حكى سيبويه أن العرب تقول السعادة أحب إليك أم الشقاوة ولا خير في الشقاوة أصلا وقيل المعنى أثواب الله خير أم عقاب ما تشركون به وقيل قال لهم ذلك جريا على اعتقادهم لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خيرا وقيل المراد من هذا الاستفهام الخبر قرأ الجمهور تشركون بالفوقية على الخطاب وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب يشركون بالتحتية و أم في أما يشركون هي المتصلة
النمل : ( 60 ) أم من خلق . . . . .
وأما في قوله أمن خلق السموات والأرض فهي المنقطعة وقال أبو حاتم تقديره آلهتكم خير أم من خلق السموات والأرض وقدر على خلقهن وقيل المعنى أعبادى ما تعبدون من أوثانكم خير أم عبادة من خلق السموات والأرض فتكون أم على هذا متصلة وفيها معنى التوبيخ والتهكم كما في الجملة الأولى وقرأ الأعمش أمن بتخفيف الميم ) وأنزل لكم من السماء ( ماء أي نوعا من الماء وهو المطر ) فأنبتنا به حدائق ( جمع حديقة قال الفراء الحديقة البستان الذي عليه حائط فإن لم يكن عليه حائط فهو البستان وليس بحديقة وقال قتادة وعكرمة الحدائق النخل ذات بهجة أي ذات حسن ورونق والبهجة هي الحسن الذي يبتهج به من راه ولم يقل ذوات بهجة على الجمع لأن المعنى جماعة حدائق ) ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ( أي ما صح لكم أن تفعلوا ذلك ومعنى هذا النفي الحظر والمنع من فعل هذا أي ما كان للبشر ولا يتهيأ لهم ذلك ولا يدخل تحت مقدرتهم لعجزهم عن إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ثم قال سبحانه موبخا لهم ومقرعا ءاله مع الله أي هل معبود مع الله الذي تقدم ذكر بعض أفعاله حتى يقرن به ويجعل شريكا له في العبادة وقرىء ءالها مع الله بالنصب على تقدير أتدعون إلها ثم أضرب عن تقريعهم وتوبيخهم بما تقدم وانتقل إلى بيان سوء حالهم مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة فقال بل هم قوم يعدلون أي يعدلون بالله غيره أ يعدلون عن الحق إلى الباطل
النمل : ( 61 ) أم من جعل . . . . .
ثم شرع في الاستدلال بأحوال الأرض وما عليها فقال أمن جعل الأرض قرارا القرار المستقر أي دحاها وسواها بحيث يمكن الاستقرار عليها وقيل هذه الجملة وما بعدها من الجمل الثلاث بدل من قوله أمن خلق السموات والأرض ولا ملجىء لذلك بلى هي وما بعدها إضراب وانتقال من التوبيخ والتقريع بما قبلها إلى التوبيخ والتقريع بشيء اخر وجعل خلالها أنهارا الخلال الوسط وقد تقدم تحقيقه في قوله ) وفجرنا خلالهما نهرا ( وجعل لها رواسي أي جبالا ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة وجعل بين البحرين حاجزا الحاجز المانع أي جعل بين البحرين من قدرته حاجزا والبحران هما العذب والمالح فلا يختلط أحدهما بالاخر فلا هذا يغير ذاك ولا ذاك يدخل في هذا وقد مر بيانه في سورة الفرقان ) أإله مع الله ( أي إذا ثبت أنه لا يقدر على ذلك إلا الله فهل إله في الوجود يصنع صنعه ويخلق خلقه فكيف يشركون به مالا يضر ولا ينفع بل أكثرهم لا يعلمون توحيد ربهم وسلطان قدرته
النمل : ( 62 ) أم من يجيب . . . . .
أمن يجيب المضطر إذا دعاه هذا استدلال منه سبحانه بحاجة الإنسان إليه على العموم والمضطر اسم مفعول من الاضطرار وهو المكروب المجهود الذي لا حول له ولا قوة وقيل هو المذنب وقيل هو الذي عراه ضر من فقر أو مرض فألجأه إلى التضرع إلى الله واللام في المضطر للجنس لا للاستغراق فقد لايجاب دعاء بعض بعض المضطرين لمانع يمنع من ذلك بسبب يحدثه العبد يحول بينه وبين إجابة دعائه وإلا فقد ضمن الله سبحانه


"""""" صفحة رقم 147 """"""
إجابة دعاء المضطر إذا دعاه وأخبر بذلك عن نفسه والوجه في إجابة دعاء المضطر أن ذلك الاضطرار الحاصل له يتسبب عنه الاخلاص وقطع النظر عما سوى الله وقد أخبر الله سبحانه بأنه يجيب دعاء المخلصين له الدين وإن كانوا كافرين فقال حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وقال ) فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ( فأجابهم عند ضرورتهم وإخلاصهم مع علمه بأنهم سيعودون إلى شركهم ويكشف السوء أي الذي يسوء العبد من غير تعيين وقيل هو الضر وقيل هو الجور ) ويجعلكم خلفاء الأرض ( أي يخلف كل قرن منكم القرن الذي قبله بعد انقراضهم والمعنى يهلك قرنا وينشىء اخرين وقيل يجعل أولادكم خلفا منكم وقيل يجعل المسلمين خلفا من الكفار ينزلون أرضهم وديارهم ءإله مع الله الذي يوليكم هذه النعم الجسام قليلا ما تذكرون أي تذكرا قليلا ما تذكرون قرأ الجمهور بالفوقية على الخطاب وقرأ أبو عمرو وهشام ويعقوب بالتحتية على الخبر ردا على قوله ) بل أكثرهم لا يعلمون ( واختار هذه القراءة أبو حاتم
النمل : ( 63 ) أم من يهديكم . . . . .
أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر أي يرشدكم في الليالي المظلمات إذا سافرتم في البر أو البحر وقيل المراد مفاوز البر التي لا أعلام لها ولجج البحار وشبهها بالظلمات لعدم ما يهتدون به فيها ) الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ( والمراد بالرحمة هنا المطر أي يرسل الرياح بين يدي المطر وقبل نزوله ءإله مع الله يفعل ذلك ويوجده تعالى الله عما يشركون أي تتزه وتقدس عن وجود ما يجعلونه شريكا له
النمل : ( 64 ) أم من يبدأ . . . . .
) أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ( كانوا يقرون بأن الله سبحانه هو الخالق فألزمهم الإعادة أي إذا قدر على الابتداء قدر على الإعادة ) ومن يرزقكم من السماء والأرض ( بالمطر والنبات أي هو خير أم ما تجعلونه شريكا له مما لا يقدر على شيء من ذلك ءإله مع الله حتى تجعلونه شريكا له قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين أي حجتكم على أن الله سبحانه شريكا أو هاتوا حجتكم أن ثم صانعا يصنع كصنعه وفي هذا تبكيت لهم وتهكم بهم
النمل : ( 65 ) قل لا يعلم . . . . .
قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله أي لا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة في السموات والأرض الغيب الذي استأثر الله بعلمه والاستثناء في قوله إلا الله منقطع أي لكن الله يعلم ذلك ورفع ما بعد إلا مع كون الاستثناء منقطعا هو على اللغة التميمية كما في قولهم إلا اليعافير وإلا العيس
وقيل إن فاعل يعلم هو ما بعد إلا ومن في السموات مفعوله والغيب بدل من من أي لا يعلم غيب من في السموات والأرض إلا الله وقيل هو استثناء متصل من من وقال الزجاج إلا الله بدل من من قال الفراء وإنما رفع ما بعد إلا لأن ما بعدها خبر كقولهم ما ذهب أحد إلا أبوك وهو كقول الزجاج قال الزجاج ومن نصب نصب على الاستثناء ) وما يشعرون أيان يبعثون ( أي لا يشعرون متى ينشرون من القبور وأيان مركبة من أي وإن وقد تقدم تحقيقه والضمير للكفرة وقرأ السلمي إيان بكسر الهمزة وهي لغة بني سليم وهي منصوبة بيبعثون ومعلقة ليشعرون فتكون هي وما بعدها في محل نصب بنزع الخافض أي وما يشعرون بوقت بعثهم ومعنى أيان معنى متى بل ادارك علمهم في الاخرة قرأ الجمهور ادارك وأصل ادارك تدارك أدغمت التاء في الدال وجىء بهمزة الوصل ليمكن الابتداء بالساكن وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمر وحميد
النمل : ( 66 ) بل ادارك علمهم . . . . .
بل أدرك من الإدراك وقرأ عطاء بن يسار وسليمان بن يسار والأعمش بل ادرك بفتح لام بل وتشديد الدال وقرأ ابن محيصن بل أدرك على الاستفهام وقرأ ابن عباس وأبو رجاء وشيبة والأعمش والأعرج بلى أدارك بإثبات الياء في بل وبهمزة قطع


"""""" صفحة رقم 148 """"""
وتشديد الدال وقرأ أبي بل تدارك ومعنى الاية بل تكامل علمهم في الاخرة لأنهم رأوا كل ما وعدوا به وعاينوه وقيل معناه تتابع علمهم في الاخرة والقراءة الثانية معناها كمل علمهم في الاخرة مع المعاينة وذلك حين لا ينفعهم العلم لأنهم كانوا في الدنيا مكذبين وقال الزجاج إنه على معنى الإنكار واستدل على ذلك بقوله فيما بعد بل هم منها عمون أي لم يدرك علمهم علم الآخرة وقيل المعنى بل ضل وغاب علمهم في الاخرة فليس لهم فيها علم ومعنى القراءة الثالثة كمعنى القراءة الأولى فافتعل وتفاعل وقد يجيئان لمعنى والقراءة الرابعة هي بمعنى الإنكار قال الفراء وهو وجه حسن كأنه وجهه إلى المكذبين على طريق الاستهزاء بهم وفي الاية قراءات أخر لا ينبغي الاشتغال بذكرها وتوجيهها ) بل هم في شك منها ( أي بل هم اليوم في الدنيا في شك من الاخرة ثم أضرب عن ذلك إلى ما هو أشد منه فقال بل هم منها عمون فلا يدركون شيئا من دلائلها لاختلال بصائرهم التي يكون بها الإدراك وعمون جمع عم وهو من كان أعمى القلب والمراد بيان جهلهم بها على وجه لا يهتدون إلى شيء مما يوصل إلى العلم بها فمن قال إن معنى الاية الأولى أعني بل ادارك علمهم في الاخرة أنه كمل علمهم وتم مع المعاينة فلا بد من حمل قوله بل هم في شك الخ على ما كانوا عليه في الدنيا ومن قال إن معنى الاية الأولى الاستهزاء بهم والتبكيت لهم لم يحتج إلى تقييد قوله بل هم في شك الخ بما كانوا عليه في الدنيا وبهذا يتضح معنى هذه الايات ويظهر ظهورا بينا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وسلام على عباده الذين اصطفى ( قال هم أصحاب محمد صلى الله عليه واله وسلم اصطفاهم الله لنبيه وروى مثله عن سفيان الثوري والأولى ما قدمناه من التعميم فيدخل في ذلك أصحاب نبينا صلى الله عليه واله وسلم دخولا أوليا وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والطبراني عن رجل من بلجهم قال قلت يا رسول الله إلى ما تدعو قال أدعو الله وحده الذي إن مسك ضر فدعوته كشفه عنك هذا طرف من حديث طويل وقد رواه أحمد من وجه اخر فبين اسم الصحابي فقال حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس حدثنا عبيد بن عبيدة الهجيمي عن أبيه عن أبي تميمة الهجيمي عن جابر بن سليم الهجيمي ولهذا الحديث طرق عند أبي داود والنسائي وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عائشة قالت ثلاث من تكلم بواحدة منهم فقد أعظم على الله الفرية وقالت في اخره ومن زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله تعالى يقول قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس بل ادارك علمهم في الاخرة قال حين لا ينفع العلم وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أنه قرأ بل أدرك علمهم في الاخرة قال لم يدرك علمهم قال أبو عبيد يعني أنه قرأها بالاستفهام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا بل ادرك علمهم في الاخرة يقول غاب علمهم
النمل ( 67 - 70 )


"""""" صفحة رقم 149 """"""
النمل ( 71 - 82 )
النمل : ( 67 ) وقال الذين كفروا . . . . .
لما ذكر سبحانه أن المشركين في شك من البعث وأنهم عمون عن النظر في دلائله أراد أن يبين غاية شبههم وهي مجرد استبعاد إحياء الأموات بعد صيرورتهم ترابا فقال ) وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون ( والعامل في إذا محذوف دل عليه مخرجون تقديره أنبعث أو نخرج إذا كنا وإنما لم يعمل فيه مخرجون لتوسط همزة الاستفهام وإن ولام الابتداء بينهما قرأ أبو عمرو باستفهامين إلا أنه خفف الهمزة وقرأ عاصم وحمزة باستفهامين إلا أنهما حققا الهمزتين وقرأ نافع بهمزة وقرأ ابن عامر وورش ويعقوب أإذا بهمزتين وإننا بنونين على الخبر ورجح أبو عبيد قراءة نافع ورد على من جمع بين استفهامين ومعنى الاية أنهم استنكروا واستبعدوا أن يخرجوا من قبورهم أحياء بعد أن قد صاروا ترابا
النمل : ( 68 ) لقد وعدنا هذا . . . . .
ثم أكدوا ذلك الاستبعاد بما هو تكذيب للبعث فقالوا لقد وعدنا هذا يعنون البعث نحن واباؤنا من قبل أي من قبل وعد محمد لنا والجملة مستأنفة مسوقة لقرير الإنكار مصدرة بالقسم لزيادة التقرير إن هذا الوعد بالبعث إلا أساطير الأولين أحاديثهم وأكاذيبهم الملفقة وقد تقدم تحقيق معنى الأساطير في سورة المؤمنون
النمل : ( 69 ) قل سيروا في . . . . .
ثم أوعدهم سبحانه على عدم قبول ما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث فأمرهم بالنظر في أحوال الأمم السابقة المكذبة للأنبياء وما عوقبوا به وكيف كانت عاقبتهم فقال ) قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( بما جاءت به الأنبياء من الإخبار بالبعث ومعنى النظر هو مشاهدة اثارهم بالبصر فإن في المشاهدة زيادة اعتبار وقيل المعنى فانظروا بقلوبكم وبصائركم كيف كان عاقبة المكذبين لرسلهم والأول أولى لأمرهم بالسير في الأرض
النمل : ( 70 ) ولا تحزن عليهم . . . . .
) ولا تحزن عليهم ( لما وقع منهم من الإصرار على الكفر ) ولا تكن في ضيق ( الضيق الحرج يقال ضاق الشيء ضيقا بالفتح وضيقا بالكسر قرىء بهما وهما لغتان قال ابن السكيت يقال في صدر فلان ضيق وضيق وهو ما تضيق عنه الصدور وقد تقدم تفسير هذه الاية في اخر سورة النحل
النمل : ( 71 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد ( أي بالعذاب التي تعدنا به إن كنتم


"""""" صفحة رقم 150 """"""
صادقين في ذلك
النمل : ( 72 ) قل عسى أن . . . . .
قل عسى أن يكون ردف لكم يقال ردفت الرجل وأردفته إذا ركبت خلفه وردفه إذا أتبعه وجاء في أثره والمعنى قل يا محمد لهؤلاء الكفار عسى أن يكون هذا العذاب الذي به توعدون تبعكم ولحقكم فتكون اللام زائدة للتأكيد أو بمعنى اقترب لكم ودنا لكم فتكون غير زائدة قال ابن شجرة معنى ردف لكم تبعكم قال ومنه ردف المرأة لأنه تبع لها من خلفها ومنه قول أبي ذؤيب عاد السواد بياضا في مفارقه
لا مرحبا ببياض الشيب إذ ردفا
قال الجوهري وأردفه لغة في ردفه مثل تبعه وأتبعه بمعنى قال خزيمة بن مالك بن نهد إذا الجوزاء أردفت الثريا
ظننت بال فاطمة الظنونا
قال الفراء ردف لكم دنا لكم ولهذا قيل لكم وقرأ الأعرج ردف لكم بفتح الدال وهي لغة والكسر أشهر وقرأ ابن عباس أزف لكم وارتفاع بعض الذي تستعجلون أي على أنه فاعل ردف والمراد بعض الذي تستعجلونه من العذاب أي عسى أن يكون قد قرب ودنا وأزف بعض ذلك قيل هو عذابهم بالقتل يوم بدر وقيل هو عذاب القبر
النمل : ( 73 ) وإن ربك لذو . . . . .
ثم ذكر سبحانه فضله في تأخير العذاب فقال ) وإن ربك لذو فضل على الناس ( في تأخير العقوبة والأولى أن تحمل الاية على العموم ويكون تأخير العقوبة من جملة أفضاله سبحانه وإنعامه ) ولكن أكثرهم لا يشكرون ( فضله وإنعامه لا يعرفون حق إحسانه
النمل : ( 74 ) وإن ربك ليعلم . . . . .
ثم بين أنه مطلع على ما في صدورهم فقال ) وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم ( أي ما تخفيه قرأ الجمهور تكن بضم التاء من أكن وقرأ ابن محيصن وابن السميفع وحميد بفتح التاء وضم الكاف يقال كننته بمعنى سترته وخفيت أثره ) وما يعلنون ( وما يظهرون من أقوالهم وأفعالهم
النمل : ( 75 ) وما من غائبة . . . . .
) وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ( قال المفسرون ما من شيء غائب وأمر يغيب عن الخلق في السماء والأرض إلا في كتاب مبين إلا هو مبين في اللوح المحفوظ وغائبة هي من الصفات لغالبة والتاء للمبالغة قال الحسن الغائبة هنا هي القيامة وقال مقاتل علم ما يستعجلون من العذاب هو مبين عند الله وإن غاب عن الخلق وقال ابن شجرة الغائبة هنا جميع ما أخفى الله عن خلقه وغيبه عنهم مبين في أم الكتاب فكيف يخفى عليه شيء من ذلك ومن جملة ذلك ما يسعجلونه من العذاب فإنه موقت بوقت ومؤجل بأجل علمه عند الله فكيف يستعجلونه قبل أجله المضروب له
النمل : ( 76 ) إن هذا القرآن . . . . .
) إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ( وذلك لأن أهل الكتاب تفرقوا فرقا وتحزبوا أحزابا يطعن بعضهم على بعض ويتبرأ بعضهم من بعض فنزل القران مبينا لما اختلفوا فيه من الحق فلو أخذوا به لوجدوا فيه ما يرفع اختلافهم ويدفع تفرقهم
النمل : ( 77 ) وإنه لهدى ورحمة . . . . .
) وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين ( أي وإن القران لهدى ورحمة لمن آمن بالله وتابع رسوله وخص المؤمنين لأنهم المنتفعون به ومن جملتهم من آمن من بني إسرائيل
النمل : ( 78 ) إن ربك يقضي . . . . .
) إن ربك يقضي بينهم بحكمه ( أي يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بما يحكم به من الحق فيجازى المحق ويعاقب المبطل وقيل يقضي بينهم في الدنيا فيظهر ما حرفوه قرأ الجمهور بحكمه بضم الحاء وسكون الكاف وقرأ جناح بكسرها وفتح الكاف جمه حكمة ) وهو العزيز العليم ( العزيز الذي لا يغالب والعليم بما يحكم به أو الكثير العلم
النمل : ( 79 ) فتوكل على الله . . . . .
ثم أمره سبحانه بالتوكل وقلة المبالاة فقال ) فتوكل على الله ( والفاء لترتيب الأمر على ما تقدم ذكره والمعنى فوض إليه أمرك واعتمد عليه فإنه ناصرك ثم علل ذلك بعلتين الأولى قوله ) إنك على الحق المبين ( أي الظاهر وقيل المظهر
النمل : ( 80 ) إنك لا تسمع . . . . .
والعلة الثانية قوله ) إنك لا تسمع الموتى ( لأنه إذا علم أن حالهم كحال الموتى في انتفاء الجدوى بالسماع أو كحال الصم الذين لا يسمعون ولا يفهمو ولا يهتدون


"""""" صفحة رقم 151 """"""
صار ذلك سببا قويا في عدم الاعتداد بهم شبه الكفار بالموتى الذين لا حس لهم ولا عقل وبالصم الذين لا يمسعون المواعظ ولا يجيبون الدعاء إلى الله ثم ذكر جملة لتكميل التشبيه وتأكيده فقال ) إذا ولوا مدبرين ( أي إذا أعرضوا عن الحق إعراضا تاما فإن الأصم لا يسمع الدعاء إذا كان مقبلا فكيف إذا كان معرضا عنه موليا مدبرا وظاهر نفى إسماع الموتى العموم فلا يخص منه إلا ما ورد بدليل كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه واله وسلم خاطب القتلى في قليب بدر فقيل له يا رسول الله إنما تكلم أجسادا أرواح لها وكذلك ما ورد من أن الميت يسمع خفق نعال المشيعين له إذا انصرفوا وقرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وابن أبي إسحاق لا يسمع بالتحتية مفتوحة وفتح الميم وفاعله الصم وقرأ الباقون تسمع بضم الفوقية وكسر الميم من أسمع قال قتادة الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان
النمل : ( 81 ) وما أنت بهادي . . . . .
ثم ضرب العمى مثلا لهم فقال ) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ( أي ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الحق إرشادا يوصله إلى المطلوب منه وهو الإيمان وليس في وسعك ذلك ومثله قوله إنك لا تهدى من أحببت قرأ الجمهور بإضافة هادى إلى العمى وقرأ يحيى بن الحارث وأبو حيان بهاد العمى بتنوين هاد وقرأ حمزة تهدى فعلا مضارعا وفي حرف عبد الله وما أن تهدى العمى إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ) ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من ألارض ( فهم مسلمون تعليل للإيمان أي فهم منقادون مخلصون
النمل : ( 82 ) وإذا وقع القول . . . . .
ثم هدد العباد بذكر طرف من أشراط الساعة وأهوالها فقال ) وإذا وقع القول عليهم (
واختلف في معنى وقوع القول عليهم فقال قتادة وجب الغضب عليهم وقال مجاهد حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون وقيل حق العذاب عليهم وقيل وجب السخط والمعاني متقاربة وقيل المراد بالقول ما نطق به القران من مجىء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها وقيل وقع القول بموت العلماء وذهاب العلم وقيل إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر والحاصل أن المراد بوقع وجب والمراد بالقول مضمونه أو أطلق المصدر على المفعول أي المقول وجواب الشرط ) أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم (
واختلف في هذه الدابة على أقوال فقيل إنها فصيل ناقة صالح يخرج عند اقتراب القيامة ويكون من أشراط الساعة وقيل هي دابة ذات شعر وقوائم طوال يقال لها الجساسة وقيل هي دابة على خلقة بني ادم وهي في السحاب وقوائمها في الأرض وقيل رأسها رأس ثور وعينها عين حنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إيل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذرعا وقيل هي الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة والمراد أنها هي التي تخرج في اخر الزمان وقيل هي دابة ما لها ذنب ولها لحية وقيل هي إنسان ناطق متكلم يناظر أهل البدع ويراجع الكفار وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره وقد رجح القول الأول القرطبي في تفسيره
واختلف من أي موضع تخرج فقيل من جبل الصفا بمكة وقيل تخرج من جبل أبي قبيس وقيل لها ثلاث خرجات خرجة في بعض البوادي حتى يتقاتل عليها الناس وتكثر الدماء ثم تكمن وتخرج في القرى ثم تخرج من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها وقيل تخرج من بين الركن والمقام وقيل تخرج في تهامة وقيل من مسجد الكوفة من حيث فار التنور وقيل من أرض الطائف وقيل من صخرة من شعب أجياد وقيل من صدع في الكعبة


"""""" صفحة رقم 152 """"""
واختلف في معنى قوله ) تكلمهم ( فقيل تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام وقيل تكلمهم بما يسوؤهم وقيل تكلمهم بقوله تعالى ) أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ( أي بخروجها لأن خروجها من الايات قرأ الجمهور تكلمهم من التكليم ويدل عليه قراءة أبي تنبئهم وقرأ ابن عباس وأبو زرعة وأبو رجاء والحسن تكلمهم بفتح الفوقية وسكون الكاف من الكلم وهو الجرح قال عكرمة أي تسمهم وسما وقيل تجرحهم وقيل إن قراءة الجمهور مأخوذة من الكلم بفتح الكاف وسكون اللام وهو الجرح والتشديد للتكثير قاله أبو حاتم قرأ الجمهور إن الناس كانوا باياتنا لا يوقنون بكسر إن على الاستئناف وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق بفتح أن قال الأخفش المعنى على قراءة الفتح بأن الناس وكذا قرأ ابن مسعود ? بأن الناس ? بالباء وقال أبو عبيد موضعها نصب بوقوع الفعل عليها أي تخبرهم أن الناس وعلى هذه القراءة فالذي تكلم الناس به هو قوله ) أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ( كما قدمنا الإشارة إلى ذلك وأما على قراءة الكسر فالجملة مستأنفه كما قدمنا ولا تكون من كلام الدابة وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين وجزم به الكسائي والفراء وقال الأخفش إن كسر إن هو على تقدير القول أي تقول لهم إن الناس الخ فيرجع معنى القراءة الأولى على هذا إلى معنى القراءة الثانية والمراد بالناس في الاية هم الناس على العموم فيدخل في ذلك كل مكلف وقيل المراد الكفار خاصة وقيل كفار مكة والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) عسى أن يكون ردف لكم ( قال اقترب لكم وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون ( قال يعلم ما عملوا بالليل والنهار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا ) وما من غائبة ( الاية يقول ما من شيء في السماء والأرض سرا ولا علانية إلا يعلمه وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد وعبد ابن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله ) وإذا وقع القول عليهم ( الاية قال إذا لم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية أنه فسر ) وقع القول عليهم ( بما أوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد امن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) دابة من الأرض تكلمهم ( قال تحدثهم وأخرج ابن جرير عنه قال كلامها تنبئهم أن الناس كانوا باياتنا لا يوقنون وأخروج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي داود نفيع الأعمى قال سألت ابن عباس عن قوله تكلمهم يعني هل هو من التكليم باللسان أو من الكلم وهو الجرح فقال كل ذلك والله تفعل تكلم المؤمن وتكلم الكافر أي تجرحه وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عمر في الاية قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليس ذلك حديث ولا كلام ولكنها سمة تسم من أمرها الله به فيكون خروجها من الصفا ليلة مني فيصبحون بين رأسها وذنبها لا يدحض داحض ولا يجرح جارح حتى إذا فرغت مما أمرها الله به فهلك من هلك ونجا من نجا كان أول خطوة تضعها بانطاكية وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال الدابة ذات وبر وريش مؤلفة فيها من كل لون لها أربع قوائم تخرج بعقب من الحاج وأخرج أحمد وابن مردويه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال تخرج الدابة فتسم على خراطيمهم ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة فيقال له ممن اشتريتها فيقول من الرجل المخطم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس إن للدابة ثلاث خرجات وذكر نحو ما قدمنا وأخرج ابن مردويه عن حذيفة بن أسيد رفعه قال تخرج الدابة من أعظم المساجد حرمة وأخرج سعيد


"""""" صفحة رقم 153 """"""
ابن منصور ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال تخرج من بعض أودية تهامة وأخرج الطيالسي وأحمد ونعيم بن حماد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى وخاتم سليمان فتجلو وجه المؤمن بالخاتم وتخطم أنف الكافر بالعصا حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر وأخرج الطيالسي ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال ذكر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الدابة فقال لها ثلاث خرجات من الدهر وذكر نحو ما قدمنا في حديث طويل وفي صفتها ومكان خروجها وما تصنعه ومتى تخرج أحاديث كثيرة بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف وأما كونها تخرج وكونها من علامات الساعة فالأحاديث الواردة في ذلك صحيحة ومنها ما هو ثابت في الصحيح كحديث حذيفة مرفوعا لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات وذكر منها الدابة فإنه في صحيح مسلم وفي السنن الأربعة وكحديث بادروا بالأعمال قبل طلوع الشمس من مغربها والدجال والدابة فإنه في صحيح مسلم أيضا من حديث أبي هريرة مرفوعا وكحديث ابن عمر مرفوعا إن أول الايات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى فإنه في صحيح مسلم أيضا
النمل ( 83 93 )
النمل : ( 83 ) ويوم نحشر من . . . . .
ثم ذكر سبحانه طرفا مجملا من أهوال يوم القيامة فقال ) ويوم نحشر من كل أمة فوجا ( العامل في الظرف


"""""" صفحة رقم 154 """"""
فعل محذوف خوطب به النبي صلى الله عليه واله وسلم والحشر الجمع قيل والمراد بهذا الحشر هو حشر العذاب بعد الحشر الكلى الشامل لجميع الخلق ومن لابتداء الغاية والفوج الجماعة كالزمرة ومن في ) ممن يكذب بآياتنا ( بيانية ) فهم يوزعون ( أي يحبس أولهم على اخرهم و قد تقدم تحقيقه في هذه السورة مستوفى وقيل معناه يدفعون ومنه قول الشماخ وسمه وزعنا من خميس جحفل
ومعنى الاية واذكر يا محمد يوم نجمع من كل أمة من الأمم جماعة مكذبين باياتنا فهم عند ذلك الحشر يرد أولهم على اخرهم أو يدفعون أي اذكر لهم هذا أو بينه تحذيرا لهم وترهيبا
النمل : ( 84 ) حتى إذا جاؤوا . . . . .
) حتى إذا جاؤوا ( إلى موقف الحساب قال الله لهم توبيخا وتقريعا ) أكذبتم بآياتي ( التي انزلتها على رسلي وأمرتهم بإبلاغها إليكم والحال أنكم ) ولم تحيطوا بها علما ( بل كذبتم بها بادىء بدء جاهلين لها غير ناظرين فيها ولا مستدلين على صحتها أو بطلانها تمردا وعنادا وجرءة على الله وعلى رسله وفي هذا مزيد تقريع وتوبيخ لأن من كذب بشيء ولم يحط به علما فقد كذب في تكذيبه ونادى على نفسه بالجهل وعدم الإنصاف وسوء الفهم وقصور الإدراك ومن هذا القبيل من تصدى لذم علم من العلوم الشرعية أو لذم علم هو مقدمة من مقدماتها ووسيلة يتوسل بها إليها ويفيد زيادة بصيرة في معرفتها وتعقل معانيها كعلوم اللغة العربية بأسرها وهي اثنا عشر علما وعلم أصول الفقه فإنه يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية وهكذا كل علم من العلوم التي لها مزيد نفع في فهم كتاب الله وسنة رسوله فإنه قد نادى على نفسه بأرفع صوت بأنه جاهل مجادل بالباطل طاعن على العلوم الشرعية مستحق لأن تنزل به قارعة من قوارع العقوبة التي تزجره عن جهله وضلاله وطعنه على مالا يعرفه ولا يعلم به ولا يحيط بكنهه حتى يصير عبرة لغيره وموعظة يتعظ بها أمثاله من ضعاف العقول وركاك الأديان ورعاع المتلبسين بالعلم زورا وكذبا وأم في قوله ) أم ماذا كنتم تعملون ( هي المنقطعة والمعنى أم أي شيء كنتم تعملون حتى شغلكم ذلك عن النظر فيها والتفكر في معانيها وهذا الاستفهام على طريق التبكيت لهم
النمل : ( 85 ) ووقع القول عليهم . . . . .
) ووقع القول عليهم ( قد تقدم تفسيره قريبا والباء في ) بما ظلموا ( للسببية أي وجب القول عليهم بسبب الظلم الذي أعظم أنواعه الشرك بالله ) فهم لا ينطقون ( عند وقوع القول عليهم أي ليس لهم عذر ينطقون به أو لا يقدرون على القول لما يرونه من الهول العظيم وقال أكثر المفسرين يختم على أفواههم فلا ينطقون
النمل : ( 86 ) ألم يروا أنا . . . . .
ثم بعد أن خوفهم بأهوال القيامة ذكر سبحانه ما يصلح أن يكون دليلا على التوحيد وعلى الحشر وعلى النبوة مبالغة في الإرشاد وإبلاء للمعذرة فقال ) ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ( أي جعلنا الليل للسكون والاستقرار والنوم وذلك بسبب ما فيه من الظلمة فإنهم لا يسعون فيه للمعاش والنهار مبصرا ليبصروا فيه ما يسعون له من المعاش الذي لا بد له منهم ووصف النهار بالإبصار وهو وصف للناس مبالغة في إضاءته كأنه يبصر ما فيه قيل في الكلام حذف والتقدير وجعلنا الليل مظلما ليسكنوا وحذف مظلما لدلالة مبصرا عليه وقد تقدم تحقيقه في الإسراء وفي يونس ) إن في ذلك ( المذكور ) الآيات ( أي علامات ودلالات لقوم يؤمنون بالله سبحانه
النمل : ( 87 ) ويوم ينفخ في . . . . .
ثم ذكر سبحانه علامة أخرى للقيامة فقال ) ويوم ينفخ في الصور ( هو معطوف على ويوم نحشر منصوب يناصبه المتقدم قال الفراء إن المعنى وذلكم يوم ينفخ في الصور والأول أولى والصور قرن ينفخ فيه إسرافيل وقد تقدم في الأنعام استيفاء الكلام عليه والنفخات في الصور ثلاث الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث وقيل إنها نفختان وإن نفخة الفزع إما أن تكون راجعة إلى نفخة الصعق أو إلى نفخة البعث واختار هذا القشيري والقرطبي وغيرهما وقال


"""""" صفحة رقم 155 """"""
الماوردي هذه النفخة المذكورة هنا يوم النشور من القبور ) ففزع من في السماوات ومن في الأرض ( أي خافوا وانزعجوا لشدة ما سمعوا وقيل المراد بالفزع هنا الإسراع والإجابة إلى النداء من قولهم فزعت إليك في كذا إذا أسرعت إلى إجابتك والأول أولى بمعنى الاية وإنما عبر بالماضي مع كونه معطوفا على مضارع للدلالة على تحقق الوقوع حسبما ذكره علماء البيان وقال الفراء هو محمول على المعنى لأن المعنى إذا نفخ ) إلا من شاء الله ( أي إلا من شاء الله أن لا يفزع عند تلك النفخة
واختلف في تعيين من وقع الاستثناء له فقيل هم الشهداء والأنبياء وقيل الملائكة وقيل جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وقيل الحور العين وقيل هم المؤمنون كافة بدليل قوله فيما بعد من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ امنون ويمكن أن يكون الاستثناء شاملا لجميع المذكورين فلا مانع من ذلك وكل أتوه داخرين قرأ الجمهور اتوه على صيغة اسم الفاعل مضافا إلى الضمير الراجع إلى الله سبحانه وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وحفص عن عاصم أتوه فعلا ماضيا وكذا قرأ ابن مسعود وقرأ قتادة وكل أتاه قال الزجاج إن من قرأ على الفعل الماضي فقد وحد على لفظ كل ومن قرأ على اسم الفاعل فقد جمع على معناه وهو غلط ظاهر فإن كلا القراءتين لا توحيد فيها بل التوحيد في قراءة قتادة فقط ومعنى داخرين صاغرين ذليلين وهو منصوب على الحال قرأ الجمهور داخرين وقرأ الأعرج دخرين بغير ألف وقد مضى تفسير هذا في سورة النحل
النمل : ( 88 ) وترى الجبال تحسبها . . . . .
) وترى الجبال تحسبها جامدة ( معطوف على ينفخ والخطاب لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم أو لكل من يصلح للرؤية و ) تحسبها جامدة ( في محل نصب على الحال من ضمير ترى أو من مفعوله لأن الرؤية بصرية وقيل هي بدل من الجملة الأولى وفيه ضعف وهذه هي العلامة الثالثة لقيام الساعة ومعنى تحسبها جامدة أي قائمة ساكنة وجملة وهي تمر مر السحاب في محل نصب على الحال أي وهي تسير سيرا حثيثا كسير السحاب التي تسيرها الرياح قال القتيبي وذلك أن الجبال تجمع وتسير وهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير قال القشيري وهذا يوم القيامة ومثله قوله تعالى ) وسيرت الجبال فكانت سرابا ( قرأ أهل الكوفة تحسبها بفتح السين وقرأ الباقون بكسرها ) صنع الله الذي أتقن كل شيء ( انتصاب صنع على المصدرية عند الخليل وسيبويه وغيرهما أي صنع الله ذلك صنعا وقيل هو مصدر مؤكد لقوله ) ويوم ينفخ في الصور ( وقيل منصوب على الإغراء أي انظروا صنع الله ومعنى الذي أتقن كل شيء الذي أحكمه يقال رجل تقن أي حاذق بالأشياء وجملة ) إنه خبير بما تفعلون ( تعليل لما قبلها من كونه سبحانه صنع ما صنع وأتقن كل شيء والخبير المطلع على الظواهر والضمائر قرأ الجمهور بالتاء الفوقية على الخطاب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالتحتية على الخبر
النمل : ( 89 ) من جاء بالحسنة . . . . .
) من جاء بالحسنة فله خير منها ( الألف واللام للجنس أي من جاء بجنس الحسنة فله من الجزاء والثواب عند الله خير منها أي أفضل منها وأكثر وقيل خير حاصل من جهتها والأول أولى وقيل المراد بالحسنة هنا لا إله إلا الله وقيل هي الإخلاص وقيل أداء الفرائض والتعميم أولى ولا وجه للتخصيص وإن قال به بعض السلف قيل وهذه الجملة بيان لقوله ) إنه خبير بما تفعلون ( وقيل بيان لقوله ) وكل أتوه داخرين ( قرأ عاصم وحمزة والكسائي ) وهم من فزع ( بالتنوين وفتح ميم ) يومئذ ( وقرأ نافع بفتحها من غير تنوين وقرأ الباقون بإضافة فزع إلى يومئذ قال أبو عبيد وهذا أعجب إلا لأنه أعم التأويلين لأن معناه الأمن من فزع جميع ذلك اليوم ومع التنوين يكون الأمن من فزع دون فزع وقيل إنه مصدر يتناول الكثير فلا يتم الترجيح بما ذكر فتكون القراءتان بمعنى واحد وقيل المراد بالفزع هاهنا هو الفزع الأكبر


"""""" صفحة رقم 156 """"""
المذكور في قوله لا يحزنهم الفزع الأكبر ووجه قراءة نافع أنه نصب يوم على الظرفية لكون الإعراب فيه غير متمكن ولما كانت إضافة الفزع إلى ظرف غير متمكن بني وقد تقدم في سورة هود كلام في هذا مستوفى
النمل : ( 90 ) ومن جاء بالسيئة . . . . .
) ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ( قال جماعة من الصحابة ومن بعدهم حتى قيل إنه مجمع عليه بين أهل التأويل إن المراد بالسيئة هنا الشرك ووجه التخصيص قوله ) فكبت وجوههم في النار ( فهذا الجزاء لا يكون إلا بمثل سيئة الشرك ومعنى ) فكبت وجوههم في النار ( أنهم كبوا فيها على وجوههم وألقوا فيها وطرحوا عليها يقال كببت الرجل إذا ألقيته لوجهه فانكب وأكب وجملة ) هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ( بتقدير القول أي يقال ذلك والقائل خزنة جهنم أي ما تجزون إلا جزاء عملكم
النمل : ( 91 ) إنما أمرت أن . . . . .
) إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ( لما فرغ سبحانه من بيان أحوال المبدإ والمعاد أمر رسوله صلى الله عليه واله وسلم أن يقول لهم هذه المقالة أي قل يا محمد إنما أمرت أن أخص الله بالعبادة وحده لا شريك له والمراد بالبلدة مكة وإنما خصها من بين سائر البلاد لكون فيها بيت الله الحرام ولكونها أحب البلاد إلى رسوله والموصول صفة للرب وهكذا قرأ الجمهور وقرأ ابن عباس وابن مسعود التي حرمها على أن الموصول صفة للبلدة ومعنى حرمها جعلها حرما امنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصطاد صيدها ولا يختلى خلاها ) وله كل شيء ( من الأشياء خلقا وملكا وتصرفا أي ولله كل شيء ) وأمرت أن أكون من المسلمين ( أي المنقادين لأمر الله المستسلمين له بالطاعة وامتثال أمره واجتناب نهيه والمراد بقوله ) أن أكون ( أن أثبت على ما أنا عليه
النمل : ( 92 ) وأن أتلو القرآن . . . . .
) وأن أتلو القرآن ( أي أداوم تلاوته وأواظب على ذلك قيل وليس المراد من تلاوة القران هنا إلا تلاوة الدعوة إلى الإيمان والأول أولى ) فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ( لأن نفع ذلك راجع إليه أي فمن اهتدى على العموم أو فمن اهتدى بما أتلوه عليه فعمل بما فيه من الإيمان بالله والعمل بشرائعه قرأ الجمهور وأن أتلو بإثبات الواو بعد اللام على أنه من التلاوة وهي القراءة أو من التلو وهو الاتباع وقرأ عبد الله وأن اتل بحذف الواو أمرا له صلى الله عليه واله وسلم كذا وجهه الفراء قال النحاس ولا نعرف أحدا قرأ هذه القراءة وهي مخالفة لجميع المصاحف ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين وقد فعلت بإبلاغ ذلك إليكم وليس على غير ذلك وقيل الجواب محذوف أي فوبال ضلاله عليه وأقيم إنما أنا من المنذرين مقامه لكونه كالعلة له
النمل : ( 93 ) وقل الحمد لله . . . . .
وقل الحمد لله على نعمه التي أنعم بها على من النبوة والعلم وغير ذلك وقوله سيريكم اياته هو من جملة ما أمر به النبي صلى الله عليه واله وسلم أن يقوله أي سيريكم الله اياته في أنفسكم وفي غيركم فتعرفونها أي تعرفون اياته ودلائل قدرته ووحدانيته وهذه المعرفة لا تنفع الكفار لأنهم عرفوها حين لا يقبل منهم الإيمان وذلك عند حضور الموت ثم ختم السورة بقوله ) وما ربك بغافل عما تعملون ( وهو كلام من جهته سبحانه غير داخل تحت الكلام الذي أمر النبي صلى الله عليه واله وسلم أن يقوله وفيه ترهيب شديد وتهديد عظيم قرأ أهل المدينة والشام وحفص عن عاصم تعملون بالفوقية على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله داخرين قال صاغرين وأخرج هؤلاء عنه في قوله ) وترى الجبال تحسبها جامدة ( قال قائمة ) صنع الله الذي أتقن كل شيء ( قال أحكم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) صنع الله الذي أتقن كل شيء ( قال أحسن كل شيء خلقه وأوثقه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ) من جاء بالحسنة فله خير منها (


"""""" صفحة رقم 157 """"""
قال هي لا إله إلا الله ) ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ( قال هي الشرك وإذا صح هذا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فالمصير إليه في تفسير كلام الله سبحانه متعين ويحمل على أن المراد قال لا إله إلا الله بحقها وما يجب لها فيدخل تحت ذلك كل طاعة ويشهد له ما أخرجه الحاكم في الكنى عن صفوان بن عسال قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا كان يوم القيامة جاء الإيمان والشرك يجثوان بين يدي الله سبحانه فيقول الله للإيمان انطلق أنت وأهلك إلى الجنة ويقول للشرك انطلق أنت وأهلك إلى النار ثم تلا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) من جاء بالحسنة فله خير منها ( يعني قول لا إله إلا الله ) ومن جاء بالسيئة ( يعني الشرك ) فكبت وجوههم في النار ( وأخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة وأنس نحوه مرفوعا وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم من جاء بالحسنة يعني شهادة أن لا إله إلا الله ) فله خير منها ( يعني بالخير الجنة ) ومن جاء بالسيئة ( يعني الشرك فكبت وجوههم في النار وقال هذه تنجى وهذه تردى وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات والخرائطي في مكارم الأخلاق عن ابن مسعود من جاء بالحسنة قال لا إله إلا الله ) ومن جاء بالسيئة ( قال بالشرك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ) فله خير منها ( قال له منها خير يعني من جهتها وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ) فله خير منها ( قال ثواب وأخرج أيضا عنه أيضا قال البلدة مكة
28
S
تفسير
سورة القصص
اياتها ثمان وثمانون آية وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء
حول السورة
وأخرج ابن الضريس وابن النجار وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال نزلت سورة القصص بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثل ذلك قال القرطبي قال ابن عباس وقتادة إنها نزلت بين مكة والمدينة وقال ابن سلام بالجحفة وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهي قوله عز وجل ) إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ( وقال مقاتل فيها من المدني ) الذين آتيناهم الكتاب ( إلى قوله ) لا نبتغي الجاهلين ( وأخرج أحمد والطبراني وابن مردويه قال السيوطي سنده جيد عن معد يكرب قال أتينا عبد الله بن مسعود فسألناه أن يقرأ علينا طسم المائتين فقال ما هي معي ولكن عليكم بمن أخذها من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حباب بن الأرت فأتيت خبابا فقلت كيف كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقرأ طسم أو طس فقال كل كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقرأه
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة القصص ( 1 13 )


"""""" صفحة رقم 158 """"""
القصص : ( 1 ) طسم
الكلام في فاتحة هذه السورة قد مر في فاتحة الشعراء وغيرها فلا نعيده
القصص : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . .
وكذلك مر الكلام على قوله ) تلك آيات الكتاب المبين ( فاسم الإشارة مبتدأ خبره ما بعده أو خبر مبتدأ محذوف وايات بدل من اسم الإشارة ويجوز أن يكون تلك في موضع نصب بنتلوا والمبين المشتمل على بيان الحق من الباطل قال الزجاج مبين الحق من الباطل والحلال من الحرام وهو من أبان بمعنى أظهر
القصص : ( 3 ) نتلوا عليك من . . . . .
) نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ( أي نوحى إليك من خبرهما ملتبسا بالحق وخص المؤمنين لأن التلاوة إنما ينتفع بها المؤمن وقيل إن مفعول نتلوا محذوف والتقدير نتلوا عليك شيئا من نبئهما ويجوز أن تكون من مزيدة على رأى الأخفش أي نتلو عليك نبأ موسى وفرعون والأولى أن تكون للبيان على تقدير المفعول كما ذكر أو للتبعيض ولا ملجىء للحكم بزيادتها والحق الصدق
القصص : ( 4 ) إن فرعون علا . . . . .
وجملة ) إن فرعون علا في الأرض ( وما بعدها مستأنفه مسوقة لبيان ما أجمله من النبأ قال المفسرون معنى علا تكبر وتجبر بسلطانه والمراد بالأرض أرض مصر وقيل معنى علا ادعى الربوبية وقيل علا عن عبادة ربه ) وجعل أهلها شيعا ( أي فرقا وأصنافا في خدمته يشايعونه على ما يريد ويطيعونه وجملة ) يستضعف طائفة منهم ( مستأنفة مسوقة لبيان حال الأهل الذين جعلهم فرقا وأصنافا ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من فاعل جعل أي جعلهم شيعا حال كونهم مستضعفا طائفة منهم ويجوز أن تكون صفة لطائفة والطائفة هم بنو إسرائيل وجملة ) يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ( بدل من الجملة الأولى ويجوز أن تكون مستأنفة للبيان أو حالا أو صفة كالتي قبلها على تقدير عدم كونها بدلا منها وإنما كان فرعون يذبح


"""""" صفحة رقم 159 """"""
أبناءهم ويترك النساء لأن المنجمين في ذلك العصر أخبروه أنه يذهب ملكه على يد مولود من بني إسرائيل قال الزجاج والعجب من حمق فرعون فإن الكاهن الذي أخبره بذلك إن كان صادقا عنده فما ينفع القتل وإن كان كاذبا فلا معنى للقتل ) إنه كان من المفسدين ( في الأرض بالمعاصى والتجبر وفيه بيان أن القتل من فعل أهل الإفساد
القصص : ( 5 ) ونريد أن نمن . . . . .
) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ( جاء بصيغة المضارع لحكاية الحالة الماضية واستحضار صورتها أي نريد أن نتفضل عليهم بعد استضعافهم والمراد بهؤلاء بنو إسرائيل والواو في ونريد للعطف على جملة ) إن فرعون علا ( وإن كانت الجملة المعطوف عليها اسمية لأن بينهما تناسبا من حيث ان كل واحدة منهما للتفسير والبيان ويجوز أن تكون حالا من فاعل يستضعف بتقدير مبتدأ أي ونحن نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض كما في قول الشاعر نجوت وارهنهم ملكا
والأول أولى ) ونجعلهم أئمة ( أي قاده في الخير ودعاة إليه وولاه على الناس وملوكا فيهم ) ونجعلهم الوارثين ( لملك فرعون ومساكن القبط واملاكهم فيكون ملك فرعون فيهم ويسكنون في مساكنه ومساكن قومه وينتفعون بأملاكه وأملاكهم
القصص : ( 6 ) ونمكن لهم في . . . . .
) ونمكن لهم في الأرض ( أي نجعلهم مقتدرين عليها وعلى أهلها مسلطين على ذلك يتصرفون به كيف شاءوا قرأ الجمهور ) نمكن ( بدون لام وقرأ الأعمش لنمكن بلام العلة ) ونري فرعون وهامان وجنودهما ( قرأ الجمهور نرى بنون مضمومة وكسر الراء على أن الفاعل هو الله سبحانه وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف ويرى بفتح الياء التحتية والراء والفاعل فرعون والقراءة الأولى الصق بالسياق لأن قبلها نريد ونجعل ونمكن بالنون وأجاز الفراء ويرى فرعون بضم الياء التحتية وكسر الراء أي ويرى الله فرعون ومعنى منهم من أولئك المستضعفين ما كانوا يحذرون الموصول هو المفعول الثاني على القراءة الأولى والمفعول الأول على القراءة الثانية والمعنى أن الله يريهم أو يرون هم الذين كانوا يحذرون منه ويجتهدون في دفعه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد المولود من بني إسرائيل المستضعفين
القصص : ( 7 ) وأوحينا إلى أم . . . . .
) وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ( أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس ذلك هو الوحى الذي يوحى إلى الرسل وقيل كان ذلك رؤيا في منامها وقيل كان ذلك بملك أرسله الله يعلمها بذلك
وقد أجمع العلماء على أنها لم تكن نبية وإنما كان إرسال الملك إليها عند من قال به على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى كما في الحديث الثابت في الصحيحين وغيرهما وقد سلمت على عمران بن حصين الملائكة كما في الحديث الثابت في الصحيح فلم يكن بذلك نبيا وأن في أن ارضعيه هي المفسرة لأن في الوحى معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية أي بأن أرضعيه وقرأ عمر بن عبد العزيز بكسر نون أن ووصل همزة أرضعيه فالكسر لالتقاء الساكنين وحذف همزة الوصل على غير القياس ) فإذا خفت عليه ( من فرعون بأن يبلغ خبره إليه ) فألقيه في اليم ( وهو بحر النيل وقد تقدم بيان الكيفية التي ألقته في اليم عليها في سورة طه ) ولا تخافي ولا تحزني ( أي لا تخافي عليه الغرق أو الضيعة ولا تحزني لفراقه ) إنا رادوه إليك ( عن قريب على وجه تكون به نجاته ) وجاعلوه من المرسلين ( الذين نرسلهم إلى العباد
القصص : ( 8 ) فالتقطه آل فرعون . . . . .
والفاء في قوله ) فالتقطه آل فرعون ( هي الفصيحة والالتقاط إصابة الشيء من غير طلب والمراد بال فرعون هم الذين أخذوا التابوت الذي فيه موسى من البحر وفي الكلام حذف والتقدير فألقته في اليم بعد ما جعلته في التابوت فالتقطه من وجده من ال فرعون واللام في ) ليكون لهم عدوا وحزنا ( لام العاقبة ووجه ذلك أنهم إنما أخذوه ليكون لهم ولدا وقرة عين


"""""" صفحة رقم 160 """"""
لا ليكون عدوا فكان عاقبة ذلك إنه كان لهم عدوا وحزنا ولما كانت هذه العداوة نتيجة لفعلهم وثمرة له شبهت بالداعي الذين يفعل الفاعل الفعل لأجله ومن هذا قول الشاعر لدوا للموت وابنو للخراب
وقول الاخر
وللمنايا تربى كل مرضعة ودورنا لخراب الدهر نبنيها
قرأ الجمهور وحزنا بفتح الحاء والزاي وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف وحزنا بضم الحاء وسكون الزاي واختار القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم وهما لغتان كالعدم والعدم والرشد والرشد والسقم والسقم وجملة ) إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ( لتعليل ما قبلها أو للاعتراض لقصد التأكيد ومعنى خاطئين عاصين اثمين في كل أفعالهم وأقوالهم وهو مأخوذ من الخطأ المقابل للصواب وقرىء خاطين بياء من دون همزة فيحتمل أن يكون معنى هذه القراءة معنى قراءة الجمهور ولكنها خففت بحذف الهمزة ويحتمل أن تكون من خطا يخطو أي تجاوز الصواب
القصص : ( 9 ) وقالت امرأة فرعون . . . . .
) وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك ( أي قالت امرأة فرعون لفرعون وارتفاع قرة على أنه خبر مبتدأ محذوف قاله الكسائي وغيره وقيل على أنه مبتدأ وخبره لا تقتلوه قاله الزجاج والأول أولى وكان قولها لهذا القول عند رؤيتها له لما وصل إليها وأخرجته من التابوت وخاطبت بقولها لا تقتلوه فرعون ومن عنده من قومه أو فرعون وحده على طريقة التعظيم له وقرأ عبد الله بن مسعود وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرة عين لي ولك ويجوز نصب قرة بقوله لا تقتلوه على الاشتغال وقيل إنها قالت لا تقتلوه فإن الله أتى به من أرض بعيدة وليس من بني إسرائيل ثم عللت ما قالته بالترجي منها لحصول النفع منه لهم أو التبني له فقالت ) عسى أن ينفعنا ( فنصيب منه خيرا ) أو نتخذه ولدا ( وكانت لا تلد فاستوهبته من فرعون فوهبه لها وجملة ) وهم لا يشعرون ( في محل نصب على الحال أي وهم لا يشعرون أنهم على خطأ في التقاطه ولا يشعرون أن هلاكهم على يده فتكون حالا من ال فرعون وهي من كلام الله سبحانه وقيل هي من كلام المرأة أي وبنو إسرائيل لا يدرون أنا التقطناه وهم لا يشعرون قاله الكلبي وهو بعيد جدا وقد حكى الفراء عن السدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن قوله ) لا تقتلوه ( من كلام فرعون واعترضه بكلام يرجع إلى اللفظ ويكفى في رده ضعف إسناده
القصص : ( 10 ) وأصبح فؤاد أم . . . . .
) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ( قال المفسرون معنى ذلك أنه فارغ من كل شيء إلا من أمر موسى كأنها لم تهتم بشيء سواه قال أبو عبيدة خاليا من ذكر كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى وقال الحسن وابن إسحاق وابن زيد فارغا مما أوحى إليها من قوله ) ولا تخافي ولا تحزني ( وذلك لما سول الشيطان لها من غرقه وهلاكه وقال الأخفش فارغا من الخوف والغم لعلمها أنه لم غرق بسبب ما تقدم من الوحي إليها وروى مثله عن أبي عبيدة أيضا وقال الكسائي ناسيا ذاهلا وقال العلاء ابن زياد نافرا وقال سعيد بن جبير والها كادت تقول واابناه من شدة الجزع وقال مقاتل كادت تصيح شفقة عليه من الغرق وقيل المعنى أنها لما سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والدهش قال النحاس وأصح هذه الأقوال الأول والذين قالوه أعلم بكتاب الله فإذا كان فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي وقول من قال فارغا من الغم غلط قبيح لأن بعده ) إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ( وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري ومحمد بن السميفع وأبو العالية وابن محيصن فزغا بالفاء والزاي والعين المهملة من الفزع أي خائفا وجلا وقرأ ابن عباس قرعا بالقاف المفتوحة والراء المهملة المسكورة والعين المهملة من قرع رأسه إذا انحسر شعره ومعنى وأصبح وصار كما قال الشاعر


"""""" صفحة رقم 161 """"""
مضى الخلفاء في أمر رشيد
وأصبحت المدينة للوليد
) إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ( أن هي المخففه من الثقيلة واسمها ضمير شان محذوف أي إنها كادت لتظهر أمر موسى وأنه ابنها من فرط مادهمها من الدهش والخوف والحزن من بدا يبدو إذا ظهر وأبدى يبدى إذا أظهر وقيل الضمير في به عائد إلى الوحي الذي أوحى إليها والأول أولى وقال الفراء إن كانت لتبدى باسمه لضيق صدرها لولا أن ربطنا على قلبها قال الزجاج ومعنى الربط على القلب إلهام الصبر وتقويته وجواب لولا محذوف أي لولا أن ربطنا على قلبها لأبدت واللام في ) لتكون من المؤمنين ( متعلق بربطنا والمعنى ربطنا على قلبها لتكون من المصدقين بوعد الله وهو قوله ) إنا رادوه إليك ( قيل والباء في ) لتبدي به ( زائدة للتأكيد والمعنى لتبديه كما تقول أخذت الحبل وبالحبل وقيل المعنى لتبدي القول به
القصص : ( 11 ) وقالت لأخته قصيه . . . . .
) وقالت لأخته قصيه ( أي قالت أم موسى لأخت موسى وهي مريم قصيه أي تتبعي أثره واعرفي خبره وانظري أين وقع وإلى من صار يقال قصصت الشيء إذا اتبعت أثره متعرفا لحاله ) فبصرت به عن جنب ( أي أبصرته عن بعد وأصله عن مكان جنب ومنه الأجنبي قال الشاعر فلا تحرميني نائلا عن جنابة
فإني امرؤ وسط الديار غريب
وقيل المراد بقوله عن جنب عن جانب والمعنى أنها أبصرت إليه متجانفة مخاتلة ويؤيد ذلك قراءة النعمان بن سالم عن جانب ومحل عن جنب النصب على الحال إما من الفاعل أي بصرت به مستخفية كائنة عن جنب وإما من المجرور أي بعيدا منها قرأ الجمهور بصرت به بفتح الباء وضم الصاد وقرأ قتادة بفتح الصاد وقرأ عيسى بن عمر بكسرها قال المبرد أبصرته وبصرت به بمعنى وقرأ الجمهور ) عن جنب ( بضمتين وقرأ قتادة والحسن والأعرج وزيد بن علي بفتح الجيم وسكون النون وروى عن قتادة أيضا أنه قرأ بفتحهما وروى عن الحسن أيضا أنه قرأ بضم الجيم وسكون النون وقال أبو عمرو بن لعلاء إن معنى عن جنب عن شوق قال وهي لغة جذام يقولون جنبت إليك أي اشتقت إليك وهم لا يشعرون أنها تقصه وتتبع خبره وأنها أخته
القصص : ( 12 ) وحرمنا عليه المراضع . . . . .
) وحرمنا عليه المراضع ( المراضع جمع مرضع أي منعناه أن يرضع من المرضعات وقيل المراضع جمع مرضع بفتح الضاد وهو الرضاع أو موضعه وهو الثدي ومعنى من قبل من قبل أن نرده إلى أمه أو من قبل أن تأتيه أمه أو من قبل قصها لأثره وقد كانت امرأة فرعون طلبت لموسى المرضعات ليرضعنه فلم يرضع من واحدة منهم فعند ذلك قالت أي أخته لما رأت امتناعه من الرضاع ) هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ( أي يضمنون لكم القيام به وإرضاعه ) وهم له ناصحون ( أي مشفقون عليه لا يقصرون في إرضاعه وتربيته وفي الكلام حذف والتقدير فقالوا لها من هم فقالت أمي فقيل لها وهل لأمك لبن قالت نعم لبن أخي هارون فدلتهم على أم موسى فدفعوه إليها فقبل ثديها ورضع منه
القصص : ( 13 ) فرددناه إلى أمه . . . . .
وذلك معنى قوله سبحانه ) فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ( بولدها ) ولا تحزن ( على فراقه ) ولتعلم أن وعد الله ( أي جميع وعده ومن جملة ذلك ما وعدها بقوله ) إنا رادوه إليك ( حق لا خلف فيه واقع لا محالة ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أي أكثر ال فرعون لا يعلمون بذلك بل كانوا في غفلة عن القدر وسر القضاء أو أكثر الناس لا يعلمون بذلك أو لا يعلمون وعدها بأن يرده إليها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) وجعل أهلها شيعا ( قال فرق بينهم وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) وجعل أهلها شيعا (


"""""" صفحة رقم 162 """"""
قال يستعبد طائفة منهم ويدع طائفة ويقتل طائفة ويستحيى طائفة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله ) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ( قال يوسف وولده وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ( قال هم بنو إسرائيل ) ونجعلهم أئمة ( أي ولاة الأمر ) ونجعلهم الوارثين ( أي الذين يرثون الأرض بعد فرعون وقومه ) ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ( قال ما كان القوم حذروه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وأوحينا إلى أم موسى ( أي ألهمناها الذي صنعت بموسى وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش قال قال ابن عباس في قوله ) فإذا خفت عليه ( قال أن يسمع جيرانك صوته وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ( قال فرغ من ذكر كل شيء من أمر الدنيا إلا من ذكر موسى وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله ) وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ( قال خاليا من كل شيء غير ذكر موسى وفي قوله ) إن كادت لتبدي به ( قال تقول يا ابناه وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه في قوله ) وقالت لأخته قصيه ( أي اتبعي أثره ) فبصرت به عن جنب ( قال عن جانب وأخرج الطبراني وابن عساكر عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لخديجة أما شعرت أن الله زوجني مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وامرأة فرعون قالت هنيئا لك يا رسول الله وأخرجه ابن عساكر عن ابن أبي رواد مرفوعا بأطول من هذا وفي اخره أنها قالت بالرفاء والبنين وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) وحرمنا عليه المراضع من قبل ( قال لا يؤتى بمرضع فيقبلها
سورة القصص ( 14 24 )


"""""" صفحة رقم 163 """"""
القصص : ( 14 ) ولما بلغ أشده . . . . .
قوله ) ولما بلغ أشده ( قد تقدم الكلام في بلوغ الأشد في الأنعام وقد قال ربيعة ومالك هو الحلم لقوله تعالى ) حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا ( الاية وأقصاه أربع وثلاثون سنة كما قال مجاهد وسفيان الثوري وغيرهما وقيل الأشد ما بين الثمانية عشر إلى الثلاثين والاستواء من الثلاثين إلى الأربعين وقيل الاستواء هو بلوغ الأربعين وقيل الاستواء إشارة إلى كمال الخلقة وقيل هو بمعنى واحد وهو ضعيف لأن العطف يشعر بالمغايرة ) آتيناه حكما وعلما ( الحكم الحكمة على العموم وقيل النبوة وقيل الفقه في الدين والعلم الفهم قاله السدي وقال مجاهد الفقه وقال إبن إسحاق العلم بدينه ودين ابائه وقيل كان هذا قبل النبوة وقد تقدم بيان معنى ذلك في البقرة ) وكذلك نجزي المحسنين ( أي مثل ذلك الجزاء الذي جزينا أم موسى لما استسلمت لأمر الله وألقت ولدها في البحر وصدقت بوعد الله نجزي المحسنين على إحسانهم والمراد العموم
القصص : ( 15 ) ودخل المدينة على . . . . .
) ودخل المدينة ( أي ودخل موسى مدينة مصر الكبرى وقيل مدينة غيرها من مدائن مصر ومحل قوله ) على حين غفلة من أهلها ( النصب على الحال إما من الفاعل أي مستخفيا وإما من المفعول قيل لما عرف موسى ما هو عليه من الحق في دينه عاب ما عليه قوم فرعون وفشا ذلك منه فأخافوه فخافهم فكان لا يدخل المدينة إلا مستخفيا قبل كان دخوله بين العشاء والعتمة وقيل وقت القائلة قال الضحاك طلب أن يدخل المدينة وقت غفلة أهلها فدخل على حين علم منهم فكان منه ما حكى الله سبحانه بقوله ) فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته ( أي ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل ) وهذا من عدوه ( أي من المعادين له على دينه وهم قوم فرعون ) فاستغاثه الذي من شيعته ( أي طلب منه أن ينصره ويعينه على خصمه ) على الذي من عدوه ( فأغاثه لأن نصر المظلوم واجب في جميع الملل قيل أراد القبطي أن يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا لمطبخ فرعون فأبى عليه واستغاث بموسى فوكزه موسى الوكز الضرب بجمع الكف وهكذا اللكز واللهز وقيل اللكز على اللحى والوكز على القلب وقبل ضربه بعصاه وقرأ ابن مسعود فلكزه وحكى الثعلبي أن في مصحف عثمان فنكزه بالنون قال الأصمعي نكزه بالنون ضربه ودفعه قال الجوهري اللكز الضرب على الصدر وقال أبو زيد في جميع الجسد يعني أنه يقال له لكز واللهز الضرب بجميع اليدين في الصدر ومثله عن أبي عبيدة فقضى عليه أي قتله وكل شيء أتيت عليه وفرغت منه فقد قضيت عليه ومنه قول الشاعر قد عضه فقضى عليه الأشجع
قيل لم يقصد موسى قتل القبطي وإنما قصد دفعه فأتى ذلك على نفسه ولهذا قال ) هذا من عمل الشيطان (


"""""" صفحة رقم 164 """"""
وإنما قال بهذا القول مع أن المقتول كافر حقيق بالقتل لأنه لم يكن إذ ذاك مأمورا بقتل الكفار وقيل إن تلك الحالة حالة كف عن القتال لكونه مأمونا عندهم فلم يكن له أن يغتالهم ثم وصف الشيطان بقوله ) إنه عدو مضل مبين ( أي عدو للإنسان يسعى في إضلاله ظاهر العداوة والإضلال وقيل إن الإشارة بقوله هذا إلى عمل المقتول لكونه كافرا مخالفا لما يريده الله وقيل إنه إشارة إلى المقتول نفسه يعني أنه من جند الشيطان وحزبه
القصص : ( 16 ) قال رب إني . . . . .
ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه ) قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر ( الله له ذلك ) إنه هو الغفور الرحيم ( ووجه استغفاره أنه لم يكن لنبي أن يقتل حتى يؤمر وقيل إنه طلب المغفرة من تركه للأولى كما هو سنة المرسلين أو أراد إني ظلمت بقتل هذا الكافر لأن فرعون لو يعرف ذلك لقلتني به ومعنى فاغفر لي فاستر ذلك على لا تطلع عليه فرعون وهذا خلاف الظاهر فإن موسى عليه السلام ما زال نادما على ذلك خائفا من العقوبة بسببه حتى إنه يوم القيامة عند طلب الناس الشفاعة منه يقول إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها كما ثبت ذلك في حديث الشفاعة الصحيح وقد قيل إن هذا كان قبل النبوة وقيل كان ذلك قبل بلوغه سن التكليف وإنه كان إذ ذاك في اثنتي عشرة سنة وكل هذه التأويلات البعيدة محافظة على ما تقرر من عصمة الأنبياء ولا شك أنهم معصومون من الكبائر والقتل الواقع منه لم يكن عن عمد فليس بكبيرة لأن الوكزة في الغالب لا تقتل
القصص : ( 17 ) قال رب بما . . . . .
ثم لما أجاب الله سؤاله وغفر له ما طلب منه مغفرته ) قال رب بما أنعمت علي ( هذه الباء يجوز أن تكون باء القسم والجواب مقدر أي أقسم بإنعامك على لأتوبن وتكون جملة ) فلن أكون ظهيرا للمجرمين ( كالتفسير للجواب وكأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرما ويجوز أن تكون هذه الباء هي باء السببية متعلقة بمحذوف أي أعصمني بسبب ما أنعمت به علي ويكون قوله ) فلن أكون ظهيرا ( مترتبا عليه ويكون في ذلك استعطاف لله تعالى وتوصل إلى إنعامه بإنعامه و ما في قوله ) بما أنعمت ( إما موصولة أو مصدرية والمراد بما أنعم به عليه هو ما اتاه من الحكم والعلم أو بالمغفرة أو بالجميع وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون والانتظام في جملته في ظاهر الأمر أو مظاهرته على مافيه إثم قال الكسائي والفراء ليس قوله ) فلن أكون ظهيرا للمجرمين ( خبرا بل هو دعاء أي فلا تجعلني يا رب ظهيرا لهم قال الكسائي وفي قراءة عبد الله فلا تجعلني يا رب ظهيرا للمجرمين وقال الفراء المعنى اللهم فلن أكون ظهيرا للمجرمين وقال النحاس إن جعله من باب الخبر أو في وأشبه بنسق الكلام
القصص : ( 18 ) فأصبح في المدينة . . . . .
) فأصبح في المدينة خائفا يترقب ( أي دخل في وقت الصباح في المدينة التي قتل فيها القبطي وخائفا خبر أصبح ويجوز أن يكون حالا والخبر في المدينة ويترقب يجوز أن يكون خبرا ثانيا وأن يكون حالا ثانية وأن يكون بدلا من خائفا ومفعول يترقب محذوف والمعنى يترقب المكروه أو يترقب الفرح ) فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ( إذا هي الفجائية والموصول مبتدأ وخبره يستصرخه أي فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي استغاثه بالأمس يقاتل قبطيا اخر أراد أن يسخره ويظلمه كما أراد القبطي الذي الذي قد قتله موسى بالأمس والاستصراخ الاستغاثة وهو من الصراخ وذلك أن المستغيث يصوت ويصرخ في طلب الغوث ومنه قول الشاعر كنا إذا ما أتانا صارخ فزع
كان الجواب له قرع الظنابيب
) قال له موسى إنك لغوي مبين ( أي بين الغواية وذلك أنك تقاتل من لا تقدر على مقاتلته ولا تطيقه وقيل إنما قال له هذه المقالة لأنه تسبب بالأمس لقتل رجل يريد اليوم أن يتسبب لقتل اخر
القصص : ( 19 ) فلما أن أراد . . . . .
) فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ( أي يبطش بالقبطي الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي حيث لم يكن على دينهما وقد تقدم


"""""" صفحة رقم 165 """"""
معنى يبطش واختلاف القراء فيه ) قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ( القائل هو الإسرائيلي لما سمع موسى يقول له ) إنك لغوي مبين ( وراه يريد أن يبطش بالقبطي ظن أنه يريد أن يبطش به فقال لموسى ) أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ( فلما سمع القبطي ذلك أفشاه ولم يكن قد علم أحد من أصحاب فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس حتى أفشى عليه الإسرائيلي هكذا قال جمهور المفسرين وقيل إن القائل ) أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ( هو القبطي وكان قد بلغه الخبر من جهة الإسرائيلي وهذا هو الظاهر وقد سبق ذكر القبطي قبل هذا بلا فصل لأنه هو المراد بقوله عدو لهما ولا موجب لمخالفة الظاهر حتى يلزم عنه أن المؤمن بموسى المستغيث به المرة الأولى والمرة الأخرى هو الذي أفشى عليه وأيضا إن قوله ) إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض ( لا يليق صدور مثله إلا من كافر وإن في قوله ) إن تريد ( هي النافية أي ما تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض قال الزجاج الجبار في اللغة الذي لا يتواضع لأمر الله والقاتل بغير حق جبار وقيل الجبار الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل ولا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن ) وما تريد أن تكون من المصلحين ( أي الذين يصلحون بين الناس
القصص : ( 20 ) وجاء رجل من . . . . .
) وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ( قيل المراد بهذا الرجل حزقيل وهو مؤمن ال فرعون وكان ابن عم موسى وقيل اسمه شمعون وقيل طالوت وقيل شمعان والمراد بأقصى المدينة اخرها وأبعدها ويسعى يجوز أن يكون في محل رفع صفة لرجل ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال لأن لفظ رجل وإن كان نكرة فقد تخصص بقوله من أقصى المدينة ) قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ( أي يتشاورون في قتلك ويتامرون بسببك قال الزجاج يأمر بعضهم بعضا بقتلك وقال أبو عبيد يتشاورون فيك ليقتلوك يعني أشراف قوم فرعون قال الأزهري ائتمر القوم وتامروا أي أمر بعضهم بعضا نظيره قوله ) وأتمروا بينكم بمعروف ( قال النمر بن تولب أرى الناس قد أحدثوا شيمة
وفي كل حادثة يؤتمر
) فاخرج إني لك من الناصحين ( في الأمر بالخروج واللام للبيان لأن معمول المجرور لا يتقدم عليه
القصص : ( 21 ) فخرج منها خائفا . . . . .
) فخرج منها خائفا يترقب ( فخرج موسى من المدينة حال كونه خائفا من الظالمين مترقبا لحوقهم به وإدراكهم له ثم دعا ربه بأن ينجيه مما خافه قائلا ) رب نجني من القوم الظالمين ( أي خلصني من القوم الكافرين وادفعهم عني وحل بيني وبينهم
القصص : ( 22 ) ولما توجه تلقاء . . . . .
) ولما توجه تلقاء مدين ( أي نحو مدين قاصدا لها قال الزجاج أي سلك في الطريق الذي تلقاء مدين فيها انتهى يقال داره تلقاء دار فلان وأصله من اللقاء ولم تكن هذه القرية داخلة تحت سلطان فرعون ولهذا خرج إليها ) قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ( أي يرشدني نحو الطريق المستوية إلى مدين
القصص : ( 23 ) ولما ورد ماء . . . . .
ولما ورد ماء مدين أي وصل إليه وهو الماء الذي يستقون منه وجد عليه أمة من الناس يسقون أي وجد على الماء جماعة كثيرة من الناس يسقون مواشيهم ولفظ الورود قد يطلق على الدخول في المورد وقد يطلق على البلوغ إليه وإن لم يدخل فيه وهو المراد هنا ومنه قول زهير فلما وردنا الماء زرقا حمامه
وقد تقدم تحقيق معنى الورود في قوله وإن منكم إلا واردها وقيل مدين اسم للقبيلة لا للقرية وهي غير منصرفة على كلا التقديرين ) ووجد من دونهم ( أي من دون الناس الذين يسقون ما بينهم وبين الجهة التي جاء بها وقيل معناه في موضع أسفل منهم امرأتين تذودان أي تحبسان أغنامهما من الماء حتى يفرغ الناس ويخلو بينهما وبين الماء ومعنى الذود الدفع والحبس ومنه قول الشاعر
أبيت على باب القوافى كأنما أذود بها سربا من الوحش نزعا


"""""" صفحة رقم 166 """"""
أي أحبس وأمنع وورد الذود بمعنى الطرد ومنه قول الشاعر لقد سلبت عصاك بنو تميم
فما تدري بأي عصى تذود
أي تطرد قال ما خطبكما أي قال موسى للمرأتين ما شأنكما لا تسقيان غنمكما مع الناس والخطب الشأن قيل وإنما يقال ما خطبك لمصاب أو مضطهد أو لمن يأتي بمنكر قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء أي إن عادتنا التأني حتى يصدر الناس عن الماء وينصرفوا منه حذرا من مخالطتهم أو عجزا عن السقي معهم قرأ الجمهور يصدر بضم الياء وكسر الدال مضارع أصدر المعتدى بالهمزة وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وابو جعفر بفتح الياء وضم الدال من صدر يصدر لازما فالمفعول على القراءة الأولى محذوف أي يرجعون مواشيهم والرعاء جمع راع قرأ الجمهور الرعاء بكسر الراء وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بفتحها قال أبو الفضل هو مصدر أقيم مقام الصفة فلذلك استوى فيه الواحد والجمع وقرىء الرعاء بالضم اسم جمع وقرأ طلحة بن مصرف نسقى بضم النون من أسقى ) وأبونا شيخ كبير ( عالى السن وهذا من تمام كلامهما أي لا يقدر أن يسقى ماشيته من الكبر فلذلك احتجنا ونحن امرأتان ضعيفتان أن نسقى الغنم لعدم وجود رجل يقوم لنا بذلك
القصص : ( 24 ) فسقى لهما ثم . . . . .
فما سمع موسى كلامهما سقى لهما رحمة لهما أي سقى أغنامهما لأجلهما ثم لما فرغ من السقي لهما تولى إلى الظل أي انصرف إليه فجلس فيه قيل كان هذا الظل ظل سمرة هنالك ثم قال لما أصابه من الجهد والتعب مناديا لربه ) إني لما أنزلت إلي من خير ( أي خير كان فقير أي محتاج إلى ذلك قيل أراد بذلك الطعام واللام في لما أنزلت معناها إلى قال الأخفش يقال هو فقير له وإليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والمحاملي في أمالية من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله ولما بلغ أشده قال ثلاثا وثلاثين سنة واستوى قال أربعين سنة وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المعمرين من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه قال الأشد ما بين الثماني عشرة إلى الثلاثين والاستواء ما بين الثلاثين إلى الأربعين فإذا زاد على الأربعين أخذ في النقصان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه أيضا في قوله ) ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها ( قال نصف النهار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء الخراساني عنه أيضا في الاية قال ما بين المغرب والعشاء وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا هذا من شيعته قال إسرائيل وهذا من عدوه قال قبطي فاستغاثه الذي من شيعته الإسرائيلي على الذى من عدوة القبطي فوكزه موسى فقضى عليه قال فمات قال فكبر ذلك على موسى وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ( قال هو صاحب موسى الذي استنصره بالأمس وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال الذي استنصره هو الذي استصرخه وأخرج ابن المنذر عن الشعبي قال من قتل رجلين فهو جبار ثم تلا هذه الاية إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال لا يكون الرجل جبارا حتى يقتل نفسين وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال خرج موسى خائفا يترقب جائعا ليس معه زاد حتى انتهى إلى ماء مدين و عليه أمة من الناس يسقون وامرأتان جالستان بشياهههما فسألهما ) ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ( قال فهل قربكما ماء قالتا لا إلا بئر عليها صخرة قد غطيت بها لا يطيقها نفر قال فانطلقتا فأريانيها فانطلقتا معه فقال بالصخرة بيده فنحاهما


"""""" صفحة رقم 167 """"""
ثم استقى لهم سجلا واحدا فسقى الغنم ثم أعاد الصخرة إلى مكانها ) ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ( فسمعتا قال فرجعتا إلى أبيهما فاستنكر سرعة مجيئهما فسألهما فأخبرتاه فقال لإحداهما انطلقى فادعيه فأتت فقالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فمشت بين يديه فقال لها امشي خلفي فإني امروء من عنصر إبراهيم لا يحل لي أن أرى منك ما حرم الله علي وأرشديني الطريق فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال لها أبوها ما رأيت من قوته وأمانته فأخبرته بالأمر الذي كان قالت أما قوته فإنه قلب الحجر وحده وكان لا يقلبه إلا النفر وأما أمانته فقال امشى خلفى وأرشديني الطريق لأني امرؤ من عنصر إبراهيم لا يحل لي منك ما حرمه الله قيل لابن عباس أي الأجلين قضى موسى قال إبرهما وأوفاهما وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال إن موسى لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون فلما فرغوا أعاداوا الصخرة على البئر ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال فإذا هو بامرأتين قال ما خطبكما فحدثناه فأتى الحجر فرفعه وحده ثم استقى فلم يستق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم فرجعت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه وتولى موسى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير قال ) فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ( واضعة ثوبها على وجهها ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فقام معها موسى فقال لها امشي خلفي وانعتي لي الطريق فإني أكره أن يصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك فلما انتهى إلى أبيها قص عليه فقالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال يا بنية ما علمك بأمانته وقوته قالت أما قوته فرفعه الحجر ولا يطيقه إلا عشرة رجال وأما أمانته فقال امشي خلفي وانعتي لي الطريق فإني أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي جسدك فزاده ذلك رغبة فيه فقال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين إلى قوله ) ستجدني إن شاء الله من الصالحين ( أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت قال موسى ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي قال نعم قال والله على ما نقول وكيل فزوجه وأقام معه يكفيه ويعمل في رعاية غنمه وما يحتاج إليه وزوجه صفورا وأختها شرفا وهما اللتان كانتا تذودان قال ابن كثير بعد إخراجه لطرق من هذا الحديث إن إسناده صحيح والسلفع من النساء الجريئة السليطة وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ولما ورد ماء مدين قال ورد الماء حيث ورد وإنه لتتراءى خضرة البقل في بطنه من الهزال وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال خرج موسى من مصر إلى مدين وبينه وبينها ثمان ليال ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر وخرج حافيا فما وصل إليها حتى وقع خف قدمه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا قال تذودان تحسبان غنمهما حتى ينزع الناس ويخلو لهما البئر وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عنه أيضا قال لقد قال موسى رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة ولقد لصق بطنه بظهره من شدة الجوع وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال ما سأل إلا طعام وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عنه أيضا قال سأل فلقا من الخبر يشد بها صلبه من الجوع
سورة القصص ( 25 32 )


"""""" صفحة رقم 168 """"""
القصص : ( 25 ) فجاءته إحداهما تمشي . . . . .
قوله ) فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ( في الكلام حذف يدل عليه السياق قال الزجاج تقديره فذهبتا إلى أبيهما سريعتين وكانت عادتهما الإبطاء في السقي فحدثتاه بما كان من الرجل الذي سقى لهما فأمر الكبرى من بنتيه وقيل الصغرى أن تدعوه له فجاءته وذهب أكثر المفسرين إلى أنهما ابنتا شعيب وقيل هما ابنتا أخي شعيب وأن شعيبا كان قد مات والأول أرجح وهو ظاهر القران ومحل تمشي النصب على الحال من فاعل جاءت ) على استحياء ( حال أخرى أي كائنة على استحياء حالتي المشي والمجىء فقط وجملة قالت إن أبي يدعوك مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ماذا قالت له لما جاءته ) ليجزيك أجر ما سقيت لنا ( أي جزاء سقيك لنا فلما جاءه وقص عليه القصص القصص مصدر سمي به المفعول أي المقصوص يعني أخبره بجميع ما اتفق له من عند قتله القبطي إلى عند وصوله إلى ماء مدين قال شعيب لا تخف نجوت من القوم الظالمين أي فرعون وأصحابه لأن فرعون لا سلطان له على مدين وللرازي في هذا الموضع إشكالات باردة جدا لا تستحق أن تذكر في تفسير كلام الله عز وجل والجواب عليها يظهر للمقصر فضلا عن الكامل وأشف ما جاء به أن موسى كيف أجاب الدعوة المعللة بالجزاء لما فعله من السقي ويجاب عنه بأنه اتبع سنة الله في إجابة دعوة نبي من أنبياء الله ولم تكن تلك الإجابة لأجل أخذ الأجر على هذا العمل ولهذا ورد أنه لما قدم إليه الطعام قال إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبا
القصص : ( 26 ) قالت إحداهما يا . . . . .
قالت إحداهما يا أبت استأجره القائلة هي التي جاءته


"""""" صفحة رقم 169 """"""
أي استأجره ليرعى لنا الغنم وفيه دليل على أن الإجارة كانت عندهم مشروعة وقد اتفق على جوازها ومشروعيتها جميع علماء الإسلام إلا الأصم فإنه عن سماع أدلتها أصم وجملة ) إن خير من استأجرت القوي الأمين ( تعليل لما وقع منها من الإرشاد لأبيها إلى استئجار موسى أي إنه حقيق باستئجارك له لكونه جامعا بين خصلتي القوة والامانة وقد تقدم في المروى عن ابن عباس وعمر أن أباها سألها عن وصفها له بالقوة والأمانة فأجابته بما تقدم قريبا
القصص : ( 27 ) قال إني أريد . . . . .
قال إني أريد أن أنكحك ابنتي هاتين فيه مشروعية عرض ولى المرأة لها على الرجل وهذه سنة ثابته في الإسلام كما ثبت من عرض عمر لابنته حفصه على أبي بكر وعثمان والقصة معروفة وغير ذلك مما وقع في أيام الصحابة أيام النبوة وكذلك ما وقع من عرض المرأة لنفسها على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على أن تأجرني ثماني حجج أي على أن تكون أجيرا لي ثماني سنين قال الفراء يقول على أن تجعل ثوابي أن ترعى غنمي ثماني سنين ومحل على أن تأجرني النصب على الحال وهو مضارع أجرته ومفعوله الثاني محذوف أي نفسك و ثماني حجج ظرف قال المبرد يقال أجرت داري ومملوكي غير ممدود وممدودا والأول أكثر فإن أتممت عشرا فمن عندك أي إن أتممت ما استأجرتك عليه من الرعي عشر سنين فمن عندك أي تفضلا منك لا إلزاما مني لك جعل ما زاد على الثمانية الأعوام إلى تمام عشرة أعوام موكولا إلى المروءة ومحل فمن عندك الرفع على تقدير مبتدأ أي فهي من عندك وما أريد أن أشق عليك بإلزامك إتمام العشرة الأعوام واشتقاق المشقة من الشق أي شق ظنه نصفين فتارة يقول أطيق وتارة يقول لا أطيق ثم رغبه في قبول الإجارة فقال ستجدني إن شاء الله من الصالحين في حسن الصحبة والوفاء وقيل أراد الصلاح على العموم فيدخل صلاح المعاملة في تلك الإجارة تحت الاية دخولا أوليا وقيد ذلك بالمشيئة تعويضا للأمر إلى توفيق الله ومعونته
القصص : ( 28 ) قال ذلك بيني . . . . .
ثم لما فرغ شعيب من كلامه قرره موسى فقال ذلك بيني وبينك واسم الإشارة مبتدأ وخبره ما بعده والإشارة إلى ما تعاقدا عليه وجملة أيما الأجلين قضيت شرطية وجوابها فلا عدوان علي والمراد بالأجلين الثمانية الأعوام والعشرة الأعوام ومعي قضيت وفيت به وأتممته والأجلين مخفوض بإضافة اي إليه وما زائدة وقال ابن كيسان ما في موضع خفض بإضافة أي إليها و الأجلين بدل منها وقرأ الحسن ) أيما ( بسكون الياء وقرأ ابن مسعود أي الأجلين ما قضيت ومعنى فلا عدوان علي فلا ظلم على بطلب الزيادة على ما قضيته من الأجلين أي كما لا أطالب بالزيادة على الثمانية الأعوام لا أطالب بالنقصان على العشرة وقيل المعنى كما لا أطالب بالزيادة على العشرة الأعوام لا أطالب بالزيادة على الثمانية الأعوام وهذا أظهر وأصل العدوان تجاوز الحد في غير ما يجب قال المبرد وقد علم موسى أنه لا عدوان عليه إذا أتمهما ولكنه جمعهما ليجعل الأول كالأتم في الوفاء قرأ الجمهور عدوان بضم العين وقرأ أبو حيوة بكسرها والله على ما نقول وكيل أي على ما نقول من هذه الشروط الجارية بيننا شاهد وحفيظ فلا سبيل لأحدنا إلى الخروج عن شيء من ذلك قيل هو من قول موسى وقيل من قول شعيب والأول أولى لوقوعه في جملة كلام موسى
القصص : ( 29 ) فلما قضى موسى . . . . .
(فلما قضى موسى الأجل) هو أكملهما وأوفاهما وهو العشرة الأعوام كما سيأتي اخر البحث والفاء صريحه وسار بأهله إلى مصر وفيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء انس من جانب الطور نارا أي أبصر من الجهة التي تلي الطور نارا وقد تقدم تفسير هذا في سورة طه مستوفى ) قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر ( وهذا تقدم تفسيره أيضا في سورة طه وفي سورة النمل أو جذوه قرأ الجمهور بكسر الجيم وقرأ حمزة ويحيى بن وثاب بضمها وقرأ عاصم والسلمي وذر بن حبيش بفتحها قال الجوهري الجذوة


"""""" صفحة رقم 170 """"""
والجذوة والجذوة الجمرة والجمع جذى وجذى وجذى قال مجاهد في الاية أن الجذوة قطعة من الجمر في لغة جميع العرب وقال أبو عبيدة هي القطعة الغليظة من الخشب كأن في طرفها نارا ولم يكن ومما يؤيد أن الجذوة الجمرة قول السلمي وبدلت بعد المسك والبان شقوة
دخان الجذا في رأس أشمط شاحب
) لعلكم تصطلون ( أي تستدفئون بالنار
القصص : ( 30 ) فلما أتاها نودي . . . . .
فلما أتاها أي أتى النار التي أبصرها وقيل أتى الشجرة والأول أولى لعدم تقدم الذكر للشجرة نودى من شاطىء الواد الأيمن من لابتداء الغاية والأيمن صفة للشاطىء وهو من اليمن وهو البركة أو من جهة اليمين المقابل لليسار بالنسبة إلى موسى أي الذي يلى يمينه دون يساره وشاطىء الوادي طرفه وكذا شطه قال الراغب وجمع الشاطىء أشطاء وقوله في البقعة المباركة متعلق بنودى أو بمحذوف على أنه حل من الشاطىء و من الشجرة بدل اشتمال من شاطىء الواد لأن الشجرة كانت نابته على الشاطىء وقال الجوهري يقول شاطىء الأودية ولا يجمع قرأ الجمهور في البقعة بضم الباء وقرأ أبو سلمة والأشهب العقيلي بفتحها وهي لغة حكاها أبو زيد أن يا موسى إني أنا الله أن هي المفسرة ويجوز أن تكون هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة النداء مفسرة له والأول أولى قرأ الجمهور بكسر همزة إنى على إضمار القول أو على تضمين النداء معناه وقرىء بالفتح وهي قراءة ضعيفة
القصص : ( 31 ) وأن ألق عصاك . . . . .
وقوله ) وأن ألق عصاك ( معطوف على أن يا موسى وقد تقدم تفسير هذا وما بعده في طه والنمل وفي الكلام حذف والتقدير فألقاها فصارت ثعبانا فاعتزت فلما راها تهتز كأنها جان في سرعة حركتها مع عظم جسمها ولى مدبرا أي منهزما وانتصاب مدبرا على الحال وقوله ولم يعقب في محل نصب أيضا على الحال أي لم يرجع يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الامنين قد تقدم تفسير جميع ما ذكر هنا مستوفى فلا نعيده
القصص : ( 32 ) اسلك يدك في . . . . .
وكذلك قوله اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك جناح الإنسان عضده ويقال لليد كلها جناح أي اضمم إليك يديك المبسوطتين لتتقى بهما الحية كالخائف الفزع وقد عبر عن هذا المعنى بثلاث عبارات الأولى اسلك يدك في جيبك والثانية واضمم إليك جناحك والثالثة وأدخل يدك في جيبك ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعبانا ومعنى من الرهب من أجل الرهب وهو الخوف قرأ الجمهور الرهب بفتح الراء والهاء واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ حفص والسلمي وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بفتح الراء وإسكان الهاء وقرأ ابن عامر والكوفيون إلا حفصا بضم الراء وإسكان الهاء وقال الفراء أراد بالجناح عصاه وقال بعض أهل المعاني الرهب الكم بلغة حمير وبني حنيفة قال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول لاخر أعطني ما في رهبك فسألته عن الرهب فقال الكم فعلى هذا يكون معناه اضمم إليك يدك وأخرجها من الكم ) فذانك ( إشارة إلى العصا واليد برهانان من ربك إلى فرعون وملائه أي حجتان نيرتان ودليلان واضحان قرأ الجمهور فذانك بتخفيف النون وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديدها قيل والتشديد لغة قريش وقرأ ابن مسعود وعيسى بن عمر وشبل وأبو نوفل بياء تحتية بعد نون مكسورة والياء بدل من من إحدى النونين وهي لغة هذيل وقيل لغة تميم وقوله من ربك متعلق بمحذوف أي كائنان منه وكذلك قوله إلى فرعون وملائه متعلق بمحذوف أي مرسلان أو واصلان إليهم إنهم كانوا قوما فاسقين متجاوزين الحد في الظلم خارجين عن الطاعة أبلغ خروج والجملة تعليل لما قبلها


"""""" صفحة رقم 171 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن أبي الهذيل عن عمر بن الخطاب في قوله تمشى على استحياء قال جاءت مستترة بكم درعها على وجهها وأخرجه ابن المنذر عن أبي الهذيل موقوفا عليه وأخرج ابن عساكر عن أبي حازم قال لما دخل موسى على شعيب إذا هو بالعشاء فقال له شعيب كل قال موسى أعوذ بالله قال ولم ألست بجائع قال بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا عما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الاخرة بملء الأرض ذهبا قال لا والله ولكنها عادتي وعادة ابائي نقرى الضيف ونطعم الطعام فجلس موسى فأكل وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس أنه بلغه أن شعيبا هو الذي قص عليه القصص وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال كان صاحب موسى أثرون بن أخي شعيب النبي وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الذي استأجر موسى يثرب صاحب مدين وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عنه قال كان اسم ختن موسى يثربى وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال يقول أناس إنه شعيب وليس بشعيب ولكنه سيد الماء يومئذ وأخرج ابن ماجه والبزاز وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عتبة ابن المنذر السلمي قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقرأ سورة طسم حتى إذا بلغ قصة موسى قال إن موسى أجر نفسه ثماني سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه فلما وفي الأجل قيل يا رسول الله أي الأجلين قضى موسى قال أبرهما وأوفاهما فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به فأعطاها ما ولدت غنمه الحديث بطوله وفي إسناده مسلمة بن علي الحسني الدمشقي البلاطي ضعفه الأئمة وقد روى من وجه اخر وفيه تظر وإسناده عند ابن أبي حاتم هكذا حدثنا أبو زرعة عن يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي بن رباح اللخمي قال سمعت عتبة بن المنذر السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فذكره وابن لهيعة ضعيف وينظر في بقية رجال السند وأخرج ابن جرير عن أنس طرفا منه موقوفا عليه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد والبخاري وابن المنذر وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل أي الأجلين قضى موسى فقال قضى أكثرهما وأطيبهما إن رسول الله إذا قال فعل وأخرج البزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عنه نحوه وقوله إن رسول الله إذا قال فعل فيه نظر فإن موسى لم يقل إنه سيقضي أكثر الأجلين بل قال أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن موسى قضى أتم الأجلين من طرق وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي ذر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأبرهما وإن سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت فقالت ) يا أبت استأجره ( وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لي جبريل يا محمد إن سألك اليهود أي الأجلين قضى موسى فقل أوفاهما وإن سألوك أيهما تزوج فقل الصغرى منهما وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه واله وسلم سئل أي الأجلين قضى موسى قال أبرهما وأوفاهما قال وإن سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما قال البزار لا نعلم يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث عويد بن أبي عمران وهو ضعيف وأما روايات أنه قضى أتم الأجلين فلها طرق يقوى بعضها بعضا وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدى قال قال ابن عباس لما


"""""" صفحة رقم 172 """"""
قضى موسى الأجل سار بأهله فضل الطريق وكان في الشتاء فرفعت له نار فلما راها ظن أنها نار وكانت من نور الله فقال لأهله امكثوا إني انست نارا لعلي اتيكم منها بخبر فإن لم أجد خبرا اتيكم بشهاب قبس ) لعلكم تصطلون ( من البرد وأخرج ابن أبي حاتم عنه لعلى اتيكم منها بخبر لعلى أجد من يدلني على الطريق وكانوا قد ضلوا الطريق وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله أو جذوة قال شهاب وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله نودى من شاطىء الواد قال كان النداء من السماء الدنيا وظاهر القران يخالف ما قاله رضي الله عنه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الله بن مسعود قال ذكرت لي الشجرة التي أوى إليها موسى فسرت إليها يومى وليلتي حتى صبحتها فإذا هي سمرة خضراء ترف فصليت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واله وسلم وسلمت فأهوى إليها بعيري وهو جائع فأخذ منها ملان فيه فلاكه فلم يستطع أن يسيغه فلفظه فصليت على النبي وسلمت ثم انصرفت وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) واضمم إليك جناحك ( قال يدك
سورة القصص ( 33 43 )
القصص : ( 33 ) قال رب إني . . . . .
لما سمع موسى قول الله سبحانه فذانك برهانان إلى فرعون طلب منه سبحانه أن يقوى قلبه ) قال رب إني قتلت منهم نفسا ( يعني القبطي الذي وكزه فقضى عليه فأخاف أن يقتلون بها
القصص : ( 34 ) وأخي هارون هو . . . . .
(وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) لأنه كان في لسان موسى حبسة كما تقدم بيانه والفصاحة لغة الخلوص يقال فصح اللبن وأفصح فهو


"""""" صفحة رقم 173 """"""
فصيح أي خلص من الرغوة ومنه فصح الرجل جادت لغته وأفصح تكلم بالعربية وقيل الفصيح الذي ينطق والأعجم الذي لا ينطق وأما في اصطلاح أهل البيان فالفصاحة خلوص الكلمة عن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس وفصاحة الكلام خلوصه من ضعف التأليف والتعقيد وانتصاب ردءا على الحال والردء المعين من أردأته أي أعنته يقال فلان ردء فلان إذا كان ينصره ويشد ظهره ومنه قول الشاعر ألم تر أن أصرم كان ردئي
وخير الناس في قل ومال
وحذفت الهمزة تخفيفا في قراءة نافع وأبي جعفر ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم أردى على المائة إذا زاد عليها فكان المعنى أرسله معي زيادة في تصديقي ومنه قول الشاعر وأسمر خطيا كأن كعوبه
نوى العتب قد أردى ذراعا على العشر
وروى البيت في الصحاح بلفظ قد أربى والقسب الصلب وهو الثمر اليابس الذي يتفتت في الفم وهو صلب النواة يصدقني قرأ عاصم وحمزة يصدقني بالرفع على الاستئناف أو الصفة لردءا أو الحال من مفعول أرسله وقرأ البقاون بالجزم على جواب الأمر وقرأ أبي وزيد بن علي يصدقون أي فرعون وملؤه إني أخاف أن يكذبون إذا لم يكن معي هارون لعدم انطلاق لساني بالمحاجة
القصص : ( 35 ) قال سنشد عضدك . . . . .
(قال سنشد عضدك بأخيك) أي نقويك به فشد العضد كناية عن التقوية ويقال في دعاء الخير شد الله عضدك وفي ضده فت الله في عضدك قرأ الجمهور ) عضدك ( بفتح العين وقرأ الحسين وزيد بن علي بضمها وروى عن الحسن أيضا أنه قرأ بضمة وسكون وقرأ عيسى بن عمر بفتحهما ونجعل لكم سلطانا أي حجة وبرهانا أوب تسلطا عليه وعلى قومه فلا يصلون إليكما بالأذى ولا يقدرون على غلبتكما بالحجة و باياتنا متعلق بمحذوف أي تمتنعان منهم باياتنا أو اذهبا باياتنا وقيل الباء للقسم وجوابه يصلون وما أضعف هذا القول وقال الأخفش وابن جرير في الكلام تقديم وتأخير والتقدير ) أنتما ومن اتبعكما الغالبون ( باياتنا وأول هذه الوجوه أولاها وفي أنتما ومن اتبعكما الغالبون تبشير لهما وتقوية لقلوبهما
القصص : ( 36 ) فلما جاءهم موسى . . . . .
فلما جاءهم موسى باياتنا بينات البينات الواضحات الدلالة وقد تقدم وجه إطلاق الايات وهي جمع على العصا واليد في سورة طه قالوا ما هذا إلا سحر مفترى أي مختلق مكذوب اختلقته من قبل نفسك وما سمعنا بهذا الذي جئت به من دعوى النبوة أو ما سمعنا بهذا السحر في ابائنا الأولين أي كائنا أو واقعا في ابائنا الأولين
القصص : ( 37 ) وقال موسى ربي . . . . .
وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده يريد نفسه وإنما جاء بهذه العبارة لئلا يصرح لهم بما يريده قبل أن يوضح لهم الحجة والله أعلم قرأ الجمهور وقال موسى بالواو وقرأ مجاهد وابن كثير وابن محيصن قال موسى بلا واو وكذلك هو في مصاحف أهل مكة وقرأ الكوفيون إلا عاصما ومن يكون عاقبة الدار بالتحتية على أن اسم يكون عاقبة الدار والتذكير لوقوع الفصل ولأنه تأنيث مجازى وقرأ الباقون تكون بالفوقية وهي أوضح من القراءة الأولى والمراد بالدار هنا الدنيا وعاقبتها هي الدار الاخرة والمعنى لمن تكون له العاقبة المحمودة والضمير في ) إنه لا يفلح الظالمون ( للشأن أي إن الشأن أنه لا يفلح الظالمون أي لا يفوزون بمطلب خير ويجوز أن يكون المراد بعاقبة الدار خاتمة الخير
القصص : ( 38 ) وقال فرعون يا . . . . .
وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري تمسك اللعين بمجرد الدعوى الباطلة مغالطة لقومه منه وقد كان يعلم أنه ربه الله عز وجل ثم رجع إلى تكبره وتجبره وإيهام قومه بكمال اقتداره فقال فأوقد لي يا هامان على الطين أي اطبخ لي الطين حتى يصير اجرا فاجعل لي صرحا أي اجعل لي من هذا الطين الذي توقد عليه حتى يصير اجرا صرحا أي قصرا عاليا ) لعلي أطلع إلى إله موسى ( أي أصعد إليه وإني لأظنه من الكاذبين


"""""" صفحة رقم 174 """"""
والطلوع والاطلاع واحد يقال طلع الجبل واطلع
القصص : ( 39 ) واستكبر هو وجنوده . . . . .
واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق المراد بالأرض أرض مصر والاستكبار التعظيم بغير استحقاق بل بالعدوان لأنه لم يكن له حجة يدفع بها ما جاء به موسى ولا شبهة ينصبها في مقابلة ما أظهره من المعجزات وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون أي فرعون وجنوده والمراد بالرجوع البعث والمعاد قرأ نافع وشيبة وابن محيصن وحميد ويعقوب وحمزة والكسائي لا يرجعون بفتح الياء وكسر الجيم مبنيا للفاعل وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الجيم مبنيا للمفعول واختار القراءة الأولى أبو حاتم واختار القراءة الثانية أبو عبيد
القصص : ( 40 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم . . . . .
فأخذناه وجنوده بعد أن عتوا في الكفر وجاوزوا الحد فيه فنبذناهم في اليم أي طرحناهم في البحر وقد تقدم بيان الكلام في هذا فانظر كيف كان عاقبة الظالمين الخطاب لنبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم أي انظر يا محمد كيف كان اخر أمر الكافرين حين صاروا إلى الهلاك
القصص : ( 41 ) وجعلناهم أئمة يدعون . . . . .
وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار أي صيرناهم رؤساء متبوعين مطاعين في الكافرين فكأنهم بإصرارهم على الكفر والتمادى فيه يدعون أتباعهم إلى النار لأنهم اقتدوا وسلكوا طريقتهم تقليدا لهم وقيل المعنى إنه يأتم بهم أي يعتبر بهم من جاء بعدهم ويتعظ بما أصيبوا به والأول أولى ويوم القيامة لا ينصرون أي لا ينصرهم أحد ولا يمنعهم مانع من عذاب الله
القصص : ( 42 ) وأتبعناهم في هذه . . . . .
وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة أي طردا وإبعادا أو أمرنا العباد بلعنهم فكل من ذكرهم لعنهم والأول أولى ويوم القيامه هم من المقبوحين المقبوح المطرود المبعد وقال أبو عبيدة وابن كيسان معناه من المهلكين الممقوتين وقال أبو زيد قبح الله فلانا قبحا وقبوحا أبعده من كل خير قال أبو عمرو قبحت وجهه بالتخفيف بمعنى قبحت بالتشديد ومثله قول الشاعر 0 ألا قبح الله البراجم كلها
وقبح يربوعا وقبح دارما
وقيل المقبوح المشوة الخلقة والعامل في يوم محذوف يفسره من المقبوحين والتقدير وقبحوا يوم القيامة أو هو معطوف على موضع في هذه الدنيا أي وأتبعناهم لعنة يوم القيامة أو معطوف على لعنة على حذف مضاف أي ولعنه يوم القيامة
القصص : ( 43 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
ولقد اتينا موسى الكتاب يعني التوراة من بعد ما أهلكنا القرون الأولى أي قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم وقيل من بعد ما أهلكنا فرعون وقومه وخسفنا بقارون وانتصاب بصائر للناس على أنه مفعول له أو حال أي اتيناه الكتاب لأجل يتبصر به الناس أو حال كونه بصائر الناس يبصرون به الحق ويهتدون إليه وينقذون أنفسهم به من الضلالة بالاهتداء به ورحمة لهم من الله بها لعلهم يتذكرون هذه النعم فيشكرون الله ويؤمنون به ويجيبون داعيه إلى مافيه خير لهم
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس ردءا يصدقني كي يصدقني وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال لما قال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري قال جبريل يا رب طغى عبدك فائذن لي في هلكه فقال يا جبريل هو عبدي ولن يسبقني له أجل يجيء ذلك الأجل فلما قال أنا ربكم الأعلى قال الله يا جبريل سبقت دعوتك في عبدي وقد جاء أوان هلاكه وأخرج ابن مردويه عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كلمتان قالهما فرعون ما علمت لكم من إله غيري وقوله أنا ربكم الأعلى قال كان بينهما أربعون عاما فأخذه الله نكال الآخرة والأولى وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال بلغني أن فرعون أول من طبخ الاجر وأخرجه ابن المنذر عن ابن جريج وأخرج البزار وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ


"""""" صفحة رقم 175 """"""
أنزل التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخت قردة ألم تر إلى قوله ) ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ( وأخرجه البزار وابن جرير وابن أبي حاتم ومن وجه اخر عن أبي عيد موقوفا
سورة القصص ( 44 57 )
القصص : ( 44 ) وما كنت بجانب . . . . .
قوله ) وما كنت بجانب الغربي ( هذا شروع في بيان إنزال القران أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي من حذف الموصوف وأقامة الصفة مقامه واختاره الزجاج وقال الكلبي بجانب الوادي الغربي أي ناجي موسى ربه ) إذ قضينا إلى موسى الأمر ( أي عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه


"""""" صفحة رقم 176 """"""
) وما كنت من الشاهدين ( لذلك حتى تقف على حقيقته وتحكيه من جهة نفسك وإذا تقرر أن الوقوف على تفاصيل تلك الأحوال لا يمكن أن يكون بالحضور عندها من نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم والمشاهدة لها منه وانتفى بالأدلة الصحيحة أنه لم يتلق ذلك من غيره من البشر ولا علمه معلم منهم كما قدمنا تقريره تبين أنه من عند الله سبحانه بوحى منه إلى رسوله بواسطة الملك النازل بذلك فهذا الكلام هو على طريقة ) وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ( وقيل معنى ) إذ قضينا إلى موسى الأمر ( إذ كلفناه والزمناه وقيل أخبرناه أن أمة محمد خير الأمم ولا يستلزم نفى كونه بجانب الغربي نفى كونه من الشاهدين لأنه يجوز أن يحضر ولا يشهد قيل المراد بالشاهدين السبعون الذين اختارهم موسى للميقات
القصص : ( 45 ) ولكنا أنشأنا قرونا . . . . .
ولكنا أنشأنا قرونا أي خلقنا أمما بين زمانك يا محمد وزمان موسى فتطاول عليهم العمر طالت عليهم المهلة وتمادى عليهم الأمد فتغيرت الشرائع والأحكام وتنوسيت الأديان فتركوا أمر الله ونسوا عهده ومثله قوله سبحانه فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وقد استدل بهذا الكلام على أن الله سبحانه قد عهد إلى موسى عهدوا في محمد صلى الله عليه واله وسلم وفي الإيمان به فلما طال عليهم العمر ومضت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها ) وما كنت ثاويا في أهل مدين ( أي مقيما بينهم كما أقام موسى حتى تقرأ على أهل مكة خبرهم وتقص عليهم من جهة نفسك يقال ثوى يثوي ثواء وثويا فهو ثاو قال ذو الرمة لقد كان في حول ثواء ثويته
نقضى لبانات ويسأم سائم
وقال العجاج فبات حيث يدخل الثوى
يعني الضيف المقيم وقال اخر
طال الثواء على رسول المنزل
تتلوا عليهم اياتنا اي تقرأ على أهل مدين اياتنا وتتعلم منهم وقيل نذكرهم بالوعد والوعيد والجملة في محل نصب على الحال أو خبر ثان ويجوز أن تكون هذه الجملة هي الخبر وثاويا حال وجعلها الفراء مستأنفة كأنه قيل وها أنت تتلو على أمتك ولكنا كنا مرسلين أي أرسلناك إلى أهل مكة وأنزلنا عليك هذه الأخبار ولولا ذلك لما علمتها قال الزجاج المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء ولا تليت عليك ولكنا أوحيناها إليك وقصصناها عليك
القصص : ( 46 ) وما كنت بجانب . . . . .
) وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ( أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل المسمى بالطور إذ نادينا موسى لما أتى إلى الميقات مع السبعين وقيل المنادى هو أمة محمد صلى الله عليه واله وسلم قال وهب وذلك أن موسى لما ذكر الله له فضل محمد وأمته قال يا رب أرنيهم فقال الله إنك لن تدركهم وإن شئت ناديتهم فأسمعتك صوتهم قال بلى يا رب فقال الله يا أمة محمد فأجابوا من أصلاب ابائهم فيكون معنى الاية على هذا ما كنت يا محمد بجانب الطور إذ كلمنا موسى فنادينا أمتك وسيأتي ما يدل على هذا ويقويه ويرجحه في اخر البحث إن شاء الله ولكن رحمة من ربك أي ولكن فعلنا ذلك رحمة منا بكم وقيل ولكن أرسلنا بالقران رحمة لكم وقيل علمناك وقيل عرفناك قال الأخفش هو منصوب يعني رحمة على المصدر أي ولكن رحمناك رحمة وقال الزجاج هو مفعول من أجله أي فعلنا ذلك بك لأجل الرحمة قال النحاس أي لم تشهد قصص الأنبياء ولا تليت عليك ولكن بعثناك وأوحيناها إليك للرحمة وقال الكسائي هو خبر لكان مقدرة أي ولكن كان ذلك رحمة وقرأ عيسى بن عمر وأبو حيوة رحمة بالرفع على تقدير ولكن أنت رحمة وقال الكسائي الرفع على أنها اسم كان المقدرة وهو بعيد إلا على تقدير أنها تامة واللام في ) لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ( متعلق بالفعل المقدر على الاختلاف في تقديره والقوم هم أهل مكة فإنه لم يأتهم نذير ينذرهم قبله صلى الله عليه واله وسلم وجملة ما أتاهم الخ صفة لقوما ) لعلهم يتذكرون (


"""""" صفحة رقم 177 """"""
أي يتعظون بإنذارك
القصص : ( 47 ) ولولا أن تصيبهم . . . . .
ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم لولا هذه هي الامتناعية وأن وما في حيزها في موضع رفع بالابتداء وجوابها محذوف قال الزجاج وتقديره ما أرسلنا إليهم رسلا يعني أن الحامل على إرسال الرسل هو إزاحة عللهم فهو كقوله سبحانه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقدره ابن عطيه لعاجلناهم بالعقوبة ووافقه على هذا التقدير الواحدي فقال والمعنى لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم وقوله ) فيقولوا ( عطف على تصيبهم ومن جملة ما هو في حيز لولا أي فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ولولا هذه الثانية هي التحضيضية أي هلا أرسلت إلينا رسولا من عندك وجوابها هو فنتبع اياتك وهو منصوب بإضمار أن لكونه جوابا للتحضيض والمراد بالايات الايات التنزيلية الظاهرة الواضحة وإنما عطف القول على تصيبهم لكونه هو السبب للإرسال ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها هي السبب لارسال الرسل بواسطة القول ونكون من المؤمنين بهذه الايات ومعنى الاية أنا لو عذبناهم لقالوا طال العهد بالرسل ولم يرسل الله إلينا رسولا ويظنون أن ذلك عذر لهم ولا عذر لهم بعد أن بلغتهم أخبار الرسل ولكنا أكملنا الحجة وأزحنا العلة وأتممنا البيان بإرسالك يا محمد إليهم
القصص : ( 48 ) فلما جاءهم الحق . . . . .
) فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ( أي فلما جاء أهل مكة الحق من عند الله وهو محمد صلى الله عليه واله وسلم وما أنزل عليه من القران قالوا تعنتا منهم وجدالا بالباطل هلا أوتى هذا الرسول مثل ما أوتى موسى من الايات التي من جملتها التوراة المنزلة عليه جملة واحدة فأجاب الله عليهم بقوله ) أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ( أي من قبل هذا القول أو من قبل ظهور محمد والمعنى أنهم قد كفروا بايات موسى كما كفروا بايات محمد وجملة ) قالوا سحران تظاهرا ( مستأنفة مسوقة لتقرير كفرهم وعنادهم والمراد بقولهم ) سحران ( موسى ومحمد والتظاهر التعاون أي تعاونا على السحر والضمير في قوله أو لم يكفروا لكفار قريش وقيل هو لليهود والأول أولى فإن اليهود لا يصفون موسى بالسحر إنما يصفه بذلك كفار قريش وأمثالهم إلا أن يراد من أنكر نبوة موسى كفرعون وقومه فإنهم وصفوا موسى وهارون بالسحر ولكنهم ليسوا من اليهود ويمكن أن يكون الضمير لمن كفر بموسى ومن كفر بمحمد فإن الذين كفروا بموسى وصفوه بالسحر والذين كفروا بمحمد وصفوه أيضا بالسحر وقيل المعنى أو لم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتى موسى من قبله بالبشارة بعيسى ومحمد قرأ الجمهور ساحران وقرأ الكوفيون سحران يعنون التوراة والقران وقيل الإنجيل والقران قال بالأول الفراء وقال بالثاني أبو زيد وقيل إن الضمير في أو لم يكفروا لليهود وأنهم عنوا بقولهم ساحران عيسى ومحمدا وقالوا إنا بكل كافرون أي بكل من موسى ومحمد أو من موسى وهارون أو من موسى وعيسى على اختلاف الأقوال وهذا على قراءة الجمهور وأما على القراءة الثانية فالمراد التوارة والقران أو الإنجيل والقران وفي هذه الجملة تقرير لما تقدمها من وصف النبيين بالسحر أو من وصف الكتابين به وتأكيد لذلك
القصص : ( 49 ) قل فأتوا بكتاب . . . . .
ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يقول لهم قولا يظهر به عجزهم فقال قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه أي قل لهم يا محمد فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة والقران وأتبعه جواب الأمر وقد جزمه جمهور القراء لذلك وقرأ زيد بن علي برفع أتبعه على الاستئناف أي فأنا أتبعه قال الفراء إنه على هذه القراءة صفة للكتاب وفي هذا الكلام تهكم به وفيه أيضا دليل على أن قراءة الكوفيين أقوى من قراءة الجمهور لأنه رجع الكلام إلى الكتابين لا إلى الرسولين ومعنى ) إن كنتم صادقين ( إن كنتم فيما وصفتم به الرسولين أو الكتابين صادقين
القصص : ( 50 ) فإن لم يستجيبوا . . . . .
فإن لم يستجيبوا لك أي لم يفعلوا ما كلفتم به من الإتيان بكتاب هو


"""""" صفحة رقم 178 """"""
أهدى من الكتابين وجواب الشرط ) فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ( أي اراءهم الزائغة واستحساناتهم الزائفة بلا حجة ولا برهان وقيل المعنى فإن لم يستجيبوا لك بالإيمان بما جئت به وتعدية يستجيبوا باللام هو أحد الجائزين ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله أي لا أحد أضل منه بل هو الفرد الكامل في الضلال ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( لأنفسهم بالكفر وتكذيب الأنبياء والإعراض عن آيات الله
القصص : ( 51 ) ولقد وصلنا لهم . . . . .
ولقد وصلنا لهم القول قرأ الجمهور وصلنا بتشديد الصاد وقرأ الحسن بتخفيفها ومعنى الاية أتبعنا بعضه بعضا وبعثنا رسولا بعد رسول وقال أبو عبيدة والأخفش معناه أتممنا وقال ابن عيينة والسدى بينا وقال ابن زيد وصلنا لهم خير الدنيا بخير الاخرة حتى كأنهم عاينوا الاخرة في الدنيا والأولى أولى وهو مأخوذ من وصل الحبال بعضها ببعض ومنه قول الشاعر فقل لبنى مروان ما بال ذمتي
بحبل ضعيف لا تزال توصل
وقال امرؤ القيس يقلب كفيه بخيط موصل
والضمير في لهم عائد إلى قريش وقيل إلى اليهود وقيل للجميع لعلهم يتذكرون فيكون التذكر سببا لإيمانهم مخافة أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم
القصص : ( 52 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
الذين اتيناهم الكتاب من قبله أي من قبل القران والموصول مبتدأ وخبره هم به مؤمنون أخبر سبحانه أن طائفة من بني إسرائيل امنوا بالقران كعبد الله بن سلام وسائر من أسلم من أهل الكتاب وقيل الضمير في من قبله يرجع إلى محمد صلى الله عليه واله وسلم والأول أولى والضمير في به راجع إلى القران على القول الأول وإلى محمد على القول الثاني
القصص : ( 53 ) وإذا يتلى عليهم . . . . .
وإذا يتلى عليهم قالوا امنا به أي وإذا يتلى القران عليهم قالوا صدقنا به ) إنه الحق من ربنا ( أي الحق الذي نعرفه المنزل من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أي مخلصين لله بالتوحيد أو مؤمنين بمحمد وبما جاء به لما نعلمه من ذكره في التوراة والإنجيل من التبشير به وأنه سيبعث اخر الزمان وينزل عليه القران
القصص : ( 54 ) أولئك يؤتون أجرهم . . . . .
والإشارة بقوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين إلى الموصوفين بتلك الصفات والباء في بما صبروا للسببية أي بسبب صبرهم وثباتهم على الإيمان بالكتاب الأول والكتاب الاخر وبالنبي الأول والنبي الاخر ويدرءون بالحسنة السيئة الدرء الدفع أي يدفعون بالاحتمال والكلام الحسن ما يلاقونه من الأذى وقيل يدفعون بالطاعة المعصية وقيل بالتوبة والإستغفار من الذنوب وقيل بشهادة أن لا إله إلا الله الشرك ) ومما رزقناهم ينفقون ( أي ينفقون أموالهم في الطاعات وفيما أمر به الشرع
القصص : ( 55 ) وإذا سمعوا اللغو . . . . .
ثم مدحهم سبحانه بإعراضهم عن اللغو فقال وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه تكرما وتنزها وتأدبا باداب الشرع ومثله قوله سبحانه وإذا مروا باللغو مروا كراما واللغو هنا هو ما يسمعونه من المشركين من الشتم لهم ولدينهم والاستهزاء بهم وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا يلحقنا من ضرر كفركم شيء ولا يلحقكم من نفع إيماننا شيء سلام عليكم ليس المراد بهذا السلام سلام التحية ولكن المراد به سلام المتاركة ومعناه أمنة لكم منا وسلامة لانجاريكم ولا نجاوبكم فيما أنتم فيه قال الزجاج وهذا قبل الأمر بالقتال ) لا نبتغي الجاهلين ( أي لا نطلب صحبتهم وقال مقاتل لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه وقال الكلبي لا نحب دينكم الذي أنتم عليه
القصص : ( 56 ) إنك لا تهدي . . . . .
إنك لا تهتدي من أحببت من الناس وليس ذلك إليك ولكن الله يهدي من يشاء هدايته وهو أعلم بالمهتدين أي القابلين للهداية المستعدين لها وهذه الاية نزلت في أبي طالب كما ثبت في الصحيحين وغيرهما وقد تقدم ذلك في براءة قال الزجاج أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب وقد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيدخل في ذلك أبو طالب دخولا أوليا
القصص : ( 57 ) وقالوا إن نتبع . . . . .
) وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ( أي قال مشركو قريش ومن تابعهم إن ندخل في دينك يا محمد نتخطف


"""""" صفحة رقم 179 """"""
من أرضنا أي يتخطفنا العرب من أرضنا يعنون مكة ولا طاقة لنا بهم وهذا من جملة أعذارهم الباطلة وتعللاتهم العاطلة والتخطف في الأصل هو الانتزاع بسرعة قرأ الجمهور نتخطف بالجزم جوابا للشرط وقرأ المنقري بالرفع على الاستئناف ثم رد الله ذلك عليهم ردا مصدرا باستفهام التوبيخ والتقريع فقال أو لم نمكن لهم حرما امنا أي ألم نجعل لهم حرما ذا أمن قال أبو البقاء عداه بنفسه لأنه بمعنى جعل كما صرح بذلك في قوله أو لم يروا أنا جعلنا حرما ثم وصف هذا الحرم بقوله يجبى إليه ثمرات كل شيء أي تجمع إليه الثمرات على اختلاف أنواعها من الأراضي المختلفة وتحمل إليه قرأ الجمهور يجبي بالتحتية اعتبار بتذكير كل شيء ووجود الحائل بين الفعل وبين ثمرات وأيضا ليس تأنيث ثمرات بحقيقي واختار قراءة الجمهور أبو عبيد لما ذكرنا وقرأ نافع بالفوقية اعتبار بثمرات وقرأ الجمهور أيضا ثمرات بفتحتين وقرأ أبان بضمتين وقريء بفتح الثاء وسكون الميم رزقا من لدنا منتصب على المصدرية لأن معنى يجبي نرزقهم ويجوز أن ينتصب على أنه مفعول له لفعل محذوف أي نسوقه إليهم زرقا من لدنا ويجوز أن ينتصب على الحال أي رازقين ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( لفرط جهلهم ومزيد غفلتهم وعدم تفكرهم في أمر معادهم ورشادهم لكونهم من طبع الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الفريابي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن أبي هريرة في قوله وما كنت بجانب الطور إذ نادينا قال نودوا يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني واستجبت لكم قبل أن تدعوني وأخرجه ابن مردويه من وجه اخر عن أبي هريرة مرفوعا وأخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عنه من وجه اخر بنحوه وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل وأبو نصر السجزي في الإبانة والديلمي عن عمرو بن عبسة قال سألت النبي صلى الله عليه واله وسلم عن قوله وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ما كان النداء وما كانت الرحمة قال كتبه الله قبل أ يخلق خلقه بألفي عام ثم وضعه على عرشه ثم نادى يا أمة محمد سبقت رحمتي غضبي أعطيتكم قبل أن تسألوني وغفرت لكم قبل أن تستغفروني فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبدي ورسولي صادقا أدخلته الجنة وأخرج الختلى في الديباج عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعا مثله وأخرج ابن مردوية وأبو نعيم عن حذيفة في قوله ) وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ( مرفوعا قال نودوا يا أمة محمد ما دعوتمونا إذ استجبنا لكم ولا سألتمونا إذ أعطيناكم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا إن الله نادى يا أمة محمد أجيبوا ربكم قال فأجابوا وهم في أصلاب ابائهم وأرحام أمهاتهم إلى يوم القيامه فقالوا لبيك أنت ربنا حقا ونحن عبيدك حقا قال صدقتم أنا ربكم وأنتم عبيدي حقا قد عفوت عنكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني فمن لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الهالك في الفترة يقول رب لم يأتني كتاب ولا رسول ثم قرأ هذه الاية ) ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردوية عن ابن عباس في قوله قالوا ساحران تظاهرا الخ قال هم أهل الكتاب إنا بكل كافرون يعني بالكتابين التوراة والفرقان وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو القاسم البغوي والبارودي وابن قانع الثلاثة في معاجم الصحابة والطبراني وابن مردويه بسند جيد عن رفاعة القرظي قال نزلت ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون إلى قوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين في عشرة رهط أنا أحدهم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس الذين اتيناهم الكتاب من قبله هم به


"""""" صفحة رقم 180 """"""
يؤمنون قال يعني من امن بمحمد صلى الله عليه واله وسلم من أهل الكتاب وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى اله عليه واله وسلم ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب امن بالكتاب الأول والاخر ورجل كانت له أمة فادبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث المسيب ومسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن قوله ) إنك لا تهدي من أحببت ( نزلت في أبي طالب لما امتنع من الإسلام وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن ناسا من قريش قالوا للنبي صلى اله عليه واله وسلم إن نتبعك يتخطفنا الناس فنزلت وقالوا إن نتبع الهدى معك الاية وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه يجبي إليه ثمرات كل شيء قال ثمرات الأرض
سورة القصص ( 58 70 )
القصص : ( 58 ) وكم أهلكنا من . . . . .
قوله ) وكم أهلكنا من قرية ( أي من أهل قرية كانوا في خفض عيش ودعة ورخاء فوقع منهم البطر فأهلكوا قال الزجاج البطر الطغيان عند النعمة قال عطاء عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام قال الزجاج والمازني معنى بطرت معيشتها بطرت في معيشتها فلما حذفت في تعدي الفعل كقوله واختار


"""""" صفحة رقم 181 """"""
موسى قومه وقال الفراء هو منصوب على التفسير كما تقول أبطرك مالك وبطرته ونظيره عنده قوله تعالى ) إلا من سفه نفسه ( ونصب المعارف على التمييز غير جائز عند البصريين لأن معنى التفسير أن تكون النكرة دالة على الجنس وقيل إن معيشتها منصوبة ببطرت على تضمينه معنى جهلت فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا أي لم يسكنها أحد بعدهم إلا زمنا قليلا كالذي يمر بها مسافرا فإنه يلبث فيها يوما أو بعض يوم أو لم يبق من يسكنها فيها إلا أياما قليلة لشؤم ما وقع فيها من معاصيهم وقيل إن الاستثناء يرجع إلى المساكن أي لم تسكن بعد هلاك أهلها إلا قليلا من المساكن وأكثرها خراب كذا قال الفراء وهو قول ضعيف وكنا نحن الوارثين منهم لأنهم لم يتركوا وارثا يرث منازلهم وأموالهم ومحل جملة لم تسكن الرفع على أنها خبر ثان لاسم الإشارة ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال
القصص : ( 59 ) وما كان ربك . . . . .
وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم اياتنا أي وما صح ولا استقام أن يكون الله مهلك القرى الكافرة أي الكافر أهلها حتى يبعث في أمها رسولا ينذرهم ويتلوا عليهم آيات الله الناطقة بما أوجبه الله عليهم وما أعده من الثواب للمطيع والعقاب للعاصى ومعنى أمها أكبرها وأعظمها وخص الأعظم منها بالبعثة إليها لأن فيها أشراف القوم وأهل الفهم والرأي وفيها الملوك والأكابر فصارت بهذا الاعتبار كالأم لما حولها من القرى وقال الحسن أم القرى أولها وقيل المراد بأم القرى هنا مكة كما في قوله أن أول بيت وضع للناس الاية وقد تقدم بيان ما تضمنته هذه الاية في اخر سورة يوسف وجملة يتلوا عليهم اياتنا في محل نصب على الحال أي تاليا عليهم ومخبرا لهم أن العذاب سينزل بهم إن لم يؤمنوا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون هذه الجملة معطوفة على الجملة التي قبلها والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي وما كنا مهلكين لأهل القرة بعد أن نبعث إلى أمها رسولا يدعوهم إلى الحق الإحال كونهم ظالمين قد استحقوا الإهلاك لإصرارهم على الكفر بعد الإعذار إليهم وتأكيد الحجة عليهم كما في قوله سبحانه وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون
القصص : ( 60 ) وما أوتيتم من . . . . .
ثم قال سبحانه ) وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ( الخطاب لكفار مكة أي وما أعطيتم من شيء من الأشياء فهو متاع الحياة الدنيا تتمتعون به مدة حياتكم أو بعض حياتكم ثم تزولون عنه أو يزول عنكم وعلى كل حال فذلك إلى فناء وانقضاء وما عند الله من ثوابه وجزائه خير من ذلك الزائل الفاني لأنه لذة خالصة عن شوب الكدر وأبقى لأنه يدوم أبدا وهذا ينقضي بسرعة ) أفلا تعقلون ( أن الباقي أفضل من الفاني وما فيه لذة خالصة غير مشوبة أفضل من اللذات المشوبة بالكدر المنغصة بعوارض البدن والقلب وقرىء بنصب متاع على المصدرية أي فتمتعون متاع الحياة قرأ أبو عمرو يعقلون بالتحتية وقرأ البقاون بالفوقية على الخطاب وقراءتهم أرجح لقوله وما أوتيتم
القصص : ( 61 ) أفمن وعدناه وعدا . . . . .
أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه أي وعدناه بالجنة وما فيها من النعم التي لا تحصى فهو لاقيه أي مدركه لا محالة فإن الله لا يخلف الميعاد كمن متعناه متاع الحياة الدنيا فأعطى منها بعض ما أراد مع سرعة زواله وتنغيصه ثم هو يوم القيامة من المحضرين هذا معطوف على قوله متعناه داخل معه في حيز الصلة مؤكد لإنكار التشابه ومقرر له والمعنى ثم هذا الذي متعناه هو يوم القيامة من المحضرين النار وتخصيص المحضرين بالذين أحضروا للعذاب اقتضاه المقام والاستفهام للإنكار أي ليس حالهما سواء فإن الموعود بالجنة لا بد أن يظفر بما وعد به مع أنه لا يفوته نصيبه من الدنيا وهذا حال المؤمن وأما حال الكافر فإنه لم يكن معه إلا مجرد التمتيع بشيء من الدنيا يستوي فيه هو والمؤمن وينال كل واحد منهما حظه منه وهو صائر إلى النار فهل يستويان قرأ الجمهور ثم هو بضم الهاء وقرأ الكسائي وقالون بسكون الهاء إجراء لثم مجرى الواو والفاء
القصص : ( 62 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
وانتصاب يوم


"""""" صفحة رقم 182 """"""
في قوله ) ويوم يناديهم ( بالعطف على يوم القيامة أو بإضمار اذكر أي يوم ينادى الله سبحانه هؤلاء المشركين فيقول لهم أين شركائي الذين كنتم تزعمون أنهم ينصرونكم ويشفعون لكم ومفعولا يزعمون محذوفان أي تزعمونهم شركائي لدلالة الكلام عليهما
القصص : ( 63 ) قال الذين حق . . . . .
قال الذين حق عليهم القول أي حقت عليهم كلمة العذاب وهم رؤساء الضلال الذين اتخذوهم أربابا من دون الله كذا قال الكلبي وقال قتادة هم الشياطين ربنا هؤلاء الذين أغوينا أي دعوناهم إلى الغواية يعنون الأتباع أغويناهم كما غوينا أي أضللناهم كما ضللنا تبرأنا إليك منهم والمعنى أن رؤساء الضلال أو الشياطين تبرءوا ممن أطاعهم قال الزجاج برىء بعضهم من بعض وصاروا أعداء كما قال الله تعالى الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو وهؤلاء مبتدأ والذين أغوينا صفته والعائد محذوف أي أغويناهم والخبر أغويناهم وكما أغوينا نعت مصدر محذوف وقيل إن خبر هؤلاء هو الذين أغوينا وأما أغويناهم كما غوينا فكلام مستأنف لتقرير ما قبله ورجح هذا أبو على الفارسي واعترض الوجه الأول ورد اعتراضه أبو البقاء ) ما كانوا إيانا يعبدون ( وإنما كانوا يعبدون أهواءهم وقيل إن ما في ما كانوا مصدرية أي تبرأنا إليك من عبادتهم إيانا والأول أولى
القصص : ( 64 ) وقيل ادعوا شركاءكم . . . . .
وقيل ادعوا شركاءكم أي قيل للكفار من بني ادم هذا القول والمعنى استغيثوا بالهتكم التي كنتم تعبدونهم من دون الله في الدنيا لينصروكم ويدفعوا عنكم فدعوهم عند ذلك فلم يستجيبوا لهم ولا نفعوهم بوجه من وجوه النفع ورأو العذاب أي التابع والمتبوع قد غشيهم لو أنهم كانوا يهتدون قال الزجاج جواب لو محذوف والمعنى لو أنهم كانوا يهتدون لأنجاهم ذلك ولم يروا العذاب وقيل المعنى لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم وقيل المعنى لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا لعلموا أن العذاب حق وقيل المعنى لو كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل لدفعوا به العذاب وقيل قد ان لهم أن يهتدوا لو كانوا يهتدون وقيل غير ذلك والأول أولى
القصص : ( 65 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
ويوم في قوله ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين معطوف على ما قبله أي ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين لما بلغوكم رسالاتي
القصص : ( 66 ) فعميت عليهم الأنباء . . . . .
) فعميت عليهم الأنباء يومئذ ( أي خفيت عليهم الحجج حتى صاروا كالعمى الذين لا يهتدون والأصل فعموا عن الأنباء ولكنه عكس الكلام للمبالغة والأنباء الأخبار وإنما سمى حججهم أخبارا لأنها لم تكن من الحجة في شيء وإنما هي أقاصيص وحكايات فهم لا يتساءلون لا يسأل بعضهم بعضا ولا ينطقون بحجة ولا يدرون بما يجيبون لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا فلا يكون لهم عذر ولا حجة يوم القيامة قرأ الجمهور عميت بفتح العين وتخفيف الميم وقرأ الأعمش وجناح بن حبيش بضم العين وتشديد الميم
القصص : ( 67 ) فأما من تاب . . . . .
فأما من تاب وامن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين أن تاب من الشرك وصدق بما جاء به الرسل وأدى الفرائض واجتنب المعاصى فعسى أن يكون من المفلحين أي الفائزين بمطالبهم من سعادة الدارين وعسى وإن كانت في الأصل للرجاء فهو من الله واجب على ما هو عادة الكرام وقيل إن الترجي هو من التائب المذكور لا من جهة الله سبحانه
القصص : ( 68 ) وربك يخلق ما . . . . .
وربك يخلق ما يشاء أي يخلقه ويختار ما يشاء أن يختاره لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وهذا متصل بذكر الشركاء الذين عبدوهم واختاروهم أي الاختيار إلى الله ما كان لهم الخيرة أي التخير وقيل المراد من الاية أنه ليس لحد من خلق الله أن يختار بل الاختيار هو إلى الله عز وجل وقيل إن هذه الاية جواب عن قولهم لولا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم وقيل هذه الاية جواب عن اليهود حيث قالوا لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل لامنا به
قال الزجاج الوقف على ويختار تام على أن ما نافية قال ويجوز أن تكون ما في موضع نصب


"""""" صفحة رقم 183 """"""
بيختار والمعنى ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة والصحيح الأول لإجماعهم على الوقف وقال ابن جرير إن تقدير الاية ويختار لولايته الخيرة من خلقه وهذا في غاية من الضعف وجوز ابن عطية أن تكون كان تامة ويكون لهم الخيرة جملة مستأنفة وهذا أيضا بعيد جدا وقيل إن ما مصدرية أي يختار اختيارهم والمصدر واقع موقع المفعول به أي ويختار مختارهم وهذا كالتفسير لكلام ابن جرير والراجح أول هذه التفاسير ومثله قوله سبحانه ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة ( والخيرة التخير كالطيرة فإنها التطير اسمان يستعملان استعمال المصدر ثم نزه سبحانه نفسه فقال سبحان الله أي تنزه تنزها خاصا به من غير أن ينازعه منازع ويشاركه مشارك وتعالى عما يشركون أي عن الذين يجعلونهم شركاء له أو عن إشراكهم
القصص : ( 69 ) وربك يعلم ما . . . . .
وربك يعلم ما تكن صدورهم أي تخفيه من الشرك أو من عداوة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أو من جميع ما يخفونه مما يخالف الحق ) وما يعلنون ( أي يظهرونه من ذلك قرأ الجمهور تكن بضم التاء الفوقية وكسر الكاف وقرأ ابن محيصن وحميد بفتح الفوقية وضم الكاف
القصص : ( 70 ) وهو الله لا . . . . .
ثم تمدح سبحانه وتعالى بالوحدانية والتفرد باستحقاق الحمد فقال وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى أي الدنيا والاخرة أي الدار الاخرة وله الحكم يقضي بين عباده بما شاء من غير مشارك وإليه ترجعون بالبعث فيجازى المحسن بإحسانه والمسىء باساءته لا ترجعون إلى غيره
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ( قال قال الله لم نهلك قرية بإيمان ولكنه أهلك القرى بظلم إذا ظلم أهلها ولو كانت مكة امنت لم يهلكوا مع من هلك ولكنهم كذبوا وظلموا فبذلك هلكوا وأخرج مسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال يقول الله عز وجل يابن ادم مرضت فلم تعدني الحديث بطوله وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عبد بن عبيد بن عمير قال يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا وأعطش ما كانوا وأعرى ما كانوا فمن أطعم لله عز وجل أطعمه الله ومن كسا لله عز وجل كساه الله ومن سقى لله عز وجل سقاه الله ومن كان في رضا الله كان الله على رضاه وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فعميت عليهم الأنباء قال الحجج فهم لا يتساءلون قال بالأنساب وقد ثبت عنه صلى الله عليه واله وسلم في الصحيح تعليم الاستخارة وكيفية صلاتها ودعائها فلا نطول بذكره
سورة القصص ( 71 - 75 )


"""""" صفحة رقم 184 """"""
سورة القصص ( 76 - 88 )
القصص : ( 71 ) قل أرأيتم إن . . . . .
قوله قل أرأيتم أي أخبروني إن جعل الله عليكم الليل سرمدا السرمد الدائم المستمر من السرد وهو المتابعة فالميم زائدة ومنه قول طرفة لعمرك ما أمرى عليك بغمة
نهاري ولا ليلى عليك بسرمد


"""""" صفحة رقم 185 """"""
وقيل إن ميمه أصلية ووزنه فعلل لافعمل وهو الظاهر بين لهم سبحانه أنه مهد لهم أسباب المعيشة ليقوموا بشكر النعمة فإنه لو كان الدهر الذي يعيشون فيه ليلا دائما إلى يوم القيامة لم يتمكنوا من الحركة فيه وطلب ما لا بد لهم منه مما يقوم به العيش من المطاعم والمشارب والملابس ثم امتن عليهم فقال ) من إله غير الله يأتيكم بضياء ( أي هل لكم إله من الالهة التي تعبدونها يقدر على أن يرفع هذه الظلمة الدائمة عنكم بضياء أي بنور تطلبون فيه المعيشة وتبصرون فيه ما تحتاجون إليه وتصلح به ثماركم وتنمو عنده زرائعكم وتعيش فيه دوابكم أفلا تسمعون هذا الكلام سماع فهم وقبول وتدبر وتفكر
القصص : ( 72 ) قل أرأيتم إن . . . . .
ثم لما فرغ من الامتنان عليهم بوجود النهار امتن عليهم بوجود الليل فقال قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة أي جعل جميع الدهر الذي تعيشون فيه نهارا إلى يوم القيامة ) من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ( أي تستقرون فيه من النصب والتعب وتستريحون مما تزاولون من طلب المعاش والكسب أفلا تبصرون هذه المنفعة العظيمة إبصار متعظ متيقظ حتى تنزجروا عما أنتم فيه من عبادة غير الله وإذا أقروا بأنه لا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل فقد لزمتهم الحجة وبطل ما يتمسكون به من الشبه الساقطة وإنما قرن سبحانه بالضياء قوله أفلا تسمعون لأن السمع يدرك مالا يدركه البصر من درك منافعه ووصف فوائده وقرن بالليل قوله أفلا تبصرون لأن البصر يدرك مالا يدركه السمع من ذلك
القصص : ( 73 ) ومن رحمته جعل . . . . .
ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه أي في الليل ) ولتبتغوا من فضله ( أي في النهار بالسعي في المكاسب ولعلكم تشكرون أي ولكى تشكروا نعمة الله عليكم وهذه الاية من باب اللف والنشر كما في قول امرىء القيس كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالي
واعلم أنه وإن كان السكون في النهار ممكنا وطلب الرزق في الليل ممكنا وذلك عند طلوع القمر على الأرض أو عند الاستضاءة بشيء بما له نور كالسراج لكن ذلك قليل نادر مخالف لما يألفه العباد فلا اعتبار به
القصص : ( 74 ) ويوم يناديهم فيقول . . . . .
) ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ( كرر سبحانه هذا لاختلاف الحالتين لأنهم ينادون مرة فيدعون الأصنام وينادون أخرى فيسكتون وفي هذا التكرير أيضا تقريع بعد تقريع وتوبيخ بعد توبيخ
القصص : ( 75 ) ونزعنا من كل . . . . .
وقوله ) ونزعنا من كل أمة شهيدا ( عطف على ينادى وجاء بصيغة الماضي للدلالة على التحقق والمعنى وأخرجنا من كل أمة من الأمم شهيدا يشهد عليهم قال مجاهد هم الأنبياء وقيل عدول كل أمة والأول أولى ومثله قوله سبحانه فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ثم بين سبحانه ما يقوله لكل أمة من هذه الأمم بقوله فقلنا هاتوا برهانكم أي حجتكم ودليلكم بأن معي شركاء فعند ذلك اعترفوا وخرسوا عن إقامة البرهان ولذا قال فعلموا أن الحق لله في الإلهية وأنه وحده لا شريك له ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي غاب عنهم وبطل وذهب ما كانوا يختلقونه من الكذب في الدنيا بأن لله شركاء يستحقون العبادة
القصص : ( 76 ) إن قارون كان . . . . .
ثم عقب سبحانه حديث أهل الضلال بقصة قارون لما اشتملت عليه من بديع القدرة وعجيب الصنع فقال إن قارون كان من قوم موسى قارون على وزن فاعول اسم أعجمي ممتنع للعجمة والعلمية وليس بعربي مشتق من قرنت قال الزجاج لو كان قارون من قرنت الشيء لانصرف قال النخعي وقتادة وغيرهما كان ابن عم موسى وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب وموسى هو ابن عمران بن قاهث وقال ابن إسحاق كان عم موسى لأب وأم فجعله أخا لعمران وهما ابنا قاهث وقيل هو ابن خالة موسى ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة منه فنافق كما نافق السامري وخرج عن طاعة موسى وهو معنى قوله فبغى عليهم أي جاوز الحد في التجبر والتكبر عليهم وخرج عن طاعة موسى وكفر بالله قال الضحاك بغيه على بني إسرائيل استخفافه بهم


"""""" صفحة رقم 186 """"""
لكثرة ماله وولده وقال قتادة بغيه بنسبته ما اتاه الله من المال إلى نفسه لعلمه وحيلته وقيل كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فتعدى عليهم وظلمهم وقيل كان بغيه بغير ذلك مما لا يناسب معنى الآية واتيناه من الكنوز جمع كنز وهو المال المدخر قال عطاء أصاب كنزا من كنوز يوسف وقيل كان يعمل الكيمياء و ما في قوله ما إن مفاتحة موصولة صلتها إن وما في حيزها ولهذا كسرت ونقل الأخفش الصغير عن الكوفيين منع جعل المكسورة وما في حيزها صلة الذي واستقبح ذلك منهم لوروده في الكتاب العزيز في هذا الموضع والمفاتح جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به وقيل المراد بالمفاتح الخزائن فيكون واحدها مفتح بفتح الميم قال الواحدي إن المفاتح الخزائن في قول أكثر المفسرين كقوله وعنده مفاتح الغيب قال وهو اختيار الزجاج فإنه قال الأشبه في التفسير أن مفاتحه خزائن ماله وقال اخرون هي جمع مفتاح وهو ما يفتح به الباب وهذا قول قتادة ومجاهد ) لتنوء بالعصبة أولي القوة ( هذه الجملة خبر إن وهي واسمها وخبرها صلة ما الموصولة يقال ناء بحمله إذا نهض به مثقلا ويقال ناء بي الحمل إذا أثقلني والمعنى يثقلهم حمل المفاتح قال أبو عبيدة هذا من المقلوب والمعنى لتنوء بها العصبة أي تنهض بها قال أبو زيد نؤت بالحمل إذا نهضت به قال الشاعر إنا وجدنا خلفا بئس الخلف
عبدا إذا ما ناء بالحمل وقف
وقال الفراء معنى تنوء بالعصبة تميلهم يثقلها كما يقال يذهب بالبؤس ويذهب البؤس وذهبت به وأذهبته وجئت به وأجأته ونؤت به وأنأته واختار هذا النحاس وبه قال كثير من السلف وقيل هو مأخوذ من النأي وهو البعد وهو بعيد وقرأ بديل بن ميسرة لينوء بالياء أي لينوء الواحد منها أو المذكور فحمل على المعنى والمراد بالعصبة الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض قيل هي من الثلاثة إلى العشرة وقيل من العشرة إلى الخمسة عشر وقيل ما بين العشرة إلى العشرين وقيل من الخمسة إلى العشرة وقيل أربعون وقيل سبعون وقيل غير ذلك ) إذ قال له قومه لا تفرح ( الظرف منصوب بتنوء وقيل بآتيناه وقيل ببغى وردهما أبو حبان بأن الإيتاء والبغي لم يكونا ذلك الوقت وقال ابن جرير هو متعلق بمحذوف وهو اذكر والمراد بقومه هنا هم المؤمنون من بني إسرائيل وقال الفراء هو موسى وهو جمع أريد به الواحد ومعنى لا تفرح لا تبطر ولا تأشر ) إن الله لا يحب الفرحين ( البطرين الأشرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم قال الزجاج المعنى لا تفرح بالمال فإن الفرح بالمال لا يؤدي حقه وقيل المعنى لا تفسد كقول الشاعر إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة
وتحمل أخرى أفرحتك الودائع
أي أفسدتك قال الزجاج الفرحين والفارحين سواء وقال الفراء معنى الفرحين الذين هم في حال الفرح والفارحين الذين يفرحون في المستقبل وقال مجاهد معنى لا تفرح لا تبغ إن الله لا يحب الفرحين الباغين وقيل معناه لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين
القصص : ( 77 ) وابتغ فيما آتاك . . . . .
وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرة أي واطلب فيما أعطاك الله من الأموال الدار الاخرة فأنفقه فيما يرضاه الله لا في التجبر والبغي وقرىء واتبع ) ولا تنس نصيبك من الدنيا ( قال جمهور المفسرين وهو أن يعمل في دنياه لاخرته ونصيب الإنسان عمره وعمله الصالح قال الزجاج معناه لا تنس أن تعمل لاخرتك لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لاخرته وقال الحسن وقتادة معناه لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه وهذا ألصق بمعنى النظم القراني وأحسن كما أحسن الله إليك أي أحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك بما أنعم به عليك من نعم الدنيا وقيل أطع الله واعبده كما أنعم


"""""" صفحة رقم 187 """"""
عليك ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن الإحسان فقال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ولا تبغ الفساد في الأرض أي لا تعمل فيها بمعاصى الله إن الله لا يحب المفسدين في الأرض
القصص : ( 78 ) قال إنما أوتيته . . . . .
قال إنما أوتيته على علم عندي قال قارون هذه المقالة ردا على من نصحه بما تقدم أي إنما أعطيت ما أعطيت من المال لأجل علمي فقوله على علم في محل نصب على الحال وعندي إما ظرف لأوتيته وإما صلة للعلم وهذا العلم الذي جعله سببا لما ناله من الدنيا قيل هو علم التوراة وقيل علمه بوجوه المكاسب والتجارات وقيل معرفة الكنوز والدفائن وقيل علم الكيمياء وقيل المعنى إن الله اتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل علمه مني واختار هذا الزجاج وأنكر ما عداه ثم رد الله عليه قوله هذا فقال ) أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ( المراد بالقرون الأمم الخالية ومعنى أكثر جمعا أكثر منه جمعا للمال ولو كان المال أو القوة يدلان على فضيلة لما أهلكهم الله وقيل القوة الالات والجمع الأعوان وهذا الكلام خارج مخرج التقريع والتوبيخ لقارون لأنه قد قرأ التوراة وعلم علم القرون الأولى وإهلاك الله سبحانه لهم ) ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( أي لا يسألون سؤال استعتاب كما في قوله ) ولا هم يستعتبون ( وما هم من المعتبين وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ كما في قوله ) فوربك لنسألنهم أجمعين ( وقال مجاهد لا تسأل الملائكة غدا عن المجرمين لأنهم يعرفون بسيماهم فإنهم يحشرون سود الوجوه زرق العيون وقال قتادة لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهروها وكثرتها بل يدخلون النار وقيل لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية
القصص : ( 79 ) فخرج على قومه . . . . .
فخرج على قومه في زينته الفاء للعطف على قال وما بينهما اعتراض و في زينته متعلق بخرج أو بمحذوف هو حال من فاعل خرج وقد ذكر المفسرون في هذه الزينة التي خرج فيها روايات مختلفة والمراد أنه خرج في زينة انبهر لها من راها ولهذا تمنى الناظرون إليه أن يكون لهم مثلها
القصص : ( 80 ) وقال الذين أوتوا . . . . .
كما حكى الله عنهم بقوله ) قال الذين يريدون الحياة الدنيا ( وزينتها ) يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم ( أي نصيب وافر من الدنيا
واختلف في هؤلاء القائلين بهذه المقالة فقيل هم من مؤمني ذلك الوقت وقيل هم قوم من الكفار ) وقال الذين أوتوا العلم ( وهم أحبار بني إسرائيل قالوا للذين تمنوا ) ويلكم ثواب الله خير ( أي ثواب الله في الآخرة خير مما تمنونه ) لمن آمن وعمل صالحا ( فلا تمنوا عرض الدنيا الزائل الذي لا يدوم ) ولا يلقاها ( أي هذه الكلمة التي تكلم بها الأحبار وقيل الضمير يعود إلى الأعمال الصالحة وقيل إلى الجنة ) إلا الصابرون ( على طاعة الله والمصبرون أنفسهم عن الشهوات
القصص : ( 81 ) فخسفنا به وبداره . . . . .
) فخسفنا به وبداره الأرض ( يقال خسف المكان يخسف خسوفا ذهب في الأرض وخسف به الأرض خسفا أي غاب به فيها والمعنى أن الله سبحانه غيبه وغيب داره في الأرض ) فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله ( أي ما كان له جماعة يدفعون ذلك عنه ) وما كان ( هو في نفسه ) من المنتصرين ( من الممتنعين مما نزل به من الخسف
القصص : ( 82 ) وأصبح الذين تمنوا . . . . .
) وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس ( أي منذ زمان قريب ) يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ( أي يقول كل واحد منهم متندما على ما فرط منه من التمني قال النحاس أحسن ما قيل في هذا ما قاله الخليل وسيبويه ويونس والكسائي أن القوم تنبهوا فقالوا وي والمتندم من العرب يقول في خلال ندمه وى قال الجوهرب وي كلمة تعجب ويقال ويك وقد تدخل وى ع على كأن المخففة والمشددة ويكأن الله قال الخليل هي مفصولة تقول وي ثم تبتدىء فيقول كأن وقال الفراء هي كلمة


"""""" صفحة رقم 188 """"""
تقرير كقولك أما ترى صنع الله وإحسانه وقيل هي كلمة تنبيه بمنزلة ألا وقال قطرب إنما وهو يلك فأسقطت لامه ومنه قول عنترة ولقد شفا نفسي وأبرأ سقمها
قول الفوارس ويك عنتر أقدم
وقال ابن الأعرابي معنى ويكأن الله أعلم أن الله وقال القتيبي معناها بلغة حمير رحمة وقيل هي بمعنى ألم تر وروى عن الكسائي أنه قال هي كلمة تفجع ) لولا أن من الله علينا ( برحمته وعصمنا من مثل ما كان عليه قارون من البطر والبغي ولم يؤاخذنا بما وقع منا من ذلك التمني لخسف بنا كما خسف به قرأ حفص لخسف مبنيا للفاعل وقرأ الباقون مبنيا للمفعول ويكأنه لا يفلح الكافرون أي لا يفوزون بمطلب من مطالبهم
القصص : ( 83 ) تلك الدار الآخرة . . . . .
) تلك الدار الآخرة ( أي الجنة والإشارة إليها لقصد التعظيم لها والتفخيم لشأنها كأنه قال تلك التي سمعت بخبرها وبلغك شأنها ) نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ( أي رفعة وتكبرا على المؤمنين ) ولا فسادا ( أي عملا بمعاصى الله سبحانه فيها وذكر العلو والفساد منكرين في حيز النفي يدل على شمولهما لكل ما يطلق عليه أنه علو وأنه فساد من غير تخصيص بنوع خاص أما الفساد فظاهر أنه لا يجوز شيء منه كائنا ما كان وأما العلو فالممنوع منه ما كان على طريق التكبر على الغير والتطاول على الناس وليس منه طلب العلو في الحق والرئاسة في الدين ولا محبة اللباس الحسن والمركوب الحسن والمنزل الحسن
القصص : ( 84 ) من جاء بالحسنة . . . . .
) من جاء بالحسنة فله خير منها ( وهو أن الله يجازيه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ) ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون ( أي إلا مثل ما كانوا يعملون فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وقد تقدم بيان معني هذه الآية في سورة النمل
القصص : ( 85 ) إن الذي فرض . . . . .
) إن الذي فرض عليك القرآن ( قال المفسرون أي أنزل عليك القرآن وقال الزجاج فرض عليك العمل بما يوجبه القرآن وتقدير الكلام فرض عليك أحكام القرآن وفرائضه ) لرادك إلى معاد ( قال جمهور المفسرين إي إلى مكة وقال مجاهد وعكرمة والزهري والحسن إن المعنى لرادك إلى يوم القيامة وهو اختيار الزجاج يقال بيني وبينك المعاد أي يوم القيامة لأن الناس يعودون فيه أحياء وقال أبو مالك وأبو صالح لرادك إلى معاد إلى الجنة وبه قال أبو سعيد الخدري وروى عن مجاهد وقيل إلى معاد إلى الموت ) قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين ( هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبي صلى الله عليه واله وسلم إنك في ضلال والمراد من جاء بالهدى هو النبي صلى الله عليه واله وسلم ومن هو في ضلال مبين المشركون والأولى حمل الآية على العموم وأن الله سبحانه يعلم حال كل طائفة من هاتين الطائفتين ويجازيها بما تستحقه من خير وشر
القصص : ( 86 ) وما كنت ترجو . . . . .
) وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب ( أي ما كنت ترجو أنا نرسلك إلى العباد وننزل عليك القرآن وقيل ما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب بردك إلى معادك والاستثناء في قوله ) إلا رحمة من ربك ( منقطع أي لكن إلقاؤه عليك رحمة من ربك ويجوز أن يكون متصلا حملا على المعنى كأنه قيل وما ألقى إليك الكتاب إلا لأجل الرحمة من ربك والأول أولى وبه جزم الكسائي والفراء ) فلا تكونن ظهيرا للكافرين ( أي عونا لهم وفيه تعريض بغيره من الأمة وقيل المراد لا تكونن ظهيرا لهم بمداراتهم
القصص : ( 87 ) ولا يصدنك عن . . . . .
) ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك ( أي لا يصدنك يا محمد الكافرون وأقوالهم وكذبهم وأذاهم عن تلاوة آيات الله والعمل بها بعد إذ أنزلها الله إليك وفرضت عليك قرأ الجمهور بفتح الياء وضم الصاد من صده يصده وقرأ عاصم بضم الياء وكسر الصاد من أصده بمعنى


"""""" صفحة رقم 189 """"""
صده ) وادع إلى ربك ( أي ادع الناس إلى الله وإلى توحيده والعمل بفرائضه واجتناب معاصيه ) ولا تكونن من المشركين ( وفيه تعريض بغيره كما تقدم لأنه صلى الله عليه واله وسلم لا يكون من المشركين بحال من الأحوال
القصص : ( 88 ) ولا تدع مع . . . . .
وكذلك قوله ) ولا تدع مع الله إلها آخر ( فإنه تعريض لغيره ثم وحد سبحانه نفسه ووصفها بالبقاء والدوام فقال ) لا إله إلا هو كل شيء ( من الأشياء كائنا ما كان ) هالك إلا وجهه ( أي إلا ذاته قال الزجاج وجهه منصوب على الاستثناء ولو كان في غير القران كان مرفوعا بمعنى كل شيء غير وجهه هالك كما قال الشاعر وكل أخ مفارقه أخوه
لعمر أبيك إلا الفرقدان
والمعنى كل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه ) له الحكم ( أي القضاء النافذ يقض بما شاء ويحكم بما أراد ) وإليه ترجعون ( عند البعث ليجزي المحسن بإحسانه والمسىء بإساءته لا إله غيره سبحانه وتعالى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله سرمدا قال دائما وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) وضل عنهم ( يوم القيامة ) ما كانوا يفترون ( قال يكذبون في الدنيا وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عنه أيضا ) إن قارون كان من قوم موسى ( قال كان ابن عمه وكان يتبع العلم حتى جمع علما فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى وحسده فقال له موسى إن الله أمرني أن آخذ الزكاة فأبى فقال إن موسى يريد أن ياكل أموالكم جاءكم بالصلاة وجاءكم بأشياء فاحتملتموها فتحتملون أن تعطوه أموالكم فقالوا لا نحتمل فما ترى فقال لهم أرى أن أرسل إلى بغى من بغايا بني إسرائيل فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها فأرسلوا إليها فقالوا لها نعطيك حكمك على أن تشهدى على موسى أنه فجر بك قالت نعم فجاء قارون إلى موسى فقال اجمع بني إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك قال نعم فجمعهم فقالوا له ما أمرك ربك قال أمرني أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تصلوا الرحم وكذا وكذا وأمرني إذا زنا وقد أحصن أن يرجم قالوا وإن كنت أنت قال نعم قالوا فإنك قد زنيت قال أنا فأرسلوا للمرأة فجاءت فقالوا ما تشهدين على موسى فقال لها موسى أنشدك بالله إلا ما صدقت قالت أما إذا نشدتني بالله فإنهم دعوني وجعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي وأنا أشهد أنك برىء وأنك رسول الله فخر موسى ساجدا يبكي فأوحى الله إليه ما يبكيك قد سلطناك على الأرض فمرها فتعطيك فرفع رأسه فقال خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم فجعلوا يقولون يا موسى يا موسى فقال خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم فجعلوا يقولون يا موسى يا موسى فقال خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم فجعلوا يقولون يا موسى يا موسى فقال خذيهم فأخذتهم فغشيتهم فأوحى الله يا موسى سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم وعزني لو أنهم دعوني لأجبتهم قال ابن عباس وذلك قوله فخسفنا به وبداره الأرض خسف به إلى الأرض السفلى وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن خيثمة قال كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كل مفتاح مثل الأصبع كل مفتاح على خزانة على حدة فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلا أعز محجل وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه قال وجدت في الإنجيل أن بغال مفاتيح خزائن قارون غر محجلة لا يزيد مفتاح منها على أصبع لكل مفتاح كنز قلت لم أجد في الإنجيل هذا الذي ذكره خيثمة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لتنوء بالعصبة ( قال تثقل وأخرج ابن المنذر عنه قال لا يرفعها العصبة من الرجال أو لو القوة وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال العصبة أربعون رجلا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله


"""""" صفحة رقم 190 """"""
) إن الله لا يحب الفرحين ( قال المرحين وفي قوله ) ولا تنس نصيبك من الدنيا ( قال أن تعمل فيها لاخرتك وأخرج ابن مردويه عن أوس بن أوس الثقفي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في قوله ) فخرج على قومه في زينته ( في أربعة آلاف بغل وقد روى عن جماعة من التابعين أقوال في بيان ما خرج به على قومه من الزينة ولا يصح منها شيء مرفوعا بل هي من أخبار أهل الكتاب كما عرفناك غير مرة ولا أدري كيف إسناد هذا الحديث الذي رفعه ابن مردويه فمن ظفر بكتابه فلينظر فيه وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله ) فخسفنا به وبداره الأرض ( قال خسف به إلى الأرض السفلي وأخرج المحاملي والديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في قوله ) تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ( قال التجبر في الأرض والأخذ بغير الحق وروى نحوه عن مسلم البطين وابن جريج وعكرمه وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) لا يريدون علوا في الأرض ( قال بغيا في الأرض وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال هو الشرف والعلو عند ذوي سلطانهم وأقول إن كان ذلك للتقوى به على الحق فهو من خصال الخير لا من خصال الشر وأخرج ابن أبن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال إن الرجل ليحب أن يكون شسع نعله أفضل من شسع نعل صاحبه فيدخل في هذه الاية تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذه الرواية عن علي رضي الله عنه وهذا محمول على من أحب ذلك لا لمجرد التجمل فهذا لا بأس به فقد ثبت أن رجلا قال يا رسول الله إني أحب أن يكون ثوبى حسنا ونعلى حسنة أفمن الكبر ذلك قال لا إن الله جميل يحب الجمال وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب أنه قال نزلت هذه الاية يعني تلك الدار الاخرة الخ في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم قال لما دخل على النبي صلى الله عليه واله وسلم ألقى إليه وسادة فجلس على الأرض فقال أشهد أنك لا تبغى علوا في الأرض ولا فسادا فأسلم وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك وأخرج أيضا ابن مردويه عن علي بن الحسين بن واقد أن قوله تعالى ) إن الذي فرض عليك القرآن ( الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالجحفة حين خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم مهاجرا إلى المدينة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي من طرق عن ابن عباس في قوله ) لرادك إلى معاد ( قال إلى مكة زاد ابن مردويه كما أخرجك منها وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري ) لرادك إلى معاد ( قال الاخرة وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن المنذر عنه أيضا في قوله ) لرادك إلى معاد ( قال معاده الجنة وفي لفظ معاده اخرته وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي عن علي بن أبي طالب قال ) لرادك إلى معاد ( الجنة وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن مردويه عنه قال لما نزلت ) كل من عليها فان ( قالت الملائكة هلك أهل الأرض فلما نزلت ) كل نفس ذائقة الموت ( قالت الملائكة هلك كل نفس فلما نزلت كل شيء هالك إلا وجهه قالت الملائكة هلك أهل السماء والأرض وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ) كل شيء هالك إلا وجهه ( قال إلا ما أريد به وجهه


"""""" صفحة رقم 191 """"""
ع29
تفسير
سورة العنكبوت
هي تسع وستون آية
حول السورة
وقد اختلف في كونها مكية أو مدنية أو بعضها مكيا وبعضها مدنيا على ثلاثة أقوال الأول أنها مكية كلها أخرجه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله ابن الزبير وبه قال الحسن وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد والقول الثاني أنها مدنية كلها قال القرطبي وهو أحد قولى ابن عباس وقتادة والقول الثالث أنها مكية إلا عشر آيات من أولها قال القرطبي وهو أحد قولى ابن عباس وقتادة وهو قول يحيى بن سلام وحكى عن علي بن أبي طالب أنها نزلت بين مكة والمدينة وهذا قول رابع وأخرج الدارقطني في السنن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات يقرأ في الركعة الأولى العنكبوت أو الروم وفي الثانية يس
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العنكبوت ( 1 11 )


"""""" صفحة رقم 192 """"""
سورة العنكبوت ( 12 - 13 )
العنكبوت : ( 1 ) الم
قد تقدم الكلام على فاتحة هذه السورة مستوفى في سورة البقرة
العنكبوت : ( 2 ) أحسب الناس أن . . . . .
والاستفهام في قوله ) أحسب الناس ( للتقريع والتوبيخ و ) أن يتركوا ( في موضع نصب بحسب وهي وما دخلت عليه قائمة مقام المفعولين على قول سيبويه والجمهور و ) أن يقولوا ( في موضع نصب على تقدير لأن يقولوا أو بأن يقولوا أو على أن يقولوا وقيل هو بدل من أن يتركوا ومعنى الاية أن الناس لا يتركون بغير اختبار ولا ابتلاء ) أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( أي وهم لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم وليس الأمر كما حسبوا بل لا بد أن يختبرهم حتى يتبين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب فالآية مسوقة لإنكار ذلك الحسبان واستعباده وبيان أنه لا بد من الامتحان بأنواع التكاليف وغيرها قال الزجاج المعنى أحسبوا أن نقنع منهم بأن يقولوا إنا مؤمنون فقط ولا يمتحنون بما تتبين به حقيقة إيمانهم وهو قوله ) أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( قال السدي وقتادة ومجاهد أي لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم بالقتل والتعذيب وسيأتي في بيان سبب نزول هذه الآيات ما يوضح معنى ما ذكرناه وظاهرها شمول كل الناس من أهل الإيمان وإن كان السبب خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ كما قررناه غير مرة قال ابن عطية وهذه الاية وإن كانت نازلة في سبب خاص فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه واله وسلم موجود حكمها بقية الدهر وذلك أن الفتنة من الله باقية في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك
العنكبوت : ( 3 ) ولقد فتنا الذين . . . . .
) ولقد فتنا الذين من قبلهم ( أي هذه سنة الله في عباده وأنه يختبر مؤمني هذه الأمة كما اختبر من قبلهم من الأمم كما جاء به القران في غير موضع من قصص الأنبياء وما وقع مع قومهم من المحن وما اختبر الله به أتباعهم ومن امن بهم من تلك الأمور التي نزلت بهم ) فليعلمن الله الذين صدقوا ( في قولهم امنا ) وليعلمن الكاذبين ( منهم في ذلك قرأ الجمهور فليعلمن بفتح الياء واللام في الموضعين أي ليظهرن الله الصادق والكاذب في قولهم ويميز بينهم وقرأ على بن أبي طالب في الموضعين بضم الياء وكسر اللام والمعنى أي يعلم الطائفتين في الاخرة بمنازلهم أو يعلم الناس بصدق من صدق ويفضح الكاذبين بكذبهم أو يضع لكل طائفة علامة تشتهر بها وتتميز عن غيرها
العنكبوت : ( 4 ) أم حسب الذين . . . . .
) أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ( أي يفوتونا ويعجزونا قبل أن نؤاخذهم بما يعملون وهو ساد مسد مفعولى حسب وأم هي المنقطعه ) ساء ما يحكمون ( أي بئس الذي يحكمونه حكمهم ذلك وقال الزجاج ما في موضع نصب بمعنى ساء شيئا أو حكما يحكمون قال ويجوز أن تكون ما في موضع رفع بمعنى ساء الشيء أو الحكم حكمهم وجعلها ابن كيسان مصدرية أي ساء حكمهم
العنكبوت : ( 5 ) من كان يرجو . . . . .
) فمن كان يرجو لقاء ربه ( أي من كان يطمع والرجاء بمعنى الطمع قاله سعيد بن جبير وقيل الرجاء هنا بمعنى الخوف قال القرطبي وأجمع أهل التفسير على أن المعنى من كان يخاف الموت ومنه قول الهذلي
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها قال الزجاج معنى من كان يرجو لقاء الله من كان يرجو ثواب لقاء الله أي ثواب المصير إليه فالرجاء على هذا الأمل ) فإن أجل الله لآت ( أي الأجل المضروب للبعث ات لا محالة قال مقاتل يعني يوم القيامة والمعنى فليعمل لذلك اليوم كما في قوله ) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ( ومن في الآية التي هنا يجوز أن تكون شرطية والجزاء فإن أجل الله لآت ويجوز أن تكون وصولة ودخلت الفاء في جوابها تشبيها لها بالشرطية وفي الآية من الوعد والوعيد والترهيب والترغيب مالا يخفى


"""""" صفحة رقم 193 """"""
) وهو السميع ( لأقوال عباده ) العليم ( بما يسرونه وما يعلنونه
العنكبوت : ( 6 ) ومن جاهد فإنما . . . . .
) ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ( أي من جاهد الكفار وجاهد نفسه بالصبر على الطاعات فإنما يجاهد لنفسه أي ثواب ذلك له لا لغيره ولا يرجع إلى الله سبحانه من نفع ذلك شيء ) إن الله لغني عن العالمين ( فلا يحتاج إلى طاعاتهم كما لا تضره معاصيهم وقيل المعنى ومن جاهد عدوه لنفسه لا يريد بذلك وجه الله فليس لله حاجة بجهاده والأول أولى
العنكبوت : ( 7 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ( أي لنغطينها عنهم بالمغفرة بسبب ما عملوا من الصالحات ) ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ( أي بأحسن جزاء أعمالهم وقيل بجزاء أحسن أعمالهم والمراد بأحسن مجرد الوصف لا التفضيل لئلا يكون جزاؤهم بالحسن مسكوتا عنه وقيل يعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن منه كما في قوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها
العنكبوت : ( 8 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . .
) ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ( انتصاب حسنا على أنه نعت مصدر محذوف أي إيصاء حسنا على المبالغة أو على حذف المضاف أي ذا حسن هذا مذهب البصريين وقال الكوفيون تقديره ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا فهو مفعول لفعل مقدر ومنه قول الشاعر عجبت من دهماء إذ تشكونا
ومن أبي دهماء إذ يوصينا
خيرا بها كأنما خافونا
أي يوصينا أن نفعل بها خيرا ومثله قول الحطيئة
وصيت من برة قلبا حرا
بالكلب خيرا والحمأة شرا
قال الزجاج معناه ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن وقيل هو صفة لموصوف محذوف أي ووصيناه أمرا ذا حسن وقيل هو منتصب على أنه مفعول به على التضمين أي ألزمناه حسنا وقيل منصوب ينزع الخافض أي ووصيناه بحسن وقيل هو مصدر فعل محذوف أي يحسن حسنا ومعنى الاية التوصية للإنسان بوالديه بالبر بهما والعطف عليهما قرأ الجمهور حسنا بضم الحاء وإسكان السين وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والضحاك بفتحهما وقرأ الجحدري إحسانا وكذا في مصحف أبي ) وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ( أي طلبا منك وألزماك أن تشرك بي إلها ليس لك به علم بكونه إلها فلا تطعهما فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وعبر بنفى العلم عن نفي الإله لأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه فكيف بما علم بطلانه وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له فعدم جوازها مع مجرد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصى الله سبحانه فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ( أي أخبركم بصالح أعمالكم وطالحها فأجازى كلا منكم بما يستحقه
العنكبوت : ( 9 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
والموصول في قوله ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات ( في محل رفع على الابتداء وخبره ) لندخلنهم في الصالحين ( أي في زمرة الراسخين في الصلاح ويجوز أن يكون في محل نصب على الاشتغال ويجوز أن يكون المعنى لندخلنهم في مدخل الصالحين وهو الجنة كذا قيل والأول اولى
العنكبوت : ( 10 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله ( أي في شأن الله ولأجله كما يفعله أهل الكفر مع أهل الإيمان وكما يفعله أهل المعاصى مع أهل الطاعات من إيقاع الأذى عليهم لأجل الإيمان بالله والعمل بما أمر به ) جعل فتنة الناس ( التي هي ما يوقعونه عليه من الأذى ) كعذاب الله ( أي جزع من أذاهم فلم يصبر عليه وجعله في الشدة والعظم كعذاب الله فأطاع الناس كما يطيع الله وقيل هو المنافق إذا أوذى في الله رجع عن الدين فكفر قال الزجاج ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذية في الله ) ولئن جاء نصر من ربك ( أي نصر من الله للمؤمنين وفتح وغلبة للأعداء وغنيمة يغنمونها منهم ) ليقولن إنا كنا معكم ( أي داخلون معكم في دينكم ومعاونون لكم على عدوكم فكذبهم


"""""" صفحة رقم 194 """"""
الله وقال ) أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ( أي هو سبحانه أعلم بما في صدورهم منهم من خير وشر فكيف يدعون هذه الدعوى الكاذبة وهؤلاء هو قوم ممن كان في إيمانهم ضعف كانوا إذا مسهم الأذى من الكفار وافقوهم وإذا ظهرت قوة الإسلام ونصر الله المؤمنين في موطن من المواطن ) ليقولن إنا كنا معكم ( وقيل المراد بهذا وما قبله المنافقون قال مجاهد نزلت في ناس كانوا يؤمنون بالله بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة افتتنوا وقال الضحاك نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك والظاهر أن هذا النظم من قوله ) ومن الناس من يقول ( إلى قوله ) وقال الذين كفروا ( نازل في المنافقين لما يظهر من السياق
العنكبوت : ( 11 ) وليعلمن الله الذين . . . . .
ولقوله ) وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين ( فإنها لتقرير ما قبلها وتأكيده أي ليميزن الله بين الطائفتين ويظهر إخلاص المخلصين ونفاق المنافقين فالمخلص الذي لا يتزلزل بما يصيبه من الأذى ويصبر في الله حق الصبر ولا يجعل فتنة الناس كعذاب الله والمنافق الذي يميل هكذا وهكذا فإن أصابه أذى من الكافرين وافقهم وتابعهم وكفر بالله عز وجل وإن خفقت ريح الإسلام وطلع نصره ولاح فتحه رجع إلى الإسلام وزعم أنه من المسلمين
العنكبوت : ( 12 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ( اللام في ) للذين آمنوا ( هي لام التبليغ أي قالوا مخاطبين لهم كما سبق بيانه في غير موضع أي قالوا لهم اسلكوا طريقتنا وادخلوا في ديننا ) ولنحمل خطاياكم ( أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث والنشور كما تقولون فلنحمل ذلك عنكم فنؤاخذ به دونكم واللام في لنحمل لام الأمر كأنهم أمروا أنفسهم بذلك وقال الفراء والزجاج هو أمر في تأويل الشرط والجزاء أي إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم ثم رد الله عليهم بقوله ) وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء ( من الأولى بيانية والثانية مزيدة للاستغراق أي وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها وضمنوا لهم حملها ثم وصفهم الله سبحانه بالكذب في هذا التحمل فقال ) إنهم لكاذبون ( فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم قال المهدوي هذا التكذيب لهم من الله عز وجل حمل على المعنى لأن المعنى إن إتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر أوقع عليه التكذيب كما يوقع على الخبر
العنكبوت : ( 13 ) وليحملن أثقالهم وأثقالا . . . . .
) وليحملن أثقالهم ( أي أوزارهم التي عملوها والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة ) وأثقالا مع أثقالهم ( أي أوزارا مع أوزارهم وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة ومثله قوله سبحانه ) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ( ومثله قوله صلى الله عليه واله وسلم من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها كما في حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم وغيره ) وليسألن يوم القيامة ( تقريعا وتوبيخا ) عما كانوا يفترون ( أي يختلقونه من الأكاذيب التي كانوا يأتون بها في الدنيا وقال مقاتل يعني قولهم نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) الم أحسب الناس أن يتركوا ( الاية قال أنزلت في ناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من المدينة لما أنزلت آية الهجرة أنه لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا قال فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فردوهم فنزلت فيهم هذه الآية فكتبوا إليهم أنه قد أنزل فيكم كذا وكذا فقالوا نخرج فإن اتبعنا أحد قتلناه فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله فيهم ) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ( وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه بأخصر منه وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عبد الله بن


"""""" صفحة رقم 195 """"""
عبيد الله بن عمير قال نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله ) الم أحسب الناس أن يتركوا ( الآية وأخرج ابن ماجه وابن مردويه عن ابن مسعود قال أول من أظهر الله إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأبو بكر وسمية أم عمار وعمار وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) أن يسبقونا ( قال أن يعجزونا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال قالت أمي لا اكل طعاما ولا أشرب شرابا حتى تكفر بمحمد فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يشجرون فاها بالعصا فنزلت هذه الاية ) ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ( وأخرجه أيضا الترمذي من حديثه وقال نزلت في أربع آيات وذكر نحو هذه القصة وقال حسن صحيح وقد أخرج هذا الحديث أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضا وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجه وأبو يعلى وابن حبان وأبو نعيم والبيهقي والضياء عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتت على ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله جعل فتنة الناس كعذاب الله قال يرتد عن دين الله إذا أوذي في الله
سورة العنكبوت ( 14 - 23 )


"""""" صفحة رقم 196 """"""
سورة العنكبوت ( 24 - 27 )
العنكبوت : ( 14 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
أجمل سبحانه قصة نوح تصديقا لقوله في أول السورة ) ولقد فتنا الذين من قبلهم ( وفيه تثبيت للنبي صلى الله عليه واله وسلم كأنه قيل له إن نوحا لبث ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه ولم يؤمن منهم إلا قليل فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة عدد أمتك قيل ووقع في النظم إلا خمسين عاما ولم يقل تسعمائة سنة وخمسين لأن في الاستثناء تحقيق العدد بخلاف الثاني فقد يطلق على ما يقرب منه وقد اختلف في مقدار عمر نوح وسيأتي اخر البحث وليس في الاية إلا أنه لبث فيهم هذه المدة وهي لا تدل على أنها جميع عمره فقد تلبث في غيرهم قبل اللبث فيهم وقد تلبث في الأرض بعد هلاكهم بالطوفان والفاء في ) فأخذهم الطوفان ( للتعقيب أي أخذهم عقب تمام المدة المذكورة والطوفان يقال لكل شيء كثير مطيف بجمع محيط بهم من مطر أو قتل أو موت قاله النحاس وقال سعيد بن جبير وقتادة والسدي هو المطر وقال الضحاك الغرق وقيل الموت ومنه قول الشاعر أفناهم طوفان موت جارف
وجملة وهم ظالمون في محل نصب على الحال أي مستمرون على الظلم ولم ينجع فيهم ما وعظهم به نوح وذكرهم هذه المدة بطولها
العنكبوت : ( 15 ) فأنجيناه وأصحاب السفينة . . . . .
) فأنجيناه وأصحاب السفينة ( أي أنجينا نوحا وأنجينا من معه في السفينة من أولاده وأتباعه واختلف في عددهم على أقوال ) وجعلناها ( أي السفينة ) آية للعالمين ( أي عبرة عظيمة لهم وفي كونها آية وجوه أحدها أنها كانت باقية على الجودى مدة مديدة وثانيها أن الله سلم السفينة من الرياح المزعجة وثالثها أن الماء غيض قبل نفاذ الزاد وهذا غير مناسب لوصف السفينة بأن الله جعلها آية وقيل إن الضمير راجع في جعلناها إلى الواقعة أو إلى النجاة أو إلى العقوبة بالغرق
العنكبوت : ( 16 ) وإبراهيم إذ قال . . . . .
) وإبراهيم إذ قال لقومه ( انتصاب إبراهيم بالعطف على نوحا وقال النسائي هو معطوف على الهاء في جعلناها وقيل منصوب بمقدر أي واذكر إبراهيم وإذ قال منصوب على الظرفية أي وأرسلنا إبراهيم وقت قوله لقومه اعبدوا الله أو جعلنا إبراهيم آية وقت قوله هذا أو واذكر إبراهيم وقت قوله على أن الظرف بدل اشتمال من إبراهيم ) اعبدوا الله واتقوه ( أي أفردوه بالعبادة وخصوه بها واتقوه أن تشركوا به شيئا ) ذلكم خير لكم ( أي عبادة الله وتقواه خير لكم من الشرك ولا خير في الشرك أبدا ولكنه خاطبهم باعتبار اعتقادهم ) إن كنتم تعلمون ( شيئا من العلم أو تعلمون علما تميزون به بين ما هو خير وما هو شر قرأ الجمهور وإبراهيم بالنصب ووجهه ما قدمنا وقرأ النخعي وأبو جعفر وأبو حنيفة بالرفع على الابتداء والخبر مقدر أي ومن المرسلين إبراهيم
العنكبوت : ( 17 ) إنما تعبدون من . . . . .
) إنما تعبدون من دون الله أوثانا ( بين لهم إبراهيم أنهم يعبدون مالا ينفع لا يضر ولا يسمع ولا يبصر والأوثان هي


"""""" صفحة رقم 197 """"""
الأصنام وقال أبو عبيدة الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة وقال الجوهري الوثن الصنم والجمع أوثان ) وتخلقون إفكا ( أي وتكذبون كذبا على أن معنى تخلقون تكذبون ويجوز أن يكون معناه تعملون وتنحتون أي تعملونها وتنحتونها للإفك قال الحسن معنى تخلقون تنحتون أي إنما تعبدون أوثانا وأنتم تصنعونها قرأ الجمهور تخلقون بفتح الفوقية وسكون الخاء وضم اللام مضارع خلق وإفكا بكسر الهمزة وسكون الفاء وقرأ على بن أبي طالب وزيد بن علي والسلمي وقتادة بفتح الخاء واللام مشددة والأصل تتخلقون وروى عن زيد بن علي أنه قرأ بضم التاء وتشديد اللام مكسورة وقرأ ابن الزبير وفضيل بن ورقان أفكا بفتح الهمزة وكسر الفاء وهو مصدر كالكذب أو صفة لمصدر محذوف أي خلقا أفكا ) إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا ( أي لا يقدرون على أن يرزقوكم شيئا من الرزق ) فابتغوا عند الله الرزق ( أي اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فهو الذي عنده الرزق كله فاسألوه من فضله ووحدوه دون غيره ) واشكروا له ( أي على نعمائه فإن الشكر موجب لبقائها وسبب للمزيد عليها يقال شكرته وشكرت له ) إليه ترجعون ( بالموت ثم البعث لا إلى غيره
العنكبوت : ( 18 ) وإن تكذبوا فقد . . . . .
) وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم ( قبل هذا من قول إبراهيم أي وإن تكذبوني فقد وقع ذلك لغيري ممن قبلكم وقيل هو من قول الله سبحانه أي وإن تكذبوا محمدا فذلك عادة الكفار مع من سلف ) وما على الرسول إلا البلاغ المبين ( لقومه أرسل إليهم وليس عليه هدايتهم وليس ذلك في وسعه
العنكبوت : ( 19 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده ( قرأ الجمهور ) أو لم يروا ( بالتحتية على الخبر واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قال أبو عبيد كأنه قال أو لم ير الأمم وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي بالفوقية على الخطاب من إبراهيم لقومه وقيل هو خطاب من الله لقريش قرأ الجمهور كيف يبدىء بضم التحتية من أبدأ يبدىء وقرأ الزبيري وعيسى بن عمر وأبو عمرو بفتحها من بدأ يبدأ وقرأ الزهري كيف بدأ والمعنى ألم يروا كيف يخلقهم الله ابتداء نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم ينفخ فيه الروح ثم يخرجه إلى الدنيا ثم يتوفاه بعد ذلك وكذلك سائر الحيوانات وسائر النباتات فإذا رأيتم قدرة الله سبحانه على الابتداء والإيجاد فهو القادر على الإعادة والهمزة لإنكار عدم رؤيتهم والواو للعطف على مقدر ) إن ذلك على الله يسير ( لأنه إذا أراد أمرا قال له كن فيكون
العنكبوت : ( 20 ) قل سيروا في . . . . .
ثم أمر سبحانه إبراهيم أن يأمر قومه بالمسير في الأرض ليتفكروا ويعتبروا فقال ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ( على كثرتهم واختلاف ألوانهم وطبائعهم وألسنتهم وانظروا إلى مساكن القرون الماضية والأمم الخالية واثارهم لتعلموا بذلك كمال قدرة الله وقيل إن المعنى قل لهم يا محمد سيروا ومعنى قوله ) ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ( أن الله الذي بدأ النشأة الأولى وخلقها على تلك الكيفية ينشئها نشأة ثانية عند البعث والجملة عطف على جملة سيروا في الأرض داخلة معها في حيز القول وجملة ) إن الله على كل شيء قدير ( تعليل لما قبلها قرأ الجمهور ب ) النشأة ( بالقصر وسكون الشين وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالمد وفتح الشين وهما لغتان كالرأفة والرافة وهي منتصبة على المصدرية بحذف الزوائد والأصل الإنشاءة
العنكبوت : ( 21 ) يعذب من يشاء . . . . .
) يعذب من يشاء ويرحم من يشاء ( أي هو سبحانه بعد النشأة الآخرة يعذب من يشاء تعذيبه وهم الكفار والعصاة ويرحم من يشاء رحمته وهم المؤمنون به المصدقون لرسله العاملون بأوامره ونواهيه وإليه تقلبون أي ترجعون وتردون لا إلى غيره
العنكبوت : ( 22 ) وما أنتم بمعجزين . . . . .
) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ( قال الفراء ولا من في السماء بمعجزين الله فيها قال وهو كما في قول حسان فمن يهجو رسول الله منكم
ويمدحه وينصره سواء


"""""" صفحة رقم 198 """"""
أي ومن يمدحه وينصره سواء ومثله قوله تعالى وما منا إلا له مقام معلوم أي إلا من له مقام معلوم والمعنى أنه لا يعجزه سبحانه أهل الأرض ولا أهل السماء في السماء إن عصوه وقال قطرب إن معنى الاية ولا في السماء لو كنتم فيها كما تقول لا يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة يعني ولا بالبصرة لو صار إليها وقال المبرد المعنى ولا من في السماء على أن من ليست موصولة بل نكرة وفي السماء صفة لها فأقيمت الصفة مقام الموصوف ورد ذلك على بن سليمان وقال لا يجوز ورجح ما قاله قطرب ) وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( من مزيدة للتأكيد أي ليس لكم ولى يواليكم ولا نصير ينصركم ويدفع عنكم عذاب الله
العنكبوت : ( 23 ) والذين كفروا بآيات . . . . .
) والذين كفروا بآيات الله ولقائه ( المراد بالآيات الآيات التنزيلية أو التكوين أو جميعهما وكفروا بلقاء الله أي أنكروا البعث وما بعده ولم يعملوا بما أخبرتهم به رسل الله سبحانه والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الكافرين بالايات واللقاء وهو مبتدأ وخبره ) يئسوا من رحمتي ( أي إنهم في الدنيا ايسون من رحمة الله لم ينجع فيهم ما نزل من كتب الله ولا ما أخبرتهم به رسله وقيل المعنى أنهم ييأسون يوم القيامة من رحمة الله وهي الجنة والمعنى أنهم أويسوا من الرحمه ) وأولئك لهم عذاب أليم ( كرر سبحانه الإشارة للتأكيد ووصف العذاب بكونه أليما للدلالة على أنه في غاية الشدة
العنكبوت : ( 24 ) فما كان جواب . . . . .
) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه ( هذا رجوع إلى خطاب إبراهيم بعد الاعتراض بما تقدم من خطاب محمد صلى الله عليه واله وسلم على قول من قال إن قوله قل سيروا في الأرض خطاب لمحمد صلى الله عليه واله وسلم وأما على قول من قال إنه خطاب لإبراهيم عليه السلام فالكلام في سياقه سابقا ولاحقا أي قال بعضهم لبعض عند المشاورة بينهم افعلوا بإبراهيم أحد الأمرين المذكورين ثم اتفقوا على تحريقه ) فأنجاه الله من النار ( وجعلها عليه بردا وسلاما ) إن في ذلك ( أي في إنجاء الله لإبراهيم ) لآيات ( بينة أي دلالات واضحة وعلامات ظاهرة على عظيم قدرة الله وبديع صنعه حيث أضرموا تلك النار العظيمة وألقوه فيها ولم تحرقه ولا أثرت فيه أثرا بل ثارت إلى حالة مخالفة لما هو شأن عنصرها من الحرارة والإحراق وإنما خص المؤمنون لأنهم الذين يعتبرون بايات الله سبحانه وأما من عداهم فهم عن ذلك غافلون قرأ الجمهور بنصب جواب قومه على أنه خبر كان وما بعده اسمها وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار والحسن برفعه على أنه اسم كان وما بعده في محل نصب على الخبر
العنكبوت : ( 25 ) وقال إنما اتخذتم . . . . .
) وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ( أي قال إبراهيم لقومه أي للتوادد بينكم والتواصل لاجتماعكم على عبادتها وللخشية من ذهاب المودة فيما بينكم إن تركم عبادتها قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي مودة بينكم برفع مودة غير منونة وإضافتها إلى بينكم وقرأ الأعمش وابن وثاب مودة برفعها منونة وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر بنصب مودة منونة ونصب بينكم على الظرفية وقرأ حمزة وحفص بنصب مودة مضافة إلى بينكم فأما قراءة الرفع فذكر الزجاج لها وجهين الأول أنها ارتفعت على خبر إن في إنما اتخذتم وجعل ما موصولة والتقدير إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثانا مودة بينكم والوجه الثاني أن تكون على إضمار مبتدإ أي هي مودة أو تلك مودة والمعنى أن المودة هي التي جمعتكم على عبادة الأوثان واتخاذها قيل ويجوز أن تكون مودة مرتفعة بالابتداء وخبرها في الحياة الدنيا ومن قرأ برفع مودة منونة فتوجيهه كالقراءة الأولى ونصب بينكم على الظرفية ومن قرأ بنصب مودة ولم ينونها جعلها مفعول اتخذتم وجعل إنما حرفا واحدا للحصر وهكذا من نصبها ونونها ويجوز أن يكون النصب في هاتين القراءتين على أن المودة علة فهي مفعول لأجله وعلى قراءة الرفع يكون مفعول اتخذتم الثاني محذوفا أي أوثانا الهة وعلى تقدير أن ما في قوله ) إنما اتخذتم ( موصولة يكون المفعول الأول ضميرها أي اتخذتموه والمفعول


"""""" صفحة رقم 199 """"""
الثاني أوثانا ) ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ( أي يكفر بعض هؤلاء المتخذين للأوثان العابدين لها بالبعض الاخر منهم فيتبرأ القادة من الأتباع والأتباع من القادة وقيل المعنى يتبرأ العابدون للأوثان من الأوثان وتتبرأ الأوثان من العابدين لها ) ويلعن بعضكم بعضا ( أي يلعن كل فريق الاخر على التفسيرين المذكورين ) ومأواكم النار ( أي الكفار وقيل يدخل في ذلك الأوثان أي هي منزلكم الذي تأوون إليه ) وما لكم من ناصرين ( يخلصونكم منها بنصرتهم لكم
العنكبوت : ( 26 ) فآمن له لوط . . . . .
) فآمن له لوط ( أي امن لإبراهيم لوط فصدقه في جميع ما جاء به وقيل إنه لم يؤمن به إلا حين رأى النار لا تحرقه وكان لوط ابن أخي إبراهيم ) وقال إني مهاجر إلى ربي ( قال النخعي وقتادة الذي قال إني مهاجر إلى ربي هو إبراهيم قال قتادة هاجر من كوثى وهي قرية من سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام ومعه ابن أخيه لوط وامرأته سارة والمعنى إني مهاجر عن دار قومي إلى حيث أعبد ربي ) إنه هو العزيز الحكيم ( أي الغالب الذي أفعاله جارية على مقتضى الحكمة وقيل إن القائل إني مهاجر إلى ربي هو لوط والأول أولى لرجوع
العنكبوت : ( 27 ) ووهبنا له إسحاق . . . . .
الضمير في قوله ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب ( إلى إبراهيم وكذا في قوله ) وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ( وكذا في قوله ) وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( فإن هذه الضمائر كلها لإبراهيم بلا خلاف أي من الله عليه بالأولاد فوهب له إسحاق ولدا له ويعقوب ولدا لولده إسحاق وجعل في ذريته النبوة والكتاب فلم يبعث الله نبيا بعد إبراهيم إلا من صلبه ووحد الكتاب لأن الألف واللام فيه للجنس الشامل للكتب والمراد التوراة والإنجيل والزبور والقران ومعنى ) وآتيناه أجره في الدنيا ( أنه أعطى في الدنيا الأولاد وأخبره الله باستمرار النبوة فيهم وذلك مما تقر به عينه ويزداد به سروره وقيل أجره في الدنيا أن أهل الملل كلها تدعيه وتقول هو منهم وقيل أعطاه في الدنيا عملا صالحا وعاقبة حسنة وإنه في الاخرة لمن الصالحين أي الكاملين في الصلاح المستحقين لتوفير الأجرة وكثرة العطاء من الرب سبحانه وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال بعث الله نوحا وهو ابن أربعين سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال كان عمر نوح قبل أن يبعث إلى قومه وبعد ما بعث ألفا وسبعمائة سنة وأخرج ابن جرير عن عوف بن أبي شداد قال إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الدنيا عن أنس بن مالك قال جاء ملك الموت إلى نوح فقال يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها قال كرجل دخل بيتا له بابان فقال في وسط البيت هنيهة ثم خرج من الباب الاخر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وجعلناها آية للعالمين ( قال أبقاها الله آية فهي على الجودى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وتخلقون إفكا ( قال تقولون كذبا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) النشأة الآخرة ( قال هي الحياة بعد الموت وهو النشور وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله فامن له لوط قال صدق لوط إبراهيم واخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أنس قال أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم صحبهما الله إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر قالت هاجر عثمان إلى الحبشة فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم إنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط وأخرج ابن عساكر والطبراني والحاكم في الكنى عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله


"""""" صفحة رقم 200 """"""
عليه واله وسلم ما كان بين عثمان وبين رقية وبين لوط مهاجر وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال أول من هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عثمان بن عفان كما هاجر لوط إلى إبراهيم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ووهبنا له إسحاق ويعقوب ( قال هما ولدا إبراهيم وفي قوله ) وآتيناه أجره في الدنيا ( قال إن الله وصى أهل الأديان بدينه فليس من أهل الأديان دين إلا وهم يقولون إبراهيم ويرضون به وأخرج هؤلاء عنه أيضا في قوله ) وآتيناه أجره في الدنيا ( قال الذكر الحسن وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال الولد الصالح والثناء وقول ابن عباس هما ولدا إبراهيم لعله يريد ولده وولد ولده لأن ولد الولد بمنزلة الولد ومثل هذا لا يخفى على مثل ابن عباس فهو حبر الأمة وهذه الرواية عنه هي من رواية العوفى وفي الصحيحين إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
سورة العنكبوت ( 28 40 )


"""""" صفحة رقم 201 """"""
العنكبوت : ( 28 ) ولوطا إذ قال . . . . .
قوله ولوطا منصوب بالعطف على نوحا أو على إبراهيم أو بتقدير اذكر قال الكسائي المعنى وأنجينا لوطا أو وأرسلنا لوطا ) إذ قال لقومه ( ظرف للعامل في لوط ) إنكم لتأتون الفاحشة ( قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر ) أئنكم ( بالاستفهام وقرأ الباقون بلا استفهام والفاحشة الخصلة المتناهية في القبح وجملة ) ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( مقررة لكمال قبح هذه الخصلة وأنهم منفردون بذلك لم يسبقهم إلى عملها أحد من الناس على اختلاف أجناسهم
العنكبوت : ( 29 ) أئنكم لتأتون الرجال . . . . .
ثم بين سبحانه هذه الفاحشة فقال ) أئنكم لتأتون الرجال ( أي تلوطون بهم ) وتقطعون السبيل ( قيل إنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمر بهم من المسافرين فلما فعلوا ذلك ترك الناس المرور بهم فقطعوا السبيل بهذا السبب قال الفراء كانوا يعترضون الناس في الطرق بعملهم الخبيث وقيل كانوا يقطعون الطريق على المارة بقتلهم ونهبهم والظاهر أنهم كانوا يفعلون ما يكون سببا لقطع الطريق من غير تقييد بسبب خاص وقيل إن معنى قطع الطريق قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال ) وتأتون في ناديكم المنكر ( النادى والندى والمنتدى مجلس القوم ومتحدثهم
واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه فقيل كانوا يحذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب وقيل كانوا يتضارطون في مجالسهم وقيل كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضا وقيل كانوا يلعبون بالحمام وقيل كانوا يخضبون أصابعهم بالحناء وقيل كانوا يناقرون بين الديكة ويناطحون بين الكباش وقيل يلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات ولا مانع من أنهم كانوا يفعلون جميع هذه المنكرات قال الزجاج وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المنكر وأن لا يجتمعوا على الهزؤ والمناهى ولما أنكر لوط عليهم ما كانوا يفعلونه أجابوا بما حكى الله عنهم بقوله ) فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ( أي فما أجابوا بشيء إلا بهذا القول رجوعا منهم إلى التكذيب واللجاج والعناد وقد تقدم الكلام على هذه الآية وقد تقدم في سورة النمل فما كان قومه إلا أن قالوا أخرجوا ال لوط من قريتكم وتقدم في سورة الأعراف فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم وقد جمع بين هذه الثلاثة المواضع بأن لوطا كان ثابتا على الإرشاد ومكررا للنهي لهم والوعيد عليهم فقالوا له أولا ائتنا بعذاب الله كما في هذه الاية فلما كثر منه ذلك ولم يسكت عنهم قالوا أخرجوهم كما في الأعراف والنمل وقيل إنهم قالوا أولا أخرجوهم من قريتكم ثم قالوا ثانيا ائتنا بعذاب الله
العنكبوت : ( 30 ) قال رب انصرني . . . . .
ثم إن لوطا لما يئس منهم طلب النصرة عليهم من الله سبحانه ف ) قال رب انصرني على القوم المفسدين ( بإنزال عذابك عليهم وإفسادهم هو بما سبق من إتيان الرجال وعمل المنكر في ناديهم فاستجاب الله سبحانه وبعث لعذابهم ملائكته وأمرهم بتبشير إبراهيم قبل عذابهم
العنكبوت : ( 31 ) ولما جاءت رسلنا . . . . .
ولهذا قال ) ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ( أي بالبشارة بالولد وهو إسحاق وبولد الولد وهو يعقوب ) قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية ( أي قالوا لإبراهيم هذه المقالة والقرية هي قرية سدوم التي كان فيها قوم لوط وجملة ) إن أهلها كانوا ظالمين ( تعليل للإهلاك أي إهلاكنا لهم بهذا السبب
العنكبوت : ( 32 ) قال إن فيها . . . . .
) قال إن فيها لوطا ( أي قال لهم إبراهيم إن في هذه القرية التي أنتم مهلكوها لوطا فكيف تهلكونها ) قالوا نحن أعلم بمن فيها ( من الأخيار والأشرار ونحن أعلم من غيرنا بمكان لوط ) لننجينه وأهله ( من العذاب قرأ الأعمش وحمزة ويعقوب والكسائي لننجينه بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد ) إلا امرأته كانت من الغابرين ( أي الباقين في العذاب وهو لفظ مشترك بين الماضي والباقي وقد تقدم تحقيقه وقيل المعنى من الباقين في القرية التي سينزل بها العذاب فتعذب من جملتهم ولا تنجو فيمن نجا
العنكبوت : ( 33 ) ولما أن جاءت . . . . .
) ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم ( أي لما جاءت الرسل لوطا بعد مفارقتهم إبراهيم سيء بهم


"""""" صفحة رقم 202 """"""
أي جاءه ما ساءه وخاف منه لأنه ظنهم من البشر فخاف عليهم من قومه لكونهم في أحسن صورة من الصور البشرية وأن في أن جاءت زائدة للتأكيد ) وضاق بهم ذرعا ( أي عجز عن تدبيرهم وحزن وضاق صدره وضيق الذراع كناية عن العجز كما يقال في الكناية عن الفقر ضاقت يده وقد تقدم تفسير هذا مستوفى في سورة هود ولما شاهدت الملائكة ما حل به من الحزن والتضجر ) وقالوا لا تخف ولا تحزن ( أي لا تخف علينا من قومك ولا تحزن فإنهم لا يقدرون علينا ) إنا منجوك وأهلك ( من العذاب الذي أمرنا الله بأن ننزله بهم ) إلا امرأتك كانت من الغابرين ( أخبروا لوطا بما جاءوا به من إهلاك قومه وتنجيته وأهله إلا امرأته كما أخبروا بذلك إبراهيم قرأ حمزة والكسائي وشعبة ويعقوب والأعمش منجوك بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد قال المبرد الكاف في منجوك مخفوض ولم يجز عطف الظاهر على المضمر المخفوض فحمل الثاني على المعنى وصار التقدير وننجى أهلك
العنكبوت : ( 34 ) إنا منزلون على . . . . .
) إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء ( هذه الجملة مستأنفة لبيان هلاكهم المفهوم من تخصيص التنجية به وبأهله والرجز العذاب أي عذابا من السماء وهو الرمي بالحجارة وقيل إحراقهم بنار نازلة من السماء وقيل هو الخسف والحصب كما في غير هذا الموضع ومعنى كون الخسف من السماء أن الأمر به نزل من السماء قرأ ابن عامر ) منزلون ( بالتشديد وبها قرأ ابن عباس وقرأ الباقون بالتخفيف والباء في ) بما كانوا يفسقون ( للسببية أي لسبب فسقهم
العنكبوت : ( 35 ) ولقد تركنا منها . . . . .
) ولقد تركنا منها آية بينة ( أي أبقينا من القرية علامة ودلالة بينة وهي الآثار التي بها من الحجارة رجموا بها وخراب الديار وقال مجاهد هو الماء الأسود الباقي على وجه أرضهم ولا مانع من حمل الاية على جميع ما ذكر وخص من يعقل لأنه الذي يفهم أن تلك الاثار عبرة يعتبر بها من يراها
العنكبوت : ( 36 ) وإلى مدين أخاهم . . . . .
) وإلى مدين أخاهم شعيبا ( أي وأرسلناه إليهم وقد تقدم ذكره وذكر نسبه وذكر قومه في سورة الأعراف وسورة هود ) قال يا قوم اعبدوا الله ( أي أفردوه بالعبادة وخصوه بها ) وارجوا اليوم الآخر ( أي توقعوه وافعلوا اليوم من الأعمال ما يدفع عذابه عنكم قال يونس النحوي معناه اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( العثو والعثى أشد الفساد وقد تقدم تفسيره
العنكبوت : ( 37 ) فكذبوه فأخذتهم الرجفة . . . . .
) فأخذتهم الرجفة ( أي الزلزلة وتقدم في سورة هود ) وأخذ الذين ظلموا الصيحة ( أي صيحة جبريل وهي سبب الرجفة ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( أي أصبحوا في بلدهم أو منازلهم جاثمين على الركب ميتين
العنكبوت : ( 38 ) وعادا وثمود وقد . . . . .
) وعادا وثمود ( قال الكسائي قال بعضهم هو راجع إلى أول السورة أي ولقد فتنا الذين من قبلهم وفتنا عادا وثمود قال وأحب إلى أن يكون على فأخذتهم الرجفة أي وأخذت عادا وثمود وقال الزجاج التقدير وأهلكنا عادا وثمود وقيل المعنى واذكر عادا وثمودا إذ أرسلنا إليهم هودا وصالحا ) وقد تبين لكم من مساكنهم ( أي وقد ظهر لكم يا معاشر الكفار من مساكنهم بالحجر والأحقاف آيات بينات تتعظون بها وتتفكرون فيها ففاعل تبين محذوف ) وزين لهم الشيطان أعمالهم ( التي يعملونها من الكفر ومعاصى الله فصدهم بهذا التزيين عن السبيل أي الطريق الواضح الموصل إلى الحق وكانوا مستبصرين أي أهل بصائر يتمكنون بها من معرفة الحق بالاستدلال قال الفراء كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم وقيل المعنى كانوا مستبصرين في كفرهم وضلالتهم معجبين بها يحسبون أنهم على هدى ويرون أن أمرهم حق فوصفهم بالاستبصار على هذا باعتبار ما عند أنفسهم
العنكبوت : ( 39 ) وقارون وفرعون وهامان . . . . .
) وقارون وفرعون وهامان ( قال الكسائي إن شئت كان محمولا على عادا وكان فيه ما فيه وإن شئت كان على فصدهم عن السبيل أي وصد قارون وفرعون وهامان وقيل التقدير وأهلكنا هؤلاء بعد أن جاءتهم الرسل ) فاستكبروا في الأرض ( عن عبادة الله ) وما كانوا سابقين ( أي فائتين يقال سبق طالبه إذا فاته وقيل وما كانوا سابقين في الكفر


"""""" صفحة رقم 203 """"""
بل قد سبقهم إليه قرون كثيرة
العنكبوت : ( 40 ) فكلا أخذنا بذنبه . . . . .
) فكلا أخذنا بذنبه ( أي عاقبنا بكفره وتكذيبه قال الكسائي فكلا أخذنا أي فأخذنا كلا بذنبه ) فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ( أي ريحا تأتي بالحصباء وهي الحصى الصغار فترجمهم بها وهم قوم لوط ) ومنهم من أخذته الصيحة ( وهم ثمود وأهل مدين ) ومنهم من خسفنا به الأرض ( وهو قارون وأصحابه ) ومنهم من أغرقنا ( وهم قوم نوح وقوم فرعون ) وما كان الله ليظلمهم ( بما فعل بهم لأنه قد أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( باستمرارهم على الكفر وتكذيبهم للرسل وعملهم بمعاصي الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وتأتون في ناديكم المنكر ( قال مجلسكم وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن أم هانىء بنت أبي طالب قالت سألت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن قول الله سبحانه ) وتأتون في ناديكم المنكر ( قال كانوا يجلسون بالطريق فيحذفون أبناء السبيل ويسخرون منهم قال الترمذي بعد إخراجه وتحسينه ولا نعرفه إلا من حديث حاتم بن أبي صغيرة عن سماك وأخرج ابن مردويه عن جابر أن النبي صلى الله عليه واله وسلم نهى عن الحذف وهو قول الله سبحانه ) وتأتون في ناديكم المنكر ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال هو الحذف وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس مثله وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة في الاية قالت الضراط وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) فأخذتهم الرجفة ( قال الصيحة وفي قوله ) وكانوا مستبصرين ( قال في الضلالة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ( قال قوم لوط ) ومنهم من أخذته الصيحة ( قال ثمود ومنهم من خسفنا به الأرض قال ممارون ومنهم من أغرقنا قال قوم نوح
سورة العنكبوت ( 41 46 )


"""""" صفحة رقم 204 """"""
العنكبوت : ( 41 ) مثل الذين اتخذوا . . . . .
قوله ) مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ( يوالونهم ويتكلون عليهم في حاجاتهم من دون الله سواء كانوا من الجماد أو الحيوان ومن الأحياء أو من الأموات ) كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ( فإن بيتها لا يغني عنها شيئا لا في حر ولا قر ولا مطر كذلك ما اتخذوه وليا من دون الله فإنه لا ينفعهم بوجه من وجوه النفع ولا يغني عنهم شيئا قال الفراء هو مثل ضربه الله لمن اتخذ من دونه الهة لا تنفعه ولا تضره كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرا ولا بردا قال ولا يحسن الوقف على العنكبوت لأنه لما قصد بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شيء شبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضر به وقد جوز الوقف على العنكبوت الأخفش وغلطه ابن الأنباري قال لأن اتخذت صلة للعنكبوت كأنه قال كمثل العنكبوت التي اتخذت بيتا فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصول والعنكبوت تقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث وتجمع على عناكب وعنكبوتات وهي الدويبة الصغيرة التي تنسج نسجا رقيقا وقد يقال لها عكنبات ومنه قول الشاعر كأنما يسقط من لغامها
بيت عكنبات على زمامها
) وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ( لا بيت أضعف منه مما يتخذه الهوام بيتا ولا يدانيه في الوهى والوهن شيء من ذلك ) لو كانوا يعلمون ( أن اتخاذهم الأولياء من دون الله كاتخاذ العنكبوت بيتا أو لو كانوا يعلمون شيئا من العلم لعلموا بهذا
العنكبوت : ( 42 ) إن الله يعلم . . . . .
) إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ( ما استفهامية أو نافية أو موصولة ومن للتبعيض أو مزيدة للتوكيد وقيل إن هذه الجملة على إضمار القول أي قل للكافرين إن الله يعلم أي شيء يدعون من دونه وحرم أبو على الفارسي بأنها استفهامية وعلى تقدير النفي كأنه قيل إن الله يعلم أنكم لا تدعون من دونه من شيء يعني ما تدعونه ليس بشيء وعلى تقدير الموصولة إن الله يعلم الذين تدعونهم من دونه ويجوز أن تكون ما مصدرية ومن شيء عبارة عن المصدر قرأ عاصم وأبو عمرو ويعقوب يدعون بالتحتية واختار هذه القراءة أبو عبيد لذكر الأمم قبل هذه الاية وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب ) وهو العزيز الحكيم ( الغالب المصدر أفعاله على غاية الإحكام والإتقان
العنكبوت : ( 43 ) وتلك الأمثال نضربها . . . . .
) وتلك الأمثال نضربها للناس ( أي هذا المثل وغيره من الأمثال التي في القرآن نضربها للناس نبها لهم وتقريبا لما بعد من أفهامهم ) وما يعقلها ( أي يفهمها ويتعقل الأمر الذي ضربناها لأجله ) إلا العالمون ( بالله الراسخون في العلم المتدبرون المتفكرون لما يتلى عليهم وما يشاهدونه
العنكبوت : ( 44 ) خلق الله السماوات . . . . .
) خلق الله السماوات والأرض بالحق ( أي بالعدل والقسط مراعيا في خلقها مصالح عباده وقيل المراد بالحق كلامه وقدرته ومحل بالحق النصب على الحال ) إن في ذلك لآية للمؤمنين ( أي لدلالة عظيمة وعلامة ظاهرة على قدرته وتفرده بالإلهية وخص المؤمنين لأنهم الذين ينتفعون بذلك
العنكبوت : ( 45 ) اتل ما أوحي . . . . .
) اتل ما أوحي إليك من الكتاب ( أي القران وفيه الأمر بالتلاوة للقران والمحافظة على قراءته مع التدبر لاياته والتفكر في معانيه ) وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( أي دم على إقامتها واستمر على أدائها كما أمرت بذلك وجملة ) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( تعليل لما قبلها والفحشاء ما قبح من العمل والمنكر مالا يعرف في الشريعة أي تمنعه عن معاصي الله وتبعده منها ومعنى نهيها عن ذلك أن فعلها يكون سببا للانتهاء والمراد هنا الصلوات المفروضة ) ولذكر الله أكبر ( أي أكبر من كل شيء أي أفضل من العبادات كلها بغير ذكر قال ابن عطية وعندي أن المعنى ولذكر الله أكبر على الإطلاق أي هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر فالجزء الذي منه في الصلاة يفعل ذلك وكذلك يفعل ما لم يكن منه في الصلاة لأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكر لله مراقب له وقيل ذكر الله أكبر من الصلاة في النهى عن الفحشاء والمنكر مع المداومة عليه قال الفراء وابن قتيبة المراد بالذكر في الاية التسبيح والتهليل يقول هو


"""""" صفحة رقم 205 """"""
أكبر وأحرى بأن ينهى عن الفحشاء والمنكر وقيل المراد بالذكر هنا الصلاة أي وللصلاة أكبر من سائر الطاعات وعبر عنها بالذكر كما في قوله ) فاسعوا إلى ذكر الله ( للدلالة على أن ما فيها من الذكر هو العمدة في تفضيلها على سائر الطاعات وقيل المعنى ولذكر الله لكم بالثواب والثناء عليكم منه أكبر من ذكركم له في عبادتكم وصلواتكم واختار هذا ابن جرير ويؤيده حديث من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ) والله يعلم ما تصنعون ( لا تخفى عليه من ذلك خافية فهو مجازيكم بالخير خيرا وبالشر شرا
العنكبوت : ( 46 ) ولا تجادلوا أهل . . . . .
) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ( أي إلا بالخصلة التي هي أحسن وذلك على سبيل الدعاء لهم إلى الله عز وجل والتنبيه لهم على حججه وبراهينه رجاء إجابتهم إلى الإسلام لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة ) إلا الذين ظلموا منهم ( بأن أفرطوا في المجادلة ولم يتأدبوا مع المسلمين فلا بأس بالإغلاظ عليهم والتخشين في مجادلتهم هكذا فسر الاية أكثر المفسرين بأن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى وقيل معنى الاية لا تجادلوا من امن بمحمد من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وسائر من آمن منهم إلا بالتي هي أحسن يعني بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أهل الكتاب ويكون المراد بالذين ظلموا على هذا القول هم الباقون على كفرهم وقيل هذه الاية منسوخة بايات القتال وبذلك قال قتادة ومقاتل قال النحاس من قال هي منسوخة احتج بأن الاية مكية ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض ولا طلب جزية ولا غير ذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد إن المراد بالذين ظلموا منهم الذين نصبوا القتال للمسلمين فجدالهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ) وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا ( من القرآن ) وأنزل إليكم ( من التوراة والإنجيل أي امنا بأنهما منزلان من عند الله وأنهما شريعة ثابته إلى قيام الشريعة الإسلامية والبعثة المحمدية ولا يدخل في ذلك ما حرفوه وبدلوه ) وإلهنا وإلهكم واحد ( لا شريك له ولا ضد ولا ند ) ونحن له مسلمون ( أي ونحن معاشر أمة محمد مطيعون له خاصة لم نقل عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا اتخذنا أحبارنا ورهباننا أربابا من دون الله ويحتمل أن يراد ونحن جميعا منقادون له ولا يقدح في هذا الوجه كون انقياد المسلمين أتم من انقياد أهل الكتاب وطاعتهم أبلغ من طاعاتهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء ( الاية قال ذاك مثل ضربه الله لمن عبد غيره أن مثله كمثل بيت العنكبوت وأخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم العنكبوت شيطان مسخها الله فمن وجدها فليقتلها وأخرج ابن أبي حاتم عن مزيد بن ميسرة قال العنكبوت شيطان وأخرج الخطيب عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دخلت أنا وأبو بكر الغار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب فلا تقتلوهن وروى القرطبي في تفسيره عن علي أيضا أنه قال طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيت يورث الفقر وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني قال نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود والثانية على النبي صلى الله عليه واله وسلم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( قال في الصلاة منتهى ومزدجر عن المعاصي وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن عمران بن حصين قال سئل النبي صلى الله عليه واله وسلم عن قول الله ) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( فقال من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من لم تنهه صلاته عن


"""""" صفحة رقم 206 """"""
الفحشاء والمنكر فلا صلاة له وفي لفظ لم يزدد بها من الله إلا بعدا وأخرج الخطيب عن ابن عمر مرفوعا نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا نحوه قال السيوطي وسنده ضعيف وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الشعب عنه نحوه موقوفا قال ابن كثير في تفسيره والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وقتاده والأعمش وغيرهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولذكر الله أكبر ( يقول ولذكر الله لعباده إذا ذكروه أكبر من ذكرهم إياه وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن ربيعة قال سألني ابن عباس عن قول الله ) ولذكر الله أكبر ( فقلت ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير قال لذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه ثم قال اذكروني أذكركم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير عن ابن مسعود ) ولذكر الله أكبر ( قال ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله وأخرج ابن السني وابن مردويه والديلمي عن ابن عمر نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال لها وجهان ذكر الله أكبر مما سواه وفي لفظ ذكر الله عند ما حرمه وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر عن معاذ بن جبل قال ما عمل ادمى عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا أن يضرب بسيفه حتى يتقطع لأن الله يقول في كتابه العزيز ) ولذكر الله أكبر ( وأخرج سعيد ابن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والحاكم في الكنى والبيهقي في الشعب عن عنترة قال قلت لابن عباس أي العمل أفضل قال ذكر الله وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ( قال بلا إله إلا الله وأخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا امنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون وأخرج البيهقي في الشعب والديلمي وأبو نصر السجزي في الإبانة عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تصدقوا بباطل أو تكذبوا بحق والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن مسعود قال لا تسألوا أهل الكتاب وذكر نحو حديث جابر ثم قال فإن كنتم سائليهم لا محالة فانظروا ما واطأ كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه
سورة العنكبوت ( 47 50 )


"""""" صفحة رقم 207 """"""
سورة العنكبوت ( 51 - 55 )
العنكبوت : ( 47 ) وكذلك أنزلنا إليك . . . . .
قوله ) وكذلك أنزلنا إليك الكتاب ( هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم والإشارة إلى مصدر الفعل كما بيناه في مواضع كثيرة أي ومثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا إليك الكتاب وهو القرآن وقيل المعنى كما أنزلنا الكتاب عليهم أنزلنا عليك القرآن ) فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ( يعني مؤمني أهل الكتاب كعبد الله ابن سلام وخصهم بإيتائهم الكتاب لكونهم العاملين به وكأن غيرهم لم يؤتوه لعدم عملهم بما فيه وجحدهم لصفات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المذكورة فيه ) ومن هؤلاء من يؤمن به ( الإشارة إلى أهل مكة والمراد أن منهم وهو من قد أسلم من يؤمن به أي بالقران وقيل الإشارة إلى جميع العرب ) وما يجحد بآياتنا ( أي آيات القران ) إلا الكافرون ( المصممون على كفرهم من المشركين وأهل الكتاب
العنكبوت : ( 48 ) وما كنت تتلو . . . . .
) وما كنت تتلو من قبله من كتاب ( الضمير في قبله راجع إلى القران لأنه المراد بقوله أنزلنا إليك الكتاب أي ما كنت يا محمد تقرأ قبل القران كتابا ولا تقدر على ذلك لأنك أمى لا تقرأ ولا تكتب ) ولا تخطه بيمينك ( أي ولا تكتبه لأنك لا تقدر على الكتابة قال مجاهد كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن محمدا صلى الله عليه واله وسلم لا يخط ولا يقرأ فنزلت هذه الاية قال النحاس وذلك دليل على نبوته لأنه لا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب ولم يكن بمكة أهل كتاب فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم ) إذا لارتاب المبطلون ( أي لو كانت ممن يقدر على التلاوة والخط لقالوا لعله وجد ما يتلوه علينا من كتب الله السابقة أو من الكتب المدونة في أخبار الأمم فلما كنت أميا لا تقرأ ولا تكتب لم يكن هناك موضع للريبة ولا محل للشك أبدا بل إنكار من أنكر وكفر من كفر مجرد عناد وجحود بلا شبهة وسماهم مبطلين لأن ارتيابهم على تقدير أنه صلى الله عليه واله وسلم يقرأ ويكتب ظلم منهم لظهور نزاهته ووضوح معجزاته
العنكبوت : ( 49 ) بل هو آيات . . . . .
) بل هو آيات بينات ( يعني القرآن ) في صدور الذين أوتوا العلم ( يعني المؤمنين الذين حفظوا القرآن على عهده صلى الله عليه واله وسلم وحفظوه بعده وقال قتادة ومقاتل إن الضمير يرجع إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم أي بل محمد آيات بينات أي ذو آيات وقرأ ابن مسعود بل هي آيات بينات قال الفراء معنى هذه القراءة بل آيات القرآن آيات بينات واختار ابن جرير ما قاله قتادة ومقاتل وقد استدل لما قالاه بقراءة ابن السميفع بل هذا آيات بينات ولا دليل في هذه القراءة على ذلك لأن الإشارة يجوز أن تكون إلى القران كما جاز أن تكون إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم بل رجوعها إلى القران أظهر لعدم احتياج ذلك إلى التأويل والتقدير ) وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون ( أي المجاوزون للحد في الظلم
العنكبوت : ( 50 ) وقالوا لولا أنزل . . . . .
) وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه ( أي قال المشركون هذا القول والمعنى هلا أنزلت عليه آيات كآيات الأنبياء وذلك كايات موسى وناقة صالح وإحياء المسيح للموتى ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال ) قل إنما الآيات عند الله ( ينزلها على من يشاء من عباده ولا قدرة لأحد على


"""""" صفحة رقم 208 """"""
ذلك ) وإنما أنا نذير مبين ( أنذركم كما أمرت وأبين لكم كما ينبغي ليس في قدرتي غير ذلك قرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي ) لولا أنزل عليه آية ( بالإفراد وقرأ الباقون بالجمع واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله ) قل إنما الآيات )
العنكبوت : ( 51 ) أو لم يكفهم . . . . .
) أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ( هذه الجملة مستأنفة للرد على اقتراحهم وبيان بطلانه أي أو لم يكف المشركين من الايات التي اقترحوها هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه فعجزوا ولو أتيتهم بايات موسى وايات غيره من الأنبياء لما امنوا كما لم يؤمنوا بالقران الذي يتلى عليهم في كل زمان ومكان ) إن في ذلك ( الإشارة إلى الكتاب الموصوف بما ذكر ) لرحمة ( عظيمة في الدنيا والاخرة ) وذكرى ( في الدنيا يتذكرون بها وترشدهم إلى الحق ) لقوم يؤمنون ( أي لقوم يصدقون بما جئت به من عند الله فإنهم هم الذين ينتفعون
العنكبوت : ( 52 ) قل كفى بالله . . . . .
بذلك ) قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا ( أي قل للمكذبين كفى الله شهيدا بما وقع بيني وبينكم ) يعلم ما في السماوات والأرض ( ولا تخفى عليه من ذلك خافية ومن جملته ما صدر بينكم وبين رسوله ) والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ( أي امنوا بما يعبدونه من دون الله وكفروا بالحق وهو الله سبحانه أولئك هم الجامعون بين خسران الدنيا والاخرة
العنكبوت : ( 53 ) ويستعجلونك بالعذاب ولولا . . . . .
) ويستعجلونك بالعذاب ( استهزاء وتكذيبا منهم بذلك كقولهم ) فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( ولولا أجل مسمى قد جعله الله لعذابهم وعينه وهو القيامة وقال الضحاك الأجل مدة أعمارهم لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب ) لجاءهم العذاب ( أي لولا ذلك الأجل المضروب لجاءهم العذاب الذي يستحقونه بذنوبهم وقيل المراد بالأجل المسمى النفخة الأولى وقبل الوقت الذي قدره الله لعذابهم في الدنيا بالقتل والأسر يوم بدر والحاصل أن لك عذاب أجلا لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه كما في قوله سبحانه ) لكل نبإ مستقر ( وجملة ) وليأتينهم بغتة ( مستأنفة مبينة لمجىء العذاب المذكور قبلها ومعنى بغتة فجأة ) وهم لا يشعرون ( في محل نصب على الحال أي حال كونهم لا يعلمون بإتيانه ثم ذكر سبحانه أن موعد عذابهم النار فقال ) يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( أي يطلبون منك تعجيل عذابهم والحال أن مكان العذاب محيط بهم أي سيحيط بهم عن قرب فإن ما هو ات قريب والمراد بالكافرين جنسهم فيدخل فيه هؤلاء المستعجلون دخولا أوليا فقوله
العنكبوت : ( 54 ) يستعجلونك بالعذاب وإن . . . . .
) ويستعجلونك بالعذاب ( إخبار عنهم وقوله ثانيا ) يستعجلونك بالعذاب ( تعجب منهم وقيل التكرير للتأكيد
العنكبوت : ( 55 ) يوم يغشاهم العذاب . . . . .
ثم ذكر سبحانه كيفية إحاطة العذاب بهم فقال ) يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( أي من جميع جهاتهم فإذا غشيهم العذاب على هذه الصفة فقد أحاطت بهم جهنم ) ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون ( القائل هو الله سبحانه أو بعض ملائكته يأمره أي ذوقوا جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والمعاصي قرأ أهل المدينة والكوفة نقول بالنون وقرأ الباقون بالتحتية واختار القراءة الأخيرة أبو عبيد لقوله ) قل كفى بالله ( وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة ويقال ذوقوا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والإسماعيلي في معجمه عن ابن عباس في قوله ) وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ( قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقرأ ولا يكتب كان أميا وفي قوله ) بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ( قال كان الله أنزل شأن محمد في التوراة والإنجيل لأهل العلم وعلمه لهم وجعله لهم آية فقال لهم إن آية نبوته أن يخرج حين يخرج ولا يعلم كتابا ولا يخطه بيمينه وهي الايات البينات التي قال الله تعالى وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله ) وما كنت تتلو من قبله من كتاب (


"""""" صفحة رقم 209 """"""
الاية قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقرأ ولا يكتب وأخرج الفريابي والدارمي وأبو داود في مراسيله وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن يحيى بن جعده قال جاء أناس من المسلمين بكتب قد كتبوها فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره ألى غيرهم فنزلت ) أو لم يكفهم ( الاية وأخرجه الإسماعيلي في معجمه وابن مردويه من طريق يحيى بن جعدة عن أبي هريرة فذكره بمعناه وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي في الشعب عن الزهري أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله ليه واله وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف فجعلت تقروه والنبي صلى الله عليه واله وسلم يتلون وجهه فقال والذي نفسي بيده لو أتاكم يوسف وأنا نبيكم فاتبعتموه وتركتموني لضللتم وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن الضريس والحاكم في الكنى والبيهقي في الشعب عن عبد الله بن الحارث الأنصاري قال دخل عمر بن الخطاب على النبي صلى الله ليه واله وسلم بكتاب فيه مواضع من التوراة فقال هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب أعرضها عليك فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تغيرا شديدا لم أر مثله قط فقال عبد الله بن الحرث لعمر أما ترى وجه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال عمر رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فسرى عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقال لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم أنا حظكم من النبيين وأنتم حظكم من الأمم وأخرج نحوه عبد الرزاق والبيهقي من طريق أبي قلابة عن عمر وأخرج البيهقي وصححه عن عمر بن الخطاب قال سألت رسول الله صلى الله عيه واله وسلم عن تعلم التوراة فقال لا تتعلمها وآمن بها وتعلموا ما أنزل إليكم وامنوا به وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( قال جهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكون فيه الشمس والقمر ثم يستوقد فيكون هو جهنم وفي هذا نكارة شديدة فإن الأحاديث الكثيرة الصحيحة ناطقة بأن جهنم موجودة مخلوقة على الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة
سورة العنكبوت ( 56 - 63 )


"""""" صفحة رقم 210 """"""
سورة العنكبوت ( 64 - 65 )
العنكبوت : ( 56 ) يا عبادي الذين . . . . .
لما ذكر سبحانه حال الكفرة من أهل الكتاب ومن المشركين وجمعهم في الإنذار وجعلهم من أهل النار اشتد عنادهم وزاد فسادهم وسعوا في إيذاء المسلمين بكل وجه فقال الله سبحانه ) يا عبادي الذين آمنوا ( أضافهم إليه بعد خطابه لهم تشريفا وتكريما والذين امنوا صفة موضحة أو مميزة ) إن أرضي واسعة ( إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان وفي مكايدة للكفار فاخرجوا منها لتتيسر لكم عبادتي وحدي وتتسهل عليكم قال الزجاج أمروا بالهجرة من الموضع الذي لا يمكنهم فيه عبادة الله وكذلك يجب على من كان في بلد يعمل فيها بالمعاصى ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى حيث يتهيأ له أن يعبد الله حق عبادته وقال مطرف بن الشخير المعنى إن رحمتي واسعة ورزقي لكم واسع فابتغوه في الأرض وقيل المعنى إن أرضي التي هي أرض الجنة واسعة فاعبدون حتى أورثكموها وانتصاب إياي بفعل مضمر أي فاعبدوا إياي
العنكبوت : ( 57 ) كل نفس ذائقة . . . . .
ثم خوفهم سبحانه بالموت ليهون عليهم أمر الهجرة فقال ) كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ( أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت لا محالة فلا يصعب عليكم ترك الأوطان ومفارقة الإخوان والخلان ثم إلى الله المرجع بالموت والبعث لا إلى غيره فكل حي في سفر إلى دار القرار وإن طال لبثه في هذه الدار
العنكبوت : ( 58 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا ( في هذا الترغيب إلى الهجرة وأن جزاء من هاجر أن يكون في غرف الجنة ومعنى لنبوئنهم لننزلنهم غرف الجنة وهي علاليها فانتصاب غرفا على أنه المفعول الثاني على تضمين نبوتهم معنى ننزلنهم أو على الظرفية مع عدم التضمين لأن نبوتهم لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد وإما منصوب بنزع الخافض اتساعا أي في غرف الجنة وهو مأخوذ من المباءة وهي الإنزال قرأ أبو عمرو ويعقوب والجحدري وابن أبي إسحاق وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وخلف يا عبادي بإسكان الياء وفتحها الباقون وقرأ ابن عامر إن أرصى بفتح إلياء وسكنها الباقون وقرأ السلمي وأبو بكر عن عاصم يرجعون بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية وقرأ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي لنثوينهم بالثاء المثلثة مكان الباء الموحدة وقرأ الباقون بالباء الموحدة ومعنى لنثوينهم بالمثلثة لنعطينهم غرفا يثوون فيها من الثوى وهو الإقامة قال الزجاج يقال ثوى الرجل إذا أقام وأثويته إذا أنزلته منزلا يقيم فيه قال الأخفش لا تعجبني هذه القراءة لأنك لا تقول اثويته الدار بل تقول في الدار وليس في الاية حرف جر في المفعول الثاني قال أبو علي الفارسي هو على إرادة حرف الجر ثم حذف كما تقول أمرتك الخير أي بالخير ثم وصف سبحانه تلك الغرف فقال ) تجري من تحتها الأنهار (


"""""" صفحة رقم 211 """"""
أي من تحت الغرف ) خالدين فيها ( أي في الغرف لا يموتون أبدا أو في الجنة والأول أولى ) نعم أجر العاملين ( المخصوص بالمدح محذوف أي نعم أجر العاملين أجرهم والمعنى العاملين للأعمال الصالحة
العنكبوت : ( 59 ) الذين صبروا وعلى . . . . .
ثم وصف هؤلاء العاملين فقال ) الذين صبروا ( على مشاق التكليف وعلى أذية المشركين لهم ويجوز أن يكون منصوبا على المدح ) وعلى ربهم يتوكلون ( أي يفوضون أمورهم إليه في كل إقدام وإحجام
العنكبوت : ( 60 ) وكأين من دابة . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما يعين على الصبر والتوكل وهو النظر في حال الدواب فقال ) وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ( فقد تقدم الكلام في كأين وأن أصلها أي دخلت عليها كاف التشبيه وصار فيها معنى كم كما صرح به الخليل وسيبويه وتقديرها عندهما كشيء كثير من العدد من دابة وقيل المعنى وكم من دابة ومعنى لا تحمل رزقها لا تطيق حمل رزقها لضعفها ولا تدخره وإنما يرزقها الله من فضله ويرزقكم فكيف لا يتوكلون على الله مع قوتهم وقدرتهم على أسباب العيش كتوكلها على الله مع ضعفها وعجزها قال الحسن تأكل لوقتها لا تدخر شيئا قال مجاهد يعني الطير والبهائم تأكل بأفواهها ولا تحمل شيئا ) وهو السميع ( الذي يسمع كل مسموع ) العليم ( بكل معلوم
العنكبوت : ( 61 ) ولئن سألتهم من . . . . .
ثم إنه سبحانه ذكر حال المشركين من أهل مكة وغيرهم وعجب السامع من كونهم يقرون بأنه خالقهم ورازقهم ولا يوحدونه ويتركون عبادة غيره فقال ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ( أي خلقها لا يقدرون على إنكار ذلك ولا يتمكنون من جحوده ) فأنى يؤفكون ( أي فكيف يصرفون عن الإقرار بتفرده بالإلهية وأنه وحده لا شريك له والاستفهام للإنكار والاستبعاد ولما قال المشركون لبعض المؤمنين لو كنتم على حق لم تكونوا فقراء
العنكبوت : ( 62 ) الله يبسط الرزق . . . . .
دفع سبحانه ذلك بقوله ) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ( أي التوسيع في الرزق والتقتير له هو من الله الباسط القابض يبسطه لمن يشاء ويضيقه على من يشاء على حسب ما تقتضيه حكمته وما يليق بحال عباده من القبض والبسط ولهذا قال ) أن الله بكل شيء عليم ( يعلم ما فيه صلاح عباده وفسادهم
العنكبوت : ( 63 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ( أي نزله وأحيا به الأرض الله يعترفون بذلك لا يجدون إلى إنكاره سبيلا ثم لما اعترفوا هذا الاعتراف في هذه الايات وهو يقتضي بطلان ما هم عليه من الشرك وعدم إفراد الله سبحانه بالعبادة أمر رسوله صلى الله عليه واله وسلم أن يحمد الله على إقرارهم وعدم جحودهم مع تصلبهم في العناد وتشددهم في رد كل ما جاء به رسول الله من التوحيد فقال ) قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ( أي أحمد الله على أن جعل الحق معك وأظهر حجرك عليهم ثم ذمهم فقال ) بل أكثرهم لا يعقلون ( الأشياء التي يتعقلها العقلاء فلذلك لا يعملون بمقتضى ما اعترفوا به مما يستلزم بطلان ما هم عليه عند كل عاقل
العنكبوت : ( 64 ) وما هذه الحياة . . . . .
ثم أشار سبحانه إلى تحقير الدنيا وأنها من جنس اللعب واللهو وأن الدار على الحقيقة هي دار الآخرة فقال ) وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ( من جنس ما يلهو به الصبيان ويلعبون به ) وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ( قال ابن قتيبة وأبو عبيدة إن الحيوان الحياة قال الواحدي وهو قول جميع المفسرين ذهبوا إلى أن معنى الحيوان ههنا الحياة وأنه مصدر بمنزلة الحياة فيكون كالنزوان والغليان ويكون التقدير وإن الدار الاخرة لهي دار الحيوان أو ذات الحيوان أي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا ينغصها موت ولا مرض ولا هم ولا غم ) لو كانوا يعلمون ( شيئا من العلم لما آثروا عليها الدار الفانية المنغصة
العنكبوت : ( 65 ) فإذا ركبوا في . . . . .
ثم بين سبحانه أنه ليس المانع لهم من الإيمان إلا مجرد تأثير الحياة فقال ) فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ( أي إذا انقطع رجاؤهم من الحياة وخافوا الغرق رجعوا إلى الفطرة فدعوا الله وحده كائنين على صورة المخلصين له الدين بصدق نياتهم وتركهم عند ذلك لدعاء الأصنام لعلمهم أنه لا يكشف هذه الشدة العظيمة النازلة بهم غير الله سبحانه ) فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون (


"""""" صفحة رقم 212 """"""
أي فاجئوا المعاودة إلى الشرك ودعوا غير الله سبحانه والركوب هو الاستعلاء وهو متعد بنفسه وإنما عدى بكلمة في للإشعار بأن المركوب في نفسه من قبيل الأمكنة
العنكبوت : ( 66 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
واللام في ) ليكفروا بما آتيناهم ( وفي قوله ) وليتمتعوا ( للتعليل أي فاجئوا الشرك بالله ليكفروا بنعمة الله وليتمتعوا بهما فهما في الفعلين لام كي وقيل هما لاما الأمر تهديدا ووعيدا أي اكفروا بما أعطيناكم من النعمة وتمتعوا ويدل على هذه القراءة قراءة أبي وتمتعوا وهذا الاحتمال للأمرين إنما هو على قراءة أبي عمرو وابن عامر وعاصم وورش بكسر اللام وأما على قراءة الجمهور بسكوتها فلا خلاف أنها لام الأمر وفي قوله ) فسوف يعلمون ( تهديد عظيم لهم أي فسيعلمون عاقبة ذلك وما فيه من الوبال عليهم
العنكبوت : ( 67 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ( أي ألم ينظروا يعني كفار قريش أنا جعلنا حرمهم هذا حرما امنا يأمن فيه ساكنه من الغارة والقتل والسبي والنهب فصاروا في سلامة وعافية مما صار فيه غيرهم من العرب فإنهم في كل حين تطرقهم الغارات وتجتاح أموالهم الغزاة وتسفك دماءهم الجنود وتسبيح حرمهم وأموالهم شطار العرب وشياطينها وجملة ) ويتخطف الناس من حولهم ( في محل نصب على الحال أي يختلسون من حولهم بالقتل والسبي والنهب والخطف الأخذ بسرعة وقد مضى تحقيق معناه في سورة القصص ) أفبالباطل يؤمنون ( وهو الشرك بعد ظهور حجة الله عليهم وإقرارهم بما يوجب التوحيد ) وبنعمة الله يكفرون ( يجعلون كفرها مكان شكرها وفي هذا الاستفهام من التقريع والتوبيخ مالا يقادر قدره
العنكبوت : ( 68 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( أي لا أحد أظلم منه وهو من زعم أن الله شريكا ) أو كذب بالحق لما جاءه ( أي كذب بالرسول الذي أرسل إليه والكتاب الذي أنزله على رسوله وقال السدي كذب بالتوحيد والظاهر شموله لما بصدق عليه أنه حق ثم هدد المكذبين وتوعدهم فقال أليس في جهنم مثوى للكافرين أي مكان يستقرون فيه والاستفهام للتقرير والمعنى أليس يستحقون الاستقرار فيها وقد فعلوا ما فعلوا
العنكبوت : ( 69 ) والذين جاهدوا فينا . . . . .
ثم لما ذكر حال المشركين الجاحدين للتوحيد الكافرين بنعم الله أردفه بحال عبادة الصالحين فقال ) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ( أي جاهدوا في شأن الله لطلب مرضاته ورجاء ما عنده من الخير لنهدينهم سبلنا أي الطريق الموصل إلينا قال ابن عطية هي مكية نزلت قبل فرض الجياد العرفى وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته وقيل الاية هذه نزلت في العباد وقال إبراهيم بن أدهم هي في الذين يعملون بما يعلمون ) وإن الله لمع المحسنين ( بالنصر والعون ومن كان معه لم يخذل ودخلت لام التوكيد على مع بتأويل كونها اسما أو على أنها حرف دخلت عليها لإفادة معنى الاستقرار كما تقول ان زيدا لفى الدار والبحث مقرر على علم النحو
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لما نزلت هذه الاية ) إنك ميت وإنهم ميتون ( قلت يا رب أيموت الخلائق كلهم ويبقى الأنبياء فنزلت كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون وينظر كيف صحة هذا فإن النبي صلى الله عليه واله وسلم بعد أن يسمع قول الله سبحانه إنك ميت وانهم ميتون يعلم أنه ميت وقد علم أن من قبله من الأنبياء قد ماتوا وأنه خاتم الأنبياء فكيف ينشأ عن هذه الاية ما سأل عنه على رضى الله عنه من قوله أيموت الخلائق ويبقى الأنبياء فلعل هذه الرواية لا تصح مرفوعة ولا موقوفة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر قال السيوطي بسند ضعيف عن ابن عمر قال خرجت مع رسول الله صلى الله عيه واله وسلم حتى دخل بعض حيطان المدينة فجعل يلتقط التمر ويأكل فقال لي مالك لا تأكل قلت لا أشتهيه يا رسول الله قال لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولم أجده ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر


"""""" صفحة رقم 213 """"""
فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يحبون رزق سنتهم ويضعف اليقين قال فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت ) وكأين من دابة لا تحمل رزقها ( الاية فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن الله لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتباع الشهوات إلا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبأ رزقا لغد وهذا الحديث فيه نكارة شديدة لمخالفته لما كان عليه النبي صلى الله عليه واله وسلم فقد كان يعطى نساءه قوت العام كما ثبت ذلك في كتب الحديث المعتبرة وفي إسناده أبو العطوف الجوزي وهو ضعيف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ( قال باقية وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن أبي جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يا عجبا كل العجب للمصدق بدار الحيوان وهو يسعى لدار الغرور وهو مرسل
ع30
تفسير
سورة الروم هي ستون آية قال القرطبي كلها مكية بلا خلاف
وأخرج ابن الضرير والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال نزلت سورة الروم بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج عبد الرزاق وأحمد قال السيوطي بسند حسن عن رجل من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صلى بهم الصبح فقرأ فيها سورة الروم وأخرج البزار عن الأعر المدني مثله وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك بن عمير أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قرأ في الفجر يوم الجمعة بسورة الروم وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد وابن قانع من طريق عبد الملك بن عمير مثل حديث الرجل الذي من الصحابة وزاد يتردد فيها فلما انصرف قال إنما يلبس علينا في صلاتنا قوم يحضرون الصلاة بغير طهور من شهد الصلاة فليحسن الطهور بسم الله الرحمن الرحيم سورة الروم ( 1 10 )


"""""" صفحة رقم 214 """"""
الروم : ( 1 ) الم
قد تقدم الكلام على فاتحة هذه السورة في فاتحة سورة البقرة وتقدم الكلام على محلها من الإعراب ومحل أمثالها في غير موضع من فواتح السور قرأ الجمهور
الروم : ( 2 ) غلبت الروم
غلبت الروم بضم الغين المعجمة وكسر اللام مبنيا للمفعول وقرأ على بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري ومعاوية بن قرة وابن عمر وأهل الشام بفتح الغين واللام مبنيا للفاعل قال النحاس قراءة أكثر الناس ) غلبت ( بضم الغين وكسر اللام قال أهل التفسير غلبت فارس الروم ففرح بذلك كفار مكة وقالوا الذين ليس لهم كتاب غلبوا الذين لهم كتاب وافتخروا على المسلمين وقالوا نحن أيضا نغلبكم كما غلبت فارس الروم وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب
الروم : ( 3 ) في أدنى الأرض . . . . .
ومعنى ) في أدنى الأرض ( في أقرب ارضهم من أرض العرب أو في أقرب أرض العرب منهم قيل هي أرض الجزيرة وقيل أذرعات وقيل كسكر وقيل الأردن وقيل فلسطين وهذه المواضع هي أقرب إلى بلاد العرب من غيرها وإنما حملت الأرض على أرض العرب لأنها المعهود في ألسنتهم إذا أطلقوا الأرض أرادوا بها جزيرة العرب وقيل إن الألف واللام عوض عن المضاف إليه والتقدير في أدنى أرضهم فيعود الضمير إلى الروم ويكون المعنى في أقرب أرض الروم من العرب قال ابن عطية إن كانت الوقعة بأذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة وإن كانت الوقعة بالجزيرة فهي أدنى بالقياس إلى أرض كسرى وإن كانت بالأردن فهي أدنى إلى أرض الروم ) وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( أي والروم من بعد غلب فارس إياهم سيغلبون أهل فارس والغلب والغلبة لغتان والمصدر مضاف إلى المفعول على قراءة الجمهور وإلى الفاعل على قراءة غيرهم قرأ الجمهور سيغلبون مبنيا للفاعل وقرأ على وأبو سعيد ومعاوية بن قرة وابن عمر وأهل الشام على البناء للمفعول وسيأتي في اخر البحث ما يقوي قراءة الجمهور في الموضعين وقرأ أبو حيوة الشامي وابن السميفع من بعد غلبهم بسكون اللام
الروم : ( 4 ) في بضع سنين . . . . .
) في بضع سنين ( متعلق بما قبله وقد تقدم تفسير البضع واشتقاقه في سورة يوسف والمراد به هنا ما بين الثلاثة إلى العشرة ) لله الأمر من قبل ومن بعد ( أي هو المنفرد بالقدرة وإنقاذ الأحكام وقت مغلوبيتهم ووقت غالبيتهم فكل ذلك بأمر الله سبحانه وقضائه قرأ الجمهور من قبل ومن بعد بضمهما لكونهما مقطوعين عن الإضافة والتقدير من قبل الغلب ومن بعده أو من قبل كل أمر ومن بعده وحكى الكسائي من قبل ومن بعد بكسر الأول منونا وضم الثاني بلا تنوين وحكى الفراء من قبل ومن بعد بكسرهما من غير تنوين وغلطه النحاس قال شهاب الدين قد قرىء بكسرهما منونين قال الزجاج ومعنى الاية من متقدم ومن متأخر ) ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ( أي يوم أن تغلب الروم على فارس في بضع سنين يفرح المؤمنون
الروم : ( 5 ) بنصر الله ينصر . . . . .
بنصر الله للروم لكونهم أهل كتاب كما أن المسلمين أهل كتاب بخلاف فارس فإنه لا كتاب لهم ولهذا سر المشركون بنصرهم على الروم وقيل نصر الله هو إظهار صدق المؤمنين فيما أخبروا به المشركين من غلبة الروم على فارس والأول أولى قال الزجاج وهذه الاية من الايات التي تدل على أن القران من عند الله لأنه إنباء بما سيكون وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه ) ينصر من يشاء ( أن ينصره ) وهو العزيز ( الغالب القاهر ) الرحيم ( الكثير الرحمة لعباده المؤمنين وقيل المراد بالرحمة هنا الدنيوية وهي شاملة للمسلم والكفر
الروم : ( 6 ) وعد الله لا . . . . .
) وعد الله لا يخلف الله وعده ( أي وعد الله وعدا لا يخلفه وهو ظهور الروم على فارس ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( أن الله لا يخلف وعده وهم


"""""" صفحة رقم 215 """"""
الكفار وقيل كفار مكة على الخصوص
الروم : ( 7 ) يعلمون ظاهرا من . . . . .
) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ( أي يعلمون ظاهر ما يشاهدونه من زخارف الدنيا وملاذها وأمر معاشهم وأسباب تحصيل فوائدهم الدنيوية وقيل هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع وقيل الظاهر الباطل ) وهم عن الآخرة ( التي هي النعمة الدائمة واللذة الخالصة ) هم غافلون ( لا يتلفتون إليها ولا يعدون لها ما يحتاج إليه أو غافلون عن الإيمان بها والتصديق بمجيئها
الروم : ( 8 ) أو لم يتفكروا . . . . .
) أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما ( الهمزة للانكار عليهم والواو للعطف على مقدر كما في نظائره وفي أنفسهم ظرف للتفكر وليس مفعولا للتفكر والمعنى أن أسباب التفكر حاصلة لهم وهي أنفسهم لو تفكروا فيها كما ينبغي لعلموا وحدانية الله وصدق أنبيائه وقيل إنها مفعول للتفكر والمعنى أو لم يتفكروا في خلق الله إياهم ولم يكونوا شيئا وما في ما خلق الله نافية أي لم يخلقها إلا بالحق الثابت الذي يحق ثبوته أو هي اسم في محل نصب على إسقاط الخافض أي بما خلق الله والعامل فيها إما العلم الذي يؤدي إليه التفكر وقال الزجاج في الكلام حذف أي فيعلموا فجعل ما معمولة للفعل المقدر لا للعلم المدلول عليه والباء في ) إلا بالحق ( إما للسببية أو هي ومجرورها في محل نصب على الحال أي ملتبسة بالحق قال الفراء معناه إلا للحق أي للثواب والعقاب وقيل بالحق بالعدل وقيل بالحكمة وقيل بالحق أي أنه هو الحق وللحق خلقها ) وأجل مسمى ( معطف على الحق أي وبأجل مسمى للسموات والأرض وما بينهما تنتهي إليه وهو يوم القيامة وفي هذا تنبيه على الفناء وأن لكل مخلوق أجلا لا يجاوزه وقيل معنى ) وأجل مسمى ( أنه خلق ما خلق في وقت سماه لخلق ذلك الشيء ) وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ( أي لكافرون بالبعث بعد الموت واللام هي المؤكدة والمراد بهؤلاء الكفار على الإطلاق أو كفار مكة
الروم : ( 9 ) أو لم يسيروا . . . . .
) أو لم يسيروا في الأرض ( الاستفهام للتقريع والتوبيخ لعدم تفكرهم في الاثار وتأملهم لمواقع الاعتبار والفاء في فينظروا للعطف على يسيروا داخل تحت ما تضمنه الاستفهام من التقريع والتوبيخ والمعنى أنهم قد ساروا وشاهدوا ) كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( من طوائف الكفار الذين أهلكهم الله بسبب كفرهم بالله وجحودهم للحق وتكذيبهم للرسل وجملة ) وكانوا أشد منهم قوة ( مبينة للكيفية التي كانوا عليها وأنهم أقدر من كفار مكة ومن تابعهم على الأمور الدنيوية ومعنى ) وأثاروا الأرض ( حرثوها وقلبوها للزراعة وزاولوا أسباب ذلك ولم يكن أهل مكة أهل حرث ) وعمروها أكثر مما عمروها ( أي عمروها عمارة أكثر مما عمرها هؤلاء لأن أولئك كانوا أطول منهم أعمارا وأقوى أجساما وأكثر تحصيلا لأسباب المعاش فعمروا الأرض بالأبنية والزراعة والغرس ) وجاءتهم رسلهم ( بالبينات أي المعجزات وقيل بالأحكام الشرعية ) فما كان الله ليظلمهم ( بتعذيبهم على غير ذنب ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( بالكفر والتكذيب
الروم : ( 10 ) ثم كان عاقبة . . . . .
) ثم كان عاقبة الذين أساؤوا ( أي علموا السيئات من الشرك والمعاصي ) السوأى ( هي فعلى من السوء تأنيث الأسوإ وهو الأقبح أي كان عاقبتهم العقوبة التي هي أسوأ العقوبات وقيل هي اسم لجهنم كما أن الحسنى اسم للجنة ويجوز أن تكون مصدرا كالبشرئ والذكرى وصفت به العقوبة مبالغة قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاقبة بالرفع على أنها اسم كان وتذكير الفعل لكون تأنيثها مجازيا والخبر السواى أي الفعلة أو الخصلة أو العقوبة السوآى أو الخبر ) أن كذبوا ( أي كان اخر أمرهم التكذيب وقرأ الباقون عاقبة بالنصب على خبر كان والاسم السوىء أو أن كذبوا ويكون التقدير ثم كان التكذيب عاقبة الذين أساءوا والسوآى مصدر أساءوا أو صفة لمحذوف وقال الكسائي إن قوله ) أن كذبوا ( في محل نصب على العلة أي لأن كذبوا بايات الله التي أنزلها على رسله أو بأن كذبوا ومن القائلين بأن السواى جهنم الفراء والزجاج وابن قتيبة


"""""" صفحة رقم 216 """"""
وأكثر المفسرين وسميت سواى لكونها تسوء صاحبها قال الزجاج المعنى ثم كان عاقبة الذين أشركوا النار بتكذيبهم آيات الله واستهزائهم وجملة ) وكانوا بها يستهزؤون ( عطف على كذبوا داخلة معه في حكم العلية على أحد القولين أو في حكم الاسمية لكان أو الخبرية لها على القول الاخر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله ) الم غلبت الروم ( قال كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم كانوا أصحاب أوثان وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أصحاب كتاب فذكروه لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أما إنهم سيغلبون فذكره أبو بكر لهم فقالوا اجعل بيننا وبينك أجلا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا فجعل بينهم أجلا خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال ألا جعلته أراه قال دون العشر فظهرت الروم بعد ذلك فذلك قوله ) الم غلبت الروم ( فغلبت ثم غلبت بعد بقول الله ) لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ( قال سفيان سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن البراء بن عازب نحوه وزاد أنه لما مضى الأجل ولم تغلب الروم فارسا ساء النبي ما جعله أبو بكر من المدة وكرهه وقال ما دعاك إلى هذا قال تصديقا لله ولرسوله فقال تعرض لهم وأعظم الخطة واجعله إلى بضع سنين فأتاهم أبو بكر فقال هل لكم في العود فإن العود أحمد قالوا نعم فلم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارسا وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا رومية فقمر أبو بكر فجاء به أبو بكر يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال هذا السحت تصدق به وأخرج الترمذي وصححه والدارقطني في الأفراد والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في الشعب عن نيار بن مكرم الأسلمي قال لما نزلت ) الم غلبت الروم ( الاية كانت فارس يوم نزلت هذه الاية قاهرين الروم وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل الكتاب وفي ذلك يقول الله ) ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ( وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا أهل الكتاب ولا إيمان ببعث فلما أنزل الله هذه الاية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة ) الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ( فقال ناس من قريش لأبي بكر ذلك بيننا وبينكم يزعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك قال بلى وذلك قبل تحريم الرهان فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر لم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسم بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه قال فسموا بينهم ست سنين فمضت الست قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم فعاب المسلمون على أبي بكر تسميته ست سنين لأن الله قال ) في بضع سنين ( فأسلم عند ذلك ناس كثير وأخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال لأبي بكر لا احتطت يا أبا بكر فإن البضع ما بين ثلاث إلى تسع وأخرج البخاري عنه في تاريخه نحوه وأخرج الفريابي والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد قال لما كان يوم بدر ظهر الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت الم غلبت الروم قرأها بالنصب يعني للغبن على البناء للفاعل إلى قوله ) يفرح المؤمنون بنصر الله ( قال ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس وهذه الرواية مفسرة لقراءة أبي سعيد ومن معه وأخرج الحاكم وصححه


"""""" صفحة رقم 217 """"""
عن أبي الدرداء قال سيجىء أقوام يقرءون ) الم غلبت الروم ( يعني بفتح الغين وإنما هي غلبت يعني بضمها وفي الباب روايات وما ذكرناه يغنى عما سواه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ( يعني معايشهم متى يغرسون ومتى يزرعون ومتى يحصدون وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله ) كانوا أشد منهم قوة ( قال كان الرجل ممن كان قبلكم بين منكبيه ميل
سورة الروم ( 11 27 )
الروم : ( 11 ) الله يبدأ الخلق . . . . .
قوله ) الله يبدأ الخلق ثم يعيده ( أي يخلقهم أولا ثم يعيدهم بعد الموت أحياء كما كانوا ) ثم إليه ترجعون ( إلى موقف الحساب فيجازى المحسن بإحسانه والمسىء بإساءته وأفرد الضمير في يعيده باعتبار لفظ الخلق وجمعه في ترجعون باعتبار معناه قرأ أبو بكر وأبو عمرو يرجعون بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب


"""""" صفحة رقم 218 """"""
والالتفات المؤذن بالمبالغة
الروم : ( 12 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
) ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ( قرأ الجمهور يبلس على البناء للفاعل وقرأ السلمي على البناء للمفعول يقال أبلس الرجل إذا سكت وانقطعت حجته قال الفراء والزجاج المبلس الساكت المنقطع في حجته الذي أيس أن يهتدى إليها ومنه يقول العجاج يا صاح هل تعرف رسما مكرسا
قال نعم أعرفه وأبلسا
وقال الكلبي أي يئس المشركون من كل خير حين عاينوا العذاب وقد قدمنا تفسير الإبلاس عند قول فإذا هم مبلسون
الروم : ( 13 ) ولم يكن لهم . . . . .
ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء أي لم يكن للمشركين يوم تقوم الساعة من شركائهم الذين عبدوهم من دون الله شفعاء يجيرونهم من عذاب الله وكانوا في ذلك الوقت بشركائهم أي بالهتهم الذين جعلوهم شركاء لله كافرين أي جاحدين لكونهم الهة لأنهم علموا إذ ذاك أنهم لا ينفعون ولا يضرون وقيل إن معنى الاية كانوا في الدنيا كافرين بسبب عبادتهم والأول أولى
الروم : ( 14 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
) ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ( أي يتفرق جميع الخلق المدلول عليهم بقوله الله يبدأ الخلق والمراد بالتفرق أن كل طائفة تنفرد فالمؤمنون يصيرون إلى الجنة والكافرون إلى النار وليس المراد تفرق كل فرد منهم عن الاخر ومثله قوله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير وذلك بعد تمام الحساب فلا يجتمعون أبدا
الروم : ( 15 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
ثم بين سبحانه كيفية تفرقهم فقال ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون ( قال النحاس سمعت الزجاج يقول معنى أما دع ما كنا فيه وخذ في غيره وكذا قال سيبويه إن معناها مهما يكن من شيء فخذ في غير ما كنا فيه والروضة كل أرض ذات نبات قال المفسرون والمراد بها هنا الجنة ومعنى يحبرون يسرون والحبور والحبرة السرور أي فهم في رياض الجنة ينعمون قال أبو عبيد الروضة ما كان في سفل فإذا كان مرتفعا فهو ترعه وقال غيره أحسن ما تكون الروضة إذا كانت في مكان مرتفع ومنه قول الأعشى ما روضة من رياض الحزن معشبة
خضراء جاد عليها مسبل هطل
وقيل معنى يحبرون يكرمون قال النحاس حكى الكسائي حبرته أي أكرمته ونعمته والأولى تفسير يحبرون بالسرور كما هو المعنى العربي ونفس دخول الجنة يستلزم الإكرام والنعيم وفي السرور زيادة على ذلك وقيل التحبير التحسين فمعنى يحبرون يحسن إليهم وقيل هو السماع الذي يسمعونه في الجنة وقيل غير ذلك والوجه ما ذكرناه
الروم : ( 16 ) وأما الذين كفروا . . . . .
) وأما الذين كفروا ( بالله ) وكذبوا بآياتنا ( و كذبوا بلقاء الاخرة أي البعث والجنة والنار والإشارة بقوله ) فأولئك ( إلى المتصفين بهذه الصفات وهو مبتدأ وخبره ) في العذاب محضرون ( أي مقيمون فيه وقيل مجموعون وقيل نازلون وقيل معذبون والمعاني متقاربة والمراد دوام عذابهم
الروم : ( 17 ) فسبحان الله حين . . . . .
ثم لما بين عاقبة طائفة المؤمنين وطائفة الكافرين أرشد المؤمنين إلى ما فيه الأجر الوافر والخير العام فقال ) فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ( والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي فإذا علمتم ذلك فسبحوا الله أي نزهوه عما لا يليق به في وقت الصباح والمساء وفي العشى وفي وقت الظهيره وقيل المراد بالتسبيح هنا الصلوات الخمس فقوله حيت تمسون صلاة المغرب والعشاء وقوله وحين تصبحون صلاة الفجر وقوله وعشيا صلاة العصر وقوله وحين تظهرون صلاة الظهر كذا قال الضحاك وسعيد بن جبير وغيرهما قال الواحدي قال المفسرون إن معنى ) فسبحان الله ( فصلوا لله قال النحاس أهل التفسير على أن هذه الاية في الصلوات قال وسمعت محمد بن يزيد يقول حقيقته عندي فسبحوا الله في الصلوات لأن التسبيح يكون في الصلاة
الروم : ( 18 ) وله الحمد في . . . . .
وجملة ) وله الحمد في السماوات والأرض ( معترضى مسوقة للإرشاد إلى الحمد والإيذان بمشروعية الجمع بينه وبين


"""""" صفحة رقم 219 """"""
التسبيح كما في قوله سبحانه ) فسبح بحمد ربك ( ونحن نسبح بحمدك وقيل معنى وله الحمد أي الاختصاص له بالصلاة التي يقرأ فيها الحمد والأول أولى وقرأ عكرمة حينا تمسون وحينا تصبحون والمعنى حينا تمسون فيه وحينا تصبحون فيه والعشي من صلاة المغرب إلى العتمة قال الجوهري وقال قوم هو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ومنه قول الشاعر غدونا غدوة سحرا بليل
عشيا بعد ما انتصف النهار
وقوله عشيا معطوف على حين وفي السموات متعلق بنفس الحمد أي الحمد له يكون في السموات والأرض
الروم : ( 19 ) يخرج الحي من . . . . .
) يخرج الحي من الميت ( كالإنسان من النطفة والطير من البيضة ) ويخرج الميت من الحي ( كالنطفة والبيضة من الحيوان وقد سبق بيان هذا في سورة ال عمران قيل ووجه تعلق هذه الاية بالتي قبلها أن الإنسان عند الصباح يخرج من شبه الموت وهو النوم إلى شبه الوجود وهو اليقظة وعند العشاء يخرج من اليقظة إلى النوم ) ويحيي الأرض بعد موتها ( أي يحييها بالنبات بعد موتها باليباس وهو شبيه بإخراج الحي من الميت ) وكذلك تخرجون ( أي ومثل ذلك الإخراج تخرجون من قبوركم قرأ الجمهور تخرجون على البناء للمفعول وقرأ حمزة والكسائي على البناء للفاعل فأسند الخروج إليهم كقوله يوم يخرجون من الأجداث
الروم : ( 20 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن آياته أن خلقكم من تراب ( أي من اياته الباهرة الدالة على البعث أن خلقكم أي خلق أباكم ادم من تراب وخلقكم في ضمن خلقه لأن الفرع مستمد من الأصل ومأخوذ منه وقد مضى تفسير هذا في الإنعام وأن في موضع رفع بالابداء ومن اياته خبره ) ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ( إذا هي الفجائية أي ثم فاجأتم بعد ذلك وقت كونكم بشرا تنتشرون في الأرض وإذا الفجائية وإن كانت أكثر ما تقع بعد الفاء لكنها وقعت هنا بعد ثم بالنسبة إلى ما يليق بهذه الحالة الخاصة وهي أطوار الإنسان كما حكاه الله في مواضع من كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما مكسوا لحما فاجأ البشرية والانتشار ومعنى تنتشرون تنصرفون فيما هو قوام معايشكم
الروم : ( 21 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ( أي ومن علاماته ودلالاته الدالة على البعث أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم في البشرية والانسانية وقيل المراد حواء فإنه خلقها من ضلع ادم ) لتسكنوا إليها ( أي تألفوها وتميلوا إليها فإن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الاخر ولا يميل قلبه إليه وجعل بينكم مودة ورحمة أي ودادا وترحما بسبب عصمة النكاح يعطف به بعضكم على بعض من غير أن يكون بينكم قبل ذلك معرفة فضلا عن مودة ورحمة وقال مجاهد المودة الجماع والرحمة الولد وبه قال الحسن وقال السدي المودة المحبة والرحمة الشفقة وقيل المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها من أن يصيبها بسوء وقوله ) أن خلق لكم ( في موضع رفع على الابتداء ومن اياته خبره ) إن في ذلك ( المذكور سابقا ) لآيات ( عظيمة الشأن بديعة البيان واضحة الدلالة على قدرته سبحانه على البعث والنشور ) لقوم يتفكرون ( لأنهم الذين يتقدرون على الاستدلال لكون التفكر مادة له يتحصل عنه وأما الغافلون عن التفكر فما هم إلا كالأنعام
الروم : ( 22 ) ومن آياته خلق . . . . .
) ومن آياته خلق السماوات والأرض ( فإن من خلق هذه الأجرام العظيمة التي هي أجرام السموات والأرض وجعلها باقية ما دامت هذه الدار وخلق فيها من عجائب الصنع وغرائب التكوين ما هو عبرة للمعتبرين قادر على أن يخلقكم بعد موتكم وينشركم من قبوركم ) واختلاف ألسنتكم ( أي لغاتكم من عرب وعجم وترك وروم وغير ذلك من اللغات ) وألوانكم ( من البياض والسواد والحمرة والصفرة والزرقة والخضرة مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحدة ويجمعكم نوع واحد وهو الإنسانية وفصل واحد وهو الناطقية حتى صرتم متميزين في ذات بينكم ولا يلتبس هذا بهذا بل في كل فرد من أفرادكم


"""""" صفحة رقم 220 """"""
ما يميزه عن غيره من الأفراد وفي هذا من بديع القدرة مالا يعقله إلا العالمون ولا يفهمه الا المتفكرون ) إن في ذلك لآيات للعالمين ( الذين هم من جنس هذا العالم من غير فرق بين بر وفاجر قرأ الجمهور بفتح لام العالمين وقرأ حفص وحده بكسرها قال الفراء وله وجه جيد لأنه قد قال ) لآيات لقوم يعقلون ( لآيات لأولى الألباب وما يعقلها إلا العالمون
الروم : ( 23 ) ومن آياته منامكم . . . . .
) ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ( قيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير ومن اياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار وقيل المعنى صحيح من دون تقديم وتأخير أي ومن اياته العظيمة أنكم تنامون بالليل وتنامون بالنهار في بعض الأحوال للاستراحة كوقت القيلولة وابتغاؤكم من فضله فيهما فإن كل واحد منهما يقع فيه ذلك وإن كان ابتغاء الفضل في النهار أكثر والأول هو المناسب لسائر الايات الواردة في هذا المعنى والاخر هو المناسب للنظم القراني هاهنا ووجه ذكر النوم والابتغاء هاهنا وجعلهما من جملة الأدلة على البعث أن النوم شبيه بالموت والتصرف في الحاجات والسعي في المكاسب شبيه بالحياة بعد الموت ) إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ( أي يسمعون الايات والمواعظ سماع متفكر متدبر فيستدلون بذلك على البعث
الروم : ( 24 ) ومن آياته يريكم . . . . .
) ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا ( المعنى أن يريكم فحذف أن لدلالة الكلام عليه كما قال طرفه ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى
والتقدير أن أحضر فلما حذف الحرف في الاية والبيت بطل عمله ومنه المثل المشهور تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وقيل هو على التقديم والتأخير أي ويريكم البرق من اياته فيكون من عطف جملة فعليه على جملة اسمية ويجوز أن يكون يريكم صفة لموصوف محذوف أي ومن اياته آية يريكم بها وفيها البرق وقيل التقدير ومن اياته يريكم البرق خوفا وطمعا من اياته قال الزجاج فيكون من عطف جملة على جملة قال قتادة خوفا للمسافر وطمعا للمقيم وقال الضحاك خوفا من الصواعق وطمعا في الغيث وقال يحيى بن سلام خوفا من البرد أن يهلك الزرع وطمعا في المطر أن يحيى الزرع وقال ابن بحر خوفا أن يكون البرق برقا خلبا لا يمطر وطمعا أن يكون ممطرا وأنشد لا يكن برقك برقا خلبا
إن خير البرق ما الغيث معه
وانتصاب خوفا وطمعا على العلة ) وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها ( أي يحييها بالنبات بعد موتها باليباس ) إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( فإن من له نصيب من العقل يعلم أن ذلك آية يستدل بها على القدرة الباهرة
الروم : ( 25 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ( أي قيامهما واستمساكهما بإرادته سبحانه وقدرته بلا عمد يعمدهما ولا مستقر يستقران عليه قال الفراء يقول أن تدوما فائمتين بأمره ) ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ( أي ثم بعد موتكم ومصيركم في القبور إذا دعاكم دعوة واحدة فاجأتم الخروج منها بسرعة من غير تلبث ولا توقف كما يجيب المدعو المطيع دعوة الداعي المطاع ومن الأرض متعلق بدعا أي دعاكم من الأرض التي أنتم فيها كما يقال دعوته من أسفل الوادي فطلع إلى أو متعلق بمحذوف هو صفة لدعوة أو متعلق بمحذوف يدل عليه تخرجون أي حرجتم من الأرض ولا يجوز أن يتعلق بتخرجون لأن ما بعد إذ لا يعمل فيما قبلها وهذه الدعوة هي نفخة إسرافيل الاخرة في الصور على ما تقدم ببيانه وقد أجمع القراء على فتح التاء في تخرجون هنا وغلط من قال إنه قريء هنا بضمها على البناء للمفعول وإنما قرىء بضمها في الأعراف
الروم : ( 26 ) وله من في . . . . .
) وله من في السماوات والأرض ( من جميع المخلوقات ملكا وتصرفا وخلقا ليس لغيره في ذلك شيء ) كل له قانتون ( أي مطيعون طاعة انقياد وقيل مقرون بالعبودية وقيل مصلون وقيل قائمون يوم القيامة كقوله


"""""" صفحة رقم 221 """"""
) يوم يقوم الناس لرب العالمين ( أي للحساب وقيل بالشهادة أنهم عباده وقيل مخلصون
الروم : ( 27 ) وهو الذي يبدأ . . . . .
) وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ( بعد الموت فيحييه الحياة الدائمة ) وهو أهون عليه ( أي هين عليه لا يستعصبه أو أهون عليه بالنسبة إلى قدرتكم وعلى ما يقوله له بعضكم لبعض وإلا فلا شيء في قدرته بعضه أهون من بعض بل كل الأشياء مستوية يوجدها بقوله كن فتكون قال أبو عبيد من جعل أهون عبارة عن تفضيل شيء على شيء فقوله مردود بقوله ) وكان ذلك على الله يسيرا ( وبقوله ولا يئوده حفظهما والعرب تحمل أفعل على فاعل كثيرا كما في قول الفرزدق إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز وأطول
أي عزيزة طويلة وأنشد أحمد بن يحيى ثعلب على ذلك تمنى رجال أن أموت وإن أمت
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي لست بواحد ومثله قول الاخر لعمرك إن الزبرقان لباذل
لمعروفه عند السنين وأفضل
أي وفاضل وقرأ عبد الله ابن مسعود ? وهو عليه هين ? وقال مجاهد وعكرمه والضحاك إن الإعادة أهون عليه أي على الله من البداية أي أيسر وإن كان جميعه هينا وقيل المراد أن الإعادة فيما بين الخلق أهون من البداية وقيل الضمير في عليه للخلق أي هو أهون على الخلق لأنه يصاح بهم صيحة واحدة فيقومون ويقال لهم كونوا فيكونون فذلك أهون عليهم من أن يكونوا نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى اخر النشأة ) وله المثل الأعلى ( قال الخليل المثل الصفة أي وله الوصف الأعلى ) في السماوات والأرض ( كما قال مثل الجنة التي وعد المتقون أي صفتها وقال مجاهد المثل الأعلى قول لا إله إلا الله وبه قال قتادة وقال الزجاج ) وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ( أي قوله وهو أهون عليه قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل وقيل المثل الأعلى هو أنه ليس كمثله شيء وقيل هو أن ما أراده كان بقول كن وفي السموات والأرض متعلق بمضمون الجملة المتقدمة والمعنى أنه سبحانه عرف بالمثل الأعلى ووصف به في السموات والأرض ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الأعلى أو من المثل أو من الضمير في الأعلى وهو العزيز في ملكه القادر الذي لا يغالب الحكيم في أقواله وأفعاله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يبلس ( قال يبتئس وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم يبلس قال يكتئب وعنه الإبلاس الفضيحة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) يحبرون ( قال يكرمون وأخرج الديلمي عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا كان يوم القيامة قال الله أين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأبصارهم عن مزامير الشيطان ميزوهم فيميزون في كثب المسك والعنبر ثم يقل للملائكة أسمعوهم من تسبيحي وتحميدي وتهليلي قال فيسبحون بأصوات لم يسمع السامعون بمثلها قط وأخرج الدينوري في المجالسة عن مجاهد قال ينادي مناد يوم القيامة فذكر نحوه ولم يسم من رواه له عن رسول الله وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والأصبهاني في الترغيب عن محمد بن المنكدر نحوه وأخرج ابن أبي الدنيا والضياء المقدسي كلاهما في صفة الجنة قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس قال في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام فيخرج أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلمها فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك


"""""" صفحة رقم 222 """"""
تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج الفريابي وابن مردويه عن ابن عباس قال كل تسبيح في القران فهو صلاة وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أبي رزين قال جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس فقال هل تجد الصلوات الخمس في القران قال نعم فقرأ ) فسبحان الله حين تمسون ( صلاة المغرب ) وحين تصبحون ( صلاة الصبح ) وعشيا ( صلاة العصر ) وحين تظهرون ( صلاة الظهر وقرأ ومن بعد صلاة العشاء وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عنه قال جمعت هذه الاية مواقيت الصلاة ) فسبحان الله حين تمسون ( قال المغرب والعشاء ) وحين تصبحون ( الفجر ) وعشيا ( العصر ) وحين تظهرون ( الظهر وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني في عمل يوم وليلة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدعوات عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون وفي إسناده ابن لهيعة وأخرج أبو داود والطبراني وابن السني وابن مردويه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال من قال حين يصبح ) فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ( إدرك مافاته في يومه ومن قالها حين يمسى أدرك مافاته في ليلته وإسناده ضعيف وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله كل له قانتون يقول مطيعون يعني الحياة والنشور والموت وهم له عاصون فيما سوى ذلك من العبادة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله وهو أهون عليه قال أيسر وأخرج ابن الأنباري عنه أيضا في قوله وهو أهون عليه قال الإعادة أهون على المخلوق لأنه يقول له يوم القيامة كن فيكون وابتدأ الخلقة من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله وله المثل الأعلى يقول ليس كمثله شيء
سورة الروم ( 28 37 )


"""""" صفحة رقم 223 """"""
الروم : ( 28 ) ضرب لكم مثلا . . . . .
قوله ) ضرب لكم مثلا ( قد تقدم تحقيق معنى المثل ومن في ) من أنفسكم ( لابتداء الغاية وهي ومجرورها في محل نصب صفة لمثلا أي مثلا منتزعا ومأخوذا من أنفسكم فإنها أقرب شيء منكم وأبين من غيرها عندكم فإذا ضرب لكم المثل بها في بطلان الشرك كان أظهر دلالة وأعظم وضوحا ثم بين المثل المذكور فقال ) هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم ( من في مما ملكت للتبعيض وفي من شركاء زائدة للتأكيد والمعنى هل لكم شركاء فيما رزقناكم كائنون من النوع الذي ملكت أيمانكم وهم العبيد والإماء والاستفهام للإنكار وجملة ) فأنتم فيه سواء ( جواب للاستفهام الذي بمعنى النفي ومحققه لمعنى الشركة بينهم وبين العبيد والإماء المملوكين لهم في أموالهم أي هل ترضون لأنفسكم والحال أن عبيدكم وإماءكم أمثالكم في البشرية أن يساووكم في التصرف بما رزقناكم من الأموال ويشاركوكم فيها من غير فرق بينكم وبينهم ) تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ( الكاف نعت مصدر محذوف أي تخافونهم خيفة كخيفتكم أنفسكم أي كما تخافون الأحرار المشابهين لكم في الحرية وملك الأموال وجواز التصرف والمقصود نفي الأشياء الثلاثة الشركة بينهم وبين المملوكين والاستواء معهم وخوفهم إياهم وليس المراد ثبوت الشركة ونفي الاستواء والخوف كما قيل في قولهم ما تأتينا فتحدثنا والمراد إقامة الحجة على المشركين فإنهم لا بد أن يقولوا لا نرضى بذلك فيقال لهم فكيف تنزهون أنفسكم عن مشاركة المملوكين لكم وهم أمثالكم في البشرية وتجعلون عبيد الله شركاء له فإذا بطلت الشركة بين العبيد وساداتهم فيما يملكه السادة بطلت الشركة بين الله وبين أحد من خلقه والخلق كلهم عبيد الله تعالى ولم يبق إلا أنه الرب وحده لا شريك له قرأ الجمهور أنفسكم بالنصب على أنه معمول المصدر المضاف إلى فاعله وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع على إضافة المصدر إلى مفعوله ) كذلك نفصل الآيات ( تفصيلا واضحا وبيانا جليا ) لقوم يعقلون ( لأنهم الذين ينتفعون بالايات التنزيلية والتكوينية باستعمال عقولهم في تدبرها والتفكر فيها
الروم : ( 29 ) بل اتبع الذين . . . . .
ثم أضرب سبحانه عن مخاطبة المشركين وإرشادهم إلى الحق بما ضربه لهم من المثل فقال ) بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم ( أي لم يعقلوا الآيات بل اتبعوا أهواءهم الزائغة واراءهم الفاسدة الزائفة ومحل بغير علم النصب على الحال أي جاهلين بأنهم على ضلالة ) فمن يهدي من أضل الله ( أي لا أحد يقدر على هدايته لأن الرشاد والهداية بتقدير الله وإرادته ) وما لهم من ناصرين ( أي ما لهؤلاء الذين أضلهم الله من ناصرين ينصرونهم ويحولون بينهم وبين عذاب الله سبحانه
الروم : ( 30 ) فأقم وجهك للدين . . . . .
ثم أمر رسوله صلى الله عليه واله وسلم بتوحيده وعبادته كما أمره فقال ) فأقم وجهك للدين حنيفا ( شبه الإقبال على الدين بتقويم وجهه إليه وإقباله عليه وانتصاب حنيفا على الحال من فاعل أقم أو من مفعوله أي مائلا إليه مستقيما عليه غير متلفت إلى غيره من الأديان الباطلة ) فطرة الله التي فطر الناس عليها (


"""""" صفحة رقم 224 """"""
الفطرة في الأصل الخلقة والمراد بها هنا الملة وهي الإسلام والتوحيد قال الواحدي هذا قول المفسرين في فطرة الله والمراد بالناس هنا الذين فطرهم الله على الإسلام لأن المشرك لم يفطر على الإسلام وهذا الخطاب وإن كان خاصا برسول الله فأمته داخلة معه فيه قال القرطبي باتفاق من أهل التأويل والأولى حمل الناس على العموم من غير فرق بين مسلمهم وكافرهم وأنهم جميعا مفطورون على ذلك لولا عوارض تعرض لهم فيبقون بسببها على الكفر كما في حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة وفي رواية على هذه الملة ولكن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء على تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة واقرءوا إن شئتم ) فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ( وفي رواية حتى تكونوا أنتم تجدعونها وسيأتي في اخر البحث ما ورد معاضدا لحديث أبي هريرة هذا فكل فرد من أفراد الناس مفطور أي مخلوق على ملة الإسلام ولكن لا اعتبار بالإيمان والإسلام الفطريين وإنما يعتبر الإيمان والإسلام الشرعيان وهذا قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم وقول جماع من المفسرين وهو الحق والقول بأن المراد بالفطرة هنا الإسلام هو مذهب جمهور السلف وقال اخرون هي البداءة التي ابتدأهم الله عليها فإنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاوة والفاطر في كلام العرب هو المبتدىء وهذا مصير من القائلين به إلى معنى الفطرة لغة وإهمال معناها شرعا والمعنى الشرعي مقدم على المعنى اللغوي باتفاق أهل الشرع ولا ينافى ذلك ورود الفطرة في الكتاب أو السنة في بعض المواضع مرادا بها المعنى اللغوي كقوله تعالى ) الحمد لله فاطر السماوات والأرض ( أي خالقهما ومبتديهما وكقوله وما لي لا أعبد الذي فطرني إذ لا نزاع في أن المعنى اللغوي هو هذا ولكن النزاع في المعنى الشرعي للفطرة وهو ما ذكره الأولون كما بيناه وانتصاب فطرة على أنها مصدر مؤكد للجملة التي قبلها وقال الزجاج فطرة منصوب بمعنى اتبع فطرة الله قال لأن معنى ) فأقم وجهك للدين ( اتبع الدين واتبع فطرة الله وقال ابن جرير هي مصدر من معنى ) فأقم وجهك ( لأن معنى ذلك فطرة الله الناس على الدين وقيل هي منصوبة على الإغراء أي الزموا فطرة الله أو عليكم فطرة الله ورد هذا الوجه أبو حيان وقال إن كلمة الإغراء لا تضمر إذ هي عوض عن الفعل فلو حذفها لزم حذف العوض والمعوض عنه وهو إجحاف وأجيب بأن هذا رأى البصريين وأما الكسائي وأتباعه فيجيزون ذلك وجملة ) لا تبديل لخلق الله ( تعليل لما قبلها من الأمر بلزوم الفطرة أي هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لها من جهة الخالق سبحانه وقيل هو نفى معناه النهي أي لا تبدلوا خلق الله قال مجاهد وإبراهيم النخعي معناه لا تبديل لدين الله قال قتادة وابن جبير والضحاك وابن زيد هذا في المعتقدات وقال عكرمة إن المعنى لا تغيير لخلق في البهائم بأن تخصى فحولها ) ذلك الدين القيم ( أي ذلك الدين المأمور بإقامة الوجه له هو الدين القيم أو لزوم الفطرة هو الدين القيم ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( ذلك حتى يفعلوه ويعملوا به
الروم : ( 31 ) منيبين إليه واتقوه . . . . .
) منيبين إليه ( أي راجعين إليه بالتوبة والإخلاص ومطيعين له في أوامره ونواهيه ومنه قول أبي قيس بن الأسلت فإن تابوا فإن بني سليم
وقومهم هوازن قد أنابوا
قال الجوهري أناب إلى الله أقبل وتاب وانتصابه على الحال من فاعل اقم قال المبرد لأن معنى أقم وجهك أقيموا وجوهكم قال الفراء المعنى فأقم وجهك ومن معك منيبين وكذا قال الزجاج وقال تقديره فأقم وجهك وأمتك فالحال من الجميع وجاز حذف المعطوف لدلالة منيبين عليه وقيل هو منصوب على القطع وقيل على أنه خبر لكان محذوفة أي وكونوا منيبين إليه لدلالة ولا تكونوا من المشركين على ذلك


"""""" صفحة رقم 225 """"""
ثم أمرهم سبحانه بالتقوى بعد أمرهم بالإنابة فقال واتقوه أي باجتناب معاصيه وهو معطوف على الفعل المقدر ناصبا لمنيبين ) وأقيموا الصلاة ( التي أمرتم بها ) ولا تكونوا من المشركين ( بالله
الروم : ( 32 ) من الذين فرقوا . . . . .
وقوله ) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ( هو يدل مما قبله بإعادة الجار والشيع الفرق أي لا تكونوا من الذين تفرقوا فرقا في الدين يشايع بعضهم بعضا من أهل البدع والأهواء وقيل المراد بالذين فرقوا دينهم شيعا اليهود والنصارى وقرأ حمزة والكسائي ? فارقوا دينهم ? ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب أي فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه وهو التوحيد وقد تقدم تفسير هذه الاية في اخر سورة الأنعام ) كل حزب بما لديهم فرحون ( أي كل فريق بما لديهم من الدين المبنى على غير الصواب مسرورون مبتهجون يظنون أنهم على الحق وليس بأيديهم منه شيء وقال الفراء يجوز أن يكون قوله ) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ( مستأنفا كما يجوز أن يكون متصلا بما قبله
الروم : ( 33 ) وإذا مس الناس . . . . .
) وإذا مس الناس ضر ( أي قحط وشدة ) دعوا ربهم ( أن يرفع ذلك عنهم واستغاثوا به ) منيبين إليه ( أي راجعين إليه ملتجئين به لا يعولون على غيره وقيل مقبلين عليه بكل قلوبهم ) ثم إذا أذاقهم منه رحمة ( بإجابة دعائهم ورفع تلك الشدائد عنهم ) إذا فريق منهم بربهم يشركون ( إذا هي الفجائية وقعت جواب الشرط لأنها كالفاء في إفادة التعقيب أي فاجأ فريق منهم الإشراك وهم الذين دعوه فخلصهم مما كانوا فيه وهذا الكلام مسوق للتعجيب من أحوالهم وما صاروا عليه من الاعتراف بوحدانية الله سبحانه عند نزول الشدائد والرجوع إلى الشرك عند رفع ذلك عنهم
الروم : ( 34 ) ليكفروا بما آتيناهم . . . . .
واللام في ) ليكفروا بما آتيناهم ( هي لام كي وقيل لام الأمر لقصد الوعيد والتهديد وقيل هي لام العاقبة ثم خاطب سبحانه هؤلاء الذين وقع منهم ما وقع فقال ) فتمتعوا فسوف تعلمون ( ما يتعقب هذا التمتع الزائل من العذاب الأليم قرأ الجمهور فتمتعوا على الخطاب وقرأ أبو العالية بالتحتية على البناء للمفعول وفي مصحف ابن مسعود فليتمتعوا
الروم : ( 35 ) أم أنزلنا عليهم . . . . .
) أم أنزلنا عليهم سلطانا ( أم هي المنقطعة والاستفهام للإنكار والسلطان الحجة الظاهرة ) فهو يتكلم ( أي يدل كما في قوله ) هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ( قال الفراء إن العرب تؤنث السلطان يقولون قضت به عليك السلطان فأما البصريون فالتذكير عندهم أفصح وبه جاء القران والتأنيث عندهم جائز لأنه بمعنى الحجة وقيل المراد بالسلطان هنا الملك ) بما كانوا به يشركون ( أي ينطق بإشراكهم بالله سبحانه ويجوز أن تكون الباء سببية أي بالأمر الذي بسببه يشركون
الروم : ( 36 ) وإذا أذقنا الناس . . . . .
) وإذا أذقنا الناس رحمة ( أي خصبا ونعمة وسعة وعاقبة ) فرحوا بها ( فرح بطر وأشر لا فرح شكر بها وابتهاج بوصولها إليهم قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ثم قال سبحانه ) وإن تصبهم سيئة ( شدة على أي صفة ) بما قدمت أيديهم ( أي بسبب ذنوبهم ) إذا هم يقنطون ( القنوط الإياس من الرحمة كذا قال الجمهور وقال الحسن القنوط ترك فرائض الله سبحانه قرأ الجمهور يقنطون بضم النون وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب بكسرها
الروم : ( 37 ) أو لم يروا . . . . .
) أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ( من عباده ويوسع له ) ويقدر ( أي يضيق على من يشاء لمصلحة في التوسيع لمن وسع له وفي التضييق على من ضيق عليه ) إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( فيستدلون على الحق لدلالتها على كمال القدرة وبديع الصنع وغريب الخلق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال كان يلبي أهل الشرك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك فأنزل الله ) هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء ( الاية وأخرج ابن جرير عنه في الاية قال هي في الالهة وفيه يقول تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) لا تبديل لخلق الله ( قال دين الله ) ذلك الدين القيم ( قال القضاء القيم وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن الأسود بن سريع أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعث


"""""" صفحة رقم 226 """"""
سرية إلى خيبر فقاتلوا المشركين فانتهى القتل إلى الذرية فلما جاءوا قال النبي صلى الله عليه واله وسلم ما حملكم على قتل الذرية قالوا يا رسول الله إنما كانوا أولاد المشركين قال وهل خياركم إلا أولاد المشركين والذي نفسي بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها وأخرج أحمد من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يعبر عنه لسانه فإذا عبر عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا رواه أحمد عن الربيع بن أنس عن الحسن عن جابر وقال الإمام أحمد في المسند حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام حدثنا قتادة عن مطرف عن عياض بن حماد أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خطب يوما فقال في خطبته حاكيا عن الله سبحانه وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أئتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم الحديث
سورة الروم ( 38 46 )
الروم : ( 38 ) فآت ذا القربى . . . . .
لما بين سبحانه كيفية التعظيم لأمر الله أشار إلى ما ينبغي من مواساة القرابة وأهل الحاجات ممن بسط الله له في رزقه فقال ) فآت ذا القربى حقه ( والخطاب للنبي صلى الله عليه واله وسلم وأمته أسوته أو لكل مكلف له مال وسع الله به عليه وقدم الإحسان إلى القرابة لأن خير الصدقة ما كان على قريب فهو صدقة مضاعفة وصلة رحم مرغب فيها والمراد الإحسان إليهم بالصدقة والصلة والبر ) والمسكين وابن السبيل ( أي وات المسكين وابن السبيل حقهما الذي يستحقانه ووجه تخصيص الأصناف الثلاثة بالذكر أنهم أولى من سائر الأصناف بالإحسان ولكون ذلك واجبا لهم على كل من له مال فاضل عن كفايته وكفاية من يعول


"""""" صفحة رقم 227 """"""
وقد اختلف في هذه الاية هل هي محكمة أو منسوخة فقيل هي منسوخة بآية المواريث وقيل محكمة وللقريب في مال قريبه الغني حق واجب وبه قال مجاهد وقتادة قال مجاهد لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاج قال مقاتل حق المسكين أن يتصدق عليه وحق ابن السبيل الضيافة وقيل المراد بالقربى قرابة النبي صلى الله عليه واله وسلم قال القرطبي والأول أصح فإن حقهم مبين في كتاب الله عز وجل في قوله ) فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ( وقال الحسن إن الأمر في إيتاء ذي القربى للندب ) ذلك خير للذين يريدون وجه الله ( أي ذلك الإيتاء أفضل من الإمساك لمن يريد التقرب إلى الله سبحانه ) وأولئك هم المفلحون ( أي الفائزون بمطلوبهم حيث أنفقوا لوجه الله امتثالا لأمره
الروم : ( 39 ) وما آتيتم من . . . . .
) وما آتيتم من ربا ( قرأ الجمهور ) آتيتم ( بالمد بمعنى أعطيتم وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير بالقصر بمعنى ما فعلتم وأجمعوا على القراءة بالمد في قوله ) وما آتيتم من زكاة ( وأصل الربى الزيادة وقراءة القصر تئول إلى قراءة المد لأن معناها ما فعلتم على وجه الإعطاء كما تقول أتيت خطأ وأتيت صوابا والمعنى في الآية ما أعطيتم من زيادة خالية عن العوض ) ليربو في أموال الناس ( أي ليزيد ويزكوا في أموالهم ) فلا يربو عند الله ( أي لا يبارك الله فيه قال السدى الربا في هذا الموضع الهداية يهديها الرجل لأخيه يطلب المكافأة لأن ذلك لا يربو عند الله لا يؤجر عليه صاحبه ولا إثم عليه وهكذا قال قتادة والضحاك قال الواحدي وهذا قول جماعة المفسرين قال الزجاج يعني دفع الإنسان الشيء ليعوض أكثر منه وذلك ليس بحرام ولكنه لا ثواب فيه لأن الذي يهبه يستدعي به ما هو أكثر منه وقال الشعبي معنى الاية أن ما خدم به الإنسان أحدا لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجزى به الخدمة لا يربو عند الله وقيل هذا كان حراما على النبي صلى الله عليه واله وسلم على الخصوص لقوله سبحانه ) ولا تمنن تستكثر ( ومعناها أن تعطى فتأخذ أكثر منه عوضا عنه وقيل إن هذه الآية نزلت في هبة الثواب قال ابن عطية وما يجري مجراه مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه قال عكرمة الربا ربوان فربا حلال وربا حرام فأما الربا الحلال فهو الذي يهدى يلتمس ما هو أفضل منه يعني كما في هذه الاية وقيل إن هذا الذي في هذه الآية هو الربا المحرم فمعنى لا يربو عند الله على هذا القول لا يحكم به بل هو للمأخوذ منه
قال المهلب اختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب بها الثواب فقال مالك ينظر فيه فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله ذلك مثل هبة الفقير للغني وهبة الخادم للمخدوم وهبة الرجل لأميره وهو أحد قولى الشافعي وقال أبو حنيفة لا يكون له ثواب إذا لم يشترط وهو قول الشافعي الاخر قرأ الجمهور ليربو بالتحتية على أن الفعل مسند إلى ضمير الربا وقرأ نافع ويعقوب بالفوقية مضمومة خطابا للجماعة بمعنى لتكونوا ذوي زيادات وقرأ أبو مالك لتربوها ومعنى الآية أنه لا يزكو عند الله ولا يثيب عليه لأنه لا يقبل إلا ما أريد به وجهه خالصا له ) وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله ( أي وما أعطيتم من صدقة لا تطلبون بها المكافأة وإنما تقصدون بها ما عند الله ) فأولئك هم المضعفون ( المضعف دون الأضعاف من الحسنات الذين يعطون بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الفراء هو نحو قولهم مسمن ومعطش ومضعف إذا كانت له إبل سمان أو عطاش أو ضعيفة وقرأ أبى المضعفون بفتح العين اسم مفعول
الروم : ( 40 ) الله الذي خلقكم . . . . .
) الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ( عاد سبحانه إلى الاحتجاج على المشركين وأنه الخالق الرازق المميت المحيى ثم قال على جهة الاستفهام ) هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ( ومعلوم أنهم يقولون ليس فيهم من يفعل شيئا من ذلك فتقوم عليهم الحجة ثم نزه سبحانه نفسه فقال ) سبحانه وتعالى عما


"""""" صفحة رقم 228 """"""
يشركون ( أي نزهوه تنزيها وهو متعال عن أن يجوز عليه شيء من ذلك وقوله من شركائكم خبر مقدم ومن للتبعيض والمبتدأ هو الموصول أعني من يفعل ومن ذلكم متعلق بمحذوف لأنه حال من شيء المذكور بعده ومن في من شيء مزيدة للتوكيد وأضاف الشركاء إليهم لأنهم كانوا يسمونهم الهة ويجعلون لهم نصيبا من أموالهم
الروم : ( 41 ) ظهر الفساد في . . . . .
) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ( بين سبحانه أن الشرك والمعاصى سبب لظهور الفساد في العالم
واختلف في معنى ظهور الفساد المذكور فقيل هو القحط وعدم النبات ونقصان الرزق وكثرة الخوف ونحو ذلك وقال مجاهد وعكرمة فساد البر قتل ابن ادم أخاه يعني قتل قابيل لهابيل وفي البحر الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا
وليت شعري أي دليل دلهما على هذا التخصيص البعيد والتعيين الغريب فإن الآية نزلت على محمد صلى الله عليه واله وسلم والتعريف في الفساد يدل على الجنس فيعم كل فساد واقع في حيزى البر والبحر وقال السدى الفساد الشرك وهو أعظم الفساد ويمكن أن يقال إن الشرك وإن كان الفرد الكامل في أنواع المعاصى ولكن لا دليل على أنه المراد بخصوصه وقيل الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش وقيل الفساد قطع السبل والظلم وقيل غير ذلك مما هو تخصيص لا دليل عليه والظاهر من الآية ظهور ما يصح إطلاق اسم الفساد عليه سواء كان راجعا إلى افعال بني ادم من معاصيهم واقترافهم السيئات وتقاطعهم وتظالمهم وتقاتلهم أو راجعا إلى ما هو من جهة الله سبحانه بسبب ذنوبهم كالقحط وكثرة الخوف والموتان ونقصان الزرائع ونقصان الثمار والبر والبحر هما المعروفان المشهوران وقيل البر الفيافي والبحر القرى التي على ماء قاله عكرمة والعرب تسمى الأمصار البحار قال مجاهد البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر والبحر ما كان على شط نهر والأول أولى ويكون معنى البر مدن البر ومعنى البحر مدن البحر وما يتصل بالمدن من مزارعها ومراعيها والباء في بما كسبت للسببية وما إما موصولة أو مصدرية ) ليذيقهم بعض الذي عملوا ( اللام متعلقة بظهر وهي لام العلة أي ليذيقهم عقاب بعض عملهم أو جزاء بعض عملهم ) لعلهم يرجعون ( عما هم فيه من المعاصى ويتوبون إلى الله
الروم : ( 42 ) قل سيروا في . . . . .
) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل ( لما بين سبحانه ظهور الفساد بما كسبت أيدي المشركين والعصاة بين لهم ضلال أمثالهم من أهل الزمن الأول وأمرهم بأن يسيروا لينظروا اثارهم ويشاهدوا كيف كانت عاقبتهم فإن منازلهم خاوية وأراضيهم مقفرة موحشة كعاد وثمود ونحوهم من طوائف الكفار وجملة ) كان أكثرهم مشركين ( مستأنفة لبيان الحالة التي كانوا عليها وإيضاح السبب الذي صارت عاقبتهم به إلى ما صارت إليه
الروم : ( 43 ) فأقم وجهك للدين . . . . .
) فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له ( هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمته أسوته فيه كأن المعنى إذا قد ظهر الفساد بالسبب المتقدم فأقم وجهك يا محمد الخ قال الزجاج اجعل جهتك اتباع الدين القيم وهو الإسلام المستقيم ) من قبل أن يأتي يوم ( يعني يوم القيامة لا مرد له لا يقدر أحد على رده والمرد مصدر رد وقيل المعنى أوضح الحق وبالغ في الأعذار و من الله يتعلق بيأتي أو بمحذوف يدل عليه المصدر أي لا يرده من الله أحد وقيل يجوز أن يكون المعنى لا يرده الله لتعلق إرادته القديمة بمجيئه وفيه من الضعف وسوء الأدب مع الله مالا يخفى ) يومئذ يصدعون ( أصله يتصدعون والتصدع التفرق يقال تصدع القوم إذا تفرقوا ومنه قول الشاعر وكنا كندمانى جذيمة برهة
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا


"""""" صفحة رقم 229 """"""
والمراد بتفرقهم ها هنا أن أهل الجنة يصيرون إلى الجنة وأهل النار يصيرون إلى النار
الروم : ( 44 ) من كفر فعليه . . . . .
) من كفر فعليه كفره ( أي جزاء كفره وهو النار ) ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ( أي يوطئون لأنفسهم منازل في الجنة بالعمل الصالح والمهاد الفراش وقد مهدت الفراش مهدا إذا بسطته ووطأته فجعل الأعمال الصالحة التي هي سبب لدخول الجنة كبناء المنازل في الجنة وفرشها وقيل المعنى فعلى أنفسهم يشفقون من قولهم في المشفق أم فرشت فأنامت وتقديم الظرف في الموضعين للدلالة على الاختصاص وقال مجاهد فلأنفسهم يمهدون في القبر
الروم : ( 45 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . .
واللام في ليجزى الذين آمنوا متعلقة بيصدعون أو يمهدون أي يتفرقون ليجزى الله المؤمنين بما يستحقونه من فضله أو يمهدون لأنفسهم بالأعمال الصالحة ليجزيهم وقيل يتعلق بمحذوف قال ابن عطية تقديره ذلك ليجزى وتكون الإشارة إلى ما تقدم من قوله من عمل ومن كفر وجعل أبو حيان قسيم قوله ) الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( محذوفا لدلالة قوله ) إنه لا يحب الكافرين ( عليه لأنه كناية عن بغضه لهم الموجب لغضبه سبحانه وغضبه يستتبع عقوبته
الروم : ( 46 ) ومن آياته أن . . . . .
) ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات ( أي ومن دلالات بديع قدرته إرسال الرياح مبشرات بالمطر لأنها تتقدمه كما في قوله سبحانه بشرا بين يدي رحمته قرأ الجمهور الرياح وقرأ الأعمش الريح بالإفراد على قصد الجنس لأجل قوله مبشرات واللام في قوله وليذيقكم من رحمته متعلقة بيرسل أي يرسل الرياح مبشرات ويرسلها ليذيقكم من رحمته يعني الغيث والخصب وقيل هو متعلق بمحذوف أي وليذيقكم أرسلها وقيل الواو مزيدة على رأى من يجوز ذلك فتتعلق اللام بيرسل ) ولتجري الفلك بأمره ( معطوف على ليذيقكم من رحمته أي يرسل الرياح لتجرى الفلك في البحر عند هبوبها ولما أسند الجرى إلى الفلك عقبه بقوله بأمره ) ولتبتغوا من فضله ( أي تبتغوا الرزق بالتجارة التي تحملها السفن ) ولعلكم تشكرون ( هذه النعم فتفردون الله بالعبادة وتستكثرون من الطاعة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وما آتيتم من ربا ( الآية قال الربا ربوان ربا لا بأس به وربا لا يصلح فأما الربا الذي لا بأس به فهدية الرجل إلى الرجل يريد فضلها وأضعافها وأخرج البيهقي عنه قال هذا هو الربا الحلال أن يهدى يريد أكثر منه وليس له أجر ولا وزر ونهى النبي صلى الله عليه واله وسلم خاصة فقال ) ولا تمنن تستكثر ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا ) وما آتيتم من زكاة ( قال هي الصدقة وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) ظهر الفساد في البر والبحر ( قال البر البرية التي ليس عندها نهر والبحر ما كان من المدائن والقرى على شط نهر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في الاية قال نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا وأخرج ابن المنذر عنه أيضا ) لعلهم يرجعون ( قال من الذنوب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ) يصدعون ( قال يتفرقون
سورة الروم ( 47 - 48 )


"""""" صفحة رقم 230 """"""
الروم : ( 47 ) ولقد أرسلنا من . . . . .
قوله ) ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم ( كما أرسلناك إلى قومك ) فجاؤوهم بالبينات ( أي بالمعجزات والحجج النيرات فانتقمنا منهم أي فكفروا ) فانتقمنا من الذين أجرموا ( أي فعلوا الإجرام وهي الآثام ) وكان حقا علينا نصر المؤمنين ( هذا إخبار من الله سبحانه بأن نصره لعباده المؤمنين حق عليه وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد وفيه تشريف للمؤمنين ومزيد تكرمة لعباده الصالحين ووقف بعض القراء على حقا وجعل اسم كان ضميرا فيها وخبرها حقا أي وكان الانتقام حقا قال ابن عطية وهذا ضعيف والصحيح أن نصر المؤمنين اسمها وحقا خبرها وعلينا متعلق بحقا أو بمحذوف هو صفة له
الروم : ( 48 ) الله الذي يرسل . . . . .
) الله الذي يرسل الرياح ( قرأ حمزة والكسائي وابن كثير وابن محيصن يرسل الريح بالإفراد وقرأ الباقون الرياح قال أبو عمرو كل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع وما كان بمعنى العذاب فهو موحد وهذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان ما سبق من أحوال الرياح فتكون على هذا جملة ولقد أرسلنا إلى قوله وكان حقا علينا نصر المؤمنين معترضة فتثير سحابا أي تزعجه من حيث هو فيبسطه في السماء كيف يشاء تارة سائرا وتارة واقفا وتارة مطبقا وتارة غير مطبق وتارة إلى مسافة بعيدة وتارة إلى مسافة قريبة وقد تقدم تفسير هذه الاية في سورة البقرة وفي سورة النور ) ويجعله كسفا ( تارة أخرى أو يجعله بعد بسطه قطعا متفرقه والكسف جمع كسفة والكسفة القطعة من السحاب وقد تقدم تفسيره واختلاف


"""""" صفحة رقم 231 """"""
القراءة فيه ) فترى الودق يخرج من خلاله ( الودق المطر ومن خلاله من وسطه وقرأ أبو العالية والضحاك يخرج من خلله ) فإذا أصاب به ( أي بالمطر ) من يشاء من عباده ( أي بلادهم وأرضهم ) إذا هم يستبشرون ( إذا هي الفجائية أي فاجئوا الاستبشار بمجىء المطر والاستبشار الفرح
الروم : ( 49 ) وإن كانوا من . . . . .
) وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم ( أي من قبل أن ينزل عليهم المطر وإن هي المخففة وفيها ضمير شأن مقدر هو اسمها أي وإن الشأن كانوا من قبل أن ينزل عليهم وقوله ) من قبله ( تكرير للتأكيد قاله الأخفش وأكثر النحويين كما حكاه عنهم النحاس وقال قطرب إن الضمير في قبله راجع إلى المطر أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر وقيل المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع والمطر وقيل من قبل أن ينزل عليهم من قبل السحاب أي من قبل رؤيته واختار هذا النحاس وقيل الضمير عائد إلى الكسف وقيل إلى الإرسال وقيل إلى الاستبشار والراجح الوجه الأول وما بعده من هذه الوجوه كلها ففي غاية التكلف والتعسف وخبر كان لمبلسين أي ايسين أو بائسين وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا
الروم : ( 50 ) فانظر إلى آثار . . . . .
) فانظر إلى آثار رحمة الله ( الناشئة عن إنزال المطر من النبات والثمار والزرائع التي بها يكون الخصب ورخاء العيش أي انظر نظر اعتبار واستبصار لتستدل بذلك على توحيد الله وتفرده بهذا الصنع العجيب قرأ الجمهور أثر بالتوحيد وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي اثار بالجمع ) كيف يحيي الأرض بعد موتها ( فاعل الإحياء ضمير يعود إلى الله سبحانه وقيل ضمير يعود إلى الأثر وهذه الجملة في محل نصب بانظر أي انظر إلى كيفية هذا الإحياء البديع للأرض وقرأ الجحدري وأبو حيوة تحيى بالفوقية على أن فاعله ضمير يعود إلى الرحمة أو إلى الاثار على قراءة من قرأ بالجمع والإشارة بقوله إن ذلك إلى الله سبحانه أي إن الله العظيم الشأن المخترع لهذه الأشياء المذكورة لمحيى الموتى أي لقادر على إحيائهم في الاخرة وبعثهم ومجازاتهم كما أحيا الأرض الميتة بالمطر ) وهو على كل شيء قدير ( أي عظيم القدرة كثيرها
الروم : ( 51 ) ولئن أرسلنا ريحا . . . . .
) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ( الضمير في فرأوه يرجع إلى الزرع والنبات الذي كان من أثر رحمة الله أي فرأوه مصفرا من البرد الناشىء عن الريح التي أرسلها الله بعد اخضراره وقيل راجع إلى الريح وهو يجوز تذكيره وتأنيثه وقيل راجع إلى الأثر المدلول عليه بالاثار وقيل راجع إلى السحاب لأنه إذا كان مصفرا لم يمطر والأول أولى واللام هي الموطئة وجواب القسم ) لظلوا من بعده يكفرون ( وهو يسد مسد جواب الشرط والمعنى ولئن أرسلنا ريحا حارة أو باردة فضربت زرعهم بالصفار لظلوا من بعد ذلك يكفرون بالله ويجحدون نعمه وفي هذا دليل على سرعة تقلبهم وعدم صبرهم وضعف قلوبهم وليس كذا حال أهل الإيمان
الروم : ( 52 ) فإنك لا تسمع . . . . .
ثم شبههم بالموتى وبالصم فقال ) فإنك لا تسمع الموتى ( إذا دعوتهم فكذا هؤلاء لعدم فهمهم للحقائق ومعرفتهم للصواب ) ولا تسمع الصم الدعاء ( إذا دعوتهم إلى الحق ووعظتهم بمواعظ الله وذكرتهم الاخرة وما فيها وقوله ) إذا ولوا مدبرين ( بيان لإعراضهم عن الحق بعد بيان كونهم كالأموات وكونهم صم الاذان قد تقدم نفسير هذا في سورة النمل
الروم : ( 53 ) وما أنت بهادي . . . . .
ثم وصفهم بالعمى فقال ) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ( لفقدهم للانتفاع بالأبصار كما ينبغي أو لفقدهم للبصائر ) إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا ( أي ما تسمع إلا هؤلاء لكونهم أهل التفكر والتدبر والاستدلال بالآثار على المؤثر ) فهم مسلمون ( أي منقادون للحق متبعون له
الروم : ( 54 ) الله الذي خلقكم . . . . .
) الله الذي خلقكم من ضعف ( ذكر سبحانه استدلالا اخر على كمال قدرته وهو خلق الإنسان نفسه على أطوار مختلفة ومعنى من ضعف من نطفة قال الواحدي قال المفسرون من نطفة والمعنى من ذي ضعف وقيل المراد حال الطفولية والصغر ) ثم جعل من بعد ضعف قوة ( وهي قوة الشباب فإنه إذ ذاك تستحكم القوة وتشتد الخلقة إلى بلوغ النهاية


"""""" صفحة رقم 232 """"""
) ثم جعل من بعد قوة ضعفا ( أي عند الكبر والهرم ) وشيبة ( الشيبة هي تمام الضعف ونهاية الكبر قرأ الجمهور ضعف بضم الضاد في هذه المواضع وقرأ عاصم وحمزة بفتحها وقرأ الجحدري بالفتح في الأولين والضم في الثالث قال الفراء الضم لغة قريش والفتح لغة تميم قال الجوهري الضعف والضعف خلاف القوة وقيل هو بالفتح في الرأي وبالضم في الجسم ) يخلق ما يشاء ( يعني من جميع الأشياء ومن جملتها القوة والضعف في بني ادم ) وهو العليم ( بتدبيره ) القدير ( على خلق ما يريده وأجاز الكوفيون من ضعف بفتح الضاد والعين
الروم : ( 55 ) ويوم تقوم الساعة . . . . .
) ويوم تقوم الساعة ( أي القيامة وسميت ساعة لأنها تقوم في اخر ساعة من ساعات الدنيا ) يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ( أي يحلفون ما لبثوا في الدنيا أو في قبورهم غير ساعة فيمكن أن يكونوا استقلوا مدة لبثهم واستقر ذلك في أذهانهم فحلفوا عليه وهم يظنون أن حلفهم مطابق للواقع وقال ابن قتيبة إنهم كذبوا في هذا الوقت كما كانوا يكذبون من قبل وهذا هو الظاهر لأنهم إن أرادوا لبثهم في الدنيا فقد علم كل واحد منهم مقداره وإن أرادوا لبثهم في القبور فقد حلفوا على جهالة إن كانوا لا يعرفون الأوقات في البرزخ ) كذلك كانوا يؤفكون ( يقال أفك الرجل إذا صرف عن الصدق فالمعنى مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون وقيل المراد يصرفون عن الحق وقيل عن الخير والأول أولى وهو دليل على أن حلفهم كذب
الروم : ( 56 ) وقال الذين أوتوا . . . . .
) وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ( اختلف في تعيين هؤلاء الذين أتوا العلم فقيل الملائكة وقيل الأنبياء وقيل علماء الأمم وقيل مؤمنو هذه الأمة ولا مانع من الحمل على الجميع ومعنى في كتاب الله في علمه وقضائه قال الزجاج في علم الله المثبت في اللوح المحفوظ قال الواحدي والمفسرون حملوا هذا على التقديم والتأخير على تقدير وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله وكان رد الذين أوتوا العلم عليهم باليمين للتأكيد أو للمقابلة لليمين باليمين ثم نبهوهم على طريقة التبكيت بأن هذا الوقت الذي صاروا فيه هو ) يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون ( أنه حق بل كنتم تستعجلونه تكذيبا واستهزاء
الروم : ( 57 ) فيومئذ لا ينفع . . . . .
) فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ( أي لا ينفعهم الاعتذار يومئذ ولا يفيدهم علمهم بالقيامة وقيل لما رد عليهم المؤمنون سألوا الرجوع إلى الدنيا واعتذروا فلم يعذروا قرأ الجمهور لا تنفع بالفوقية وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتحتية ولا هم يستعتبون يقال استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني وذلك إذا كنت جانيا عليه وحقيقة أعتبته أزلت عتبه والمعنى أنهم لا يدعون إلى إزالة عتبهم من التوبة والطاعة كما دعوا إلى ذلك في الدنيا
الروم : ( 58 ) ولقد ضربنا للناس . . . . .
) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ( أي من كل مثل من الأمثال التي تدلهم على توحيد الله وصدق رسله واحتججنا عليهم بكل حجة تدل على بطلان الشرك ) ولئن جئتهم بآية ( من آيات القران الناطقة بذلك أو لئن جئتهم باية كالعصا واليد ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون أي ما أنت يا محمد وأصحابك إلا مبطلون أصحاب أباطيل تتبعون السحر وما هو مشاكل له في البطلان
الروم : ( 59 ) كذلك يطبع الله . . . . .
) كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ( أي مثل ذلك الطبع يطبع الله على قلوب الفاقدين للعلم النافع الذي يهتدون به إلى الحق وينجون به من الباطل
الروم : ( 60 ) فاصبر إن وعد . . . . .
ثم أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه واله وسلم بالصبر معللا لذلك بحقية وعد الله وعدم الخلف فيه فقال فاصبر على ما تسمعه منهم من الأذى وتنظره من الأفعال الكفرية فإن الله قد وعدك بالنصر عليهم وإعلاء حجتك وإظهار دعوتك ووعده حق لا خلف فيه ) ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ( أي لا يحملنك على الخفة ويستفزنك عن دينك وما أنت عليه الذين لا يوقنون بالله ولا يصدقون أنبياءه ولا يؤمنون بكتبه والخطاب للنبي صلى الله عليه واله وسلم يقال استخف فلان فلانا أي استجهله حتى حمله على اتباعه في الغى قرأ الجمهور يستخفنك بالخاء المعجمة والفاء وقرأ يعقوب وابن أبي إسحاق بحاء مهملة وقاف من الاستحقاق والنهي في الاية من باب لا أرينك هاهنا


"""""" صفحة رقم 233 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ما من مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله ن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا ) وكان حقا علينا نصر المؤمنين ( وهو من طريق شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عنه في قوله ) ويجعله كسفا ( قال قطعا بعضها فوق بعض ) فترى الودق ( قال المطر ) يخرج من خلاله ( قال من بينه وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية ) إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء ( في دعاء النبي صلى الله عليه واله وسلم لأهل بدر والإسناد ضعيف والمشهور في الصحيحين وغيرهما أن عائشة استدلت بهذه الاية على رد رواية من روى من الصحابة أن النبي صلى الله عليه واله وسلم نادى أهل قليب بدر وهو من الاستدلال بالعام على رد الخاص فقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما قيل له إنك تنادى أجسادا بالية ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وفي مسلم من حديث أنس أن عمر بن الخطاب لما سمع النبي صلى الله عليه واله وسلم يناديهم فقال يا رسول الله تناديهم بعد ثلاث وهل يسمعون يقول الله إنك لا تسمع الموتى فقال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا
ع31
تفسير
سورة لقمان
آياتها أربع وثلاثون آية
حول السورة
وهي مكية إلا ثلاث آيات وهي قوله ) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( إلى تمام الايات الثلاث قاله ابن عباس فيما أخرجه النحاس عنه وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه أنها مكية ولم يستثن وحكى القرطبي عن قتادة أنها مكية إلا ايتين وأخرج النسائي وابن ماجه عن البراء قال كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه واله وسلم الظهر نسمع منه الاية بعد الاية من سورة لقمان والذاريات بسم الله الرحمن الرحيم
سورة لقمان ( 1 11 )


"""""" صفحة رقم 234 """"""
لقمان : ( 1 ) الم
قوله ) الم )
لقمان : ( 2 ) تلك آيات الكتاب . . . . .
(تلك آيات الكتاب ( قد تقدم الكلام على أمثال فاتحة هذه السورة ومحلها من الإعراب مستوفى فلا نعيده وبيان مرجع الإشارة أيضا و الحكيم إما أن يكون بمعنى مفعل أو بمعنى فاعل أو بمعنى ذي الحكمة أو الحكيم قائلة
لقمان : ( 3 ) هدى ورحمة للمحسنين
و ) هدى ورحمة ( منصوبان على الحال على قراءة الجمهور قال الزجاج المعنى تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة وقرأ حمزه ورحمة بالرفع على أنهما خبر مبتدأ محذوف أي هو هدى ورحمة ويجوز أن يكونا خبر تلك والمحسن العامل للحسنات أو من يعبد الله كأنه يراه كما ثبت عنه صلى الله عليه واله وسلم في الصحيح لما سأله جبريل عن الاحسان فقال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
لقمان : ( 4 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
ثم بين عمل المحسنين فقال ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ( والموصول في محل جر على الوصف للمحسنين أو في محل رفع أو نصب على المدح أو القطع وخص هذه العبادات الثلاث لأنها عمدة العبادات
لقمان : ( 5 ) أولئك على هدى . . . . .
) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( قد تقدم تفسير هذا في أوائل سورة البقرة والمعنى هنا أن أولك المتصفين بالإحسان وفعل تلك الطاعات التي هي أمهات العبادات هم على طريقة الهدى وهم الفائزون بمطالبهم الظافرون بخيرى الدارين
لقمان : ( 6 ) ومن الناس من . . . . .
) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ( محل ومن الناس الرفع على الابتداء كما تقدم بيانه في سورة البقرة وخبره من يشتري لهو الحديث ومن إما موصولة أو موصوفة ولهو الحديث كل ما يلهى عن الخير من الغناء والملاهى والأحاديث المكذوبة وكل ما هو منكر والاضافة بيانية وقيل المراد شراء القينات المغنيات والمغنين فيكون التقدير ومن يشتري أهل لهو الحديث قال الحسن لهو الحديث المعازف والغناء وروى عنه أنه قال هو الكفر والشرك قال القرطبي أن أولى ما قيل في هذا الباب هو تفسير لهو الحديث بالغناء قال وهو قول الصحابة والتابعين واللام في ) ليضل عن سبيل الله ( للتعليل قرأ الجمهور بضم الياء من ليضل أي ليضل غيره عن طريق الهدى ومنهج الحق وإذا أضل غيره فقد ضل في نفسه وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وحميد وورش وابن أبي إسحاق بفتح الياء أي ليضل هو في نفسه قال الزجاج من قرأ بضم الياء فمعناه ليضل غيره فإذا أضل غيره فقد ضل هو ومن قرأ بفتح الياء فمعناه ليصير أمره إلى الضلال وهو وإن لم يكن يشتري للضلالة فإنه يصير أمره إلى ذلك فأفاد هذا التعليل أنه إنما يستحق الذم من اشترى لهو الحديث لهذا المقصد ويؤيد هذا سبب الآية وسيأتي قال الطبري قد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبد الله العنبري قال القاضي أبو بكر بن العربي يجوز للرجل أن يسمع غناء جاريته إذ ليس شيء منها عليه حرام لا من ظاهرها ولا من باطنها فكيف يمنع من التلذذ بصوتها
قلت قد جمعت رسالة مشتملة على أقوال أهل العلم في الغناء وما استدل به المحللون له والمحرمون له وحققت هذا المقام بما لا يحتاج من نظر فيها وتدبر معانيها إلى النظر في غيرها وسميتها إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع فمن أحب تحقيق المقام كما ينبغي فليرجع إليها


"""""" صفحة رقم 235 """"""
ومحل قوله بغير علم النصب على الحال أي حال كونه غير عالم بحال ما يشتريه أو بحال ما ينفع من التجارة وما يضر فلهذا استبدل بالخير ما هو شر محض ويتخذها هزوا قرأ الجمهور برفع يتخذها عطفا على يشتري فهو من جملة الصلة وقيل الرفع على الاستئناف والضمير المنصوب في يتخذها يعود إلى الايات المتقدم ذكرها والأول أولى وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويتخذها بالنصب عطفا على يضل والضمير المنصوب راجع إلى السبيل فتكون على هذه القراءة من جملة التعليل للتحريم والمعنى أن يشتري لهو الحديث للإضلال عن سبيل الله واتخاذ السبيل هزوا أي مهزوءا به والسبيل يذكر ويؤنث والإشارة بقوله ) أولئك لهم عذاب مهين ( إلى من والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد في الفعلين باعتبار لفظها والعذاب المهين هو الشديد الذي يصير به من وقع عليه مهينا
لقمان : ( 7 ) وإذا تتلى عليه . . . . .
) وإذا تتلى عليه آياتنا ( أي وإذا تتلى آيات القران على هذا المستهزىء ) ولى مستكبرا ( أي أعرض عنها حال كونه مبالغا في التكبر وجمله ) كأن لم يسمعها ( في محل نصب على الحال أي كأن ذلك المعرض المستكبر لم يسمعها مع أنه قد سمعها ولكن أشبهت حاله حال من لم يسمع وجملة ) كأن في أذنيه وقرا ( حال ثانية أو بدل من التي قبلها أو حال من ضمير يسمعها ويجوز أن تكون مستأنفة والوقر الثقل وقد تقدم بيانه وفيه مبالغة في إعراض ذلك المعرض ) فبشره بعذاب أليم ( أي أخبره بأن له العذاب البليغ في الألم
لقمان : ( 8 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ثم لما بين سبحانه حال من يعرض عن الايات بين حال من يقبل عليها فقال ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( أي امنوا بالله وباياته ولم يعرضوا عنها بل قبلوها وعملوا بها ) لهم جنات النعيم ( أي نعيم الجنات فعكسه للمبالغة جعل لهم جنات النعيم كما جعل للفريق الأول العذاب المهين
لقمان : ( 9 ) خالدين فيها وعد . . . . .
وانتصاب ) خالدين فيها ( على الحال وقرأ زيد بن علي خالدون فيها على أنه خبر ثان لأن ) وعد الله حقا ( هما مصدران الأول مؤكد لنفسه أي وعد الله وعدا والثاني مؤكدة لغيره وهو مضمون الجملة الأولى وتقديره حق ذلك حقا والمعنى أن وعده كائن لا محالة ولا خلف فيه ) وهو العزيز ( الذي لا يغلبه غالب الحكيم في كل أفعاله وأقواله
لقمان : ( 10 ) خلق السماوات بغير . . . . .
ثم بين سبحانه عزته وحكمته بقوله ) خلق السماوات بغير عمد ترونها ( العمد جمع عماد وقد تقدم الكلام فيه في سورة الرعد وترونها في محل جر صفة لعمد فيمكن أن تكون ثم عمد ولكن لا ترى ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال أي ولا عمد ألبته قال النحاس وسمعت علي بن سليمان يقول الأولى أن يكون مستأنفا أي ولا عمد ثم ) وألقى في الأرض رواسي ( أي جبالا ثوابت ) أن تميد بكم ( في محل نصب على العلة أي كراهة أن تميد بكم والكوفيون يقدرونه لئلا تميد والمعنى أنها خلقها وجعلها مستقرة ثابتة لا تتحرك بجبال جعلها عليها وأرساها على ظهرها ) وبث فيها من كل دابة ( أي من كل نوع من أنواع الدواب وقد تقدم بيان معنى البث ) وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ( أي أنزلنا من السماء مطرا فأنبتنا فيها بسبب إنزاله من كل زوج أي من كل صنف ووصفه بكونه كريما لحسن لونه وكثرة منافعه وقيل إن المراد بذلك الناس فالكريم منهم من يصير إلى الجنة واللئيم من يصير إلى النار قاله الشعبي وغيره والأول أولى
لقمان : ( 11 ) هذا خلق الله . . . . .
والإشارة بقوله هذا إلى ما ذكر في خلق السموات والأرض وهو مبتدأ وخبره خلق الله أي مخلوقه فأروني ماذا خلق الذين من دونه من الهتكم التي تعبدونها والاستفهام للتقريع والتوبيخ والمعنى فأروني أي شيء خلقوا مما يحاكى خلق الله أو يقاربه وهذا الأمر لهم لقصد التعجيز والتبكيت ثم أضرب عن تبكيتهم بما ذكر إلى الحكم عليهم بالضلال الظاهر فقال ) بل الظالمون في ضلال ( فقرر ظلمهم أولا وضلالهم ثانيا ووصف ضلالهم بالوضوح والظهور ومن كان هكذا فلا يعقل الحجة ولا يهتدي إلى الحق


"""""" صفحة رقم 236 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ( يعني باطل الحديث وهو النضر بن الحارث بن علقمة اشترى أحاديث الأعاجم وصنيعهم في دهرهم وكان يكتب الكتب من الحيرة إلى الشام ويكذب بالقران وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عنه في الاية قال باطل الحديث وهو الغناء ونجوه ) ليضل عن سبيل الله ( قال قراءة القران وذكر الله نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في السنن عنه أيضا في الاية قال هو الغناء وأشباهه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه أيضا في الاية قال الجوارى الضاريات وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي الصهباء قال سألت عبد الله بن مسعود عن قوله ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ( قال هو والله الغناء ولفظ ابن جرير هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الاية ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ( الاية وفي إسناده عبيد بن زحر عن علي بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن وفيهم ضعف وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهى وابن مردويه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع إليها ثم قرأ ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ( وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في السنن عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الغناء ينبت النفاق كما ينبت الماء البقل وروياه عنه موقوفا وأخرج ابن أبي الدنيا وابن مردويه عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله ليه واله وسلم قال ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله إليه شياطين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك وفي الباب أحاديث في كل حديث منها مقال وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن مسعود في قوله ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ( قال الرجل يشتري جارية تغنيه ليلا ونهارا وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول في قوله ) ومن الناس من يشتري لهو الحديث ( إنما ذلك شراء الرجل اللعب والباطل وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن نافع قال كنت أسير مع عبد الله بن عمر في طريق فسمع زمارة فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول يا نافع أتسمع قلت لا فأخرج أصبعيه من أذنيه وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صنع وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال إنما نهيت عن صوتين أحمقين فأجرين صوت عند نغمة لهو ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان
سورة لقمان ( 12 19 )


"""""" صفحة رقم 237 """"""
لقمان : ( 12 ) ولقد آتينا لقمان . . . . .
ختلف في لقمان هل هو عجمي أم عربي مشتق من اللقم فمن قال إنه عجمي منعه للتعريف والعجمة ومن قال إنه عربي منعه للتعريف ولزيادة الألف والنون واختلفوا أيضا هو نبي أم رجل صالح فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه ليس بنبي وحكى الواحدي عن عكرمة والسدي والشعبي أنه كان نبيا والأول أرجح لما سيأتي في اخر البحث وقيل لم يقل بنبوته إلا عكرمة فقط مع أن الراوي لذلك عنه جابر الجعفي وهو ضعيف جدا وهو لقمان بن باعورا ابن ناحور بن تارخ وهو آزر أبو إبراهيم وقيل هو لقمان بن عنقا بن مروان وكان توبيا من أهل أيله ذكره السهيلي قال وهب هو ابن أخت أيوب وقال مقاتل هو ابن خالته عاش ألف سنة وأخذ عنه العلم وكان يفتي قبل مبعث داود فلما بعث داود قطع الفتوى فقيل له فقال ألا أكتفى إذ كفيت قال الواقدي كان قاضيا في بني إسرائيل والحكمة التي اتاه الله هي الفقه والعقل والإصابة في القول وفسر الحكمة من قال بنبوته بالنبوة ) أن اشكر لي ( أن هي المفسرة لأن في إيتاء الحكمة معنى القول وقيل التقدير قلنا له أن اشكر لي وقال الزجاج المعنى ولقد اتينا لقمان الحكمة لأن اشكر لي وقيل بأن اشكر لي فشكر فكان حكيما بشكره والشكر لله الثناء عليه في مقابلة النعمة وطاعته فيما أمر به ثم بين سبحانه أن الشكر لا ينتفع به إلا الشاكر فقال ) ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ( لأن نفع ذلك راجع إليه وفائدته حاصلة له إذ به تستبقى النعمة وبسببه يستجلب المزيد لها من الله سبحانه ) ومن كفر فإن الله غني حميد ( أي من جعل كفر النعم مكان شكرها فإن الله غنى عن شكره غير محتاج إليه حميد مستحق للحمد من خلقه لإنعامه عليهم بنعمه التي لا يحاط بقدرها ولا يحصر عددها وإن لم يحمده أحد من خلقه فإن كل موجود ناطق بحمده بلسان الحال قال يحيى بن سلام غنى عن خلقه حميد في فعله
لقمان : ( 13 ) وإذ قال لقمان . . . . .
) وإذ قال لقمان لابنه ( قال السهيلي اسم ابنه ثاران في قول ابن جرير والقتيبي وقال الكلبي مشكم وقال النقاش أنعم وقيل ماتان قال القشيري كان ابنه وامرأته كافرين فما زال يعظها حتى أسلما وهذه الجملة معطوفة على ما تقدم والتقدير اتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكرا في نفسه وحين جعلناه واعظا لغيره قال الزجاج إذ في موضع نصب باتينا والمعنى ولقد اتينا لقمان الحكمة إذ قال قال النحاس وأحسبه غلطا لأن في الكلام واوا وهي تمنع من ذلك ومعنى وهو يعظه


"""""" صفحة رقم 238 """"""
يخاطبه بالمواعظ التي ترغبه في التوحيد وتصده عن الشرك ) يا بني لا تشرك بالله ( قرأ الجمهور بكسر الياء وقرأ ابن كثير بإسكانها وقرأ حفص بفتحها ونهيه عن الشرك يدل على أنه كان كافرا كما تقدم وجملة إن الشرك لظلم عظيم تعليل لما قبلها وبدأ في وعظه بنهيه عن الشرك لأنه أهم من غيره
وقد اختلف في هذه الجملة فقيل هي من كلام لقمان وقيل هي من كلام الله فتكون منقطعة عما قبلها ويويد هذا ما ثبت في الحديث الصحيح إنها لما نزلت ولم يلبسوا إيمانهم بظلم شق ذلك على الصحابة وقالوا أينا لم يظلم نفسه فأنزل الله ) إن الشرك لظلم عظيم ( فطابت أنفسهم
لقمان : ( 14 ) ووصينا الإنسان بوالديه . . . . .
) ووصينا الإنسان بوالديه ( هذه الوصية بالوالدين وما بعدها إلى قوله ) بما كنتم تعملون ( اعتراض بين كلام لقمان لقصد التأكيد لما فيها من النهي عن الشرك بالله وتفسير التوصية هي قوله ) أن اشكر لي ولوالديك ( وما بينهما اعتراض بين المفسر والمفسر وفي جعل الشكر لهما مقترنا بالشكر لله دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد وأكبرها وأشدها وجوبا ومعنى ) حملته أمه وهنا على وهن ( أنها حملته في بطنها وهي تزداد كل يوم ضعفا على ضعف وقيل المعنى إن المرأة ضعيفة الخلقة ثم يضعفها الحمل وانتصاب على المصدر وقال النحاس على أنه مفعول ثان بإسقاط الحرف أي حملته بضعف على ضعف وقال الزجاج المعنى لزمها بحملها إياه أن تضعف مرة بعد مرة وقيل انتصابه على الحال من أمه و على وهن صفة لوهنا أي وهنا كائنا على وهن قرأ الجمهور بسكون الهاء في الموضعين وقرأ عيسى الثقفي وهي رواية عن أبي عمرو بفتحهما وهما لغتان قال قعنب هل للعواذل من ناه فيزجرها
إن العواذل فيها الأين والوهن
) وفصاله في عامين ( الفصال الفطام وهو أن يفصل الولد عن الأم وهو مبتدأ وخبره الظرف وقرأ الجحدي وقتادة وأبو رجاء والحسن ويعقوب وفصله وهما لغتان يقال انفصل عن كذا أي تميز وبه سمى الفصيل وقد قدمنا أن أمه في قوله ) أن اشكر لي ولوالديك ( هي المفسرة وقال الزجاج هي مصدرية والمعنى بأن اشكر لي قال النحاس وأجود منه أن تكون أن مفسرة وجملة إلى المصير تعليل لوجوب امتثال الأمر أي الرجوع إلى لا إلى غيري
لقمان : ( 15 ) وإن جاهداك على . . . . .
) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم ( أي مالا علم لك بشركته ) فلا تطعهما ( في ذلك وقد قدمنا تفسير الاية وسبب نزولها في سورة العنكبوت وانتصاب معروفا على أنه صفة لمصدر محذوف أي وصاحبهما صحابا معروفا وقيل هو منصوب بنزع الخافض والتقدير بمعروف ) واتبع سبيل من أناب إلي ( أي اتبع سبيل من رجع إلى من عبادي الصالحين بالتوبة والإخلاص ) ثم إلي مرجعكم ( جميعا لا إلى غيري ) فأنبئكم ( أي أخبركم عند رجوعكم ) بما كنتم تعملون ( من خير وشر فأجازى كل عامل بعمله وقد قيل إن هذا السياق من قوله ) ووصينا الإنسان ( إلى هنا من كلام لقمان فلا يكون اعتراضا وفيه بعد
لقمان : ( 16 ) يا بني إنها . . . . .
ثم شرع سبحانه في حكاية بقية كلام لقمان في وعظه لابنه فقال ) يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ( الضمير في إنها عائد إلى الخطيئة لما روى أن ابن لقمان قال لأبيه يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد هل يعلمها الله فقال إنها أي الخطيئة والجملة الشرطية مفسرة للضمير أي إن الخطيئة إن تك مثقال حبة من خردل قال الزجاج التقدير أن التي سألتني عنها إن تك مثقال حبة من خردل وعبر بالخردلة لأنها أصغر الحبوب ولا يدرك بالحس ثقلها ولا ترجح ميزانا وقيل إن الضمير في إنها راجع إلى الخصلة من الاساءة والإحسان أي إن الخصلة من الإساءة والإحسان إن تك مثقال حبة الخ ثم زاد في بيان خفاء الحبة مع خفتها فقال فتكن في صخرة فإن كونها في الصخرة قد صارت في أخفى مكان وأحرزه ) أو في السماوات أو في الأرض (


"""""" صفحة رقم 239 """"""
أي أو حيث كانت من بقاع السموات أو من بقاع الأرض ) يأت بها الله ( أي يحضرها ويحاسب فاعلها عليها ) إن الله لطيف ( لا تخفى عليه خافية بل يصل علمه إلى كل خفى ) خبير ( بكل شيء لا يغيب عنه شيء قرأ الجمهور إن تك بالفوقية على معنى إن تك الخطيئة أو المسئلة أو الخصلة أو القصة وقرءوا مثقال بالنصب على أنه خبر كان واسمها هو أحد تلك المقدرات وقرأ نافع برفع مثقال على انه اسم كان وهي تامة وأنت الفعل في هذه القراءة لإضافة مثقال إلى المؤنث وقرأ الجمهور فتكن بضم الكاف وقرأ الجحدي بكسرها وتشديد النون من الكن الذي هو الشي المغطى قال السدي هذه الصخرة هي صخرة ليست في السموات ولا في الأرض
لقمان : ( 17 ) يا بني أقم . . . . .
ثم حكى سبحانه عن لقمان أنه أمر ابنه بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصيبة ووجه تخصيص هذه الطاعات أنها أمهات العبادات وعماد الخير كله والإشارة بقوله ) إن ذلك ( إلى الطاعات المذكورة وخبر إن قوله ) من عزم الأمور ( أي مما جعله الله عزيمة وأوجبه على عباده وقيل المعنى من حق الأمور التي أمر الله بها والعزم يجوز أن يكون بمعنى المعزوم أي من معزومات الأمور أو بمعنى العازم كقوله فإذا عزم الأمر قال المبرد إن العين تبدل جاء فيقال عزم وحزم قال ابن جرير ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم أهل الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة وصوب هذا القرطبي
لقمان : ( 18 ) ولا تصعر خدك . . . . .
) ولا تصعر خدك للناس ( قرأ الجمهور تصعر وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم تصاعر والمعنى متقارب والصعر الميل يقال صعر خده وصاعر خده إذا أمال وجهه وأعرض تكبرا والمعنى لا تعرض عن الناس تكبرا عليهم ومنه قول الشاعر وكنا إذا الجبار صعر خده مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
ورواه ابن جرير هكذا
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
قال الهروى ) ولا تصعر خدك للناس ( أي لا تعرض عنهم تكبرا يقال أصاب البعير صعر إذا أصابه داء يلوي عنقه وقيل المعنى ولا تلو شدقك إذا ذكر الرجل عندك كأنك تحتقره وقال ابن حويز منداد كأنه نهى أن بذل الإنسان نفسه من غير حاجة ولعله فهم من التصعير التذلل ) ولا تمش في الأرض مرحا ( أي خيلاء وفرحا والمعنى النهي عن التكبر والتجبر والمختال يمرح في مشيه وهو مصدر في موضع الحال وقد تقدم تحقيقه وجمله ) إن الله لا يحب كل مختال فخور ( تعليل للنهى لأن الاختيال هو المرح والفخور هو الذي يفتخر على الناس بماله من المال أو الشرف أو القوة أو غير ذلك وليس منه التحدث بنعم الله فإن الله يقول وأما بنعمة ربك فحدث
لقمان : ( 19 ) واقصد في مشيك . . . . .
واقصد في مشيك أي توسط فيه والقصد ما بين الإسراع والبطء يقال قصد فلان في مشيته إذا مشى مستويا لا يدب ذبيب المتماوتين ولا يثب وثوب الشياطين وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان إذا مشى أسرع فلا بد أن يحمل القصد هنا على ما جاوز الحد في السرعة وقال مقاتل معناه لا تحتل في مشيتك وقال عطاء امش بالوقار والسكينة كقوله يمشون على الأرض هونا ) واغضض من صوتك ( أي انقص منه واخفضه ولا تتكلف رفعه فإن الجهر بأكثر من الحاجة يؤذي السامع وجملة ) إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ( تعليل للأمر بالغض من الصوت أي أوحشها وأقبحها قال قتادة أقبح الأصوات صوت الحمير أوله زفير واخره شهيق قال المبرد تأويله أن الجهر بالصوت ليس بمحمود وإنه


"""""" صفحة رقم 240 """"""
داخل في باب الصوت المنكر واللام في لصوت للتأكيد ووحد الصوت مع كونه مضافا إلى الجمع لأنه مصدر وهو يدل على الكثرة وهو مصدر صات يصوت صوتا فهو صائت
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أتدرون ما كان لقمان قالوا الله ورسوله أعلم قال كان حبشيا وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب المملوكين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان لقمان عبدا حبشيا نجارا وأخرج الطبراني وابن حبان في الضعفاء وابن عساكر عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اتخذوا السودان فإن ثلاثة منهم سادات أهل الجنة لقمان الحكيم والنجاشي وبلال المؤذن قال الطبراني أراد الحبشة وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في قوله ) ولقد آتينا لقمان الحكمة ( يعني العقل والفهم والفطنة في غير نبوة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة أنه كان نبيا وقد قدمنا أن الراوي عنه جابر الجعفي وهو ضعيف حدا وأخرج أحمد والحكيم والترمذي والحاكم في الكنى والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن البي صلى الله عليه واله وسلم قال إن لقمان الحكيم كان يقول إن الله إذا استودع شيئا حفظه وقد ذكر جماعة من أهل الحديث روايات عن جماعة من الصحابة والتابعين تتضمن كلمات من مواعظ لقمان وحكمه ولم يصح عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من ذلك شيء ولا ثبت إسناد صحيح إلى لقمان بشىء منها حتى نقبله وقد حكى الله سبحانه من مواعظه لابنه ما حكاه في هذا الوضع وفيه كفاية وما عدا ذلك مما لم يصح فليس في ذكره إلا شغلة للحيز وقطيعة للوقت ولم يكن نبيا حتى يكون ما نقل عنه من شرع من قبلنا ولا صح إسناد ما روى عنه من الكلمات حتى يكون ذكر ذلك من تدوين كلمات الحكمة التي هي ضالة المؤمن وأخرج أبو يعلى والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن أبي وقاص قال أنزلت في هذه الاية وإن جاهداك على أن تشرك بي وقد تقدم ذكر هذا وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال نزلت هذه الاية في سعد بن أبي وقاص وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وهنا على وهن ( قال شدة بعد شدة وخلقا بعد خلق وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سئل عن قوله ) ولا تصعر خدك للناس ( فقال لي الشدق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ولا تصعر خدك للناس قال لا تتكبر فتحتقر عباد الله وتعرض عنهم إذا كلموك وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الاية قال هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه كالمستكبر
سورة لقمان ( 20 28 )


"""""" صفحة رقم 241 """"""
لقمان : ( 20 ) ألم تروا أن . . . . .
لما فرغ سبحانه من قصة لقمان رجع إلى توبيخ المشركين وتبكيتهم وإقامة الحجج عليهم فقال ) ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ( قال الزجاج معنى تسخيرها للادميين الانتفاع بها انتهى فمن مخلوقات السموات المسخرة لبني ادم أي التي ينتفعون بها الشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك ومن جملة ذلك الملائكة فإنهم حفظة لبني ادم بأمر الله سبحانه ومن مخلوقات الأرض المسخرة لبني ادم الأحجار والتراب والزرع والشجر والثمر والحيوانات التي ينتفعون بها والشعب الذي يرعون فيه دوابهم وغير ذلك مما لا يحصى كثرة فالمراد بالتسخير جعل المسخر بحيث ينتفع به المسخر له سواء كان منقادا له وداخلا تحت تصرفه أم لا ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ( أي أتم وأكمل عليكم نعمه يقال سبغت النعمة إذا تمت وكملت قرأ الجمهور ? أسبغ ? بالسين وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة أصبغ بالصاد مكان السين والنعم جمع نعمة على قراءة نافع وأبي عمرو وحفص وقرأ الباقون نعمة بسكون العين على الإفراد والتنوين اسم جنس يراد به الجمع ويدل به على الكثرة كقوله ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( وهي قراءة ابن عباس والمراد بالنعم الظاهرة ما يدرك بالعقل أو الحس ويعرفه من يتعرفه وبالباطنة مالا يدرك للناس ويخفى عليهم وقيل الظاهرة الصحة وكمال الخلق والباطنة المعرفة والعقل وقيل الظاهرة ما يرى بالأبصار من المال والجاه والجمال وفعل الطاعات والباطنة ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وحسن اليقين وما يدفعه الله عن البعد من الافات وقيل الظاهرة نعم الدنيا والباطنة نعم الاخرة وقيل الظاهرة الإسلام والجمال والباطنة ما ستره الله على العبد من الأعمال السيئة ) ومن الناس من يجادل في الله ( أي في شأن الله سبحانه في توحيده وصفاته مكابرة وعنادا بعد ظهور الحق له وقيام الحجة عليه ولهذا قال ) بغير علم ( من عقل ولا نقل ) ولا هدى ( يهتدي به إلى طريق الصواب ) ولا كتاب منير ( أنزله الله سبحانه بل مجرد تعنت ومحض عناد وقد تقدم تفسير هذه الاية في سورة البقرة
لقمان : ( 21 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ( أي إذا قيل لهؤلاء المجادلين والجمع باعتبار معنى من اتبعوا ما أنزل الله على رسوله من الكتاب تمسكوا بمجرد التقليد البحت و ) قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ( فنعبد ما كانوا يعبدونه من الأصنام ونمشى في الطريق التي كانوا يمشون بها في دينهم ثم قال على طريق الاستفهام للاستبعاد والتبكيت ) أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ( أي يدعو اباءهم الذين اقتدوا بهم في دينهم أي يتبعونهم في الشرك ولو كان الشيطان يدعوهم فيما هم عليه من الشرك ويجوز أن يراد أنه يدعو هؤلاء الأتباع إلى عذاب السعير لأنه زين لهم اتباع ابائهم والتدين


"""""" صفحة رقم 242 """"""
بدينهم ويجوز أن يراد أنه يدعو جميع التابعين والمتبوعين إلى العذاب فدعاؤه للمتبوعين بتزيينه لهم الشرك ودعاؤه للتابعين بتزيينه لهم دين ابائهم وجواب لو محذوف أي يدعوهم فيتبعونهم ومحل الجملة النصب على الحال وما أقبح التقليد وأكثر ضرره على صاحبه وأوخم عاقبته وأشأم عائدته على من وقع فيه فإن الداعي له إلى ما أنزل الله على رسوله كمن يريد أن يذود الفراش عن لهب النار لئلا تحترق فتأبى ذلك وتتهافت في نار الحريق وعذاب السعير
لقمان : ( 22 ) ومن يسلم وجهه . . . . .
) ومن يسلم وجهه إلى الله ( أي يفوض إليه أمره ويخلص له عبادته ويقبل عليه بكليته وهو محسن في أعماله لأن العبادة من غير إحسان لها ولا معرفة بما يحتاج إليه فيها لا تقع بالموقع الذي تقع به عبادة المحسنين وقد صح عن الصادق المصدوق لما سأله جبريل عن الإحسان أنه قال له أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك فقد استمسك بالعروة الوثقى أي اعتصم بالعهد الأوثق وتعلق به وهو تمثيل لحال من أسلم وجهه إلى الله بحال من أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى حبل متدل منه ) وإلى الله عاقبة الأمور ( أي مصيرها إليه لا إلى غيره وقرأ على بن أبي طالب والسلمي وعبد الله بن مسلم بن يسار ومن يسلم بالتشديد قال النحاس والتخفيف في هذا أعرف كما قال عز وجل فقل أسلمت وجهي لله
لقمان : ( 23 ) ومن كفر فلا . . . . .
) ومن كفر فلا يحزنك كفره ( أى لا تحزن لذلك فإن كفره لا يضرك بين سبحانه حال الكافرين بعد فراغه من بيان حال المؤمنين ثم توعدهم بقوله ) إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا ( أي تخبرهم بقبائح أعمالهم ونجازيهم عليها ) إن الله عليم بذات الصدور ( أي بما تسره صدورهم لا تخفى عليه من ذلك خافية فالسر عنده كالعلانية
لقمان : ( 24 ) نمتعهم قليلا ثم . . . . .
) نمتعهم قليلا ( أي نبقيهم في الدنيا مدة قليلة يتمتعون بها فإن النعيم الزائل هو أقل قليل بالنسبة إلى النعيم الدائم وانتصاب قليلا على أنه صفة لمصدر محذوف أي تمتيعا قليلا ) ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ( أي نلجهئم إلى عذا النار فإنه لا أثقل منه على من وقع فيه وأصيب به فلهذا استعير له الغلظ
لقمان : ( 25 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( أي يعترفون بالله خالق ذلك لوضوح الأمر فيه عندهم وهذا اعتراف منهم بما يدل على التوحيد وبطلان الشرك ولهذا قال ) قل الحمد لله ( أي قل يا محمد الحمد لله على اعترافكم فكيف تعبدون غيره وتجعلونه شريكا له أو المعنى فقل الحمد لله على ما هدانا له من دينه ولا حد لغيرة ثم أضرب عن ذلك فقال ) بل أكثرهم لا يعلمون ( أي لا ينظرون ولا يتدبرون حتى يعلموا أن خالق هذه الأشياء هو الذي تجب له العبادة دون غيره
لقمان : ( 26 ) لله ما في . . . . .
) لله ما في السماوات والأرض ( ملكا وخلقا فلا يستحق العبادة غيره ) إن الله هو الغني ( عن غيره ) الحميد ( أي المستحق للحمد أو المحمود بن عباده بلسان المقال أو بلسان الحال
لقمان : ( 27 ) ولو أنما في . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه أن له ما في السموات والأرض أتبعه بما يدل على أن له وراء ذلك مالا يحيط به عدد ولا يحصر بحد فقال ) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ( أي لو أن جميع ما في الأرض من الشجر أقلام ووحد الشجرة لما تقرر في علم المعاني أن استغراق المفرد أشمل فكأنه قال كل شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر واحدة إلا وقد بريت أقلاما وجمع الأقلام لقصد التكثير أي لو أن يعد كل شجرة من الشجر أقلاما قال أبو حيان وهو من وقوع المفرد موقع الجمع والنكرة موقع المعرفة كقوله ) ما ننسخ من آية ( ثم قال سبحانه ) والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ( أي يمده من بعد نفاده سبعة أبحر قرأ الجمهور والبحر بالرفع على أنه مبتدأ ويمده خبره والجملة في محل الحال أي و الحال أن البحر المحيط مع سعته يمده السبعة الأبحر مدا لا ينقطع كذا قال سيبويه وقال المبرد إن البحر مرتفع بفعل مقدر تقديره ولو ثبت البحر حال كونه تمده من بعده سبعة أبحر وقيل هو مرتفع بالعطف على أن وما في حيزها وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق والبحر بالنصب عطفا على اسم أن أو بفعل مضمر يفسره يمده وقرأ ابن هرمز والحسن يمده بضم حرف المضارعة وكسر الميم من أمد وقرأ جعفر بن محمد والبحر مداده وجواب لو


"""""" صفحة رقم 243 """"""
) ما نفدت كلمات الله ( أى كلماته التى هى عبارة عن معلوماته قال أبو على الفارسى المراد بالكلمات والله أعلم مافى المقدور دون ماخرج منه إلى الوجود ووافقه القفال فقال المعنى أن الأشجار لو كانت أقلاما والبحار مداد فكتب بها عجائب صنع الله الدالة على قدرته ووحدانيته لم تنفذ تلك العجائب قال القشيرى رد القفال معنى الكلمات إلى المقدورات وحمل الآية على الكلام القديم أولى قال النحاس قد تبين أن الكمات هاهنا يراد بها العلم وحقائق الأشياء لأنه جل وعلا قبل أن يخلق الخلق ماهو خالق فى السموات والأرض من شىء وعلم مافيه من مثاقيل الذر وعلم الأجناس كلها وما فيها من شعرة وعضو وما فى الشجرة من ورقة وما فيها من ضروب الخلق وقيل إن قريشا قالت ما أكثر كلام محمد فنزلت قاله السدى وقيل إنها لما نزلت وما أوتيتم من العلم إلا قليلا فى اليهود قالوا كيف وقد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه فنزلت قال أبو عبيدة المراد بالبحر هنا الماء العذب الذى ينبت الأقلام وأما الماء المالح فلا ينبت الأقلام قلت ما أسقط هذا الكلام وأقل جدواه ) أن الله عزيز حكيم ( أى غالب لايعجزه شىء ولايخرج عن حكمته وعلمه فرد من أفراد مخلوقاته
لقمان : ( 28 ) ما خلقكم ولا . . . . .
) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ( أى إلا كخلق نفس واحدة وبعثها قال النحاس كذا قدره النحويون كخلق نفس مثل قوله ) واسأل القرية ( قال الزجاج أى قدرة الله على بعث الخلق كلهم وعلى خلقهم كقدرته على خلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة ) إن الله سميع ( لكل مايسمع ) بصير ( بكل مايبصر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البيهقى فى الشعب عن عطاء قال سألت ابن عباس عن قوله ) وأسبغ عليكم ( الآية قال هذه من كنوز علمى سألت عنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أما الظاهرة فما سوى من خلقك وأما الباطنة فما ستر من عورتك ولو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم وأخرج ابن مردويه والبيهقى فى الشعب والديلمى وابن النجار عنه قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله ) وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ( فقال أما الظاهرة فالإسلام وما سوى من خلقك وما أسبغ عليك من رزقه وأما الباطنة فما ستر من مساوى عملك وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال النعمة الظاهرة الإسلام والنعمة الباطنة كل يستر عليكم من الذنوب والعيوب والحدود وأخرج الفريابى وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا أنه قال فى تفسير الآية هى لا إله إلا الله وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) ولو أنما في الأرض ( الآية إن أحبار اليهود قالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يامحمد أرأيت قولك وما أوتيتم من العلم إلا قليلا إيانا تريد أم قومك فقال كلا فقالوا ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شىء فقال إنها فى علم الله قليل ) وأنزل الله ( ) ولو أنما في الأرض ( وأخرجه ابن مردويه عنه بأطول منه وأخرج ابن مردويه أيضا ابن مسعود نحوه
سورة لقمان 29 31


"""""" صفحة رقم 244 """"""
سورة لقمان ( 32 - 34 )
لقمان : ( 29 ) ألم تر أن . . . . .
الخطاب بقوله ) ألم تر ( لكل أحد يصلح لذلك أو للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ( أى يدخل كل واحد منهما فى الآخر وقد تقدم تفسيره فى سورة الحج والأنعام ) وسخر الشمس والقمر ( أى ذللهما وجعلهما منقادين بالطلوع والأفول تقديرا للآجال وتتميما للمنافع والجملة معطوفة على ماقبلها مع اختلافهما ) كل يجري إلى أجل مسمى ( اختلف فى الأجل المسمى ماذا هو فقيل هو يوم القيامة وقيل وقت الطلوع ووقت الأفول والأول أولى وجملة ) وأن الله بما تعملون خبير ( معطوفة على أن الله يولج أى خبير بما تعملون من الأعمال لا تخفى عليه منها خافية لأن من قدر على مثل هذه الأمور العظيمة فقدرته على العلم بما تعملون بالأولى قرأ الجمهور تعملون بالفوقية وقرأ السلمى ونصر بن عامر والدورى عن أبى عمر بالتحتية على الخبر
لقمان : ( 30 ) ذلك بأن الله . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم ذكره والباء فى ) بأن الله ( للسببية أى ذلك بسبب أنه سبحانه ) هو الحق ( وغيره الباطل أو متعلقة بمحذوف أى فعل ذلك ليعلموا أنه الحق ) وأن ما يدعون من دونه الباطل ( قال مجاهد الذى يدعون من دونه هو الشيطان وقيل ما أشركوا به من صنم أو غيره وهذا أولى ) وأن الله هو العلي الكبير ( معطوفة على جملة أن الله هو الحق والمعنى أن ذلك الصنع البديع الذى وصفه فى الآيات المتقدمة للاستدلال به على حقيقة الله وبطلان ماسواه وعلوه وكبريائه هو العلى فى مكانته ذو الكبرياء فى ربوبيته وسلطانه
لقمان : ( 31 ) ألم تر أن . . . . .
ثم ذكر من عجيب صنعه وبديع قدرته نوعا آخر فقال ) ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ( أى بلطفه بكم ورحمته لكم وذلك من أعظم نعمه عليكم لأنها تخلصكم من الغرق عند أسفاركم فى البحر لطلب الرزق وقرأ ابن هرمز بنعمات الله جمع نعمة ) ليريكم من آياته ( من للتبعيض أى ليريكم بعض آياته قال يحيى بن سلام وهو جرى السفن فى البحر بالريح وقال ابن شجرة المراد بقوله من آياته مايشاهدونه من قدرة الله وقال النقاش مايرزقهم الله فى البحر ) إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ( هذه الجملة تعليل لما قبلها أى أن فيما ذكر لآيات عظيمة لكل من له صبر بليغ وشكر كثير يصبر عن معاصى الله ويشكر نعمه
لقمان : ( 32 ) وإذا غشيهم موج . . . . .
) وإذا غشيهم موج كالظلل ( شبه الموج لكبره بما يظل الإنسان من جبل أو سحاب أو غيرهما وإنما شبه الموج وهو واحد بالظلل وهى جمع لأن الموت يأتى شيئا بعد شىء ويركب بعضه بعضا وقيل إن الموج فى معنى الجمع لأنه مصدر وأصل الحركة والازدحام ومنه يقال ماج البحر وماج الناس وقرأ محمد بن الحنفية موج كالظلال جمع ظل ) دعوا الله مخلصين له الدين ( أى دعوا الله وحده لايعولون على غيره فى خلاصهم لأنهم يعلمون أنه لايضر ولاينفع سواه ولكنه تغلب على طبائعهم العادات وتقليد الأموات فإذا


"""""" صفحة رقم 245 """"""
وقعوا فى مثل هذه الحالة اعترفوا بوحدانية الله وأخلصوا دينهم له طلبا للخلاص والسلامة مما وقعوا فيه ) فلما نجاهم إلى البر ( صاروا على قسمين فقسم ) مقتصد ( أى موف بما عاهد عليه الله فى البحر من إخلاص الدين له باق على ذلك بعد أن نجاة الله منن هول البحر وأخرجه إلى البر سالما قال الحسن معنى مقتصد مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة وقال مجاهد مقتصد فى القول مضمر للكفر والأولى ما ذكرناه ويكون فى الكلام حذف والتقدير فمنهم مقتصد ومنهم كافر ويدل على هذا المحذوف قوله ) وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ( الختر أسوأ الغدر وأقبحه ومنه قول الأعشى بالأبلق الفرد من تيماء منزله
حصن حصين وجار غير ختار
قال الجوهرى الختر الغدر يقال ختره فهو ختار قال الماوردى وهذا قول الجمهور وقال ابن عطية إنه الجاحد وجحد الآيات إنكارها والكفور عظيم الكفر بنعم الله سبحانه
لقمان : ( 33 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ( أى لايغنى الوالد عن والده شيئا ولاينفعه بوجه من وجوه النفع لاشتغاله بنفسه وقد تقدم بيان معناه فى البقرة ) ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ( ذكر سبحانه فردين من القرابات وهو الوالد والولد وهما الغاية فى الحنو والشفقة على بعضهم البعض فما عداهما من القرابات لايجزى بالأولى فكيف بالأجانب اللهم اجعلنا ممن لايرجو سوال ولايعول على غيرك ) إن وعد الله حق ( لايتخلف فما وعد به من الخير وأوعد به من الشر فهو كائن لامحالة ) فلا تغرنكم الحياة الدنيا ( وزخارفها فإنها زائلة ذاهبة ) ولا يغرنكم بالله الغرور ( قرأ الجمهور الغرور بفتح الغين المعجمة والغرور هو الشيطان لأن من شأنه أن يغر الخلق ويمنيهم بالأمانى الباطلة ويلهيهم عن الآخرة ويصدهم عن طريق الحق وقرأ سماك بن حرب وأبو حيوة وابن السميفع بضم الغين مصدر غر يغر غرورا ويجوز أن يكون مصدرا واقعا وصفا للشيطان على المبالغة
لقمان : ( 34 ) إن الله عنده . . . . .
) إن الله عنده علم الساعة ( أى علم وقتها الذى تقوم فيه قال الفراء إن معنى هذا الكلام النفى أى مايعلمه أحد إلا الله عز وجل قال النحاس وإنما صار فيه معنى النفى لما ورد عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال فى قوله ) وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ( إنما هذه ) وينزل الغيث ( فى الأوقات التى جعلها معينة لإنزاله ولايعلم ذلك غيره ) ويعلم ما في الأرحام ( من الذكور والإناث والصلاح والفساد ) وما تدري نفس ( من النفوس كائنة ما كانت من غير فرق بين الملائكة والأنبياء والجن والإنس ) ماذا تكسب غدا ( من كسب دين أو كسب دنيا ) وما تدري نفس بأي أرض تموت ( أى بأى مكان يقضى الله عليها بالموت قرأ الجمهور وينزل الغيث مشددا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائى مخففا وقرأ الجمهور بأى أرض وقرأ أبى بن كعب وموسى الأهوازى بأية وجوز ذلك الفراء وهى لغة ضعيفة قال الأخفش يجوز أن يقال مررت بجارية أي جارية قال الزجاج من ادعى أنه يعلم شيئا من هذه الخمس فقد كفر بالقرآن لأنه خالفه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) ختار ( قال جحاد وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) ولا يغرنكم بالله الغرور ( قال هو الشيطان وكذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة وأخرج الفريابى وابن جرير وابن أبى حاتم عن مجاهد قال جاء رجل من أهل البادية فقال إن امرأتى حبلى فأخبرنى ماتلد وبلادنا مجدبة فأخبرنى متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت فأخبرنى متى أموت فأنزل الله ) إن الله عنده علم الساعة ( الآية وأخرج ابن المنذر عن عكرمة نحوه وزاد وقد علمت ماكسبت اليوم فماذا أكسب غدا


"""""" صفحة رقم 246 """"""
وزاد أيضا أنه سأله عن قيام الساعة وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مفاتيح الغيب خمس لايعلمهن إلا الله لايعلم مافى غد إلا الله ولا متى تقوم الساعة إلا الله ولا ما فى الأرحام إلا الله ولا متى ينزل الغيث إلا الله وما تدرى نفس بأي أرض تموت إلا الله وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبى هريرة فى حديث سؤاله عن الساعة وجوابه بأشراطها ثم قال فى خمس لايعلمهن إلا الله ثم تلا هذه الآية وفى الباب أحاديث
ع32
تفسير
سورة السجدة
هى ثلاثون آية
حول السورة
وهى مكية كما رواه ابن الضريس وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس ورواه ابن مردويه عن ابن الزبير وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال هى مكية سوى ثلاث آيات ) أفمن كان مؤمنا ( إلى تمام الايات الثلاث وكذا قال الكلبى ومقاتل وقيل إلا خمس آيات من قوله ) تتجافى جنوبهم ( إلى قوله ) الذي كنتم به تكذبون ( وقد ثبت عند مسلم وأهل السنن من حديث أبى هريرة أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ فى صلاة الفجر يوم الجمعة بالم تنزيل السجدة ) هل أتى على الإنسان ( وأخرجه البخارى ومسلم وغيرهما من حديثه أيضا وأخرج أبو عبيد فى فضائله وأحمد وعبد بن حميد والدارمى والترمذى والنسائى والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر قال كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لاينام حتى يقرأ الم تنزيل السجدة وتبارك الذى بيده الملك وأخرج أبو نصر والطبرانى والبيهقى فى سننه عن ابن عباس يرفعه إلى رسورل الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من صلى أربع ركعات خلف العشاء الأخيرة قرأ فى الركعتين الأوليين ) قل يا أيها الكافرون ( و ) قل هو الله أحد ( وفي الركعتين الأخريين ) تبارك الذي بيده الملك ( و ) الم تنزيل ( السجدة كتبن له كأربع ركعات من ليلة القدر وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ تبارك الذى بيده الملك وآلم تنزيل السجدة بين المغرب والعشاء الآخرة فكأنما قام ليلة القدر وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ فى ليلة آلم تنزيل السجدة ويس واقتربت الساعة وتبارك الذى بيده الملك كن له نورا وحرزا من الشيطان ورفع فى الدرجات إلى يوم القيامة وأخرج ابن الضريس عن المسيب بن رافع أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال آلم تنزيل تجىء لها جناحات يوم القيامة تظل صاحبها وتقول لاسبيل عليه لاسبيل عليه
سورة السجدة 1 3


"""""" صفحة رقم 247 """"""
سورة السجدة ( 4 11 )
السجدة : ( 1 ) الم
قوله ) الم ( قد قدمنا الكلام على فاتحة هذه السورة وعلى محلها من الإعراب فى سورة البقرة وفى مواضع كثيرة من فواتح السور
السجدة : ( 2 ) تنزيل الكتاب لا . . . . .
وارتفاع بعد خبر على تقدير أن الم في محل رفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أو خبر ) تنزيل ( على أنه خبر لمبتدأ محذوف أو خبر لقوله آلم على تقدير أنه اسم للسورة ) لا ريب فيه ( فى محل نصب على الحال ويجوز أن يكون ارتفاع تنزيل على أنه مبتدأ وخبره لاريب فيه ومن رب العالمين فى محل نصب على الحال ويجوز أن تكون هذه كلها أخبار للمبتدأ المقدر قبل تنزيل أو لقوله آلم على تقدير أنه مبتدأ لا على تقدير أنه حروف مسرودة على نمط التعديد قال مكى وأحسن الوجوه أن تكون لاريب فيه فى موضع الحال و ) من رب العالمين ( الخبر والمعنى على هذه الوجوه أن تنزيل الكتاب المتلو لاريب فيه ولاشك وأنه منزل من رب العالمين وأنه ليس بكذب ولاسحر ولاكهانة ولا أساطير الأولين
السجدة : ( 3 ) أم يقولون افتراه . . . . .
و أم فى ) أم يقولون افتراه ( هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة أى بل أيقولون هو مفترى فأضرب عن الكلام الأول إلى ماهو معتقد الكفار مع الاستفهام المتضمن للتقريع والتوبيخ ومعنى افتراه افتعله واختلقه ثم أضرب عن معتقدهم إلى بيان ماهو الحق فى شأن الكتاب فقال ) بل هو الحق من ربك ( فكذبهم سبحانه فى دعوى الافتراء ثم بين العلة التى كان التنزيل لأجلها فقال ) لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك ( وهم العرب وكانوا أمة أمية لم يأتهم رسول وقيل قريش خاصة والمفعول الثانى لتنذر محذوف أى لتنذر محذوف أى لتنذر قوما العقاب وجملة ما أتاهم من نذير فى محل نصب على الحال ومن قبلك صفة لنذير وجوز أبو حيان أن تكون ما موصولة والتقدير لتنذر قوما العقاب الذى أتاهم من نذير من قبلك وهو ضعيف جدا فإن المراد تعليل الإنزال بالإنذار لقوم لم يأتهم نذير قبله لاتعليله بالإنذار لقوم قد أنذروا بما أنذرهم به وقيل المراد بالقوم أهل الفترة مابين عيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) لعلهم يهتدون ( رجاء أن يهتدوا أو كى يهتدوا
السجدة : ( 4 ) الله الذي خلق . . . . .
) الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ( قد تقدم تفسير هذه الآية فى سورة الزعراف والمراد من ذكرها هنا تعريفهم كمال قدرته وعظيم صنعته ليسمعوا القرآن ويتأملوه ومعنى خلق أوجد وأبدع قال الحسن الأيام هنا هى من أيام الدنيا وقيل مقدار اليوم ألف سنة من سنين الدنيا قاله الضحاك فعلى هذا المراد بالأيام هنا هي من أيام الاخرة لا من أيام الدنيا وليست ثم للترتيب فى قوله ) ثم استوى على العرش ( وقد تقدم تفسير هذا مستوفى ) ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع (


"""""" صفحة رقم 248 """"""
أى ليس لكم من دون الله أو من دون عذابه من ولى يواليكم ويرد عنكم عذابه ولاشفيع يشفع لكم عنده ) أفلا تتذكرون ( تذكر تدبر وتفكر وتسمعون هذه المواعظ سماع من يفهم ويعقل حتى تنتفعوا بها
السجدة : ( 5 ) يدبر الأمر من . . . . .
) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ( لما بين سبحانه خلق السموات والأرض وما بينهما بين تدبيره لأمرها أى يحكم الأمر بقضائه وقدره من السماء إلى الأرض والمعنى ينزل أمره من أعلا السموات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة كما قال سبحانه ) الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن ( ومسافة ما بين السماء الدنيا والأرض التى تحتها نزولا وطلوعا ألف سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن ومسافة مابين سماء الدنيا والأرض التى تحتها نزولا وطلوعا ألف سنة من أيام الدنيا وقيل المراد بالأمور به من الأعمال أى ينزله مدبرا من السماء إلي الأرض وقيل يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية من الملائكة وغيرها نازلة أحكامها وآثارها إلى الأرض وقيل ينزل الوحى مع جبريل وقيل العرش موضع التدبير كما أن مادون العرش موضع التفصيل كما فى قوله ) ثم استوى على العرش يدبر الأمر ( يفصل الآيات وما دون السموات موضع التصرف قال الله ولقد صرفناه بينهم ليذكروا ثم لما ذكر سبحانه تدبير الأمر قال ) ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ( أى ثم يرجع ذلك الأمر ويعود ذلك التدبير إليه سبحانه فى يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا وذلك باعتبار مسافة النزول من السماء والطلوع من الأرض كما قدمنا وقيل إن المراد أنه يعرج إليه فى يوم القيامة الذى مقداره ألف سنة من أيام الدنيا وذلك حين ينقطع أمر الدنيا ويموت من فيها وقيل هى أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع من يرسله إليها من الملائكة والمعنى أنه يثبت ذلك عنده ويكتب في صحف ملائكته ما عمله أهل الأرض فى كل وقت من الأوقات إلى أن تبلغ مدة الدنيا آخرها وقيل معنى يعرج إليه يثبت فى علمه موجودا بالفعل فى برهة من الزمان هى مقدار ألف سنة والمراد طول امتداد مابين تدبير الحوادث وحدوثها من الزمان وقيل يدبر أمر الحوادث اليومية باثباتها فى اللوح المحفوظ فتنزل بها الملائكة ثم يعرج إليه فى زمان هو كألف سنة من أيام الدنيا وقيل يقضى قضاء ألف سنة فتنزل به الملائكة ثم تعرج بعد الألف لألف آخر وقيل المراد أن الأعمال التى هى طاعات يدبرها الله سبحانه وينزل بها ملائكته ثم لايعرج إليها منها إلا الخالص بعد مدة متطاولة لقلة المخلصين من عباده وقيل الضمير فى يعرج يعود إلى الملك وإن لم يجر له ذكر لأنه مفهوم من السياق وقد جاء صريحا فى قوله ) تعرج الملائكة والروح إليه ( والضمير فى إليه يرجع إلى السماء على لغة من يذكرها أو إلى مكان الملك الذى يرجع إليه وهو الذى أقره الله فيه وقيل المعنى يدبر أمر الشمس فى طلوعها وغروبها ورجوعها إلى موضعها من الطلوع فى يوم كان مقداره فى المسافة ألف سنة وقيل المعنى أن الملك يعرج إلى الله فى يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة لأن مابين السماء والأرض مسافة خمسائة عام فمسافة النزول من السماء إلى الأرض والرجوع من الأرض إلى السماء ألف عام وقد رجح هذا جماعة من المفسرين منهم ابن جرير وقيل مسافة النزول ألف سنة ومسافة الطلوع ألف سنة روى ذلك عن الضحاك وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة وليس المراد به مسمى اليوم الذى هو مدة النهار بين ليلتين والعرب قد تعبر عن المدة باليوم كما قال الشاعر يومان يوم مقامات وأندية
ويوم سير إلى الأعداء تأدب
فإن الشاعر لم يرد يومين مخصوصين وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين فعبر عن كل واحد من الشطرين بيوم قرأ الجمهور يعرج على البناء للفاعل وقرأ ابن عبلة على البناء للمفعول والأصل يعرج به ثم حذف جرف الجار فاستر الضمير وقد استشكل جماعة الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه ) تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( فقيل فى الجواب إن يوم القيامة مقداره ألف سنة من أيام الدنيا ولكنه باعتبار


"""""" صفحة رقم 249 """"""
صعوبته وشدة أهواله على الكفار كخمسين ألف سنة والعرب تصف كثيرا يوم المكروه بالطول كما تصف يوم السرور بالقصر كما قال الشاعر ويوم كظل الرمح قصر طوله
دم الزق عنا واصطفاف المزاهر
وقول الآخر ويوم كإبهام القطاة قطعته
وقيل إن يوم القيامة فيه أيام فمنها مامقداره ألف سنة ومنها مامقداره خمسون سنة وقيل هى أوقات مختلفة يعذب الكافر بنوع من أنواع العذاب ألف سنة ثم ينقل إلى نوع آخر فيعذب به خمسين ألف سنة وقيل مواقف القيامة خمسون موقفا كل موقف ألف سنة فيكون معنى ) يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ( أنه يعرج إليه فى وقت من تلك الأوقات أو موقف من تلك المواقف وحكى الثعلبى عن مجاهد وقتادة والضحاك أنه أراد سبحانه فى قوله ) تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( المسافة من الأرض إلي سدرة المنتهى التى هى مقام جبريل والمراد أنه يسير جبريل ومن معه من الملائكة فى ذلك المقام إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة فى مقدار يوم واحد من أيام الدنيا وأراد بقوله ) في يوم كان مقداره ألف سنة ( المسافة التى بين الأرض وبين سماء الدنيا هبوطا وصعودا فإنها مقدار ألف سنة من أيام الدنيا وقيل إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر وذلك لأن من نفذ أمره غاية النفاذ فى يوم أو يومين وانقطع لايكون مثل من ينفذ أمره فى سنين متطاولة فقوله ) في يوم كان مقداره ألف سنة ( يعنى يدبر الأمر فى زمان يوم منه ألف سنة فكم يكون الشهر منه وكم تكون السنة منه وعلى هذا فلا فرق بين ألف سنة وبين خمسين ألف سنة وقيل غير ذلك وقد وقف حبر الأمة ابن عباس لما سئل عن الآيتين كما سيأتى فى آخر البحث إن شاء الله قرأ الجمهور ) مما تعدون ( بالفوقية على الخطاب وقرأ الحسن والسلمى وابن وثاب والأعمش بالتحتية على الغيبة
السجدة : ( 6 ) ذلك عالم الغيب . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الله سبحانه باعتبار اتصافه بتلك الأوصاف وهو مبتدأ وخبره ) عالم الغيب والشهادة ( أى العالم بما غاب عن الخلق وما حضرهم وفى هذا معنى التهديد لأنه سبحانه إذا علم بما يغيب وما يحضر فهو مجاز لكل عامل بعمله أو فهو يدبر الأمر بما تقتضيه حكمته ) العزيز ( القاهر الغالب ) الرحيم ( بعباده وهذه أخبار لذلك المبتدأ
السجدة : ( 7 ) الذي أحسن كل . . . . .
وكذلك قوله ) الذي أحسن كل شيء خلقه ( هو خبر آخر قرأ الجمهور خلقه بفتح اللام وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بإسكانها فعلى القراءة الأولى هو فعل ماض نعتا لشىء فهو في محل جر وقد اختاره قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم ويجوز أن تكون صفة للمضاف فيكون فى محل نصب وأما علي القراءة الثانية ففى نصبه أوجه الأول أن يكون بدلا من كل شىء بدل اشتمال والضمير عائد إلى كل شىء وهذا هو الوجه المشهور عند النحاة الثانى أنه بدل كل من كل والضمير راجع إلى الله سبحانه ومعنى أحسن حسن لأنه مامن شىء إلا وهو مخلوق على ماتقتضيه الحكمة فكل المخلوقات حسنة الثالث أن يكون كل شىء هو المفعول الأول وخلقه هو المفعول الثانى علي تضمين أحسن معنى أعطى والمعنى أعطى كل شىء خلقه الذى خصه به وقيل على تضمينه معنى ألهم قال الفراء ألهم خلقه كل شىء مما يحتاجون إليه الرابع أنه منصوب علي المصدر المؤكد لمضمون الجملة أى خلقه خلقا كقوله صنع الله وهذا قول سيبويه والضمير يعود إلى الله سبحانه والخامس أنه منصوب بنزع الخافض والمعنى أحسن كل شىء فى خلقه ومعنى الآية أنه أتقن وأحكم خلق مخلوقاته فبعض المخلوقات وإن لم تكن حسنة فى نفسها فهى متقنة محكمة فتكون هذه الآية معناها معنى ) أعطى كل شيء خلقه ( أى يخلق الإنسان على خلق البهيمة وخلق لا البهيمة على خلق الإنسان وقيل هو عموم فى اللفظ خصوص فى المعنى أى أحسن خلق كل شىء حسن ) وبدأ خلق الإنسان من طين (


"""""" صفحة رقم 250 """"""
يعنى آدم خلقه من طين فصار على صورة بديعة وشكل حسن
السجدة : ( 8 ) ثم جعل نسله . . . . .
) جعل نسله ( أى ذريته ) من سلالة ( سميت الذرية سلالة لأنها تسل من الأصل وتنفصل عنه وقد تقدم تفسيرها فى سورة المؤمنين ومعنى ) من ماء مهين ( من ماء ممتهن لاخطر له عند الناس وهو المنى وقال الزجاج من ماء ضعيف
السجدة : ( 9 ) ثم سواه ونفخ . . . . .
) ثم سواه ( أى الإنسان الذى بدأ خلقه من طين وهو آدم أو جميع النوع والمراد أنه عدل خلقه وسوى شكله وناسب بين أعضائه ) ونفخ فيه من روحه ( الإضافة للتشريف والتكريم وهذه الإضافة تقوى أن الكلام فى آدم لا فى ذريته وإن أمكن توجيهه بالنسبة إلى الجميع ثم خاطب جميع النوع فقال ) وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( أى خلق لكم هذه الأشياء تكميلا لنعمته عليكم وتتميما لتسويته لخلقكم حتى تجتمع لكم النعم فتسمعون كل مسموع وتبصرون كل مبصر وتتعلقون كل متعقل وتفهمون كا ما يفهم وأفرد السمع لكونه مصدرا يشمل القليل والكثير وخص السمع بذكر المصدر دون البصر والفؤاد فذكرهما بالاسم ولهذا جمعا لأن السمع قوة واحدة ولها محل واحد وهو الأذن ولا اختيار لها فيه فإن الصوت يصل إليها ولاتقدر على رده ولا على تخصيص السمع ببعض المسموعات دون بعض بخلاف الأبصار فمحلها العين وله فيه اختيار فإنها تتحرك إلى جانب المرئى دون غيره وتطبق أجفانها إذا لم ترد الرؤية لشىء وكذلك الفؤاد له نوع اختيار فى إدراكه فيتعقل هذا دون هذا ويفهم هذا دون هذا قرأ الجمهور وبدأ بالهمز والزهرى بألف خالصة بدون همز وانتصاب ) قليلا ما تشكرون ( على أنه صفة مصدر محذوف أى شكرا قليلا أو صفة زمان محذوف أى زمانا قليلا وفى هذا بيان لكفرهم لنعم الله وتركهم لشكرها إلا فيما ندر من الأحوال
السجدة : ( 10 ) وقالوا أئذا ضللنا . . . . .
) وقالوا أئذا ضللنا في الأرض ( قد تقدم اختلاف القراء فى هذه الهمزة وفي الأحوال التى بعدها والضلال الغيبوبة يقال ضل الميت فى التراب إذا غاب وبطل والعرب تقول للشىء إذا غلب عليه غيره حتى خفى أثره وقد ضل ومنه قول الأخطل كنت القذى فى موج أكدر مزبد
قذف الأتى بها فضل ضلالا
قال قطرب معنى ضللنا فى الأرض غبنا فى الأرض قرأ الجمهور ضللنا بفتح ضاد معجمة ولام مفتوحة بمعنى ذهبنا وضعنا وصرنا ترابا وغبنا عن الأعين وقرأ يحيى بن يعمر وابن محيصن وأبو رجاء ) ضللنا ( بكسر اللام وهى لغة العالية من نجد قال الجوهرى وأهل العالية يقولون ضللت بالكسر قال وأضله أى أضاعه وأهلكه يقال ضل الميت إذا دفن وقرأ على بن أبى طالب والحسن والأعمش وأبان بن سعيد صللنا بصاد معملة ولام مفتوحة أى أنتنا قال النحاس ولايعرف فى اللغة صللنا ولكن يقال صل اللحكم إذا أنتن قال الجوهرى صل اللحم يصل بالكسر صلولا إذا أنتن مطبوخا كان أو نيئا ومنه قول الحطيئة ذاك فتى يبذل ذا قدرة
لايفسد اللحم لديه الصلول
) أئنا لفي خلق جديد ( أى نبعث ونصير أحياء والاستفهام للاستنكار وهذا قول منكرى البعث من الكفار فأضرب الله سبحانه من بيان كفرهم بإنكار البعث إلى بيان ماهو أبلغ منه وهو كفرهم بلقاء الله فقال ) بل هم بلقاء ربهم كافرون ( أى جاحدون له مكابرة وعنادا فإن اعترافهم بأنه المبتدئ للخلق يستلزم اعترافهم بأنه قادر على الإعادة
السجدة : ( 11 ) قل يتوفاكم ملك . . . . .
ثم أمر سبحانه رسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يبين لهم الحق ويرد عليهم مازعموه من الباطل فقال ) قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ( يقال توفاه الله واستوفى روحه إذا قبضه إليه وملك الموت هو عزرائيل ومعنى وكل بكم وكل بقبض أرواحكم عند حضور آجالكم ) ثم إلى ربكم ترجعون ( أى تصيرون إليه أحياء بالبعث والنشور لا إلي غيره فيجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر


"""""" صفحة رقم 251 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) يدبر الأمر ( الآية قال هذا فى الدنيا تعرج الملائكة فى يوم مقداره ألف سنة وأخرج الفريابى وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عنه فى قوله ) في يوم كان مقداره ألف سنة ( من الأيام السنة التي خلق الله فيها السموات والأرض وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنبارى فى المصاحف والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبى ملكيه قال دخلت على عبد الله بن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان فقال له ابن فيروز يا أبا عباس قوله ) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ( فكأن ابن عباس اتهمه فقال ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال إنما سألتك لتخبرنى فقال ابن عباس هما يومان ذكرهما الله فى كتابه الله أعلم بهما وأكره أن أقول فى كتاب الله مالا أعلم فضرب الدهر من ضرباته حتى جلست إلي ابن المسيب فسأله عنهما إنسان فلم يخبره ولم يدر فقلت ألا أخبرك بما حضرت من ابن عباس قال بلى فأخبرته فقال للسائل هذا ابن عباس قد أبي أن يقول فيها وهو أعلم منى وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) كان مقداره ألف سنة ( قال لايتنصف النهار فى مقدار يوم من أيام الدنيا فى ذلك اليوم حتى يقضى بين العباد فينزل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ولو كان إلى غيره لم يفرغ فى خمسين ألف سنة وأخرج ابن جرير عنه أيضا فى قوله ) ثم يعرج إليه في يوم ( من أيامكم هذه ومسيرة مابين السماء والأرض خمسمائة عام وأخرج ابن أبى شيبة والحكيم الترمذى فى نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ ) الذي أحسن كل شيء خلقه ( قال أما رأيت القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا فى الاية أنه قال أما إن است القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها وقال ) خلقه ( صورته وقال ) أحسن كل شيء ( القبيح والحسن والعقارب والحيات وكل شىء مما خلق لا يحسن وغيره لايسحن شيئا من ذلك وأخرج الطبرانى عن أبي أمامة قال بينما تحق مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا لقينا عمرو بن زرارة الأنصارى فى حلة قد أسبل فأخذ النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بناحية ثوبه فقال يا رسول الله إنى أحمش الساقين فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا عمرو بن زرارة إن الله عز وجل قد أحسن كل شىء خلقه يا عمر بن زرارة إن الله لايحب المسبلين وأخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد قال أبصر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) رجلا قد أسبل إزاره فقال ارفع إزارك فقال يا رسول الله إنى أحنف تصطك ركبتاى فقال ارفع إزارك كل خلق الله حسن
سورة السجدة ( 12 15 )


"""""" صفحة رقم 252 """"""
سورة السجدة ( 16 - 22 )
السجدة : ( 12 ) ولو ترى إذ . . . . .
قوله ) ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ( المراد بالمجرمين هم القائلون أئذا ضللنا والخطاب هنا لكل من يصلح له أو لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويجوز أن يراد بالمجرمين كل مجرم ويدخل فيه أولئك القائلون دخولا أوليا ومعنى ) ناكسو رؤوسهم ( مطأمئوها حياء وندما على مافرط منهم فى الدنيا من الشرك بالله والعصيان له ومعنى عند ربهم عند محاسبته لهم قال الزجاج والمخاطبة للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) مخاطبة لأمته فالمعنى ولو ترى يا محمد منكرى البعث يوم القيامة لرأيت العجب ) ربنا أبصرنا وسمعنا ( أى يقولون ربنا أبصرنا الآن ماكنا نكذب به وسمعنا ماكنا ننكره وقيل أبصرنا صدق وعيدك وسمعنا تصديق رسلك فهؤلاء أبصروا حين لم ينفعهم البصر وسمعوا حين لم ينفعهم السمع ) فارجعنا ( إلي الدنيا ) نعمل ( عملا ) صالحا ( كما أمرتنا ) إنا موقنون ( أى مصدقون وقيل مصدق بالذى جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وصفوا أنفسهم بالإيقان الآن طمعا فيما طلبوه من إرجاعهم إلى الدنيا وأنى لهم ذلك فقد حقت عليهم كلمة الله فإنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون وقيل معنى ) إنا موقنون ( أنها قد زالت عنهم الشكوك التى كانت تخالطهم فى الدنيا لما رأوا ما رأوا وسمعوا ماسمعوا ويجوز أن يكون معنى ) أبصرنا وسمعنا ( صرنا ممن يسمع ويبصر فلا يحتاج إلى تقدير مفعول ويجوز أن يكون صالحا مفعولا لنعمل كما يجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف وجواب لو محذوف أى لرأيت أمر فظيعا وهولا هائلا
السجدة : ( 13 ) ولو شئنا لآتينا . . . . .
) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( هذا رد عليهم لما طلبوا الرجعة أى لو شئنا لآتينا كل نفس هداها فهدينا الناس جميعا فلم يكفر منهم أحد قال النحاس فى معنى هذا قولان أحدهما أنه فى الدنيا والآخر أنه فى الآخرة أى ولو شئنا لرددناهم إلى الدنيا ) ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( وجملة ولو شئنا مقدرة بقول معطوف على المقدر قبل قوله أبصرنا أى ونقول لو شئنا ومعنى ) ولكن حق القول مني ( أى نفذ قضائى وقدرى وسبقت كلمتى ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( هذا هو القول الذى وجب من الله وحق على عباده ونفذ فيه قضاؤه فكان مقتضى هذا القول أنه لايعطى كل نفس هداها وإنما قضى عليهم بهذا لأنه سبحانه قد أعلم أنهم من أهل الشقاوة وأنهم ممن يختار الضلالة على الهدى
السجدة : ( 14 ) فذوقوا بما نسيتم . . . . .
والفاء فى قوله ) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ( لترتيب الأمر بالذوق على ماقبله والباء فى بما نسيتم للسببية وفيه إشعار بأن تعذيبهم ليس لمجرد سبق القول المتقدم بل بذاك وهذا


"""""" صفحة رقم 253 """"""
واختلف في النسيان المذكور هنا فقيل هو النسيان الحقيقى وهو الذى يزول عنده الذكر وقيل هو الترك والمعنى على الأول أنهم لم يعلموا لذلك اليوم فكانوا كالناسين له الذين لايذكرونه وعلى الثانى لابد من تقدير مضاف قبل لقاد أى ذوقوا بسبب ترككم لما أمرتكم به عذاب لقاء يومكم هذا ورجح الثانى المبرد وأنشد كأنه خارج من جنب صفحته
سفود شرب نسوه عند مفتأد
أى تركوه وكذا قال الضحاك ويحيى بن سلام إن النسيان هنا بمعنى الترك قال يحيى بن سلام والمعنى بما تركتم الإيمان بالبعث فى هذا اليوم تركناكم من الخير وكذا قال السدى وقال مجاهد تركناكم فى العذاب وقال مقاتل إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة ذوقوا العذاب بما نسيتم واستعار الذوق للإحساس ومنه قول طفيل فذقوا كما فوذقوا غداة محجة
من الغيظ فى أكبادنا والتحوب
وقوله ) وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ( تكرير لقصد التأكيد أى ذوقوا العذاب الدائم الذى لاينقطع أبدا بما كنتم تعملونه فى الدنيا من الكفر والمعاصى قال الرازى فى تفسيره إن اسم الإشارة فى قوله ) بما نسيتم لقاء يومكم هذا ( يحتمل ثلاثة أوجه أن يكون إشارة إلي اللقاء وأن يكون إشارة إلى اليوم وأن يكون إشارة إلى العذاب
السجدة : ( 15 ) إنما يؤمن بآياتنا . . . . .
وجملة ) إنما يؤمن بآياتنا ( مستأنفة لبيان مايستحق الهداية إلى الإيمان ومن لايستحقها والمعنى إنما يصدق بأياتنا وينتفع بها ) الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ( لاغيرهم ممن يذكر بها أى يوعظ بها ولايتذكر ولايؤمن بها ومعنى خروا سجدا سقطوا علي وجوههم ساجدين تعظيما لآيات الله وخوفا من سطوته وعذابه ) وسبحوا بحمد ربهم ( أى نزهوه عن كل مالا يليق به ملتبسين بحمده علي نعمه التى أجلها وأكملها الهداية إلى الإيمان والمعنى قالوا في سجودهم سبحان الله وبحمده أو سبحان ربى الأعلى وبحمده وقال سفيان المعنى صلوا حمدا لربهم وجملة ) وهم لا يستكبرون ( فى محل نصب على الحال أى حال كونهم خاضعين لله متذللين له غير مستكبرين عليه
السجدة : ( 16 ) تتجافى جنوبهم عن . . . . .
) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( أى ترتفع وتنبو يقال جفى الشىء عن الشيء وتجافى عنه إذا لم يلزمه وبنا عنه والمضاجع جمع المضجع وهو الموضع الذى يضطجع فيه قال الزجاج والرمانى النجافى والتجافى إلى جهة فوق وكذلك هو فى الصفح عن المخطىء فى سب ونحوه والجنوب جمع جنب والجملة فى محل نصب علي الحال أى متجافية جنوبهم عن مضاجعهم وهم المتهجدون فى الليل الذين يقومون للصلاة عن الفراش وبه قال الحسن ومجاهد وعطاء والجمهور والمراد بالصلاة صلاة التنفل بالليل من غير تقييد وقال قتادة وعكرمة هو التنقل مابين المغرب والعشاء وقيل صلاة العشاء فقط وهو رواية عن الحسن وعطاء وقال الضحاك صلاة العشاء والصبح فى جماعة وقيل هم الذين يقومون لذكر الله سواء كان فى صلاة أو غيرها ) يدعون ربهم خوفا وطمعا ( هذه الجملة فى محل نصب علي الحال أيضا من الضمير الذى فى جنوبهم فهى حال بعد حال ويجوز أن تكون الجملة الأولى مستأنفة لبيان نوع من أنواع طاعاتهم والمعنى تتجافى جنوبهم حال كونهم داعين ربهم خوفا من عذابه وطمعا فى رحمته ) ومما رزقناهم ينفقون ( أى من الذى رزقناهم أو من رزقهم وذلك الصدقة الواجبة وقيل صدقة النفل والأولى الحمل علي العموم وانتصاب خوفا وطمعا على العلة ويجوز أن يكونا مصدرين منتصبين بمقدر
السجدة : ( 17 ) فلا تعلم نفس . . . . .
) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ( النكرة فى سياق النفى تفيد العموم أى لاتعلم نفس من النفوس أى نفس كانت ما أخفاه لله سبحانه لأولئك الذين تقدم ذكرهم مما تقر به أعينهم قرأ الجمهور قرة بالإفراد وقرأ ابن مسعود وأوبو هريرة وأبو الدرداء من قرات بالجمع وقرأ حمزة ما أخفى بسكون الياء على أنه فعل مضارع مسند إلى الله سبحانه وقرأ الباقون بفتحها فعلا ماضيا مبنيا للمفعول وقرأ ابن مسعود


"""""" صفحة رقم 254 """"""
) ما نخفي ( بالنون مضمومة وقرأ الأعمش يخفى بالتحتية مضمومة قال الزجاج فى معنى قراءة حمزة أى منه ما أخفى الله لهم وهى قراءة محمد بن كعب و ما فى موضع نصب ثم بين سبحانه أن ذلك بسبب أعمالهم الصالحة فقال ) جزاء بما كانوا يعملون ( أى لأجل الجزاء بما كانوا يعملونه فى الدنيا أو جوزوا جزاء بذلك
السجدة : ( 18 ) أفمن كان مؤمنا . . . . .
) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ( الاستفهام للإنكار أى ليس المؤمن كالفاسق فقد ظهر مابينهما من التفاوت ولهذا قال ) لا يستوون ( ففيه زيادة تصريف لما أفاده الإنكار الذي أفاده الاستفهام قال الزجاج جعل الاثنين جماعة حيث قال ) لا يستوون ( لأجل معنى من وقيل لكون الاثنين أقل الجمع وسيأتى بيان سبب نزولها آخر البحث
السجدة : ( 19 ) أما الذين آمنوا . . . . .
ثم بين سبحانه عاقبة حال الطائفتين وبدأ بالمؤمنين فقال ) أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى ( قرأ الجمهور جنات بالجمع وقرأ طلحة بن مصرف ) جنة المأوى ( بالإفراد والمأوى هو الذى يأوون إليه وأضاف الجنات إليه لكونه المأوى الحقيقى وقيل المأوى جنة من الجنات وقد تقدم الكلام على هذا ومعنى ) نزلا ( أنها معدة لهم عند نزولهم وهو فى الأصل مايعد للنازل من الطعام والشراب كما بيناه فى آل عمران وانتصابه على الحال وقرأ أبو حيوة نزلا بسكون الزاى والباء فى ) بما كانوا يعملون ( للسببيه أى بسبب ماكانوا يعملونه أو بسبب عملهم
السجدة : ( 20 ) وأما الذين فسقوا . . . . .
ثم ذكر الفريق الآخر فقال ) وأما الذين فسقوا ( أى خرجوا عن طاعة الله وتمردوا عليه وعلى رسله ) فمأواهم النار ( أى منزلهم الذى يصيرون إليه ويستقرون فيه هو النار ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ( أى إذا أرادوا الخروج منها ردوا إليها راغمين مكرهين وقيل إذ دفعهم اللهب إلى أعلاها ردوا إلى مواضعهم ) وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون ( والقائل لهم هذه المقالة هو خزنة جهنم من الملائكة أو القائل لهم هو الله عز وجل وفى هذا القول لهم كونهم قد صاروا فى النار من الإغاظة لهم مالا يخفى
السجدة : ( 21 ) ولنذيقنهم من العذاب . . . . .
) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ( وهو عذاب الدنيا قال الحسن وأبو العالية والضحاك والنخعى هو مصائب الدنيا وأسقامها وقيل الحدود وقيل القتل بالسيف يوم بدر وقيل سنين الجوع بمكة وقيل عذاب القبر ولا مانع من الحمل على الجميع ) دون العذاب الأكبر ( وهو عذاب الاخرة ) لعلهم يرجعون ( مما هم فيه من الشرك والمعاصى بسبب ماينزل بهم من العذاب إلى الإيمان والطاعة ويتوبون عما كانوا فيه وفى هذا التعليل دليل على ضعف قول من قال إن العذاب الأدنى هو عذاب القبر
السجدة : ( 22 ) ومن أظلم ممن . . . . .
) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ( أى لا أحد أظلم منه لكونه سمع من أيات الله مايوجب الإقبال علي الإيمان والطاعة فجعل الإعراض مكان ذلك والمجىء بثم للدلالة على استبعاد ذلك وأنه مما ينبغى أن لايكون ) إنا من المجرمين منتقمون ( أى من أهل الإجرام على العموم فيدخل فيه من أعرض عن آيات الله دخولا أوليا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إنا نسيناكم ( قال تركناكم وأخرج البيهقى فى الشعب عنه قال نزلت هذه الآية فى شأن الصلوات الخمس ) إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ( أى أتوها ) وسبحوا ( أى صلوا بأمر ربهم ) وهم لا يستكبرون ( عن إتيان الصلاة فى الجماعات وأخرج الترمذى وصححه وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه ومحمد بن نصر فى كتاب الصلاة عن أنس بن مالك أن هذه الآية ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( نزلت فى انتظار الصلاة التى تدعى العتمة وأخرج البخارى فى تاريخه وابن مردويه عنه قال نزلت فى صلاة العشاء وأخرج الغريابي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردوية عنه ايضا في الآية قال كانوا لا ينامون حتى يصلوا العشاء وأخرج ابن أبي شيبة عنه قال كنا نجتنب الفرش قبل صلاة العشاء وأخرج عبد الرزاق فى المصنف وابن مردويه عنه أيضا قال ما رأيت رسول الله صلى


"""""" صفحة رقم 255 """"""
الله عليه وآله وسلم راقدا قط قبل العشاء ولا متحدثا بعدها فإن هذه الآية نزلت فى ذلك ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال هم الذين لاينامون قبل العشاء فأثنى عليهم فلما ذكر ذلك جعل الرجل يعتزل فراشه مخافة أن تغلبه عينه فوقتها قبل أن ينام الصغير ويكسل الكبير وأخرج ابن مردويه عن بلال قال كنا نجلس فى المسجد وناس من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلون بعد المغرب العشاء تتجافى جنوبهم عن المضاجع وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن عدى وابن مردويه عن أنس نحوه وأخرج ابن أبى شيبة وأبو داود ومحمد ابن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى سننه عن أنس فى قوله ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( قال كانوا ينتظرون مابين المغرب والعشاء يصلون وأخرج أجحمد وابن جرير وابن مردويه عن معاذ بن جبل عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) تتجافى جنوبهم ( قال قيام العبد من الليل وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائى وابن ماجه وابن نصر فى كتاب الصلاة وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن معاذ بن جبل عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر حديثا وأرشد فيه إلى أنواع من الطاعات وقال فيه وصلاة الرجل فى جوف الليل ثم قرأ ) تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( وأخرج ابن مردويه عن أبى هريرة مرفوعا فى حديث قال فيه وصلاة المرء فى جوف الليل ثم تلا هذه الآية وأخرج ابن مردويه عن أنس فى الاية قال كان لاتمر عليهم ليلة إلا أخذوا منها وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد من طريق أبى عبد الله الجدلى عن عبادة بن الصامت عن كعب قال إذا حشر الناس نادى مناد هذا يوم الفصل أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع الحديث وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى الآية يقول تتجافى لذكر الله كلما استيقظوا ذكروا الله إما فى الصلاة وإما فى القيام أو قعود إو على جنوبهم لايزالون يذكرون الله وأخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقى فى البعث عن ابن عباس قال كان عرش الله على الماء فاتخذ جنة لنفسه ثم اتخذ دونها أخرى ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة ثم قال ومن دونهما جنتان لم يعلم الخلق مافيهما وهى التى قال الله ) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ( تأتيهم منها كل يوم تحفة وأخرج الفريابى وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال إنه لمكتوب فى التوراة لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع مالم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر علي قلب بشر ولايعلم ملك مقرب ولانبى مرسل وإنه لفى القرآن ) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ( وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال الله تعالى أعددت لعبادى الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر علي قلب بشر قال أبو هريرة واقرءوا إن شئتم ) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ( وفى الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة وهى معروفة فلا نطول بذكرها وأخرج أبو الفرج الأصبهانى فى كتاب الأغانى والواحدى وابن عدى وابن مردويه والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال قال الوليد بن عقبة لعلى بن أبى طالب أنا أحد منك سنانا وأنشط منك لسانا وأملأ للكتيبة منك فقال له على اسكت فإنما أنت فاسق فنزلت ) أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ( يعنى بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد بن عقبة بن أبى معيط وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عنه فى الآية نحوه وروى نحو هذا عن عطاء بن يسار والسدى وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأخرج الفريابى وابن منيع وابن جرير


"""""" صفحة رقم 256 """"""
وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن مسعود فى قوله ) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ( قال يوم بدر ) دون العذاب الأكبر ( قال يوم القيامة ) لعلهم يرجعون ( قال لعل من بقى منهم أن يتوب فيرجع وأخرج ابن أبى شيبة والنسائى وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود فى الآية قال العذاب الأدنى سنون أصابتهم ) لعلهم يرجعون ( قال يتوبون وأخرج مسلم وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند وأبو عوانة فى صحيحه وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب عن أبي بن كعب فى قوله ) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى ( قال مصائب الدنيا والروم والبطشة والدخان وأخرج ابن جرير عنه قال يوم بدر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) من العذاب الأدنى ( قال الحدود ) لعلهم يرجعون ( قال يتوبون وأخرج ابن منيع وابن جرير وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه قال السيوطى بسند ضعيف عن معاذ بن جبل سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ثلاث من فعلهن فقد أجرم من عقد لواء فى غير حق أو عق والديه أو مشى مع ظالم لينصره فقد أجرم يقول الله ) إنا من المجرمين منتقمون ( قال ابن كثير بعد إخراجه هذا حديث غريب
سورة السجدة ( 23 30 )
السجدة : ( 23 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
قوله ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( أى التوراة ) فلا تكن ( يا محمد ) في مرية ( أى شك وريبة ) من لقائه ( قال الواحدى قال المفسرون وعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه سيلقى موسى قبل أن يموت ثم لقيه فى السماء أو فى بيت المقدس حين أسرى به وهذا قول مجاهد والكلبى والسدى وقيل فلا تكن فى شك من لقاء موسى فى القيامة وستلقاه فيها وقيل فلا تكن فى شك من لقاء موسى للكتاب قاله الزجاج وقال الحسن إن معناه ولقد آتينا موسى الكتاب فكذب وأوذى فلا تكن فى شك من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى فيكون الضمير فى لقائه على هذا عائدا على محذوف والمعنى من لقاء مالا قى موسى قال النحاس وهذا قول غريب وقيل فى الكلام تقدير وتأخير والمعنى قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم فلا تكن فى مرية من


"""""" صفحة رقم 257 """"""
لقائه فجاء معترضا بين ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( وبين ) وجعلناه هدى لبني إسرائيل ( وقيل الضمير راجع إلى الكتاب الذي هو الفرقان كقوله ) وإنك لتلقى القرآن ( والمعنى أنا آتينا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب ولقيناه مثل مالقيناك من الوحى فلا تكن فى شك من أنك لقيت مثله ونظيره وما أبعد هذا ولعل الحامل لقائله عليه قوله ) وجعلناه هدى لبني إسرائيل ( فإن الضمير راجع إلى الكتاب وقيل إن الضمير في لقائه عائد إلى الرجوع المفهوم من قوله ) ثم إلى ربكم ترجعون ( أى لاتكن فى مرية من لقاء الرجوع وهذا بعيد أيضا
واختلف فى الضمير فى قوله وجعلناه فقيل هو راجع إلى الكتاب أى جعلنا التوراة هدى لبنى إسرائيل ق
السجدة : ( 24 ) وجعلنا منهم أئمة . . . . .
) وجعلنا منهم أئمة ( أى قادة يقتدون به فى دينهم وقرأ الكوفيون أئمة قال النحاس وهو لحن عند جميع النحويين لأنه جمع بين همزتين فى كلمة واحدة ومعنى ) يهدون بأمرنا ( أى يدعونهم إلى الهداية بما يلقونه إليه من أحكام التوراة ومواعظها بأمرنا أى بأمرنا لهم بذلك أو لأجل أمرنا وقال قتادة المراد بالأئمة الأنبياء منهم وقيل العلماء ) بما صبروا ( قرأ الجمهور لما بفتح اللام وتشديد الميم أى حين صبروا والضمير للأئمة وفى لما معنى الجزاء والتقدير لما صبروا جعلناهم أئمة وقرأ حمزة والكسائى وخلف وورش عن يعقوب ويحيى بن وثاب بكسر اللام وتخفيف الميم أى جعلناهم أئمة لصبرهم واختار هذه القراءة أبو عبيد مستدلا بقراءة ابن مسعود بما صبروا بالباء وهذا الصبر هو صبرهم على مشاق التكليف والهداية للناس وقيل صبروا عن الدنيا ) وكانوا بآياتنا ( التنزيلية ) يوقنون ( أى يصدقونها ويعلمون أنها حق وأنها من عند الله لمزيد تفكرهم وكثرة تدبرهم
السجدة : ( 25 ) إن ربك هو . . . . .
) إن ربك هو يفصل بينهم ( أى يقضى بينهم ويحكم بين المؤمنين والكفار ) يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( وقيل يقضى بين الأنبياء وأممهم حكاه النقاش
السجدة : ( 26 ) أولم يهد لهم . . . . .
) أولم يهد لهم ( أى أولم يبين لهم والهمزة للإنكار والفاعل مادل عليه ) كم أهلكنا من قبلهم من القرون ( أى أولم نبين لهم كثرة إهلاكنا من قبلهم قال الفراء كم فى موضع رفع بيهد وقال المبرد إن الفاعل الهدى المدلول عليه بيهد أى أو لم يهد لهم الهدى وقال الزجاج كم فى موضع نصب بأهلكنا قرأ الجمهور أولم يهد بالتحتية وقرأ السلمى وقتادة وأبو زيد عن يعقوب بالنون وهذه القراءة واضحة قال النحاس والقراءة بالياء التحتية فيها إشكال لأنه يقال الفعل لايخلو من فاعل فإين الفاعل ليهد ويجاب عنه بأن الفاعل هو ماقدمنا ذكره والمراد بالقرون عاد وثمود ونحوهم وجملة ) يمشون في مساكنهم ( فى محل نصب على الحال من ضمير لهم أى والحال أنهم يمشون فى مساكن المهلكين ويشاهدونها وينظرون مافيها من العبر وآثار العذاب ولايعتبرون بذلك وقيل يعود إلي المهلكين والمعنى أهلكناهم حال كونهم ماشين فى مساكنهم والأول أولى ) إن في ذلك ( المذكور ) لآيات ( عظيمات ) أفلا يسمعون ( ويتعظون بها
السجدة : ( 27 ) أولم يروا أنا . . . . .
) أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ( أى أولم يعلموا بسوقنا الماء إلى الأرض التي لاتنبت إلا بسوق الماء إليها وقيل هى اليابسة وأصله من الجرز وهو القطع أى التى قطع نباتها لعدم الماء ولايقال للتى لاتنبت أصلا كالسباخ جرز لقوله ) فنخرج به زرعا ( قيل هى أرض اليمن وقيل أرض عدن وقال الضحاك هى الأرض العطشى وقال الفراء هى الأرض التى لانبات فيها وقال الأصمعى هى الأرض التى لاتنبت شيئا قال المبرد يبعد أن تكون لأرض بعينها لدخول الألف واللام وقيل هى مشتقة من قولهم رجل جروز إذا كان لايبقى شيئا إلا أكله ومنه قول الراجز خب جروز وإذا جاع بكى
ويأكل التمر ولايلقى النوى


"""""" صفحة رقم 258 """"""
وكذلك ناقة جروز إذا كانت تأكل كل شىء تجده وقال مجاهد إنها أرض النيل لأن الماء إنما يأتيها فى كل عام ) فنخرج به ( أى بالماء ) زرعا تأكل منه أنعامهم ( أى من الزرع كالتبن والورق ونحوهما مما لايأكله الناس ) وأنفسهم ( أى يأكلون الحبوب الخارجة فى الزرع مما يقتاتونه وجملة ) تأكل منه أنعامهم ( فى محل نصب على الحال ) أفلا يبصرون ( هذه النعم ويشكرون المنعم ويوحدونه لكونه المنفرد بإيجاد ذلك
السجدة : ( 28 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( القائلون هم الكفار على العموم أو كفار مكة على الخصوص أي متى الفتح الذي تعدونا به يعنون بالفتح القضاء والفصل بين العباد وهو يوم البعث الذي يقضى الله فيه بين عباده قاله مجاهد وغيره وقال الفراء والقتيبى هو فتح مكة قال قتادة قال أصحاب النبى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) للكفار إن لنا يوما ننعم فيه ونستريح ويحكم الله بيننا وبينكم يعنون يوم القيامة فقال متى هذا الفتح وقال السدى هو يوم بدر لأن أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا يقولون للكفار إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم ومتى فى قوله ) متى هذا الفتح ( فى موضع رفع أو فى موضع نصب على الظرفية
السجدة : ( 29 ) قل يوم الفتح . . . . .
ثم أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيب عليهم فقال ) قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ( وفى هذا دليل على أن يوم الفتح هو يوم القيامة لأن يوم فتح مكة ويوم بدر هما مما ينفع فيه الإيمان وقد أسلم أهل مكة يوم فتح وقبل ذلك منهم النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ومعنى ) ولا هم ينظرون ( لايمهلون ولا يؤخرون ويوم فى ) يوم الفتح ( منصوب على الظرفية وأجاز الفراء الرفع
السجدة : ( 30 ) فأعرض عنهم وانتظر . . . . .
) فأعرض عنهم ( أى عن سفههم وتكذيبهم ولاتجبهم إلا بما أمرت به ) وانتظر إنهم منتظرون ( أى وانتظر يوم الفتح وهو يوم القيامة أو يوم إهلاكهم بالقتل إنهم منتظرون بك حوادث الزمان من موت أو قتل أو غلبة كقوله ) فتربصوا إنا معكم متربصون ( ويجوز أن يرد إنهم منتظرون لإهلاكهم والآية منسوخة بآية السيف وقيل غير منسوخة إذ قد يقع الإعراض مع الأمر بالقتال وقرأ ابن السميفع إنهم منتظرون بفتح الظاء مبنيا للمفعول ورويت هذه القراءة عن مجاهد وابن محيصن قال الفراء لايصح هذا إلا بإضمار أى إنهم منتظر بهم قال أبو حاتم الصحيح الكسر أى انتظر عذابهم إنهم منتظرون هلاكك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البخارى ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس قال قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) رأيت ليلة أسرى بى موسى بن عمران رجلا طويلا جعدا كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلي الحمرة والبياض سبط الرأس ورأيت مالكا خازن جهنم والدجال فى آيات أراهن الله إياه قال ) فلا تكن في مرية من لقائه ( فكان قتادة يفسرها أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قد لقي موسى ) وجعلناه هدى لبني إسرائيل ( قال جعل الله موسى هدى لبنى إسرائيل وأخرج الطبرانى وابن مردويه والضياء فى المختارة بسند قال السيوطى صحيح عن ابن عباس عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) فلا تكن في مرية من لقائه ( قال من لقاء موسى قيل أو لقى موسى قال نعم ألا ترى إلى قوله ) واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ( وأخرج الفريابى وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ( قال الجرز التى لاتمطر إلا مطرا لايغنى عنها شيئا إلا ما يأتيها من السيول وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) إلى الأرض الجرز ( قال أرض باليمن قال القرطبى فى تفسيره والإسناد عن ابن عباس صحيح لامطعن فيه وأخرج الحاكم وصححه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس فى قوله ) ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ( قال يوم بدر فتح للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) فلم ينفع الذين كفروا إيمانهم بعد الموت


"""""" صفحة رقم 259 """"""
33
تفسير
سورة الأحزاب
هى ثلاث وسبعون آية وهى مدنية
حول السورة
أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل من طرق قال نزلت سورة الأحزاب بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج عبد الرزاق فى المصنف والطيالسي وسعيد بن منصور وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند وابن منيع والنسائى وابن المنذر وابن الأنبارى فى المصاحف والدارقطنى فى الإفراد والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء فى المختارة عن زر قال قال لى أبى بن كعب كأى تقرأ سورة الأحزاب أو كأين تعدها قلت ثلاثا وسبعين آية فقال أقط لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة أو أكثر من سورة البقرة ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم فرفع فيما رفع قال ابن كثير وإسناده حسن وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة ورجم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورجمنا بعده فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وقد روى عنه نحو هذا من طرق وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال قال لى عمر بن الخطاب كم تعدون سورة الأحزاب قلت ثنتين أو ثلاثا وسبعين قال إن كانت لتقارب سورة البقرة وإن كان فيها لآية الرجم وأخرى البخارى في تاريخه عن حذيفة قال قرأت سورة الأحزاب على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها وأخرج أبو عبيد في الفضائل وابن الأنبارى وابن مردويه عن عائشة قالت كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مائتى آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقرر منها إلا على ما هو الآن بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحزاب ( 1 4 )


"""""" صفحة رقم 260 """"""
سورة الأحزاب ( 5 6 )
الأحزاب : ( 1 ) يا أيها النبي . . . . .
قوله ) يا أيها النبي اتق الله ( أى دم على ذلك وازدد منه ) ولا تطع الكافرين ( من أهل مكة ومن هو على مثل كفرهم والمنافقين أي الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر قال الواحدى إنه أراد سبحانه بالكافرين أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور السلمى وذلك أنهم قالوا للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) ارفض ذكر آلهتنا وقل إن لها شفاعة لمن عبدها قال والمنافقين عبد الله بن أبى وعبد الله بن سعد بن أبى سرح وسيأتي آخر البحث بيان سبب نزول الآية ) إن الله كان عليما حكيما ( أى كثير العلم والحكمة بليغهما قال النحاس ودل بقوله ) إن الله كان عليما حكيما ( على أنه كان يميل إليهم يعنى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) استدعاء لهم إلى الإسلام والمعنى أن الله عز وجل لو علم أن ميلك إليهم فيه منفعة لما نهاك عنهم لأنه حكيم ولا يخفى بعد هذه الدلالة التي زعمها ولكن هذه الجملة تعليل لجملة الأمر بالتقوى والنهى عن طاعة الكافرين والمنافقين والمعنى أنه لا يأمرك أو ينهاك إلا بما علم فيه صلاحا أو فسادا لكثرة علمه وسعة حكمته
الأحزاب : ( 2 ) واتبع ما يوحى . . . . .
) واتبع ما يوحى إليك من ربك ( من القرآن أى اتبع الوحى في كل أمورك ولا تتبع شيئا مما عداه من مشورات الكافرين والمنافقين ولا من الرأى البحت فإن فيما أوحى إليك ما يغنيك عن ذلك وجملة ) إن الله كان بما تعملون خبيرا ( تعليل لأمره باتباع ما أوحى إليك والأمر له ( صلى الله عليه وسلم ) أمر لأمته فهم مأمورون باتباع القرآن كما هو مأمور باتباعه ولهذا جاء بخطابه وخطابهم في قوله ) بما تعملون ( على قراءة الجمهور بالفوقية للخطاب واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ أبو عمرو والسلمى وابن أبى إسحاق بالتحتية
الأحزاب : ( 3 ) وتوكل على الله . . . . .
) وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ( أى اعتمد عليه وفوض أمورك إليه وكفى به حافظا يحفظ من توكل عليه
الأحزاب : ( 4 ) ما جعل الله . . . . .
ثم ذكر سبحانه مثلا توطئة وتمهيدا لما يتعقبه من الأحكام القرآنية التي هي من الوحى الذي أمره الله باتباعه فقال ) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه (
وقد اختلف في سبب نزول هذه الآية كما سيأتى وقيل هي مثل ضربه الله للمظاهر أى كما لا يكون للرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون له أمان وكذلك لا يكون الدعى ابنا لرجلين وقيل كان الواحد من المنافقين يقول لى قلب يأمرني بكذا وقلب بكذا فنزلت الآية لرد النفاق وبيان أنه لا يجتمع مع الإسلام كما لا يجتمع قلبان والقلب بضعة صغيرة على هيئة الصنوبرة خلقها الله وجعلها محلا للعلم ) وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ( وقرأ الكوفيون وابن عامر اللائى بياء ساكنة بعد همزة وقرأ أبو عمرو والبزى بياء ساكنة بعد ألف محضة قال أبو عمرو بن العلاء إنها لغة قريش التي أمر الناس أن يقرءوا بها وقرأ قنبل وورش بهمزة مكسورة بدون ياء قرأ عاصم تظاهرون بضم الفوقية وكسر الهاء بعد ألف مضارع ظاهر وقرأ ابن عامر بفتح الفوقية والهاء وتشديد الظاء مضارع تظاهر والأصل تتظاهرون وقرأ الباقون


"""""" صفحة رقم 261 """"""
تظهرون بفتح الفوقية وتشديد الظاء بدون ألف والأصل تتظهرون والظهار مشتق من الظهر وأصله أن يقول الرجل لامرأته أنت على كظهر أمى والمعنى وما جعل الله نساءكم اللائى تقولون لهن هذا القول كأمهاتكم في التحريم ولكنه منكر من القول وزور ( و ) كذلك ما جعل الأدعياء الذين تدعون أنهم أبناءكم أبناء لكم والأدعياء جمع دعى وهو الذي يدعى ابنا لغير أبيه وسيأتى الكلام في الظهار في سورة المجادلة والإشارة بقوله ذلكم إلى ما تقدم من ذكر الظهار والادعاء وهو مبتدأ وخبره قولكم بأفواهكم أى ليس ذلك إلا مجرد قول ولا تأثير له فلا تصير المرأة أما ولا ابن الغير به ابنا ولايترتب علي ذلك شىء من أحكام الأمومة والبنوة وقيل الإشارة راجعة إلى الإدعاء أى ادعاوكم أن ابناء الغير أبناوكم لاحقيقة له بل هو مجرد قول بالفم ) والله يقول الحق ( الذى يحق اتباعه لكونه حقا فى نفسه لاباطلا فيدخل تحته دعاء الأبناء لآبائهم ) وهو يهدي السبيل ( أى يدل على الطريق الموصلة إلى الحق وفي هذا إرشاد للعباد إلى قول الحق وترك قول الباطل والزور
الأحزاب : ( 5 ) ادعوهم لآبائهم هو . . . . .
ثم صرح سبحانه بما يجب على العباد من دعاء الأبناء للآباء فقال ) ادعوهم لآبائهم ( للصلب وانسبوهم إليهم ولاتدعوعهم إلى غيرهم وجملة ) هو أقسط عند الله ( تعليل للأمر بدعاء الأبناء للآباء والضمير راجع إلى مصدر ادعوهم ومعنى أقسط أعدل أى أعدل كل كلام يتعلق بذلك فترك الإضافة للعموم كقوله الله أكبر وقد يكون المضاف إليه مقدرا خاصا أى أعدل من قولكم هو ابن فلان ولم يكن ابنه لصلبه ثم تمم سبحانه الإرشاد للعباد فقال ) فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ( أى فهم إخوانكم فى الدين وهم مواليكم فقولوا أخى ومولاى ولاتقولوا ابن فلان حيث لم تعلموا آباءهم على الحقيقة قال الزجاج ويجوز أن يكون مواليكم أولياءكم فى الدين وقيل المعنى فإن كانوا محررين ولم يكونوا أحرارا فقولوا موالى فلان ) وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ( أى لا إثم عليكم فيما وقع منكم من ذلك خطأ من غير عمد ) ولكن ( الإثم و ) ما تعمدت قلوبكم ( وهو ماقلتموه علي طريقة العمد من نسبة الأبناء إلى غير آبائهم مع علمكم بذلك قال قتادة لو دعوت رجلا لغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه لم يكن عليك بأس ) وكان الله غفورا رحيما ( يغفر للمخطئ ويرحمه ويتجاوز عنه أو غفورا للذنوب رحيما بالعباد ومن جملة من يغفر له ويرحمه من دعا رجلا لغير أبيه خطأ أو قبل النهي عن ذلك
الأحزاب : ( 6 ) النبي أولى بالمؤمنين . . . . .
ثم ذكر سبحانه لرسول مزية عظيمة وخصوصية جليلة لايشاركه فيها أحد من العباد فقال ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( أى هو أحق بهم فى كل أمور الدين والدنيا وأولى بهم من أنفسهم فضلا عن أن يكون أولى بهم من غيرهم فيجب عليهم أن يؤثروه بما أراده من أموالهم وإن كانوا محتاجين إليها ويجب عليهم أن يحبوه زيادة علي حبهم أنفسهم ويجب عليهم أن يقدموا حكمه عليهم على حكمهم لأنفسهم وبالجملة فإذا دعاهم النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لشىء ودعتهم أنفسهم إلى غيره وجب عليهم أن يقدموا مادعاهم إليه ويؤخروا مادعتهم أنفسهم إليه ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم ويقدموا طاعته على ماتميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم وقيل المراد بأنفسهم فى الآية بعضهم فيكون المعنى أن النبى أولى بالمؤمنين من بعضهم ببعض وقيل هى خاصة بالقضاء أى هو أولى بهم من أنفسهم فيما قضى به بينهم وقيل أولى بهم فى الجهاد بين يديه وبذل النفس دونه والأول أولى ) وأزواجه أمهاتهم ( أى مثل أمهاتهم فى الحكم بالتحريم ومنزلات منزلتهن فى استحقاق التعظيم فلا يحل لأحد أن يتزوج بواحدة منهن كما لايحل له أن يتزوج بأمه فهذه الأمومة مختصة بتحريم النكاح لهن وبالتعظيم لجنابهن وتخصيص المؤمنين يدل علي أنهن لسن أمهات نساء المؤمنين ولا بنات أخوات المؤمنين ولا أخوتهن أخوال المؤمنين وقال القرطبى الذى يظهر لى أنهن


"""""" صفحة رقم 262 """"""
أمهات الرجال والنساء تعظيما لحقهن على الرجال والنساء كما يدل عليه قوله النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة قال ثم إن فى مصحف أبى بن كعب وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم وقرأ ابن عباس أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب وأزواجه أمهاتهم ثم بين الله سبحانه أن القرابة أولى ببعضهم البعض فقال ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( المراد بأولى الأرحام القرابات أى هم أحق ببعضهم البعض فى الميراث وقد تقدم تفسير هذه الآية فى سورة الأنفال وهى ناسخة لما كان فى صدر الإسلام من التوارث بالهجرة والموالاة قال قتادة لما نزل قوله سبحانه فى سورة الأنفال ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ( فتوارث المسلمون بالهجرة ثم نسخ ذلك بهذه الآية وكذا قال غيره وقيل إن هذه الآية ناسخة للتوارث بالحلف والمؤاخاة فى الدين و ) في كتاب الله ( يجوز أن يتعلق بأفعل التفضيل فى قوله ) أولى ببعض ( لأنه يعمل فى الظرف ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو حال من الضمير أى كائنا فى كتاب الله والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ أو القرآن أو آية المواريث وقوله ) من المؤمنين ( يجوز أن يكون بيانا لأولوا الأرحام والمعنى إن ذوي القرابات من المؤمنين ) والمهاجرين ( بعضهم أولى ببعض ويجوز أن يتعلق بأولى أي وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين الذين هم أجانب وقيل إن معنى الآية وأولوا الأرحام ببعضهم أولى ببعض إلا مايجوز لأزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) من كونهم كالأمهات فى تحريم النكاح وفى هذا من الضعف مالا يخفى ) إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ( هذا الاستثناء إما متصل من أعم العام والتقدير وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كل شىء من الإرث وغيره إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا من صدقة أو وصية فرن ذلك جائز قتادة والحسن وعطاء ومحمد ابن الحنفية قال محمد ابن الحنفية نزلت فى إجازة الوصية لليهودى والنصرانى فالكافر ولى فى النسب لا فى الدين فتجوز الوصية له ويجوز أن يكون منقطعا والمعنى لكن فعل المعروف للأولياء لا بأس به ومعنى الآية أن الله سبحانه لما نسخ التوارث بالحلف والهجرة أباح أن يوصى لهم وقال مجاهد أراد بالمعروف النصرة وحفظ الحرمة بحق الإيمان والهجرة والإشارة بقوله ) كان ذلك ( إلى ماتقدم ذكره أى كان نسخ الميراث بالهجرة والمحالفة والمعاقدة ورده إلى ذوى الأرحام من القرابات ) في الكتاب مسطورا ( أى فى اللوح المحفوظ أو فى القرآن مكتوبا
وقد أخرج أحمد والترمذى وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء فى المختارة عن ابن عباس قال قام النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يوما يصلى فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترى أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فنزل ) ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ( وأخرج ابن مرديه عنه من طريق أخرى بلفظ صلى لله النبى ( صلى الله عليه وسلم ) صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فقالوا إن له قلبين فنزلت وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا قال كان رجل من قريش يسمى من هائه ذا القلبين فأنزل الله هذا فى شأنه وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ماكنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن ) ادعوهم لآبائهم ( الآية فقال رسول الله أنت زيد بن حارثة بن شراحيل وأخرج البخارى وغيره عن أبى هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال مامن مؤمن إلا وأنت أولى الناس به فى الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( فأيما مؤمن ترك مالا فلترثه عصبته من كانوا فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتنى فأنا مولاه وأخرج أحمد وأبو داود وابن مردويه من حديث جابر نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد


"""""" صفحة رقم 263 """"""
والنسائى عن بريدة قال غزوت مع على إلى اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذكرت عليا فرأيت وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تغير وقال يابريده ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلى مولاه وقد ثبت فى الصحيح أنه ( صلى الله عليه وسلم ) قال والذى نفسى بيده لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين وأخرج ابن سعد وابن المنذر والبيهقى فى سننه عن عائشة أن امرأة قالت لها يا أمه فقالت أنا أم رجالكم ولست أم نسائكم وأخرج ابن سعد عن أم سلمة قالت أنا أم الرجال منكم والنساء وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وإسحاق بن راهويه وابن المنذر والبيهقى فى دلائله عن بجالة قال مر عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ فى المصحف النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم فقال ياغلام حكها فقال هذا مصحف أبى فذهب إليه فسأله فقال إنه كان يلهينى القرآن ويلهيك الصفق فى الأسواق وأخرج الفريابى والحاكم وابن مردويه والبيهقى فى سننه عن ابن عباس أنه يقرأ النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم
سورة الأحزاب ( 7 17 )


"""""" صفحة رقم 264 """"""
الأحزاب : ( 7 ) وإذ أخذنا من . . . . .
قوله ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ( العامل فى الظرف محذوف أى واذكر كأنه قال يا أيها النبى اتق الله واذكر أن الله أخذ ميثاق النبيين قال قتادة أخذ الله الميثاق علي النبيين خصوصا أن يصدق بعضهم بعضا ويتبع بعضهم بعضا وقال مقاتل أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عباده الله وأن يصدق بعضهم بعضا وأن ينصحوا لقومهم والميثاق هو اليمين وقيل هو الإقرار بالله والأول أولى وقد سبق تحقيقه ثم خصص سبحانه بعض النبيين بالذكر بعد التعميم الشامل لهم ولغيرهم فقال ) ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ( ووجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة من أولى العزم من الرسل وتقديم ذكر نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) مع تأخر زمانه فيه من التشريف له والتعظيم مالا يخفى قال الزجاج وأخذ الميثاق حيث أخرجوا من صلب ادم الذر ثم أكد ما أخذه على النبيين من الميثاق بتكرير ذكره وصفه بالغلظ فقال ) وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( أى عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا وما أخذه الله عليهم ويجوز أن يكون قد أخذ الله عليهم الميثاق مرتين فأخذ عليهم فى المرة الأولى مجرد الميثاق بدون تغليظ ولاتشديد ثم أخذه عليهم ثاينا مغلظا مشددا ومثل هذه الآية قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه )
الأحزاب : ( 8 ) ليسأل الصادقين عن . . . . .
واللام في قوله ) ليسأل الصادقين عن صدقهم ( يجوز أن تكون لام كى أى لكى يسأل الصادقين من النبيين عن صدقهم فى تبليغ الرسالة إلى قومهم وفى هذا وعيد لغيرهم لأنهم إذا كانوا يسألون عن ذلك فكيف غيرهم وقيل ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم كما فى قوله ) فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ( ويجوز أن تتعلق بمحذوف أى فعل ذلك ليسأل ) وأعد للكافرين عذابا أليما ( معطوف على مادل عليه ) ليسأل الصادقين ( إذ التقدير أثاب الصادقين وأعد للكافرين ويجوز أن يكون معطوفا على أخذنا لأن المعنى أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه ليثيب المؤمنين وأعد للكافرين وقيل إنه قد حذف من الثانى ما أثبت مقابله فى الأول ومن الأول ما أثبت مقابلة فى الثانى والتقدير ليسأل الصادقين عن صدقهم فأثابهم ويسأل الكافرين عما أجابوا به رسلهم وأعد لهم عذابا أليما وقيل إنه معطوف على المقدر عاملا فى ليسأل كما ذكرنا ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله ) ليسأل الصادقين عن صدقهم ( وتكون جملة ) وأعد لهم ( مستأنفة لبيان ما أعده للكفار
الأحزاب : ( 9 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ( هذا تحقيق لما سبق من الأمر بتقوى الله بحيث لايبقى معها خوف من أحد وقوله عليكم متعلق بالنعمة إن كانت مصدرا أو بمحذوف هو حال أى كائنة عليكم ومعنى ) إذ جاءتكم جنود ( حين جاءتكم جنود وهو ظرف للنعمة أو للمقدر عاملا فى عليكم أو لمحذوف هو اذكر والمراد بالجنود جنود الأحزاب الذين تحزبوا علي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وغزوه إلى المدينة وهى الغزوة المسماة غزوة الخندق وهم أبو سفيان بن حرب بقريش ومن معهم من الألفاف وعيينة بن حفص الفزارى ومن معه من قومه غطفان وبنو قريظة والنضير فضايقوا المسلمين مضايقة شديدة كما وصف الله سبحانه فى هذه الآيات وكانت هذه الغزوة فى شوال سنة خمس من الهجرة قاله ابن إسحاق وقال ابن وهب وابن القاسم عن مالك كانت فى سنة أربع وقد بسط أهل السير فى هذه الوقعة ماهو معروف فلا نطيل بذكرها ) فأرسلنا عليهم ريحا ( معطوف على جاءتكم قال مجاهد هى الصبا أرسلت علي الأحزاب يوم الخندق حتى ألقلت قدورهم ونزعت فساطيطهم ويدل على هذا ماثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور والمراد بقوله ) وجنودا لم تروها ( الملائكة قال المفسرون بعث الله عليهم فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب


"""""" صفحة رقم 265 """"""
الفساطيط وأطفات النيران وأكفأت القدور وجالت الخيل بعضها فى بعض وأرسل الله عليهم الرعب وكثر تكبير الملائكة فى جوانب العسكر حتى كان سيد كل قوم بقول لقومه يا بنى فلان هلم إلى فإذا اجتمعوا قال لهم النجاء النجاء ) وكان الله بما تعملون بصيرا ( قرأ الجمهور تعملون بالفوقية أى بما تعملون أيها المسلمون من ترتيب الحرب وحفر الخندق واستنصاركم به وتوكلكم عليه وقرأ أبو عمرو بالتحتية أي بما يعمله الكفار من العناد لله ولرسوله والتحزب علي المسلمين واجتماعهم عليهم من كل جهة
الأحزاب : ( 10 ) إذ جاؤوكم من . . . . .
) إذ جاؤوكم من فوقكم ( إذ هذه وما بعدها بدل من إذ الأولى والعامل فى هذه هو العامل فى تلك وقيل منصوبة بمحذوف هو اذكر ومعنى ) من فوقكم ( من أعلى الوادى وهو من جهة المشرق والذين جاءوا من هذه الجهة هم غطفان وسيدهم عيينة بن حصن وهوازن وسيدهم عوف بن مالك وأهل نجد وسيدهم طليحة بن خويلد الأسدى وانضم إليهم عوف بن مالك وبنو النضير ومعنى ) ومن أسفل منكم ( من أسفل الوادى من جهة المغرب من ناحية مكة وهم قريش ومن معهم من الأحابيش وسيدهم أبو سفيان بن حرب وجاء أبو الأعور السلمى ومعه حيى بن أخطب اليهودى فى يهود بنى قريظة من وجه الخندق ومعهم عامر بن الطفيل وجملة ) وإذ زاغت الأبصار ( معطوفة على ماقبلها أى مالت عن كل شىء فلم تنظر إلا إلى عدوها مقبلا من كل جانب وقيل شخصت دهشا من فرط الهول والحيرة ) وبلغت القلوب الحناجر ( جمع حنجرة وهى جوف الحلقوم أى ارتفعت القلوب عن مكانها ووصلت من الفزع والخوف إلى الحناجر فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها وهو الذى نهايته الحنجرة لخرجت كذا قال قتادة وقيل هو علي طريق المبالغة المعهودة فى كلام العرب وإن لم ترتفع القلوب إلى ذلك المكان ولاخرجت عن موضعها ولكنه مثل فى اضطرابها وجبنها قال الفراء والمعنى أنهم جبنوا وجزع أكثرهم وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فإذا انتفخت الرئة ارتفع القلب إلي الحنجرة ولهذا يقال للجبان انتفخ سحره ) وتظنون بالله الظنونا ( أى الظنون المختلفة فبعضهم ظن النصر ورجا الظفر وبعضهم ظن خلاف ذلك وقال الحسن ظن المنافقون أنه يستأصل محمد وأصحابه وظن المؤمنون أنه ينصر وقيل الآية خطاب للمنافقين والأولى ماقاله الحسن فيكون الخطاب لمن أظهر الإسلام على الإطلاق أعم من أن يكون مؤمنا فى الواقع أو منافقا
واختلف القراء فى هذه الألف فى الظنونا فأثبتها وصلا ووقفا نافع وابن عامر وأبو بكر ورويت هذه القراءة عن أبى عمرو والكسائى وتمسكوا بخط المصحف العثمانى وجميع المصاحف فى جميع البلدان فإن الألف فيها كلها ثابتة واختار هذه القراءة أبو عبيد إلا أنه قال لاينبغى للقارئ أن يدرج القراءة بعدهن بل يقف عليهن وتمسكوا أيضا بما فى أشعار العرب من مثل هذا وقرأ أبو عمرو وحمزة والجحدرى ويعقوب بحذفها فى الوصل والوقف معا وقالوا هى من زيادات الخط فكتبت كذلك ولاينبغى النطق بها وأما فى الشعر فهو يجوز فيه للضرورة مالا يجوز فى غيره وقرأ ابن كثير والكسائى وابن محيصن بإثباتها وقفا وحذفها وصلا وهذه القراءة راجحة باعتبار اللغة العربية وهذه الألف هى التى تسميها النحاة ألف الإطلاق والكلام فيها معروف فى علم النحو وهكذا اختلف القراء فى الألف التى فى قوله الرسول والسبيلا كما سيأتى آخر هذه السورة
الأحزاب : ( 11 ) هنالك ابتلي المؤمنون . . . . .
) هنالك ابتلي المؤمنون ( الظرف منتصب بالفعل الذى بعده وقيل بتظنون واستضعفه ابن عطية وهو ظرف مكان يقال للمكان البعيد هنالك كما يقال للمكان القريب هنا وللمتوسط هناك وقد يكون ظرف زمان أى عند ذلك الوقت ابتلى المؤمنون ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 266 """"""
وإذا الأمور تعاظمت وتشاكلت
فهناك يعترفون أين المفزع
أى فى ذلك الوقت والمعنى أ 2 ن فى ذلك المكان أو الزمان اختبر المؤمنون بالخوف والقتال والجوع والحصر والنزال ليتبين المؤمن من المنافق ) وزلزلوا زلزالا شديدا ( قرأ الجمهور زلزلوا بضم الزاى الأولى وكسر الثانية علي ماهو الأصل فى المبنى للمفعول وروى عن أبى عمرو أنه قرأ بكسر الأولى وروى الزمخشرى عنه أنه قرأ بإشمامها كسرا وقرأ الجمهور زلزالا بكسر الزاى الأولى وقرأ عاصم والجحدرى وعيسى بن عمر بفتحها قال الزجاج كل مصدر من المضاعف على فعلال يجوز فيه الكسر والفتح نحو قلقلته قلقالا وزلزلوا زلزالا والكسر أجود قال ابن سلام معنى زلزلوا حركوا بالخوف تحريكا شديدا وقال الضحاك هو إزاحتهم عن أماكنهم حتى لم يكن لهم إلا موضع الخندق وقيل المعنى أنهم اضطربوا اضطرابا مختلفا فمنهم من اضطراب فى نفسه ومنهم من اضطرب فى دينه
الأحزاب : ( 12 ) وإذ يقول المنافقون . . . . .
) وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ( معطوف على إذ زاغت الأبصار والمرض فى القلوب هو الشك والريبة والمراد بالمنافقون عبد الله بن أبى وأصحابه وبالذين فى قلوبهم مرض أهل الشك والاضطراب ) ما وعدنا الله ورسوله ( من النصر والظفر ) إلا غرورا ( أى باطلا من القول وكان القائلون بهذه المقالة نحو سبعين رجلا من أهل النفاق والشك وهذا القول المحكى عن هؤلاء هو كالتفسير للظنون المذكورة أى كان ظن هؤلاء هذا الظن كما كان ظن المؤمنين النصر وإعلاء كلمة الله
الأحزاب : ( 13 ) وإذ قالت طائفة . . . . .
) وإذ قالت طائفة منهم ( أى من المنافقين قال مقاتل هم بنو سالم من المنافقين وقال السدى هم عبد الله بن أبى وأصحابه وقيل هم أوس بن قبطى وأصحابه والطائفة تقع على الواحد فما فوقه والقول الذى قالته هذه الطائفة هو قوله ) يا أهل يثرب لا مقام لكم ( أى لاموضع إقامة لكم أو لاإقامة لكم هاهنا فى العسكر قال أبو عبيد يثرب اسم الأرض ومدينة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى ناحية منها قال السهيلى وسميت يثرب لأن الذى نزلها من العمالقة اسمه يثرب بن عميل قرأ الجمهور لامقام لكم بفتح الميم وقرأ حفص والسلمى والجحدرى وأبو حيوة بضمها علي أنه مصدر من أقام يقيم وعلى القراءة الأولى هو اسم مكان ) فارجعوا ( أى إلى منازلكم أمروهم بالهرب من عسكر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمين خرجوا عام الخندق حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع والخندق بينهم وبين القوم فقال هؤلاء المنافقون ليس هاهنا موضع إقامة وأمروا الناس بالرجوع إلى منازلهم بالمدينة ) ويستأذن فريق منهم النبي ( معطوف على قالت طائفة منهم أى يستأذنون فى الرجوع إلى منازلهم وهم بنو حارثة وبنو سلمة وجملة ) يقولون ( بدل من قوله يستأذن أو حال أو استئناف جوابا لسؤال مقدر والقول الذي قالوه هو قولهم ) إن بيوتنا عورة ( أى ضائعة سائبة ليست بحصينة ولا ممتنعة من العدو قال الزجاج يقال عور المكان يعور عورا وعورة وبيوت عورة وعورة وهي مصدر قال مجاهد ومقاتل والحسن قالوا بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق وقال قتادة قالوا بيوتنا مما يلى العدو ولا تأمن على أهلنا قال الهروى كل مكان ليس بممنوع ولا مستور فهو عورة والعورة فى الأصل الخلل فأطلقت على المختل والمراد ذات عورة وقرأ ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو رجاء العطاردى عورة بكسر الواو أى قصيرة الجدران قال الجوهرى العورة كل حال يتخوف منه فى ثغر أو حرب قال النحاس يقال أعور المكان إذا تبينت فيه عورة وأعور الفارس أذا تبين منه موضع الخلل ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله ) وما هي بعورة ( فكذبهم الله سبحانه فيما ذكروه والجملة فى محل نصب على الحال ثم بين سبب استئذانهم وما يريدونه به فقال ) إن يريدون إلا فرارا ( أى مايريدون


"""""" صفحة رقم 267 """"""
إلا الهرب من القتال وقيل المراد مايريدون إلا الفرار من الدين
الأحزاب : ( 14 ) ولو دخلت عليهم . . . . .
) ولو دخلت عليهم من أقطارها ( يعنى بيوتهم أو المدينة والأقطار النواحى جمع قطر وهو الجانب والناحية والمعنى لو دخلت عليهم بيوتهم أو المدينة من جوانبها جميعا لا من بعضها ونزلت بهم هذه النازلة الشديدة واستبيحت ديارهم وهتكت حرمهم ومنازلهم ) ثم سئلوا الفتنة ( من جهة أخرى عند نزول هذه النازلة الشديدة بهم ) لآتوها ( أى لجاءوها أو أعطوها ومعنى الفتنة هنا إما القتال فى العصبية كما قال الضحاك أو الشرك بالله والرجعة إلى الكفر الذى يبطرنه ويظهرون خلافة كما قال الحسن قرأ الجمهور لآتوها بالمد أى لأعطوها من أنفسهم وقرأ نافع وابن كثير بالقصر أى لجاءوها ) وما تلبثوا بها إلا يسيرا ( أى بالمدينة بعد أن أتوا الفتنة إلا تلبثا يسيرا حتى يهلكوا كذا قال الحسن والسدى والفراء والقتيبى وقال أكثر المفسرين إن المعنى وما احتبسوا 2 عن فتنة الشرك إلا قليلا بل هم مسرعون إليها راغبون فيها لا يقفون عنها إلا مجرد وقوع السؤال لهم ولا يتعللون عن الإجابة بأن بيوتهم فى هذه الحالة عورة مع أنها قد صارت عورة على الحقيقة كما تعللوا عن إجابة الرسول والقتال معه بأنها عورة ولم تكن إذ ذاك عورة
الأحزاب : ( 15 ) ولقد كانوا عاهدوا . . . . .
ثم حكى الله سبحانه عنهم ماقد كان وقع منهم من قبل من المعاهدة لله ولرسوله بالثبات فى الحرب وعدم الفرار عنه فقال ) ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ( أى من قبل غزوة الخندق ومن بعد بدر قال قتادة وذلك أنهم غابوا من بدر ورأوا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة والنصر فقالوا لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن وهم بنو حارثة وبنو سلمة ) وكان عهد الله مسؤولا ( أى مسئولا عنه ومطلوبا صاحبه بالوفاء به ومجازى على ترك الوفاء به
الأحزاب : ( 16 ) قل لن ينفعكم . . . . .
) قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ( فإن من حضر أجله مات أو قتل فر أو لم يفر ) وإذا لا تمتعون إلا قليلا ( أى تمتعا قليلا أو زمانا قليلا بعد فرارهم إلى أن تنقضى آجالهم وكل ما هو آت فهو قريب قرأ الجمهور ) تمتعون ( بالفوقية وقرأ يعقوب الحضرمى فى رواية الساجى عنه بالتحتية وفى بعض الروايات لا تمتعوا بحذف النون إعمالا لإذن وعلى قراءة الجمهور هى ملغاة
الأحزاب : ( 17 ) قل من ذا . . . . .
) قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا ( أى هلاكا أو نقصا فى الأموال وجدبا ومرضا ) أو أراد بكم رحمة ( يرحمكم بها من خصب ونصر وعافية ) ولا يجدون لهم من دون الله وليا ( يواليهم ويدفع عنهم ) ولا نصيرا ( ينصرهم من عذاب الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الطبرانى وابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل عن أبى مريم الغسانى أن أعرابيا قال يا رسول الله أى شىء كان أول نبوتك قال أخذ الله منى الميثاق كما أخذ من النبيين ميثاقهم ثم تلا ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( ودعوة إبراهيم ) وابعث فيهم رسولا منهم ( وبشرى عيسى بن مريم ورأت أم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قيل يا رسول الله متى أخذ ميثاقك قال وآدم بين الروح والجسد وأخرج البزار والطبرانى فى الأوسط وأبو نعيم فى الدلائل عنه قال قيل يا رسول الله متى كنت نبيا قال وآدم بين الروح والجسد وفي الباب أحاديث قد صحح بعضها وأخرج الحسن بن سفيان وابن أبى حاتم وابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل والديلمى وابن عساكر من طريق قتادة عن الحسن عن أبى هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ( الآية قال كنت أول النبيين فى الخلق وآخرهم فى البعث فبدأ به قبلهم وأخرج ابن أبى حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال ) ميثاقهم ( عهدهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى بسند صحيح عن ابن عباس ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ( قال إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم وأخرج الحاكم وصححه


"""""" صفحة رقم 268 """"""
وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقى كلاهما فى الدلائل وابن عساكر من طرق عن حذيفة قال لقد رأيتنا ليلة الأحزاب ونحن صافون قعود وأبو سفيان ومن معه من الأحزاب فوقنا وقريظة اليهود أسفل منا نخافهم على ذرارينا وما أتت علينا ليلة قط أشد ظلمة ولا أشد ريحا فى أصوات ريحها أمثال الصواعق وهى ظلمة ما يرى أحد منا أصبعه فجعل المنافقون يستأذنون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) و ) يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة ( فما يستأذن أحد منهم إلا أذن له فينسللون ونحن ثلثمائة أو نحو ذلك إذ استقبلنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجلا رجلا حتى مر على وما على جنة من العدو ولا من البرد إلا مرط لامرأتى ما يجاوز ركبتى فأتانى وأنا جاث على ركبتى فقال من هذا فقلت حذيفة قال حذيفة فتقاصرت إلى الأرض فقلت بلى يا رسول الله كراهية أن أقوم قال ثم فقمت فقال إنه كان فى القوم خبر فأتنى بخبر القوم قال وأنا من أشد القوم فزعا وأشدهم قرا فخرجت فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته قال فوالله ما خلق الله فزعا ولا قرا فى جوفى إلا خرج من جوفى فما أجد منه شيئا فلما وليت قال يا حذيفة لا تحدثن فى القوم شيئا حتى تأتينى فخرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت فى ضوء نار لهم توقد وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول الرحيل الرحيل ثم دخلت العسكر فإذا أدنى الناس منى بنو عامر يقولون يا آل عامر الرحيل الرحيل لا مقام لكم وإذا الريح فى عسكرهم ما تجاوز شبرا فو الله إنى لأسمع صوت الحجارة فى رحالهم وفرشهم الريح تضربهم ثم خرجت نحو النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فلما انتصفت في الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بنحو من عشرين فارسا معتمين فقالوا أخبر صاحبك أن الله كفاه القوم فرجعت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته وهو مشتمل فى شملة يصلى وكان إذا حزبه أمر صلى فأخبرته خبر القوم أنى تركتهم يترحلون وأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس فى قوله ) إذ جاءتكم جنود ( قال كان يوم أبي سفيان يوم الأحزاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم فى الكنى وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس قال لما كان ليلة الأحزاب جاءت الشمال إلى الجنوب فقالت انطلقي فانصرى الله ورسوله فقالت الجنوب إن الحرة لاتسرى بالليل فغضب الله عليها وجعلها عقيما فأرسل عليهم الصبا فأطفأت نيرانهم وقطعت أطنابهم فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور فذلك قوله ) فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ( وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وأخرج البخارى وغيره عن عائشة فى قوله ) إذ جاؤوكم من فوقكم ( الآية قالت كان ذلك يوم الخندق وفى الباب أحاديث فى وصف هذه الغزوة وما وقع فيها وقد اشتملت عليها كتب الغزوات والسير وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهى المدينة تنفى البأس كما ينفى الكير خبث الحديد وأخرج أحمد وابن أبى حاتم وابن مردويه عن البراء بن عازب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة هى طابة هى طابة ولفظ أحمد إنما هى طابة وإسناده ضعيف وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن


"""""" صفحة رقم 269 """"""
ابن عباس فى قوله ) ويستأذن فريق منهم النبي ( قال هم بنو حارثة قالوا ) بيوتنا عورة ( أى مختلة نخشي عليها السرق وأخرة ابن مردويه عن جابر نحوه وأخرج البيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة ) ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها ( قال لأعطوها يعنى إدخال بنى حارثة أهل الشام على المدينة
سورة الأحزاب 18 25
الأحزاب : ( 18 ) قد يعلم الله . . . . .
قوله ) قد يعلم الله المعوقين منكم ( يقال عاقه واعتاقه وعوقه إذا صرفه عن الوجه الذى يريده قال الواحدى قال المفسرون هؤلاء قوم من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك أنهم قالوا لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتقمهم أبو سفيان وحزبه فخلوهم وتعالوا إلينا وقيل إن القائل هذه المقالة اليهود قالوا ) لإخوانهم ( من المنافقين ) هلم إلينا ( ومعنى هلم أقبل واحضر وأهل الحجاز يسوون فيه بين الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث وغيرهم من العرب يقولون هلم للواحد المذكر وهلمى للمؤنث وهلما للاثنين وهلموا للجماعة وقد مر الكلام علي هذا فى سورة الأنعام ) ولا يأتون البأس ( أى الحرب ) إلا قليلا ( خوفا من الموت وقيل المعنى لا يحضرون القتال إلا رياء وسمعة من غير احتساب
الأحزاب : ( 19 ) أشحة عليكم فإذا . . . . .
) أشحة عليكم ( أى بخلاء عليكم لا يعاونوكم بحفر الخندق ولا بالنفقة فى سبيل الله قاله مجاهد وقتادة وقيل أشحة بالقتال معكم وقيل بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم وقيل أشحة بالغنائم إذا أصابوها قاله السدى وانتصابه علي


"""""" صفحة رقم 270 """"""
الحال من فاعل يأتون أو من المعوقين وقال الفراء يجوز فى نصبه أربعة أوجه منها النصب على الذم ومنها بتقدير فعل محذوف أى يأتونه أشحة قال النحاس ولا يجوز أن يكون العامل فيه للمعوقين ولا القائلين لئلا يفرق بين الصلة والموصول ) فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم ( أى تدور يمينا وشمالا وذلك سبيل الجبان إذا شاهد ما يخافه ) كالذي يغشى عليه من الموت ( أى كعين الذى يغشى عليه من الموت وهو الذى نزل به الموت وغشيته أسبابه فيذهل ويذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم لما يلحقهم من الخوف ويقال للميت إذا شخص بصره دارت عيناه ودارت حماليق عينيه والكاف نعت مصدر محذوف ) فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ( يقال سلق فلانا بلسانه إذا أغلظ له فى القول مجاهرا قال الفراء أى آذوكم بالكلام فى الأمن بألسنة سليطة ذرية ويقال خطيب مسلاق ومصلاق إذا كان بليغا ومنه قول الأعشى فيهم المجد والسماحة والنج
دة فيهم والخاطب السلاق
قال القتيبى المعنى آذوكم بالكلام الشديد والسلق الأذى ومنه قول الشاعر ولقد سلقت هوازنا
بنو أهل حتى انحنينا
قال قتادة معنى الاية بسطوا ألسنتهم فيكم فى وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطنا فإنا قد شهدنا معكم فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانا ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم قال النحاس وهذا قول حسن وانتصاب ) أشحة على الخير ( علي الحالية من فاعل سلقوكم ويجوز أن يكون نصبه علي الذم وقرأ ابن أبى عبلة برفع أشحة والمراد هنا أنهم أشح على الغنيمة يشاحون المسلمين عند القسمة قاله يحيى بن سلام وقيل على المال أن ينفقوه فى سبيل الله قاله السدى ويمكن أن يقال معناه أنهم قليلو الخير من غير تقييد بنوع من أنواعه والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصوفين بتلك الصفات ) لم يؤمنوا ( إيمانا خالصا بل هم منافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ) فأحبط الله أعمالهم ( أى أبطلها بمعني أظهر بطلانها لأنها لم تكن لهم أعمال تقتضى الثواب حتى يبطلها الله قال مقاتل أبطل جهادهم لأنه لم يكن فى إيمان ) وكان ذلك على الله يسيرا ( أى وكان ذلك الإحباط لأعمالهم أو كان نفاقهم على الله هينا
الأحزاب : ( 20 ) يحسبون الأحزاب لم . . . . .
) يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ( أى يحسب هؤلاء المنافقون لجبنهم أن الأحزاب باقون فى معسكرهم لم يذهبوا إلى ديارهم وذلك لما نزل بهم من الفشل والروع ) وإن يأت الأحزاب ( مرة أخرى بعد هذه المرة ) يودوا لو أنهم بادون في الأعراب ( أى يتمنون أنهم فى بادية الأعراب لما حل بهم من الرهبة والبادى خلاف الحاضر يقال بدا يبدو بداوة إذا خرج إلى البادية ) يسألون عن أنبائكم ( أى عن أخباركم وما جرى لكم كل قادم عليهم من جهتكم أو يسأل بعضهم بعضا عن الأخبار التى بلغته من أخبار الأحزاب ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أنهم يتمنون أنهم بعيد عنكم يسألون عن أخباركم من غير مشاهدة للقتال لفرط جبنهم وضعف نياتهم ) ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ( أى لو كانوا معكم فى هذه الغزوة مشاهدين للقتال ما قاتلو معكم إلا قتالا قليلا خوفا من العار وحمية على الديار
الأحزاب : ( 21 ) لقد كان لكم . . . . .
) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( أى قدوة صالحة يقال لى فى فلاة أسوة أى لى به والأسوة من الائتساء كالقدوة من الاقتداء اسم يوضع موضع المصدر قال الجوهرى والأسوة والإسوة بالضم والكسر والجمع أسى وإسى قرأ الجمهور أسوة بالضم للهمزة وقرأ عاصم بكسرها وهما لغتان كما قال الفراء وغيره


"""""" صفحة رقم 271 """"""
وفى هذه الاية عتاب للمتخلفين عن القتال مع رسول ( صلى الله عليه وسلم ) أى لقد كان لكم فى رسول الله حيث بذل نفسه للقتال وخرج إلى الخندق لنصرة دين الله أسوة وهذه الآية وإن كان سببها خاصا فهى عامة فى كل شىء ومثلها ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( وقوله ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ( واللام فى ) لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ( متعلق بحسنة أو بمحذوف هو صفة لحسنة أى كائنة لمن يرجو الله وقيل إن الجملة بدل من الكاف فى لكم ورده أبو حيان وقال إنه لا يبدل من ضمير المخاطب بإعادة الجار ويجاب عنه بأنه قد أجاز ذلك الكوفيون والأخفش وإن منعه البصريون والمراد بمن كان يرجو الله المؤمنون فإنهم الذين يرجون الله ويخافون عذابه ومعنى يرجون الله يرجون ثوابه أو لقاءه ومعنى يرجون الله يرجون ثوابه أو لقاءه ومعنى يرجون اليوم الآخر أنهم يرجون رحمة الله فيه أو يصدقون بحصوله وأنه كائن لا محالة وهذه الجملة تخصيص بعد التعميم بالجملة الأولى ) وذكر الله كثيرا ( معطوف على كان أي ولمن ذكر الله فى جميع أحواله ذكرا كثيرا وجمع بين الرجاء لله والذكر له فإن بذلك تتحقق الأسوة الحسنة برسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الأحزاب : ( 22 ) ولما رأى المؤمنون . . . . .
ثم بين سبحانه ما وقع من المؤمنين المخلصين عند رؤيتهم للأحزاب ومشاهدتهم لتلك الجيوش التى أحاطت بهم كالبحر العباب فقال ) ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ( الإشارة بقوله هذا إلى ما رأواه من الجيوش أو إلى الخطب الذى نزل والبلاء الذى دهم وهذا القول منهم قالوه استبشارا بحصول ما وعدهم الله ورسوله من مجىء هذه الجنود وإنه يتعقب مجيئهم إليهم نزول النصر والظفر من عند الله وما فى ما وعدنا الله هى الموصولة أو المصدرية ثم أردفوا ما قالوه بقولهم ) وصدق الله ورسوله ( أى ظهر صدق خبر الله ورسوله ) وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ( أى ما زادهم ما رأوه إلا إيمانا بالله وتسليما لأمره قال الفراء ما زادهم النظر إلى الأحزاب إلا إيمانا وتسليما قال على بن سليمان رأى يدل على الرؤية وتأنيث الرؤية غير حقيقي والمعنى ما زادهم الرؤية إلا إيمانا للرب وتسليما للقضاء ولو قال ما زادتهم لجاز
الأحزاب : ( 23 ) من المؤمنين رجال . . . . .
) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( أى من المؤمنين المخلصين رجال صدقوا أتوا بالصدق من صدقني إذا قال الصدق ومحل ما عاهدوا لله عليه النصب بنزع الخافض والمعنى أنهم وفوا بما عاهدوا عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة العقبة من الثبات معه والمقاتلة لمن قاتله بخلاف من كذب فى عهده وخان الله ورسوله وهم المنافقون وقيل هم الذين نذروا أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثبتوا له ولم يفروا ووجه إظهار الاسم الشريف والرسول فى قوله ) وصدق الله ورسوله ( بعد قوله ) ما وعدنا الله ورسوله ( هو قصد التعظيم كما فى قول الشاعر أرى الموت لا يسبق الموت شىء
وأيضا لو أضمرهما لجمع بين ضمير الله وضمير رسوله فى لفظ واحد وقال صدقا وقد ورد النهى عن جمعهما كما فى حديث بئس خطيب القوم أنت لمن قال ومن يعصها فقد غوى ثم فصل سبحانه حال الصادقين بما وعدوا الله ورسوله وقسمهم إلى قسمين فقال ) فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ( النحب ما التزمه الإنسان واعتقد الوفاء به ومنه قول الشاعر
عشية فر الحارثيون بعد ما قضى نحبه فى ملتقى القوم هوبر
وقال الآخر
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا عشية بسطام جرين على نحب
أى على أمر عظيم والنحب يطلق على النذر والقتل والموت قال ابن قتيبة قضى نحبه أى قتل وأصل النحب النذر كانوا يوم بدر تذورا إن لقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح لهم فقتلوا فقيل فلان قضى


"""""" صفحة رقم 272 """"""
نحبه أى قتل والنحب أيضا الحاجة وإدراك الأمنية يقول قائلهم مالى عندهم نحب والنحب العهد ومنه قول الشاعر لقد نحبت كلب على الناس أنهم
أحق بتاج الماجد المتكرم
وقال آخر قد نحب المجد علينا نحبا
ومن ورود النحب فى الحاجة وإدراك الأمنية قول الشاعر
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
ومعنى الآية أن من المؤمنين رجالا أدركوا أمنيتهم وقضوا حاجتهم ووفوا بنذرهم فقاتلوا حتى قتلوا وذلك يوم أحد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر ) ومنهم من ينتظر ( قضاء نحبه حتى يحضر أجله كعثمان بن عفان وطلحة والزبير وأمثالهم فإنهم مستمرون على الوفاء بما عاهدوا الله عليه من الثبات مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والقتال لعدوه ومنتظرون لقضاء حاجتهم وحصول أمنيتهم بالقتل وإدراك فضل الشهادة وجملة ) وما بدلوا تبديلا ( معطوفة على صدقوا أى ما غيروا عهدهم الذى عاهدوا الله ورسوله عليه كما غير المنافقون عهدهم بل ثبتوا عليه ثبوتا مستمرا أما الذين قضوا نحبهم فظاهر وأما الذين ينتظرون قضاء نحبهم فقد استمروا على ذلك حتى فارقوا الدنيا ولم يغيروا ولا بدلوا
الأحزاب : ( 24 ) ليجزي الله الصادقين . . . . .
واللام في قوله ) ليجزي الله الصادقين بصدقهم ( يجوز أن يتعلق بصدقوا أو بزادهم أو بما بدلوا أو بمحذوف كأنه قيل وقع جميع ما وقع ليجزى الله الصادقين بصدقهم ) ويعذب المنافقين إن شاء ( بما صدر عنهم من التغيير والتبديل جعل المنافقين كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بسبب تبديلهم وتغييرهم كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم فكل من الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب فكأنهما استويا فى طلبها والسعى لتحصيلها ومفعول إن شاء وجوابها محذوفان أى إن شاء تعذيبهم عذبهم وذلك إذا أقاموا على النفاق ولم يتركوه ويتوبوا عنه ) إن الله كان غفورا رحيما ( أي لمن تاب منهم وأقلع عما كان عليه من النفاق
الأحزاب : ( 25 ) ورد الله الذين . . . . .
ثم رجع سبحانه إلى حكاية بقية القصة وما امتن به على رسوله والمؤمنين من النعمة فقال ) ورد الله الذين كفروا ( وهم الأحزاب والجملة معطوفة على ) فأرسلنا عليهم ريحا ( أو على المقدر عاملا فى ليجزى الله الصادقين بصدقهم كأنه قيل وقع ما وقع من الحوادث ورد الله الذين كفروا ومحل ) بغيظهم ( النصب على الحال والباء للمصاحبة أى حال كونهم متلبسين بغيظهم ومصاحبين له ويجوز أن تكون للسببية وجملة ) لم ينالوا خيرا ( فى محل نصب على الحال أيضا من الموصول أو من الحال الأولى على التعاقب أو التداخل والمعنى أن الله ردهم بغيظهم لم يشف صدورهم ولا نالوا خيرا فى اعتقادهم وهو الظفر بالمسلمين أو لم ينالوا خيرا أى خير بل رجعوا خاسرين لم يربحوا إلا عناء السفر وغرم النفقة ) وكفى الله المؤمنين القتال ( بما أرسله من الريح والجنود من الملائكة ) وكان الله قويا عزيزا ( على ما يريده إذا قال له كن كان عزيزا غالبا قاهرا لا يغالبه أحد من خلقه ولا يعارضه معارض فى سلطانه وجبروته
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم فى قوله ) سلقوكم ( قال استقبلوكم وأخرج ابن أبى حاتم عنه ) وكان ذلك على الله يسيرا ( قال هينا وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر وابن النجار عن عمر فى قوله ) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( قال فى جوع رسول الله وقد استدل بهذه الآية جماعة من الصحابة فى مسائل كثيرة اشتملت عليها كتب السنة وهى خارجة عما نحن بصدده وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس فى قوله ) ولما رأى المؤمنون الأحزاب ( إلى اخر الاية قال إن الله قال لهم فى سورة البقرة ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء ( فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب فى الخندق ) قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ( فأول المسلمون ذلك فلم يزدهم


"""""" صفحة رقم 273 """"""
) إلا إيمانا وتسليما ( وأخرج البخارى وغيره عن أنس قال نرى هذه الآية نزلت فى أنس بن النضر ) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( وأخرج ابن سعد وأحمد ومسلم والترمذى والنسائى والبغوى فى معجمه وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقى عن أنس قال غاب عمى أنس بن النضر عن بدر فشق عليه وقال أول مشهد شهده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غبت عنه لئن أرانى الله مشهدا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما بعد ليرين الله ما أصنع فشهد يوم أحد فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا أبا عمرو وأين قال واها لريح الجنة أجدها دون أحد فقاتل حتى قتل فوجد فى جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية ونزلت هذه الآية ) رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( وكانوا يرون أنها نزلت فيه وفى أصحابه وقد روى عنه نحوه من طريق أخرى عند الترمذى وصححه والنسائى وغيرهما وأخرج الحاكم وصححه والبيهقى فى الدلائل عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول فوقف عليه ودعا له ثم قرأ ) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( الآية ثم قال أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله فأتوهم وزوروهم والذى نفسى بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه وقد تعقب الحاكم في تصحيحه الذهبى كما ذكر ذلك السيوطى ولكنه قد أخرج الحاكم حديثا آخر وصححه وأخرجه أيضا البيهقى فى الدلائل عن أبي ذر قال لما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد مر على مصعب بن عمير مقتولا على طريقة فقرأ ) من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( الآية وأخرج ابن مردويه من حديث خباب مثله وهما يشهدان لحديث أبى هريرة وزخرج الترمذى وحسنه وأبو يعلى وابن جرير والطبرانى وابن مردويه عن طلحة أن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالوا لأعرابى جاهل سله عمن قضى نحبه من هو وكانوا لا يجترئون على مسئلته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابى فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم إنى اطلعت من باب المسجد فقال أين السائل عمن قضى نحبه قال الأعرابي أنا قال هذا ممن قضى نحبه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه من حديثه نحوه وأخرج الترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن معاوية قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول طلحة ممن قضى نحبه وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى وأبو نعيم وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من سره أن ينظر إلى رجل يمشى على الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله وأخرج ابن منده وابن عساكر من حديث أسماء بنت أبى بكر نحوه وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن على أن هذه الآية نزلت فى طلحة وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) فمنهم من قضى نحبه ( قال الموت على ما عاهدوا الله عليه ومنهم من ينتظر الموت على ذلك وأخرج أحمد والبخارى وابن مردويه عن سليمان بن صرد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم الأحزاب الآن نغزوهم ولا يغزونا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عمر فى قوله ) فمنهم من قضى نحبه ( قال مات على ما هو عليه من التصديق والإيمان ) ومنهم من ينتظر ( ذلك ) وما بدلوا تبديلا ( لم يغيروا كما غير المنافقون
سورة الأحزاب ( 26 - 27 )


"""""" صفحة رقم 274 """"""
الأحزاب : ( 26 ) وأنزل الذين ظاهروهم . . . . .
قوله ) وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب ( أى عاضدوهم وعاونوهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم بنو قريظة فإنهم عاونوا الأحزاب ونقضوا العهد الذى كان بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصاروا يدا واحدة مع الأحزاب والصياصى جمع صيصية وهى الحصون وكل شىء يتحصن به يقال له صيصية ومنه صيصية الديك وهى الشوكة التى فى رجله وصياصى البقر قرونها لأنها تمتنع بها ويقال لشوكة الحائك التى يسوى بها السداة واللحمة صيصية ومنه قول دريد بن الصمة فجئت إليه والرماح تنوشه
كوقع الصياصى فى النسيج الممدد
ومن إطلاقها علي الحصون قول الشاعر فأصبحت الثيران صرعى وأصبحت
نساء تميم يبتدرن الصياصيا
) وقذف في قلوبهم الرعب ( أى الخوف الشديد حتى سلموا أنفسهم للقتل وأولادهم ونساءهم للسبى وهى معنى قوله ) فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ( فالفريق الأول هم الرجال والفريق الثانى هم النساء والذرية وهذه الجملة مبينة ومقررة لقذف الرعب فى قلوبهم قرأ الجمهور تقتلون بالفوقية على الخطاب وكذلك قرءوا تأسرون وقرأ ابن ذكوان فى رواية عنه بالتحتية فيهما وقرأ اليمانى بالفوقية فى الأول والتحتية فى الثانى وقرأ أبو حيوة تأسرون بضم السين وقد حكى الفراء كسر السين وضمها فهما لغتان ووجه تقديم مفعول الفعل الأول وتأخير مفعول الفعل الثانى أن الرجال لما كانوا أهل الشوكة وكان الوارد عليهم أشد الأمرين وهو القتل كان الاهتمام بتقديم ذكرهم أنسب بالمقام
وقد اختلف فى عدد المقتولين والمأسورين فقيل كان المقتولون من ستمائة إلى سبعمائة وقيل ستمائة وقيل سبعمائة وقيل ثمانمائة وقيل تسعمائة وكان المأسورون سبعمائة وقيل سبعمائة وخمسين وقيل تسعمائة
الأحزاب : ( 27 ) وأورثكم أرضهم وديارهم . . . . .
) وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم ( المراد بالأرض العقار والنخيل وبالديار المنازل والحصون وبالأموال الحلى والأثاث والمواشى والسلاح والدراهم والدنانير ) وأرضا لم تطؤوها ( أى وأورثكم أرضا لم تطئوها وجملة لم تطئوها صفة لأرضا قرأ الجمهور لم تطئوها بهمزة مضمومة ثم واو ساكنة وقرأ زيد بن على تطوها بفتح الطاء وواو ساكنة
واختلف المفسرون فى تعيين هذه الأرض المذكورة فقال يزيد بن رومان وابن زيد ومقاتل إنها خيبر ولم يكونوا إذ ذاك قد نالوها فوعدهم الله بها وقال قتادة كنا نتحدث أنها مكة وقال الحسن فارس والروم وقال عكرمة كل أرض تفتح إلى يوم القيامة ) وكان الله على كل شيء قديرا ( أى هو سبحانه قدير على كل ما أراده من خير وشر ونعمة ونقمة وعلي إنجاز ما وعد به من الفتح للمسلمين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) من صياصيهم ( قال حصونهم وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة قالت خرجت يوم الخندق أقفو الناس فإذا أنا بسعد بن معاذ ورماه رجل من قريش يقال له ابن الفرقدة بسهم فأصاب أكحله فقطعه فدعا الله سعدا فقال اللهم لا تمتنى حتى تقر عينى من قريظة


"""""" صفحة رقم 275 """"""
فبعث الله الريح على المشركين ) وكفى الله المؤمنين القتال ( ولحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا فى صياصيهم ورجع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد فى المسجد قالت فجاء جبريل وإن على ثناياه لوقع الغبار فقال أو قد وضعت السلاح لا والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح اخرج إلى بنى قريظة فقاتلهم فلبس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لامته وأذن فى الناس بالرحيل أن يخرجوا فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء عليهم قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ فنزلوا وبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى سعد بن معاذ فأتى به على حمار فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) احكم فيهم قال فإنى أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم فقال لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله
سورة الأحزاب ( 28 - 34 )
الأحزاب : ( 28 ) يا أيها النبي . . . . .
قوله ) يا أيها النبي قل لأزواجك ( قيل هذه الآية متصلة بمعنى ما تقدمها من المنع من إيذاء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وكان قد تأذى ببعض الزوجات قال الواحدى قال المفسرون إن أزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) سألنه شيئا من عرض الدنيا وطلبن منه الزيادة فى النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فآلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهن شهرا وأنزل الله آية التخيير هذه وكن يومئذ تسعا عائشة وحفصة وأم سلمة وأم حبيبة وسودة هؤلاء من نساء قريش وصفية الخيبرية وميمونة الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية ومعنى ) الحياة الدنيا وزينتها ( سعتها ونضارتها ورفاهيتها والتنعم فيها ) فتعالين ( أى أقبلن إلى ) أمتعكن ( بالجزم جوابا للأمر أى أعطكن المتعة و كذا ) وأسرحكن ( بالجزم أى أطلقكن


"""""" صفحة رقم 276 """"""
وبالجزم فى الفعلين قرأ الجمهور وقرأ حميد الخراز بالرفع فى الفعلين على الاستئناف والمراد بالسراح الجميل هو الواقع من غير ضرار على مقتضى السنة وقيل إن جزم الفعلين على أنهما جواب الشرط وعلى هذا يكون قوله فتعالين اعتراضا بين الشرط والجزاء
الأحزاب : ( 29 ) وإن كنتن تردن . . . . .
) وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة ( أي الجنة ونعيمها ) فإن الله أعد للمحسنات منكن ( أى اللاتى عملن عملا صالحا ) أجرا عظيما ( لا يمكن وصفه ولا يقادر قدره وذلك بسبب إحسانهن وبمقابلة صالح عملهن
وقد اختلف العلماء فى كيفيه تخيير النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أزواجه على قولين القول الأول أنه خيرهن بإذن الله فى البقاء على الزوجية أو الطلاق فاخترت البقاء وبهذا قالت عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي والزهرى وربيعة والقول الثانى أنه إنما خيرهن بين الدنيا فيفارقهن وبين الاخرة فيمسكهن ولم يخيرهن فى الطلاق وبهذا قال على والحسن وقتادة والراجح الأول واختلفوا أيضا فى المخيرة إذا اختارت زوجها هل يحسب مجرد ذلك التخيير على الزوج طلقة أم لا فذهب الجمهور من السلف والخلف إلى أنه لا يكون التخيير مع اختيار المرأة لزوجها طلاقا لا واحدة ولا أكثر وقال على وزيد بن ثابت إن اختارت زوجها فواحدة بائنة وبه قال الحسن والليث وحكاه الخطابى والنقاش عن مالك والراجح الأول لحديث عائشة الثابت فى الصحيحين قالت خيرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاخترناه فلم يعد طلاقا ولا وجه لجعل مجرد التخيير طلاقا ودعوى أنه كناية من كنايات الطلاق مدفوعة بأن المخير لم يرد الفرقة لمجرد التخيير بل أراد تفويض المرأة وجعل أمرها بيدها فإن اختارت البقاء بقيت على ما كانت عليه من الزوجية وإن اختارت الفرقة صارت مطلقة
واختلفوا في اختيارها لنفسها هل يكون ذلك طلقة رجعية أو بائنة فقال بالأول عمر وابن مسعود وابن عباس وابن أبى ليلى والثورى والشافعى وقال بالثانى على وأبو حنيفة وأصحابه وروى عن مالك والراجح الأول لأنه يبعد كل البعد أن يطلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نساءه على خلاف ما أمره الله به وقد أمره بقوله ) إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ( وروى عن زيد بن ثابت أنها إذا اختارت نفسها فثلاث طلقات وليس لهذا القول وجه وقد روى عن على أنها إذا اختارت نفسها فليس بشىء وإذا اختارت زوجها فواحدة رجعية
الأحزاب : ( 30 ) يا نساء النبي . . . . .
ثم لما اختار نساء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رسول الله أنزل فيهن هذه الايات تكرمة لهن وتعظيما لحقهن فقال ) يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة ( أى ظاهرة القبح واضحة الفحش وقد عصمهن الله عن ذلك وبرأهن وطهرهن ) يضاعف لها العذاب ضعفين ( أى يعذبهن مثلى عذاب غيرهن من النساء إذا أتين بمثل تلك الفاحشة وذلك لشرفهن وعلو درجتهن وارتفاع منزلتهن وقد ثبت فى هذه الشريعة فى غير موضع أن تضاعف الشرف وارتفاع الدرجات يوجب لصاحبه إذا عصى تضاعف العقوبات وقرأ أبو عمرو يضعف على البناء للمفعول وفرق هو وأبو عبيد بين يضاعف ويضعف فقالا يكون يضاعف ثلاثة عذابات ويضعف عذابين قال النحاس هذه التفرقة التي جاء بها لا يعرفها أحد من أهل اللغة والمعنى في يضاعف ويضعف واحد أى يجعل ضعفين وهكذا ضعف ما قالاه ابن جرير ) وكان ذلك على الله يسيرا ( لا يتعاظمه ولا يصعب عليه
الأحزاب : ( 31 ) ومن يقنت منكن . . . . .
) ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا ( قرأ الجمهور يقنت بالتحتية وكذا قرءوا يأت منكن حملا على لفظ من فى الموضعين وقرأ الجحدرى ويعقوب وابن عامر فى رواية وأبو جعفر بالفوقية حملا على المعنى ومعنى من يقنت من يطع وكذا اختلف القراء فى مبينة فمنهم من قرأها بالكسر ومنهم من قرأها بفتح الياء كما تقدم فى النساء وقرأ ابن كثير وابن عامر نضعف بالنون ونصب العذاب وقرئ


"""""" صفحة رقم 277 """"""
نضاعف بكسر العين على البناء للفاعل ) نؤتها أجرها مرتين ( قرأ حمزة والكسائى بالتحتية وكذا قرأ يعمل بالتحتية وقرأ الباقون تعمل بالفوقية ونؤت بالنون ومعنى إتيانهن الأجر مرتين أنه يكون لهن من الأجر على الطاعة مثلا ما يستحقه غيرهن من النساء إذا فعلن تلك الطاعة وفى هذا دليل قوى علي أن معنى يضاعف لها العذاب ضعفين أنه يكون العذاب مرتين لا ثلاثا لأن المراد إظهار شرفهن ومزيتهن فى الطاعة والمعصية بكون حسنتهن كحسنتين وسيئتهن كسيئتين ولو كانت سيئتهن كثلاث سيئات لم يناسب ذلك كون حسنتهن كحسنتين فإن الله أعدل من أن يضاعف العقوبة عليهن مضاعفة تزيد علي مضاعفة أجرهن ) وأعتدنا لها ( زيادة على الأجر مرتين ) رزقا كريما ( قال المفسرون الرزق الكريم هو نعيم الجنة حكى ذلك عنهم النحاس ثم أظهر سبحانه فضيلتهن على سائر النساء تصريحا فقال ) يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ( قال الزجاج لم يقل
الأحزاب : ( 32 ) يا نساء النبي . . . . .
كواحدة من النساء لأن أحد نفي عام للمذكر والمؤنث والواحدة والجماعة وقد يقال على ما ليس بأدمي كما يقال ليس فيها أحد لا شاة ولا بعير والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل والشرف ثم قيد هذا الشرف العظيم بقيد فقال ) إن اتقيتن ( فبين سبحانه أن هذه الفضيلة لهن إنما تكون بملازمتهن للتقوى لا لمجرد اتصالهن بالنبى ( صلى الله عليه وسلم ) وقد وقعت منهن ولله الحمد التقوى البينة والإيمان الخالص والمشى على طريقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى حياته وبعد مماته وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه أى إن اتقيتن فلستن كأحد من النساء وقيل إن جوابه ) فلا تخضعن ( والأول أولى ومعنى ) فلا تخضعن بالقول ( لا تلن القول عند مخاطبة الناس كما تفعله المريبات من النساء فإنه يتسبب عن ذلك مفسدة عظيمة وهى قوله ) فيطمع الذي في قلبه مرض ( أى فجور وشك ونفاق وانتصاب يطمع لكونه جواب النهى كذا قرأ الجمهور وحكى أبو حاتم أن الأعرج قرأ فيطمع بفتح الياء وكسر الميم قال النحاس أحسب هذا غلطا ورويت هذه القراءة عن أبى السمأل وعيسي بن عمر وابن محيصن وروى عنهم أنهم قرءوا بالجزم عطفا على محل فعل النهى ) وقلن قولا معروفا ( عند الناس بعيدا من الريبة على سنن الشرع لا ينكر منه سامعه شيئا ولا يطمع فيهن أهل الفسق والفجور بسببه
الأحزاب : ( 33 ) وقرن في بيوتكن . . . . .
) وقرن في بيوتكن ( قرأ الجمهور وقرن بكسر القاف من وقر يقر وقارا أى سكن والأمر منه قر بكسر القاف وللنساء قرن مثل عدن وزن وقال المبرد هو من القرار لا من الوقار تقول قررت بالمكان بفتح الراء والأصل اقررن بكسر الراء فحذفت الراء الأولى تخفيفا كما قالوا فى ظللت ظلت ونقلوا حركتها إلى القاف واستغنى عن ألف الوصل بتحريك القاف وقال أبو على الفارسي أبدلت الراء الأولى ياء كراهة التضعيف كما أبدلت فى قيراط ودينار وصار للياء حركة الحرف الذى أبدلت منه والتقدير اقيرن ثم تلقى حركة الياء على القاف كراهة تحريك الياء بالكسر فتسقط الياء لاجتماع الساكنين وتسقط همزة الوصل لتحريك مابعدها فيصير قرن وقرأ نافع وعاصم بفتح القاف وأصله قررت بالمكان إذا أقمت فيه بكسر الراء أقر بفتح القاف كحمد يحمد وهى لغة أهل الحجاز ذكر ذلك أبو عبيد عن الكسائى وذكرها الزجاج وغيره قال الفراء هو كما تقول هل حست صاحبك أى هل أحسسته قال أبو عبيد كان أشياخنا من أهل العربية ينكرون القراءة بالفتح للقاف وذلك لأن قررت بالمكان أقر لايجوزه كثير من أهل العربية والصحيح قررت أقر بالكسر ومعناه الأمر لهن بالتوقر والسكون فى بيوتهن وأن لا يخرجن وهذا يخالف ما ذكرناه هنا عنه عن الكسائى وهو من أجل مشايخه وقد وافقه على الإنكار لهذه القراءة أبو حاتم فقال إن قرن بفتح القاف لا مذهب له من فى كلام العرب قال النحاس قد خولف أبو حاتم فى قوله إنه لا مذهب له فى


"""""" صفحة رقم 278 """"""
فى كلام العرب بل فيه مذهبان أحدهما حكاه الكسائى والآخر عن على بن سليمان فأما المذهب الذى حكاه الكسائى فهو ما قدمناه من رواية أبى عبيد عنه وأما المذهب الذى حكاه على بن سليمان فقال إنه من قررت به عينا أقر والمعنى واقررن به عينا فى بيوتكن قال النحاس وهو وجه حسن
وأقول ليس بحسن ولا هو معنى الآية فإن المراد بها أمرهن بالسكون والاستقرار فى بيوتهن وليس من قرة العين وقرأ ابن أبى عبلة واقررن بألف وصل وراءين الأولى مكسورة على الأصل ) ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( التبرج أن تبدى المرأة زينتها ومحاسنها ما يجب عليها ستره مما تستدعى به شهوة الرجل وقد تقدم معنى التبرج فى سورة النور قال المبرد هو مأخوذ من السعة يقال فى أسنانه برج إذا كانت متفرقة وقيل التبرج هو التبختر فى المشي وهذا ضعيف جدا
وقد اختلف فى المراد بالجاهلية الأولى فقيل ما بين آدم ونوح وقيل ما بين نوح وإدريس وقيل ما بين نوح وإبراهيم وقيل ما بين موسى وعيسى وقيل ما بين عيسى ومحمد وقال المبرد الجاهلية الأولى كما تقول الجاهلية الجهلاء قال وكان نساء الجاهلية تظهر ما يقبح إظهاره حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخليلها فينفرد خليلها بما فوق الإزار إلى أعلى وينفرد زوجها بما دون الإزار إلى أسفل وربما سأل أحدهما صاحبه البدل قال ابن عطية والذى يظهر لى أنه أشار إلى الجاهلية التى لحقنها فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها وهى ما كان قبل الشرع من سيرة الكفرة لأنهم كانوا لا غيرة عندهم وليس المعنى أن ثم جاهلية أخرى كذا قال وهو قول حسن ويمكن أن يراد بالجاهلية الأخرى ما يقع فى الإسلام من التشبه بأهل الجاهلية بقول أو فعل فيكون المعنى ولا تبرجن أيها المسلمات بعد إسلامكن تبرجا مثل تبرج أهل الجاهلية التى كنتن عليها وكان عليها من قبلكن أى لا تحدثن بأفعالكن وأقوالكن جاهلية تشابه الجاهلية التى كانت من قبل ) وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ( خص الصلاة والزكاة لأنهما أصل الطاعات البدنية والمالية ثم عمم فأمرهن بالطاعة لله ولرسوله فى كل ما هو شرع ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( أى إنما أوصاكن الله بما أوصاكن من التقوى وأن لا تخضعن بالقول ومن قول المعروف والسكون فى البيوت وعدم التبرج وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والطاعة ليذهب عنكم الرجس أهل البيت والمراد بالرجس الإثم والذنب المدنسان للأعراض الحاصلان بسبب ترك ما أمر الله به وفعل ما نهى عنه فيدخل تحت ذلك كل ما ليس فيه لله رضا وانتصاب أهل البيت علي المدح كما قال الزجاج قال وإن شئت على البدل قال ويجوز الرفع والخفض قال النحاس إن خفض فعلى أنه بدل من الكاف والميم واعترضه المبرد بأنه لا يجوز البدل من المخاطب ويجوز أن يكون نصبه علي النداء ) ويطهركم تطهيرا ( أى يطهركم من الأرجاس والأردان تطهيرا كاملا وفى استعارة الرجس للمعصية والترشيح لها بالتطهير تنفير عنها بليغ وزجر لفاعلها شديد
وقد اختلف أهل العلم فى أهل البيت المذكورين فى الآية فقال ابن عباس وعكرمة وعطاء والكلبى ومقاتل وسعيد بن جبير إن أهل البيت المذكورين فى الآية هن زوجات النبى ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة قالوا والمراد بالبيت بيت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ومساكن زوجاته لقوله ) واذكرن ما يتلى في بيوتكن ( وأيضا السياق فى الزوجات من قوله ) يا أيها النبي قل لأزواجك ( إلي قوله ) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا ( وقال أبو سعيد الخدرى ومجاهد وقتادة وروى عن الكلبى أن أهل البيت


"""""" صفحة رقم 279 """"""
المذكورين فى الآية هم على وفاطمة والحسن والحسين خاصة ومن حججهم الخطاب فى الآية بما يصلح للذكور لا للإناث وهو قوله ) عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم ( ولو كان للنساء خاصة لقال عنكن ويطهركن وأجاب الأولون عن هذا أن التذكير باعتبار لفظ الأهل كما قال سبحانه أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت وكما يقول الرجل لصاحبه كيف أهلك يريد زوجته أو زوجاته فيقول هم بخير
ولنذكر ههنا ما تمسك به كل فريق أما الأولون فتمسكوا بالسياق فإنه فى الزوجات كما ذكرنا وبما أخرجه ابن أبى حاتم وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس فى قوله ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( قال نزلت فى نساء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وقال عكرمة من شاء باهلته أنها نزلت فى أزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج نحوه ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عكرمة نحوه وأخرج ابن سعد عن عروة نحوه
وأما ما تمسك به الآخرون فأخرج الترمذى وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه ابن مردويه والبيهقى فى سننه من طرق عن أم سلمة قالت فى بيتى نزلت ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( وفى البيت فاطمة وعلي الحسن والحسين فجللهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بكساء كان عليه ثم قال هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه عن أم سلمة أيضا أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كان فى بيتها على منامة له عليه كساء خيبرى فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ادعى زوجك وابنيك حسنا وحسينا فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( فأخذ النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بفضلة كسائه فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها إلي السماء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتى وخاصتى فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات قالت أم سلمة فأدخلت رأسى فى الستر فقلت يا رسول الله وأنا معكم فقال إنك إلي خير مرتين وأخرجه أيضا أحمد من حديثها قال حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عبد الملك بن أبى سيلمان عن عطاء بن أبى رياح حدثنى من سمع أم سلمة تذكر أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وفي إسناده مجهول وهو شيخ عطاء وبقية رجاله ثقات وقد أخرجه الطبرانى عنها من طريقين بنحوه وقد ذكر ابن كثير فى تفسيره لحديث أم سلمة طرقا كثيرة فى مسند أحمد وغيره وأخرج ابن مردويه والخطيب من حديث أبى سعيد الخدرى نحوه وأخرج الترمذى وابن جرير والطبرانى وابن مردويه عن عمر بن أبى سلمة ربيب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما نزلت هذه الآية على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( وذكر نحو حديث أم سلمة وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد ومسلم وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم عن عائشة قالت خرج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ثم جاء على فأدخله معه ثم قال ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه والبيهقى فى سننه عن واثلة بن الأسقع قال جاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلي فاطمة ومعه على وحسن وحسين حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما علي فخذه ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ثم تلا هذه الآية ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت (


"""""" صفحة رقم 280 """"""
وقال اللهم هؤلاء أهل بيتى اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قلت يا رسول الله وأنا من أهلك قال وأنت من أهلى قال واثلة إنه لأرجا ما أرجوه وله طرق فى مسند أحمد وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد والترمذى وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول الصلاة يا أهل البيت الصلاة ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( وأخرج مسلم عن زيد بن أرقم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أذكركم الله فى أهل بيتى فقيل لزيد ومن أهل بيته أليس نساؤه من أهل بيته قال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس وأخرج الحكيم الترمذي والطبرانى وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قسم الخلق قسمين فجعلنى فى خيرهما قسما فذلك قوله وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلنى فى خيرها ثلاثا فذلك قوله وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون السابقون فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلنى فى خيرها قبيلة وذلك قوله ) وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ( وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني فى خيرها بيتا فذلك قوله ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( فأنا وأهل بيتى مطهرون من الذنوب وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبى الحمراء قال رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله قال رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا طلع الفجر جاء إلى باب على وفاطمة فقال الصلاة الصلاة ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ( وفى إسناده أبو داود الأعمى وهو وضاع كذاب وفى الباب أحاديث وآثار وقد ذكرنا ههنا ما يصلح للتمسك به دون مالا يصلح
وقد توسطت طائفة ثالثة بين الطائفتين فجعلت هذه الآية شاملة للزوجات ولعلى وفاطمة والحسن والحسين أما الزوجات فلكونهن المرادات فى سياق هذه الآيات كما قدمنا ولكونهن الساكنات فى بيوته ( صلى الله عليه وسلم ) النازلات فى منازله ويعضد ذلك ما تقدم عن ابن عباس وغيره وأما دخول على وفاطمة والحسن والحسين فلكونهم قرابته وأهل بيته فى النسب ويؤيده ذلك ما ذكرناه من الأحاديث المصرحة بأنهم سبب النزول فمن جعل الآية خاصة بأحد الفريقين فقد أعمل بعض ما يجب إعماله وأهمل مالا يجوز إهماله وقد رجح هذا القول جماعة من المحققين منهم القرطبى وابن كثير وغيرهما وقال جماعة هم بنو هاشم واستدلوا بما تقدم من حديث ابن عباس ويقول زيد بن أرقم المتقدم حيث قال ولكن آله من حرم الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس فهؤلاء ذهبوا إلي أن المراد بالبيت بيت النسب
الأحزاب : ( 34 ) واذكرن ما يتلى . . . . .
قوله ) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ( أى اذكرن موضع النعمة إذ صيركن الله فى بيوت يتلى فيها آيات الله والحكمة أو اذكرنها وتفكرن فيها لتتعظن بمواعظ الله أو اذكرنها للناس ليتعظوا بها ويهتدوا بهداها أو اذكرنها بالتلاوة لها لتحفظنها ولا تتركن الاستكثار من التلاوة قال القرطبى قال أهل التأويل آيات الله هى القرآن والحكمة السنة وقال مقاتل المراد بالآيات والحكمة أمره ونهيه فى القرآن وقيل إن القرآن جامع بين كونه آيات بينات دالة علي التوحيد وصدق النبوة وبين كونه حكمة مشتملة على فنون من العلوم والشرائع ) إن الله كان لطيفا خبيرا (


"""""" صفحة رقم 281 """"""
أى لطيفا بأوليائه خبيرا بجميع خلقه وجميع ما يصدر منهم من خير وشر وطاعة ومعصية فهو يجازى المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد ومسلم والنسائى وابن مردويه من طريق أبى الزبير عن جابر قال أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والناس ببابه جلوس والنبى ( صلى الله عليه وسلم ) جالس فلم يؤذن له ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبى بكر وعمر فدخلا والنبى ( صلى الله عليه وسلم ) جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمرت لأكملن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لعله يضحك فقال عمر يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألت النفقة آنفا فوجأت فى عنقها فضحك النبى ( صلى الله عليه وسلم ) حتى بدت نواجذه وقال هن حولى يسألننى النفقة فقام أبو بكر إلي عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما ليس عنده فنهاهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلن نساؤه والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ماليس عنده وأنزل الله الخيار فنادى بعائشة فقال إنى ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمرى أبويك قالت ما هو فتلا عليها ) يا أيها النبي قل لأزواجك ( الاية قالت عائشة أفيك أستأمر أبوى بل أختار الله رسوله وأسالك أن لا تذكر لنسائك ما اخترت فقال إن الله لن يبعثني معلما مبشرا لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جاءها حين أمره الله أن يخير أزواجه قالت فبدأ بى فقال إنى ذاكر لك أمر فلا عليك أن لا تستعجلى حتى تستأمرى أبويك وقد علم أن أبوى لم يكونا يأمرانى بفراقه فقال إن الله قال ) يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا ( إلي تمام الاية فقلت له ففى أى هذا أستأمر أبوى فإنى أريد الله ورسوله والدار الآخرة وفعل أزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مثل مافعلت وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا ( قال يقول من يطع الله منكن وتعمل منكن لله ورسوله بطاعته وأخرج ابن المنذر عنه فى قوله ) فلا تخضعن بالقول ( قال يقول لاترخصن بالقول ولاتخضعن بالكلام وأخرج ابن المنذر عنه أيضا فى قوله ) فلا تخضعن بالقول ( قال مقارنة الرجال فى القول حتى يطمع الذى فى قلبه مرض وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن سيرين قال نبئت أنه قيل لسودة زوج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مالك لاتحجين ولاتعتمرين كما يفعل أخوانك فقالت قد حججت واعتمرت وأمرنى الله أن أقر فى بيتى فوالله لا أخرج من بيتى حتى أموت قال فوالله ماخرجت من باب حجرتها حتى أخرجت بجنازتها وأخرج ابن أبى شيبة وابن سعد وعبد الله بن أحمد فى زوائد الزاهد وابن المنذر عن مسروق قال كانت عائشة إذا قرأت ) وقرن في بيوتكن ( بكت حتى تبل خمارها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقى فى الشعب قال كانت الجاهلية الأولي فيما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب سأله فقال أرأيت قول الله لأزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( هل كانت جاهلية غير واحدة فقال ابن عباس ماسمعت بأولى إلا ولها آخرة فقال له عمر فأتنى من كتاب الله مايصدق ذلك فقال إن الله يقول وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم أول مرة فقال عمر من أمرنا أن نجاهد قال مخزوم وعبد شمس وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس أيضا فى الآية قال تكون جاهلية أخرى وأخرج ابن أبى حاتم عن عائشة أنها تلت هذه الآية


"""""" صفحة رقم 282 """"""
فقالت الجاهلية الأولى كانت على عهد إبراهيم وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال الجاهلية الأولى مابين عيسى ومحمد وقد قدمنا ذكر الآثار الواردة فى سبب نزول قوله ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة فى قوله ) واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ( قال القرآن والسنة يمتن بذلك عليهن وأخرج ابن سعد عن أبى أمامة عن سهل فى قوله ) واذكرن ما يتلى في بيوتكن ( الآية قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلى فى بيوت أزواجه النوافل بالليل والنهار
سورة الأحزاب ( 35 - 36 )
الأحزاب : ( 35 ) إن المسلمين والمسلمات . . . . .
قوله ) إن المسلمين ( بدأ سبحانه بذكر الإسلام الذى هو مجرد الدخول فى الدين والانقياد له مع العمل كما ثبت فى الحديث الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما سأله جبريل عن الإسلام قال هو أن تشهد أن لا إله إلا الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتحج البيت وتصوم رمضان ثم عطف على المسلمين ) والمسلمات ( تشريفا لهن بالذكر وهكذا فيما بعد وإن كن داخلات فى لفظ المسلمين والمؤمنين ونحو ذلك والتذكير إنما هو لتغليب الذكور على الإناث كما فى جميع ماورد فى الكتاب العزيز من ذلك ثم ذكر ) المؤمنين والمؤمنات ( وهم من يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره كما ثبت ذلك فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والقانت العابد المطيع وكذا القانتة وقيل الدوامين على العبادة والطاعة والصادق والصادقة هما من يتكلم بالصدق ويتجنب الكذب ويعني بما عوهد عليه والصابر والصابرة هما من يصبر عن الشهوات وعلى مشاق التكليف والخاشع والخاشعة هما المتواضعان لله الخائفان منه الخاضعان فى عباداتهم لله والمتصدق والمتصدقة هما من تصدق من ماله بما أوجبه الله عليه وقيل ذلك أعم من صدقة الفرض والنفل وكذلك الصائم والصائمة قيل ذلك مختص بالفرض وقيل هو أعم والحافظ والحافضة لفرجيهما عن الحرام بالتعفف والتنزه والاقتصار على الحلال والذاكر والذاكرة هما من يذكر الله على أحواله وفى ذكر الكثرة دليل علي مشروعية الاستكثار من ذكر الله سبحانه بالقلب واللسان واكتفى فى الحافظات بما تقدم فى الحافظين من ذكر الفروج والتقدير والحافظين فروجهم والحافظات فروجهن وكذا فى الذاكرات والتقدير والذاكرين الله كثيرا والذاكرات الله كثيرا والخبر لجميع ماتقدم هو قوله ) أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ( أى مغفرة لذنوبهم التى أذنبوها وأجرا عظيما على طاعاتهم التى فعلوها من الإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والتصدق والصوم والعفاف والذكر ووصف الأجر بالعظم للدلالة على أنه بالغ غاية المبالغ ولاشىء أعظم من أجر هو الجنة ونعيمها الدائم الذى لاينقطع ولاينفذ اللهم اغفر ذنوبنا وأعظم أجورنا
الأحزاب : ( 36 ) وما كان لمؤمن . . . . .
) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم (


"""""" صفحة رقم 283 """"""
أى ماصح ولا استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين ولفظ ما كان وما ينبغى ونحوهما معناهما المنع والحظر من الشىء والإخبار بأنه لايحل أن يكون شرعا وقد يكون لما يمتنع عقلا كقوله ) ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ( ومعنى الآية أنه لايحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمرا أن يختار من أمر نفسه ماشاء بل يجب عليه أن يذعن للقضاء ويوقف نفسه تحت ماقضاه الله عليه واختاره له وجمع الضميرين فى قوله لهم ومن أمرهم لأن مؤمن ومؤمنة وقعا فى سياق النفى فهما يعمان كل مؤمن ومؤمنة قرأ الكوفيون أن يكون بالتحتية واختار هذه القراءة أبو عبيد لأنه قد فرق بين الفعل وفاعله المؤنث بقوله لهم مع كون التأنيث غير حقيقى وقرأ الباقون بالفوقية لكونه مسندا إلى الخيرة وهى مؤنثة لفضا والخيرة مصدر بمعنى الاختيار وقرأ ابن السميفع الخيرة بسكون التحتية والباقون بتحريكها ثم توعد سبحانه من لم يذعن لقضاء الله وقدره فقال ) ومن يعص الله ورسوله ( فى أمر من الأمور ومن ذلك عدم الرضا بالقضاء ) فقد ضل ضلالا مبينا ( أى ضل عن طريق الحق ضلالا ظاهرا واضحا لايخفى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد والنسائى وابن جرير وابن المنذر والطبرانى وابن مردويه عن أم سلمة قالت قلت يارسول الله مالنا لانذكر فى القرآن كما يذكر الرجال فلم يرعني منه ذات يوم إلا نداؤه على المنبر وهو يقول إن الله يقول ) إن المسلمين والمسلمات ( إلى آخر الآية وروى نحو هذا عنها من طريق أخرى أخرجها الفريابى و ابن سعد وابن أبى شيبة وعبد بن حميد والنسائى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه وأخرج الفريابى وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذى وحسنه والطبرانى وابن مردويه عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت ما أرى كل شىء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشىء فنزلت هذه الآية ) إن المسلمين والمسلمات ( وأخرج ابن جرير والطبرانى وابن مردويه بإسناد قال السيوطى حسن عن ابن عباس قال قالت النساء يا رسول الله ما باله يذكر المؤمنين ولايذكر المؤمنات فنزلت ) إن المسلمين والمسلمات ( الآية وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضى الله عنهما قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انطلق ليخطب علي فتاة زيد بن حارثة فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها قالت لست بناكحته قال بلى فانكحيه قالت يا رسول الله أؤامر نفسى فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسوله ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة ( الآية قالت قد رضيته لى يا رسول الله منكحا قال نعم قالت إذن لا أعصى رسول الله قد أنكحته نفسى وأخرج نحوه عنه ابن جرير من طريق أخرى وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لزينب إنى أريد أن أزوجك زيد بن حارثة فإنى قد رضيته لك قالت يا رسول الله لكنى لا أرضاه لنفسى وأنا أيم قومى وبنت عمتك فلم أكن لأفعل فنزلت هذه الآية ) وما كان لمؤمن ( يعنى زيدا ) ولا مؤمنة ( يعنى زينب ) إذا قضى الله ورسوله أمرا ( يعنى النكاح فى هذا الموضع ) أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( يقول ليس لهم الخيرة من أمرهم خلاف ما أمر الله به ) ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ( قالت قد أطعتك فاصنع ماشئت فزوجها زيدا ودخل عليها وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن زيد قال نزلت فى أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وكانت أول امرأة هاجرت فوهبت نفسها للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) فزوجها زيد بن حارثة فسخطت هى وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله فزوجنا عبده
سورة الأحزاب ( 37 - 40 )


"""""" صفحة رقم 284 """"""
الأحزاب : ( 37 ) وإذ تقول للذي . . . . .
لما زوج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زيد بن حارثة بزينب بنت جحش كما مر فى تفسير الآية التى قبل هذه أنزل الله سبحانه ) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ( أى واذكر إذ تقول للذى أنعم الله عليه وهو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن أعتقه من الرق وكان من سبي الجاهلية اشتراه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى الجاهلية وأعتقه وتبناه وسيأتى فى بيان سبب نزول الآية فى آخر البحث مايوضح المراد منها قال القرطبى وقد اختلف فى تأويل هذه الآية فذهب قتادة وابن زيد وجماعة من المفسرين منهم ابن جرير الطبرى وغيره إلى أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وقع منه استحسان لزينب بنت جحش وهى فى عصمة زيد وكان حريصا على أن يطلقها زيد فيتزوجها هو ثم إن زيدا لما أخبره بأنه يريد فراقها ويشكو منها غلظة قول وعصيان أمر وأذى باللسان وتعظما بالشرف قال له اتق الله فيما تقول عنها وأمسك عليك زوجك وهو يخفى الحرص علي طلاق زيد إياها وهذا الذى كان يخفى فى نفسه ولكنه لزم مايجب من الأمر بالمعروف انتهى ) أمسك عليك زوجك ( يعنى زينب ) واتق الله ( فى أمرها ولاتعجل بطلاقها ) وتخفي في نفسك ما الله مبديه ( وهو نكاحها إن طلقها زيد وقيل حبها ) وتخشى الناس ( أى تستحيهم أو تخاف من تعيبرهم بأن يقولوا أمر مولاه بطلاق امرأته ثم تزوجها ) والله أحق أن تخشاه ( فى كل حال وتخاف منه وتستحييه والواو للحال أى تخفى فى نفسك ذلك الأمر مخافة من الناس ) فلما قضى زيد منها وطرا ( قضاء الوطر فى اللغة بلوغ منتهى ما فى النفس من الشىء يقال وطرا منه إذا بلغ ما أراد من حاجته فيه ومنه قول عمر بن أبى ربيعة أيها الرائح المجد ابتكارا
قد قضى من تهامة الأوطارا
أى فرغ من أعمال الحج وبلغ ما أراد منه والمراد هنا أنه قضى وطره منها بنكاحها والدخول بها بحيث لم يبق فيها حاجة وقيل المراد به الطلاق لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة وقال المبرد الوطر لشهوة والمحبة وأنشد وكيف ثوائى بالمدينة بعد ما
قضى وطرا منها جميل بن معمر
وقال أبو عبيدة الوطر الأرب والحاجة وأنشد قول الفزارى ودعنا قبل أن نودعه
لما قضى من شبابنا وطرا


"""""" صفحة رقم 285 """"""
قرأ الجمهور ) زوجناكها ( وقرأ على وابناه الحسن زوجتكها فلما أعلمه الله بذلك دخل عليها بغير إذن ولا عقد ولاتقدير صداق ولاشىء مما هو معتبر فى النكاح فى حق أمته وقيل المراد به الأمر له بأن يتزوجها والأول أولى وبه جاءت الأخبار الصحيحة ثم علل سبحانه ذلك بقوله ) لكي لا يكون على المؤمنين حرج ( أى ضيق ومشقة ) في أزواج أدعيائهم ( أى فى التزوج بأزواج من يجعلونه ابنا كما كانت تفعله العرب فإنهم كانوا يتبنون من يريدون وكان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قد تبنى زيد بن حارثة فكان يقال زيد بن محمد حتى نزل قوله سبحانه ادعوهم لآبائهم وكانت العرب تعتقد أنه يحرم عليه نساء من تبنوه كما تحرم عليه نساء أبنائهم حقيقة والأدعياء جمع دعى وهو الذى يدعى ابنا من غير أن يكون ابنا علي الحقيقة فأخبرهم الله أن نساء الأدعياء حلال لهم ) إذا قضوا منهن وطرا ( بخلاف ابن الصلب فإن امرأته تحرم على أبيه بنفس العقد عليها ) وكان أمر الله مفعولا ( أى كان قضاء الله فى زينب أن يتزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قضاء ماضيا مفعولا لامحالة
الأحزاب : ( 38 ) ما كان على . . . . .
ثم بين سبحانه أنه لم يكن على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حرج فى هذا النكاح فقال ) ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ( أى فيما أحل الله وقدره وقضاه يقال فرض له كذا أى قدر له ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ( أى إن هذا هو السنن الأقدم فى الأنبياء والأمم الماضية أن ينالوا ما أحله الله لهم من أمر النكاح وغيره ) وكان أمر الله قدرا مقدورا ( أى قضاء مقضيا قال مقاتل أخبر الله أن أمر زينب كان من حكم الله وقدره وانتصاب سنة على المصدر أى سن الله سنة الله أو اسم وضع موضع المصدر أو منصوب بجعل أو بالإغراء ورده أبو حبان بأن عامل الإغراء لايحذف
الأحزاب : ( 39 ) الذين يبلغون رسالات . . . . .
ثم ذكر سبحانه الأنبياء الماضين وأثنى عليهم فقال ) الذين يبلغون رسالات الله ( والموصول فى محل جر صفة للذين خلو أو منصوب علي المدح مدحهم سبحانه بتبليغ ما أرسلهم به إلى عباده وخشيته فى كل فعل وقول ولايخشون سواه ولايبالون بقول الناس ولابتعييرهم بل خشيتهم مقصورة على الله سبحانه ) وكفى بالله حسيبا ( حاضرا فى كل مكان يكفى عباده كل ما يخافونه أو محاسبا لهم فى كل شىء ولما تزوج ( صلى الله عليه وسلم ) زينب قال الناس تزوج امرأة ابنة
الأحزاب : ( 40 ) ما كان محمد . . . . .
فأنزل الله ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( أى ليس بأب لزيد بن حارثة على الحقيقة حتى تحرم عليه زوجته ولا هو أب لأحد لم يلده قال الواحدى قال المفسرون لم يكن أبا أحد لم يلده وقد ولد من الذكور إبراهيم والقاسم والطيب والمطهر قال القرطبى ولكن لم يعش له ابن حتى يصير رجلا قال وأما الحسن والحسين فكانا طفلين ولم يكونا رجلين معاصرين له ) ولكن رسول الله ( قال الأخفش والفراء ولكن كان رسول الله وأجاز الرفع وكذا قرأ ابن أبى عبلة بالرفع فى رسول وفى خاتم على معنى ولكن هو رسول الله وخاتم النبيين وقرأ الجمهور بتخفيف لكن ونصب رسول وخاتم ووجه النصب علي خبرية كان المقدرة كما تقدم ويجوز أن يكون بالعطف على أبا أحد وقرأ أبو عمرو فى رواية عنه بتشديد لكن ونصب رسول علي أنه اسمها وخبرها محذوف أى ولكن رسول الله هو وقرأ الجمهور خاتم بكسر التاء وقرأ عاصم بفتحها ومعنى القراءة الأولى أنه ختمهم أى جاء آخرهم ومعنى القراءة الثانية أنه صار كالخاتم لهم الذى يتخمون به ويتزينون بكونه منهم وقيل كسر التاء وفتحها لغتان قال أبو عبيد الوجه الكسر لأن التأويل أنه ختمهم فهو خاتمهم وأنه قال أنا خاتم النبيين وخاتم الشىء آخره ومنه قولهم خاتمة المسك وقال الحسن الخاتم هو الذى ختم به ) وكان الله بكل شيء عليما ( قد أحاط علمه بكل شىء ومن جملة معلوماته هذه الأحكام المذكورة هنا


"""""" صفحة رقم 286 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد والبخارى والترمذى وغيرهم عن أنس قال جاء زيد بن حارثة يشكو زينب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول اتق الله وأمسك عليك زوجك فنزلت ) وتخفي في نفسك ما الله مبديه ( قال أنس فلو كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كاتما شيئا لكتم هذه الآية فتزوجها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فما أولم علي امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة ) فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ( فكانت تفخر علي أزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) تقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سموات وأخرج أحمد ومسلم والنسائى وغيرهم عن أنس قال لما انقضت عدة زينب قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لزيد اذهب فاذكرها على فانطلق قال فلما رأيتها عظمت فى صدرى فقلت يا زينب أبشرى أرسلنى رسول الله يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربى فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودخل عليها بغير إذن ولقد رأيتنا حين دخلت علي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أطعمنا عليها الخبر واللحم فخرج الناس وبقى رجال يتحدثون فى البيت بعد الطعام فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقولون يا رسول الله كيف وجدت أهلك فما أدرى أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبر فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بينى وبينه ونزل الحجاب ووعظ القوم بما وعظوا به ) لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ( الآية وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذى وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه عن عائشة قالت لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كاتما شيئا من الوحى لكتم هذه الآية ) وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ( يعنى بالإسلام ) وأنعمت عليه ( يعنى بالعتق ) أمسك عليك زوجك ( إلى قوله ) وكان أمر الله مفعولا ( وإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما تزوجها قالوا تزوج حليلة ابنة فأنزل الله ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ( وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تبناه وهو صغير فلبث حتى صار رجلا يقال له زيد بن محمد فأنزل الله ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله يعنى أعدل عند الله وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظى فى قوله ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ( قال يعنى يتزوج من النساء ما شاء هذا فريضة وكان من قبل من الأنبياء هذا سنتهم قد كان لسليمان بن داود ألف امرأة وكان لداود مائة امرأة وأخرج ابن المنذر والطبرانى عن ابن جريج فى قوله ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ( قال داود والمرأة التى نكح وزوجها واسمها اليسية فذلك سنة فى محمد وزينب ) وكان أمر الله قدرا مقدورا ( كذلك من سنته فى داود والمرأة والنبى وزينب وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( قال نزلت فى زيد بن حارثة وأخرج أحمد ومسلم عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مثلى ومثل النبيين كمثل رجل بنى دارا فانتهى إلا لبنة واحدة فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل ابنتى دار فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فكان من دخلها فنظر إليها قال ما أحسنها إلا موضع اللبنة فأنا موضع اللبنة حتى ختم بى الأنبياء وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما من حديث أبى هريرة نحوه وأخرج أحمد والترمذى وصححه من حديث أبى بن كعب نحوه أيضا


"""""" صفحة رقم 287 """"""
سورة الأحزاب 41 48
الأحزاب : ( 41 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ( أمر سبحانه عباده بأن يستكثروا من ذكره بالتهليل والتحميد والتسبيح والتكبير وكل ماهو ذكر لله تعالى قال مجاهد هو أن لاينساه أبدا وقال الكلبى ويقال ذكرا كثيرا بالصلوات الخمس وقال مقاتل هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير على كل حال
الأحزاب : ( 42 ) وسبحوه بكرة وأصيلا
) وسبحوه بكرة وأصيلا ( أى نزهوه هما لايليق به فى وقت البكرة ووقت الأصيل وهما أول النهار وآخره وتخصيصهما بالذكر لمزيد ثواب التسبيح فيهما وخص التسبيح بالذكر بعد دخوله تحت عموم قوله ) اذكروا الله ( تنبيها علي مزيد شرفه وإنافة ثوابه على غيره من الأذكار وقيل المراد بالتسبيح بكرة صلاة الفجر وبالتسبيح أصيلا صلاة المغرب وقال قتادة وابن جرير المراد صلاة الغداة وصلاة العصر وقال الكلبى أما بكرة فصلاة الفجر وأما أصيلا فصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال المبرد والأصيل العشى وجمعه أصائل
الأحزاب : ( 43 ) هو الذي يصلي . . . . .
) هو الذي يصلي عليكم وملائكته ( والصلاة من الله على العباد رحمته لهم وبركته عليهم ومن الملائكة الدعاء لهم والاستغفار كما قال ويستغفرون للذين آمنوا قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان المعنى ويأمر ملائكته بالاستغفار لكم والجملة مستأنفة كالتعليل لما قبلها من الأمر بالذكر والتسبيح وقيل الصلاة من الله علي العبد هى إشاعة الذكر الجميل له فى عباده وقيل الثناء عليه وعطف ملائكته علي الضمير المستكن فى يصلى لوقوع الفصل بقوله عليكم فأغنى ذلك عن التأكيد بالضمير المنفصل والمراد بالصلاة هنا معنى مجاى يعم صلاة الله بمعني الرحمة وصلاة الملائكة بمعني الدعاء لئلا يجمع بين حقيقة ومجاز فى كلمة واحدة واللام فى ) ليخرجكم من الظلمات إلى النور ( متعلق بيصلى أى يعتنى بأموركم هو ملائكته ليخرجكم من ظلمات المعاصى إلى نور الطاعات ومن ظلمة الضلالة إلى نور الهدى ومعنى الاية تثبيت المؤمنين علي الهداية ودوامهم عليها لأنهم كانوا وقت الخطاب على الهداية ثم أخبر سبحانه برحمته للمؤمنين تأنيسا لهم وتثبيتا فقال ) وكان بالمؤمنين رحيما ( وفى هذه الجملة تقرير لمضمون ما تقدمها
الأحزاب : ( 44 ) تحيتهم يوم يلقونه . . . . .
ثم بين سبحانه أن هذه الرحمة منه لاتخص السامعين وقت الخطاب بل هى عامة لهم ولمن بعدهم وفى الدار الاخرة فقال ) تحيتهم يوم يلقونه سلام ( أى تحية المؤمنين من الله سبحانه يوم لقائهم له عند الموت أو عند البعث أو عند دخول الجنة هى التسليم عليهم منه عز وجل وقيل المراد تحية بعضهم لبعض يوم يلقون ربهم سلام وذلك لأنه كان بالمؤمنين رحيما فلما شملتهم رحمته وأمنوا من عقابه حيا بعضهم بعضا سرورا واستبشارا والمعنى سلامة لنا من عذاب النار قال الزجاج المعنى فيسلمهم الله من الآفات ويبشرهم بالأمن من المخافات يوم يلقونه وقيل الضمير فى يلقونه راجع إلي ملك الموت وهو الذى يحيهم كما ورد أنه لايقبض روح مؤمن إلا سلم عليه وقال مقاتل هو تسليم الملائكة عليهم يوم يلقون الرب كما فى قوله ) والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ( وأعد لهم أجرا


"""""" صفحة رقم 288 """"""
كريما أى أعد لهم فى الجنة رزقا حسنا ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم
الأحزاب : ( 45 ) يا أيها النبي . . . . .
ثم ذكر سبحانه صفات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) التى أرسله لها فقال ) يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ( أى على أمته يشهد لمن صدقه وآمن به وعلى من كذبه وكفر به قال مجاهد شاهدا علي أمته بالتبليغ إليهم وعلى سائر الأمم بتبليغ أنبيائهم إليهم ) ومبشرا ( للمؤمنين برحمة الله وبما أعده لهم من جزيل الثواب وعظيم الأجر ) ونذيرا ( للكافرين والعصاة بالنار وبما أعده الله لهم من عظيم العقاب
الأحزاب : ( 46 ) وداعيا إلى الله . . . . .
) وداعيا إلى الله ( يدعون عباد الله إلى التوحيد والإيمان بما جاء به والعمل بما شرعه لهم ومعنى ) بإذنه ( بأمره بذلك وتقديره وقيل بتبشيره ) وسراجا منيرا ( أى يستضاء به في ظلم الضلالة كما يستضاء بالمصباح في الظلمة قال الزجاج ) وسراجا ( أي ذا سراج منير أي كتاب نير وانتصاب شاهدا وما بعده على الحال
الأحزاب : ( 47 ) وبشر المؤمنين بأن . . . . .
) وبشر المؤمنين ( عطف علي مقدر يقتضيه المقام كأنه قال فاشهد وبشر أو فدبر أحوال الناس ) وبشر المؤمنين ( أو هو من عطف جملة على جملة وهى المذكورة سابقا ولايمنع من ذلك الاختلاف بين الجملتين بالإخبار والإنشاء أمره سبحانه بأن يبشرهم بأن لهم من الله فضلا كبيرا على سائر الأمم وقد بين ذلك سبحانه بقوله ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير )
الأحزاب : ( 48 ) ولا تطع الكافرين . . . . .
ثم نهاه سبحانه عن طاعة أعداء الدين فقال ) ولا تطع الكافرين والمنافقين ( أى لاتطعهم فيما يشيرون عليك به من المداهنة فى الدين وفى الآية تعريض لغيره من أمته لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) معصوم عن طاعتهم فى شىء مما يريدونه ويشيرون به عليه وقد تقدم تفسير هذه الآية فى أول السورة ) ودع أذاهم ( أى لاتبال بما يصدر منهم إليك من الأذى بسبب يصيبك فى دين الله وشدتك على أعدائه أو دع أن تؤذيهم مجازاة لهم علي ما يفعلونه من الأذى لك فالمصدر على الأول مضاف إلى الفاعل وعلى الثانى مضاف إلي المفعول وهى منسوخة بآية السيف ) وتوكل على الله ( فى كل شؤونك ) وكفى بالله وكيلا ( توكل إليه الأمور وتفوض إليه الشئون فمن فوض إليه أموره كفاه ومن وكل إليه أحواله لم يحتج فيها إلى سواه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) اذكروا الله ذكرا كثيرا ( يقول لايفرض على عباده فريضة إلا جعل لها أجلا معلوما ثم عذر أهلها فى حال العذر غير الذكر فإن الله لم يجعل له حدا ينتهى إليه ولم يعذر أحدا فى تركه إلا مغلوبا على عقله فقال اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم بالليل والنهار فى البر والبحر فى السفر والحضر فى الغنى والفقر فى الصحة والسقم فى السر والعلانية وعلى كل حال وقال ) وسبحوه بكرة وأصيلا ( إذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله ) هو الذي يصلي عليكم وملائكته (
وقد ورد فى فضل الذكر والاستكثار منه أحاديث كثيرة وقد صنف فى الأذكار المتعلقة بالليل والنهار جماعة من الأئمة كالنسائى والنووى والجزرى وغيرهم وقد نطقت الآيات القرآنية بفضل الذاكرين وفضيلة الذكر ولذكر الله أكبر وقد ورد أنه أفضل من الجهاد كما فى حديث أبى سعيد الخدرى عند أحمد والترمذى والبيهقى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل أى العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا قلت يا رسول الله ومن الغازى فى سبيل الله قال لو ضرب بسيفه فى الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون أفضل منه درجة وأخرج أحمد عن أبى الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها فى درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب


"""""" صفحة رقم 289 """"""
والورق وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وما هو يا رسول الله قال ذكر الله عز وجل وأخرجه أيضا الترمذي وابن ماجة وفي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله قال الذاكرون الله كثيرا وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اذكروا الله حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون
وورد في فضل التسبيح بخصوصه أحاديث ثابتة في الصحيحين وغيرهما فمن ذلك حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قال في يوم مائة مرة سبحان الله وبحمده حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص قال كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لنا أيعجز أحدكم أن يكتسب في اليوم ألف حسنة فقال رجل كيف يكتسب أحدنا ألف حسنة قال يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة ويحط عنه ألف خطيئة وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذكر الموت وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن البراء بن عازب في قوله ) تحيتهم يوم يلقونه سلام ( قال يوم يلقون ملك الموت ليس من مؤمن يقبض روحه إلا سلم عليه وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال لما نزلت ) يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( وقد كان أمر عليا ومعاذا أن يسيرا إلى اليمن فقال انطلقا فبشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا فإنها قد أنزلت علي ) يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( قال شاهد على أمتك ومبشرا بالجنة ونذيرا من النار وداعيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله ) بإذنه وسراجا منيرا ( بالقرآن وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن عطاء بن يسار قال لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في التوراة فقال أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفة في القرآن يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذير وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا تجزى بالسيئة السيئة ولكن تعفو وتصفح زاد أحمد ولن يقبضه الله حتى يقيم الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وقد ذكر البخاري في صحيحه في البيوع هذا الحديث فقال وقال سعيد عن هلال عن عطاء عن عبدالله بن سلام ولم يقل عبدالله بن عمرو وهذا أولى فعبدالله بن سلام هو الذي كان يسئل عن التوراة فيخبر بما فيها


"""""" صفحة رقم 290 """"""
سورة الأحزاب ( 49 - 52 )
الأحزاب : ( 49 ) يا أيها الذين . . . . .
لما ذكر سبحانه قصة زيد وطلاقه لزينب وكان قد دخل بها وخطبها النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بعد انقضاء عدتها كما تقدم خاطب المؤمنين مبينا لهم حكم الزوجة إذا طلقها زوجها قبل الدخول فقال ) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ( أى عقدتم بهن عقد النكاح ولم يرد لفظ النكاح فى كتاب الله إلا فى معنى العقد كما قاله صاحب الكشاف والقرطبى وغيرهما
وقد اختلف فى لفظ النكاح هل هو حقيقة فى الوطء أو فى العقد أو فيهما علي طريقة الاشتراك وكلام صاحب الكشاف فى هذا الموضع يشعر بأنه حقيقة فى الوطء فإنه قال النكاح الوطء وتسمية العقد نكاحا لملابسته له من حيث أنه طريق إليه ونظيره تسمية الخمر إثما لأنها سبب فى اقتراف الإثم ومعنى ) من قبل أن تمسوهن ( من قبل أن تجامعوهن فكنى عن ذلك بلفظ المس ) فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ( وهذا مجمع عليه كما حكى ذلك القرطبى وابن كثير ومعنى تعتدونها تستوفون عددها من عددت الدراهم فأنا أعتدها وإسناد ذلك إلى الرجال للدلالة علي أن العدة حق لهم كما يفيده ) فما لكم عليهن من عدة ( قرأ الجمهور تعتدونها بتشديد الدال وقرأ ابن كثير فى رواية عنه وأهل مكة بتخفيفها وفى هذه القراءة وجهان أحدهما أن تكون بمعني الأولى مأخوذة من الاعتداد أى تستوفون عددها ولكنهم تركوا التضعيف لقصد التخفيف قال الرازى ولو كان من الاعتداء الذى هو الظلم لضعف لأن الاعتداء يتعدى بعلى وقيل يجوز أن يكون من الاعتداء بحذف حرف الجر أى تعتدون عليها أى على العدة مجازا ومثله قوله تحن فتبدى مابها من صبابة
وأخفى الذى لولا الأسى لقضانى
أى لقضى علي والوجه الثانى أن يكون المعنى تعتدون فيها والمراد بالاعتداء هذا هو مافى قوله ولاتمسكوهن ضرار لتعتدوا فيكون معنى الآية على القراءة الآخرة فما لكم عليهن من عدة تعتدون عليهن فيها بالمضارة وقد أنكر ابن عطية صحة هذه القراءة عن ابن كثير وقال إن البزى غلط عليه وهذه الآية مخصصة لعموم قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وبقوله واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر والمتعة المذكورة هنا قد تقدم الكلام فيها فى البقرة وقال سعيد بن جبير هذه المتعة المذكورة هنا


"""""" صفحة رقم 291 """"""
منسوخة بالآية التى فى البقرة وهي قوله ) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ( وقيل المتعة هنا هى أعم من أن تكون نصف الصداق أو المتعة خاصة إن لم يكن قد سمى لها فمع التسمية للصداق تستحق نصف المسمى عملا بقوله ) فنصف ما فرضتم ( لهن ومع عدم التسمية تستحق المتعة عملا بهذه الآية ويؤيد ذلك قوله تعالى ) لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ( وهذا الجمع لابد منه وهو مقدم على الترجيح وعلى دعوى النسخ وتخصص من هذه الآية المتوفى عنها زوجها فإنه إذا مات بعد العقد عليها وقبل الدخول بها كان الموت كالدخول فتعتد أربعة أشهر وعشرا قال ابن كثير بالإجماع فيكون المخصص هو الإجماع وقد استدل بهذه الآية القائلون بأنه لاطلاق قبل النكاح وهم الجمهور وذهب مالك وأبو حنيفة إلي صحة الطلاق قبل النكاح إذا قال إن تزوجت فلانة فهى طالق فتطلق إذا تزوجها ووجه الاستدلال بالآية لما قاله الجمهور أنه قال ) إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ( فعقب الطلاق بالنكاح بلفظ ثم المشعرة بالترتيب والمهلة ) وسرحوهن سراحا جميلا ( أى أخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة والسراح الجميل الذى لاضرار فيه وقيل السراح الجميل أن لايطالبها بما كان قد أعطاها وقيل السراح الجميل هنا كناية عن الطلاق وهو بعيد لأنه قد تقدم ذكر الطلاق ورتب عليه التمتيع وعطف عليه السراح الجميل فلا بد أن يراد به معنى غير الطلاق
الأحزاب : ( 50 ) يا أيها النبي . . . . .
) يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ( ذكر سبحانه فى هذه الآية أنواع الأنكحة التى أحلها لرسوله وبدأ بأزواجه اللاتى قد أعطاهن أجورهن أى مهورهن فإن المهور أجور الأبضاع وإيتاؤها إما تسليمها معجلة أو تسميتها فى العقد
واختلف فى معنى قوله ) أحللنا لك أزواجك ( فقال ابن زيد والضحاك إن الله أحل له أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها فتكون الآية مبيحة لجميع النساء ماعدا ذوات المحارم وقال الجمهور المراد أحللنا لك أزواجك الكائنات عندك لأنهن قد اخترنك على الدنيا وزينتها وهذا هو الظاهر لأن قوله أحللنا وآتيت ماضيان وتقييد الإحلال بإيتاء الأجور ليس لتوقف الحل عليه لأنه يصح العقد بلا تسمية ويجب مهر المثل مع الوطء والمتعة مع عدمه فكأنه لقصد الإرشاد إلى ماهو أفضل ) وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ( أى السرارى اللاتى دخلن فى ملكه بالغنيمة ومعنى ) مما أفاء الله عليك ( مما رده الله عليك من الكفار بالغنيمة لنسائهم المأخوذات على وجه القهر والغلبة وليس المراد بهذا القيد إخراج ماملكه بغير الغنيمة فإنها تحل له السرية المشتراة والموهوبة ونحوهما ولكنه إشارة إلى ماهو أفضل كالقيد الأول المصرح بإيتاء الأجور وهكذا قيد المهاجرة فى قوله ) وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ( فإنه للإشارة إلى ماهو أفضل وللإيذان بشرف الهجرة وشرف من هاجر والمراد بالمعية هنا الاشتراك فى الهجرة لا فى الصحبة فيها وقيل إن هذا القيد أعنى المهاجرة معتبر وأنها لاتحل له من لم تهاجر من هؤلاء كما فى قوله ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ( ويؤيد هذا حديث أم هانىء وسيأتى آخر البحث هذا إن شاء الله تعالى ووجه إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة ماذكره القرطبى أن العم والخال فى الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز وليس كذلك العمة والخالة قال وهذا عرف لغوى فجاء الكلام عليه بغاية البيان وحكاه عن ابن العربى وقال ابن كثير إنه وحد لفظ الذكر لشرفه وجمع الأنثى كقوله عن اليمين والشمائل وقوله ) يخرجهم من الظلمات إلى النور ( ) وجعل الظلمات والنور ( وله نظائر كثيرة انتهى وقال النيسابورى وإنما لم


"""""" صفحة رقم 292 """"""
يجمع العم والخال اكتفاء بجنسيتهما مع أن لجمع البنات دلالة علي ذلك لامتناع اجتماع أختين تحت واحد ولم يحسن هذا الاختصار فى العمة والخالة لإمكان سبق الوهم إلى أن التاء فيهما للوحدة انتهى وكل وجه من هذه الوجوه يحتمل المناقشة بالنقض والمعارضة وأحسنها تعليل جمع العمة والخالة بسبق الوهم إلى أن التاء للوحدة وليس فى العم والحال مايسبق الوهم إليه بأنه أريد به الوحدة إلا مجرد صيغة الإفراد وهى لاتقتضى ذلك بعد إضافتها لما تقرر من عموم أسماء الأجناس المضافة علي أن هذا الوجه الأحسن لايصفو عن شوب المناقشة ) وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ( هو معطوف على مفعول أحللنا أى وأحللنا لك امرأة مصدقة بالتوحيد إن وهبت نفسها منك بغير صداق وأما من لم تكن مؤمنة فلا تحل لك بمجرد هبتها نفسها لك ولكن ليس ذلك بواجب عليك بحيث يلزمك قبول ذلك بل مقيدا بإرادتك ولهذا قال ) إن أراد النبي أن يستنكحها ( أى يصيرها منكوحة له ويتملك بضعها بتلك الهبة بلا مهر وقد قيل إنه لم ينكح النبى ( صلى الله عليه وسلم ) من الواهبات أنفسهن أحدا ولم يكن عنده منهن شىء وقيل كان عنده منهن خولة بنت حكيم كما فى صحيح البخارى عن عائشة وقال قتادة هى ميمونة بنت الحارث وقال الشعبى هى زينب بنت خزيمة الأنصارية أم المساكين وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل هى أم شريك بنت جابر الأسدية وقال عروة بن الزبير هى أم حكيم بنت الأوقص السلمية ثم بين سبحانه أن هذا النوع من النكاح خاص برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لايحل لغيره من أمته فقال ) خالصة لك من دون المؤمنين ( أى هذا الإحلال الخالص هو خاص بك دون غيرك من المؤمنين ولفظ خالصة إما حال من امرأة قاله الزجاج أو مصدر مؤكد كوعد الله أى خالص لك خلوصا قرأ الجمهور امرأة بالنصب وقرأ أبو حيوة بالرفع علي الابتداء وقرأ الجمهور إن وهبت بكسر إن وقرأ أبى والحسن وعيسى بن عمر بفتحها على أنه بدل من امرأة بدل اشتمال أو على حذف لام العلة أى لأن وهبت وقرأ الجمهور خالصة بالنصب وقرىء بالرفع على أنها صفة لامرأة على قراءة امرأة بالرفع وقد أجمع العلماء على أن هذا خاص بالنبى ( صلى الله عليه وسلم ) وأنه لايجوز لغيره ولا ينعقد النكاح بهبة المرأة نفسها إلا ماروى عن أبى حنيفة وصاحبيه أنه يصح النكاح إذا وهبت وأشهد هو على نفسه بمهر وأما بدون مهر فلا خلاف فى أن ذلك خاص بالنبى ( صلى الله عليه وسلم ) ولهذا قال ) قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ( أى مافرضه الله سبحانه على المؤمنين فى حق أزواجهم من شرائط العقد وحقوقه فإن ذلك حق عليهم مفروض لايحل لهم الاخلال به ولا الاقتداء برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما خصه الله به توسعه عليه وتكريما له فلا يتزوجوا إلا أربعا بمهر وبينة وولي ) وما ملكت أيمانهم ( أى وعلمنا مافرضنا عليهم فيما ملكت أيمانهم من كونهن ممن يجوز سبيه وحربه لا من كان لايجوز سبيه أو كان له عهد من المسلمين ) لكيلا يكون عليك حرج ( قال المفسرون هذا يرجع إلى أول الآية أى أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لكيلا يكون عليك حرج فتكون اللام متعلقة بأحللنا وقيل هى متعلقة بخالصة والأول أولي والحرج الضيق أى وسعنا عليك فى التحليل لك لئلا يضيق صدرك فتظن أنك قد أثمت فى بعض المنكوحات ) وكان الله غفورا رحيما ( يغفر الذنوب ويرحم العباد ولذلك وسع الأمر ولم يضيقه
الأحزاب : ( 51 ) ترجي من تشاء . . . . .
) ترجي من تشاء منهن ( قرىء ترجى مهموزا وغير مهموز وهما لغتان والإرجاء التأخير يقال أرجأت الأمر وأرجيته إذا أخرته ) وتؤوي إليك من تشاء ( أي تضم إليك يقال أواه إليه بالمد ضمه إليه وأوى مقصورا أى ضم إليه والمعنى أن الله وسع على رسوله وجعل الخيار إليه فى نسائه فيؤخر من شاء منهن ويؤخر نوبتها ويتركها ولا يأتيها من غير طلاق ويضم إليه من شاء منهن


"""""" صفحة رقم 293 """"""
ويضاجعها ويبيت عندها وقد كان القسم واجبا عليه حتى نزلت فارتفع الوجوب وصار الخيار إليه وكان ممن أوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب وممن أرجأه سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية فكان ( صلى الله عليه وسلم ) يسوى بين آواه فى القسم وكان يقسم لمن أرجأه ما شاء هذا قول جمهور المفسرين فى معنى الاية وهو الذى دلت عليه الأدلة الثابتة فى الصحيح وغيره وقيل هذه الآية فى الواهبات أنفسهن لا فى غيرهن من الزوجات قاله الشعبى وغيره وقيل معنى الآية فى الطلاق أى تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء وقال الحسن إن المعنى تنكح من شئت من نساء أمتك وتترك نكاح من شئت منهن وقد قيل إن هذه الآية ناسخة لقوله ) لا يحل لك النساء من بعد ( وسيأتى بيان ذلك ) ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ( الابتغاء الطلب والعزل الإزالة والمعنى أنه إن أراد أن يؤوى إليه امرأة ممن قد عزلهن من القسمة ويضمها إليه فلا حرج عليه فى ذلك والحاصل أن الله سبحانه فوض الأمر إلى رسوله يصنع فى زوجاته ماشاء من تقديم وتأخير وعزل وإمساك وضم من أرجا وإرجاء من ضم إليه وماشاء فى أمرهن فعل توسعة عليه ونفيا للحرج عنه وأصل الجناح الميل يقال جنحت السفينة إذا مالت والمعنى لاميل عليك بلوم ولا عتب فيما فعلت والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ماتقدم من التفويض إلي مشيئته وهو مبتدأ وخبره ) أن تقر أعينهن ( أى ذلك التفويض الذى فوضناك أقرب إلى رضاهن لأنه حكم الله سبحانه قال قتادة أى ذلك التخيير الذى خيرناك فى صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا لأنهن إذا علمن أنه من الله قرت أعينهن قرأ الجمهور تقر على البناء للفاعل مسندا إلى أعينهن وقرأ ابن محيصن تقر بضم التاء من أقرر وفاعله ضمير المخاطب ونصب أعينهن على المفعولية وقرئ على البناء للمفعول وقد تقدم بيان معنى قرة العين في سورة مريم و معني ) ولا يحزن ( لايحصل معهن حزن بتأثيرك بعضهن دون بعض ) ويرضين بما آتيتهن كلهن ( أى يرضين جميعا بما أعطيتهن من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء قرأ الجمهور كلهن بالرفع تأكيدا لفاعل يرضين وقرأ أبو إياس بالنصب تأكيدا لضمير المفعول فى آتيتهن ) والله يعلم ما في قلوبكم ( من كل ماتضمرونه ومن ذلك ماتضمرونه من أمور النساء ) وكان الله عليما ( بكل شىء لاتخفى عليه خافية ) حليما ( لايعاجل العصاة بالعقوبة
الأحزاب : ( 52 ) لا يحل لك . . . . .
) لا يحل لك النساء من بعد ( قرأ الجمهور لايحل بالتحتية للفصل بين الفعل وفاعله المؤنث وقرأ ابن كثير بالفوقية
وقد اختلف أهل العلم فى تفسير هذه الآية على أقوال الأول أنها محكمة وأنه حرم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتزوج على نسائه مكافأة لهن بما فعلن من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة لما خيرهن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأمر الله له بذلك وهذا قول ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والحسن وابن سيرين وأبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وابن زيد وابن جرير وقال أبو أمامة ين سهل بن حنيف لما حرم الله عليهن أن يتزوجن من بعده حرم عليه أن يتزوج غيرهن وقال أبي بن كعب وعكرمة وأبو رزين إن المعنى لا يحل لك النساء من بعد الأصناف التى سماها الله قال القرطبى وهو اختيار ابن جرير وقيل لايحل لك اليهوديات ولا النصرانيات لأنهن لايصح أن يتصفن بأنهن أمهات المؤمنين وهذا القول فيه بعد لأنه يكون التقدير لايحل لك النساء من بعد المسلمات ولم يجر للمسلمات ذكر وقيل هذه الآية منسوخة بالسنة وبقوله سبحانه ) ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ( وبهذا قالت عائشة وأم سلمة وعلى بن أبى طالب وعلى بن الحسين وغيرهم وهذا هو الراجح وسيأتى فى آخر البحث مايدل عليه من الأدلة ) ولا أن تبدل بهن من أزواج (


"""""" صفحة رقم 294 """"""
أى تتبدل فحذفت إحدى التاءين أى ليس لك أن تطلق واحدة منهن أو أكثر وتتزوج بدل من طلقت منهن و من فى قوله ) من أزواج ( مزيدة للتأكيد وقال ابن زيد هذا شىء كانت العرب تفعله يقول خذ زوجتى وأعطنى زوجتك وقد أنكر النحاس وابن جرير ماذكره ابن زيد قال ابن جرير ما فعلت العرب هذا قط ويدفع هذا الإنكار منهما ما أخرجه الدارقطنى عن أبى هريرة قال كان البدل فى الجاهلية أن يقول الرجل للرجل تنزل لى عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتى فأنزل الله عز وجل ) ولا أن تبدل ( وأخرجه أيضا عنه البزاز وابن مردويه وجملة ولو أعجبك حسنهن في محل نصب على الحال من فاعل تبدل والمعنى أنه لا يحل التبدل بأزواجك ولو أعجبك حسن غيرهن ممن أردت أن تجعلها بدلا من إحداهن وهذا التبدل أيضا من جملة مانسخه الله فى حق رسوله على القول الراجح وقوله ) إلا ما ملكت يمينك ( استثناء من النساء لأنه يتناول الحرائر والاماء
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اختلف العلماء فى تحليل الأمة الكافرة القول الأول أنها تحل للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) لعموم هذه الآية وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم القول الثانى أنها لاتحل له نزيها لقدره عن مباشرة الكافرة ويترجح القول بعموم هذه الاية وتعليل المنع بالتنزه ضعيف فلا تنزه عما أحله الله سبحانه فإن ما أحله فهو طيب لاخبيث باعتبار مايتعلق بأمور النكاح لا باعتيار غير ذلك فالمشركون نجس بنص القرآن ويمكن ترجيح القول الثانى بقوله سبحانه ) ولا تمسكوا بعصم الكوافر ( فإنه نهى عام ) وكان الله على كل شيء رقيبا ( أى مراقبا حافظا مهيمنا لايخفى عليه شىء ولا يفوته شىء
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إذا نكحتم المؤمنات ( قال هذا فى الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها من قبل أن يمسها فإذا طلقها واحدة بانت منه ولا عدة عليها تتزوج من شاءت ثم قال ) فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ( يقول إن كان سمى لها صداقا فليس لها إلا النصف وإن لم يكن سمى لها صداقا متعها على قدر عسره ويسره وهو السراح الجميل وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال ) إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن ( منسوخة نسختها التى فى البقرة ) فنصف ما فرضتم ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن المسيب نحوه وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وأبى العالية قالا ليست بمنسوخة لها نصف الصداق ولها المتاع وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال بلغ ابن عباس أن ابن مسعود يقول إن طلق مالم ينكح فهو جائز فقال ابن عباس أخطأ فى هذا إن الله يقول ) إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ( ولم يقل إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن وأخرج ابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية وقال لايكون طلاق حتى يكون نكاح وقد وردت أحاديث منها أنه لا طلاق إلا بعد نكاح وهى معروفة وأخرج ابن سعد وابن راهويه وعبد بن حميد والترمذى وحسنه وابن جرير وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى عن أم هانئ بنت أبى طالب قالت خطبنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاعتذرت إليه فعذرنى فأنزل الله ) يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك ( إلى قوله ) هاجرن معك ( قالت فلم أكن أحل له لأنى لم أهاجر معه كنت من الطلقاء وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت نزلت فى هذه الآية ) وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ( أراد النبى أن يتزوجنى فنهى عنى إذ لم أهاجر وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) إنا أحللنا لك أزواجك ( إلى قوله ) خالصة لك ( قال فحرم الله عليه سوى ذلك من النساء وكان قبل ذلك ينكح فى أى النساء شاء لم يحرم ذلك


"""""" صفحة رقم 295 """"""
عليه وكان نساوه يجدن من ذلك وجدا شديدا أن ينكح فى أى النساء أحب فلما أنزل إنى حرمت عليك من النساء سوى ماقصصت عليك أعجب ذلك نساءه وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى السنن عن عائشة قالت التي وهبت نفسها للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) خولة بنت حكيم وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبى شيبة وعبد بن حميد والبخارى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى وابن مردويه عن عروة أن خولة بنت حكيم كانت من اللاتى وهبن أنفسهن لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن أبى شيبة وابن أبى حاتم عن محمد بن كعب وعمر بن الحكم وعبد الله بن عبيدة قالوا تزوج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث عشرة امرأة ست من قريش خديجة وعائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة وثلاث من بنى عامر بن صعصعة وامرأتين من بنى هلال بن عامر ميمونة بنت الحارث وهى التى وهبت نفسها النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وزينب أم المساكين والعامرية وهى التى اختارت الدنيا وامرأة من بنى الجون وهى التى استعاذت منه وزينب بنت جحش الأسدية والسبيتين صفية بنت حيى وجويرية بنت الحارث الخزاعية وأخرج البخارى وابن مردويه عن أنس قال جاءت امرأة إلى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يانبى الله هل لك بى حاجة فقالت ابنة أنس ما كان أقل حياءها فقال هى خير منك رغبت فى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فعرضت نفسها عليه وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد الساعدي أن امرأة جاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فوهبت نفسها له فصمت الحديث بطوله وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر فى قوله ) قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ( قال فرض الله عليهم أنه لا نكاح إلا بولى وشاهدين وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مثله وزاد ومهر وأخرج ابن أبى شيبة عن على قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن توطأ الحامل حتى تضع والحائل حتى تستبرأ بحيضه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) ترجي من تشاء منهن ( قال تؤخر وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه فى قوله ) ترجي من تشاء منهن ( يقول من شئت خليت سبيله منهن ومن أحببت أمسكت منهن وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت كنت أغار من اللاتى وهبن أنفسهن لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأقول تهب المرأة نفسها فلما أنزل الله ) ترجي من تشاء منهن ( الاية قلت ما أرى ربك إلا يسارع فى هواك وأخرج ابن سعد وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى رزين قال هم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يطلق من نسائه فلما رأين ذلك أتينه فقلن لاتخل سبيلنا وأنت فى حل فيما بيننا وبينك افرض لنا من نفسك ومالك ماشئت فأنزل الله ) ترجي من تشاء منهن ( يقول تعزل من تشاء فأرجأ منهن نسوة وآوى نسوة وكان ممن أرجى ميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وسودة وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ماشاء وكان ممن أوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب فكانت قسمته من نفسه وماله بينهن سواء وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يستأذن فى يوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية ) ترجي من تشاء منهن ( فقلت لها ماكنت تقولين قالت كنت أقول إن كان ذلك إلى فإنى لا أريد أن أوثر عليك أحدا وأخرج الرويانى والدرامى وابن سعد وعبد الله بن أحمد فى زوائد المسند وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والضياء فى المختارة عن زياد رجل من الأنصار قال قلت لأبى بن كعب أرأيت لو أن أزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) متن أما كان يحل له أن يتزوج قال وما يمنعه من ذلك قلت قوله ) لا يحل لك النساء من بعد ( قال إنما أحل له ضربا من النساء ووصف له صفة فقال ) يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك (


"""""" صفحة رقم 296 """"""
إلى قوله ) وامرأة مؤمنة ( ثم قال لايحل لك النساء من بعد هذه الصفة وأخرج عبد بن حميد والترمذى وحسنه وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه عن ابن عباس قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات قال ) لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك ( فأحل له الفتيات المؤمنات ) وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ( وحرم كل ذات دين غير الإسلام وقال ) يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك ( إلى قوله ) خالصة لك من دون المؤمنين ( وحرم ماسوى ذلك من أصناف النساء وأخرج ابن مردويه عنه قال نهي النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أن يتزوج بعد نسائه الأول شيئا وأخرج ابن مردويه عنه أيضا فى الاية قال حبسه الله عليهن كما حبسهن عليه وأخرج أبو داود فى ناسخه وابن مردويه والبيهقى فى سننه عن أنس قال لما خيرهن فاخترن الله ورسوله قصره عليهن فقال ) لا يحل لك النساء من بعد ( وأخرج ابن سعد وابن أبى حاتم عن أم سلمة قالت لم يمت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أحل الله أن يتزوج من النساء ماشاء إلا ذات محرم وذلك قول الله ) ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ( وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وأحمد وعبد ابن حميد وأبو داود فى ناسخه والترمذى وصححه والنسائى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى من طريق عطاء عن عائشة قالت لم يمت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ماشاء إلا ذات محرم لقوله ) ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ( وأخرج ابن سعد عن ابن عباس مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى رزين ) لا يحل لك النساء من بعد ( قال من المشركات إلا ماسبيت فملكت يمينك وأخرج البزار وابن مردويه عن أبى هريرة قال كان البدل فى الجاهلية أن يقول الرجل للرجل بادلنى امرأتك وأبادلك امرأتى أى تنزل لى عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتى فأنزل الله ) ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن ( قال فدخل عيينة بن حصن الفزارى إلى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده عائشة فدخل بغير إذن فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أين الاستئذان قال يا رسول الله ما أستأذنت على رجل من الأنصار منذ أدركت ثم قال من هذه الحميراء إلى جنبك فقال رسول الله هذه عائشة أم المؤمنين قال أفلا أنزل لك عن أحسن خلق الله قال ياعيينة إن الله حرم ذلك فلما أن خرج قالت عائشة من هذا قال أحمق مطاع وإنه على ماترين لسيد قومه
سورة الأحزاب ( 53 - 55 )


"""""" صفحة رقم 297 """"""
الأحزاب : ( 53 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ( هذا نهى عام لكل مؤمن أن يدخل بيوت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا بإذن منه وسبب النزول ما وقع من بعض الصحابة وليمة زينب وسيأتى بيان ذلك اخر البحث إن شاء الله وقوله ) إلا أن يؤذن لكم ( استثناء مفرغ من أعم الأحوال أى لاتدخلوها فى حال من الأحوال إلا فى حال كونكم مأذونا لكم وهو في موضع نصب علي الحال أى إلا مصحوبين بالإذن أو بنزع الخافض أى إلا يؤذن لكم أو منصوب على الظرفية أى إلا وقت أن يوذن لكم وقوله ) إلى طعام ( متعلق بيؤذن على تضمينه معنى الدعاء أى إلا أن يؤذن لكم مدعوين إلى طعام وانتصاب ) غير ناظرين إناه ( على الحال والعامل فيه يؤذن أومقدر أى ادخلوا غير ناظرين ومعنى ناظرين منتظرين وإناه نضجه وإدراكه يقال أنى يأنى أنى إذا حان وأدرك قرأ الجمهور غير ناظرين بالنصب وقرأ ابن أبى عبلة غير بالجر صفة لطعام وضعف النحاة هذه القراءة لعدم بروز الضمير لكونه جاريا على غير من هو له فكان حقه أن يقال غير ناظرين إناه أنتم ثم بين لهم سبحانه ماينبغى فى ذلك فقال ) ولكن إذا دعيتم فادخلوا ( وفيه تأكيد للمنع وبيان الوقت الذي يكون فيه الدخول وهو عند الإذن قال ابن العربى وتقدير الكلام ولكن إذا دعيتم وأذن لكم فادخلوا وإلا فنفس الدعوة لاتكون إذنا كافيا فى الدخول وقيل إن فيه دلالة بينة على أن المراد بالإذن إلى الطعام هو الدعوة إليه ) فإذا طعمتم فانتشروا ( أمرهم سبحانه بالانتشار بعد الطعام وهو التفرق والمراد الإلزام بالخروج من المنزل الذى وقعت الدعوة إليه عند انقضاء المقصود من الأكل ) ولا مستأنسين لحديث ( عطف علي قوله غير ناظرين أو على مقدر أى ولا تدخلوا ولا تمكثوا مستأنسين والمعنى النهى لهم عن أن يجلسوا بعد الطعام يتحدثون مستأنسين بالحديث قال الرازى فى قوله ) إلا أن يؤذن لكم إلى طعام ( إما أن يكون فيه تقديم وتأخير تقديره ولاتدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم فلا يكون منعا من الدخول فى غير وقت الطعام بغير إذن وإما أن لايكون فيه تقديم وتأخير فيكون معناه ولاتدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلي طعام فيكون الإذن مشروطا بكونه إلي طعام فإن لم يؤذن إلى طعام فلا يجوز الدخول فلو أذن لواحد فى الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام فلا يجوز فنقول المراد هو الثانى ليعم النهى عن الدخول وأما كونه لايجوز إلا بإذن إلى طعام فلما هو مذكور فى سبب النزول أن الخطاب مع قوم كانوا يتحينون حين الطعام ويدخلون من غير إذن فمنعوا من الدخول فى وقتهم بغير إذن وقال ابن عادل الأولى أن يقال المراد هو الثانى لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل وقوله ) إلى طعام ( من باب التخصيص بالذكر فلا يدل علي نفى ما عداه لاسيما إذا علم مثله فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه جاز دخوله بإذنه إلي غير الطعام انتهى والأولى فى التعبير عن هذا المعنى الذى أراده أن يقال قد دلت الأدلة على جواز دخول بيوته ( صلى الله عليه وسلم ) بإذنه لغير الطعام وذلك معلوم لاشك فيه فقد كان الصحابة وغيرهم يستأذنون عليه لغير الطعام فيأذن لهم وذلك يوجب قصر هذه الآية على السبب الذى نزلت فيه وهو القوم الذين كانوا يتحينون طعام النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فيدخلون


"""""" صفحة رقم 298 """"""
ويقعدون منتظرين لإدراكه وأمثالهم فلا تدل على المنع من الدخول من الإذن لغير ذلك وإلا لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بإذنه لغير الطعام واللازم باطل فالملزوم مثله قال ابن عطية وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك فنهى الله المؤمنين عن ذلك فى بيت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ودخل فى النهى سائر المؤمنين والتزم الناس أدب الله لهم فى ذلك فمنعهم من الدخول إلا بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام والإشارة بقوله ) إن ذلكم ( إلى الانتظار والاستئناس للحديث وأشير إليها بما يشار به إلى الواحد بتأويلهما بالمذكور كما فى قوله عوان بين ذلك أى إن ذلك المذكور من الأمرين ) كان يؤذي النبي ( لأنهم كانوا يضيقون المنزل عليه وعلى أهله ويتحدثون بما لايريده قال الزجاج كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يحتمل إطالتهم كرما منه فيصبر على الأذى فى ذلك فعلم الله من يحضره الأدب صار أدبا لهم ولمن بعدهم ) فيستحيي منكم ( أى يستحى أن يقول لكم قوموا أو اخرجوا ) والله لا يستحيي من الحق ( أى لايترك أن يبين لكم ماهو الحق ولا يمتنع من بيانه وإظهاره والتعبير عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة قرأ الجمهور يستحيى بياءين وروى عن ابن كثير أنه قرأ بياء واحدة وهى لغة تميم يقولون استحى يستحى مثل استقى يستقى ثم ذكر سبحانه أدبا آخر متعلقا بنساء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) وإذا سألتموهن متاعا ( أى شيئا يتمتع به من الماعون وغيره ) فاسألوهن من وراء حجاب ( أى من وراء ستر بينكم وبينهن والمتاع يطلق علي كل مايتمتع به فلا وجه لما قيل من أن المراد به العارية أو الفتوى أو المصحف والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى سؤال المتاع من وراء حجاب وقيل الإشارة إلى جميع ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن وعدم الاستئناس للحديث عند الدخول وسؤال المتاع والأول أولى واسم الإشارة مبتدأ وخبره ) أطهر لقلوبكم وقلوبهن ( أى أكثر تطهيرا لها من الريبة وخواطر السوء التى تعرض للرجال فى أمر النساء وللنساء فى أمر الرجال وفى هذا أدب لكل مؤمن وتحذير له من أن يثق بنفسه فى الخلوة مع لاتحل له والمكالمة من دون حجاب لمن تحرم عليه ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( أى ماصح لكم ولا استقام أن تؤذوه بشىء من الأشياء كائنا ما كان ومن جملة ذلك دخول بيوته بغير إذن منه واللبث فيها على غير الوجه الذى يريده وتكليم نسائه من دون حجاب ) ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ( أى ولا كان لكم ذلك بعد وفاته لأنهن أمهات المؤمنين ولايحل للأولاد نكاح الأمهات والإشارة بقوله ) إن ذلكم ( إلي نكاح أزواجه من بعده ) كان عند الله عظيما ( أى ذنبا عظيما وخطبا هائلا شديدا وكان سبب نزول الآية أنه قال قائل لو قد مات محمد لتزوجنا نساءه وسيأتى بيان ذلك
الأحزاب : ( 54 ) إن تبدوا شيئا . . . . .
) إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ( يعلم كل شىء من الأشياء ومن جملة ذلك ماتظهرونه فى شأن أزواج رسوله وما تكتمونه فى صدوركم وفى هذا وعيد شديد لأن إحاطته بالمعلومات تستلزم المجازاة علي خيرها وشرها
الأحزاب : ( 55 ) لا جناح عليهن . . . . .
ثم بين سبحانه من لايلزم الحجاب منه فقال ) لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ( فهؤلاء لايجب على نساء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا غيرهن من النساء الاحتجاب منهم ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين وقال الزجاج العم والخال ربما يصفان المرأة لوالديهما فإن المرأة تحل لابن العم وابن الخال فكره لهما الرؤية وهذا ضعيف جدا فإن تجويز وصف المرأة لمن تحل له ممكن من غيرهما ممن يجوز له النظر إليها لاسيما أبناء الإخوة وأبناء الأخوات واللازم باطل فالملزوم مثله وهكذا يستلزم أن لايجوز للنساء الأجنبيات أن ينظرن إليها لأنهن يصنفها واللازم باطل فالملزوم مثله وهكذا لاوجه لما قاله الشعبى وعكرمة


"""""" صفحة رقم 299 """"""
من أنه يكره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها والأول أن يقال أنه سبحانه اقتصر ههنا علي بعض ما ذكره من المحارم فى سورة النور اكتفاء بما تقدم ) ولا نسائهن ( هذه الإضافة تقتضى أن يكون المراد بالنساء المؤمنات لأن الكافرات غير مأمونات على العورات والنساء كلهن عورة ) ولا ما ملكت أيمانهن ( من العبيد والإماء وقيل الإماء خاصة ومن لم يبلغ من العبيد والخلاف فى ذلك معروف وقد تقدم فى سورة النور مافيه كفاية ثم أمرهن سبحانه بالتقوى التى هى ملاك الأمر كله و المعنى ) واتقين ( الله فى كل الأمور التى من جملتها ماهو مذكور هنا ) إن الله كان على كل شيء شهيدا ( لم يغب عنه شىء من الأشياء كائنا ما كان فهو مجاز للمحسن بإحسانه وللمسىء بإساته
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخارى ومسلم عن أنس قال قال عمر بن الخطاب يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو حجبتهن فأنزل الله آية الحجاب وفى لفظ أنه قال عمر يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أنس قال لما تزوج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام فلما قام من قام وقعد ثلاثة نفر فجاء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بينى وبينه فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ( الآية وأخرج ابن جرير عن عائشة أن أزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع وهو صعيد أفيح وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) احجب نساءك فلم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يفعل فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالى عشاء وكانت امرأة طويلة فناداها عمر بصوته الأعلى قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله الحجاب قال ) يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي ( الآية وأخرج ابن سعد عن أنس قال نزل الحجاب مبتنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بزينب بنت جحش وذلك سنة خمس من الهجرة وحجب نساءه من يومئذ وأنا ابن خمس عشرة سنة وكذا أخرج ابن سعد عن صالح بن كيسان وقال نزل الحجاب على نسائه فى ذى القعدة سنة خمس من الهجرة وبه قال قتادة والواقدى وزعم أبو عبيدة وخليفة بن خياط أن ذلك كان فى سنة ثلاث وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( قال نزلت فى رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بعده قال سفيان وذكروا أنها عائشة وأخرج ابن أبى حاتم عن السدى قال بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا من بعدنا لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده فنزلت هذه الآية وأخرج عبدالرزاق وعبد بن عيد وابن المنذر عن قتادة قال قال طلحة بن عبيدالله لو قبض النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لتزوجت عائشة فنزلت وأخرج ابن سعد عن أبى بكر بنمحمد بن عمرو بن حزم قال نزلت فى طلحة لأنه قال إذا توفى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) تزوجت عائشة قال ابن عطية وهذا عندى لايصح على طلحة ابن عبيد الله قال القرطبى قال شيخنا الإمام أبو العباس وقد حكى هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة وحاشاهم عن مثله وإنما الكذب فى نقله وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجهال وأخرج البيهقى فى السنن عن ابن عباس قال قال رجل من أصحاب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لو قد مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 300 """"""
عليه وآله وسلم تزوجت عائشة أو أم سلمة فأنزل الله ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( الاية وأخرج ابن جرير عنه أن رجلا أتى بعض أزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فكلمها وهو ابن عمها فقال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لاتقومن هذا المقام بعد يومك هذا فقال يا رسول الله إنها ابنة عمى والله ماقلت لها منكرا ولا قالت لى قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قد عرفت ذلك إنه ليس أحد أغير من الله وإنه ليس أحد أغير منى فمضى ثم قال يمنعنى من كلام ابنة عمى لأتزوجنها من بعده فأنزل الله هذه الآية فأعتق ذلك الرجل رقبة وحمل على عشرة أبعرة فى سبيل الله وحج ماشيا توبة من كلمته وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس قالت خطبنى على فبلغ ذلك فاطمة فأتت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت إن أسماء متزوجة عليا فقال لها النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ما كان لها أن تؤذى الله ورسوله وأخرج ابن سعد أبى أمامة بن سهل بن حنيف فى قوله ) إن تبدوا شيئا أو تخفوه ( قال إن تكلموا به فتقولون تتزوج فلانه لبعض أزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أو تخفوه ذلك فى أنفسكم فلا تنطقوا به يعلمه الله وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) لا جناح عليهن ( إلى آخر الآية قال أنزلت هذه فى نساء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وقوله ) نساء النبي ( يعنى نساء المسلمات ) ما ملكت أيمانهن ( من المماليك والإماء ورخص لهن أن يروهن بعد ماضرب الحجاب عليهن
سورة الأحزاب ( 56 - 58 )
الأحزاب : ( 56 ) إن الله وملائكته . . . . .
قرأ الجمهور ) وملائكته ( بنصب الملائكة عطفا على لفظ إسم ان وقرأ ابن عباس ) وملائكته ( بالرفع عطفا علي محل اسم إن والضمير فى قوله ) يصلون ( وفيه تشريف للملائكة راجع إلى الله وإلى الملائكة عظيم حيث جعل الضمير لهم ولله سبحانه واحدا فلا يرد الاعتراض بما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما سمع قول الخطيب يقول من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعضهما فقد غوى فقال بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله ووجه ذلك أنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله سبحانه مع غيره فى ضمير واحد وهذا الحديث ثابت فى الصحيح وثبت أيضا فى الصحيح أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر مناديا ينادى يوم خيبر إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية ولأهل العلم أبحاث فى الجمع بين الحديثين ليس هذا موضع ذكرها والآية مؤيدة للجواز لجعل الضمير فيها لله ولملائكته واحدا والتعليل بالتشريف للملائكة يقال مثله فى رسول ( صلى الله عليه وسلم ) ويحمل الذم لذلك الخطيب الجامع بينهما على أنه ( صلى الله عليه وسلم ) فهم منه إرادة التسوية بين الله سبحانه وبين رسوله فيختص المنع بمثل ذلك وهذا أحسن ماقيل فى الجمع وقالت طائفة فى هذه حذف والتقدير إن الله يصلى وملائكته يصلون وعلى هذا القول فلا تكن الآية مما جمع فيه بين ذكر الله وذكر غيره فى ضمير واحد ولايرد أيضا ماقيل إن الصلاة من الله الرحمة ومن ملائكته الدعاء


"""""" صفحة رقم 301 """"""
فكيف يجمع بين هذين المعنيين المختلفين فى لفظ يصلون ويقال على القول الأول أنه أريد بيصلون معنى مجازى يعم المعيين وذلك بأن يراد بقوله يصلون يهتمون بإظهار شرفه أو يعظمون شأنه أو يعتنون بأمره وحكى البخارى عن أبى العالية أن صلاة الله سبحانه ثناؤه عليه عند ملائكته وصلاة الملائكة الدعاء وروى الترمذى فى سننه عن سفيان الثورى وغير واحد من أهل العلم أنهم قالوا صلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار وحكى الواحدى عن مقاتل أنه قال أما صلاة الرب فالمغفرة وأما صلاة الملائكة فالاستغفار وقال عطاء بن أبى رباح صلاته تبارك وتعالى سبوح قدوس سبقت رحمتى غضبى والمقصود من هذه الآية أن سبحانه أخير عباده بمنزلة نبيه عنده فى الملأ الأعلى بأنه يثنى عليه عند ملائكته تصلى عليه وأمر عباده بأن يقتدوا بذلك ويصلوا عليه
وقد اختلف أهل العلم فى الصلاة على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) هل هى واجبة أم مستحبة بعد اتفاقهم على أن الصلاة عليه فرض فى العمر مرة وقد حكى هذا الإجماع القرطبى فى تفسيره فقال قوم من أهل العلم إنها واجبة عند ذكره وقال قوم تجب فى كل مجلس مرة وقد وردت أحاديث مصرحة بذم من سمع ذكر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يصل عليه
واختلف العلماء فى الصلاة علي النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى تشهد الصلاة المفترضة هل هى واجبة أم لا فذهب الجمهور إلى أنها فيها سنة مؤكدة غير واجبة قال ابن المنذر يستحب أن لايصلى أحد صلاة إلا صلى فيها علي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن ترك ذلك فصلاته مجزئة فى مذهب مالك وأهل المدينة وسفيان الثورى وأهل الكوفة من أصحاب الرأى وغيرهم وهو قول جمهور أهل العلم قال وشذ الشافعى فأوجب على تاركها الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان وهذا القول عن الشافعى لم يروه عنه إلا حرملة بن يحيى ولا يوجد عن الشافعى إلا من روايته قال الطحاوى لم يقل به أحد من أهل العلم غير الشافعى وقال الخطابى وهو من الشافعيه إنها ليست بواجبة فى الصلاة قال وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعى ولا أعلم له فى ذلك قدوة انتهى وقد قال يقول الشافعى جماعة من أهل العلم منهم الشعبى والباقر ومقاتل بن حيان وإليه ذهب أحمد بن حنبل أخيرا كما حكاه أبو زرعة الدمشقى وبه قال ابن راهويه وابن المواز من المالكية
وقد جمعت فى هذه المسألة رسالة مستقلة ذكرت فيها ما احتج به الموجبون لها وما أجاب به الجمهور وأشف مايستدل به على الوجوب الحديث الثابت بلفظ إن الله أمرنا أن نصلى عليك فكيف نصلى عليك فى صلاتنا فقال قولوا الحديث فإن هذا الأمر يصلح للاستدلال به على الوجوب وأما على بطلان الصلاة بالترك ووجوب الإعادة لها فلا لأن الواجبات لايستلزل عدمها العدم كما يستلزل ذلك الشروط والإركان
وأعلم أنه قد ورد فى فضل الصلاة على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحاديث كثيرة لو جمعت لجاءت فى منصف مستقل ولو لم يكن منها إلا الأحاديث الثابتة فى الصحيح من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا فناهيك بهذه الفضيلة الجليلة والمكرمة النبيلة وأما صفة الصلاة عليه ( صلى الله عليه وسلم ) فقد وردت فيها صفات كثيرة بأحاديث ثابتة فى الصحيحين وغيرهما منها ماهو مقيد بصفة الصلاة عليه فى الصلاة ومنها ماهو مطلق وهى معروفة فى كتب الحديث فلا نطيل بذكرها والذى يحصل به الامتثال لمطلق الأمر فى هذه الآية هو أن يقول القائل اللهم صلى وسلم على رسولك أو على محمد أو على النبى


"""""" صفحة رقم 302 """"""
أو اللهم صلى على محمد وسلم ومن أراد أن يصلى عليه ويسلم بصفة من الصفات التى ورد التعليم بها والإرشاد إليها فذلك أكملا وهي صفات كثيرة قد اشتملت عليها كتب السنة المطهرة وسيأتى بعضها آخر البحث وسيأتى الكلام فى الصلاة على الآل وكان ظاهر هذا الأمر بالصلاة والتسليم فى الآية أن يقول القائل صليت عليه وسلمت عليه أو الصلاة عليه والسلام عليه أو عليه الصلاة والتسليم لأن الله سبحانه أمرنا بإيقاع الصلاة عليه والستليم منا فالامتثال هو أن يكون ذلك على ماذكرنا فكيف كان الامتثال لأمر الله لنا بذلك أن نقول اللهم صلى عليه وسلم بمقابلة أمر الله لنا بأمرنا له بأن يصلى عليه ويسلم عليه وقد أجيب عن هذا بأن الصلاة والتسليم لما كانتا شعارا عظيما للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) وتشريفا كريما وكلنا ذلك إلى الله عز وجل وأرجعناه إليه وهذا الجواب ضعيف جدا وأحسن ما يجاب به أن يقال إن الصلاة والتسليم المأمور بهما فى الآية هما أن نقول اللهم صلى عليه وسلم أو نحو ذلك مما يؤدى معناه كما بينه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لنا فاقتضى ذلك البيان فى الأحاديث الكثيرة أن هذه هى الصلاة الشرعية
واعلم أن هذه الصلاة من الله على رسوله وإن كان معناها الرحمة فقد صارت شعارا له يختص به دون غيره فلايجوز لنا أن نصلى على غيره من أمته كما يجوز لنا أن نقول اللهم ارحم فلانا أبو رحم الله فلانا وبهذا قال جمهور العلماء مع اختلافهم هل هو محرم أو مكروه كراهة شديدة أو مكروه كراهة تنزيه على ثلاثة أقوال وقد قال ابن عباس كما رواه عنه ابن شيبة والبيهقى فى الشعب لاتصلح الصلاة على أحد إلا على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار وقال قوم إن ذلك جائز لقوله تعالى ) وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ( ولقوله أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ولقوله هو الذى يصلى عليكم وملائكته ولحديث عبد الله بن أبى أوفى الثابت فى الصحيحين وغيرهما قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أتاه قوم بصدقتهم قال اللهم صل عليهم فأتاه أبى بصدقته فقال اللهم صلى على آل أبى أوفى ويجاب عن هذا بأن هذا الشعار الثابت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) له أن يخص به من شاء وليس لنا أن نطلقه على غيره وأما قوله تعالى ) هو الذي يصلي عليكم وملائكته ( وقوله أولئك عليهم صلوات من ربهم فهذا ليس فيه إلا أن الله سبحانه يصلى على طوائف من عباده كما يصلى على من صلى على رسوله مرة واحدة عشر صلوات وليس فى ذلك أمر لنا ولاشرعه الله فى حقنا بل لم يشرع لنا إلا الصلاة والتسليم على رسوله وكما أن لفظ الصلاة على رسول الله شعار له فكذا لفظ السلام عليه وقد جرت عادة جمهور هذه الأمة والسواد الأعظم من سلفها وخلفها على الترضى عن الصحابة والترحم على من بعدهم والدعاء لهم بمغفرة الله وعفوه كما أرشدنا إلى ذلك بقوله سبحانه ) والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا )
الأحزاب : ( 57 ) إن الذين يؤذون . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه مايجب لرسوله من التعظيم ذكر الوعيد الشديد للذين يؤذونه فقال ) إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ( قيل المراد بالأذى هنا هو فعل ما يكرهانه من المعاصى لاستحالة التأذى منه سبحانه قال الواحدى قال المفسرون هم المشركون واليهود والنصارى وصفوا الله بالولد فقالوا عزيز ابن الله والمسيح ابن الله والملائكة بنات الله وكذبوا رسول الله وشجوا وجهه وكسروا رباعيته وقالوا مجنون شاعر كذاب ساحر قال القرطبى وبهذا قال جمهور العلماء وقال عكرمة الأذية لله سبحانه بالتصوير والتعرض لفعل مالا يفعله إلا الله بنحت الصور وغيرها وقال جماعة إن الآية على حذف مضاف والتقدير إن الذين يؤذون أولياء الله وأما أذية رسوله فهى كل مايؤذيه من الأقوال والأفعال


"""""" صفحة رقم 303 """"""
ومعنى اللعنة الطرد والإبعاد من رحمته وجعل ذلك فى الدنيا والآخرة لتشملهم اللعنة فيهما بحيث لايبقى وقت من أوقات محياهم ومماتهم إلا واللعنة واقعة عليهم ومصاحبة لهم ) وأعد لهم ( مع ذلك اللعن ) عذابا مهينا ( يصيرون به فى الإهانة فى الدار الآخرة لما يفيده معنى الإعداد من كونه فى الدار الآخرة
الأحزاب : ( 58 ) والذين يؤذون المؤمنين . . . . .
ثم لما فرغ من الذم لمن آذى الله ورسوله ذكر الأذية لصالحى عباده فقال ) والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ( بوجه من وجوه الأذى من قول أو فعل ومعنى ) بغير ما اكتسبوا ( أنه لم يكن ذلك لسبب فعلوه يوجب عليهم الأذية ويستحقونها به فأما الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبه مما يوجب عليه حدا أو تعزيرا أو نحوهما فذلك حق أثبته الشرع وأمر أمرنا الله به وندبنا إليه وهكذا إذا وقع من المؤمنين والمؤمنات الابتداء بشتم لمؤمن أو مؤمنة أو ضرب فإن القصاص من الفاعل ليس من الأذية المحرمة على أى وجه كان مالم يجاوز ما شرعه الله ثم أخبر عما لهؤلاء الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقال ) فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( أى ظاهرا واضحا لاشك فى كونه من البهتان والإثم وقد تقدم بيان حقيقة البهتان وحقيقة الإثم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) يصلون على النبي ( يبركون وأخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عن ابن عباس أن بنى إسرائيل قالوا لموسى هل يصلى ربك فناداه ربه يا موسى سألوك هل يصلى ربك فقل نعم أنا أصلى وملائكتى على أنبيائى ورسلى فأنزل الله على نبيه ) إن الله وملائكته يصلون على النبي ( الآية وأخرج ابن مردويه عنه قال إن صلاة الله على النبي هى المغفرة إن الله لايصلى ولكن يغفر وأما صلاه الناس على النبى فهى الاستغفار له وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه قرأ صلوا عليه كما ( صلى الله عليه وسلم ) وا تسليما وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبى حاتم وابن مردويه عن كعب بن عجرة قال لما نزلت ) إن الله وملائكته يصلون على النبي ( الآية قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وأخرجه البخارى ومسلم وغيرها من حديثه بلفظ قال رجل يا رسول الله أما السلام عليك فقد علمناه فكيف الصلاة عليك قال قل اللهم صلى علي محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك علي محمد وعلي آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأحمد والنسائى من حديث طلحة بن عبيد الله قال قلت يا رسول الله كيف الصلاة عليك قال قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وفى الأحاديث اختلاف ففى بعضها على إبراهيم فقط وفى بعضها على آل إبراهيم فقط وفى بعضها بالجمع بينهما كحديث طلحة هذا وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما من حديث أبى حميد الساعدى أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد والأحاديث فى هذا الباب كثيرة جدا وفى بعضها التقييد بالصلاة كما فى حديث أبى مسعود عند ابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقى فى سننه أن رجلا قال يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلى عليك إذا نحن صلينا عليك فى صلاتنا الحديث أفصح الشافعى فى مسنده من حديث أبى هريرة مثله وجميع التعليمات الواردة عنه صلى الله وآله وسلم


"""""" صفحة رقم 304 """"""
الصلاة عليه مشتملة على الصلاة على آله معه إلا النادر اليسير من الأحاديث فينبغى للمصلى عليه أن يضم آله إليه فى صلاته عليه وقد قال بذلك جماعة ونقله إمام الحرمين والغزالى قولا عن الشافعى كما رواه عنهما ابن كثير فى تفسيره ولا حاجة إلى التمسك بقول قائل فى مثل هذا مع تصريح الأحاديث الصحيحة به ولا وجه لقول من قال إن هذه التعليمات الواردة عنه ( صلى الله عليه وسلم ) فى صفة الصلاة عليه مقيدة بالصلاة فى الصلاة حملا لمطلق الأحاديث على المقيد منها بذلك القيد لما فى حديث كعب بن عجرة وغيره أن ذلك السؤال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان عند نزول الآية وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن أبى هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال صلوا علي أنبياء الله ورسله فإن الله بعثهم كما بعثنى وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إن الذين يؤذون الله ورسوله ( الاية قال نزلت فى الذين طعنوا على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) حين اتخذ صفية بنت حيى وروى عنه أنها نزلت فى الذين قذفوا عائشة
سورة الأحزاب 59 68
الأحزاب : ( 59 ) يا أيها النبي . . . . .
لما فرغ سبحانه من الزجر لمن يؤذى رسوله والمؤمنين والمؤمنات من عباده أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يأمر بعض من ناله الأذى ببعض ما يدفع مايقع عليه منه فقال ) يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ( من للتبعيض والجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار قال الجوهرى الجلباب الملحقة وقيل القناع وقيل هو ثوب يستر جميع بدن المرأة كما ثبت فى الصحيح من حديث أم عطية أنها قالت يا رسول الله إحدانا لايكون لها جلباب فقال لتلبسها أختها من جلبابها قال الواحدى قال المفسرون يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن بأذى وقال الحسن تغطى نصف وجهها وقال قتادة تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه والإشاره بقوله ) ذلك ( إلى إدناء الجلابيب وهو مبتدأ وخبره ) أدنى أن يعرفن (


"""""" صفحة رقم 305 """"""
أى أقرب أن يعرفن فيتميزن عن الإماء ويظهر للناس أنهن حرائر ) فلا يؤذين ( من جهة أهل الريبة بالتعرض لهن مراقبة لهن ولأهلهن وليس المراد بقوله ) ذلك أدنى أن يعرفن ( أن تعرف الواحدة منهن من هى بل المراد أن يعرفن أنهن حرائر لا إماء لأنهن قد لبسن تختص بالحرائر ) وكان الله غفورا ( لما سلف منهن من ترك إدناء الجلابيب ) رحيما ( بهن أو غفور الذنوب المذنبين رحيما بهم فيدخلن فى ذلك دخولا أوليا
الأحزاب : ( 60 ) لئن لم ينته . . . . .
ثم توعد سبحانه أهل النفاق والإرجاف فقال ) لئن لم ينته المنافقون ( عما هم عليه من النفاق ) والذين في قلوبهم مرض ( أى شك وريبة عما هم عليه من الاضطراب ) والمرجفون في المدينة ( عما يصدر منهم من الإرجاف بذكر الأخبار الكاذبة المتضمنة لتوهين جانب المسلمين وظهور المشركين عليهم قال القرطبى أهل التفسير علي أن الأوصاف الثلاثة لشىء واحد والمعنى أن المنافقين قد جمعوا بين النفاق ومرض القلوب والإرجاف على المسلمين فهو على هذا من باب قوله إلى الملك القرم وابن الهمام
وليث الكتيبة فى المزدحم
أى إلى الملك القرم بن الهمام ليث الكتيبة وقال عكرمة وشهر بن حوشب الذين فى قلوبهم مرض هم الزناة والإرجاف فى اللغة إشاعة الكذب والباطل يقال أرجف بكذا إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبرا متزلزلا غير ثابت من الرجفة وهى الزلزلة يقال رجفت الأرض أى تحركت وتزلزلت ترجف رجفا والرجفان الاضطراب الشديد وسمى البحر رجافا لاضطرابه ومنه قول الشاعر المطعمون اللحم كل عشية
حتى تغيب الشمس فى الرجاف
والإرجاف واحد الأراجيف وأرجفوا فى الشىء خاضوا فيه ومنه قول شاعر فانا وان عيرتمونا بقلة
وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
وقول الأخر أبا لأراجيف يابن اللوم توعدنى
وفى الأراجيف خلت اللؤم والحور
وذلك بأن هؤلاء المرجفين كانوا يخبرون عن سرايا المسلمين بأنهم هزموا وتارة بأنهم قتلوا وتارة بأنهم غلبوا ونحو ذلك مما تنكسر له قلوب المسلمين من الأخبار فتوعدهم الله سبحانه بقوله ) لنغرينك بهم ( أى لنسلطنك عليهم فتستأصلهم بالقتل والتشريد بأمرنا لك بذلك قال المبرد قد أغراه الله بهم فى قوله بعد هذه الآية
الأحزاب : ( 61 ) ملعونين أينما ثقفوا . . . . .
) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ( فهذا فيه معنى الأمر بقتلهم وأخذهم أى هذا حكمهم إذا كانوا مقيمين على النفاق والإرجاف قال النحاس وهذا من أحسن ماقيل فى الآية وأقول ليس هذا بحسن ولا أحسن فإن قوله ملعونين الخ إنما هو لمجرد الدعاء عليهم لا أنه أمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقتالهم ولاتسليط لهم عليهم وقد قيل إنهم انتهوا بعد نزول هذه الآية عن الإرجاف فلم يغره الله بهم وجملة ) لنغرينك بهم ( جواب القسم وجملة ) ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ( معطوفة على جملة جواب القسم أى لايجاورونك فيها إلا جوارا قليلا حتى يهلكوا وانتصاب ) ملعونين ( علي الحال كما قال المبرد وغيره والمعنى مطرودين ) أينما ( وجودوا وأدركوا ) أخذوا وقتلوا ( دعاء عليهم بأن يؤخذوا ويقتلوا ) تقتيلا ( وقيل إن هذا هو الحكم فيهم وليس بدعاء عليهم والأول أولى وقيل معنى الآية أنهن إن أصروا على النفاق لم يكن مقام بالمدينة إلا وهم مطرودون
الأحزاب : ( 62 ) سنة الله في . . . . .
) سنة الله في الذين خلوا من قبل ( أى سن الله ذلك فى الأمم الماضية وهو لعن المنافقين وأخذهم


"""""" صفحة رقم 306 """"""
وتقتيلهم وكذا حكم المرجفين وهو منتصب على المصدر قال الزجاج بين الله فى الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يقتلوا حيثما ثقفوا ) ولن تجد لسنة الله تبديلا ( أى تحويلا وتغييرا بل هى ثابتة دائمة في أمثال هؤلاء فى الخلف والسلف
الأحزاب : ( 63 ) يسألك الناس عن . . . . .
) يسألك الناس عن الساعة ( أي عن وقت قيامها وحصولها قيل السائلون عن الساعة هم أولئك المنافقون والمرجفون لما توعدوا بالعذاب سألوا عن الساعة استبعادا وتكذيبا ) وما يدريك ( يا محمد أى مايعلمك ويخبرك ) لعل الساعة تكون قريبا ( أى فى زمان قريب وانتصاب قريبا على الظرفية والتذكير لكون الساعة فى معنى اليوم أو الوقت مع كون تأنيث الساعة ليس بحقيقى والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لبيان أنها إذا كانت محجوبة عنه لايعلم وقتها وهو رسول الله فكيف بغيره من الناس وفى هذا تهديد لهم عظيم
الأحزاب : ( 64 ) إن الله لعن . . . . .
) إن الله لعن الكافرين ( أى طردهم وأبعدهم من رحمته ) وأعد لهم ( فى الآخرة مع ذلك اللعن منه لهن فى الدنيا ) سعيرا ( أى نارا شديدة التسعر
الأحزاب : ( 65 ) خالدين فيها أبدا . . . . .
) خالدين فيها أبدا ( بلا انقطاع ) لا يجدون وليا ( يواليهم ويحفظهم من عذابها ) ولا نصيرا ( ينصرهم ويخلصهم منها
الأحزاب : ( 66 ) يوم تقلب وجوههم . . . . .
ويوم فى قوله ) يوم تقلب وجوههم في النار ( ظرف لقوله لايجدون وقيل لخالدين وقيل لنصيرا وقيل لفعل مقدر وهو اذكر قرأ الجمهور تقلب بضم التاء وفتح اللام على البناء للمفعول وقرأ عيسى الهمذانى وابن أبى إسحاق نقلب بالنون وكسر اللام على البناء للفاعل وهو الله سبحانه وقرأعيسى أيضا بضم التاء وكسر اللام على معنى تقلب السعير وجوههم وقرأ أبو حيوة وأبو جعفر وشيبة بفتح التاء واللام على معنى تتقلب ومعنى هذا التقلب المذكور فى الآية هو تقلبها تارة على جهة منها وتارة على جهة أخرى ظهرا لبطن أو تغير ألوانهم بلفح النار فتسود تارة وتخضر أخرى أو تبديل جلودهم بجلود أخرى فحينئذ ) يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا ( والجملة مستأنفة كأنه قيل فما حالهم فقيل يقولون ويجوز أن يكون المعنى يقولون يوم تقلب وجوهم فى النار ياليتنا الخ تمنوا أنهم أطاعوا الله والرسول وآمنوا بما جاء به لينجوا مما هم فيه من العذاب كما نجا المؤمنون وهذه الألف فى الرسولا والألف التى ستأتى فى السبيلا هى الألف التى تقع فى الفواصل ويسميها النحاة ألف الإطلاق وقد سبق بيان هذا في أول هذه السورة
الأحزاب : ( 67 ) وقالوا ربنا إنا . . . . .
) وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا ( هذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى والمراد بالسادة والكبراء هم الرؤساء والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم فى الدنيا ويقتدون بهم وفى هذا زجر عن التقليد شديد وكم فى الكتاب العزيز من التنبيه علي هذا والتحذير منه والتنفير عنه ولكن لمن يفهم معنى كلام الله ويقتدى به وينصف من نفسه لا لمن هو من جنس الأنعام فى سوء الفهم ومزيد البلادة وشدة التعصب وقرأ الحسن وابن عامر ساداتنا بكسر التاء جمع سادة فهو جمع الجمع وقال مقاتل هم المطعمون فى غزوة بدر والأول أولى ولا وجه للتخصيص بطائفة معينة ) فأضلونا السبيلا ( أى عن السبيل بما زينوا لنا من الكفر بالله ورسوله والسبيل هو التوحيد
الأحزاب : ( 68 ) ربنا آتهم ضعفين . . . . .
ثم دعوا عليهم فى ذلك الموقف فقالوا ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب ( أى مثل عذابنا مرتين وقال قتادة عذاب الدنيا والآخرة وقيل عذاب الكفر وعذاب الإضلال ) والعنهم لعنا كبيرا ( قرأ الجمهور كثيرا بالمثلثة أى لعنا كثير العدد عظيم القدر شديد الموقع واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد والنحاس وقرأ ابن مسعود وأصحابه ويحيى بن وثاب وعاصم بالباء الموحدة أى كبيرا فى نفسه شديدا عليهم ثقيل الموقع
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن عائشة قال خرجت سودة بعد ماضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لاتخفى علي من يعرفها فرآها عمر فقال ياسودة أما والله ماتخفين علينا فانظرى كيف تخرجين قال فانكفأت راجعة ورسول ( صلى الله عليه وسلم ) فى بيتى وإنه ليتعشى وفى يده عرق فدخلت وقالت


"""""" صفحة رقم 307 """"""
يارسول الله إنى خرجت لبعض حاجتى فقال لى عمر كذا وكذا فأوحى إليه ثم رفع عنه وإن العرق فى يده ما وضعه فقال إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى مالك قال كان نساء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يخرجن بالليل لحاجتهن وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين فقيل ذلك للمنافقين فقالوا إنما نفعله بالإماء فنزلت هذه ) يا أيها النبي قل لأزواجك ( الآية وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظى قال كان رجل من المنافقين يتعرض النساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له قال كنت أحسبها أمة فأمرهن أن يخالفن زى الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن تخمر وجهها إلا إحدى عينيها ) ذلك أدنى أن يعرفن ( يقول ذلك أحرى أن يعرفن وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى هذه الآية قال أمر الله نساء المؤمنات إذا خرجن من بيوتهن فى حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب وبيدين عينا واحدة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود وابن داود وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن أم سلمة قالت لما نزلت وهذه الآية ) يدنين عليهن من جلابيبهن ( خرج نساء الأنصار كأن رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها هكذا فى الزوائد بلفظ من السكينة وليس لها معنى فإن المراد تشبيه الأكسية السود بالغربان لا أن المراد وصفهن بالسكينة كما يقال كأن على رؤوسهم الطير وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت رحم الله نساء الأنصار لما نزلت ) يا أيها النبي قل لأزواجك ( الاية شقن مروطهن فاعتجرن بها وصلين خلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كأنما على رؤوسهن الغربان وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وإدناء الجلباب أن تقنع وتشده على جبينها وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب فى قوله ) لئن لم ينته المنافقون ( يعنى المنافقين بأعيانهم ) والذين في قلوبهم مرض ( شك يعني المنافقين أيضا وأخرج ابن سعد أيضا عن عبيد قال ) والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة ( هم المنافقون جميعا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس في قوله ) لنغرينك بهم ( قال لنسلطنك عليهم
سورة الأحزاب ( 69 - 73 )
الأحزاب : ( 69 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) لا تكونوا كالذين آذوا موسى ( هو قولهم إن به أدرة أو برصا أو عيبا وسيأتى بيان ذلك آخر البحث وفيه تأديب للمؤمنين وزجر لهم عن أن يدخلوا فى شىء من الأمور التى تؤذى رسول الله قال مقاتل


"""""" صفحة رقم 308 """"""
وعظ الله المؤمنين أن لايؤذوا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كما آذى بنو إسرائيل موسى وقد وقع الخلاف فيما أوذى به نبيا ( صلى الله عليه وسلم ) حتى نزلت هذه الآية فحكى النقاش أن أذيتهم محمدا قولهم زيد بن محمد وقال أبو وائل إنه ( صلى الله عليه وسلم ) قسم قسما فقال رجل من الأنصار إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله وقيل نزلت فى قصة زيد بن ثابت وزينب بنت جحش وما سمع فيها من قالة الناس ومعنى ) وكان عند الله وجيها ( وكان عند الله عظيما ذا وجاهة والوجيه عند الله العظيم القدر الرفيع المنزلة وقيل فى تفسير الوجاهة إنه كلمه تكليما قرأ الجمهور وكان عند الله بالنون علي الظرفية المجازية وقرأ ابن مسعود والأعمش وأبو حيوة عبد الله بالباء الموحدة من العبودية وما فى قوله ) فبرأه الله مما قالوا ( هي الموصولة أو المصدرية أى من الذى قالوه أو من قولهم
الأحزاب : ( 70 ) يا أيها الذين . . . . .
) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( أى فى كل أمر من الأمور ) وقولوا قولا سديدا ( أى قولا صوابا وحقا قال قتادة ومقاتل يعنى قولوا قولا سديدا فى شأن زيد وزينب ولاتنسبوا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إلي مالا يحل وقال عكرمة إن القول السديد لا إله إلا الله وقيل هو الذى يوافق ظاهره باطنه وقيل هو ما أريد به وجه الله دون غيره وقيل هو الإصلاح بين الناس والسديد مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض والظاهر من الآية أنه أمرهم بأن يقولوا قولا سديدا فى جميع ما يأتونه ويذرونه فلايخص ذلك نوعا دون نوع وإن لم يكن فى اللفظ مايقتضى العموم فالمقام يفيد هذا المعنى لأنه أرشد سبحانه عباده إلى أن يقولوا قولا يخالف قول أهل الأذى
الأحزاب : ( 71 ) يصلح لكم أعمالكم . . . . .
ثم ذكر ما لهؤلاء الذين امتثلوا الأمر بالتقوى والقول السديد من الأجر فقال ) يصلح لكم أعمالكم ( أى يجعلها صالحة لا فاسدة بما يهديهم إليه ويوفقهم فيه ) ويغفر لكم ذنوبكم ( أى يجعلها مكفرة مغفورة ) ومن يطع الله ورسوله ( فى فعل ماهو طاعة واجتناب ماهو معصية ) فقد فاز فوزا عظيما ( أى ظفر بالخير ظفرا عظيما ونال خير الدنيا والآخرة وهذه الجملة مستأنفة مقررة لماسبقها
الأحزاب : ( 72 ) إنا عرضنا الأمانة . . . . .
ثم لما فرغ سبحانه من بيان ما لأهل الطاعة من الخير بعد بيان ما لأهل المعصية من العذاب بين عظم شأن التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها فقال ) إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها (
واختلف فى تفسير هذه الأمانة المذكورة هنا فقال الواحدى معنى الأمانة ههنا فى قول جميع المفسرين الطاعة والفرائض التى يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب قال القرطبى والأمانة تعم جميع وصائف الدين على الصحيح من الأقوال وهو قول الجمهور
وقد اختلف فى تفاصيل بعضها فقال ابن مسعود هى في أمانة الأموال كالودائع وغيرها وروى عنه أنها فى كل الفرائض وأشدها أمانة المال وقال أبى بن كعب من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها وقال أبو الدرداء غسل الجنابة أمانة وإن الله لم يأمن ابن آدم علي شىء من دينه غيرها وقال ابن عمر أول ماخلق الله من الإنسان فرجه وقال هذه أمانة استودعكها فلا تلبسها إلا بحق فإن حفظتها حفظتك فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واللسان أمانة والبطن أمانة واليد أمانة والرجل أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة له وقال السدى هى ائتمان آدم ابنه قابيل على ولده هابيل وخيانته إياه فى قتله وما أبعد هذا القول وليت شعرى ماهو الذى سوغ للسدى تفسير هذه الآية بهذا فإن كان ذلك لدليل دله على ذلك فلا دليل وليست هذه الآية حكاية عن الماضين من العباد حتى يكون له فى ذلك متمسك أبعد من كل بعيد وأوهن من بيوت العنكبوت وإن كان تفسير هذا عملا بما تقتضيه اللغة العربية فليس فى لغة العرب مايقتضى هذا ويوجب حمل هذه الأمانة


"""""" صفحة رقم 309 """"""
المطلقة على شىء كان فى أول هذا العالم وإن كان هذا تفسيرا منه بمحض الرأى فليس الكتاب العزيز عرضة لتلاعب آراء الرجال به ولهذا ورد الوعيد علي من فسر القرآن برأيه فاحذر أيها الطالب للحق عن قبول مثل هذه التفاسير واشدد يديك فى تفسير كتاب الله ماتقتضيه اللغة العربية فهو قرآن عربى كما وصفه الله فإن جاءك التفسير عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلا تلتفت إلى غيره وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وكذلك ماجاء عن الصحابة رضى الله عنهم فإنهم من جملة العرب ومن أهل اللغة وممن جمع إلى اللغة العربية العلم بالاصطلاحات الشرعية ولكن إذا كان معنى اللفظ أوسع مما فسروه به فى لغة العرب فعليك أن تضم إلي ماذكره الصحابى ماتقتضيه لغة العرب وأسرارها فخذ هذه كلية تنتفع بها وقد ذكرنا فى خطبة هذا التفسير مايرشدك إلى هذا قال الحسن إن الأمانة عرضت على السموات والأرض والجبال فقالت وما فيها فقال لها إن أحسنت آجرتك وإن أسأت عذبتك فقالت لا قال مجاهد فلما خلق الله آدم عرضها عليه وقيل له ذلك فقال قد تحملتها وروى نحو هذا عن غير الحسن ومجاهد قال النحاس وهذا القول هو الذى عليه أهل التفسير وقيل هذه الأمانة هى ما أودعه الله فى السموات والأرض والجبال وسائر المخلوقات من الدلائل علي ربوبيته أن يظهروها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها كذا قال بعض المتكلمين مفسرا للقرآن برأيه الزائف فيكون على هذا معنى عرضنا أظهرنا قال جماعة من العلماء ومن المعلوم أن الجماد لايفهم ولايجيب فلابد من تقدير حياة فيها وهذا العرض فى الآية هو عرض تخيير لا عرض إلزام وقال القفال وغيره العرض فى هذه الآية ضرب مثل أى إن السموات والأرض والجبال علي كبر أجرامها لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع لما فيها من الثواب والعقاب أى أن التكليف أمر عظيم حقه أن تعجز عنه السموات والأرض والجبال وقد كلفه الأنسان وهو ظلوم جهول لو عقل وهذا كقوله ) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ( وقيل إن عرضنا بمعنى عارضنا أى عارضنا الأمانة بالسموات والأرض والجبال فضعفت هذه الأشياء عن الأمانة ورجحت الأمانة بثقلها عليها وقيل إن عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال إنما كان من آدم عليه السلام وأن الله أمره أن يعرض ذلك عليها وهذا أيضا تحريف لاتفسير ومعنى ) وحملها الإنسان ( أى التزم بحقها وهو فى ذلك ظلوم لنفسه جهول لما يلزمه أو جهول لقدر مادخل فيه كما قال سعيد بن جبير أو جهول بربه كما قال الحسن وقال الزجاج معنى حملها خان فيها وجعل الآية فى الكفار والفساق والعصاة وقيل معنى حملها كلفها وألزمها أو صار مستعدا لها بالفطرة أو حملها عند عرضها عليه فى عالم الذر عند خروج ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق عليهم
الأحزاب : ( 73 ) ليعذب الله المنافقين . . . . .
واللام فى ) ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ( متعلق بحملها أى حملها الإنسان ليعذب الله العاصى ويثيب المطيع وعلي هذا فجملة ) إنه كان ظلوما جهولا ( معترضة بين الجملة وغايتها للإيذان بعدم وفائه بما تحمله قال مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حبان ليعذبهم بما خانوا من الأمانة وكذبوا من الرسل ونقضوا من الميثاق الذى أقروا به حين أخرجوا من ظهر آدم وقال الحسن وقتادة هؤلاء المعذبون هم الذين خانوها وهؤلاء الذين يتوب الله عليهم هم الذين آدوها وقال ابن قتيبة أى عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله ويظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه أى يعود عليه بالمغفرة والرحمة إن حصل منه تقصير فى بعض الطاعات ولذلك ذكر بلفظ التوبة فدل على أن المؤمن العاصى خارج من العذاب ) وكان الله غفورا رحيما ( أى كثير المغفرة والرحمة للمؤمنين من عباده إذا قصروا فى شىء مما يجب عليهم وقد قيل إن المراد بالأمانة العقل


"""""" صفحة رقم 310 """"""
والراجح ماقدمنا عن الجمهور وما عداه فلا يخلو عن ضعف لعدم وروده على المعنى العربى ولا انطباقه على مايقتضيه الشرع ولا موافقته لما يقتضيه تعريف الأمانة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البخارى وغيره من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن موسى كان رجلا حيا ستيرا لايرى من جلده شىء استحياء منه فأذاه من أذاه من بنى إسرائيل فقالوا ماتستر هذا الستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله عز وجل أراد أن يبرئ موسى مما قالوا فخلا يوما وحده فخلع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه فطلب الحجر فجعل يقول ثوبى حجر ثوبى حجر حتى انتهى إلى ملأ من بنى إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ماخلق الله وأبراه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا وأخرج نحوه البزار وابن الأنبارى وابن مردويه من حديث أنس وأخرج ابن أبى شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) لا تكونوا كالذين آذوا موسى ( قال قال له قومه إنه آدر فخرج ذات يوم ليغتسل فوضع ثيابه على حجر فخرجت الصخرة تشتد بثيابه فخرج موسى يتبعها عريانا حتى انتهت به إلى مجالس بنى إسرائيل فرأوه وليس بآدر فذلك قوله ) فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ( وأخرج الحاكم وصححه من طريق السدى عن أبى مالك عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وناس من الصحابة أن الله أوحى إلي موسى إنى متوف هارون فأت به جبل كذا وكذا فانطلقا نحو الجبل فإذا هم بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيب فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه قال يا موسى إنى أحب أن أنام على هذا السرير قال نم عليه قال نم معى فلما ناما أخذ هارون الموت فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت الشجرة ورفع السرير إلى السماء فلما رجع موسى إلى بنى إسرائيل قالوا قتل هارون وحسده حب بنى إسرائيل له وكان هارون أءلف بهم وألين وكان في موسى بعض الغلظة عليهم فلما بلغه قال ويحكم إنه كان أخى أفترونى أقتله فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله فنزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال قسم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذات يوم قسما فقال رجل إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله فذكر ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فاحمر وجهه ثم قال رحمه الله على موسى لقد أوذى أكثر من هذا فصبر وأخرج أحمد وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه عن أبى موسى الأشعرى قال صلى بنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صلاة الظهر ثم قال علي مكانكم اثبتوا ثم أتى الرجال فقال إن الله أمرنى أن آمركم أن تتقوا الله وأن تقولوا قولا سديدا ثم أتى النساء فقال إن الله أمرنى أن امركن أن تتقين الله وأن تقلن قولا سديدا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن الأنبارى فى كتاب الأضداد عن ابن عباس فى قوله ) إنا عرضنا الأمانة ( الآية قال الأمانة الفرائض عرضها الله على السموات والأرض والجبال أن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ولكن تعظيما لدين الله أن لايقوموا بها ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها وهو قوله ) وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ( يعنى غرا بأمر الله وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن الانبارى فى كتاب الأضداد والحاكم وصححه عنه فى الاية قال عرضت على آدم فقيل خذها بما فيها فرن أطعت غفرت لك وإن عصيت عذبتك قال قبلتها بما فيها فما كان إلا مابين العصرإلى الليل من ذلك اليوم حتى أصاب الذنب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا من طريق أخرى نحوه


"""""" صفحة رقم 311 """"""
S34
تفسير
سورة سبأ هي أربع وخمسون آية
وهي مكية قال القرطبي في قول الجميع إلا آية واحدة اختلف فيها وهي قوله ) ويرى الذين أوتوا العلم ( فقالت فرقة هي مكية وقالت فرقة هي مدنية وسيأتي الخلاف في معنى هذه الآية إن شاء الله وفيمن نزلت وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقى في الدلائل عن ابن عباس قال نزلت سورة سبأ بمكة
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة سبأ ( 1 9 )
سبأ : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
قوله ( الحمد لله ) تعريف الحمد مع لام الاختصاص مشعران باختصاص جميع أفراد الحمد بالله سبحانه على ما تقدم تحقيقه في فاتحة الكتاب والموصول في محل جر على النعت أو البدل أو النصب على الاختصاص أو الرفع على تقدير مبتدأ ومعنى ) له ما في السماوات وما في الأرض ( أن جميع ما هو فيها في ملكه وتحت تصرفه


"""""" صفحة رقم 312 """"""
يفعل به ما يشاء ويحكم فيه بما يريد وكل نعمة واصلة إلى العبد فهي مما خلقه له ومن به عليه فحمده على ما في السموات والأرض هو حمد له على النعم التي أنعم بها على خلقه مما خلقه لهم ولما بين أن الحمد الدنيوي من عباده الحامدين له مختص به بين أن الحمد الأخروي مختص به كذلك فقال ) وله الحمد في الآخرة ( وقوله له متعلق بنفس الحمد أو بما تعلق به خبر الحمد أعنى في الآخرة فإنه متعلق بمتعلق عام هو الاستقرار أو نحوه والمعنى أن له سبحانه على الاختصاص حمد عباده الذين يحمدونه في الدار الآخرة إذا دخلوا الجنة كما في قوله ) وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده ( وقوله الحمد لله الذي هدانا لهذا وقوله ) الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ( وقوله الحمد لله الذي أحلنا دار المقامه من فضله وقوله ) وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ( فهو سبحانه المحمود في الآخرة كما أنه المحمود في الدنيا وهو المالك للآخرة كما أنه المالك للدنيا وهو الحكيم الذي أحكم أمر الدارين الخبير بأمر خلقه فيهما قيل والفرق بين الحمدين أن الحمد في الدنيا عبادة وفي الآخرة تلذذ وابتهاج لأنه قد انقطع التكليف فيها
سبأ : ( 2 ) يعلم ما يلج . . . . .
ثم ذكر سبحانه بعض ما يحيط به علمه من أمور السموات والأرض فقال ) يعلم ما يلج في الأرض ( أى ما يدخل فيها من مطر أو كنز أو دفين ) وما يخرج منها ( من زرع ونبات وحيوان ) وما ينزل من السماء ( من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والبركات ومن ذلك ما ينزل منها من ملائكته وكتبه إلى أنبيائه وما يعرج فيها من الملائكة وأعمال العباد قرأ الجمهور ينزل بفتح الياء وتخفيف الزاى مسندا إلى ما وقرأ على بن أبى طالب والسلمى بضم الياء وتشديد الزاى مسندا إلى الله سبحانه وهو الرحيم بعباده الغفور لذنوبهم
سبأ : ( 3 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة ( المراد بهؤلاء القائلين جنس الكفرة على الإطلاق أو كفار مكة على الخصوص ومعنى لاتأتينا الساعة أنها لا تأتي بحال من الأحوال إنكارا منهم لوجودها لا لمجرد إتيانها في حال تكلمهم أو فى حال حياتهم مع تحقق وجودها فيما بعد فرد الله عليهم وأمر رسوله أن يقول لهم ) قل بلى وربي لتأتينكم ( وهذا القسم لتأكيد الإتيان قرأ الجمهور لتأتينكم بالفوقية أى الساعة وقرأ طلق المعلم بالتحتية على تأويل الساعة باليوم أو الوقت قال طلق سمعت أشياخنا يقرءون بالياء يعنى التحتية على المعنى كأنه قال ليأتينكم البعث أو أمره كما قال ) هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك ( قرأ نافع وابن عامر ) عالم الغيب ( بالرفع على أنه مبتدأ وخبره لا يعزب أو على تقدير مبتدأ وقرأ عاصم وابن كثير وأبو عمرو بالجر على أنه نعت لربى وقرأ حمزه والكسائى علام بالجر مع صيغة المبالغة ومعنى لا يعزب لا يغيب عنه ولا يستتر عليه ولا يبعد ) عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ( المثقال ولا أكبر منه ) إلا في كتاب مبين ( وهو اللوح المحفوظ والمعنى إلا وهو مثبت فى اللوح المحفوظ الذى اشتمل على معلومات الله سبحانه فهو مؤكد لنفى العزوب قرأ الجمهور يعزب بضم الزاى وقرأ يحيى بن وثاب بكسرها قال الفراء والكسر أحب إلى وهما لغتان يقال عزب يعزب بالضم ويعزب بالكسر إذا بعد وغاب وقرأ الجمهور ولا أصغر ولا أكبر بالرفع على الابتداء والخبر إلا فى كتاب أو على العطف على مثقال وقرأ قتادة والأعمش بنصبهما عطفا على ذرة أو على أن لا هى لا التبرئة التي يبنى اسمها على الفتح
سبأ : ( 4 ) ليجزي الذين آمنوا . . . . .
واللام فى ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( للتعليل لقوله لتأتينكم أى إتيان الساعة فائدته جزاء المؤمنين بالثواب والكافرين بالعقاب والإشارة بقوله أولئك إلى الموصول أى أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم وهو الجنة بسبب إيمانهم وعملهم الصالح مع التفضل عليهم من الله سبحانه
سبأ : ( 5 ) والذين سعوا في . . . . .
ثم ذكر فريق الكافرين الذين يعاقبون عند إتيان الساعة فقال ) والذين سعوا في آياتنا معاجزين ( أى سعوا في إبطال آياتنا المنزلة على الرسل وقدحوا فيها


"""""" صفحة رقم 313 """"""
وصدوا الناس عنها ومعنى معاجزين مسابقين أنهم يفوتوننا ولا يدركون وذلك باعتقادهم أنهم لا يبعثون يقال عاجزة وأعجزه إذا غالبه وسبقه قرأ الجمهور معاجزين وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد وأبو عمرو معجزين أى مثبطين للناس عن الإيمان بالآيات أولئك أى الذين سعوا ) لهم عذاب من رجز ( الرجز هو العذاب فمن للبيان وقبل الرجز هو أسوأ العذاب وأشده والأول أولى ومن ذلك قوله ) فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء ( قرأ الجمهور أليم بالجر صفة لرجز وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بالرفع صفة لعذاب والأليم الشديد الألم
سبأ : ( 6 ) ويرى الذين أوتوا . . . . .
) ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ( لما ذكر الذين سعوا في إبطال آيات الله ذكر الذين يؤمنون بها ومعنى ) ويرى الذين أوتوا العلم ( أى يعلمون وهم الصحابة وقال مقاتل هم مؤمنو أهل الكتاب وقيل جميع المسلمين والموصول هو المفعول الأول ليرى والمفعول الثانى الحق والضمير هو ضمير الفصل وبالنصب قرأ الجمهور وقرأ ابن أبى عبلة بالرفع على أنه خبر الضمير والجملة في محل نصب على أنها المفعول الثانى وهي لغة تميم فإنهم يرفعون ما بعد ضمير الفصل وزعم الفراء أن الاختيار الرفع وخالفه غيره وقالوا النصب أكثر قيل وقوله يرى معطوف على ليجزى وبه قال الزجاج والفراء واعترض عليهما بأن قوله ليجزى متعلق بقوله لتأتينكم ولا يقال لتأتينكم الساعة ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق والأولى أنه كلام مستأنف لدفع ما يقوله الذين سعوا في الآيات أى إن ذلك السعى منهم يدل على جهلهم لأنهم مخالفون لما يعلمه أهل العلم فى شأن القرآن ويهدى إلى صراط مستقيم معطوف على الحق عطف فعل على اسم لأنه في تأويله كما في قوله ) صافات ويقبضن ( أى وقابضات كأنه قيل وهاديا وقيل إنه مستأنف وفاعله ضمير يرجع إلى فاعل أنزل وهو القرآن والصراط الطريق أى ويهدى إلى طريق العزيز في ملكه الحميد عند خلقه والمراد أنه يهدى إلى دين الله وهو التوحيد
سبأ : ( 7 ) وقال الذين كفروا . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من كلام منكرى البعث فقال ) وقال الذين كفروا ( أى قال بعض لبعض ) هل ندلكم على رجل ( يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أى هل نرشدكم إلى رجل ينبئكم أى يخبركم بأمر عجيب ونبأ غريب هو أنكم ) إذا مزقتم كل ممزق ( أى فرقتم كل تفريق وقطعتم كل تقطيع وصرتم بعد موتكم رفاتا وترابا ) إنكم لفي خلق جديد ( أى تخلقون خلقا جديدا وتبعثون من قبوركم أحياء وتعودون إلى الصور التي كنتم عليها قال هذا القول بعضهم لبعض استهزاء بما وعدهم الله على لسان رسوله من البعث وأخرجوا الكلام مخرج التلهى به والتضاحك مما يقوله من ذلك وإذا في موضع نصب بقوله مزقتم قال النحاس ولا يجوز أن يكون العامل فيها ينبئكم لأنه ليس يخبرهم ذلك الوقت ولا يجوز أن يكون العامل فيها ما بعد إن لأنه لا يعمل فيما قبلها وأجاز الزجاج أن يكون العامل فيها محذوفا والتقدير إذا مزقتم كل ممزق بعثتم أو نبئتم بأنكم تبعثون إذا مزقتم وقال المهدوى لا يجوز أن يعمل فيه مزقتم لأنه مضاف اليه والمضاف اليه لا يعمل في المضاف وأصل المزق خرق الأشياء يقال ثوب مزيق وممزق ومتمزق وممزوق
سبأ : ( 8 ) أفترى على الله . . . . .
ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم رددوا ما وعدهم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من البعث بين أمرين فقالوا ) أفترى على الله كذبا أم به جنة ( أى أهو كاذب فيما قاله أم به جنون بحيث لا يعقل ما يقوله والهمزة في أفترى هى همزة الاستفهام وحذفت لأجلها همزة الوصل كما تقدم فى قوله ) أطلع الغيب ( ثم رد عليهم سبحانه ما قالوه فى رسوله فقال ) بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ( أى ليس الأمر كما زعموا بل هم الذين ضلوا عن الفهم وإدراك الحقائق فكفروا بالآخرة ولم يؤمنوا بما جاءهم به فصاروا بسبب ذلك فى العذاب الدائم فى الآخرة وهم اليوم فى الضلال البعيد عن الحق غاية البعد


"""""" صفحة رقم 314 """"""
سبأ : ( 8 ) أفترى على الله . . . . .
ثم وبخهم سبحانه بما اجترء عليه من التكذيب مبينا لهم أن ذلك لم يصدر منهم إلا لعدم التفكر والتدبر في خلق السماء والأرض وأن من قدر على هذا الخلق العظيم لا يعجزه أن يبعث من مخلوقاته ما هو دون ذلك ويعيده إلى ما كان عليه من الذات والصفات ومعنى ) إلى ما بين أيديهم وما خلفهم ( أنهم إذا نظروا رأوا السماء خلفهم وقدامهم وكذلك إذا نظروا فى الأرض رأوها خلفهم وقدامهم فالسماء والأرض محيطتان بهم فهو القادر على أن ينزل بهم ما شاء من العذاب بسبب كفرهم وتكذيبهم لرسوله وإنكارهم للبعث فهذه الآية اشتملت على أمرين أحدهما أن هذا الخلق الذى خلقه الله من السماء والأرض يدل على كمال القدرة على ما هو دونه من البعث كما فى قوله ) أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ( والأمر الآخر التهديد لهم بأن من خلق السماء والأرض على هذه الهيئة التى قد أحاطت بجميع المخلوقات فيهما قادر على تعجيل العذاب لهم ) إن نشأ نخسف بهم الأرض ( كما خسف بقارون ) أو نسقط عليهم كسفا ( أى قطعا ) من السماء ( كما أسقطها على أصحاب الأيكة فكيف يأمنون ذلك قرأ الجمهور ) إن نشأ ( بنون العظمة وكذا نخسف ونسقط وقرأ حمزة والكسائى بالياء التحتية فى الأفعال الثلاثة أى أن يشأ الله وقرأ الكسائى وحده بإدغام الفاء فى الباء في ) نخسف بهم ( قال أبو على الفارسى وذلك غير جائز لأن الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا بخلاف الباء وقرأ الجمهور ) كسفا ( بسكون السين وقرأ حفص والسلمى بفتحها ) إن في ذلك ( المذكور من خلق السماء والأرض لآية واضحة ودلالة بينة ) لكل عبد منيب ( أى راجع إلى ربه بالتوبة والإخلاص وخص المنيب لأنه المنتفع بالتفكر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن السدى في قوله ) يعلم ما يلج في الأرض ( قال من المطر ) وما يخرج منها ( قال من النبات ) وما ينزل من السماء ( قال من الملائكة ) وما يعرج فيها ( قال الملائكة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة في قوله ) من رجز أليم ( قال الرجز هو العذاب الأليم الموجع وفى قوله ) ويرى الذين أوتوا العلم ( قال أصحاب محمد وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك فى الآية قال يعنى المؤمنين من أهل الكتاب وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتادة في قوله ) وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ( قال قال ذلك مشركو قريش ) إذا مزقتم كل ممزق ( يقول إذا أكلتكم الأرض وصرتم رفاتا وعظاما وتقطعتكم السباع والطير ) إنكم لفي خلق جديد ( إنكم ستحيون وتبعثون قالوا ذلك تكذيبا به ) أفترى على الله كذبا أم به جنة ( قال قالوا إما أن يكون يكذب على الله وإما أن يكون مجنونا ) أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ( قالوا إنك إن نظرت عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك رأيت السماء والأرض ) إن نشأ نخسف بهم الأرض ( كما خسفنا بمن كان قبلهم ) أو نسقط عليهم كسفا من السماء ( أى قطعا من السماء إن يشأ أن يعذب بسمائه فعل وإن يشأ أن يعذب بأرضه فعل وكل خلقه له جند ) إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ( قال نائب مقبل إلى الله
سورة سبأ ( 10 14 )


"""""" صفحة رقم 315 """"""
سبأ : ( 10 ) ولقد آتينا داود . . . . .
ثم ذكر سبحانه من عباده المنيبين إليه داود وسليمان كما قال فى داود ) فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ( وقال فى سليمان ) وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ( فقال ) ولقد آتينا داود منا فضلا ( أى آتيناه بسبب إنابته فضلا منا على سائر الأنبياء واختلف فى هذا الفضل على أقوال فقيل النبوة وقيل الزبور وقيل العلم وقيل القوة كما فى قوله ) واذكر عبدنا داود ذا الأيد ( وقيل تسخير الجبال كما فى قوله ) يا جبال أوبي معه ( وقيل التوبة وقيل الحكم بالعدل كما فى قوله ) يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ( وقيل هو إلانة الحديد كما فى قوله ) وألنا له الحديد ( وقيل حسن الصوت والأولى أن يقال إن هذا الفضل المذكور هو ما ذكره الله بعده من قوله يا جبال إلى آخر الآية وجملة ) يا جبال أوبي معه ( مقدرة بالقول أى قلنا يا جبال والتأويب التسبيح كما فى قوله ) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن ( قال أبو ميسرة هو التسبيح بلسان الحبشة وكان إذا سبح داود سبحت معه ومعنى تسبيح الجبال أن الله يجعلها قادرة على ذلك أو يخلق فيها التسبيح معجزة لداود وقيل معنى أوبي سيرى معه من التأويب الذي هو سير النهار أجمع ومنه قول ابن مقبل لحقنا بحى أوبوا السير بعد ما
دفعنا شعاع الشمس والطرف مجنح
قرأ الجمهور أوبي بفتح الهمزة وتشديد الواو على صيغة الأمر من التأويب وهو الترجيع أو التسبيح أو السير أو النوح وقرأ ابن عباس والحسن قتادة وابن أبى إسحاق أوبى بضم الهمزة أمرا من آب يئوب إذا رجع أى ارجعى معه قرأ الجمهور والطير بالنصب عطفا على فضلا على معنى وسخرنا له الطير لأن إيتاءه إياها تسخيرها له أو عطفا على محل يا جبال لأنه منصوب تقديرا إذ المعنى نادينا الجبال والطير وقال سيبويه وأبو عمرو بن العلاء انتصابه بفعل مضمر على معنى وسخرنا له الطير وقال الزجاج والنحاس يجوز أن يكون مفعولا معه كما تقول استوى الماء والخشبة وقال الكسائي إنه معطوف على فضلا لكن على تقدير مضاف محذوف أى أتيناه فضلا وتسبيح الطير وقرأ السلمي والأعرج ويعقوب وأبو نوفل وابن أبى إسحاق ونصر بن عاصم وابن هرمز ومسلمة بن عبد الملك بالرفع عطفا على لفظ الجبال أو على المضمر في أوبى لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ) وألنا له الحديد ( معطوف على آتيناه أى جعلناه لينا ليعمل به ما شاء قال الحسن صار الحديد كالشمع يعمله من غير نار وقال السدى كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجين والشمع يصرفه كيف يشاء من غير نار ولا ضرب بمطرقة وكذا قال مقاتل وكان يفرغ من عمل الدرع في بعض يوم
سبأ : ( 11 ) أن اعمل سابغات . . . . .
) أن اعمل سابغات ( في أن هذه وجهان أحدهما أنها مصدرية على حذف حرف الجر أي بأن اعمل والثاني أنها المفسرة لقوله وألنا وفيه نظر لأنها لا تكون إلا بعد القول أو ما هو في معناه وقدر بعضهم فعلا فيه معني القول فقال التقدير وأمرناه أن اعمل وقوله سابغات صفة لموصوف محذوف أى دروعا سابغات والسابغات الكوامل


"""""" صفحة رقم 316 """"""
الواسعات يقال سبغ الدرع والثوب وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه وفضل منه فضلة ) وقدر في السرد ( السرد نسج الدروع ويقال السرد والزرد كما يقال السراد والزراد لصانع الدروع والسرد أيضا الخرز يقال سرد يسرد إذا خرز ومنه سرد الكلام إذا جاء به متواليا ومنه حديث عائشة لم يكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يسرد الحديث كسردكم قال سيبويه ومنه سريد أى جرى ومعنى سرد الدروع إحكامها وأن يكون نظام حلقها ولاء غير مختلف ومنه قول لبيد سرد الدروع مضاعفا أسراده
لينال طول العيش غير مروم
وقول أبى ذؤيب الهذلى وعليهما مسرودتان قضاهما
داود إذ صنع السوابغ تبع
قال قتادة كانت الدروع قبل داود ثقالا فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع الخفة والحصانة أى قدر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه فلا تقصد الحصانة فيثقل ولا الخفة فيزيل المنعة وقال ابن زيد التقدير الذى أمر به هو فى قدر الحلقة أى لا تعملها صغيرة فتضعف ولا يقوى الدرع على الدفاع ولا تعملها كبيرة فتثقل على لابسها وقيل إن التقدير هو فى المسمار أى لا تجعل مسمار الدرع دقيقا فيقلق ولا غليظا فيفصم الحلق ثم خاطب داود وأهله فقال واعملوا صالحا أى عملا صالحا كما في قوله ) اعملوا آل داود شكرا ( ثم علل الأمر بالعمل الصالح بقوله ) إني بما تعملون بصير ( أى لا يخفى على شىء من ذلك
سبأ : ( 12 ) ولسليمان الريح غدوها . . . . .
ولسليمان الريح قرأ الجمهور الريح بالنصب على تقدير وسخرنا لسليمان الريح كما قال الزجاج وقرأ عاصم فى رواية أبى بكر عنه بالرفع على الابتداء والخبر أى ولسليمان الريح ثابتة أو مسخرة وقرأ الجمهور الريح وقرأ الحسن وأبو حيوة وخالد ابن إلياس الرياح بالجمع غدوها شهر ورواحها شهر أى تسير بالغداة مسيرة شهر وتسير بالعشى كذلك والجملة إما مستأنفة لبيان تسخير الريح أو فى محل نصب على الحال والمعنى أنها كانت تسير فى اليوم الواحد مسيرة شهرين قال الحسن كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر ) وأسلنا له عين القطر ( القطر النحاس الذائب قال الواحدى قال المفسرون أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن كجرى الماء وإنما يعمل الناس اليوم بما أعطى سليمان والمعنى أسلنا له عين النحاس كما ألنا الحديد لداود وقال قتادة أسال الله له عينا يستعملها فيما يريد ) ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ( من مبتدأ ويعمل خبره ومن الجن متعلق به أو بمحذوف على أنه حال أو من يعمل معطوف على الريح ومن الجن حال والمعنى وسخرنا له من يعمل بين يديه حال كونه من الجن بإذن ربه أى بأمره والإذن مصدر مضاف إلى فاعله والجار والمجرور فى محل نصب على الحال أى مسخرا أو ميسرا بأمر ربه ) ومن يزغ منهم عن أمرنا ( أى ومن يعدل من الجن عن أمرنا الذي أمرنا به وهو طاعة سليمان ) نذقه من عذاب السعير ( قال أكثر المفسرين وذلك في الآخرة وقيل في الدنيا قال السدى وكل الله بالجن ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمر سليمان ضربه بذلك السوط ضربة فتحرقه
سبأ : ( 13 ) يعملون له ما . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما يعمله الجن لسيمان فقال يعملون له ما يشاء و من فى قوله من محاريب للبيان والمحاريب فى اللغة كل موضع مرتفع وهى الأبنية الرفيعة والقصور العالية قال المبرد لا يكون المحراب إلا أن يرتقى إليه بدرج ومنه قيل للذى يصلى فيه محراب لأنه يرفع ويعظم وقال مجاهد المحاريب دون القصور وقال أبو عبيدة المحراب أشرف بيوت الدار ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 317 """"""
وماذا عليه إن ذكرت أوانسا
كغزلان رمل فى محاريب أقيال
وقال الضحاك المراد بالمحاريب هنا المساجد والتماثيل جمع تمثال وهو كل شىء مثلته بشىء أى صورته بصورته من نحاس أو زجاج أو رخام أو غير ذلك قيل كانت هذه التماثيل صور الأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء وكانوا يصورونها فى المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهادا وقيل هى تماثيل أشياء ليست من الحيوان وقد استدل بهذا على أن التصوير كان مباحا في شرع سليمان ونسخ ذلك بشرع نبينا محمد صلى الله عليه وأله وسلم والجفان جمع جفنة وهى القصعة الكبيرة والجواب جمع جابية وهى حفيرة كالحوض وقيل هى الحوض الكبير يجبي الماء أى يجمعه قال الواحدى قال المفسرون يعنى قصاعا في العظم كحياض الإبل يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها قال النحاس الأولى إثبات الياء فى الجوابى ومن حذف الياء قال سبيل الألف واللام أن تدخل على النكرة فلا تغيرها عن حالها فلما كان يقال جواب ودخلت الألف واللام أقر على حاله فحذف الياء قال الكسائى يقال جبوت الماء وجبيته فى الحوض أى جمعته والجابية الحوض الذى يجبى فيه الماء للإبل وقال النحاس والجابية القدر العظيمة والحوض العظيم الكبير الذى يجبى فيه الشىء أى يجمع ومنه جبيت الخراج وجبيت الجراد جمعته فى الكساء وقدور راسيات قال قتادة هى قدور النحاس تكون بفارس وقال الضحاك هى قدور تنحت من الجبال الصم عملتها له الشياطين ومعنى راسيات ثابتات لا تحمل ولا تحرك لعظمها ثم أمرهم سبحانه بالعمل الصالح على العموم أى سليمان وأهله فقال ) اعملوا آل داود شكرا ( أى وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرا له على ما آتاكم أو اعملوا عملا شكرا على أنه صفة مصدر محذوف أو اعملوا للشكر على أنه مفعول له أو حال أى شاكرين أو مفعول به وسميت الطاعة شكرا لأنها من جملة أنواعه أو منصوب على المصدرية بفعل مقدر من جنسه أى اشكر واشكرا ثم بين بعد أمرهم بالشكر أن الشاكرين له من عباده ليسوا بالكثير فقال ) وقليل من عبادي الشكور ( أى العامل بطاعتى الشاكر لنعمتى قليل وارتفاع قليل على أنه خبر مقدم ومن عبادى صفة له والشكور مبتدأ
سبأ : ( 14 ) فلما قضينا عليه . . . . .
فلما قضينا عليه الموت أى حكمنا عليه به وألزمناه إياه مادلهم على موته إلا دابة الأرض يعني الأرضة وقرىء الأرض بفتح الراء أى الأكل يقال أرضت الخشبة أرضا إذا أكلتها الأرضة ومعنى تأكل منسأته تأكل عصاه التى كان متكئا عليها والمنسأة العصا بلغة الحبشة أو هى مأخوذة من نسأت الغنم أى زجرتها قال الزجاج المنسأة التى ينسأ بها أى يطرد قرز الجمهور منسأته بهمزة مفتوحة وقرأ ابن ذكوان بهمزة ساكنة وقرأ نافع وأبو عمرو بألف محضة قال المبرد بعض العرب يبدل من همزتها ألفا وأنشد إذا دببت على المنساة من كبر
فقد تباعد عنك اللهو والغزل
ومثل قراءة الجمهور قول الشاعر ضربنا بمنسأة وجهه
فصار بذاك مهينا ذليلا
ومثله أمن أجل حبل لا أباك ضربته
بمنسأة قد جر حبلك أحبلا
ومما يدل على قراءة ابن ذكوان قول طرفة أمون كألواح الأران نسأتها
على لاحب كأنه ظهر برجد
فلما خر أى سقط تبينت الجن أى ظهر لهم من تبينت الشىء إذا علمته أى علمت الجن ) أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (


"""""" صفحة رقم 318 """"""
أى لو صح ما يزعمونه من أنهم يعلمون الغيب لعلموا بموته ولم يلبثوا بعد موته مدة طويلة فى العذاب المهين في العمل الذى أمرهم به والطاعة له وهو إذ ذاك ميت قال مقاتل العذاب المهين الشقاء والنصب فى العمل قال الواحدى قا المفسرون كانت الناس فى زمان سليمان يقولون إن الجن تعلم الغيب فلما مكث سليمان قائما على عصاه حولا ميتا والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة التى كانت تعمل في حياة سليمان لا يشعرون بموته حتى أكلت الأرضة عصاه فخر ميتا فعلموا بموته وعلم الناس أن الجن لا تعلم الغيب ويجوز أن يكون تبينت الجن من تبين الشىء لا من تبينت الشىء أى ظهر وتجلى وأن وما فى حيزها بدل اشتمال من الجن مع تقدير محذوف أى ظهر أمر الجن للناس أنهم و كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين أو ظهر أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب الخ قرأ الجمهور تبينت على البناء للفاعل مسندا إلى الجن وقرأ ابن عباس ويعقوب تبينت على البناء للمفعول ومعنى القراءتين يعرف مما قدمنا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى شيبه فى المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله أوبى معه قال سبحى معه وروى مثله عن أبى ميسرة ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) وألنا له الحديد ( قال كالعجين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طرق عنه أيضا فى قوله وقدر فى السرد قال حلق الحديد وأخرج عبد الرزاق والحاكم عنه أيضا وقدر فى السرد قال لا تدق المسامير وتوسع الحلق فتسلس ولا تغلظ المسامير وتضيق الحلق فتقصم واجعله قدرا وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طرق عنه أيضا فى قوله ) وأسلنا له عين القطر ( قال النحاس وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال القطر النحاس لم يقدر عليها أحد بعد سليمان وإنما يعمل الناس بعده فيما كان أعطى سليمان وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال القطر الصفر وأخرج الحكيم الترمذى في نوادر الأصول عن ابن عباس فى قوله وتماثيل قال اتخذ سليمان تماثيل من نحاس فقال يارب انفخ فيها الروح فإنها أقوي على الخدمة فنفخ الله فيها الروح فكانت تخدمه وكان اسفنديار من بقاياهم فقيل لداود وسليمان ) اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه في قوله كالجواب قال كالجوبة من الأرض وقدور راسيات قال أثافيها منها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا في قوله ) وقليل من عبادي الشكور ( يقول قليل من عبادى الموحدين توحيدهم وأخرج هؤلاء عنه أيضا فى قال لبث سليمان على عصاه حولا بعد ما مات ثم خر على رأس الحول فأخذت الجن عصى مثل عصاه ودابة مثل دابته فأرسلوها عليها فأكلتها فى سنة وكان ابن عباس يقرأ ) فلما خر تبينت الجن ( الآية قال سفيان وفى قراءة ابن مسعود وهم يدأبون له حولا وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني وابن السنى وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال كان سليمان إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها ما اسمك فتقول كذا وكذا فيقول لما أنت فتقول لكذا وكذا فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت وصلى ذات يوم فإذا شجرة نابتة بين يديه فقال لها ما اسمك قالت الخروب قال لأى شىء أنت قالت لخراب هذا البيت فقال سليمان اللهم عم عن الجن موتى حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب فهيأ عصا فتوكأ عليها وقبضه الله وهو متكىء عليها فمكث حولا ميتا والجن تعمل فأكلتها الأرضة فسقطت فعلموا عند ذلك بموته فتبينت الإنس أن الجن ) لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( وكان ابن عباس يقرؤها كذلك فشكرت الجن للأرضة


"""""" صفحة رقم 319 """"""
فأينما كانت يأتونها بالماء وأخرجه الحاكم وصححه عن ابن عباس موقوفا وأخرج الديلمى عن زيد بن أرقم مرفوعا يقول الله عز وجل إنى تفضلت على عبادى بثلاث ألقيت الدابة على الحبة ولولا ذلك لكنزها الملوك كما يكنزون الذهب والفضة وألقيت النتن على الجسد ولولا ذلك لم يدفن حبيب حبيبه واستلبت الحزن ولولا ذلك لذهب النسل
سورة سبأ ( 15 21 )
سبأ : ( 15 ) لقد كان لسبإ . . . . .
لما ذكر سبحانه حال بعض الشاكرين لنعمه عقبه بحال بعض الجاحدين لها فقال ) لقد كان لسبإ ( المراد بسبأ القبيلة التى هى من أولاد سبأ وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود قرأ الجمهور لسبأ بالجر والتنوين على أنه اسم حى أى الحى الذين هم أولاد سبأ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو لسبأ ممنوع الصرف بتأويل القبيلة واختار هذه القراءة أبو عبيد ويقوى القراءة الأولى قوله في مساكنهم ولو كان على تأويل القبيلة لقال فى مساكنها فمما ورد على القراءة الأولى قول الشاعر الواردون وتيم فى ذرى سبأ
قد عض أعناقها جلد الجواميس
ومما ورد على القراءة الثانية قول الشاعر من سبأ الحاضرين مأرب إذ
يبنون من دون مسيله العرما
وقرأ قنبل وأبو حيوة والجحدرى لسبأ بإسكان الهمزة وقرىء بقلبها ألفا وقرأ الجمهور في مساكنهم على الجمع واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ووجه الاختيار أنها كانت لهم منازل كثيرة ومساكن متعددة وقرأ حمزة وحفص بالإفراد مع فتح الكاف وقرأ الكسائى بالإفراد مع كسرها وبهذه القراءة قرأ يحيى بن وثاب والأعمش ووجه الإفراد أنه مصدر يشمل القليل والكثير أو اسم مكان وأريد به معنى الجمع وهذه


"""""" صفحة رقم 320 """"""
المساكن التى كانت لهم هى التى يقال لها الآن مأرب وبينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال ومعنى قوله آية أى علامة دالة على كمال قدرة الله وبديع صنعه ثم بين هذه الآية فقال جنتان وارتفاعهما على البدل من آية قاله الفراء أو على أنهما خبر مبتدأ محذوف قاله الزجاج أو على أنهما مبتدأ وخبره عن يمين وشمال واختار هذا الوجه ابن عطيه وفيه أنه لا يجوز الابتداء بالنكرة من غير مسوغ وقرأ ابن أبى عبلة جنتين بالنصب على أنهما خبر ثان واسمها آية وهاتان الجنتان كانتا عن يمين واديهم وشماله قد أحاطتا به من جهتيه وكانت مساكنهم فى الوادى والآية هى الجنتان كانت المرأة تمشى فيهما وعلى رأسها المكتل فيمتلىء من أنواع الفواكه التى تتساقط من غير أن تمسها بيدها وقال عبد الرحمن بن زيد إن الآية التى كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة ولا ذبابا ولا برغوثا ولا قملة ولا عقربا ولا حية ولا غير ذلك من الهوام وإذا جاءهم الركب فى ثيابهم القمل ماتت عند رؤيتهم لبيوتهم قال القشيرى ولم يرد جنتين اثنتين بل أراد من الجهتين يمنة ويسرة فى كل جهة بساتين كثيرة ) كلوا من رزق ربكم ( أى قيل لهم ذلك ولم يكن ثم أمر لكن المراد تمكينهم من تلك النعم وقيل إنها قالت لهم الملائكة والمراد بالرزق هو ثمار الجنتين وقيل إنهم خوطبوا بذلك على لسان نبيهم ) واشكروا له ( على ما رزقكم من هذه انعم واعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه وجملة بلدة طيبة ورب غفور مستأنفة لبيان موجب الشكر والمعنى هذه بلدة طيبة لكثرة أشجارها وطيب ثمارها وقيل معنى كونها طيبة أنها غير سبخة وقيل ليس فيها هوام وقال مجاهد هى صنعاء ومعنى ورب غفور أن المنعم عليهم رب غفور لذنوبهم قال مقاتل المعنى وربكم إن شكرتم فيما رزقكم رب غفور للذنوب وقيل إنما جمع لهم بين طيب البلدة والمغفرة للإشارة إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام وقرأ ورش بنصب بلدة ورب على المدح أو على تقدير اسكنوا بلدة واشكروا ربا
سبأ : ( 16 ) فأعرضوا فأرسلنا عليهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما كان منهم بعد هذه النعمة التى أنعم بها عليهم فقال ) فأعرضوا ( عن الشكر وكفروا بالله وكذبوا أنبياءهم قال السدى بعث الله إلى أهل سبأ ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم وكذا قال وهب ثم لما وقع منهم الإعراض عن شكر النعمة أرسل الله عليهم نقمة سلب بها ما أنعم به عليهم فقال ) فأرسلنا عليهم سيل العرم ( وذلك أن الماء كان يأتى أرض سبأ من أودية اليمن فردموا ردما بين جبلين وحبسوا الماء وجعلوا فى ذلك الردم ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض وكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الباب الثانى ثم من الثالث فأخصبوا وكثرت أموالهم فلما كذبوا رسلهم بعث الله جرذا ففتقت ذلك الردم حتى انتقض فدخل الماء جنتهم فغرقها ودفن السيل بيوتهم فهذا هو سيل العرم وهو جمع عرمة وهى السكر التى تحبس الماء وكذا قال قتادة وغيره وقال السدى العرم اسم للسد والمعنى أرسلنا عليهم سيل العرم وقال عطاء العرم اسم الوادى وقال الزجاج العرم اسم الجرذ الذى نقب السد عليهم وهو الذى يقال له الخلد فنسب السيل إليه لكونه سبب جريانه قال ابن الأعرابى العرم من أسماء الفأر وقال مجاهد وابن أبى نجيح العرم ماء أحمر أرسله الله فى السد فشقه وهدمه وقيل إن العرم اسم المطر الشديد وقيل اسم للسيل الشديد والعرامة فى الأصل لشدة والشراسة والصعوبة يقال عرم فلان إذا تشدد وتصعب وروى عن ابن الأعرابى أنه قال العرم السيل الذى لا يطاق وقال المبرد العرم كل شىء حاجز بين شيئين ) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ( أي أهلكنا جنتيهم


"""""" صفحة رقم 321 """"""
اللتين كانتا مشتملتين على تلك الفواكه الطيبة والأنواع الحسنة وأعطيناهم بدلهما جنتين لا خير فيهما ولا فائدة لهم فيما هو نابت فيهما ولهذا قال ) ذواتي أكل خمط ( قرأ الجمهور بتنوين أكل وعدم إضافته إلى خمط وقرأ أبو عمرو بالإضافة قال الخليل الخمط الأراك وكذا قال كثير من المفسرين وقال أبو عبيدة الخمط كل شجرة مرة ذات شوك وقال الزجاج كل نبت فيه مرارة لا يمكن أكله وقال المبرد كل شىء تغير إلى مالا يشتهى يقال له خمط ومنه اللبن إذا تغير وقراءة الجمهور أولى من قراءة أبى عمرو والخمط نعت لأكل أو بدل منه لأن الأكل هو الخمط بعينه وقال الأخفش الإضافة أحسن في كلام العرب مثل ثوب خز ودار آجر والأولى تفسير الخمط بما ذكره الخليل ومن معه قال الجوهرى الخمط ضرب من الأراك له حمل يؤكل وتسمية البدل جنتين للمشاكلة أو التهكم بهم والأثل هو الشجر المعروف الشبيه بالطرفاء كذا قال الفراء وغيره قال إلا أنه أعظم من الطرفاء طولا الواحدة أثلة والجمع أثلاث وقال الحسن الأثل الخشب وقال أبو عبيدة هو شجر النطار والأول أولى ولا ثمر للأثل والسدر شجر معروف قال الفراء هو السمر قال الأزهرى السدر من الشجر سدران برى لا ينتفع به ولا يصلح للغسول وله ثمر عفص لا يؤكل وهو الذى يسمى الضال والثانى سدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب قيل ووصف السدر بالقلة لأن منه نوعا يطيب أكله وهو النوع الثاني الذى ذكره الأزهرى قال قتادة بينما شجرهم من خير شجر إذ صيره الله من ثمر الشجر بأعمالهم فأهلك أشجارهم المثمرة وأنبت بدلها الآراك والطرفاء والسدر ويحتمل أن يرجع قوله قليل إلى جميع ما ذكر من الخمط والأثل والسدر
سبأ : ( 17 ) ذلك جزيناهم بما . . . . .
والإشارة بقول ذلك إلى ما تقدم من التبديل أو إلى مصدر جريانهم والباء في بما كفروا للسببية أى ذلك التبديل أو ذلك الجزاء بسبب كفرهم للنعمة بإعراضهم عن شكرها ) وهل نجازي إلا الكفور ( أى وهل نجازى هذا الجزاء بسلب النعمة ونزول النقمة إلا الشديد الكفر المتبالغ فيه قرأ الجمهور يجازى بضم التحتية وفتح الزاى على البناء للمفعول وقرأ حمزة والكسائى ويعقوب وحفص بالنون وكسر الزاى على البناء للفاعل وهو الله سبحانه والكفور على القراءة الأولى مرفوع وعلى القراءة الثانية منصوب واختار القراءة الثانية أبو عبيد وأبو حاتم قالا لأن قبله جزيناهم وظاهر الآية أنه لا يجازى إلا الكفور مع كون أهل المعاصى يجازون وقد قال قوم إن معنى الآية أنه لا يجازى هذا الجزاء وهو الاصطدام والإهلاك إلا من كفر وقال مجاهد إن المؤمن يكفر عنه سيئاته والكافر يجازى بكل عمل عمله وقال طاووس هو المناقشة فى الحساب وأما المؤمن فلا يناقش وقال الحسن إن المعنى إنه يجازى الكافر مثلا بمثل ورجح هذا الجواب النحاس
سبأ : ( 18 ) وجعلنا بينهم وبين . . . . .
) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ( هذا معطوف على قوله لقد كان لسبأ أي وكان من قصتهم أنا جعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها بالماء والشجر وهى قرى الشام قرى ظاهرة أى متواصلة وكان متجرهم من أرضهم التى هى مأرب إلى الشام وكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى حتى يرجعوا وكانوا لا يحتاجون إلى زاد يحملونه من أرضهم إلى الشام فهذا من جملة الحكاية لما أنعم الله به عليهم قال الحسن إن هذه القرى هى بين اليمن والشام قيل إنها كانت أربعة آلاف وسبعمائة قرية وقيل هى بين المدينة والشام وقال المبرد القرى الظاهرة هى المعروفة وإنما قيل لها ظاهرة لظهورها إذا خرجت من هذه ظهرت لك الأخرى فكانت قرى ظاهرة أى معروفة يقال هذا أمر ظاهر أى معروف وقدرنا فيها السير أى جعلنا السير من القرية إلى القرية مقدارا معينا واحدا وذلك نصف يوم كما قال المفسرون قال الفراء أى جعلنا بين كل قريتين نصف يوم حتى يكون المقيل فى قرية والمبيت في أخرى إلى أن يصل إلى الشام وإنما


"""""" صفحة رقم 322 """"""
يبالغ الإنسان فى السير لعدم الزاد والماء ولخوف الطريق فإذا وجد الزاد والأمن لم يحمل نفسه المشقة بل ينزل أينما أراد والحاصل أن الله سبحانه عدد عليهم النعم ثم ذكر ما نزل بهم من النقم ثم عاد لتعديد ما أنعم به عليهم مما هو خارج عن بلدهم من اتصال القرى بينهم وبين ما يريدون السفر إليه ثم ذكر بعد ذلك تبديله بالمفاوز والبرارى كما سيأتى وقوله ) سيروا فيها ( هو على تقدير القول أى وقلنا لهم سيروا في تلك القرى المتصلة فهو أمر تمكين أى ومكناهم من السير فيها متى شاءوا ) ليالي وأياما آمنين ( مما يخافونه وانتصاب ليالى وأياما على الظرفية وانتصاب آمنين على الحال قال قتادة كانوا يسيرون غير خائفين ولا جياع ولا ظمأ كانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك بعضهم بعضا ولو لقى الرجل قاتل أبيه لم يحركه
سبأ : ( 19 ) فقالوا ربنا باعد . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنهم لم يشكروا النعمة بل طلبوا التعب والكد ) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ( وكان هذا القول منهم بطرا وطغيانا لما سئموا النعمة ولم يصبروا على العافية فتمنوا طول الأسفار والتباعد بين الديار وسألوا الله تعالى أن يجعل بينهم وبين الشام مكان تلك القرى المتواصلة الكثيرة الماء والشجر والأمن والمفاوز والقفاز والبرارى المتباعدة الأقطار فأجابهم الله إلى ذلك وخرب تلك القرى المتواصلة وذهب بما فيها من الخير والماء والشجر فكانت دعوتهم هذه كدعوة بنى إسرائيل حيث قالوا ) فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها ( الآية مكان المن والسلوى وكقول النضر بن الحارث ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ( الآية قرأ الجمهور ربنا بالنصب على أنه منادى مضاف وقرءوا أيضا باعد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وهشام عن ابن عامر بعد بتشديد العين وقرأ ابن السميفع بضم العين فعلا ماضيا فيكون معنى هذه القراءة الشكوى من بعد الأسفار وقرأ أبو صالح ومحمد بن الحنفية وأبو العالية ونصر بن عاصم ويعقوب ربنا بالرفع باعد بفتح العين على أنه فعل ماضي على الابتداء والخبر والمعنى لقد باعد ربنا بين أسفارنا ورويت هذه القراءة عن ابن عباس واختارها أبو حاتم قال لأنهم ما طلبوا التبعيد إنما طلبوا أقرب من ذلك القرب إلى كان بينهم وبين الشام بالقرى المتواصلة بطرا وأشرا وكفرا للنعمة وقرأ يحيى بن يعمر وعيسى بن عمر ربنا بالرفع بعد فتح العين مشددة فيكون معنى هذه القراءة الشكوى بأن ربهم بعد بين أسفارهم مع كونها قريبة متصلة بالقرى والشجر والماء فيكون هذا من جملة بطرهم وقرأ أخو الحسن البصرى كقراءة ابن السميفع السابقة مع رفع بين على أنه الفاعل كما قيل فى قوله لقد تقطع بينكم وروى الفراء والزجاج قراءة مثل هذه القراءة لكن مع نصب بين على أنه ظرف والتقدير بعد سيرنا بين أسفارنا قال النحاس وهذه القراءات إذا اختلفت معانيها لم يجز أن يقال إحداها أجود من الأخرى كما لا يقال ذللك في أخبار الآحاد إذا اختلفت معانيها ولكن أخبر عنهم أنهم دعوا ربهم أن يبعد بين أسفارهم فلما فعل ذلك بهم شكوا وتضرروا ولهذا قال سبحانه ) وظلموا أنفسهم ( حيث كفروا بالله وبطروا نعمته وتعرضوا لنقمته فجعلناهم أحاديث يتحدث الناس بأخبارهم والمعنى جعلناهم ذوي أحاديث يتحدث بها من بعدهم تعجبا من فعلهم واعتبارا بحالهم وعاقبتهم ) ومزقناهم كل ممزق ( أى فرقناهم فى كل وجه من البلاد كل التفريق وهذه الجملة مبنية لجعلهم أحاديث وذلك أن الله سبحانه لما أغرق مكانهم وأذهب جنتهم تفرقوا فى البلاد فصارت العرب تضرب بهم الأمثال فتقول تفرقوا أيدى سبا قال الشعبى فلحقت الأنصار بيثرب وغسان بالشام والأزد بعمان وخزاعة بتهامة ) إن في ذلك لآيات ( أى فيما ذكر من قصتهم وما فعل الله بهم لآيات بينات ودلالات واضحات ) لكل صبار شكور ( أى لكل من هو كثير الصبر والشكر وخص الصبار الشكور لأنهما المنتفعان بالمواعظ والآيات
سبأ : ( 20 ) ولقد صدق عليهم . . . . .
) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه (


"""""" صفحة رقم 323 """"""
قرأ الجمهور صدق بالتخفيف ورفع إبليس ونصب ظنه قال الزجاج وهو على المصدر أى صدق عليهم ظنا ظنه أو صدق فى ظنه أو على الظرف والمعنى أنه ظن بهم أنه إذا أغواهم اتبعوه فوجدهم كذلك ويجوز أن يكون منتصبا على المفعولية أو بإسقاط الخافض وقرأ حمزة والكسائى ويحيى بن وثاب والأعمش وعاصم صدق بالتشديد وظنه بالنصب على أنه مفعول به قال أبو على الفارسى أى صدق الظن الذي ظنه قال مجاهد ظن ظنا فصدق ظنه فكان كما ظن وقرأ أبو جعفر وأبو الجهجاء والزهرى وزيد بن على صدق بالتخفيف وإبليس بالنصب وظنه بالرفع قال أبو حاتم لا وجه لهذه القراءة عندى وقد أجاز هذه القراءة الفراء وذكرها الزجاج وجعل الظن فاعل صدق وأبليس مفعولا والمعنى أن إبليس سول له ظنه شيئا فيهم فصدق ظنه فكأنه قال ولقد صدق عليهم ظن إبليس وروى عن أبى عمرو أنه قرأ برفعهما مع تخفيف صدق على أن يكون ظنه بدل اشتمال من إبليس قيل وهذه الآية خاصة بأهل سبأ والمعنى أنهم غيروا وبدلوا بعد أن كانوا قد آمنوا بها جاءت به رسلهم وقيل هى عامة أى صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله قاله مجاهد والحسن قال الكلبى إنه ظن أنه إن أغواهم أجابوه وإن أضلهم أطاعوه فصدق ظنه فاتبعوه قال الحسن ما ضربهم بصوت ولا بعصى وإنما ظن ظنا فكان كما ظن بوسوسته وانتصاب ) إلا فريقا من المؤمنين ( على الاستثناء وفيه وجهان أحدهما أن يراد به بعض المؤمنين لأن كثيرا من المؤمنين يذنب وينقاد لإبليس في بعض المعاصى ولم يسلم منه إلا فريق وهم الذين قال فيهم ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( وقيل المراد بفريقا من المؤمنين المؤمنون كلهم على أن تكون من بيانيه
سبأ : ( 21 ) وما كان له . . . . .
) وما كان له عليهم من سلطان ( أى ما كان له تسلط عليهم أى لم يقهرهم على الكفر وإنما كان منه الدعاء والوسوسة والتزيين وقيل السلطان القوة وقيل الحجة والاستثناء فى قوله ) إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ( منقطع والمعنى لا سلطان له عليهم ولكن ابتليناهم بوسوسته لنعلم وقيل هو متصل مفرغ من أعم العام أى ما كان له عليهم تسلط بحال من الأحوال ولا لعلة من العلل إلا ليتميز من ومن لا يؤمن لأنه سبحانه قد علم ذلك علما أزليا وقال الفراء المعنى إلا لنعلم ذلك عندكم وقيل إلا لتعلموا أنتم وقيل ليعلم أولياؤنا والملائكة وقرأ الزهرى إلا ليعلم على البناء للمفعول والأولى حمل العلم هنا على التمييز والإظهار كما ذكرنا وربك على كل شىء حفيظ أى محافظ عليه قال مقاتل علم كل شىء من الإيمان والشك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد والبخارى والترمذى وحسنه والحاكم وصححه وغيرهم عن فروة بن مسيك المرادى قال أتيت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومى بمن أقبل منهم فأذن لى فى قتالهم وأمرنى فلما خرجت من عنده أرسل فى أثرى فردنى فقال ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث إليك وأنزل فى سبأ ما أنزل فقال رجل يا رسول الله وما سبأ أرض أم امرأة قال ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة وأما الذين تيامنوا فالأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار فقال الرجل يا رسول الله وما أنمار قال الذى منهم خثعم وبجيلة وأخرج أحمد وعبد بن حميد والطبرانى وابن عدى والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس نحوه بأخصر منه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله سيل العرم قال الشديد وأخرج ابن جرير عنه قال سيل العرم واد كان باليمن كان يسيل إلى مكة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم أيضا فى قوله أكل


"""""" صفحة رقم 324 """"""
خمط الأراك وأخرج ابن المنذر عنه أيضا فى قوله وهل نجازى إلا الكفور قال تلك المناقشة وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عنه أيضا فى قوله وجعلنا بينهم يعنى بين مساكنهم ) وبين القرى التي باركنا فيها ( يعنى الأرض المقدسة قرى ظاهرة يعنى عامرة مخصبة وقدرنا فيها السير يعنى فيما بين مساكنهم وبين أرض الشام سيروا فيها إذا ظعنوا من منازلهم إلى أرض الشام من المقدسة وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ( قال إبليس إن آدم خلق من تراب ومن طين ومن حمأ مسنون خلقا ضعيفا وإني خلقت من نار والنار تحرق كل شيء لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال فصدق ظنه عليهم ) فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ( قال هم المؤمنون كلهم
سورة سبأ ( 22 27 )
سبأ : ( 22 ) قل ادعوا الذين . . . . .
قوله ) قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ( هذا أمر للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقول لكفار قريش أو للكفار على الإطلاق هذا القول ومفعولا زعمتم محذوفان أى زعمتموهم آلهة لدلالة السياق عليهما قال مقاتل يقول ادعوهم ليكشفوا عنكم الضر الذى نزل بكم في سنين الجوع ثم أجاب سبحانه عنهم فقال ) لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ( أى ليس لهم قدرة على خير ولا شر ولا على جلب نفع ولا دفع ضرر فى أمر من الأمور وذكر السموات والأرض لقصد التعميم لكونهما ظرفا موجودات الخارجية وما لهم فيهما من شرك أى ليس للآلهة فى السموات والأرض مشاركة لا بالخلق ولا بالملك ولا بالتصرف وما له من ظهير أى وما لله سبحانه من تلك الآلهة من معين يعينه على شىء من أمر السموات والأرض
سبأ : ( 23 ) ولا تنفع الشفاعة . . . . .
) ولا تنفع الشفاعة عنده ( أى شفاعة من يشفع عنده من الملائكة وغيرهم وقوله ) إلا لمن أذن له ( استثناء مفرغ من أعم الأحوال أى لا تنفع الشفاعة فى حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له أن يشفع من الملائكة والنبيين ونحوهم من أهل العلم والعمل ومعلوم أن هؤلاء لا يشفعون إلا لمن يستحق الشفاعة لا للكافرين ويجوز أن يكون المعنى لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المتأهلين لها في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له أى لأجله وفى شأنه من المستحقين للشفاعة لهم لا من عداهم من غير المستحقين لها واللام فى لمن يجوز أن تتعلق بنفس الشفاعة قال أبو البقاء كما تقول شفعت له ويجوز أن تتعلق بتنفع والأولى أنها متعلقة بالمحذوف كما ذكرنا قيل والمراد بقوله ) لا تنفع الشفاعة ( أنها لا توجد أصلا إلا لمن أذن له وإنما علق النفى بنفعها لا بوقوعها تصريحا بنفى ما هو غرضهم من


"""""" صفحة رقم 325 """"""
وقوعها قرأ الجمهور أذن بفتح الهمزة أى أذن له الله سبحانه لأن اسمه سبحانه مذكور قبل هذا وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائى بضمها على البناء للمفعول والآذن هو الله سبحانه ومثل هذه الآية قوله تعالى ) من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( وقوله ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( ثم أخبر سبحانه عن خوف هؤلاء الشفعاء والمشفوع لهم فقال ) حتى إذا فزع عن قلوبهم ( قرأ الجمهور فزع مبنيا للمفعول والفاعل هو الله والقائم مقام الفاعل هو الجار والمجرور وقرأ ابن عامر فزع مبنيا للفاعل وفاعله ضمير يرجع إلى الله سبحانه وكلا القراءتين بتشديد الزاى وفعل معناه السلب فالتفزيع إزالة الفزع وقرأ الحسن مثل قراءة الجمهور إلا أنه خفف الزاى قال قطرب معنى فزع عن قلوبهم أخرج ما فيها من الفزع وهو الخوف وقال مجاهد كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة والمعنى أن الشفاعة لا تكون من أحد من هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام إلا أن الله سبحانه يأذن للملائكة والأنبياء ونحوهم فى الشفاعة لمن يستحقها وهم على غاية النزع من الله كما قال تعالى ) وهم من خشيته مشفقون ( فإذا أذن لهم فى الشفاعة فزعوا لما يقترن بتلك الحالة من الأمر الهائل والخوف الشديد من أن يحدث شىء من أقدار الله فإذا سرى عليهم قالوا للملائكة فوقهم وهم الذين يوردون عليهم الوحى بالإذن ماذا قال ربكم أى ماذا أمر به فيقولون لهم قال القول الحق وهو قبول شفاعتكم للمستحقين لها دون غيرهم وهو العلى الكبير فله أن يحكم فى عباده بما يشاء ويفعل ما يريد وقيل هذا الفزع يكون للملائكة فى كل أمر يأمر به الرب والمعنى لا تنفع الشفاعة إلا من الملائكة الذين هم فزعون اليوم مطيعون لله دون الجمادات والشياطين وقيل إن الذين يقولون ماذا قال ربكم هم المشفوع لهم والذين أجابوهم هم الشفعاء من الملائكة والأنبياء وقال الحسن وابن زيد ومجاهد معنى الآية حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين في الآخرة قالت لهم الملائكة ماذا قال ربكم فى الدنيا قالوا الحق فأقروا حين لا ينفعهم الإقرار وقرأ ابن عمر وقتادة فرغ بالراء المهملة والغين المعجمة من الفراغ والمعنى فرغ الله قلوبهم أى كشف عنها الخوف وقرأ ابن مسعود افرنقع بعد الفاء راء مهملة ثم نون ثم قاف ثم عين مهملة من الافرنقاع وهو التفرق
سبأ : ( 24 ) قل من يرزقكم . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يبكت المشركين ويوبخهم فقال ) قل من يرزقكم من السماوات والأرض ( أى من ينعم عليكم بهذه الأرزاق التى تتمتعون بها فإن آلهتكم لا يملكون مثقال ذرة والرزق من السماء هو المطر وما ينتفع به منها من الشمس والقمر والنجوم والرزق من الأرض هو النبات والمعادن ونحو ذلك ولما كان الكفار لا يقدرون على جواب هذا الاستفهام ولم تقبل عقولهم نسبة هذا الرزق إلى آلهتهم وربما يتوقفون فى نسبته إلى الله مخافة أن تقوم عليهم الحجة فأمر الله رسوله بأن يجيب عن ذلك فقال قل الله أى هو الذى يرزقكم من السموات والأرض ثم أمره سبحانه أن يخبرهم بأنهم على ضلالة لكن على وجه الإنصاف فى الحجة بعد ما سبق تقرير من هو على الهدى ومن هو على الضلالة فقال ) وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( والمعنى أن أحد الفريقين من الذين يوحدون الله الخالق الرازق ويخصونه بالعبادة والذين يعبدون الجمادات التى لا تقدر على خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضر لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلالة ومعلوم لكل عاقل أن من عبد الذى يخلق ويرزق وينفع ويضر هو الذى على الهدى ومن عبد الذى لا يقدر على خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضر هو الذى على الضلالة فقد تضمن هذا الكلام بيان فريق الهدى وهم المسلمون وفريق الضلالة وهم المشركون على وجه أبلغ من التصريح قال المبرد ومعنى هذا الكلام معنى قول المتبصر في الحجة لصاحبه أحدنا كاذب وقد عرف الصادق أنه المصيب وصاحبه الكاذب المخطىء قال وأو عند البصريين


"""""" صفحة رقم 326 """"""
على بابها وليست للشك لكنها على ما تستعمله العرب فى مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى وقال أبو عبيدة والفراء هى بمعنى الواو وتقديره وإنا على هدى وإياكم لفى ضلال مبين ومنه قول جرير أثعلبة الفوارس أو رباحا
عدلت بهم طهية والربابا
أى ثعلبة ورباحا وكذا قول الآخر فلما اشتد بأس الحرب فينا
تأملنا رباحا أو رزاما
أى ورزاما وقوله أو إياكم معطوف على اسم إن وخبرها هو المذكور وحذف خبر الثاني للدلالة عليه أى إنا لعلى هدى أو فى ضلال مبين وإنكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ويجوز العكس وهو كون المذكور خبر الثاني وخبر الأول محذوفا كما تقدم فى قوله ) والله ورسوله أحق أن يرضوه )
سبأ : ( 25 ) قل لا تسألون . . . . .
ثم أردف سبحانه هذا الكلام المنصف بكلام أبلغ منه في الإنصاف وأبعد من الجدل والمشاغبة فقال ) قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون ( أى إنما أدعوكم إلى ما فيه خير لكم ونفع ولا ينالنى من كفركم وترككم لإجابتى ضرر وهذا كقوله سبحانه ) لكم دينكم ولي دين ( وفى إسناد الجرم إلى المسلمين ونسبة مطلق العمل إلى المخاطبين مع كون أعمال المسملين من البر الخالص والطاعة المحضة وأعمال الكفار من المعصية البينة والإثم الواضح من الإنصاف ما لا يقادر قدره والمقصود المهادنة والمتاركة وقد نسخت هذه الآية وأمثالها بآية السيف
سبأ : ( 26 ) قل يجمع بيننا . . . . .
ثم أمره سبحانه بأن يهددهم بعذاب الآخرة لكن على وجه لا تصريح فيه فقال ) قل يجمع بيننا ربنا ( أى يوم القيامة ) ثم يفتح بيننا بالحق ( أى يحكم ويقضى بيننا بالحق فيثيب المطيع ويعاقب العاصى ) وهو الفتاح ( أى الحاكم بالحق القاضى بالصواب العليم بما يتعلق بحكمه وقضائه من المصالح وهذه أيضا منسوخة بآية السيف
سبأ : ( 27 ) قل أروني الذين . . . . .
ثم أمره سبحانه أن يورد عليهم حجة أخرى يظهر بها ماهم عليه من الخطأ فقال ) قل أروني الذين ألحقتم به شركاء ( أى أرونى الذين ألحقتموهم بالله شركاء له وهذه الرؤية هى القلبية فيكون شركاء هو المفعول الثالث لأن الفعل تعدى بالهمزة إلى ثلاثة الأول الياء في أرونى والثاني الموصول والثالث شركاء وعائد الموصول محذوف أى ألحقتموهم ويجوز أن تكون هى البصرية وتعدى الفعل بالهمزة إلى اثنين الأول الياء والثاني الموصول ويكون شركاء منتصبا على الحال ثم رد عليهم ما يدعونه من الشركاء وأبطل ذلك فقال ) كلا بل هو الله العزيز الحكيم ( أى ارتدعوا عن دعوى المشاركة بل المنفرد بالإهية هو الله العزيز بالقهر والغلبة الحكيم بالحكمة الباهرة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله فزع عن قلوبهم قال جلى وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عنه قال لما أوحى الجبار إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) دعا الرسول من الملائكة ليبعثه بالوحى فسمعت المللائكة صوت الجبار يتكلم بالوحى فلما كشف عن قلوبهم سألوا عما قال الله فقالوا الحق وعلموا أن الله لا يقول إلا حقا قال ابن عباس وصوت الوحى كصوت الحديد على الصفا فلما سمعوا خروا سجدا فلما رفعوا رءوسهم ) قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ( وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا قال ينزل الأمر إلى السماء الدنيا له وقعة كوقعة السلسلة على الصخرة فيفزع له جميع أهل السموات فيقولون ماذا قال ربكم ثم يرجعون إلى أنفسهم فيقولون الحق وهو العلى الكبير وأخرج البخارى وأبو داود والترمذى وابن ماجه وغيرهم من حديث أبى هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا قضى الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان


"""""" صفحة رقم 327 """"""
ينفذهم ذلك فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذى قال الحق وهو العلى الكبير الحديث وفي معناه أحاديث وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة فى قوله ) وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( قال نحن على هدى وإنكم لفى ضلال مبين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس قال الفتاح القاضى
سورة سبأ ( 28 33 )
سبأ : ( 28 ) وما أرسلناك إلا . . . . .
فى انتصاب كافة وجوه فقيل إنه منتصب على الحال من الكاف فى أرسلناك قال الزجاج أى وما أرسلناك إلا جامعا للناس بالإنذار والإبلاغ والكافة بمعنى الجامع والهاء فيه للمبالغة كعلامة قال أبو حيان أما قول الزجاج إن كافة بمعنى جامعا والهاء فيه للمبالغة فإن اللغة لا تساعد عليه لأن كف ليس معناه جمع بل معناه منع يقال كف يكف أى منع يمنع والمعنى إلا مانعا لهم من الكفر ومنه الكف لأنها تمنع من خروج ما فيه وقيل إنه منتصب على المصدرية والهاء للمبالغة كالعاقبة والعافية والمراد أنها صفة مصدر محذوف أى إلا رسالة كافة وقيل إنه حال من الناس والتقدير وما أرسلناك إلا للناس كافة ورد بأنه لا يتقدم الحال من المجرور عليه كما هو مقرر فى علم الإعراب ويجاب عنه بأنه قد جوز ذلك أبو على الفارسى وابن كيسان وابن برهان ومنه قول الشاعر إذا المرء أعيته السيادة ناشئا
فمطلبها كهلا عليه عسير
وقول الآخر تسليت طرا عنكم بعد بينكم
بذكراكم حتى كأنكم عندى
وقول الآخر غافلا تعرض المنية للمرء
فيدعى ولات حين إباء
وممن رجح كونها حالا من المجرور بعدها ابن عطية وقال قدمت للاهتمام والتقوى وقيل المعنى إلا


"""""" صفحة رقم 328 """"""
ذا كافة أى ذا منع فحذف المضاف قيل واللام فى للناس بمعنى إلى أى وما أرسلناك إلى الناس إلا جامعا لهم بالإنذار والإبلاغ أو مانعا لهم من الكفر والمعاصى وانتصاب بشيرا ونذيرا على الحال أى مبشرا لهم بالجنة ومنذرا لهم من النار ولكن أكثر الناس لا يعلمون ما عند الله وما لهم من النفع فى إرسال الرسل
سبأ : ( 29 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( أى متى يكون هذا الوعد الذى تعدونا به وهو قيام الساعة أخبرونا به إن كنتم صادقين قالوا هذا على طريقة الاستهزاء برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه من المؤمنين
سبأ : ( 30 ) قل لكم ميعاد . . . . .
فأمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيب عنهم فقال ) قل لكم ميعاد يوم ( أى ميقات يوم وهو يوم البعث وقيل وقت حضور الموت وقيل أراد يوم بدر لأنه كان يوم عذابهم فى الدنيا وعلى كل تقدير فهذه الإضافة للبيان ويجوز فى ميعاد أن يكون مصدرا مرادا به الوعد وأن يكون اسم زمان قال أبو عبيدة الوعد والوعيد والميعاد بمعنى وقرأ ابن أبى عبلة بتنوين ميعاد ورفعه ونصب يوم على أن يكون ميعادا مبتدأ ويوما ظرف والخبر لكم وقرأ عيسى بن عمر برفع ميعاد منونا ونصب يوم مضافا إلى الجملة بعده وأجاز النحويون ميعاد يوم برفعهما منونين على أن ميعاد مبتدأ ويوم بدل منه وجملة ) لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ( صفة لميعاد أى هذا الميعاد المضروب لكم لا تتأخرون عنه ولا تتقدمون عليه بل يكون لا محالة فى الوقت الذى قدر الله وقوعه فيه
سبأ : ( 31 ) وقال الذين كفروا . . . . .
ثم ذكر سبحانه طرفا من قبائح الكفار ونوعا من أنواع كفرهم فقال ) وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ( وهى الكتب القديمة كالتوراة والإنجيل والرسل المتقدمون وقيل المراد بالذى بين يديه الدار الآخرة ثم أخبر سبحانه عن حالهم في الآخرة فقال ) ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ( الخطاب لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له ومعنى موقوفون عند ربهم محبوسون فى موقف الحساب ) يرجع بعضهم إلى بعض القول ( أى يتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب بعد أن كانوا فى الدنيا متعارضين متناصرين متحابين ثم بين سبحانه تلك المراجعة فقال ) يقول الذين استضعفوا ( وهم الأتباع للذين استكبروا وهم الرؤساء المتبوعون لولا أنتم صددتمونا عن الإيمان بالله والاتباع لرسوله لكنا مؤمنين بالله مصدقين لرسوله وكتابه
سبأ : ( 32 ) قال الذين استكبروا . . . . .
) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا ( مجيبين عليهم مستنكرين لما قالوه ) أنحن صددناكم عن الهدى ( أى منعناكم عن الإيمان بعد إذ جاءكم الهدى قالوا هذا منكرين لما ادعوه عليهم من الصد لهم وجاحدين لما نسبوه إليهم من ذلك ثم بينوا لهم أنهم الصادون لأنفسهم الممتنعون من الهدى بعد إذ جاءهم فقالوا بل كنتم مجرمين أى مصرين على الكفر كثيرى الإجرام عظيمى الآثام
سبأ : ( 33 ) وقال الذين استضعفوا . . . . .
) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا ( ردا لما أجابوا به عليهم ودفعا لما نسبوه إليهم من صدهم لأنفسهم ) بل مكر الليل والنهار ( أصل المكر فى كلام العرب الخديعة والحيلة يقال مكر به إذا خدعه واحتال عليه والمعنى بل مكركم بنا الليل والنهار فحذف المضاف إليه وأقيم الظرف مقامه اتساعا وقال الأخفش هو على تقدير هذا مكر الليل والنهار قال النحاس المعنى والله أعلم بل مكركم فى الليل والنهار ودعاؤكم لنا إلى الكفر هو الذى حملنا على هذا وقال سفيان الثورى بل عملكم فى الليل والنهار ويجوز أن يجعل الليل والنهار ماكرين على الإسناد المجازى كما تقرر فى علم المعانى قال المبرد كما تقول العرب نهاره صائم وليله قائم وأنشد قول جرير لقد لمتنا يا أم غيلان فى السرى
ونمت وما ليل المطى بنائم


"""""" صفحة رقم 329 """"""
وأنشد سيبويه قيام ليلى وتجلى همى
وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر برفع مكر منونا ونصب الليل والنهار والتقدير بل مكر كائن فى الليل والنهار وقرأ سعيد بن جبير وأبو رزين بفتح الكاف وتشديد الراء مضافا بمعنى الكرور من كر يكر إذا جاء وذهب وارتفاع مكر على هذه القراءات على أنه مبتدأ وخبره محذوف أى مكر الليل والنهار صدنا أو على أنه فاعل لفعل محذوف أى صدنا مكر الليل والنهار أو على أنه خبر مبتدأ محذوف كما تقدم عن الأخفش وقرأ طلحة بن راشد كما قرأ سعيد بن جبير ولكنه نصب مكر على المصدرية أى بل تكررن الإغواء مكرا دائما لا تفترون عنه وانتصاب إذ تأمروننا على أنه ظرف للمكر أى بل مكركم بنا وقت أمركم لنا ) أن نكفر بالله ونجعل له أندادا ( أى أشباها وأمثالا قال المبرد يقال ند فلان فلان أى مثله وأنشد
أتيما تجعلون إلى ندا وما تيم بذى حسب نديد
والضمير في قوله ) وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ( راجع إلى الفريقين أى أضمر الفريقان الندامة على ما فعلوا من الكفر وأخفوها عن غيرهم أو أخفاها كل منهم عن الآخر مخافة الشماتة وقيل المراد بأسروا هنا أظهروا لأنه من الأضداد يكون تارة بمعنى الإخفاء وتارة بمعنى الإظهار ومنه قول امرىء القيس
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر على حراص لو يسرون مقتلى
وقيل معنى أسروا الندامة تبينت الندامة في أسرة وجوههم ) وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا ( الأغلال جمع غل يقال فى رقبته غل من حديد أى جعلت الأغلال من الحديد فى أعناق هؤلاء فى النار والمراد بالذين كفروا هم المذكورون سابقا والإظهار لمزيد الذم أو للكفار على العموم فيدخل هؤلاء فيهم دخولا أوليا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون أى إلا جزاء ما كانوا يعملونه من الشرك بالله أو إلا بما كانوا يعملون على حذف الخافض
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) وما أرسلناك إلا كافة للناس ( قال إلى الناس جميعا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة قال أرسل الله محمدا إلى العرب والعجم فأكرمهم على الله أطوعهم له وأخرج هؤلاء عنه فى قوله ) وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ( قال هذا قول مشركى العرب كفروا بالقرآن وبالذى بين يديه من الكتب والأنبياء
سورة سبأ ( 34 42 )


"""""" صفحة رقم 330 """"""
سبأ : ( 34 ) وما أرسلنا في . . . . .
لما قص سبحانه حال من تقدم من الكفار أتبعه بما فيه التسلية لرسوله وبيان أن كفر الأمم السابقة بمن أرسل إليهم من الرسل هو كائن مستمر في الأعصر الأول فقال ) وما أرسلنا في قرية ( من القرى من نذير ينذرهم ويحذرهم عقاب الله إلا قال مترفوها أى رؤساؤها وأغنياؤها وجبابرتها وقادة الشر لرسلهم ) إنا بما أرسلتم به كافرون ( أى بما أرسلتم به من التوحيد والإيمان وجملة إلا قال مترفوها فى محل نصب على الحال
سبأ : ( 35 ) وقالوا نحن أكثر . . . . .
ثم ذكر ما افتخروا به من الأموال والأولاد وقاسوا حالهم فى الدار الآخرة على حالهم فى هذه الدار على تقدير صحة ما أنذرهم به الرسل فقال ) وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ( والمعنى أن الله فضلنا عليكم بالأموال والأولاد فى الدنيا وذلك يدل على أنه قد رضى ما نحن عليه من الدين وما نحن بمعذبين في الآخرة بعد إحسانه إلينا فى الدنيا ورضاه عنا
سبأ : ( 36 ) قل إن ربي . . . . .
فأمر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يجيب عنهم وقال ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ( أن يبسطه له ويقدر أى يضيق على من يشاء أن يضيقه عليه فهو سبحانه قد يرزق الكافر والعاصى استدراجا له وقد يمتحن المؤمن المطيع بالتقتير توفير الأجره وليس مجرد بسط الرزق لمن بسطه له يدل على أنه قد رضى عنه ورضى عمله ولا قبضه عمن قبضه عنه يدل على أنه لم يرضه ولا رضى عمله فقياس الدار الآخرة على الدار الأولى فى مثل هذا من الغلط البين أو المغالطة الواضحة ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( هذا ومن جملة هؤلاء الأكثر من قاس أمر الآخرة على الأولى
سبأ : ( 37 ) وما أموالكم ولا . . . . .
ثم زاد هذا الجواب تأييدا وتأكيدا ) وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ( أى ليسوا بالخصلة التى تقربكم عندنا قربى قال مجاهد الزلفى القربى والزلفة القربة قال الأخفش زلفى اسم مصدر كأنه قال بالتى تقربكم عندنا تقريبا فتكون زلفى منصوبة المحل قال الفراء إن التى تكون للأموال والأولاد جميعا وقال الزجاج إن المعنى وما أموالكم بالتى تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم بالشىء يقربكم عندنا زلفى ثم حذف خبر الأول لدلالة الثانى عليه وأنشد نحن بما عندنا وأنت بما عندك
راض والرأى مختلف
ويجوز فى غير القرآن باللتين وباللاتي وباللواتي وبالذى للأولاد خاصة أى لا تزيدكم الأموال عندنا درجة ورفعة ولا تقربكم تقريبا ) إلا من آمن وعمل صالحا ( هو استثناء منقطع فيكون محله النصب أى لكن من آمن وعمل صالحا أو فى محل جر بدلا من الضمير فى تقربكم كذا قال الزجاج قال النحاس وهذا القول غلط لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ولو جاز هذا لجاز رأيتك زيدا ويجاب عنه بأن الأخفش والكوفيين يجوزون ذلك وقد قال بمثل قول الزجاج الفراء وأجاز الفراء أن يكون فى موضع رفع بمعنى ما هو إلا من آمن والإشارة بقوله فأولئك إلى من والجمع باعتبار معناها وهو مبتدأ وخبره ) لهم جزاء الضعف ( أى جزاء الزيادة وهى المرادة بقوله ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( وهو من إضافة المصدر إلى المفعول أى جزاء


"""""" صفحة رقم 331 """"""
التضعيف للحسنات وقيل لهم جزاء الإضعاف لأن الضعف فى معنى الجمع والباء فى بما عملوا للسببية ) وهم في الغرفات آمنون ( من جميع ما يكرهون والمراد غرفات الجنة قرأ الجمهور جزاء الضعف بالإضافة وقرأ الزهرى ويعقوب ونصر بن عاصم وقتادة برفعهما على أن الضعف بدل من جزاء وروى عن يعقوب أنه قرأ جزاء بالنصب منونا والضعف بالرفع على تقدير فأولئك لهم الضعف جزاء أى حال كونه جزاء وقرأ الجمهور فى الغرفات بالجمع واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله ) لنبوئنهم من الجنة غرفا ( وقرأ الأعمش ويحيى ابن وثاب وحمزة وخلف فى الغرفة بالإفراد لقوله أولئك يجزون الغرفة
سبأ : ( 38 ) والذين يسعون في . . . . .
ولما ذكر سبحانه حال المؤمنين ذكر حال الكافرين فقال ) والذين يسعون في آياتنا ( بالرد لها والطعن فيها حال كونهم معاجزين مسابقين لنا زاعمين أنهم يفوتوننا بأنفسهم أو معاندين لنا بكفرهم ) أولئك في العذاب محضرون ( أى فى عذاب جهنم تحضرهم الزبانية إليها لا يجدون عنها محيصا
سبأ : ( 39 ) قل إن ربي . . . . .
ثم كرر سبحانه ما تقدم لقصد التأكيد للحجة والدفع لما قاله الكفرة فقال ) قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ( أى يوسعه لمن يشاء ويضيفه على من يشاء وليس فى ذلك دلالة على سعادة ولا شقاوة وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه أى يخلفه عليكم يقال أخلف له وأخلف عليه إذا أعطاه عوضه وبدله وذلك البدل إما فى الدنيا وإما فى الآخرة ) وهو خير الرازقين ( فإن رزق العباد لبعضهم البعض إنما هو بتيسير الله وتقديره وليسوا برازقين على الحقيقة بل على طريق المجاز كما يقال فى الرجل إنه يرزق عياله وفى الأمير إنه يرزق جنده والرازق للأمير والمأمور والكبير والصغير هو الخالق لهم ومن أخرج من العباد إلى غيره شيئا مما رزقه الله فهو إنما تصرف فى رزق الله له فاستحق بما خرج منه الثواب عليه المضاعف لامتثاله لأمر الله وإنفاقه فيما أمره الله
سبأ : ( 40 ) ويوم يحشرهم جميعا . . . . .
) ويوم نحشرهم جميعا ( الظرف منصوب بفعل مقدر نحو اذكر أو هو متصل بقوله ) ولو ترى إذ الظالمون موقوفون ( أى ولو تراهم أيضا يوم نحشرهم جميعا للحساب العابد والمعبود والمستكبر والمستضعف ) ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ( تقريعا للمشركين وتوبيخا لمن عبد غير الله عز وجل كما فى قوله لعيسى ) أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ( وإنما خصص الملائكة بالذكر مع أن بعض الكفار قد عبد غيرهم من الشياطين والأصنام لأنهم أشرف معبودات المشركين قال النحاس والمعنى أن الملائكة إذا أكذبتهم كان فى ذلك تبكيت للمشركين
سبأ : ( 41 ) قالوا سبحانك أنت . . . . .
وجملة ) قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم ( مستأنفة جواب سؤال مقدر أى تنزيها لك أنت الذى نتولاه ونطيعه ونعبده من دونهم ما اتخذناهم عابدين ولا توليناهم وليس لنا غيرك وليا ثم صرحوا بما كان المشركون يعبدونه فقالوا ) بل كانوا يعبدون الجن ( أى الشياطين وهم إبليس وجنوده ويزعمون أنهم يرونهم وأنهم ملائكة وأنهم بنات الله وقيل كانوا يدخلون أجواف الأصنام ويخاطبونهم منها ) أكثرهم بهم مؤمنون ( أى أكثر المشركين بالجن مؤمنون بهم مصدقون لهم قيل والأكثر فى معنى الكل
سبأ : ( 42 ) فاليوم لا يملك . . . . .
) فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ( يعنى العابدين والمعبودين لا يملك بعضهم وهم المعبودون لبعض وهم العابدون ) نفعا ( أى شفاعة ونجاة ) ولا ضرا ( أي عذابا وهلاكا وإنما قيل لهم هذا القول إظهارا لعجزهم وقصورهم وتبكيتا لعابديهم وقوله ) ولا ضرا ( هو على حذف مضاف أى لا يملكون لهم دفع ضر وقوله ) ونقول للذين ظلموا ( عطف على قوله ) يقول للملائكة ( أى للذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله ) ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ( فى الدنيا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى رزين قال كان رجلان شريكين خرج أحدهما إلى الساحل وبقى الآخر فلما بعث الله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كتب إلى صاحبه يسأله ما فعل فكتب إليه أنه لم يتبعه


"""""" صفحة رقم 332 """"""
أحد من قريش إلا رذالة الناس ومساكينهم فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال دلنى عليه وكان يقرأ الكتب فأتى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إلى ما تدعو قال إلى كذا وكذا قال أشهد أنك رسول الله قال وما علمك بذلك قال إنه لم يبعث نبى إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم فنزلت هذه الآيات ) وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها ( الآيات فأرسل إليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قد أنزل تصديق ما قلت وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى قوله جزاء الضعف قال تضعيف الحسنة وأخرج الحكيم الترمذى فى نوادر الأصول وابن المنذر وابن أبى حاتم عن محمد بن كعب قال إذا كان الرجل غنيا تقيا آتاه الله أجره مرتين وتلا هذه الاية ) وما أموالكم ولا أولادكم ( إلى قوله ) فأولئك لهم جزاء الضعف ( قال تضعيف الحسنة وأخرج سعيد بن منصور والبخارى فى الأدب المفرد وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الشعب عن ابن عباس فى قوله ) وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ( قال فى غير إسراف ولا تقتير وعن مجاهد مثله وعن الحسن مثله وأخرج الدارقطنى والبيهقى فى الشعب عن جابر عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال كلما أنفق العبد من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلا نفقة فى بيان أو معصية وأخرج نحوه ابن عدى فى الكامل والبيهقى من وجه آخر عنه مرفوعا بأطول منه وقد ثبت فى الصحيح من حديث أبى هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال قال الله عز وجل أنفق يا ابن آدم أنفق عليك وثبت فى الصحيح من حديثه أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا وأخرج ابن مردويه عن على بن أبى طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول إن لكل يوم نحسا فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة ثم قال اقرءوا مواضع الخلف فإنى سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه إذا لم تنفقوا كيف يخلف وأخرج الحكيم الترمذى فى نوادر الأصول عن أبى هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن المعونة تنزل من السماء على قدر المئونة
سورة سبأ ( 43 50 )


"""""" صفحة رقم 333 """"""
سبأ : ( 43 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من أنواع كفرهم فقال ) وإذا تتلى عليهم آياتنا ( أى الآيات القرآنية حال كونها بينات واضحات الدلالات ظاهرات المعانى قالوا ما هذا يعنون التالى لها وهو النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم ( أى أسلافكم من الأصنام التى كانوا يعبدونها وقالوا ثانيا ما هذا يعنون القرآن الكريم ) إلا إفك مفترى ( أى كذب مختلق ) وقال الذين كفروا ( ثالثا للحق لما جاءهم أى لأمر الدين الذى جاءهم به رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم ) إن هذا لسحر مبين ( وهذا الإنكار منهم خاص بالتوحيد وأما إنكار القرآن والمعجزة فكان متفقا عليه بين أهل الكتاب والمشركين وقيل أريد بالأول وهو قولهم ) إلا إفك مفترى ( معناه وبالثاني وهو قولهم ) إن هذا إلا سحر مبين ( نظمه المعجز وقيل إن طائفة منهم قالوا إنه إفك وطائفة قالوا إنه سحر وقيل إنهم جميعا قالوا تارة إنك إفك وتارة إنه سحر والأول أولى
سبأ : ( 44 ) وما آتيناهم من . . . . .
) وما آتيناهم من كتب يدرسونها ( أى ما أنزلنا على العرب كتبا سماوية يدرسون فيها ) وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير ( يدعوهم إلى الحق وينذرهم بالعذاب فليس لتكذيبهم بالقرآن وبالرسول وجه ولا شبهه يتشبثون بها قال قتادة ما أنزل الله على العرب كتابا قبل القرآن ولا بعث إليهم نبيا قبل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قال الفراء أى من أين كذبوك ولم يأتهم كتاب ولا نذير بهذا الذى فعلوه
سبأ : ( 45 ) وكذب الذين من . . . . .
ثم خوفهم سبحانه وأخبر عن عاقبتهم وعاقبة من كان قبلهم فقال ) وكذب الذين من قبلهم ( من القرون الخالية ) وما بلغوا معشار ما آتيناهم ( أى ما بلغ أهل مكة من مشركى قريش وغيرهم من العرب عشر ما آتينا من قبلهم من القوة وكثرة المال وطول العمر فأهلكهم الله كعاد وثمود وأمثالهم والمعشار هو العشر قال الجوهرى معشار الشيء عشره وقيل المعشار عشر العشر والأول أولى وقيل إن المعنى ما بلغ من قبلهم معشار ما آتينا هؤلاء من البينات والهدى وقيل ما بلغ من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم وقيل ما أعطى الله من قبلهم معشار ما أعطاهم من العلم والبيان والحجة والبرهان والأول أولى وقيل المعشار عشر العشير والعشير عشر العشر فيكون جزاءا من ألف جزء قال الماوردى وهو الأظهر لأن المراد به المبالغة فى التقليل قلت مراعاة المبالغة فى التقليل لا يسوغ لأجلها الخروج عن المعنى العربى وقوله ) فكذبوا رسلي ( عطف على ) كذب الذين من قبلهم ( على طريقة التفسير كقوله ) كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا ( الآية والأولى أن يكون عطف الخاص على العام لأن التكذيب الأول لما حذف منه المتعلق للتكذيب أفاد العموم فمعناه كذبوا الكتب المنزلة والرسل المرسلة والمعجزات الواضحة وتكذيب الرسل أخص منه وإن كان متسلزما له فقد روعيت الدلالة اللفظية لا الدلالة الالتزامية ) فكيف كان نكير ( أى فكيف كان إنكارى لهم بالعذاب والعقوبة فليحذر هؤلاء من مثل ذلك قيل وفي الكلام حذف والتقدير فأهلكناهم فكيف كان نكير والنكير اسم بمعنى الإنكار
سبأ : ( 46 ) قل إنما أعظكم . . . . .
ثم أمر سبحانه رسوله أن يقيم عليهم حجة ينقطعون عندها فقال ) قل إنما أعظكم بواحدة ( أى أحذركم وأنذركم سوء عاقبة ما أنتم فيه وأوصيكم بخصلة واحدة وهى ) أن تقوموا لله مثنى وفرادى ( هذا تفسير للخصلة الواحدة أو بدل منها أى هى قيامكم وتشميركم فى طلب الحق بالفكرة الصادقة متفرقين اثنين اثنين وواحدا واحدا لأن الاجتماع يشوش الفكر وليس المراد القيام على الرجلين بل المراد القيام بطلب الحق وإصداق الفكر فيه كما يقال قام فلان بأمر كذا ثم تتفكروا فى أمر


"""""" صفحة رقم 334 """"""
النبى وما جاء به من الكتاب فإنكم عند ذلك تعلمون أن ) ما بصاحبكم من جنة ( وذلك لأنهم كانوا يقولون إن محمدا مجنون فقال الله سبحانه قل لهم اعتبروا أمرى بواحدة وهى أن تقوموا لله وفى ذاته مجتمعين فيقول الرجل لصاحبه هلم فلنتصادق هل رأينا بهذا الرجل من جنة أى جنون أوجربنا عليه كذبا ثم ينفرد كل واحد عن صاحبه فيتفكر وينظر فإن فى ذلك ما يدل على أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) صادق وأنه رسول من عند الله وأنه ليس بكاذب ولا ساحر ولا مجنون وهو معنى قوله ) إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد ( أى ما هو إلا نذير لكم بين يدى الساعة وقيل إن جملة ) ما بصاحبكم من جنة ( مستأنفة من جهة الله سبحانه مسوقة للتنبيه على طريقة النظر والتأمل بأن هذا الأمر العظيم والدعوى الكبيرة لا يعرض نفسه له إلا مجنون لا يبالى بما يقال فيه وما ينسب إليه من الكذب وقد علموا أنه أرجح الناس عقلا فوجب أن يصدقوه فى دعواه لا سيما مع انضمام المعجزة الواضحة وإجماعهم على أنه لم يكن ممن يفترى الكذب ولا قد جربوا عليه كذبا مدة عمره وعمرهم وقيل يجوز أن تكون ما فى ) ما بصاحبكم ( استفهامية أى ثم تتفكروا أى شىء به من آثار الجنون وقيل المراد بقوله ) إنما أعظكم بواحدة ( هى لا إله إلا الله كذا قال مجاهد والسدى وقيل القرآن لأنه يجمع المواعظ كلها والأولى ما ذكرناه أولا وقال الزجاج إن أن فى قوله ) أن تقوموا ( فى موضع نصب بمعنى لأن تقوموا وقال السدى معنى مثنى وفرادى منفردا برأيه ومشاورا لغيره وقال القتيبى مناظرا مع عشيرته ومفكرا فى نفسه وقيل المثنى عمل النها والفرادى عمل الليل قاله الماوردي وما أبرد هذا القول القول وأقل جدواه واختار أبو حاتم وابن الآنبارى الوقف على قوله ) ثم تتفكروا ( وعلى هذا تكون جملة ) ما بصاحبكم من جنة ( مستأنفة كما قدمنا وقيل ليس بوقف لأن المعنى ثم تتفكروا هل جربتم عليه كذبا أو رأيتم منه جنة أو فى أحواله من فساد
سبأ : ( 47 ) قل ما سألتكم . . . . .
ثم أمر سبحانه أن يخبرهم أنه لم يكن له غرض فى الدنيا ولا رغبة فيها حتى تنقطع عندهم الشكوك ويرتفع الريب فقال ) قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ( أى ما طلبت منكم من جعل تجعلونه لى مقابل الرسالة فهو لكم إن سألتكموه والمراد نفى السؤال بالكلية كما يقول القائل ما أملكه فى هذا فقد وهبته لك يريد أنه لا ملك له فيه أصلا ومثل هذه الآية قوله ) قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ( وقوله ) ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ( ثم بين لهم أن أجره عند الله سبحانه فقال ) إن أجري إلا على الله ( أى ما أجرى إلا على الله لا على غيره ) وهو على كل شيء شهيد ( أى مطلع لا يغيب عنه منه شىء
سبأ : ( 48 ) قل إن ربي . . . . .
) قل إن ربي يقذف بالحق ( القذف الرمى بالسهم والحصى والكلام قال الكلبى يرمى على معنى يأتى به وقال مقاتل يتكلم بالحق وهو القرآن والوحى أى يلقيه إلى أنبيائه وقا قتادة بالحق أى بالوحى والمعنى أنه يبين الحجة ويظهرها للناس على ألسن رسله وقيل يرمى الباطل بالحق فيدمغه ) علام الغيوب ( قرأ الجمهور برفع علام على أنه خبر ثان لإن أو خبر مبتدأ محذوف أو بدل من الضمير فى يقذف أو معطوف على محل اسم إن قال الزجاج الرفع من وجهين على الموضع لأن الموضع موضع رفع أو على البدل وقرأ زيد بن على وعيسى بن عمر وابن أبى إسحاق بالنصب نعتا لاسم إن أو بدلا منه أو على المدح قال الفراء والرفع فى مثل هذا أكثر كقوله ) إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ( وقرىء الغيوب بالحركات الثلاث فى الغين وهو جمع غيب والغيب هو الأمر الذي غاب وخفى جدا
سبأ : ( 49 ) قل جاء الحق . . . . .
) قل جاء الحق ( أى الإسلام والتوحيد وقال قتادة القرآن وقال النحاس التقدير صاحب الحق أى الكتاب الذى فيه البراهين والحجج


"""""" صفحة رقم 335 """"""
وأقول لا وجه لتقدير المضاف فإن القرآن قد جاء صاحبه ) وما يبدئ الباطل وما يعيد ( أى ذهب الباطل ذهابا لم يبق منه إقبال وا إدبار ولا إبداء ولا إعادة قا قتادة الباطل هو الشيطان أى ما يخلق الشيطان ابتداء ولا يبعث وبه قال مقاتل والكلبى وقبل يجوز أن تكون ما استفهامية أى أى شىء يبديه وأى شىء يعيده والأول أولى
سبأ : ( 50 ) قل إن ضللت . . . . .
) قل إن ضللت ( عن الطريق الحقة الواضحة ) فإنما أضل على نفسي ( أى إثم ضلالتى يكون على نفسى وذلك أن الكفار قالوا له تركت دين آبائك فضللت فأمره الله أن يقول لهم هذا القول ) وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ( من الحكمة والموعظة والبيان بالقرآن ) إنه سميع قريب ( منى ومنكم يعلم الهدى والضلالة قرأ الجمهور ضللت بفتح اللام وقرأ الحسن ويحيى بن وثاب بكسر اللام وهى لغة أهل العالية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وما بلغوا معشار ما آتيناهم ( يقول من ألفوه في الدنيا وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن محمد بن كعب القرظى فى الآية قال يقوم الرجل مع الرجل أو وحده فيفكر ما بصاحبه من جنة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة ) ما بصاحبكم من جنة ( يقول إنه ليس بمجنون وأخرج هؤلاء عنه أيضا فى قوله ) ما سألتكم من أجر ( أى من جعل فهو لكم يقول لم أسألكم على الإسلام جعلا وفى قوله ) قل إن ربي يقذف بالحق ( قال بالوحى وفى قوله ) وما يبدئ الباطل وما يعيد ( قال الشيطان لا يبديء ولا يعيد إذا هلك وأخرج هؤلاء أيضا عنه في قوله ) وما يبدئ الباطل وما يعيد ( قال ما يخلق إبليس شيئا ولا يبعثه وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر عن عمر بن سعد فى قوله ) إن ضللت فإنما أضل على نفسي ( قال إنما أوخذ بجنايتى
سورة سبأ ( 51 54 )
سبأ : ( 51 ) ولو ترى إذ . . . . .
ثم ذكر سبحانه حالا من أحوال الكفار فقال ) ولو ترى إذ فزعوا ( والخطاب لرسول الله أو لكل من يصلح له قيل المراد فزعهم عند نزول الموت بهم وقال الحسن هو فزعهم فى القبور من الصيحة وقال قتادة هو فزعهم إذا خرجوا من قبورهم وقال السدى هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة فلم يستطيعوا فرارا ولا رجوعا إلى التوبة وقال ابن مغفل هو فزعهم إذا عاينوا عقاب الله يوم القيامة وقال سعيد بن جبير هو الخسف الذى يخسف بهم في البيداء فيبقى رجل منهم فيخبر الناس بما لقى أصحابه فيفزعون وجواب لو محذوف أى لرأيت أمرا هائلا ومعنى فلا فوت فلا يفوتنى أحد منهم ولا ينجو منهم ناج قال مجاهد فلا مهرب ) وأخذوا من مكان قريب ( من ظهر الأرض أو من القبور أو من موقف الحساب وقيل من حيث كانوا فهم من الله قريب لا يبعدون عنه ولا يفوتونه قيل ويجوز أن يكون هذا الفزع هو الفزع الذى بمعنى الإجابة يقال فزع الرجل إذا أجاب الصارخ الذى يستغيث به كفزعهم إلى الحرب يوم بدر
سبأ : ( 52 ) وقالوا آمنا به . . . . .
) وقالوا آمنا به ( أى بمحمد قاله قتادة أو بالقرآن وقال مجاهد بالله عز وجل وقال الحسن بالبعث ) وأنى لهم التناوش (


"""""" صفحة رقم 336 """"""
التناوش التناول وهو تفاعل من التناوش الذى هو التناول والمعنى كيف لهم أن يتناولوا الإيمان من بعد يعنى في الآخرة وقد تركوه فى الدنيا وهو معنى ) من مكان بعيد ( وهو تمثيل لحالهم في طلب الخلاص بعد ما فات عنهم قال ابن السكيت يقال للرجل إذا تناول رجلا ليأخذ برأسه أو بلحيته ناشه ينوشه نوشا وأنشد فهى تنوش الحوض نوشا من علا
نوشا به تقطع أحواز الفلا
أى تناول ماء الحوض من فوق ومنه المناوشة فى القتال وقيل التناوش الرجعة أى وأنى لهم الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا ومنه قول الشاعر تمنى أن تئوب إلى مى
وليس إلى تناوشها سبيل
سبأ : ( 53 ) وقد كفروا به . . . . .
وجملة ) وقد كفروا به من قبل ( فى محل نصب على الحال أى والحال أن قد كفروا بما آمنوا به الآن من قبل هذا الوقت وذلك حال كونهم في الدنيا قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائى والأعمش التناوش بالهمز وقرأ الباقون بالواو واستبعد أو عبيد والنحاس القراءة الأولى ولا وجه للاستبعاد فقد ثبت ذلك فى لغة العرب وأشعارها ومنه قول الشاعر قعدت زمانا عن طلابك للعلا
وجئت نئيشا بعد ما فاتك الخير
أى وجئت أخيرا قال الفراء الهمز وترك الهمز متقارب ) ويقذفون بالغيب ( أى يرمون بالظن فيقولون لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار ) من مكان بعيد ( أى من جهة بعيدة ليس فيها مستند لظنهم الباطل وقيل المعنى يقولون فى القرآن أقوال باطل إنه سحر وشعر وأساطير الأولين وقيل يقولون فى محمد إنه ساحر شاعر كاهن مجنون وقرأ أبو حيوة ومجاهد ومحبوب عن أبى عمرو يقذفون مبنيا للمفعول أى يرجمون بما يسوؤهم من جراء أعمالهم من حيث لا يحتسبون وفيه تمثيل لحالهم بحال من يرمي شيئا لا يراه من مكان بعيد لا مجال للوهم فى لحوقه والجملة إما معطوفة على وقد كفروا به على أنها حكاية للحال الماضية واستحضار لصورتها أو مستأنفة لبيان تمثيل حالهم
سبأ : ( 54 ) وحيل بينهم وبين . . . . .
) وحيل بينهم وبين ما يشتهون ( من النجاة من العذاب ومنعوا من ذلك وقيل حيل بينهم وبين ما يشتهون فى الدنيا من أموالهم وأهليهم أو حيل بينهم وبين ما يشتهونه من الرجوع إلى الدنيا ) كما فعل بأشياعهم من قبل ( أى بأمثالهم ونظرائهم من كفار الأمم الماضية والأشياع جمع شيع وشيع جمع شيعة وجملة ) إنهم كانوا في شك مريب ( تعليل لما قبلها أى فى شك موقع فى الريبة أو ذى ريبة من أمر الرسل والبعث والجنة والنار أو فى التوحيد وما جاءتهم به الرسل من الدين يقال أراب الرجل إذا صار ذا ريبة فهو مريب وقيل هو من الريب الذى هو الشك فهو كما يقال عجب عجيب وشعر شاعر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) فلا فوت ( قال فلا نجاة وأخرج ابن أبى حاتم عنه فى قوله ) ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب ( قال هو جيش السفيانى قيل من أين أخذوا قال من تحت أقدامهم وقد ثبت فى الصحيح أنه يخسف بجيش فى البيداء من حديث حفصة وعائشة وخارج الصحيح من حديث أم سلمة وصفية وأبى هريرة وابن مسعود وليس فى شىء منها أن ذلك سبب نزول هذه الآية ولكنه أخرج ابن جرير من حديث حذيفة بن اليمان قصة الخسف هذه مرفوعة وقال في آخرها فذلك قوله عز وجل فى سورة سبأ ) ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت ( الآية وأخرج الفريانى وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس فى قوله وأنى لهم التناوش قال كيف لهم الرد من مكان بعيد قال يسألون الرد وليس بحين رد وأخرج ابن المنذر عن التيمى قال أتيت ابن عباس قلت ما التناوش قال تناول الشىء وليس بحين ذاك


"""""" صفحة رقم 337 """"""
S35
تفسير
سورة فاطر هى خمس وأربعون آية
وهى مكية قال القرطبى فى قول الجميع وأخرج البخارى وابن الضريس وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال أنزلت سورة فاطر بمكة
سورة فاطر ( 1 8 )
فاطر : ( 1 ) الحمد لله فاطر . . . . .
الفطر الشق عن الشىء يقال فطرته فانفطر ومنه فطر ناب البعير إذا طلع فهو بعير فاطر وتفطر الشىء تشقق والفطر الابتداء والاختراع وهو المراد هنا والمعنى ) الحمد لله ( مبدع ) السماوات والأرض ( ومخترعهما والمقصود من هذا أن من قدر على ابتداء هذا الخلق العظيم فهو قادر على الإعادة قرأ الجمهور فاطر على صيغة اسم الفاعل وقرأ الزهرى والضحاك فطر على صيغة الفعل الماضى فعلى القراءة الأولى هو نعت لله لأن إضافته محضة لكونه بمعنى الماضى وإن كانت غير محضة كان بدلا ومثله ) جاعل الملائكة رسلا ( يجوز فيه الوجهان وانتصاب رسلا بفعل مضمر على الوجه الأول لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضى لا يعمل وجوز الكسائى عمله وأما على الوجه الثانى فهو منصوب بجاعل والرسل من الملائكة هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وقرأ الحسن جعل بالرفع وقرأ خليل بن نشيط ويحيى بن يعمر جعل على


"""""" صفحة رقم 338 """"""
صيغة الماضى وقرأ الحسن وحميد رسلا بسكون السين وهى لغة تميم ) أولي أجنحة ( صفة لرسلا والأجنحة جمع جناح ) مثنى وثلاث ورباع ( صفة لأجنحة وقد تقدم الكلام فى مثنى وثلاث ورباع فى النساء قال قتادة بعضهم له جناحان وبعضهم ثلاثة وبعضهم أربعة ينزلون بها من السماء إلى الأرض ويعرجون بها من الأرض إلى السماء قال يحيى بن سلام يرسلهم الله إلى الأنبياء وقال السدى إلى العباد بنعمه أو نقمه وجملة ) يزيد في الخلق ما يشاء ( مستأنفة مقررة لما قبلها من تفاوت أحوال الملائكة والمعنى أنه يزيد فى خلق الملائكة ما يشاء وهو قول أكثر المفسرين واختاره الفراء والزجاج وقيل إن هذه الزيادة فى الخلق غير خاصة بالملائكة فقال الزهرى وابن جريج إنها حسن الصوت وقال قتادة الملاحة فى العينين والحسن فى الأنف والحلاوة فى الفم وقيل الوجه الحسن وقيل الخط الحسن قيل الشعر الجعد وقيل العقل والتمييز وقيل العلوم والصنائع ولا وجه لقصر ذلك على نوع خاص بل يتناول كل زيادة وجملة ) إن الله على كل شيء قدير ( تعليل لما قبلها من أنه يزيد فى الخلق ما يشاء
فاطر : ( 2 ) ما يفتح الله . . . . .
) ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ( أى ما يأتيهم الله به من مطر ورزق لا يقدر أحد أن يمسكه ) وما يمسك ( من ذلك لا يقدر أحد أن يرسله من بعد إمساكه وقيل المعنى إن الرسل بعثوا رحمة للناس فلا يقدر على إرسالهم غير الله وقيل هو الدعاء وقيل التوبة وقيل التوفيق والهداية ولا وجه لهذا التخصيص بل المعنى كل ما يفتحه الله للناس من خزائن رحمته فيشمل كل نعمة ينعم الله بها على خلقه وهكذا الإمساك يتناول كل شىء يمنعه الله من نعمه فهو سبحانه المعطى المانع القابض الباسط لا معطى سواه ولا منعم غيره
فاطر : ( 3 ) يا أيها الناس . . . . .
ثم أمر سبحانه عباده أن يتذكروا نعمه الفائضة عليهم التى لا تعد ولا تحصى ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ( ومعنى هذا الأمر لهم بالذكر هو إرشادهم إلى الشكر لاستدامتها وطلب المزيد منها ) هل من خالق غير الله ( من زائدة وخالق مبتدأ وغير الله صفة له قال الزجاج ورفع غير على معنى هل خالق غير الله لأن من زيادة مؤكدة ومن خفض غير جعلها صفة على اللفظ قرأ الجمهور برفع غير وقرأ حمزة والكسائى بخفضها وقرأ الفضل بن إبراهيم بنصبها على الاستثناء وجملة ) يرزقكم من السماء والأرض ( خبر المبتدأ أو جملة مستأنفة أو صفة أخرى لخالق وخبره محذوف والرزق من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات وغير ذلك وجملة ) لا إله إلا هو ( مستأنفة لتقرير النفى المستفاد من الاستفهام ) فأنى تؤفكون ( من الأفك بالفتح وهو الصرف يقال ما أفكك عن كذا أى ما صرفك أى فكيف تصرفون وقيل هو مأخوذ من الإفك بالكسر وهو الكذب لأنه مصروف عن الصدق قال الزجاج أى من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد الله والبعث وأنتم مقرون بأن الله خلقكم ورزقكم
فاطر : ( 4 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
ثم عزى الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ( ليتأسى بمن قبله من الأنبياء ويتسلى عن تكذيب كفار العرب له ) وإلى الله ترجع الأمور ( لا إلى غيره فيجازى كلا بما يستحقه قرأ الحسن والأعرج ويعقوب وابن عامر وأبو حيوة وابن محيض وحميد والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائى وخلف ترجع بفتح الفوقية على البناء للفاعل وقرأ الباقون بضمها على البناء للمفعول
فاطر : ( 5 ) يا أيها الناس . . . . .
) يا أيها الناس إن وعد الله حق ( أى وعده بالبعث والنشور والحساب والعقاب والجنة والنار كما أشير إليه بقوله ) وإلى الله ترجع الأمور ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا بزخرفها ونعيمها قال سعيد بن جبير غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة حتى يقول ) يا ليتني قدمت لحياتي ( ) ولا يغرنكم بالله الغرور ( قرأ الجمهور بفتح الغين أي المبالغ فى الغرور وهو الشيطان قال ابن السكيت وأبو حاتم الغرور الشيطان ويجوز أن يكون مصدرا واستبعده الزجاج لأن غرر به متعدى ومصدر المتعدى إنما هو على فعل نحو


"""""" صفحة رقم 339 """"""
ضربته ضربا إلا فى أشياء يسيره معروفة لا يقاس عليها ومعنى الآية ) ولا يغرنكم بالله ( فيقول لكم إن الله يتجاوز عنكم ويغفر لكم لفضلكم أو لسعة رحمته لكم وقرأ أبو حيوة وأبو سماك ومحمد بن السميفع بضم الغين وهو الباطل قال ابن السكيت والغرور بالضم ما يغر من متاع الدنيا وقال الزجاج يجوز أن يكون الغرور جمع غار مثل قاعدة وقعود قيل ويجوز أن يكون مصدر غره كاللزوم والنهوك وفيه ما تقدم عن الزجاج من الاستبعاد
فاطر : ( 6 ) إن الشيطان لكم . . . . .
ثم حذر سبحانه عباده من الشيطان فقال ) إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ( أى فعادوه بطاعة الله ولا تطيعوه فى معاصى الله ثم بين لعباده كيفية عداوة الشيطان لهم فقال ) إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ( أى إنما يدعو أشياعه وأتباعه والمطيعين له إلى معاصى الله سبحانه لأجل أن يكونوا من أهل النار
فاطر : ( 7 ) الذين كفروا لهم . . . . .
ومحل الموصول فى قوله ) الذين كفروا لهم عذاب شديد ( الرفع على الابتداء ولهم عذاب شديد خبره أو الرفع على البدل من فاعل يكونوا أو النصب على البدل من حزبه أو النعت له أو إضمار فعل يدل على الذم والجر على البدل من أصحاب أو النعت له والرفع على الابتداء أقوى هذه الوجوه لأنه سبحانه بعد ذكر عداوة الشيطان ودعائه لحزبه ذكر حال الفريقين من المطيعين له والعاصين عليه فالفريق الأول قال ) لهم عذاب شديد ( والفريق الآخر قال فيه ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير ( أى يغفر الله لهم بسبب الإيمان والعمل الصالح ويعطيهم أجرا كبيرا وهو الجنة
فاطر : ( 8 ) أفمن زين له . . . . .
) أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ( هذه الجملة مستأنفة لتقرير ما سبق من ذكر التفاوت بين الفريقين و من فى موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف قال الكسائى والتقدير ذهبت نفسك عليهم حسرات قال ويدل عليه قوله ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( قال وهذا كلام عربى ظريف لا يعرفه إلا القليل وقال الزجاج تقديره كمن هداه وقدره غيرهما كمن لم يزين له وهذا أولى لموافقته لفظا ومعنى وقد وهم صاحب الكشاف فحكى عن الزجاج ما قاله الكسائى قال النحاس والذى قاله الكسائى أحسن ما قيل فى الآية لما ذكره من الدلالة على المحذوف والمعنى أن الله عز وجل نهى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم كما قال ) فلعلك باخع نفسك ( وجملة ) فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( مقررة لما قبلها أى يضل من يشاء أن يضله ويهدى من يشاء أن يهديه ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( قرأ الجمهور بفتح الفوقية والهاء مسندا إلى النفس فتكون من باب لا أرينك ها هنا وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن محيصن والأشهب بضم التاء وكسر الهاء ونصب نفسك وانتصاب حسرات على أنه علة أى للحسرات ويجوز أن ينتصب على الحال كأنها صارت كلها حسرات لفرط التحسر كما روى عن سيبويه وقال المبرد إنها تمييز والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر ) إن الله عليم بما يصنعون ( لا يخفى عليه من أفعالهم وأقوالهم خافية والجملة تعليل لما قبلها مع ما تضمنته من الوعيد الشديد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو عبيد فى فضائله وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس قال كنت لا أدرى ما فاطر السموات والأرض حتى أتانى أعرابيان يختصمان فى بئر فقال أحدهما أنا فطرتها يقول ابتدأتها وأخرج ابن أبى حاتم عنه أنه قال ) فاطر السماوات ( بديع السموات وأخرج ابن المنذر عنه أيضا فى قوله ) يزيد في الخلق ما يشاء ( قال الصوت الحسن وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) ما يفتح الله للناس من رحمة ( الآية قال ما يفتح الله من باب توبة فلا ممسك لها هم يتوبون إن شاءوا وإن أبوا وما أمسك من باب توبة ) فلا مرسل له من بعده ( وهم لا يتوبون وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم فى الآية قال يقول ليس لك من الأمر شىء وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) لهم مغفرة وأجر كبير ( قال كل


"""""" صفحة رقم 340 """"""
شىء فى القرآن لهم مغفرة وأجر كبير ورزق كريم فهو الجنة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة والحسن فى قوله ) أفمن زين له سوء عمله ( قال الشيطان زين لهم هى والله الضلالات فلا تذهب نفسك عليهم حسرات أى لا تحزن عليهم
سورة فاطر ( 9 14 )
فاطر : ( 9 ) والله الذي أرسل . . . . .
ثم أخبر سبحانه عن نوع من أنواع بديع صنعه وعظيم قدرته ليتفكروا فى ذلك وليعتبروا به فقال ) والله الذي أرسل الرياح ( قرأ الجمهور الرياح وقرأ ابن كثير وابن محيصن والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائى الريح بالإفراد فتثير سحابا جاء بالمضارع بعد الماضى استحضارا للصورة لأن ذلك أدخل فى اعتبار المعتبرين ومعنى كونها تثير السحاب أنها تزعجه من حيث هو ) فسقناه إلى بلد ميت ( قال أبو عبيدة سبيله فتسوقه لأنه قال فتثير سحابا قيل النكتة فى التعبير بالماضيين بعد المضارع الدلالة على التحقق قال المبرد ميت ميت واحد وقال هذا قول البصريين وأنشد ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
) فأحيينا به الأرض ( أي أحيينا بالمطر الأرض بإنبات ما ينبت فيها وإن لم يتقدم ذكر المطر فالسحاب يدل عليه أو أحيينا بالسحاب لأنه سبب المطر بعد موتها أي بعد يبسها استعار الإحياء للنبات والموت لليبس ) كذلك النشور ( أى كذلك يحيى الله العباد بعد موتهم كما أحيا الأرض بعد موتها والنشور البعث من نشر الإنسان نشورا والكاف فى محل رفع على الخبرية أى مثل إحياء موات الأرض إحياء الأموات فكيف


"""""" صفحة رقم 341 """"""
تنكرونه وقد شاهدتم غير مرة ما هو مثله وشبيه به
فاطر : ( 10 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد العزة ( قال الفراء معناه من كان علم العزة لمن هى فإنها لله جميعا وقال قتادة من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله فجعل معنى فلله العزة الدعاء إلى طاعة من له العزة كما يقال من أراد المال فالمال لفلان أى فليطلبه من عنده وقال الزجاج تقديره من كان يريد بعبادة الله العزة والعزة له سبحانه فإن الله عز وجل يعزه فى الدنيا والآخرة وقيل المراد بقوله ) من كان يريد العزة ( المشركون فإنهم كانوا يتعززون بعبادة الأصنام كقوله ) واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا ( وقيل المراد الذين كانوا يتعززون بهم من الذين آمنوا بألسنتهم ) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة ( الآية ) فلله العزة جميعا ( أى فليطلبها منه لا من غيره والظاهر فى معنى الآية أن من كان يريد العزة ويطلبها فليطلبها من الله عز وجل فلله العزة جميعا ليس لغيره منها شىء فتشمل الآية كل من طلب العزة ويكون المقصود بها التنبيه لذوى الأقدار والهمم من أين تنال العزة ومن أي جهة تطلب ) إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ( أى إلى الله يصعد لا إلى غيره ومعنى صعوده إليه قبوله له أو صعود الكتبة من الملائكة بما يكتبونه من الصحف وخص الكلم الطيب بالذكر لبيان الثواب عليه وهو يتناول كل كلام يتصف بكونه طيبا من ذكر لله وأمر بمعروف ونهى عن منكر وتلاوة وغير ذلك فلا وجه لتخصيصه بكلمة التوحيد أو بالتحميد والتمجيد وقيل المراد بصعوده صعوده إلى سماء الدنيا وقيل المراد بصعوده علم الله به ومعنى ) والعمل الصالح يرفعه ( أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب كما قال الحسن وشهر بن حوشب وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وأبو العالية والضحاك ووجهه أنه لا يقبل الكلم الطيب إلا مع العمل الصالح وقيل إن فاعل يرفعه هو الكلم الطيب ومفعوله العمل الصالح ووجهه أن العمل الصالح لا يقبل إلا مع التوحيد والإيمان وقيل إن فاعل يرفعه ضمير يعود إلى الله عز وجل والمعنى أن الله يرفع العمل الصالح على الكلم الطيب لأن العمل يحقق الكلام وقيل والعمل الصالح يرفع صاحبه وهو الذى أراد العزة وقال قتادة المعنى أن الله يرفع العمل الصالح لصاحبه أى يقبله فيكون قوله ) والعمل الصالح ( على هذا مبتدأ خبره يرفعه وكذا على قول من قال يرفع صاحبه قرأ الجمهور يصعد من صعد الثلاثى والكلم الطيب بالرفع على الفاعلية وقرأ على وابن مسعود يصعد بضم حرف المضارعة من أصعد والكلم الطيب بالنصب على المفعولية وقرأ الضحاك على البناء للمفعول وقرأ الجمهور الكلم وقرأ أبو عبد الرحمن الكلام وقرأ الجمهور والعمل الصالح بالرفع على العطف أو على الابتداء وقرأ ابن أبى عبلة وعيسى بن عمر بالنصب على الاشتغال ) والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ( انتصاب السيئات على أنها صفة لمصدر محذوف أى يمكرون المكرات السيئات وذلك لأن مكر لازم ويجوز أن يضمن يمكرون معنى يكسبون فتكون السيئات مفعولا به قال مجاهد وقتادة هم أهل الرياء وقال أبو العالية هم الذين مكروا بالنبى ( صلى الله عليه وسلم ) لما اجتمعوا فى دار الندوة وقال الكلبى هم الذين يعملون السيئات فى الدنيا وقال مقاتل هم المشركون ومعنى ) لهم عذاب شديد ( لهم عذاب بالغ الغاية في الشدة ) ومكر أولئك هو يبور ( أي يبطل ويهلك ومنه ) وكنتم قوما بورا ( والمكر فى الأصل الخديعة والاحتيال والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الذين مكروا السيئات على اختلاف الأقوال في تفسير مكرهم وجملة هو يبور خبر مكر أولئك
فاطر : ( 11 ) والله خلقكم من . . . . .
ثم ذكر سبحانه دليلا آخر على البعث والنشور فقال ) والله خلقكم من تراب ( أى خلقكم ابتداء فى ضمن خلق أبيكم آدم من تراب وقال قتادة يعني آدم والتقدير على هذا خلق أباكم الأول وأصلكم الذي ترجعون إليه من تراب ) ثم من نطفة ( أخرجها من ظهر آبائكم ) ثم جعلكم أزواجا (


"""""" صفحة رقم 342 """"""
أى زوج بعضكم ببعض فالذكر زوج الأنثى أو جعلكم أصنافا ذكرانا وإناثا ) وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ( أى لا يكون حمل ولا وضع إلا والله عالم به فلا يخرج شىء عن علمه وتدبيره ) وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ( أي ما يطول عمر أحد ولا ينقص من عمره إلا فى كتاب أى فى اللوح المحفوظ قال الفراء يريد آخر غير الأول فكنى عنه بالضمير كأنه الأول لأن لفظ الثانى لو ظهر كان كالأول كأنه قال ولا ينقص من عمر معمر فالكناية فى عمره ترجع إلى آخر غير لأول ومثله قولك عندى درهم ونصفه أى نصف آخر قيل إنما يمى معمرا باعتبار مصيره إليه والمعنى وما يمد فى عمر أحد لا ينقص من عمر أحد لكن لا على معنى لا ينقص من عمره بعد كونه زائدا بل على معنى أنه لا يجعل من الابتداء ناقصا إلا وهو فى كتاب قال سعيد بن جبير وما يعمر من معمر إلا كتب عمره كم هو سنة كم هو شهرا كم هو يوما كم هو ساعة ثم يكتب فى كتاب آخر نقص من عمره ساعة نقص من عمره يوم نقص من عمره شهر نقص من عمره سنة حتى يستوفى أجله فما مضى من أجله فهو النقصان وما يستقبل فهو الذى يعمره وقال قتادة المعمر من بلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين سنة وقيل المعنى إن الله كتب عمر الإنسان كذا إن أطاع ودونه إن عصى فأيهما بلغ فهو فى كتاب والضمير على هذا يرجع إلى معمر وقيل المعنى وما يعمر من معمر إلى الهرم ولا ينقص آخر من عمر الهرم إلا فى كتاب أى بقضاء الله قاله الضحاك واختاره النحاس وقال وهو أشبهها بظاهر التنزيل والأولى أن يقال ظاهر النظم القرآنى أن تطويل العمر وتقصيره هما بقضاء الله وقدره لأسباب تقتضى التطويل وأسباب تقتضي التقصير
فمن أسباب التطويل ما ورد فى صلة الرحم عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ونحو ذلك ومن أسباب التقصير الاستكثار من معاصي الله عز وجل فإذا كان العمر المضروب للرجل مثلا سبعين سنة فقد يزيد الله له عليها إذا فعل أسباب الزيادة وقد ينقصه منها إذا فعل أسباب النقصان والكل فى كتاب مبين فلا تخالف بين هذه الآية وبين قوله سبحانه ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( ويؤيد هذا قوله سبحانه ) يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ( وقد قدمنا فى تفسيرها ما يزيد ما ذكرنا هنا وضوحا وبيانا قرأ الجمهور ينقص مبنيا للمفعول وقرأ يعقوب وسلام وروى عن أبى عمرو ينقص مبنيا للفاعل وقرأ الجمهور من عمره بضم الميم وقرأ الحسن والأعرج والزهرى بسكونها والإشارة بقوله ) إن ذلك ( إلى ما سبق من الخلق وما بعده ) على الله يسير ( لا يصعب عليه منه شىء ولا يعزب عنه كثير ولا قليل ولا كبير ولا صغير
فاطر : ( 12 ) وما يستوي البحران . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من بديع صنعه وعجيب قدرته فقال ) وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ( فالمراد بالبحران العذب والمالح فالعذب الفرات الحلو والأجاج المر والمراد بسائغ شرابه الذى يسهل انحداره فى الحلق لعذوبته وقرأ عيسى بن عمر سيغ بتشديد الياء وروى تسكينها عنه وقرأ طلحة وأبو نهيك ملح بفتح الميم ) ومن كل ( منهما ) تأكلون لحما طريا ( وهو ما يصاد منهما من حيواناتهما التى تؤكل ) وتستخرجون حلية تلبسونها ( الظاهر أن المعنى وتستخرجون منهما حلية تلبسونها وقال المبرد إنما تستخرج الحلية من المالح وروى عن الزجاج أنه قال إنما تستخرج الحلية منها إذا اختلطا لا من كل واحد منهما على انفراده ورجح النحاس قول المبرد ومعنى تلبسونها تلبسون كل شىء منها يحسبه كالخاتم فى الأصبع والسوار فى الذراع والقلادة فى العنق والخلخال فى الرجل ومما يلبس حلية السلاح الذى يحمل كالسيف والدرع ونحوهما ) وترى الفلك فيه ( أى فى كل واحد من البحرين وقال النحاس الضمير يعود إلى


"""""" صفحة رقم 343 """"""
الماء المالح خاصة ولولا ذلك لقال فيهما مواخر يقال مخرت السفينة تمخر إذا شقت الماء فالمعنى وترى السفن فى البحرين شواق للماء بعضها مقبلة وبعضها مدبرة بريح واحدة وقد تقدم الكلام على هذا فى سورة النحل واللام فى ) لتبتغوا من فضله ( متعلقة بما يدل عليه الكلام السابق أى فعل ذلك لتبتغوا أو بمواخر قال مجاهد ابتغاء الفضل هو التجارة فى البحر إلى البلدان البعيدة فى مدة قريبة كما تقدم فى البقرة ) ولعلكم تشكرون ( الله على ما أنعم عليكم به من ذلك قال أكثر المفسرين إن المراد من الآية ضرب المثل فى حق المؤمن والكافر والكفر والإيمان فكما لا يستوى البحران كذلك لا يستوى المؤمن والكافر ولا الكفر والإيمان
فاطر : ( 13 ) يولج الليل في . . . . .
) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ( أى يضيف بعض أجزائهما إلى بعض فيزيد فى أحدهما بالنقص في الآخر وقد تقدم تفسيره فى آل عمران وفى مواضع من الكتاب العزيز ) وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ( قدره الله لجريانهما وهو يوم القيامة وقيل هو المدة التى يقطعان فى مثلها الفلك وهو سنة للشمس وشهر للقمر وقيل المراد به جرى الشمس فى اليوم والقمر فى الليلة وقد تقدم تفسير هذا مستوفى فى سورة لقمان والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى الفاعل لهذه الأفعال وهو الله سبحانه واسم الإشارة مبتدأ وخبره ) الله ربكم له الملك ( أى هذا الذى من صنعته ما تقدم هو الخالق المقدر والقادر المقتدر المالك للعالم والمتصرف فيه ويجوز أن يكون قوله له الملك جملة مستقلة فى مقابلة قوله ) والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ( أى لا يقدرون عليه ولا على خلقه والقطمير القشرة الرقيقة التى تكون بين التمرة والنواة وتصير على النواة كاللفافة لها وقال المبرد هو شق النواة وقال قتادة هو القمع الذى على رأس النواة قال الجوهرى ويقال هى النكتة البيضاء التى فى ظهر النواة تنبت منها النخلة
فاطر : ( 14 ) إن تدعوهم لا . . . . .
ثم بين سبحانه حال هؤلاء الذين يدعونهم من دون الله بأنهم لا ينفعون ولا يضرون فقال ) إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ( أى إن تستغيثوا بهم فى النوائب لا يسمعوا دعاءكم لكونها جمادات لا تدرك شيئا من المدركات ) ولو سمعوا ( على طريقة الفرض والتقدير ) ما استجابوا لكم ( لعجزهم عن ذلك قال قتادة المعنى ولو سمعوا لم ينفعوكم وقيل المعنى لو جعلنا لهم سماعا وحياة فسمعوا دعاءكم لكانوا أطوع لله منكم ولم يستجيبوا لكم إلى ما دعوتموهم إليه من الكفر ) ويوم القيامة يكفرون بشرككم ( أى يتبرءون من عبادتكم هم ويقولون ) ما كنتم إيانا تعبدون ( ويجوز أن يرجع ) والذين تدعون من دونه ( وما بعده إلى من يعقل ممن عبدهم الكفار وهم الملائكة والجن والشياطين والمعنى أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقا وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم ) ولا ينبئك مثل خبير ( أى لا يخبرك مثل من هو خبير بالأشياء عالم بها وهو الله سبحانه فإنه لا أحد أخبر بخلقه وأقوالهم وأفعالهم منه سبحانه وهو الخبير بكنه الأمور وحقائقها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فلا يبقى خلق لله فى السموات والأرض إلا من شاء الله إلا مات ثم يرسل الله من تحت العرش منيا كمنى الرجال فتنبت أجسامهم ولحومهم من ذلك الماء كما تنبت الأرض من الثرى ثم قرأ عبد الله ) والله الذي أرسل الرياح ( الآية وأخرج أبو داود والطيالسى وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الأسماء والصفات عن أبى رزين العقيلى قال قلت يا رسول الله كيف يحيى الله الموتى قال أما مررت بأرض مجدبة ثم مررت بها مخصبة تهتز خضراء قلت بلى قال كذلك يحيى الله الموتى وكذلك النشور وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبرانى والحاكم وصححه والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله إن العبد المسلم إذا قال سبحان الله


"""""" صفحة رقم 344 """"""
وبحمده والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله قبض عليهن ملك يضمهن تحت جناحه ثم يصعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفر لقائلهن حتى يجىء بهن وجه الرحمن ثم قرأ ) إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ( قال أداء الفرائض فمن ذكر الله فى أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله فصعد به إلى الله ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله وكان عمله أولى به وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وما يعمر من معمر ( الآية قال يقول ليس أحد قضيت له طول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت له ذلك فإنما ينتهى إلى الكتاب الذى قدرت له لا يزاد عليه وليس أحد قضيت له أنه قصير العمر والحياة ببالغ العمر ولكن ينتهى إلى الكتاب الذى كتب له فذلك قوله ) ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ( يقول كل ذلك فى كتاب عنده وأخرج أحمد ومسلم وأبو عوانة وابن حبان والطبرانى وابن المنذر وابن أبى حاتم عن حذيفة بن أسيد الغفارى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر فى الرحم بأربعين أو بخمسة وأربعين ليلة فيقول أى رب أشقى أم سعيد أذكر أم أنثى فيقول الله ويكتبان ثم يكتب عمله ورزقه وأجله وأثره ومصيبته ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص وأخرج ابن أبى شيبة ومسلم والنسائى وأبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال قالت أم حبيبة اللهم أمتعنى بزوجى النبى وبأبى سفيان وبأخى معاوية فقال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إنك سألت الله لآجال مضروبة وأيام معدودة وأرزاق مقسومة ولن يعجل الله شيئا قبل حله أو يؤخر شيئا ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب فى النار أو عذاب فى القبر كان خيرا وأفضل وهذه الأحاديث مخصصة بما ورد من قبول الدعاء وأنه يعتلج هو والقضاء وبما ورد فى صلة الرحم أنها تزيد فى العمر فلا معارضة بين الأدلة كما قدمنا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ما يملكون من قطمير ( قال القطمير القشر وفى لفظ الجلد الذى يكون على ظهر النواة
سورة فاطر ( 15 26 )


"""""" صفحة رقم 345 """"""
فاطر : ( 15 ) يا أيها الناس . . . . .
ثم ذكر سبحانه افتقار خلقه إليه ومزيد حاجتهم إلى فضله فقال ) يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ( أى المحتاجون إليه فى جميع أمور الدين والدنيا فهم الفقراء إليه على الإطلاق و ) هو الغني ( على الإطلاق ) الحميد ( أى المستحق للحمد من عباده بإحسانه إليهم
فاطر : ( 16 ) إن يشأ يذهبكم . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا من الأنواع التى يتحقق عندها افتقارهم إليه واستغناؤه عنه فقال ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ( أى إن يشأ يفنكم ويأت بدلكم بخلق جديد يطيعونه ولا يعصونه أو يأت بنوع من أنواع الخلق وعالم من العالم غير ما تعرفون
فاطر : ( 17 ) وما ذلك على . . . . .
) وما ذلك ( إلا ذهاب لكم والإتيان بآخرين ) على الله بعزيز ( أى بممتنع ولا متعسر وقد مضى تفسير هذا فى سورة إبراهيم
فاطر : ( 18 ) ولا تزر وازرة . . . . .
) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( أى نفس وازرة فحذف الموصوف للعلم به ومعنى تزر تحمل والمعنى لا تحمل نفس حمل نفس أخرى أى إثمها بل كل نفس تحمل وزرها ولا تخالف هذه الآية قوله ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( لأنهم إنما حملوا أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم والكل من أوزارهم لا من أوزار غيرهم ومثل هذا حديث من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة فإن الذى سن السنة السيئة إنما حمل وزر سنته السيئة وقد تقدم الكلام على هذه الآية مستوفى ) وإن تدع مثقلة إلى حملها ( قال الفراء أى نفس مثقلة قال وهذا يقع للمذكر والمؤنث قال الأخفش أى وإن تدع مثقلة إنسانا إلى حملها وهو ذنوبها لا يحمل منه أى من حملها ) شيء ولو كان ذا قربى ( أى ولو كان الذى تدعوه ذا قرابة لها لم يحمل من حملها شيئا ومعنى الآية وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفسا أخرى إلى حمل شىء من ذنوبها معها لم تحمل تلك المدعوة من تلك الذنوب شيئا ولو كانت قريبة لها فى النسب فكيف بغيرها مما لا قرابة بينها وبين الداعية لها وقرىء ذو قربى على أن كان تامة كقوله ) وإن كان ذو عسرة ( وجملة ) إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ( مستأنفة مسوقة لبيان من يتعظ بالإنذار ومعنى ) يخشون ربهم بالغيب ( أنه يخشونه حال كونهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابه وهو غائب عنهم أو يخشونه فى الخلوات عن الناس قال الزجاج تأويله أن إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم فكأنك تنذرهم دون غيرهم ممن لا ينفعهم الإنذار كقوله ) إنما أنت منذر من يخشاها ( وقوله ) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ( ومعنى ) وأقاموا الصلاة ( أنهم احتفلوا بأمرها ولم يشتغلوا عنها بشيء مما يلهيهم ) ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ( التزكى التطهر من أدناس الشرك والفواحش والمعنى أن من تطهر بترك المعاصى واستكثر من العمل الصالح فإنما يتطهر لنفسه لأن نفع ذلك مختص به كما أن وزر من تدنس لا يكون إلا عليه لا على غيره قرأ الجمهور ومن تزكى فإنما يتزكى وقرأ أبو عمرو فإنما يزكى بإدغام التاء فى الزاى وقرأ ابن مسعود وطلحة ومن ازكى فإنما يزكى ) وإلى الله المصير ( لا إلى غيره ذكر سبحانه أولا أنه لا يحمل أحد ذنب أحد ثم ذكر ثانيا أن المذنب إن دعا غيره ولو كان من قرابته إلى حمل شىء من ذنوبه لا يحمله ثم ذكر ثالثا أن ثواب الطاعة مختص بفاعلها ليس لغيره منه شىء
فاطر : ( 19 ) وما يستوي الأعمى . . . . .
ثم ضرب مثلا للمؤمن والكافر فقال ) وما يستوي الأعمى ( أى المسلوب حاسة البصر والبصير الذى له ملكة البصر فشبه الكافر بالأعمى وشبه المؤمن بالبصير
فاطر : ( 20 ) ولا الظلمات ولا . . . . .
) ولا الظلمات ولا النور ( أى ولا تستوى الظلمات ولا النور فشبه الباطل بالظلمات وشبه الحق بالنور قال الأخفش ولا فى قوله ولا النور ولا الحرور زائدة والتقدير وما يستوى الظلمات والنور ولا الظل والحرور
فاطر : ( 21 ) ولا الظل ولا . . . . .
والحرور شدة حر الشمس قال الأخفش والحرور لا يكون إلا مع شمس النهار


"""""" صفحة رقم 346 """"""
والسموم يكون بالليل وقيل عكسه وقال رؤبة بن العجاج الحرور يكون بالليل خاصة والسموم يكون بالنهار خاصة وقال الفراء السموم لا يكون إلا بالنهار والحرور يكون فيهما قال النحاس وهذا أصح وقال قطرب الحرور الحر والظل البرد والمعنى أنه لا يستوى الظل الذى لا حر فيه ولا أذى والحر الذى يؤذى قيل أراد الثواب والعقاب وسمى الحر حرورا مبالغة فى شدة الحر لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى وقال الكلبى أراد بالظل الجنة وبالحرور النار وقال عطاء يعنى ظل الليل وشمس النهار قيل وإنما جمع الظلمات وأفرد النور لتعدد فنون الباطل واتحاد الحق
فاطر : ( 22 ) وما يستوي الأحياء . . . . .
ثم ذكر سبحانه تمثيلا آخر للمؤمن والكافر فقال ) وما يستوي الأحياء ولا الأموات ( فشبه المؤمنين بالأحياء وشبه الكافرين بالأموات وقيل أراد تمثيل العلماء والجهلة وقال ابن قتيبة الأحياء العقلاء والأموات الجهال قال قتادة هذه كلها أمثال أى كما لا تستوى هذه الأشياء كذلك لا يستوى الكافر والمؤمن ) إن الله يسمع من يشاء ( أن يسمعه من أوليائه الذين خلقهم لجنته ووفقهم لطاعته ) وما أنت بمسمع من في القبور ( يعنى الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم أى كما لا تسمع من مات كذلك لا تسمع من مات قبله قرأ الجمهور بتنوين مسمع وقطعه عن الإضافة وقرأ الحسن وعيسى الثقفى وعمرو بن ميمون بإضافته
فاطر : ( 23 ) إن أنت إلا . . . . .
) إن أنت إلا نذير ( أى ما أنت إلا رسول منذر ليس عليك إلا الإنذار والتبليغ والهدى والضلالة بيد الله عز وجل
فاطر : ( 24 ) إنا أرسلناك بالحق . . . . .
) إنا أرسلناك بالحق ( يجوز أن يكون بالحق فى محل نصب على الحال من الفاعل أى محقين أو من المفعول أى محقا أو نعت لمصدر محذوف أى إرسالا ملتبسا بالحق أو هو متعلق ببشيرا أى بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعد الحق والأولى أن يكون نعتا للمصدر المحذوف ويكون معنى بشيرا بشيرا لأهل الطاعة ونذيرا لأهل المعصية ) وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ( أى ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها واقتصر على ذكر النذير دون البشير لأنه ألصق بالمقام
فاطر : ( 25 ) وإن يكذبوك فقد . . . . .
ثم سلى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وعزاه فقال ) وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم ( أى كذب من قبلهم من الأمم الماضية أنبياءهم ) جاءتهم رسلهم بالبينات ( أى بالمعجزات الواضحة والدلالات الظاهرة ) وبالزبر ( أى الكتب المكتوبة كصحف إبراهيم ) وبالكتاب المنير ( كالتوراة والإنجيل قيل الكتاب المنير داخل تحت الزبر وتحت البينات والعطف لتغاير المفهومات وإن كانت متحدة في الصدق والأولى تخصيص البينات بالمعجزات والزبر بالكتب التى فيها مواعظ والكتاب بما فيه شرائع وأحكام
فاطر : ( 26 ) ثم أخذت الذين . . . . .
) ثم أخذت الذين كفروا ( وضع الظاهر موضع الضمير يفيد التصريح بذمهم بما فى حيز الصلة ويشعر بعلة الأخذ ) فكيف كان نكير ( أي فكيف كان نكيرى عليهم وعقوبتى لهم وقرأ ورش عن نافع وشيبة بإثبات الياء فى نكير وصلا لا وقفا وقد مضى بيان معنى هذا قريبا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد والترمذى وصححه والنسائى وابن ماجه عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال فى حجة الوداع ألا لا يجنى جان إلا على نفسه لا يجنى والد على ولده ولا مولود على والده وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود والترمذى والنسائى وابن مردويه والبيهقى في سننه عن أبى رمثة قال انطلقت مع أبى نحو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما رأيته قال لأبي أتيتك هذا قال إي ورب الكعبة قال أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله قال يكون عليه وزر لا يجد أحدا يحمل عنه من وزره شيئا


"""""" صفحة رقم 347 """"""
سورة فاطر ( 27 35 )
فاطر : ( 27 ) ألم تر أن . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا من أنواع قدرته الباهرة وخلقا من مخلوقاته البديعة فقال ) ألم تر ( والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أولكل من يصلح له ) أن الله أنزل من السماء ماء ( وهذه الرؤية هى القلبية أى ألم تعلم وأن واسمها وخبرها سدت مسد المفعولين ) فأخرجنا به ( أى بالماء والنكتة فى هذا الالتفات إظهار كمال العناية بالفعل لما فيه من الصنع البديع وانتصاب ) مختلفا ألوانها ( على الوصف لثمرات والمراد بالألوان الأجناس والأصناف أى بعضها أبيض وبعضها أحمر وبعضها أصفر وبعضها أخضر وبعضها أسود ) ومن الجبال جدد ( الجدد جمع جدة وهى الطريق قال الأخفش ولو كان جمع جديد لقال جدد بضم الجيم والدال نحو سرير وسرر قال زهير كأنه أسفع الخدين ذو جدد
طار ويرتع بعد الصيف أحيانا
وقيل الجدد القطع مأخوذ من جددت الشىء إذا قطعته حكاه ابن بحر قال الجوهرى الجدة الخطة التى فى ظهر الحمار تخالف لونه والجدة الطريقة والجمع جدد وجدائد ومن ذلك قول أبى ذؤيب جون السراة له جدائد أربع
قال المبرد جدد طرائق وخطوط قال الواحدى ونحو هذا قال المفسرون فى تفسير الجدد وقال الفراء هى الطرق تكون في الجبال كالعروق بيض وسود وحمر واحدها جدة والمعنى أن الله سبحانه أخبر عن جدد الجبال وهى طرائقها أو الخطوط التى فيها بأن لون بعضها البياض ولون بعضها الحمرة وهو معنى قوله ) بيض وحمر مختلف ألوانها ( قرأ الجمهور جدد بضم الجيم وفتح الدال وقرأ


"""""" صفحة رقم 348 """"""
الزهرى بضمهما جمع جديدة وروى عنه أنه قرأ بفتحهما وردها أبو حاتم وصححها غيره وقال الجدد الطريق الواضح البين وغرابيب سود الغربيب الشديد السواد الذى يشبه لونه لون الغراب قال الجوهرى تقول هذا أسود غربيب أى شديد السواد وإذا قلت غرابيب سود جعلت السود بدلا من غرابيب قال الفراء فى الكلام تقديم وتأخير تقديره وسود غرابيب لأنه يقال أسود غربيب وقل ما يقال غربيب أسود وقوله ) مختلف ألوانها ( صفة لجدد وقوله ) وغرابيب ( معطوف على جدد على معنى ومن الجبال جدد بيض وحمر ومن الجبال غرابيب على لون واحد وهوالسواد أو على حمر على معنى ومن الجبال جدد بيض وحمر وسود وقيل معطوف على بيض ولا بد من تقدير مضاف محذوف قبل جدد أى ومن الجبال ذو جدد لأن الجدد إنما هى فى ألوان بعضها
فاطر : ( 28 ) ومن الناس والدواب . . . . .
) ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه ( قوله مختلف صفة لموصوف محذوف أى ومنهم صنف أو نوع أو بعض مختلف ألوانه بالحمرة والسواد والبياض والخضرة والصفرة قال الفراء أى خلق مختلف ألوانه كاختلاف الثمرات والجبال وإنما ذكر سبحانه اختلاف الألوان فى هذه الأشياء لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله وبديع صنعه ومعنى كذلك أى مختلفا مثل ذلك الاختلاف وهو صفة لمصدر محذوف والتقدير مختلف ألوانه اختلافا كائنا كذلك أى كاختلاف الجبال والثمار وقرأ الزهرى والدواب بتخفيف الباء وقرأ ابن السميفع ألوانها وقيل إن قوله كذلك متعلق بما بعده أى مثل ذلك المطر والاعتبار فى مخلوقات الله واختلاف ألوانها يخشى الله من عباده العلماء وهذا اختاره ابن عطيه وهو مردود بأن ما بعد إنما لا يعمل فيما قبلها والراجح الوجه الأول والوقف على كذلك تام ثم استؤنف الكلام وأخبر سبحانه بقوله ) إنما يخشى الله من عباده العلماء ( أو هو من تتمة قوله ) إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ( على معنى إنما يخشاه سبحانه بالغيب العالمون به وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة وعلى كل تقدير فهو سبحانه قد عين فى هذه الاية أهل خشيته وهم العلماء به وتعظيم قدرته قال مجاهد إنما العالم من خشى الله عز وجل وقال مسروق كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار جهلا فمن كان أعلم بالله كان أخشاهم له قال الربيع بن أنس من لم يخش الله فليس بعالم وقال الشعبى العالم من خاف الله ووجه تقديم المفعول أن المقام مقام حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر وقرأ عمر بن عبد العزيز برفع الاسم الشريف ونصب العلماء ورويت هذه القراءة عن أبى حنيفة قال فى الكشاف الخشية فى هذه القراءة استعارة والمعنى أنه يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشى من الرجال بين الناس وجملة ) إن الله عزيز غفور ( تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب على معصيته غافر لمن تاب من عباده
فاطر : ( 29 ) إن الذين يتلون . . . . .
) إن الذين يتلون كتاب الله ( أى يستمرون على تلاوته ويداومونها والكتاب هو القرآن الكريم ولا وجه لما قيل إن المراد به جنس كتب الله ) وأقاموا الصلاة ( أى فعلوها فى أوقاتها مع كمال أركانها وأذكارها ) وأنفقوا من ما رزقناهم سرا وعلانية ( فيه حث على الإنفاق كيف ما تهيأ فإن تهيأ سرا فهو أفضل وإلا فعلانية ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء ويمكن أن يراد بالسر صدقة النفل وبالعلانية صدقة الفرض وجملة ) يرجون تجارة لن تبور ( فى محل رفع على خبرية إن كما قال ثعلب وغيره والمراد بالتجارة ثواب الطاعة ومعنى ) لن تبور ( لن تكسد ولن تهلك وهى صفة للتجارة والإخبار برجائهم لثواب ما عملوا بمنزلة الوعد بحصول مرجوهم
فاطر : ( 30 ) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم . . . . .
واللام فى ) ليوفيهم أجورهم ( متعلق بلن تبور على معنى أنها لن تكسد لأجل أن يوفيهم أجور أعمالهم الصالحة ومثل هذه الآية قوله سبحانه ) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ( وقيل إن اللام متعلقة بمحذوف دل عليه السياق أي فعلوا ذلك ليوفيهم ومعنى ) ويزيدهم من فضله (


"""""" صفحة رقم 349 """"""
أنه يتفضل عليهم بزيادة على أجورهم التى هى جزاء أعمالهم وجملة ) إنه غفور شكور ( تعليل لما ذكر من التوفية والزيادة أى غفور لذنوبهم شكور لطاعتهم وقيل إن هذه الجملة هى خبر إن وتكون جملة يرجون فى محل نصب على الحال والأول أولى
فاطر : ( 31 ) والذي أوحينا إليك . . . . .
) والذي أوحينا إليك من الكتاب ( يعنى القرآن وقيل اللوح المحفوظ على أن من تبعيضية أو ابتدائية وجملة هو الحق خبر الموصول ) ومصدقا لما بين يديه ( منتصب على الحال أى موافقا لما تقدمه من الكتب ) إن الله بعباده لخبير بصير ( أى محيط بجميع أمورهم
فاطر : ( 32 ) ثم أورثنا الكتاب . . . . .
) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ( المفعول الأول لأورثنا الموصول والمفعول الثانى الكتاب وإنما قدم المفعول الثانى لقصد التشريف والتعظيم للكتاب والمعنى ثم أورثنا الذين اصطفيناهم من عبادنا الكتاب وهو القرآن أى قضينا وقدرنا بأن نورث العلماء من أمتك يا محمد هذا الكتاب الذى أنزلناه عليك ومعنى اصطفائهم اختيارهم واستخلاصهم ولا شك أن علماء هذه الأمة من الصحابة فمن بعدهم قد شرفهم الله على سائر العباد وجعلهم أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس وأكرمهم بكونهم أمة خير الأنبياء وسيد ولد آدم قال مقاتل يعنى قرآن محمد جعلناه ينتهى إلى الذين اصطفينا من عبادنا وقيل إن المعنى أورثناه من الأمم السالفة أى أخرناه عنهم وأعطيناه الذين اصطفينا والأول أولى ثم قسم سبحانه هؤلاء الذى أورثهم كتابه واصطفاهم من عباده إلى ثلاثة أقسام فقال ) فمنهم ظالم لنفسه ( قد استشكل كثير من أهل العلم معنى هذه الآية لأنه سبحانه جعل هذا القسم الظالم لنفسه من ذلك المقسم وهو من اصطفاهم من العباد فكيف يكون من اصطفاه الله ظالما لنفسه فقيل إن التقسيم هو راجع إلى العباد أى فمن عبادنا ظالم لنفسه وهو الكافر ويكون ضمير يدخلونها عائدا إلى المقتصد والسابق وقيل المراد بالظالم هو المقصر فى العمل به وهو المرجأ لأمر الله وليس من ضرورة ورثة الكتاب مراعاته حق رعايته لقوله ) فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ( وهذا فيه نظر لأن ظلم النفس لا يناسب الاصطفاء وقيل الظالم لنفسه هو الذى عمل الصغائر وقد روى هذا القول عن عمر وعثمان وابن مسعود وأبى الدرداء وعائشة وهذا هو الراجح لأن عمل الصغائر لا ينافى الاصطفاء ولا يمنع من دخول صاحبه مع الذين يدخلون الجنة يحلون فيها من أساور من ذهب إلى آخر ما سيأتى ووجه كونه ظالما لنفسه أنه نقصها من الثواب بما فعل من الصغائر المغفورة له فإنه لو عمل مكان تلك الصغائر طاعات لكان لنفسه فيها من الثواب حظا عظيما وقيل الظالم لنفسه هو صاحب الكبائر
وقد اختلف السلف في تفسير السابق والمقتصد فقال عكرمة وقتادة والضحاك إن المقتصد المؤمن العاصى والسابق التقى على الإطلاق وبه قال الفراء وقال مجاهد فى تفسير الآية فمنهم ظالم لنفسه أصحاب المشأمة ومنهم مقتصد أصحاب الميمنة ومنهم سابق بالخيرات السابقون من الناس كلهم وقال المبرد إن المقتصد هو الذى يعطى الدنيا حقها والآخرة حقها وقال الحسن الظالم الذى ترجح سيآته على حسناته والمقتصد الذى استوت حسناته وسيآته والسابق من رجحت حسناته على سيآته وقال مقاتل الظالم لنفسه أصحاب الكبائر من أهل التوحيد والمقتصد الذى لم يصب كبيرة والسابق الذى سبق إلى الأعمال الصالحة وحكى النحاس أن الظالم صاحب الكبائر والمقتصد الذى لم يستحق الجنة بزيادة حسناته على سيآته فتكون جنات عدن يدخلونها للذين سبقوا بالخيرات لا غير قال وهذا قول جماعة من أهل النظر لأن الضمير فى حقيقة النظر لما يليه أولى وقال الضحاك فيهم ظالم لنفسه أى من ذريتهم ظالم لنفسه وقال سهل بن عبد الله السابق العالم والمقتصد المتعلم والظالم لنفسه الجاهل وقال ذو النون المصرى الظالم لنفسه الذاكر لله بلسانه فقط والمقتصد الذاكر بقلبه


"""""" صفحة رقم 350 """"""
والسابق الذى لا ينساه وقال الأنطاكى الظالم صاحب الأقوال والمقتصد صاحب الأفعال والسابق صاحب الأحوال وقال ابن عطاء الظالم الذى يحب الله من أجل الدنيا والمقتصد الذى يحب الله من أجل العقبى والسابق الذى أسقط مراده بمراد الحق وقيل الظالم الذى يعبد الله خوفا من النار والمقتصد الذى يعبده طمعا فى الجنة والسابق الذى يعبده لا لسبب وقيل الظالم الذى يحب نفسه والمقتصد الذى يحب دينه والسابق الذى يحب ربه وقيل الظالم الذى ينتصف ولا ينصف والمقتصد الذى ينتصف وينصف والسابق الذي ينصف ولا ينتصف وقد ذكر الثعلبي وغيره أقوالا كثيرة ولا شك أن المعاني اللغوية للظالم والمقتصد والسابق معروفة وهو يصدق على الظلم للنفس بمجرد إحرامها للحظ وتفويت ما هو خير لها فتارك الاستكثار من الطاعات قد ظلم نفسه باعتبار ما فوتها من الثواب وإن كان قائما بما أوجب الله عليه تاركا لما نهاه الله عنه فهو من هذه الحيثيثة ممن اصطفاه الله ومن أهل الجنة فلا إشكال فى الآية ومن هذا قول آدم ربنا ظلمنا أنفسنا وقول يونس إنى كنت من الظالمين ومعنى المقتصد هو من يتوسط فى أمر الدين ولا يميل إلى جانب الإفراط ولا إلى جانب التفريط وهذا من أهل الجنة وأما السابق فهو الذى سبق غيره فى أمور الدين وهو خير الثلاثة
وقد استشكل تقديم الظالم على المقتصد وتقديمهما على السابق مع كون المقتصد أفضل من الظالم لنفسه والسابق أفضل منهما فقيل إن التقديم لا يقتضى التشريف كما في قوله ) لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ( ونحوها من الآيات القرآنية التى فيها تقديم أهل الشر على أهل الخير وتقديم المفضولين على الفاضلين وقيل وجه التقديم هنا أن المقتصدين بالنسبة إلى أهل المعاصى قليل والسابقين بالنسبة إلى الفريقين أقل قليل فقدم الأكثر على الأقل والأول أولى فإن الكثرة بمجردها لا تقتضى تقديم الذكر وقد قيل فى وجه التقديم غير ما ذكرنا مما لا حاجة إلى التطويل به والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى توريث الكتاب والإصطفاء وقيل إلى السبق بالخيرات والأول أولى وهو مبتدأ وخبره ) هو الفضل الكبير ( أى الفضل الذى لا يقادر قدره
فاطر : ( 33 ) جنات عدن يدخلونها . . . . .
وارتفاع ) جنات عدن ( على أنها مبتدأ وما بعدها خبرها أو على البدل من الفضل لأنه لما كان هو السبب فى نيل الثواب نزل منزلة المسبب وعلى هذا فتكون جملة يدخلونها مستأنفة وقد قدمنا أن الضمير فى يدخلونها يعود إلى الأصناف الثلاثة فلا وجه لقصره على الصنف الأخير وقرأ زر بن حبيش والترمذى جنة بالإفراد وقرأ الجحدرى جنات بالنصب على الاشتغال وجوز أبو البقاء أن تكون جنات خبرا ثانيا لاسم الإشارة وقرأ أبو عمرو يدخلونها على البناء للمفعول وقوله يحلون خبر ثان لجنات عدن أو حال مقدرة وهو من حليت المرأة فهى حال وفيه إشارة إلى سرعة الدخول فإن فى تحليتهم خارج الجنة تأخيرا للدخول فلما قال ) يحلون فيها ( أشار أن دخولهم على وجه السرعة ) من أساور من ذهب ( من الأولى تبعيضية والثانية بيانية أى يحلون بعض أساور كائنة من ذهب والأساور جمع أسورة جمع سوار وانتصاب لؤلؤا بالعطف على محل ) من أساور ( وقرىء بالجر عطفا على ذهب ) ولباسهم فيها حرير ( قد تقدم تفسير الآية مستوفى فى سورة الحج
فاطر : ( 34 ) وقالوا الحمد لله . . . . .
) وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ( قرأ الجمهور الحزن بفتحتين وقرأ جناح بن حبيش بضم الحاء وسكون الزاي والمعنى أنهم يقولون هذه المقالة إذا دخلوا الجنة قال قتادة حزن الموت وقال عكرمة حزن السيئات والذنوب وخوف رد الطاعات وقال القاسم حزن زوال النعم وخوف العاقبة وقيل حزن أهوال يوم القيامة وقال الكلبى ما كان بحزنهم فى الدنيا من أمر يوم القيامة وقال سعيد بن جبير هم الخبز فى الدنيا وقيل هم المعيشة وقال الزجاج أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو معاد وهذا أرجح الأقوال فإن الدنيا وإن بلغ


"""""" صفحة رقم 351 """"""
نعيمها أى بلغ لا تخلو من شوائب ونوائب تكثر لأجلها الأحزان وخصوصا أهل الإيمان فإنهم لا يزالون وجلين من عذاب الله خائفين من عقابه مضطربى القلوب فى كل حين هل تقبل أعمالهم أو ترد حذرين من عاقبة السوء وخاتمة الشر ثم لا تزال همومهم وأحزانهم حتى يدخلوا الجنة وأما أهل العصيان فهم وإن نفس عن خناقهم قليلا فى حياة الدنيا التى هى دار الغرور وتناسوا دار القرار يوما من دهرهم فلا بد أن يشتد وجلهم وتعظم مصيبتهم وتغلي مراجل أحزانهم إذا شارفوا الموت وقربوا من منازل الآخرة ثم إذا قبضت أرواحهم ولاح لهم ما يسوؤهم من جزاء أعمالهم ازدادوا غما وحزنا فإن تفضل الله عليهم بالمغفرة وأدخلهم الجنة فقد أذهب عنهم أحزانهم وأزال غمومهم وهمومهم ) إن ربنا لغفور شكور ( أى غفور لمن عصاه شكور لمن أطاعه
فاطر : ( 35 ) الذي أحلنا دار . . . . .
) الذي أحلنا دار المقامة من فضله ( أى دار الإقامة التى يقام فيها أبدا ولا ينتقل عنها تفضلا منه ورحمة ) لا يمسنا فيها نصب ( أي لايصيبنا فى الجنة عناء ولا تعب ولا مشقة ) ولا يمسنا فيها لغوب ( وهو الإعياء من التعب والكلال من النصب
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ثمرات مختلفا ألوانها ( قال الأبيض والأحمر والأسود وفى قوله ) ومن الجبال جدد ( قال طرائق بيض يعنى الألوان وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال الغربيب الأسود الشديد السواد وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى مالك فى قوله ومن الجبال جدد قال طرائق تكون فى الجبل بيض وحمر فتلك الجدد وغرابيب سود قال جبال سود ) ومن الناس والدواب والأنعام ( قال كذلك اختلاف الناس والدواب والأنعام كاختلاف الجبال ثم قال ) إنما يخشى الله من عباده العلماء ( قال فصل لما قبلها وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) إنما يخشى الله من عباده العلماء ( قال العلماء بالله الذين يخافونه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه في الآية قال الذين يعلمون أن الله على كل شىء قدير وأخرج ابن أبى حاتم وابن عدى عن ابن مسعود قال ليس العلم من كثرة الحديث ولكن العلم من الخشية وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد فى الزهد وعبد بن حميد والطبرانى عنه قال كفى بخشية الله علما وكفى باغترار بالله جهلا وأخرج أحمد فى الزهد عنه أيضا قال ليس العلم بكثرة الرواية ولكن العلم الخشية وأخرج ابن أبى شيبة عن حذيفة قال بحسب المؤمن من العلم أن يخشى الله وأخرج عبد الغنى بن سعيد الثقفى فى تفسيره عن ابن عباس أن حصين بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف نزلت فيه ) إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى البعث عن ابن عباس فى قوله ) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ( قال هم أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ورثهم الله كل كتاب أنزل فظالمهم مغفور له ومقتصدهم يحاسب حسابا يسيرا وسابقهم يدخل الجنة بغير حساب وأخرج الطيالسى وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى البعث عن أبى سعيد الخدرى عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال فى هذه الآية ) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ( قال هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم يدخلون الجنة وفى إسناده رجلان مجهولان قال الإمام أحمد فى مسنده قال حدثنا شعبة عن الوليد بن العيزار أنه سمع رجلا من ثقيف يحدث عن رجل من كنانة عن أبى سعيد وأخرج الفريابى وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وابن مردويه والبيهقى فى البعث عن أبى الدرداء قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول قال الله ) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله (


"""""" صفحة رقم 352 """"""
فأما الذين سبقوا فأولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك الذين يحبسون فى طول المحشر ثم هم الذين تلافاهم الله برحمته فهم الذين يقولون ) الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ( إلى آخر الآية قال البيهقى إذا كثرت روايات فى حديث ظهر أن للحديث أصلا وفى إسناد أحمد محمد بن إسحاق وفى إسناد ابن أبى حاتم رجل مجهول لأنه رواه من طريق الأعمش عن رجل عن أبى ثابت عن أبى الدرداء ورواه ابن جرير عن الأعمش قال ذكر أبو ثابت وأخرج ابن أبى حاتم والطبرانى عن عوف بن مالك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أمتى ثلاث أثلاث فثلث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ثم يدخلون الجنة وثلث يمحصون ويكشفون ثم تأتى الملائكة فيقولون وجدناهم يقولون لا إله إلا الله وحده فيقول الله أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده واحملوا خطاياهم على أهل التكذيب وهى التى قال الله ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( وتصديقها فى التى ذكر فى الملائكة قال الله تعالى ) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ( فجعلهم ثلاثة أفواج فمنهم ظالم لنفسه فهذا الذى يكشف ويمحص ومنهم مقتصد وهو الذى يحاسب حسابا يسيرا ومنهم سابق بالخيرات فهو الذى يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب بإذن الله يدخلونها جميعا قال ابن كثير بعد ذكر هذا الحديث غريب جدا وهذه الأحاديث يقوى بعضها بعضا ويجب المصير اليها ويدفع بها قول من حمل الظالم لنفسه على الكافر ويؤيدها ما أخرجه الطبرانى وابن مردويه والبيهقى فى البعث عن أسامه بن زيد ) فمنهم ظالم لنفسه ( الآية قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كلهم من هذه الأمة وكلهم في الجنة وما أخرجه الطيالسى وعبد بن حميد وابن أبى حاتم والطبرانى في الأوسط والحاكم وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قال قلت لعائشة أرأيت قول الله ) ثم أورثنا الكتاب ( الآية قالت أما السابق فمن مضى فى حياة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فشهد له بالجنة وأما المقتصد فمن تبع آثارهم فعمل بمثل عملهم حتى لحق بهم وأما الظالم لنفسه فمثلى ومثلك وما اتبعنا وكل في الجنة وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال هذه الأمة ثلاث أثلاث يوم القيامة ثلث يدخلون الجنة بغير حساب وثلث يحاسبون حسابا يسيرا وثلث يجيئون بذنوب عظام إلا أنهم لم يشركوا فيقول الرب أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي ثم قرأ ) ثم أورثنا الكتاب ( الآية وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر والبيهقى فى البعث عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية ) ثم أورثنا الكتاب ( قال ألا إن سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له وأخرجه العقيلى وابن مردويه والبيهقى فى البعث من وجه آخر عنه مرفوعا وأخرجه ابن النجار من حديث أنس مرفوعا وأخرج الطبرانى عن ابن عباس قال السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآية ثم قال ألا إن سابقنا أهل جهادنا ألا وإن مقتصدنا أهل حضرنا ألا وإن ظالمنا أهل بدونا وأخرج سعيد بن منصور والبيهقى فى البعث عن البراء بن عازب فى قوله ) فمنهم ظالم لنفسه ( الآية قال أشهد على الله أنه يدخلهم جميعا الجنة وأخرج الفريابى وابن جرير وابن مردويه عنه قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا (


"""""" صفحة رقم 353 """"""
قال كلهم ناج وهى هذه الأمة وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن ابن عباس فى الآية قال هى مثل التى فى الواقعة أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون صنفان ناجيان وصنف هالك وأخرج الفريابى وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقى عنه فى قوله فمنهم ظالم لنفسه قال هو الكافر والمقتصد أصحاب اليمين وهذا المروى عنه رضى الله عنه لا يطابق ما هو الظاهر من النظم القرآنى ولا يوافق ما قدمنا من الروايات عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعن جماعة من الصحابة وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن الحرث أن ابن عباس سأل كعبا عن هذه الآية فقال نجوا كلهم ثم قال تحاكت مناكبهم ورب الكعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم وقد وقدمنا عن ابن عباس ما يفيد أن الظالم لنفسه من الناجين فتعارضت الأقوال عنه وأخرج الترمذى والحاكم وصححه والبيهقى فى البعث عن أبى سعيد الخدرى أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) تلا قول الله ) جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ( فقال إن عليهم التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضىء ما بين المشرق والمغرب وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وقالوا الحمد لله ( الآية قال هم قوم فى الدنيا يخافون الله ويجتهدون له فى العبادة سرا وعلانية وفى قلوبهم حزن من ذنوب قد سلفت منهم فهم خائفون أن لا يتقبل منهم هذا الإجتهاد من الذنوب التي سلفت فعندها قالوا ) الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ( غفر لنا العظيم وشكر لنا القليل من أعمالنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عنه فى الآية حزن النار
سورة فاطر ( 36 45 )


"""""" صفحة رقم 354 """"""
فاطر : ( 36 ) والذين كفروا لهم . . . . .
ثم لما فرغ سبحانه من ذكر جزاء عباده الصالحين ذكر جزاء عباده الطالحين فقال ) والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ( أى لا يقضى عليهم بالموت فيموتوا ويستريحوا من العذاب ) ولا يخفف عنهم من عذابها ( بل ) كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ( وهذه الآية هى مثل قوله سبحانه ) لا يموت فيها ولا يحيى ( قرأ الجمهور فيموتوا بالنصب جوابا للنفى وقرأ عيسى بن عمر والحسن بإثبات النون قال المازنى على العطف على يقضى وقال ابن عطية هى قراءة ضعيفة ولا وجه لهذا التضعيف بل هى كقوله ) ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( ) كذلك نجزي كل كفور ( أى مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزى كل من هو مبالغ فى الكفر وقرأ أبو عمرو نجزى على البناء للمفعول
فاطر : ( 37 ) وهم يصطرخون فيها . . . . .
) وهم يصطرخون فيها ( من الصراخ وهو الصياح أى وهم يستغيثون فى النار رافعين أصواتهم والصارخ المستغيث ومنه قول الشاعر كنا إذا ما أتانا صارخ فزع
كان الصراخ له قرع الطنابيب
) ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ( أى وهم فيها يصطرخون يقولون ربنا الخ قال مقاتل هو أنهم ينادون ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل من الشرك والمعاصى فنجعل الإيمان منا بدل ما كنا عليه من الكفر والطاعة بدل المعصية وانتصاب صالحا على أنه صفة لمصدر محذوف أى عملا صالحا أو صفة لموصوف محذوف أى نعمل شيئا صالحا قيل وزيادة قوله ) غير الذي كنا نعمل ( للتحسر على ما عملوه من غير الأعمال الصاحة مع الاعتراف منهم بأن أعمالهم فى الدنيا كانت غير صالحة فأجاب الله سبحانه عليهم بقوله ) أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ( والاستفهام للتقريع والتوبيخ والواو للعطف على مقدر كما فى نظائره وما نكرة موصوفة أى أولم نعمركم عمرا يتمكن من التذكر فيه من تذكر فقيل هو ستون سنة وقيل أربعون وقيل ثمانى عشرة سنة قال بالأول جماعة من الصحابة وبالثانى الحسن ومسروق وغيرهما وبالثالث عطاء وقتادة وقرأ الأعمش ما يذكر بالإدغام ) وجاءكم النذير ( قال الواحدى قال جمهور المفسرين هو النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وقال عكرمة سفيان بن عيينة ووكيع والحسن بن الفضل والفراء وابن جرير هو الشيب ويكون معناه على هذا القول أولم نعمركم حتى شبتم وقيل هو القرآن وقيل الحمى قال الأزهرى معناه أن الحمى رسول الموت أى كأنها تشعر بقدومه وتنذر بمجيئه والشيب نذير أيضا لأنه يأتى فى سن الاكتهال وهو علامة لمفارقة سن الصبا الذى هو سن اللهو واللعب وقيل هو موت الأهل


"""""" صفحة رقم 355 """"""
والأقارب وقيل هو كمال العقل وقيل البلوغ ) فذوقوا فما للظالمين من نصير ( أى فذوقوا عذاب جهنم لأنكم لم تعتبروا ولم تتعظوا فما لكم ناصر يمنعكم من عذاب الله ويحول بينكم وبينه قال مقاتل فذوقوا العذاب فما للمشركين من مانع يمنعهم
فاطر : ( 38 ) إن الله عالم . . . . .
) إن الله عالم غيب السماوات والأرض ( قرأ الجمهور بإضافة عالم إلى غيب وقرأ جناح بن حبيش بالتنوين ونصب غيب والمعنى أنه عالم بكل شىء ومن ذلك أعمال لا تخفى عليه منها خافية فلو ردكم إلى الدنيا لم تعملوا صالحا كما قال سبحانه ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( ) إنه عليم بذات الصدور ( تعليل لما قبله لأنه إذا علم مضمرات الصدور وهى أخفى من كل شىء علم ما فوقها بالأولى وقيل هذه الجملة مفسرة للجملة الأولى
فاطر : ( 39 ) هو الذي جعلكم . . . . .
) هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ( أى جعلكم أمة خالفة لمن قبلها قال قتادة خلفا بعد خلف وقرنا بعد قرن والخلف هو التالى للمتقدم وقيل جعلكم خلفاءه فى أرضه ) فمن كفر ( منكم هذه النعمة فعليه كفره أى عليه ضرر كفره لا يتعداه إلى غيره ) ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ( أى غضبا وبغضا ) ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ( أى نقصا وهلاكا والمعنى أن الكفر لا ينفع عند الله حيث لا يزيدهم إلا المقت ولا ينفعهم فى أنفسهم حيث لا يزيدهم إلا الخسار
فاطر : ( 40 ) قل أرأيتم شركاءكم . . . . .
ثم أمره سبحانه أن يوبخهم ويبكتهم فقال ) قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله ( أى أخبرونى عن الشركاء الذين اتخذتموهم آلهة وعبدتموهم من دون الله وجملة ) أروني ماذا خلقوا من الأرض ( بدل اشتمال من أرأيتم والمعنى أخبرونى عن شركائكم أروني أى شىء خلقوا من الأرض وقيل إن الفعلان وهما أرأيتم وأرونى من باب التنازع وقد أعمل الثانى على ما هو اختيار البصريين ) أم لهم شرك في السماوات ( أى أم لهم شركة مع الله فى خلقها أو ملكها أو التصرف فيها حتى يستحقوا بذلك الشركة في الإلهية ) أم آتيناهم كتابا ( أى أم أنزلنا عليهم كتابا بالشركة ) فهم على بينة منه ( أى على حجة ظاهرة واضحة من ذلك الكتاب قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم بينة بالتوحيد وقرأ الباقون بالجمع قال مقاتل يقول هل أعطينا كفار مكة كتابا فهم على بيان منه بأن مع الله شريكا ثم أضرب سبحانه عن هذا إلى غيره فقال ) بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا ( أى ما يعد الظالمون بعضهم بعضا كما يفعله الرؤساء والقادة من المواعيد لأتباعهم إلا غرورا يغرونهم به ويزينونه لهم وهو الأباطيل التى تغر ولا حقيقة لها وذلك قولهم إن هذه الالهة تنفعهم وتقربهم إلى الله وتشفع لهم عنده وقيل إن الشياطين تعد المشركين بذلك وقيل المراد بالوعد الذى يعد بعضهم بعضا هو أنهم ينصرون على المسلمين ويغلبونهم
فاطر : ( 41 ) إن الله يمسك . . . . .
وجملة ) إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ( مستأنفة لبيان قدرة الله سبحانه وبديع صنعه بعد بيان ضعف الأصنام وعدم قدرتها على شىء وقيل المعنى إن شركهم يقتضى زوال السموات والأرض قوله ) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا ( ) ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ( أى ما أمسكهما من أحد من بعد إمساكه أو من بعد زوالهما والجملة سادة مسد جواب القسم والشرط ومعنى لئلا تزولا أو كراهة أن تزولا قال الزجاج المعنى أن الله يمنع السموات والأرض من أن تزولا فلا حاجة إلى التقدير قال الفراء أى ولو زالتا ما أمسكهما من أحد قال وهو مثل قوله ) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ( وقيل المراد زوالهما يوم القيامة وجملة ) إنه كان حليما غفورا ( تعليل لما قبلها من إمساكه تعالى للسموات والأرض
فاطر : ( 42 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ( المراد قريش أقسموا قبل أن يبعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا القسم حيث بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم ومعنى ) من إحدى الأمم ( يعنى المكذبة للرسل والنذير


"""""" صفحة رقم 356 """"""
النبى والهدى الاستقامة وكانت العرب تتمنى أن يكون منهم رسول كما كان الرسل فى بنى إسرائيل فلما جاءهم ما تمنوه وهو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذى هو أشرف نذير وأكرم مرسل وكان من أنفسهم ما زادهم مجيئه إلا نفورا منهم عنه وتباعدا عن إجابته
فاطر : ( 43 ) استكبارا في الأرض . . . . .
) استكبارا في الأرض ( أى لأجل الاستكبار والعتو و لأجل مكر السيء أى مكر العمل السيىء أو مكروا المكر السيء والمكر هو الحيلة والخداع والعمل القبيح وأضيف إلى صفته كقوله مسجد الجامع وصلاة الأولى وأنث إحدى لكون أمة مؤنثة كما قال الأخفش وقيل المعنى من إحدى الأمم على العموم وقيل من الأمة التى يقال لها إحدى الأمم تفضيلا لها قرأ الجمهور ومكر السيء بخفض همزة السيء وقرأ الأعمش وحمزة بسكونها وصلا وقد غلط كثير من ا النحاة هذه القراءة ونزهوا الأعمش على جلالته أن يقرأ بها قالوا وإنما كان يقف بالسكون فغلط من روى عنه أنه كان يقرأ بالسكون وصلا وتوجيه هذه القراءة ممكن بأن من قرأ بها أجرى الوصل مجرى الوقف كما فى قول الساعر فاليوم أشرب غير مستحقب
إنما من الله ولا واغل
بسكون الباء من أشرب ومثله قراءة من قرأ وما يشعركم بسكون الراء ومثل ذلك قراءة أبى عمرو إلى بارئكم بسكون الهمزة وغير ذلك كثير قال أبو على الفارسى هذا على إجراء الوصل مجرى الوقف وقرأ ابن مسعود ومكرا سيئا ) ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ( أى لا تنزل عاقبة السوء إلا بمن أساء قال الكلبى يحيق بمعنى يحيط والحوق الإحاطة يقال حاق به كذا إذا أحاط به وهذا هو الظاهر من معنى يحيق فى لغة العرب ولكن قطرب فسره هنا بينزل وانشد وقد رفعوا المنية فاستقلت
ذراعا بعد ما كانت تحيق
أى تنزل ) فهل ينظرون إلا سنة الأولين ( أى فهل ينتظرون إلا سنة الأولين أى سنة الله فيهم بأن ينزل بهؤلاء العذاب كما نزل بأولئك ) فلن تجد لسنة الله تبديلا ( أى لايقدر أحد أن يبدل سنة الله التى سنها بالأمم المكذبة من إنزال عذابه بهم بأن يضع موضعه غيره بدلا عنه ) ولن تجد لسنة الله تحويلا ( بأن يحول ما جرت به سنة الله من العذاب فيدفعه عنهم ويضعه على غيرهم ونفى وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفى وجودهما
فاطر : ( 44 ) أو لم يسيروا . . . . .
) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ( هذه الجملة مسوقة لتقرير معنى ما قبلها وتأكيده أى ألم يسيروا فى الأرض فينظروا ما أنزلنا بعاد وثمود ومدين وأمثالهم من العذاب لما كذبوا الرسل فإن ذلك هو من سنة الله فى المكذبين التى لا تبدل ولا تحول وآثار عذابهم وما أنزل الله بهم موجودة فى مساكنهم ظاهرة فى منازلهم و الحال أن أولئك ) كانوا أشد منهم قوة ( وأطول أعمارا وأكثر أموالا وأقوى أبدانا ) وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض ( أى ما كان ليسبقه ويفوته من شىء من الأشياء كائنا ما كان فيهما ) إنه كان عليما قديرا ( أى كثير العلم وكثير القدرة لا يخفى عليه شىء ولا يصعب عليه أمر
فاطر : ( 45 ) ولو يؤاخذ الله . . . . .
) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ( من الذنوب وعملوا من الخطايا ما ترك على ظهرها أى الأرض من دابة من الدواب التى تدب كائنة ما كانت أما بنو آدم فلذنوبهم وأما غيرهم فلشؤم معاصى بنى آدم وقيل المراد ما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب من بنى آدم والجن وقد قال بالأول ابن مسعود وقتادة وقال بالثانى الكلبى وقال ابن جريج والأخفش والحسين ابن الفضل أراد بالدابة هنا الناس وحدهم دون غيرهم ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( وهو يوم القيامة فإذا


"""""" صفحة رقم 357 """"""
جاء أجلهم ) فإن الله كان بعباده بصيرا ( أى بمن يستحق منهم الثواب ومن يستحق منهم العقاب والعامل فى إذا هو جاء لا بصيرا وفى هذا تسلية للمؤمنين ووعيد للكافرين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى السنن عن ابن عباس فى قوله ) أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ( قال ستين سنة وأخرج الحكيم الترمذى فى نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عنه أن النبى صلى اله عليه وآله وسلم قال إذا كان يوم القيامة قيل أين أبناء الستين وهو العمر الذى قال الله أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وفى إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومى وفيه مقال وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخارى والنسائى والبزار وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقى عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعذر الله إلى امرىء أخر عمره حتى بلغ ستين سنة وأخرج عبد بن حميد والطبرانى والحاكم وابن مردويه عن سهل بن سعد مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير عن على بن أبى طالب قال العمر الذى عيرهم الله به ستون سنة وأخرج الترمذى وابن ماجه والحاكم وابن المنذر والبيهقى عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك قال الترمذى بعد إخراجه حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ثم أخرجه فى موضع آخر من كتاب الزهد وقال هذا حديث حسن غريب من حديث أبى صالح عن أبى هريرة وقد روى من غير وجه عنه وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى هذه الآية قال هو ست وأربعون سنة وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال العمر الذى أعذر الله إلى ابن آدم فيه بقوله ) أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ( أربعون سنة وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن أبى حاتم والدارقطنى فى الإفراد وابن مردويه والبيهقى فى الأسماء والصفات والخطيب فى تاريخه عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول على المنبر قال وقع فى نفس موسى هل ينام الله عز وجل فأرسل الله إليه ملكا فأرقه ثلاثا وأعطاه قارورتين فى كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى حتى نام نومة فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان قال ضرب الله له مثلا إن الله تبارك وتعالى لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض وأخرجه ابن أبى حاتم من طريق عبد الله بن سلام أن موسى قال يا جبريل هل ينام ربك فذكر نحوه وأخرج أبو الشيخ فى العظمة والبيهقى عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه أن موسى فذكر نحوه وأخرج الفريابى وابن المنذر والطبرانى والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال إنه كاد الجعل ليعذب فى جحره بذنب ابن آدم ثم قرأ ) ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ( الآية


"""""" صفحة رقم 358 """"""
ع36
تفسير
سورة يس
هى ثلاث وثمانون آية
حول السورة
وهى مكية قال القرطبى بالإجماع إلا أن فرقة قالت ) ونكتب ما قدموا وآثارهم ( نزلت فى بنى سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسيأتى بيان ذلك وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال سورة يس نزلت بمكة وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله وأخرج الدرامى والترمذى ومحمد بن نصر والبيهقى فى الشعب عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن لكل شىء قلبا وقلب القرآن يس من قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حميد بن عبد الرحمن وفى إسناده هارون أبو محمد وهو شيخ مجهول وفى الباب عن أبى بكر ولا يصح لضعف إسناده وأخرج البزار من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن لكل شىء قلبا وقلب القرآن يس ثم قال بعد إخراجه لا نعلم رواه إلا زيد عن حميد يعنى زيد بن الخباب عن حميد المكى مولى آل علقمة وأخرج الدرامى وأبو يعلى والطبرانى فى الأوسط وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن أبى هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ يس فى ليلة ابتغاء وجه الله غفر له فى تلك الليلة قال ابن كثير إسناده جيد وأخرج ابن حبان والضياء عن جندب بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ يس فى ليلة ابتغاء وجه الله غفر له وإسناده فى صحيح ابن حبان هكذا حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف حدثنا الوليد بن شجاع بن الوليد الكوبى حدثنا أبى حدثنا زياد بن خيثمة حدثنا محمد ابن جحادة عن الحسن عن جندب بن عبد الله قال قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجه ومحمد بن نصر وابن حبان والطبرانى والحاكم والبيهقى فى الشعب عن معقل بن يسار أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يس قلب القرآن لا يقرؤها عبد يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له ما تقدم من ذنبه فاقرءوها على موتاكم وقد ذكر له أحمد إسنادين أحدهما فيه مجهول والآخر ذكر فيه عن أبى عثمان وقال وليس بالنهدى عن أبيه عن معقل وأخرج سعيد بن منصور والبيهقى عن حسان بن عطية أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قرأ يس فكأنما قرأ القرآن عشر مرات وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والخطيب والبيهقى عن أبى بكر الصديق قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سورة يس تدعى فى التوراة المعممة نعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة تكابد عنه بلوى الدنيا والآخرة وتدفع عنه أهاويل الآخرة وتدعى الدافعة والقاضية تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضى له كل حاجة من قرأها عدلت عشرين حجة ومن سمعها عدلت له ألف دينار فى سبيل الله ومن كتبها ثم شربها أدخلت جوفه ألف دواء وألف نور وألف يقين وألف بركة وألف رحمة ونزعت عنه كل غل وداء قال البيهقى تقرب به عبد الرحمن بن أبى بكر الجدعانى عن سليمان بن رافع الجندى وهو منكر قلت وهذا الحديث هو الذى تقدمت الإشارة من الترمذى إلى ضعف إسناده ولا يبعد أن يكون موضوعا فهذه الألفاظ كلها منكرة بعيدة من كلام من أوتى جوامع الكلم


"""""" صفحة رقم 359 """"""
وقد ذكره الثعلبى من حديث عائشة وذكره الخطيب من حديث أنس وذكر نحوه الخطيب من حديث على بأخصر منه وأخرج البزار عن ابن عباس قال قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى سورة يس لوددت أنها فى قلب كل إنسان من أمتى وإسناده هكذا قال حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج الطبرانى وابن مردويه قال السيوطى بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من داوم على قراءة يس كل ليلة ثم مات مات شهيدا وأخرج الدارمى عن ابن عباس قال من قرأ يس حين يصبح أعطى يسر يومه حتى يمسى ومن قرأها في صدر ليلته أعطى يسر ليلته حتى يصبح
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يس ( 1 12 )
يس : ( 1 ) يس
قوله ) يس ( قرأ الجمهور بسكون النون وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص وقالون وورش بإدغام النون فى الواو الذى بعدها وقرأ عيسى بن عمر بفتح النون وقرأ ابن عباس وابن أبى إسحاق ونصر بن عاصم بكسرها فالفتح على البناء أو على أنه مفعول فعل مقدر تقديره اتل يس والكسر على البناء أيضا كجير وقيل الفتح والكسر للفرار من التقاء الساكنين وأما وجه قراءة الجمهور بالسكون للنون فلكونها مسرودة على نمط التعديد فلا حظ لها من الإعراب وقرأ هارون الأعور ومحمد بن السميفع والكلبى بضم النون على البناء كمنذ وحيث وقط وقيل على أنها خبر مبتدأ محذوف أى هذه يس ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث
واختلف فى معنى هذه اللفظة فقيل معناها يا رجل أو يا إنسان قال ابن الأنبارى الوقف على يس حسن لمن قال هو افتتاح للسورة ومن قال معناه يا رجل لم يقف عليه وقال سعيد بن جبير وغيره هو اسم من أسماء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) دليله ) إنك لمن المرسلين ( ومنه قول السعد الحميرى يا نفس لا تمحضى بالنصح جاهدة
على المودة إلا آل ياسين
ومنه قوله ) سلام على إل ياسين ( أى على آل محمد وسيأتى فى الصافات ما المراد بآل ياسين قال الواحدى


"""""" صفحة رقم 360 """"""
قال ابن عباس والمفسرون يريد يا إنسان يعنى محمدا صلى اله عليه وآله وسلم وقال أبو بكر الوراق معناه يا سيد البشر وقال مالك هو اسم من أسماء الله تعالى روى ذلك عنه أشهب وحكى أبو عبد الرحمن السلمى عن جعفر الصادق أن معناه يا سيد وقال كعب هو قسم أقسم الله به ورجح الزجاج أن معناه يا محمد
واختلفوا هل هو عربى أو غير عربى فقال سعيد بن جبير وعكرمة حبشى وقال الكلبى سريانى تكلمت به العرب فصار من لغتهم وقال الشعبى هو بلغة طى وقال الحسن هو بلغة كلب وقد تقدم فى طه وفى مفتتح سورة البقرة ما يغنى عن التطويل ها هنا
يس : ( 2 ) والقرآن الحكيم
) والقرآن الحكيم ( بالجر على أنه مقسم به ابتداء وقيل هو معطوف على يس على تقدير كونه مجرورا بإضمار القسم قال النقاش لم يقسم الله لأحد من أنبيائه بالرسالة فى كتابه إلا لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) تعظيما له وتمجيدا والحكيم المحكم الذى لا يتناقض ولا يتخالف أو الحكيم قائله
يس : ( 3 ) إنك لمن المرسلين
وجواب القسم ) إنك لمن المرسلين ( وهذا رد على من أنكر رسالته من الكفار بقولهم ) لست مرسلا )
يس : ( 4 ) على صراط مستقيم
وقوله ) على صراط مستقيم ( خبر آخر لإن أى إنك على صراط مستقيم والصراط المستقيم الطريق القيم الموصل إلى المطلوب قال الزجاج على طريقة الأنبياء الذين تقدموك ويجوز أن يكون فى محل نصب على الحال
يس : ( 5 ) تنزيل العزيز الرحيم
) تنزيل العزيز الرحيم ( قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر برفع تنزيل على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو تنزيل ويجوز أن يكون خبرا لقوله يس إن جعل اسما للسورة وقرأ الباقون بالنصب على المصدرية أى نزل الله ذلك تنزيل العزيز الرحيم والمعنى أن القرآن تنزيل العزيز الرحيم وقيل المعنى إنك يا محمد تنزيل العزيز الرحيم والأول أولى وقيل هو منصوب على المدح على قراءة من قرأ بالنصب وعبر سبحانه عن المنزل بالمصدر مبالغة حتى كأنه نفس التنزيل وقرأ أبو حيوة والترمذى وأبو جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة تنزيل بالجر على النعت للقرآن أو البدل منه
يس : ( 6 ) لتنذر قوما ما . . . . .
واللام فى ) لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم ( يجوز أن تتعلق بتنزيل أو بفعل مضمر يدل عليه من المرسلين أي أرسلناك لتنذر وما فى ) ما أنذر آباؤهم ( هى النافية أى لم ينذر آباؤهم ويجوز أن تكون موصولة أو موصوفة أى لتنذر قوما الذى أنذره آباؤهم أو لتنذرهم عذابا أنذره آباؤهم ويجوز أن تكون مصدرية أى إنذار آبائهم وعلى القول بأنها نافية يكون المعنى ما أنذر آباؤهم برسول من أنفسهم ويجوز أن يراد من أنذر آباؤهم الأقربون لتطاول مدة الفترة وقوله ) فهم غافلون ( متعلق بنفى الإنذار على الوجه الأول أى لم ينذر آباؤهم فهم بسبب ذلك غافلون وعلى الوجوه الآخرة متعلق بقوله لتنذر أى فهم غافلون عما أنذرنا به آباءهم وقد ذهب أكثر أهل التفسر إلى أن المعنى على النفى وهو الظاهر من النظم لترتيب فهم غافلون على ما قبله
يس : ( 7 ) لقد حق القول . . . . .
واللام فى قوله ) لقد حق القول على أكثرهم ( هى الموطئة للقسم أى والله لقد حق القول على أكثرهم ومعنى حق ثبت ووجب القول أى العذاب على أكثرهم أى أكثر أهل مكة أو أكثر الكفار على الإطلاق أو أكثر كفار العرب وهم من مات على الكفر وأصر عليه طول حياته فيتفرع قوله ) فهم لا يؤمنون ( على ما قبله بهذا الاعتبار أى لأن الله سبحانه قد علم منهم الإصرار على ما هم فيه من الكفر والموت عليه وقيل المراد بالقول المذكور هنا هو قوله سبحانه ) فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك )
يس : ( 8 ) إنا جعلنا في . . . . .
وجملة ) إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ( تقرير لما قبلها مثلت حالهم بحال الذين علت أعناقهم فهى أى الأغلال منتهية إلى الأذقان فلا يقدرون عند ذلك على الالتفات ولا يتمكنون من عطفها وهو معنى قوله ) فهم مقمحون ( أى رافعون رءوسهم غاضون أبصارهم قال الفراء والزجاج المقمح الغاض بصره بعد رفع رأسه ومعنى الإقماح رفع الرأس وغض البصر يقال أقمح البعير رأسه وقمح إذا رفع رأسه ولم يشرب الماء


"""""" صفحة رقم 361 """"""
قال الأزهرى أراد الله أن أيديهم لما غلت عند أعناقهم رفعت الأغلال إلى أذقانهم ورءوسهم صعداء فهم مرفوعو الرؤوس برفع الأغلال إياها وقال قتادة معنى مقمحون مغلولون والأول أولى ومنه قول الشاعر ونحن على جوانبها قعود
نغض الطرف كالإبل القماح
قال الزجاج قيل للكانونين شهرا قماح لأن الإبل إذا وردت الماء رفعت رءوسها لشدة البرد وأنشد قول أبى الهذلى فتى ما ابن الأغر إذا استوينا
وجب الزاد فى شهرى قماح
قال أبو عبيدة قمح البعير إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب وقال أبو عبيدة أيضا هو مثل ضربة الله لهم في امتناعهم عن الهدى كامتناع المغلول كما يقال فلان حمار أى لا يبصر الهدى وكما قال الشاعر لهم عن الرشد أغلال وأقياد
وقال الفراء هذا ضرب مثل أى حبسناهم عن الإنفاق فى سبيل الله وهو كقوله ) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ( وبه قال الضحاك وقيل الآية إشارة إلى ما يفعل بقوم فى النار من وضع الأغلال فى أعناقهم كما قال تعالى ) إذ الأغلال في أعناقهم ( وقرأ ابن عباس ? إنا جعلنا فى أيمانهم أغلالا ? قال الزجاج أى فى أيديهم قال النحاس وهذه القراءة تفسير ولا يقرأ بما خالف المصحف قال وفى الكلام حذف على قراءة الجماعة التقدير إنا جعلنا فى أعناقهم وفى أيديهم أغلالا فهى إلى الأذقان فلفظ هى كناية عن الأيدى لا عن الأعناق والعرب تحذف مثل هذا ونظيره سرابيل تقيكم الحر وتقديره وسرابيل تقيكم البرد لأن ما وقى من الحر وقى من البرد لأن الغل إذا كان فى العنق فلا بد أن يكون فى اليد ولا سيما وقد قال الله ) فهي إلى الأذقان ( فقد علم أنه يراد به الأيدي فهم مقمحون أى رافعوا رءوسهم لا يستطيعون الإطراق لأن من غلت يداه إلى ذقنه ارتفع رأسه وروى عن ابن عباس أنه قرأ ? إنا جعلنا فى أيديهم أغلالا ? وعن ابن مسعود أنه قرأ ? إنا جعلنا فى أيمانهم أغلالا ? كما روى سابقا من قراءة ابن عباس
يس : ( 9 ) وجعلنا من بين . . . . .
) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ( أى منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد والسد بضم السين وفتحها لغتان ومن هذا المعنى فى الآية قول الشاعر
ومن الحوادث لا أبالك أننى ضربت على الأرض بالأسداد
لا أهتدى فيها لموضع تلعة بين العذيب وبين أرض مراد
) فأغشيناهم ( أى غطينا أبصارهم ) فهم ( بسبب ذلك ) لا يبصرون ( أى لا يقدرون على إبصار شىء قال الفراء فألبسنا أبصارهم غشوة أى عمى فهم لا يبصرون سبيل الهدى وكذا قال قتادة إن المعنى لا يبصرون الهدى وقال السدى لا يبصرون محمدا حين ائتمروا على قتله وقال الضحاك وجعلنا من بين أيديهم سدا أى الدنيا ومن خلفهم سدا أى الآخرة فأغشيناهم فهم لا يبصرون أي عموا عن البعث وعموا عن قبول الشرائع في الدنيا وقيل ما بين أيديهم الأخرة وما خلفهم الدنيا وقرأ الجمهور بالغين المعجمة أى غطينا أبصارهم فهو على حذف مضاف وقرأ ابن عباس وعمر بن عبد العزيز والحسن ويحيى بن يعمر وأبو رجاء وعكرمة بالعين المهملة من العشا وهو ضعف البصر ومنه ) ومن يعش عن ذكر الرحمن )
يس : ( 10 ) وسواء عليهم أأنذرتهم . . . . .
) وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( أى إنذارك إياهم وعدمه سواء قال الزجاج أى من أضله الله هذا الإضلا لم ينفعه الإنذار
يس : ( 11 ) إنما تنذر من . . . . .
إنما ينفع الإنذار من ذكر فى قوله ) إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ( أى اتبع القرآن وخشى الله فى الدنيا وجملة


"""""" صفحة رقم 362 """"""
لا يؤمنون مستأنفة مبينة لما قبلها من الاستواء أو فى محل نصب على الحال أو بدل وبالغيب فى محل نصب على الحال من الفاعل أو المفعول ) فبشره بمغفرة وأجر كريم ( أى بشر هذا الذى اتبع الذكر وخشى الرحمن بالغيب بمغفرة عظيمة وأجر كريم أى حسن وهو الجنة
يس : ( 12 ) إنا نحن نحيي . . . . .
ثم أخبر سبحانه بإحيائه الموتى فقال ) إنا نحن نحيي الموتى ( أى نبعثهم بعد الموت وقال الحسن والضحاك أى نحييهم بالإيمان بعد الجهل والأول أولى ثم توعدهم بكتب آثارهم فقال ) ونكتب ما قدموا ( أى أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة وآثارهم أى ما أبقوه من الحسنات التى لا ينقطع نفعها بعد الموت كمن سن سنة حسنة أو نحو ذلك أو السيئات التى تبقى بعد موت فاعلها كمن سن سنة سيئة قال مجاهد وابن زيد ونظيره قوله ) علمت نفس ما قدمت وأخرت ( وقوله ) ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ( وقيل المراد بالآية آثار المشائين إلى المساجد وبه قال جماعة من الصحابة والتابعين قال النحاس وهو أولى ما قيل فى الآية لأنها نزلت فى ذلك ويجاب عنه بأن الاعتبار بعموم الآية لا بخصوص سببها وعمومها يقتضى كتب جميع آثار الخير والشر ومن الخير تعليم العليم وتصنيفه والوقف على القرب وعمارة المساجد والقناطر ومن الشر ابتداع المظالم وإحداث ما يضر بالناس ويتقدى به أهل الجور ويعملون عليه من مكس أو غيره ولهذا قال سبحانه ) وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ( أى وكل شيء من أعمال العباد وغيرها كائنا ما كان فى إمام مبين أى كتاب مقتدى به موضح لكل شىء قال مجاهد وقتادة وابن زيد أراد اللوح المحفوظ وقالت فرقة أراد صحائف الأعمال قرأ الجمهور ونكتب على البناء للفاعل وقرأ زر ومسروق على البناء للمفعول وقرأ الجمهور ? كل شىء أحصيناه ? بنصب كل على الاشتغال وقرأ أبو السمأل بالرفع على الابتداء
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود وابن عباس قوله ) يس ( قالا يا محمد وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طرق عن ابن عباس فى قوله ) يس ( قال يا إنسان وأخرج عبد بن حميد عن الحسن والضحاك وعكرمة مثله وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس قال كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ فى المسجد فيجهر بالقراءة حتى تأذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم وإذا هم عمى لا يبصرون فجاءوا إلى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا ننشدك الله والرحم يا محمد قال ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبى ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم قرابة فدعا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت ) يس ( ) والقرآن الحكيم ( إلى قوله ) أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( قال فلم يؤمن من ذلك النفر أحد وفى الباب روايات فى سبب نزول ذلك هذه الرواية أحسنها وأقربها إلى الصحة وأخرج ابن أبى حاتم عنه قال الأغلال ما بين الصدر إلى الذقن ) فهم مقمحون ( كما تقمح الدابة باللجام وأخرج ابن مردويه عنه أيضا فى قوله ) وجعلنا من بين أيديهم سدا ( الآية قال كانوا يمرون على النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فلا يرونه وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال اجتمعت قريش بباب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ينتظرون خروجه ليؤذوه فشق ذلك عليه فأتاه جبريل بسورة يس وأمره بالخروج عليهم فأخذ كفا من تراب وخرج وهو يقرؤها ويذر التراب على رءوسهم فما رأوه حتى جاز فجعل أحدهم يلمس رأسه فيجد التراب وجاء بعضهم فقال ما يجلسكم قالوا ننتظر محمدا فقال لقد رأيته داخلا المسجد قال قوموا فقد سحركم وأخرج عبد الرزاق والترمذى وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن أبى سعيد الخدرى قال كان بنو سلمة فى ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فأنزل الله ) إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم (


"""""" صفحة رقم 363 """"""
فدعاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إنه يكتب آثاركم ثم قرأ عليهم الآية فتركوا وأخرج الفريابي وأحمد فى الزهد وعبد بن حميد وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر والطبرانى وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وفى صحيح مسلم وغيره من حديث جابر قال إن بنى سلمة أرادوا أن يبيعوا ديارهم ويتحولوا قريبا من المسجد فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا بنى سلمة دياركم تكتب آثاركم
سورة يس ( 13 27 )
يس : ( 13 ) واضرب لهم مثلا . . . . .
قوله ) واضرب لهم مثلا أصحاب القرية ( قد تقدم الكلام على نظير هذا فى سورة البقرة وسورة النمل والمعنى اضرب لأجلهم مثلا أو اضرب لأجل نفسك أصحاب القرية مثلا أى مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية فعلى الأول لما قال تعالى ) إنك لمن المرسلين ( وقال ) لتنذر قوما ( قال قل لهم ما أنا بدعا من الرسل فإن قبلى بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون وأنذروهم بما أنذرتكم وذكروا التوحيد وخوفوا بالقيامة وبشروا بنعيم دار الإقامة وعلى الثانى لما قال إن الإنذار لا ينفع من أضله الله وكتب عليه أنه لا يؤمن قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) اضرب لنفسك ولقومك مثلا أى مثل لهم عند نفسك مثلا بأصحاب القرية حيث جاءهم ثلاثة رسل ولم يؤمنوا وصبر الرسل على الإيذاء وأنت جئت إليهم واحدا وقومك أكثر من قوم الثلاثة فإنهم جاءوا إلى أهل القرية وأنت بعثتك إلى الناس كافة والمعنى واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية أى اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية فترك المثل وأقيم أصحاب القرية مقامه فى الإعراب وقيل لا حاجة إلى الإضمار بل المعنى اجعل أصحاب القرية لهم مثلا على أن يكون مثلا وأصحاب القرية مفعولين لا ضرب أو يكون أصحاب القرية بدلا من مثلا وقد قدمنا الكلام على المفعول الأول من هذين المفعولين هل هو مثلا أو أصحاب القرية وقد قيل إن ضرب المثل يستعمل تارة فى تطبيق حالة غريبة بحالة أخرى مثلها كما فى قوله ) ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ( ويستعمل أخرى فى ذكر حالة غريبة وبيانها للناس من غير قصد إلى تطبيقها


"""""" صفحة رقم 364 """"""
بنظيره لها كما فى قوله ) وضربنا لكم الأمثال ( أى بينا لكم أحوالا بديعة غريبة هى فى الغرابة كالأمثال فى قوله سبحانه هنا ) واضرب لهم مثلا ( يصح اعتبار الأمرين فيه قال القرطبى هذه القرية هى إنطاكية فى قول جميع المفسرين وقوله ) إذ جاءها المرسلون ( بدل اشتمال من أصحاب القرية والمرسلون هم أصحاب عيسى بعثهم إلى أهل إنطاكية للدعاء إلى الله
يس : ( 14 ) إذ أرسلنا إليهم . . . . .
فأضاف الله سبحانه الإرسال إلى نفسه فى قوله ) إذ أرسلنا إليهم اثنين ( لأن عيسى أرسلهم بأمر الله سبحانه ويجوز أن يكون الله أرسلهم بعد رفع عيسى إلى السماء فكذبوهما فى الرسالة وقيل ضربوهما وسجنوهما قيل واسم الاثنين يوحنا وشمعون وقيل أسماء الثلاثة صادق ومصدوق وشلوم قال ابن جرير وغيره وقيل سمعان ويحيى وبولس ) فعززنا بثالث ( قرأ الجمهور بالتشديد وقرأ أبو بكر عن عاصم بتخفيف الزاى قال الجوهرى فعززنا يخفف ويشدد أى قوينا وشددنا فالقراءتان على هذا بمعنى وقيل التخفيف بمعنى غلبنا وقهرنا ومنه ) وعزني في الخطاب ( والتشديد بمعنى قوينا وكثرنا قيل وهذا الثالث هو شمعون وقيل غيره ) فقالوا إنا إليكم مرسلون ( أى قال الثلاثة جميعا وجاءوا بكلامهم هذا مؤكدا لسبق التكذيب للاثنين والتكذيب لهما تكذيب للثالث لأنهم أرسلوا جميعا بشىء واحد وهو الدعاء إلى الله عز وجل وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ما قال هؤلاء الرسل بعد التعزيز لهم بثالث
يس : ( 15 ) قالوا ما أنتم . . . . .
وكذلك جملة قالوا ) ما أنتم إلا بشر مثلنا ( فإنها مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فما قال لهم أهل إنطاكية فقيل قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا أى مشاركون لنا فى البشرية فليس لكم مزية علينا تختصون بها ثم صرحوا بجحود إنزال الكتب السماوية فقالوا ) وما أنزل الرحمن من شيء ( مما تدعونه أنتم ويدعيه غيركم ممن قبلكم من الرسل وأتباعهم ) إن أنتم إلا تكذبون ( أى ما أنتم إلا تكذبون فى دعوى ما تدعون من ذلك
يس : ( 16 ) قالوا ربنا يعلم . . . . .
فأجابوهم بإثبات رسالتهم بكلام مؤكد تأكيدا بليغا لتكرر الإنكار من أهل أنطاكية وهو قولهم ) ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ( فأكدوا الجواب بالقسم الذى يفهم من قولهم ربنا يعلم وبإن وباللام
يس : ( 17 ) وما علينا إلا . . . . .
) وما علينا إلا البلاغ المبين ( أي ما يجب علينا من جهة ربنا إلا تبليغ رسالته على وجه الظهور والوضوح وليس علينا غير ذلك وهذه الجملة مستأنفة كالتى قبلها
يس : ( 18 ) قالوا إنا تطيرنا . . . . .
وكذلك جملة ) قالوا إنا تطيرنا بكم ( فإنها مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر أى إنا تشاءمنا بكم لم تجدوا جوابا تجيبون به على الرسل إلا هذا الجواب المبنى على الجهل المنبىء عن الغباوة العظيمة وعدم وجود حجة تدفعون الرسل بها قال مقاتل حبس عنهم المطر ثلاث سنين قيل إنهم أقاموا ينذرونهم عشر سنين ثم رجعوا إلى التجبر والتكبر لما ضاقت صدورهم وأعيتهم العلل فقالوا ) لئن لم تنتهوا لنرجمنكم ( أى لئن لم تتركوا هذه الدعوى وتعرضوا عن هذه المقالة لنرجمنكم بالحجارة ) وليمسنكم منا عذاب أليم ( أى شديد فظيع قال الفراء عامة ما فى القرآن من الرجم المراد به القتل وقال قتادة هو على بابه من الرجم بالحجارة قيل ومعنى العذاب الأليم القتل وقيل الشتم وقيل هو التعذيب المؤلم من غير تقييد بنوع خاص وهذا هو الظاهر
يس : ( 19 ) قالوا طائركم معكم . . . . .
ثم أجاب عليهم الرسل دفعا لما زعموه من التطير بهم فقالوا طائركم معكم أى شؤمكم معكم من جهة أنفسكم لازم فى أعناقكم وليس هو من شؤمنا قال الفراء طائركم معكم أى رزقكم وعملكم وبه قال قتادة قرأ الجمهور طائركم اسم فاعل أى ما طار لكم من الخير والشر وقرأ الحسن اطيركم أى تطيركم ) أئن ذكرتم ( قرأ الجمهور من السبعة وغيرهم بهمزة استفهام بعدها إن الشرطية على الخلاف بينهم فى التسهيل والتحقيق وإدخال ألف بين الهمزتين وعدمه وقرأ أبو جعفر وزر بن حبيش وابن السميفع وطلحة بهمزتين مفتوحتين وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر والحسن أين بفتح الهمزة وسكون الباء على صيغة الظرف


"""""" صفحة رقم 365 """"""
واختلف سيبويه ويونس إذا اجتمع استفهام وشرط أيهما يجاب فذهب سيبويه إلى أنه يجاب الاستفهام وذهب يونس إلى أنه يجاب الشرط وعلى القولين فالجواب هنا محذوف أى أئن ذكرتم فطائركم معكم لدلالة ما تقدم عليه وقرأ الماجشون أن ذكرتم بهمزة مفتوحة أى لأن ذكرتم ثم أضربوا عما يقتضيه الاستفهام والشرط من كون التذكير سببا للشؤم فقالوا ) بل أنتم قوم مسرفون ( أى ليس الأمر كذلك بل أنتم قوم عادتكم الإسراف فى المعصية قال قتادة مسرفون فى تطيركم وقال يحيى بن سلام مسرفون فى كفركم وقال ابن بحر السرف هنا الفساد والإسراف فى الأصل مجاوزة الحد فى مخالفة الحق
يس : ( 20 ) وجاء من أقصى . . . . .
) وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ( هو حبيب بن موسى النجار وكان نجارا وقيل إسكافا وقيل قصارا وقال مجاهد ومقاتل هو حبيب بن إسرائيل النجار وكان ينحت الأصنام وقال قتادة كان يعبد الله في غار فلما سمع بخبر الرسل جاء يسعى وجملة ) قال يا قوم اتبعوا المرسلين ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال لهم عند مجيئه فقيل قال يا قوم اتبعوا المرسلين هؤلاء الذين أرسلوا إليكم فإنهم جاءوا بحق
يس : ( 21 ) اتبعوا من لا . . . . .
ثم أكد ذلك وكرره فقال ) اتبعوا من لا يسألكم أجرا ( أى لا يسألونكم أجرا على ما جاءوكم به من الهدى ) وهم مهتدون ( يعنى الرسل
يس : ( 22 ) وما لي لا . . . . .
ثم أبرز الكلام فى معرض النصيحة لنفسه وهو يريد مناصحة قومه فقال ) وما لي لا أعبد الذي فطرني ( أى أى مانع من جانبى يمنعنى من عبادة الذى خلقنى ثم رجع إلى خطابهم لبيان أنه ما أراد نفسه بل أرادهم بكلامه فقال ) وإليه ترجعون ( ولم يقل إليه أرجع وفيه مبالغة فى التهديد
يس : ( 23 ) أأتخذ من دونه . . . . .
ثم عاد إلى المساق الأول لقصد التأكيد ومزيد الايضاح فقال ) أأتخذ من دونه آلهة ( فجعل الإنكار متوجها إلى نفسه وهم المرادون به أى لا أتخذ من دون الله آلهة وأعبدها وأترك عبادة من يستحق العبادة وهو الذى فطرنى ثم بين حال هذه الأصنام التى يعبدونها من دون الله سبحانه إنكارا عليهم وبيانا لضلال عقولهم وقصور إدراكهم فقال ) إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ( أى شيئا من النفع كائنا ما كان ) ولا ينقذون ( من ذلك الضر الذى أرادنى الرحمن به وهذه الجملة صفة لآلهة أو مستأنفة لبيان حالها فى عدم النفع والدفع وقوله ) لا تغن ( جواب الشرط وقرأ طلحة بن مصرف إن يردنى بفتح الياء
يس : ( 24 ) إني إذا لفي . . . . .
قال ) إني إذا لفي ضلال مبين ( أى إنى إذا اتخذت من دونه آلهة لفى ضلال مبين واضح وهذا تعريض بهم كما سبق والضلال الخسران
يس : ( 25 ) إني آمنت بربكم . . . . .
ثم صرح بإيمانه تصريحا لا يبقى بعده شك فقال ) إني آمنت بربكم فاسمعون ( خاطب بهذا الكلام المرسلين قال المفسرون أرادوا القوم قتله فأقبل هو على المرسلين فقال إنى آمنت بربكم أيها الرسل فاسمعون أى اسمعوا إيمانى واشهدوا لى به وقيل إنه خاطب بهذا الكلام قومه لما أرادوا قتله تصلبا فى الدين وتشددا فى الحق فلما قال هذا القول وصرح بالإيمان وثبوا عليه فقتلوه وقيل وطئوه بأرجلهم وقيل حرقوه وقيل حفروا له حفيرة وألقوه فيها وقيل إنهم لم يقتلوه بل رفعه الله إلى السماء فهو فى الجنة وبه قال الحسن وقيل نشروه بالمنشار
يس : ( 26 ) قيل ادخل الجنة . . . . .
) قيل ادخل الجنة ( أى قيل له ذلك تكريما له بدخولها بعد قتله كما هى سنة الله فى شهداء عباده وعلى قول من قال إنه رفع إلى السماء ولم يقتل يكون المعنى أنهم لما أرادوا قلته نجاه الله من القتل وقيل له ادخل الجنة فلما دخلها وشاهدها ) قال يا ليت قومي يعلمون )
يس : ( 27 ) بما غفر لي . . . . .
(بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ( والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر أي فماذا قال بعد أن قيل له ادخل الجنة فدخلها فقيل قال يا ليت قومى الخ وما فى ) بما غفر لي ( هى المصدرية أي بغفران ربى وقيل هى الموصولة أى بالذى غفر لى ربى والعائد محذوف أي غفره لى ربى واستضعف هذا لأنه لا معنى لتمنيه أن يعلم قومه بذنوبه المغفورة وليس المراد إلا التمنى منه بأن يعلم قومه بغفران ربه له وقال الفراء إنها استفهامية بمعنى التعجب كأنه قال بأى شىء غفر لى


"""""" صفحة رقم 366 """"""
ربى قال الكسائى لو صح هذا لقال بم من غير ألف ويجاب عنه بأنه ورد فى لغة العرب إثباتها وإن كان مكسورا بالنسبة إلى حذفها ومنه قول الشاعر على ما قام يشتمنى لئيم
كخنزير تمرغ فى دمان
وفى معنى تمنيه قولان أحدهما أنه تمنى أن يعلموا بحاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته إرغاما لهم وقيل إنه تمنى أن يعلموا بذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابى عن ابن عباس فى قوله ) واضرب لهم مثلا أصحاب القرية ( قال هى أنطاكية وأخرج ابن أبى حاتم عن بريده مثله وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال كان بين موسى بن عمران وبين عيسى ابن مريم ألف سنة وتسعمائة سنة ولم يكن بينهما فترة وأنه أرسل بينهما ألف نبى إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم وكان بين ميلاد عيسى والنبى ( صلى الله عليه وسلم ) خمسمائة سنة وتسع وستون سنة بعث فى أولها ثلاثة أنبياء وهو قوله ) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ( والذى عزز به شمعون وكان من الحواريين وكانت الفترة التى لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربع وثلاثون سنة وأخرج ابن المنذر عنه أيضا فى قوله ) طائركم معكم ( قال شؤمكم معكم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) وجاء من أقصى المدينة رجل ( قال هو حبيب النجار وأخرج ابن أبى حاتم عنه من وجه آخر قال اسم صاحب يس حبيب وكان الجذام قد أسرع فيه وأخرج الحاكم عن ابن مسعود قال لما قال صاحب يس ) يا قوم اتبعوا المرسلين ( خنقوه ليموت فالتفت إلى الأنبياء فقال ) إني آمنت بربكم فاسمعون ( أى فاشهدوا لى
سورة يس ( 28 40 )


"""""" صفحة رقم 367 """"""
يس : ( 28 ) وما أنزلنا على . . . . .
لما وقع ما وقع منهم مع حبيب النجار غضب الله له وعجل لهم النقمة وأهلكهم بالصيحة ومعنى ) وما أنزلنا على قومه من بعده ( أي على قوم حبيب النجار من بعد قتلهم له أو من بعد رفع الله له إلى السموات على الاختلاف السابق ) من جند من السماء ( لإهلاكهم وللانتقام منهم أى لم تحتج إلى إرسال جنود من السماء لإهلاكهم كما وقع ذلك للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر من إرسال الملائكة لنصرته وحرب أعدائه ) وما كنا منزلين ( أى وما صح فى قضائنا وحكمتنا أن ننزل لإهلاكهم جندا لسبق قضائنا وقدرنا بأن إهلاكهم بالصيحة لا بإنزال الجند وقال قتادة ومجاهد والحسن أي ما أنزلنا عليهم من رسالة من السماء ولا نبى بعد قتله وروى عن الحسن أنه قال هم الملائكة النازلون بالوحى على الأنبياء والظاهر أن معنى النظم القرآنى تحقير شأنهم وتصغير أمرهم أى ليسوا بأحقاء بأن ننزل لإهلاكهم جندا من السماء
يس : ( 29 ) إن كانت إلا . . . . .
بل أهلكناهم بصيحة واحدة كما يفيده قوله ) إن كانت إلا صيحة واحدة ( أى إن كانت العقوبة أو النقمة أو الأخذة إلا صيحة واحدة صاح بها جبريل فأهلكهم قال المفسرون أخذ جبريل بعضادتى باب المدينة ثم صاح بهم صيحة فإذا هم ميتون لا يسمع لهم حس كالنار إذا طفئت وهو معنى قوله ) فإذا هم خامدون ( أى قوم خامدون ميتون شبههم بالنار إذا طفئت لأن الحياة كالنار الساطعة والموت كخمودها قرأ الجمهور صيحة بالنصب على أن كان ناقصة واسمها ضمير يعود إلى ما يفهم من السياق كما قدمنا وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج ومعاذ القارى برفعها على أن كان تامة أى وقع وحدث وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث فى قوله إن كانت قال أبو حاتم فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال إن كان إلا صيحة وقدر الزجاج هذه القراءة بقوله كانت عليهم صيحة إلا صيحة واحدة وقدرها غيره ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة وقرأ عبد الله بن مسعود إن كانت إلا زقية واحدة والزقية الصيحة قال النحاس وهذا مخالف للمصحف وأيضا فإن فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح ومنه المثل أثقل من الزواقي فكان يجب على هذا أن تكون زقوة ويجاب عنه بما ذكره الجوهرى قال الزقو والزقى مصدر وقد زقا الصدا يزقو زقا أى صاح وكل صائح زاق والزقية الصيحة
يس : ( 30 ) يا حسرة على . . . . .
) يا حسرة على العباد ( قرأ الجمهور بنصب حسرة على أنها منادى منكر كأنه نادى الحسرة وقال لها هذا أوانك فاحضرى وقيل إنها منصوبة على المصدرية والمنادى محذوف والتقدير يا هؤلاء تحسروا حسرة وقرأ قتادة وأبى فى رواية عنه بضم حسرة على النداء قال الفراء فى توجيه هذه القراءة إن الإختيار النصب وإنها لو رفعت النكرة لكان صوابا واستشهد بأشياء نقلها عن العرب منها أنه سمع من العرب يامهتم بأمرنا لا تهتم وأنشد يا دار غيرها البلى تغييرا
قال النحاس وفى هذا إبطال باب النداء أو أكثره قال وتقدير ما ذكره يايها المهتم لا تهتم بأمرنا وتقدير البيت يا أيتها الدار وحقيقة الحسرة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيرا قال ابن جرير المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندما وتلهفا في استهزائهم برسل الله ويؤيد هذا قراءة ابن عباس وعلي بن الحسين يا حسرة العباد على الإضافة ورويت هذه القراءة عن أبى وقال الضحاك إنها حسرة الملائكة على الكفار حيث كذبوا الرسل وقيل هى من قول الرجل الذى جاء من أقصى المدينة وقيل إن القائل يا حسرة على العباد هم الكفار المكذبون والعباد الرسل وذلك أنهم لما رأوا العذاب تحسروا على قتلهم وتمنوا الإيمان قاله أبو العالية ومجاهد وقيل إن التحسر عليهم هو من الله عز وجل بطريق الاستعارة لتعظيم ماجنوه وقرأ ابن هرمز ومسلم ابن جندب وعكرمة وأبو الزناد يا حسرة بسكون الهاء إجراء للوصل مجرى الوقف وقرىء يا حسرتا كما قرىء بذلك فى سورة الزمر وجملة ) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ( مستأنفة مسوقة لبيان ما كانوا عليه


"""""" صفحة رقم 368 """"""
من تكذيب الرسل والاستهزاء بهم وأن ذلك هو سبب التحسر عليهم
يس : ( 31 ) ألم يروا كم . . . . .
ثم عجب سبحانه من حالهم حيث لم يعتبروا بأمثالهم من الأمم الخالية فقال ) ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون ( أى ألم يعلموا كثرة من أهلكنا قبلهم من القرون التى أهلكناها من الأمم الخالية وجملة ) أنهم إليهم لا يرجعون ( بدل من كم أهلكنا على المعنى قال سيبويه أن بدل من كم وهى الخبرية فلذلك جاز أن يبدل منها ما ليس باستفهام والمعنى ألم يروا أن القرون الذين أهلكناهم أنهم إليهم لا يرجعون وقال الفراء كل فى موضع نصب من وجهين أحدهما بيروا واستشهد على هذا بأنه فى قراءة ابن مسعود ? ألم يروا من أهلكنا ? والوجه الآخر أن تكون كم فى موضع نصب بأهلكنا قال النحاس القول الأول محال لأن كم لا يعمل فيها ما قبلها لأنها استفهام ومحال أن يدخل الاستفهام فى حيز ما قبله وكذا حكمها إذا كانت خبرا وإن كان سيبويه قد أومأ إلى بعض هذا فجعل أنهم بدلا من كم وقد رد ذلك المبرد أشد رد
يس : ( 32 ) وإن كل لما . . . . .
) وإن كل لما جميع لدينا محضرون ( أى محضرون لدينا يوم القيامة للجزاء قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة لما بتشديدها وقرأ الباقون بتخفيفها قال الفراء من شدد جعل لما بمعنى إلا وإن بمعنى ما أى ما كل إلا جميع لدينا محضرون ومعنى جميع مجموعون فهو فعيل بمعنى مفعول ولدينا ظرف له وأما على قراءة التخفيف فإن هى المخففة من الثقيلة وما بعدها مرفوع بالابتداء وتنوين كل عوض عن المضاف إليه وما بعده الخبر واللام هى الفارقة بين المخففة والنافية قال أبو عبيدة وما على هذه القراءة زائدة والتقدير عنده وإن كل لجميع وقيل معنى محضرون معذبون والأولى أنه على معناه الحقيقى من الإحضار للحساب
يس : ( 33 ) وآية لهم الأرض . . . . .
ثم ذكر سبحانه البرهان على التوحيد والحشر مع تعداد النعم وتذكيرها فقال ) وآية لهم الأرض الميتة ( فآية خبر مقدم وتنكيرها للتفخيم ولهم صفتها أو متعلقة بآية لأنها بمعنى علامة والأرض مبتدأ ويجوز أن تكون آية مبتدأ لكونها قد تخصصت بالصفة وما بعدها الخبر قرأ أهل المدينة الميتة بالتشديد وخففها الباقون وجملة ) أحييناها ( مستأنفة مبينة لكيفية كونها آية وقيل هى صفة للأرض فنبههم الله بهذا على إحياء الموتى وذكرهم نعمه وكمال قدرته فإنه سبحانه أحيا الأرض بالنبات وأخرج منها الحبوب التى يأكلونها ويتغذون بها وهو معنى قوله ) وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون ( وهو ما يقتاتونه من الحبوب وتقديم منه للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل وأكثر ما يقوم به المعاش
يس : ( 34 ) وجعلنا فيها جنات . . . . .
) وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب ( أى جعلنا فى الأرض جنات من أنواع النخل والعنب وخصصهما بالذكر لأنهما أعلى الثمار وأنفعها للعباد ) وفجرنا فيها من العيون ( أى فجرنا فى الأرض بعضا من العيون فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه أو المفعول العيون ومن مزيدة على رأى من جوز زيادتها فى الإثبات وهو الأخفش ومن وافقه والمراد بالعيون عيون الماء قرأ الجمهور فجرنا بالتشديد وقرأ جناح بن حبيش بالتخفيف والفجر والتفجير كالفتح والتفتيح لفظا ومعنى
يس : ( 35 ) ليأكلوا من ثمره . . . . .
واللام فى ) ليأكلوا من ثمره ( متعلق بجعلنا والضمير فى من ثمره يعود إلى المذكور من الجنات والنخيل وقيل هو راجع إلى ماء العيون لأن الثمر منه قال الجرجانى قرأ الجمهور ثمره بفتح الثاء والميم وقرأ حمزة والكسائى بضمهما وقرأ الأعمش بضم الثاء وإسكان الميم وقد تقدم الكلام فى هذا فى الأنعام وقوله ) وما عملته أيديهم ( معطوف على ثمره أى ليأكلوا من ثمره ويأكلوا مما عملته أيديهم كالعصير والدبس ونحوهما وكذلك ما غرسوه وحفروه على أن موصولة وقيل هى نافية والمعنى لم يعملوه بل العامل له هو الله أى وجدوها معمولة ولا صنع لهم فيها وهو قول الضحاك ومقاتل قرأ الجمهور عملته وقرأ الكوفيون عملت بحذف الضمير والاستفهام فى قوله ) أفلا يشكرون ( للتقريع والتوبيخ لهم لعدم شكرهم للنعم
يس : ( 36 ) سبحان الذي خلق . . . . .
وجملة ) سبحان الذي خلق الأزواج كلها ( مستأنفة مسوقة


"""""" صفحة رقم 369 """"""
لتنزيهه سبحانه عما وقع منهم من ترك الشكر لنعمه المذكورة والتعجب من إخلالهم بذلك وقد تقدم الكلام مستوفى فى معنى سبحان وهو فى تقدير الأمر للعباد بأن ينزهوه عما لا يليق به والأزواج الأنواع والأصناف لأن كل صنف مختلف الألوان والطعوم والأشكال و ) مما تنبت الأرض ( بيان للأزواج والمراد كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة وغيرها ) ومن أنفسهم ( أى خلق الأزواج من أنفسهم وهم الذكور والإناث ) ومما لا يعلمون ( من أصناف خلقه فى البر والبحر والسماء والأرض
يس : ( 37 ) وآية لهم الليل . . . . .
) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ( الكلام فى هذا كما قدمنا فى قوله ) وآية لهم الأرض الميتة أحييناها ( والمعنى أن ذلك علامة دالة على توحيد الله وقدرته ووجوب إلهيته والسلخ الكشط والنزع يقال سلخه الله من بدنه ثم يستعمل بمعنى الإخراج فجعل سبحانه ذهاب الضوء ومجىء الظلمة كالسلخ من الشىء وهو استعارة بليغة ) فإذا هم مظلمون ( أى داخلون فى الظلام مفاجأة وبغتة يقال أظلمنا أى دخلنا فى ظلام الليل وأظهرنا دخلنا فى وقت الظهر وكذلك أصبحنا وأمسينا وقيل منه بمعنى عنه والمعنى نسلخ عنه ضياء النهار قال الفراء يرمى بالنهار على الليل فيأتى بالظلمة وذلك أن الأصل هى الظلمة والنهار داخل عليه فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل أى كشط وأزيل فتظهر الظلمة
يس : ( 38 ) والشمس تجري لمستقر . . . . .
) والشمس تجري لمستقر لها ( يحتمل أن تكون الواو للعطف على الليل والتقدير وآيه لهم الشمس ويجوز أن تكون الواو ابتدائية والشمس مبتدأ وما بعدها الخبر ويكون الكلام مستأنفا مشتملا على ذكر آية مستقلة قيل وفى الكلام حذف والتقدير تجرى لمجرى مستقر لها فتكون اللام للعلة أى لأجل مستقر لها وقيل اللام بمعنى إلى وقد قرىء بذلك قيل والمراد بالمستقر يوم القيامة فعنده تستقر ولا يبقى لها حركة وقيل مستقرها هو أبعد ما تنتهى إليه ولا تجاوزه وقيل نهاية ارتفاعها فى الصيف ونهاية هبوطها فى الشتاء وقيل مستقرها تحت العرش لأنها تذهب إلى هنالك فتسجد فتستأذن فى الرجوع فيؤذن لها وهذا هو الراجح وقال الحسن إن للشمس فى السنة ثلثمائة وستين مطلعا تنزل فى كل يوم مطلعا ثم لا تنزل إلى الحول فهى تجرى فى تلك المنازل وهو مستقرها وقيل غير ذلك وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وزين العابدين وابنه الباقر والصادق بن الباقر ? لا مستقر لها ? بلا التى لنفى الجنس وبناء مستقر على الفتح وقرأ ابن أبى عبلة لا مستقر بلا التى بمعنى ليس ومستقر اسمها ولها خبرها والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى جرى الشمس أى ذلك الجرى ) تقدير العزيز ( أي الغالب القاهر ) العليم ( أى المحيط علمه بكل شىء ويحتمل أن تكون الإشارة راجعة إلى المستقر أى ذلك المستقر تقدير الله
يس : ( 39 ) والقمر قدرناه منازل . . . . .
) والقمر قدرناه منازل ( قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو برفع القمر على الابتداء وقرأ الباقون بالنصب على الاشتغال وانتصاب منازل على أنه مفعول ثان لأن قدرنا بمعنى صيرنا ويجوز أن يكون منتصبا على الحال أى قدرنا سيره حال كونه ذا منازل ويجوز أن يكون منتصبا على الظرفية أى فى منازل واختار أبو عبيد النصب فى القمر قال لأن قبله فعلا وهو نسلخ وبعده فعلا وهو قدرنا قال النحاس أهل العربية جميعا فيما علمت على خلاف ما قال منهم الفراء قال الرفع أعجب إلى قال وإنما كان الرفع عندهم أولى لأنه معطوف على ما قبله ومعناه وآية لهم القمر قال أبو حاتم الرفع أولى لأنك شغلت الفعل عنه بالضمير فرفعته بالابتداء والمنازل هى الثمانية والعشرون التى ينزل القمر فى كل ليلة في واحد منها وهى معروفة وسيأتى ذكرها فإذا صار القمر فى آخرها عاد إلى أولها فيقطع الفلك فى ثمان وعشرين ليلة ثم يستتر ليلتين ثم يطلع هلالا فيعود فى قطع المنازل من الفلك ) حتى عاد كالعرجون القديم ( قال الزجاج العرجون هو عود العذق الذى فيه الشماريخ وهو فعلون من الانعراج وهو الانعطاف


"""""" صفحة رقم 370 """"""
أى سار فى منازله فإذا كان فى آخرها دق واستقوس وصغر حتى صار كالعرجون القديم وعلى هذا فالنون زائدة قال قتادة وهو العذق اليابس المنحنى من النخلة قال ثعلب العرجون الذى يبقى فى النخلة إذا قطعت والقديم البالى وقال الخليل العرجون أصل العذق وهو أصفر عريض يشبه به الهلال إذا انحنى وكذا قال الجوهرى إنه أصل العذق الذى يعوج ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسا وعرجته ضربته بالعرجون وعلى هذا فالنون أصلية قرأ الجمهور العرجون بضم العين والجيم وقرأ سليمان التيمى بكسر العين وفتح الجيم وهما لغتان والقديم العتيق
يس : ( 40 ) لا الشمس ينبغي . . . . .
) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ( الشمس مرفوعة بالابتداء لأنه لا يجوز أن تعمل لا فى المعرفة أى لا يصح ولا يمكن للشمس أن تدرك القمر فى سرعة السير وتنزل فى المنزل الذى فيه القمر لأن لكل واحد منهما سلطانا على انفراده فلا يتمكن أحدهما من الدخول على الآخر فيذهب سلطانه إلى أن يأذن الله بالقيامة فتطلع الشمس من مغربها وقال الضحاك معناه إذا طلعت الشمس لم يكن للقمر ضوء وإذا طلع القمر لم يكن للشمس ضوء وقال مجاهد أى لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر وقال الحسن إنهما لا يجتمعان فى السماء ليلة الهلال خاصة وكذا قال يحيى بن سلام وقيل معناه إذا اجتمعا فى السماء كان أحدهما بين يدى الآخر فى منزل لا يشتركان فيه وقيل القمر فى سماء الدنيا والشمس فى السماء الرابعة ذكره النحاس والمهدوى قال النحاس وأحسن ما قيل فى معناه وأبينه أن سير القمر سير سريع والشمس لا تدركه فى السير وأما قوله ) وجمع الشمس والقمر ( فذلك حين حبس الشمس عن الطلوع على ما تقدم بيانه فى الأنعام ويأتى فى سورة القيامة أيضا وجمعهما علامة لانقضاء الدنيا وقيام الساعة ) ولا الليل سابق النهار ( أى لا يسبقه فيفوته ولكن يعاقبه ويجيء كل واحد منهما فى وقته ولا يسبق صاحبه وقيل المراد من الليل والنهار آيتاهما وهما الشمس والقمر فيكون عكس قوله ) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ( أى ولا القمر سابق الشمس وإيراد السبق مكان الإدراك لسرعة سير القمر ) وكل في فلك يسبحون ( التنوين فى كل عوض عن المضاف إليه أى وكل واحد منهما والفلك هو الجسم المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة والخلاف فى كون السماء مبسوطة أو مستديرة معروف والسبح السير بانبساط وسهولة والجمع فى قوله ) يسبحون ( باعتبار اختلاف مطالعهما فكأنهما متعددان بتعددها أو المراد الشمس والقمر والكواكب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن مسعود فى قوله ) وما أنزلنا على قومه من بعده ( الآية يقول ما كابدناهم بالجموع أى الأمر أيسر علينا من ذلك وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) يا حسرة على العباد ( يقول يا ويلا للعباد وأخرج ابن أبى حاتم عنه فى قوله يا حسرة على العباد قال الندامة على العباد الذين ) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ( يقول الندامة عليهم يوم القيامة وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) وما عملته أيديهم ( قال وجدوه معمولا لم تعمله أيديهم يعنى الفرات ودجلة ونهر بلخ وأشباهها ) أفلا يشكرون ( لهذا وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى ذر قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله ) والشمس تجري لمستقر لها ( قال مستقرها تحت العرش وفى لفظ للبخارى وغيره من حديثه قال كنت مع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدرى أين تغرب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله ) والشمس تجري لمستقر لها ( وفى لفظ من حديثه أيضا عند أحمد والترمذي والنسائى وغيرهم قال يا أبا ذر أتدرى أين تذهب هذه قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد بين يدى ربها فتستأذن فى الرجوع فيأذن


"""""" صفحة رقم 371 """"""
لها وكأنها قد قيل لها اطلعى من حيث جئت فتطلع من مغربها ثم قرأ ) ذلك مستقر لها ( وذلك قراءة عبد الله وأخرج الترمذى والنسائى وغيرهما من قول ابن عمر نحوه وأخرج الخطيب فى كتاب النجوم عن ابن عباس فى قوله ) والقمر قدرناه منازل ( الآية قال هى ثمانية وعشرون منزلا ينزلها القمر فى كل شهر أربعة عشر منها شامية وأربعة عشر منها يمانية أولها الشرطين والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والدبرة والصرفة والعواء والسماك وهو آخر الشامية والغفر والزبانا والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية ومقدم الدلو ومؤخر الدلو والحوت وهو آخر اليمانية فإذا سار هذه الثمانية وعشرين منزلا ) عاد كالعرجون القديم ( كما كان فى أول الشهر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله كالعرجون القديم يعنى أصل العذق العتيق
سورة يس ( 41 54 )
يس : ( 41 ) وآية لهم أنا . . . . .
ثم ذكر سبحانه وتعالى نوعا آخر مما امتن به على عباده من النعم فقال ) وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ( أى دلالة وعلامة وقيل معنى آية هنا العبرة وقيل النعمة وقيل النذارة
وقد اختلف فى معنى ) أنا حملنا ذريتهم ( وإلى من يرجع الضمير لأن الضمير الأول وهو قوله ) وآية لهم ( لأهل مكة أو لكفار العرب أو للكفار على الإطلاق الكائنين فى عصر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فقيل الضمير يرجع إلى القرون الماضية والمعنى أن الله حمل ذرية القرون الماضية فى الفلك المشحون فالضميران مختلفان وهذا حكاه النحاس عن على بن سليمان الأخفش وقيل الضميران لكفار مكة ونحوهم والمعنى أن


"""""" صفحة رقم 372 """"""
الله حمل ذرياتهم من أولادهم وضعفائهم على الفلك فامتن الله عليهم بذلك أى إنهم يحملونهم معهم فى السفن إذا سافروا أو يبعثون أولادهم للتجارة لهم فيها وقيل الذرية الآباء والأجداد والفلك هو سفينة نوح أى إن الله حمل آباء هؤلاء وأجدادهم فى سفينة نوح قال الواحدى والذرية تقع على الآباء كما تقع على الأولاد قال أبو عثمان وسمى الآباء ذرية لأن منهم ذرء الأبناء وقيل الذرية النطف الكائنة فى بطون النساء وشبه البطون بالفلك المشحون والراجح القول الثانى ثم الأول ثم الثالث وأما الرابع ففى غاية البعد والنكارة وقد تقدم الكلام فى الذرية واشتقاقها فى سورة البقرة مستوفى والمشحون المملوء الموقر والفلك يطلق على الواحد والجمع كما تقدم فى يونس وارتفاع آية على أنها خبر مقدم والمبتدأ ) أنا حملنا ( أو العكس على ما قدمنا وقيل إن الضمير فى قوله ) وآية لهم ( يرجع إلى العباد المذكورين فى قوله ) يا حسرة على العباد ( لأنه قال بعد ذلك ) وآية لهم الأرض الميتة ( وقال ) وآية لهم الليل ( ثم قال ) وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ( فكأنه قال وآية للعباد أنا حملنا ذريات العباد ولا يلزم أن يكون المراد بأحد الضميرين البعض منهم وبالضمير الآخر البعض الآخر وهذا قول حسن
يس : ( 42 ) وخلقنا لهم من . . . . .
) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ( أى وخلقنا لهم مما يماثل الفلك ما يركبونه على أن ما هى الموصولة قال مجاهد وقتادة وجماعة من أهل التفسير وهى الإبل خلقها لهم للركوب فى البر مثل السفن المركوبة فى البحر والعرب تسمى الإبل سفائن البر وقيل المعنى وخلقنا لهم سفنا أمثال تلك السفن يركبونها قاله الحسن والضحاك وأبو مالك قال النحاس وهذا أصح لأنه متصل الإسناد عن ابن عباس وقيل هى السفن المتخذة بعد سفينة نوح
يس : ( 43 ) وإن نشأ نغرقهم . . . . .
) وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون ( هذا من تمام الآية التى امتن الله بها عليهم ووجه الامتنان أنه لم يغرقهم فى لجج البحار مع قدرته على ذلك والضمير يرجع إما إلى أصحاب الذرية أو إلى الذرية أو إلى الجميع على اختلاف الأقوال والصريخ بمعنى المصرخ والمصرخ هو المغيث أى فلا مغيث لهم يغيثهم إن شئنا إغراقهم وقيل هو المنعة ومعنى ينقذون يخلصون يقال أنقذه واستنقذه إذا خلصه من مكروه
يس : ( 44 ) إلا رحمة منا . . . . .
) إلا رحمة منا ( استثناء مفرغ من أعم العلل أي لا صريخ لهم ولا ينقذون لشيء من الأشياء إلا لرحمة منا كذا قال الكسائي والزجاج وغيرهما وقيل هو استثناء منقطع أى لكن لرحمة منها وقيل هو منصوب على المصدرية بفعل مقدر و انتصاب متاعا على العطف على رحمة أى نمتعهم بالحياة الدنيا ) إلى حين ( وهو الموت قاله قتادة وقال يحيى بن سلام إلى القيامة
يس : ( 45 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ( أى ما بين أيديكم من الآفات والنوازل فإنها محيطة بكم وما خلفكم منها قال قتادة معنى ) اتقوا ما بين أيديكم ( أي من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم ) وما خلفكم ( في الآخرة وقال سعيد بن جبير ومجاهد ) ما بين أيديكم ( ما مضى من الذنوب ) وما خلفكم ( ما بقى منها وقيل ) ما بين أيديكم ( الدنيا ) وما خلفكم ( الآخرة قاله سفيان وحكى عكس هذا القول الثعلبي عن ابن عباس وقيل ) ما بين أيديكم ( ما ظهر لكم ) وما خلفكم ( ما خفى عنكم وجواب إذا محذوف والتقدير إذا قيل لهم ذلك أعرضوا كما يدل عليه ) إلا كانوا عنها معرضين ( ) لعلكم ترحمون ( أى رجاء أن ترحموا أو كى ترحموا أو راجين أن ترحموا
يس : ( 46 ) وما تأتيهم من . . . . .
) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( ما هى النافية وصيغة المضارع للدلالة على التجدد ومن الأولى مزيدة للتوكيد والثانية للتبعيض والمعنى ما تأتيهم من آية دالة على نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى صحة ما دعا إليه من التوحيد فى حال من الأحوال إلا كانوا عنها معرضين وظاهره يشمل الآيات التنزيلية والآيات التكوينية وجملة ) إلا كانوا عنها معرضين ( فى محل نصب على الحال كما مر تقريره فى غير موضع والمراد بالإعراض عدم الالتفات إليها وترك النظر الصحيح


"""""" صفحة رقم 373 """"""
فيها وهذه الآية متعلقة بقوله ) يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون ( أى إذا جاءتهم الرسل كذبوا وإذا أتوا بالآيات أعرضوا عنها
يس : ( 47 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم أنفقوا من ما رزقكم ( أى تصدقوا على الفقراء مما أعطاكم الله وأنعم به عليكم من الأموال قال الحسن يعنى اليهود أمروا بإطعام الفقراء وقال مقاتل أن المؤمنين قالوا لكفار قريش أنفقوا على المساكين مما زعمتم أنه لله من أموالكم من الحرث والأنعام كما فى قوله سبحانه ) وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ( فكان جوابهم ما حكاه الله عنهم بقوله ) قال الذين كفروا للذين آمنوا ( استهزاء بهم وتهكما بقولهم ) أنطعم من لو يشاء الله أطعمه ( أى من لو يشاء الله رزقه وقد كانوا سمعوا المسلمين يقولون إن الرزاق هو الله وأنه يغنى من يشاء ويفقر من يشاء فكأنهم حاولوا بهذا القول الإلزام للمسلمين وقالوا نحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله وهذا غلط منهم ومكابرة ومجادلة بالباطل فإن الله سبحانه أغنى بعض خلقه وأفقر بعضا وأمر الغنى أن يطعم الفقير وابتلاه به فيما فرض له من ماله من الصدقة وقولهم ) من لو يشاء الله أطعمه ( هو وإن كان كلاما صحيحا فى نفسه ولكنهم لما قصدوا به الإنكار لقدرة الله أو إنكار جواز الأمر بالانفاق مع قدرة الله كان احتجاجهم من هذه الحيثية باطلا وقوله ) إن أنتم إلا في ضلال مبين ( من تمام كلام الكفار والمعنى أنكم أيها المسلمون فى سؤال المال وأمرنا بإطعام الفقراء لفى ضلال فى غاية الوضوح والظهور وقيل هو من كلام الله سبحانه جوابا على هذه المقالة التى قالها الكفار وقال القشيرى والماوردى إن الآية نزلت فى قوم من الزنادقة وقد كان فى كفار قريش وغيرهم من سائر العرب قوم يتزندقون فلا يؤمنون بالصانع فقالوا هذه المقالة استهزاء بالمسلمين ومناقضة لهم وحكى نحو هذا القرطبى عن ابن عباس
يس : ( 48 ) ويقولون متى هذا . . . . .
) ويقولون متى هذا الوعد ( الذى تعدونا به من العذاب والقيامة والمصير إلى الجنة أو النار ) إن كنتم صادقين ( فيما تقولونه وتعدونا به قالوا ذلك استهزاء منهم وسخرية بالمؤمنين ومقصودهم إنكار ذلك بالمرة ونفى تحققه وجحد وقوعه
يس : ( 49 ) ما ينظرون إلا . . . . .
فأجاب الله سبحانه عنهم بقوله ) ما ينظرون إلا صيحة واحدة ( أى ما ينتظرون إلا صيحة واحدة نفخة إسرافيل فى الصور ) تأخذهم وهم يخصمون ( أى يختصمون فى ذات بينهم فى البيع والشراء ونحوهما من أمور الدنيا وهذه هى النفخة الأولى وهى نفخة الصعق
وقد اختلف القراء فى يخصمون فقرأ حوزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد من خصم يخصم والمعنى يخصم بعضهم بعضا فالمفعول محذوف وقرأ أبو عمرو وقالون بإخفاء فتحة الخاء وتشديد الصاد وقرأ نافع وابن كثير وهشام كذلك إلا أنهم أخلصوا فتحة الخاء وقرأ الباقون بكسر الخاء وتشديد الصاد والأصل فى القراءات الثلاث يختصمون فأدغمت التاء فى الصاد فنافع وابن كثير وهشام نقلوا فتحة التاء إلى الساكن قبلها نقلا كاملا وأبو عمرو وقالون اختلسا حركتها تنبيها على أن الخاء أصلها السكون والباقون حذفوا حركتها فالتقى ساكنان فكسروا أولهما وروي عن أبى عمرو وقالون أنهما قرءا بتسكين الخاء وتشديد الصاد وهى قراءة مشكلة لاجتماع ساكنين فيها وقرأ أبى يختصمون على ما هو الأصل
يس : ( 50 ) فلا يستطيعون توصية . . . . .
) فلا يستطيعون توصية ( أى لا يستطيع بعضهم أن يوصى إلى بعض بماله وما عليه أو لا يستطيع أن يوصيه بالتوبة والإقلاع عن المعاصى بل يموتون فى أسواقهم ومواضعهم ) ولا إلى أهلهم يرجعون ( أى إلى منازلهم التى ماتوا خارجين عنها وقيل المعنى لا يرجعون إلى أهلهم قولا وهذا إخبار عما ينزل بهم عند النفخة الأولى
يس : ( 51 ) ونفخ في الصور . . . . .
ثم أخبر سبحانه عما ينزل بهم عند النفخة الثانية فقال ) ونفخ في الصور ( وهى النفخة التى يبعثون بها من قبورهم ولهذا قال ) فإذا هم من الأجداث ( أى القبور ) إلى ربهم ينسلون ( أى


"""""" صفحة رقم 374 """"""
يسرعون وبين النفختين أربعون سنة وعبر عن المستقبل بلفظ الماضى حيث قال ونفخ تنبيها على تحقق وقوعه كما ذكره أهل البيان وجعلوا هذه الآية مثالا له والصور بإسكان الواو هو القرن الذى ينفخ فيه إسرافيل كما وردت بذلك السنة وإطلاق هذا الاسم على القرن معروف فى لغة العرب ومنه قول الشاعر نحن نطحناهم غداة الغورين
نطحا شديدا لا كنطح الصورين
أى القرنين وقد مضى هذا مستوفى فى سورة الأنعام وقال قتادة الصور جمع صورة أى نفخ فى الصور الأرواح والأجداث جمع جدث وهو القبر وقرىء الأجداف بالفاء وهى لغة واللغة الفصيحة بالثاء المثلثة والنسل والنسلان الإسراع فى السير يقال نسل ينسل كضرب يضرب ويقال ينسل بالضم ومنه قول امرىء القيس فسلى ثيابى من ثيابك تنسل
وقول الآخر
عسلان الذيب أمسى قارنا برد الليل عليه فنسل
يس : ( 52 ) قالوا يا ويلنا . . . . .
قالوا ) يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ( أى قالوا عند بعثهم من القبور بالنفخة يا ويلنا نادوا ويلهم كأنهم قالوا له احضر فهذا أوان حضورك وهؤلاء القائلون هم الكفار قال ابن الأنبارى الوقف على يا ويلنا وقف حسن ثم يبتدىء الكلام بقوله ) من بعثنا من مرقدنا ( ظنوا لاختلاط عقولهم بما شاهدوا من الهول وما داخلهم من الفزع أنهم كانوا نياما قرأ الجمهور يا ويلنا وقرأ ابن أبى ليلى يا ويلتنا بزيادة التاء وقرأ الجمهور من بعثنا بفتح ميم من على الاستفهام وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرف جر ورويت هذه القراءة عن على بن أبى طالب وعلى هذه القراءة تكون من متعلقة بالويل وقرأ الجمهور من بعثنا وفى قراءة أبى من أهبنا من هب من نومه إذا انتبه وأنشد ثعلب على هذه القراءة
وعاذلة هبت بليل تلومنى ولم يعتمدنى قبل ذاك عذول
وقيل إنهم يقولون ذلك إذا عاينوا جهنم وقال أبو صالح إذا نفخ النفخة الأولى رفع العذاب عن أهل القبور وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية وجملة ) هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( جواب عليهم من جهة الملائكة أو من جهة المؤمنين وقيل هو من كلام الكفرة يجيب به بعضهم على بعض قال بالأول الفراء وبالثانى مجاهد وقال قتادة هى من قول الله سبحانه وما فى قوله ما وعد الرحمن موصولة وعائدها محذوف والمعنى هذا الذى وعده الرحمن وصدق فيه المرسلون قد حق عليكم ونزل بكم ومفعولا الوعد والصدق محذوفان أى وعدكموه الرحمن وصدقكموه المرسلون والأصل وعدكم به وصدقكم فيه أو وعدناه الرحمن وصدقناه المرسلون على أن هذا من قول المؤمنين أو من قول الكفار
يس : ( 53 ) إن كانت إلا . . . . .
) إن كانت إلا صيحة واحدة ( أى ما كانت تلك النفخة المذكورة إلا صيحة واحدة صاحها إسرافيل بنفخة فى الصور ) فإذا هم جميع لدينا محضرون ( أى فإذا هم مجموعون محضرون لدينا بسرعة للحساب والعقاب
يس : ( 54 ) فاليوم لا تظلم . . . . .
) فاليوم لا تظلم نفس ( من النفوس شيئا مما تستحقه أي لا ينقص من ثواب عملها شيئا من النقص ولا تظلم فيه بنوع من أنواع الظلم ) ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ( أى إلا جزاء ما كنتم تعملونه فى الدنيا أو إلا بما كنتم تعملونه أى بسببه أو فى مقابلته
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم عن أبى مالك فى قوله ) أنا حملنا ذريتهم ( الآية قال فى سفينة نوح حمل فيها من كل زوجين اثنين ) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ( قال السفن التى فى البحر والأنهار التى يركب الناس فيها وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبى صالح نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن


"""""" صفحة رقم 375 """"""
ابن عباس فى قوله ) وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ( قال هى السفن جعلت من بعد سفينة نوح وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى الآية قال يعنى الإبل خلقها الله كما رأيت فهى سفن البر يحملون عليها ويركبونها ومثله عن الحسن وعكرمة وعبد الله بن شداد ومجاهد وأخرج عبد الرزاق والفريابى وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبى هريرة فى قوله ) فلا يستطيعون توصية ( الآية قال تقوم الساعة والناس فى أسواقهم يتبايعون ويذرعون الثياب ويحلبون اللقاح وفى حوائجهم فلا يستطيعون توصية ) ولا إلى أهلهم يرجعون ( وأخرج عبد ابن حميد وعبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن المنذر عن الزبير بن العوام قال إن الساعة تقوم والرجل يذرع الثوب والرجل يحلب الناقة ثم قرأ ) فلا يستطيعون توصية ( الآية وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها وأخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن أبى بن كعب فى قوله ) من بعثنا من مرقدنا ( قال ينامون قبل البعث نومة
سورة يس ( 55 70 )
يس : ( 55 ) إن أصحاب الجنة . . . . .
لما ذكر الله سبحانه حال الكافرين أتبعه بحكاية حال عباده الصالحين وجعله من جملة ما يقال للكفار يومئذ زيادة لحسرتهم وتكميلا لجزعهم وتتميما لما نزل بهم من البلاء وما شاهدوه من الشقاء فإذا رأوا ما أعده الله لهم من أنواع العذاب وما أعده لأوليائه من أنواع النعيم بلغ ذلك من قلوبهم مبلغا عظيما وزاد في ضيق صدورهم زيادة لايقادر قدرها والمعنى ) إن أصحاب الجنة ( فى ذلك اليوم فى شغل بما هم فيه من اللذات التى هى


"""""" صفحة رقم 376 """"""
ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر عن الاهتمام بأمر الكفار ومصيرهم إلى النار وإن كانوا من قرابتهم والأولى عدم تخصيص الشغل بشىء معين قال قتادة ومجاهد شغلهم ذلك اليوم بافتضاض العذارى وقال وكيع شغلهم بالسماع وقال ابن كيسان بزيارة بعضهم بعضا وقيل شغلهم كونهم ذلك اليوم فى ضيافة الله قرأ الكوفيون وابن عامر شغل بضمتين وقرأ الباقون بضم الشين وسكون الغين وهما لغتان كما قال الفراء وقرأ مجاهد وأبو السماك بفتحيتن وقرأ يزيد النحوى وابن هبيرة بفتح الشين وسكون الغين وقرأ الجمهور ) فاكهون ( بالرفع على أنه خبر إن وفى شغل متعلق به أو فى محل نصب على الحال ويجوز أن يكون فى محل رفع على أنه خبر إن وفاكهون خبر ثان وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف فاكهين بالنصب على أنه حال وفى شغل هو الخبر وقرأ الحسن وأبو جعفر وأبو حيوة وأبو رجاء وشيبة وقتادة ومجاهد فكهون قال الفراء هما لغتان كالفاره والفره واحاذر والحاذر وقال الكسائى وأبو عبيدة الفاكه ذو الفاكهة مثل تامر ولابن والفكه المتفكه والمتنعم وقال قتادة الفكهون المعجبون وقال أبو زيد يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكا وقال مجاهد والضحاك كما قال قتادة وقال السدى كما قال الكسائى
يس : ( 56 ) هم وأزواجهم في . . . . .
) هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ( هذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان كيفية شغلهم وتفكههم وتكميلها بما يزيدهم سرورا وبهجة من كون أزواجهم معهم على هذه الصفة من الاتكاء على الأرائك فالضمير وهو هم مبتدأ وأزواجهم معطوف عليه والخبر متكئون ويجوز أن يكون هم تأكيدا للضمير فى فاكهون وأزواجهم معطوف على ذلك الضمير وارتفاع متكئون على أنه خبر لمبتدأ محذوف وفى ظلال متعلق به أو حال وكذا على الأرائك وجوز أبو البقاء أن يكون ) في ضلال ( هو الخبر و ) على الأرائك ( مستأنف قرأ الجمهور فى ظلال بكسر الظاء وبالألف وهو جمع ظل وقرأ ابن مسعود وعبيد بن عمير والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائى وخلف في ظلل بضم الظاء من غير ألف جمع ظلة وعلى القراءتين فالمراد الفرش والستور التى تظللهم كالخيام والحجال والأرائك جمع أريكة كسفائن جمع سفينة والمراد بها السرر التى فى الحجال قال أحمد بن يحيى ثعلب الأريكة لا يكون إلا سريرا فى قبة وقال مقاتل إن المراد بالظلال أكنان القصور
يس : ( 57 ) لهم فيها فاكهة . . . . .
وجملة ) لهم فيها فاكهة ( مبنية لما يتمتعون به فى الجنة من المآكل والمشارب ونحوها والمراد فاكهة كثيرة من كل نوع من أنواع الفواكه ) ولهم ما يدعون ( ما هذه هى الموصولة والعائد محذوف أو موصوفة أو مصدرية ويدعون مضارع ادعى قال أبو عبيدة يدعون يتمنون والعرب تقول ادع علي ما شئت أى تمن وفلان فى خير ما يدعى أى ما يتمنى وقال الزجاج هو من الدعاء أى ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم من دعوت غلامى فيكون الافتعال بمعنى الفعل كالاحتمال بمعنى الحمل والارتحال بمعنى الرحل وقيل افتعل بمعنى تفاعل أى ما يتداعونه كقولهم ارتموا وتراموا وقيل المعنى إن من ادعى منهم شيئا فهو له لأن الله قد طبعهم على أن لا يدعى أحد منهم شيئا إلا وهو يحسن ويجمل به أن يدعيه وما مبتدأ وخبرها لهم والجملة معطوفة على ما قبلها وقرىء يدعون بالتخفيف ومعناها واضح قال ابن الأنبارى والوقف على يدعون وقف حسن
يس : ( 58 ) سلام قولا من . . . . .
ثم يبتدىء ) سلام ( على معنى لهم سلام وقيل إن سلام هو خبر ما أي مسلم خالص أو ذو سلامة وقال الزجاج سلام مرفوع على البدل من ما أي ولهم أن يسلم الله عليهم وهذا منى أهل الجنة والأولى أن يحمل قوله ) ولهم ما يدعون ( على العموم وهذا السلام يدخل تحته دخولا أوليا ولا وجه لقصره على نوع خاص وإن كان أشرف أنواعه تحقيقا لمعنى العموم ورعاية لما يقتضيه النظم القرآنى وقيل إن سلام مرتفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى سلام يقال لهم ) قولا ( وقيل إن سلام مبتدأ وخبره


"""""" صفحة رقم 377 """"""
الناصب لقولا أى سلام يقال لهم قولا وقيل خبره من رب العالمين وقيل التقدير سلام عليكم هذا على قراءة الجمهور وقرأ أبى وابن مسعود وعيسى سلاما بالنصب إما على المصدرية أو على الحالية بمعنى خالصا والسلام إما من التحية أو من السلامة وقرأ محمد بن كعب القرظى سلم كأنه قال سلم لهم لا يتنازعون فيه وانتصاب قولا على المصدرية بفعل محذوف على معنى قال الله لهم ذلك قولا أو يقوله لهم قولا أو يقال لهم قولا ) من رب رحيم ( أى من جهته قيل يرسل الله سحابة إليهم بالسلام وقال مقاتل إن الملائكة تدخل على أهل الجنة من كل باب يقولون سلام عليكم يا أهل الجنة من رب رحيم
يس : ( 59 ) وامتازوا اليوم أيها . . . . .
) وامتازوا اليوم أيها المجرمون ( هو على إضمار القول مقابل ما قيل للمؤمنين أى ويقال للمجرمين امتازوا أى انعزلوا من مازه غيره يقال مزت الشىء من الشىء إذا عزلته عنه ونحيته قال مقاتل معناه اعتزلوا اليوم يعنى فى الآخرة من الصالحين وقال السدى كونوا على حدة وقال الزجاج انفردوا عن المؤمنين وقال قتادة عزلوا عن كل خير وقال الضحاك يمتاز المجرمون بعضهم من بعض فيمتاز اليهود فرقة والنصارى فرقة والمجوس فرقة والصابئون فرقة وعبدة الأوثان فرقة وقال داود بن الجراح يمتاز المسلمون من المجرمين إلا أصحاب الأهواء فإنهم يكونون مع المجرمين
يس : ( 60 ) ألم أعهد إليكم . . . . .
ثم وبخهم الله سبحانه وقرعهم بقوله ) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ( وهذا من جملة ما يقال لهم والعهد الوصية أى ألم أوصكم وأبلغكم على ألسن رسلى أن لا تعبدوا الشيطان أى لا تطيعوه قال الزجاج المعنى ألم أتقدم إليكم على لسان الرسل يا بنى آدم وقال مقاتل يعنى الذين أمروا بالاعتزال قال الكسائى لا للنهى وقيل المراد بالعهد هنا الميثاق المأخوذ عليهم حين أخرجوا من ظهر آدم وقيل هو ما نصبه الله لهم من الدلائل العقلية التى فى سمواته وأرضه وجملة ) إنه لكم عدو مبين ( تعليل لما قبلها من النهى عن طاعة الشيطان وقبول وسوسته
يس : ( 61 ) وأن اعبدوني هذا . . . . .
وجملة ) وأن اعبدوني ( عطف على أن لاتعبدوا وأن فى الموضعين هى المفسرة للعهد الذى فيه معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية فيهما أي لم أعهد إليكم بأن لا تعبدوا بأن اعبدونى أو ألم أعهد إليكم فى ترك عبادة الشيطان وفى عبادتى ) هذا صراط مستقيم ( أي عبادة الله وتوحيده أو الإشارة إلى دين الإسلام
يس : ( 62 ) ولقد أضل منكم . . . . .
ثم ذكر سبحانه عداوة الشيطان لبنى آدم فقال ) ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ( اللام هى الموطئة للقسم والجملة مستأنفة للتقريع والتوبيخ أى والله لقد أضل الخ قرأ نافع وعاصم جبلا بكسر الجيم والباء وتشديد اللام وقرأ أبو عمرو وابن عامر بضم الجيم وسكون الباء وقرأ الباقون بضمتين مع تخفيف اللام وقرأ ابن أبى إسحاق والزهرى وابن هرمز بضمتين مع تشديد اللام وكذلك قرأ الحسن وعيسى بن عمر والنضر بن أنس وقرأ أبو يحيى وحماد بن سلمة والأشهب العقيلى بكسر الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام قال النحاس وأبينها القراءة الأولى والدليل على ذلك أنهم قد قرءوا جميعا والجبلة الأولين بكسر الجيم والباء وتشديد اللام فيكون جبلا جمع جبلة واشتقاق الكل من جبل الله الخلق أى خلقهم ومعنى الآية أن الشيطان قد أغوى خلقا كثيرا كما قال مجاهد وقال قتادة جموعا كثيرة وقال الكلبى أمما كثيرة قال الثعلبى والقراءات كلها بمعنى الخلق وقرىء جيلا بالجيم والياء التحتية قال الضحاك الجيل الواحد عشرة آلاف والكثير ما يحصيه إلا الله عز وجل ورويت هذه القراءة عن على بن أبى طالب والهمزة فى قوله ? فلم تكونوا تعقلون ? للتقريع والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام كما تقدم فى نظائره أى أتشاهدون آثار العقوبات أفلم تكونوا تعقلون أو أفلم تكونوا تعقلون عداوة الشيطان لكم أو أفلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا قرأ الجمهور ) أفلم تكونوا تعقلون ( بالخطاب وقرأ طلحة وعيسى بالغيبة
يس : ( 63 ) هذه جهنم التي . . . . .
) هذه جهنم التي كنتم توعدون ( أى ويقال لهم عند أن يدنوا من النار هذه جهنم التى كنتم توعدون بها فى الدنيا


"""""" صفحة رقم 378 """"""
على ألسنة الرسل والقائل لهم الملائكة
يس : ( 64 ) اصلوها اليوم بما . . . . .
ثم يقولون لهم ) اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون ( أى قاسوا حرها اليوم وادخلوها وذوقوا أنواع العذاب فيها بما كنتم تكفرون أى بسبب كفركم بالله فى الدنيا وطاعتكم للشيطان وعبادتكم للأوثان وهذا الأمر أمر تنكيل وإهانة كقوله ) ذق إنك أنت العزيز الكريم )
يس : ( 65 ) اليوم نختم على . . . . .
) اليوم نختم على أفواههم ( اليوم ظرف لما بعده وقرىء يختم على البناء للمفعول والنائب الجار والمجرور بعده قال المفسرون إنهم ينكرون الشرك وتكذيب الرسل كما فى قولهم ) والله ربنا ما كنا مشركين ( فيختم الله على أفواههم ختما لا يقدرون معه على الكلام وفى هذا التفات من الخطاب إلى الغيبة للإيذان بأن أفعالهم القبيحة مستدعية للإعراض عن خطابهم ثم قال ) وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ( أى تكلمت أيديهم بما كانوا يفعلونه وشهدت أرجلهم عليهم بما كانوا يعملون قرأ الجمهور تكلمنا وتشهد وقرأ طلحة بن مصرف ولتكلمنا ولتشهد بلام كى وقيل سبب الختم على أفواههم ليعرفهم أهل الموقف وقيل ختم على أفواههم لأجل أن يكون الإقرار من جوارحهم لأن شهادة غير الناطق أبلغ فى الحجة من شهادة الناطق لخروجه مخرج الإعجاز وقيل ليعلموا أن أعضاءهم التى كانت أعوانا لهم فى معاصى الله صارت شهودا عليهم وجعل ما تنطق به الأيدى كلاما وإقرارا لأنها كانت المباشرة لغالب المعاصى وجعل نطق الأرجل شهادة لأنها حاضرة عند كل معصية وكلام الفاعل إقرار وكلام الحاضر شهادة وهذا اعتبار بالغالب وإلا فالأرجل قد تكون مباشرة للمعصية كما تكون الأيدي مباشرة لها
يس : ( 66 ) ولو نشاء لطمسنا . . . . .
) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ( أى أذهبنا أعينهم وجعلناها بحيث لا يبدو لها شق ولا جفن قال الكسائى طمس يطمس ويطمس والمطموس والطميس عند أهل اللغة الذى ليس فى عينيه شق كما فى قوله ) ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ( ومفعول المشيئة محذوف أى لو نشاء أن نطمس على أعينهم لطمسنا قال السدى والحسن المعنى لتركناهم عميا يترددون لا يبصرون طريق الهدى واختار هذا ابن جرير ) فاستبقوا الصراط ( معطوف على لطمسنا أى تبادروا إلى الطريق ليجوزوه ويمضوا فيه والصراط منصوب بنزع الخافض أى فاستبقوا إليه وقال عطاء ومقاتل وقتادة المعنى لو نشاء لفقأنا أعينهم وأعميناهم عن غيهم وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فأبصروا رشدهم واهتدوا وتبادروا إلى طريق الآخرة ومعنى ) فأنى يبصرون ( أى كيف يبصرون الطريق ويحسنون سلوكه ولا أبصار لهم وقرأ عيسى بن عمر فاستبقوا على صيغة الأمر أى فيقال لم استبقوا وفى هذا تهديد لهم
يس : ( 67 ) ولو نشاء لمسخناهم . . . . .
ثم كرر التهديد لهم فقال ) ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم ( المسخ تبديل الخلقة إلى حجر أو غيره من الجماد أو بهيمة والمكانة المكان أى لو شئنا لبدلنا خلقهم على المكان الذى هم فيه قيل والمكانة أخص من المكان كالمقامة والمقام قال الحسن أى لأقعدناهم ) فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ( أى لا يقدرون على ذهاب ولا مجىء قال الحسن فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر وقيل المعنى لو نشاء لأهلكناهم فى مساكنهم وقيل لمسخناهم فى المكان الذى فعلوا فيه المعصية وقال يحيى بن سلام هذا كله يوم القيامة قرأ الجمهور على مكانتهم بالإفراد وقرأ الحسن والسلمي وزر ابن حبيش وأبو بكر عن عاصم مكاناتهم بالجمع وقرأ الجمهور مضيا بضم الميم وقرأ أبو حيوة مضيا بفتحها وروى عنه أنه قرأ بكسرها ورويت هذه القراءة عن الكسائى قيل والمعنى ولا يستطيعون رجوعا فوضع الفعل موضع المصدر لمراعاة الفاصلة يقال مضى يمضى مضيا إذا ذهب فى الأرض ورجع يرجع رجوعا إذا عاد من حيث جاء
يس : ( 68 ) ومن نعمره ننكسه . . . . .
) ومن نعمره ننكسه في الخلق ( قرأ الجمهور ننكسه بفتح النون الأولى وسكون الثانية وضم الكاف مخففة وقرأ عاصم وحمزة بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الكاف مشددة والمعنى من


"""""" صفحة رقم 379 """"""
نطل عمره نغير خلقه ونجعله على عكس ما كان عليه أولا من القوة والطراوة قال الزجاج المعنى من أطلنا عمره نكسنا خلقه فصار بدل القوة الضعف وبدل الشباب الهرم ومثل هذه الآية قوله سبحانه ) ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ( وقوله ) ثم رددناه أسفل سافلين ( ومعنى ) أفلا تعقلون ( أفلا تعلمون بعقولكم أن من قدر على ذلك قدر على البعث والنشور قرأ الجمهور يعقلون بالتحتية وقرأ نافع وابن ذكوان بالفوقية على الخطاب ولما قال كفار مكة إن القرآن شعر وإن محمدا شاعر
يس : ( 69 ) وما علمناه الشعر . . . . .
رد الله عليهم بقوله ) وما علمناه الشعر ( والمعنى نفى كون القرآن شعرا ثم نفى أن يكون النبى شاعرا فقال ) وما ينبغي له ( أى لا يصح له الشعر ولا يتأتى منه ولا يسهل عليه لو طلبه وأراد أن يقوله بل كان صلى الله عي وآله وسلم إذا أراد أن ينشد بيتا قد قاله شاعر متمثلا به كسر وزنه فإنه لما أنشد بيت طرفة بن العبد المشهور وهو قوله ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من من لم تزود
قال ويأتيك من لم تزوده بالأخبار وأنشد مرة أخرى قول العباس بن مرداس السلمى أتجعل نهبى ونهب العبيد
بين عيينة والأقرع
فقال بين الأقرع وعيينة وأنشد أيضا كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا
فقال أبو بكر يا رسول الله إنما قال الشاعر
كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال أشهد أنك رسول الله يقول الله عز وجل ) وما علمناه الشعر وما ينبغي له ( وقد وقع منه ( صلى الله عليه وسلم ) كثير من مثل هذا قال الخليل كان الشعر أحب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من كثير من الكلام ولكن لا يتأتى منه ووجه عدم تعليمه الشعر وعدم قدرته عليه التكميل للحجة والدحض للشبهة كما جعله الله أميا لا يقرأ ولا يكتب وأما ما روى عنه من قوله ( صلى الله عليه وسلم )
هل أنت إلا أصبع دميت
وفى سبيل الله ما لقيت
وقوله
أنا النبى لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
ونحو ذلك فمن الاتفاق الوارد من غير قصد كما يأتى ذلك فى بعض آيات القرآن وليس بشعر ولا مراد به الشعر بل اتفق ذلك اتفاقا كما يقع فى كثير من كلام الناس فإنهم قد يتكلمون بما لو اعتبره معتبر لكان على وزن الشعر ولا يعدونه شعرا وذلك كقوله تعالى ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( وقوله ) وجفان كالجواب وقدور راسيات ( على أنه قد قال الأخفش إن قوله أنا النبى لا كذب ليس بشعر وقال الخليل فى كتاب العين إن ما جاء من السجع على جزءين لا يكون شعرا قال ابن العربى والأظهر من حاله أنه قال لا كذب برفع الباء من كذب وبخفضها من عبد المطلب قال النحاس قال بعضهم إنما الرواية بالإعراب وإذا كانت بالإعراب لم يكن شعرا لأنه إذا فتح الباء من الأول أو ضمهما أو نونها وكسر الباء من الثانى خرج عن وزن الشعر وقيل إن الضمير فى له عائد إلى القرآن أى وما ينبغى للقرآن أن يكون شعرا ) إن هو إلا ذكر ( أى ما القرآن إلا ذكر من الأذكار وموعظة من المواعظ ) وقرآن مبين ( أى كتاب من كتب الله السماوية مشتمل على الأحكام الشرعية
يس : ( 70 ) لينذر من كان . . . . .
) لينذر من كان حيا ( أى لينذر القرآن من كان حيا أي قلبه صحيح يقبل الحق ويأبى الباطل أو لينذر الرسول من كان حيا قرأ الجمهور بالياء التحتية وقرأ نافع وابن عامر بالفوقية فعلى القراءة الأولى المراد القرآن وعلى الثانية


"""""" صفحة رقم 380 """"""
المراد النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ) ويحق القول على الكافرين ( أى وتجب كلمة العذاب على المصرين على الكفر الممتنعين من الإيمان بالله وبرسله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى شيبة وابن أبى الدنيا وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس فى قوله ) في شغل فاكهون ( قال فى افتضاض الأبكار وأخرج عبد بن حميد وابن أبى الدنيا وعبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود فى الآية قال شغلهم افتضاض العذارى وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وقتادة مثله وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد عن ابن عمر قال إن المؤمن كلما أراد زوجة وجدها عذراء وقد روى نحوه مرفوعا عن أبى سعيد مرفوعا عند الطبرانى فى الصغير وأبى الشيخ فى العظمة وروى أيضا نحوه عن أبى هريرة مرفوعا عند الضياء المقدسى فى صفة الجنة وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) في شغل فاكهون ( قال ضرب الأوتار قال أبو حاتم هذا لعله خطأ من المستمع وإنما هو افتضاض الأبكار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه قال فاكهون فرحون وأخرج ابن ماجه وابن أبى الدنيا فى صفة الجنة والبزار وابن أبى حاتم والآجرى فى الرؤية وابن مردويه عن جابر قال قال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بينا أهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وذلك قول الله ) سلام قولا من رب رحيم ( قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شىء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم فى ديارهم قال ابن كثير فى إسناده نظر وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى الآية قوله إن الله هو يسلم عليهم وأخرج أحمد ومسلم والنسائى والبزار وابن أبى الدنيا فى التوبة واللفظ له وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الأسماء والصفات عن أنس فى قوله ) اليوم نختم على أفواههم ( قال كنا عند النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فضحك حتى بدت نواجذه قال أتدرون مما ضحكت قلنا لا يا رسول الله قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب ألم تجرنى من الظلم فيقول بلى فيقول إنى لا أجيز على إلا شاهدا منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقى فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل وأخرج مسلم والترمذى وابن مردويه والبيهقى عن أبى سعيد وأبى هريرة قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يلقى العبد ربه فيقول الله قل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترتع فيقول بلى أى رب فيقول أفظننت أنك ملاقى فيقول لا فيقول إنى أنساك كما نسيتنى ثم يلقى الثانى فيقول مثل ذلك ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت ويثنى بخير ما استطاع فيقول ألا نبعث شاهدنا عليك فيفكر فى نفسه من الذى يشهد على فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقى فتنطق فخذه وفمه وعظامه بعمله ما كان وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذى يسخط عليه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم من حديث أبى موسى نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم ( قال أعميناهم وأضللناهم عن الهدى ) فأنى يبصرون ( فكيف يهتدون وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) ولو نشاء لمسخناهم ( قال أهلكناهم ) على مكانتهم ( قال فى مساكنهم وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم قال بلغنى أنه قيل لعائشة هل كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتمثل بشىء من الشعر قال كان أبغض


"""""" صفحة رقم 381 """"""
الحديث إليه غير أنه كان يتمثل ببيت أخى بنى قيس فيجعل أوله آخره يقول ويأتيك من لم تزود بالأخبار فقال أبو بكر ليس هكذا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنى والله ما أنا بشاعر ولا ينبغى لى وهذا يرد ما نقلناه عن الخليل سابقا أن الشعر كان أحب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من كثير من الكلام وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد عنها قالت كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا استراث الخبر تمثل ببيت طرفة ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وأخرج ابن أبى شيبة عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتمثل من الأشعار
ويأتيك بالأخبار من لم تزود وأخرج البيهقى فى سننه عن عائشة قالت ما جمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيت شعر قط إلا بيتا واحدا تفاءل بما تهوى يكن فلقلما
يقال لشىء كان إلا تحقق
قالت عائشة ولم يقل تحققا لئلا يعربه فيصير شعرا وإسناده هكذا قال أخبرنا أبو عبيد الله الحافظ يعنى الحاكم حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن نعيم حدثنا أبو محمد عبد الله بن هلال النحوى الضرير حدثنا على بن عمرو الأنصارى حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهرى عن عروة عن عائشة فذكره وقد سئل المزى عن هذا الحديث فقال هو منكر ولم يعرف شيخ الحاكم ولا الضرير
سورة يس ( 71 83 )
يس : ( 71 ) أو لم يروا . . . . .
ثم ذكر سبحانه قدرته العظيمة وإنعامه على عبيده وجحد الكفار لنعمه فقال ) أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ( والهمزة للإنكار والتعجيب من حالهم والواو للعطف على مقدر كما فى نظائره والرؤية هى القلبية أى أولم يعلموا بالتفكر والاعتبار ) أنا خلقنا لهم ( أى لأجلهم ) مما عملت أيدينا ( أى مما أبدعناه وعملناه من


"""""" صفحة رقم 382 """"""
غير واسطة ولا شركة وإسناد العمل إلى الأيدى مبالغة فى الاختصاص والتفرد بالخلق كما يقول الواحد منا عملته بيدى للدلالة على تفرده بعمله وما بمعنى الذى وحذف العائد لطول الصلة ويجوز أن تكون مصدرية والأنعام جمع نعم وهى البقر والغنم والإبل وقد سبق تحقيق الكلام فيها ثم ذكر سبحانه المنافع المترتبة على خلق الأنعام فقال ) فهم لها مالكون ( أى ضابطون قاهرون يتصرفون بها كيف شاءوا ولو خلقناها وحشية لنفرت عنهم ولم يقدروا على ضبطها ويجوز أن يكون المراد أنها صارت فى أملاكهم ومعدودة من جملة أموالهم المنسوبة إليهم نسبة الملك
يس : ( 72 ) وذللناها لهم فمنها . . . . .
) وذللناها لهم ( أى جعلناها لهم مسخرة لا تمتنع مما يريدون منها من منافعهم حتى الذبح ويقودها الصبى فتنقاد له ويزجرها فتنزجر والفاء فى قوله ) فمنها ركوبهم ( لتقريع أحكام التذليل عليه أى فمنها مركوبهم الذى يركبونه كما يقال ناقة حلوب أي محلوبة قرأ الجمهور ركوبهم بفتح الراء وقرأ الأعمش والحسن وابن السميفع بضم الراء على المصدر وقرأ أبى وعائشة ركوبتهم والركوب والركوبة واحد مثل الحلوب والحلوبة والحمول والحمولة وقال أبو عبيدة الركوبة تكون للواحدة والجماعة والركوب لا يكون إلا للجماعة وزعم أبو حاتم أنه لا يجوز فمنها ركوبهم بضم الراء لأنه مصدر والركوب ما يركب وأجاز ذلك الفراء كما يقال فمنها أكلهم ومنها شربهم ومعنى ) ومنها يأكلون ( ما يأكلونه من لحمها ومن للتبعيض
يس : ( 73 ) ولهم فيها منافع . . . . .
) ولهم فيها منافع ( أى لهم فى الأنعام منافع غير الركوب لها والأكل منها وهى ما ينتفعون به من أصوافها وأوبارها وأشعارها وما يتخذونه من الأدهان من شحومها وكذلك الحمل عليها والحراثة بها ) ومشارب ( أى ولهم فيها مشارب مما يحصل من ألبانها ) أفلا يشكرون ( الله على هذه النعم ويوحدونه ويخصونه بالعبادة
يس : ( 74 ) واتخذوا من دون . . . . .
ثم ذكر سبحانه جهلهم واغترارهم ووضعهم كفران النعم مكان شكرها فقال ) واتخذوا من دون الله آلهة ( من الأصنام ونحوها يعبدونها ولا قدرة لها على شىء ولم يحصل لهم منها فائدة ولا عاد عليهم من عبادتها عائدة ) لعلهم ينصرون ( أى رجاء أن ينصروا من جهتهم إن نزل بهم عذاب أو دهمهم أمر من الأمور
يس : ( 75 ) لا يستطيعون نصرهم . . . . .
وجملة ) لا يستطيعون نصرهم ( مستأنفة لبيان بطلان ما رجوه منها وأملوه من نفعها وجمعهم بالواو والنون جمع العقلاء بناء على زعم المشركين أنهم ينفعون ويضرون ويعقلون ) وهم لهم جند محضرون ( أى والكفار جند للأصنام محضرون أى يحضرونهم فى الدنيا قال الحسن يمنعون منهم ويدفعون عنهم وقال قتادة أى يغضبون لهم فى الدنيا قال الزجاج ينتصرون للأصنام وهى لا تستطيع نصرهم وقيل المعنى يعبدون الآلهة ويقومون بها فهم لهم بمنزلة الجند هذه الأقوال على جعل ضميرهم للمشركين وضمير لهم للآلهة وقيل وهم أى الآلهة لهم أى للمشركين جند محضرون معهم فى النار فلا يدفع بعضهم عن بعض وقيل معناه وهذه الأصنام لهؤلاء الكفار جند الله عليهم فى جهنم لأنهم يلعنونهم ويتبرءون منهم وقيل المعنى إن الكفار يعتقدون أن الأصنام جند لهم يحضرون يوم القيامة لإعانتهم
يس : ( 76 ) فلا يحزنك قولهم . . . . .
ثم سلى سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) فلا يحزنك قولهم ( هذا القول هو ما يفيده قوله ) واتخذوا من دون الله آلهة ( فإنهم بلا بد أن يقولوا هؤلاء آلهتنا وإنها شركاء لله فى المعبودية ونحو ذلك وهو نهى للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) عن التأثر بذلك وقيل إنه نهى لهم عن الأسباب التى تحزن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإن النهى لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن التأثر لما يصدر منهم وهو من باب لا أرينك ها هنا فإنه يراد به نهى من خاطبه عن الحضور لديه لا نهى نفسه عن الرؤية وهذا بعيد والأول أولى والكلام من باب التسلية كما ذكرنا ويجوز أن يكون المراد بالقول المذكور هو قولهم إنه ساحر وشاعر ومجنون وجملة ) إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ( لتعليل ما تقدم من النهى فإن علمه سبحانه بما يظهرون ويضمرون مستلزم للمجازاة لهم بذلك وأن جميع ما صدر منهم لا يعزب عنه


"""""" صفحة رقم 383 """"""
سواء كان خافيا أو باديا سرا أو جهرا مظهرا أو مضمرا وتقديم السر على الجهر للمبالغة فى شمول علمه لجميع المعلومات
يس : ( 77 ) أو لم ير . . . . .
وجملة ) أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ( مستأنفة مسوقة لبيان إقامة الحجة على من أنكر البعث وللتعجيب من جهله فإن مشاهدة خلقهم فى أنفسهم على هذه الصفة من البداية إلى النهاية مستلزمة للاعتراف بقدرة القادر الحكيم على ما هو دون ذلك من بعث الأجسام وردها كما كانت والإنسان المذكور فى الآية المراد به جنس الإنسان كما فى قوله ) أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ( ولا وجه لتخصيصه بإنسان معين كما قيل إنه عبد الله بن أبى وأنه قيل له ذلك لما أنكر البعث وقال الحسن هو أمية بن خلف وقال سعيد بن جبير هو العاص بن وائل السهمى وقال قتادة ومجاهد هو أبى بن خلف الجمحى فإن أحد هؤلاء وإن كان سببا للنزول فمعنى الآية خطاب الإنسان من حيث هو لا إنسان معين ويدخل من كان سببا للنزول تحت جنس الإنسان دخولا أوليا والنطفة هى اليسير من الماء وقد تقدم تحقيق معناها ) فإذا هو خصيم مبين ( هذه الجملة معطوفة على الجملة المنفية قبلها داخلة معها فى حيز الإنكار المفهوم من الاستفهام وإذا هى الفجائية أى ألم ير الإنسان أنا خلقناه من أضعف الأشياء ففجأ خصومتنا فى أمر قد قامت فيه عليه حجج الله وبراهينه والخصيم الشديد الخصومة الكثير الجدال ومعنى المبين المظهر لما يقوله الموضح له بقوة عارضته وطلاقة لسانه
يس : ( 78 ) وضرب لنا مثلا . . . . .
وهكذا جملة ) وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ( معطوفة على الجملة المنفية داخله فى حيز الإنكار المفهوم من الاستفهام فهى تكميل للتعجيب من حال الإنسان وبيان جهله بالحقائق وإهماله للتفكر فى نفسه فضلا عن التفكر فى سائر مخلوقات الله ويجوز أن تكون جملة ) فإذا هو خصيم ( معطوفة على خلقنا وهذه معطوفة عليها أى أورد فى شأننا قصة غريبة كالمثل وهى إنكاره أحيانا للعظام ونسى خلقه أى خلقنا إياه وهذه الجملة معطوفة على ضرب أو فى محل نصب على الحال بتقدير قد وجملة ) قال من يحيي العظام وهي رميم ( استئناف عن سؤال مقدر كأنه قيل ما هذا المثل الذى ضربه فقيل قال من يحيى العظام وهى رميم وهذا الاستفهام للإنكار لأنه قاس قدرة الله على قدرة العبد فأنكر أن الله يحيى العظام البالية حيث لم يكن ذلك في مقدور البشر يقال رم العظم يرم رما إذا بلى فهو رميم ورمام وإنما قال رميم ولم يقل رميمة مع كونه خبرا للمؤنث لأنه اسم لما بلى من العظام غير صفة كالرمة والرفات وقيل لكونه معدولا عن فاعلة وكل معدول عن وجهه يكون مصروفا عن إعرابه كما فى قوله ) وما كانت أمك بغيا ( لأنه مصروف عن باغيه كذا قال البغوى والقرطبى وقال بالأول صاحب الكشاف والأولى أن يقال إنه فعيل بمعنى فاعل أو مفعول وهو يستوى فيه المذكر والمؤنث كما قيل فى جريح وصبور
يس : ( 79 ) قل يحييها الذي . . . . .
ثم أجاب سبحانه عن الضارب لهذا المثل فقال ) قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ( أى ابتدأها وخلقها أول مرة من غير شىء ومن قدر على النشأة الأولى قدر على النشأة الثانية ) وهو بكل شيء عليم ( لا يخفى عليه خافية ولا يخرج عن علمه خارج كائنا من كان وقد استدل أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعى بهذه الآية على أن العظام مما تحله الحياة وقال الشافعى لا تحله الحياة وأن المراد بقوله ) من يحيي العظام ( من يحيى أصحاب العظام على تقدير مضاف محذوف ورد بأن هذا التقدير خلاف الظاهر
يس : ( 80 ) الذي جعل لكم . . . . .
) الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ( هذا رجوع منه سبحانه إلى تقرير ما تقدم من دفع استبعادهم فنبه سبحانه على وحدانيته ودل على قدرته على إحياء الموات بما يشاهدونه من إخراج النار المحرقة من العود الندى الرطب وذلك أن الشجر المعروف بالمرخ والشجر المعروف بالعفار إذا قطع منهما عودان وضرب أحدهما على الآخر انقدحت النار وهما أخضران قيل المرخ هو الذكر والعفار هو الأنثى ويسمى الأول الزند والثانى الزندة وقال الأخضر ولم يقل الخضراء اعتبارا باللفظ وقرىء الخضر اعتبارا


"""""" صفحة رقم 384 """"""
بالمعنى وقد تقرر أنه يجوز تذكير اسم الجنس وتأنيثه كما فى قوله نخل منقعر وقوله نخل خاوية فبنو تميم ونجد يذكرونه وأهل الحجاز يؤنثونه إلا نادرا والموصول بدل من الموصول الأول ) فإذا أنتم منه توقدون ( أى تقدحون منه النار وتوقدونها من ذلك الشجر الأخضر
يس : ( 81 ) أو ليس الذي . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما هو أعظم خلقا من الإنسان فقال ) أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ( والهمزة لإنكار والواو للعطف على مقدر كنظائره ومعنى الآية أن من قدر على خلق السموات والأرض وهما فى غاية العظم وكبر الأجزاء يقدر على إعادة خلق البشر الذى هو صغير الشكل ضعيف القوة كما قال سبحانه ) لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ( قرأ الجمهور بقادر بصيغة اسم الفاعل وقرأ الجحدرى وابن أبى إسحاق والأعرج وسلام بن المنذر وأبو يعقوب الحضرمى يقدر بصيغة الفعل المضارع ثم أجاب سبحانه عما أفاده الاستفهام من الإنكار التقريرى بقوله ) بلى وهو الخلاق العليم ( أى بلى هو قادر على ذلك وهو المبالغ فى الخلق والعلم على أكمل وجه وأتمه وقرأ الحسن والجحدرى ومالك بن دينار وهو الخالق
يس : ( 82 ) إنما أمره إذا . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما يدل على كمال قدرته وتيسر المبدأ والإعادة عليه فقال ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( أى إنما شأنه سبحانه إذا تعلقت إرادته بشىء من الأشياء أن يقول له أحدث فيحدث من غير توقف على شيء آخر أصلا وقد تقدم تفسير هذا فى سورة النحل وفى البقرة وقرأ الجمهور فيكون بالرفع على الاستئناف وقرأ الكسائى بالنصب عطفا على يقول
يس : ( 83 ) فسبحان الذي بيده . . . . .
ثم نزه سبحانه نفسه عن أن يوصف بغير القدرة فقال ) فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ( والملكوت فى كلام العرب لفظ مبالغة فى الملك كالجبروت والرحموت كأنه قال فسبحان الذى بيده مالكية الأشياء الكلية قال قتادة ملكوت كل شىء مفاتح كل شىء قرأ الجمهور ملكوت وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف وإبراهيم التيمى ملكة بزنة شجرة وقرىء مملكة بزنة مفعلة وقرىء ملك والملكوت أبلغ من الجميع وقرأ الجمهور ) وإليه ترجعون ( بالفوقية على الخطاب مبنيا للمفعول وقرأ السلمى وزر بن حبيش وأصحاب ابن مسعود بالتحتية على الغيبة مبنيا للمفعول أيضا وقرأ زيد بن على على البناء لفاعل أى ترجعون إليه لا إلى غيره وذلك فى الدار الآخرة بعد البعث
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم فى معجمه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى البعث والضياء فى المختارة عن ابن عباس قال جاء العاص بن وائل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعظم حائل ففته بيده فقال يا محمد أيحي الله هذا بعد ما أرى قال نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت الآيات من آخر يس ) أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ( إلى آخر السورة وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه قال جاء عبدالله بن أبي في يده عظم حائل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر مثل ما تقدم قال ابن كثير وهذا منكر لأن السورة مكية وعبد الله بن أبى إنما كان بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال جاء أبى بن خلف الجمحي وذكر نحو ما تقدم وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال نزلت فى أبى جهل وذكر نحو ما تقدم


"""""" صفحة رقم 385 """"""
ع3
تفسير
سورة الصافات
هى مائة واثنتان وثمانون آية
حول السورة
وهى مكية قال القرطبى فى قول الجميع وأخرج ابن الضريس وابن النحاس وابن مردويه والبيهقى في الدلائل عن ابن عباس قال نزلت بمكة وأخرج النسائى والبيهقى فى سننه عن ابن عمر قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات قال ابن كثير تفرد به النسائى وأخرج ابن أبى داود فى فضائل القرآن وابن النجار فى تاريخه من طريق نهشل بن سعد الوردانى عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ يس والصافات يوم الجمعة ثم سأل الله أعطاه سؤله وأخرج أبو نعيم فى الدلائل والسلفى فى الطيوريات عن ابن عباس أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لما سأله ملوك حضرموت عند قدومهم عليه أن يقرأ عليهم شيئا مما أنزل الله قرأ ) والصافات صفا ( حتى بلغ ) ( الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الصافات ( 1 - 19 )
الصافات : ( 1 ) والصافات صفا
قوله ) والصافات صفا ( قرأ أبو عمرو وحمزة وقيل حمزة فقط بإدغام التاء من الصافات فى صاد صفا وإدغام التاء من الزاجرات فى زاى زجرا وإدغام التاء من التاليات فى ذال ذكرا وهذه القراءة قد أنكرها أحمد بن حنبل


"""""" صفحة رقم 386 """"""
لما سمعها قال النحاس وهى بعيدة فى العربية من ثلاث جهات الجهة الأولى أن التاء ليست من مخرج الصاد ولا من مخرج الزاى ولا من مخرج الدال ولا من أخواتهن الجهة الثانية أن التاء فى كلمة وما بعدها فى كلمة أخرى الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين وإنما يجوز الجمع بين ساكنين فى مثل هذا إذا كانا فى كلمة واحدة وقال الواحدى إدغام التاء فى الصاد حسن لمقاربة الحرفين ألا ترى أنهما من طرف اللسان وقرأ الباقون بإظهار جميع ذلك والواو للقسم والمقسم به الملائكة الصافات والزاجرات والتاليات والمراد بالصافات التى تصف فى السماء من الملائكة كصفوف الخلق فى الدنيا قاله ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وقيل إنها تصف أجنحتها فى الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد وقال الحسن صفا كصفوفهم عند ربهم فى صلاتهم وقيل المراد بالصافات هنا الطير كما فى قوله ) أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ( والأول أولى والصف ترتيب الجمع على خط كالصف فى الصلاة وقيل الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفا فى الصلاة أو فى الجهاد ذكره القشيرى
الصافات : ( 2 ) فالزاجرات زجرا
والمراد ب ) فالزاجرات ( الفاعلات للزجر من الملائكة إما لأنها تزجر السحاب كما قال السدى وإما لأنها تزجر عن المعاصى بالمواعظ والنصائح وقال قتادة المراد بالزاجرات الزواجر من القرآن وهى كل ما ينهى ويزجر عن القبيح والأول أولى وانتصاب صفا و زجرا على المصدرية لتأكيد ما قبلهما وقيل المراد بالزاجرات العلماء لأنهم هم الذين يزجرون أهل المعاصى والزجر فى الأصل الدفع بقوة وهو هنا قوة التصويت ومنه قول الشاعر زجر أبى عروة السباع إذا
أشفق أن يختلطن بالغنم
الصافات : ( 3 ) فالتاليات ذكرا
ومنه زجرت الإبل والغنم إذا أفزعتها بصوتك والمراد ب ) فالتاليات ذكرا ( الملائكة التى تتلو القرآن كما قال ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وابن جبير والسدى وقيل المراد جبريل وحده فذكر بلفظ الجمع تعظيما له مع أنه لا يخلو من أتباع له من الملائكة وقال قتادة المراد كل من تلا ذكر الله وكتبه وقيل المراد آيات القرآن ووصفها بالتلاوة وإن كانت متلوة كما فى قوله ) إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل ( وقيل لأن بعضها يتلو بعضا ويتبعه وذكر الماوردى أن التاليات هم الأنبياء يتلون الذكر على أممهم وانتصاب ذكرا على أنه مفعول به ويجوز أن يكون مصدرا كما قبله من قوله ) صفا ( و ) زجرا ( قيل وهذه الفاء فى قوله ) فالزاجرات ( ) فالتاليات ( إما لترتيب الصفات أنفسها فى الوجود أو لترتيب موصوفاتها فى الفضل وفى الكل نظر
الصافات : ( 4 ) إن إلهكم لواحد
وقوله ) إن إلهكم لواحد ( جواب القسم أى أقسم الله بهذه الأقسام إنه واحد ليس له شريك وأجاز الكسائى فتح إن الواقعة فى جواب القسم
الصافات : ( 5 ) رب السماوات والأرض . . . . .
) رب السماوات والأرض ( يجوز أن يكون خبرا ثانيا وأن يكون بدلا من لواحد وأن يكون خبر مبتدأ محذوف قال ابن الأنبارى الوقف على لواحد وقف حسن ثم يبتدىء رب السموات والأرض على معنى هو رب السموات والأرض قال النحاس ويجوز أن يكون بدلا من لواحد والمعنى فى الآية أن وجود هذه المخلوقات على هذا الشكل البديع من أوضح الدلائل على وجود الصانع وقدرته وأنه رب ذلك كله أى خالقه ومالكه والمراد بما بينهما ما بين السموات والأرض من المخلوقات والمراد ب ) المشارق ( مشارق الشمس قيل إن الله سبحانه خلق للشمس كل يوم مشرقا ومغربا بعدد أيام السنة تطلع كل يوم من واحد منها وتغرب من واحد كذا قال ابن الأنبارى وابن عبد البر وأما قوله فى سورة الرحمن ) رب المشرقين ورب المغربين ( فالمراد بالمشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس فى الأيام الطوال وأقصر يوم فى الأيام القصار وكذلك فى المغربين وأما ذكر المشرق والمغرب بالإفراد فالمراد به الجهة التى تشرق منها الشمس والجهة التى تغرب منها ولعله قد


"""""" صفحة رقم 387 """"""
تقدم لنا فى هذا كلام أوسع من هذا
الصافات : ( 6 ) إنا زينا السماء . . . . .
) إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ( المراد بالسماء الدنيا التى تلى الأرض من الدنو وهو القرب فهى أقرب السموات إلى الأرض قرأ الجمهور ) بزينة الكواكب ( بإضافة زينة إلى الكواكب والمعنى زيناها بتزيين الكواكب أي بحسنها وقرأ مسروق والأعمش والنخعى وحمزة بتنوين زينة وخفض الكواكب على أنها بدل من الزينة على أن المراد بالزينة الاسم لا المصدر والتقدير بعد طرح المبدل منه إنا زينا السماء بالكواكب فإن الكواكب فى أنفسها زينة عظيمة فإنها فى أعين الناظرين لها كالجواهر المتلألئة وقرأ عاصم فى رواية أبى بكر عنه بتنوين زينة ونصب الكواكب على أن الزينة مصدر وفاعله محذوف والتقدير بأن الله زين الكواكب بكونها مضيئة حسنة فى أنفسها أو تكون الكواكب منصوبة بإضمار أعنى أو بدلا من السماء بدل اشتمال وانتصاب حفظا على المصدرية بإضمار فعل أى حفظناها حفظا أو على أنه مفعول لأجله أى زيناها بالكواكب للحفظ أو بالعطف على محل زينة كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء
الصافات : ( 7 ) وحفظا من كل . . . . .
) وحفظا من كل شيطان مارد ( أى متمرد خارج عن الطاعة يرمى بالكواكب كقوله ) ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين )
الصافات : ( 8 ) لا يسمعون إلى . . . . .
وجملة ) لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ( مستأنفة لبيان حالهم بعد حفظ السماء منهم وقال أبو حاتم أى لئلا يسمعوا ثم حذف إن فرفع الفعل وكذا قال الكلبى والملأ الأعلى أهل السماء الدنيا فما فوقها وسمى الكل منهم أعلى بإضافته إلى ملإ الأرض والضمير فى يسمعون إلى الشياطين وقيل إن جملة لا يسمعون صفة لكل شيطان وقيل جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل فما كان حالهم بعد حفظ السماء عنهم فقال ) لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ( قرأ الجمهور يسمعون بسكون السين وتخفيف الميم وقرأ حمزة والكسائى وعاصم فى رواية حفص عنه بتشديد الميم والسين والأصل يتسمعون فأدغم التاء فى السين فالقراءة الأولى تدل على انتفاء سماعهم دون استماعهم والقراءة الثانية تدل على انتفائهما وفى معنى القراءة الأولى قوله تعالى ) إنهم عن السمع لمعزولون ( قال مجاهد كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون واختار أو عبيدة القراءة الثانية قال لأن العرب لا تكاد تقول سمعت إليه وتقول تسمعت إليه ) ويقذفون من كل جانب )
الصافات : ( 9 ) دحورا ولهم عذاب . . . . .
(دحورا ( أى يرمون من كل جانب من جوانب السماء بالشهب إذا أرادوا الصعود لاستراق السمع وانتصاب دحورا على أنه مفعول لأجله والدحور الطرد تقول دحرته دحرا ودحورا طردته قرأ الجمهور دحورا بضم الدال وقرأ على والسلمى ويعقوب الحضرمى وابن أبى عبلة بفتحها وروى عن أبى عمرو أنه قرأ يقذفون مبنيا للفاعل وهى قراءة غير مطابقة لما هو المرد من النظم القرآنى وقيل إن انتصاب دحورا على الحال أى مدحورين وقيل هو جمع داحر نحو قاعد وقعود فيكون حالا أيضا وقيل إنه مصدر لمقدر أى يدحرون دحورا وقال الفراء إن المعنى يقذفون بما يدحرهم أى بدحور ثم حذفت الباء فانتصب بنزع الخافض
واختلف هل كان هذا الرمى لهم بالشهب قبل المبعث أو بعده فقال بالأول طائفة وبالآخر آخرون وقالت طائفة بالجمع بين القولين إن الشياطين لم تكن ترمى قبل المبعث رميا يقطعها عن السمع ولكن كانت ترمي وقتا ولا ترمي وقتا آخر وترمي من جانب ولا ترمي من جانب آخر ثم بعد المبعث رميت فى كل وقت ومن كل جانب حتى صارت لا تقدر على استراق شىء من السمع إلا من اختطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب ومعنى ) ولهم عذاب واصب ( ولهم عذاب دائم لا ينقطع والمراد به العذاب فى الآخرة غير العذاب الذى لهم فى الدنيا من الرمى بالشهب وقال مقاتل يعنى دائما إلى النفخة الأولى والأول أولى وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن الواصب الدائم وقال السدى وأبو صالح والكلبى هو الموجع الذى يصل وجعه إلى القلب مأخوذ من


"""""" صفحة رقم 388 """"""
الوصب وهو المرض وقيل هو الشديد
الصافات : ( 10 ) إلا من خطف . . . . .
والاستثناء فى قوله ) إلا من خطف الخطفة ( هو من قوله لا يسمعون أو من قوله ويقذفون وقيل الاستثناء راجع إلى غير الوحى لقوله ) إنهم عن السمع لمعزولون ( بل يخطف الواحد منهم خطفة مما يتفاوض فيه الملائكة ويدور بينهم مما سيكون فى العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض والخطف الاختلاس مسارقة وأخذ الشىء بسرعة قرأ الجمهور خطف بفتح الخاء وكسر الطاء مخففة وقرأ قتادة والحسن بكسرهما وتشديد الطاء وهي لغة تميم بن مر وبكر بن وائل وقرأ عيسى بن عمر بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة وقرأ ابن عباس بكسرهما مع تخفيف الطاء وقيل إن الاستثناء منقطع ) فأتبعه شهاب ثاقب ( أى لحقه وتبعه شهاب ثاقب نجم مضىء فيحرقه وربما لا يحرقه فيلقى إلى إخوانه ما خطفه وليست الشهب التى يرجم بها هى من الكواكب الثوابت بل من غير الثوابت وأصل الثقوب الإضاءة قال الكسائى ثقبت النار تثقب ثقابة وثقوبا إذا اتقدت وهذه الآية هى كقوله ) إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين )
الصافات : ( 11 ) فاستفتهم أهم أشد . . . . .
) فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا ( أى اسأل الكفار المنكرين للبعث أهم أشد خلقا وأقوى أجساما وأعظم أعضاء أم من خلقنا من السموات والأرض والملائكة قال الزجاج المعنى فاسألهم سؤال تقرير أهم أشد خلقا أى أحكم صنعة أم من خلقا قبلهم من الأمم السالفة يريد أنهم ليسوا بأحكم خلقنا من غيرهم من الأمم وقد أهلكناهم بالتكذيب فما الذى يؤمنهم من العذاب ثم ذكر خلق الإنسان فقال ) إنا خلقناهم من طين لازب ( أى إنا خلقناهم فى ضمن خلق أبيهم آدم من طين لازب أى لاصق يقال لزب يلزب لزوبا إذا لصق وقال قتادة وابن زيد اللازب اللازق وقال عكرمة اللازب اللزج وقال سعيد بن جبير اللازب الجيد الذى يلصق باليد وقال مجاهد هو اللازم والعرب تقول طين لازب ولازم تبدل الباء من الميم واللازم الثابت كما يقال صار الشىء ضربة لازب ومنه قول النابغة لا تحسبون الخير لا شر بعده
ولا تحسبون الشر ضربة لازب
وحكى الفراء عن العرب طين لاتب بمعنى لازم واللاتب الثابت قال الأصمعى واللاتب اللاصق مثل اللازب والمعنى فى الآية أن هؤلاء كيف يستبعدون المعاد وهم مخلقون من هذا الخلق الضعيف ولم ينكره من هو مخلوق خلقا أقوى منهم وأعظم وأكمل وأتم وقيل اللازب هو المنتن قاله مجاهد والضحاك قرأ الجمهور ) أم من خلقنا ( بتشديد الميم وهى أم المتصلة وقرأ الأعمش بالتخفيف وهو استفهام ثان على قراءته قيل وقد قرىء لازم ولاتب ولا أدرى من قرأ بذلك
الصافات : ( 12 ) بل عجبت ويسخرون
ثم أضرب سبحانه عن الكلام السابق فقال ) بل عجبت ( يا محمد من قدرة الله سبحانه ويسخرون منك بسبب تعجبك أو ويسخرون منك بما تقوله من إثبات المعاد قرأ الجمهور بفتح التاء من عجبت على الخطاب للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) وقرأ حمزة والكسائى بضمها ورويت هذه القراءة عن على وابن مسعود وابن عباس واختارها أو عبيد والفراء قال الفراء قرأها الناس بنصب التاء ورفعها والرفع أحب إلى لأنها عن على وعبد الله وابن عباس قال والعجب أن أسند إلى الله فليس معناه من الله كمعناه من العباد قال الهروى وقال بعض الأئمة معنى قوله ) بل عجبت ( بل جازيتهم على عجبهم لأن الله أخبر عنهم فى غير موضع بالتعجب من الخلق كما قال ) وعجبوا أن جاءهم منذر منهم ( وقالوا إن هذا لشىء عجاب ) أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ( وقال على بن سليمان معنى القراءتين واحد والتقدير قل يا محمد بل عجبت لأن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مخاطب بالقرآن قال النحاس وهذا قول حسن وإضمار القول كثير وقيل إن الإخبار من الله سبحانه عن نفسه بالعجب أنه ظهر من أمره وسخطه على


"""""" صفحة رقم 389 """"""
من كفر به ما يقوم مقام العجب من المخلوقين قال الهروى ويقال معنى عجب ربكم أى رضى ربكم وأثاب فسماه عجبا وليس بعجب فى الحقيقة فيكون معنى عجبت هنا عظم فعلهم عندى وحكى النقاش أن معنى بل عجبت بل أنكرت قال الحسن بن الفضل التعجب من الله إنكار الشىء وتعظيمه وهو لغة العرب وقيل معناه أنه بلغ فى كمال قدرته وكثرة مخلوقاته إلى حيث عجب منها وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها والواو فى ويسخرون للحال أى بل عجبت والحال أنهم يسخرون ويجوز أن تكون للاستئناف
الصافات : ( 13 ) وإذا ذكروا لا . . . . .
) وإذا ذكروا لا يذكرون ( أى وإذا وعظوا بموعظة من مواعظ الله أو مواعظ رسوله لا يذكرون أى لا يتعظون بها ولا ينتفعون بما فيها قال سعيد بن المسيب أى إذا ذكر لهم ماحل بالمكذبين ممن كان قبلهم أعرضوا عنه ولم يتدبروا
الصافات : ( 14 ) وإذا رأوا آية . . . . .
) وإذا رأوا آية ( أى معجزة من معجزات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) يستسخرون ( أى يبالغون فى السخرية قال قتادة يسخرون ويقولون إنها سخرية يقال سخر واستسخر بمعنى مثل قر واستقر وعجب واستعجب والأول أولى لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى وقيل معنى يستسخرون يستدعون السخرى من غيرهم وقال مجاهد يستهزئون
الصافات : ( 15 ) وقالوا إن هذا . . . . .
) وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ( أى ما هذا الذى تأتينا به إلا سحر واضح ظاهر
الصافات : ( 16 ) أئذا متنا وكنا . . . . .
) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما ( الاستفهام للإنكار أى أنبعث إذا متنا فالعامل فى إذا هو ما دل عليه ) أئنا لمبعوثون ( وهو أنبعث لا نفس مبعوثون لتوسط ما يمنع من عمله فيه وهذا الإنكار للبعث منهم هو السبب الذى لأجله كذبوا الرسل وما نزل عليهم واستهزءوا بما جاءوا به من المعجزات وقد تقدم تفسير معنى هذه الآية فى مواضع
الصافات : ( 17 ) أو آباؤنا الأولون
) أو آباؤنا الأولون ( هو مبتدأ وخبره محذوف أى أو آباؤنا الأولون مبعوثون وقيل معطوف على محل إن واسمها وقيل على الضمير فى مبعوثون لوقوع الفصل بينهما والهمزة للإنكار داخلة على حرف العطف ولهذا قرأ الجمهور بفتح الواو وقرأ ابن عامر وقالون بسكونها على أن أو هى العاطفة وليست الهمزة للاستفهام
الصافات : ( 18 ) قل نعم وأنتم . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب عنهم تبكيتا لهم فقال ) قل نعم وأنتم داخرون ( أى نعم تبعثون وأنتم صاغرون ذليلون قال الواحدى والدخور أشد الصغار وجملة أنتم داخرون فى محل نصب على الحال
الصافات : ( 19 ) فإنما هي زجرة . . . . .
ثم ذكر سبحانه أن بعثهم يقع بزجرة واحدة فقال ) فإنما هي زجرة واحدة ( الضمير للقصة أو البعثة المفهومة مما قبلها أى إنما قصة البعث أو البعثة زجرة واحدة أى صيحة واحدة من إسرافيل بنفخه فى الصور عند البعث ) فإذا هم ينظرون ( أى يبصرون ما يفعل الله بهم من العذاب وقال الحسن هى النفخة الثانية وسميت الصيحة زجرة لأن المقصود منها الزجر وقيل معنى ينظرون ينتظرون ما يفعل بهم والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه من طرق عن ابن مسعود ) والصافات صفا ( قال الملائكة ) فالزاجرات زجرا ( قال الملائكة ) فالتاليات ذكرا ( قال الملائكة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وعكرمة مثله وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عنه أنه كان يقرأ ) لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ( مخففة وقال إنهم كانوا يتسمعون ولكن لا يسمعون وأخرج ابن جرير عنه أيضا فى قوله ) عذاب واصب ( قال دائم وأخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ فى العظمة عنه أيضا إذا رمى الشهاب لم يخط من رمى به وتلا ) فأتبعه شهاب ثاقب ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا ) فأتبعه شهاب ثاقب ( قال لا يقتلون بالشهاب ولا يموتون ولكنها تحرق وتخبل وتجرح فى غير قتل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) من طين لازب ( قال ملتصق وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 390 """"""
عنه أيضا ) من طين لازب ( قال اللزج الجيد وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال اللازب والحمأ والطين واحد كان أوله ترابا ثم صار حمأ منتنا ثم صار طينا لازبا فخلق الله منه آدم وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال اللازب الذى يلصق بعضه إلى بعض وأخرج الفريابى وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه كان يقرأ ) بل عجبت ويسخرون ( بالرفع للتاء من عجبت
سورة الصافات ( 20 49 )
الصافات : ( 20 ) وقالوا يا ويلنا . . . . .
قوله ) وقالوا يا ويلنا ( أى قال أولئك المبعوثون لما عاينوا البعث الذى كانوا يكذبون به في الدنيا يا ويلنا دعوا بالويل على أنفسهم قال الزجاج الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة وقال الفراء إن أصله ياوى لنا ووى بمعنى الحزن كأنه قال يا حزن لنا قال النحاس ولو كان كما قال لكان منفصلا وهو في المصحف متصل ولا نعلم أحدا يكتبه إلا متصلا وجملة ) هذا يوم الدين ( تعليل لدعائهم بالويل على أنفسهم والدين الجزاء فكأنهم قالوا هذا اليوم الذى نجازى فيه بأعمالنا من الكفر والتكذيب للرسل
الصافات : ( 21 ) هذا يوم الفصل . . . . .
فأجاب عليهم الملائكة بقولهم ) هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ( ويجوز أن يكون هذا من قول بعضهم لبعض والفصل الحكم والقضاء لأنه يفصل فيه بين المحسن والمسىء
الصافات : ( 22 ) احشروا الذين ظلموا . . . . .
وقوله ) احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ( هو أمر من الله سبحانه


"""""" صفحة رقم 391 """"""
للملائكة بأن يحشروا المشركين وأزواجهم وهم أشباههم فى الشرك والمتابعون لهم فى الكفر والمشايعون لهم فى تكذيب الرسل كذا قال قتادة وأبو العالية وقال الحسن ومجاهد المراد بأزواجهم نساؤهم المشركات الموافقات لهم على الكفر والظلم وقال الضحاك أزواجهم قرناؤهم من الشياطين يحشر كل كافر مع شيطانه وبه قال مقاتل ) وما كانوا يعبدون )
الصافات : ( 23 ) من دون الله . . . . .
(من دون الله ( من الأصنام والشياطين وهذا العموم المستفاد من ما الموصولة فإنها عبارة عن المعبودين لا عن العابدين كما قيل مخصوص لأن من طوائف الكفار من عبد المسيح ومنهم من عبد الملائكة فيخرجون بقوله ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ( ووجه حشر الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل هو زيادة التبكيت لعابديها وتخجيلهم وإظهار أنها لا تنفع ولا تضر ) فاهدوهم إلى صراط الجحيم ( أى عرفوا هؤلاء المحشورين طريق النار وسوقوهم إليها يقال هديته الطريق وهديته إليها أى دللته عليها وفى هذا تهكم بهم
الصافات : ( 24 ) وقفوهم إنهم مسؤولون
) وقفوهم إنهم مسؤولون ( أى احبسوهم يقال وقفت الدابة أقفها وقفا فوقفت هى وقوفا يتعدى ولا يتعدى وهذا الحبس لهم يكون قبل السوق إلى جهنم أى وقفوهم للحساب ثم سوقوهم إلى النار بعد ذلك وجملة ) إنهم مسؤولون ( تعليل للجملة الأولى قال الكلبى أى مسئولون عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم وقال الضحاك عن خطاياهم وقيل عن لا إله إلا الله وقيل عن ظلم العباد وقيل هذا السؤال هو المذكور بعد هذا
الصافات : ( 25 ) ما لكم لا . . . . .
بقوله ) ما لكم لا تناصرون ( أى أى شىء لكم لا ينصر بعضكم بعضا كما كنتم فى الدنيا وهذا توبيخ لهم وتقريع وتهكم بهم وأصله تتناصرون فطرحت إحدى التاءين تخفيفا قرأ الجمهور ) إنهم مسؤولون ( بكسر الهمزة وقرأ عيسى بن عمر بفتحها قال الكسائى أى لأنهم أو بأنهم وقيل الإشارة بقوله ) ما لكم لا تناصرون ( إلى قول أبى جهل يوم بدر نحن جميع منتصر
الصافات : ( 26 ) بل هم اليوم . . . . .
ثم أضرب سبحانه عما تقدم إلى بيان الحالة التى هم عليها هنالك فقال ) بل هم اليوم مستسلمون ( أى منقادون لعجزهم عن الحيلة قال قتادة مستسلمون فى عذاب الله وقال الأخفش ملقون بأيديهم يقال استسلم للشىء إذا انقاد له وخضع
الصافات : ( 27 ) وأقبل بعضهم على . . . . .
) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( أي أقبل بعض الكفار على بعض يتسائلون قيل هم الأتباع والرؤساء يسأل بعضهم بعضا سؤال توبيخ وتقريع ومخاصمة وقال مجاهد هو قول الكفار للشياطين وقال قتادة هو قول الإنس للجن والأول أولى
الصافات : ( 28 ) قالوا إنكم كنتم . . . . .
لقوله ) قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ( أى كنتم تأتوننا فى الدنيا عن اليمين أى من جهة الحق والدين والطاعة وتصدونا عنها قال الزجاج كنتم تأتوننا من قبل الدين فتروننا أن الدين والحق ما تضلوننا به واليمين عبارة عن الحق وهذا كقوله تعالى إخبار عن إبليس ) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم ( قال الواحدى قال أهل المعانى إن الرؤساء كانوا قد حلفوا لهؤلاء الأتباع أن ما يدعونهم إليه هو الحق فوثقوا بأيمانهم فمعنى ) تأتوننا عن اليمين ( أى من ناحية الإيمان التى كنتم تحلفونها فوثقنا بها قال والمفسرون على القول الأول وقيل المعنى تأتوننا عن اليمين التى نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك عن جهة النصح والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح وقيل اليمين بمعنى القوة أى تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر كما فى قوله ) فراغ عليهم ضربا باليمين ( أى بالقوة وهذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر
الصافات : ( 29 ) قالوا بل لم . . . . .
وكذلك جملة ) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين ( فإنها مستأنفة جواب سؤال مقدر والمعنى أنه قال الرؤساء أو الشياطين لهؤلاء القائلين كنتم تأتوننا عن اليمين بل لم تكونوا مؤمنين ولم نمنعكم من الإيمان والمعنى أنكم لم تكونوا مؤمنين قط حتى ننقلكم عن الإيمان إلى الكفر بل كنتم من الأصل على الكفر فأقمتم عليه
الصافات : ( 30 ) وما كان لنا . . . . .
) وما كان لنا عليكم من سلطان ( من تسلط بقهر وغلبة حتى ندخلكم فى الإيمان ونخرجكم من الكفر ) بل كنتم قوما طاغين ( أى متجاوزين الحد فى الكفر والضلال
الصافات : ( 31 ) فحق علينا قول . . . . .
وقوله ) فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون (


"""""" صفحة رقم 392 """"""
من قول المتبوعين أى وجب علينا وعليكم ولزمنا قول ربنا يعنون قوله تعالى ) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ( إنا لذائقو العذاب أى إنا جميعا لذائقو العذاب الذى ورد به الوعيد قال الزجاج أى إن المضل والضال فى النار
الصافات : ( 32 ) فأغويناكم إنا كنا . . . . .
) فأغويناكم ( أى أضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا فيه من الغى وزينا لكم ما كنتم عليه من الكفر ) إنا كنا غاوين ( فلا عتب علينا فى تعرضنا لإغوائكم لأنا أردنا أن تكونوا أمثالنا فى الغواية ومعنى الآية أقدمنا على إغوائكم لأنا كنا موصوفين فى أنفسنا بالغواية فاقروها ها هنا بأنهم تسببوا لإغوائهم لكن لا بطريق القهر والغلبة ونفوا عن أنفسهم فيما سبق أنهم قهروهم وغلبوهم فقالوا ) وما كان لنا عليكم من سلطان )
الصافات : ( 33 ) فإنهم يومئذ في . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه عن الأتباع والمتبوعين بقوله ) فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ( كما كانوا مشتركين فى الغواية
الصافات : ( 34 ) إنا كذلك نفعل . . . . .
) إنا كذلك نفعل بالمجرمين ( أى إنا نفعل مثل ذلك الفعل بالمجرمين أى أهل الإجرام وهم المشركون
الصافات : ( 35 ) إنهم كانوا إذا . . . . .
كما يفيده قوله سبحانه ) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ( أى إذا قيل لهم قولوا لا إله إلا الله يستكبرون عن القبول ومحل يستكبرون النصب على أنه خبر كان أو الرفع على أنه خبر إن وكان ملغاة
الصافات : ( 36 ) ويقولون أئنا لتاركوا . . . . .
) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ( يعنون النبى صلى الله عليه واله وسلم أي لقول شاعر مجنون
الصافات : ( 37 ) بل جاء بالحق . . . . .
فرد الله سبحانه عليهم بقوله ) بل جاء بالحق ( يعنى القرآن المشتمل على التوحيد والوعد والوعيد ) وصدق المرسلين ( أى صدقهم فيما جاءوا به من التوحيد والوعيد وإثبات الدار الآخرة ولم يخالفهم ولا جاء بشىء لم تأت به الرسل قبله
الصافات : ( 38 ) إنكم لذائقوا العذاب . . . . .
) إنكم لذائقوا العذاب الأليم ( أى أنكم بسبب شرككم وتكذيبكم لذائقوا العذاب الشديد الألم قرأ الجمهور ) لذائقوا ( بحذف النون وخفض العذاب وقرأ أبان بن ثعلب عن عاصم وأبو السماك بحذفها ونصب العذاب وأنشد سيبويه فى مثل هذه القراءة بالحذف للنون والنصب للعذاب قول الشاعر فألفيته غير مستعتب
ولا ذاكر الله إلا قليلا
وأجاز سيبويه أيضا والمقيمى الصلاة بنصب الصلاة على هذا التوجيه وقد قرىء بإثبات النون ونصب العذاب على الأصل
الصافات : ( 39 ) وما تجزون إلا . . . . .
ثم بين سبحانه أن ما ذاقوه من العذاب ليس إلا بسبب أعمالهم فقال ) وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ( أى إلا جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والمعاصى أو إلا بما كنتم تعملون
الصافات : ( 40 ) إلا عباد الله . . . . .
ثم استثنى المؤمنين فقال ) إلا عباد الله المخلصين ( قرأ أهل المدينة والكوفة المخلصين بفتح اللام أى الذين أخلصهم الله لطاعته وتوحيده وقرأ الباقون بكسرها أى الذين أخلصوا لله العبادة والتوحيد والاستثناء إما متصل على تقدير تعميم الخطاب فى تجزون لجميع المكلفين أو منقطع أى لكن عباد الله المخلصين لا يذوقون العذاب
الصافات : ( 41 ) أولئك لهم رزق . . . . .
والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المخلصين وهو مبتدأ وخبره قوله ) لهم رزق معلوم ( أى لهؤلاء المخلصين رزق يرزقهم الله إياه معلوم فى حسنة وطيبة وعدم انقطاعه قال قتادة يعنى الجنة وقيل معلوم الوقت وهو أن يعطوا منه بكرة وعشية كما فى قوله ) ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا )
الصافات : ( 42 ) فواكه وهم مكرمون
وقيل هو المذكور فى قوله بعده ) فواكه ( فإنه بدل من رزق أو خبر مبتدأ محذوف أى هو فواكه وهذا هو الظاهر والفواكه جمه الفاكهة وهى الثمار كلها رطبها ويابسها وخصص الفواكه بالذكر لأن أرزاق أهل الجنة كلها فواكه كذا قيل والأولى أن يقال إن تخصيصها بالذكر لأنها أطيب ما يأكلونه وألذ ما تشتهيه أنفسهم وقيل إن الفواكه من أتباع سائر الأطعمة فذكرها يغنى عن ذكر غيرها وجملة ) وهم مكرمون ( فى محل نصب على الحال أى ولهم من الله عز وجل إكرام عظيم برفع درجاتهم عنده وسماع كلامه ولقائه فى الجنة قرأ الجمهور مكرمون بتخفيف الراء وقرأ أبو مقسم بتشديدها
الصافات : ( 43 ) في جنات النعيم
وقوله ) في جنات النعيم ( يجوز أن يتعلق بمكرمون وأن يكون خبرا ثانيا وأن يكون حالا
الصافات : ( 44 ) على سرر متقابلين
وقوله ) على سرر ( يحتمل أن يكون حالا وأن يكون خبرا ثالثا


"""""" صفحة رقم 393 """"""
وانتصاب ) متقابلين ( على الحالة من الضمير فى مكرمون أو من الضمير فى متعلق على سرر قال عكرمة ومجاهد معنى التقابل أنه لا ينظر بعضهم فى قفا بعض وقيل إنها تدور بهم الأسرة كيف شاءوا فلا يرى بعضهم قفا بعض قرأ الجمهور سرر بضم الراء وقرأ أبو السماك بفتحها وهى لغة بعض تميم
الصافات : ( 45 ) يطاف عليهم بكأس . . . . .
ثم ذكر سبحانه صفة أخرى لهم فقال ) يطاف عليهم بكأس من معين ( ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر ويجوز أن تكون فى محل نصب على الحال من ضمير متقابلين والكأس عند أهل اللغة اسم شامل لكل إناء فيه الشراب فإن كان فارغا فليس بكأس وقال الضحاك والسدى كل كأس فى القرآن فهى الخمر قال النحاس وحكى من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر كأس فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح كما يقال لخوان إذا كان عليه طعام مائدة فإذا لم يكن عليه طعام لم يقل له مائدة ومن معين متعلق بمحذوف هو صفة لكأس قال الزجاج بكأس من معين أي من خمر تجرى كما تجرى العيون على وجه الأرض والمعين الماء الجارى
الصافات : ( 46 ) بيضاء لذة للشاربين
وقوله ) بيضاء لذة للشاربين ( صفتان لكأس قال الزجاج أى ذات لذة فحذف المضاف ويجوز أن يكون الوصف بالمصدر لقصد المبالغة فى كونها لذة فلا يحتاج إلى تقدير المضاف قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن له لذة لذيذة يقال سراب لذ ولذيذ كما يقال نبات غض وغضيض ومنه قول الشاعر بحديثها اللذ الذى لو كلمت
أسد الفلاة به أتين سراعا
واللذيذ كل شىء مستطاب وقيل البيضاء هى التى لم يعتصرها الرجال
الصافات : ( 47 ) لا فيها غول . . . . .
ثم وصف هذه الكأس من الخمر بغير ما يتصف به خمر الدنيا فقال ) لا فيها غول ( أى لا تغتال عقولهم فتذهب بها ولا يصيبهم منها مرض ولا صداع ) ولا هم عنها ينزفون ( أى يسكرون يقال نزف الشارب فهو منزوف ونزيف إذا سكر ومنه قول امرىء القيس وإذا هى تمشى كمشى النزيف
يصرعه بالكثيب البهر
وقال أيضا نزيف إذا قامت لوجه تمايلت
ومنه قول الآخر
فلثمت فاها آخذا بقرونها شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
قال الفراء العرب تقول ليس فيها غيلة وغائلة وغول سواء وقال أبو عبيدة الغول أن تغتال عقلوهم وأنشد قول مطيع بن إياس
وما زالت الكأس تغتالهم وتذهب بالأول الأول
وقال الواحدى الغول حقيقته الإهلاك يقال غاله غولا واغتاله أى أهلكه والغول كل ما اغتالك أى أهلكك قرأ الجمهور ينزفون بضم الياء وفتح الزاى مبنيا للمفعول وقرأ حمزة والكسائى بضم الياء وكسر الزاي من أنزف الرجل إذا ذهب عقله من السكر فهو نزيف ومنزوف ومنزف يقال أحصد الزرع إذا حان حصاده وأقطف الكرم إذا حان قطافه قال الفراء منكسر الزاى فله معنيان يقال أنزف الرجل إذا فتيت خمره وأنزف إذا ذهب عقله من السكر وتحمل هذه القراءة على معنى لا ينفد شرابهم لزيادة الفائدة قال النحاس والقراءة الأولى أبين وأصح فى المعنى لأن معنى لا ينزفون عند جمهور المفسرين لا تذهب عقولهم فنفى الله عز وجل عن خمر الجنة الآفات التى تلحق فى الدنيا من خمرها من الصداع والسكر وقال الزجاج وأبو على الفارسى معنى لا ينزفون بكسر الزاى لا يسكرون قال المهدوى لا يكون معنى ينزفون يسكرون لأن قبله ) لا فيها غول ( أى لا تغتال عقولهم فيكون تكريرا وهذا يقوى ما قاله قتادة إن الغول وجع البطن وكذا روى


"""""" صفحة رقم 394 """"""
ابن أبى نجيح عن مجاهد وقال الحسن إن الغول الصداع وقال ابن كيسان هو المغص فيكون معنى الآية لا فيها نوع من أنواع الفساد المصاحبة لشرب الخمر فى الدنيا من مغص أو وجع بطن أو صداع أو عربدة أو لغو أو تأثيم ولا هم يسكرون منها ويؤيد هذا أن أصل الغول الفساد الذى يلحق فى خفاء يقال اغتاله اغتيالا إذا فسد عليه أمره فى خفية ومنه الغول والغيلة القتل خفية وقرأ ابن أبى إسحاق ينزفون بفتح الياء وكسر الزاى وقرأ طلحة بن مصرف بفتح الياء وضم الزاى
الصافات : ( 48 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . .
ولما ذكر سبحانه صفة مشروبهم ذكر عقبة صفة منكوحهم فقال ) وعندهم قاصرات الطرف ( أى نساء قصرن طرفهم على أزواجهن فلا يردن غيرهم والقصر معناه الحبس ومنه قول امرىء القيس من القاصرات الطرف لو دب محول
من الذر فوق الأتب منها لأثرا
والمحول الصغير من الذر والأتب القميص وقيل القاصرات المحبوسات على أزواجهن والأول أولى لأنه قال قاصرات الطرف ولم يقل مقصورات والعين عظام العيون جمع عيناء وهى الواسعة العين قال الزجاج معنى عين كبار الأعين حسناها وقال مجاهد العين حسان العيون وقال الحسن هن الشديدات بياض العين الشديدات سوادها والأول أولى
الصافات : ( 49 ) كأنهن بيض مكنون
) كأنهن بيض مكنون ( قال الحسن وأبو زيد شبههن ببيض النعام تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار فلونه أبيض فى صفرة وهو أحسن ألوان النساء وقال سعيد بن جبير والسدى شبههن ببطن البيض قبل أن يقشر وتمسه الأيدى وبه قال ابن جرير ومنه قول امرىء القيس وبيضة خدر لا يرام خباؤها
تمتعت من لهو بها غير معجل
قال المبرد وتقول العرب إذا وصفت الشىء بالحسن والنظافة كأنه بيض النعام المغطى بالريش وقيل المكنون المصون عن الكسر أى إنهن عذارى وقيل المراد بالبيض اللؤلؤ كما فى قوله ) وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ( ومثله قول الشاعر وهى بيضاء مثل لؤلؤة الغواص
ميزت من جوهر مكنون
والأول أولى وإنما قال مكنون ولم يقل مكنونات لأنه وصف البيض باعتبار اللفظ
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ( قال تقول الملائكة للزبانية هذا القول وأخرج عبد الرزاق والفريابى وابن أبى شيبة وابن منيع فى مسنده وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى البعث من طريق النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب فى قوله ) احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ( قال أمثالهم الذين هم مثلهم يجىء أصحاب الربا مع أصحاب الربا وأصحاب الزنا مع أصحاب الزنا وأصحاب الخمر مع أصحاب الخمر أزواج فى الجنة وأزواج فى النار وأخرج الفريابى وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم والبيهقى فى البعث عن ابن عباس فى قوله ) احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ( قال أشباههم وفى لفظ نظراءهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) فاهدوهم إلى صراط الجحيم ( قال وجهوههم وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا فى الآية قال دلوهم ) إلى صراط الجحيم ( قال طريق النار وأخرج عنه أيضا قوله ) وقفوهم إنهم مسؤولون ( قال احبسوهم انهم محاسبون وأخرج البخارى فى تاريخه والدارمى والترمذى


"""""" صفحة رقم 395 """"""
وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما من داع دعا إلى شىء إلا كان موقوفا معه يوم القيامة لازما به لا يفارقه وإن دعا رجل رجلا ثم قرأ ) وقفوهم إنهم مسؤولون ( وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( قال ذلك إذا بعثوا فى النفخة الثانية وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عنه فى قوله ) كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ( قال كانوا إذا م يشرك بالله يستنكفون ) ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ( لا يعقل قال فحكى الله صدقه فقال ) بل جاء بالحق وصدق المرسلين ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الأسماء والصفات عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله وأنزل الله فى كتابه وذكر قوما استكبروا فقال ) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ( وقال ) إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها ( وهى لا إله إلا الله محمد رسول الله استكبر عنها المشركون يوم الحديبية كاتبهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على قضية المدة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى البعث عن ابن عباس فى قوله ) يطاف عليهم بكأس من معين ( قال الخمر ) لا فيها غول ( قال ليس فيها صداع ) ولا هم عنها ينزفون ( قال لا تذهب عقولهم وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عنه قال فى الخمر أربع خصال السكر والصداع والقىء والبول فنزه الله خمر الجنة عنها فقال ) لا فيها غول ( لا تغول عقولهم من السكر ) ولا هم عنها ينزفون ( قال يقيئون عنها كما يقىء صاحب خمر الدنيا عنها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) لا فيها غول ( قال هى الخمر ليس فيها وجع بطن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى البعث عنه أيضا فى قوله ) وعندهم قاصرات الطرف ( يقول من غير أزواجهن ) كأنهن بيض مكنون ( قال اللؤلؤ المكنون وأخرج ابن المنذر عنه فى قوله ) كأنهن بيض مكنون ( قال بياض البيضة ينزع عنها فوفها وغشاؤها
سورة الصافات ( 50 74 )


"""""" صفحة رقم 396 """"""
الصافات : ( 50 ) فأقبل بعضهم على . . . . .
قوله ) فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ( معطوف على يطاف أى يسأل هذا ذاك وذاك هذا حال شربهم عن أحوالهم التى كانت فى الدنيا وذلك من تمام نعيم الجنة والتقدير فيقبل بعضهم على بعض وإنما عبر عنه بالماضى للدلالة على تحقق وقوعه
الصافات : ( 51 ) قال قائل منهم . . . . .
) قال قائل منهم ( أي قال قائل من أهل الجنة فى حال إقبال بعضهم على بعض بالحديث وسؤال بعضهم لبعض ) إني كان لي قرين ( أى صاحب ملازم لى فى الدنيا كافر بالبعث منكر له
الصافات : ( 52 ) يقول أئنك لمن . . . . .
كما يدل عليه قوله ) أئنك لمن المصدقين ( يعنى بالبعث والجزاء وهذا الاستفهام من القرين لتوبيخ ذلك المؤمن وتبكيته بإيمانه وتصديقه بما وعد الله به من البعث وكان هذا القول منه فى الدنيا
الصافات : ( 53 ) أئذا متنا وكنا . . . . .
ثم ذكر ما يدل على الاستبعاد للبعث عنده وفى زعمه فقال ) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون ( أى مجزيون بأعمالنا ومحاسبون بها بعد أن صرنا ترابا وعظاما وقيل معنى مدينون مسوسون يقال دانه إذا ساسه قال سعيد بن جبير قرينه شريكه وقيل أراد بالقرين الشيطان الذى يقارنه وأنه كان يوسوس إليه بإنكار البعث وقد مضى ذكر قصتهما فى سورة الكهف والاختلاف فى اسميهما قرأ الجمهور لمن المصدقين بتخفيف الصاد من التصديق أى لمن المصدقين بالبعث وقرىء بتشديدها ولا أدرى من قرأ بها ومعناها بعيد لأنها من التصدق لا من التصديق ويمكن تأويلها بأنه أنكر عليه التصدق بماله لطلب الثواب وعلل ذلك باستبعاد البعث
وقد اختلف القراء فى هذه الاستفهامات الثلاثة فقرأ نافع الأولى والثانية بالاستفهام بهمزة والثالثة بكسر الألف من غير استفهام ووافقه الكسائي إلا أنه يستفهم الثالثة بهمزتين وابن عامر الأوني والثالثة بهمزتين والثانية بكسر الألف من غير استفهام والباقون بالاستفهام فى جميعها ثم اختلفوا فابن كثير يستفهم بهمزة واحدة غير مطولة وبعده ساكنه خفيفة وأبو عمرو مطولة وعاصم وحمزة بهمزتين
الصافات : ( 54 ) قال هل أنتم . . . . .
) قال هل أنتم مطلعون ( القائل هو المؤمن الذى فى الجنة بعد ما حكى لجلسائه فيها ما قاله له قرينه فى الدنيا أى هل أنتم مطلعون إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين الذى قال لى تلك المقالة كيف منزلته فى النار قال ابن الأعرابى والاستفهام هو بمعنى الأمر أي اطلعوا وقيل القائل هو الله سبحانه وقيل الملائكة والأول أولى
الصافات : ( 55 ) فاطلع فرآه في . . . . .
) فاطلع فرآه في سواء الجحيم ( أى فاطلع على النار ذلك المؤمن الذى صار يحدث أصحابه فى الجنة بما قال له قرينه فى الدنيا فرأى قرينه فى وسط الجحيم قال الزجاج سواء كل شىء وسطه قرأ الجمهور مطلعون بتشديد الطاء مفتوحة وبفتح النون فاطلع ماضيا مبنيا للفاعل من الطلوع وقرأ ابن عباس ورويت هذه القراءة عن أبى عمرو مطلعون بسكون الطاء وفتح النون فأطلع بقطع الهمزة مضمومة وكسر اللام ماضيا مبنيا للمفعول قال النحاس فأطلع فيه قولان على هذه القراءة أحدهما أن يكون فعلا مستقبلا أى فأطلع أنا ويكون منصوبا على أنه جواب الاستفهام والقول الثانى أن يكون فعلا ماضيا وقرأ حماد بن أبى عمار مطلعون بتخفيف الطاء وكسر النون فاطلع مبنيا للمفعول وأنكر


"""""" صفحة رقم 397 """"""
هذه القراءة أبو حاتم وغيره قال النحاس هى لحن لأنه لا يجوز الجمع بين النون والإضافة ولو كان مضافا لقال هل أنتم مطلعى وإن كان سيبويه والفراء قد حكيا مثله وأنشدا هم القائلون الخير والآمرونه
إذا ما خشوا من محدث الدهر معظما
ولكنه شاذ خارج عن كلام العرب
الصافات : ( 56 ) قال تالله إن . . . . .
) قال تالله إن كدت لتردين ( أى قال ذلك الذى من أهل الجنة لما اطلع على قرينه ورآه فى النار تالله إن كدت لتردين أى لتهلكنى بالإغواء قال الكسائى لتردين لتهلكنى والردى الهلاك قال المبرد لو قيل لتردين لتوقعنى فى النار لكان جائزا قال مقاتل المعنى والله لقد كدت أن تغوينى فأنزل منزلتك والمعنى متقارب فمن أغوى إنسانا فقد أهلكه
الصافات : ( 57 ) ولولا نعمة ربي . . . . .
) ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ( أى لولا رحمة ربى وإنعامه على بالإسلام وهدايتى إلى الحق وعصمتى عن الضلال لكنت من المحضرين معك فى النار قال الفراء أى لكنت معك فى النار محضرا قال الماوردى وأحضر لا يستعمل إلا في الشر
الصافات : ( 58 ) أفما نحن بميتين
ولما تمم كلامه مع ذلك القرين الذى هو فى النار عاد إلى مخاطبة جلسائه من أهل الجنة فقال ) أفما نحن بميتين ( والهمزة للاستفهام التقريرى وفيها معنى التعجيب والفاء للعطف على محذوف كما فى نظائره أى نحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين
الصافات : ( 59 ) إلا موتتنا الأولى . . . . .
) إلا موتتنا الأولى ( التى كانت فى الدنيا وقوله هذا كان على طريقة الابتهاج والسرور بما أنعم الله عليهم من نعيم الجنة الذى لا ينقطع وأنهم مخلدون لا يموتون أبدا وقوله ) وما نحن بمعذبين ( هو من تمام كلامه أى وما نحن بمعذبين كما يعذب الكفار
الصافات : ( 60 ) إن هذا لهو . . . . .
ثم قال مشيرا إلى ما هم فيه من النعيم ) إن هذا لهو الفوز العظيم ( أى أن هذا الأمر العظيم والنعيم المقيم والخلود الدائم الذى نحن فيه لهو الفوز العظيم الذى لا يقادر قدره ولا يمكن الإحاطة بوصفه
الصافات : ( 61 ) لمثل هذا فليعمل . . . . .
وقوله ) لمثل هذا فليعمل العاملون ( من تمام كلامه أى لمثل هذا العطاء والفضل العظيم فليعمل العاملون فإن هذه هى التجارة الرابحة لا العمل للدنيا الزائلة فإنها صفقة خاسرة نعيمها منقطع وخيرها زائل وصاحبها عن قريب منها راحل وقيل إن هذا من قول الله سبحانه وقيل من قول الملائكة والأول أولى قرأ الجمهور بميتين وقرأ زيد بن على بمايتين وانتصاب إلا موتتنا على المصدرية والاستثناء مفرغ ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا أى لكن الموتة الأولى التى كانت فى الدنيا
الصافات : ( 62 ) أذلك خير نزلا . . . . .
) أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ( الإشارة بقوله ذلك إلى ما ذكره من نعيم الجنة وهو مبتدأ وخبره خير ونزلا تمييز والنزل فى اللغة الرزق الذى يصلح أن ينزلوا معه ويقيموا فيه والخيرية بالنسبة إلى ما اختاره الكفار على غيره قال الزجاج المعنى أذلك خير فى باب الإنزال التى يبقون بها نزلا أم نزل أهل النار وهو قوله ) أم شجرة الزقوم ( وهو ما يكره تناوله قال الواحدى وهو شىء مر كريه يكره أهل النار على تناوله فهم يتزقمونه وهى على هذا مشتقة من التزقم وهو البلع على جهد لكراهتها ونتنها واختلف فيها هل هى من شجر الدنيا التى يعرفها العرب أم لا على قولين أحدهما أنها معروفة من شجر الدنيا فقال قطرب إنها شجرة مرة تكون بتهامة من أخبث الشجر وقال غيره بل هو كل نبات قاتل القول الثانى أنها غير معروفة فى شجر الدنيا قال قتادة لما ذكر الله هذه الشجرة افتتن بها الظلمة فقالوا كيف تكون فى النار شجرة
الصافات : ( 63 ) إنا جعلناها فتنة . . . . .
فأنزل الله تعالى ) إنا جعلناها فتنة للظالمين ( قال الزجاج حين افتتنوا بها وكذبوا بوجودها وقيل معنى جعلها فتنة لهم أنها محنة لهم لكونهم يعذبون بها والمراد بالظالمين هنا الكفار أو أهل المعاصى الموجبة للنار
الصافات : ( 64 ) إنها شجرة تخرج . . . . .
ثم بين سبحانه أوصاف هذه الشجرة ردا على منكريها فقال ) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ( أى فى قعرها قال الحسن أصلها فى قعر جهنم وأغصانها ترفع إلى دركاتها
الصافات : ( 65 ) طلعها كأنه رؤوس . . . . .
ثم قال ) طلعها كأنه رؤوس الشياطين ( أى ثمرها وما تحمله كأنه فى تناهى قبحه وشناعة منظره رءوس الشياطين فشبه المحسوس بالمتخيل وإن كان غير مرئى للدلالة على أنه غاية فى القبح كما


"""""" صفحة رقم 398 """"""
تقول فى تشبيه من يستقبحونه كأنه شيطان وفى تشبيه من يستحسنونه كأنه ملك كما فى قوله ) ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ( ومنه قول امرىء القيس أيقتلنى والمشرفى مضاجعى
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وقال الزجاج والفراء الشياطين حيات لها رءوس وأعراف وهى من أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسما وقيل إن رءوس الشياطين اسم لنبت قبيح معروف باليمن يقال له الاستن ويقال له الشيطان قال النحاس وليس ذلك معروفا عند العرب وقيل هو شجر خشن منتن مر منكر الصورة يسمى ثمره رءوس الشياطين
الصافات : ( 66 ) فإنهم لآكلون منها . . . . .
) فإنهم لآكلون منها ( أى من الشجرة أو من طلعها والتأنيث لاكتساب الطلع التأنيث من إضافته إلى الشجرة ) فمالئون منها البطون ( وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلىء بطونهم فهذا طعامهم وفاكهتهم بدل رزق أهل الجنة
الصافات : ( 67 ) ثم إن لهم . . . . .
) ثم إن لهم عليها ( بعد الأكل منها ) لشوبا من حميم ( الشوب الخلط قال الفراء يقال شاب طعامه وشرابه إذا خلطهما بشىء يشوبهما شوبا وشيابة والحميم الماء الحار فأخبر سبحانه أنه يشاب لهم طعامهم من تلك الشجرة بالماء الحار ليكون أفظع لعذابهم وأشنع لحالهم كما فى قوله ) وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ( قرأ الجمهور شوبا بفتح الشين وهو مصدر وقرأ شيبان النحوى بالضم قال الزجاج المفتوح مصدر والمضموم اسم بمعنى المشوب كالنقص بمعنى المنقوص
الصافات : ( 68 ) ثم إن مرجعهم . . . . .
) ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ( أى مرجعهم بعد شرب الحميم وأكل الزقوم إلى الجحيم وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج الجحيم كما تورد الإبل ثم يردون إلى الجحيم كما فى قوله سبحانه ) يطوفون بينها وبين حميم آن ( وقيل إن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولها قال أبو عبيدة ثم بمعنى الواو وقرأ ابن مسعود ثم إن مقيلهم لا إلى الجحيم
الصافات : ( 69 ) إنهم ألفوا آباءهم . . . . .
وجملة إنهم ألفوا إي وجدوا آباءهم ضالين تعليل لاستحقاقهم ما تقدم ذكره أي صادفوهم كذلك فاقتدوا بهم تقليدا وضلالة لا لحجة أصلا
الصافات : ( 70 ) فهم على آثارهم . . . . .
) فهم على آثارهم يهرعون ( الإهراع الإسراع قال الفراء الإهراع الإسراع برعدة وقال أبو عبيدة يهرعون يستحثون من خلفهم يقال جاء فلان يهرع إلى النار إذا استحثه البرد إليها وقال المفضل يزعجون من شدة الإسراع قال الزجاج هرع وأهرع إذا استحث وانزعج والمعنى يتبعون آباءهم فى سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم
الصافات : ( 71 ) ولقد ضل قبلهم . . . . .
) ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ( أى ضل قبل هؤلاء المذكورين أكثر الأولين من الأمم الماضية
الصافات : ( 72 ) ولقد أرسلنا فيهم . . . . .
) ولقد أرسلنا فيهم منذرين ( أى أرسلنا فى هؤلاء الأولين رسلا أنذروهم العذاب وبينوا لهم الحق فلم ينجع ذلك فيهم
الصافات : ( 73 ) فانظر كيف كان . . . . .
) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( أى الذين أنذرتهم الرسل فإنهم صاروا إلى النار قال مقاتل يقول كان عاقبتهم العذاب يحذر كفار مكة
الصافات : ( 74 ) إلا عباد الله . . . . .
ثم استثنى عباده المؤمنين فقال ) إلا عباد الله المخلصين ( أى إلا من أخلصهم الله بتوفيقهم إلى الإيمان والتوحيد وقرىء المخلصين بكسر اللام أى الذين أخلصوا لله طاعاتهم ولم يشوبوها بشىء مما يغيرها
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى شيبة وهناد وابن المنذر عن ابن مسعود فى قوله ) فاطلع فرآه في سواء الجحيم ( قال اطلع ثم التفت إلى أصحابه فقال لقد رأيت جماجم القوم تغلى وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال قول الله لأهل الجنة ) كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ( قال هنيئا أى لا تموتون فيها فعند ذلك قالوا ) أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم ( قال هذا قول الله ) لمثل هذا فليعمل العاملون ( وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال كنت أمشى مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يده فى يدى فرأى جنازة فأسرع المشى حتى أتى القبر ثم جثى على ركبتيه فجعل يبكى حتى بل الثرى ثم قال ) لمثل هذا فليعمل العاملون (


"""""" صفحة رقم 399 """"""
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال دخلت مع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) على مريض يجود بنفسه فقال ) لمثل هذا فليعمل العاملون ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال مر أبو جهل برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو جالس فلما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسم أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فلما سمع أبو جهل قال من توعد يا محمد قال إياك قال بما توعدنى قال أوعدك بالعزيز الكريم فقال أبو جهل أليس أنا العزيز الكريم فأنزل الله ) إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ( إلى قوله ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( فلما بلغ أبا جهل ما نزل فيه جمع أصحابه فأخرج إليهم زبدا وتمرا فقال تزقموا من هذا فوالله ما يتوعدكم محمد إلا بهذا فأنزل الله ) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ( إلى قوله ) ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم ( وأخرج ابن أبى شيبة عنه قال لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت إلى الأرض لأفسدت على الناس معايشهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا ) ثم إن لهم عليها لشوبا ( قال لمزجا وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال فى قوله لشوبا من حميم يخالط طعامهم ويشاب بالحميم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء ويقيل هؤلاء أهل الجنة وأهل النار وقرأ ) ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إنهم ألفوا آباءهم ضالين ( قال وجدوا آباءهم
سورة الصافات ( 75 113 )


"""""" صفحة رقم 400 """"""
الصافات : ( 75 ) ولقد نادانا نوح . . . . .
لما ذكر سبحانه أنه أرسل فى الأمم الماضية منذرين ذكر تفصيل بعض ما أجمله فقال ) ولقد نادانا نوح ( واللام هى الموطئة للقسم وكذا اللام فى قوله ) فلنعم المجيبون ( أى نحن والمراد أن نوحا دعا ربه على قومه لما عصوه فأجاب الله دعاءه وأهلك قومه بالطوفان فالنداء هنا هو نداء الدعاء لله والاستغاثة به كقوله ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( وقوله ) أني مغلوب فانتصر ( قال الكسائى أى فلنعم المجيبون له كنا
الصافات : ( 76 ) ونجيناه وأهله من . . . . .
) فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ( المراد بأهله أهل دينه وهم من آمن معه وكانوا ثمانين والكرب العظيم هو الغرق وقيل تكذيب قومه له وما يصدر منهم إليه من أنواع الأذايا
الصافات : ( 77 ) وجعلنا ذريته هم . . . . .
) وجعلنا ذريته هم الباقين ( وحدهم دون غيرهم كما يشعر به ضمير الفصل وذلك لأن الله أهلك الكفرة بدعائه ولم يبق منهم باقية ومن كان معه فى السفينة من المؤمنين ماتوا كما قيل ولم يبق إلا أولاده قال سعيد بن المسيب كان ولد نوح ثلاثة والناس كلهم من ولد نوح فسام أبو العرب وفارس والروم واليهود والنصارى وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب السند والهند والنوب والزنج والحبشة والقبط والبربر وغيرهم ويافث أبو الصقالب والترك والخزر ويأجوج ومأجوج وغيرهم وقيل إنه كان لمن مع نوح ذرية كما يدل عليه قوله ) ذرية من حملنا مع نوح ( وقوله ) قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ( فيكون على هذا معنى ) وجعلنا ذريته هم الباقين ( وذريته وذرية من معه دون ذرية من كفر فإن الله أغرقهم فلم يبق لهم ذرية
الصافات : ( 78 ) وتركنا عليه في . . . . .
) وتركنا عليه في الآخرين ( يعنى فى الذين يأتون بعده إلى يوم القيامة من الأمم والمتروك هذا هو قوله
الصافات : ( 79 ) سلام على نوح . . . . .
) سلام على نوح ( أى تركنا هذا الكلام بعينه وارتفاعه على الحكاية والسلام هو الثناء الحسن أى يثنون عليه ثناء حسنا ويدعون له ويترحمون عليه قال الزجاج تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة وذلك الذكر هو قوله ) سلام على نوح ( قال الكسائى في ارتفاع سلام وجهان أحدهما وتركنا عليه فى الآخرين يقال سلام على نوح والوجه الثانى أن يكون المعنى وأبقينا عليه وتم الكلام ثم ابتدأ فقال سلام على نوح أى سلامة له من أن يذكر بسوء فى الآخرين قال المبرد أى تركنا عليه هذه الكلمة باقية يعنى يسلمون عليه تسليما ويدعون له وهو من الكلام المحكى كقوله ) سورة أنزلناها ( وقيل إنه ضمن تركنا معنى قلنا قال الكوفيون جملة سلام على نوح فى العالمين فى محل نصب مفعول تركنا لأنه ضمن معنى قلنا قال الكسائى وفى قراءة ابن مسعود سلاما منصوب بتركنا أي تركنا عليه ثناء حسنا وقيل المراد بالآخرين أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وفى العالمين متعلق بما تعلق به الجار والمجرور الواقع خبرا وهو على نوح أى سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على نوح فى العالمين من الملائكة والجن والإنس وهذا يدل على عدم اختصاص ذلك بأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 401 """"""
كما قيل
الصافات : ( 80 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين ( هذه الجملة تعليل لما قبلها من التكرمة لنوح بإجابة دعائه وبقاء الثناء من لله عليه وبقاء ذريته أى إنا كذلك نجزى من كان محسنا فى أقواله وأفعاله راسخا فى الاحسان معروفا به والكاف فى كذلك نعت مصدر محذوف أى جزاء كذلك الجزاء
الصافات : ( 81 ) إنه من عبادنا . . . . .
) إنه من عبادنا المؤمنين ( هذا بيان لكونه من المحسنين وتعليل له بأنه كان عبدا مؤمنا مخلصا لله
الصافات : ( 82 ) ثم أغرقنا الآخرين
) ثم أغرقنا الآخرين ( أى الكفرة الذين لم يؤمنوا بالله ولا صدقوا نوحا
الصافات : ( 83 ) وإن من شيعته . . . . .
ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم وبين أنه ممن شايع نوحا فقال ) وإن من شيعته لإبراهيم ( أى من أهل دينه وممن شايعه ووافقه على الدعاء إلى الله وإلى توحيده والإيمان به قال مجاهد أى على منهاجه وسنته قال الأصمعى الشيعة الأعوان وهو مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار الذى يوقد مع الكبار حتى يستوقد وقال الفراء المعنى وإن من شيعة محمد لإبراهيم فالهاء فى شيعته على هذا لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكذا قال الكلبى ولا يخفى ما فى هذا من الضعف والمخالفة للسياق
الصافات : ( 84 ) إذ جاء ربه . . . . .
والظرف فى قوله ) إذ جاء ربه بقلب سليم ( منصوب بفعل محذوف أي اذكر وقيل بما فى الشيعة من معنى المتابعة قال أبو حيان لا يجوز لأن فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبى وهو إبراهيم والأولى أن يقال إن لام الابتداء تمنع ما بعدها من العمل فيما قبلها والقلب السليم المخلص من الشرك والشك وقيل هو الناصح لله في خلقه وقيل الذى يعلم أن الله حق وأن الساعة قائمة وأن الله يبعث من فى القبور ومعنى مجيئه إلى ربه يحتمل وجهين أحدهما عند دعائه إلى توحيده وطاعته الثانى عند إلقائه فى النار
الصافات : ( 85 ) إذ قال لأبيه . . . . .
وقوله ) إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ( بدل من الجملة الأولى أو ظرف لسليم أو ظرف لجاء والمعنى وقت قال لأبيه آزر وقومه من الكفار أى شىء تعبدون
الصافات : ( 86 ) أئفكا آلهة دون . . . . .
) أئفكا آلهة دون الله تريدون ( انتصاب إفكا على أنه مفعول لأجله وانتصاب آلهة على أنه مفعول تريدون والتقدير أتريدون آلهة من دون الله للإفك ودون ظرف لتريدون وتقديم هذه المعمولات للفعل عليه للاهتمام وقيل انتصاب إفكا على أنه مفعول به لتريدون وآلهة بدل منه جعلها نفس الإفك مبالغة وهذا أولى من الوجه الأول وقيل انتصابه على الحال من فاعل تريدون أى أتريدون آلهة آفكين أو ذوى إفك قال المبرد الإفك أسوأ الكذب وهو الذى لا يثبت ويضطرب ومنه ائتفكت بهم الأرض
الصافات : ( 87 ) فما ظنكم برب . . . . .
) فما ظنكم برب العالمين ( أي ما ظنكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره وما ترونه يصنع بكم وهو تحذير مثل قوله ) ما غرك بربك الكريم ( وقيل المعنى أى شىء توهمتموه بالله حتى أشركتم به غيره
الصافات : ( 88 - 89 ) فنظر نظرة في . . . . .
) فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ( ) قال الواحدى قال المفسرون كانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم بذلك لئلا ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم فى أصنامهم لتلزمهم الحجة فى أنها غير معبودة وكان لهم من الغد يوم عيد يخرجون إليه وأراد أن يتخلف عنهم فاعتل بالسقم وذلك أنهم كلفوه أن يخرج معهم إلى عيدهم فنظر إلى النجوم يريهم أنه مستدل بها على حاله فلما نظر إليها قال إنى سقيم أي سأسقم وقال الحسن إنهم لما كلفوه أن يخرج معهم تفكر فيما يعمل فالمعنى على هذا أنه نظر فيما نجم له من الرأى أي فيما طلع له منه فعلم أن كل شىء يسقم ) فقال إني سقيم ( قال الخليل والمبرد يقال للرجل إذا فكر فى الشىء يدبره نظر فى النجوم وقيل كانت الساعة التى دعوه إلى الخروج معهم فيها ساعة تعتاده فيها الحمى وقال الضحاك معنى إنى سقيم سأسقم سقم الموت لأن من كتب عليه الموت يسقم فى الغالب ثم يموت وهذا تورية وتعريض كما قال للملك لما سأله عن ساره هى أختى يعنى أخوة الدين وقال سعيد بن جبير أشار لهم إلى مرض يسقم ويعدى وهو الطاعون وكانوا يهربون من ذلك
الصافات : ( 90 ) فتولوا عنه مدبرين
ولهذا قال ) فتولوا عنه مدبرين ( أى تركوه وذهبوا مخافة العدوى
الصافات : ( 91 ) فراغ إلى آلهتهم . . . . .
) فراغ إلى آلهتهم ( يقال راغ يروغ روغا وروغانا إذا مال ومنه طريق رائغ أى مائل منه قول الشاعر فيريك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ عنك كما يروغ الثعلب


"""""" صفحة رقم 402 """"""
وقال السدى ذهب إليهم وقال أبو مالك جاء إليهم وقال الكلبى أقبل عليهم والمعنى متقارب ) فقال ألا تأكلون ( أي فقال إبراهيم للأصنام التى راغ إليها استهزاء وسخرية ألا تأكلون من الطعام الذى كانوا يصنعونه لها وخاطبها كما يخاطب من يعقل لأنهم أنزلوها بتلك المنزلة
الصافات : ( 91 ) فراغ إلى آلهتهم . . . . .
وكذا قوله ) ما لكم لا تنطقون ( فإنه خاطبهم خطاب من يعقل والاستفهام للتهكم بهم لأنه قد علم أنها جمادات لا تنطق قيل إنهم تركوا عند أصنامهم طعامهم للتبرك بها وليأكلوه إذا رجعوا من عيدهم وقيل تركوه للسدنة وقيل إن إبراهيم هو الذى قرب إليها الطعام مستهزئا بها
الصافات : ( 93 ) فراغ عليهم ضربا . . . . .
) فراغ عليهم ضربا باليمين ( أى فمال عليهم يضربهم ضربا باليمين فانتصابه على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف أو هو مصدر لراغ لأنهم بمعنى ضرب قال الواحدى قال المفسرون يعنى بيده اليمنى يضربهم بها وقال السدى بالقوة والقدرة لأن اليمين أقوى اليدين قال الفراء وثعلب ضربا بالقوة واليمين القوة وقال الضحاك والربيع بن أنس المراد باليمين اليمين التى حلفها حين قال ) وتالله لأكيدن أصنامكم ( وقيل المراد باليمين هنا العدل كما فى قوله ) ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ( أى بالعدل واليمين كناية عن العدل كما أن الشمال كناية عن الجور وأول هذه الأقوال أولا ها
الصافات : ( 94 ) فأقبلوا إليه يزفون
) فأقبلوا إليه يزفون ( أى أقبل إليه عبدة تلك الأصنام يسرعون لما علموا بما صنعه بها ويزفون فى محل نصب على الحال من فاعل أقبلوا قرأ الجمهور يزفون بفتح الياء من زف الظليم يزف إذا عدا بسرعة وقرأ حمزة بضم الياء من أزف يزف أي دخل فى الزفيف أو يحملون غيرهم على الزفيف قال الأصمعى أزففت الإبل أى حملتها على أن تزف وقيل هما لغتان يقال زف القوم وأزفوا وزفت العروس وأزففتها حكى ذلك عن الخليل قال النحاس زعم أبو حاتم أنه لا يعرف هذه اللغة يعنى يزفون بضم الياء وقد عرفها جماعة من العلماء منهم الفراء وشببها بقولهم أطردت الرحل أي صيرته إلى ذلك وقال المبرد الزفيف الإسراع وقال الزجاج الزفيف أول عدو النعام وقال قتادة والسدى معنى يزفون يمشون وقال الضحاك يسعون وقال يحيى بن سلام يرعدون غضبا وقال مجاهد يختالون أى يمشون مشى الخيلاء وقيل يتسللون تسللا بين المشى والعدو والأولى تفسير يزفون بيسرعون وقرىء يزفون على البناء للمفعول وقرىء يزفون كيرمون وحكى الثعلبى عن الحسن ومجاهد وابن السميفع أنهم قرءوا يرفون بالراء المهملة وهى ركض بين المشى والعدو
الصافات : ( 95 ) قال أتعبدون ما . . . . .
) قال أتعبدون ما تنحتون ( لما أنكروا على إبراهيم ما فعله بالأصنام ذكر لهم الدليل الدال على فساد عبادتها فقال مبكتا لهم ومنكرا عليهم ) أتعبدون ما تنحتون ( أى أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها والنحت النجر والبرى نحته ينحته بالكسر نحتا أى براه والنحاتة البراية
الصافات : ( 96 ) والله خلقكم وما . . . . .
وجملة ) والله خلقكم وما تعملون ( فى محل نصب على الحال من فاعل تعبدون و ما فى وما تعملون موصولة أى وخلق الذى تصنعونه عى العموم ويدخل فيها الأصنام التى ينحتونها دخولا أوليا ويكون معنى العمل هنا التصوير والنحت ونحوهما ويجوز أن تكون مصدرية أي خلقكم وخلق عملكم ويجوز أن تكون استفهامية ومعنى الاستفهام التوبيخ والتقريع أى وأى شىء تعملون ويجوز أن تكون نافية أى إن العمل فى الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئا وقد طول صاحب الكشاف الكلام فى رد قول من قال إنها مصدرية ولكن بما لا طائل تحته وجعلها موصولة أولى بالمقام وأوفق بسياق الكلام
الصافات : ( 97 ) قالوا ابنوا له . . . . .
وجملة ) قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كالجملة التى قبلها قالوا هذه المقالة لما عجزوا عن جواب ما أورده عليهم من الحجة الواضحة فتشاوروا فيما بينهم أن يبنوا له حائطا من حجارة ويملؤوه حطبا ويضرموه ثم يلقوه فيه والجحيم النار الشديدة الاتقاد قال الزجاج وكل نار بعضها فوق بعض فهى جحيم واللام فى الجحيم عوض عن المضاف إليه أى فى جحيم ذلك البنيان
الصافات : ( 98 ) فأرادوا به كيدا . . . . .
ثم لما ألقوه فيها نجاه الله منها وجعلها عليه بردا وسلاما وهو معنى قوله ) فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين (


"""""" صفحة رقم 403 """"""
الكيد المكر والحيلة أي احتالوا لإهلاكه فجعلناهم الأسفلين المقهورين المغلوبين لأنها قامت له بذلك عليهم الحجة التى لا يقدرون على دفعها ولا يمكنهم جحدها فإن النار الشديدة الاتقاد العظيمة الاضطرام المتراكمة الجمار إذا صارت بعد إلقائه عليها بردا وسلاما ولم تؤثر فيه أقل تأثير كان ذلك من الحجة بمكان يفهمه كل من له عقل وصار المنكر له سافلا ساقط الحجة ظاهر التعصب واضح التعسف وسبحان من يجعل المحن لمن يدعو إلى دينه منحا ويسوق إليهم الخير بما هو من صور الضير ولما انقضت هذه الوقعة وأسفر الصبح لذى عينين وظهرت حجة الله لإبراهيم وقامت براهين نبوته وسطعت أنوارا معجزته
الصافات : ( 99 ) وقال إني ذاهب . . . . .
) وقال إني ذاهب إلى ربي ( أى مهاجر من بلد قومى الذين فعلوا تعصبا للأصنام وكفرا بالله وتكذيبا لرسله إلى حيث أمرنى بالمهاجرة إليه أو إلى حيث أتمكن من عبادته ) سيهدين ( أى سيهدينى إلى المكان الذى أمرنى بالذهاب إليه أو إلى مقصدى
قيل إن الله سبحانه أمره بالمصير إلى الشام وقد سبق بيان هذا فى سورة الكهف مستوفى
الصافات : ( 100 ) رب هب لي . . . . .
قال مقاتل فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد فقال ) رب هب لي من الصالحين ( أى ولدا صالحا من الصالحين يعيننى على طاعتك ويؤنسنى فى الغربة هكذا قال المفسرون وعللوا ذلك بأن الهبة قد غلب معناها فى الولد فتحمل عند الاطلاق عليه وإذا وردت مقيدة حملت على ما قيدت به كما فى قوله ) ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا ( وعلى فرض أنها لم تغلب فى طلب الولد
الصافات : ( 101 ) فبشرناه بغلام حليم
فقوله ) فبشرناه بغلام حليم ( يدل على أنه ما أراد بقوله ) رب هب لي من الصالحين ( إلا الولد ومعنى حليم أن يكون حليما عند كبره فكأنه بشر ببقاء ذلك الغلام حتى يكبر ويصير حليما لأن الصغير لا يوصف بالحلم قال الزجاج هذه البشارة تدل على أنه مبشر بابن ذكر وأنه يبقى حتى ينتهى فى السن ويوصف بالحلم
الصافات : ( 102 ) فلما بلغ معه . . . . .
) فلما بلغ معه السعي ( فى الكلام حذف كما تشعر به هذه الفاء الفصيحة والتقدير فوهبنا له الغلام فنشأ حتى صار إلى السن التى يسعى فيها مع أبيه فى أمور دنياه قال مجاهد ) فلما بلغ معه السعي ( أى شب وأدرك سعيه سعى إبراهيم وقال مقاتل لما مشى معه قال الفراء كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وقا الحسن هو سعى العقل الذى تقوم به الحجة وقال ابن زيد هو السعى فى العبادة وقيل هو الاحتلام ) قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ( قال إبراهيم لابنه لما بلغ معه ذلك المبلغ إنى رأيت فى المنام هذه الرؤيا قال مقاتل رأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات قال قتادة رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئا فعلوه
وقد اختلف أهل العلم فى الذبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل قال القرطبى فقال أكثرهم الذبيح إسحاق وممن قال بذلك العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله وهو الصحيح عن عبد الله بن مسعود ورواه أيضا عن جابر وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن عمر وعمر بن الخطاب قال فهؤلاء سبعة من الصحابة قال ومن التابعين وغيرهم علقمة والشعبى ومجاهد وسعيد بن جبير وكعب الأحبار وقتادة ومسروق وعكرمة والقاسم بن أبى برزة وعطاء ومقاتل وعبد الرحمن بن سابط والزهرى والسدى وعبد الله بن أبى الهذيل ومالك بن أنس كلهم قالوا الذبيح إسحاق وعليه أهل الكتابين اليهود والنصارى واختاره غير واحد منهم النحاس وابن جرير الطبرى وغيرهما قال وقال آخرون هو إسماعيل وممن قال بذلك أبو هريرة وأبو الطفيل عامر بن واثلة وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس أيضا ومن التابعين سعيد بن المسيب والشعبى ويوسف بن مهران ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظى والكلبى وعلقمة وعن الأصمعى قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال يا أصمعى أين عزب عنك عقلك ومتى كان إسحاق بمكة وإنما كان إسماعيل بمكة قال ابن كثير فى تفسيره وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكى ذلك عن طائفة من السلف


"""""" صفحة رقم 404 """"""
حتى يقال عن بعض الصحابة وليس فى ذلك كتاب ولا سنة وما أظن ذلك تلقى إلا عن أخبار أهل الكتاب وأخذ مسلما من غير حجة وكتاب الله شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل فإنه ذكر البشارة بالغلام الحليم وذكر أنه الذبيح وقال بعد ذلك ) وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين (
واحتج القائلون بأنه إسحاق بأن الله عز وجل قد أخبرهم عن إبراهيم حين فارق قومه فهاجر إلى الشام مع امرأته سارة وابن أخيه لوط فقال ) إني ذاهب إلى ربي سيهدين ( أنه دعا فقال ) رب هب لي من الصالحين ( فقال تعالى ) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب ( ولأن الله قال ) وفديناه بذبح عظيم ( فذكر أنه فى الغلام الحليم الذى بشر به إبراهيم وإنما بشر بإسحاق لأنه قال ) وبشرناه بإسحاق ( وقال هنا ) بغلام حليم ( وذلك قبل أن يعرف هاجر وقبل أن يصير له إسماعيل وليس فى القرآن أنه بشر بولد إلا إسحاق قال الزجاج الله أعلم أيهما الذبيح وما استدل به الفريقان يمكن الجواب عنه والمناقشة له
ومن جملة ما احتج به من قال إنه إسماعيل بأن الله وصفه بالصبر دون إسحاق كما فى قوله ) وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين ( وهو صبره على الذبح ووصفه بصدق الوعد فى قوله ) إنه كان صادق الوعد ( لأنه وعد أباه من نفسه بالصبر على الذبح فوفى به ولأن الله سبحانه قال ) وبشرناه بإسحاق نبيا ( فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيا وأيضا فإن الله قال ) فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ( فكيف يأمر بذبح إسحاق قبل إنجاز الوعد فى يعقوب وأيضا ورد فى الأخبار تعليق قرن الكبش فى الكعبة فدل على أن الذبيح إسماعيل ولو كان إسحاق لكان الذبح واقعا ببيت المقدس وكل هذا أيضا يحتمل المناقشة ) فانظر ماذا ترى ( قرأ حمزة والكسائى ترى بضم الفوقية وكسر الراء والمفعولان محذوفان أى أنظر ماذا ترينى إياه من صبرك واحتمالك وقرأ الباقون من السبعة بفتح التاء والراء من الرأى وهو مضارع رأيت وقرأ الضحاك والأعمش ترى بضم التاء وفتح الراء مبنيا للمفعول أى ماذا يخيل إليك ويسنح لخاطرك قال الفراء فى بيان معنى القراءة الأولى انظر ماذا ترى من صبرك وجزعك قال الزجاج لم يقل هذا أحد غيره وإنما قال العلماء ماذا تشير أى ما تريك نفسك من الرأى وقال أبو عبيد إنما يكون هذا من رؤية العين خاصة وكذا قال أبو حاتم وغلطهما النحاس وقال هذا يكون من رؤية العين وغيرها ومعنى القراءة الثانية ظاهر واضح وإنما شاوره ليعلم صبره لأمر الله وإلا فرؤيا الأنبياء وحى وامتثالها لازم لهم متحتم عليهم ) قال يا أبت افعل ما تؤمر ( أى ما تؤمر به مما اوحى إليك من ذبحى وما موصولة وقيل مصدرية على معنى افعل أمرك والمصدر مضاف إلى المفعول وتسمية المأمور به أمرا والأول أولى ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين ( على ما ابتلانى به من الذبح والتعليق بمشيئة الله سبحانه تبركا بها منه
الصافات : ( 103 ) فلما أسلما وتله . . . . .
) فلما أسلما ( أي استسلما لأمر الله وأطاعاه وانقادا له قرأ الجمهور أسلمنا وقرأ على وابن مسعود وابن عباس فلما سلما أى فوضا أمرهما إلى الله وروى عن ابن عباس أنه قرأ استسلما قال قتادة أسلم أحدهما نفسه لله وأسلم الآخر ابنه يقال سلم لأمر الله وأسلم واستسلم بمعنى واحد
وقد اختلف فى الجواب لما ماذا هو فقيل هو محذوف وتقديره ظهر صبرهما أو أجزلنا لهما أجرهما أو فديناه بكبش هكذا قال البصريون وقال الكوفيون الجواب هو ناديناه والواو زائدة مقحمة واعترض عليهم النحاس بأن الواو من حروف المعانى ولا يجوز أن تزاد وقال الأخفش الجواب ) وتله للجبين ( والواو زائدة وروى هذا أيضا عن الكوفيين واعتراض النحاس يرد عليه كما ورد على الأول ) وتله للجبين ( التل الصرع


"""""" صفحة رقم 405 """"""
والدفع يقال تللت الرجل إذا ألقيته والمراد أنه أضجعه على جبينه على الأرض والجبين أحد جانبى الجبهة فللوجه جبينان والجبهة بينهما وقيل كبه على وجهه كيلا يرى منه ما يؤثر الرقة لقلبه
واختلف فى الموضع الذى أراد ذبحه فيه فقيل هو مكة فى المقام وقيل فى المنحر بمنى عند الجمار وقيل على الصخرة التى بأصل جبل ثبير وقيل بالشام
الصافات : ( 104 - 105 ) وناديناه أن يا . . . . .
) وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ( أى عزمت على الإتيان بما رأيته قال المفسرون لما أضجعه للذبح نودى من الجبل يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا وجعله مصدقا بمجرد العزم وإن لم يذبحه لأنه قد أتى بما أمكنه والمطلوب استسلامهما لأمر الله وقد فعلا قال القرطبى قال أهل السنة إن نفس الذبح لم يقع ولو وقع لم يتصور رفعه فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء قال ومعنى صدقت الرؤيا فعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك هذا أصح ما قيل فى هذا الباب وقالت طائفة ليس هذا مما ينسخ بوجه لأن معنى ذبحت الشىء قطعته وقد كان إبراهيم يأخذ السكين فيمر بها على حلقه فتنقلب كما قال مجاهد وقال بعضهم كان كلما قطع جزءا التأم وقالت طائفة منهم السدى ضرب الله على عنقه صفيحة نحاس فجعل إبراهيم يحز ولا يقطع شيئا وقال بعضهم إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فرى الأوداج وإنهار الدم وإنما رأى أنه أضجعه للذبح فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقى فلما أتى بما أمر به من الإضجاع قيل له قد ) صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ( أى نجزيهم بالخلاص من الشدائد والسلامة من المحن فالجملة كالتعليل لما قبلها قال مقاتل جزاه الله سبحانه بإحسانه فى طاعته العفو عن ذبح ابنه
الصافات : ( 106 ) إن هذا لهو . . . . .
) إن هذا لهو البلاء المبين ( البلاء والابتلاء الاختبار والمعنى إن هذا هو الاختبار الظاهر حيث احتبره الله فى طاعته بذبح ولده وقيل المعنى إن هذا لهو النعمة الظاهرة حيث سلم الله ولده من الذبح وفداه بالكبش يقال أبلاه الله إبلاء وبلاء إذا أنعم عليه والأول أولى وإن كان الابتلاء يستعمل فى الاختبار بالخير والشر ومنه ) ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( ولكن المناسب للمقام المعنى الأول قال أبو زيد هذا فى البلاء الذى نزل به فى أن يذبح ولده قال وهذا من البلاء المكروه
الصافات : ( 107 ) وفديناه بذبح عظيم
) وفديناه بذبح عظيم ( الذبح اسم المذبوح وجمعه ذبوح كالطحن اسم للمطحون وبالفتح المصدر ومعنى عظيم عظيم القدر ولم يرد عظم الجثة وإنما عظم قدره لأنه فدى به الذبيح أو لأنه متقبل قال النحاس العظيم فى اللغة يكون للكبير وللشريف وأهل التفسير على أنه ها هنا للشريف أي المتقبل قال الواحدى قال أكثر المفسرين أنزل عليه كبش قد رعى فى الجنة أربعين خريفا وقال الحسن ما فدى إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه قال الزجاج قد قيل إنه فدى بوعل والوعل التيس الجبلي ومعنى الآية جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح
الصافات : ( 108 - 109 ) وتركنا عليه في . . . . .
) وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم ( أى فى الأمم الآخرة التى تأتى بعده والسلام الثناء الجميل وقال عكرمة سلام منا وقيل سلامة من الآفات والكلام فى هذا كالكلام فى قوله ) سلام على نوح في العالمين ( وقد تقدم فى هذه السورة بيان معناه ووجه إعرابه
الصافات : ( 110 ) كذلك نجزي المحسنين
) كذلك نجزي المحسنين ( أى مثل ذلك الجزاء العظيم نجزى من انقاد لأمر الله
الصافات : ( 111 ) إنه من عبادنا . . . . .
) إنه من عبادنا المؤمنين ( أى الذين أعطوا العبودية حقها ورسخوا فى الإيمان بالله وتوحيده
الصافات : ( 112 ) وبشرناه بإسحاق نبيا . . . . .
) وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ( أى بشرنا إبراهيم بولد يولد له ويصير نبيا بعد أن يبلغ السن التى يتأهل فيها لذلك وانتصاب نبيا على الحال وهى حال مقدرة قال الزجاج إن كان الذبيح إسحاق فيظهر كونها مقدرة والأولى أن يقال إن من فسر الذبيح بإسحاق جعل البشارة هنا خاصة بنبوته وفى ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة فإن وجود ذى الحال ليس بشرط وإنما الشرط المقارنة للفعل و من الصالحين كما يجوز أن يكون صفة لنبيا يجوز أن يكون حالا من الضمير المستتر فيه فتكون


"""""" صفحة رقم 406 """"""
أحوالا متداخلة
الصافات : ( 113 ) وباركنا عليه وعلى . . . . .
) وباركنا عليه وعلى إسحاق ( أى على إبراهيم وعلى إسحاق بمرادفة نعم الله عليهما وقيل كثرنا ولدهما وقيل إن الضمير فى عليه يعود إلى إسماعيل وهو بعيد وقيل المراد بالمباركة هنا هى الثناء الحسن عليهما إلى يوم القيامة ) ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ( أى محسن فى عمله بالإيمان والتوحيد وظالم لها بالكفر والمعاصى لما ذكر سبحانه البركة فى الذرية بين أن كون الذرية من هذا العنصر الشريف والمحتد المبارك ليس بنافع لهم بل إنما ينتفعون بأعمالهم لا بآبائهم فإن اليهود والنصارى وإن كانوا من ولد إسحاق فقد صاروا إلى ما صاروا إليه من الضلال البين والعرب وإن كانوا من ولد إسماعيل فقد ماتوا على الشرك إلا من أنقذه الله بالإسلام
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) وجعلنا ذريته هم الباقين ( يقول لم يبق إلا ذرية نوح ) وتركنا عليه في الآخرين ( يقول يذكر بخير وأخرج الترمذى وحسنة وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن سمرة بن جندب عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وجعلنا ذريته هم الباقين ( قال حام وسام ويافث وأخرج ابن سعد وأحمد والترمذى وحسنة وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والحاكم وصححه عن سمرة أيضا أن النبى صى الله عليه وآله وسلم قال سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم والحديثان هما من سماع الحسن عن سمرة وفى سماعه منه مقال معروف وقد قيل إنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة فقط وما عداه فبواسطة قال ابن عبد البر وقد روى عن عمران بن حصين عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مثله وأخرج البزار وابن أبى حاتم والخطيب فى تالى التلخيص عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة ولا خير فيهم وولد حام القبط والبربر والسودان وهو من حديث إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عنه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وإن من شيعته لإبراهيم ( قال من أهل دينه وأخرج عبد بن حميد عنه فى قوله ) إني سقيم ( قال مريض وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال مطعون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا في قوله ) فأقبلوا إليه يزفون ( قال يخرجون وأخرج ابن المنذر عنه أيضا فى قوله ) وقال إني ذاهب إلى ربي ( قال حين هاجر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا ) فلما بلغ معه السعي ( قال العمل وأخرج الطبرانى عنه أيضا قال لما أراد إبراهيم أن يذبح إسحاق قال لأبيه إذا ذبحتنى فاعتزل لا أضطرب فينتضح عليك دمى فشده فلما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودى من خلفه ) أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ( وأخرج أحمد عنه أيضا مرفوعا مثله مع زيادة وأخرجه عنه موقوفا وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضا فى قوله ) وإن من شيعته لإبراهيم ( قال من شيعة نوح على منهاجه وسننه ) فلما بلغ معه السعي ( قال شب حتى بلغ سعيه سعى أبيه فى العمل ) فلما أسلما ( سلما ما أمر به ) وتله ( وضع وجهه إلى الأرض فقال لا تذبحنى وأنت تنظر عسى أن ترحمنى فلا تجهز على وأن أجزع فأنكص فأمتنع منك ولكن اربط يدى إلى رقبتى ثم ضع وجهى إلى الأرض فلما أدخل يده ليذبحه فلم تحل المدية حتى نودى أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده قوله ) وفديناه بذبح عظيم ( بكبش عظيم متقبل وزعم ابن عباس أن الذبيح إسماعيل وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رؤيا الأنبياء وحى وأخرجه البخارى وغيره من قول عبيد بن عمير واستدل بهذه الآية وأخرج ابن جرير والحاكم من طريق عطاء ابن أبى رباح عن ابن عباس قال المفدى إسماعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود وأخرج الفريابى وابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق الشعبى عن ابن عباس قال الذبيح إسماعيل


"""""" صفحة رقم 407 """"""
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال الذبيح إسماعيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن ماهك وأبى الطفيل عن ابن عباس قال الذبيح إسماعيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عمر فى قوله ) وفديناه بذبح عظيم ( قال إسماعيل ذبح عنه إبراهيم الكبش وأخرج عبد بن حميد من طريق الفرزدق الشاعر قال رأيت أبا هريرة يخطب على منبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويقول إن الذى أمر بذبحه إسماعيل وأخرج البزار وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال نبى الله داود يا رب أسمع الناس يقولون رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب فاجعلنى رابعا قال إن إبراهيم ألقى فى النار فصبر من أجلى وإن إسحاق جاد لى بنفسه وإن يعقوب غاب عنه يوسف وتلك بلية لم تنلك وفى إسناده الحسن بن دينار البصرى وهو متروك عن على بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وأخرج الديلمى عن أبى سعيد الخدرى مرفوعا نحوه وأخرج الدارقطنى فى الأفراد والديلمى عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذبيح إسحاق وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الذبيح إسحاق وأخرج ابن مردويه عن أبى هريرة مرفوعا مثله وأخرج ابن مردويه عن بهار وكانت له صحبة قال إسحاق ذبيح الله وأخرج الطبرانى وابن مردويه عن ابن مسعود قال سئل النبى ( صلى الله عليه وسلم ) من أكرم الناس قال يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله وأخرج عبد الرزاق والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال الذبيح إسحاق وأخرج عبد بن حميد والبخارى فى تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال الذبيح إسحاق وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والحاكم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الذبيح إسحاق وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) وتله للجبين ( قال أكبه على وجهه وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عنه قال صرعه للذبح وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن على بن أبى طالب فى قوله ) وفديناه بذبح عظيم ( قال كبش أعين أبيض أقرن قد ربط بسمرة في أصل ثبير وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وفديناه بذبح عظيم ( قال كبش قد رعى فى الجنة أربعين خريفا وأخرج عبد بن حميد عنه قال فدى إسماعيل بكبشين أملحين أقرنين أعينين وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والطبرانى وابن مردويه عن ابن عباس أن رجلا قال نذرت لأنحر نفسى فقال ابن عباس لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة ثم تلا ) وفديناه بذبح عظيم ( فأمره بكبش فذبحه وأخرج الطبرانى من طريق أخرى عنه نحوه وأخرج ابن جرير عنه أيضا فى قوله ) وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ( قال إنما بشر به نبيا حين فداه الله من الذبح ولم تكن البشارة بالنبوة عند مولده
وبما سقناه من الاختلاف فى الذبيح هل هو إسحاق أو إسماعيل وما استدل به المختلفون فى ذلك تعلم أنه لم يكن فى المقام ما يوجب القطع أو يتعين رجحانه تعينا ظاهرا وقد رجح كل قول طائفة من المحققين المنصفين كابن جرير فإنه رجح إنه إسحاق ولكنه لم يستدل على ذلك إلا ببعض مما سقناه ها هنا وكابن كثير فإنه رجح أنه إسماعيل وجعل الأدلة على ذلك أقوى وأصح وليس الأمر كما ذكره فإنها إن لم تكن دون أدلة القائلين بأن الذبيح إسحاق لم تكن فوقها ولا أرجح منها ولم يصح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى ذلك شىء وما روى عنه فهو إما موضوع أو ضعيف جدا ولم يبق إلا مجرد استنباطات من القرآن كما أشرنا إلى ذلك فيما


"""""" صفحة رقم 408 """"""
سبق وهى محتملة ولا تقوم حجة بمحتمل فالوقف هو الذى لا ينبغى مجاوزته وفيه السلامة من الترجيح بلا مرجح ومن الاستدلال بما هو محتمل
سورة الصافات ( 114 148 )
الصافات : ( 114 ) ولقد مننا على . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر إنجاء الذبيح من الذبح وما من عليه بعد ذلك من النبوة ذكر ما من به على موسى وهارون فقال ) ولقد مننا على موسى وهارون ( يعنى بالنبوة وغيرها من النعم العظيمة التى أنعم الله بها عليهما
الصافات : ( 115 ) ونجيناهما وقومهما من . . . . .
) ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ( المراد بقومهما هم المؤمنون من بنى إسرائيل والمراد بالكرب العظيم هو ما كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم وما كان نيصبهم من جهته من البلاء وقيل هو الغرق الذى أهلك فرعون وقومه والأول أولى
الصافات : ( 116 ) ونصرناهم فكانوا هم . . . . .
) ونصرناهم ( جاء بضمير الجماعة قال الفراء الضمير لموسى وهارون وقومهما لأن قبله ونجيناهما وقومهما والمراد بالنصر التأييد لهم على عدوهم ) فكانوا ( بسبب ذلك ) هم الغالبين ( على عدوهم بعد أن كانوا تحت أسرهم وقهرهم وقيل الضمير فى نصرناهم عائد على الاثنين موسى وهارون تعظيما لهما والأول


"""""" صفحة رقم 409 """"""
أولى
الصافات : ( 117 ) وآتيناهما الكتاب المستبين
) وآتيناهما الكتاب المستبين ( المراد بالكتاب التوراة والمستبين البين الظاهر يقال استبان كذا أي صار بيننا
الصافات : ( 118 ) وهديناهما الصراط المستقيم
) وهديناهما الصراط المستقيم ( أي القيم لا اعوجاج فيه وهو دين الإسلام فإنه الطريق الموصلة إلى المطلوب
الصافات : ( 119 - 120 ) وتركنا عليهما في . . . . .
) وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون ( أي أبقينا عليهما فى الأمم المتأخرة الثناء الجميل وقد قدمنا الكلام فى السلام وفى وجه إعرابه بالرفع وكذلك تقدم تفسير
الصافات : ( 121 - 122 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين ( فى هذه السورة
الصافات : ( 123 ) وإن إلياس لمن . . . . .
) وإن إلياس لمن المرسلين ( قال المفسرون هو نبى من أنبياء بنى إسرائيل وقصته مشهورة مع قومه قيل وهو إلياس بن يس من سبط هارون أخى موسى قال ابن إسحاق وغيره كان إلياس هو القيم بأمر بنى إسرائيل بعد يوشع وقيل هو إدريس والأول أولى قرأ الجمهور إلياس بهمزة مكسورة مقطوعة وقرأ ابن ذكوان بوصلها ورويت هذه القراءة عن ابن عامر وقرأ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وإن إدريس لمن المرسلين وقرأ أبى وإن إبليس بهمزة مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم لام مكسورة ثم تحتية ساكنة ثم سين مهملة مفتوحة
الصافات : ( 124 ) إذ قال لقومه . . . . .
) إذ قال لقومه ألا تتقون ( هو ظرف لقوله من المرسلين أو متعلق بمحذوف أي اذكر يا محمد إذ قال والمعنى ألا تتقون عذاب الله
الصافات : ( 125 ) أتدعون بعلا وتذرون . . . . .
ثم أنكر عليهم بقوله ) أتدعون بعلا ( هو اسم لصنم كانوا يعبدونه أي أتعبدون صنما وتطلبون الخير منه
قال ثعلب اختلف الناس فى قوله سبحانه ) بعلا ( فقالت طائفة البعل هنا الصنم وقالت طائفة البعل هنا ملك وقا ابن إسحاق امرأة كانوا يعبدونها قال الواحدى والمفسرون يقولون ربا وهو بلغة اليمن يقولون للسيد والرب البعل قال النحاس القولان صحيحان أى أتدعون صنما عملتوه ربا ) وتذرون أحسن الخالقين ( أى وتتركون عبادة أحسن من يقال له خالق
الصافات : ( 126 ) الله ربكم ورب . . . . .
وانتصاب الاسم الشريف فى قوله ) الله ربكم ورب آبائكم الأولين ( على أنه بدل من أحسن هذا على قراءة حمزة والكسائى والربيع بن خثيم وابن أبى إسحاق ويحيى ابن وثاب والأعمش فإنهم قرءوا بنصب الثلاثة الأسماء وقيل النصب على المدح وقيل على عطف البيان وحكى أبو عبيد أن النصب على النعت قال النحاس وهو غلط وإنما هو بدل ولا يجوز النعت لأنه ليس بتحلية واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ ابن كثير وأبوا عمرو وعاصم وأبو جعفر وشيبة ونافع بالرفع قال أبو حاتم بمعنى هو الله ربكم قال النحاس وأولى ما قيل إنه مبتدأ وخبر بغير إضمار ولا حذف وحكى عن الأخفش أن الرفع أولى وأحسن قال ابن الأنبارى من رفع أو نصب لم يقف على أحسن الخالقين على جهة التمام لأن الله مترجم عن أحسن الخالقين على الوجهين جميعا والمعنى أنه خالقكم وخالق من قبلكم فهو الذى تحق له العبادة
الصافات : ( 127 ) فكذبوه فإنهم لمحضرون
) فكذبوه فإنهم لمحضرون ( أى فانهم بسبب تكذيبه لمحضرون فى العذاب وقد تقدم أن الإحضار المطلق مخصوص بالشر
الصافات : ( 128 ) إلا عباد الله . . . . .
) إلا عباد الله المخلصين ( أى من كان مؤمنا به من قومه قرىء بكسر اللام وفتحها كما تقدم والمعنى على قراءة الكسر أنهم أخلصوا لله وعلى قراءة الفتح أن الله استخلصهم من عباده وقد تقدم تفسير
الصافات : ( 129 - 130 ) وتركنا عليه في . . . . .
) وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين ( قرأ نافع وابن عامر والأعرج وشيبة على آل ياسين باضافة آل بمعنى آل ياسين وقرأ الباقون بكسر الهمزة وسكون اللام موصولة بياسين إلا الحسن فإنه قرأ الياسين بإدخال آلة التعريف على ياسين قيل المراد على هذه القراءات كلها إلياس وعليه وقع التسليم ولكنه اسم أعجمى والعرب تضطرب فى هذه الأسماء الأعجمية ويكثر تغييرهم لها قال ابن جنى العرب تتلاعب بالأسماء الأعجمية تلاعبا فياسين وإلياس وإلياسين شىء واحد قال الأخفش العرب تسمى قوم الرجل باسم الرجل الجليل منهم فيقولون المهالبة على أنهم سموا كل رجل منهم بالمهلب قال فعلى هذا إنه سمى كل رجل منهم بالياسين قال الفراء يذهب بالياسين إلى أن يجعله جمعا فيجعل أصحابه داخلين معه فى اسمه قال أبو على الفارسى


"""""" صفحة رقم 410 """"""
تقديره الياسين إلا أن الياءين لنسبة حذفتا كما حذفتا فى الأشعرين والأعجمين ورجح الفراء وأبو عبيدة قراءة الجمهور قالا لأنه لم يقل فى شىء من السور على آل فلان إنما جاء بالاسم كذلك الياسين لأنه إنما هو بمعنى إلياس أو بمعنى إلياس وأتباعه وقال الكلبى المراد بآل ياسين آل محمد قال الواحدى وهذا بعيد لأن ما بعده من الكلام وما قبله لا يدل عليه وقد تقدم تفسير
الصافات : ( 131 - 132 ) إنا كذلك نجزي . . . . .
) إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ( مستوفى
الصافات : ( 133 ) وإن لوطا لمن . . . . .
) وإن لوطا لمن المرسلين ( قد تقدم ذكر قصة لوط مستوفاة
الصافات : ( 134 ) إذ نجيناه وأهله . . . . .
) إذ نجيناه وأهله أجمعين ( الظرف متعلق بمحذوف هو اذكر ولا يصح تعلقه بالمرسلين لأنه لم يرسل وقت تنجيته
الصافات : ( 135 ) إلا عجوزا في . . . . .
) إلا عجوزا في الغابرين ( قد تقدم أن الغابر يكون بمعنى الماضى ويكون بمعنى الباقى فالمعنى إلا عجوزا فى الباقين فى العذاب أو الماضين الذين قد هلكوا
الصافات : ( 136 ) ثم دمرنا الآخرين
) ثم دمرنا الآخرين ( أى أهلكناهم بالعقوبة والمعنى أن فى نجاته وأهله جميعا إلا العجوز وتدمير الباقين من قومه الذين لم يؤمنوا به دلالة بينة على ثبوت كونه من المرسلين
الصافات : ( 137 ) وإنكم لتمرون عليهم . . . . .
) وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ( خاطب بهذا العرب أو أهل مكة على الخصوص أى تمرون على منازلهم التى فيها آثار العذاب وقت الصباح
الصافات : ( 138 ) وبالليل أفلا تعقلون
) وبالليل ( والمعنى تمرون على منازلهم فى ذهابكم إلى الشام ورجوعكم منه نهارا وليلا ) أفلا تعقلون ( ما تشاهدونه فى ديارهم من آثار عقوبة الله النازلة بهم فإن فى ذلك عبرة للمعتبرين وموعظة للمتدبرين
الصافات : ( 139 ) وإن يونس لمن . . . . .
) وإن يونس لمن المرسلين ( يونس هو ذو النون وهو ابن متى قال المفسرون وكان يونس قد وعد قومه العذاب فلما تأخر عنهم العذاب خرج عنهم وقصد البحر وركب السفينة
الصافات : ( 140 ) إذ أبق إلى . . . . .
فكان بذهابه إلى البحر كالفار من مولاه فوصف بالإباق وهو معنى قوله ) إذ أبق إلى الفلك المشحون ( وأصل الإباق الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه وصف به وقال المبرد تأويل أبق بباعد أى ذهب إليه ومن ذلك قولهم عبد آبق
وقد اختلف أهل العلم هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إياه أو بعده ومعنى المشحون المملوء
الصافات : ( 141 ) فساهم فكان من . . . . .
فساهم فكان من المدحضين المساهمة أصلها المغالبة وهى الاقتراع وهو أن يخرج السهم على من غلب قال المبرد أى فقارع قال وأصله من السهام التى تجال ومعنى ) فكان من المدحضين ( فصار من المغلوبين قال يقال دحضت حجته وأحضها الله وأصله من الزلق عن مقام الظفر ومنه قول الشاعر قتلنا المدحضين بكل فج
فقد قرت بقتلهم العيون
أى المغلوبين
الصافات : ( 142 ) فالتقمه الحوت وهو . . . . .
) فالتقمه الحوت وهو مليم ( يقال لقمت اللقمة والتقمتها إذا ابتلعتها أى فابتلعه الحوت ومعنى ) وهو مليم ( وهو مستحق للوم يقال رجل مليم إذا أتى بما يلام عليه وأما الملوم فهو الذى يلام سوا أتى بما يستحق أن يلام عليه أم لا وقيل المليم المعيب يقال ألام الرجل إذا عمل شيئا صار به معيبا ومعنى هذه المساهمة أن يونس لما ركب السفينة احتبست فقال الملاحون ها هنا عبد أبق من سيده وهذا رسم السفينة إذا كان فيها آبق لا تجرى فاقترعوا فوقعت القرعة على يونس فقال أنا الآبق وزج نفسه فى الماء قال سعيد ابن جبير لما استهموا جاء حوت إلى السفينة فاغرا فاه ينتظر أمر ربه حتى إذا ألقى نفسه فى الماء أخذه الحوت
الصافات : ( 143 ) فلولا أنه كان . . . . .
) فلولا أنه كان من المسبحين ( أى الذاكرين لله أو المصلين له
الصافات : ( 144 ) للبث في بطنه . . . . .
) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( أى لصار بطن الحوت له قبرا إلى يوم البعث وقيل للبث فى بطنه حيا
واختلف المفسرون كم أقام فى بطن الحوت فقال السدى والكلبى ومقاتل بن سليمان أربعين يوما وقال الضحاك عشرين يوما وقال عطاء سبعة أيام وقال مقاتل بن حبان ثلاثة أيام وقيل ساعة واحدة وفى هذه الآية ترغيب فى ذكر الله وتنشيط للذاكرين له
الصافات : ( 145 ) فنبذناه بالعراء وهو . . . . .
) فنبذناه بالعراء وهو سقيم ( النبذ الطرح والعراء قال ابن الأعرابى هو الصحراء وقال الأخفش الفضاء وقال أبو عبيدة الواسع من الأرض


"""""" صفحة رقم 411 """"""
وقال الفراء المكان الخالى وروى عن أبى عبيدة أيضا أنه قال هو وجه الأرض وأنشد لرجل من خزاعة ورفعت رجلا لا أخاف عثارها
ونبذت بالبلد العراء ثيابى
والمعنى أن الله طرحه من بطن الحوت فى الصحراء الواسعة التى لا نبات فيها وهو عند إلقائه سقيم لما ناله فى بطن الحوت من الضرر قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد
وقد استشكل بعض المفسرين الجمع بين ما وقع هنا من قوله ) فنبذناه بالعراء ( وقوله فى موضع آخر ) لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ( فإن هذه الآية تدل على أنه لم ينبذ بالعراء وأجاب النحاس وغيره بأن الله سبحانه أخبرها هنا أنه نبذ بالعراء وهو غير مذموم ولولا رحمته عز وجل لنبذ بالعراء وهو مذموم
الصافات : ( 146 ) وأنبتنا عليه شجرة . . . . .
) وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ( أى شجرة فوقه تظلل عليه وقيل معنى عليه عنده وقيل معنى عليه له واليقطين هى شجرة الدباء وقال المبرد اليقطين يقال لكل شجرة ليس لها ساق بل تمتد على وجه الأرض نحو الدباء والبطيخ والحنظل فإن كان لها ساق يقلها فيقال لها شجرة فقط وهذا قول الحسن ومقاتل وغيرهما وقال سعيد بن جبير هو كل شىء ينبت ثم يموت من عامه قال الجوهرى اليقطين مالا ساق له من شجر كشجر القرع ونحوه قال الزجاج اشتقاق اليقطين من قطن بالمكان أى أقام به فهو يفعيل وقيل هو اسم أعجمى قال المفسرون كان يستظل بظلها من الشمس وقيض الله له أروية من الوحش تروح عليه بكرة وعشية فكان يشرب من لبنها حتى اشتد لحمه ونبت شعره
الصافات : ( 147 ) وأرسلناه إلى مائة . . . . .
ثم أرسله الله بعد ذلك وهو معنى قوله ) وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ( هم قومه الذين هرب منهم إلى البحر وجرى له ما جرى بعد هربه كما قصه الله علينا فى هذه السورة وهم أهل نينوى قال قتادة أرسل إلى أهل نينوى من أرض الموصل وقد مر الكلام على قصته فى سورة يونس مستوفى واو فى أو يزيدون قيل هى بمعنى الواو والمعنى ويزيدون وقال الفراء أو ها هنا بمعنى بل وهو قول مقاتل والكلبى وقال المبرد والزجاج والأخفش أو هنا على أصله والمعنى أو يزيدون فى تقديركم إذا رآهم الرائى قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون فالشك إنما دخل على حكاية قول المخلوقين قال مقاتل والكلبى كانوا يزيدون عشرين ألفا وقال الحسن بضعا وثلاثين ألفا وقال سعيد بن جبير سبعين ألفا وقرأ جعفر ابن محمد ويزيدون بدون ألف الشك
وقد وقع الخلاف بين المفسرين هل هذا الإرسال المذكور هو الذى كان قبل التقام الحوت له وتكون الواو فى وأرسلناه لمجرد الجمع بين ما وقع له مع الحوت وبين إرساله إلى قومه من غير اعتبار تقديم ما تقدم في السياق وتأخير ما تأخر أو هو إرسال له بعد ما وقع له مع الحوت ما وقع على قولين وقد قدمنا الإشارة إلى الاختلاف بين أهل العلم هل كان قد أرسل قبل أن يهرب من قومه إلى البحر أو لم يرسل إلا بعد ذلك والراجح أنه كان رسولا قبل أن يذهب إلى البحر كما يدل عليه ما قدمنا فى سورة يونس وبقى مستمرا على الرسالة وهذا الإرسال المذكور هنا هو بعد تقدم نبوته ورسالته
الصافات : ( 148 ) فآمنوا فمتعناهم إلى . . . . .
) فآمنوا فمتعناهم إلى حين ( أي وقع منهم الإيمان بعد ما شاهدوا أعلام نبوته فمتعهم الله فى الدنيا إلى حين انقضاء آجالهم ومنتهى أعمارهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن عساكر عن ابن مسعود قال إلياس هو إدريس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال ( صلى الله عليه وسلم ) الخضر هو إلياس وأخرج الحاكم وصححه والبيهقى فى الدلائل وضعفه عن أنس قال كنا مع رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم فى سفر فنزل منزلا فإذا رجل فى الوادى يقول اللهم اجعلنى من


"""""" صفحة رقم 412 """"""
أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) المرحومة المغفور المثاب لها فأشرفت على الوادى فإذا طوله ثمانون ذراعا وأكثر فقال من أنت فقلت أنس خادم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أين هو فقلت هو ذا يسمع كلامك قال فأته وأقرئه منى السلام وقل له أخوك إلياس يقرئك السلام فأتيت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته فجاء حتى عانقه وقعدا يتحدثان فقال له يا رسول الله إنى إنما آكل فى كل سنة يوما وهذا يوم فطرى فآكل أنا وأنت فنزلت عليهما المائدة من السماء خبز وحوت وكرفس فأكلا وأطعمانى وصليا العصر ثم ودعه ثم رأيته مر على السحاب نحو السماء قال الذهبى متعقبا لتصحيح الحاكم له بل موضوع قبح الله من وضعه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) أتدعون بعلا ( قال صنما وأخرج وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه عنه فى قوله ) سلام على إل ياسين ( قال نحن آل محمد آل ياسين وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال بعث الله يونس إلى أهل قريته فردوا عليه ما جاءهم به فامتنعوا منه فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليهم إنى مرسل عليهم العذاب فى يوم كذا وكذا فاخرج من بين أظهرهم فأعلم قومه الذى وعد الله من عذابه إياهم فقالوا ارمقوه فإن خرج من بين أظهركم فهو والله كائن ما وعدكم فلما كانت الليلة التى وعدوا بالعذاب فى صبيحتها أدلج فرآه القوم فحذروا فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم وفرقوا بين كل دابة وولدها ثم عجوا إلى الله وأنابوا واستقالوا فأقالهم الله وانتظر يونس الخبر عن القرية وأهلها حتى مر به مار فقال ما فعل أهل القرية قال إن نبيهم لما خرج من بين أظهرهم عرفوا أنه قد صدقهم ما وعدهم من العذاب فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض ثم فرقوا بين كل ذات ولد وولدها ثم عجوا إلى الله وتابوا إليه فتقبل منهم وأخر عنهم العذاب فقال يونس عند ذلك لا أرجع إليهم كذابا أبدا ومضى على وجهه وقد قدمنا الكلام على قصته وما روى فيها فى سورة يونس فلا نكرره وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقى عن ابن عباس فى قوله ) فساهم ( قال اقترع ) فكان من المدحضين ( قال المقروعين وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) وهو مليم ( قال مسىء وأخرج عبد الرزاق والفريابى وأحمد فى الزهد وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) فلولا أنه كان من المسبحين ( قال من المصلين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا ) فنبذناه بالعراء ( قال ألقيناه بالساحل وأخرج هؤلاء عنه أيضا ) شجرة من يقطين ( قال القرع وأخرج ابن أبى شيبة وابن المنذر من طريق سعيد بن جبير عنه أيضا قال اليقطين كل شىء يذهب على وجه الأرض وأخرج أحمد فى الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عنه أيضا قال إنما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت ثم تلا ) فنبذناه بالعراء ( إلى قوله ) وأرسلناه إلى مائة ألف ( وقد تقدم عنه ما يدل على أن رسالته كانت من قبل ذلك وليس فى الآية ما يدل على ما ذكره كما قدمنا وأخرج الترمذى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى بن كعب قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قول الله ) وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ( قال يزيدون عشرين ألفا قال الترمذى غريب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال يزيدون ثلاثين ألفا وروى عنه أنهم يزيدون بضعة وثلاثين ألفا وروى عنه أنهم يزيدون بضعة وأربعين ألفا ولا يتعلق بالخلاف فى هذا كثير فائدة


"""""" صفحة رقم 413 """"""
سورة الصافات ( 149 182 )
الصافات : ( 149 ) فاستفتهم ألربك البنات . . . . .
لما كانت قريش وقبائل من العرب يزعمون أن الملائكة بنات الله أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) باستفتائهم على طريقة التقريع والتوبيخ فقال ) فاستفتهم ( يا محمد أى استخبرهم ) ألربك البنات ولهم البنون ( أى كيف يجعلون لله على تقدير صدق ما زعموه من الكذب أدنى الجنسين وأوضعهما وهو الإناث ولهم أعلاهما وأرفعهما وهم الذكور وهل هذا إلا حيف فى القسمة لضعف عقولهم وسوء إدراكهم ومثله قوله ) ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى )
الصافات : ( 150 ) أم خلقنا الملائكة . . . . .
ثم زاد فى توبيخهم وتقريعهم فقال ) أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون ( فأضرب عن الكلام الأول إلى ما هو أشد منه فى التبكيت والتهكم بهم أى كيف جعلوهم إناثا وهم لم يحضروا عند خلقنا لهم وهذا كقوله ) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ( فبين سبحانه أن مثل ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة ولم يشهدوا ولا دل دليل على قولهم من السمع ولا هو مما يدرك بالعقل حتى ينسبوا إدراكه إلى عقولهم
الصافات : ( 151 - 152 ) ألا إنهم من . . . . .
ثم أخبر سبحانه عن كذبهم فقال ) ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون ( فبين سبحانه أن قولهم هذا هو من الإفك والافتراء من دون دليل ولا شبهة دليل فإنه لم يلد ولم يولد قرأ الجمهور ولد الله فعلا ماضيا مسندا إلى الله وقرىء بإضافة ولد إلى الله على أنه خبر مبتدأ محذوف أى يقولون الملائكة ولد الله والولد بمعنى مفعول يستوى فيه المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث
الصافات : ( 153 ) أصطفى البنات على . . . . .
ثم كرر سبحانه تقريعهم وتوبيخهم فقال ) أصطفى البنات على البنين ( قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنها للاستفهام الإنكارى وقد حذف معها همزة الوصل استغناء به عنها وقرأ نافع فى رواية عنه وأبو جعفر وشيبة والأعمش بهمزة وصل تثبت ابتداء وتسقط درجا


"""""" صفحة رقم 414 """"""
ويكون الاستفهام منويا قاله الفراء وحذف حرفه للعلم به من المقام أو على أن اصطفى وما بعده بدل من الجملة المحكية بالقول وعلى تقدير عدم الاستفهام والبدل فقد حكى جماعة من المحققين منهم الفراء أن التوبيخ يكون باستفهام وبغير استفهام كما فى قوله ) أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ( وقيل هو على إضمار القول
الصافات : ( 154 ) ما لكم كيف . . . . .
) ما لكم كيف تحكمون ( جملتان استفهاميتان ليس لأحدهما تعلق بالأخرى من حيث الإعراب استفهمهم أولا عما استقر لهم وثبت استفهام بإنكار وثانيا استفهام تعجب من هذا الحكم الذى حكموا به والمعنى أى شىء ثبت لكم كيف تحكمون لله بالبنات وهم القسم الذى تكرهونه ولكم بالبنين وهم القسم الذى تحبونه
الصافات : ( 155 ) أفلا تذكرون
) أفلا تذكرون ( أى تتذكرون فحذفت إحدى التاءين والمعنى ألا تعتبرون وتتفكرون فتتذكرون بطلان قولكم
الصافات : ( 156 ) أم لكم سلطان . . . . .
) أم لكم سلطان مبين ( أى حجة واضحة ظاهرة على هذا الذى تقولونه وهو إضراب عن توبيخ إلى توبيخ وانتقال من تقريع إلى تقريع
الصافات : ( 157 ) فأتوا بكتابكم إن . . . . .
) فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين ( أى فأتوا بحجتكم الواضحة على هذا إن كنتم صادقين فيما تقولونه أو فأتوا
الصافات : ( 158 ) وجعلوا بينه وبين . . . . .
بالكتاب الذى ينطق لكم بالحجة ويشتمل عليها ) وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ( قال أكثر المفسرين إن المراد بالجنة هنا الملائكة قيل لهم جنة لأنهم لا يرون وقال مجاهد هم بطن من بطون الملائكة يقال لهم الجنة وقال أبو مالك إنما قيل لهم الجنة لأنهم خزان على الجنان والنسب الصهر قال قتادة والكلبى قالوا لعنهم الله إن الله صاهر الجن فكانت الملائكة من أولادهم قالا والقائل بهذه المقالة اليهود وقال مجاهد والسدى ومقاتل إن القائل بذلك كنانة وخزاعة قالوا إن الله خطب إلى سادات الجن فزوجوه من سروات بناتهم فالملائكة بنات الله من سروات بنات الجن وقال الحسن أشركوا الشيطان فى عبادة الله فهو النسب الذى جعلوه
الصافات : ( 159 ) سبحان الله عما . . . . .
ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله ) ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون ( أى علموا أن هؤلاء الكفار الذين قالوا هذا القول يحضرون النار ويعذبون فيها وقيل علمت الجنة إنهم أنفسهم يحضرون للحساب والأول أولى لأن الإحضار إذا أطلق فالمراد لعذاب وقيل المعنى ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون إلى الجنة
الصافات : ( 160 ) إلا عباد الله . . . . .
ثم نزه سبحانه نفسه فقال ) سبحان الله عما يصفون ( أو هو حكاية لتنزيه الملك لله عز وجل عما وصفه به المشركون
الصافات : ( 161 ) فإنكم وما تعبدون
والاستثناء فى قوله ) إلا عباد الله المخلصين ( منقطع والتقدير لكن عباد الله المخلصين بريئون عن أن يصفوا الله بشىء من ذلك وقد قرىء بفتح اللام وكسرها ومعناهما ما بيناه قريبا وقيل هو استثناء من المحضرين أى إنهم يحضرون النار إلا من أخلص فيكون متصلا لا منقطعا وعلى هذا تكون جملة التسبيح معترضة
الصافات : ( 162 ) ما أنتم عليه . . . . .
ثم خاطب الكفار على العموم أو كفار مكة على الخصوص فقال ) فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين ( أى فإنكم وآلهتكم التى تعبدون من دون الله لستم بفاتنين على الله بإفساد عباده وإضلالهم وعلى متعلقة بفاتنين والواو فى وما تعبدون إما للعطف على اسم إن أو هو بمعنى مع وما موصولة أو مصدرية أى فإنكم والذى تعبدون أو عبادتكم ومعنى فاتنين مضلين يقال فتنت الرجل وأفتنته ويقال فتنه على الشيء وبالشيء كما يقال أصله على الشيء وأضله به قال الفراء أهل الحجاز يقولون فتنته وأهل نجد يقولون أفتنته ويقال فتن فلان على فلان امرأته أى أفسدها عليه فالفتنة هنا بمعنى الإضلال والإفساد قال مقاتل يقول ما أنتم بمضلين أحدا بآلهتكم إلا من قدر الله له أن يصلى الجحيم وما فى وما أنتم نافية و أنتم خطاب لهم ولمن يعبدونه على التغليب قال الزجاج أهل التفسير مجمعون فيما علمت أن المعنى ما أنتم بمضلين أحدا إلا من قدر الله عز وجل عليه أن يضل ومنه قول الشاعر فرد بفتنته كيده
عليه وكان لنا فاتنا
أي مضلا
الصافات : ( 163 ) إلا من هو . . . . .
) إلا من هو صال الجحيم ( قرأ الجمهور صال بكسر اللام لأنه منقوص مضاف حذفت الياء


"""""" صفحة رقم 415 """"""
لالتقاء الساكنين حمل على لفظ من وأفرد كما أفرد هو وقرأ الحسن وابن أبى عبلة بضم اللام مع واو بعدها وروى عنهما أنهما قرآ بضم اللام بدون واو فأما مع الواو فعلى أنه جمع سلامة بالواو حملا على معنى من وحذفت نون الجمع الإضافة وأما بدون الواو فيحتمل أن يكون جمعا وإنما حذفت الواو خطا كما حذفت لفظا ويحتمل أن يكون مفردا وحقه على هذا كسر اللام قال النحاس وجماعة أهل التفسير يقولون إنه لحن لأنه لا يجوز هذا قاض المدينة والمعنى أن الكفار وما يعبدونه لا يقدرون على إضلال أحد من عباد الله إلا من هو من أهل النار وهم المصرون على الكفر وإنما يصر على الكفر من سبق القضاء عليه بالشقاوة وإنه ممن يصلى النار أى يدخلها
الصافات : ( 164 ) وما منا إلا . . . . .
ثم قال الملائكة مخبرين للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) كما حكاه الله سبحانه عنهم ) وما منا إلا له مقام معلوم ( وفى الكلام حذف والتقدير وما منا أحد أو وما منا ملك إلا له مقام معلوم فى عبادة الله وقيل التقدير وما منا إلا من له مقام معلوم رجح البصريون التقدير الأول ورجح الكوفيون الثانى قال الزجاج هذا قول الملائكة وفيه مضمر المعنى وما منا ملك إلا له مقام معلوم
الصافات : ( 165 ) وإنا لنحن الصافون
ثم قالوا ) وإنا لنحن الصافون ( أى فى مواقف الطاعة قال قتادة هم الملائكة صفوا أقدامهم وقال الكلبى صفوف الملائكة فى السماء كصفوف أهل الدنيا فى الأرض
الصافات : ( 166 ) وإنا لنحن المسبحون
) وإنا لنحن المسبحون ( أى المنزهون لله المقدسون له عما أضافه إليه المشركون وقيل المصلون وقيل المراد بقولهم المسبحون مجموع التسبيح باللسان وبالصلاة والمقصود أن هذه الصفات هى صفات الملائكة وليسوا كما وصفهم به الكفار من أنهم بنات الله
الصافات : ( 167 ) وإن كانوا ليقولون
) وإن كانوا ليقولون ( هذا رجوع إلى الإخبار عن المشركين أى كانوا قبل المبعث المحمدى إذا عيروا بالجهل قالوا
الصافات : ( 168 ) لو أن عندنا . . . . .
) لو أن عندنا ذكرا من الأولين ( أى كتابا من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل
الصافات : ( 169 ) لكنا عباد الله . . . . .
) لكنا عباد الله المخلصين ( أى لأخلصنا العبادة له ولم نكفر به وإن فى قوله ) وإن كانوا ( هى المخففة من الثقيلة وفيها ضيمر شأن محذوف واللام هى الفارقة بينها وبين النافية أى وإن الشأن كان كفار العرب ليقولون الخ
الصافات : ( 170 ) فكفروا به فسوف . . . . .
والفاء فى قوله ) فكفروا به ( هى الفصيحة الدالة على محذوف مقدر فى الكلام قال الفراء تقديره فجاءهم محمد بالذكر فكفروا به وهذا على طريق التعجب منهم ) فسوف يعلمون ( أى عاقبة كفرهم ومغبته وفى هذا تهديد لهم شديد
الصافات : ( 171 ) ولقد سبقت كلمتنا . . . . .
وجملة ) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ( مستأنفة مقررة للوعيد والمراد بالكلمة ما وعدهم الله به من النصر والظفر على الكفار قال مقاتل عنى بالكلمة قوله سبحانه ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( وقال الفراء سبقت كلمتنا بالسعادة لهم والأولى تفسير هذه الكلمة بما هو مذكور هنا
الصافات : ( 172 - 173 ) إنهم لهم المنصورون
فإنه قال ) إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ( فهذه هى الكلمة المذكورة سابقا وهذا تفسير لها والمراد بجند الله حزبه وهم الرسل وأتباعهم قال الشيبانى جاء هنا على الجمع يعنى قوله ) لهم الغالبون ( من أجل أنه رأس آية وهذا الوعد لهم بالنصر والغلبة لا ينافيه انهزامهم فى بعض المواطن وغلبة الكفار لهم فإن الغالب فى كل موطن هو انتصارهم على الأعداء وغلبتهم لهم فخرج الكلام مخرج الغالب على أن العاقبة المحمودة لهم عى كل حال وفى كل موطن كما قال سبحانه ) والعاقبة للمتقين )
الصافات : ( 174 ) فتول عنهم حتى . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله بالإعراض عنهم والإغماض عما يصدر منهم من الجهالات والضلالات فقال ) فتول عنهم حتى حين ( أى أعرض عنهم إلى مدة معلومة عند الله سبحانه وهى مدة الكف عن القتال قال السدى ومجاهد حتى نأمرك بالقتال وقال قتادة إلى الموت وقيل إلى يوم بدر وقيل إلى يوم فتح مكة وقيل هذه الآية منسوخة بآية السيف
الصافات : ( 175 ) وأبصرهم فسوف يبصرون
) وأبصرهم فسوف يبصرون ( أى وأبصرهم إذا نزل بهم العذاب بالقتل والأسر فسوف يبصرون حين لا ينفعهم الإبصار وعبر الإبصار عن قرب الأمر أى فسوف يبصرون عن قريب وقيل المعنى فسوف يبصرون العذاب يوم القيامة
الصافات : ( 176 ) أفبعذابنا يستعجلون
ثم هددهم بقوله سبحانه ) أفبعذابنا يستعجلون ( كانوا يقولون من فرط تكذيبهم متى هذا العذاب
الصافات : ( 177 ) فإذا نزل بساحتهم . . . . .
) فإذا نزل بساحتهم ( أى إذا نزل عذاب الله


"""""" صفحة رقم 416 """"""
لهم بفنائهم والساحة فى اللغة فناء الدار الواسع قال الفراء نزل بساحتهم ونزل بهم سواء قال الزجاج وكان عذاب هؤلاء بالقتل قيل المراد به نزول رسول اله ( صلى الله عليه وسلم ) بساحتهم يوم فتح مكة قرأ الجمهور نزل مبنيا للفاعل وقرأ عبد الله بن مسعود على البناء للمفعول والجار والمجرور قائم مقام الفاعل ) فساء صباح المنذرين ( أى بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب والمخصوص بالذم محذوف أى صباحهم وخص الصباح بالذكر لأن العذاب كان يأتيهم فيه
الصافات : ( 178 - 179 ) وتول عنهم حتى . . . . .
ثم كرر سبحانه ما سبق تأكيدا للوعد بالعذاب فقال ) وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون ( وحذف مفعول أبصر هاهنا وذكره أولا إما للدلالة الأول عليه فتركه هنا اختصارا أو قصدا إلى التعميم للإيذان بأن ما يبصره من أنواع عذابهم لا يحيط به الوصف وقيل هذه الجملة المراد بها أحوال القيامة والجملة الأولى المراد بها عذابهم فى الدنيا وعلى هذا فلا يكون من باب التأكيد بل من باب التأسيس ثم نزه سبحانه نفسه عن قبيح ما يصدر منهم فقال ) سبحان ربك رب العزة عما يصفون ( العزة الغلبة والقوة والمراد تنزيهه عن كل ما يصفونه به مما لا يليق بجنابه الشريف ورب العزة بدل من ربك
الصافات : ( 180 - 181 ) سبحان ربك رب . . . . .
ثم ذكر ما يدل على تشريف رسله وتكريمهم فقال ) وسلام على المرسلين ( أى الذين أرسلهم إلى عباده وبلغوا رسالاته وهو من السلام الذى هو التحية وقيل معناه أمن لهم وسلامة من المكاره
الصافات : ( 182 ) والحمد لله رب . . . . .
) والحمد لله رب العالمين ( إرشاد لعباده إلى حمده على إرسال رسله إليهم مبشرين ومنذرين وتعليم لهم كيف يصنعون عند إنعامه عليهم وما يثنون عليه به وقيل إنه الحمد على هلاك المشركين ونصر الرسل عليهم والأولى أنه حمد لله سبحانه على كل ما أنعم به على خلقه أجمعين كما يفيده حذف المحمود عليه فإن حذفه مشعر بالتعميم كما تقرر فى علم المعانى والحمد هو الثناء الجميل بقصد التعظيم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ( زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى هو وإبليس أخوان وأخرج ابن أبى حاتم عنه فى قوله ) فإنكم وما تعبدون ( قال فإنكم يا معشر المشركين وما تعبدون يعنى الآلهة ) ما أنتم عليه بفاتنين ( قال بمضلين ) إلا من هو صال الجحيم ( يقول إلا من سبق فى علمى أنه سيصلى الجحيم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه أيضا فى الآية يقول إنكم لا تضلون أنتم ولا أضل منكم إلا من قضيت عليه أنه صال الجحيم وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عنه أيضا فى الآية قال لا تفتنون إلا من هو صال الجحيم وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا فى قوله ) وما منا إلا له مقام معلوم ( قال الملائكة ) وإنا لنحن الصافون ( قال الملائكة ) وإنا لنحن المسبحون ( قال الملائكة وأخرج محمد بن نصر المروزى فى كتاب الصلاة وابن جرير وابن أبى حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما فى السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم وذلك قول الملائكة ) وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون ( وأخرج محمد بن نصر وابن عساكر عن العلاء بن سعد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يوما لأصحابه أطت السماء وحق لها أن تئط ليس فها موضع قدم إلا عليه ملك راكع أو ساجد ثم قرأ ) وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون ( وأخرج عبد الرزاق والفريابى وسعيد ابن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود قال إن من السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه قائما أو ساجدا ثم قرأ ) وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون ( وأخرج الترمذى وحسنه وابن جرير وابن مردويه عن أبى ذر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنى أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إن السماء أطت وحق لها أن تئط


"""""" صفحة رقم 417 """"""
فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله وقد ثبت فى الصحيح وغيره أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أمر الصحابة أن يصفوا كما تصف الملائكة عند ربهم فقالوا وكيف تصف الملائكة عند ربهم قال يقيمون الصفوف المقدمة ويتراصون فى الصف وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) لو أن عندنا ذكرا من الأولين ( قال لما جاء المشركين من أهل مكة ذكر الأولين وعلم الآخرين كفروا بالكتاب ) فسوف يعلمون ( وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أنس قال صبح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خيبر وقد خرجوا بالمساحى فلما نظروا إليه قالوا محمد والخميس فقال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين الحديث وأخرج ابن سعد وابن مردويه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا سلمتم على المرسلين فسلموا على فإنما أنا بشر من المرسلين وأخرج ابن مردويه من طريق أبى العوام عن قتادة عن أنس مرفوعا نحوه بأطول منه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن مردويه عن أبى سعيد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان إذا أراد أن يسلم من صلاته قال ) سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ( وأخرج الطبرانى عن ابن عباس قال كنا نعرف انصراف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الصلاة بقوله ) سبحان ربك ( إلى آخر الآية وأخرج الخطيب نحوه من حديث أبى سعيد وأخرج الطبرانى عن زيد بن أرقم عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من قال دبر كل صلاة سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ثلاث مرات فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر وأخرج حميد بن زنجويه فى ترغيبه من طريق الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبى طالب نحوه
وإلى هنا انتهى الجزء الثالث من هذا التفسير المبارك بمعونة الله المقبول بفضل الله بقلم مصنفه الحقير محمد بن على الشوكانى غفر الله لهما فى نهار الخميس الحادى والعشرين من شهر محرم الحرام من شهور سنة تسع وعشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية حامدا لله شاكرا له مصليا مسلما على رسوله وآله ويتلوه إن شاء الله تفسير
سورة ص
انتهى سماع هذا الجزء على مؤلفه حفظه الله في يوم الاثنين غرة شهر جمادى الآخرة سنة 1239 ه كتبه يحيى بن على الشوكانى غفر الله لهما


"""""" صفحة رقم 418 """"""
ع38
تفسير
سورة ص
آياتها ست وثمانون وقيل خمس وثمانون وقيل ثمان وثمانون آية
حول السورة
وهى مكية قال القرطبى فى قول الجميع وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال نزلت سورة ص بمكة وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذى وصححه والنسائى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقال إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فدخل البيت وبينهم وبين أبى طالب قدر مجلس رجل فخشى أبو جهل أن يجلس إلى أبى طالب ويكون أرقى عليه فوثب فجلس فى ذلك المجلس فلم يجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مجلسا قرب عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب أى ابن أخى ما بال قومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول قال وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا عم إنى أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدى إليهم بها العجم الجزية ففزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم كلمة واحدة نعم وأبيك عشرا قالوا فما هي قال لا إله إلا الله فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون ) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ( فنزل فيهم ) ص والقرآن ذي الذكر ( إلى قوله ) بل لما يذوقوا عذاب )
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة ص ( 1 11 )


"""""" صفحة رقم 419 """"""
ص : ( 1 ) ص والقرآن ذي . . . . .
قوله ) ص ( قرأ الجمهور بسكون الدال كسائر حروف التهجى فى أوائل السور فإنها ساكنة الأواخر على الوقف وقرأ أبى بن كعب والحسن وابن أبى إسحاق ونصر بن عاصم وابن أبى عبلة وأبو السماك بكسر الدال من غير تنوين ووجه الكسر أنه لالتقاء الساكنين وقيل وجه الكسر أنه من صادى يصادى إذا عارض والمعنى صاد القرآن بعملك أى عارضه بعملك وقابله فاعمل به وهذا حكاه النحاس عن الحسن البصرى وقال إنه فسر قراءته هذه بهذا وعنه أن المعنى اتله وتعرض لقراءته وقرأ عيسى بن عمر صاد بفتح الدال والفتح لالتقاء الساكنين وقيل نصب على الإغراء وقيل معناه صاد محمد قلوب الخلق واستمالها حتى آمنوا به ورويت هذه القراءة عن أبى عمرو وروى عن ابن إسحاق أيضا أنه قرأ صاد بالكسر والتنوين تشبيها لهذا الحرف بما هو غير متمكن من الأصوات وقرأ هارون الأعور وابن السميفع صاد بالضم من غير تنوين على البناء نحو منذ وحيث
وقد اختلف فى معنى صاد فقال الضحاك معناه صدق الله وقال عطاء صدق محمد وقال سعيد بن جبير هو بحر يحيى الله به الموتى بين النفختين وقال محمد بن كعب هو مفتاح اسم الله وقال قتادة هو اسم من أسماء الله وروى عنه أنه قال هو اسم من أسماء الرحمن وقال مجاهد هو فاتحة السورة وقيل هو مما استأثر الله بعلمه وهذا هو الحق كما قدمنا فى فاتحة سورة البقرة قيل وهو إما اسم للحروف مسرودا على نمط التعبد أو اسم للسورة أو خبر مبتدأ محذوف أو منصوب بإضمار اذكر أو اقرأ والواو فى قوله ) والقرآن ذي الذكر ( هي واو القسم والإقسام بالقرآن فيه تنبيه على شرف قدره وعلو محله ومعنى ) ذي الذكر ( أنه مشتمل على الذكر الذى فيه بيان كل شىء قال مقاتل معنى ) ذي الذكر ( ذى البيان وقال الضحاك ذى الشرف كما فى قوله ) لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ( أى شرفكم وقيل أى ذى الموعظة
واختلف فى جواب هذا القسم ما هو فقال الزجاج والكسائى والكوفيون غير الفراء إنه قوله ) إن ذلك لحق ( وقال الفراء لا نجده مستقيما لتأخره جدا عن قوله ) والقرآن ( ورجح هو وثعلب أن الجواب قوله ) كم أهلكنا ( وقال الأخفش الجواب هو ) إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ( وقيل هو صاد لأن معناه حق فهو جواب لقوله والقرآن كما تقول حقا والله وجب والله ذكره ابن الأنبارى وروى أيضا عن ثعلب والفراء وهو مبنى على أن جواب القسم يجوز تقدمه وهو ضعيف وقيل الجواب محذوف والتقدير والقرآن ذى الذكر لتبعثن ونحو ذلك وقال ابن عطية تقديره ما الأمر كما يزعم الكفار والقول بالحذف أولى وقيل أن قوله ص مقسم به وعلى هذا القول تكون الواو فى والقرآن لعطف عليه
ص : ( 2 ) بل الذين كفروا . . . . .
ولما كان الإقسام بالقرآن دالا على صدقه وأنه حق وأنه ليس بمحل للريب قال سبحانه ) بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( فأضرب عن ذلك وكأنه قال لا ريب فيه قطعا ولم يكن عدم قبول المشركين له لريب فيه بل هم فى عزة عن قبول الحق أى تكبر وتجبر وشقاق أى وامتناع عن قبول الحق والعزة عند العرب الغلبة والقهر يقال من عز بز أى من غلب سلب ومنه وعزنى فى الخطاب أى غلبنى ومنه قول الشاعر يعز على الطريق بمنكبيه
كما انترك الخليع على القداح
والشقاق مأخوذ من الشق وقد تقدم بيانه
ص : ( 3 ) كم أهلكنا من . . . . .
ثم خوفهم سبحانه وهددهم بما فعله بمن قبلهم من الكفار فقال ) كم أهلكنا من قبلهم من قرن ( يعنى الأمم الخالية المهلكة بتكذيب الرسل أى كم أهلكنا من الأمم الخالية الذين


"""""" صفحة رقم 420 """"""
كانوا أمنع من هؤلاء وأشد قوة وأكثر أموالا وكم هى الخبرية الدالة على التكثير وهى فى محل نصب بأهلكنا على أنها مفعول به ومن قرن تمييز ومن فى من قبلهم هى لابتداء الغاية ) فنادوا ولات حين مناص ( النداء هنا هو نداء الاستغاثة منهم عند نزول العذاب بهم وليس الحين حين مناص قال الحسن نادوا بالتوبة وليس حين التوبة ولا حين ينفع العمل والمناص مصدر ناص ينوص وهو الفوت والتأخر ولات بمعنى ليس بلغة أهل اليمن وقال النحويون هى لا التى بمعنى ليس زيدت عليها التاء كما فى قولهم رب وربت وثم وثمت قال الفراء النوص التأخر وأنشد قول امرىء القيس أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص
قال يقال ناص عن قرنه ينوص نوصا أي فر وزاغ قال الفراء ويقال ناص ينوص إذا تقدم وقيل المعنى أنه قال بعضهم لبعض مناص أى عليكم بالفرار والهزيمة فلما أتاهم العذاب قالوا مناص فقال الله ) ولات حين مناص ( قال سيبويه لات مشبهة بليس والاسم فيها مضمر أى ليس حيننا حين مناص قال الزجاج التقدير وليس أواننا قال ابن كيسان والقول كما قال سيبويه والوقف عليها عند الكسائى بالهاء وبه قال المبرد والأخفش قال الكسائى والفراء والخليل وسيبويه والأخفش والتاء تكتب منقطعة عن حين وكذلك هى في المصاحف وقال أبو عبيد تكتب متصلة بحين فيقال ولا تحين ومنه قول أبى وجرة السعدى
العاطفون تحين ما من عاطف والمطعمون زمان ما من مطعم
وقد يستغنى بحين عن المضاف إليه كما قال الشاعر
تذكر حب ليلى لات حينا وأمسى الشيب قد قطع القرينا
قال أبو عبيد لم نجد العرب تزيد هذه التاء إلا فى حين وأوان والآن قلت بل قد يزيدونها فى غير ذلك كما فى قول الشاعر
فلتعرفن خلائقا مشمولة ولتندمن ولات ساعة مندم
وقد أنشد الفراء هذا البيت مستدلا به على أن من العرب من يخفض بها وجملة ) ولات حين مناص ( فى محل نصب على الحال من ضمير نادوا قرأ الجمهور لات بفتح التاء وقرىء لات بالكسر كجير
ص : ( 4 ) وعجبوا أن جاءهم . . . . .
) وعجبوا أن جاءهم منذر منهم ( أى عجب الكفار الذين وصفهم الله سبحانه بأنهم فى عزة وشقاق أن جاءهم منذر منهم أى رسول من أنفسهم ينذرهم بالعذاب إن استمروا على الكفر وأن وما فى حيزها فى محل نصب بنزع الخافض أى من أن جاءهم وهو كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع من أنواع كفرهم ) وقال الكافرون هذا ساحر كذاب ( قالوا هذا القول لما شاهدوا ما جاء به من المعجزات الخارجة عن قدرة البشر أى هذا المدعى للرسالة ساحر فيما يظهره من المعجزات كذاب فيما يدعيه من أن الله أرسله قيل ووضع الظاهر موضع المضمر لإظهار الغضب عليهم وأن ما قالوه لا يتجاسر على مثله إلا المتوغلون فى الكفر
ص : ( 5 ) أجعل الآلهة إلها . . . . .
ثم أنكروا ما جاء به ( صلى الله عليه وسلم ) من التوحيد وما نفاه من الشركاء لله فقالوا ) أجعل الآلهة إلها واحدا ( أى صيرها إلها واحدا وقصرها على الله سبحانه ) إن هذا لشيء عجاب ( أى لأمر بالغ فى العجب إلى الغاية قال الجوهرى العجيب الأمر الذى يتعجب منه وكذلك العجاب بالضم والعجاب بالتشديد أكثر منه قرأ الجمهور عجاب مخففا وقرأ على والسلمى وعيسى بن عمر وابن مقسم بتشديد الجيم قال مقاتل عجاب يعنى بالتخفيف لغة أزد شنوءة قيل والعجاب بالتخفيف والتشديد يدلان على أنه قد تجاوز الحد فى العجب كما يقال الطويل الذى فيه طول والطوال الذى قد تجاوز حد الطول


"""""" صفحة رقم 421 """"""
وكلام الجوهرى يفيد اختصاص المبالغة بعجاب مشدد الجيم لا بالمخفف وقد قدمنا فى صدر هذه السورة سبب نزول هذه الآيات
ص : ( 6 ) وانطلق الملأ منهم . . . . .
) وانطلق الملأ منهم ( المراد بالملأ الأشراف كما هو مقدر فى غير موضع من تفسير الكتاب العزيز أى انطلقوا من مجلسهم الذى كانوا فيه عند أبى طالب كما تقدم قائلين ) أن امشوا ( أى قائلين لبعضهم بعضا امضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه ) واصبروا على آلهتكم ( أي اثبتوا على عبادتها وقيل المعنى وانطلق الأشراف منهم فقالوا للعوام امشوا واصبروا على آلهتكم و أن فى قوله ) أن امشوا ( هى المفسرة للقول المقدر أو لقوله وانطلق لأنه مضمن معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية معمولة للمقدر أو للمذكور أى بأن امشوا وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع فى القول وامشوا من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها أى اجتمعوا وأكثروا وهو بعيد جدا وخلاف ما يدل عليه الانطلاق والمشى بحقيقتهما وخلاف ما تقدم فى سبب النزول وجملة ) إن هذا لشيء يراد ( تعليل لما تقدمه من الأمر بالصبر أى يريده محمد بنا وبآلهتنا ويود تمامه ليعلو علينا ونكون له أتباعا فيتحكم فينا بما يريد فيكون هذا الكلام خارجا مخرج التحذير منه والتنفير عنه وقيل المعنى إن هذا الأمر يريده الله سبحانه وما أراده فهو كائن لا محالة فاصبروا على عبادة آلهتكم وقيل المعنى إن دينكم لشىء يراد أى يطلب ليؤخذ منكم وتغلبوا عليه والأول أولى
ص : ( 7 ) ما سمعنا بهذا . . . . .
) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ( أي ما سمعنا بهذا الذي يقوله محمد من التوحيد في الملة الآخرة وهى ملة النصرانية فإنها أخر الملل قبل ملة الإسلام كذا قال محمد بن كعب القرظى وقتادة ومقاتل والكلبى والسدى وقال مجاهد يعنون ملة قريش وروى مثله عن قتادة أيضا وقال الحسن المعنى ما سمعنا أن هذا يكون آخر الزمان وقيل المعنى ما سمعنا من اليهود والنصارى أن محمدا رسول ) إن هذا إلا اختلاق ( أى ما هذا إلا كذب اختلقه محمد وافتراه
ص : ( 8 ) أأنزل عليه الذكر . . . . .
ثم استنكروا أن يخص الله رسوله بمزية النبوة دونهم فقالوا ) أأنزل عليه الذكر من بيننا ( والاستفهام للإنكار أى كيف يكون ذلك ونحن الرؤساء والأشراف قال الزجاج قالوا كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا ونحن أكبر سنا وأعظم شرفا منه وهذا مثل قولهم لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم فأنكروا أن يتفضل الله سبحانه على من يشاء من عباده بما شاء ولما ذكر استنكارهم لنزول القرآن على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دونهم بين السبب الذى لأجله تركوا تصديق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما جاء به فقال ) بل هم في شك من ذكري ( أي من القرآن أو الوحى لإعراضهم عن النظر الموجب لتصديقه وإهمالهم للأدلة الدالة على أنه حق منزل من عند الله ) بل لما يذوقوا عذاب ( أى بل السبب أنهم لم يذوقوا عذابى فاغتروا بطول المهلة ولو ذاقوا عذابى على ما هم عليه من الشرك والشك لصدقوا ما جئت به من القرآن ولم يشكوا فيه
ص : ( 9 ) أم عندهم خزائن . . . . .
) أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ( أي مفاتيح نعم ربك وهى النبوة وما هو دونها من النعم حتى يعطوها من شاءوا فما لهم ولإنكار ما تفضل الله به على هذا النبى واختاره له واصطفاه لرسالته والمعنى بل أعندهم لأن أم هى المنقطعة المقدرة ببل والهمزة والعزيز الغالب القاهر والوهاب المعطى بغير حساب
ص : ( 10 ) أم لهم ملك . . . . .
) أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما ( أى بل ألهم ملك هذه الأشياء حتى يعطوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ويعترضوا على إعطاء الله سبحانه ما شاء لمن شاء وقوله ) فليرتقوا في الأسباب ( جواب شرط محذوف أى إن كان لهم ذلك فليصعدوا فى الأسباب التى توصلهم إلى السماء أو إلى العرش حتى يحكموا بما يريدون من عطاء ومنع ويدبروا أمر العالم بما يشتهون أو فليصعدوا وليمنعوا الملائكة من نزولهم بالوحي على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والأسباب أبواب السموات التي تنزل الملائكة منها قاله مجاهد وقتادة ومنه قول زهير ولو رام أسباب السماء بسلم
قال الربيع بن أنس الأسباب أدق


"""""" صفحة رقم 422 """"""
من الشعر وأشد من الحديد ولكن لا ترى وقال السدى ) في الأسباب ( فى الفضل والدين وقيل فليعملوا فى أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة وهو قول أبى عبيدة وقيل الأسباب الحبال يعنى إن وجدوا حبالا يصعدون فيها إلى السماء فعلوا والأسباب عند أهل اللغة كل شىء يتوصل به إلى المطلوب كائنا ما كان وفى هذا الكلام تهكم بكم وتعجيز لهم
ص : ( 11 ) جند ما هنالك . . . . .
) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( هذا وعد من الله سبحانه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بالنصر عليهم والظفر بهم وجند مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هم جند يعنى الكفار مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بهم ولا تظن أنهم يصلون إلى شىء مما يضمرونه بك من الكيد و ما فى قوله ) ما هنالك ( هى صفة لجند لإفادة التعظيم والتحقير أى جند أي جند وقيل هى زائدة يقال هزمت الجيش كسرته وتهزمت القرية إذا تكسرت وهذا الكلام متصل بما تقدم وهو قوله ) بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( وهم جند من الأحزاب مهزومون فلا تحزن لعزتهم وشقاقهم فإنى أسلب عزهم وأهزم جمعهم وقد وقع ذلك ولله الحمد فى يوم بدر وفيما بعده من مواطن الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد عن أبى صالح قال سئل جابر بن عبد الله وابن عباس عن ) ص ( فقال لا ندرى ما هو وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال ص محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عنه ) والقرآن ذي الذكر ( قال ذى الشرف وأخرج أبو داود الطيالسى وعبد الرزاق والفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن التميمى قال سألت ابن عباس عن قول الله تعالى ) فنادوا ولات حين مناص ( قال ليس بحين نزو ولا فرار وأخرج ابن أبى حاتم من طريق عكرمة عنه فى الآية قال نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد تذكرت ليلى لات حين تذكر
وقد بنت منها والمناص بعيد
وأخرج عنه أيضا فى الآية قال ليس هدا حين زوال وأخرج ابن المنذر من طريق عطية عنه أيضا قال لا حين فرار وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وانطلق الملأ منهم ( الآية قال نزلت حين انطلق أشراف قريش إلى أبى طالب فكلموه فى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن مردويه عنه ) وانطلق الملأ منهم ( قال أبو جهل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ( قال النصرانية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) فليرتقوا في الأسباب ( قال فى السماء


"""""" صفحة رقم 423 """"""
سورة ص ( 12 25 )
ص : ( 12 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
لما ذكر سبحانه أحوال الكفار المعاصرين لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذكر أمثالهم ممن تقدمهم وعمل عملهم من الكفر والتكذيب فقال ) كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد ( قال المفسرون كانت له أوتاد يعذب بها الناس وذلك أنه كان إذا غضب على أحد وتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض وقيل المراد بالأوتاد الجموع والجنود الكثيرة يعنى أنهم كانوا يقوون أمرة ويشدون سلطانه كما تقوى الأوتاد ما ضربت عليه فالكلام خارج مخرج الاستعارة على هذا قال ابن قتيبة العرب تقول هم فى عز ثابت الأوتاد وملك ثابت الأوتاد يريدون ملكا شديدا وأصل هذا أن البيت من بيوت الشعر إنما يثبت ويقوم بالأوتاد وقيل المراد بالأوتاد هنا البناء المحكم أى وفرعون ذو الأبنية المحكمة قال الضحاك والبنيان يسمى أوتادا والأوتاد جمع وتد أفصحها فتح الواو وكسر التاء ويقال وتد بفتحهما وود بإدغام التاء فى الدال وودت قال الأصمعى ويقال وتد واتد مثل شغل شاغل وأنشد لاقت على الما جديلا واتدا
ولم يكن يخلفها المواعدا
ص : ( 13 ) وثمود وقوم لوط . . . . .
) وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة ( الأيكة الغيضة وقد تقدم تفسيرها واختلاف القراء فى قراءتها فى سورة الشعراء ومعنى ) أولئك الأحزاب ( أنهم الموصوفون بالقوة والكثرة كقولهم فلان هو الرجل وقريش وإن كانوا حزبا كما قال الله سبحانه فيما تقدم ) جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب ( ولكن هؤلاء الذين قصهم الله علينا من الأمم السالفة هم أكثر منهم عددا وأقوى أبدانا وأوسع أموالا وأعمارا وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة ويجوز أن تكون خبرا والمبتدأ قوله وعاد كذا قال أبو البقاء وهو ضعيف بل الظاهر أن عاد وما بعده معطوفات على قوم نوح والأولى أن تكون هذه الجملة خبرا لمبتدأ محذوف أو بدلا من الأمم المذكورة
ص : ( 14 ) إن كل إلا . . . . .
) إن كل إلا كذب الرسل ( إن هى النافية والمعنى ما كل حزب من هذه الأحزاب إلا كذب الرسل لأن تكذيب الحزب لرسوله المرسل إليه تكذيب لجميع الرسل أو هو من مقابلة الجمع بالجمع والمراد تكذيب كل حزب لرسوله والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أى ما كل أحد من الأحزاب فى جميع أحواله إلا وقع منه تكذيب الرسل ) فحق عقاب ( أى فحق عليهم عقابى بتكذيبهم ومعنى حق ثبت ووجب وإن تأخر فكأنه واقع بهم وكل ما هو آت قريب قرأ يعقوب بإثبات الياء فى عقاب وحذفها الباقون مطابقة لرؤوس الآى


"""""" صفحة رقم 424 """"""
ص : ( 15 ) وما ينظر هؤلاء . . . . .
) وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ( أى ما ينتظرون إلا صيحة وهى النفخة الكائنة عند قيام الساعة وقيل هى النفخة الثانية وعلى الأول المراد من عاصر نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) من الكفار وعلى الثانى المراد كفار الأمم المذكورة أى ليس بينهم وبين حلول ما أعد الله لهم من عذاب النار إلا أن ينفخ فى الصور النفخة الثانية وقيل المراد بالصيحة عذاب يفجؤهم فى الدنيا كما قال الشاعر صاح الزمان بآل برمك صيحة
خروا لشدتها على الأذقان
وجمة ) ما لها من فواق ( فى محل نصب صفة لصيحة قال الزجاج فواق وفواق بفتح الفاء وضمها أى ما لها من رجوع والفواق ما بين حلبتي الناقة وهو مشتق من الرجوع أيضا لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين وأفاق من مرضه أى رجع إلى الصحة ولهذا قال مجاهد ومقاتل إن الفواق الرجوع وقال قتادة مالها من مثنوية وقال السدى مالها من إفاقة وقيل مالها من مرد قال الجوهرى مالها من نظرة وراحة وإفاقة ومعنى الآية أن تلك الصيحة هى ميعاد عذابهم فإذا جاءت لم ترجع ولا ترد عنهم ولا تصرف منهم ولا تتوقف مقدار فواق ناقة وهى ما بين حلبتى الحالب لها ومنه قول الأعشى حتى إذا فيقة فى ضرعها اجتمعت
جاءت لترضع شق النفس لو رضعا
والفيقة اسم اللبن الذى يجتمع بين الحلبتين وجمعها فيق وأفواق قرأ حمزة والكسائى ما لها من فواق بضم الفاء وقرأ الباقون بفتحها قال الفراء وأبو عبيدة الفواق بفتح الفاء الراحة أى لا يفيقون فيها كما يفيق المريض والمغشى عليه وبالضم الانتظار
ص : ( 16 ) وقالوا ربنا عجل . . . . .
) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ( لما سمعوا ما توعدهم الله به من العذاب قالوا هذه المقالة استهزاء وسخرية والقط فى اللغة النصيب من القط وهو القطع وبهذا قال قتادة وسعيد بن جبير قال الفراء القط فى كلام العرب الحظ والنصيب ومنه قيل للصك قط قال أبو عبيدة والكسائى القط الكتاب بالجوائز والجمع القطوط ومنه قول الأعشى ولا الملك النعمان يوم لقيته
بغبطته يعطى القطوط ويأفق
ومعنى يأفق يصلح ومعنى الآية سؤالهم لربهم أن يعجل لهم نصيبهم وحظهم من العذاب وهو مثل قوله ) ويستعجلونك بالعذاب ( وقال السدى سألوا ربهم أن يمثل لهم منازلهم من الجنة ليعلموا حقيقة ما يوعدون به وقال إسماعيل بن أبى خالد المعنى عجل لنا أرزاقنا وبه قال سعيد بن جبير والسدى وقال أبو العالية والكلبى ومقاتل لما نزل ) فأما من أوتي كتابه بيمينه ( ) وأما من أوتي كتابه بشماله ( قالت قريش زعمت يا محمد أنا نؤتى كتابنا بشمالنا فعجل لنا قطنا قبل يوم الحساب
ص : ( 17 ) اصبر على ما . . . . .
ثم أمر الله سبحانه نبيه أن يصبر على ما يسمعه من أقوالهم فقال ) اصبر على ما يقولون ( من أقوالهم الباطلة التى هذا القول المحكى عنهم من جملتها وهذه الآية منسوخة بآية السيف ) واذكر عبدنا داود ذا الأيد ( لما فرغ من ذكر قرون الضلالة وأمم الكفر والتكذيب وأمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بالصبر على ما يسمعه زاد فى تسليته وتأسيته بذكر قصة داود وما بعدها ومعنى ) واذكر عبدنا داود ( اذكر قصته فإنك تجد فيها ما تتسلى به والأيد القوة ومنه رجل أيد أى قوى وتأيد الشىء تقوى والمراد ما كان فيه عليه السلام من القوة على العبادة قال الزجاج وكانت قوة داود على العبادة أتم قوة ومن قوته ما أخبرنا به نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان يصوم يوما يفطر يوما وكان يصلى نصف الليل وكان لا يفر إذا لاقى العدو وجملة ) إنه أواب ( تعليل لكونه ذا الأيد والأواب الرجاع عن كل ما يكرهه الله


"""""" صفحة رقم 425 """"""
سبحانه إلى ما يحبه ولا يستطيع ذلك إلا من كان قويا فى دينه وقيل معناه كلما ذكر ذنبه استغفر منه وتاب عنه وهذا داخل تحت المعنى الأول يقال آب يئوب إذا رجع
ص : ( 18 ) إنا سخرنا الجبال . . . . .
) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ( أى يقدسن الله سبحانه وينزهنه عما لا يليق به وجملة يسجن فى محل نصب على الحال وفى هذا بيان ما أعطاه الله من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه قال مقاتل كان داود إذا ذكر الله ذكرت الجبال معه وكأن يفقه تسبيح الجبال وقال محمد بن إسحاق أوتى داود من حسن الصوت ما يكون له فى الجبال دوى حسن فهذا معنى تسبيح الجبال والأول أولى وقيل معنى يسبحن يصلين و معه متعلق بسخرنا ومعنى بالعشى والإشراق قال الكلبى غدوة وعشية يقال أشرقت الشمس إذا أضاءت وذلك وقت الضحى وأما شروقها فطلوعها قال الزجاج شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت إذا أضاءت
ص : ( 19 ) والطير محشورة كل . . . . .
) والطير محشورة ( معطوف على الجبال وانتصاب محشورة على الحال من الطير أى وسخرنا الطير حال كونها محشورة أى مجموعة إليه تسبح الله معه قيل كانت تجمعها إليه الملائكة وقيل كانت تجمعها الريح ) كل له أواب ( أى كل واحد من داود والجبال والطير رجاع إلى طاعة الله وأمره والضمير فى له راجع إلى الله عز وجل وقيل الضمير لداود أى لأجل تسبيح داود نسبح فوضع أواب موضع مسبح والأول أولى وقد قدمنا أن الأواب الكثير الرجوع إلى الله سبحانه
ص : ( 20 ) وشددنا ملكه وآتيناه . . . . .
) وشددنا ملكه ( قويناه وثبتناه بالنصر فى المواطن على أعدائه وإلقاء الرعب منه فى قلوبهم وقيل بكثرة الجنود ) وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ( المراد بالحكمة النبوة والمعرفة بكل ما يحكم به وقال مقاتل الفهم والعلم وقال مجاهد العدل وقال أبو العالية العلم بكتاب الله وقال شريح السنة والمراد بفصل الخطاب الفصل فى القضاء وبه قال الحسن والكلبى ومقاتل وحكى الواحدى عن الأكثر أن فصل الخطاب الشهود والإيمان لأنها إنما تنقطع الخصومة بهذا وقيل هو الإيجاز بجعل المعنى الكثير فى اللفظ القليل
ص : ( 21 ) وهل أتاك نبأ . . . . .
) وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ( لما مدحه الله سبحانه بما تقدم ذكره أردف ذلك بذكر هذه القصة الواقعة له لما فيها من الأخبار العجيبة قال مقاتل بعث الله إلى داود ملكين جبريل وميكائيل لينبهه على التوبة فأتياه وهو فى محرابه قال النحاس ولا خلاف بين أهل التفسير أن المراد بالخصم ها هنا الملكان والخصم مصدر يقع على الواحد والاثنين والجماعة ومعنى ) تسوروا المحراب ( أتوه من أعلى سوره ونزلوا إليه والسور الحائط المرتفع وجاء بلفظ الجمع فى تسوروا مع كونهم اثنين نظرا إلى ما يحتمله لفظ الخصم من الجمع ومنه قول الشاعر وخصم غضاب قد نفضت لحاهم
كنفض البراذين العراب المخاليا
والمحراب الغرفة لأنهم تسوروا عليه وهو فيها كذا قال يحيى بن سلام وقال أبو عبيدة إنه صدر المجلس ومنه محراب المسجد وقيل إنهما كان إنسيين ولم يكونا ملكين
ص : ( 22 ) إذ دخلوا على . . . . .
والعامل فى إذ فى قوله ) إذ دخلوا عليه ( النبأ أى هل أتاك الخبر الواقع فى وقت تسورهم وبهذا قال ابن عطية ومكى وأبو البقاء وقيل العامل فيه أتاك وقيل معمول للخصم وقيل معمول لمحذوف أى وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم وقيل هو معمول لتسوروا وقيل هو بدل مما قبله وقال الفراء إن أحد الظرفين المذكورين بمعنى لما ) ففزع منهم ( وذلك لأنهما أتياه ليلا فى غير وقت دخول الخصوم ودخلوا عليه بغير إذنه ولم يدخلوا من الباب الذى يدخل منه الناس قال ابن الأعرابى وكان محراب داود من الامتناع بالارتفاع بحيث لا يرتقي إليه آدمى بحيلة وجملة ) قالوا لا تخف ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالوا لداود لما فزع منهم وارتفاع ) خصمان ( على أنه خبر مبتدأ محذوف أى نحن خصمان وجاء فيما سبق بلفظ الجمع وهنا بلفظ التثنية لما ذكرنا من أن لفظ الخصم يحتمل المفرد والمثنى والمجموع فالكل


"""""" صفحة رقم 426 """"""
جائز قال الخليل هو كما تقول نحن فعلنا كذا إذا كنتما اثنين وقال الكسائى جمع لما كان خبرا فلما انقضى الخبر وجاءت المخاطبة أخبر الاثنان عن أنفسهما فقالا خصمان وقوله ) بغى بعضنا على بعض ( هو على سبيل الفرض والتقدير وعلى سبيل التعريض لأن من المعلوم أن الملكين لا يبغيان ثم طلبا منه أن يحكم بينهما بالحق ونهياه عن الجور فقالا ) فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط ( أى لا تجر فى حكمك يقال شط الرجل وأشط شططا وإشطاطا إذا جار فى حكمه قال أبو عبيد شططت عليه وأشططت أى جرت وقال الأخفش معناه لا تسرف وقيل لا تفرط وقيل لا تمل والمعنى متقارب والأصل فيه البعد من شطت الدار إذا بعدت قال أبو عمرو الشطط مجاوزة القدر فى كل شىء ) واهدنا إلى سواء الصراط ( سواء الصراط وسطه والمعنى أرشدنا إلى الحق واحملنا عليه
ص : ( 23 ) إن هذا أخي . . . . .
ثم لما أخبراه عن الخصومة إجمالا شرعا فى تفصيلهما وشرحها فقالا ) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ( المراد بالأخوة هنا أخوة الدين أو الصحبة والنعجة هى الأنثى من الضأن وقد يقال لبقر الوحش نعجة ) ولي نعجة واحدة ( قال الواحدى النعجة البقرة الوحشية والعرب تكنى عن المرأة بها وتشبه النساء بالنعاج من البقر قرأ الجمهور ) تسع وتسعون ( بكسر التاء الفوقية وقرأ الحسن وزيد بن علي بفتحها قال النحاس وهى لغة شاذة وإنما عنى بهذا داود لأنه كان له تسع وتسعون امرأة وعنى بقوله ولى نعجة واحدة أوريا زوج المرأة التى أراد أن يتزوجها داود كما سيأتى بيان ذلك ) فقال أكفلنيها ( أى ضمها إلى وانزل لى عنها حتى أكفلها وأصير بعلا لها قال ابن كيسان اجعلها كفلى ونصيبى ) وعزني في الخطاب ( أى غلبنى يقال عزه يعزه عزا إذا غلبه وفى المثل من عزبز أى من غلب سلب والاسم العزة وهى القوة قال عطاء المعنى إن تكلم كان أفصح منى وقرأ ابن مسعود وعبيد بن عمير وعازنى فى الخطاب أي غالبنى من المعازة وهى المغالبة
ص : ( 24 ) قال لقد ظلمك . . . . .
) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ( أى بسؤاله نعجتك ليضمها إلى نعاجه التسع والتسعين إن كان الأمر على ما تقول واللام هى الموطئة للقسم وهى وما بعدها جواب للقسم المقدر وجاء بالقسم فى كلامه مبالغة فى إنكار ما سمعه من طلب صاحب التسع والتسعين النعجة أن يضم إليه النعجة الواحدة التى مع صاحبه ولم يكن معه غيرها ويمكن أنه إنما قال بهذا بعد أن سمع الاعتراف من الآخر قال النحاس ويقال إن خطيئة داود هى قوله ) لقد ظلمك ( لأنه قال ذلك قبل أن يتثبت ) وإن كثيرا من الخلطاء ( وهم الشركاء واحدهم خليط وهو المخالط فى المال ) ليبغي بعضهم على بعض ( أى يتعدى بعضهم على بعض ويظلمه غير مراع لحقه ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( فإنهم يتحامون ذلك ولا يظلمون خليطا ولا غيره ) وقليل ما هم ( أي وقليل هم وما زائدة للتوكيد والتعجيب وقيل هى موصولة وهم مبتدأ وقليل خبره ) وظن داود أنما فتناه ( قال أبو عمرو والفراء ظن يعنى أيقن ومعنى فتناه ابتليناه والمعنى أنه عند أن تخاصما إليه وقال ما قال علم عند ذلك أنه المراد وأن مقصودهما التعريض به وبصاحبه الذى أراد أن ينزل له عن امرأته قال الواحدى قال المفسرون فلما قضى بينهما داود نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك فعند ذلك علم داود بما أراده قرأ الجمهور فتناه بالتخفيف للتاء وتشديد النون وقرأ عمر بن الخطاب والحسن وأبو رجاء بالتشديد للتاء والنون وهى مبالغة فى الفتنة وقرأ الضحاك افتناه وقرأ قتادة وعبيد بن عمير وابن السميفع فتناه بتخفيفهما وإسناد الفعل إلى الملكين ورويت هذه القراءة عن أبى عمرو ) فاستغفر ربه ( لذنبه ) وخر راكعا ( أى ساجدا وعبر بالركوع عن السجود قال ابن العربى لا خلاف بين العلماء أن المراد بالركوع هنا السجود فإن السجود هو الميل والركوع هو الانحناء وأحدهما يدخل فى الآخر ولكنه قد يختص كل واحد منهما بهيئة ثم جاء فى هذا على


"""""" صفحة رقم 427 """"""
تسمية أحدهما بالآخر وقيل المعنى للسجود راكعا أى مصليا وقيل بل كان ركوعهم سجودا وقيل بل كان سجودهم ركوعا ) وأناب ( أى رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه
وقد اختلف المفسرون فى ذنب داود الذى استغفر له وتاب عنه على أقوال الأول أنه نظر إلى امرأة الرجل التى أراد أن تكون زوجة له كذا قال سعيد بن جبير وغيره قال الزجاج ولم يتعمد داود النظر إلى المرأة لكنه عاود النظر إليها وصارت الأولى له والثانية عليه القول الثانى أنه أرسل زوجها فى جملة الغزاة الثالث أنه نوى إن مات زوجها أن يتزوجها الرابع أن أوريا كان خطب تلك المرأة فلما غاب خطبها داود فزوجت منه لجلالته فاغتم لذلك أوريا فعتب الله عليه حيث لم يتركها لخاطبها الخامس أنه لم يجزع على قتل أوريا كما كان يجزع على من هلك من الجند ثم تزوج امرأته فعاتبه الله على ذلك لأن ذنوب الأنبياء وإن صغرت فهى عظيمة السادس أنه حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع من الآخر كما قدمنا
وأقول الظاهر من الخصومة التى وقعت بين الملكين تعريضا لداود عليه السلام أنه طلب من زوج المرأة الواحدة أن ينزل له عنها ويضمها إلى نسائه ولا ينافى هذا العصمة الكائنة للأنبياء فقد نبهه الله على ذلك وعرض له بإرسال ملائكته إليه ليتخاصموا فى مثل قصته حتى يستغفر لذنبه ويتوب منه فاستغفر وتاب وقد قال سبحانه ) وعصى آدم ربه فغوى ( وهو أبو البشر وأول الأنبياء ووقع لغيره من الأنبياء ما قصه الله علينا فى كتابه
ص : ( 25 ) فغفرنا له ذلك . . . . .
ثم أخبر سبحانه أنه قبل استغفاره وتوبته قال ) فغفرنا له ذلك ( أي ذلك الذنب الذى استغفر منه قال عطاء الخراسانى وغيره إن داود بقى ساجدا أربعين يوما حتى نبت الرعى حول وجهه وغمر رأسه قال ابن الأنبارى الوقف على قوله ) فغفرنا له ذلك ( تام ثم يبتدىء الكلام بقوله ) وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ( الزلفى القربة والكرامة بعد المغفرة لذنبه قال مجاهد الزلفى الدنو من الله عز وجل يوم القيامة والمراد بحسن المآب حسن المرجع وهو الجنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ما لها من فواق ( قال من رجعة ) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا ( قال سألوا الله أن يعجل لهم وأخرج ابن أبى حاتم من طريق الزبير ابن عدى عنه عجل لنا قطنا قال نصيبنا من الجنة وأخرج ابن جرير عنه أيضا فى قوله ) ذا الأيد ( قال القوة وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال الأواب المسبح وأخرج الديلمى عن مجاهد قال سألت ابن عمر عن الأواب فقال سألت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عنه فقال هو الذى يذكر ذنوبه فى الخلاء فيستغفر الله وأخرج عبد ابن حميد عن ابن عباس قال الأواب الموقن وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد عن عطاء الخراسانى عنه قال لم يزل فى نفسى من صلاة الضحى حتى قرأت هذه الآية ) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ( وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عنه أيضا قال لقد أتى على زمان وما أدرى وجه هذه الآية ) يسبحن بالعشي والإشراق ( حتى رأيت الناس يصلون الضحى وأخرج الطبرانى فى الأوسط وابن مردويه عنه قال كنت أمر بهذه الآية ) يسبحن بالعشي والإشراق ( فما أدرى ما هى حتى حدثتنى أم هانىء بنت أبى طالب أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) دخل عليها يوم الفتح فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى الضحى ثم قال يا أم هانىء هذه صلاة الإشراق وأخرج ابن جرير وابن مردويه من وجه آخر عنه نحوه والأحاديث فى صلاة الضحى كثيرة جدا قد ذكرناها فى شرحنا للمنتقى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال استعدى رجل من بنى إسرائيل عند داود على رجل من عظمائهم فقال إن هذا غصبنى بقرا لى فسأل داود الرجل عن ذلك فجحده فسأل الآخر البينة فلم يكن له بينة فقال لهما داود قوما حتى أنظر فى أمركما فقاما من عنده فأتى داود فى منامه


"""""" صفحة رقم 428 """"""
فقيل له اقتل الرجل الذى استعدى فقال إن هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت فأتى الليلة الثانية فى منامه فأمر أن يقتل الرجل فلم يفعل ثم أتى الليلة الثالثة فقيل له اقتل الرجل أو تأتيك العقوبة من الله فأرسل داود إلى الرجل فقال إن الله أمرنى أن أقتلك قال تقتلنى بغير بينة ولا تثبت قال نعم والله لأنفذن أمر الله فيك فقال الرجل لا تعجل على حتى أخبرك إنى والله ما أخذت بهذا الذنب ولكنى كنت اغتلت والد هذا فقتلته فبذلك أخذت فأمر به داود فقتل فاشتدت هيبته فى بنى إسرائيل وشدد به ملكه فهو قول الله ) وشددنا ملكه ( وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه ) وآتيناه الحكمة ( قال أعطى الفهم وأخرج ابن أبى حاتم والديلمى عن أبى موسى الأشعرى قال أول من قال أما بعد داود عليه السلام و هو فصل الخطاب وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الشعبى أنه سمع زياد بن أبيه يقول فصل الخطاب الذى أوتى داود أما بعد وأخرج ابن أبى شيبة فى المصنف وابن أبى حاتم عن ابن عباس أن داود حدث نفسه إذا ابتلى أنه يعتصم فقيل له إنك ستبتلى وستعلم اليوم الذى تبتلى فيه فخذ حذرك فقيل له هذا اليوم الذى تبتلى فيه فأخذ الزبور ودخل المحراب وأغلق باب المحراب وأخذ الزبور فى حجره وأقعد منصفا يعنى خادما على الباب وقال لا تأذن لأحد على اليوم فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر مذهب كأحسن ما يكون للطير فيه من كل لون فجعل يدور بين يديه فدنا منه فأمكن أن يأخذه فتناوله بيده ليأخذه فاستوفز من خلفه فأطبق الزبور وقام إليه ليأخذه فطار فوقع على كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فأفضى فوقع على خص فأشرف عليه لينظر أين وقع فإذا هو بامرأة عند بركتها تغتسل من الحيض فلما رأت ظله حركت رأسها فغطت جسدها أجمع بشعرها وكان زوجها غازيا فى سبيل الله فكتب داود إلى رأس الغزاة انظر أوريا فاجعله فى حملة التابوت وكان حملة التابوت إما أن يفتح عليهم وإما أن يقتلوا فقدمه فى حملة التابوت فقتل فلما انقضت عدتها خطبها داود فاشترطت عليه إن ولدت غلاما أن يكون الخليفة من بعده وأشهدت عليه خمسين من بنى إسرائيل وكتب عليه بذلك كتابا فلما شعر بفتنته أنه أفتتن حتى ولدت سليمان وشب فتسور عليه الملكان المحراب وكان شأنهما ما قص الله فى كتابه وخر داود ساجدا فغفر الله له وتاب عليه وأخرج الحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب قال ما أصاب داود بعد ما أصابه بعد القدر إلا من عجب عجب بنفسه وذلك أنه قال يا رب ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك يصلى لك أو يسبح أو يكبر وذكر أشياء فكره الله ذلك فقال يا داود إن ذلك لم يكن إلا بى فلولا عونى ما قويت عليه وعزتى وجلالى لأكلنك إلى نفسك يوما قال يا رب فأخبرنى به فأخبر به فأصابته الفتنة ذلك اليوم وأخرج أصل القصة الحكيم والترمذى فى نوارد الأصول وابن جرير وابن أبى حاتم عن أنس مرفوعا بإسناد ضعيف وأخرجها ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس مطولة وأخرجها جماعة عن جماعة من التابعين وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن مسعود فى قوله ) إن هذا أخي ( قال على دينى وأخرج عبد الرزاق والفريابى وأحمد فى الزهد وابن جرير والطبرانى عنه قال ما زاد داود على أن ) فقال أكفلنيها ( وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أكفلنيها ( قال ما زاد داود على أن قال تحول لى عنها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) وقليل ما هم ( يقول قليل الذى هم فيه وفى قوله ) وظن داود أنما فتناه ( قال اختبرناه وأخرج أحمد والبخارى وأبو داود والترمذى والنسائى وابن مردويه والبيهقى فى سننه عنه أيضا أنه قال فى السجود فى ص ليست من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسجد فيها وأخرج النسائى وابن مردويه بسند جيد عنه أيضا أن


"""""" صفحة رقم 429 """"""
النبى ( صلى الله عليه وسلم ) سجد فى ص وقال يجدها داود ونسجدها شكرا وأخرج ابن مردويه عن أبى هريرة أن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) سجد فى ص وأخرج ابن مردويه عن أنس مثله مرفوعا وأخرج الدارمى وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والدارقطنى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى سننه عن أبى سعيد قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تهيأ الناس للسجود فقال إنما هى توبة ولكنى رأيتكم تهيأتم للسجود فنزل فسجد وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أنه ذكر يوم القيامة فعظم شأنه وشدته قال ويقول الرحمن عز وجل لداود عليه السلام مر بين يدى فيقول داود يا رب أخاف أن تدحضنى خطيئتى فيقول خذ بقدمى فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر قال فتلك الزلفى التى قال الله ) وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب )
سورة ص ( 26 33 )
ص : ( 26 ) يا داود إنا . . . . .
لما تمم سبحانه قصة داود أردفها ببيان تفويض أمر خلافة الأرض إليه والجملة مقولة لقول مقدر معطوف على غفرنا أى وقلنا له ) يا داود إنا ( استخلفناك على الأرض أو ) جعلناك خليفة ( لمن قبلك من الأنبياء لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ) فاحكم بين الناس بالحق ( أى بالعدل الذى هو حكم الله بين عباده ) ولا تتبع الهوى ( أى هوى النفس فى الحكم بين العباد وفيه تنبيه لداود عليه السلام أن الذي عوتب عليه ليس بعدل وأن فيه شائبة من اتباع هوى النفس ) فيضلك عن سبيل الله ( بالنصب على أنه جواب للنهى وفاعل يضلك هو الهوى ويجوز أن يكون الفعل مجزوما بالعطف على النهى وإنما حرك لالتقاء الساكنين فعلى الوجه الأول يكون المنهى عنه الجمع بينهما وعلى الوجه الثانى يكون النهى عن كل واحد منهما على حدة وسبيل الله هو طريق الحق أو طريق الجنة وجملة ) إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد ( تعليل للنهي عن اتباع الهوى والوقوع فى الضلال والباء فى ) بما نسوا يوم الحساب ( للسببية ومعنى النسيان الترك أى بسبب تركهم العمل لذلك اليوم قال الزجاج أى بتركهم العمل لذلك اليوم صاروا بمنزلة الناسين وإن كانوا ينذرون ويذكرون


"""""" صفحة رقم 430 """"""
وقال عكرمة والسدى فى الآية تقديم وتأخير والتقدير ولهم عذاب يوم الحساب بما نسوا أى تركوا القضاء بالعدل والأول أولى
ص : ( 27 ) وما خلقنا السماء . . . . .
وجملة ) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ( مستأنفة مقررة لما قبلها من أمر البعث والحساب أى ما خلقنا هذه الأشياء خلقا باطلا خارجا على الحكمة الباهرة بل خلقناها للدلالة على قدرتنا فانتصاب باطلا على المصدرية أو على الحالية أو على أنه مفعول لأجله والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى المنفى قبله وهو مبتدأ وخبره ) ظن الذين كفروا ( أى مظنونهم فإنهم يظنون أن هذه الأشياء خلقت لا لغرض ويقولون إنه لا قيامة ولا بعث ولا حساب وذلك يستلزم أن يكون خلق هذه المخلوقات باطلا ) فويل للذين كفروا من النار ( والفاء لإفادة ترتب ثبوت الويل لهم على ظنهم الباطل أي فويل لهم بسبب النار المترتبة على ظنهم وكفرهم
ص : ( 28 ) أم نجعل الذين . . . . .
ثم وبخهم وبكتهم فقال ) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ( قال مقاتل قال كفار قريش للمؤمنين إنا نعطى فى الآخرة كما تعطون فنزلت وأم هى المنقطعة المقدرة ببل والهمزة أى بل أنجعل الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله وعملوا بفرائضة كالمفسدين فى الأرض بالمعاصى ثم أضرب سبحانه إضرابا آخر وانتقل عن الأول إلى ما هو أظهر استحالة منه فقال ) أم نجعل المتقين كالفجار ( أى بل تجعل أتقياء المؤمنين كأشقياء الكافرين والمنافقين والمنهمكين فى معاصى الله سبحانه من المسلمين وقيل إن الفجار هنا خاص بالكافرين وقيل المراد بالمتقين الصحابة ولا وجه للتخصيص بغير مخصص والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
ص : ( 29 ) كتاب أنزلناه إليك . . . . .
) كتاب أنزلناه إليك مبارك ( ارتفاع كتاب على أنه خبر مبتدأ محذوف وأنزلناه إليك صفة له ومبارك خبر ثان للمبتدأ ولا يجوز أن يكون صفة أخرى لكتاب لما تقرر من أنه لا يجوز تأخير الوصف الصريح عن غير الصريح وقد جوزه بعض النحاة والتقدير القرآن كتاب أنزلناه إليك يا محمد كثير الخير والبركة وقرىء مباركا على الحال وقوله ) ليدبروا ( أصله ليتدبروا فأدغمت التاء فى الدال وهو متعلق بأنزلناه وفى الآية دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر والتفكر فى معانيه لا لمجرد التلاوة بدون تدبر قرأ الجمهور ) ليدبروا ( بالإدغام وقرأ أبو جعفر وشيبة لتدبروا بالتاء الفوقية على الخطاب ورويت هذه القراءة عن عاصم والكسائى وهى قراءة على رضى الله عنه والأصل لتتدبروا بتاءين فحذف إحداهما تخفيفا ) وليتذكر أولوا الألباب ( أي ليتعظ أهل العقول والألباب جمع لب وهو العقل
ص : ( 30 ) ووهبنا لداود سليمان . . . . .
) ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ( أخبر سبحانه بأن من جملة نعمه على داود أنه وهب له سليمان ولدا ثم مدح سليمان فقال ) نعم العبد ( والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم العبد سليمان وقيل إن المدح هنا بقوله نعم العبد هو لداود والأول أولى وجملة ) إنه أواب ( تعليل لما قبلها من المدح والأواب الرجاع إلى الله بالتوبة كما تقدم بيانه
ص : ( 31 ) إذ عرض عليه . . . . .
والظرف فى قوله ) إذ عرض عليه ( متعلق بمحذوف وهو أذكر أي أذكر ما صدر عنه وقت عرض الصافنات الجياد عليه ) بالعشي ( وقيل هو متعلق بنعم وهو مع كونه غير متصرف لا وجه لتقييده بذلك الوقت وقيل متعلق بأواب ولا وجه لتقييد كونه أوابا بذلك الوقت والعشى من الظهر أو العصر إلى آخر النهار والصافنات جمع صافن
وقد اختلف أهل اللغة فى معناه فقال القتيبى والفراء الصافن فى كلام العرب الواقف من الخيل أو غيرها وبه قال قتادة ومنه الحديث من أحب أن يتمثل له الناس صفونا فليتبوأ مقعده من النار أى يديمون القيام له واستدلوا بقول النابغة لنا قبة مضروبة بفنائها
عتاق المهارى والجياد الصوافن


"""""" صفحة رقم 431 """"""
ولا حجة لهم فى هذا فإنه استدلال بمحل النزاع وهو مصادرة لأن النزاع فى الصافن ماذا هو وقال الزجاج هو الذى يقف على إحدى اليدين ويرفع الأخرى ويجعل على الأرض طرف الحافر منها حتى كأنه يقوم على ثلاث وهى الرجلان وإحدى اليدين وقد يفعل ذلك بإحدى رجليه وهى علامة الفراهة وأنشد الزجاج قول الشاعر ألف الصفون فما يزال كأنه
مما يقوم على الثلاث كسير
ومن هذا قول عمرو بن كلثوم تركنا الخيل عاكفة عليه
مقلدة أعنتها صفونا
فإن قوله صفونا لا بد أن يحمل على معنى غير مجرد القيام لأن مجرد القيام قد استفيد من قوله عاكفة عليه وقال أبو عبيد الصافن هو الذى يجمع يديه ويسويهما وأما الذى يقف على سنبكه فاسمه المتخيم والجياد جمع جواد يقال للفرس إذا كان شديد العدو وقيل إنها الطوال الأعناق مأخوذ من الجيد وهو العنق قيل كانت مائة فرس وقيل كانت عشرين ألفا وقيل كانت عشرين فرسا وقيل إنها خرجت له من البحر وكانت لها أجنحة
ص : ( 32 ) فقال إني أحببت . . . . .
) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي ( انتصاب حب الخير على أنه مفعول أحببت بعد تضمينه معنى آثرت قال الفراء يقول آثرت حب الخير وكل من أحب شيئا فقد آثره وقيل انتصابه على المصدرية بحذف الزوائد والناصب له أحببت وقيل هو مصدر تشبيهى أى حبا مثل حب الخير والأول أولى والمراد بالخير هنا الخيل قال الزجاج الخير هنا الخيل وقال الفراء الخير والخيل فى كلام العرب واحد قال النحاس وفى الحديث الخيل معقود بنواصيها الخير فكأنها سميت خيرا لهذا وقيل إنها سميت خيرا لما فيها من المنافع وعن فى ) عن ذكر ربي ( بمعنى على والمعنى آثرت حب الخيل على ذكر ربى يعنى صلاة العصر ) حتى توارت بالحجاب ( يعنى الشمس ولم يتقدم لها ذكر ولكن المقام يدل على ذلك قال الزجاج إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشىء أو دليل الذكر وقد جرى هنا الدليل وهو قوله بالعشى والتوارى الاستتار عن الأبصار والحجاب ما يحجبها عن الأبصار قال قتادة وكعب الحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق وهو جبل قاف وسمى الليل حجابا لأنه يستر ما فيه وقيل الضمير فى قوله ) حتى توارت ( للخيل أى حتى توارت فى المسابقة عن الأعين والأول أولى
ص : ( 33 ) ردوها علي فطفق . . . . .
وقوله ) ردوها علي ( من تمام قول سليمان أي أعيدوا عرضها على مرة أخرى قال الحسن إن سليمان لما شغله عرض الخيل حتى فاتته صلاة العصر غضب لله وقال ردوها على أى أعيدوها وقيل الضمير فى ردوها يعود إلى الشمس ويكون ذلك معجزة له وإنما أمر بإرجاعها بعد مغيبها لأجل أن يصلى العصر والأول أولى والفاء فى قوله ) فطفق مسحا بالسوق والأعناق ( هى الفصيحة التى تدل على محذوف فى الكلام والتقدير هنا فردوها عليه قال أبو عبيدة طفق يفعل مثل ما زال يفعل وهو مثل ظل وبات وانتصاب مسحا على المصدرية بفعل مقدر أى يمسح مسحا لأن خبر طفق لا يكون إلا فعلا مضارعا وقيل هو مصدر فى موضع الحال والأول أولى والسوق جمع ساق والأعناق جمع عنق والمراد أنه طفق يضرب أعناقها وسوقها يقال مسح علاوته أى ضرب عنقه قال الفراء المسح هنا القطع قال والمعنى أنه أقبل يضرب سوقها وأعناقها لأنها كانت سبب فوت صلاته وكذا قال أبو عبيدة قال الزجاج ولم يكن يفعل ذلك إلا وقد أباحه الله له وجائز أن يباح ذلك لسليمان ويحضر فى هذا الوقت
وقد اختلف المفسرون فى تفسير هذه الآية فقال قوم المراد بالمسح ما تقدم وقال آخرون منهم الزهرى وقتادة إن المراد به المسح على سوقها وأعناقها لكشف الغبار عنها حبا لها والقول الأول أولى بسياق الكلام فإنه


"""""" صفحة رقم 432 """"""
ذكر أنه آخرها على ذكر ربه حتى فاتته صلاة العصر ثم أمرهم بردها عليه ليعاقب نفسه فإفساد ما ألهاه عن ذلك وما صده عن عبادة ربه وشغله عن القيام بما فرضه الله عليه ولا يناسب هذا أن يكون الغرض من ردها عليه هو كشف الغبار عن سوقها وأعناقها بالمسح عليها بيده أو بثوبه ولا متمسك لمن قال إن إفساد المال لا يصدر عن النبى فإن هذا مجرد استبعاد باعتبار ما هو المتقرر فى شرعنا مع جواز أن يكون فى شرع سليمان أن مثل هذا مباح على أن إفساد المال المنهى عنه فى شرعنا هو مجرد إضاعته لغير غرض صحيح وأما لغرض صحيح فقد جاز مثله فى شرعنا كما وقع منه ( صلى الله عليه وسلم ) من إكفاء القدور التى طبخت من الغنيمة قبل القسمة ولهذا نظائر كثيرة فى الشريعة ومن ذلك ما وقع من الصحابة من إحراق طعام المحتكر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عباس فى قوله ) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ( قال الذين آمنوا على وحمزة وعبيدة بن الحارث والمفسدين فى الأرض عتبة وشيبة والوليد وأخرج ابن أبى حاتم عن أبى هريرة قال ) الصافنات الجياد ( خيل خلقت على ما شاء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) الصافنات ( قال صفون الفرس رفع إحدى يديه حتى يكون على أطراف الحافر وفى قوله الجياد السراع وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس فى قوله حب الخير قال الماء وفى قوله ردوها على قال الخيل ) فطفق مسحا ( قال عقرا بالسيف وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن على بن أبى طالب قال الصلاة التى فرط فيها سليمان صلاة العصر وأخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن إبراهيم التيمى فى قوله إذ عرض عليه بالعشى الصافنات الجياد قال كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة فعقرها وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن مسعود بقوله ) حتى توارت بالحجاب ( قال توارت من وراء ياقوتة خضراء فخضرة السماء منها وأخرج ابن أبى شيبة فى المصنف عن ابن عباس قال كان سليمان لا يكلم إعظاما له فلقد فاتته صلاة العصر وما استطاع أحد أن يكلمه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) عن ذكر ربي ( يقول من ذكر ربى ) فطفق مسحا بالسوق والأعناق ( قال قطع سوقها وأعناقها بالسيف
سورة ص ( 34 40 )
ص : ( 34 ) ولقد فتنا سليمان . . . . .
قوله ) ولقد فتنا سليمان ( أى ابتليناه واختبرناه قال الواحدى قال أكثر المفسرين تزوج سليمان امرأة من بنات الملوك فعبدت الصنم فى داره ولم يعلم بذلك سليمان فامتحن بسبب غفلته عن ذلك وقيل إن سبب الفتنة أنه تزوج سليمان امرأة يقال لها جرادة وكان يحبها حبا شديدا فاختصم إليه فريقان أحدهما من أهل جرادة فأحب


"""""" صفحة رقم 433 """"""
أن يكون القضاء لهم ثم قضى بينهم بالحق وقيل إن السبب أنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضى بين أحد وقيل إنه تزوج جرادة هذه وهى مشركة لأنه عرض عليها الإسلام فقالت اقتلنى ولا أسلم وقال كعب الأحبار إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه وقال الحسن إنه قارب بعض نسائه فى شىء من حيض أو غيره وقيل إنه أمر أن لا يتزوج امرأة إلا من بنى إسرائيل فتزوج من غيرهم وقيل إن سبب فتنته ما ثبت فى الحديث الصحيح أنه قال لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تأتى كل واحدة بفارس يقاتل فى سبيل الله ولم يقل إن شاء الله وقيل غير ذلك ثم بين سبحانه ما عاقبه به فقال ) وألقينا على كرسيه جسدا ( انتصاب جسدا على أنه مفعول ألقينا وقيل انتصابه على الحال على تأويله بالمشتق أى ضعيفا أو فارغا والأول أولى قال أكثر المفسرين هذا الجسد الذى ألقاه الله على كرسى سليمان هو شيطان اسمه صخر وكان متمردا عليه غير داخل فى طاعته ألقى الله شبه سليمان عليه وما زال يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان وذلك عند دخول سليمان الكنيف لأنه كان يلقيه إذ دخل الكنيف فجاء صخر فى صورة سليمان فأخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان فقعد على سرير سليمان وأقام أربعين يوما على ملكه وسليمان هارب وقال مجاهد إن شيطانا قال له سليمان كيف تفتنون الناس قال أرنى خاتمك أخبرك فلما أعطاه إياه نبذه فى البحر فذهب ملكه وقعد الشيطان على كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهن وكان سليمان يستطعم فيقول أتعرفوننى أطعمونى فيكذبوه حتى أعطته امرأة يوما حوتا فشق بطنه فوجد خاتمه فى بطنه فرجع إليه ملكه وهو معنى قوله ) ثم أناب ( أى رجع إلى ملكه بعد أربعين يوما وقيل معنى أناب رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه وهذا هو الصواب
ص : ( 35 ) قال رب اغفر . . . . .
وتكون جملة ) قال رب اغفر لي ( بدلا من جملة أناب وتفسيرا له أى اغفر لى ما صدر عنى من الذنب الذى ابتليتنى لأجله ثم لما قدم التوبة والاستغفار جعلها وسيلة إلى إجابة طلبته فقال ) وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ( قال أبو عبيدة معنى لا ينبغى لأحد من بعده لا يكون لأحد من بعدى وقيل المعنى لا ينبغى لأحد أن يسلبه منى بعد هذه السلبة أو لا يصح لأحد من بعدى لعظمته وليس هذا من سؤال نبى الله سليمان عليه السلام للدنيا وملكها والشرف بين أهلها بل المراد بسؤاله الملك أن يتمكن به من إنفاذ أحكام الله سبحانه والأخذ على يد المتمردين من عباده من الجن والإنس ولو لم يكن من المقتضيات لهذا السؤال منه إلا ما رآه عند قعود الشيطان على كرسيه من الأحكام الشيطانية الجارية فى عباد الله وجملة ) إنك أنت الوهاب ( تعليل لما قبلها مما طلبه من مغفرة الله له وهبة الملك الذى لا ينبغى لأحد من بعده أى فإنك كثير الهبات عظيم الموهوبات
ص : ( 36 ) فسخرنا له الريح . . . . .
ثم ذكر سبحانه إجابته لدعوته وإعطاءه لمسألته فقال ) فسخرنا له الريح ( أى ذللناها له وجعلناها منقادة لأمره ثم بين كيفية التسخير لها بقوله ) تجري بأمره رخاء ( أى لينة الهبوب ليست بالعاصف مأخوذ من الرخاوة والمعنى أنها ريح لينة لا تزعزع ولا تعصف مع قوة هبوبها وسرعة جريها ولا ينافى هذا قوله فى آية أخرى ) ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره ( لأن المراد أنها فى قوة العاصفة ولا تعصف وقيل إنها كانت تارة رخاء وتارة عاصفة على ما يريده سليمان ويشتهيه وهذا أولى فى الجمع بين الآيتين ) حيث أصاب ( أى حيث أراد قال الزجاج إجماع أهل اللغة والمفسرين أن معنى حيث أصاب حيث أراد وحقيقته حيث قعد وقال الأصمعى وابن الأعرابى العرب تقول أصاب الصواب وأخطأ الجواب وقيل إن معنى أصاب بلغة حمير أراد وليس من لغة العرب وقيل هو بلسان هجر والأول أولى وهو مأخوذ من إصابة السهو للغرض
ص : ( 37 ) والشياطين كل بناء . . . . .
) والشياطين ( معطوف على الريح أى وسخرنا له الشياطين وقوله ) كل بناء وغواص ( بدل من الشياطين أى كل بناء


"""""" صفحة رقم 434 """"""
منهم وغواص منهم يبنون له ما يشاء من المبانى ويغوصون فى البحر فيستخرجون له الدر منه ومن هذا قول الشاعر إلا سليمان إذ قال الجليل له
قم فى البرية فاحددها عن الفند
وخبر الجن أنى قد أذنت لهم
يبنون تذمر بالصفاح والعمد
ص : ( 38 ) وآخرين مقرنين في . . . . .
) وآخرين مقرنين في الأصفاد ( معطوف على كل داخل فى حكم البدل وهم مردة الشياطين سخروا له حتى قرنهم فى الأصفاد يقال قرنهم فى الحبال إذا كانوا جماعة كثيرة والأصفاد الأغلال واحدها صفد قال الزجاج هى السلاسل فكل ما شددته شدا وثيقا بالحديد وغيره فقد صفدته قال أبو عبيدة صفدت الرجل فهو مصفود وصفدته فهو مصفد ومن هذا قول عمرو بن كلثوم فى معلقته فآبوا بالنهاب وبالسبايا
وأبنا بالملوك مصفدينا
قال يحيى بن سلام ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم
ص : ( 39 ) هذا عطاؤنا فامنن . . . . .
والإشارة بقوله ) هذا ( إلى ما تقدم من تسخير الريح والشياطين له وهو بتقدير القول أى وقلنا له ) هذا عطاؤنا ( الذى أعطيناكه من الملك العظيم الذى طلبته ) فامنن أو أمسك ( قال الحسن والضحاك وغيرهما أى فأعط من شئت وامنع من شئت ) بغير حساب ( لا حساب عليك فى ذلك الإعطاء أو الإمساك أو عطاؤنا لك بغير حساب لكثرته وعظمته وقال قتادة إن قوله ) هذا عطاؤنا ( إشارة إلى ما أعطيه من قوه الجماع وهذا لا وجه لقصر الآية عليه لو قدرنا أنه قد تقدم ذكره من جملة تلك المذكورات فكيف يدعى اختصاص الآية به مع عدم ذكره
ص : ( 40 ) وإن له عندنا . . . . .
) وإن له عندنا لزلفى ( أى قربة فى الآخرة ) وحسن مآب ( وحسن مرجع وهو الجنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابى والحكيم الترمذى والحاكم وصححه عن ابن عباس فى قوله ) ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ( قال هو الشيطان الذى كان على كرسيه يقضى بين الناس أربعين يوما وكان لسليمان امرأة يقال لها جرادة وكان بين بعض أهلها وبين قوم خصومة فقضى بينهم بالحق إلا أنه ود أن الحق كان لأهلها فأوحى الله إليه أن سيصيبك بلاء فكان لا يدرى أيأتيه من السماء أم من الأرض وأخرج النسائى وابن جرير وابن أبى حاتم قال السيوطى بسند قوى عن ابن عباس قال أراد سليمان أن يدخل الخلاء فأعطى لجرادة خاتمه وكانت جرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه فجاء الشيطان فى صورة سليمان فقال لها هاتى خاتمى فأعطته فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين فلما خرج سليمان من الخلاء قال هاتى خاتمى قالت قد أعطيته سليمان قال أنا سليمان قالت كذبت لست سليمان فجعل لا يأتى أحدا يقول أنا سليمان إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله وقام الشيطان يحكم بين الناس فلما أراد الله أن يرد على سليمان سلطانه ألقى فى قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا لهن تنكرن من أمر سليمان شيئا قلن نعم إنه يأتينا ونحن نحيض وما كان يأتينا قبل ذلك فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع فكتبوا كتبا فيها سحر وكفر فدفنوها تحت كرسى سليمان ثم أثاروها وقرءوها على الناس وقالوا بهذا كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم فأكفر الناس سليمان فلم يزالوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطان بالخاتم فطرحه فى البحر فتلقته سمكة فأخذته وكان سليمان يعمل على شط البحر بالأجر فجاء رجل فاشترى سمكا فيه تلك السمكة التى فى بطنها الخاتم فدعا سليمان فقال تحمل لى هذا السمك قال نعم قال بكم قال بسمكة


"""""" صفحة رقم 435 """"""
من هذا السمك فحمل سليمان السمك ثم انطلق به إلى منزله فلما انتهى الرجل إلى باب داره أعطاه تلك السمكة التى فى بطنها الخاتم فأخذها سليمان فشق بطنها فإذا الخاتم فى جوفها فأخذه فلبسه فلما لبسه دانت له الجن والإنس والشياطين وعاد إلى حاله وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان فى طلبه وكان شيطانا مريدا فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوما نائما فجاءوا فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثب فى مكان من البيت إلا انباط معه الرصاص فأخذوه فأوثقوه وجاءوا به إلى سليمان فأمر به فنقر له تخت من رخام ثم أدخله فى جوفه ثم شد بالنحاس ثم أمر به فطرح فى البحر فذلك قوله ) ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ( يعنى الشيطان الذى كان سلط عليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وألقينا على كرسيه جسدا ( قال صخر الجنى تمثل على كرسيه على صورته وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن عفريتا من الجن جعل يتفلت على البارحة ليقطع على صلاتى وإن الله أمكننى منه فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سوارى المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخى سليمان ) وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ( فرده الله خاسئا وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فامنن ( يقول اعتق من الجن من شئت وأمسك منهم من شئت
سورة ص ( 41 54 )
ص : ( 41 ) واذكر عبدنا أيوب . . . . .
قوله ) واذكر عبدنا أيوب ( معطوف على قوله ) واذكر عبدنا داود ( وأيوب عطف بيان و ) إذ نادى ربه ( بدل اشتمال من عبدنا ) أني مسني الشيطان ( قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنه حكاية لكلامه الذى نادى ربه به ولو لم يحكه لقال إنه مسه وقرأ عيسى بن عمر بكسرها على إضمار القول وفى ذكر قصة أيوب إرشاد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الإقتداء به فى الصبر على المكاره قرأ الجمهور بضم النون من قوله ) بنصب ( وسكون


"""""" صفحة رقم 436 """"""
الصاد فقيل هو جمع نصب بفتحتين نحو أسد وأسد وقيل هو لغة فى النصب نحو رشد ورشد وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة وحفص ونافع فى رواية عنه بضمتين ورويت هذه القراءة عن الحسن وقرأ أبو حيوة ويعقوب وحفص فى رواية بفتح وسكون وهذه القراءات كلها بمعنى واحد وإنما اختلفت القراءات باختلاف اللغات وقال أبو عبيدة إن النصب بفتحتين التعب والإعياء وعلى بقية القراءات الشر والبلاء ومعنى قوله ) وعذاب ( أى ألم قال قتادة ومقاتل النصب فى الجسد والعذاب فى المال قال النحاس وفيه بعد كذا قال والأولى تفسير النصب بالمعنى اللغوى وهو التعب والإعياء وتفسير العذاب بما يصدق عليه مسمى العذاب وهو الألم وكلاهما راجع إلى البدن
ص : ( 42 ) اركض برجلك هذا . . . . .
) اركض برجلك ( وهو بتقدير القول أى قلنا له اركض برجلك كذا قال الكسائى والركض الدفع بالرجل يقال ركض الدابة برجله إذا ضربها بها وقال المبرد الركض التحريك قال الأصمعى يقال ركضت الدابة ولا يقال ركضت هى لأن الركض إنما هو تحريك راكبها رجليه ولا فعل لها فى ذلك وحكى سيبويه ركضت الدابة فركضت مثل جبرت العظم فجبر ) هذا مغتسل بارد وشراب ( هذا أيضا من مقول القول المقدر المغتسل هو الماء الذى يغتسل به والشراب الذى يشرب منه وقيل إن المغتسل هو المكان الذى يغتسل فيه قال قتادة هما عينان بأرض الشام فى أرض يقال لها الجابية فاغتسل من إحداهما فأذهب الله ظاهر دائه وشرب من الأخرى فأذهب الله باطن دائه وكذا قال الحسن وقال مقاتل نبعث عين جارية فاغتسل فيها فخرج صحيحا ثم نبعث عين أخرى فشرب منها ماء عذبا باردا وفى الكلام حذف والتقدير فركض برجله فنبعت عين فقلنا له هذا مغتسل الخ وأسند المس إلى الشيطان مع أن الله سبحانه هو الذى مسه بذلك إما لكونه لما عمل بوسوسته عوقب على ذلك بذلك النصب والعذاب فقد قيل إنه أعجب بكثرة ماله وقيل استغاثة مظلوم فلم يغثه وقيل إنه قال ذلك على طريقة الأدب وقيل إنه قال ذلك لأن الشيطان وسوس إلى أتباعه فرفضوه وأخرجوه من ديارهم وقيل المراد به ما كان يوسوسه الشيطان إليه حال مرضه وابتلائه من تحسين الجزع وعدم الصبر على المصيبة وقيل غير ذلك
ص : ( 43 ) ووهبنا له أهله . . . . .
وقوله ) ووهبنا له أهله ( معطوف على مقدر كأنه قيل فاغتسل وشرب فكشفنا بذلك ما به من ضر ووهبنا له أهله قيل أحياهم الله بعد أن أماتهم وقيل جمعهم بعد تفرقهم وقيل غيرهم مثلهم ثم زاده مثلهم معهم وهو معنى قوله ) ومثلهم معهم ( فكانوا مثلى ما كانوا من قبل ابتلائه وانتصاب قوله ) رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ( على أنه مفعول لأجله أى وهبناهم له لأجل رحمتنا إياه وليتذكر بحاله أولو الألباب فيصبروا على الشدائد كما صبر وقد تقدم فى سورة الأنبياء تفسير هذه الآية مستوفى فلا نعيده
ص : ( 44 ) وخذ بيدك ضغثا . . . . .
) وخذ بيدك ضغثا ( معطوف على اركض أو على وهبنا أو التقدير وقلنا له ) وخذ بيدك ضغثا ( والضغث عثكال النخل بشماريخه وقيل هو قبضة من حشيش مختلط رطبها بيابسها وقيل الحزمة الكبيرة من القضبان وأصل المادة تدل على جمع المختلطات قال الواحدى الضغث ملء الكف من الشجر والحشيش والشماريخ ) فاضرب به ولا تحنث ( أى اضرب بذلك الضغث ولا تحنث فى يمينك والحنث الإثم ويطلق على فعل ما حلف على تركه وكان أيوب قد حلف فى مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة
واختلف فى سبب ذلك فقال سعيد بن المسيب إنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها وقال يحيى بن سلام وغيره إن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقربا إليه فإنه إذا فعل ذلك برىء فحلف ليضربنها إن عوفى مائة جلدة وقيل باعت ذؤابتها برغيفين إذ لم تجد شيئا


"""""" صفحة رقم 437 """"""
وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام فلهذا حلف ليضربنها وقيل جاءها إبليس فى صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب فقال أداويه على أنه إذا برىء قال أنت شفيتنى لا أريد جزاء سواه قالت نعم فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها
وقد اختلف العلماء هل هذا خاص بأيوب أو عام للناس كلهم وأن من حلف خرج من يمينه بمثل ذلك قال الشافعى إذا حلف ليضربن فلانا مائة جلدة أو ضربا ولم يقل ضربا شديدا ولم ينو بقلبه فيكفيه مثل هذا الضرب المذكور فى الآية حكاه ابن المنذر عنه وعن أبى ثور وأصحاب الرأى وقال عطاء هو خاص بأيوب ورواه ابن القاسم عن مالك ثم أثنى الله سبحانه على أيوب فقال ) إنا وجدناه صابرا ( أى على البلاء الذى ابتليناه به فإنه ابتلى بالداء العظيم فى جسده وذهاب ماله وأهله وولده فصبر ) نعم العبد ( أى أيوب ) إنه أواب ( أى رجاع إلى الله بالاستغفار والتوبة
ص : ( 45 ) واذكر عبادنا إبراهيم . . . . .
) واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب ( قرأ الجمهور عبادنا بالجمع وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير عبدنا بالإفراد فعلى قراءة الجمهور يكون إبراهيم وإسحاق ويعقوب عطف بيان وعلى القراءة الأخرى يكون إبراهيم عطف بيان وما بعده عطف على عبدنا لا على إبراهيم وقد يقال لما كان المراد بعبدنا الجنس جاز إبدال الجماعة منه وقيل إن إبراهيم وما بعده بدل أو النصب بإضمار أعنى وعطف البيان أظهر وقراءة الجمهور أبين وقد اختارها أبو عبيد وأبو حاتم ) أولي الأيدي والأبصار ( الأيدى جمع اليد التى بمعنى القوة والقدرة قال قتادة أعطوا قوة فى العبادة ونصروا فى الدين قال الواحدى وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير والمفسرون قال النحاس أما الأبصار فمتفق على أنها البصائر فى الدين والعلم وأما الأيدى فمختلف فى تأويلها فأهل التفسير يقولون إنها القوة فى الدين وقوم يقولون الأيدى جمع يد وهى النعمة أى هم أصحاب النعم أى الذين أنعم الله عز وجل عليهم وقيل هم أصحاب النعم على الناس والإحسان إليهم لأنهم قد أحسنوا وقدموا خيرا واختار هذا ابن جرير قرأ الجمهور ) أولي الأيدي ( بإثبات الياء فى الأيدى وقرأ ابن مسعود والأعمش والحسن وعيسى ) الأيد ( بغير ياء فقيل معناها معنى القراءة الأولى وإنما حذفت الياء لدلالة كسرة الدال عليها وقيل الأيد القوة
ص : ( 46 ) إنا أخلصناهم بخالصة . . . . .
وجملة ) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ( تعليل لما وصفوا به قرأ الجمهور بخالصة بالتنوين وعدم الإضافة على أنها مصدر بمعنى الإخلاص فيكون ذكرى منصوبا به أو بمعنى الخلوص فيكون ذكرى مرفوعا به أو يكون خالصة اسم فاعل على بابه وذكرى بدل منها أو بيان لها أو بإضمار أعنى أو مرفوعة بإضمار مبتدأ والدار يجوز أن تكون مفعولا به لذكرى وأن تكون ظرفا إما على الاتساع أو على إسقاط الخافض وعلى كل تقدير فخالصة صفة لموصوف محذوف والباء للسببية أي بسبب خصلة خالصة وقرأ نافع وشيبة وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر بإضافة خالصة إلى ذكرى على أن الإضافة للبيان لأن الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى أو على أن خالصة مصدر مضاف إلى مفعوله والفاعل محذوف أى بأن أخلصوا ذكرى الدار أو مصدر بمعنى الخلوص مضافا إلى فاعله قال مجاهد معنى الآية استصفيناهم بذكر الآخرة فأخلصناهم بذكرها وقال قتادة كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله وقال السدى أخلصوا بخوف الآخرة قال الواحدى فمن قرأ بالتنوين فى خالصة كان المعنى جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار والخالصة مصدر بمعنى الخلوص والذكرى بمعنى التذكر أي خلص لهم تذكر الدار وهو أنهم يذكرون التأهب لها ويزهدون فى الدنيا وذلك من شأن الأنبياء وأما من أضاف فالمعنى أخلصنا لهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار والخالصة مصدر مضاف إلى الفاعل والذكرى على هذا المعنى الذكر
ص : ( 47 ) وإنهم عندنا لمن . . . . .
) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (


"""""" صفحة رقم 438 """"""
الاصطفاء الاختيار والأخيار جمع خير بالتشديد والتخفيف كأموات فى جمع ميت مشددا ومخففا والمعنى إنهم عندنا لمن المختارين من أبناء جنسهم من الأخيار
ص : ( 48 ) واذكر إسماعيل واليسع . . . . .
) واذكر إسماعيل ( قيل وجه إفراده بالذكر بعد ذكر أبيه وأخيه وابن أخيه للإشعار بأنه عريق فى الصبر الذى هو المقصود بالتذكير هنا ) واليسع وذا الكفل ( قد تقدم ذكر اليسع والكلام فيه فى الأنعام وتقدم ذكر ذا الكفل والكلام فيه فى سورة الأنبياء والمراد من ذكر هؤلاء أنهم من جملة من صبر من الأنبياء وتحملوا الشدائد فى دين الله أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يذكرهم ليسلك مسلكهم فى الصبر ) وكل من الأخيار ( يعنى الذين اختارهم الله لنبوته واصطفاهم من خلقه
ص : ( 49 ) هذا ذكر وإن . . . . .
) هذا ذكر ( الإشارة إلى ما تقدم من ذكر أوصافهم أى هذا ذكر جميل فى الدنيا وشرف يذكرون به أبدا ) وإن للمتقين لحسن مآب ( أى لهم مع هذا الذكر الجميل حسن مآب فى الآخرة والمآب المرجع والمعنى أنهم يرجعون فى الآخرة إلى مغفرة الله ورضوانه ونعيم جنته
ص : ( 50 ) جنات عدن مفتحة . . . . .
ثم بين حسن المرجع فقال ) جنات عدن ( قرأ الجمهور جنات بالنصب بدلا من حسن مآب سواء كان جنات عدن معرفة أو نكرة لأن المعرفة تبدل من النكرة وبالعكس ويجوز أن يكون جنات عطف بيان إن كانت نكرة ولا يجوز ذلك فيها إن كانت معرفة على مذهب جمهور النحاة وقد جوزه بعضهم ويجوز أن يكون نصب جنات بإضمار فعل والعدن فى الأصل الإقامة يقال عدن بالمكان إذا أقام فيه وقيل هو اسم لقصر فى الجنة وقريء برفع جنات على أنها مبتدأ وخبرها مفتحة أو على أنها خبر مبتدأ محذوف أى هى جنات عدن وقوله ) مفتحة لهم الأبواب ( حال من جنات والعامل فيها ما فى المتقين من معنى الفعل والأبواب مرتفعة باسم المفعول كقوله ) وفتحت أبوابها ( والرابط بين الحال وصاحبها ضمير مقدر أى منها أو الألف واللام لقيامه مقام الضمير إذ الأصل أبوابها وقيل إن ارتفاع الأبواب على البدل من الضمير فى مفتحة العائد على جنات وبه قال أبو على الفارسى أى مفتحة هى الأبواب قال الفراء المعنى مفتحة أبوابها والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة وقال الزجاج المعنى مفتحه لهم الأبواب منها قال الحسن إن الأبواب يقال لها انفتحى فتنفتح انغلقى فتنغلق وقيل تفتح لهم الملائكة الأبواب
ص : ( 51 ) متكئين فيها يدعون . . . . .
وانتصاب ) متكئين فيها ( على الحال من ضمير لهم والعامل فيه مفتحة وقيل هو حال من ) يدعون ( قدمت على العامل ) فيها ( أى يدعون فى الجنات حال كونهم متكئين فيها ) بفاكهة كثيرة ( أى بألوان متنوعة متكثرة من الفواكه ) وشراب ( كثير فحذف كثيرا لدلالة الأول عليه وعلى جعل متكئين حالا من ضمير لهم والعامل فيه مفتحة فتكون جملة يدعون مستأنفة لبيان حالهم وقيل إن يدعون فى محل نصب على الحال من ضمير متكئين
ص : ( 52 ) وعندهم قاصرات الطرف . . . . .
) وعندهم قاصرات الطرف أتراب ( أى قاصرات طرفهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم وقد مضى بيانه فى سورة الصافات والأتراب المتحدات فى السن أو المتساويات فى الحسن وقال مجاهد معنى أتراب أنهن متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن وقيل أترابا للأزواج والأتراب جمع ترب واشتقاقه من التراب لأنه يمسهن فى وقت واحد لاتحاد مولدهن
ص : ( 53 ) هذا ما توعدون . . . . .
) هذا ما توعدون ليوم الحساب ( أى هذا الجزاء الذى وعدتم به لأجل يوم الحساب فإن الحساب علة للوصول إلى الجزاء أو المعنى فى يوم الحساب قرأ الجمهور ما توعدون بالفوقية على الخطاب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن ويعقوب بالتحتية على الخبر واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله وإن للمتقين فإنه خبر
ص : ( 54 ) إن هذا لرزقنا . . . . .
) إن هذا لرزقنا ( أى إن هذا المذكور من النعم والكرامات لرزقنا الذى أنعمنا به عليكم ) ما له من نفاد ( أى انقطاع ولا يفنى أبدا ومثله قوله ) عطاء غير مجذوذ ( فنعم الجنة لا تنقطع عن أهلها


"""""" صفحة رقم 439 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد فى الزهد وابن أبى حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال إن الشيطان عرج إلى السماء فقال يا رب سلطنى على أيوب قال الله لقد سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده فنزل فجمع جنوده فقال لهم قد سلطت على أيوب فأرونى سلطانكم فصاروا نيرانا ثم صاروا ماء فبينما هم فى المشرق إذا هم بالمغرب وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق فأرسل طائفة منهم إلى زرعه وطائفة إلى أهله وطائفة إلى بقره وطائفة إلى غنمه و وقال إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف فأتوه بالمصائب بعضها على بعض فجاء صاحب الزرع فقال يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك نارا فأحرقته ثم جاء صاحب الإبل فقال يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى إبلك عدوا فذهب بها ثم جاء صاحب البقر فقال يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى بقرك عدوا فذهب بها ثم جاءه صاحب الغنم فقال يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على غنمك عدوا فذهب بها وتفرد هو لبنيه فجمعهم فى بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام بأذنيه قرطان فقال يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك فى بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم فقال له أيوب فأين كنت قال كنت معهم قال فكيف انفلت قال انفلت قال أيوب أنت الشيطان ثم قال أيوب أنا اليوم كيوم ولدتنى أمى فقام فحلق رأسه وقام يصلى فرن إبليس رنة سمعها أهل السماء وأهل الأرض ثم عرج إلى السماء فقال أى رب إنه قد اعتصم فسلطنى عليه فإنى لا أستطيعه إلا بسلطانك قال قد سلطتك على جسده ولم أسلطك على قلبه فنزل فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدمه إلى قرنه فصار قرحة واحدة وألقى على الرماد حتى بدا حجاب قلبه فكانت امرأته تسعى عليه حتى قالت له ألا ترى يا أيوب قد نزل والله بى من الجهد والفاقة ما إن بعت قرونى برغيف فأطعمتك فادع الله أن يشفيك ويريحك قال ويحك كنا فى النعيم سبعين عاما فاصبرى حتى نكون فى الضراء سبعين عاما فكان فى البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل يوما فدعا بيده ثم قال قم فقام فنحاه عن مكانه وقال اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فركض برجله فنبعت عين فقال اغتسل فاغتسل منها ثم جاء أيضا فقال اركض برجلك فنبعت عين أخرى فقال له اشرب منها وهو قوله ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ( وألبسه الله حلة من الجنة فتنحى أيوب فجلس فى ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت يا عبد الله أين المبتلى الذي كان ها هنا لعل الكلاب قد ذهبت به أو الذئاب وجعلت تكلمه ساعة فقال ويحك أنا أيوب قد رد الله على جسدى ورد عليه ماله وولده عيانا ومثلهم معهم وأمطر عليه جرادا من ذهب فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله فى ثوبه وينشر كساءه ويأخذه فيجعل فيه فأوحى الله إليه يا أيوب أما شبعت قال يا رب من ذا الذى يشبع من فضلك ورحمتك
وفى هذا نكارة شديدة فإن الله سبحانه لا يمكن الشيطان من نبى من أنبيائه ويسلط عليه هذا التسليط العظيم وأخرج أحمد فى الزهد وعبد بن حميد وابن أبى حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال إن إبليس قعد على الطريق وأخذ تابوتا يداوى الناس فقالت امرأة أيوب يا عبد الله إن ها هنا مبتلى من أمره كذا وكذا فهل لك أن تداويه قال نعم بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتنى لا أريد منه أجرا غيره فأتت أيوب فذكرت له ذلك فقال ويحك ذاك الشيطان لله على إن شفانى الله أن أجلدك مائة جلدة فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثا فيضربها به فأخذ عذقا فيه مائة شمراخ فضربها به ضربة واحدة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه فى قوله ) وخذ بيدك ضغثا ( قال هو الأسل وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال الضغث القبضة من المرعى الرطب وأخرج ابن


"""""" صفحة رقم 440 """"""
جرير وابن أبى حاتم عنه أيضا قال الضغث الحزمة وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والطبرانى وابن عساكر من طريق أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال حملت وليدة فى بنى ساعدة من زنا فقيل لها ممن حملك قالت من فلان المقعد فسئل المقعد فقال صدقت فرفع ذلك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال خذوا عثكولا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والطبرانى وابن عساكر نحوه من طريق أخرى عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد بن عبادة وأخرج الطبرانى عن سهل بن سعد نحوه وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال أيوب رأس الصابرين يوم القيامة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أولي الأيدي ( قال القوة فى العبادة ) والأبصار ( قال الفقه فى الدين وأخرج ابن أبى حاتم عنه ) أولي الأيدي ( قال النعمة وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ( قال اخلصوا بذكر دار الآخرة أن يعملوا لها
سورة ص ( 55 70 )
ص : ( 55 ) هذا وإن للطاغين . . . . .
قوله ) هذا ( قال الزجاج هذا خبر مبتدأ محذوف أى الأمر هذا فيوقف على هذا قال ابن الأنبارى وهذا وقف حسن ثم يبتدىء ) وإن للطاغين ( ويجوز أن يكون هذا مبتدأ وخبره محذوف أى هذا كما ذكر أو هذا ذكر ثم ذكر سبحانه ما لأهل الشر بعد أن ذكر ما لأهل الخير فقال ) وإن للطاغين لشر مآب ( أى الذين طغوا على الله وكذبوا رسله ) لشر مآب ( لشر منقلب ينقلبون إليه
ص : ( 56 ) جهنم يصلونها فبئس . . . . .
ثم بين بعد ذلك فقال ) جهنم يصلونها ( وانتصاب جهنم على أنها بدل من شر مآب أو منصوبة بأعنى ويجوز أن يكون عطف بيان على قول البعض كما سلف قريبا ويجوز أن يكون منصوبا على الاشتغال أى يصلون جهنم يصلونها ومعنى يصلونها يدخلونها وهو فى محل نصب على الحالية ) فبئس المهاد ( أى بئس ما مهدوا لأنفسهم وهو الفراش مأخوذ من مهد الصبى ويجوز أن يكون المراد بالمهد الموضع والمخصوص بالذم محذوف أى بئس المهاد هى كما فى قوله ) لهم من جهنم مهاد ( شبه


"""""" صفحة رقم 441 """"""
الله سبحانه ما تحتهم من نار جهنم بالمهاد
ص : ( 57 ) هذا فليذوقوه حميم . . . . .
) هذا فليذوقوه حميم وغساق ( هذا فى موضع رفع بالابتداء وخبره حميم وغساق على التقديم والتأخير أى هذا حميم وغساق فليذوقوه قال الفراء والزجاج تقدير الاية هذا حميم وغساق فليذوقوه أو يقال لهم فى ذلك اليوم هذه المقالة والحميم الماء الحار الذى قد انتهى حره والغساق ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد من قولهم غسقت عينه إذا انصبت والغسقان الانصباب قال النحاس ويجوز أن يكون المعنى الأمر هذا وارتفاع حميم وغساق على أنهما خبران لمبتدأ محذوف أى هو حميم وغساق ويجوز أن يكون هذا فى موضع نصب بإضمار فعل يفسره ما بعده أى ليذوقوا هذا فليذوقوه ويجوز أن يكون حميم مرتفع على الابتداء وخبره مقدر قبله أى منه حميم ومنه غساق ومثله قول الشاعر حتى ما إذا أضاء البرق فى غلس
وغودر البقل ملوى ومخضود
أى منه ملوى ومنه مخضود وقيل الغساق ما قتل ببرده ومنه قيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار وقيل هو الزمهرير وقيل الغساق المنتن وقيل الغساق عين فى جهنم يسيل منه كل ذوب حية وعقرب وقال قتادة هو ما يسيل من فروج النساء الزوانى ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم وقال محمد بن كعب هو عصارة أهل النار وقال السدى الغساق الذى يسيل من دموع أهل النار يسقونه مع الحميم وكذا قال ابن زيد وقال مجاهد ومقاتل هو الثلج البارد الذى قد انتهى برده وتفسير الغساق بالبارد أنسب بما تقتضيه لغة العرب ومنه قول الشاعر إذا ما تذكرت الحياة وطيبها
إلي جرى دمع من الليل غاسق
أى بارد وأنسب أيضا بمقابلة الحميم وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة وبعض الكوفيين بتخفيف السين من غساق وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة بالتشديد وهما لغتان بمعنى واحد كما قال الأخفش وقيل معناهما مختلف فمن خفف فهو اسم مثل عذاب وجواب وصواب ومن شدد قال هو اسم فاعل للمبالغة نحو ضراب وقتال
ص : ( 58 ) وآخر من شكله . . . . .
) وآخر من شكله ( قرأ الجمهور وآخر مفرد مذكر وقرأ أبو عمرو وأخر بضم الهمزة على أنه جمع وأنكر قراءة الجمهور لقوله أزواج وأنكر عاصم الجحدرى قراءة أبى عمرو وقال لو كانت كما قرأ لقال من شكلها وارتفاع آخر على أنه مبتدأ وخبره أزواج ويجوز أن يكون من شكله خبرا مقدما وأزواج مبتدأ مؤخرا والجملة خبر آخر ويجوز أن يكون خبرا آخر مقدرا أى وآخر لهم و ) من شكله أزواج ( جملة مستقلة ومعنى الآية على قراءة الجمهور وعذاب آخر أو مذوق آخر أو نوع آخر من شكل العذاب أو المذوق أو النوع الأول والشكل المثل وعلى القراءة الثانية يكون معنى الآية ومذوقات أخر أو أنواع أخر من شكل ذلك المذوق أو النوع المتقدم وإفراد الضمير فى شكله على تأويل المذكور أى من شكل المذكور ومعنى ) أزواج ( أجناس وأنواع وأشباه وحاصل معنى الآية أن لأهل النار حميما وغساقا وأنواعا من العذاب من مثل الحميم والغساق قال الواحدى قال المفسرون هو الزمهرير ولا يتم هذا الذى حكاه عن المفسرين إلا على تقدير أن الزمهرير أنواع مختلفة وأجباس متفاوتة ليطابق معنى أزواج أو على تقدير أن لكل فرد من أهل النار زمهريرا
ص : ( 59 ) هذا فوج مقتحم . . . . .
) هذا فوج مقتحم معكم ( الفوج الجماعة والاقتحام الدخول وهذا حكاية لقول الملائكة الذين هم خزنة النار وذلك أن القادة والرؤساء إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع قالت الخزنة للقادة هذا فوج يعنون الأتباع مقتحم معكم أى داخل معكم إلى النار وقوله ) لا مرحبا بهم ( من قول القادة والرؤساء لما قالت لهم الخزنة ذلك قالوا لا مرحبا بهم أي لا اتسعت منازلهم فى النار والرحب السعة والمعنى لا كرامة لهم وهذا إخبار من الله


"""""" صفحة رقم 442 """"""
سبحانه بانقطاع المودة بين الكفار وأن المودة التى كانت بينهم تصير عداوة وجملة لا مرحبا بهم دعائية لا محل لها من الإعراب أو صفة للفوج أو حال منه أو بتقدير القول أى مقولا فى حقهم لا مرحبا بهم وقيل إنها من تمام قول الخزنة والأول أولى كما يدل عليه جواب الأتباع الآتى وجملة ) إنهم صالوا النار ( تعليل من جهة القائلين لا مرحبا بهم أى إنهم صالوا النار كما صليناها ومستحقون لها كما استحقيناها
ص : ( 60 ) قالوا بل أنتم . . . . .
وجملة ) قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم ( مستأنفة جواب سؤال مقدر أي قال الأتباع عند سماع ما قاله الرؤساء لهم بل أنتم لا مرحبا بكم أى لا كرامة لكم ثم عللوا ذلك بقولهم ) أنتم قدمتموه لنا ( أي أنتم قدمتم العذاب أو الصلى لنا وأوقعتمونا فيه ودعوتمونا إليه بما كنتم تقولون لنا من أن الحق ما أنتم عليه وأن الأنبياء غير صادقين فيما جاءوا به ) فبئس القرار ( أى بئس المقر جهنم لنا ولكم
ص : ( 61 ) قالوا ربنا من . . . . .
ثم حكى عن الأتباع أيضا أنهم أردفوا هذا القول بقول آخر وهو ) قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ( أى زده عذابا ذا ضعف والضعف بأن يزيد عليه مثله ومعنى من قدم لنا هذا من دعانا إليه وسوغه لنا قال الفراء المعنى من سوغ لنا هذا وسنه وقيل معناه قدم لنا هذا العذاب بدعائه إيانا إلى الكفر فزده عذابا ضعفا فى النار أى عذابا بكفره وعذابا بدعائه إيانا فصار ذلك ضعفا ومثله قوله سبحانه ) ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ( وقوله ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب ( وقيل المراد بالضعف هنا الحيات والعقارب
ص : ( 62 ) وقالوا ما لنا . . . . .
) وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ( قيل هو من قول الرؤساء وقيل من قول الطاغين المذكورين سابقا قال الكلبى ينظرون فى النار فلا يرون من كان يخالفهم من المؤمنين معهم فيها فعند ذلك قالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار وقيل يعنون فقراء المؤمنين كعمار وخباب وصهيب وبلال وسالم وسلمان وقيل أرادوا أصحاب محمد على العموم
ص : ( 63 ) أتخذناهم سخريا أم . . . . .
) أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار ( قال مجاهد المعنى أتخذناهم سخريا فى الدنيا فأخطأنا أم زاغت عنهم الأبصار فلم نعلم مكانهم والإنكار المفهوم من الاستفهام متوجه إلى كل واحد من الأمرين قال الحسن كل ذلك قد فعلوا اتخذوهم سخريا وزاغت عنهم أبصارهم قال الفراء والاستفهام هنا بمعنى التوبيخ والتعجب قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائى وابن كثير والأعمش بحذف همزة اتخذناهم فى الوصل وهذه القراءة تحتمل أن يكون الكلام خبرا محضا وتكون الجملة فى محل نصب صفة ثانية لرجالا وأن يكون المراد الاستفهام وحذفت أداته لدلالة أم عليها فتكون أم على الوجه الأول منقطعة بمعنى بل والهمزة أى بل أزاغت عنهم الأبصار على معنى توبيخ أنفسهم على الاستسخار ثم الإضراب والانتقال منه إلى التوبيخ على الازدراء والتحقير وعلى الثانى أم هى المتصلة وقرأ الباقون بهمزة استفهام سقطت لأجلها همزة الوصل ولا محل للجملة حينئذ وفيه التوبيخ لأنفسهم على الأمرين جميعا لأن أم على هذه القراءة هى للتسوية وقرأ أبو جعفر ونافع وشيبة والمفضل وهبيرة ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائى سخريا بضم السين وقرأ الباقون بكسرها قال أبو عبيدة من كسر جعله من الهزء ومن ضم جعله من التسخير
ص : ( 64 ) إن ذلك لحق . . . . .
والإشارة بقوله ) إن ذلك ( إلى ما تقدم من حكاية حالهم وخبر إن قوله ) لحق ( أى لواقع ثابت فى الدار الآخرة لا يتخلف ألبتة و ) تخاصم أهل النار ( خبر مبتدأ محذوف والجملة بيان لذلك وقيل بيان لحق وقيل بدل منه وقيل بدل من محل ذلك ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وهذا على قراءة الجمهور برفع تخاصم والمعنى إن ذلك الذى حكاه الله عنهم لحق لا بد أن يتكلموا به وهو تخاصم أهل النار فيها وما قالته الرؤساء


"""""" صفحة رقم 443 """"""
للأتباع وما قالته الأتباع لهم وقرأ ابن أبى عبلة بنصب تخاصم على أنه بدل من ذلك أو بإضمار أعنى وقرأ ابن السميفع تخاصم بصيغة الفعل الماضى فتكون جملة مستأنفة
ص : ( 65 ) قل إنما أنا . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول قولا جامعا بين التخويف والإرشاد إلى التوحيد فقال ) قل إنما أنا منذر ( أى مخوف لكم من عقاب الله وعذابه ) وما من إله ( يستحق العبادة ) إلا الله الواحد ( الذى لا شريك له ) القهار ( لكل شىء سواه
ص : ( 66 ) رب السماوات والأرض . . . . .
) رب السماوات والأرض وما بينهما ( من المخلوقات ) العزيز ( الذى لا يغالبه مغالب ) الغفار ( لمن أطاعه وقيل معنى العزيز المنيع الذى لا مثل له ومعنى الغفار الستار لذنوب خلقه
ص : ( 67 ) قل هو نبأ . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يبالغ فى إنذارهم ويبين لهم عظم الأمر وجلالته فقال ) قل هو نبأ عظيم ( أى ما أنذرتكم به من العقاب وما بينته لكم من التوحيد هو خبر عظيم ونبأ جليل من شأنه العناية به والتعظيم له وعدم الاستخفاف به ومثل هذه الآية قوله ) عم يتساءلون عن النبإ العظيم ( وقال مجاهد وقتادة ومقاتل هو القرآن فإنه نبأ عظيم لأنه كلام الله قال الزجاج قل النبأ الذى أنبأتكم به عن الله نبأ عظيم يعنى ما أنبأهم به من قصص الأولين وذلك دليل على صدقه ونبوته لأنه لم يعلم ذلك إلا بوحى من الله
ص : ( 68 ) أنتم عنه معرضون
وجملة ) أنتم عنه معرضون ( توبيخ لهم وتقريع لكونهم أعرضوا عنه ولم يتفكروا فيه فيعلموا صدقه ويستدلوا به على ما أنكروه من البعث وقوله ) ما كان لي من علم بالملإ الأعلى ( استئناف مسوق لتقرير أنه نبأ عظيم والملأ الأعلى هم الملائكة ) إذ يختصمون ( أي وقت اختصامهم فقوله ) بالملإ الأعلى ( متعلق بعلم على تضمينه معنى الإحاطة
ص : ( 69 ) ما كان لي . . . . .
وقوله ) إذ يختصمون ( متعلق بمحذوف أى ما كان لى فيما سبق علم بوجه من الوجوه بحال الملأ الأعلى وقت اختصامهم والضمير فى يختصمون راجع إلى الملأ الأعلى والخصومة الكائنة بينهم هى فى أمر آدم كما يفيده ما سيأتى قريبا
ص : ( 70 ) إن يوحى إلي . . . . .
وجملة ) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ( معترضة بين اختصامهم المجمل وبين تفصيله بقوله ) إذ قال ربك للملائكة ( والمعنى ما يوحى إلى إلا أنما أنا نذير مبين قال الفراء المعنى ما يوحى إلى إلا أننى نذير مبين أبين لكم ما تأتون من الفرائض والسنن وما تدعون من الحرام والمعصية قال كأنك قلت ما يوحى إلى إلا الإنذار قال النحاس ويجوز أن تكون فى محل نصب بمعنى ما يوحى إلى إلا لأنما أنا نذير مبين قرأ الجمهور بفتح همزة أنما على أنها وما فى حيزها فى محل رفع لقيامها مقام الفاعل أى ما يوحى إلى إلا الإنذار أو إلا كونى نذيرا مبينا أو فى محل نصب أو جر بعد إسقاط لام العلة والقائم مقام الفاعل على هذا الجار والمجرور وقرأ أبو جعفر بكسر الهمزة لأن فى الوحى معنى القول وهى القائمة مقام الفاعل على سبيل الحكاية كأنه قيل ما يوحى إلى إلا هذه الجملة المتضمنة هذا الإخبار وهو أن أقول لكم إنما أنا نذير مبين وقيل إن الضمير فى يختصمون عائد إلى قريش يعنى قول من قال منهم الملائكة بنات الله والمعنى ما كان لى علم بالملائكة إذ تختصم فيهم قريش والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) وغساق ( قال الزمهرير ) وآخر من شكله ( قال من نحوه ) أزواج ( قال ألوان من العذاب وأخرج أحمد والترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى البعث عن أبى سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو أن دلوا من غساق يهرق فى الدنيا لأنتن أهل الدنيا قال الترمذى بعد إخراجه لا نعرفه إلا من حديث رشدين ابن سعد قلت ورشدين فيه مقال معروف وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم والطبرانى عن ابن مسعود فى قوله ) فزده عذابا ضعفا في النار ( قال أفاعى وحيات وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) بالملإ الأعلى ( قال الملائكة حين شوروا فى خلق آدم فاختصموا فيه وقالوا لا تجعل فى الأرض خليفة


"""""" صفحة رقم 444 """"""
وأخرج محمد بن نصر فى كتاب الصلاة وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون ( قال هى الخصومة فى شأن آدم حيث قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذى وحسنه وابن نصر فى كتاب الصلاة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتانى الليلة ربى فى أحسن صورة أحسبه قال فى المنام قال يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا فوضع يده بين كتفى حتى وجدت بردها بين ثديى أو فى نحرى فعلمت ما فى السموات والأرض ثم قال لى يا محمد هل تدرى فيم يختصم الملأ الأعلى قلت نعم فى الكفارات والكفارات المكث فى المساجد بعد الصلوات والمشى على الأقدام إلى الجماعات وإبلاغ الوضوء فى المكاره الحديث وأخرج الترمذى وصححه ومحمد ابن نصر والطبرانى والحاكم وابن مردويه من حديث معاذ بن جبل نحوه بأطول منه وقال وإسباغ الوضوء فى السبرات وأخرج الطبرانى وابن مردويه من حديث جابر بن سمرة نحوه بأخصر منه وأخرجا أيضا من حديث أبى هريرة نحوه وفى الباب أحاديث
سورة ص ( 71 88 )
ص : ( 71 ) إذ قال ربك . . . . .
لما ذكر سبحانه خصومة الملائكة إجمالا فيما تقدم ذكرها هنا تفصيلا فقال ) إذ قال ربك للملائكة ( إذ هذه هى بدل من إذ يختصمون لاشتمال ما فى حيز هذه على الخصومة وقيل هى منصوبة بإضمار اذكر والأول أولى إذ كانت خصومة الملائكة فى شأن من يستخلف فى الأرض وأما إذا كانت فى غير ذلك مما تقدم ذكره فالثانى أولى ) إني خالق بشرا من طين ( أى خالق فيما سيأتى من الزمن بشرا أى جسما من جنس البشر مأخوذ من مباشرته للأرض أو من كونه بادى البشرة وقوله ) من طين ( متعلق بمحذوف هو صفة لبشر أو بخالق
ص : ( 72 ) فإذا سويته ونفخت . . . . .
ومعنى ) فإذا سويته ( صورته على صورة البشر وصارت أجزاؤه مستوية ) ونفخت فيه من روحي ( أى من الروح الذى أملكه ولا يملكه غيري وقيل هو تمثيل ولا نفخ ولا منفوخ فيه والمراد جعله حيا بعد أن كان جمادا لا حياة


"""""" صفحة رقم 445 """"""
فيه وقد مر الكلام فى هذا فى سورة النساء ) فقعوا له ساجدين ( هو أمر من وقع يقع وانتصاب ساجدين على الحال والسجود هنا هو سجود التحية لا سجود العبادة وقد مضى تحقيقه فى سورة البقرة
ص : ( 73 ) فسجد الملائكة كلهم . . . . .
) فسجد الملائكة ( فى الكلام حذف تدل عليه الفاء والتقدير فخلقه فسواه ونفخ فيه من روحه فسجد له الملائكة وقوله ) كلهم ( يفيد أنهم سجدوا جميعا ولم يبق منهم أحد وقوله ) أجمعون ( يفيد أنهم اجتمعوا على السجود فى وقت واحد فالأول لقصد الإحاطة والثانى لقصد الاجتماع قال فى الكشاف فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقى منهم ملك إلا سجد وأنهم سجدوا جميعا فى وقت واحد غير متفرقين فى أوقات وقيل إنه أكد بتأكيدين للمبالغة فى التعميم
ص : ( 74 ) إلا إبليس استكبر . . . . .
) إلا إبليس ( الاستثناء متصل على تقدير أنه كان متصفا بصفات الملائكة داخلا فى عدادهم فغلبوا عليه أو منقطع على ما هو الظاهر من عدم دخوله فيهم أى لكن إبليس ) استكبر ( أى أنف من السجود جهلا منه بأنه طاعة لله و كان استكباره استكبار كفر فلذلك ) وكان من الكافرين ( أى صار منهم بمخالفته لأمر الله واستكباره عن طاعته أو كان من الكافرين فى علم الله سبحانه وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى فى سورة البقرة والأعراف وبنى إسرائيل والكهف وطه
ص : ( 75 ) قال يا إبليس . . . . .
ثم إن الله سبحانه سأله عن سبب تركه للسجود الذي أمره به ف ) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ( أي ما صرفك وصدك عن السجود لما توليت خلقه من غير واسطة وأضاف خلقه إلى نفسه تكريما له وتشريفا مع أنه سبحانه خالق كل شىء كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد قال مجاهد اليد هنا بمعنى التأكيد والصلة مجازا كقوله ) ويبقى وجه ربك ( وقيل أراد باليد القدرة يقال ما لى بهذا الأمر يد وما لى به يدان أى قدرة ومنه قول الشاعر تحملت من ذلفاء ما ليس لى يد
ولا للجبال الراسيات يدان
وقيل التثنية فى اليد للدلالة على أنها ليس بمعنى القوة والقدرة بل للدلالة على أنهما صفتان من صفات ذاته سبحانه و ما فى قوله ) لما خلقت ( هى المصدرية أو الموصولة وقرأ الجحدرى لما بالتشديد مع فتح اللام على أنها ظرف بمعنى حين قال أبو على الفارسى وقرىء بيدى على الإفراد ) أستكبرت ( قرأ الجمهور بهمزة الاستفهام وهو استفهام توبيخ وتقريع و أم متصلة وقرأ ابن كثير فى رواية عنه وأهل مكة بألف وصل ويجوز أن يكون الاستفهام مراد فيوافق القراءة الأولى كما فى قول الشاعر تروح من الحى أم تبتكر
وقول الآخر
بسبع رمين الجمر أم بثمانيا
ويحتمل أن يكون خبرا محضا من غير إرادة للاستفهام فتكون أم منقطعة والمعنى استكبرت عن السجود الذى أمرت به بل أ ) كنت من العالين ( أى المستحقين للترفع عن طاعة أمر الله المتعالين عن ذلك وقيل المعنى استكبرت عن السجود الآن أم لم تزل من القوم الذين يتكبرون عن ذلك
ص : ( 76 ) قال أنا خير . . . . .
وجملة ) قال أنا خير منه ( مستأنفة جواب سؤال مقدر ادعى اللعين لنفسه أنه خير من آدم وفى ضمن كلامه هذا أن سجود الفاضل للمفضول لا يحسن ثم علل ما ادعاه من كونه خيرا منه بقوله ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( وفى زعمه أن عنصر النار أشرف من عنصر الطين وذهب عنه أن النار إنما هى بمنزلة الخادم لعنصر الطين إن احتيج إليها استدعيت كما يستدعى الخادم وإن استغنى عنها طردت وأيضا فالطين يستولى على النار فيطفئها وأيضا فهى لا توجد إلا بما أصله من عنصر الأرض وعلى كل حال فقد شرف آدم بشرف وكرم بكرامة لا يوازيها شىء من شرف العناصر وذلك أن الله خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه والجواهر فى أنفسها متجانسة وإنما تشرف بعارض من عوارضها
ص : ( 77 ) قال فاخرج منها . . . . .
وجملة ) قال فاخرج منها ( مستأنفة كالتى قبلها أى فاخرج من الجنة أو من زمرة الملائكة ثم علل أمره بالخروج بقوله ) فإنك رجيم (


"""""" صفحة رقم 446 """"""
أى مرجوم بالكواكب مطرود من كل خير
ص : ( 78 ) وإن عليك لعنتي . . . . .
) وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ( أى طردى لك عن الرحمة وإبعادى لك منها ويوم الدين يوم الجزاء فأخبر سبحانه وتعالى أن تلك اللعنة مستمرة له دائمة عليه ما دامت الدنيا ثم فى الآخرة يلقى من أنواع عذاب الله وعقوبته وسخطه ما هو به حقيق وليس المراد أن اللعنة تزول عنه فى الآخرة بل هو ملعون أبدا ولكن لما كان له فى الآخرة ما ينسى عنده اللعنة ويذهل عند الوقوع فيه منها صارت كأنها لم تكن بجنب ما يكون فيه
ص : ( 79 ) قال رب فأنظرني . . . . .
وجملة ) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ( مستأنفة كما تقدم فيما قبلها أى أمهلنى ولا تعاجلنى إلى غاية هى يوم يبعثون يعنى آدم وذريته
ص : ( 80 ) قال فإنك من . . . . .
) قال فإنك من المنظرين ( أى الممهلين
ص : ( 81 ) إلى يوم الوقت . . . . .
) إلى يوم الوقت المعلوم ( الذى قدره الله لفناء الخلائق وهو عند النفخة الآخرة وقيل هو النفخة الأولى قيل إنما طلب إبليس الإنظار إلى يوم البعث ليتخلص من الموت لأنه إذا أنظر إلى يوم البعث لم يمت قبل البعث وعند مجىء البعث لا يموت فحينئذ يتخلص من الموت فأجيب بما يبطل مراده وينقض عليه مقصده وهو الإنظار إلى يوم الوقت المعلوم وهو الذى يعلمه الله ولا يعلمه غيره فلما سمع اللعين إنظار الله له إلى ذلك الوقت
ص : ( 82 ) قال فبعزتك لأغوينهم . . . . .
) قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ( فأقسم بعزة الله أنه يضل بنى آدم بتزيين الشهوات لهم وإدخال الشبه عليهم حتى يصيروا غاوين جميعا
ص : ( 83 ) إلا عبادك منهم . . . . .
ثم لما علم أن كيده لا ينجع إلا فى أتباعه وأحزابه من أهل الكفر والمعاصى استثنى من لا يقدر على إضلاله ولا يجد السبيل إلى إغوائه فقال ) إلا عبادك منهم المخلصين ( أى الذين أخلصتهم لطاعتك وعصمتهم من الشيطان الرجيم وقد تقدم تفسير هذه الآيات فى سورة الحجر وغيرها وقد أقسم ها هنا بعزة الله وأقسم فى موضع آخر بقوله ) فبما أغويتني ( ولا تنافى بين القسمين فإن إغواءه إياه من آثار عزته سبحانه
ص : ( 84 ) قال فالحق والحق . . . . .
وجملة ) قال فالحق والحق أقول ( مستأنفة كالجمل التى قبلها قرأ الجمهور بنصب الحق فى الموضعين على أنه مقسم به حذف منه حرف القسم فانتصب أو هما منصوبان على الإغراء أى الزموا الحق أو مصدران مؤكدان لمضمون قوله
ص : ( 85 ) لأملأن جهنم منك . . . . .
) لأملأن جهنم ( وقرأ ابن عباس ومجاهد والأعمش وعاصم وحمزة برفع الأول ونصب الثانى فرفع الأول على أنه مبتدأ وخبره مقدر أى فالحق منى أو فالحق أنا أو خبره لأملأن أو هو خبر مبتدأ محذوف وأما نصب الثانى فبالفعل المذكور بعده أى وأنا أقول الحق وأجاز الفراء وأبو عبيد أن يكون منصوبا بمعنى حقا لأملأن جهنم واعترض عليهما بأن ما بعد اللام مقطوع عما قبلها وروى عن سيبويه والفراء أيضا أن المعنى فالحق أن إملاء جهنم وروى عن ابن عباس ومجاهد أنهما قرآ برفعها فرفع الأول على ما تقدم ورفع الثانى بالابتداء وخبره الجملة المذكورة بعده والعائد محذوف وقرأ ابن السميفع وطلحة بن مصرف بخفضهما على تقدير حرف القسم قال الفراء كما يقول الله عز وجل لأفعلن كذا وغلطه أبو العباس ثعلب وقال لا يجوز الخفض بحرف مضمر وجملة ) لأملأن جهنم ( جواب القسم على قراءة الجمهور وجملة ) والحق أقول ( معترضة بين القسم وجوابه ومعنى منك أى من جنسك من الشياطين ) وممن تبعك منهم ( أى من ذرية آدم فأطاعوك إذ دعوتهم إلى الضلال والغواية و ) أجمعين ( تأكيد للمعطوف والمعطوف عليه أى لأملأنها من الشياطين وأتباعهم أجمعين
ص : ( 86 ) قل ما أسألكم . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يخبرهم بأنه إنما يريد بالدعوة إلى الله إمتثال أمره لا عرض الدنيا الزائل فقال ) قل ما أسألكم عليه من أجر ( والضمير فى عليه راجع إلى تبليغ الوحى ولم يتقدم له ذكر ولكنه مفهوم من السياق وقيل هو عائد إلى ما تقدم من قوله ) أأنزل عليه الذكر من بيننا ( وقيل الضمير راجع إلى القرآن وقيل إلى الدعاء إلى الله على العموم فيشمل القرآن وغيره من الوحى ومن قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى ما أطلب منكم من جعل تعطونيه عليه ) وما أنا من المتكلفين ( حتى أقول ما لا أعلم إذ أدعوكم إلى غير ما أمرنى الله بالدعوة إليه


"""""" صفحة رقم 447 """"""
والتكلف التصنع
ص : ( 87 ) إن هو إلا . . . . .
) إن هو إلا ذكر للعالمين ( أي ما هذا القرآن أو الوحى أو ما أدعوكم إليه إلا ذكر من الله عز وجل للجن والإنس قال الأعمش ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين
ص : ( 88 ) ولتعلمن نبأه بعد . . . . .
) ولتعلمن ( أيها الكفار نبأه أى ما أنبأ عنه وأخبر به من الدعاء إلى الله وتوحيده والترغيب إلى الجنة والتحذير من النار ) بعد حين ( قال قتادة والزجاج والفراء بعد الموت وقال عكرمة وابن زيد يوم القيامة وقال الكلبى من بقى علم ذلك لما أظهر أمره وعلا ومن مات علمه بعد الموت وقال السدى وذلك يوم بدر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس ) إذ يختصمون ( أن الخصومة هى ) إذ قال ربك ( الخ وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ فى العظمة والبيهقى عن ابن عمر قال خلق الله أربعا بيده العرش وجنة عدن والقلم وآدم وأخرج ابن أبى الدنيا فى صفة الجنة وأبو الشيخ فى العظمة والبيهقي فى الأسماء والصفات عن عبد الله بن الحارث قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خلق الله ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) فالحق والحق أقول ( قال أنا الحق أقول الحق وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) قل ما أسألكم عليه من أجر ( قال قل يا محمد ) ما أسألكم عليه ( ما أدعوكم إليه ) من أجر ( عرض دنيا وفى البخارى ومسلم وغيرهما عن مسروق قال بينما رجل يحدث فى المسجد فقال فيما يقول يوم تأتى السماء بدخان مبين قال دخان يكون يوم القيامة يأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين كهيئة الزكام قال قمنا حتى دخلنا على عبد الله وهو فى بيته وكان متكئا فاستوى قاعدا فقال يا أيها الناس من علم منكم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول العالم لما لا يعلم الله أعلم قال الله تعالى لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ( وأخرج البخارى عن عمر قال نهينا عن التكلف وأخرج الطبرانى والحاكم والبيهقى عن سلمان قال نهانا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن نتكلف للضيف
ع39
تفسير
سورة الزمر
هى اثنتان وسبعون آية وقيل خمس وسبعون
حول السورة
وهى مكية فى قول الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال أنزلت سورة الزمر بمكة وأخرج النحاس فى ناسخه عنه قال نزلت بمكة سورة الزمر سوى ثلاث آيات نزلن بالمدينة فى وحشى قاتل حمزة ) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( الثلاث الآيات وقال آخرون إلى سبع آيات من قوله ) قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( إلى آخر السبع وأخرج النسائى عن عائشة قالت كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصوم حتى نقول ما يريد أن يفطر ويفطر حتى نقول ما يريد أن يصوم وكان يقرأ فى كل ليلة بنى إسرائيل والزمر وأخرجه الترمذى عنها بلفظ كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا ينام حتى يقرأ الزمر وبنى إسرائيل


"""""" صفحة رقم 448 """"""
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الزمر ( 1 6 )
الزمر : ( 1 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
قوله ) تنزيل الكتاب ( ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف هو اسم إشارة أى هذا تنزيل وقال أبو حيان إن المبتدأ المقدر لفظ هو ليعود على قوله ) إن هو إلا ذكر للعالمين ( كأنه قيل وهذا الذكر ما هو فقيل هو تنزيل الكتاب وقيل ارتفاعه على أنه مبتدأ وخبره الجار والمجرور بعده أى تنزيل كائن من الله وإلى هذا ذهب الزجاج والفراء قال الفراء ويجوز أن يكون مرفوعا بمعنى هذا تنزيل وأجاز الفراء والكسائى النصب على أنه مفعول به لفعل مقدر أى اتبعوا أو اقرءوا تنزيل الكتاب وقال الفراء يجوز نصبه على الإغراء أى الزموا والكتاب هو القرآن وقوله ) من الله العزيز الحكيم ( على الوجه الأول صلة للتنزيل أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أو متعلق بمحذوف على أنه حال عمل فيه اسم الإشارة المقدر
الزمر : ( 2 ) إنا أنزلنا إليك . . . . .
) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ( الباء سببية متعلقة بالإنزال أى أنزلناه بسبب الحق ويجوز أن تتعلق بمحذوف هو حال من الفاعل أي متلبسين بالحق أو من المفعول أى متلبسا بالحق والمراد كل ما فيه من إثبات التوحيد والنبوة والمعاد وأنواع التكاليف قال مقاتل يقول لم ننزله باطلا لغير شىء ) فاعبد الله مخلصا له الدين ( الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها وانتصاب مخلصا على الحال من فاعل اعبد والإخلاص أن يقصد العبد بعمله وجه الله سبحانه والدين العبادة والطاعة ورأسها توحيد الله وأنه لا شريك له قرأ الجمهور الدين بالنصب على أنه مفعول مخلصا وقرأ ابن أبى عبلة برفعه على أن مخلصا مسند إلى الدين على طريقة المجاز قيل وكان عليه أن يقرأ مخلصا بفتح اللام وفى الآية دليل على وجوب النية وإخلاصها عن الشوائب لأن الإخلاص من الأمور القلبية التى لا تكون إلا بأعمال القلب وقد جاءت السنة الصحيحة أن ملاك الأمر فى الأقوال والأفعال النية كما فى حديث إنما


"""""" صفحة رقم 449 """"""
الأعمال بالنيات وحديث لا قول ولا عمل إلا بنية
الزمر : ( 3 ) ألا لله الدين . . . . .
وجملة ) ألا لله الدين الخالص ( مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر بالإخلاص أى إن الدين الخالص من شوائب الشرك وغيره هو لله وما سواه من الأديان فليس بدين الله الخالص الذى أمر به قال قتادة الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله ) والذين اتخذوا من دونه أولياء ( لما أمر سبحانه بعبادته على وجه الإخلاص وأن الدين الخالص له لا لغيره بين بطلان الشرك الذى هو مخالف للإخلاص والموصول عبارة عن المشركين ومحله الرفع على الابتداء وخبره قوله ) إن الله يحكم بينهم ( وجملة ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( فى محل نصب على الحال بتقدير القول والاستثناء مفرغ من أعم العلل والمعنى والذين لم يخلصوا العبادة لله بل شابوها بعبادة غيره قائلين ما نعبدهم لشىء من الأشياء إلا ليقربونا إلى الله تقريبا والضمير فى نعبدهم راجع إلى الأشياء التى كانوا يعبدونها من الملائكة وعيسى والأصنام وهم المرادون بالأولياء والمراد بقولهم ) إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( الشفاعة كما حكاه الواحدى عن المفسرين قال قتادة كانوا إذا قيل لهم من ربكم وخالقكم ومن خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء قالوا الله فيقال لهم ما معنى عبادتكم للأصنام قالوا ليقربونا إلى الله زلفى ويشفعوا لنا عنده قال الكلبى جواب هذا الكلام قوله فى سورة الأحقاف ) فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ( والزلفى اسم أقيم مقام المصدر كأنه قال إلا ليقربونا إلى الله تقريبا وفى قراءة ابن مسعود وابن عباس ومجاهد قالوا ما نعبدهم ومعنى ) إن الله يحكم بينهم ( أى بين أهل الأديان يوم القيامة فيجازى كلا بما يستحقه وقيل بين المخلصين للدين وبين الذين لم يخلصوا وحذف الأول لدلالة الحال عليه ومعنى ) فيما هم فيه يختلفون ( فى الذى اختلفوا فيه من الدين بالتوحيد والشرك فإن كل طائفة تدعى أن الحق معها ) إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ( أى لا يرشد لدينه ولا يوفق للاهتداء إلى الحق من هو كاذب فى زعمه أن الآلهة تقربه إلى الله وكفر باتخاذها آلهة وجعلها شركاء لله والكفار صيغة مبالغة تدل على أن كفر هؤلاء قد بلغ إلى الغاية وقرأ الحسن والأعرج كذاب على صيغة المبالغة ككفار ورويت هذه القراءة عن أنس
الزمر : ( 4 ) لو أراد الله . . . . .
) لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى ( هذا مقرر لما سبق من إبطال قول المشركين بأن الملائكة بنات الله لتضمنه استحالة الولد فى حقه سبحانه على الإطلاق فلو أراد أن يتخذ ولدا لامتنع اتخاذ الولد حقيقة ولم يتأت ذلك إلا بأن يصطفى ) مما يخلق ما يشاء ( أى يختار من جملة خلقه ما يشاء أن يصطفيه إذ لا موجود سواه إلا وهو مخلوق له ولا يصح أن يكون المخلوق ولدا للخالق لعدم المجانسة بينهما فلم يبق إلا أن يصطفيه عبدا كما يفيده التعبير بالاصطفاء مكان الاتخاذ فمعنى الآية لو أراد أن يتخذ ولدا لوقع منه شىء ليس هو من اتخاذ الولد بل إنما هو من الإصطفاء لبعض مخلوقاته ولهذا نزه سبحانه نفسه عن اتخاذ الولد على الإطلاق فقال ) سبحانه ( أي تنزيها له عن ذلك وجملة ) هو الله الواحد القهار ( مبينة لتنزهه بحسب الصفات بعد تنزهه بحسب الذات أى هو المستجمع لصفات الكمال المتوحد فى ذاته فلا مماثل له القهار لكل مخلوقاته ومن كان متصفا بهذه الصفات استحال وجود الولد فى حقه لأن الولد مماثل لوالده ولا مماثل له سبحانه ومثل هذه الآية قوله سبحانه ) لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا )
الزمر : ( 5 ) خلق السماوات والأرض . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه كونه منزها عن الولد بكونه إلها واحدا قهارا ذكر ما يدل على ذلك من صفاته فقال ) خلق السماوات والأرض بالحق ( أى لم يخلقهما باطلا لغير شىء ومن كان هذا الخلق العظيم خلقه استحال أن يكون له شريك أو صاحبة أو ولد ثم بين كيفية تصرفه فى السموات والأرض فقال ) يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ( التكوير فى اللغة طرح الشىء بعضه على بعض يقال كور المتاع إذا ألقى بعضه على بعض ومنه كور العمامة فمعنى تكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوؤه


"""""" صفحة رقم 450 """"""
ومعنى تكوير النهار على الليل تغشيته إياه حتى تذهب ظلمته وهو معنى قوله تعالى ) يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ( هكذا قال قتادة وغيره وقال الضحاك أى يلقى هذا على هذا وهذا على هذا وهو مقارب للقول الأول وقيل معنى الآية أن ما نقص من الليل دخل فى النهار وما نقص من النهار دخل فى الليل وهو معنى قوله ) يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ( وقيل المعنى إن هذا يكر على هذا وهذا يكر على هذا كرورا متتابعا قال الراغب تكوير الشىء إدارته وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة والإشارة بهذا التكوير المذكور فى الآية إلى جريان الشمس فى مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما قال الرازى إن النور والظلمة عسكران عظيمان وفى كل يوم يغلب هذا ذاك وذاك هذا ثم ذكر تسخيره لسلطان النهار وسلطان الليل وهما الشمس والقمر فقال ) وسخر الشمس والقمر ( أي جعلهما منقادين لأمره بالطلوع والغروب لمنافع العباد ثم بين كيفية هذا التسخير فقال ) كل يجري لأجل مسمى ( أى يجرى فى فلكه إلى أن تنصرم الدنيا وذلك يوم القيامة وقد تقدم الكلام على الأجل المسمى لجريهما مستوفى فى سورة يس ) ألا هو العزيز الغفار ( ألا حرف تنبيه والمعنى تنبهوا أيها العباد فالله هو الغالب الساتر لذنوب خلقه بالمغفرة
الزمر : ( 6 ) خلقكم من نفس . . . . .
ثم بين سبحانه نوعا آخر من قدرته وبديع صنعه فقال ) خلقكم من نفس واحدة ( وهى نفس آدم ) ثم جعل منها زوجها ( جاء بثم للدلالة على ترتب خلق حواء على خلق آدم وتراخيه عنه لأنها خلقت منه والعطف إما على مقدر هو صفة لنفس قال الفراء والزجاج التقدير خلقكم من نفس خلقها واحدة ثم جعل منها زوجها ويجوز أن يكون العطف على معنى واحدة أى من نفس انفردت ثم جعل الخ والتعبير بالجعل دون الخلق مع العطف بثم للدلالة على أن خلق حواء من ضلع آدم أدخل فى كونه آية باهرة دالة على كمال القدرة لأن خلق آدم هو على عادة الله المستمرة فى خلقه وخلقها على الصفة المذكورة لم تجر به عادة لكونه لم يخلق سبحانه أنثى من ضلع رجل غيرها وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى فى سورة الأعراف ثم بين سبحانه نوعا آخر من قدرته الباهرة فقال ) وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ( وهو معطوف على خلقكم وعبر بالإنزال لما يروى أنه خلقها فى الجنة ثم أنزلها فيكون الإنزال حقيقة ويحتمل أن يكون مجازا لأنها لم تعش إلا بالنبات والنبات إنما يعيش بالماء الماء منزل من السماء كانت الأنعام كأنها منزلة لأن سبب سببها منزل كما أطلق على السبب فى قوله إذا نزل السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابا
وقيل إن أنزل بمعنى أنشأ وجعل أو بمعنى أعطى وقيل جعل الخلق إنزالا لأن الخلق إنما يكون بأمر ينزل من السماء والثمانية الأزواج هى ما فى قوله ) من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ( ) ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ( ويعنى بالاثنين فى الأربعة المواضع الذكر والأنثى وقد تقدم تفسير الاية فى سورة الأنعام ثم بين سبحانه نوعا آخر من قدرته البديعة فقال ) يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق ( والجملة استئنافية لبيان ما تضمنته من الأطوار المختلفة فى خلقهم وخلقا مصدر مؤكد للفعل المذكور و ) من بعد خلق ( صفة له أى خلقا كائنا من بعد خلق قال قتادة والسدى نطفه ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما وقال ابن زيد خلقكم خلقا فى بطون أمهاتكم من بعد خلقكم فى ظهر آدم وقوله ) في ظلمات ثلاث ( متعلق بقوله يخلقكم وهذه الظلمات الثلاث هى ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة قاله مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وقال سعيد بن جبير ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة الليل وقال أبو عبيدة ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم والإشارة بقوله ) ذلكم الله ( إليه سبحانه باعتبار أفعاله السابقة والاسم الشريف


"""""" صفحة رقم 451 """"""
خبره ) ربكم ( خبر آخر ) له الملك ( الحقيقى فى الدنيا والآخرة لا شركة لغيره فيه وهو خبر ثالث وقوله ) لا إله إلا هو ( خبر رابع ) فأنى تصرفون ( أى فكيف تنصرفون عن عبادته وتنقلبون عنها إلى عبادة غيره قرأ حمزة إمهاتكم بكسر الهمزة والميم وقرأ الكسائى بكسر الهمزة وفتح الميم وقرأ الباقون بضم الهمزة وفتح الميم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن يزيد الرقاشى أن رجلا قال يا رسول الله إنا نعطى أموالنا التماس الذكر فهل لنا فى ذلك من أجر فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا قال يا رسول الله إنما نعطى التماس الأجر والذكر فهل لنا أجر فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله لا يقبل إلا ما أخلص له ثم تلا هذه الآية ) ألا لله الدين الخالص ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) يكور الليل ( قال يحمل الليل وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) خلقا من بعد خلق ( قال علقة ثم مضغة ثم عظاما ) في ظلمات ثلاث ( البطن والرحم والمشيمة
سورة الزمر ( 7 12 )
الزمر : ( 7 ) إن تكفروا فإن . . . . .
لما ذكر سبحانه النعم التى أنعم بها على عباده وبين لهم من بديع صنعه وعجيب فعله ما يوجب على كل عاقل أن يؤمن به عقبه بقوله ) إن تكفروا فإن الله غني عنكم ( أى غير محتاج إليكم ولا إلى إيمانكم ولا إلى عبادتكم له فإنه الغنى المطلق ومع كون كفر الكافر لا يضره كما أنه لا ينفعه إيمان المؤمن فهو أيضا ) ولا يرضى لعباده الكفر ( أى لا يرضى لأحد من عباده الكفر ولا يحبه ولا يأمر به ومثل هذه الآية قوله ) إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ( ومثلها ما ثبت فى صحيح مسلم من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على قلب أفجر رجل منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا
وقد اختلف المفسرون فى هذه الآية هل هى على عمومها وإن الكفر غير مرضى لله سبحانه على كل حال كما هو الظاهر أو هى خاصة والمعنى لا يرضى لعباده المؤمنين الكفر وقد ذهب إلى التخصيص حبر الأمة


"""""" صفحة رقم 452 """"""
ابن عباس رضى الله عنه كما سيأتى بيانه آخر البحث وتابعه على ذلك عكرمة والسدى وغيرهما ثم اختلفوا فى الآية اختلافا آخر فقال قوم إنه يريد كفر الكافر ولا يرضاه وقال آخرون إنه لا يريده ولا يرضاه والكلام فى تحقيق مثل هذا يطول جدا وقد استدل القائلون بتخصيص هذه الآية والمثبتون للإرادة مع عدم الرضا بما ثبت فى آيات كثيرة من الكتاب العزيز أنه سبحانه ) يضل من يشاء ( ) ويهدي من يشاء ( ) وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ( ونحو هذا مما يؤدى معناه كثير فى الكتاب العزيز ثم لما ذكر سبحانه أن لا يرضى لعباده الكفر بين أنه يرضى لهم الشكر فقال ) وإن تشكروا يرضه لكم ( أى يرض لكم الشكر المدلول عليه بقوله وإن تشكروا ويثبكم عليه وإنما رضى لهم سبحانه الشكر لأنه سبب سعادتهم فى الدنيا والاخرة كما قال سبحانه ) لئن شكرتم لأزيدنكم ( قرأ أبو جعفر وأبو عمرو وشيبة وهبيرة عن عاصم بإسكان الهاء من يرضه وأشبع الضمة على الهاء ابن ذكوان وابن كثير والكسائى وابن محيصن وورش عن نافع واختلس الباقون ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( أى لا تحمل نفس حاملة للوزر حمل نفس أخرى وقد تقدم تفسير هذه الآية متسوفى ) ثم إلى ربكم مرجعكم ( يوم القيامة ) فينبئكم بما كنتم تعملون ( من خير وشر وفيه تهديد شديد ) إنه عليم بذات الصدور ( أى بما تضمره القلوب وتستره فكيف بما تظهره وتبديه
الزمر : ( 8 ) وإذا مس الإنسان . . . . .
) وإذا مس الإنسان ضر ( أى ضر كان من مرض أو فقر أو خوف ) دعا ربه منيبا إليه ( أى راجعا إليه مستغيثا به فى دفع ما نزل به تاركا لما كان يدعوه ويستغيث به من ميت أو حى أو صنم أو غير ذلك ) ثم إذا خوله نعمة منه ( أى أعطاء وملكه يقال خوله الشىء أى ملكه إياه وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد هنالك إن يستخولوا المال يخولوا
وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
ومنه قول أبى النجم أعطى ولم يبخل ولم يبخل
كوم الذرى من خول المخول
) نسي ما كان يدعو إليه من قبل ( أى نسى الضر الذى كان يدعو الله إلى كشفه عنه من قبل أن يخوله ما خوله وقيل نسى الدعاء الذى كان يتضرع به وتركه أو نسى ربه الذى كان يدعوه ويتضرع إليه ثم جاوز ذلك إلى الشرك بالله وهو معنى قوله ) وجعل لله أندادا ( أى شركاء من الأصنام أو غيرها يستغيث بها ويعبدها ) ليضل عن سبيله ( أى ليضل الناس عن طريق الله التى هى الإسلام والتوحيد وقال السدى يعنى أندادا من الرجال يعتمد عليهم فى جميع أموره ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يهدد من كان متصفا بتلك الصفة فقال ) قل تمتع بكفرك قليلا ( أى تمتعا قليلا أو زمانا قليلا فمتاع الدنيا قليل ثم علل ذلك بقوله ) إنك من أصحاب النار ( أى مصيرك إليها عن قريب وفيه من التهديد أمر عظيم قال الزجاج لفظه لفظ الأمر ومعناه التهديد والوعيد قرأ الجمهور ليضل بضم الياء وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتحها
الزمر : ( 9 ) أم من هو . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه صفات المشركين وتمسكهم بغير الله عند اندفاع المكروهات عنهم ذكر صفات المؤمنين فقال ) أم من هو قانت آناء الليل ( وهذا إلى آخره من تمام الكلام المأمور به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى ذلك الكافر أحسن حالا ومآلا أمن هو قائم بطاعات الله فى السراء والضراء فى ساعات الليل مستمر على ذلك غير مقتصر على دعاء الله سبحانه عند نزول الضرر به قرأ الحسن وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والكسائى أمن بالتشديد وقرأ نافع وابن كثير وحمزة ويحيى بن وثاب والأعمش بالتخفيف فعلى القراءة الأولى أم داخلة على من الموصولة وأدغمت الميم فى الميم وأم هى المتصلة ومعادلها محذوف تقديره الكافر خير أم الذى هو قانت وقيل هى المنقطعة المقدرة ببل والهمزة


"""""" صفحة رقم 453 """"""
أى بل أمن هو قانت كالكافر وأما على القراءة الثانية فقيل الهمزة للاستفهام دخلت على من والاستفهام للتقرير ومقابله محذوف أى أمن هو قانت كمن كفر وقال الفراء إن الهمزة فى هذه القراءة للنداء ومن منادى وهى عبارة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) المأمور بقوله ) قل تمتع ( والتقدير يا من هو قانت قل كيت وكيت وقيل التقدير يا من هو قانت إنك من أصحاب الجنة ومن القائلين بأن الهمزة للنداء الفراء وضعف ذلك أبو حيان وقال هو أجنبى عما قبله وعما بعده وقد سبقه إلى هذا التضعيف أبو على الفارسى واعترض على هذه القراءة من أصلها أبو حاتم والأخفش ولا وجه لذلك فإنا إذا ثبتت الرواية بطلت الدراية
وقد اختلف فى تفسير القانت هنا فقيل المطيع وقيل الخاشع فى صلاته وقيل القائم فى صلاته وقيل الداعى لربه قال النحاس أصل القنوت الطاعة فكل ما قيل فيه فهو داخل فى الطاعة والمراد بآناء الليل ساعاته وقيل جوفه وقيل ما بين المغرب والعشاء وانتصاب ) ساجدا وقائما ( على الحال أى جامعا بين السجود والقيام وقدم السجود على القيام لكونه أدخل فى العبادة ومحل ) يحذر الآخرة ( بالنصب علي الحال أيضا أى يحذر عذاب الآخرة قاله سعيد بن جبير ومقاتل ) ويرجو رحمة ربه ( فيجمع بين الرجاء والخوف وما اجتمعا فى قلب رجل إلا فاز قيل وفى الكلام حذف والتقدير كمن لا يفعل شيئا من ذلك كما يدل عليه السياق ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم قولا آخر يتبين به الحق من الباطل فقال ) قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ( أى الذين يعلمون أن ما وعد الله به من البعث والثواب والعقاب حق والذين لا يعلمون ذلك أو الذين يعلمون ما أنزل الله على رسله والذين لا يعلمون ذلك أو المراد العلماء والجهال ومعلوم عند كل من له عقل أنه لا استواء بين العلم والجهل ولا بين العالم والجاهل قال الزجاج أى كما لا يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون كذلك لا يستوى المطيع والعاصي وقيل المراد بالذين يعلمون هم العاملون بعلمهم فإنهم المنتفعون به لأن من لم يعمل بمنزلة من لم يعلم ) إنما يتذكر أولوا الألباب ( أى إنما يتعظ ويتدبر ويتفكر أصحاب العقول وهم المؤمنون لا الكفار فإنهم وإن زعموا أن لهم عقولا فهى كالعدم وهذه الجملة ليست من جملة الكلام المأمور به بل من جهة الله سبحانه
الزمر : ( 10 ) قل يا عباد . . . . .
) قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم ( لما نفى سبحانه المساواة بين من يعلم ومن لا يعلم وبين أنه ) إنما يتذكر أولوا الألباب ( أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يأمر المؤمنين من عباده بالثبات على تقواه والإيمان به والمعنى يا أيها الذين صدقوا بتوحيد الله اتقوا ربكم بطاعته واجتناب معاصيه وإخلاص الإيمان له ونفى الشركاء عنه والمراد قل لهم قولى هذا بعينه ثم لما أمر الله سبحانه المؤمنين بالتقوى بين لهم ما فى هذه التوقى من الفوائد فقال ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ( أى للذين عملوا الأعمال الحسنة فى هذه الدنيا على وجه الإخلاص حسنة عظيمة وهى الجنة وقوله ) في هذه الدنيا ( متعلق بأحسنوا وقيل هو متعلق بحسنه على أنه بيان لمكانها فيكون المعنى للذين أحسنوا فى العمل حسنة فى الدنيا بالصحة والعافية والظفر والغنيمة والأول أولى ثم لما كان بعض العباد قد يتعسر عليه فعل الطاعات والإحسان فى وطنه أرشد الله سبحانه من كان كذلك إلى الهجرة فقال ) وأرض الله واسعة ( أي فليهاجر إلى حيث يمكنه طاعة الله والعمل بما أمر به والترك لما نهى عنه ومثل ذلك قوله سبحانه ) ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ( وقد مضى الكلام فى الهجرة مستوفى فى سورة النساء وقيل المراد بالأرض هنا أرض الجنة رغبهم فى سعتها وسعة نعيمها كما فى قوله ) وجنة عرضها السماوات والأرض ( والأول أولى ثم لما بين سبحانه ما للمحسنين إذا أحسنوا وكان


"""""" صفحة رقم 454 """"""
لا بد فى ذلك من الصبر على فعل الطاعة وعلى كف النفس عن الشهوات أشار إلى فضيلة الصبر وعظيم مقداره فقال ) إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( أى يوفيهم الله أجرهم فى مقابلة صبرهم بغير حساب أى بما لا يقدر على حصره حاصر ولا يستطيع حسبانه حاسب قال عطاء بما لا يهتدى إليه عقل ولا وصف وقال مقاتل أجرهم الجنة وأرزاقهم فيها بغير حساب والحاصل أن الآية تدل على أن ثواب الصابرين وأجرهم لا نهاية له لأن كل شىء يدخل تحت الحساب فهو متناه وما كان لا يدخل تحت الحساب فهو غير متناه وهذه فضيلة عظيمة مثوبة جليلة تقتضى أن على كل راغب فى ثواب الله وطامع فيما عنده من الخير أن يتوفر على الصبر ويزم نفسه بزمامه ويقيدها بقيده فإن الجزع لا يرد قضاء قد نزل ولا يجلب خيرا قد سلب ولا يدفع مكروها قد وقع وإذا تصور العاقل هذا حق تصوره وتعقله حق تعقله علم أن الصابر على ما نزل به قد فاز بهذا الأجر العظيم وظفر بهذا الجزاء الخطير وغير الصابر قد نزل به القضاء شاء أم أبى ومع ذلك فاته من الأجر ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه فضم إلى مصيبته مصيبة أخرى ولم يظفر بغير الجزع وما أحسن قول من قال أرى الصبر محمودا وعنه مذاهب
فكيف إذا ما لم يكن عنه مذهب
هناك يحق الصبر والصبر واجب
وما كان منه للضرورة أوجب
الزمر : ( 11 ) قل إني أمرت . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخبرهم بما أمر به من التوحيد والإخلاص فقال ) قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ( أى أعبده عبادة خالصة من الشرك والرياء وغير ذلك قال مقاتل إن كفار قريش قالوا للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) ما يحملك على الذى أتيتنا به ألا تنظر إلى ملة أبيك وجدك وسادات قومك يعبدون اللات والعزى فتأخذ بها فأنزل الله الآية وقد تقدم بيان معنى الآية فى أول هذه السورة
الزمر : ( 12 ) وأمرت لأن أكون . . . . .
) وأمرت لأن أكون أول المسلمين ( أى من هذه الأمة وكذلك كان ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه أول من خالف دين آبائه ودعا إلى التوحيد واللام للتعليل أى وأمرت بما أمرت به لأجل أن أكون وقيل إنها مزيدة للتأكيد والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) إن تكفروا فإن الله غني عنكم ( يعنى الكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فيقولون لا إله إلا الله ثم قال ) ولا يرضى لعباده الكفر ( وهم عباده المخلصون الذين قال ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( فألزمهم شهادة أ لا إله إلا الله وحببها إليهم وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة ) ولا يرضى لعباده الكفر ( قال لا يرضى لعباده المسلمين الكفر وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال والله ما رضى الله لعبد ضلالة ولا أمره بها ولا دعا إليها ولكن رضى لكم طاعته وأمركم بها ونهاكم عن معصيته وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية وابن عساكر عن ابن عمر أنه تلا هذه الآية ) أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ( قال ذاك عثمان بن عفان وفى لفظ نزلت فى عثمان بن عفان وأخرج ابن سعد فى طبقاته وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس فى قوله ) أم من هو قانت ( الآية قال نزلت فى عمار بن ياسر وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) يحذر الآخرة ( يقول يحذر عذاب الآخرة وأخرج الترمذى والنسائى وابن ماجه عن أنس قال دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على رجل وهو فى الموت فقال كيف تجدك قال أرجو الله وأخاف ذنوبى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يجتمعان فى قلب عبد فى مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله الذى يرجو وأمنه الذى


"""""" صفحة رقم 455 """"""
يخاف أخرجوه من طريق سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال الترمذى غريب وقد رواه بعضهم عن ثابت عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مرسلا
سورة الزمر ( 13 20 )
الزمر : ( 13 ) قل إني أخاف . . . . .
قوله ) قل إني أخاف إن عصيت ربي ( أى بترك إخلاص العبادة له وتوحيده والدعاء إلى ترك الشرك وتضليل أهله ) عذاب يوم عظيم ( وهو يوم القيامة قال أكثر المفسرين المعنى إنى أخاف إن عصيت ربى بإجابة المشركين إلى ما دعونى إليه من عبادة غير الله قال أبو حمزة اليمانى وابن المسيب هذه الآية منسوخة بقوله ) ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ( وفى هذه الآية دليل على أن الأمر للوجوب لأن قبله ) إنما أمرت أن أعبد الله ( فالمراد عصيان هذا الأمر
الزمر : ( 14 ) قل الله أعبد . . . . .
) قل الله أعبد ( التقديم مشعر بالاختصاص أى لا أعبد غيره لا استقلالا ولا على جهة الشركة ومعنى ) مخلصا له ديني ( أنه خالص لله غير مشوب بشرك ولا رياء ولا غيرهما وقد تقدم تحقيقه فى أول السورة قال الرازى فإن قيل ما معنى التكرير فى قوله ) قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين ( وقوله ) قل الله أعبد مخلصا له ديني ( قلنا ليس هذا بتكرير لأن الأول إخبار بأنه مأمور من جهة الله بالإيمان والعبادة والثانى إخبار بأنه أمر أن لا يعبد أحدا غير الله
الزمر : ( 15 ) فاعبدوا ما شئتم . . . . .
) فاعبدوا ما شئتم ( أن تعبدوه ) من دونه ( هذا الأمر للتهديد والتقريع والتوبيخ كقوله ) اعملوا ما شئتم ( وقيل إن الأمر على حقيقته وهو منسوخ بآية السيف والأول أولى ) قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ( أى إن الكاملين فى الخسران هم هؤلاء لأن من دخل النار فقد خسر نفسه وأهله قال الزجاج وهذا يعنى به الكفار فإنهم خسروا أنفسهم بالتخليد فى النار وخسروا أهليهم لأنهم لم يدخلوا مدخل المؤمنين الذين لهم أهل فى الجنة وجملة ) ألا ذلك هو الخسران المبين ( مستأنفة لتأكيد ما قبلها وتصديرها بحرف التنبيه للإشعار بأن هذا الخسران الذى حل بهم قد بلغ من العظم إلى غاية ليس فوقها غاية وكذلك تعريف الخسران ووصفه بكونه مبينا فإنه يدل على أن الفرد الكامل من أفراد الخسران وأن لا خسران يساويه ولا عقوبة تدانيه
الزمر : ( 16 ) لهم من فوقهم . . . . .
ثم بين سبحانه هذا اخسران الذى حل بهم والبلاء النازل عليهم بقوله ) لهم من فوقهم ظلل من النار ( الظلل عبارة عن أطباق النار أى لهم من فوقهم أطباق من النار تلتهب عليهم ) ومن تحتهم ظلل (


"""""" صفحة رقم 456 """"""
أى أطباق من النار وسمى ما تحتهم ظللا لأنها تظل من تحتها من أهل النار لأن طبقات النار صارت فى كل طبقة منها طائفة من طوائف الكفار ومثل هذه الآية قوله ) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ( وقوله ) يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( والإشارة بقوله ذلك إلى ما تقدم ذكره من وصف عذابهم فى النار وهو مبتدأ وخبره قوله ) يخوف الله به عباده ( أى يحذرهم بما توعد به الكفار من العذاب ليخافوه فيتقوه وهو معنى ) يا عباد فاتقون ( أى اتقوا هذه المعاصى الموجبة لمثل هذا العذاب على الكفار ووجه تخصيص العباد بالمؤمنين أن الغالب فى القرآن إطلاق لفظ العباد عليهم وقيل هو للكفار وأهل المعاصى وقيل هو عام للمسلمين والكفار
الزمر : ( 17 - 18 ) والذين اجتنبوا الطاغوت . . . . .
) والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ( الموصول مبتدأ وخبره قوله ) لهم البشرى ( والطاغوت بناء مبالغة فى المصدر كالرحموت والعظموت وهو الأوثان والشيطان وقال مجاهد وابن زيد هو الشيطان وقال الضحاك والسدى هو الأوثان وقيل إنه الكاهن وقيل هو اسم أعجمى مثل طالوت وجالوت وقيل إنه اسم عربى مشتق من الطغيان قال الأخفش الطاغوت جمع ويجوز أن يكون واحدة مؤنثا ومعنى اجتنبوا الطاغوت أعرضوا عن عبادته وخصوا عبادتهم بالله عز وجل وقوله أن يعبدوها فى محل نصب على البدل من الطاغوت بدل اشتمال كأنه قال اجتنبوا عبادة الطاغوت وقد تقدم الكلام على تفسير الطاغوت مستوفى فى سورة البقرة وقوله ) وأنابوا إلى الله ( معطوف على اجتنبوا والمعنى رجعوا إليه وأقبلوا على عبادته معرضين عما سواه ) لهم البشرى ( بالثواب الجزيل وهو الجنة وهذه البشرى إما على ألسنة الرسل أو عند حضور الموت أو عند البعث ) فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ( المراد بالعباد هنا العموم فيدخل الموصوفون بالاجتناب والإنابة إليه دخولا أوليا والمعنى يستمعون القول الحق من كتاب الله وسنة رسوله فيتبعون أحسنه أى محكمه ويعملون به قال السدى يتبعون أحسن ما يؤمرون به فيعملون بما فيه وقيل هو الرجل يسمع الحسن والقبيح فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به وقيل يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن وقيل يستمعون الرخص والعزائم فيتبعون العزائم ويتركون الرخص وقيل يأخذون بالعفو ويتركون العقوبة ثم أثنى سبحانه على هؤلاء المذكورين فقال ) أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ( أى هم الذين أوصلهم الله إلى الحق وهم أصحاب العقول الصحيحة لأنهم الذين انتفعوا بعقولهم ولم ينتفع من عداهم بعقولهم
الزمر : ( 19 ) أفمن حق عليه . . . . .
ثم ذكر سبحانه من سبقت له الشقاوة وحرم السعادة فقال ) أفمن حق عليه كلمة العذاب ( من هذه يحتمل أن تكون موصولة فى محل رفع بالابتداء وخبرها محذوف أى كمن يخاف أو فأنت تخلصه أو تتأسف عليه ويحتمل أن تكون شرطية وجوابه ) أفأنت تنقذ من في النار ( فالفاء فاء الجواب دخلت على جملة الجزاء وأعيدت الهمزة الإنكارية لتأكيد معنى الإنكار وقال سيبويه إنه كرر الاستفهام لطول الكلام وقال الفراء المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب والمراد بكلمة العذاب هنا هى قوله تعالى لإبليس ) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ( وقوله ) لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين ( ومعنى الآية التسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه كان حريصا على إيمان قومه فأعلمه الله أن من سبق عليه القضاء وحقت عليه كلمة الله لا يقدر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن ينقذه من النار بأن يجعله مؤمنا قال عطاء يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) عن الإيمان وفى الآية تنزيل لمن يستحق العذاب بمن قد صار فيه وتنزيل دعائه إلى الإيمان منزلة الإخراج له من عذاب النار
الزمر : ( 20 ) لكن الذين اتقوا . . . . .
ولما ذكر سبحانه فيما سبق أن لأهل الشقاوة ظللا من فوقهم النار ومن تحتهم ظلل استدرك عنهم من كان من أهل السعادة فقال ) لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية (


"""""" صفحة رقم 457 """"""
وذلك لأن الجنة درجات بعضها فوق بعض ومعنى مبنية أنها مبنية بناء المنازل فى إحكام أساسها وقوة بنائها وإن كانت منازل الدنيا ليست بشىء بالنسبة إليها ) تجري من تحتها الأنهار ( أى من تحت تلك الغرف وفى ذلك كمال لبهجتها وزيادة لرونقها وانتصاب وعد الله على المصدرية المؤكدة لمضمون الجملة لأن قوله ) لهم غرف ( فى معنى وعدهم الله بذلك وجمة ) لا يخلف الله الميعاد ( مقررة للوعد أي لا يخلف الله ما وعد به الفريقين من الخير والشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم ( الآية قال هم الكفار الذين خلقهم الله للنار زالت عنهم الدنيا وحرمت عليهم الجنة وأخرج ابن المنذر عنه فى قوله ) خسروا أنفسهم وأهليهم ( قال أهليهم من أهل الجنة كانوا أعدوا لهم لو عملوا بطاعة الله فغيبوهم وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال كان سعيد بن زيد وأبو ذر وسلمان يتبعون فى الجاهلية أحسن القول والكلام لا إله إلا الله قالوا بها فأنزل الله على نبيه ) يستمعون القول فيتبعون أحسنه ( الآية وأخرج ابن مردويه عن أبى سعيد قال لما نزل ) فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ( أرسل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مناديا فنادى من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة فاستقبل عمر الرسول فرده فقال يا رسول الله خشيت أن يتكل الناس فلا يعملون فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو يعلم الناس قدر رحمة ربى لاتكلوا ولو يعلمون قدر سخط ربى وعقابه لاستصغروا أعمالهم وهذا الحديث أصله فى الصحيح من حديث أبى هريرة
سورة الزمر ( 21 26 )
الزمر : ( 21 ) ألم تر أن . . . . .
لما ذكر سبحانه الآخرة ووصفها بوصف يوجب الرغبة فيها والشوق إليها أتبعه بذكر الدنيا ووصفها بوصف يوجب الرغبة عنها والنفرة منها فذكر تمثيلا لها فى سرعة زوالها وقرب اضمحلالها مع ما فى ذلك من ذكر نوع من أنواع قدرته الباهرة وصنعه البديع فقال ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ( أى من السحاب مطرا ) فسلكه ينابيع في الأرض (


"""""" صفحة رقم 458 """"""
أى فأدخله وأسكنه فيها والينابيع جمع ينبوع من نبع الماء ينبع والينبوع عين الماء والأمكنة التى ينبع منها الماء والمعنى أدخل الماء النازل من السماء فى الأرض وجعله فيها عيونا جارية أو جعله فى ينابيع أى فى أمكنة ينبع منها الماء فهو على الوجه الثانى منصوب بنزع الخافض قال مقاتل فجعله عيونا وركايا فى الأرض ) ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ( أى يخرج بذلك الماء من الأرض زرعا مختلفا ألوانه من أصفر وأخضر وأبيض وأحمر أو من بر وشعير وغيرهما إذا كان المراد بالألوان الأصناف ) ثم يهيج ( يقال هاج النبت يهيج هيجا إذا تم جفافه قال الجوهرى يقال هاج النبت هياجا إذا يبس وأرض يبس بقلها أو اصفر وأهاجت الريح النبت أيبسته قال المبرد قال الأصمعي يقال هاجت الأرض تهيج إذا أدبر نبتها وولي قال وكذلك هاج النبت ) فتراه مصفرا ( أى تراه بعد خضرته ونضارته وحسن رونقه مصفرا قد ذهبت خضرته ونضارته ) ثم يجعله حطاما ( أى متفتتا منكسرا من تحطم العود إذا تفتت من اليبس ) إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ( أى فيما تقدم ذكره تذكير الأهل العقول الصحيحة فإنهم الذين يتعقلون الأشياء على حقيقتها فيتفكرون ويعتبرون ويعلمون بأن الحياة الدنيا حالها كحال هذا الزرع فى سرعة التصرم وقرب التقضى وذهاب بهجتها وزوال رونقها ونضارتها فإذا أنتج لهم التفكر والاعتبار العلم بذلك لم يحصل منهم الاغترار بها والميل إليها وإيثارها على دار النعيم الدائم والحياة المستمرة واللذة الخالصة ولم يبق معهم شك فى أن الله قادر على البعث والحشر لأن من قدر على هذا قدر على ذلك وقيل هو مثل ضربه الله للقرآن ولصدور من فى الأرض والمعنى أنزل من السماء قرآنا فسلكه فى قلوب المؤمنين ثم يخرج به دينا بعضه أفضل من بعض فأما المؤمن فيزداد أيمانا ويقينا وأما الذى فى قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الزرع وهذا بالتغيير أشبه منه بالتفسير قرأ الجمهور ثم يجعله بالرفع عطفا على ما قبله وقرأ أبو بشر بالنصب بإضمار أن ولا وجه لذلك
الزمر : ( 22 ) أفمن شرح الله . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه أن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب ذكر شرح الصدر للإسلام لأن الانتفاع الكامل لا يحصل إلا به فقال ) أفمن شرح الله صدره للإسلام ( أى وسعه لقبول الحق وفتحه للاهتداء إلى سبيل الخير قال السدى وسع صدره للإسلام للفرح به والطمأنينة إليه والكلام فى الهمزة والفاء كما تقدم فى ) أفمن حق عليه كلمة العذاب ( ومن مبتدأ وخبرها محذوف تقديره كمن قسا قلبه وحرج صدره ودل على هذا الخبر المحذوف قوله ) فويل للقاسية قلوبهم ( والمعنى أفمن وسع الله صدره للإسلام فقبله واهتدى بهديه ) فهو ( بسبب ذلك الشرح ) على نور من ربه ( يفيض عليه كمن قسا قلبه لسوء اختياره فصار فى ظلمات الضلالة وبليات الجهالة قال قتادة النور كتاب الله به يؤخذ وإليه ينتهى قال الزجاج تقدير الآية أفمن شرح الله صدره كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته ) فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( قال الفراء والزجاج أى عن ذكر الله كما تقول أتخمت عن طعام أكلته ومن طعام أكلته والمعنى أنه غلظ قلبه وجفا عن قبول ذكر الله يقال قسا القلب إذا صلب وقلب قاس أي صلب لا يرق ولا يلين وقيل معنى من ذكر الله من أجل ذكره الذى حقه أن تنشرح له الصدور وتطمئن به القلوب والمعنى أنه إذا ذكر الله شمأزوا والأول أولى ويؤيده قراءة من قرأ عن ذكر الله والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى القاسية قلوبهم وهو مبتدأ وخبره ) في ضلال مبين ( أى ظاهر واضح
الزمر : ( 23 ) الله نزل أحسن . . . . .
ثم ذكر سبحانه بعض أوصاف كتابه العزيز فقال ) الله نزل أحسن الحديث ( يعنى القرآن وسماه حديثا لأن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) كان يحدث به قومه ويخبرهم بما ينزل عليه منه


"""""" صفحة رقم 459 """"""
وفيه بيان أن أحسن القول المذكور سابقا هو القرآن وانتصاب كتابا على البدل من أحسن الحديث ويحتمل أن يكون حالا منه متشابها صفة لكتابا أى يشبه بعضه بعضا فى الحسن والإحكام وصحة المعانى وقوة المبانى وبلوغه إلى أعلى درجات البلاغة وقال قتادة يشبه بعضه بعضا فى الآى والحروف وقيل يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه و مثانى صفة أخرى لكتابا أى تثنى فيه القصص وتتكرر فيه المواعظ والأحكام وقيل يثنى فى التلاوة فلا يمل سامعه ولا يسأم قارئه قرأ الجمهور مثانى بفتح الياء وقرأ هشام عن ابن عامر وبشر بسكونها تخفيفا واستثقالا لتحريكها أو على أنها خبر مبتدأ محذوف أى هو مثانى وقال الرازى فى تبيين مثانى أن أكثر الأشياء المذكورة فى القرآن متكررة زوجين زوجين مثل الأمر والنهى والعام والخاص والمجمل والمفصل وأحوال السموات والأرض والجنة والنار والنور والظلمة واللوح والقلم والملائكة والشياطين والعرش والكرسى والوعد والوعيد والرجاء والخوف والمقصود من ذلك البيان بأن كل ما سوى الحق زوج وأن الفرد الأحد الحق هو الله ولا يخفى ما فى كلامه هذا من التكلف والبعد عن مقصود التنزيل ) تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ( هذه الجملة يجوز أن تكون صفة لكتابا وأن تكون حالا منه لأنه وإن كان نكرة فقد تخصص بالصفة أو مستأنفة لبيان ما يحصل عند سماعه من التأثر لسامعيه والاقشعرار التقبض يقال اقشعر جلده إذا تقبض وتجمع من الخوف والمعنى أنها تأخذهم منه قشعريرة قال الزجاج إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله ) ثم تلين جلودهم وقلوبهم ( إذا ذكرت آيات الرحمة قال الواحدى وهذا قول جميع المفسرين ومن ذلك قول امرىء القيس فبت أكابد ليل التمام
والقلب من خشية مقشعر
وقيل المعنى أن القرآن لما كان فى غاية الجزالة والبلاغة فكانوا إذا رأوا عجزهم عن معارضته اقشعرت الجلود منه إعظاما له وتعجبا من حسنه وبلاغته ثم تلين جلودهم وقلوبهم ) إلى ذكر الله ( عدى تلين بإلى لتضمينه فعلا يتعدى بها كأنه قيل سكنت واطمأنت إلى ذكر الله لينة غير منقبضة ومفعول ذكر الله محذوف والتقدير إلى ذكر الله رحمته وثوابه وجنته وحذف للعلم به قال قتادة هذا نعت أولياء الله نعتهم بأنها تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما ذلك فى أهل البدع وهو من الشيطان والإشارة بقوله ذلك إلى الكتاب الموصوف بتلك الصفات وهو مبتدأ و ) هدى الله ( خبره أى ذلك الكتاب هدى الله ) يهدي به من يشاء ( أن يهديه من عباده وقيل إن الإشارة بقوله ذلك إلى ما وهبه الله لهؤلاء من خشية عذابه ورجاء ثوابه ) ومن يضلل الله ( أى يجعل قلبه قاسيا مظلما غير قابل للحق ) فما له من هاد ( يهديه إلى الحق ويخلصه من الضلال قرأ الجمهور من هاد بغير ياء وقرأ ابن كثير وابن محيصن بالياء
الزمر : ( 24 ) أفمن يتقي بوجهه . . . . .
ثم لما حكم على القاسية قلوبهم بحكم فى الدنيا وهو الضلال حكم عليهم فى الآخرة بحكم آخر وهو العذاب فقال ) أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ( والاستفهام للإنكار وقد تقدم الكلام فيه وفى هذه الفاء الداخلة على من فى قوله ) أفمن حق عليه كلمة العذاب ( ومن مبتدأ وخبرها محذوف لدلالة المقام عليه والمعنى أفمن شأنه أن يقى نفسه بوجهه الذى هو أشرف أعضائه سوء العذاب يوم القيامة لكون يده قد صارت مغلولة إلى عنقه كمن هو آمن لا يعتريه شىء من ذلك ولا يحتاج إلى الاتقاء قال الزجاج المعنى أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب كمن يدخل الجنة قال عطاء وابن زيد يرمى به مكتوفا فى النار فأول شىء تمس منه وجهه وقال مجاهد يجر على وجهه فى النار قال الأخفش المعنى أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب أفضل أم من سعد مثل قوله ) أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة (


"""""" صفحة رقم 460 """"""
ثم أخبر سبحانه عما تقوله الخزنة للكفار فقال ) وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون ( وهو معطوف على يتقى أى ويقال لهم وجاء بصيغة الماضى للدلالة على التحقيق قال عطاء أى جزاء ما كنتم تعملون ومثل هذه الآية قوله ) هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ( وقد تقدم الكلام على معنى الذوق فى غير موضع
الزمر : ( 25 ) كذب الذين من . . . . .
ثم أخبر سبحانه عن حال من قبلهم من الكفار فقال ) كذب الذين من قبلهم ( أى من قبل الكفار المعاصرين لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أنهم كذبوا رسلهم ) فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ( أى من جهة لا يحتسبون إتيان العذاب منها وذلك عند أمنهم وغفلتهم عن عقوبة الله لهم بتكذيبهم
الزمر : ( 26 ) فأذاقهم الله الخزي . . . . .
) فأذاقهم الله الخزي ( أى الذل والهوان ) في الحياة الدنيا ( بالمسخ والخسف والقتل والأسر وغير ذلك ) ولعذاب الآخرة أكبر ( كونه فى غاية الشدة مع دوامة ) لو كانوا يعلمون ( أى لو كانوا ممن يعلم الأشياء ويتفكر فيها ويعمل بمقتضى علمه قال المبرد يقال لكل ما نال الجارحة من شىء قد ذاقته أى وصل إليها كما تصل الحلاوة والمرارة إلى الذائق لهما قال والخزى المكروه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء ( الآية قال ما فى الأرض ماء إلا نزل من السماء ولكن عروق فى الأرض تغيره فذلك قوله ) فسلكه ينابيع في الأرض ( فمن سره أن يعود الملح عذبا فليصعده وأخرج ابن مردويه عنه فى قوله ) أفمن شرح الله صدره للإسلام ( قال أبو بكر الصديق وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال تلا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) أفمن شرح الله صدره ( قلنا يا نبى الله كيف انشراح صدره قال إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح قلنا فما علامة ذلك يا رسول الله فقال الإنابة إلى دار الخلود والتجافى عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت وأخرجه ابن مردويه عن محمد بن كعب القرظى مرفوعا مرسلا وأخرج الحكيم الترمذى فى نوادر الأصول عن ابن عمر أن رجلا قال يا نبى الله أى المؤمنين أكيس قال أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم له استعدادا وإذا دخل النور فى القلب انفسح واستوسع فقالوا ما آية ذلك يا نبى الله قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافى عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت وأخرجه عن أبى جعفر عبد الله بن المسور عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بنحوه وزاد فيه ثم قرأ ) أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ( وأخرج الترمذى وابن مردويه وابن شاهين فى الترغيب فى الذكر والبيهقى فى الشعب عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسى وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قالوا يا رسول الله لو حدثتنا فنزل ) الله نزل أحسن الحديث ( الآية وأخرج ابن مردويه عنه فى قوله مثانى قال القرآن كله مثانى وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا فى الآية قال القران يشبه بعضه بعضا ويرد بعضه إلى بعض وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا في الآية قال كتاب الله مثاني ثنى فيه الأمر مرارا وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال قلت لجدتى أسماء كيف كان يصنع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرءوا القرآن قال كانوا كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم قلت فإن ناسا ها هنا إذا سمعوا ذلك تأخذهم عليه غشية قالت أعوذ بالله من الشيطان وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب ( قال ينطلق به إلى النار مكتوفا ثم يرمى به فيها فأول ما تمس وجهه النار


"""""" صفحة رقم 461 """"""
سورة الزمر ( 27 35 )
الزمر : ( 27 ) ولقد ضربنا للناس . . . . .
قوله ) ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ( قد قدمنا تحقيق المثل وكيفية ضربه فى غير موضع ومعنى ) من كل مثل ( ما يحتاجون إليه وليس المراد ما هو أعم من ذلك فهو هنا كما فى قوله ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ( أي من شىء يحتاجون إليه فى أمر دينهم وقيل المعنى ما ذكرنا من إهلاك الأمم السالفة مثل لهؤلاء ) لعلهم يتذكرون ( يتعظمون فيعتبرون
الزمر : ( 28 ) قرآنا عربيا غير . . . . .
وانتصاب ) قرآنا عربيا ( على الحال من هذا وهى حال مؤكدة وتسمى هذه حالا موطئة لأن الحال فى الحقيقة هو عربيا وقرآنا توطئة له نحو جاءنى زيد رجلا صالحا كذا قال الأخفش ويجوز أن ينتصب على المدح قال الزجاج عربيا منتصب على الحال وقرآنا توكيد ومعنى ) غير ذي عوج ( لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه قال الضحاك أى غير مختلف قال النحاس أحسن ما قيل فى معناه قول الضحاك وقيل غير متضاد وقيل غير ذى لبس وقيل غير ذى لحن وقيل غير ذى شك كما قال الشاعر وقد أتاك يمين غير ذى عوج
من الإله وقول غير مكذوب
) لعلهم يتقون ( علة أخرى بعد العلة الأولى وهى ) لعلهم يتذكرون ( أى لكى يتقوا الكفر والكذب
الزمر : ( 29 ) ضرب الله مثلا . . . . .
ثم ذكر سبحانه مثلا من الأمثال القرآنية للتذكير والإيقاظ فقال ) ضرب الله مثلا ( أى تمثيل حالة عجيبة بأخرى مثلها ثم بين المثل فقال ) رجلا فيه شركاء متشاكسون ( قال الكسائى نصب رجلا لأنه تفسير للمثل وقيل هو منصوب بنزع الخافض أى ضرب الله مثلا برجل وقيل إن رجلا هو المفعول الأول ومثلا هو المفعول الثانى وأخر المفعول الأول ليتصل بما هو من تمامه وقد تقدم تحقيق هذا فى سورة يس وجملة ) فيه شركاء ( فى محل نصب صفة لرجل والتشاكس التخالف قال الفراء أى مختلفون وقال المبرد أى متعاسرون من شكس يشكس شكسا فهو شكس مثل عسر يعسر عسرا فهو عسر قال الجوهرى التشاكس الاختلاف قال ويقال رجل شكس بالتسكين أي صعب الخلق وهذا مثل من أشرك بالله وعبد آلهة كثيرة ثم قال ) ورجلا سلما لرجل ( أى خالصا له وهذا مثل من يعبد الله وحده قرأ الجمهور سلما بفتح السين واللام وقرأ سعيد


"""""" صفحة رقم 462 """"""
ابن جبير وعكرمة وأبو العالية بكسر السين وسكون اللام وقرأ ابن عباس ومجاهد والجحدرى وأبو عمرو وابن كثير ويعقوب سالما بالألف وكسر اللام اسم فاعل من سلم له فهو سالم واختار هذه القراءة أبو عبيد قال لأن السالم الخالص ضد المشترك والسلم ضد الحرب ولا موضع للحرب ها هنا وأجيب عنه بأن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمل إلا على أولاهما فالسلم وإن كان ضد الحرب فله معنى آخر بمعنى سالم من سلم له كذا إذا خلص له وأيضا يلزمه فى سالم ما ألزم به لأنه يقال شىء سالم أى لا عاهة به واختار أبو حاتم القراءة الأولى والحاصل أن قراءة الجمهور هى على الوصف بالمصدر للمبالغة أو على حذف مضاف أى ذا سلم ومثلها قراءة سعيد بن جبير ومن معه ثم جاء سبحانه بما يدل على التفاوت بين الرجلين فقال ) هل يستويان مثلا ( وهذا الاستفهام للإنكار والاستبعاد والمعنى هل يستوى هذا الذى يخدم جماعة شركاء أخلاقهم مختلفة ونياتهم متباينة يستخدمه كل واحد منهم فيتعب وينصب مع كون كل واحد منهم غير راض بخدمته وهذا الذى يخدم واحدا لا ينازعه غيره إذا أطاعه رضى عنه وإذا عصاه عفا عنه فإن بين هذين من الاختلاف الظاهر الواضح ما لا يقدر عاقل أن يتفوه باستوائهما لأن أحدهما فى أعلى المنازل والآخر فى أدناها وانتصاب مثلا على التمييز المحول عن الفاعل لأن الأصل هل يستوى مثلهما وأفرد التمييز ولم يثنه لأن الأصل فى التمييز الإفراد لكونه مبينا للجنس وجملة ) الحمد لله ( تقرير لما قبلها من نفى الاستواء وللإيذان للموحدين بما فى توحيدهم لله من النعمة العظيمة المستحقة لتخصيص الحمد به ثم أضرب سبحانه عن نفى الاستواء المفهوم من الاستفهام الإنكارى إلى بيان أن أكثر الناس لا يعلمون فقال ) بل أكثرهم لا يعلمون ( وهم المشركون فإنهم لا يعلمون ذلك مع ظهوره ووضوحه قال الواحدى والبغوى والمراد بالأكثر الكل والظاهر خلاف ما قالاه فإن المؤمنين بالله يعلمون ما فى التوحيد من رفعة شأنه وعلو مكانه وإن الشرك لا يمائله بوجه من الوجوه ولا يساويه فى وصف من الأوصاف ويعلمون أن الله سبحانه يستحق الحمد على هذه النعمة وأن الحمد مختص به
الزمر : ( 30 ) إنك ميت وإنهم . . . . .
ثم أخبر سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن الموت يدركه ويدركهم لا محالة فقال ) إنك ميت وإنهم ميتون ( قرأ الجمهور ميت و ميتون بالتشديد وقرأ ابن محيصن وابن أبى عبلة وعيسى بن عمر وابن أبى إسحاق واليمانى مائت و مائتون وبها قرأ عبد الله بن الزبير وقد استحسن هذه القراءة بعض المفسرين لكون موته وموتهم مستقبلا ولا وجه للاستحسان فإن قراءة الجمهور تفيد هذا المعنى قال الفراء والكسائى الميت بالتشديد من لم يمت وسيموت والميت بالتخفيف من قد مات وفارقته الروح قال قتادة نعيت إلى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) نفسه ونعيت إليهم أنفسهم ووجه هذا الإخبار الإعلام للصحابة بأنه يموت
الزمر : ( 31 ) ثم إنكم يوم . . . . .
فقد كان بعضهم يعتقد أنه لا يموت مع كونه توطئة وتمهيدا لما بعده حيث قال ) ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( أي تخاصمهم يا محمد وتحتج عليهم بأنك قد بلغتهم وأنذرتهم وهم يخاصمونك أو يخاصم المؤمن الكافر والظالم المظلوم
الزمر : ( 32 ) فمن أظلم ممن . . . . .
ثم بين سبحانه حال كل فريق من المختصمين فقال ) فمن أظلم ممن كذب على الله ( أى لا أحد أظلم ممن كذب على الله فزعم أن له ولدا أو شريكا أو صاحبة ) وكذب بالصدق إذ جاءه ( وهو ما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من دعاء الناس إلى التوحيد وأمرهم بالقيام بفرائض الشرع ونهيهم عن محرماته وإخبارهم بالبعث والنشور وما أعد الله للمطيع والعاصى ثم استفهم سبحانه استفهاما تقريريا فقال ) أليس في جهنم مثوى للكافرين ( أى أليس لهؤلاء المفترين المكذبين بالصدق والمثوى المقام وهو مشتق من ثوى بالمكان إذا أقام به يثوى ثواء وثويا مثل مضى مضاء ومضيا وحكى أبو عبيد أنه يقال أتوى وأنشد قول الأعشى


"""""" صفحة رقم 463 """"""
أتوى وأقصر ليله ليرودا
فمضت وأخلف من قبيلة موعدا
وأنكر ذلك الأصمعى وقال لا نعرف أثوى
الزمر : ( 33 ) والذي جاء بالصدق . . . . .
ثم ذكر سبحانه فريق المؤمنين المصدقين فقال ) والذي جاء بالصدق وصدق به ( الموصول فى موضع رفع بالابتداء وهو عبارة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن تابعه وخبره ) أولئك هم المتقون ( وقيل الذى جاء بالصدق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والذى صدق به أبو بكر وقال مجاهد الذى جاء بالصدق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والذى صدق به على بن أبى طالب وقال السدى الذى جاء بالصدق جبريل والذي صدق به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال قتادة ومقاتل وابن زيد الذى جاء بالصدق النبى ( صلى الله عليه وسلم ) والذى صدق به المؤمنون وقال النخعى الذى جاء بالصدق وصدق به هم المؤمنون الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة وقيل إن ذلك عام فى كل من دعا إلى توحيد الله وأرشد إلى ما شرعه لعباده واختار هذا ابن جرير وهو الذى اختاره من هذه الأقوال ويؤيده قراءة ابن مسعود والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به ولفظ الذى كما وقع فى قراءة الجمهور وإن كان مفردا فمعناه الجمع لأنه يراد به الجنس كما يفيده قوله ) أولئك هم المتقون ( أى المتصفون بالتقوى التى هى عنوان النجاة وقرأ أبو صالح وصدق به مخففا أي صدق به الناس
الزمر : ( 34 ) لهم ما يشاؤون . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما لهؤلاء الصادقين المصدقين فى الآخرة فقال ) لهم ما يشاؤون عند ربهم ( أى لهم كل ما يشاءونه من رفع الدرجات ودفع المضرات وتكفير السيئات وفى هذا ترغيب عظيم وتشويق بالغ والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم ذكره من جزائهم وهو مبتدأ وخبره قوله ) جزاء المحسنين ( أى الذين أحسنوا فى أعمالهم وقد ثبت فى الصحيح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
الزمر : ( 35 ) ليكفر الله عنهم . . . . .
ثم بين سبحانه ما هو الغاية مما لهم عند ربهم فقال ) ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ( فإن ذلك هو أعظم ما يرجونه من دفع الضرر عنهم لأن الله سبحانه إذا غفر لهم ما هو الأسوأ من أعمالهم غفر لهم ما دونه بطريقة الأولى واللام متعلقة بيشاءون أو بالمحسنين أو بمحذوف قرأ الجمهور اسوأ على أنه أفعل تفضيل وقيل ليست للتفضيل بل بمعنى سىء الذى عملوا وقرأ ابن كثير فى رواية عنه أسوأ بألف بين الهمزة والواو بزنة أجمال جمع سوء ) ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ( لما ذكر سبحانه ما يدل على دفع المضار عنهم ذكر ما يدل على جلب أعظم المنافع إليهم وإضافة الأحسن إلى ما بعده ليست من إضافة المفضل إلى المفضل عليه بل من إضافة الشىء إلى بعضه قصدا إلى التوضيح من غير اعتبار تفضيل قال مقاتل يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الآجرى والبيهقى عن ابن عباس فى قوله ) غير ذي عوج ( قال غير مخلوق وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) ضرب الله مثلا رجلا ( الآية قال الرجل يعبد آلهة شتى فهذا مثل ضربه الله لأهل الأوثان ) ورجلا سلما ( يعبد إلها واحدا ضرب لنفسه مثلا وأخرجا عنه أيضا فى قوله ورجلا سالما قال ليس لأحد فيه شىء وأخرج عبد بن حميد والنسائى وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه عن ابن عمر قال لقد لبثنا برهة من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفى أهل الكتابين من قبلنا ) إنك ميت وإنهم ميتون ( الآية حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعض بالسيف فعرفت أنها نزلت فينا وأخرج نعيم بن حماد فى الفتن والحاكم وصححه وابن مردويه عنه نحوه بأطول منه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عنه أيضا قال نزلت علينا الآية ) ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( وما ندرى ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة فقلنا هذا الذى وعدنا ربنا أن نختصم فيه وأخرج عبد الرزاق وأحمد وابن منيع وعبد بن حميد والترمذى وصححه وابن


"""""" صفحة رقم 464 """"""
أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية والبيهقى في البعث والنشور عن الزبير بن العوام قال لما نزلت ) إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( قلت يا رسول الله أيكرر علينا ما يكون بيننا فى الدنيا مع خواص الذنوب قال نعم ليكررن عليكم ذلك حتى يؤدى إلى كل ذى حق حقه قال الزبير فوالله إن الأمر لشديد وأخرج سعيد بن منصور عن أبى سعيد الخدرى قال لما نزلت ) ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( كنا نقول ربنا واحدا وديننا واحد ونبينا واحد فما هذه الخصومة فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا نعم هو هذا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) والذي جاء بالصدق ( يعنى بلا إله إلا لله ) وصدق به ( يعنى برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) أولئك هم المتقون ( يعنى اتقوا الشرك وأخرج ابن جرير والبارودى فى معرفة الصحابة وابن عساكر من طريق أسيد بن صفوان وله صحبة عن على بن أبى طالب قال الذى جاء بالصدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وصدق به أبو بكر وأخرج ابن مردويه عن أبى هريرة مثله
سورة الزمر ( 36 42 )
الزمر : ( 36 ) أليس الله بكاف . . . . .
قوله ) أليس الله بكاف عبده ( قرأ الجمهور ) عبده ( بالإفراد وقرأ حمزة والكسائى ) عباده ( بالجمع فعلى القراءة الأولى المراد النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أو الجنس ويدخل فيه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دخولا أوليا وعلى القراءة الأخرى المراد الأنبياء أو المؤمنون أو الجميع واختار أبو عبيد قراءة الجمهور لقوله عقبه ) ويخوفونك ( والاستفهام للإنكار لعدم كفايته سبحانه على أبلغ وجه كأنها بمكان من الظهور لا يتيسر لأحد أن ينكره وقيل المراد بالعبد والعباد ما يعم المسلم والكافر قال الجرجانى إن الله كاف عبده المؤمن وعبده الكافر


"""""" صفحة رقم 465 """"""
هذا بالثواب وهذا بالعقاب وقرىء ? بكافى عباده ? بالإضافة وقريء ? يكافى ? بصيغة المضارع وقوله ) ويخوفونك بالذين من دونه ( يجوز أن يكون فى محل نصب على الحال إذ المعنى أليس كافيك حال تخويفهم إياك ويجوز أن تكون مستأنفة والذين من دونه عبارة عن المعبودات التى يعبدونها ) ومن يضلل الله فما له من هاد ( أى من حق عليه القضاء بضلاله فماله من هاد يهده إلى الرشد ويخرجه من الضلالة
الزمر : ( 37 ) ومن يهد الله . . . . .
) ومن يهد الله فما له من مضل ( يخرجه من الهداية ويوقعه فى الضلالة ) أليس الله بعزيز ( أى غالب لكل شىء قاهر له ) ذي انتقام ( ينتقم من عصاته بما يصبه عليهم من عذابه وما ينزله بهم من سوط عقابه
الزمر : ( 38 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( ذكر سبحانه اعترافهم إذا سئلوا عن الخالق بأن الله سبحانه مع عبادتهم للأوثان واتخاذهم الآلهة من دون الله وفى هذا أعظم دليل على أنهم كانوا فى غفلة شديدة وجهالة عظيمة لأنهم إذا علموا أن الخالق لهم ولما يعبدون من دون الله هو الله سبحانه فكيف استحسنت عقولهم عبادة غير خالق الكل وتشريك مخلوق مع خالقه فى العبادة وقد كانوا يذكرون بحسن العقول وكمال الإدراك والفطنة التامة ولكنهم لما قلدوا أسلافهم وأحسنوا الظن بهم هجروا ما يقتضيه العقل وعملوا بما هو محض الجهل ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يبكتهم بعد هذا الاعتراف ويوبخهم فقال ) قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ( أى أخبرونى عن آلهتكم هذه هل تقدر على كشف ما أراده الله بى من الضر والضر هو الشدة أو أعلى ) أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ( عنى بحيث لا تصل إلى والرحمة النعمة والرخاء قرأ الجمهور ممسكات وكاشفات فى الموضعين بالإضافة وقرأهما أبو عمرو بالتنوين قال مقاتل لما نزلت هذه الآية سألهم النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فسكتوا وقال غيره قالوا لا تدفع شيئا من قدر الله ولكنها تشفع فنزل ) قل حسبي الله ( فى جميع أمورى فى جلب النفع ودفع الضر ) عليه يتوكل المتوكلون ( أي عليه لا على غيره يعتمد المعتمدون واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة أبى عمرو لأن كاشفات اسم فاعل فى معنى الاستقبال وما كان كذلك فتنوينه أجود وبها قرأ الحسن وعاصم
الزمر : ( 39 ) قل يا قوم . . . . .
ثم أمره سبحانه أن يهددهم ويتوعدهم فقال ) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم ( أى على حالتكم التى أنتم عليها وتمكنتم منها ) إني عامل ( أي على حالتى التى أنا عليها وتمكنت منها وحذف ذلك للعلم به مما قبله ) فسوف تعلمون )
الزمر : ( 40 ) من يأتيه عذاب . . . . .
(من يأتيه عذاب يخزيه ( أى يهينه ويذله فى الدنيا فيظهر عند ذلك أنه المبطل وخصمه المحق والمراد بهذا العذاب عذاب الدنيا وما حل بهم من القتل والأسر والقهر والذلة ثم ذكر عذاب الآخرة فقال ) ويحل عليه عذاب مقيم ( أى دائم مستمر فى الدار الآخرة وهو عذاب النار
الزمر : ( 41 ) إنا أنزلنا عليك . . . . .
ثم لما كان يعظم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إصرارهم على الكفر أخبره بأنه لم يكلف إلا بالبيان لا بأن يهدى من ضل فقال ) إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس ( أى لأجلهم ولبيان ما كلفوا به و ) بالحق ( حال من الفاعل أو المفعول أى محقين أو ملتبسا بالحق ) فمن اهتدى ( طريق الحق وسلكها ) فلنفسه ومن ضل ( عنها ) فإنما يضل عليها ( أى على نفسه فضرر ذلك عليه لا يتعدى إلى غيره ) وما أنت عليهم بوكيل ( أى بمكلف بهدايتهم مخاطب بها بل ليس عليك إلا البلاغ وقد فعلت وهذه الآيات هى منسوخة بآية السيف فقد أمر الله رسوله بعد هذا أن يقاتلهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ويعملوا بأحكام الإسلام
الزمر : ( 42 ) الله يتوفى الأنفس . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا من أنواع قدرته البالغة وصنعته العجيبة فقال ) الله يتوفى الأنفس حين موتها ( أى يقبضها عند حضور أجلها ويخرجها من الأبدان ) والتي لم تمت في منامها ( أى ويتوفى الأنفس التى لم تمت أى لم يحضر أجلها فى منامها
وقد اختلف فى هذا فقيل يقبضها عن التصرف مع بقاء الروح فى الجسد وقال الفراء المعنى ويقبض التى


"""""" صفحة رقم 466 """"""
لم تمت عند انقضاء أجلها قال وقد يكون توفيها نومها فيكون التقدير على هذا والتى لم تمت وفاتها نومها قال الزجاج لكل إنسان نفسان أحدهما نفس التمييز وهى التى تفارقه إذا نام فلا يعقل والأخرى نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس قال القشيرى فى هذا بعد إذ المفهوم من الآية أن النفس المقبوضة فى الحالين شيء واحد ولهذا قال ) فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى ( أى النائمة ) إلى أجل مسمى ( وهو الوقت المضروب لموته وقد قال بمثل قول الزجاج ابن الأنبارى وقال سعيد بن جبير إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف ) فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى ( فيعيدها والأولى أن يقال إن توفى الأنفس حال النوم بإزالة الإحساس وحصول الآفة به فى محل الحس فيمسك التى قضى عليها الموت ولا يردها إلى الجسد الذى كانت فيه ويرسل الأخرى بأن يعيد عليها إحساسها قيل ومعنى ) يتوفى الأنفس حين موتها ( هو على حذف مضاف أى عند موت أجسادها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اختلف العقلاء فى النفس والروح هل هما شىء واحد أو شيئان والكلام فى ذلك يطول جدا وهو معروف فى الكتب الموضوعة لهذا الشأن قرأ الجمهور قضى مبنيا للفاعل أى قضى الله عليها الموت وقرأ حمزة والكسائى والأعمش ويحيى بن وثاب على البناء للمفعول واختار أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الأولى لموافقتها لقوله ) الله يتوفى الأنفس ( والإشارة بقوله ) إن في ذلك ( إلى ما تقدم من التوفى والإمساك والإرسال للنفوس ) لآيات ( أى لآيات عجيبة بديعة دالة على القدرة الباهرة ولكن ليس كون ذلك آيات يفهمه كل أحد بل ) لقوم يتفكرون ( فى ذلك ويتدبرونه ويستدلون به على توحيد الله وكمال قدرته فإن فى هذا التوفى والإمساك والإرسال موعظة للمتعظين وتذكرة للمتذكرين
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) الله يتوفى الأنفس حين موتها ( الاية قال نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فيتوفى الله النفس فى منامه ويدع الروح فى جوفه تتقلب وتعيش فإن بدا له أن يقبضه قبض الروح فمات وإن أخر أجله رد النفس إلى مكانها من جوفه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبرانى فى الأوسط وأبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه والضياء فى المختارة عنه فى الآية قال تلتقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات فى المنام فيتساءلون بينهم ما شاء الله ثم يمسك الله أرواح الأموات ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها ) إلى أجل مسمى ( لا يغلط بشىء منها فذلك قوله ) إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا فى الآية قال كل نفس لها سبب تجرى فيه فإذا قضى عليها الموت نامت حتى ينقطع السبب والتى لم تمت فى منامها تترك وأخرج البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزراره فإنه لا يدرى ما خلفه عليه ثم ليقل باسمك ربى وضعت جنبى وباسمك أرفعه إن أمسكت نفسى فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين
سورة الزمر ( 43 48 )


"""""" صفحة رقم 467 """"""
الزمر : ( 43 ) أم اتخذوا من . . . . .
قوله ) أم اتخذوا من دون الله شفعاء ( أم هى المنقطعة المقدرة ببل والهمزة أى بل اتخذوا من دون الله آلهة شفعاء لهم عند الله ) قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ( الهمزة للإنكار والتوبيخ والواو للعطف على محذوف مقدر أي أيشفعون ولو كانوا الخ وجواب لو محذوف تقديره تتخذونهم أى وإن كانوا بهذه الصفة تتخذونهم ومعنى لا يملكون شيئا أنهم غير مالكين لشىء من الأشياء وتدخل الشفاعة فى ذلك دخولا أوليا ولا يعقلون شيئا من الأشياء لأنها جمادات لا عقل لها وجمعهم بالواو والنون لاعتقاد الكفار فيهم أنهم يعقلون
الزمر : ( 44 ) قل لله الشفاعة . . . . .
ثم أمره سبحانه بأن يخبرهم أن الشفاعة لله وحده فقال ) قل لله الشفاعة جميعا ( فليس لأحد منها شىء إلا أن يكون بإذنه لمن ارتضى كما فى قوله ) من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( وقوله ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( وانتصاب جميعا عى الحال وإنما أكد الشفاعة بما يؤكد به الاثنان فصاعدا لأنها مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة ثم وصفه بسعة الملك فقال ) له ملك السماوات والأرض ( أى يملكهما ويملك ما فيهما ويتصرف فى ذلك كيف يشاء ويفعل ما يريد ) ثم إليه ترجعون ( لا إلى غيره وذلك بعد البعث
الزمر : ( 45 ) وإذا ذكر الله . . . . .
) وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ( انتصاب وحده على الحال عند يونس وعلى المصدر عند الخليل وسيبويه والاشمئزاز فى اللغة النفور قال أبو عبيدة اشمأزت نفرت وقال المبرد انقبضت وبالأول قال قتادة وبالثانى قال مجاهد والمعنى متقارب وقال المؤرج أنكرت وقال أبو زيد اشمأز الرجل ذعر من الفزع والمناسب للمقام تفسير اشمأزت بانقبضت وهو فى الأصل الازورار وكان المشركون إذا قيل لهم لا إله إلا الله انقبضوا كما حكاه الله عنهم فى قوله ) وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ( ثم ذكر سبحانه استبشارهم بذكر أصنامهم فقال ) وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ( أى يفرحون بذلك ويبتهجون به والعامل فى إذا فى قوله ) وإذا ذكر الله ( الفعل الذى بعدها وهو اشمأزت والعامل فى إذا فى قوله ) وإذا ذكر الذين من دونه ( الفعل العامل فى إذا الفجائية والتقدير فاجئوا الاستبشار وقت ذكر الذين من دونه
الزمر : ( 46 ) قل اللهم فاطر . . . . .
ولما لم يقبل المتمردون من الكفار ما جاءهم به ( صلى الله عليه وسلم ) من الدعاء إلى الخير وصمموا على كفرهم أمره الله سبحانه أن يرد الأمر إليه فقال ) قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ( وقد تقدم تفسير فاطر السموات وتفسير عالم الغيب والشهادة وهما منصوبان على النداء ومعنى ) تحكم بين عبادك ( تجازي المحسن بإحسانه وتعاقب المسىء بإساءته فإنه بذلك يظهر من هو المحق ومن هو المبطل ويرتفع عند خلاف المختلفين وتخاصم المتخاصمين
الزمر : ( 47 ) ولو أن للذين . . . . .
ثم لما حكى عن الكفار ما حكاه من الاشمئزاز عند ذكر الله والاستبشار عند ذكر الأصنام ذكر ما يدل على شدة عذابهم وعظيم عقوبتهم فقال ) ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ( أى جميع ما فى الدنيا من الأموال والذخائر ) ومثله معه ( أى منضما إليه ) لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة (


"""""" صفحة رقم 468 """"""
أى من سوء عذاب ذلك اليوم وقد مضى تفسير هذا فى آل عمران
الزمر : ( 48 ) وبدا لهم سيئات . . . . .
) وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ( أى ظهر لهم من عقوبات اله وسخطه وشدة عذابه ما لم يكن فى حسابهم وفى هذا وعيد عظيم وتهديد بالغ وقال مجاهد عملوا أعمالا توهموا أنها حسنات فإذا هى سيئات وكذا قال السدى وقال سفيان الثورى ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء هذه آيتهم وقصتهم وقال عكرمة بن عمار جزع محمد بن المنكدر عند موته جزعا شديدا فقيل له ما هذا الجزع قال أخاف آية من كتاب الله ) وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ( فأنا أخشى أن يبدو لى ما لم أكن أحتسب ) وبدا لهم سيئات ما كسبوا ( أى مساوى أعمالهم من الشرك وظلم أولياء الله و ما يحتمل أن تكون مصدرية أى سيئات كسبهم وأن تكون موصولة أى سيئات الذى كسبوه ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( أى أحاط بهم ونزل بهم ما كانوا يستهزئون به من الإنذار الذى كان ينذرهم به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وإذا ذكر الله وحده اشمأزت ( الآية قال قست ونفرت قلوب هؤلاء الأربعة ) الذين لا يؤمنون بالآخرة ( أبو جهل بن هشام والوليد بن عقبة وصفوان وأبى بن خلف ) وإذا ذكر الذين من دونه ( اللات والعزى ) إذا هم يستبشرون ( وأخرج مسلم وأبو داود والبيهقى فى الأسماء والصفات عن عائشة قالت كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قام من الليل افتتح صلاته اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنى لما أختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم
سورة الزمر ( 49 61 )


"""""" صفحة رقم 469 """"""
الزمر : ( 49 ) فإذا مس الإنسان . . . . .
قوله ) فإذا مس الإنسان ( المراد بالإنسان هنا الجنس باعتبار بعض أفراده أو غالبها وقيل المراد به الكفار فقط والأول أولى ولا يمنع من حمله على الجنس خصوص سببه لأن الاعتبار بعموم اللفظ وفاء بحق النظم القرآنى ووفاء بمدلوله والمعنى أن شأن غالب نوع الإنسان أنه إذا مسه ضر من مرض أو فقر أو غيرهما دعا الله وتضرع إليه فى رفعه ودفعه ) ثم إذا خولناه نعمة منا ( أى أعطيناه نعمة كائنة من عندنا ) قال إنما أوتيته على علم ( منى بوجوه المكاسب أو على خير عندى أو على علم من الله بفضلي وقال الحسن على علم علمنى الله إياه وقيل قد علمت أنى إذا أوتيت هذا فى الدنيا أن لى عند الله منزلة وجاء بالضمير فى أوتيته مذكرا مع كونه راجعا إلى النعمة لأنها بمعنى الإنعام وقيل إن الضمير عائد إلى ما وهى موصولة والأول أولى ) بل هي فتنة ( هذا رد لما قاله أى ليس ذلك الذى أعطيناك لما ذكرت بل هو محنة لك واختبار لحالك أتشكر أم تكفر قال الفراء أنت الضمير فى قوله هى لتأنيث الفتنة ولو قال بل هو فتنة لجاز وقال النحاس بل عطيته فتنة وقيل تأنيث الضمير باعتبار لفظ الفتنة وتذكير الأول فى قوله أوتيته باعتبار معناها ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن ذلك استدراج لهم من الله وامتحان لما عندهم من الشكر أو الكفر
الزمر : ( 50 ) قد قالها الذين . . . . .
) قد قالها الذين من قبلهم ( أى قال هذه الكلمة التى قالوها وهى قولهم إنما أوتيته على علم الذين من قبلهم كقارون وغيره فإن قارون قال إنما أوتيته على علم عندى ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( يجوز أن تكون ما هذه نافية أى لم يغن عنهم ما كسبوا من متاع الدنيا شيئا وأن تكون استفهامية أى أى شىء أغنى عنهم ذلك
الزمر : ( 51 ) فأصابهم سيئات ما . . . . .
) فأصابهم سيئات ما كسبوا ( أى جزاء سيئات كسبهم أو أصابهم سيئات هى جزاء كسبهم وسمى الجزاء سيئات لوقوعها فى مقابلة سيئاتهم فيكون ذلك من باب المشاكلة كقوله ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( ثم أوعد سبحانه الكفار فى عصره فقال ) والذين ظلموا من هؤلاء ( الموجودين من الكفار ) سيصيبهم سيئات ما كسبوا ( كما أصاب من قبلهم وقد أصابهم فى الدنيا ما أصابهم من القحط والقتل والأسر والقهر ) وما هم بمعجزين ( أى بفائتين على الله بل مرجعهم رليه يصنع بهم ما شاء من العقوبة
الزمر : ( 52 ) أولم يعلموا أن . . . . .
) أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ( أى يوسع الرزق لمن يشاء أن يوسعه له ويقدر أى يقبضه لمن يشاء أن يقبضه ويضيقه عليه قال مقاتل وعظهم الله ليعتبروا فى توحيده وذلك حين مطروا بعد سبع سنين فقال أولم يعلموا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء ويقتر على من يشاء ) إن في ذلك لآيات ( أى فى ذلك المذكور لدلالات عظيمة وعلامات جليلة ) لقوم يؤمنون ( وخص المؤمنين لأنهم المنتفعون بالآيات المتفكرون فيها
الزمر : ( 53 ) قل يا عبادي . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه ما ذكره من الوعيد عقبه بذكر سعة رحمته وعظيم مغفرته وأمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يبشرهم بذلك فقال ) قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ( المراد بالإسراف الإفراط فى المعاصى والاستكثار منها ومعنى لا تقنطوا لا تيأسوا من رحمة الله من مغفرته ثم لما نهاهم عن القنوط أخبرهم بما يدفع ذلك ويرفعه ويجعل الرجاء مكان القنوط فقال ) إن الله يغفر الذنوب جميعا (


"""""" صفحة رقم 470 """"""
واعلم أن هذه الآية أرجا آية فى كتاب الله سبحانه لاشتمالها على أعظم بشارة فإنه أولا أضاف العباد إلى نفسه لقصد تشريفهم ومزيد تبشيرهم ثم وصفهم بالإسراف فى المعاصى والاستكثار من الذنوب ثم عقب ذلك بالنهى عن القنوط من الرحمة لهؤلاء المستكثرين من الذنوب فالنهى عن القنوط للمذنبين غير المسرفين من باب الأولى وبفحوى الخطاب ثم جاء بما لا يبقى بعده شك ولا يتخالج القلب عند سماعه ظن فقال ) إن الله يغفر الذنوب ( فالألف واللام قد صيرت الجمع الذى دخلت عليه للجنس الذى يستلزم استغراق أفراده فهو فى قوة إن الله يغفر كل ذنب كائنا ما كان إلا ما أخرجه النص القرآنى وهو الشرك ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( ثم لم يكتف بما أخبر عباده به من مغفرة كل ذنب بل أكد ذلك بقوله ) جميعا ( فيالها من بشارة ترتاح لها قلوب المؤمنين المحسنين ظنهم بربهم الصادقين فى رجائه الخالعين لثياب القنوط الرافضين لسوء الظن بمن لا يتعاظمه ذنب ولا يبخل بمغفرته ورحمته على عباده المتوجهين إليه فى طلب العفو الملتجئين به فى مغفرة ذنوبهم وما أحسن ما علل سبحانه به هذا الكلام قائلا ) إنه هو الغفور الرحيم ( أى كثير المغفرة والرحمة عظيمهما بليغهما واسعهما فمن أبى هذا التفضل العظيم والعطاء الجسيم وظن أن تقنيط عباد الله وتأييسهم من رحمته أولى بهم مما بشرهم الله به فقد ركب أعظم الشطط وغلط أقبح الغلط فإن التبشير وعدم التقنيط الذى جاءت به مواعيد الله فى كتابه العزيز والمسلك الذى سلكه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) كما صح عنه فى قوله يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا
وإذا تقرر لك هذا فاعلم أن الجمع بين هذه الآية وبين قوله ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( هو أن كل ذنب كائنا ما كان ما عدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له على أنه يمكن أن يقال إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعا يدل على أنه يشاء غفرانها جميعا وذلك يستلزم أنه يشاء المغفرة لكل المذنبين من المسلمين فلم يبق بين الآيتين تعارض من هذه الحيثية وأما ما يزعمه جماعة من المفسرين من تقييد هذه الآية بالتوبة وأنها لا تغفر إلا ذنوب التائبين وزعموا أنهم قالوا ذلك للجمع بين الآيات فهو جمع بين الضب والنون وبين الملاح والحادى وعلى نفسها براقش تجنى ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة لم يكن لها كثير موقع فإن التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين وقد قال ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( فلو كانت التوبة قيدا فى المغفرة لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة وقد قال سبحانه ) وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ( قال الواحدى المفسرون كلهم قالوا إن هذه الآية فى قوم خافوا إن أسلموا أن لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك وقتل النفس ومعاداة النبى ( صلى الله عليه وسلم )
قلت هب أنها فى هؤلاء القوم فكان ماذا فإن الاعتبار بما اشتملت عليه من العموم لا بخصوص السبب كما هو متفق عليه بين أهل العلم ولو كانت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مقيدة بأسبابها غير متجاوزة لها لارتفعت أكثر التكاليف عن الأمة إن لم ترتفع كلها واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله
وفى السنة المطهرة من الأحاديث الثابتة فى الصحيحين وغيرهما فى هذا الباب ما إن عرفه المطلع عليه حق معرفته وقدره حق قدره علم صحة ما ذكرناه وعرف حقية ما حررناه قرأ الجمهور يا عبادى بإثبات الياء وصلا ووقفا وروى أبو بكر عن عاصم أنه يقف بغير ياء وقرأ الجمهور ) تقنطوا ( بفتح النون وقرأ أبو عمرو والكسائى بكسرها
الزمر : ( 54 ) وأنيبوا إلى ربكم . . . . .
) وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ( أى راجعوا إليه بالطاعة لما بشرهم سبحانه بأنه يغفر الذنوب جميعا أمرهم بالرجوع إليه بفعل الطاعات واجتناب المعاصى وليس فى هذا


"""""" صفحة رقم 471 """"""
ما يدل على تقييد الآية الأولى بالتوبة لا بمطابقة ولا تضمن ولا التزام بل غاية ما فيها أنه بشرهم بتلك البشارة العظمى ثم دعاهم إلى الخير وخوفهم من الشر على أنه يمكن أن يقال إن هذه الجملة مستأنفة خطابا للكفار الذين لم يسلموا بدليل قوله ) وأسلموا له ( جاء بها لتحذير الكفار وإنذارهم بعد ترغيب المسلمين بالآية الأولى وتبشيرهم وهذا وإن كان بعيدا ولكنه يمكن أن يقال به والمعنى على ما هو الظاهر أن الله جمع لعباده بين التبشير العظيم والأمر بالإنابة إليه والإخلاص له والاستسلام لأمره والخضوع لحكمه وقوله ) من قبل أن يأتيكم العذاب ( أى عذاب الدنيا كما يفيده قوله ) من قبل أن يأتيكم ( فليس فى ذلك ما يدل على ما زعمه الزاعمون وتمسك به القانطون المقنطون والحمد لله لله رب العالمين
الزمر : ( 55 ) واتبعوا أحسن ما . . . . .
) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( يعنى القرآن يقول أحلوا حلاله وحرموا حرامه والقرآن كله حسن قال الحسن التزموا طاعته واجتنبوا معاصيه وقال السدى الأحسن ما أمر الله به فى كتابه وقال ابن زيد يعنى المحكمات وكلوا علم المتشابه إلى عالمه وقيل الناسخ دون المنسوخ وقيل العفو دون الانتقام بما يحق فيه الانتقام وقيل أحسن ما أنزل إليكم من أخبار الأمم الماضية ) من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ( أى من قبل أن يفاجئكم العذاب وأنتم غافلون عنه لا تشعرون به وقيل أراد أنهم يموتون بغتة فيقعون فى العذاب والأول أولى لأن الذى يأتيهم بغتة هو العذاب فى الدنيا بالقتل والأسر والقهر والخوف والجدب لا عذاب الآخرة ولا الموت لأنه لم يسند الإتيان إليه
الزمر : ( 56 ) أن تقول نفس . . . . .
) أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ( قال البصريون أى حذرا أن تقول وقال الكوفيون لئلا تقول قال المبرد بادروا خوف أن تقول أو حذرا من أن تقول نفس وقال الزجاج خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله قيل والمراد بالنفس هنا النفس الكافرة وقيل المراد به التكثير كما فى قوله ) علمت نفس ما أحضرت ( قرأ الجمهور يا حسرتا بالألف بدلا من الياء المضاف إليها والأصل يا حسرتى وقرأ ابن كثير يا حسرتاه بهاء السكت وقفا وقرأ أبو جعفر يا حسرتى بالياء على الأصل والحسرة الندامة ومعنى ) على ما فرطت في جنب الله ( على ما فرطت فى طاعة الله قال الحسن وقال الضحاك على ما فرطت فى ذكر الله ويعنى به القرآن والعمل به وقال أبو عبيدة ) في جنب الله ( أى فى ثواب الله وقال الفراء الجنب القرب والجوار أى فى قرب الله وجواره ومنه قوله ) والصاحب بالجنب ( والمعنى على هذا القول عى ما فرطت فى طلب جنب الله أى فى طلب جواره وقربه وهو الجنة وبه قال ابن الأعرابى وقال الزجاج أى فرطت فى الطريق الذى هو طريق الله من توحيده والإقرار بنبوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى هذا فالجنب بمعنى الجانب أي قصرت فى الجانب الذى يؤدى إلى رضا الله ومنه قول الشاعر للناس جنب والأمير جنب
أى الناس من جانب والأمير من جانب ) وإن كنت لمن الساخرين ( أى وما كنت إلا من المستهزئين بدين الله فى الدنيا ومحل الجملة النصب على الحال قال قتادة لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر من أهلها
الزمر : ( 57 ) أو تقول لو . . . . .
) أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين ( أى لو أن الله أرشدنى إلى دينه لكنت ممن يتقى الشرك والمعاصى وهذا من جملة ما يحتج به المشركون من الحجج الزائفة ويتعللون به من العلل الباطلة كما فى قوله ) سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ( فهى كلمة حق يريدون بها باطلا
الزمر : ( 58 ) أو تقول حين . . . . .
ثم ذكر سبحانه مقالة أخرى مما قالوا فقال ) أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة ( أى رجعة إلى الدنيا ) فأكون من المحسنين ( المؤمنين بالله الموحدين له المحسنين فى أعمالهم وانتصاب أكون إما لكونه معطوفا على كرة فإنها مصدر وأكون فى تأويل المصدر كما فى قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 472 """"""
للبس عباءة وتقر عينى
أحب إلى من لبس الشفوف
وأنشد الفراء على هذا فما لك منها غير ذكرى وخشية
وتسأل عن ركبانها أين يمموا
الزمر : ( 59 ) بلى قد جاءتك . . . . .
وإما لكونه جواب التمنى المفهوم من قوله ) لو أن لي كرة ( ثم ذكر سبحانه جوابه على هذه النفس المتمنية المتعللة بغير علة فقال ) بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( المراد بالآيات هى الآيات التنزيلية وهو القرآن ومعنى التكذيب بها قوله إنها ليس من عند الله وتكبر عن الإيمان بها وكان مع ذلك التكذيب والاستكبار من الكافرين بالله وجاء سبحانه بخطاب المذكر فى قوله جاءتك وكذبت واستكبرت وكنت لأن النفس تطلق على المذكر والمؤنث قال المبرد تقول العرب نفس واحد أي إنسان واحد وبفتح التاء فى هذه المواضع قرأ الجمهور وقرأ الجحدرى وأبو حيوة ويحيى بن يعمر بكسرها فى جميعها وهى قراءة أبى بكر وابنته عائشة وأم سلمة ورويت عن ابن كثير
الزمر : ( 60 ) ويوم القيامة ترى . . . . .
) ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ( أى ترى الذين كذبوا على الله بأن له شركاء وصاحبة وولدا وجوههم مسودة لما أحاط بهم من العذاب وشاهدوه من غضب الله ونقمته وجملة ) وجوههم مسودة ( فى محل نصب على الحال قال الأخفش ترى غير عامل فى وجوههم مسودة إنما هو مبتدأ وخبر والأولى أن ترى إن كانت من الرؤية البصرية فجملة وجوههم مسودة حالية وإن كانت قلبية فهى فى محل نصب على أنها المفعول الثانى لترى والاستفهام فى قوله ) أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ( للتقرير أي أليس فيها مقام للمتكبرين عن طاعة الله والكبر هو بطر الحق وغمط الناس كما ثبت فى الحديث الصحيح
الزمر : ( 61 ) وينجي الله الذين . . . . .
) وينجي الله الذين اتقوا ( أى اتقوا الشرك ومعاصى الله والباء فى ) بمفازتهم ( متعلقة بمحذوف هو حال من الموصول أى ملتبسين بمفازتهم قرأ الجمهور بمفازتهم بالإفراد على أنها مصدر ميمى والفوز الظفر بالخير والنجاة من الشر قال المبرد المفازة مفعلة من الفوز وهو السعادة وإن جمع فحسن كقولك السعادة والسعادات والمعنى ينجيهم الله بفوزهم أي بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة وقرأ حمزة والكسائى وأبو بكر بمفازاتهم جمع مفازة وجمعها مع كونها مصدرا لاختلاف الأنواع وجملة ) لا يمسهم السوء ( فى محل نصب على الحال من الموصول وكذلك جملة ) ولا هم يحزنون ( فى محل نصب على الحال أى ينفى السوء والحزن عنهم ويجوز أن تكون الباء فى بمفازتهم للسببية أى بسبب فوزهم مع انتفاء مساس السوء لهم وعدم وصول الحزن إلى قلوبهم لأنهم رضوا بثواب الله وأمنوا من عقابه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم قال السيوطى بسند صحيح وابن مردويه عن ابن عباس قال أنزلت ) قل يا عبادي الذين أسرفوا ( الآية فى مشركى أهل مكة وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الدلائل عن ابن عمر قال كنا نقول ليس لمفتتن توبة وما الله بقابل منه شيئا عرفوا الله وآمنوا به وصدقوا رسوله ثم رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم وكانوا يقولونه لأنفسهم فلما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة أنزل الله فيهم ) يا عبادي الذين أسرفوا ( الآيات قال ابن عمر فكتبتها بيدى ثم بعثت بها إلى هشام بن العاصى وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى سعد قال لما أسلم وحشى أنزل الله ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ( قال وحشى وأصحابه قد ارتكبنا هذا كله فأنزل الله ) قل يا عبادي الذين أسرفوا ( الآية وأخرج البخارى فى الأدب المفرد عن أبى هريرة قال خرج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) على رهط من أصحابه وهم يضحكون ويتحدثون فقال والذى نفسى بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ثم انصرف وأبكى القوم وأوحى الله إليه يا محمد لم تقنط عبادى


"""""" صفحة رقم 473 """"""
فرجع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبشروا وسددوا وقاربوا وأخرج ابن مردويه والبيهقى فى سننه عن عمر بن الخطاب أنها نزلت فيمن أفتن وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنها نزلت فى مشركى مكة لما قالوا إن الله لا يغفر لهم ما قد اقترفوه من الشرك وقتل الأنفس وغير ذلك وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن ثوبان سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ما أحب أن لى الدنيا وما فيها بهذه الآية ) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( إلى آخر الآية فقال رجل ومن أشرك فسكت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال إلا ومن أشرك ثلاث مرات وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذى وحسنه وابن المنذر وابن الأنبارى فى المصاحف والحاكم وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ ) عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ( وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن أبى الدنيا فى حسن الظن بالله وابن جرير وابن أبى حاتم والطبرانى والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود أنه مر على قاض يذكر الناس فقال يا مذكر الناس لا تقنط الناس ثم قرأ ) يا عبادي الذين أسرفوا ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن سيرين قال قال على أى آية أوسع فجعلوا يذكرون آيات من القرآن ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( الآية ونحوها فقال على ما فى القرآن أوسع من ) يا عبادي ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( الآية قال قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح ابن الله ومن زعم أن عزيرا ابن الله ومن زعم أن الله فقير ومن زعم أن يد الله مغلولة ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة يقول لهؤلاء ) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ( ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولا من هؤلاء من ) فقال أنا ربكم الأعلى ( وقال ) ما علمت لكم من إله غيري ( قال ابن عباس ومن آيس العباد من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أن تقول نفس ( قال أخبر الله ما العباد قائلون قبل أن يقولوا وعلمهم قبل أن يعلموا
سورة الزمر ( 62 72 )


"""""" صفحة رقم 474 """"""
الزمر : ( 62 ) الله خالق كل . . . . .
قوله ) الله خالق كل شيء ( من الأشياء الموجودة فى الدنيا والآخرة كائنا ما كان من غير فرق بين شىء وشىء وقد تقدم تفسير هذه الآية فى الأنعام ) وهو على كل شيء وكيل ( أى الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير مشارك له
الزمر : ( 63 ) له مقاليد السماوات . . . . .
) له مقاليد السماوات والأرض ( المقاليد واحدها مقليد ومقلاد أو لا واحد له من لفظه كأساطير وهى مفاتيح السموات والأرض والرزق والرحمة قاله مقاتل وقتادة وغيرهما وقال الليث المقلاد الخزانة ومعنى الآية له خزائن السموات والأرض وبه قال الضحاك والسدى وقيل خزائن السموات المطر وخزائن الأرض النبات وقيل هى عبارة عن قدرته سبحانه وحفظه لها والأول أولى قال الجوهرى الإقليد المفتاح ثم قال والجمع المقاليد وقيل هى لا إله إلا الله والله أكبر وسبحانه الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وقيل غير ذلك ) والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون ( أى بالقرآن وسائر الآيات الدالة على الله سبحانه وتوحيده ومعنى الخاسرون الكاملون فى الخسران لأنهم صاروا بهذا الكفر إلى النار
الزمر : ( 64 ) قل أفغير الله . . . . .
) قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( الاستفهام للإنكار التوبيخى والفاء للعطف على مقدر كنظائره وغير منصوب بأعبد وأعبد معمول لتأمرونى على تقدير أن المصدرية فما حذفت بطل عملها والأصل أفتأمرونى أن أعبد غير الله قاله الكسائى وغيره ويجوز أن يكون غير منصوبا بتأمرونى وأعبد بدل منه بدل اشتمال وأن مضمرة معه أيضا ويجوز أن يكون غير منصوبة بفعل مقدر أى أفتلزمونى غير الله أى عبادة غير الله أو أعبد غير الله أعبد أمره الله سبحانه أن يقول هذا للكفار لما دعوه إلى ما هم عليه من عبادة الأصنام وقالوا هو دين آبائك قرأ الجمهور تأمرونى بإدغام نون الرفع فى نون الوقاية على خلاف بينهم فى فتح الياء وتسكينها وقرأ نافع تأمرونى بنون خفيفة وفتح الياء وقرأ ابن عامر تأمرونني بالفك وسكون الياء
الزمر : ( 65 ) ولقد أوحي إليك . . . . .
) ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك ( أى من الرسل ) لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ( هذا الكلام من باب التعريض لغير الرسل لأن الله سبحانه قد عصمهم عن الشرك ووجه إيراده على هذا الوجه التحذير والإنذار للعباد من الشرك لأنه إذا كان موجبا لإحباط عمل الأنبياء على الفرض والتقدير فهو محبط لعمل غيرهم من أممهم بطريق الأولى قيل وفى الكلام تقديم وتأخير والتقدير ولقد أوحى إليك لئن أشركت وأوحى إلى الذين من قبلك كذلك قال مقاتل أى أوحى إليك وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد والتوحيد محذوف ثم قال لئن أشركت يا محمد ليحبطن عملك وهو خطاب للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وقيل إفراد الخطاب فى قوله ) لئن أشركت ( باعتبار كل واحد من الأنبياء كأنه قيل أوحى إليك وإلى كل واحد من الأنبياء هذا الكلام وهو لئن أشركت وهذه الآية مقيدة بالموت على الشرك كما فى الآية الأخرى ) ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم ( وقيل هذا خاص بالأنبياء لأن الشرك منهم أعظم ذنبا من الشرك من غيرهم والأول أولى


"""""" صفحة رقم 475 """"""
الزمر : ( 66 ) بل الله فاعبد . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بتوحيده فقال ) بل الله فاعبد ( وفى هذا رد على المشركين حيث أمروه بعبادة الأصنام ووجه الرد ما يقيده التقديم من القصر قال الزجاج لفظ اسم الله منصوب باعبد قال ولا اختلاف فى هذا بين البصريين والكوفيين وقال الفراء هو منصوب بإضمار فعل وروى مثله عن الكسائى والأول أولى قال الزجاج والفاء فى فاعبد للمجازاة وقال الأخفش زائدة قال عطاء ومقاتل معنى فاعبد وحد لأن عبادته لا تصح إلا بتوحيده ) وكن من الشاكرين ( لإنعامه عليك بما هداك إليه من التوحيد والدعاء إلى دينه واختصك به من الرسالة
الزمر : ( 67 ) وما قدروا الله . . . . .
) وما قدروا الله حق قدره ( قال المبرد أى ما عظموه حق عظمته من قولك فلان عظيم القدر وإنما وصفهم بهذا لأنهم عبدوا غير الله وأمروا رسوله بأن يكون مثلهم فى الشرك وقرأ الحسن وأبو حيوة وعيسى بن عمر قدروا بالتشديد ) والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ( القبضة فى اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك فأخبر سبحانه عن عظيم قدرته بأن الأرض كلها مع عظمها وكثافتها فى مقدوره كالشىء الذى يقبض عليه القابض بكفه كما يقولون هو فى يد فلان وفى قبضته للشىء الذى يهون عليه التصرف فيه وإن لم يقبض عليه وكذا قوله ) والسماوات مطويات بيمينه ( فإن ذكر اليمين للمبالغة فى كمال القدرة كما يطوى الواحد منا الشىء المقدور له طيه بيمينه واليمين فى كلام العرب قد تكون بمعنى القدرة والملك قال الأخفش بيمينه يقول فى قدرته نحو قوله ) أو ما ملكت أيمانكم ( أى ما كانت لكم قدرة عليه وليس الملك لليمين دون الشمال وسائر الجسد ومنه قوله سبحانه ) لأخذنا منه باليمين ( أى بالقوة والقدرة ومنه قول الشاعر إذا ما راية نصبت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
وقول الآخر ولما رأيت الشمس أشرق نورها
تناولت منها حاجتى بيمين
وقول الآخر عطست بأنف شامخ وتناولت
يداى الثريا قاعدا غير قائم
وجملة ) والأرض جميعا قبضته ( فى محل نصب على الحال أى ما عظموه حق تعظيمه والحال أنه متصف بهذه الصفة الدالة على كمال القدرة قرأ الجمهور برفع قبضته على أنها خبر المبتدأ وقرأ الحسن بنصبها ووجهه ابن خالويه بأنه على الظرفية أى فى قبضته وقرأ الجمهور مطويات بالرفع على أنها خبر المبتدأ والجملة فى محل نصب على الحال كالتى قبلها وبيمينه متعلق بمطويات أو حال من الضمير فى مطويات أو خبر ثان وقرأ عيسى والجحدرى بنصب مطويات ووجه ذلك أن السموات معطوفة على الأرض وتكون قبضته خبرا عن الأرض والسموات وتكون مطويات حالا أو تكون مطويات منصوبة بفعل مقدر وبيمينه الخبر وخص يوم القيامة بالذكر وإن كانت قدرته شاملة لأن الدعاوى تنقطع فيه كما قال سبحانه ) الملك يومئذ لله ( وقال ) مالك يوم الدين ( ثم نزه سبحانه نفسه فقال ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( به من المعبودات التى يجعلونها شركاء له مع هذه القدرة العظيمة والحكمة الباهرة
الزمر : ( 68 ) ونفخ في الصور . . . . .
) ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض ( هذه هى النفخة الأولى والصور هو القرن الذى ينفخ فيه إسرافيل وقد تقدم غير مرة ومعنى صعق زالت عقولهم فخروا مغشيا عليهم وقيل ماتوا قال الواحدى قال المفسرون مات من الفزع وشدة الصوت أهل السموات والأرض وقرأ الجمهور الصور بسكون الواو وقرأ قتادة وزيد بن على بفتحها جمع صورة والاستثناء فى قوله ) إلا من شاء الله ( متصل والمستثنى جبريل وميكائيل وإسرافيل وقيل رضوان وحملة العرش وخزنة الجنة والنار ) ثم نفخ فيه أخرى ( يجوز أن يكون أخرى فى محل رفع على النيابة وهى صفة لمصدر محذوف أى نفخة أخرى ويجوز أن يكون فى محل نصب والقائم مقام الفاعل فيه ) فإذا هم قيام ينظرون ( يعنى الخلق كلهم قيام على أرجلهم


"""""" صفحة رقم 476 """"""
ينظرون ما يقال لهم أو ينتظرون ذلك قرأ الجمهور قيام بالرفع على أنه خبر وينظرون فى محل نصب على الحال وقرأ زيد بن على بالنصب على أنه حال والخبر ينظرون والعامل فى الحال ما عمل فى إذا الفجائية قال الكسائى كما تقول خرجت فإذا زيد جالسا
الزمر : ( 69 ) وأشرقت الأرض بنور . . . . .
) وأشرقت الأرض بنور ربها ( الإشراق الإضاءة يقال أشرقت الشمس إذا أضاءت وشرقت إذا طلعت ومعنى بنور ربها بعدل ربها قاله الحسن وغيره وقال الضحاك بحكم ربها والمعنى أن الأرض أضاءت وأنارت بما أقامه الله من العدل بين أهلها وما قضى به من الحق فيهم فالعدل نور والظلم ظلمات وقيل إن الله يخلق نورا يوم القيامة يلبسه وجه الأرض فتشرق به غير نور الشمس والقمر ولا مانع من الحمل على المعنى الحقيقى فإن الله سبحانه هو نور السموات والأرض قرأ الجمهور أشرقت مبنيا للفاعل وقرأ ابن عباس وأبو الجوزاء وعبيد بن عمير على البناء للمفعول ووضع الكتاب قيل هو اللوح المحفوظ وقال قتادة يعنى الكتب والصحف التى فيها أعمال بنى آدم فآخذ بيمينه وآخذ بشماله وكذا قال مقاتل وقيل هو من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه أى وضع الكتاب للحساب ) وجيء بالنبيين ( أى جىء بهم إلى الموقف فسئلوا عما أجابتهم به أممهم ) والشهداء ( الذين يشهدون على الأمم من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كما فى قوله ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ( وقيل المراد بالشهداء الذين استشهدوا فى سبيل الله فيشهدون يوم القيامة لمن ذب عن دين الله وقيل هم الحفظة كما قال تعالى ) وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ( ) وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ( أى وقضى بين العباد بالعدل والصدق والحال أنهم لا يظلمون أى لا ينقصون من ثوابهم ولا يزاد على ما يستحقونه من عقابهم
الزمر : ( 70 ) ووفيت كل نفس . . . . .
) ووفيت كل نفس ما عملت ( من خير وشر ) وهو أعلم بما يفعلون ( فى الدنيا لا يحتاج إلى كاتب ولا حاسب ولا شاهد وإنما وضع الكتاب وجىء بالنبيين والشهداء لتكميل الحجة وقطع المعذرة
الزمر : ( 71 ) وسيق الذين كفروا . . . . .
ثم ذكر سبحانه تفصيل ما ذكره من توفية كل نفس ما كسبت فقال ) وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ( أى سيق الكافرون إلى النار حال كونهم زمرا أى جماعات متفرقة بعضها يتلوا بعضا قال أبو عبيدة والأخفش زمرا جماعات متفرقة بعضها إثر بعض ومنه قول الشاعر وترى الناس إلى أبوابه
زمرا تنتابه بعد زمر
واشتقاقه من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه ) حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها ( أى فتحت أبواب النار ليدخلوها وهى سبعة أبواب وقد مضى بيان ذلك فى سورة الحجر ) وقال لهم خزنتها ( جمع خازن نحو سدنه وسادن ) ألم يأتكم رسل منكم ( أى من أنفسكم ) يتلون عليكم آيات ربكم ( التى أنزلها عليهم ) وينذرونكم لقاء يومكم هذا ( أى يخوفونكم لقاء هذا اليوم الذى صرتم فيه قالوا لهم هذا القول تقريعا وتوبيخا فأجابوا بالاعتراف ولم يقدروا على الجدل الذى كانوا يتعللون به فى الدنيا لانكشاف الأمر وظهوره ولهذا ) قالوا بلى ( أى قد أتتنا الرسل بآيات الله وأنذرونا بما سنلقاه ) ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ( وهى ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( فلما اعترفوا هذا الاعتراف
الزمر : ( 72 ) قيل ادخلوا أبواب . . . . .
) قيل ادخلوا أبواب جهنم ( التى قد فتحت لكم لتدخلوها وانتصاب ) خالدين ( على الحال أى مقدرين الخلود ) فبئس مثوى المتكبرين ( المخصوص بالذم محذوف أى بئس مثواهم جهنم وقد تقدم تحقيق المثوى فى غير موضع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) مقاليد السماوات والأرض ( قال مفاتيحها وأخرج أبو يعلى ويوسف القاضى فى سننه وأبو الحسن القطان وابن السنى وابن المنذر وابن أبى حاتم


"""""" صفحة رقم 477 """"""
وابن مردويه عن عثمان بن عفان قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قول الله ) له مقاليد السماوات والأرض ( فقال لى يا عثمان لقد سألتنى عن مسألة لم يسألنى عنها أحد قبلك مقاليد السموات والأرض لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله وأستغفر الله الذى لا إله إلا هو الأول والآخر والظاهر والباطن يحيى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شىء قدير ثم ذكر فضل هذه الكلمات وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس عن عثمان قال جاء إلى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له أخبرنى عن مقاليد السموات والأرض فذكره وأخرجه الحارث بن أبى أسامه وابن مردويه عن أبى هريرة عن عثمان وأخرجه العقيلى والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عمر عن عثمان وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن قريشا دعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء ويطأون عقبه فقالوا له هذا لك يا محمد وتكف عن شتم آلهتنا ولا تذكرها بسوء قال حتى أنظر ما يأتينى من ربى فجاء بالوحى ) قل يا أيها الكافرون ( إلى آخر السورة وأنزل الله عليه ) قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( إلى قوله ) من الخاسرين ( وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد إنا نجد أن الله يحمل السموات يوم القيامة على أصبع والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع وسائر الخلق عى أصبع فيقول أنا الملك فضحك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ( وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما من حديث أبى هريرة سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوى السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض وفى الباب أحاديث وآثار تقتضى حمل الاية على ظاهرها من دون تكلف لتأويل ولا تعسف لقال وقيل وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن أبى هريرة قال قال رجل من اليهود بسوق المدينة والذى اصطفى موسى على البشر فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه فقال أتقول هذا وفينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قال الله ) ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ( فأكون أول من يرفع رأسه فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدرى أرفع رأسه قبلى أو كان ممن استثنى الله وأخرج أبو يعلى والدارقطنى فى الإفراد وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى البعث عن أبى هريرة عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) إلا من شاء الله ( قال هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول عشره تتلقاهم الملائكة يوم القيامة الحديث وأخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد من أقوال أبى هريرة وأخرج الفريابى وابن جرير وأبو نصر السجزى فى الإبانة وابن مردويه عن أنس أنه سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله ) إلا من شاء الله ( فقال جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل وحملة العرش وأخرج ابن المنذر عن جابر فى قوله ) إلا من شاء الله ( قال موسى لأنه كان صعق قبل والأحاديث الواردة فى كيفية نفخ الصور كثيرة وأخرج عبد ابن حميد عن ابن عباس فى قوله ) وجيء بالنبيين والشهداء ( قال النبيين الرسل والشهداء الذين يشهدون لهم بالبلاغ ليس فيهم طعان ولا لعان وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه فى الآية قال يشهدون بتبليغ الرسالة وتكذيب الأمم إياهم


"""""" صفحة رقم 478 """"""
سورة الزمر ( 73 75 )
الزمر : ( 73 ) وسيق الذين اتقوا . . . . .
لما ذكر فيما تقدم حال الذين كفروا وسوقهم إلى جهنم ذكر هنا حال المتقين وسوقهم إلى الجنة فقال ) وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ( أى ساقتهم الملائكة سوق إعزاز وتشريف وتكريم وقد سبق بيان معنى الزمر ) حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ( جواب إذا محذوف قال المبرد تقديره سعدوا وفتحت وأنشد قول الشاعر فلو أنها نفس تموت جميعة
ولكنها نفس تساقط أنفسا
فحذف جواب لو والتقدير لكان أروح وقال الزجاج القول عندى أن الجواب محذوف على تقدير حتى إذا جاءوها وكانت هذه الأشياء التى ذكرت دخلوها فالجواب دخولها وحذف لأن فى الكلام دليلا عليه وقال الأخفش والكوفيون الجواب فتحت والواو زائدة وهو خطأ عند البصريين لأن الواو من حروف المعانى فلا تزاد وقيل إن زيادة الواو دليل على أن الأبواب فتحت لهم قبل أن يأتوا لكرامتهم على الله والتقدير حتى إذا جاءوها وأبوابها مفتحة بدليل قوله ) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ( وحذفت الواو فى قصة أهل النار لأنهم وقفوا على النار وفتحت بعد وقوفهم إذلالا وترويعا ذكر معناه النحاس منسوبا إلى بعض أهل العلم قال ولا أعلم أنه سبقه إليه أحد وعلى هذا القول تكون الواو واو الحال بتقدير قد أى جاءوها وقد فتحت لهم الأبواب وقيل إنها واو الثمانية وذلك أن من عادة العرب أنهم كانوا يقولون فى العدد خمسة ستة سبعة وثمانية وقد مضى القول فى هذا فى سورة براءة مستوفى وفى سورة الكهف أيضا ثم أخبر سبحانه أن خزنة الجنة يسلمون على المؤمنين فقال ) وقال لهم خزنتها سلام عليكم ( أى سلامة لكم من كل آفة ) طبتم ( فى الدنيا فلم تتدنسوا بالشرك والمعاصى قال مجاهد طبتم بطاعة الله وقيل بالعمل الصالح والمعنى واحد قال مقاتل إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم حتى إذا هذبوا وطيبوا قال لهم رضوان وأصحابه ) سلام عليكم ( الآية ) فادخلوها ( أى ادخلوا الجنة ) خالدين ( أى مقدرين الخلود
الزمر : ( 74 ) وقالوا الحمد لله . . . . .
فعند ذلك قال أهل الجنة ) الحمد لله الذي صدقنا وعده ( بالبعث والثواب والجنة ) وأورثنا الأرض ( أى أرض الجنة كأنها صارت من غيرهم إليهم فملكوها وتصرفوا فيها وقيل إنهم ورثوا الأرض التي كانت لأهل النار لو كانوا مؤمنين قاله أكثر المفسرين وقيل إنها أرض الدنيا وفى الكلام تقديم وتأخير ) نتبوأ من الجنة حيث نشاء ( أى نتخذ فيها من المنازل ما نشاء حيث نشاء ) فنعم أجر العاملين ( المخصوص بالمدح محذوف أى فنعم أجر العاملين الجنة وهذا من تمام قول أهل الجنة وقيل هو من قول الله سبحانه
الزمر : ( 75 ) وترى الملائكة حافين . . . . .
) وترى الملائكة حافين من حول العرش ( أى محيطين محدقين به يقال حف القوم بفلان إذا أطافوا به ومن مزيدة


"""""" صفحة رقم 479 """"""
قاله الأخفش أو للابتداء والمعنى أن الرائى يراهم بهذه الصفة فى ذلك اليوم وجملة ) يسبحون بحمد ربهم ( فى محل نصب على الحال أي حال كونهم مسبحين لله ملتبسين بحمده وقيل معنى يسبحون يصلون حول العرش شكرا لربهم والحافين جمع حاف قاله الأخفش وقال الفراء لا واحد له إذ لا يقع لهم هذا الاسم إلا مجتمعين ) وقضي بينهم بالحق ( أى بين العباد بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار وقيل بين النبيين الذين جىء بهم مع الشهداء وبين أممهم بالحق وقيل بين الملائكة بإقامتهم فى منازلهم على حسب درجاتهم والأول أولى ) وقيل الحمد لله رب العالمين ( القائلون هم المؤمنون حمدوا الله على قضائه بينهم وبين أهل النار بالحق وقيل القائلون هم الملائكة حمدوا الله تعالى على عدله فى الحكم وقضائه بين عباده بالحق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البخارى ومسلم وغيرهما من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب درى فى السماء إضاءة وأخرجا وغيرهما عن سهل بن سعد أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال فى الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى باب الريان لا يدخله إلا الصائمون وقد ورد فى كون أبواب الجنة ثمانية أبواب أحاديث فى الصحيحين وغيرهما وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) وأورثنا الأرض ( قال أرض الجنة وأخرج هناد عن أبى العالية مثله
ع40
تفسير
سورة غافر
وهى سورة المؤمن وتسمى سورة الطول
حول السورة
وهى مكية فى قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر قال الحسن إلا قوله ) وسبح بحمد ربك ( لأن الصلوات نزلت بالمدينة وقال ابن عباس وقتادة إلا آيتين نزلتا بالمدينة وهما ) إن الذين يجادلون في آيات الله ( والتى بعدها وهى خمس وثمانون آية وقيل اثنتان وثمانون آية وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال أنزلت سورة حم المؤمن بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وأخرج ابن الضريس والنحاس والبيهقى فى الدلائل عن ابن عباس قال أنزلت الحواميم السبع بمكة وأخرج ابن مردويه والديلمي عن سمرة بن جندب قال نزلت الحواميم جميعا بمكة وأخرج محمد بن نصر وابن مردويه عن أنس بن مالك سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الله أعطانى السبع الحواميم مكان التوراة وأعطانى الراءات إلى الطواسين مكان الإنجيل وأعطانى ما بين الطواسين إلى الحواميم مكان الزبور وفضلنى بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبى قبلى وأخرج أبو عبيد فى فضائله عن ابن عباس قال إن لكل شىء لبابا وإن لباب القرآن آل حم وأخرج أبو عبيد وابن الضريس وابن المنذر والحاكم والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود قال الحواميم ديباج القرآن وأخرج أبو عبيد ومحمد بن نصر وابن المنذر عنه قال إذا وقعت فى آل حم وقعت فى روضات دمثات أتأنق فيهن وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمى عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الحواميم ديباج القرآن وأخرج البيهقى فى الشعب عن خليل بن مرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال الحواميم سبع وأبواب النار سبع تجىء كل حم منها تقف على باب من هذه الأبواب تقول اللهم لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بى ويقرؤنى وأخرج أبو عبيد وابن سعد ومحمد بن نصر وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن أبى هريرة قال


"""""" صفحة رقم 480 """"""
قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم المؤمن إلى إليه المصير وآية الكرسى حين يصبح حفظ بهما حتى يمسى ومن قرأهما حين يمسى حفظ بهما حتى يصبح
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة غافر ( 1 9 )
غافر : ( 1 ) حم
قوله ) حم ( قرأ الجمهور بفتح الحاء مشبعا وقرأ حمزة والكسائى بإمالته إمالة محضة وقرأ أبو عمرو بإمالته بين بين وقرأ الجمهور حم بسكون الميم كسائر الحروف المقطعة وقرأ الزهرى بضمها على أنها خبر مبتدأ مضمر أو مبتدأ والخبر ما بعده وقرأ عيسى بن عمر الثقفى بفتحها على أنها منصوبة بفعل مقدر أو على أنها حركة بناء لا حركة إعراب وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو السماك بكسرها لالتقاء الساكنين أو بتقدير القسم وقرأ الجمهور بوصل الحاء بالميم وقرأ أبو جعفر بقطعها
وقد اختلف فى معناه فقيل هو اسم من أسماء الله وقيل اسم من أسماء القرآن وقال الضحاك والكسائى معناه قضى وجعلاه بمعنى حم أي قضى ووقع وقيل معناه حم أمر الله أي قرب نصره لأوليائه وانتقامه من أعدائه وهذا كله تكلف لا موجب له وتعسف لا ملجىء إليه والحق أن هذه الفاتحة لهذه السورة وأمثالها من المتشابه الذى استأثر الله بعلم معناه كما قدمنا تحقيقه فى فاتحة سورة البقرة
غافر : ( 2 ) تنزيل الكتاب من . . . . .
) تنزيل الكتاب ( هو خبر لحم على تقدير أنه مبتدأ أو خبر لمبتدأ مضمر أو هو مبتدأ وخبره ) من الله العزيز العليم ( قال الرازى المراد بتنزيل المنزل والمعنى أن القرآن منزل من عندالله ليس بكذب عليه والعزيز الغالب القاهر والعليم الكثير العلم بخلقه وما يقولونه ويفعلونه
غافر : ( 3 ) غافر الذنب وقابل . . . . .
) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ( قال الفراء جعلها كالنعت للمعرفة وهى


"""""" صفحة رقم 481 """"""
نكرة ووجه قوله هذا أن إضافتها لفظية ولكنه يجوز أن تجعل إضافتها معنوية كما قال سيبويه أن كل ما إضافته غير محضة يجوز أن تجعل محضة وتوصف به المعارف إلا الصفة المشبهة وأما الكوفيون فلم يستثنوا شيئا بل جعلوا الصفة المشبهة كاسم الفاعل فى جواز جعلها إضافة محضة وذلك حيث لا يراد بها زمان مخصوص فيجوزون فى شديد هنا أن تكون إضافته محضة وعلى قول سيبويه لا بد من تأويله بمشدد وقال الزجاج إن هذه الصفات الثلاث مخفوضة على البدل وروى عنه أنه جعل غافر وقابل مخفوضين على الوصف وشديد مخفوض على البدل والمعنى غافر الذنب لأوليائه وقابل توبتهم وشديد العقاب لأعدائه والتوب مصدر بمعنى التوبة من تاب يتوب توبة وتوبا وقيل هو جمع توبة وقيل غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله وقابل التوب من الشرك وشديد العقاب لمن لا يوحده وقوله ) ذي الطول ( يجوز أن يكون صفة لأنه معرفة وأن يكون بدلا وأصل الطول الانعام والتفضل أى ذى الإنعام على عباده والتفضل عليهم وقال مجاهد ذى الغنى والسعة ومنه قوله ) ومن لم يستطع منكم طولا ( أى غنى وسعة وقال عكرمة ذى الطول ذى المن قال الجوهرى والطول بالفتح المن يقال منه طال عليه ويطول عليه إذا امتن عليه وقال محمد بن كعب ذى الطول ذى التفضل قال الماوردى والفرق بين المن والتفضل أن المن عفو عن ذنب والتفضل إحسان غير مستحق ثم ذكر ما يدل على توحيده وأنه الحقيق بالعبادة فقال ) لا إله إلا هو إليه المصير ( لا إلى غيره وذلك فى اليوم الآخر
غافر : ( 4 ) ما يجادل في . . . . .
ثم لما ذكر أن القرآن كتاب الله أنزله ليهتدى به فى الدين ذكر أحوال من يجادل فيه لقصد إبطاله فقال ) ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ( أى ما يخاصم فى دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا والمراد الجدال بالباطل والقصد إلى دحض الحق كما فى قوله ) وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ( فأما الجدال لاستيضاح الحق ورفع اللبس والبحث عن الراجح والمرجوح وعن المحكم والمتشابه ودفع ما يتعلق به المبطلون من متشابهات القرآن وردهم بالجدال إلى المحكم فهو من أعظم ما يتقرب المتقربون وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين اوتوا الكتاب فقال ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ( وقال ) إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ( وقال ) ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ( ) فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( لما حكم سبحانه على المجادلين فى آيات الله بالكفر نهى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أن يغتر بشىء من حظوظهم الدنيوية فقال فلا يغررك ما يفعلونه من التجارة فى البلاد وما يحصلونه من الأرباح ويجمعونه من الأموال فإنهم معاقبون عما قليل وإن أمهلوا فإنهم لا يهملون قال الزجاج لا يغررك سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك قرأ الجمهور لا يغررك بفك الإدغام وقرأ زيد ابن على وعبيد بن عمير بالإدغام
غافر : ( 5 ) كذبت قبلهم قوم . . . . .
ثم بين حال من كان قبلهم وأن هؤلاء سلكوا سبيل أولئك فى التكذيب فقال ) كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ( الضمير فى من بعدهم يرجع إلى قوم نوح أى وكذبت الأحزاب الذين تحزبوا على الرسل من بعد قوم نوح كعاد وثمود ) وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه ( أى همت كل أمة من تلك الأمم المكذبة برسولهم الذى أرسل إليهم ليأخذوه ليتمكنوا منه فيحبسوه ويعذبوه ويصيبوا منه ما أرادوا وقال قتادة والسدى ليقتلوه والأخذ قد يرد بمعنى الإهلاك كقوله ) أخذتهم فكيف كان نكير ( والعرب تسمى الأسير الأخيذ ) وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ( أى خاصموا رسولهم بالباطل من القول ليدحضوا به الحق ليزيلوه ومنه مكان دحض أى مزلقة ومزلة أقدام والباطل داحض لأنه يزلق ويزول فلا يستقر قال يحيى ابن سلام جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان ) فأخذتهم فكيف كان عقاب ( أى فأخذت هؤلاء المجادلين


"""""" صفحة رقم 482 """"""
بالباطل فكيف كان عقابى الذى عاقبتهم به وحذف ياء المتكلم من عقاب اجتراء بالكسرة عنها وصلا ووقفا لأنها رأس آية
غافر : ( 6 ) وكذلك حقت كلمة . . . . .
) وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا ( أى وجبت وثبتت ولزمت يقال حق الشىء إذا لزم وثبت والمعنى وكما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة لرسلهم حقت على الذين كفروا به وجادلوك بالباطل وتحزبوا عليك وجملة ) أنهم أصحاب النار ( للتعليل أى لأجل أنهم مستحقون للنار قال الأخفش أى لأنهم أو بأنهم ويجوز أن تكون فى محل رفع بدلا من كلمة قرأ الجمهور كلمة بالتوحيد وقرأ نافع وابن عامر ) كلمات ( بالجمع
غافر : ( 7 ) الذين يحملون العرش . . . . .
ثم ذكر أحوال حملة العرش ومن حوله فقال ) الذين يحملون العرش ومن حوله ( والموصول مبتدأ وخبره يسبحون بحمد ربهم والجملة مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ببيان أن هذا الجنس من الملائكة الذين هم أعلى طبقاتهم يضمون إلى تسبيحهم لله والإيمان به الاستغفار للذين آمنوا بالله ورسوله وصدقوا والمراد بمن حول العرش هم الملائكة الذين يطوفون به مهللين مكبرين وهو فى محل رفع عطفا على الذين يحملون العرش وهذا هو الظاهر وقيل يجوز أن تكون فى محل نصب عطفا على العرش والأول أولى والمعنى أن الملائكة الذين يحملون العرش وكذلك الملائكة الذين هم حول العرش ينزهون الله ملتبسين بحمده على نعمه ويؤمنون بالله ويستغفرون الله لعباده المؤمنين به ثم بين سبحانه كيفية استغفارهم للمؤمنين فقال حاكيا عنهم ) ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما ( وهو بتقدير القول أى يقولون ربنا أو قائلين ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما انتصاب رحمة وعلما على التمييز المحول عن الفاعل والأصل وسعت رحمتك وعلمك كل شيء فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك أى أوقعوا التوبة عن الذنوب واتبعوا سبيل الله وهو دين الإسلام ) وقهم عذاب الجحيم ( أى احفظهم منه
غافر : ( 8 ) ربنا وأدخلهم جنات . . . . .
) ربنا وأدخلهم جنات عدن ( وأدخلهم معطوف على قوله قهم ووسط الجملة الندائية لقصد المبالغة بالتكرير ووصف جنات عدن بأنها ) التي وعدتهم ( إياها ) ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ( أى وأدخل من صلح والمراد بالصلاح ها هنا الإيمان بالله والعمل بما شرعه الله فمن فعل ذلك فقد صلح لدخول الجنة ويجوز عطف ومن صلح على الضمير فى وعدتهم أى ووعدت من صلح والأولى عطفه على الضمير الأول فى وأدخلهم قال الفراء والزجاج نصبه من مكانين إن شئت على الضمير فى أدخلهم وإن شئت على الضمير فى وعدتهم قرأ الجمهور بفتح اللام من صلح وقرأ ابن أبى عبلة بضمها وقرأ الجمهور وذرياتهم على الجمع وقرأ عيسى بن عمر على الإفراد ) إنك أنت العزيز الحكيم ( أى الغالب القاهر الكثير الحكمة الباهرة
غافر : ( 9 ) وقهم السيئات ومن . . . . .
) وقهم السيئات ( أى العقوبات أو جزاء السيئات على تقدير مضاف محذوف قال قتادة وقهم ما يسوؤهم من العذاب ) ومن تق السيئات يومئذ ( أى يوم القيامة ) فقد رحمته ( يقال وقاه يقيه وقاية أى حفظه ومعنى ) فقد رحمته ( أى رحمته من عذابك وأدخلته جنتك والإشارة بقوله ) وذلك ( إلى ما تقدم من إدخالهم الجنات ووقايتهم السيئات وهو مبتدأ وخبره ) هو الفوز العظيم ( أى الظفر الذى لا ظفر مثله والنجاة التى لا تساويها نجاة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن أبى أمامة قال ) حم ( اسم من أسماء الله وأخرج عبد الرزاق فى المصنف وأبو عبيد وابن سعد وابن أبى شيبة وأبو داود والترمذى والحاكم وصححه وابن مردويه عن المهلب بن أبى صفرة قال حدثنى من سمع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ليلة الخندق إن أتيتم الليلة فقولوا حم لا ينصرون وأخرج ابن أبى شيبة والنسائى والحاكم وابن مردويه عن البراء بن عازب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إنكم تلقون عدوكم فليكن شعاركم حم لا ينصرون وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات


"""""" صفحة رقم 483 """"""
عن ابن عباس فى قوله ) ذي الطول ( قال ذى السعة والغنى وأخرج الطبرانى فى الأوسط وابن مردويه عن ابن عمر فى قوله ) غافر الذنب ( الآية قال غافر الذنب لمن يقول لا إله إلا الله ) وقابل التوب ( ممن يقول لا إله إلا الله ) شديد العقاب ( لمن لا يقول لا إله إلا الله ) ذي الطول ( ذى الغنى ) لا إله إلا هو ( كانت كفار قريش لا يوحدونه فوحد نفسه ) إليه المصير ( مصير من يقول لا إله إلا الله فيدخله الجنة ومصير من لا يقول لا إله إلا الله فيدخله النار وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن جدالا في القرآن كفر وأخرج عبد بن حميد وأبو داود عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مراء فى القرآن كفر
سورة غافر ( 10 20 )
غافر : ( 10 ) إن الذين كفروا . . . . .
لما ذكر سبحانه حال أصحاب النار وأنها حقت عليهم كلمة العذاب وأنهم أصحاب النار ذكر أحوالهم بعد دخول النار فقال ) إن الذين كفروا ينادون ( قال الواحدى قال المفسرون إنهم لما رأوا أعمالهم ونظروا فى كتابهم وأدخلوا النار ومقتوا أنفسهم بسوء هكذا وردت ناداهم حين عيانوا عذاب الله مناد ) لمقت الله ( إياكم فى الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ) أكبر من مقتكم أنفسكم ( اليوم قال الأخفش هذه اللام فى لمقت هى لام الابتداء أوقعت بعد ينادون لأن معناه يقال لهم والنداء قول قال الكلبى يقول كل إنسان لنفسه من أهل النار مقتك يا نفس فتقول الملائكة لهم وهم فى النار لمقت الله إياكم فى الدنيا أشد من مقتكم أنفسكم اليوم قال الحسن يعطون كتابهم فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم فينادون لمقت الله إياكم فى الدنيا


"""""" صفحة رقم 484 """"""
) إذ تدعون إلى الإيمان ( أكبر من مقتكم أنفسكم إذ عاينتم النار والظرف فى ) إذ تدعون ( منصوب بمقدر محذوف دل عليه المذكور أى مقتكم وقت دعائكم وقيل بمحذوف هو اذكروا وقيل بالمقت المذكور والمقت أشد البغض
غافر : ( 11 ) قالوا ربنا أمتنا . . . . .
ثم أخبر سبحانه عما يقولون فى النار فقال ) قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ( اثنتين فى الموضعين نعتان لمصدر محذوف أى أمتنا إماتتين اثنتين وأحييتنا آحياءتين اثنتين والمراد بالإماتتين أنهم كانوا نطفا لاحياة لهم فى أصلاب آبائهم ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء فى الدنيا والمراد بالإحياءتين أنه أحياهم الحياة الأولى فى الدنيا ثم أحياهم عند البعث ومثل هذه الآية قوله ) وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ( وقيل معنى الآية أنهم أميتوا فى الدنيا عند انقضاء آجالهم ثم أحياهم الله فى قبورهم للسؤال ثم أميتوا ثم أحياهم الله فى الآخرة ووجه هذا القول أن الموت سلب الحياة ولا حياة للنطفة ووجه القول الأول أن الموت قد يطلق على عادم الحياة من الأصل وقد ذهب إلى تفسير الأول جمهور السلف وقال ابن زيد المراد بالآية أنه خلقهم فى ظهر آدم واستخرجهم وأحياهم وأخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ثم أحياهم فى الدنيا ثم أماتهم ثم ذكر سبحانه اعترافهم بعد أن صاروا فى النار بما كذبوا به فى الدنيا فقال حاكيا عنهم ) فاعترفنا بذنوبنا ( التى أسلفناها فى الدنيا من تكذيب الرسل والإشراك بالله وترك توحيده فاعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف وندموا حيث لا ينفعهم الندم وقد جعلوا اعترافهم هذا مقدمة لقولهم ) فهل إلى خروج من سبيل ( أى هل إلى خروج لنا من النار ورجوع لنا إلى الدنيا من سبيل ومثل هذا قولهم الذى حكاه الله عنهم ) هل إلى مرد من سبيل ( وقوله ) فارجعنا نعمل صالحا ( وقوله ) يا ليتنا نرد ( الآية
غافر : ( 12 ) ذلكم بأنه إذا . . . . .
ثم أجاب الله سبحانه عن قولهم هذا بقوله ) ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم ( أى ذلك الذى أنتم فيه من العذاب بسبب أنه إذا دعى الله فى الدنيا وحده دون غيره كفرتم به وتركتم توحيده ) وإن يشرك به ( غيره من الأصنام أو غيرها ) تؤمنوا ( بالإشراك به وتجيبوا الداعى إليه فبين سبحانه لهم السبب الباعث على عدم إجابتهم إلى الخروج من النار وهو ما كانوا فيه من ترك توحيد الله وإشراك غيره به فى العبادة التى رأسها الدعاء ومحل ذلكم الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى الأمر ذلكم أو مبتدأ خبره محذوف أى ذلكم العذاب الذى أنتم فيه بذلك السبب وفى الكلام حذف والتقدير فأجيبوا بأن لا سبيل إلى الرد وذلك لأنكم كنتم إذا دعى الله الخ ) فالحكم لله ( وحده دون غيره وهو الذى حكم عليكم بالخلود فى النار وعدم الخروج منها و ) العلي ( المتعالى عن أن يكون له مماثل فى ذاته ولا صفاته و ) الكبير ( الذى كبر عن أن يكون له مثل أو صاحبة أو ولد أو شريك
غافر : ( 13 ) هو الذي يريكم . . . . .
) هو الذي يريكم آياته ( أى دلائل توحيده وعلامات قدرته ) وينزل لكم من السماء رزقا ( يعنى المطر فإنه سبب الأرزاق جمع سبحانه بين إظهار الآيات وإنزال الأرزاق لأن باظهار الآيات قوام الأديان وبالأرزاق قوام الأبدان وهذه الآيات هى التكوينية التى جعلها الله سبحانه فى سمواته وأرضه وما فيهما وما بينهما وقرأ الجمهور ) ينزل ( بالتشديد وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف ) وما يتذكر إلا من ينيب ( أى ما يتذكر ويتعظ بتلك الآيات الباهرة فيستدل بها على التوحيد وصدق الوعد والوعيد إلا من ينيب أى يرجع إلى طاعة الله بما يستفيده من النظر فى آيات الله
غافر : ( 14 ) فادعوا الله مخلصين . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه ما نصبه من الأدلة على التوحيد أمر عباده بدعائه وإخلاص الدين له فقال ) فادعوا الله مخلصين له الدين ( أى إذا كان الأمر كما ذكر من ذلك فادعوا الله وحده مخلصين له العبادة التى أمركم بها ) ولو كره الكافرون ( ذلك فلا تلتفتوا إلى كراهتهم ودعوهم يموتوا بغيظهم ويهلكوا بحسرتهم
غافر : ( 15 ) رفيع الدرجات ذو . . . . .
) رفيع الدرجات ( وارتفاع رفيع الدرجات على أنه خبر آخر عن المبتدأ المتقدم أى هو الذى يريكم آياته وهو رفيع الدرجات وكذلك ) ذو العرش ( خبر ثالث ويجوز أن يكون رفيع الدرجات مبتدأ


"""""" صفحة رقم 485 """"""
وخبره ) ذو العرش ( ويجوز أن يكونا خبرين لمبتدأ محذوف ورفيع صفة مشبهة والمعنى رفيع الصفات أو رفيع درجات ملائكته أى معارجهم أو رفيع درجات أنبيائه وأوليائه فى الجنة وقال الكلبى وسعيد بن جبير رفيع السموات السبع وعلى هذا الوجه يكون رفيع بمعنى رافع ومعنى ذو العرش مالكه وخالقه والمتصرف فيه وذلك يقتضى علو شأنه وعظم سلطانه ومن كان كذك فهو الذى يحق له العبادة ويجب له الإخلاص وجملة ) يلقي الروح من أمره ( فى محل رفع على أنها خبر آخر للمبتدأ المتقدم أو للمقدر ومعنى ذلك أنه سبحانه يلقى الوحى ) على من يشاء من عباده ( وسمى الوحى روحا لأن الناس يحيون به من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح وقوله ) من أمره ( متعلق بيلقى و من لابتداء الغاية ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من الروح ومثل هذه الآية قوله تعالى ) وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ( وقيل الروح جبريل كما فى قوله ) نزل به الروح الأمين على قلبك ( وقوله ) نزله روح القدس من ربك بالحق ( وقوله ) على من يشاء من عباده ( هم الأنبياءومعنى ) من أمره ( من قضائه ) لينذر يوم التلاق ( قرأ الجمهور لينذر مبنيا للفاعل ونصب اليوم والفاعل هو الله سبحانه أو الرسول أو من يشاء والمنذر به محذوف تقديره لينذر العذاب يوم التلاق وقرأ أبى وجماعة كذلك إلا أنه رفع اليوم على الفاعلية مجازا وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميفع ) لتنذر ( بالفوقية على البناء للمفعول ورفع يوم على النيابة ومعنى ) يوم التلاق ( يوم يلتقى أهل السموات والأرض فى المحشر وبه قال قتادة وقال أبو العالية ومقاتل يوم يلتقى العابدون والمعبودون وقيل الظالم والمظلوم وقيل الأولون والآخرون وقيل جزاء الأعمال والعاملون
غافر : ( 16 ) يوم هم بارزون . . . . .
وقوله ) يوم هم بارزون ( بدل من يوم التلاق وقال ابن عطيه هو منتصب بقوله ) لا يخفى على الله ( وقيل منتصب بإضمار اذكر والأول أولى ومعنى بارزون خارجون من قبورهم لا يسترهم شىء وجملة ) لا يخفى على الله منهم شيء ( مستأنفة بنية لبروزهم ويجوز أن تكون فى محل نصب على الحال من ضمير بارزون ويجوز أن تكون خبرا ثانيا للمبتدأ أى لا يخفى عليه سبحانه شىء مهم ولا من أعمالهم التى عملوها فى الدنيا وجملة ) لمن الملك اليوم ( مستأنفة جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل فماذا يقال عند بروز الخلائق فى ذلك اليوم فقيل يقال لمن الملك اليوم قال المفسرون إذا هلك كل من فى السموات والأرض فيقول الرب تبارك وتعالى ) لمن الملك اليوم ( يعنى يوم القيامة فلا يجيبه أحد فيجيب تعالى نفسه فيقول ) لله الواحد القهار ( قال الحسن هو السائل تعالى وهو المجيب حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه وقيل إنه سبحانه يأمر مناديا ينادى بذلك فيقول أهل المحشر مؤمنهم وكافرهم ) لله الواحد القهار ( وقيل إنه يجيب المنادى بهذا الجواب أهل الجنة دون أهل النار وقيل هو حكاية لما ينطق به لسان الحال فى ذلك اليوم لانقطاع دعاوى المبطلين كما فى قوله تعالى ) وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله )
غافر : ( 17 ) اليوم تجزى كل . . . . .
وقوله ) اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ( من تمام الجواب على القول بأن المجيب هو الله سبحانه وأما على القول بأن المجيب هم العباد كلهم أو بعضهم فهو مستأنف لبيان ما يقوله الله سبحانه بعد جوابهم أي اليوم تجزى كل نفس بما كسبت من خير وشر لا ظلم اليوم على أحد منهم بنقص من ثوابه أو بزيادة فى عقابه ) إن الله سريع الحساب ( أى سريع حسابه لأنه سبحانه لا يحتاج إلى تفكر فى ذلك كما يحتاجه غيره لإحاطة علمه بكل شىء فلا يعزب عنه مثقال ذرة
غافر : ( 18 ) وأنذرهم يوم الآزفة . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله بإنذار عباده فقال ) وأنذرهم يوم الآزفة ( أى يوم القيامة سميت بذلك لقربها يقال أزف فلان أى قرب يأزف أزفا ومنه قول النابغة


"""""" صفحة رقم 486 """"""
أزف الترحل غير أن ركابنا
لما تزل بركابنا وكأن قد
ومنه قوله تعالى ) أزفت الآزفة ( أى قربت الساعة وقيل إن يوم الآزفة هو يوم حضور الموت والأول أولى قال الزجاج وقيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس أمرها وما هو كائن فهو قريب ) إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ( وذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة كقوله ) وبلغت القلوب الحناجر ( كاظمين مغمومين مكروبين ممتلئين غما قال الزجاج المعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر فى حال كظمهم قال قتادة وقعت قلوبهم فى الحناجر من المخافة فهى لا تخرج ولا تعود فى أمكنتها وقيل هو إخبار عن نهاية الجزع وإنما قال كاظمين باعتبار أهل القلوب لأن المعنى إذ قلوب الناس لدى حناجرهم فيكون حالا منهم وقيل حالا من القلوب وجمع الحال منها جمع العقلاء لأنه أسند إليها ما يسند إلى العقلاء فجمعت جمعه ثم بين سبحانه أنه لا ينفع الكافرين فى ذلك اليوم أحد فقال ) ما للظالمين من حميم ( أى قريب ينفعهم ) ولا شفيع يطاع ( فى شفاعته لهم ومحل يطاع الجر على أنه صفة لشفيع
غافر : ( 19 ) يعلم خائنة الأعين . . . . .
ثم وصف سبحانه شمول علمه لكل شىء وإن كان فى غاية الخفاء فقال ) يعلم خائنة الأعين ( وهى مسارقة النظر إلى ما لا يحل النظر إليه والجملة خبر آخر لقوله ) هو الذي يريكم ( قال المؤرج فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة وقال قتادة خائنة الأعين الهمز بالعين فيما لا يحب الله وقال الضحاك هو قول الإنسان ما رأيت وقد رأى ورأيت وما رأى وقال سفيان هى النظرة بعد النظرة والأول أولى وبه قال مجاهد ) وما تخفي الصدور ( من الضمائر وتسره من معاصى الله
غافر : ( 20 ) والله يقضي بالحق . . . . .
) والله يقضي بالحق ( فيجازى كل أحد بما يستحقه من خير وشر ) والذين تدعون من دونه ( أى تعبدونهم من دون الله ) لا يقضون بشيء ( لأنهم لا يعلمون شيئا ولا يقدرون على شىء قرأ الجمهور ) يدعون ( بالتحتية يعنى الظالمين واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وقرأ نافع وشيبة وهشام بالفوقية على الخطاب لهم ) إن الله هو السميع البصير ( فلا يخفى عليه من المسموعات والمبصرات خافية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابى وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود فى قوله ) أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ( قال هى مثل التى في البقرة ) وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ( كانوا أمواتا فى صلب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم أماتهم ثم يحييهم بعد الموت وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال كنتم ترابا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة فهما موتتان وحياتان كقوله ) كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ( الآية وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) يوم التلاق ( قال يوم القيامة يلتقى فيه آدم وآخر ولده وأخرج عنه أيضا قال ) يوم التلاق ( يوم الأزفة ونحو هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وأبو نعيم فى الحلية عنه أيضا قال ينادى مناد بين يدى الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات وينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول ) لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ( وأخرج ابن أبى الدنيا فى البعث والديلمى عن أبى سعيد عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) مثله وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال يجمع الله الخلق يوم القيامة بصعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط فأول ما يتكلم أن ينادى مناد ) لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ( فأول ما يبدأ به من الخصومات الدماء وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى


"""""" صفحة رقم 487 """"""
قوله ) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ( قال الرجل يكون فى القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها وإذا غفلوا لحظ إليها وإذا نظروا غض بصره عنها وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أن ينظر إلى عورتها وأخرج ابن أبى حاتم والطبرانى فى الأوسط وأبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى الشعب عنه فى الآية قال إذا نظر إليها يريد الخيانة أم لا ) وما تخفي الصدور ( قال إذا قدر عليها أيزنى بها أم لا ألا أخبركم بالتى تليها ) والله يقضي بالحق ( قادر على أن يجزى بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة وأخرج أبو داود والنسائي وابن مردويه عن سعد قال لما كان يوم فتح مكة أمن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة منهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح فاختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الناس إلى البيعة جاء به فقال يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى بيعته ثم بايعه ثم أقبل على أصحابه فقال أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآنى كففت يدى عن بيعته فيقتله فقالوا ما يدرينا يا رسول الله ما فى نفسك هلا أومأت إلينا بعينك فقال إنه لا ينبغى لنبى أن يكون له خائنة الأعين
سورة الزمر ( 21 29 )


"""""" صفحة رقم 488 """"""
غافر : ( 21 ) أولم يسيروا في . . . . .
لما خوفهم سبحانه بأحوال الآخرة أردفه ببيان تخويفهم بأحوال الدنيا فقال ) أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ( أرشدهم سبحانه إلى الاعتبار بغيرهم فإن الذين مضوا من الكفار ) كانوا هم أشد منهم قوة ( من هؤلاء الحاضرين من الكفار وأقوى ) وآثارا في الأرض ( بما عمروا فيها من الحصون والقصور وبما لهم من العدد والعدة فلما كذبوا رسلهم أهلكهم الله وقوله ) فينظروا ( إما مجزوم بالعطف على يسيروا أو منصوب بجواب الاستفهام وقوله ) كانوا أشد منهم قوة ( بيان للتفاوت بين حال هؤلاء وأولئك وقوله ) وآثارا ( عطف على قوة قرأ الجمهور أشد منهم وقرأ ابن عامر ) أشد منكم ( على الاتفات ) فأخذهم الله بذنوبهم ( أى بسبب ذنوبهم ) وما كان لهم من الله من واق ( أى من دافع يدفع عنهم العذاب وقد مر تفسير هذه الآية فى مواضع
غافر : ( 22 ) ذلك بأنهم كانت . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من الأخذ ) بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ( أى بالحجج الواضحة ) فكفروا ( بما جاءوهم به ) فأخذهم الله إنه قوي ( يفعل كل ما يريده لا يعجزه شىء ) شديد العقاب ( لمن عصاه ولم يرجع إليه
غافر : ( 23 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
ثم ذكر سبحانه قصة موسى وفرعون ليعتبروا فقال ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( هى التسع الآيات التى قد تقدم ذكرها فى غير موضع ) وسلطان مبين ( أى حجة بينة واضحة وهى التوراة
غافر : ( 24 ) إلى فرعون وهامان . . . . .
) إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ( إنه ) ساحر كذاب ( أى فيما جاء به وخصهم بالذكر لأنهم رؤساء المكذبين بموسى ففرعون الملك وهامان الوزير وقارون صاحب الأموال والكنوز
غافر : ( 25 ) فلما جاءهم بالحق . . . . .
) فلما جاءهم بالحق من عندنا ( وهى معجزاته الظاهرة الواضحة ) قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم ( قال قتادة هذا قتل غير القتل الأول لأن فرعون قد كان أمسك عن قتل الولدان وقت ولادة موسى فلما بعث الله موسى أعاد القتل على بنى إسرائيل فكان يأمر بقتل الذكور وترك النساء ومثل هذا قول فرعون سنقتل أبناءهم ونستحيى نساءهم ) وما كيد الكافرين إلا في ضلال ( أى فى خسران ووبال لأنه يذهب باطلا ويحيق بهم ما يريده الله عز وجل
غافر : ( 26 ) وقال فرعون ذروني . . . . .
) وقال فرعون ذروني أقتل موسى ( إنما قال هذا لأنه كان فى خاصة قومه يمنعه من قتل موسى مخافة أن ينزل بهم العذاب والمعنى اتركونى أقتله ) وليدع ربه ( الذى يزعم أنه أرسله إلينا فليمنعه من القتل إن قدر على ذلك أى لا يهولنكم ذلك فإنه لا رب له حقيقة بل أنا ربكم الأعلى ثم ذكر العلة التى لأجلها أراد أن يقتله فقال ) إني أخاف أن يبدل دينكم ( الذى أنتم عليه من عبادة غير الله ويدخلهم فى دينه الذى هو عبادة الله وحده ) أو أن يظهر في الأرض الفساد ( أى يوقع بين الناس الخلاف والفتنة جعل اللعين ظهور ما دعا إليه موسى وانتشاره فى الأرض واهتداء الناس به فسادا وليس الفساد إلا ما هو عليه هو ومن تابعه قرأ الكوفيون ويعقوب ) أو أن يظهر ( بأو التى للإبهام والمعنى أنه لا بد من وقوع أحد الأمرين وقرأ الباقون ? وأن يظهر ? بدون ألف على معنى وقوع الأمرين جميعا وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء من ) إني أخاف ( وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص يظهر بضم الياء وكسر الهاء من أظهر وفاعله ضمير موسى والفساد نصبا على أنه مفعول به وقرأ الباقون بفتح الياء والهاء ورفع الفساد على الفاعلية
غافر : ( 27 ) وقال موسى إني . . . . .
) وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ( قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائى ) عذت ( بإدغام الذال وقرأ الباقون بالإظهار لما هدده فرعون بالقتل استعاذ بالله عز وجل من كل متعظم عن الإيمان بالله غير مؤمن بالبعث والنشور ويدخل فرعون في هذا العموم دخولا أوليا
غافر : ( 28 ) وقال رجل مؤمن . . . . .
) وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ( قال الحسن ومقاتل والسدى كان قبطيا وهو ابن عم فرعون وهو الذى نجا مع موسى وهو المراد بقوله ) وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى ( الآية وقيل كان من بنى إسرائيل ولم يكن من آل فرعون وهو خلاف ما فى


"""""" صفحة رقم 489 """"""
الآية وقد تمحل لذلك بأن فى الآية تقديما وتأخيرا والتقدير وقال رجل مؤمن من بنى إسرائيل يكتم إيمانه من آل فرعون قال القشيرى ومن جعله إسرائيليا ففيه بعد لأنه يقال كتمه أمر كذا ولا يقال كتم منه كما قال سبحانه ) ولا يكتمون الله حديثا ( وأيضا ما كان فرعون يحتمل من بنى إسرائيل مثل هذا القول
وقد اختلف فى اسم هذا الرجل فقيل حبيب وقيل حزقيل وقيل غير ذلك قرأ الجمهور رجل بضم الجيم وقرأ لأعمش وعبد الوارث بسكونها وهى لغة تميم ونجد والأولى هى الفصيحة وقرىء بكسر الجيم ومؤمن صفة لرجل ) من آل فرعون ( صفة أخرى ويكتم إيمانه صفة ثالثة والاستفهام فى ) أتقتلون رجلا ( للإنكار و ) أن يقول ربي الله ( فى موضع نصب بنزع الخافض أى لأن يقول أو كراهة أن يقول وجملة ) وقد جاءكم بالبينات من ربكم ( فى محل نصب على الحال أى والحال أنه قد جاءكم بالمعجزات الواضحات والدلالات الظاهرات على نبوته وصحة رسالته ثم تلطف لهم فى الدفع عنه فقال ) وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ( ولم يكن قوله هذا لشك منه فإنه كان مؤمنا كما وصفه الله ولا يشك المؤمن ومعنى ) يصبكم بعض الذي يعدكم ( أنه إذا لم يصبكم كله فلا أقل من أن يصيبكم بعضه وحذفت النون من يكن فى الموضعين تخفيفا لكثرة الاستعمال كما قال سيبويه وقال أو عبيدة وأبو الهيثم بعض هنا بمعنى كل أي يصيبكم كل الذى يعدكم وأنشد أبو عبيدة على هذا اقول لبيد تراك أمكنة إذا لم أرضها
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
أى كل النفوس وقد اعترض عليه وأجيب بأن البعض قد يستعمل فى لغة العرب بمعنى الكل كما فى قول الشاعر قد يدرك المتأنى بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
وقول الآخر إن الأمور إذا الأحداث دبرها
دون الشيوخ ترى فى بعضها خللا
وليس فى البيتين ما يدل على ما زعموه وأما بيت لبيد فقيل إنه أراد ببعض النفوس نفسه ولا ضرورة تلجىء إلى حمل ما فى الآية على ذلك لأنه أراد التنزل معهم وإيهامهم أنه لا يعتقد صحة نبوته كما يفيده قوله ) يكتم إيمانه ( قال أهل المعانى وهذا على المظاهرة فى الحجاج كأنه قال لهم أقل ما يكون فى صدقه أن يصيبكم بعض الذى يعدكم وفى بعض ذلك هلاككم فكأن الحاصل بالبعض هو الحاصل بالكل وقال الليث بعض ها هنا صلة يريد يصبكم الذى يعدكم وقيل يصبكم هذا العذاب الذى يقوله فى الدنيا وهو بعض ما يتوعدكم به من العذاب وقيل إنه وعدهم بالثواب والعقاب فإذا كفروا أصابهم العقاب وهو بعض ما وعدهم به ) إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ( هذا من تمام كلام الرجل المؤمن وهو احتجاج آخر ذو وجهين أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله إلى البينات ولا أيده بالمعجزات وثانيهما أنه إذا كان كذلك خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله والمسرف المقيم على المعاصى المستكثر منها والكذاب المفترى
غافر : ( 29 ) يا قوم لكم . . . . .
) يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض ( ذكرهم ذك الرجل المؤمن ما هم فيه من الملك ليشكروا الله ولا يتمادوا فى كفرهم ومعنى ظاهرين الظهور على الناس والغلبة لهم والاستعلاء عليهم والأرض أرض مصر وانتصاب ظاهرين على الحال ) فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ( أى من يمنعنا من عذابه ويحول بيننا وبينه عند مجيئه وفى هذا تحذير منه لهم من نقمة الله بهم وإنزال عذابه عليهم فلما سمع فرعون ما قاله هذا الرجل من النصح الصحيح جاء بمراوغة يوهم بها قومه أنه لهم من النصيحة والرعاية بمكان مكين وأنه لا يسلك بهم إلا مسلكا يكون فيه جلب النفع لهم ودفع الضر عنهم ولهذا قال ) ما أريكم إلا ما أرى ( قال ابن زيد أى ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسى وقال الضحاك


"""""" صفحة رقم 490 """"""
ما أعلمكم إلا ما أعلم والرؤية هنا هى القلبية لا البصرية والمفعول الثانى هو إلا ما أرى ) وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ( أى ما أهديكم بهذا الرأى إلا طريق الحق قرأ الجمهور الرشاد بتخفيف الشين وقرأ معاذ بن جبل بتشديدها على أنها صيغة مبالغة كضراب وقال النحاس هى لحن ولا وجه لذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وقال رجل مؤمن من آل فرعون ( قال لم يكن فى آل فرعون مؤمن غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذى أنذر موسى الذى قال ) إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ( قال ابن المنذر أخبرت أن اسمه حزقيل وأخرج عبد بن حميد عن أبى إسحاق قال اسمه حبيب وأخرج البخارى وغيره عن طريق عروة قال قيل لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرنا بأشد شىء صنعه المشركون برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلى بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبى معيط فأخذ بمنكب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولوى ثوبه فى عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبيه ودفعه عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال ) أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ( وأخرج أبو نعيم فى فضائل الصحابة والبزار عن على بن أبى طالب أنه قال أيها الناس أخبرونى من أشجع الناس قالوا أنت قال أما أنى ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه ولكن أخبرونى بأشجع الناس قالوا لا نعلم فمن قال أبو بكر رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذته قريش فهذا يجنبه وهذا يتلتله وهم يقولون أنت الذى جعلت الآلهة إلها واحدا قال فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجىء هذا ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله ثم رفع بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته ثم قال أنشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر فسكت القوم فقال ألا تجيبون فوالله لساعة من أبى بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون وذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه
سورة الزمر ( 30 40 )


"""""" صفحة رقم 491 """"""
غافر : ( 30 ) وقال الذي آمن . . . . .
ثم كرر ذلك الرجل المومن تذكيرهم وحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم فقال الله حاكيا عنه ) وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب ( أى مثل يوم عذاب الأمم الماضية الذين تحزبوا على أنبيائهم وأفرد اليوم لأن جمع الأحزاب قد أغنى عن جمعه
غافر : ( 31 ) مثل دأب قوم . . . . .
ثم فسر الأحزاب فقال ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ( أى مثل حالهم فى العذاب أو مثل عادتهم فى الإقامة على التكذيب أو مثل جزاء ما كانوا عليه من الكفر والتكذيب ) وما الله يريد ظلما للعباد ( أى لا يعذبهم بغير ذنب ونفى الارادة للظلم يستلزم نفى الظلم بفحوى الخطاب
غافر : ( 32 ) ويا قوم إني . . . . .
ثم زاد فى الوعظ والتذكير فقال ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ( قرأ الجمهور التناد بتخفيف الدال وحذف الياء والأصل التنادى وهو التفاعل من النداء يقال تنادى القوم أى نادى بعضهم بعضا وقرأ الحسن وابن السميفع ويعقوب وابن كثير ومجاهد بإثبات الياء على الأصل وقرأ ابن عباس والضحاك وعكرمة بتشديد الدال قال بعض أهل اللغة هو لحن لأنه من ند يند إذا مر على وجهه هاربا قال النحاس وهذا غلط والقراءة حسنة على معنى التنافى قال الضحاك فى معناه أنهم إذا سمعوا بزفير جهنم ندوا هربا فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا صفوفا من الملائكة فيرجعون إلى المكان الذى كانوا فيه فذلك قوله ) يوم التناد ( وعلى قراءة الجمهور المعنى يوم ينادى بعضهم بعضا أو ينادى أهل النار أهل الجنة وأهل الجنة أهل النار أو ينادى فيه بسعادة السعداء وشقاوة الأشقياء أو يوم ينادى فيه كل أناس بإمامهم ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعانى
غافر : ( 33 ) يوم تولون مدبرين . . . . .
وقوله ) يوم تولون مدبرين ( بدل من يوم التناد أى منصرفين عن الموقف إلى النار أو فارين منها قال قتادة ومقاتل المعنى إلى النار بعد الحساب وجملة ) ما لكم من الله من عاصم ( فى محل نصب على الحال أى مالكم من يعصمكم من عذاب الله ويمنعكم منه ) ومن يضلل الله فما له من هاد ( يهديه إلى طريق الرشاد
غافر : ( 34 ) ولقد جاءكم يوسف . . . . .
ثم زاد فى وعظهم وتذكيرهم فقال ) ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ( أى يوسف بن يعقوب والمعنى أن يوسف بن يعقوب جاءهم بالمعجزات والآيات الواضحات من قبل مجىء موسى إليهم أي جاء إلى آبائكم فجعل المجىء إلى الآباء مجيئا إلى الأبناء وقيل المراد بيوسف هنا يوسف بن إفراثيم ابن يوسف بن يعقوب وكان أقام فيهم نبيا عشرين سنة وحكى النقاش عن الضحاك أن الله بعث إليهم رسولا من الجن يقال له يوسف والأول أولى وقد قيل إن فرعون موسى أدرك أيام يوسف بن يعقوب لطول عمره ) فما زلتم في شك مما جاءكم به ( من البينات ولم تؤمنوا به ) حتى إذا هلك ( يوسف ) قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا ( فكفروا به فى حياته وكفروا بمن بعده من الرسل بعد موته ) كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ( اي مثل ذلك الضلال الواضح يضل الله من هو مسرف في معاصي الله مستكثر منها مرتاب فى دين الله شاك فى وحدانيته ووعده ووعيده
غافر : ( 35 ) الذين يجادلون في . . . . .
والموصول فى قوله ) الذين يجادلون في آيات الله ( بدل من من والجمع باعتبار معناها أو بيان لها أو صفة أو فى محل نصب بإضمار أعنى أو خبر مبتدأ محذوف أى هم الذين أو مبتدأ


"""""" صفحة رقم 492 """"""
وخبره يطبع و ) بغير سلطان ( متعلق بيجالدون أى يجادلون فى آيات الله بغير حجة واضحة و ) آتاهم ( صفة لسلطان ) كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا ( يحتمل أن يراد به التعجب وأن يراد به الذم كبئس وفاعل كبر ضمير يعود إلى الجدال المفهوم من يجادلون وقيل فاعله ضمير يعود إلى من فى ) من هو مسرف ( والأول أولى وقوله ) عند الله ( متعلق بكبر وكذلك ) وعند الذين آمنوا ( قيل هذا من كلام الرجل المؤمن وقيل ابتداء كلام من الله سبحانه ) كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ( أى كما طبع على قلوب هؤلاء المجادين فكذلك يطبع أى يختم على كل قلب متكبر جبار قرأ الجمهور بإضافة قلب إلى متكبر واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد وفى الكلام حذف تقديره كذلك يطبع الله على كل قلب كل متكبر فحذف كل الثانية لدلالة الأولى عليها والمعنى أنه سبحانه يطبع على قلوب جميع المتكبرين الجبارين وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وابن ذكوان عن أهل الشام بتنوين قلب على أن متكبر صفة له فيكون القلب مراد به الجملة لأن القلب هو محل التكبر وسائر الأعضاء تبع له فى ذلك وقرأ ابن مسعود على قلب كل متكبر
غافر : ( 36 ) وقال فرعون يا . . . . .
ثم لما سمع فرعون هذا رجع إلى تكبره وتجبره معرضا عن الموعظة نافرا من قبولها وقال ) يا هامان ابن لي صرحا ( أى قصرا مشيدا كما تقدم بيان تفسيره ) لعلي أبلغ الأسباب ( أى الطرق قال قتادة والزهرى والسدى والأخفش هى الأبواب
غافر : ( 37 ) أسباب السماوات فأطلع . . . . .
وقوله ) أسباب السماوات ( بيان للأسباب لأن الشىء إذا أبهم ثم فسر كان أوقع فى النفوس وأنشد الأخفش عند تفسيره للآية بيت زهير ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
ولو رام أسباب السماء يسلم
وقيل أسباب السموات الأمور التى يستمسك بها ) فأطلع إلى إله موسى ( قرأ الجمهور بالرفع عطفا على أبلغ فهو على هذا داخل فى حيز الترجى وقرأ الأعرج والسلمى وعيسى بن عمر وحفص بالنصب على جواب الأمر فى قوله ) ابن لي ( أو على جواب الترجى كما قال أبو عبيد وغيره قال النحاس ومعنى النصب خلاف معنى الرفع لأن معنى النصب متى بلغت الأسباب اطلعت ومعنى الرفع لعلى أبلغ الأسباب ولعلى أطلع بعد ذلك وفى هذا دليل أن فرعون كان بمكان من الجهل عظيم وبمنزلة من فهم حقائق الأشياء سافلة جدا ) وإني لأظنه كاذبا ( أى وإنى لأظن موسى كاذبا فى ادعائه بأن له إلها أو فيما يدعيه من الرسالة ) وكذلك زين لفرعون سوء عمله ( أى ومثل ذلك التزيين زين الشيطان لفرعون سوء عمله من الشرك والتكذيب فتمادى فى الغى واستمر على الطغيان ) وصد عن السبيل ( أى سبيل الرشاد قرأ الجمهور وصد بفتح الصاد والدال أى صد فرعون الناس عن السبيل وقرأ الكوفيون وصد بضم الصاد مبنيا للمفعول واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ولعل وجه الاختيار لها منهما كونها مطابقة لما أجمعوا عليه فى زين من البناء للمفعول وقرأ يحيى بن وثاب وعلقمة صد بكسر الصاد وقرأ ابن أبى إسحاق وعبد الرحمن بن أبى بكرة بفتح الصاد وضم الدال منونا على أنه مصدر معطوف على سوء عمله أى زين له الشيطان سوء العمل والصد ) وما كيد فرعون إلا في تباب ( التباب الخسار والهلاك ومنه ) تبت يدا أبي لهب )
غافر : ( 38 ) وقال الذي آمن . . . . .
ثم إن ذلك الرجل المؤمن أعاد التذكير والتحذير كما حكى الله عنه بقوله ) وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ( أى اقتدوا بى فى الدين أهدكم طريق الرشاد وهو الجنة وقيل هذا من قول موسى والأول أولى وقرأ معاذ بن جبل الرشاد بتشديد الشين كما تقدم قريبا فى قول فرعون ووقع فى المصحف اتبعون بدون ياء وكذلك قرأ أبو عمرو ونافع بحذفها فى الوقف وإثباتها فى الوصل وقرأ يعقوب وابن كثير بإثباتها وصلا ووقفا وقرأ الباقون بحذفها وصلا ووقفا فمن أثبتها فعلى ما هو الأصل ومن حذفها فلكونها حذفت فى المصحف
غافر : ( 39 ) يا قوم إنما . . . . .
) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع ( يتمتع بها أياما ثم تنقطع وتزول ) وإن الآخرة هي دار القرار (


"""""" صفحة رقم 493 """"""
أى الاستقرار لكونها دائمة لا تنقطع ومستمرة لا تزول
غافر : ( 40 ) من عمل سيئة . . . . .
) من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ( أى من عمل فى دار الدنيا معصية من المعاصى كائنة ما كانت فلا يجزى إلا مثلها ولا يعذب إلا بقدرها والظاهر شمول الآية لكل ما يطلق عليه اسم السيئة وقيل هى خاصة بالشرك ولا وجه لذلك ) ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ( أى من عمل عملا صالحا مع كونه مؤمنا بالله وبما جاءت به رسله ) فأولئك ( الذين جمعوا بين العمل الصالح والإيمان ) يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ( أى بغير تقدير ومحاسبة قال مقاتل يقول لا تبعة عليكم فيما يعطون فى الجنة من الخير وقيل العمل الصالح هو لا إله إلا الله قرأ الجمهور يدخلون بفتح التحتية مبنيا للفاعل وقرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب وأبو بكر عن عاصم بضمها مبنيا للمفعول
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) مثل دأب ( قال مثل حال وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة ) مثل دأب قوم نوح ( قال هم الأحزاب قوم نوح وعاد وثمود وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات ( قال رؤيا يوسف وفى قوله ) الذين يجادلون في آيات الله ( قال يهود وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إلا في تباب ( قال خسران وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إنما هذه الحياة الدنيا متاع ( قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة وأخرج ابن مردويه عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الحياة الدنيا متاع وليس من متاعها شىء أفضل من المرأة الصالحة التى إذا نظرت إليها سرتك وإذا غبت عنها حفظتك فى نفسها ومالها
سورة الزمر ( 41 52 )


"""""" صفحة رقم 494 """"""
غافر : ( 41 ) ويا قوم ما . . . . .
كرر ذلك الرجل المؤمن دعاءهم إلى الله وصرح بإيمانه ولم يسلك المسالك المتقدمة من إيهامه لهم أنه منهم وأنه إنما تصدى التذكير كراهة أن يصيبهم بعض ما توعدهم به موسى كما يقوله الرجل المحب قومه من التحذير عن الوقوع فيما يخاف عليهم الوقوع فيه فقال ) ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ( أى أخبرونى عنكم كيف هذه الحال أدعوكم إلى النجاة من النار ودخول الجنة بالإيمان بالله وإجابة رسله وتدعوننى إلى النار بما تريدونه منى من الشرك قيل معنى ) ما لي أدعوكم ( مالكم أدعوكم كما تقول مالى أراك حزينا أى مالك
غافر : ( 42 ) تدعونني لأكفر بالله . . . . .
ثم فسر الدعوتين فقال ) تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم ( فقوله تدعوننى بدل من تدعوننى الأولى أو بيان لها ) ما ليس لي به علم ( أى ما لا علم لى بكونه شريكا لله ) وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ( أى إلى العزيز في انتقامه ممن كفر الغفار لذنب من آمن به
غافر : ( 43 ) لا جرم أنما . . . . .
) لا جرم ( قد تقدم تفسير هذا فى سورة هود وجرم فعل ماض بمعنى حق ولا الداخلة عليه لنفى ما ادعوه ورد ما زعموه وفاعل هذا الفعل هو قوله ) أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة ( أى حق ووجب بطلان دعوته قال الزجاج معناه ليس له استجابة دعوة تتفع وقيل ليس له دعوة توجب له الألوهية فى الدنيا ولا فى الآخرة قال الكلبى ليس له شفاعة ) وأن مردنا إلى الله ( أى مرجعنا ومصيرنا إليه بالموت أولا وبالبعث آخرا فيجازى كل أحد بما يستحقه من خير وشر ) وأن المسرفين هم أصحاب النار ( أى المستكثرين من معاصى الله قال قتادة وابن سيرين يعنى المشركين وقال مجاهد والشعبى هم السفهاء السفاكون للدماء بغير حقها وقال عكرمة الجبارون والمتكبرون وقيل هم الذين تعدوا حدود الله وأن فى الموضعين عطف على أن فى قوله ) أنما تدعونني إليه ( والمعنى وحق أن مردنا إلى الله وحق أن المسرفين الخ
غافر : ( 44 ) فستذكرون ما أقول . . . . .
) فستذكرون ما أقول لكم ( إذا نزل بكم العذاب وتعلمون أنى قد بالغت فى نصحكم وتذكيركم وفى هذا الإبهام من التخويف والتهديد ما لا يخفى ) وأفوض أمري إلى الله ( أى أتوكل عليه وأسلم أمرى إليه قيل إنه قال هذا لما أرادوا الإيقاع به قال مقاتل هرب هذا المؤمن إلى الجبل فلم يقدروا عليه وقيل القائل هو موسى والأول أولى
غافر : ( 45 ) فوقاه الله سيئات . . . . .
) فوقاه الله سيئات ما مكروا ( أى وقاه الله ما أرادوا به من المكر السىء وما أرادوه به من الشر قال قتادة نجاه الله مع بنى إسرائيل ) وحاق بآل فرعون سوء العذاب ( أى أحاط بهم ونزل عليهم سوء العذاب قال الكسائى يقال حاق يحيق حيقا وحيوقا إذا نزل ولزم قال الكلبى غرفوا فى البحر ودخلوا النار والمراد بآل فرعون فرعون وقومه وترك التصريح به للاستغناء بذكرهم عن ذكره لكونه أولى بذلك منهم أو المراد بآل فرعون فرعون نفسه والأول أولى لأنهم قد عذبوا فى الدنيا جميعا بالغرق وسيعذبون فى الآخرة بالنار
غافر : ( 46 ) النار يعرضون عليها . . . . .
ثم بين سبحانه ما أجمله من سوء العذاب فقال ) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ( فارتفاع النار على أنها بدل من سوء العذاب وقيل على أنها خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره يعرضون والأول أولى ورجحه الزجاج وعلى الوجهين الأخيرين تكون الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر وقرىء بالنصب على تقدير فعل يفسره يعرضون من حيث المعنى أى يصلون النار يعرضون عليها أو على الاختصاص وأجاز الفراء الخفض على البدل من


"""""" صفحة رقم 495 """"""
العذاب وذهب الجمهور أن هذا العرض هو فى البرزخ وقيل هو فى الآخرة قال الفراء ويكون فى الآية تقديم وتأخير أى أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ولا ملجىء إلى هذا التكلف فإن قوله ) ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ( يدل دلالة واضحة على أن ذلك العرض هو فى البرزخ وقوله ) ادخلوا ( هو بتقدير القول أى يقال للملائكة أدخلوا آل فرعون و ) أشد العذاب ( هو عذاب النار قرأ حمزة والكسائى ونافع وحفص ) ادخلوا ( بفتح الهمزة وكسر الخاء وهو على تقدير القول كما ذكر وقرأ الباقون ادخلوا بهمزة وصل من دخل يدخل أمرا لآل فرعون بالدخول بتقدير حرف النداء أى ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب
غافر : ( 47 ) وإذ يتحاجون في . . . . .
) وإذ يتحاجون في النار ( الظرف منصوب بإضمار اذكر والمعنى اذكر لقومك وقت تخاصمهم فى النار ثم بين سبحانه هذا التخاصم فقال ) فيقول الضعفاء للذين استكبروا ( عن الانقياد للأنبياء والاتباع لهم وهم رؤساء الكفر ) إنا كنا لكم تبعا ( جمع لتابع كخدم وخادم أو مصدر واقع موقع اسم الفاعل أى تابعين أو على حذف مضاف أى ذوى تبع قال البصريون التبع يكون واحدا ويكون جمعا وقال الكوفيون هو جمع لا واحد له ) فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ( أى هل تدفعون عنا نصيبا منها أو تحملونه معنا وانتصاب نصيبا بفعل مقدر يدل عليه مغنون أى هل تدفعون عنا نصيبا أو تمنعون على تضمينه معنى حاملين أى هل أنتم حاملون معنا نصيبا أو على المصدرية
غافر : ( 48 ) قال الذين استكبروا . . . . .
) قال الذين استكبروا إنا كل فيها ( هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر والمعنى إنا نحن وأنتم جميعا فى جهنم فكيف نغنى عنكم قرأ الجمهور كل بالرفع على الابتداء وخبره فيها والجملة خبر إن قاله الأخفش وقرأ ابن السميفع وعيسى بن عمر كلا بالنصب قال الكسائى والفراء على التأكيد لاسم إن بمعنى كلنا وتنوينه عوض عن المضاف إليه وقيل على الحال ورجحه ابن مالك ) إن الله قد حكم بين العباد ( أى قضى بينهم بأن فريقا فى الجنة وفريقا فى السعير
غافر : ( 49 ) وقال الذين في . . . . .
) وقال الذين في النار ( من الأمم الكافرة مستكبرهم وضعيفهم ) لخزنة جهنم ( جمع خازن وهو القوام بتعذيب أهل النار ) ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ( يوما ظرف ليخفف ومفعول يخفف محذوف أى يخفف عنا شيئا من العذاب مقدار يوم أو فى يوم
غافر : ( 50 ) قالوا أولم تك . . . . .
وجملة ) قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ( مستأنفة جواب سؤال مقدر والاستفهام للتوبيخ والتقريع ) قالوا بلى ( أى أتونا بها فكذبناهم ولم نؤمن بهم ولا بما جاءوا به من الحجج الواضحة فلما اعترفوا ) قالوا ( أى قال لهم الملائكة الذين هم خزنة جهنم ) فادعوا ( أى إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم فإنا لا ندعو لمن كفر بالله وكذب رسله بعد مجيئهم بالحجج الواضحة ثم أخبروهم بأن دعاءهم لا يفيد شيئا فقالوا ) وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ( أى فى ضياع وبطلان وخسار وتبار
غافر : ( 51 ) إنا لننصر رسلنا . . . . .
وجملة ) إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ( مستأنفة من جهته سبحانه أى نجعلهم الغالبين لأعدائهم القاهرين لهم والموصول فى محل نصب عطفا على رسلنا أى لننصر رسلنا وننصر الذين آمنوا معهم ) في الحياة الدنيا ( بما عودهم الله من الانتقام منهم بالقتل والسلب والأسر والقهر ) ويوم يقوم الأشهاد ( وهو يوم القيامة قال زيد بن أسلم الأشهاد هم الملائكة والنبيون وقال مجاهد والسدى الأشهاد الملائكة تشهد للأنبياء بالإبلاغ وعلى الأمم بالتكذيب قال الزجاج الأشهاد جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب قال النحاس ليس باب فاعل أن يجمع على أفعال ولا يقاس عليه ولكن ما جاء منه مسموعا أدى على ما يسمع فهو على هذا جمع شهيد مثل شريف وأشراف ومعنى نصرهم يوم يقوم الأشهاد أن الله يجازيهم بأعمالهم فيدخلهم الجنة ويكرمهم بكراماته ويجازى الكفار بأعمالهم فيلعنهم ويدخلهم النار
غافر : ( 52 ) يوم لا ينفع . . . . .
وهو


"""""" صفحة رقم 496 """"""
معنى قوله ) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ( أى البعد عن الرحمة ) ولهم سوء الدار ( أى النار ويوم بدل من يوم يقوم الأشهاد وإنما لم تنفعهم المعذرة لأنها معذرة باطلة وتعلة داحضة وشبهة زائغة قرأ الجمهور تنفع بالفوقية وقرأ نافع والكوفيون بالتحتية والكل جائز فى اللغة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البخارى فى تاريخه وابن المنذر عن ابن مسعود فى قوله ) وأن المسرفين هم أصحاب النار ( قال السفاكين للدماء بغير حقها وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة زاد ابن مردويه ثم قرأ ) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ( وأخرج البزار وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما أحسن محسن مسلم أو كافر إلا أثابه الله قلنا يا رسول الله ما إثابة الكافر قال المال والولد والصحة وأشباه ذلك قلنا وما إثابته في الآخرة قال عذابا دون العذاب وقرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ( وأخرج أحمد والترمذى وحسنه وابن أبى الدنيا والطبرانى وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن أبى الدرداء عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه نار جهنم يوم القيامة ثم تلا ) إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ( وأخرج ابن مردويه من حديث أبى هريرة مثله
سورة الزمر ( 53 65 )


"""""" صفحة رقم 497 """"""
غافر : ( 53 - 54 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
قوله ) ولقد آتينا موسى الهدى ( هذا من جملة ما قصه الله سبحانه قريبا من نصره لرسله أى آتيناه التوراة والنبوة كما فى قوله سبحانه ) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ( قال مقاتل الهدى من الضلالة يعنى التوراة ) وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب ( المراد بالكتاب التوراة ومعنى أورثنا أن الله سبحانه لما أنزل التوراة على موسى بقيت بعده فيهم وتوارثوها خلفا عن سلف وقيل المراد بالكتاب سائر الكتب المنزلة على أنبياء بنى إسرائيل بعد موت موسى وهدى وذكرى فى محل نصب على أنهما مفعول لأجله أى لأجل الهدى والذكر أو على أنهما مصدران فى موضع الحال أى هاديا ومذكرا والمراد بأولى الألباب أهل العقول السليمة
غافر : ( 55 ) فاصبر إن وعد . . . . .
ثم أمر الله ورسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالصبر على الأذى فقال ) فاصبر إن وعد الله حق ( أى اصبر على أذى المشركين كما صبر من قبلك من الرسل إن وعد الله الذى وعد به رسله حق لا خلف فيه ولا شك فى وقوعه كما فى قوله ) إنا لننصر رسلنا ( وقوله ) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ( قال الكلبى نسخ هذا بآية السيف ثم أمره سبحانه بالاستغفار لذنبه فقال ) واستغفر لذنبك ( قيل المراد ذنب أمتك فهو على حذف مضاف وقيل المراد الصغائر عند من يجوزها على الأنبياء وقيل هو مجرد تعبد له ( صلى الله عليه وسلم ) بالاستغفار لزيادة الثواب وققد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ) وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ( أى دم على تنزيه الله ملتبسا بحمده وقيل المراد صل فى الوقتين صلاة العصر وصلاة الفجر قاله الحسن وقتادة وقيل هما صلاتان ركعتان غدوة وركعتان عشية وذلك قبل أن تفرض الصلوات الخمس
غافر : ( 56 ) إن الذين يجادلون . . . . .
) إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ( أى بغير حجة ظاهرة واضحة جاءتهم من جهة الله سبحانه ) إن في صدورهم إلا كبر ( أى ما فى قلوبهم إلا تكبرا عن الحق يحملهم على تكذيبك وجملة ) ما هم ببالغيه ( صفة لكبر قال الزجاج المعنى ما فى صدورهم إلا كبر ما هم ببالغى إرادتهم فيه فجعله على حذف المضاف وقال غيره ما هم ببالغى الكبر وقال ابن قتيبة المعنى إن فى صدورهم إلا كبر أى تكبر على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وطمع أن يغلبوه وما هم ببالغى ذلك وقيل المراد بالكبر الأمر الكبير أى يطلبون النبوة أو يطلبون أمرا كبيرا يصلون به إليك من القتل ونحوه ولا يبلغون ذلك وقال مجاهد معناه فى صدورهم عظمة ما هم ببالغيها والمراد بهذه الآية المشركون وقيل اليهود كما سيأتى بيانه آخر البحث إن شاء الله ثم أمره الله سبحانه بأن يستعيذ بالله من شرورهم فقال ) فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير ( أى فالتجىء إليه من شرهم وكيدهم وبغيهم عليك إنه السميع لأقوالهم البصير بأفعالهم لا تخفى عليه من ذلك خافية
غافر : ( 57 ) لخلق السماوات والأرض . . . . .
ثم بين سبحانه عظيم قدرته فقال ) لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ( أى أعظم فى النفوس وأجل فى الصدور لعظم أجرامهما واستقرارهما من غير عمد وجريان الأفلاك بالكواكب من غير سبب فكيف ينكرون البعث وإحياء ما هو دونهما من كل وجه كما فى قوله ) أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ( قال أبو العالية المعنى لخلق السموات والأرض أعظم من خلق الدجال حين عظمته الهيود وقال يحيى بن سلام هو احتجاج على منكرى البعث أى هما أكبر من إعادة خلق الناس ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( بعظيم قدرة الله وأنه لا يعجزه شىء
غافر : ( 58 ) وما يستوي الأعمى . . . . .
ثم لما ذكر


"""""" صفحة رقم 498 """"""
سبحانه الجدال بالباطل ذكر مثالا للباطل والحق وأنهما لا يستويان فقال ) وما يستوي الأعمى والبصير ( أى الذى يجادل بالباطل والذى يجادل بالحق ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء ( أى ولا يستوى المحسن بالإيمان والعمل الصالح والمسىء بالكفر والمعاصى وزيادة لا فى ولا المسىء للتأكيد ) قليلا ما تتذكرون ( قرأ الجمهور يتذكرون بالتحتية على الغيبة واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لأن قبلها وبعدها على الغيبة لا على الخطاب وقرأ الكوفيون بالفوقية على الخطاب بطريقة الالتفات أى تذكرا قليلا ما تتذكرون
غافر : ( 59 ) إن الساعة لآتية . . . . .
) إن الساعة لآتية لا ريب فيها ( أى لا شك فى مجيئها وحصولها ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( بذلك ولا يصدقونه القصور أفهامهم وضعف عقولهم عن إدراك الحجة والمراد بأكثر الناس الكفار الذين ينكرون البعث
غافر : ( 60 ) وقال ربكم ادعوني . . . . .
ثم لما بين سبحانه أن قيام الساعة حق لا شك فيه ولا شبهة أرشد عباده إلى ما هو الوسيلة إلى السعادة فى دار الخلود فأمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يحكى عنه ما أمره بإبلاغه وهو ) وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ( قال أكثر المفسرين المعنى وحدونى واعبدونى أتقبل عبادتكم وأغفر لكم وقيل المراد بالدعاء السؤال بجلب النفع ودفع الضر قيل الأول أولى لأن الدعاء فى أكثر استعمالات الكتاب العزيز هو العبادة قلت بل الثانى أولى لأن معنى الدعاء حقيقة وشرعا هو الطلب فإن استعمل فى غير ذلك فهو مجاز على أن الدعاء فى نفسه باعتبار معناه الحقيقى هو عبادة بل مخ العبادة كما ورد بذلك الحديث الصحيح فالله سبحانه قد أمر عباده بدعائه ووعدهم بالإجابة ووعده الحق وما يبدل القول لديه ولا يخلف الميعاد ثم صرح سبحانه بأن هذا الدعاء باعتبار معناه الحقيقى وهو الطلب هو من عبادته فقال ) إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ( أى ذليلين صاغرين وهذا وعيد شديد لمن استكبر عن دعاء الله وفيه لطف بعباده عظيم وإحسان إليهم جليل حيث توعد من ترك طلب الخير منه واستدفاع الشر به بهذا الوعيد البالغ وعاقبه بهذه العقوبة العظيمة فيا عباد الله وجهوا رغباتكم وعولوا فى كل طلباتكم على من أمركم بتوجيهها إليه وأرشدكم إلى التعويل عليه وكفل لكم الإجابة به بإعطاء الطلبة فهو الكريم المطلق الذى يجيب دعوة الداعى إذا دعاه ويغضب على من لم يطلب من فضله العظيم وملكه الواسع ما يحتاجه من أمور الدنيا والدين قيل وهذا الوعد بالإجابة مقيد بالمشيئة أى أستجب لكم إن شئت كقوله سبحانه ) فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ( الله قرأ الجمهور سيدخلون بفتح الياء وضم الخاء مبنيا للفاعل وقرأ ابن كثير وابن محيصن وورش وأبو جعفر بضم الياء وفتح الخاء مبنيا للمفعول
غافر : ( 61 ) الله الذي جعل . . . . .
ثم ذكر سبحانه بعض ما أنعم به على عباده فقال ) الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه ( من الحركات فى طلب الكسب لكونه جعله مظلما باردا تناسبه الراحة بالسكون والنوم ) والنهار مبصرا ( أى مضيئا لتبصروا فيه حوائجكم وتتصرفوا فى طلب معايشكم ) إن الله لذو فضل على الناس ( يتفضل عليهم بنعمه التى لا تحصى ) ولكن أكثر الناس لا يشكرون ( النعم ولا يعترفون بها إما لجحودهم لها وكفرهم بها كما هو شأن الكفار أو لإغفالهم للنظر وإهمالهم لما يجب من شكر المنعم وهم الجاهلون
غافر : ( 62 ) ذلكم الله ربكم . . . . .
) ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو ( بين سبحانه فى هذا كمال قدرته المقتضية لوجوب توحيده قرأ الجمهور خالق بالرفع على أنه خبر بعد الخبر الأول عن المبتدأ وقرأ زيد بن على بنصبه على الاختصاص ) فأنى تؤفكون ( أى فكيف تنقلبون عن عبادته وتنصرفون عن توحيده
غافر : ( 63 ) كذلك يؤفك الذين . . . . .
) كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون ( أى مثل الإفك يؤفك الجاحدون لآيات الله المنكرون لتوحيده
غافر : ( 64 ) الله الذي جعل . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من نعمه التى أنعم بها عليهم مع ما فى ذلك من الدلالة على كمال قدرته وتفرده بالإلهية فقال ) الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء ( أى موضع قرار فيها تحيون وفيها تموتون ) والسماء بناء ( أى سقفا قائما ثابتا ثم بين بعض


"""""" صفحة رقم 499 """"""
نعمه المتعلقة بأنفس العباد فقال ) وصوركم فأحسن صوركم ( أى خلقكم فى أحسن صورة قال الزجاج خقلكم أحسن الحيوان كله قرأ الجمهور ) صوركم ( بضم الصاد وقرأ الأعمش وأبو رزين بكسرها قال الجوهرى والصور بكسر الصاد لغة فى الصور بضمها ) ورزقكم من الطيبات ( أى المستلذات ) ذلكم ( المبعوث بهذه النعوت الجليلة ) الله ربكم فتبارك الله رب العالمين ( أى كثرة خيره وبركته
غافر : ( 65 ) هو الحي لا . . . . .
) هو الحي لا إله إلا هو ( أي الباقى الذى لا يفنى المنفرد بالألوهية ) فادعوه مخلصين له الدين ( أى الطاعة والعبادة ) الحمد لله رب العالمين ( قال الفراء هو خبر وفيه إضمار أمر أي احمدوه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم قال السيوطى بسند صحيح عن أبى العالية قال إن اليهود أتوا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إن الدجال يكون منا فى آخر الزمان ويكون فى أمره فعظموا أمره وقالوا نصنع كذا ونصنع كذا فأنزل الله ) إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ( قال لا يبلغ الذى يقول ) فاستعذ بالله ( فأمر نبيه أن يتعوذ من فتنة الدجال لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الدجال وأخرج ابن أبى حاتم عن كعب الأحبار فى الآية قال هم اليهود نزلت فيهم فيما ينتظرونه من أمر الدجال وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) إن في صدورهم إلا كبر ( قال عظمة قريش وأخرج سعيد بن منصور وابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخارى فى الأدب المفرد وأبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانى وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية والبيهقى فى الشعب عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الدعاء هو العبادة ثم قرأ ) وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي ( قال عن دعائى ) سيدخلون جهنم داخرين ( قال الترمذى حسن صحيح وأخرج ابن مردويه والخطيب عن البراء أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الدعاء هو العبادة وقال ربكم ادعونى أستجب لكم وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو الشيخ فى العظمة عن ابن عباس فى قوله ) ادعوني أستجب لكم ( قال وحدونى أغفر لكم وأخرج الحاكم وصححه عن جرير بن عبد الله فى الآية قال اعبدونى وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الدعاء الاستغفار وأخرج ابن أبى شيبة والحاكم وأحمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله عليه وسلم من لم يدع الله يغضب عليه وأخرج أحمد والحكيم والترمذى وأبو يعلى والطبرانى عن معاذ بن جبل عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا ينفع حذر من قدر ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم بالدعاء وأخرج الترمذى والحكيم الترمذى فى نوادر الأصول عن أنس بن مالك قال قال رسول ( صلى الله عليه وسلم ) الدعاء مخ العبادة وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال أفضل العبادة الدعاء وقرأ ) وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ( الآية وأخرج البخارى فى الأدب عن عائشة قالت سئل النبى ( صلى الله عليه وسلم ) أي العبادة أفضل فقال دعاء المرء لنفسه وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس قال من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين وذلك قوله ) فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين (


"""""" صفحة رقم 500 """"""
سورة غافر ( 66 85 )


"""""" صفحة رقم 501 """"""
غافر : ( 66 ) قل إني نهيت . . . . .
أمر الله سبحانه رسوله أن يخبر المشركين بأن الله نهاه عن عبادة غيره وأمره بالتوحيد فقال ) قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ( وهى الأصنام ثم بين وجه النهى فقال ) لما جاءني البينات من ربي ( وهى الأدلة العقلية والنقلية فإنها توجب التوحيد ) وأمرت أن أسلم لرب العالمين ( أى أستسلم له بالانقياد والخضوع
غافر : ( 67 ) هو الذي خلقكم . . . . .
ثم أردف هذا بذكر دليل من الأدلة على التوحيد فقال ) هو الذي خلقكم من تراب ( أى خلق أباكم الأول وهو آدم وخلقه من تراب يستلزم خلق ذريته منه ) ثم من نطفة ثم من علقة ( قد تقدم تفسير هذا فى غير موضع ) ثم يخرجكم طفلا ( أى أطفالا وأفرده لكونه اسم جنس أو على معنى يخرج كل واحد منكم طفلا ) ثم لتبلغوا أشدكم ( وهى الحالة التى تجتمع فيها القوة والعقل وقد سبق بيان الأشد مستوفى فى الأنعام واللام التعليلية فى لتبلغوا معطوفة على علة أخرى ليخرجكم مناسبة لها والتقدير لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا غاية الكمال وقوله ) ثم لتكونوا شيوخا ( معطوف على لتبلغوا قرأ نافع وحفص وأبو عمرو وابن محيصن وهشام ) شيوخا ( بضم الشين وقرأ الباقون بكسرها وقرىء وشيخا على الإفراد لقوله طفلا والشيخ من جاوز أربعين سنة ) ومنكم من يتوفى من قبل ( أى من قبل الشيخوخة ) ولتبلغوا أجلا مسمى ( أي وقت الموت أو يوم القيامة واللام هى لام العاقبة ) ولعلكم تعقلون ( أى لكى تعقلوا توحيد ربكم وقدرته البالغة فى خلقكم على هذه الأطوار المختلفة
غافر : ( 68 ) هو الذي يحيي . . . . .
) هو الذي يحيي ويميت ( أى يقدر على الإحياء والإماتة ) فإذا قضى أمرا ( من الأمور التى يريدها ) فإنما يقول له كن فيكون ( من غير توقف وهو تمثيل لتأثير قدرته فى المقدورات عند تعلق إرادته بها وقد تقدم تحقيق معناه فى البقرة وفيما بعدها
غافر : ( 69 ) ألم تر إلى . . . . .
ثم عجب سبحانه من أحوال المجادلين فى آيات الله فقال ) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله ( وقد سبق بيان معنى المجادلة ) أنى يصرفون ( أى كيف يصرفون عنها مع قيام الأدلة الدالة على صحتها وأنها في أنفسها موجبة للتوحيد
غافر : ( 70 ) الذين كذبوا بالكتاب . . . . .
قال ابن زيد هم المشركون بدليل قوله ) الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا ( قال القرطبى وقال أكثر المفسرين نزلت فى القدرية قال ابن سيرين إن لم تكن هذه لآية نزلت فى القدرية فلا أدرى فيمن نزلت ويجاب عن هذا بأن الله سبحانه قد وصف هؤلاء بصفة تدل على غير ما قالوه فقال ) الذين كذبوا بالكتاب ( أى بالقرآن وهذا وصف لا يصح أن يطلق على فرقة من فرق الإسلام والموصول إما فى محل جر على أنه نعت للموصول الأول أو بدل منه ويجوز أن يكون فى محل نصب على الذم والمراد بالكتاب إما القرآن أو جنس الكتب المنزلة من عند الله وقوله ) وبما أرسلنا به رسلنا ( معطوف على قوله بالكتاب ويراد به ما يوحى إلى الرسل من غير كتاب إن كانت اللام فى الكتاب للجنس أو سائر الكتب إن كان المراد بالكتاب القرآن ) فسوف يعلمون ( عاقبة أمرهم ووبال كفرهم وفى هذا وعيد شديد
غافر : ( 71 - 72 ) إذ الأغلال في . . . . .
والظرف فى قوله ) إذ الأغلال في أعناقهم ( متعلق بيعلمون أى فسوف يعلمون وقت كون الأغلال فى أعناقهم ) والسلاسل ( معطوف على الأغلال والتقدير إذ الأغلال والسلاسل فى أعناقهم ويجوز أن يرتفع السلاسل على أنه مبتدأ وخبره محذوف لدلالة فى أعناقهم عليه ويجوز أن يكون خبره ) يسحبون في الحميم ( بحذف العائد أى يسحبون بها فى الحميم وهذا على قراءة الجمهور برفع السلاسل وقرأ ابن عباس وابن مسعود وعكرمة وأبو الجوزاء بنصبها وقرءوا يسحبون بفتح الياء مبنيا للفاعل فتكون السلاسل مفعولا مقدما وقرأ بعضهم بجر السلاسل قال الفراء وهذه القراءة محمولة على المعنى إذ المعنى أعناقهم فى الأغلال والسلاسل وقال الزجاج المعنى على هذه القراءة وفى السلاسل يسحبون واعترضه ابن الأنبارى بأن ذلك لا يجوز فى العربية ومحل يسحبون على تقدير عطف السلاسل على الأغلال وعلى تقدير كونها مبتدأ وخبرها فى أعناقهم النصب على الحال أو لا محل له


"""""" صفحة رقم 502 """"""
بل هو مستأنف جواب سؤال مقدر والحميم هو المتناهى فى الحر وقيل الصديد وقد تقدم تفسيره ) ثم في النار يسجرون ( يقال سجرت التنور أى أوقدته وسجرته ملأته بالوقود ومنه ) والبحر المسجور ( أى المملوء فالمعنى توقد بهم النار أو تملأ بهم قال مجاهد ومقاتل توقد بهم النار فصاروا وقودها
غافر : ( 73 - 74 ) ثم قيل لهم . . . . .
) ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله ( هذا توبيخ وتقريع لهم أى أين الشركاء الذين كنتم تعبدونهم من دون الله ) قالوا ضلوا عنا ( أى ذهبوا وفقدناهم فلا نراهم ثم أضربوا عن ذلك وانتقلوا إلى الإخبار بعدمهم وأنه لا وجود لهم فقالوا ) بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا ( أى لم نكن نعبد شيئا قالوا هذا لما تبين لهم ما كانوا فيه من الضلالة والجهالة وأنهم كانوا يعبدون ما لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع وليس هذا إنكار منهم لوجود الأصنام التى كانوا يعبدونها بل اعتراف منهم بأن عبادتهم إياها كانت باطلة ) كذلك يضل الله الكافرين ( أى مثل ذلك الضلال يضل الله الكافرين حيث عبدوا هذه الأصنام التى أوصلتهم إلى النار
غافر : ( 75 ) ذلكم بما كنتم . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى الإضلال المدلول عليه بالفعل أى ذلك الإضلال بسبب ) بما كنتم تفرحون في الأرض ( أى بما كنتم تظهرون فى الدنيا من الفرح بمعاصى الله والسرور بمخالفة رسله وكتبه وقيل بما كنتم تفرحون به من المال والأتباع والصحة وقيل بما كنتم تفرحون به من إنكار البعث وقيل المراد بالفرح هنا البطر والتكبر وبالمرح الزيادة فى البطر وقال مجاهد وغيره تمرحون أى تبطرون وتأشرون وقال الضحاك الفرح والسرور والمرح العدوان وقال مقاتل المرح البطر والخيلاء
غافر : ( 76 ) ادخلوا أبواب جهنم . . . . .
) ادخلوا أبواب جهنم ( حال كونكم ) خالدين فيها ( أي مقدرين الخلود فيها ) فبئس مثوى المتكبرين ( عن قبول الحق جهنم
غافر : ( 77 ) فاصبر إن وعد . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالصبر فقال ) فاصبر إن وعد الله حق ( أى وعده بالانتقام منهم كائن لا محالة إما فى الدنيا أو فى الآخرة ولهذا قال ) فإما نرينك بعض الذي نعدهم ( من العذاب فى الدنيا بالقتل والأسر والقهر وما فى ) فأما ( زائدة على مذهب المبرد والزجاج والأصل فإن نرك ولحقت بالفعل نون التأكيد وقوله ) أو نتوفينك ( معطوف على نرينك أى أو نتوفينك قبل إنزال العذاب بهم ) فإلينا يرجعون ( يوم القيامة فنعذبهم
غافر : ( 78 ) ولقد أرسلنا رسلا . . . . .
) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ( أى أنبأناك بأخبارهم وما لقوه من قومهم ) ومنهم من لم نقصص عليك ( خبره ولا أوصلنا إليك علم ما كان بينه وبين قومه ) وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ( لا من قبل نفسه والمراد بالآية المعجزة الدالة على نبوته ) فإذا جاء أمر الله ( أى إذا جاء الوقت المعين لعذابهم فى الدنيا أو فى الآخرة ) قضي بالحق ( فيما بينهم فينجى الله بقضائه الحق عباده المحقين ) وخسر هنالك ( أى فى ذلك الوقت ) المبطلون ( الذين يتبعون الباطل ويعملون به
غافر : ( 79 ) الله الذي جعل . . . . .
ثم امتن سبحانه على عباده بنوع من أنواع نعمه التى لا تحصى فقال ) الله الذي جعل لكم الأنعام ( أى خلقها لأجلكم قال الزجاج الأنعام ها هنا الإبل وقيل الأزواج الثمانية ) لتركبوا منها ( من للتبعيض وكذلك فى قوله ) ومنها تأكلون ( ويجوز أن تكون لابتداء الغاية فى الموضعين ومعناها ابتداء الركوب وابتداء الأكل والأول أولى والمعنى لتركبوا بعضها وتأكلوا بعضها
غافر : ( 80 ) ولكم فيها منافع . . . . .
) ولكم فيها منافع ( أخر غير الركوب والأكل من الوبر والصوف والشعر والزبد والسمن الجبن وغير ذلك ) ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ( قال مجاهد ومقاتل وقتادة تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد وقد تقدم بيان هذا مستوفى فى سورة النحل ) وعليها وعلى الفلك تحملون ( أى على الإبل فى البر وعلى السفن فى البحر وقيل المراد بالحمل على الأنعام هنا حمل الولدان والنساء بالهوادج
غافر : ( 81 ) ويريكم آياته فأي . . . . .
) ويريكم آياته ( أى دلالاته الدالة على كمال قدرته ووحدانيته ) فأي آيات الله تنكرون ( فإنها كلها من الظهور وعدم الخفاء بحيث لا ينكرها منكر ولا يجحدها جاحد وفيه تقريع لهم وتوبيخ عظيم ونصب أى بتنكرون وإنما قدم على العامل فيه لأن له صدر الكلام
غافر : ( 82 ) أفلم يسيروا في . . . . .
ثم أرشدهم سبحانه إلى الاعتبار والتفكر فى آيات الله فقال ) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ( من


"""""" صفحة رقم 503 """"""
الأمم التى عصت الله وكذبت رسلها فإن الآثار الموجودة فى ديارهم تدل على ما نزل بهم من العقوبة وما صاروا إليه من سوء العاقبة ثم بين سبحانه أن تلك الأمم كانوا فوق هؤلاء فى الكثرة والقوة فقال ) كانوا أكثر منهم وأشد قوة ( أى أكثر منهم عددا وأقوى منهم أجسادا وأوسع منهم أموالا و أظهر منهم ) وآثارا في الأرض ( بالعمائر والمصانع والحرث ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( يجوز أن تكون ما الأولى استفهامية أى أى شىء أغنى عنهم أو نافية أى لم يغن عنهم وما الثانية يجوز أن تكون موصولة وأن تكون مصدرية
غافر : ( 83 ) فلما جاءتهم رسلهم . . . . .
) فلما جاءتهم رسلهم بالبينات ( أى بالحجج الواضحات والمعجزات الظاهرات ) فرحوا بما عندهم من العلم ( أى أظهروا الفرح بما عندهم مما يدعون أنه من العلم من الشبه الداحضة والدعاوى الزائغة وسماه علما تهكما بهم أو على ما يعتقدونه وقال مجاهد قالوا نحن أعلم منهم لن نعذب ولن نبعث وقيل المراد من علم أحوال الدنيا لا الدين كما فى قوله ) يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ( وقيل الذين فرحوا بما عندهم من العلم هم الرسل وذلك أنه لما كذبهم قومهم أعلمهم الله بأنه مهلك الكافرين ومنجى المؤمنين ففرحوا بذلك ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( أى أحاط بهم جزاء استهزائهم
غافر : ( 83 ) فلما جاءتهم رسلهم . . . . .
) فلما رأوا بأسنا ( أى عاينوا عذابنا النازل بهم ) قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ( وهى الأصنام التى كانوا يعبدونها
غافر : ( 85 ) فلم يك ينفعهم . . . . .
) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( أى عند معاينة عذابنا لأن ذلك الإيمان ليس بالإيمان النافع لصاحبه فإنه إنما ينفع الإيمان الاختيارى لا الإيمان الاضطرارى ) سنة الله التي قد خلت في عباده ( أى التى قد مضت فى عباده والمعنى أن الله سبحانه سن هذه السنة فى الأمم كلها أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب وقد مضى بيان هذا فى سورة النساء وسورة التوبة وانتصاب سنة على أنها مصدر مؤكد لفعل محذوف بمنزلة وعد الله وما أشبهه من المصادر المؤكدة وقيل هو منصوب على التحذير أى احذروا يا أهل مكة سنة الله فى الأمم الماضية والأول أولى ) وخسر هنالك الكافرون ( أى وقت رؤيتهم بأس الله ومعاينتهم لعذابه قال الزجاج الكافر خاسر فى كل وقت ولكنه يتبين لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد والترمذى وحسنه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى البعث والنشور عن عبد الله بن عمرو قال تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) إذ الأغلال في أعناقهم ( إلى قوله ) يسجرون ( فقال لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى جمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهى مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها أو قال قعرها وأخرج ابن أبى الدنيا فى صفة النار عن ابن عباس قا يسحبون فى الحميم فينسلخ كل شىء عليهم من جلد ولحم وعرق حتى يصير فى عقبه حتى إن لحمه قدر طوله وطوله ستون ذراعا ثم يكسى جلدا آخر ثم يسجر فى الحميم وأخرج الطبرانى فى الأوسط وابن مردويه عن على بن أبى طالب فى قوله ) ومنهم من لم نقصص عليك ( قال بعث الله عبدا حبشيا فهو ممن لم يقصص على محمد


"""""" صفحة رقم 504 """"""
ع41
تفسير
سورة حم السجدة
وتسمى سورة فصلت وهى أربع وخمسون آية وقيل ثلاث وخمسون
حول السورة
قال القرطبى وهى مكية فى قول الجميع وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير أنها نزلت بمكة وأخرج ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقى كلاهما فى الدلائل وابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال اجتمع قريش يوما فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذى قد فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه فقالوا ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة فقالوا ائت يا أبا الوليد فأتاه فقال يا محمد أنت خير أم عبد الله أنت خير أم عبد المطلب فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التى عبت وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك أما والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك فرقت جماعتنا وشتت أمرنا وعبت ديننا وفضحتنا فى العرب حتى لقد طار فيهم أن فى قريش ساحرا وأن فى قريش كاهنا والله ما تنتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف يا رجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا وإن كان إنما بك الباءة فاختر أى نساء قريش شئت فلنزوجنك عشرا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرغت قال نعم فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بسم الله الرحمن الرحيم ) حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته ( حتى بلغ ) فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ( فقال عتبة حسبك حسبك ما عندك غير هذا قال لا فرجع إلى قريش فقالوا ما وراءك قال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته فقالوا فهل أجابك قال والذى نصبها بنية ما فهمت شيئا مما قال غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود قالوا ويلك يكلمك الرجل بالعربية وما تدرى ما قال قال لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة وأخرج أبو نعيم والبيهقى كلاهما فى الدلائل عن ابن عمر قال لما قرأ النبى ( صلى الله عليه وسلم ) على عتبة بن ربيعة حم تمزيل من الرحمن الرحيم أتى أصحابه فقال يا قوم أطيعونى فى هذا اليوم واعصونى بعده فوالله لقد سمعت من هذا الرجل كلاما ما سمعت أذنى قط كلاما مثله وما دريت ما أرد عليه وفى هذا الباب روايات تدل على اجتماع قريش وإرسالهم عتبة بن ربيعة وتلاوته ( صلى الله عليه وسلم ) أول هذه السورة عليه
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة السجدة ( 1 14 )


"""""" صفحة رقم 505 """"""
فصلت : ( 1 ) حم
قوله ) حم ( قد تقدم الكلام على إعرابه ومعناه فى السورة التى قبل هذه السورة فلا نعيده
فصلت : ( 2 ) تنزيل من الرحمن . . . . .
وكذلك تقدم الكلام على معنى ) تنزيل ( وإعرابه قال الزجاج والأخفش تنزيل مرفوع بالابتداء وخبره ( كتاب فصلت ( وقال الفراء يجوز أن يكون على إضمار هذا ويجوز أن يقال كتاب بدل من قوله تنزيل و ) من الرحمن الرحيم ( متعلق بتنزيل
فصلت : ( 3 ( كتاب فصلت آياته . . . . .
ومعنى ) فصلت آياته ( بينت أو جعلت أساليب مختلفة قال قتادة فصلت ببيان حلاله من حرامه وطاعته من معصيته وقال الحسن بالوعد والوعيد وقال سفيان بالثواب والعقاب ولا مانع من الحمل على الكل والجملة فى محل نصب صفة لكتاب وقرىء فصلت بالتخفيف أى فرقت بين الحق والباطل وانتصاب ) قرآنا عربيا ( على الحال أي فصلت آياته حال كونه قرآنا عربيا وقال الأخفش نصب على المدح وقيل على المصدرية أى يقرؤه قرآنا وقيل مفعول ثان لفصلت وقيل على إضمار فعل يدل عليه فصلت أى فصلناه قرآنا عربيا ) لقوم يعلمون ( أى يعلمون معانيه ويفهمونها وهم أهل اللسان العربى قال الضحاك أى يعلمون أن القرآن منزل من عند الله وقال مجاهد أى يعلمون أنه إله واحد فى التوراة والإنجيل واللام متعلقة بمحذوف صفة أخرى لقرآن أى كائنا لقوم أو متعلق بفصلت والأول أولى
فصلت : ( 4 ) بشيرا ونذيرا فأعرض . . . . .
وكذلك ) بشيرا ونذيرا ( صفتان أخريان لقرآنا أو حالان من كتاب والمعنى بشيرا لأولياء الله ونذيرا لأعدائه وقرىء بشير ونذير بالرفع على أنهما صفة لكتاب أو خبر مبتدأ محذوف ) فأعرض أكثرهم ( المراد بالأكثر هنا الكفار أى فأعرض الكفار عما اشتمل عليه من النذارة ) فهم لا يسمعون ( سماعا ينتفعون به لإعراضهم عنه
فصلت : ( 5 ) وقالوا قلوبنا في . . . . .
) وقالوا قلوبنا في أكنة ( أى فى أغطية مثل الكنانة التى فيها السهام فهى لا تفقه ما تقول ولا يصل إليها قولك والأكنة جمع كنان وهو الغطاء قال مجاهد الكنان للقلب كالجنة للنبل وقد تقدم بيان هذا فى البقرة ) وفي آذاننا وقر ( أى صمم وأصل الوقر


"""""" صفحة رقم 506 """"""
الثقل وقرأ طلحة بن مصرف وقر بكسر الواو وقرىء بفتح الواو والقاف و من فى ) ومن بيننا وبينك حجاب ( لابتدء الغاية والمعنى أن الحجاب ابتدأ منا وابتدأ منك فالمسافة المتوسطة بين جهتنا وجهتك مستوعية بالحجاب لا فراغ فيها وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق ومج أسماعهم له وامتناع المواصلة بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فاعمل إننا عاملون ( أى اعمل على دينك إننا عاملون على ديننا وقال الكلبى اعمل فى هلاكنا فإنا عاملون فى هلاكك وقال مقاتل اعمل لإلهك الذى أرسلك فإنا نعمل لآلهتنا التى نعبدها وقيل اعمل لآخرتك فإنا عاملون لدنيانا
فصلت : ( 6 ) قل إنما أنا . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عن قولهم هذا فقال ) قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ( أى إنما أنا كواحد منكم لولا الوحى ولم أكن من جنس مغاير لكم حتى تكون قلوبكم فى أكنة مما أدعوكم إليه وفى آذانكم وقرو من بينى وبينكم حجاب ولم أدعكم إلى ما يخالف العقل وإنما أدعوكم إلى التوحيد قرأ الجمهور ) يوحى ( مبنيا للمفعول وقرأ الأعمش والنخعى مبنيا للفاعل أى يوحى الله إلى قيل ومعنى الآية إنى لا أقدر على أن أحملكم على الإيمان قسرا فإنى بشر مثلكم ولا امتياز لى عنكم إلا أنى أوحى إلى التوحيد والأمر به فعلى البلاغ وحده فإن قبلتم رشدتم وإن أبيتم هلكتم وقيل المعنى إنى لست بملك وإنما أنا بشر مثلكم وقد أوحى إلى دونكم فصرت بالوحى نبيا ووجب عليكم اتباعى وقال الحسن فى معنى الآية إن الله سبحانه علم رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) كيف يتواضع ) فاستقيموا إليه ( عداه بإلى لتضمنه معنى توجهوا والمعنى وجهوا استقامتكم إليه بالطاعة ولا تميلوا عن سبيله ) واستغفروه ( لما فرط منكم من الذنوب ثم هدد المشركين وتوعدهم فقال ) وويل للمشركين )
فصلت : ( 7 ) الذين لا يؤتون . . . . .
ثم وصفهم بقوله ) الذين لا يؤتون الزكاة ( أى يمنعونها ولا يخرجونها إلى الفقراء وقال الحسن وقتادة لا يقرون بوجوبها وقال الضحاك ومقاتل لا يتصدقون ولا ينفقون فى الطاعة وقيل معنى الآية لا يشهدون أن لا إله إلا الله لأنها زكاة الأنفس وتطهيرها وقال الفراء كان المشركون ينفقون النفقات ويسقون الحجيج ويطعمونهم فحرموا ذلك على من آمن بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت فيهم هذه الآية ) وهم بالآخرة هم كافرون ( معطوف على لا يؤتون داخل معه فى حيز الصلة أى منكرون للآخرة جاحدون لها والمجىء بضمير الفصل لقصد الحصر
فصلت : ( 8 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون ( أى غير مقطوع عنهم يقال مننت الحبل إذا قطعته ومنه قول الأصبغ الأودى إنى لعمرك ما آبي بذى علق
على الصديق ولا خيرى بممنون
وقيل الممنون المنقوص قاله قطرب وأنشد قول زهير فضل الجواد على الخيل البطاقا
يعطى بذلك ممنونا ولا مرقا
قال الجوهرى المن القطع ويقال النقص ومنه قوله تعالى ) لهم أجر غير ممنون ( وقال لبيد عنسا كواسب لا يمن طعامها
وقال مجاهد غير ممنون غير محسوب وقيل معنى الآية لا يمن عليهم به لأنه إنما يمن بالتفضل فأما الأجر فحق أداؤه وقال السدى نزلت فى المرضى والزمنى والهرمى إذا ضعفوا عن الطاعة كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه
فصلت : ( 9 ) قل أئنكم لتكفرون . . . . .
ثم أمر سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يوبخهم ويقرعهم فقال ) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ( أى لتكفرون بمن شأنه هذا الشأن العظيم وقدرته هذه القدرة الباهرة قيل اليومان هما يوم الأحد ويوم الاثنين وقيل المراد مقدار يومين لأن اليوم الحقيقى إنما يتحقق بعد وجود الأرض والسماء قرأ الجمهور أئنكم بهمزتين الثانية بين بين وقرأ ابن كثير بهمزة


"""""" صفحة رقم 507 """"""
وبعدها ياء خفيفة ) وتجعلون له أندادا ( أى أضدادا وشركاء والجملة معطوفة على تكفرون داخلة تحت الاستفهام والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الموصول المتصف بما ذكر وهو مبتدأ وخبره ) رب العالمين ( ومن جملة العالمين ما تجعلونها أندادا لله فكيف تجعلون بعض مخلوقاته شركاء له فى عبادته
فصلت : ( 10 ) وجعل فيها رواسي . . . . .
وقوله ) وجعل فيها رواسي ( معطوف على خلق أى كيف تكفرون بالذى خلق الأرض وجعل فيها رواسى أى جبالا ثوابت من فوقها وقيل جملة وجعل فيها رواسى مستأنفة غير معطوفة على خلق لوقوع الفصل بينهما بالأجنبى والأول أولى لأن الجملة الفاصلة هى مقررة لمضمون ما قبلها فكانت بمنزلة التأكيد ومعنى ) من فوقها ( أنها مرتفعة عليها لأنها من أجزاء الأرض وإنما خالفتها باعتبار الارتفاع فكانت من هذه الحيثية كالمغايرة لها ) وبارك فيها ( أى جعلها مباركة كثيرة الخير بما خلق فيها من المنافع للعباد قال السدى أنبت فيها شجرها ) وقدر فيها أقواتها ( قال قتادة ومجاهد خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها وقال الحسن وعكرمة والضحاك قدر فيها أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع جعل فى كل بلد ما لم يجعله فى الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد إلى بلد ومعنى ) في أربعة أيام ( أى فى تتمة أربعة أيام باليومين المتقدمين قاله الزجاج وغيره قال ابن الأنبارى ومثاله قول القائل خرجت من البصرة إلى بغداد فى عشرة أيام وإلى الكوفة فى خمسة عشر يوما أى فى تتمة خمسة عشر يوما فيكون المعنى أن حصول جميع ما تقدم من خلق الأرض وما بعدها فى أربعة أيام وانتصاب ) سواء ( على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف هو صفة للأيام أى استوت سواء بمعنى استواء ويجوز أن يكون منتصبا على الحال من الأرض أو من الضمائر الراجعة إليها قرأ الجمهور بنصب سواء وقرأ زيد بن على والحسن وابن أبى إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد بخفضه على أنه صفة لأيام وقرأ أبو جعفر برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف قال الحسن المعنى فى أربعة أيام مستوية تامة وقوله ) للسائلين ( متعلق بسواء أى مستويات للسائلين أو بمحذوف كأنه قيل هذا الحصر للسائلين فى كم خلقت الأرض وما فيها أو متعلق بقدر أى قدر فيها أقواتها لأجل الطالبين المحتاجين إليها قال الفراء فى الكلام تقديم وتأخير والمعنى وقدر فيها أقواتها سواء للمحتاجين فى أربعة أيام واختار هذا ابن جرير
فصلت : ( 11 ) ثم استوى إلى . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه خلق الأرض وما فيها ذكر كيفية خلقه للسموات فقال ) ثم استوى إلى السماء ( أى عمد وقصد نحوها قصدا سويا قال الرازى هو من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها لا يلتفت معه إلى عمل آخر وهو من الاستواء الذى هو ضد الاعوجاج ونظيره قولهم استقام إليه ومنه قوله تعالى ) فاستقيموا إليه ( والمعنى ثم دعاه داعى الحكمة إلى خلق السموات بعد خلق الأرض وما فيها قال الحسن معنى الآية صعد أمره إلى السماء ) وهي دخان ( الدخان ما ارتفع من لهب النار ويستعار لما يرى من بخار الأرض قال المفسرون هذا الدخان هو بخار الماء وخص سبحانه الاستواء إلى السماء مع كون الخطاب المترتب على ذلك متوجها إليها وإلى الأرض كما يفيده قوله ) فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ( استغناء بما تقدم من ذكر تقديرها وتقدير ما فيها ومعنى ائتيا افعلا ما آمركما به وجيئا به كما يقال ائت ما هو الأحسن أى افعله قال الواحدى قال المفسرون إن الله سبحانه قال أما أنت يا سماء فاطلعى شمسك وقمرك ونجومك وأما أنت يا أرض فشققى أنهارك وأخرجى ثمارك ونباتك قرأ الجمهور ائتيا أمرا من الإتيان وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد آتيا قالتا آتينا بالمد فيهما وهو إما من المؤاتاة وهى الموافقة أى لتوافق كل منكما الأخرى أو من الإيتاء وهو الإعطاء فوزنه على الأول فاعلا كقاتلا وعلى الثانى افعلا كأكرما ) طوعا أو كرها ( مصدران فى موضع الحال أى طائعتين أو مكرهتين وقرأ الأعمش كرها بالضم قال الزجاج أطيعا طاعة أو تكرهان


"""""" صفحة رقم 508 """"""
كرها قيل ومعنى هذا الأمر لهما التسخير أى كونا فكانتا كما قال تعالى ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( فالكلام من باب التمثيل لتأثير قدرته واستحالة امتناعها ) قالتا أتينا طائعين ( أى أتينا أمرك منقادين وجمعهما جمع من يعقل لخطابهما بما يخاطب به العقلاء قال القرطبى قال أكثر أهل العلم إن الله سبحانه خلق فيهما الكلام فتكلمتا كما أراد سبحانه وقيل هو تمثيل لظهور الطاعة منهما وتأثير القدرة الربانية فيهما
فصلت : ( 12 ) فقضاهن سبع سماوات . . . . .
) فقضاهن سبع سماوات ( أى خلقهن وأحكمهن وفرغ منهن كما فى قول الشاعر وعليهما مسرودتان قضاهما
داود إذ صبغ السوابغ تبع
والضمير فى قضاهن إما راجع إلى السماء على المعنى لأنها سبع سموات أو مبهم مفسر بسبع سموات وانتصاب سبع سموات على التفسير أو على البدل من الضمير وقيل إن انتصابه على أنه المفعول الثانى لقضاهن لأنه مضمن معنى صبرهن وقيل على الحال أى قضاهن حال كونهن معدودات بسبع ويكون قضى بمعنى صنع وقيل على التمييز ومعنى ) في يومين ( كما سبق فى قوله ) خلق الأرض في يومين ( فالجملة ستة أيام كما فى قوله سبحانه ) خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( وقد تقدم بيانه فى سورة الأعراف قال مجاهد ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدون قال عبد الله بن سلام خلق الأرض فى يوم الأحد ويوم الاثنين وقدر فيها أقواتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء وخلق السموات فى يوم الخميس ويوم الجمعة وقوله ) وأوحى في كل سماء أمرها ( عطف على قضاهن قال قتادة والسدى أى خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها وما فيها من الملائكة والبحار والبرد والثلوج وقيل المعنى أوحى فيها ما أراده وما أمر به والإيحاء قد يكون بمعنى الأمر كما فى قوله ) بأن ربك أوحى ( وقوله ) وإذ أوحيت إلى الحواريين ( أى أمرتهم
وقد استشكل الجمع بين هذه الآية وبين قوله ) والأرض بعد ذلك دحاها ( فإن ما فى هذه الآية من قوله ) ثم استوى إلى السماء ( مشعر بأن خلقها متأخر عن خلق الأرض وظاهره يخالف قوله ) والأرض بعد ذلك دحاها ( فقيل إن ثم فى ) ثم استوى إلى السماء ( ليست للتراخى الزماني بل للتراخي الرتبى فيندفع الإشكال من أصله وعلى تقدير أنها للتراخى الزمانى فالجمع ممكن بأن الأرض خلقها متقدم على خلق السماء ودحوها بمعنى بسطها هو أمر زائد على مجرد خلقها فهى متقدمة خلقا متأخرة دحوا وهذا ظاهر ولعله يأتى عند تفسيرنا لقوله ) والأرض بعد ذلك دحاها ( زيادة إيضاح للمقام إن شاء الله ) وزينا السماء الدنيا بمصابيح ( أى بكواكب مضيئة متلألئة عليها كتلألؤ المصابيح و انتصاب ) حفظا ( على أنه مصدر مؤكد لفعل محذوف أى وحفظناها حفظا أو على أنه مفعول لأجله على تقدير وخلقنا المصابيح زينة وحفظا والأول أولى قال أبو حبان فى الوجه الثانى هو تكلف وعدول عن السهل البين والمراد بالحفظ حفظها من الشياطين الذين يسترقون السمع والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم ذكره ) تقدير العزيز العليم ( أى البليغ القدرة الكثير العلم
فصلت : ( 13 ) فإن أعرضوا فقل . . . . .
) فإن أعرضوا ( عن التدبر والتفكر فى هذه المخلوقات ) فقل أنذرتكم ( أى فقل لهم يا محمد أنذرتكم خوفتكم ) صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ( أى عذابا مثل عذابهم والمراد بالصاعقة العذاب المهلك من كل شىء قال المبرد الصاعقة المرة المهلكة لأى شىء كان قرأ الجمهور ) صاعقة ( فى الموضعين بالألف وقرأ ابن الزبير والنخعى والسلمى وبان محيصن صعقة في الموضعين وقد تقدم بيان معنى الصاعقة والصعقة في البقرة
فصلت : ( 14 ) إذ جاءتهم الرسل . . . . .
وقوله ) إذ جاءتهم الرسل ( ظرف لأنذرتكم أو لصاعقة لأنها بمعنى العذاب أى أنذرتكم العذاب الواقع وقت مجىء الرسل أو حال من صاعقة عاد وهذا أولى من الوجهين الأولين لأن الإنذار لم يقع وقت مجىء الرسل فلا يصح أن يكون ظرفا له وكذلك الصاعقة لا يصح


"""""" صفحة رقم 509 """"""
أن يكون الوقت ظرفا لها وقوله ) من بين أيديهم ومن خلفهم ( متعلق بجاءتهم أى جاءتهم من جميع جوانبهم وقيل المعنى جاءتهم الرسل المتقدمون والمتأخرون على تنزيل مجىء كلامهم منزلة مجيئهم أنفسهم فكأن الرسل قد جاءوهم وخاطبوهم بقولهم ) أن لا تعبدوا إلا الله ( أى بأن لا تعبدوا على أنها المصدرية ويجوز أن تكون التفسيرية أو المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف ثم ذكر سبحانه ما أجابوا به على الرسل فقال ) قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ( أى لأرسلهم إلينا ولم يرسل إلينا بشرا من جنسنا ثم صرحوا بالكفر ولم يتلعثموا فقالوا ) فإنا بما أرسلتم به كافرون ( أى كافرون بما تزعمونه من أن الله أرسلكم إلينا لأنكم بشر مثلنا لا فضل لكم علينا فكيف اختصكم برسالته دوننا وقد تقدم دفع هذه الشبهة الداحضة التى جاءوا بها فى غير موضع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ( قال لا يشهدون أن لا إله إلا الله وفى قوله ) لهم أجر غير ممنون ( قال غير منقوص وأخرج ابن جرير والنحاس فى ناسخه وأبو الشيخ فى العظمة والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الأسماء والصفات عنه أن اليهود أتت النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فسألته عن خلق السموات والأرض فقال خلق الله الأرض في يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال وما فيهن من منافع يوم الثلاثاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والحجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة أيام فقال تعالى ) قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ( وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه فخلق من أول ساعة من هذه الثلاث الآجال حين يموت من مات وفى الثانية ألقى فيها من كل شىء مما ينتفع به وفى الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها فى آخر ساعة قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على العرش قالوا قد أصبت لو أتممت قالوا ثم استراح فغضب النبى ( صلى الله عليه وسلم ) غضبا شديدا فنزل ) ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون ( وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) وقدر فيها أقواتها ( قال شق الأنهار وغرس الأشجار ووضع الجبال وأجرى البحار وجعل فى هذه ما ليس فى هذه وفى هذه ما ليس فى هذه وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال إن الله تعالى خلق يوما فسماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه الاثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء ثم خلق خامسا فسماه الخميس وذكر نحو ما تقدم وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله فرغ من خلقه فى ستة أيام وذكر نحو ما تقدم وأخرج ابن جرير عن أبى بكر نحو ما تقدم عن ابن عباس وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ( قال قال للسماء أخرجى شمسك وقمرك ونجومك وللأرض شققى أنهارك وأخرجى ثمارك ) قالتا أتينا طائعين ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى قوله ) ائتيا ( قال أعطيا وفى قوله ) قالتا أتينا ( قال أعطينا
سورة السجدة ( 15 24 )


"""""" صفحة رقم 510 """"""
فصلت : ( 15 ) فأما عاد فاستكبروا . . . . .
لما ذكر سبحانه عادا وثمودا إجمالا ذكر ما يختص بكل طائفة من الطائفتين تفصيلا فقال ) فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ( أى تكبروا عن الإيمان بالله وتصديق رسله واستعلوا على من فى الأرض بغير الحق أى بغير استحقاق ذلك الذى وقع منهم من التكبر والتجبر ثم ذكر سبحانه بعض ما صدر عنهم من الأقوال الدالة على الاستكبار فقال ) وقالوا من أشد منا قوة ( وكانوا ذوى أجسام طوال وقوة شديدة فاغتروا بأجسامهم حين تهددهم هود بالعذاب ومرادهم بهذا القول أنهم قادرون على دفع ما ينزل بهم من العذاب فرد الله عليهم بقوله ) أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ( والاستفهام للاستنكار عليهم وللتوبيخ لهم أى أولم يعلموا بأن الله أشد منهم قدرة فهو قادر على أن ينزل بهم من أنواع عقابه ما شاء بقوله كن فيكون ) وكانوا بآياتنا يجحدون ( أى بمعجزات الرسل التى خصهم الله بها وجعلها دليلا على نبوتهم أو بآياتنا التى أنزلناها على رسلنا أو بآياتنا التكوينية التى نصبناها لهم وجعلناها حجة عليهم أو بجميع ذلك
فصلت : ( 16 ) فأرسلنا عليهم ريحا . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما أنزل عليهم من عذابه فقال ) فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا ( الصرصر الريح الشديدة الصوت من الصرة وهى الصيحة قال أبو عبيدة معنى صرصر شديدة عاصفة وقال الفراء هى الباردة تحرق كما تحرق النار وقال عكرمة وسعيد ابن جبير وقتادة هى الباردة وأنشد قطرب قول الحطيئة المطعمون إذا هبت بصرصرة
والحاملون إذا استودوا عن الناس
أى إذا سئلوا الدية وقال مجاهد هى الشديدة السموم والأولى تفسيرها بالبرد لأن الصر فى كلام العرب البرد ومنه قول الشاعر لها غدر كقرون النسا
ء ركبن فى يوم ريح وصر
قال ابن السكيت صرصر يجوز أن يكون من الصر وهو البرد ويجوز أن يكون من صرصر الباب ومن الصرة وهى الصيحة ومنه ) فأقبلت امرأته في صرة ( ثم بين سبحانه وقت نزول ذلك العذاب عليهم فقال ) في أيام نحسات (


"""""" صفحة رقم 511 """"""
أى مشئومات ذوات نحوس قال مجاهد وقتادة كن آخر شوال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء وذلك سبع ليال وثمانية أيام حسوما وقيل نحسات باردات وقيل متتابعات وقيل شداد وقيل ذوات غبار قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو نحسات بإسكان الحاء على أنه جمع نحس وقرأ الباقون بكسرها واختار أبو حاتم القراءة الأولى لقوله ) في يوم نحس مستمر ( واختار أبو عبيد القراءة الثانية ) لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ( أى لكى نذيقهم والخزى هو الذل والهوان بسبب ذلك الاستكبار ) ولعذاب الآخرة أخزى ( أى أشد إهانة وذلا ووصف العذاب بذلك وهو فى الحقيقة وصف للمعذبين لأنهم الذين صاروا متصفين بالخزى ) وهم لا ينصرون ( أى لا يمنعون من العذاب النازل بهم ولا يدفعه عنهم دافع
فصلت : ( 17 ) وأما ثمود فهديناهم . . . . .
ثم ذكر حال الطائفة الأخرى فقال ) وأما ثمود فهديناهم ( أى بينا لهم سبيل النجاة ودللناهم على طريق الحق بإرسال الرسل إليهم ونصب الدلالات لهم من مخلوقات الله فإنها توجب على كل عاقل أن يؤمن بالله ويصدق رسله قال الفراء معنى الآية دللناهم على مذهب الخير بإرسال الرسل قرأ الجمهور ) وأما ثمود ( بالرفع ومنع الصرف وقرأ الأعمش وابن وثاب بالرفع والصرف وقرأ ابن عباس وابن أبى إسحاق وعاصم فى رواية بالنصب والصرف وقرأ الحسن وابن هرمز وعاصم فى رواية بالنصب والمنع فأما الرفع فعلى الابتداء والجملة بعده الخبر وأما النصب فعلى الاشتغال وأما الصرف فعلى تفسير الاسم بالأب أو الحى وأما المنع فعلى تأويله بالقبيلة ) فاستحبوا العمى على الهدى ( أى اختاروا الكفر على الإيمان وقال أبو العالية اختاروا العمى على البيان وقال السدى اختاروا المعصية على الطاعة ) فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ( قد تقدم أن الصاعقة اسم للشىء المهلك لأى شىء كان والهون الهوان والإهانة فكأنه قال أصابهم مهلك العذاب ذى الهوان أو الإهانة ويقال عذاب هون أى مهين كقوله ) ما لبثوا في العذاب المهين ( والباء فى ) بما كانوا يكسبون ( للسببية أى بسبب الذى كانوا يكسبونه أو بسبب كسبهم
فصلت : ( 18 ) ونجينا الذين آمنوا . . . . .
) ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ( وهم صالح ومن معه من المؤمنين فان الله نجاهم من ذلك العذاب
فصلت : ( 19 ) ويوم يحشر أعداء . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه ما عاقبهم بهفي الدنيا ذكر عاقبهم به فى الآخرة فقال ) ويوم يحشر أعداء الله إلى النار ( وفى وصفهم بكونهم أعداء الله مبالغة فى ذمهم والعامل فى الظرف محذوف دل عليه ما بعده تقديره يساق الناس يوم يحشر أو باذكر أى اذكر يوم يحشرهم قرأ الجمهور يحشر بتحتية مضمومة ورفع أعداء على النيابة وقرأ نافع نحشر بالنون ونصب أعداء ومعنى حشرهم إلى النار سوقهم إليها أو إلى موقف الحساب لأنه يتبين عنده فريق الجنة وفريق النار ) فهم يوزعون ( أى يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا كذا قال قتادة والسدى وغيرهما وقد سبق تحقيق معناه فى سورة النمل مستوفى
فصلت : ( 20 ) حتى إذا ما . . . . .
) حتى إذا ما جاؤوها ( أى جاءوا النار التى حشروا إليها أو موقف الحساب و ) ما ( مزيدة للتوكيد ) شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ( فى الدنيا من المعاصى قال مقاتل تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم بالشرك والمراد بالجلود هى جلودهم المعروفة فى قول أكثر المفسرين وقال السدى وعبيد الله بن أبى جعفر والفراء أراد بالجلود الفروج والأول أولى
فصلت : ( 21 ) وقالوا لجلودهم لم . . . . .
) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ( وجه تخصيص الثلاثة بالشهادة دون غيرها ما ذكره الرازى أن الحواس الخمس وهى السمع والبصر والشم والذوق واللمس وآلة المس هى الجلد فالله سبحانه ذكر هنا ثلاثة أنواع من الحواس وهى السمع والبصر واللمس وأهمل ذكر نوعين وهما الذوق والشم فالذوق داخل فى اللمس من بعض الوجوه لأن إدراك الذوق إنما يتأتى بأن تصير جلدة اللسان مماسة لجرم الطعام وكذلك الشم لا يتأتى حتى تصير جلدة الحنك مماسة لجرم المشموم فكانا داخلين فى جنس اللمس وإذا عرفت من كلامه هذا وجه تخصيص الثلاثة بالذكر عرفت منه وجه تخصيص الجلود بالسؤال لأنها قد اشتملت على ثلاث حواس فكان تأتى المعصية من جهتها أكثر


"""""" صفحة رقم 512 """"""
وأما على قول من فسر الجلود بالفروج فوجه تخصيصها بالسؤال ظاهر لأن ما يشهد به الفرج من الزنا أعظم قبحا وأجلب للخزى والعقوبة وقد قدمنا وجه إفراد السمع وجمع الأبصار ) قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء ( أى أنطق كل شىء مما ينطق من مخلوقاته فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح وقيل المعنى ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله والأول أولى ) وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ( قيل هذا من تمام كلام الجلود وقيل مستأنف من كلام الله والمعنى أن من قدر على خلقكم وإنشائكم ابتداء قدر على إعادتكم ورجعكم إليه
فصلت : ( 22 ) وما كنتم تستترون . . . . .
) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ( هذا تقريع لهم وتوبيخ من جهة الله سبحانه أو من كلام الجلود أى ما كنتم تستخفون عند الأعمال القبيحة حذرا من شهادة الجوارح عليكم ولما كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفى من جوارحه عند مباشرة المعصية كان معنى الاستخفاء هنا ترك المعصية وقيل معنى الاستتار الاتقاء أى ما كنتم تتقون فى الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم فى الآخرة فتتركوا المعاصى خوفا من هذه الشهادة و أن في قوله ) أن تشهد ( فى محل نصب على العلة أى لأجل أن تشهد أو مخافة أن تشهد وقيل منصوبة بنزع الخافض وهو الباء أو عن أو من وقيل إن الاستتار مضمن معنى الظن أى وما كنتم تظنون تشهد وهو بعيد ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون من المعاصي فاجترأتم على فعلها قيل كان الكفار يقولون إن الله لا يعلم ما فى أنفسنا ولكن يعلم ما نظهر دون ما نسر قال قتادة الظن هنا بمعنى العلم وقيل أريد بالظن معنى مجازى يعم معناه الحقيقى وما هو فوقه من العلم
فصلت : ( 23 ) وذلكم ظنكم الذي . . . . .
و الإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى ما ذكر من ظنهم وهو مبتدأ وخبره ) ظنكم الذي ظننتم بربكم ( وقوله ) أرداكم ( خبر آخر للمبتدأ وقيل إن أرداكم فى محل نصب على الحال المقدرة وقيل إن ظنكم بدل من ذلكم والذى ظننتم خبره وأرداكم خبر آخر أو حال وقيل إن ظنكم خبر أول والموصول وصلته خبر ثان وأرداكم خبر ثالث والمعنى أن ظنكم بأن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم وطرحكم فى النار ) فأصبحتم من الخاسرين ( أي الكاملين فى الخسران
فصلت : ( 24 ) فإن يصبروا فالنار . . . . .
ثم أخبر عن حالهم فقال ) فإن يصبروا فالنار مثوى لهم ( أى فإن يصبروا على النار فالنار مثواهم أى محل استقرارهم وإقامتهم لا خروج لهم منها وقيل المعنى فان يصبروا فى الدنيا على أعمال أهل النار فالنار مثوى لهم ) وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين ( يقال أعتبنى فلان أى أرضانى بعد إسخاطه إياي واستعتبته طلبت منه أن يرضى والمعنى أنهم إن يسألوا أن يرجع بهم إلى ما يحبون لم يرجع لأنهم لا يستحقون ذلك قال الخليل تقول هكذا وردت فأعتبنى أى استرضيته فأرضانى ومعنى الآية إن يطلبوا الرضى لم يقع الرضى عنهم بل لا بد لهم من النار قرأ الجمهور يستعتبوا بفتح التحتية وكسر التاء الفوقية الثانية مبنيا للفاعل وقرءوا من المعتبين بفتح الفوقية اسم مفعول وقرأ الحسن وعبيد بن عمير وأبو العالية يستعتبوا مبنيا للمفعول فما هم من المعتبين اسم فاعل أى إنهم إن أقالهم الله وردهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته كما فى قوله سبحانه ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه )
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الطبرانى عن ابن عباس فى قوله ) فهم يوزعون ( قال يحبس أولهم على آخرهم وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عنه فى الاية قال يدفعون وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال كنت مستترا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشى وثقفيان أو ثقفى وقرشيان كثير لحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه فقال أحدهم أترون أن الله يسمع كلامنا هذا فقال الآخران إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإنا إذا لم نرفعه لم يسمعه فقال الآخران إن سمع منه شيئا سمعه كله قال فذكرت ذلك للنبى ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 513 """"""
فأنزل الله ) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ( إلى قوله ) من الخاسرين ( وأخرج عبد الرزاق وأحمد والنسائى وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى البعث عن معاوية بن حيدة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تحشرون ها هنا وأومأ بيده إلى الشام مشاة وركبانا وعلى وجوهكم وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام وأول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكتفه وتلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ( وأخرج أحمد وأبو داود الطيالسى وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وابن حبان وابن مردويه عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى فإن قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال الله ) وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين )
سورة السجدة ( 25 36 )
فصلت : ( 25 ) وقيضنا لهم قرناء . . . . .
قوله ) وقيضنا لهم قرناء ( أى هيأنا قرناء من الشياطين وقال الزجاج سببنا لهم قرناء حتى أضلوهم وقيل سلطنا عليهم قرناء وقيل قدرنا والمعانى متقاربة وأصل التقييض التيسير والهيئة والقرناء جمع قرين وهم الشياطين جعلهم بمنزلة الأخلاء لهم وقيل إن الله قيض لهم قرناء فى النار والأولى أن ذلك فى الدنيا لقوله


"""""" صفحة رقم 514 """"""
) فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم ( فإن المعنى زينوا لهم ما بين أيديهم من أمور الدنيا وشهواتها وحملوهم على الوقوع فى معاصى الله بانهماكهم فيها وزينوا لهم ما خلفهم من أمور الآخرة فقالوا لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار وقال الزجاج ما بين أيديهم ما عملوه وما خلفهم ما عزموا على أن يعملوه وروى عن الزجاج أيضا أنه قال ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا بعث ولا جنة ولا نار وما خلفهم من أمر الدنيا ) وحق عليهم القول ( أى وجب وثبت عليهم العذاب وهو قوله سبحانه ) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ( و ) في أمم ( فى محل نصب على الحال من الضمير فى عليهم والمعنى كائنين فى جملة أمم وقيل فى بمعنى مع أي مع أمم من الأمم الكافرة التى ) قد خلت ( ومضت ) من قبلهم من الجن والإنس ( على الكفر وجملة ) إنهم كانوا خاسرين ( تعليل لاستحقاقهم العذاب
فصلت : ( 26 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن ( أى قال بعضهم لبعض لا تسمعوه ولا تنصتوا له وقيل معنى لا تسمعوا لا تطيعوا يقال سمعت لك أى أطعتك ) والغوا فيه ( أى عارضوه باللغو والباطل أو ارفعوا أصواتكم ليتشوش القارىء له وقال مجاهد الغوا فيه بالمكاء والتصدية والتصفيق والتخليط فى الكلام حتى يصير لغوا وقال الضحاك أكثروا الكلام ليختلط عليه ما يقول وقال أبو العالية قعوا فيه وعيبوه قرأ الجمهور والغوا بفتح الغين من لغا إذا تكلم باللغو وهو ما لا فائدة فيه أو من لغى بالفتح يلغى بالفتح أيضا كما حكاه الأخفش وقرأ عيسى بن عمر والجحدرى وابن أبى إسحاق وأبو حيوة وبكر بن حبيب السهمى وقتادة والسماك والزعفرانى بضم الغين وقد تقدم الكلام فى اللغو فى سورة البقرة ) لعلكم تغلبون ( أى لكى تغلبوهم فيسكتوا
فصلت : ( 27 ) فلنذيقن الذين كفروا . . . . .
ثم توعدهم سبحانه على ذلك فقال ) فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ( وهذا وعيد لجميع الكفار ويدخل فيهم الذين السياق معهم دخولا أوليا ) ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ( أى ولنجزينهم فى الآخرة جزاء أقبح أعمالهم التى عملوها فى الدنيا قال مقاتل وهو الشرك وقيل المعنى أنه يجازيهم بمساوىء أعمالهم لا بمحاسنها كما يقع منهم من صلة الأرحام وإكرام الضيف لأن ذلك باطل لا أجر له مع كفرهم
فصلت : ( 28 ) ذلك جزاء أعداء . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم وهو مبتدأ وخبره جزاء أعداء الله أو خبر مبتدأ محذوف أى الأمر ذلك وجملة ) جزاء أعداء الله النار ( مبينة للجملة التى قبلها والأول أولى وتكون النار عطف بيان للجزاء أو بدلا منه أو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ والخبر ) لهم فيها دار الخلد ( وعلى الثلاثة الوجوه الأولى تكون جملة لهم فيها دار الخلد مستأنفة مقررة لما قبلها ومعنى دار الخلد دار الإقامة المستمرة التى لا انقطاع لها ) جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ( أى يجزون جزاء بسبب جحدهم بآيات الله قال مقاتل يعنى القرآن يجحدون أنه من عند الله وعلى هذا يكون التعبير عن اللغو بالجحود لكونه سببا له إقامة للسبب مقام المسبب
فصلت : ( 29 ) وقال الذين كفروا . . . . .
) وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس ( قالوا هذا وهم فى النار وذكره بلفظ الماضى تنبيها على تحقق وقوعه والمراد أنهم طلبوا من الله سبحانه أن يريهم من أضلهم من فريق الجن والإنس من الشياطين الذين كانوا يسولون لهم ويحملونهم على المعاصى ومن الرؤساء الذين كانوا يزينون لهم الكفر وقيل المراد إبليس وقابيل لأنهما سنا المعصية لبنى آدم قرأ الجمهور أرنا بكسر الراء وقرأ ابن محيصن والسوسى عن أبى عمرو وابن عامر بسكون الراء وبها قرأ أبو بكر والمفضل وهما لغتان بمعنى واحد وقال الخليل إذا قلت أرنى ثوبك بالكسر فمعناه بصرنيه وبالسكون أعطنيه ) نجعلهما تحت أقدامنا ( أى ندسهما بأقدامنا لنشتفى منهم وقيل نجعلهم أسفل منا فى النار ) ليكونا من الأسفلين ( فيها مكانا أو ليكونا من الأذلين المهانين وقيل ليكونوا أشد عذابا منا
فصلت : ( 30 ) إن الذين قالوا . . . . .
ثم لما ذكر عقاب الكافرين وما أعده لهم ذكر حال المؤمنين وما أنعم عليهم


"""""" صفحة رقم 515 """"""
به فقال ) إن الذين قالوا ربنا الله ( أى وحده لا شريك له ) ثم استقاموا ( على التوحيد ولم يلتفتوا إلى إله غير الله قال جماعة من الصحابة والتابعين معنى الاستقامة إخلاص العمل لله وقال قتادة وابن زيد ثم استقاموا على طاعة الله وقال الحسن استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته وقال مجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا وقال الثورى عملوا على وفاق ما قالوا وقال الربيع أعرضوا عما سوى الله وقال الفضيل بن عياض زهدوا فى الفانية ورغبوا فى الباقية ) تتنزل عليهم الملائكة ( من عند الله سبحانه بالبشرى التى يريدونها من جلب نفع أو دفع ضر أو رفع حزن قال ابن زيد ومجاهد تتنزل عليهم عند الموت وقال مقاتل وقتادة إذا قاموا من قبورهم للبعث وقال وكيع البشرى فى ثلاثة مواطن عند الموت وفى القبر وعند البعث أن ) ألا تخافوا ولا تحزنوا ( أن هى المخففة أو المفسرة أو الناصبة و لا على الوجهين الأولين ناهية وعلى الثالث نافية والمعنى لا تخافوا مما تقدمون عليه من أمور الآخرة ولا تحزنوا على ما فاتكم من أمور الدنيا من أهل وولد ومال قال مجاهد لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم فإن الله خليفتكم عليهم وقال عطاء لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول ولا تحزنوا على ذنوبكم فإنى أغفرها لكم والظاهر عدم تخصيص تنزل الملائكة عليهم بوقت معين وعدم تقييد نفى الخوف والحزن بحالة مخصوصة كما يشعر به حذف المتعلق فى الجميع ) وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ( بها فى الدنيا فإنكم واصلون إليها مستقرون بها خالدون فى نعيمها
فصلت : ( 31 ) نحن أولياؤكم في . . . . .
ثم بشرهم سبحانه بما هو أعظم من ذلك كله فقال ) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( أى نحن المتولون لحفظكم ومعونتكم فى أمور الدنيا وأمور الآخرة ومن كان الله وليه فاز بكل مطلب ونجا من كل مخافة وقيل إن هذا من قول الملائكة قال مجاهد يقولون لهم نحن قرناؤكم الذين كنا معكم فى الدنيا فإذا كان يوم القيامة قالوا لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة وقال السدى نحن الحفظة لأعمالكم فى الدنيا وأولياؤكم فى الآخرة وقيل إنهم يشفعون لهم فى الآخرة ويتلقونهم بالكرامة ) ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ( من صنوف اللذات وأنواع النعم ) ولكم فيها ما تدعون ( أى ما تتمنون افتعال من الدعاء بمعنى الطلب وقد تقدم بيان معنى هذا فى قوله ) ولهم ما يدعون ( مستوفى والفرق بين الجملتين أن الأولى باعتبار شهوات أنفسهم والثانية باعتبار ما يطلبونه أعم من أن يكون مما تشتهيه أنفسهم أولا وقال الرازى الأقرب عندى أن قوله ) ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ( إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة فى قوله ) دعواهم فيها سبحانك اللهم ( الآية
فصلت : ( 32 ) نزلا من غفور . . . . .
وانتصاب ) نزلا من غفور رحيم ( على الحال من الموصول أو من عائد أو من فاعل تدعون أو هو مصدر مؤكد لفعل محذوف أى أنزلناه نزلا والنزل ما يعد لهم حال نزولهم من الرزق والضيافة وقد تقدم تحقيقه فى سورة آل عمران
فصلت : ( 33 ) ومن أحسن قولا . . . . .
) ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ( أى إلى توحيد الله وطاعته قال الحسن هو المؤمن أجاب الله دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من طاعته ) وعمل صالحا ( فى إجابته ) وقال إنني من المسلمين ( لربى وقال ابن سيرين والسدى وابن زيد هو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وروى هذا أيضا عن الحسن وقال عكرمة وقيس بن أبى حازم ومجاهد نزلت فى المؤذنين ويجاب عن هذا بأن الآية مكية والأذان إنما شرع بالمدينة والأولى حمل الآية على العموم كما يقتضيه اللفظ ويدخل فيها من كان سببا لنزولها دخولا أوليا فكل من جمع بين دعاء العباد إلى ما شرعه الله وعمل عملا صالحا وهو تأدية ما فرضه الله عليه مع اجتناب ما حرمه عليه وكان من المسلمين دينا لا من غيرهم فلا شىء أحسن منه ولا أوضح من طريقته ولا أكثر ثوابا من عمله
فصلت : ( 34 ) ولا تستوي الحسنة . . . . .
ثم بين سبحانه الفرق بين محاسن الأعمال ومساويها فقال ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة (


"""""" صفحة رقم 516 """"""
أى لا تستوى الحسنة التى يرضى الله بها ويثيب عليها ولا السيئة التى يكرهها الله ويعاقب عليها ولا وجه لتخصيص الحسنة بنوع من أنواع الطاعات وتخصيص السيئة بنوع من أنواع المعاصى فإن اللفظ أوسع من ذلك وقيل الحسنة التوحيد والسيئة الشرك وقيل الحسنة المداراة والسيئة الغلظة وقيل الحسنة العفو والسيئة الانتصار وقيل الحسنة العلم والسيئة الفحش قال الفراء لا فى قوله ولا السيئة زائدة ) ادفع بالتي هي أحسن ( أى ادفع السيئة إذا جاءتك من المسىء بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ومنه مقابلة الإساءة الإحسان والذنب بالعفو والغضب بالصبر والإغضاء عن الهفوات والاحتمال للمكروهات وقال مجاهد وعطاء بالتى هى أحسن يعنى بالسلام إذا لقى من يعاديه وقيل بالمصافحة عند التلاقى ) فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ( هذه هى الفائدة الحاصلة من الدفع بالتى هى أحسن والمعنى أنك إذا فعلت ذلك الدفع صار العدو كالصديق والبعيد عنك كالقريب منك وقال مقاتل نزلت فى أبى سفيان بن حرب كان معاديا للنبى لى الله عليه وآله وسلم فصار له وليا بالمصاهرة التى وقعت بينه وبينه ثم أسلم فصار وليا فى الإسلام حميما بالصهارة وقيل غير ذلك والأولى حمل الاية على العموم
فصلت : ( 35 ) وما يلقاها إلا . . . . .
) وما يلقاها إلا الذين صبروا ( قال الزجاج ما يلقى هذه الفعلة وهذه الحالة وهى دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على كظم الغيظ واحتمال المكروه ) وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ( فى الثواب والخير وقال قتادة الحظ العظيم الجنة أى ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة وقيل الضمير فى يلقاها عائد إلى الجنة وقيل راجع إلى كلمة التوحيد قرأ الجمهور ) يلقاها ( من التلقية وقرأ طلحة بن مصرف وابن كثير في رواية عنه يلاقاها من الملاقاة
فصلت : ( 36 ) وإما ينزغنك من . . . . .
ثم أمره سبحانه بالإستعاذة من الشيطان فقال ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ( النزغ شبيه النخس شبه به الوسوسة لأنها تبعث على الشر والمعنى وإن صرفك الشيطان عن شىء مما شرعه الله لك أو عن الدفع بالتى هى أحسن فاستعذ بالله من شره وجعل النزغ نازغا على المجاز المجاز العقلى كقولهم جد جده وجملة ) إنه هو السميع العليم ( تعليل لما قبلها أى السميع لكل ما يسمع والعليم بكل ما يعلم ومن كان كذلك فهو يعيذ من استعاذ به
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون ) لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ( وكان إذا أخفى قراءته لم يسمع من يحب أن يسمع القرآن فأنزل الله ) ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ( وأخرج عبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن على بن أبى طالب أنه سئل عن قوله ) ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس ( قال هو ابن آدم الذى قتل أخاه وإبليس وأخرج الترمذى والنسائى والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبى حاتم وابن عدى وابن مردويه عن أنس قال قرأ علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( قال قد قالها ناس من الناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حين يموت فهو ممن استقام عليها وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق والفريابى وسعيد بن منصور ومسدد وابن سعد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق سعيد بن عمران عن أبى بكر الصديق فى قوله ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( قال الاستقامة أن لا يشركوا بالله شيئا وأخرج ابن راهويه وعبد بن حميد والحكيم الترمذى فى نوادر الأصول والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية من طريق الأسود بن هلال عن أبى بكر الصديق أنه قال ما تقولون فى هاتين الآيتين ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( و ) الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( قالوا


"""""" صفحة رقم 517 """"""
الذين قالوا ربنا الله ثم عملوا بها واستقاموا على أمره فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم لم يذنبوا قال لقد حملتموهما على أمر شديد ) الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( يقول بشرك والذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلم يرجعوا إلى عبادة الأوثان وأخرج ابن مردويه عن بعض الصحابة ثم استقاموا على فرائض الله وأخرج البيهقى فى الأسماء والصفات عن ابن عباس ) ثم استقاموا ( قال على شهادة أن لا إله إلا الله وأخرج ابن المبارك وسعيد ابن منصور وأحمد فى الزهد وعبد بن حميد والحكيم الترمذى وابن المنذر عن عمر بن الخطاب ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( قال استقاموا بطاعة الله ولم يروغوا روغان الثعلب وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمى والبخارى فى تاريخه ومسلم والترمذى والنسائى وابن ماجه وابن حبان عن سفيان الثقفى أن رجلا قال يا رسول الله مرنى بأمر فى الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك قال قل آمنت بالله ثم استقم قلت فما أتقى فآوى إلى لسانه قال الترمذي حسن صحيح وأخرج عبد بن حميد وابن أبى حاتم وابن مردويه عن عائشة فى قوله ) ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله ( قالت المؤذن ) وعمل صالحا ( قالت ركعتان فيما بين الأذان والإقامة وأخرج ابن أبى شيبة فى المصنف وابن المنذر وابن مردويه من وجه آخر عنها قالت ما أرى هذه الآية نزلت إلا فى المؤذنين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى سننه عن ابن عباس فى قوله ) ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن ( قال أمر المسلمين بالصبر عند الغضب والحلم عند الجهل والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم ) كأنه ولي حميم ( وأخرج ابن مردويه عنه ) ادفع بالتي هي أحسن ( قال القه بالسلام فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم وأخرج ابن المنذر عن أنس فى قوله ) وما يلقاها إلا الذين صبروا ( قال الرجل يشتمه أخوه فيقول إن كنت صادقا فغفر الله لى وإن كنت كاذبا فغفر الله لك وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن سليمان بن صرد قال استب رجلان عند النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فاشتد غضب أحدهما فقال النبى ( صلى الله عليه وسلم ) إنى لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الغضب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال الرجل أمجنون ترانى فتلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم )
سورة السجدة ( 37 44 )


"""""" صفحة رقم 518 """"""
فصلت : ( 37 ) ومن آياته الليل . . . . .
شرع سبحانه فى بيان بعض آياته البديعة الدالة على كمال قدرته وقوة تصرفه للاستدلال بها على توحيده فقال ) ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ( ثم لما بين أن ذلك من آياته نهاهم عن عبادة الشمس والقمر وأمرهم بأن يسجدوا لله عز وجل فقال ) لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ( لأنهما مخلوقان من مخلوقاته فلا يصح أن يكونا شريكين له فى ربوبيته ) واسجدوا لله الذي خلقهن ( أى خلق هذه الأربعة المذكورة لأن جمع ما لا يعقل حكمه حكم جمع الإناث أو الآيات أو الشمس والقمر لأن الاثنين جمع عند جماعة من الأئمة ) إن كنتم إياه تعبدون ( قيل كان ناس يسجدون للشمس والقمر كالصابئين فى عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله فنهوا عن ذلك فهذا وجه تخصيص ذكر السجود بالنهى عنه وقيل وجه تخصيصه أنه أقصى مراتب العبادة وهذه الآية من آيات السجود بلا خلاف وإنما اختلفوا فى موضع السجدة فقيل موضعه عند قوله ) إن كنتم إياه تعبدون ( لأنه متصل بالأمر وقيل عند قوله ) وهم لا يسأمون ( لأنه تمام الكلام
فصلت : ( 38 ) فإن استكبروا فالذين . . . . .
) فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون ( أى إن استكبر هؤلاء عن الامتثال فالملائكة يديمون التسبيح لله سبحانه بالليل والنهار وهم لا يملون ولا يفترون
فصلت : ( 39 ) ومن آياته أنك . . . . .
) ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة ( الخطاب هنا لكل من يصلح له أو لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والخاشعة اليابسة الجدبة وقيل الغبراء التى لا تنبت قال الأزهرى إذا يبست الأرض ولم تمطر قيل قد خشعت ) فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ( أى ماء المطر ومعنى اهتزت تحركت بالنبات يقال اهتز الإنسان إذا تحرك ومنه قول الشاعر تراه كنصل السيف يهتز للندى
إذا لم تجد عند امرىء السوء مطعما
ومعنى ربت انتفخت وعلت قبل أن تنبت قاله مجاهد وغيره وعلى هذا ففى الكلام تقديم وتأخير وتقديره ربت واهتزت وقيل الاهتزاز والربو قد يكونان قبل خروج النبات وقد يكونان بعده ومعنى الربو لغة الارتفاع كما يقال للموضع المرتفع ربوة ورابية وقد تقدم تفسير هذه الآية مستوفى فى سورة الحج وقيل اهتزت استبشرت بالمطر وربت انتفخت بالنبات وقرأ أبو جعفر وخالد وربأت ) إن الذي أحياها لمحيي الموتى ( بالبعث والنشور ) إنه على كل شيء قدير ( لا يعجزه شىء كائنا ما كان
فصلت : ( 40 ) إن الذين يلحدون . . . . .
) إن الذين يلحدون في آياتنا ( أى يميلون عن الحق والإلحاد الميل والعدول ومنه اللحد فى القبر لأنه أميل إلى ناحية منه يقال ألحد فى دين الله أى مال وعدل عنه ويقال لحد وقد تقدم في تفسير الإلحاد قال مجاهد معنى الآية يميلون عن الإيمان بالقرآن وقال مجاهد يميلون عند تلاوة القرآن بالمكاء والتصدية واللغو والغناء وقال قتادة يكذبون فى آياتنا وقال السدى يعاندون ويشاقون قال ابن زيد يشركون ) لا يخفون علينا ( بل نحن نعلمهم فنجازيهم بما يعملون ثم بين كيفية الجزاء والتفاوت بين المؤمن والكافر فقال ) أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ( هذا الاستفهام للتقرير


"""""" صفحة رقم 519 """"""
والغرض منه التنبيه على إن الملحدين فى الآيات يلقون فى النار وأن المؤمنين بها يأتون آمنين يوم القيامة وظاهر الاية العموم اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقيل المراد بمن يلقى في النار أبو جهل ومن يأتى آمنا النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل حمزة وقيل عمر بن الخطاب وقيل أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومى ) اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ( هذا أمر تهديد أى اعملوا من أعمالكم التى تلقيكم فى النار ما شئتم إنه بما تعملون بصير فهو مجازيكم على كل ما تعملون قال الزجاج لفظه لفظ الأمر ومعناه الوعيد
فصلت : ( 41 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم ( الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها وخبر إن محذوف أى إن الذين كفروا بالقرآن ما جاءهم يجازون بكفرهم أو هالكون أو يعذبون وقيل هو قوله ) ينادون من مكان بعيد ( وهذا بعيد وإن رجحه أبو عمرو بن العلاء وقال الكسائى إنه سد مسده الخبر السابق وهو ) لا يخفون علينا ( وقيل إن الجملة بدل من الجملة الأولى وهى الذين يلحدون فى آياتنا وخبر إن هو الخبر السابق ) وإنه لكتاب عزيز ( أى القرآن الذى كانوا يلحدون فيه أى عزيز عن أن يعارض أو يطعن فيه الطاعنون منيع عن كل عيب
فصلت : ( 42 ) لا يأتيه الباطل . . . . .
تم وصفه بأنه حق لا سبيل للباطل إليه بوجه من الوجوه فقال ) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( قال الزجاج معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه وبه قال قتادة والسدى ومعنى الباطل على هذا الزيادة والنقصان وقال مقاتل لا يأتيه التكذيب من الكتب التى قبله ولا يجىء من بعده كتاب فيبطله وبه قال الكلبى وسعيد بن جبير وقيل الباطل هو الشيطان أى لا يستطيع أن يزيد فيه ولا ينقص منه وقيل لا يزاد فيه ولا ينقص منه لا من جبريل ولا من محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) تنزيل من حكيم حميد ( هو خبر مبتدأ محذوف أو صفة أخرى لكتاب عند من يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح وقيل إنه الصفة لكتاب وجملة لا يأتيه معترضة بين الموصوف والصفة
فصلت : ( 43 ) ما يقال لك . . . . .
ثم سلى سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) عن ما كان يتأثر له من أذية الكفار فقال ) ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ( أى ما يقال لك من هؤلاء الكفار من وصفك بالسحر والكذب والجنون إلا مثل ما قيل للرسل من قبلك فإن قومهم كانوا يقولون لهم مثل ما يقول لك هؤلاء وقيل المعنى ما يقال لك من التوحيد وإخلاص العبادة لله إلا ما قد قيل للرسل من قبلك فإن الشرائع كلها متفقة على ذلك وقيل هو استفهام أى أى شىء يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) إن ربك لذو مغفرة ( لمن يستحق مغفرته من الموحدين الذين بايعوك وبايعوا من قبلك من الأنبياء ) وذو عقاب أليم ( للكفار المكذبين المعادين لرسل الله وقيل لذو مغفرة للأنبياء وذو عقاب لأعدائهم
فصلت : ( 44 ) ولو جعلناه قرآنا . . . . .
) ولو جعلناه قرآنا أعجميا ( أى لو جعلنا هذا القرآن الذى تقرؤه على الناس بغير لغة العرب ) لقالوا لولا فصلت آياته ( أى بينت بلغتنا فإننا عرب لا نفهم لغة العجم والاستفهام فى قوله ) أأعجمي وعربي ( للإنكار وهو من جملة قول المشركين أى لقالوا أكلام أعجمى ورسول عربى والأعجمى الذى لا يفصح سواء كان من العرب أو من العجم والأعجم ضد الفصيح وهو الذى لا يبين كلامه ويقال للحيوان غير الناطق أعجم قرأ أبو بكر وحمزة والكسائى ) أأعجمي ( بهمزتين محققتين وقرأ الحسن وأبو العالية ونصر بن عاصم وهشام بهمزة واحدة على الخبر وقرأ الباقون بتسهيل الثانية بين بين وقيل المراد هلا فصلت آياته فجعل بعضها أعجميا لإفهام العجم وبعضها عربيا لإفهام العرب ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجيبهم فقال ) قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ( أى يهتدون به إلى الحق ويشتفون به من كل شك وشبهة ومن الأسقام والآلام ? والذين لا يومنون فى آذانهم وقر ? أى صمم عن سماعه وفهم معانيه ولهذا تواصوا باللغو فيه ) وهو عليهم عمى ( قال قتادة عموا عن


"""""" صفحة رقم 520 """"""
القرآن وصموا عنه وقال السدى عميت قلوبهم عنه والمعنى وهو عليهم ذو عمى أو وصف بالمصدر للمبالغة والموصول فى قوله ) والذين لا يؤمنون ( مبتدأ وخبره ) في آذانهم وقر ( أو الموصول الثانى عطف على الموصول الأول ووقر عطف على هدى عند من جوز العطف على عاملين مختلفين والتقدير هو للأولين هدى وشفاء وللآخرين وقر فى آذانهم قرأ الجمهور عنى بفتح الميم منونة على أنه مصدر وقرأ ابن عباس وعبد الله بن الزبير وعمرو بن العاص وابن عمر بكسر الميم منونة على أنه اسم منقوص على أنه وصف به مجازا وقرأ عمرو بن دينار بكسر الميم وفتح الياء على أنه فعل ماض واختار أبو عبيدة القراءة الأولى لقوله أولا ) هدى وشفاء ( ولم يقل هاد وشاف وقيل المعنى والوقر عليهم عمى والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الذين لا يؤمنون وما فى حيزه وخبره ) ينادون من مكان بعيد ( مثل حالهم باعتبار عدم فهمهم للقرآن بحال من ينادى من مسافة بعيدة لا يسمع صوت من يناديه منها قال الفراء تقول للرجل الذى لا يفهم كلامك أنت تنادى من مكان بعيد وقال الضحاك ينادون يوم القيامة بأقبح أسمائهم من مكان بعيد وقال مجاهد من مكان بعيد من قلوبهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبى شيبة والحاكم وصححه والبيهقى فى سننه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يسجد بآخر الآيتين من حم السجدة وكان ابن مسعود يسجد بالأولى منهما وأخرج ابن سعد وابن أبى شيبة من طريق نافع عن ابن عمر أنه كان يسجد بالأولى وأخرج سعيد بن منصور عنه أنه كان يسجد فى الآية الأخيرة وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إن الذين يلحدون في آياتنا ( قال هو أن يضع الكلام على غير موضعه وأخرج ابن مردويه عنه فى قوله ) أفمن يلقى في النار ( قال أبو جهل بن هشام ) أم من يأتي آمنا يوم القيامة ( قال أبو بكر الصديق وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن عساكر عن بشير بن تميم قال نزلت هذه الاية فى أبى جهم وعمار بن ياسر وأخرج ابن عساكر عن عكرمة مثله وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) اعملوا ما شئتم ( قال هذا لأهل بدر خاصة وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) ولو جعلناه قرآنا أعجميا ( الآية يقول لو جعلنا القرآن أعجميا ولسانك يا محمد عربى لقالوا أعجمى وعربى تأتينا به مختلفا أو مختلطا ) لولا فصلت آياته ( هلا بينت آياته فكان القرآن مثل اللسان يقول فلم نفعل لئلا يقولوا فكانت حجة عليهم سورة السجدة ( 45 54 )


"""""" صفحة رقم 521 """"""
فصلت : ( 45 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
قوله ) ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ( هذا كلام مستأنف يتضمن تسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما كان يحصل له من الاغتمام بكفر قومه وطعنهم فى القرآن فأخبره أن هذا عادة قديمة فى أمم الرسل فإنه يختلفون فى الكتب المنزلة إليهم والمراد بالكتاب التوراة والضمير من قوله فيه راجع إليه وقيل يرجع إلى موسى والأول أولى ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( فى تأخير العذاب عن المكذبين من أمتك كما فى قوله ) ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( ) لقضي بينهم ( بتعجيل العذاب لمن كذب منهم ) وإنهم لفي شك منه مريب ( أى من كتابك المنزل عليك وهو القرآن ومعنى الشك المريب الموقع فى الريبة أو الشديد الريبة وقيل إن المراد اليهود وأنهم فى شك من التوراة مريب والأول أولى
فصلت : ( 46 ) من عمل صالحا . . . . .
) من عمل صالحا فلنفسه ( أى من أطاع الله وآمن برسوله ولم يكذبهم فثواب ذلك راجع إليه ونفعه خاص به ) ومن أساء فعليها ( أى عقاب إساءته عليه لا على غيره ) وما ربك بظلام للعبيد ( فلا يعذب أحدا إلا بذنبه ولا يقع منه الظلم لأحد كما فى قوله سبحانه ) إن الله لا يظلم الناس شيئا ( وقد تقدم الكلام على معنى هذه الآية فى سورة آل عمران عند قوله ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( وفى سورة الأنفال أيضا
فصلت : ( 47 ) إليه يرد علم . . . . .
ثم أخبر سبحانه أن علم القيامة ووقت قيامها لا يعلمه غيره فقال ) إليه يرد علم الساعة ( فإذا وقع السؤال عنها وجب على المسئول أن يرد علمها إليه لا إلى غيره وقد روى أن المشركين قالوا يا محمد إن كنت نبيا فخبرنا متى تقوم الساعة فنزلت و ) ما ( فى قوله ) وما تخرج من ثمرات من أكمامها ( نافية ومن الأولى للاستغراق ومن الثانية لابتداء الغاية وقيل هى موصولة فى محل جر عطفا على الساعة أى علم الساعة وعلم التى تخرج والأول أولى والأكمام جمع كم بكسر الكاف وهو وعاء الثمرة ويطلق على كل ظرف لمال أو غيره قال أبو عبيدة أكمامها أوعيتها وهى ما كانت فيه الثمرة واحدها كم وكمة قال الراغب الكم ما يغطى اليد من القميص وما يغطى الثمرة وجمعه أكمام وهذا يدل على أن الكم بضم الكاف لأنه جعله مشتركا بين كم القميص وكم الثمرة ولا خلاف فى كم القميص أنه بالضم ويمكن أن يقال إن فى الكم الذى هو وعاء الثمر لغتين قرأ الجمهور من ثمرة بالإفراد وقرأ نافع وابن عامر وحفص بالجمع ) وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ( أى ما تحمل أنثى حملا فى بطنها ولا تضع ذلك الحمل إلا بعلم الله سبحانه والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أى ما يحدث شىء من خروج ثمرة ولا حمل حامل ولا وضع واضع في حال من الأحوال إلا كائنا بعلم الله فإليه يرد علم الساعة كما إليه يرد علم هذه الأمور ) ويوم يناديهم ( أى ينادى الله سبحانه المشركين وذلك


"""""" صفحة رقم 522 """"""
يوم القيامة فيقول لهم ) أين شركائي ( الذين كنتم تزعمون أنهم شركائى فى الدنيا من الأصنام وغيرها فادعوهم الان فليشفعوا لكم أو يدفعوا عنكم العذاب وهذا على طريقة التهكم بهم قرأ الجمهور ) شركائي ( بسكون الياء وقرأ ابن كثير بفتحها والعامل فى يوم محذوف أى اذكر ) قالوا آذناك ما منا من شهيد ( يقال آذن يأذن إذا أعلم ومنه قول الشاعر آذنتنا ببينها أسماء
رب ثاو يمل منه الثواء
والمعنى أعلمناك ما منا أحد يشهد بأن لك شريكا وذلك أنهم لما عاينوا القيامة تبرءوا من الشركاء وتبرأت منهم تلك الأصنام التى كانوا يعبدونها وقيل إن القائل بهذا هى المعبودات التى كانوا يعبدونها أى ما منا من شهيد يشهد لهم بأنهم كانوا محقين والأول أولى
فصلت : ( 48 ) وضل عنهم ما . . . . .
) وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل ( أى زال وبطل فى الآخرة ما كانوا يعبدون فى الدنيا من الأصنام ونحوها ) وظنوا ما لهم من محيص ( أى أيقنوا وعلموا أنه لا محيص لهم يقال حاص يحيص حيصا إذا هرب وقيل الظن على معناه الحقيقى لأنه بقى لهم فى تلك الحال ظن ورجاء والأول أولى
فصلت : ( 49 ) لا يسأم الإنسان . . . . .
ثم ذكر سبحانه بعض أحوال الإنسان فقال ) لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ( أى لا يمل من دعاء الخير لنفسه وجلبه إليه والخير هنا المال والصحة والسلطان والرفعة وقال السدى والإنسان هنا يراد به الكافر وقيل الوليد بن المغيرة وقيل عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية بن خلف والأولى حمل الآية على العموم باعتبار الغالب فلا ينافيه خروج خلص العباد وقرأ عبد الله بن مسعود لا يسأم الإنسان من دعاء المال ) وإن مسه الشر فيؤوس قنوط ( أى وإن مسه البلاء والشد والفقر والمرض فيئوس من روح الله قنوط من رحمته وقيل يئوس من إجابة دعائه قنوط بسوء الظن بربه وقيل يئوس من زوال ما به من المكروه قنوط بما يحصل له من ظن دوامه وهما صيغتا مبالغة يدلان على أنه شديد اليأس عظيم القنوط
فصلت : ( 50 ) ولئن أذقناه رحمة . . . . .
) ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ( أى ولئن آتيناه خيرا وعافية وغنى من بعد شدة ومرض وفقر ) ليقولن هذا لي ( أى هذا شىء أستحقه على الله لرضاه بعملى فظن أن تلك النعمة التى صار فيها وصلت إليه باستحقاقه لها ولم يعلم أن الله يبتلى عباده بالخير والشر ليتبين له الشاكر من الجاحد والصابر من الجزع قال مجاهد معناه هذا بعملى وأنا محقوق به ) وما أظن الساعة قائمة ( أى ما أظنها تقوم كما يخبرنا به الأنبياء أو لست على يقين من البعث وهذا خاص بالكافرين والمنافقين فيكون المراد بالإنسان المذكور فى صدر الآية الجنس باعتبار غالب أفراده لأن اليأس من رحمة الله والقنوط من خيره والشك فى البعث لا يكون إلا من الكافرين أو المتزلزلين فى الدين المتظهرين بالإسلام المبطنين للكفر ) ولئن رجعت إلى ربي ( على تقدير صدق ما يخبرنا به الأنبياء من قيام الساعة وحصول البعث والنشور ) إن لي عنده للحسنى ( أى للحالة الحسنى من الكرامة فظن أنه استحق خير الدنيا بما فيه من الخير واستحق خير الآخرة بذلك الذى اعتقده فى نفسه وأثبته لها وهو اعتقاد باطل وظن فاسد ) فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ( أى لنخبرنهم بها يوم القيامة ) ولنذيقنهم من عذاب غليظ ( شديد بسبب ذنوبهم واللام هذه والتى قبلها هى الموطئة للقسم
فصلت : ( 51 ) وإذا أنعمنا على . . . . .
) وإذا أنعمنا على الإنسان ( أى على هذا الجنس باعتبار غالب أفراده ) أعرض ( عن الشكر ) ونأى بجانبه ( أى ترفع عن الانقياد للحق وتكبر وتجبر والجانب هنا مجاز عن النفس ويقال نأيت وتناءيت أى بعدت وتباعدت والمنتأى الموضع البعيد ومنه قول النابغة


"""""" صفحة رقم 523 """"""
فإنك كالليل الذى هو مدركى
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وقرأ يزيد بن القعقاع وناء بجانبه بالألف قبل الهمزة ) وإذا مسه الشر ( أى البلاء والجهد والفقر والمرض ) فذو دعاء عريض ( أى كثير والعرب تستعمل الطول والعرض فى الكثرة مجازا يقال أطال فلان في الكلام وأعرض فى الدعاء إذا أكثر والمعنى أنه إذا مسه الشر تضرع إلى الله واستغاث به أن يكشف عنه ما نزل به واستكثر من ذلك فذكره فى الشدة ونسيه فى الرخاء واستغاث به عند نزول النقمة وتركه عند حصول النعمة وهذا صنيع الكافرين ومن كان غير ثابت القدم من المسلمين
فصلت : ( 52 ) قل أرأيتم إن . . . . .
ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة الكفار ومحاجتهم فقال ) قل أرأيتم ( أى أخبرونى ) إن كان من عند الله ( أى القرآن ) ثم كفرتم به ( أى كذبتم به ولم تقبلوه ولا عملتم بما فيه ) من أضل ممن هو في شقاق بعيد ( أى لا أحد أضل منكم لفرط شقاوتكم وشدة عداوتكم والأصل أى شىء أضل منكم فوضع ) ممن هو في شقاق ( موضع الضمير لبيان حالهم فى المشاقة وأنها السبب الأعظم فى ضلالهم
فصلت : ( 53 ) سنريهم آياتنا في . . . . .
) سنريهم آياتنا في الآفاق ( أى سنريهم دلالات صدق القرآن وعلامات كونه من عند الله فى الآفاق ) وفي أنفسهم ( الآفاق جمع أفق وهو الناحية والأفق بضم الهمزة والفاء كذا قال أهل اللغة ونقل الراغب أنه يقال أفق بفتحهما والمعنى سنريهم آياتنا فى النواحى وفى أنفسهم قال ابن زيد فى الآفاق آيات السماء وفى أنفسهم حوادث الأرض وقال مجاهد فى الآفاق فتح القرى التى يسر الله فتحها لرسوله وللخلفاء من بعده ونصار دينه فى آفاق الدنيا شرقا وغربا ومن الظهور على الجبابرة والأكاسرة وفى أنفسهم فتح مكة ورجح هذا ابن جرير وقال قتادة والضحاك فى الآفاق وقائع الله فى الأمم وفى أنفسهم فى يوم بدر وقال عطاء فى الآفاق يعنى أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغير ذلك وفى أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة كما فى قوله وفى أنفسكم أفلا تبصرون ) حتى يتبين لهم أنه الحق ( الضمير راجع إلى اقرآن وقيل إلى الإسلام الذى جاءهم به رسول الله وقيل إلى ما يريهم الله ويفعل من ذلك وقيل إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنه الرسول الحق من عند الله والأول أولى ) أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ( الجملة مسوقة لتوبيخهم وتقريعهم ) بربك ( فى موضع رفع على أنه الفاعل ليكف والباء زائدة و أنه بدل من ربك والهمزة للإنكار والمعنى ألم يغنهم عن الآيات الموعودة المبينة لحقية القرآن أنه سبحانه شهيد على جميع الأشياء وقيل المعنى أولم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على أعمال الكفار وقيل أولم يكف بربك شاهدا على أن القرآن منزل من عنده والشهيد بمعنى العالم أو هو بمعنى الشهادة التى هى الحضور قال الزجاج ومعنى الكناية ها هنا أن الله عز وجل قد بين لهم ما فيه كفاية فى الدلالة والمعنى أولم يكف ربك أنه على كل شىء شهيد شاهد للأشياء لا يغيب عنه شىء
فصلت : ( 54 ) ألا إنهم في . . . . .
) ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ( أى فى شك من البعث والحساب والثواب والعقاب ) ألا إنه بكل شيء محيط ( أحاط علمه بجميع المعلومات وأحاطت قدرته بجميع المقدورات يقال أحاط يحيط إحاطة وحيطة وفى هذا وعيد شديد لأن من أحاط بكل شىء بحيث لا يخفى عليه شىء جازى المحسن بإحسانه والمسىء بإساءته
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة قال فى قوله ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( سبق لهم من الله حين وأجل هم بالغوه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) وما تخرج من ثمرات من أكمامها ( قال الزجاج


"""""" صفحة رقم 524 """"""
تطلع وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) آذناك ( قال أعلمناك وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة فى قوله ) لا يسأم الإنسان ( قال لا يمل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد فى قوله ) سنريهم آياتنا في الآفاق ( قال محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه فى الآية قال ما يفتح الله من القرى ) وفي أنفسهم ( قال فتح مكة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى الاية قال أمسك المطر عن الأرض كلها ) وفي أنفسهم ( قال البلايا التى تكون فى أجسامهم وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس فى الآية قال كانوا يسافرون فيرون آثار عاد وثمود فيقولون والله لقد صدق محمد وما أراهم فى أنفسهم قال الأمراض
ع42
تفسير
سورة الشورى
هى ثلاث وخمسون آية وهى مكية كلها
حول السورة
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت ) حم عسق ( بمكة وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله وكذا قال الحسن وعكرمة وعطاء وجابر وروى عن ابن عباس وقتادة أنها مكية إلا أريع آيات منها أنزلت بالمدينة ) قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ( إلى آخرها وقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم ونعيم بن حماد والخطيب عن أرطاة بن المنذر قال جاء رجل إلى ابن عباس وعنده حذيفة بن اليمان فقال أخبرنى عن تفسير حم عسق فأعرض عنه ثم كرر مقالته فأعرض عنه وكرر مقالته ثم كررها الثالثة فلم يجبه فقال له حذيفة أنا أنبئك بها لم كرهها نزلت فى رجل من أهل بيته يقال له عبد إله أو عبد الله تنزل على نهر من أنهار المشرق يبنى عليه مدينتين يشق النهر بينهما شقا يجتمع فيهما كل جبار عنيد فإذا أذن الله فى زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم بعث الله على إحداهما نارا ليلا فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت كأنها لم تكن مكانها وتصبح صاحبتها متعجبة كيف افتلتت فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم ثم يخسف الله بها وبهم جميعا فذلك قوله ) حم عسق ( يعنى عزيمة من الله وفتنة وقضاء جمع يعنى عدلا منه سين يعنى سيكون ق لهاتين المدينتين أقول هذا الحديث لا يصح ولا يثبت وما أظنه إلا من الموضوعات المكذوبان والحامل لواضعه عليه ما يقع لكثير من الناس من عداوة الدول والحط من شأنهم والإزراء عليهم وأخرج أبو يعلى وابن عساكر قال السيوطى بسند ضعيف قلت بل بسند موضوع ومتن مكذوب عن أبى معاوية قال صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يفسر حم عسق فوثب ابن عباس فقال إن حم اسم من أسماء الله قال فعين قال عاين المذكور عذاب يوم بدر قال فسين قال فسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون قال فقاف فسكت فقام أبو ذر ففسر كما قال ابن عباس وقال قاف قارعة من السماء تصيب الناس قال ابن كثير فى الحديث الأول إنه غريب عجيب منكر وفى الحديث الثانى إنه أغرب من الحديث الأول وعندى أنهما موضوعان مكذوبان


"""""" صفحة رقم 525 """"""
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الشورى ( 1 12 )
الشورى : ( 1 - 2 ) حم
قوله ) حم عسق ( قد تقدم الكلام فى أمثال هذه الفواتح وسئل الحسن بن الفضل لم قطع ) حم عسق ( ولم يقطع كهيعص فقال لأنها سور أولها حم فجرت مجرى نظائرها فكأن حم مبتدأ وعسق خبره ولأنهما عدا آيتين وأخواتهما مثل كهيعص والمر والمص آية واحدة وقيل لأن أهل التأويل لم يختلفوا فى كهيعص وأخواتها أنها حروف التهجى لا غير واختلفوا فى حم فقيل معناها حم أى قضى كما تقدم وقيل إن ح حلمه و م مجده و ع علمه و س سناه و ق قدرته أقسم الله بها وقيل غير ذلك مما هو متكلف متعسف لم يدل عليه دليل ولا جاءت به حجة ولا شبهة حجة وقد ذكرنا قبل هذا ما روى فى ذلك مما لا أصل له والحق ما قدمناه لك فى فاتحة سورة البقرة وقيل هما اسمان للسورة وقيل اسم واحد لها فعلى الأول يكونان خبرين لمبتدأ محذوف وعلى الثانى يكون خبرا لذلك المبتدأ المحذوف وقرأ ابن مسعود وابن عباس ? حم سق ?
الشورى : ( 3 ) كذلك يوحي إليك . . . . .
) كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ( هذا كلام مستأنف غير متعلق بما قبله أى مثل ذلك الإيحاء الذى أوحى إلى سائر الأنبياء من كتب الله المنزلة عليهم المشتملة على الدعوة إلى التوحيد والبعث يوحى إليك يا محمد فى هذه السورة وقيل إن حم عسق أوحيت إلى من قبله من الأنبياء فتكون الإشارة بقوله ) كذلك (


"""""" صفحة رقم 526 """"""
إليها قرأ الجمهور ) يوحى ( بكسر الحاء مبنيا للفاعل وهو الله وقرأ مجاهد وابن كثير وابن محيصن بفتحها مبنيا للمفعول والقائم مقام الفاعل ضمير مستتر يعود على كذلك والتقدير مثل ذلك الإيحاء يوحى هو إليك أو القائم مقام الفاعل إليك أو الجملة المذكورة أى يوحى إليك هذا اللفظ أو القرآن أو مصدر يوحى وارتفاع الاسم الشريف على أنه فاعل لفعل محذوف كأنه قيل من يوحى فقيل الله العزيز الحكيم وأما قراءة الجمهور فهى واضحة اللفظ والمعنى وقد تقدم مثل هذا فى قوله ) يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال ( وقرأ أبو حيوة والأعمش وأبان ) نوحي ( بالنون فيكون قوله ) الله العزيز الحكيم ( فى محل نصب والمعنى نوحى إليك هذا اللفظ
الشورى : ( 4 ) له ما في . . . . .
) له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم ( ذكر سبحانه لنفسه هذا الوصف وهو ملك جميع ما فى السموات والأرض لدلالته على كمال قدرته ونفوذ تصرفه فى جميع مخلوقاته
الشورى : ( 5 ) تكاد السماوات يتفطرن . . . . .
) تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن ( قرأ الجمهور ) تكاد ( بالفوقية وكذلك ) يتفطرن ( قرءوه بالفوقية مع تشديد الطاء وقرأ نافع والكسائى وابن وثاب يكاد ) يتفطرن ( بالتحتية فيهما وقرأ أبو عمرو والمفضل وأبو بكر وأبو عبيد ) يتفطرن ( بالتحتية والنون من الانفطار كقوله ) إذا السماء انفطرت ( والتفطر التشقق قال الضحاك والسدى يتفطرن يتشققن من عظمة الله وجلاله من فوقهن وقيل المعنى تكاد كل واحدة منها تتفطر فوق التى تليها من قول المشركين اتخذ الله ولدا وقيل من فوقهن من فوق الأرضين والأول أولى ومن فى ) من فوقهن ( لابتداء الغاية أى يبتدىء التفطر من جهة الفوق وقال الأخفش الصغير إن الضمير يعود إلى جماعات الكفار أى من فوق جماعات الكفار وهو بعيد جدا ووجه تخصيص جهة الفوق أنها أقرب إلى الآيات العظيمة والمصنوعات الباهرة أو على طريق المبالغة كأن كلمة الكفار مع كونها جاءت من جهة التحت أثرت فى جهة الفوق فتأثيرها فى جهة التحت بالأولى ) والملائكة يسبحون بحمد ربهم ( أى ينزهونه عما لا يليق به ولا يجوز عليه متلبسين بحمده وقيل إن التسبيح موضوع موضع التعجب أى يتعجبون من جراءة المشركين على الله وقيل معنى ) بحمد ربهم ( بأمر ربهم قاله السدى ) ويستغفرون لمن في الأرض ( من عباد الله المؤمنين كما فى قوله ) ويستغفرون للذين آمنوا ( وقيل الاستغفار منهم بمعنى السعى فيما يستدعى المغفرة لهم وتأخير عقوبتهم طمعا فى إيمان الكافر وتوبة الفاسق فتكون الآية عامة كما هو ظاهر اللفظ غير خاصة بالمؤمنين وإن كانوا داخلين فيها دخولا أوليا ) ألا إن الله هو الغفور الرحيم ( أى كثير المغفرة والرحمة لأهل طاعته وأوليائه أو لجميع عباده فإن تأخير عقوبة الكفار والعصاة نوع من أنواع مغفرته ورحمته
الشورى : ( 6 ) والذين اتخذوا من . . . . .
) والذين اتخذوا من دونه أولياء ( أى أصناما يعبدونها ) الله حفيظ عليهم ( أى يحفظ أعمالهم ليجازيهم بها ) وما أنت عليهم بوكيل ( أى لم يوكلك بهم حتى تؤاخذ بذنوبهم ولا وكل إليك هدايتهم وإنما عليك البلاغ قيل وهذه الآية منسوخة بآية السيف
الشورى : ( 7 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . .
) وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا ( أى مثل ذلك الإيحاء أوحينا إليك وقرآنا مفعول أوحينا والمعنى أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسان قومك كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه ) لتنذر أم القرى ( وهى مكة والمراد أهلها ) ومن حولها ( من الناس والمفعول الثانى محذوف أى لتنذرهم العذاب ) وتنذر يوم الجمع ( أى ولتنذر بيوم الجمع وهو يوم القيامة لأنه مجمع الخلائق وقيل المراد جمع الأرواح بالأجساد وقيل جمع الظالم والمظلوم وقيل جمع العامل والعمل ) لا ريب فيه ( أى لا شك فيه والجملة معترضة مقررة لما قبلها أو صفة ليوم الجمع أو حال منه ) فريق في الجنة وفريق في السعير ( قرأ الجمهور برفع ) فريق ( فى الموضعين إما على أنه مبتدأ وخبره الجار والمجرور وشاع الابتداء بالنكرة لأن المقام مقام تفصيل أو على أن الخبر مقدر قبله


"""""" صفحة رقم 527 """"""
أى منهم فريق فى الجنة ومنهم فريق فى السعير أو أنه خبر مبتدأ محذوف وهو ضمير عائد إلى المجموعين المدلول عليهم بذكر الجمع أى هم فريق فى الجنة وفريق فى السعير وقرأ زيد بن على ) فريقا ( بالنصب فى الموضعين على الحال من جملة محذوفة أى افترقوا حال كونهم كذلك وأجاز الفراء والكسائى النصب عى تقدير لتنذر فريقا
الشورى : ( 8 ) ولو شاء الله . . . . .
) ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ( قال الضحاك أهل دين واحد إما على هدى وإما على ضلالة ولكنهم افترقوا على أديان مختلفة بالمشيئة الأزلية وهو معنى قوله ) ولكن يدخل من يشاء في رحمته ( فى الدين الحق وهو الإسلام ) والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ( أى المشركون ما لهم من ولى يدفع عنهم العذاب ولا نصير ينصرهم فى ذلك المقام ومثل هذا قوله ) ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ( وقوله ) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( وها هنا مخاصمات بين المتمذهبين المحامين على ما درج عليه أسلافهم فدبوا عليه من بعدهم وليس بنا إلى ذكر شىء من ذلك فائدة كما هو عادتنا فى تفسيرنا هذا فهو تفسير سلفى يمشى مع الحق ويدور مع مدلولات النظم الشريف وإنما يعرف ذلك من رسخ قدمه وتبرأ من التعصب قلبه ولحمه ودمه
الشورى : ( 9 ) أم اتخذوا من . . . . .
وجملة ) أم اتخذوا من دونه أولياء ( مستأنفة مقرر لما قبلها من انتفاء كون للظالمين وليا ونصيرا وأن هذه هى المنقطعة المقدرة ببل المفيدة للانتقال وبالهمزة المفيدة للإنكار أى بل أأتخذ الكافرون من دون الله أولياء من الأصنام يعبدونها ) فالله هو الولي ( أى هو الحقيق بأن يتخذوه وليا فإنه الخالق الرازق الضار النافع وقيل الفاء جواب شرط محذوف أى إن أرادوا أن يتخذوا ولياء فى الحقيقة فالله هو الولى ) وهو ( أى ومن شأنه أنه ) يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ( أى يقدر على كل مقدور فهو الحقيق بتخصيصه بالألوهية وإفراده بالعبادة
الشورى : ( 10 ) وما اختلفتم فيه . . . . .
) وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ( هذا عام فى كل ما اختلف فيه العباد من أمر الدين فإن حكمه ومرجعه إلى الله يحكم فيه يوم القيامة بحكمه ويفصل خصومة المختصمين فيه وعند ذلك يظهر المحق من المبطل ويتميز فريق الجنة وفريق النار قال الكلبى وما اختلفتم فيه من شىء أى من أمر الدين فحكمه إلى الله يقضى فيه وقال مقاتل إن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن وآمن به بعضهم فنزلت والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ويمكن أن يقال معنى حكمه إلى الله أنه مردود إلى كتابه فإنه قد اشتمل على الحكم بين عباده فيما يختلفون فيه فتكون الآية عامة فى كل اختلاف يتعلق بأمر الدين أنه يرد إلى كتاب الله ومثله قوله ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( وقد حكم سبحانه بأن الدين هو الإسلام وأن القرآن حق وأن المؤمنين فى الجنة والكافرين فى النار ولكن لما كان الكفار لا يذعنون لكون ذلك حقا إلا فى الدار الآخرة وعدهم الله بذلك يوم القيامة ) ذلكم ( الحاكم بهذا الحكم ) الله ربي عليه توكلت ( اعتمدت عليه فى جميع أمورى لا على غيره وفوضته فى كل شؤونى ) وإليه أنيب ( أى أرجع فى كل شىء يعرض لى لا إلى غيره
الشورى : ( 11 ) فاطر السماوات والأرض . . . . .
) فاطر السماوات والأرض ( قرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر آخر لذلكم أو خبر محذوف أو مبتدأ وخبره ما بعده أو نعت لربى لأن الإضافة محضة ويكون عليه توكلت ) وإليه أنيب ( معترضا بين الصفة والموصوف وقرأ زيد بن على ) فاطر ( بالجر على أنه نعت للاسم الشريف فى قوله ) إلى الله ( وما بينهما اعتراض أو بدل من الهاء فى عليه أو إليه وأجاز الكسائى النصب على النداء وأجازه غيره على المدح والفاطر الخالق المبدع وقد تقدم تحقيقه ) جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( أى خلق لكم من جنسكم نساء أو المراد حواء لكونها خلقت من ضلع آدم وقال مجاهد نسلا بعد نسل ) ومن الأنعام أزواجا ( أى وخلق للأنعام من جنسها إناثا أو وخلق لكم من الأنعام أصنافا من الذكور والإناث وهى الثمانية التى ذكرها


"""""" صفحة رقم 528 """"""
فى الأنعام ) يذرؤكم فيه ( أى يبثكم من الذرء وهو البث أو يخلقكم وينشئكم والضمير فى يذرؤكم للمخاطبين والأنعام إلا أنه غلب فيه العقلاء وضمير فيه راجع إلى الجعل المدلول عليه بالفعل وقيل راجع إلى ما ذكر من التدبير وقال الفراء والزجاج وابن كيسان معنى يذرؤكم فيه يكثركم به أى يكثركم بجعلكم أزواجا لأن ذلك سبب النسل وقال ابن قتيبة يذرؤكم فيه أى فى الزوج وقيل فى البطن وقيل فى الرحم ) ليس كمثله شيء ( المراد بذكر المثل هنا المبالغة فى النفى بطريق الكناية فإنه إذا نفى عمن يناسبه كان نفيه عنه أولى كقولهم مثلك لا يبخل وغيرك لا يجود وقيل إن الكاف زائدة للتوكيد أي ليس مثله شىء وقيل إن مثل زائدة قاله ثعلب وغيره كما فى قوله ) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ( أى بما آمنتم به ومنه قول أوس بن حجر وقتلى كمثل جذوع النخي
ل يغشاهم مطر منهمر
أى كجذوع والأول أولى فإن الكناية باب مسلوك للعرب ومهيع مألوف لهم ومنه قول الشاعر ليس كمثل الفتى زهير
خلق يوازيه فى الفضائل
وقال آخر على مثل ليلى يقتل المرء نفسه
وإن بات من ليلى على اليأس طاويا
وقال آخر سعد بن زيد اذا أبصرت فضلهم
فما كمثلهم فى الناس من أحد
قال ابن قتيبة العرب تقيم المثل مقام النفس فتقول مثلى لا يقال له هذا أى أنا لا يقال لى وقال أبو البقاء مرجحا لزيادة الكاف إنها لو لم تكن زائدة لأفضى ذلك إلى المحال إذ يكون المعنى أن له مثلا وليس لمثله مثل وفى ذلك تناقض لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل وهو هو مع أن إثبات المثل لله سبحانه محال وهذا تقرير حسن ولكنه يندفع ما أورده بما ذكرنا من كون الكلام خارجا مخرج الكناية ومن فهم هذه الآية الكريمة حق فهمها وتدبرها حق تدبرها مشى بها عند اختلاف المختلفين فى الصفات على طريقة بيضاء واضحة ويزداد بصيرة إذا تأمل معنى قوله ) وهو السميع البصير ( فإن هذا الإثبات بعد ذلك النفى للماثل قد اشتمل على برد اليقين وشفاء الصدور وانثلاج القلوب فاقدر يا طالب الحق قدر هذه الحجة النيرة والبرهان القوى فإنك تحطم بها كثيرا من البدع وتهشم بها رءوسا من الضلالة وترغم بها آناف طوائف من المتكلفين ولا سيما إذا صممت إليه قول الله سبحانه ) ولا يحيطون به علما ( فإنك حينئذ قد أخذت بطرفى حبل ما يسمونه علم الكلام وعلم أصول الدين ودع عنك نهبا صيح فى حجراته
ولكن حديث ما حديث الرواحل
الشورى : ( 12 ) له مقاليد السماوات . . . . .
) له مقاليد السماوات والأرض ( أى خزائنهما أو مفاتيحهما وقد تقدم تحقيقه فى سورة الزمر وهى جمع إقليد وهو المفتاح جمع على خلاف القياس قال النحاس والذى يملك المفاتيح يملك الخزائن ثم لما ذكر سبحانه أن بيده مقاليد السموات والأرض ذكر بعده البسط والقبض فقال ) يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( أى يوسعه لمن يشاء من خلقه ويضيقه على من يشاء ) إنه بكل شيء ( من الأشياء ) عليم ( فلا تخفى عليه خافية وإحاطة علمه بكل شىء يندرج تحتها علمه بطاعة المطيع ومعصية العاصى فهو يجازى كلا بما يستحقه من خير وشر
وقد أخرج أحمد والترمذى وصححه والنسائى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفى يده كتابان فقال أتدرون ما هذا الكتابان قلنا لا إلا أن


"""""" صفحة رقم 529 """"""
تخبرنا يا رسول الله قال للذى فى يده اليمنى هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ثم قال للذى فى شماله هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا فقال أصحابه ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه فقال سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أى عمل وإن صاحب النار يحتم له بعمل أهل النار وإن عمل أى عمل له قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيديه فنبذهما ثم قال فرغ ربكم من العباد فريق فى الجنة وفريق فى السعير قا الترمذى بعد إخراجه حديث حسن صحيح غريب وروى ابن جرير طرفا منه عن ابن عمرو موقوفا عليه قال ابن جرير وهذا الموقوف أشبه بالصواب قلت بل المرفوع أشبه بالصواب فقد رفعه الثقة ورفعه زيادة ثابتة من وجه صحيح ويقوى الرفع ما أخرجه ابن مردويه عن البراء قال خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى يده كتاب ينظر فيه قالوا انظروا إليه كيف وهو أمى لا يقرأ قال فعلمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء قبائلهم لا يزاد منهم ولا ينقص منهم وقال فريق فى الجنة وفريق فى السعير فرغ ربكم من أعمال العباد
سورة الشورى ( 13 18 )
الشورى : ( 13 ) شرع لكم من . . . . .
الخطاب فى قوله ) شرع لكم من الدين ( لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أى بين وأوضح لكم من الدين ) ما وصى به نوحا ( من التوحيد ودين الإسلام وأصول الشرائع التى لم يختلف فيها الرسل وتوافقت عليها الكتب


"""""" صفحة رقم 530 """"""
) والذي أوحينا إليك ( من القرآن وشرائع الإسلام والبراءة من الشرك والتعبير عنه بالموصول لتفخيم شأنه وخص ما شرعه لنبينا ( صلى الله عليه وسلم ) بالإيحاء مع كون ما بعده وما قبله مذكورا بالتوصية للتصريح برسالته ) وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ( مما تطابقت عليه الشرائع ثم بين ما وصى به هؤلاء فقال ) أن أقيموا الدين ( أى توحيد الله والإيمان به وطاعة رسله وقبول شرائعه وأن هى المصدرية وهى وما بعدها فى محل رفع على الخبرية لمبتدأ محذوف كأنه قيل ما ذلك الذى شرعه الله فقيل هو إقامة الدين أو هى فى محل نصب بدلا من الموصول أو فى محل جر بدلا من الدين أو هى المفسرة لأنه قد تقدمها ما فيه معنى القول قال مقاتل يعنى أنه شرع لكم ولمن قبلكم من الأنبياء دينا واحدا قال مقاتل يعنى التوحيد قال مجاهد لم يبعث الله نبيا قط إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقرار لله بالطافة فذلك دينه الذى شرع لهم وقال قتادة يعنى تحليل الحلال وتحريم الحرام وخص إبراهيم وموسى وعيسى بالذكر مع نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم أرباب الشرائع ثم لما أمرهم سبحانه بإقامة الدين نهاهم عن الاختلاف فيه فقال ) ولا تتفرقوا فيه ( أى لا تختلفوا فى التوحيد والإيمان بالله وطاعة رسله وقبول شرائعه فإن هذه الأمور قد تطابقت عليها الشرائع وتوافقت فيها الأديان فلا ينبغى الخلاف فى مثلها وليس من هذا فروع المسائل التى تختلف فيها الأدلة وتتعارض فيها الأمارات وتتباين فيها الأفهام فإنها من مطارح الاجتهاد ومواطن الخلاف ثم ذكر سبحانه أن ما شرعه من الدين شق على المشركين فقال ) كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ( أى عظم وشق عليهم ما تدعوهم إليه من لتوحيد ورفض الأوثان قال قتادة كبر على المشركين واشتد عليهم شهادة أن لا إله إلا الله وحده وضاق بها إبليس وجنوده فأبى الله إلا أن ينصرها ويعليها ويظهرها ويظفرها على من ناوأها ثم خص أولياءه فقال ) الله يجتبي إليه من يشاء ( أى يختار والاجتباء الاختيار والمعنى يختار لتوحيده والدخول فى دينه من يشاء من عباده ) ويهدي إليه من ينيب ( أى يوفق لدينه ويستخلص لعبادته من يرجع إلى طاعته ويقبل إلى عبادته
الشورى : ( 14 ) وما تفرقوا إلا . . . . .
ثم لما ذكر سبحانه ما شرعه لهم من إقامة الدين وعدم التفرق فيه ذكر ما وقع من التفرق الاختلاف فقال ) وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ( أي ما تفرقوا إلا عن علم بأن الفرقة ضلالة ففعلوا ذلك التفرق للبغي بينهم بطلب الرياسة وشدة الحمية قيل المراد قريش هم الذين تفرقوا بعد ما جاءهم العلم وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) بغيا ( منهم عليه وقد كانوا يقولون ما حكاه الله عنهم بقوله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( ) لئن جاءهم نذير ( الآية وبقوله ) فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ( وقيل المراد أمم الأنبياء المتقدمين وأنهم فيما ) بينهم ( اختلفوا لما طال بهم المدى فآمن قوم وكفر قوم وقيل اليهود والنصارى خاصة كما فى قوله ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( وهى تأخير العقوبة ) إلى أجل مسمى ( وهو يوم القيامة كما فى قوله ) الساعة موعدهم ( وقيل إلى الأجل الذى قضاه الله لعذابهم فى الدنيا بالقتل والأسر والذل والقهر ) لقضي بينهم ( أى لوقع القضاء بينهم بإنزال العقوبة بهم معجلة وقيل لقضى بين من آمن منهم ومن كفر بنزول العذاب بالكافرين ونجاة المؤمنين ) وإن الذين أورثوا الكتاب ( من اليهود والنصارى ) من بعدهم ( من بعد من قبلهم من اليهود والنصارى ) لفي شك منه ( أى من القرآن أو من محمد ) مريب ( موقع فى الريب ولذلك لم يؤمنوا وقال مجاهد معنى من بعدهم من قبلهم يعنى من قبل مشركى مكة وهم اليهود والنصارى وقيل المراد كفار المشركين من العرب الذين أورئوا القرآن من بعد ما أورث أهل الكتاب كتابهم وصفهم بأنه فى شك من القرآن مريب قرأ الجمهور ) أورثوا ( وقرأ زيد بن على ) ورثوا ( بالتشديد
الشورى : ( 15 ) فلذلك فادع واستقم . . . . .
) فلذلك فادع واستقم ( أى فلأجل ما ذكر


"""""" صفحة رقم 531 """"""
من التفرق والشك أو فلأجل أنه شرع من الدين ما شرع فادع واستقم أي فأدع إلى الله وإلى توحيده واستقم على ما دعوت إليه قال الفراء والزجاج المعنى فإلى ذلك فادع كما تقول دعوت إلى فلان ولفلان وذلك إشارة إلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى كبر على المشركين ما ندعوهم إليه فلذلك فادع قال قتادة استقم على أمر الله وقال سفيان استقم على القران وقال الضحاك استقم على تبليغ الرسالة ) كما أمرت ( بذلك من جهة الله ولا تتبع أهواءهم الباطلة وتعصباتهم الزائغة ولا تنظر إلى خلاف من خالفك في ذكر الله وقل امنت بما أنزل الله من كتاب أي بجميع الكتب التي أنزلها الله على رسله لا كالذين امنوا ببعض منها وكفروا ببعض ) وأمرت لأعدل بينكم ( في أحكام الله إذا ترافعتم إلى ولا أحيف عليكم بزيادة على ما شرعه الله أو بنقصان منه وأبلغ إليكم ما أمرني الله بتبليغه كما هو واللام لام كى أي أمرت بذلك الذي أمرت به لكي أعدل بينكم وقيل هي زائدة والمعنى أمرت أن أعدل والأول أولى قال أبو العالية أمرت لأسوي بينكم في الدين فأومن بكل كتاب وبكل رسول والظاهر أن الاية عامة في كل شيء والمعنى أمرت لأعدل بينكم في كل شيء ) الله ربنا وربكم ( أي إلهنا وإلهكم وخالقنا وخالقكم ) لنا أعمالنا ( أي ثوابها وعقابها خاص بنا ) ولكم أعمالكم ( أي ثوابها وعقابها خاص بكم ) لا حجة بيننا وبينكم ( أي لا خصومة بيننا وبينكم لأن الحق قد ظهر ووضح ) الله يجمع بيننا ( في المحشر ) وإليه المصير ( أي المرجع يوم القيامة فيجازى كلا بعمله وهذا منسوخ باية السيف قيل الخطاب لليهود وقيل للكفار على العموم
الشورى : ( 16 ) والذين يحاجون في . . . . .
) والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له ( أي يخاصمون في دين الله من بعد ما استجاب الناس له ودخلوا فيه قال مجاهد من بعد ما أسلم الناس قال وهؤلاء قوم توهموا أن الجاهلية تعود وقال قتادة هم اليهود والنصارى ومحاجتهم قولهم نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم وكانوا يرون لأنفسهم الفضيلة بأنهم أهل كتاب وأنهم أولاد الأنبياء وكان المشركون يقولون أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا فنزلت هذه الاية والموصول مبتدأ وخبره الجملة بعده وهي ) حجتهم داحضة عند ربهم ( أي لا ثبات لها كالشىء الذي يزول عن موضعه يقال دحضت حجته دحوضا بطلت والإدحاض الإزلاق ومكان دحض أي زلق ودحضت رجله زلقت وقيل الضمير في له راجع إلى الله وقيل راجع إلى محمد صلى الله عليه واله وسلم والأول أولى ) وعليهم غضب ( أي غضب عظيم من الله لمجادلتهم بالباطل ) ولهم عذاب شديد ( في الاخرة
الشورى : ( 17 ) الله الذي أنزل . . . . .
) الله الذي أنزل الكتاب بالحق ( المراد بالكتاب الجنس فيشمل جميع الكتب المنزلة على الرسل وقيل المراد به القران خاصة وبالحق متعلق بمحذوف أي ملتبسا بالحق وهو الصدق و المراد ب ) الميزان ( العدل كذا قال أكثر المفسرين قالوا وسمى العدل ميزانا لأن الميزان اله الإنصاف والتسوية بين الخلق وقيل الميزان ما بين في الكتب المنزلة مما يجب على كل إنسان أن يعمل به وقيل هو الجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب وقيل إنه الميزان نفسه أنزله الله من السماء وعلم العباد الوزن به لئلا يكون بينهم تظالم وتباخس كما في قوله ) لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ( وقيل هو محمد صلى الله ليه واله وسلم ) وما يدريك لعل الساعة قريب ( أي أي شيء يجعلك داريا بها عالا بوقتها لعلها شيء قريب أو قريب مجيئها أو ذات قرب وقال قريب ولم يقل قريبة لأن تأنيثها غير حقيقي قال الزجاج المعنى لعل البعث أو لعل مجىء الساعة قريب وقال الكسائي قريب نعت ينعت به المؤنث والمذكر كما في قوله ) إن رحمة الله قريب من المحسنين ( ومنه قول الشاعر وكنا قريبا والديار بعيدة
فلما وصلنا نصب أعينهم غبنا


"""""" صفحة رقم 532 """"""
قيل إن النبي صلى الله عليه واله وسلم ذكر الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا متى تكون الساعة تكذيبا لها فأنزل الله الاية
الشورى : ( 18 ) يستعجل بها الذين . . . . .
ويدل على هذا قوله ) يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ( استعجال استهزاء منهم بها وتكذيبا بمجيئها ) والذين آمنوا مشفقون منها ( أي خائفون وجلون من مجيئها قال مقاتل لأنهم لا يدرون على ما يهجمون عليه وقال الزجاج لأنهم يعلمون أنهم محاسبون ومجزيون ) ويعلمون أنها الحق ( أي أنها اتية لا ريب فيها ومثل هذا قوله ) والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ( ثم بين ضلال الممارين فيها فقال ) ألا إن الذين يمارون في الساعة ( أي يخاصمون فيها مخاصمة شك وريبة من المماراة وهي المخاصمة والمجادلة أو من المرية وهي الشك والريبة ) لفي ضلال بعيد ( عن الحق لأنهم لم يتفكروا في الموجبات للإيمان بها من الدلائل التي هي مشاهدة لهم منصوبة لأعينهم مفهومة لعقولهم ولو تفكروا لعلموا أن الذي خلقهم ابتداء قادر على الإعادة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن السدي ) أن أقيموا الدين ( قال اعملوا به وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ( قال ألا تعلموا أن الفرقة هلكة وأن الجماعة ثقة ) كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ( قال استكبر المشركون أن قيل لهم لا إله إلا الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) الله يجتبي إليه من يشاء ( قال يخلص لنفسه من يشاء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له ( قال هم أهل الكتاب كانوا يجادلون المسلمين ويصدونهم عن الهدى من بعد ما استجابوا لله وقال هم قوم من أهل الضلالة وكانوا يتربصون بأن تأتيهم الجاهلية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) والذين يحاجون في الله ( الاية قال هم اليهود والنصارى وأخرج عبد بن حميد عن الحسن نحوه وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال لما نزلت ) إذا جاء نصر الله والفتح ( قال المشركون لمن بين أظهرهم من المؤمنين قد دخل الناس في دين الله أفواجا فاخرجوا من بين أظهرنا فنزلت ) والذين يحاجون في الله ( الاية
سورة الشورى ( 19 28 )


"""""" صفحة رقم 533 """"""
الشورى : ( 19 ) الله لطيف بعباده . . . . .
قوله ) الله لطيف بعباده ( أي كثير اللطف بهم بالغ الرأفة لهم قال مقاتل لطيف بالبار والفاجر حيث لم يقتلهم جوعا بمعاصيهم قال عكرمة بار بهم وقال السدى رفيق بهم وقيل حفى بهم وقال القرطبي لطيف بهم في العرض والمحاسبة وقيل غير ذلك والمعنى أنه يجرى لطفه على عباده في كل أمورهم ومن جملة ذلك الرزق الذي يعيشون به في الدنيا وهو معنى قوله ) يرزق من يشاء ( منهم كيف يشاء فيوسع على هذا ويضيق على هذا ) وهو القوي ( العظيم القوة الباهرة القادرة ) العزيز ( الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء
الشورى : ( 20 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ( الحرث في اللغة الكسب يقال هو يحرث لعياله ويحترث أي يكتسب ومنه سمى الرجل حارثا وأصل معنى الحرث إلقاء البذر في الأرض فأطلق على ثمرات الأعمال وفوائدها بطريق الاستعارة والمعنى من كان يريد بأعماله وكسبه ثواب الاخرة يضاعف الله له ذلك الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف وقيل معناه يزيد في توفيقه وإعانته وتسهيل سبل الخير له ) ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ( أي من كان يريد بأعماله وكسبه ثواب الدنيا وهو متاعها وما يزرق الله به عباده منها نعطه منها ما قضت به مشيئتنا وقسم له في قضائنا قال قتادة معنى نؤته منها نقدر له ما قسم له كما قال ) عجلنا له فيها ما نشاء ( وقال قتادة أيضا إن الله يعطى على نية الاخرة ما شاء من أمر الدنيا ولا يعطى على نية الدنيا إلا الدنيا قال القشيري والظاهر أن الاية في الكافر وهو تخصيص بغير مخصص ثم بين سبحانه أن هذا الذي يريد بعمله الدنيا لا نصيب له في الاخرة فقال وما له في الاخرة من نصيب لأنه لم يعمل للاخرة فلا نصيب له فيها وقد تقدم نفسير هذه الاية في سورة الإسراء
الشورى : ( 21 ) أم لهم شركاء . . . . .
) أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ( لما بين سبحانه القانون في أمر الدنيا والاخرة أردفه ببيان ما هو الذنب العظيم الموجب للنار والهمزة لاستفهام التقرير والتقريع وضمير شرعوا عائد إلى الشركاء وضمير لهم إلى الكفار وقيل العكس والأول أولى ومعنى ) ما لم يأذن به الله ( ما لم يأذن به من الشرك والمعاصى ) ولولا كلمة الفصل ( وهي تأخير عذابهم حيث قال ) بل الساعة موعدهم ( لقضى بينهم في الدنيا فعوجلوا بالعقوبة والضمير في بينهم راجع إلى المؤمنين والمشركين أو إلى المشركين وشركائهم ) وإن الظالمين لهم عذاب أليم ( أي المشركين والمكذبين لهم عذاب أليم في الدنيا والاخرة قرأ الجمهور ) وإن الظالمين ( بكسر الهمزة على الاستئناف وقرأ مسلم والأعرج وابن هرمز بفتحها عطفا على كلمة للفصل
الشورى : ( 22 ) ترى الظالمين مشفقين . . . . .
) ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا ( أي خائفين وجلين مما كسبوا من السيئات وذلك الخوف والوجل يوم القيامة ) وهو واقع بهم (


"""""" صفحة رقم 534 """"""
الضمير راجع إلى ما كسبوا بتقدير مضاف قاله الزجاج أي وجزاء واقع منهم نازل عليهم لا محالة أشفقوا أو لم يشفقوا والجملة في محل نصب على الحال ولما ذكر حال الظالمين ذكر حال المؤمنين فقال ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ( روضات جمع روضة قال أبو حيان اللغة الكثيرة تسكين الواو ولغة هذيل فتحها والروضة الموضع النزه الكثير الخضرة وقد مضى بيان هذا في سورة الروم وروضة الجنة أطيب مساكنها كما أنها في الدنيا لأحسن أمكنتها ) لهم ما يشاؤون عند ربهم ( من صنوف النعم وأنواع المستلذات والعامل في عند ربهم يشاءون أو العامل في روضات الجنات وهو الاستقرار والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما ذكر للمؤمنين قبله وخبره الجملة المذكورة بعد وهي ) هو الفضل الكبير ( أي الذي لا يوصف ولا تهتدي العقول إلى معرفة حقيقته
الشورى : ( 23 ) ذلك الذي يبشر . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك الذي يبشر الله عباده ( إلى الفضل الكبير أي يبشرهم به ثم وصف العباد بقوله ) الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( فهؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل بما أمر الله به وترك ما نهى عنه هم المبشرون بتلك البشارة قرأ الجمهور ) يبشر ( مشددا من بشر وقرأ مجاهد وحميد ابن قيس بضم التحتية وسكون الموحدة وكسر الشين من أبشر وقرأ بفتح التحتية وضم الشين بعض السبعة وقد تقدم بيان القراءات في هذه اللفظة ثم لما ذكر سبحانه ما أخبر به نبيه صلى الله عليه واله وسلم من هذه الأحكام الشريفة التي اشتمل عليها كتابه أمره بأنه يخبرهم بأنه لا يطلب منهم بسبب هذا التبليغ ثوابا منهم فقال ) قل لا أسألكم عليه أجرا ( أي قل يا محمد لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جعلا ولا نفعا ) إلا المودة في القربى ( هذا الاستثناء يجوز أن يكون متصلا أي إلا أن تودوني لقرابني بينكم أو تودوا أهل قرابتي ويجوز أن يكون منقطعا قال الزجاج إلا المودة استثناء ليس من الأول أي إلا أن تودوني لقرابيت فتحفظوني والخطاب لقريش وهذا قول عكرمة ومجاهد وأبي مالك والشعبي فيكون المعنى على الانقطاع لا أسألكم أجرا قط ولكن أسألكم المودة في القربى التي بيني وبينكم ارقبوني فيها ولا تعجلوا إلى ودعوني والناس وبه قال قتادة ومقاتل والسدى والضحاك وابن زيد وغيرهم وهو الثابت عن ابن عباس كما سيأتي وقال سعيد بن جبير وغيره هم ال محمد وسيأتي ما استدل به القائلون بهذا وقال الحسن وغيره معنى الاية إلا التودد إلى الله عز وجل والتقرب بطاعته وقال الحسن بن الفضل ورواه ابن جرير عن الضحاك إن هذه الاية منسوخة وإنما نزلت بمكة وكان المشركون يؤذون رسول الله عليه واله وسلم فأمرهم الله بمودته فلما هاجر أوته الأنصار ونصروه فأنزل الله عليه وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين وأنزل عليه قل ما سألتكم من أجر فهو لكم أن أجر إلا على الله وسيأتي في اخر البحث ما يتضح به الثواب ويظهر به معنى الاية إن شاء الله ) ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ( أصل لقرف الكسب يقال فلان يقرف لعياله أي يكتسب والاقتراف الاكتساب مأخوذ من قولهم رجل قرفة إذا كان محتالا والمعنى من يكتسب حسنة نزد له هذه الحسنة حسنا بمضاعفة ثوابها قال مقاتل المعنى من يكتسب حسنة واحدة نزد له فيها حسنا نضاعفها بالواحدة عشرا فصاعدا وقيل المراد بهذه الحسنة هي المودة في القربى والحمل على العموم أولى ويدخل تحته المودة في القربى دخولا أوليا ) إن الله غفور شكور ( أي كثير المغفرة للمذنبين كثير الشكر للمطيعين قال قتادة غفور للذنوب شكور للحسنات وقال السدى غفور لذنوب ال محمد
الشورى : ( 24 ) أم يقولون افترى . . . . .
) أم يقولون افترى على الله كذبا ( أم هي المنقطعة أي بل أيقولون افترى محمد على الله كذبا بدعوى النبوة والإنكار للتوبيخ ومعنى افتراء الكذب اختلاقه ثم أجاب سبحانه عن قولهم هذا فقال ) فإن يشأ الله يختم على قلبك ( أي لو افترى على الله الكذب


"""""" صفحة رقم 535 """"""
عدم صدوره منه وختم على قلبه بحيث لا يخطر بباله شيئا مما كذب فيه كما تزعمون قال قتادة يختم على قلبك فينسيك القران فأخبرهم أنه لو افترى عليه لفعل به ما أخبرهم به في هذه الاية وقال مجاهد ومقاتل أن يشأ يربط على قلبك بالصبر على أذاهم حتى لا يدخل قلبك مشقة من قولهم وقيل الخطاب له والمراد الكفار أي إن يشأ يختم على قلوب الكفار ويعاجلهم بالعقوبة ذكره القشيري وقيل المعنى لو حدثتك نفسك أن تفترى على الله كذبا لطبع على قلبك فإنه لا يجترىء على الكذب إلا من كان مطبوعا على قلبه والأول أولى وقوله ) ويمح الله الباطل ( استئناف مقرر لما قبله من نفى الافتراء قال ابن الأنباري يختم على قلبك تام يعني وما بعده مستأنف وقال الكسائي فيه تقديم وتأخير أي والله يمحو الباطل وقال الزجاج أم يقولون افترى على الله كذبا تام وقوله ) ويمح الله الباطل ( احتجاج على من أنكر ما أتى به النبي صلى الله واله وسلم أي لو كان ما أتى به النبي صلى الله عليه واله وسلم باطلا لمحاه كما جرت به عادته في المفترين ) ويحق الحق ( أي الإسلام فيبينه بكلماته أي بما أنزل من القران ) إنه عليم بذات الصدور ( عالم بما في قلوب العباد وقد سقطت الواو من ويمحو في بعض المصاحف كما حكاه الكسائي
الشورى : ( 25 ) وهو الذي يقبل . . . . .
) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( أي يقبل من المذنبين من عباده توبتهم إليه مما عملوا من المعاصى واقترفوا من السيئات والتوبة الندم على المعصية والعزم على عدم المعاودة لها وقيل يقبل التوبة عن أوليائه وأهل طاعته والأول أولى فإن التوبة مقبولة من جميع العباد مسلمهم وكافرهم إذا كانت صحيحة صادرة عن خلوص نية وعزيمة صحيحة ) ويعفو عن السيئات ( على العموم لمن تاب عن سيئته ) ويعلم ما تفعلون ( من خير وشر فيجازى كلا بما يستحقه قرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف تفعلون بالفوقية على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر واختار القراءة الثانية أبو عبيد وأبو حاتم لأن هذا الفعل وقع بين خبرين
الشورى : ( 26 ) ويستجيب الذين آمنوا . . . . .
) ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( الموصول في موضع نصب أي يستجيب الله الذين امنوا ويعطيهم ما طلبوه منه يقال أجاب واستجاب بمعنى وقيل المعنى يقبل عبادة المخلصين وقيل التقدير ويستجيب لهم فحذف اللام كما حذف في قوله ) وإذا كالوهم ( أي كالوا لهم وقيل إن الموصول في محل رفع أي يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم قال المبرد معنى ويستجيب الذين امنوا ويستدعي الذين امنوا الإجابة هكذا حقيقة معنى استفعل فالذين في موضع رفع والأول اولى ) ويزيدهم من فضله ( أي يزيدهم على ما طلبوه منه أو على ما يستحقونه من الثواب تفضلا منه وقيل يشفعهم في إخوانهم ) والكافرون لهم عذاب شديد ( هذا للكافرين مقابلا ما ذكره للمؤمنين فيما قبله
الشورى : ( 27 ) ولو بسط الله . . . . .
) ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ( أي لو وسع الله لهم رزقهم لبغوا في الأرض لعصوا فيها وبطروا النعمة وتكبروا وطلبوا ما ليس لهم طلبه وقيل المعنى لو جعلهم سواء في الرزق لما انقاد بعضهم لبعض ولتعطلت الصنائع والأول أولى والظاهر عموم أنواع الرزق وقيل هو المطر خاصة ) ولكن ينزل بقدر ما يشاء ( أي ينزل من الرزق لعباده بتقدير على حسب مشيئته وما تقتضيه حكمته البالغة ) إنه بعباده خبير ( بأحوالهم ) بصير ( بما يصلحهم من توسيع الرزق وتضييقه فيقدر لكل أحد منهم ما يصلحه ويكفه عن الفساد بالبغي في الأرض
الشورى : ( 28 ) وهو الذي ينزل . . . . .
) وهو الذي ينزل الغيث ( أي المطر الذي هو أنفع أنواع الرزق وأعمها فائدة وأكثرها مصلحة ) من بعد ما قنطوا ( أي من بعد ما أيسوا عن ذلك فيعرفون بهذا الإنزال للمطر بعد القنوط مقدار رحمته لهم ويشكرون له ما يجب الشكر عليه ) وهو الولي ( للصالحين من عباده بالإحسان إليهم وجلب المنافع لهم ودفع الشرور عنهم الحميد المستحق للحمد منهم على إنعامه خصوصا وعموما


"""""" صفحة رقم 536 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) من كان يريد حرث الآخرة ( قال عيش الاخرة ) نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها ( الاية قال من يؤثر دنياه على اخرته لم يجعل الله له نصيبا في الاخرة إلا النار ولم يزدد بذلك من الدنيا شيئا الا رزقا فرغ منه وقسم له وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه وابن حبان عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض ما لم يطلبوا الدنيا بعمل الاخرة فمن عمل منهم عمل الاخرة للدنيا لم يكن له في الاخرة من نصيب وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال تلا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) من كان يريد حرث الآخرة ( الاية ثم قال يقول الله ابن ادم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن علي قال الحرث حرثان فحرث الدنيا المال والبنون وحرث الاخرة الباقيات الصالحات وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه من طريق طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن قوله إلا المودة في القربى قال سعيد بن جبير قربى ال محمد قال ابن عباس عجلت أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عنه قال قال لهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن الشعبي قال أكثر الناس علينا في هذه الاية ) قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ( فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك فقال إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان واسط لنسب في قريش ليس بطن من بطونهم إلا وله فيه قرابة فقال الله ) قل لا أسألكم عليه أجرا ( على ما أدعوكم إليه ) إلا المودة في القربى ( أن تودوني لقرابتي منكم وتحفظوني بها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق على بن أبي طلحة عن ابن عباس في الاية قال كان لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم قرابة من جميع قريش فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه قال يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم ولا يكون غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عنه نحوه وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا نحوه وأخرج ابن مردويه عنه أيضا نحوه وأخرج ابن مردويه عنه أيضا من طريق أخرى نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق مقسم عن ابن عباس قال قالت الأنصار فعلنا وكأنهم فخروا فقال العباس لنا الفضل عليكم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأتاهم في مجالسهم فقال يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله قالوا بلى يا رسول الله قال أفلا تجيبون قالوا ما نقول يا رسول الله قال ألا تقولون ألم يخرجك قومك فاويناك ألم يكذبوك فصدقناك ألم يخذلوك فنصرناك فما زال يقول حتى جثوا على الركب وقالوا أموالنا وما في أيدينا لله ورسوله فنزلت ) قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ( وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف والأولى أن الاية مكية لا مدنية وقد أشرنا في أول السورة إلى قول من قال إن هذه الاية وما بعدها مدنية وهذا متمسكهم وأخرج أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ( أي تحفظو في في أهل بيتي وتودونهم بي وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الاية قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى


"""""" صفحة رقم 537 """"""
قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال على وفاطمة وولداهما وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية بمكة وكان المشركون يودون رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأنزل الله قل لهم يا محمد ) لا أسألكم عليه ( يعني على ما أدعوكم إليه ) أجرا ( عرضا من الدنيا ) إلا المودة في القربى ( إلا الحفظ لي في قرابتي فيكم فلما هاجر إلى المدينة أحب أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء فقال ) قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله ( يعني ثوابه وكرامته في الاخرة كما قال نوح وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلى على رب العالمين وكما قال هود وصالح وشعيب لم يستثنوا أجرا كما استثنى النبي صلى الله عليه واله وسلم فرده عليهم وهي منسوخة وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه من طريق مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في الاية قل لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجرا إلا أن تودوا الله وأن تتقربوا إليه بطاعته هذا حاصل ما روى عن حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الاية والمعنى الأول هو الذي صح عنه ورواه عنه الجمع الجم من تلامذته فمن بعدهم ولا ينافيه ما روى عنه من النسخ فلا مانع من أن يكون قد نزل القران في مكة بأن يوده كفار قريش لما بينه وبينهم من القربى ويحفظوه بها ثم ينسخ ذلك ويذهب هذا الاستثناء من أصله كما يدل عليه ما ذكرنا مما يدل على أنه لم يسأل على التبليغ أجرا على الإطلاق ولا يقوى ما روى من حملها على ال محمد صلى الله عليه واله وسلم على معارضة ما صح عن ابن عباس من تلك الطرق الكثيرة وقد أغنى الله ال محمد عن هذا بما لهم من الفضائل الجليلة والمزايا الجميلة وقد بينا بعض ذلك عند تفسيرنا لقوله ) إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ( وكما لا يقوى هذا على المعارضة فكذلك لا يقوى ما روى عنه أن المراد بالمودة في القربى أن يودوا الله وأن يتقربوا إليه بطاعته ولكنه يشد من عضد هذا أنه تفسير مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وإسناده عند أحمد في المسند هكذا حدثنا حسن بن موسى حدثنا قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه واله وسلم فذكره ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن مسلم بن إبراهيم عن قزعة به وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند صحيح عن أبي هانىء الخولاني قال سمعت عمر بن حريث وغيره يقولون إنما نزلت هذه الاية في أصحاب الصفة ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض وذلك أنهم قالوا لو أن لنا فتمنوا الدنيا وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن على مثله
سورة الشورى ( 29 - 43 )


"""""" صفحة رقم 538 """"""
الشورى : ( 29 ) ومن آياته خلق . . . . .
ذكر سبحانه بعض اياته الدالة على كمال قدرته الموجبة لتوحيده وصدق ما وعد به من البعث فقال ) ومن آياته خلق السماوات والأرض ( أي خلقهما على هذه الكيفية العجيبة والصنعة الغريبة ) وما بث فيهما من دابة ( يجوز عطفه على خلق ويجوز عطفه على السموات والدابة اسم لكل ما دب قال الفراء أراد ما بث في الأرض دون السماء كقوله ) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( وإنما يخرج من الملح دون العذب وقال أبو علي الفارسي تقديره وما بث في أحدهما فحذف المضاف قال مجاهد يدخل في هذا الملائكة والناس وقد قال تعالى ) ويخلق ما لا تعلمون ( وهو على جمعهم أي حشرهم يوم القيامة إذ يشاء قدير الظرف متعلق بجمعهم لا بقدير قال أبو البقاء لأن ذلك يؤدي وهو على جمعهم قدير إذا يشاء فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال قال شهاب الدين ولا أدري ما وجه كونه محالا على مذهب أهل السنة فإن كان يقول بقول المعتزلة وهو أن القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه ولكنه مذهب ردىء لا يجوز اعتقاده
الشورى : ( 30 ) وما أصابكم من . . . . .
) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( أي ما أصابكم من المصائب كائنة ما كانت فبسبب ما كسبت أيديكم من المعاصى قرأ نافع وابن عامر بما كسبت بغير فاء وقرأ الباقون بالفاء وما في وما أصابكم هي الشرطية ولهذا دخلت الفاء في جوابها على قراءة الجمهور ولا يجوز حذفها عند سيبويه والجمهور وجوز الأخفش الحذف كما في قوله وإن أطعتموهم إنكم لمشركون وقول الشاعر من يفعل الحسنات الله يشكرها
والشر بالشر عند الله مثلان
وقيل هي الموصولة فيكون الحذف والإثبات جائزين والأول أولى قال الزجاج إثبات الفاء أجود لأن الفاء مجازاة جواب الشرط ومن حذف الفاء فعلى أن ) ما ( في معنى الذي والمعنى الذي أصابكم وقع بما كسبت أيديكم قال الحسن المصيبة هنا الحدود على المعاصى والأولى الحمل على العموم كما يفيده وقوع النكرة في


"""""" صفحة رقم 539 """"""
سياق النفي ودخول من الاستغراقية عليها ) ويعفو عن كثير ( من المعاصي التي يفعلها العباد فلا يعاقب عليها فمعنى الاية أنه يكفر عن العبد بما يصيبه من المصائب ويعفو عن كثير من الذنوب وقد ثبتت الأدلة الصحيحة أن جميع ما يصاب به الإنسان في الدنيا يؤجر عليه أو يكفر عنه من ذنوبه وقيل هذه الاية مختصة بالكافرين على معنى أن ما يصابون به بسبب ذنوبهم من غير أن يكون ذلك مكفرا عنهم لذنب ولا محصلا لثواب ويترك عقوبتهم عن كثير من ذنوبهم فلا يعاجلهم في الدنيا بل يمهلهم إلى الدار الاخرة والأولى حمل الاية على العموم والعفو يصدق على تأخير العقوبة كما يصدق على محو الذنب ورفع الخطاب به قال الواحدي وهذه أوجى آية في كتاب الله لأنه جعل ذنوب المؤمنين صنفين صنف كفره عنهم بالمصائب وصنف عفا عنه في الدنيا وهو كريم لا يرجع في عفوه فهذه سنة الله مع المؤمنين وأما الكافر فإنه لا يعجل له عقوبة ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة
الشورى : ( 31 ) وما أنتم بمعجزين . . . . .
) وما أنتم بمعجزين في الأرض ( أي بفائتين عليه هربا في الأرض ولا في السماء لو كانوا فيها بل ما قضاه عليهم من المصائب واقع عليهم نازل بهم ) وما لكم من دون الله من ولي ( يواليكم فيمنع عنكم ما قضاه الله ) ولا نصير ( ينصركم من عذاب الله في الدنيا ولا في الاخرة
الشورى : ( 32 ) ومن آياته الجوار . . . . .
ثم ذكر سبحانه آية أخرى من اياته العظيمة الدالة على توحيده وصدق ما وعد به فقال ) ومن آياته الجوار ( قرأ نافع وابو عمرو الجواري بإثبات الياء في الوصل وأما في الوقف فإثباتها على الأصل وحذفها للتخفيف وهي السفن واحدتها جارية أي سائرة ) في البحر كالأعلام ( أي الجبال جمع علم وهو الجبل ومنه قول الخنساء وإن صخرا لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
قال الخليل كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم وقال مجاهد الأعلام القصور واحدها علم
الشورى : ( 33 ) إن يشأ يسكن . . . . .
) إن يشأ يسكن الريح ( قرأ الجمهور بهمز يشأ وقرأ ورش عن نافع بلا همز وقرأ الجمهور ) الريح ( بالإفراد وقرأ نافع الرياح على الجمع أي يسكن الريح التي تجري بها السفن فيظللن أي السفن رواكد أي سواكن ثوابت على ظهر البحر يقال ركد الماء ركودا سكن وكذلك ركدت الريح وركدت السفينة وكل ثابت في مكان فهو راكد قرأ الجمهور ) فيظللن ( بفتح اللام الأولى وقرأ قتادة بكسرها وهي لغة قليلة إن في ذلك الذي ذكر من أمر السفن لايات دلالات عظيمة لكل صبار شكور أي لكل من كان كثير الصبر على البلوى كثير الشكر على النعماء قال قطرب الصبار الشكور الذي إذا أعطى شكر وإذا ابتلى صبر قال عون ابن عبد الله فكم من منعم عليه غير شاكر
وكم من مبتلى غير صابر
الشورى : ( 34 ) أو يوبقهن بما . . . . .
أو يوبقهن بما كسبوا معطوف على يسكن أي يهلكهن بالغرق والمراد أهلهن بما كسبوا من الذنوب وقيل بما أشركوا والأول أولى فإنه يهلك في البحر المشرك وغير المشرك يقال أو يقه أي أهلكه ويعف عن كثير من أهلها بالتجاوز عن ذنوبهم فينجيهم من الغرق قرأ الجمهور يعف بالجزم عطفا على جواب الشرط قال القشيري وفي هذه القراءة إشكال لأن المعنى إن يشأ يسكن الريح فتبقى تلك السفن رواكد أو يهلكها بذنوب أهلها فلا يحسن عطف يعف على هذا لأنه يصير المعنى أن يشأ يعف وليس المعنى ذلك بل المعنى الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة فهو إذن عطف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى وقد قرأ قوم ويعفو بالرفع وهي جيدة في المعنى قال أبو حيان وما قاله ليس بجيد إذ لم يفهم مدلول التركيب والمعنى إلا أنه تعالى أهلك ناسا وأنجى ناسا على طريق العفو عنهم وقرأ الأعمش ويعفو بالرفع وقرأ بعض أهل المدينة بالنصب بإضمار أن بعد الواو كما في قول النابغة


"""""" صفحة رقم 540 """"""
فإن يهلك أبو قابوس يهلك
ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش
أجب الظهر ليس له سنام
الشورى : ( 35 ) ويعلم الذين يجادلون . . . . .
بنصب ونأخذ ) ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ( قرأ الجمهور بنصب يعلم قال الزجاج على الصرف قال ومعنى الصرف صرف العطف على اللفظ إلى العطف على المعنى قال وذلك أنه لما لم يحسن عطف ويعلم مجزوما على ما قبله إذ يكون المعنى إن يشأ يعلم عدل إلى العطف على مصدر الفعل الذي قبله ولا يتأتى ذلك إلا بإضمار أن لتكون مع الفعل في تأويل أسم ومن هذا بيتا النابغة المذكوران قريبا وكما قال الزجاج قال المبرد وأبو على الفارسي واعترض على هذا الوجه بما لا طائل تحته وقيل النصب على العطف على تعليل محذوف والتقدير لينتقم منهم ويعلم واعترضه أبو حيان بأنه ترتب على الشرط إهلاك قوم ونجاة قوم فلا يحسن تقدير لينتقم منهم وقرأ نافع وابن عامر برفع يعلم على الاستئناف وهي قراءة ظاهرة المعنى واضحة اللفظ وقرىء بالجزم عطفا على المجزوم قبله على معنى وإن يشأ يجمع بين الإهلاك والنجاة والتحذير ومعنى ) ما لهم من محيص ( ما لهم من فرار ولا مهرب قاله قطرب وقال السدى ما له من ملجأ وهو مأخوذ من قولهم حاص به البعير حيصة إذا رمى به ومنه قولهم فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه
الشورى : ( 36 ) فما أوتيتم من . . . . .
) فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا ( لما ذكر سبحانه دلائل التوحيد ذكر التنفير عن الدنيا أي ما أعطيتم من الغنى والسعة في الرزق فإنما هو متاع قليل في أيام قليلة ينقضي ويذهب ثم رغبهم في ثواب الاخرة وما عند الله من النعيم المقيم فقال ) وما عند الله خير وأبقى ( أي ما عند الله من ثواب الطاعات والجزاء عليها بالجنات خير من متاع الدنيا وأبقى لأنه دائم لا ينقطع ومتاع الدنيا ينقطع بسرعة ثم بين سبحانه لمن هذا فقال ) للذين آمنوا ( أي صدقوا وعملوا على ما يوجبه الإيمان ) وعلى ربهم يتوكلون ( أي يفوضون إليه أمورهم ويعتمدون عليه في كل شؤونهم لا على غيره
الشورى : ( 37 ) والذين يجتنبون كبائر . . . . .
) والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ( الموصول في محل جر معطوف على الذين امنوا أو بدلا منه أو في محل نصب بإضمار أعنى والأول أولى والمعنى أن ما عند الله خير وأبقى للذين امنوا وللذين يجتنبون والمراد بكبائر الإثم الكبائر من الذنوب وقد قدمنا تحقيقها في سورة النساء قرأ الجمهور كبائر بالجمع وقرأ حمزة والكسائي كبير بالإفراد وهو يفيد مفاد الكبائر لأن الإضافة للجنس كاللام والفواحش هي من الكبائر ولكنها مع وصف كونها فاحشة كأنها فوقها وذلك كالقتل والزنا ونحو ذلك وقال مقاتل الفواحش موجبات الحدود وقال السدي هي الزنا ) وإذا ما غضبوا هم يغفرون ( أي يتجاوزون عن الذنب الذي أغضبهم ويكظمون الغيظ ويحملون على من ظلمهم وخص الغضب بالغفران لأن استيلاءه على طبع الإنسان وغلبته عليه شديدة فلا يغفر عند سورة الغصب إلا من شرح الله صدره وخصه بمزية الحلم ولهذا أثنى الله سبحانه عليهم بقوله في ال عمران ) والكاظمين الغيظ ( قال ابن زيد جعل الله المؤمنين صنفين صنفا يعفون عن ظالمهم فبدأ بذكرهم وصنفا ينتصرون من ظالمهم وهم الذين سيأتي ذكرهم
الشورى : ( 38 ) والذين استجابوا لربهم . . . . .
) والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة ( أي أجابوه إلى ما دعاهم إليه وأقاموا ما أوجبه عليهم من فريضة الصلاة قال ابن زيد هم الأنصار بالمدينة استجابوا إلى الإيمان بالرسول حين أنفذ إليهم اثنى عشر نقيبا منهم قبل الهجرة وأقاموا الصلاة لمواقيتها بشروطها وهيئاتها ) وأمرهم شورى بينهم ( أي يتشاورون فيما بينهم ولا يعجلون ولا ينفردون بالرأي والشورى مصدر شاورته مثل البشرى والذكرى قال الضحاك هو تشاورهم حين سمعوا بظهور رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وورود النقباء إليهم حين اجتمع رأيهم في دار


"""""" صفحة رقم 541 """"""
أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له وقيل المراد تشاورهم في كل أمر يعرض لهم فلا يستأثر بعضهم على بعض برأى وما أحسن ما قاله بشار بن برد إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
فريش الخواضي قوة للقوادم
وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يشاور أصحابه في أموره وأمره الله سبحانه بذلك فقال ) وشاورهم في الأمر ( وقد قدمنا في ال عمران كلاما في الشورى ) ومما رزقناهم ينفقون ( أي ينفقونه في سبيل الخير ويتصدقون به على المحاويج
الشورى : ( 39 ) والذين إذا أصابهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه الطائفة التي تنتصر ممن ظلمها فقال ) والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ( أي أصابهم بغي من بغى عليهم بغير الحق ذكر سبحانه هؤلاء المنتصرين في معرض المدح كما ذكر المغفرة عند الغضب في معرض المدح لأن التذلل لمن بغى ليس من صفات من جعل الله له العزة حيث قال ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( فالانتصار عند البغي فضيلة كما أن العفو عند الغضب فضيلة قال النخعي كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترىء عليهم السفهاء ولكن هذا الانتصار مشروط بالاقتصار على ما جعله الله له وعدم مجاوزته
الشورى : ( 40 ) وجزاء سيئة سيئة . . . . .
كما بينه سبحانه عقب هذا بقوله ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( فبين سبحانه أن العدل في الانتصار هو الاقتصار على المساواة وظاهر هذا العموم وقال مقاتل والشافعي وأبو حنيفة وسفيان إن هذا خاص بالمجروح ينتقم من الجارح بالقصاص دون غيره وقال مجاهد والسدي هو جواب القبيح إذا قال أخزاك الله يقول أخزاك الله من غير أن يعتدي وتسمية الجزاء سيئة إما لكونها تسوء من وقعت عليه أو على طريق المشاكلة لتشابههما في الصورة ثم لما بين سبحانه أن جزاء السيئة بمثلها حق جائز بين فضيلة العفو فقال ) فمن عفا وأصلح فأجره على الله ( أي من عفا عمن ظلمه وأصلح بالعفو بينه وبين ظالمه أي أن الله سبحانه يأجره على ذلك وأبهم الأجر تعظيما لشأنه وتنبيها على جلالته قال مقاتل فكان العفو من الأعمال الصالحة وقد بينا هذا في سورة آل عمران ثم ذكر سبحانه خروج الظلمة عن محبته التي هي سبب الفوز والنجاة فقال ) إنه لا يحب الظالمين ( أي المبتدئين بالظلم قال مقاتل يعني من يبدأ بالظلم وبه قال سعيد بن جبير وقيل لا يحب من يتعدى في الاقتصاص ويجاوز الحد فيه لأن المجاوزة ظلم
الشورى : ( 41 ) ولمن انتصر بعد . . . . .
) ولمن انتصر بعد ظلمه ( مصدر مضاف إلى المفعول أي بعد أن ظلمه الظالم له واللام هي لام الابتداء وقال ابن عطية هي لام القسم والأول أولى ومن هي الشرطية وجوابه ) فأولئك ما عليهم من سبيل ( بمؤاخذة وعقوبة ويجوز أن تكون من هي الموصولة ودخلت الفاء في جوابها تشبيها للموصولة بالشرطية والأول أولى
الشورى : ( 42 ) إنما السبيل على . . . . .
ولما نفى سبحانه السبيل على من انتصر بعد ظلمة بين من عليه السبيل فقال ) إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ( أي يتعدون عليهم ابتداء كذا قال الأكثر وقال ابن جريج أي يظلمونهم بالشرك المخالف لدينهم ) ويبغون في الأرض بغير الحق ( أي يعلمون في النفوس والأموال بغير الحق كذا قال الأكثر وقال مقاتل بغيهم عملهم بالمعاصى وقيل يتكبرون ويتجبرون وقال أبو مالك هو ما يرجوه أهل مكة أن يكون بمكة غير الإسلام دينا والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الذين يظلمون الناس وهو مبتدأ وخبره ) لهم عذاب أليم ( أي لهم بهذا السبب عذاب شديد الألم
الشورى : ( 43 ) ولمن صبر وغفر . . . . .
ثم رغب سبحانه في الصبر والعفو فقال ) ولمن صبر وغفر ( أي صبر على الأذى وغفر لمن ظلمه ولم ينتصر والكلام في هذه اللام ومن كالكلام في ولمن انتصر ) إن ذلك ( الصبر والمغفرة ) لمن عزم الأمور ( أي أن ذلك منه فحذف لظهوره كما في قولهم السمن منوان بدرهم قال مقاتل من الأمور التي أمر الله بها وقال الزجاج الصابر يؤتى بصبره ثوابا فالرغبة في الثواب أتم عزما قال ابن زيد


"""""" صفحة رقم 542 """"""
إن هذا كله منسوخ بالجهاد وأنه خاص بالمشركين وقال قتادة إنه عام وهو ظاهر النظم القراني
الشورى : ( 44 ) ومن يضلل الله . . . . .
) ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده ( أي فماله من أحد يلي هدايته وينصره وظاهر الاية العموم وقيل هي خاصة بمن أعرض عن النبي صلى الله ليه واله وسلم ولم يعمل بما دعاه إليه من الإيمان بالله والعمل بما شرعه والأول أولى
وقد أخرج أحمد وابن راهويه وابن منيع وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم عن علي بن أبي طالب قال ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير وسأفسرها لك يا علي ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله أكرم من أن يثنى عليكم العقوبة في الاخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود بعد عفوه وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر وقرأ ) وما أصابكم ( الاية وأخرج عبد بن حميد وأبن أبي الدنيا في الكفارات وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عمران بن حصين أنه دخل عليه بعض أصحابه وكان قد ابتلى في جسده فقال إنا لنبتئس لك لما نرى فيك قال فلا تبتئس لما ترى فإن ما ترى بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ثم تلا هذه الاية ) وما أصابكم من مصيبة ( إلى اخرها وأخرج أحمد عن معاوية بن أبي سفيان سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله عنه به من سيئاته وأخرج ابن مردويه عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما عثرة قدم ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر وأخرج ابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله ) فيظللن رواكد على ظهره ( قال يتحركن ولا يجرين في البحر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله رواكد قال وقوفا أويوبقهن قال يهلكهن وأخرج النسائي وابن ماجه وابن مردويه عن عائشة قالت دخلت على زينب وعندي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأقبلت على فسبتني فردعها النبي صلى الله عليه واله وسلم فلم تنته فقال لي سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها ووجه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يتهلل سرورا وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المستبان ما قالا من شيء فعلى البادىء حتى يعتدى المظلوم ثم قرأ ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي ألا ليقم من كان له على الله أجر فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا وذلك قوله فمن عفا وأصلح فأجره على الله وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ينادي مناد من كل له أجر على الله فليدخل الجنة مرتين فيقوم من عفا عن أخيه قال الله ) فمن عفا وأصلح فأجره على الله )
سورة الشورى ( 44 53 )


"""""" صفحة رقم 543 """"""
قوله ) وترى الظالمين ( أي المشركين المكذبين بالبعث ) لما رأوا العذاب ( أي حين نظروا النار وقيل نظروا ما أعده الله لهم عند الموت يقولون هل إلى مرد من سبيل أي هل إلى الرجعة إلى الدنيا من طريق
الشورى : ( 45 ) وتراهم يعرضون عليها . . . . .
) وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ( أي ساكنين متواضعين عند أن يعرضوا على النار لما لحقهم من الذل والهوان والضمير في عليها راجع إلى العذاب وأنثه لأن العذاب هو النار وقوله يعرضون في محل نصب على الحال لأن الرؤية بصرية وكذلك خاشعين ومن الذل يتعلق بخاشعين أي من أجله ينظرون من طرف خفي من هي التي لابتداء الغاية أي يبتدىء نظرهم إلى النار ويجوز أن تكون تبعيضية والطرف الخفي الذي يخفى نظره كالمصبور ينظر إلى السيف لما لحقهم من الذل والخوف والوجل قال مجاهد من طرف خفي أي ذليل قال وإنما ينظرون بقلوبهم لأنهم يحشرون عميا وعين القلب طرف خفى وقال قتادة وسعيد بن جبير والسدي والقرظي يسارقون النظر من شدة الخوف وقال يونس إن من في من طرف بمعنى الباء أي ينظرون بطرف ضعيف من الذل والخوف وبه قال الأخفش وقال الذين امنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة أي أن الكاملين في الخسران هم هؤلاء الذين جمعوا بين خسران الأنفس والأهلين في يوم القيامة أما خسرانهم لأنفسهم فلكونهم صاروا في النار معذبين بها وأما خسرانهم لأهليهم فلأنهم إن كانوا معهم في النار فلا ينتفعون بهم وإن كانوا في الجنة فقد حيل بينهم وبينهم وقيل خسران الأهل أنهم لو امنوا لكان لهم في الجنة أهل من الحور العين ) ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ( هذا يجوز أن يكون من تمام كلام المؤمنين ويجوز


"""""" صفحة رقم 544 """"""
ان يكون من كلام الله سبحانه أي هم في عذاب دائم لا ينقطع
الشورى : ( 46 ) وما كان لهم . . . . .
) وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ( أي لم يكن لهم أعوان يدفعون عنهم العذاب وأنصار ينصرونهم في ذلك الموطن من دون الله بل هو المتصرف سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ) ومن يضلل الله فما له من سبيل ( أي من طريق يسلكها إلى النجاة
الشورى : ( 47 ) استجيبوا لربكم من . . . . .
ثم أمر سبحانه عباده بالاستجابة له وحذرهم فقال ) استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ( أي استجيبوا دعوته لكم إلى الإيمان به وبكتبه ورسله من قبل أن يأتي يوم لا يقدر أحد على رده ودفعه على معنى من قبل أن يأتي من الله يوم لا يرده أحد أو لا يرده الله بعد أن حكم به على عباده ووعدهم به والمراد به يوم القيامة أو يوم الموت ) ما لكم من ملجأ يومئذ ( تلجئون إليه ) وما لكم من نكير ( أي إنكار والمعنى ما لكم من إنكار يومئذ بل تعترفون بذنوبكم وقال مجاهد ) وما لكم من نكير ( أي ناصر ينصركم وقيل النكير بمعنى المنكر كالأليم بمعنى المؤلم أي لا تجدون يومئذ منكرا لما ينزل بكم من العذاب قاله الكلبي وغيره والأول أولى قال الزجاج معناه أنهم لا يقدرون أن ينكروا الذنوب التي يوقفون عليها
الشورى : ( 48 ) فإن أعرضوا فما . . . . .
) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا ( أي حافظا تحفظ أعمالهم حتى تحاسبهم عليها ولا موكلا بهم رقيبا عليهم ) إن عليك إلا البلاغ ( أي ما عليك إلا البلاغ لما أمرت بإبلاغه وليس عليك غير ذلك وهذا منسوخ باية السيف ) وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ( أي إذا أعطيناه رخاء وصحة وغنى فرح بها بكرا والمراد بالإنسان الجنس ولهذا قال وإن تصبهم سيئة أي بلاء وشدة ومرض بما قدمت أيديهم من الذنوب فإن الإنسان كفور أي كثير الكفر لما أنعم به عليه من نعمه غير شكور له عليها وهذا باعتبار غالب جنس الإنسان
الشورى : ( 49 ) لله ملك السماوات . . . . .
ثم ذكر سبحانه سعة ملك ونفاذ تصرفه فقال ) لله ملك السماوات والأرض ( أي له التصرف فيهما بما يريد لا مانع لما أعطى و لا معطى لما منع ) يخلق ما يشاء ( من الخلق ) يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ( قال مجاهد والحسن والضحاك وأبو مالك وأبو عبيدة يهب لمن يشاء إناثا لا ذكور معهن ويهب لمن يشاء ذكورا لا إناث معهم قيل وتعريف الذكور بالألف واللام للدلالة على شرفهم على الإناث ويمكن أن يقال إن التقديم للإناث قد عارض ذلك فلا دلالة في الاية على المفاضلة بل هي مسوقة لمعنى اخر وقد دل على شرف الذكور قوله سبحانه ) الرجال قوامون على النساء بما فضل الله ( وغير ذلك من الأدلة الدالة على شرف الذكور على الإناث وقيل تقديم الإناث لكثرتهن بالنسبة إلى الذكور وقيل لتطييب قلوب ابائهن وقيل لغير ذلك مما لا حاجة إلى التطويل بذكره
الشورى : ( 50 ) أو يزوجهم ذكرانا . . . . .
) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ( أي يقرن بين الإناث والذكور ويجعلهم أزواجا فيهبهما جميعا لبعض خلقه قال مجاهد هو أن تلد المرأة غلاما ثم تلد جارية ثم تلد غلاما ثم تلد جارية وقال محمد ابن الحنفية هو أن تلد توءما غلاما وجارية وقال القتيبي التزويج هنا هو الجمع بين البنين والبنات تقول العرب زوجت إبلى إذا جمعت بين الصغار والكبار ومعنى الاية أوضح من أن يختلف في مثله فإنه سبحانه أخبر أنه يهب لبعض خلقه إناثا ويهب لبعض ذكورا ويجمع لبعض بين الذكور والإناث ) ويجعل من يشاء عقيما ( لا يولد له ذكر ولا أنثى والعقيم الذي لا يولد له يقال رجل عقيم وامرأة عقيم وعقمت المرأة تعقم عقما وأصله القطع ويقال نساء عقم ومنه قول الشاعر عقم النساء فما يلدن شبيهه
إن النساء بمثله عقم
) إنه عليم قدير ( أي بليغ العلم عظيم القدرة
الشورى : ( 51 ) وما كان لبشر . . . . .
) وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ( أي ما صح لفرد من أفراد البشر أن يكلمه الله بوجه من الوجوه إلا بأن يوحى إليه فيلهمه ويقذف ذلك في قلبه قال مجاهد نفث ينفث في قلبه فيكون إلهاما منه كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم في ذبح ولده ) أو من وراء حجاب ( كما كلم موسى


"""""" صفحة رقم 545 """"""
يريد أن كلامه يسمع من حيث لا يرى وهو تمثيل بحال الملك المحتجب الذي يكلم خواصه من وراء حجاب ) أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ( أي يرسل ملكا فيوحى ذلك الملك إلى الرسول من البشر بأمر الله وتيسيره ما يشاء أن يوحى إليه قال الزجاج المعنى أن كلام الله للبشر إما أن يكون بإلهام يلهمهم أو يكلمهم من وراء حجاب كما كلم موسى أو برسالة ملك إليهم وتقدير الكلام ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى وحيا أو يكلمه من وراء حجاب أو يرسل رسولا ومن قرأ يرسل رفعا أراد وهو يرسل فهو ابتداء واستئناف اه قرأ الجمهور بنصب أو ) يرسل ( وبنصب ) فيوحي ( على تقدير أن وتكون أن وما دخلت عليه معطوفين على وحيا ووحيا في محل الحال والتقدير إلا موحبا أو مرسلا ولا يصح عطف أو يرسل على أن يكلمه لأنه يصير التقدير وما كان لبشر أن يرسل الله رسولا وهو فاسد لفظا ومعنى وقد قيل في توجيه قراءة الجمهور غير هذا مما لا يخلو عن ضعف وقرأ نافع ) أو يرسل ( بالرفع وكذلك فيوحى بإسكان الياء على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير أو هو يرسل كما قال الزجاج وغيره وجملة ) إنه علي حكيم ( تعليل لما قبلها أي متعال عن صفات النقص حكيم في كل أحكامه
الشورى : ( 52 ) وكذلك أوحينا إليك . . . . .
قال المفسرون سبب نزول هذه الاية أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه واله وسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى فنزلت ) وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ( أي وكالوحي الذي أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحينا إليك روحا من أمرنا المراد به القران وقيل النبوة قال مقاتل يعني الوحي بأمرنا ومعناه القران لأنه يهتدى به ففيه حياة من موت الكفر ثم ذكر سبحانه صفة رسوله قبل أن يوحى إليه فقال ) ما كنت تدري ما الكتاب ( أي أي شيء هو لأنه صلى الله عليه واله وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب وذلك أدخل في الإعجاز وأدل على صحة نبوته ومعنى ) ولا الإيمان ( أنه كان صلى الله عليه واله وسلم لا يعرف تفاصيل الشرائع ولا يهتدي إلى معالمها وخص الإيمان لأنه رأسها وأساسها وقيل أراد بالإيمان هنا الصلاة قال بهذا جماعة من أهل العلم منهم إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة واحتج بقوله تعالى ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( يعني الصلاة فسماها إيمانا وذهب جماعة إلى أن الله سبحانه لم يبعث نبيا إلا وقد كان مؤمنا به وقالوا معنى الاية ما كنت تدري قبل الوحي كيف تقرأ القران ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان وقيل كان هذا قبل البلوغ حين كان طفلا وفي المهد وقال الحسين بن الفضل إنه على حذف مضاف أي ولا أهل الإيمان وقيل المراد بالإيمان دين الإسلام وقيل الإيمان هنا عبارة عن الإقرار بكل ما كلف الله به العباد ) ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء ( أي ولكن جعلنا الروح الذي أوحيناه إليك ضياء ودليلا على التوحيد والإيمان نهدي به من نشاء هدايته من عبادنا ونرشده إلى الدين الحق ) وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( قال قتادة والسدي ومقاتل وإنك لتدعو إلى الإسلام فهو الصراط المستقيم قرأ الجمهور لتهدي على البناء للفاعل وقرأ ابن حوشب على البناء للمفعول وقرأ ابن السميفع بضم التاء وكسر الدال من أهدى وفي قراءة أبي وإنك لتدعو
الشورى : ( 53 ) صراط الله الذي . . . . .
ثم بين الصراط المستقيم بقوله ) صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ( وفي هذه الإضافة للصراط إلى الاسم الشريف من التعظيم له والتفخيم لشأنه مالا يخفى ومعنى ) له ما في السماوات وما في الأرض ( أنه المالك لذلك والمتصرف فيه ) ألا إلى الله تصير الأمور ( أي تصير إليه يوم القيامة لا إلى غيره جميع أمور الخلائق وفيه وعيد بالبعث المستلزم للمجازاة


"""""" صفحة رقم 546 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) ينظرون من طرف خفي ( قال ذليل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن كعب قال يسارقون النظر إلى النار وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال من بركة المرأة ابتكارها بالأنثى لأن الله قال ) يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ويجعل من يشاء عقيما ( قال الذي لا يولد له وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ( قال إلا أن يبعث ملكا يوحى إليه من عنده أو يلهمه فيقذف في قلبه أو يكلمه من وراء حجاب وأخرج ابن المنذر وابي أبي حاتم عنه أيضا في قوله وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا قال القران وأخرج أبو نعيم في الدلائل وابن عساكر عن علي قال قيل لمحمد صلى الله عليه واله وسلم هل عبدت وثنا قط قال لا قالوا فهل شربت خمرا قط قال لا وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر وما كنت أدرى ما الكتاب ولا الإيمان وبذلك نزل القران ) ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان )
ع43
تفسير
سورة الزخرف
هي تسع وثمانون آية
حول السورة
قال القرطبي هي مكية بالإجماع وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة حم الزخرف بمكة قال مقاتل إلا قوله
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا يعني فإنها نزلت بالمدينة
بسم الله الرحمن الرحيم سورة الزخرف ( 1 20 )


"""""" صفحة رقم 547 """"""
الزخرف : ( 1 - 2 ) حم
قوله حم والكتاب المبين الكلام ها هنا في الإعراب كالكلام الذي قدمناه في يس والقران الحكيم فإن جعلت حم قسما كانت الواو عاطفة وإن لم تجعل قسما فالواو للقسم
الزخرف : ( 3 ) إنا جعلناه قرآنا . . . . .
وجواب القسم ) إنا جعلناه ( وقال ابن الأنباري من جعل جواب والكتاب حم كما تقول نزل والله وجب والله وقف على الكتاب المبين ومعنى جعلناه أي سميناه ووصفناه ولذلك تعدى إلى مفعولين وقال السدي المعنى أنزلناه ) قرآنا ( وقال مجاهد قلناه وقال سفيان الثوري بيناه عربيا وكذا قال الزجاج أي أنزل بلسان العرب لأن كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه وقال مقاتل لأن لسان أهل الجنة عربي ) لعلكم تعقلون ( أي جعلنا ذلك الكتاب قرانا عربيا لكي تفهموه وتتعقلوا معانيه وتحيطوا بما فيه قال ابن زيد لعلكم تتفكرون
الزخرف : ( 4 ) وإنه في أم . . . . .
) وإنه في أم الكتاب ( أي وإن القران في اللوح المحفوظ لدينا أي عندنا لعلى حكيم رفيع القدر محكم النظم لا يوجد فيه اختلاف ولا تناقض والجملة عطف على الجملة المقسم بها داخلة تحت معنى القسم أو مستأنفة مقررة لما قبلها قال الزجاج أم الكتاب أصل الكتاب وأصل كل شيء أمه والقران مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال بل هو قران مجيد في لوح محفوظ وقال ابن جريج المراد بقوله وإنه أعمال الخلق من إيمان وكفر وطاعة ومعصية قال قتادة أخبر عن منزلته وشرفه وفضله أي إن كذبتم به يا أهل مكة فإنه عندنا شريف رفيع محكم من الباطل
الزخرف : ( 5 ) أفنضرب عنكم الذكر . . . . .
) أفنضرب عنكم الذكر صفحا ( يقال ضربت عنه وأضربت عنه إذا تركته وأمسكت عنه كذا قال الفراء والزجاج وغيرهما وانتصاب صفحا على المصدرية وقيل على الحال على معنى أفنضرب عنكم الذكر صافحين والصفح مصدر قولهم صفحت عنه إذا أعرضت عنه وذلك أنك توليه صفحة وجهك وعنقك والمراد بالذكر هنا القران والاستفهام للإنكار والتوبيخ قال الكسائي المعنى أفنضرب عنكم الذكر طيا فلا توعظون ولا تؤمرون وقال مجاهد وأبو صالح والسدى أفنضرب عنكم العذاب ولا نعاقبكم على إسرافكم وكفركم وقال قتادة المعنى أفنهلككم ولا نأمركم ولا ننهاكم وروى عنه أنه قال المعنى أفنمسك عن إنزال القران من قبل أنكم لا تؤمنون به وقيل الذكر التذكير كأنه قال أنترك تذكيركم ) أن كنتم قوما مسرفين ( قرأ نافع وحمزة والكسائي إن كنتم بكسر إن على أنها الشرطية والجزاء محذوف لدلالة ما قبله عليه وقرأ الباقون بفتحها على التعليل أي لأن كنتم قوما منهمكين في الإسراف مصرين عليه واختار أبو عبيد قراءة الفتح
الزخرف : ( 6 ) وكم أرسلنا من . . . . .
ثم سلى سبحانه رسوله صلى الله عليه واله وسلم فقال ) وكم أرسلنا من نبي في الأولين ( كم هي الخبرية التي معناها التكثير


"""""" صفحة رقم 548 """"""
والمعنى ما أكثر ما أرسلنا من الأنبياء في الأمم السابقة
الزخرف : ( 7 ) وما يأتيهم من . . . . .
) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤون ( كاستهزاء قومك بك
الزخرف : ( 8 ) فأهلكنا أشد منهم . . . . .
) فأهلكنا أشد منهم بطشا ( أي أهلكنا قوما أشد قوة من هؤلاء القوم وانتصاب بطشا على التمييز أو الحال أي باطشين ) ومضى مثل الأولين ( أي سلف في القران ذكرهم غير مرة وقال قتادة عقوبتهم وقيل صفتهم والمثل الوصف والخبر وفي هذا تهديد شديد لأنه يتضمن أن الأولين أهلكوا بتكذيب الرسل وهؤلاء إن استمروا على تكذيبك والكفر بما جئت به هلكوا مثلهم
الزخرف : ( 9 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ( أي لئن سألت هؤلاء الكفار من قومك من خلق هذه الأجرام العلوية والسفلية أقروا بأن الله خالقهن ولم ينكروا وذلك أسوأ لحالهم وأشد لعقوبتهم لأنهم عبدوا بعض مخلوقات الله وجعلوه شريكا له بل عمدوا إلى مالا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر من المخلوقات وهي الأصنام فجعلوها شركاء لله
الزخرف : ( 10 ) الذي جعل لكم . . . . .
ثم وصف سبحانه نفسه بما يدل على عظيم نعمته على عباده وكمال قدرته في مخلوقاته فقال ) الذي جعل لكم الأرض مهدا ( وهذا كلام مبتدأ غير متصل بما قبله ولو كان متصلا بما قبله من جملة مقول الكفار لقالوا الذي جعل لنا الأرض مهادا والمهاد الفراش والبساط وقد تقدم بيانه قرأ الجمهور مهادا وقرأ الكوفيون مهدا وجعل لكم فيها سبلا أي طرقا تسلكونها إلى حيث تريدون وقيل معايش تعيشون بها ) لعلكم تهتدون ( بسلوكها إلى مقاصدكم ومنافعكم
الزخرف : ( 11 ) والذي نزل من . . . . .
) والذي نزل من السماء ماء بقدر ( أي بقدر الحاجة وحسبما تقتضيه المصلحة ولم ينزل عليكم منه فوق حاجتكم حتى يهلك زرائعكم ويهدم منازلكم ويهلككم بالغرق ولا دونها حتى تحتاجوا إلى الزيادة وعلى حسب ما تقتضيه مشيئته في أرزاق عباده بالتوسيع تارة والتقتير أخرى ) فأنشرنا به بلدة ميتا ( أي أحيينا بذلك الماء بلدة مقفرة من النبات قرأ الجمهور ميتا بالتخفيف وقرأ عيسى وأبو جعفر بالتشديد ) كذلك تخرجون ( من قبوركم أي مثل ذلك الإحياء للأرض بإخراج نباتها بعد أن كانت لا نبات بها تبعثون من قبوركم أحياء فإن من قدر على هذا قدر على ذلك وقد مضى بيان هذا في ال عمران والأعراف قرأ الجمهور تخرجون مبنيا للمفعول وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر مبنيا للفاعل
الزخرف : ( 12 ) والذي خلق الأزواج . . . . .
) والذي خلق الأزواج كلها ( المراد بالأزواج هنا الأصناف قال سعيد بن جبير الأصناف كلها وقال الحسن الشتاء والصيف والليل والنهار والسموات والأرض والجنة والنار وقيل أزواج الحيوان من ذكر وأنثى وقيل أزواج النبات كقوله وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج و ) من كل زوج كريم ( وقيل ما يتقلب فيه الإنسان من خير وشر وإيمان وكفر والأول أولى ) وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون ( في البحر والبر أي ما تركبونه
الزخرف : ( 13 ) لتستووا على ظهوره . . . . .
) لتستووا على ظهوره ( الضمير راجع إلى ما قاله أبو عبيد وقال الفراء أضاف الظهور إلى واحد لأن المراد به الجنس فصار الواحد في معنى الجمع بمنزلة الجنس فلذلك ذكر وجمع الظهر لأن المراد ظهور هذا الجنس والاستواء الاستعلاء أي لتستعلوا على ظهور ما تركبون من الفلك والأنعام ) ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ( أي هذه النعمة التي أنعم بها عليكم من تسخير ذلك المركب في البحر والبر وقال مقاتل والكلبي هو أن يقول الحمد لله الذي رزقني هذا وحملني عليه ) وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا ( أي ذلل لنا هذا المركب وقرأ علي بن أبي طالب سبحان من سخر لنا هذا قال قتادة قد علمكم كيف تقولون إذا ركبتم ومعنى ) وما كنا له مقرنين ( ما كنا له مطيقين يقال أقرن هذا البعير إذا أطاقه وقال الأخفش وابوعبيدة مقرنين ضابطين وقيل ممائلين له في القوة من قولهم هو قرن فلان إذا كان مثله في القوة وأنشد قطرب قول عمرو بن معدي كرب


"""""" صفحة رقم 549 """"""
وقال آخر لقد علم القبائل ما عقيل
لنا في النائبات بمقرنينا
ركبتم صعبتي أشر وجبن
ولستم للصعاب بمقرنينا
والمراد بالأنعام هنا الإبل خاصة وقيل الإبل والبقر والأول أولى
الزخرف : ( 14 ) وإنا إلى ربنا . . . . .
) وإنا إلى ربنا لمنقلبون ( أي راجعون إليه وهذا تمام ما يقال عند ركوب الدابة أو السفينة ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدم ذكرهم فقال ) وجعلوا له من عباده جزءا ( قال قتادة أي عدلا يعني ما عبد من دون الله وقال الزجاج والمبرد الجزء هنا البنات والجزء عند أهل العربية البنات يقال قد أجزأت المرأة إذا ولدت البنات ومنه قول الشاعر إن أجزأت حرة يوما فلا عجب
قد تجزىء الحرة المذكار أحيانا
وقد جعل صاحب الكشاف تفسير الجزء بالنبات من بدع التفسير وصرح بأنه مكذوب على العرب ويجاب عنه بأنه قد رواه الزجاج والمبرد وهما إماما اللغة العربية وحافظاها ومن إليهما المنتهى في معرفتها ويؤيد تفسير الجزء بالنبات ما سيأتي من قوله ) أم اتخذ مما يخلق بنات ( وقوله وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن
الزخرف : ( 15 ) وجعلوا له من . . . . .
وقوله ) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( وقيل المراد بالجزاء هنا الملائكة فإنهم جعلوهم أولادا لله سبحانه قاله مجاهد والحسن قال الأزهري ومعنى الاية أنهم جعلوا لله من عباده نصيبا على معنى أنهم جعلوا نصيب الله من الولدان ) إن الإنسان لكفور مبين ( أي ظاهر الكفران مبالغ فيه قيل المراد بالإنسان هنا الكافر فإنه الذي يجحد نعم الله عليه جحدوا بينا
الزخرف : ( 16 ) أم اتخذ مما . . . . .
ثم أنكر عليهم هذا فقال ) أم اتخذ مما يخلق بنات ( وهذا استفهام تقريع وتوبيخ وأم هي المنقطعة والمعنى أتخذ ربكم لنفسه البنات ) وأصفاكم بالبنين ( فجعل لنفسه المفضول من الصنفين ولكم الفاضل منهما يقال أصفيته بكذا أي اثرته به وأصفيته الود أخلصته له ومثل هذه الاية قوله ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى وقوله ) أفأصفاكم ربكم بالبنين ( وجملة وأصفاكم معطوفة على اتخذ داخلة معها تحت الإنكار
الزخرف : ( 17 ) وإذا بشر أحدهم . . . . .
ثم زاد في تقريعهم وتوبيخهم فقال ) وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ( أي بما جعله للرحمن سبحانه من كونه جعل لنفسه البنات والمعنى إنه إذا بشر أحدهم بأنها ولدت له بنت اغتم لذلك وظهر عليه أثره وهو معنى قوله ) ظل وجهه مسودا ( أي صار وجهه مسودا بسبب حدوث الأنثى له حيث لم يكن الحادث له ذكرا مكانها ) وهو كظيم ( أي شديد الحزن كثير الكرب مملوء منه قال قتادة حزين وقال عكرمة مكروب وقيل ساكت وجملة وهو كظيم في محل نصب على الحال
الزخرف : ( 18 ) أو من ينشأ . . . . .
ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال ) أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ( معنى ينشأ يربى والنشوء التربية والحلية الزينة ومن في محل نصب بتقدير مقدر معطوف على جعلوا والمعنى أو جعلوا له سبحانه من شأنه أن يربى في الزينة وهو عاجز عن أن يقوم بأمور نفسه وإذا خوصم لا يقدر على إقامة حجته ودفع ما يجادله به خصمه لنقصان عقله وضعف رأيه قال المبرد تقدير الاية أو يجعلون له من ينشأ في الحلية أي ينيت في الزينة قرأ الجمهور ينشأ بفتح الياء وإسكان النون وقرأ ابن عباس والضحاك وابن وثاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين واختار القراءة الأولى أبو حاتم واختار الثانية أبو عبيد قال الهروي الفعل على القراءة الأولى لازم وعلى الثانية متعد والمعنى يربى ويكبر في الحلية قال قتادة قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها وقال ابن زيد والضحاك الذي ينشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة
الزخرف : ( 19 ) وجعلوا الملائكة الذين . . . . .
) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( الجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشيء كما تقول جعلت زيدا أفضل الناس أي


"""""" صفحة رقم 550 """"""
قلت بذلك وحكمت له به قرأ الكوفيون عباد بالجمع وبها قرأ ابن عباس وقرأ الباقون عند الرحمن بنون ساكنة واختار القراءة الأولى أبو عبيد لأن الإسناد فيها أعلى ولأن الله إنما كذبهم في قوله إنهم بنات الله فأخبرهم أنهم عباده ويؤيد هذه القراءة قوله بل عباد مكرمون واختار أبو حاتم القراءة الثانية قال وتصديق هذه القراءة قوله إن الذين عند ربك ثم وبخهم وقرعهم فقال أشهدوا ) خلقهم ( أي أحضروا خلق الله إياهم فهو من الشهادة التي هي الحضور وفي هذا تهكم بهم وتجهيل لهم قرأ الجمهور أشهدوا على الاستفهام بدون الواو وقرأ نافع أو أشهدوا وقرأ الجمهور ستكتب شهادتهم بضم التاء الفوقية وبناء الفعل للمفعول ورفع شهادتهم وقرأ السلمي وابن السميفع وهبيرة عن حفص بالنون وبناء الفعل للفاعل ونصب شهادتهم وقرأ أبو رجاء ? شهاداتهم ? بالجمع والمعنى سنكتب هذه الشهادة التي شهدوا بها في ديوان أعمالهم لنجازيهم على ذلك ويسألون عنها يوم القيامة
الزخرف : ( 20 ) وقالوا لو شاء . . . . .
) وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( هذا فن اخر من فنون كفرهم بالله جاءوا به للاستهزاء والسخرية ومعناه لو شاء الرحمن في زعمكم ما عبدنا هذه الملائكة وهذا كلام حق يراد به باطل وقد مضى بيانه في الأنعام فبين سبحانه جهلهم بقوله ) ما لهم بذلك من علم ( أي ما لهم بما قالوه من أن الله لو شاء عدم عبادتهم للملائكة ما عبدوهم من علم بل تكلموا بذلك جهلا وأرادوا بما صورته صورة الحق باطلا وزعموا أنه إذا شاء فقد رضى ثم بين انتفاء علمهم بقوله ) وإن هم إلا يخرصون ( أي ما هم إلا يكذبون فيما قالوا ويتمحلون تمحلا باطلا وقيل الإشارة بقوله ) ذلك ( إلى قوله ) وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ( قاله قتادة ومقاتل والكلبي وقال مجاهد وابن جريج أي ما لهم بعبادة الأوثان من علم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إن أول ما خلق الله من شيء القلم وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة والكتاب عنده ثم قرأ ) وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ( وأخرج ابن مردويه نحوه عن أنس مرفوعا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) أفنضرب عنكم الذكر صفحا ( قال أحببتم أن يصفح عنكم ولم تفعلوا ما أمرتم به وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان إذا سافر ركب راحلته ثم كبر ثلاثا ثم قال ) سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وما كنا له مقرنين ( قال مطيقين وأخرج عبد بن حميد عنه ) أو من ينشأ في الحلية ( قال هو النساء فرق بين زيهن وزي الرجال ونقصهن من الميراث وبالشهادة وأمرهن بالقعدة وسماهن الخوالف وأخرج سعيد ابن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن سعيد بن جبير قال كنت أقرأ هذا الحرف ? الذين هم عند الرحمن إناثا ? فسألت ابن عباس فقال عباد الرحمن قلت فإنها في مصحفى عند الرحمن قال فامحها واكتبها ) عباد الرحمن )
سورة الزخرف ( 21 35 )


"""""" صفحة رقم 551 """"""
الزخرف : ( 21 ) أم آتيناهم كتابا . . . . .
قوله ) أم آتيناهم كتابا من قبله ( أم هي المنقطعة أي بلء ءاعطيناهم كتابا من قبل القران بأن يعبدوا غير الله ) فهم به مستمسكون ( يأخذون بما فيه ويحتجون به ويجعلونه لهم دليلا ويحتمل أن تكون أم معادلة لقوله أشهدوا فتكون متصلة والمعنى أحضروا خلقهم أم اتيناهم كتابا الخ وقيل إن الضمير في من قبله يعود إلى ادعائهم أي أم اتيناهم كتابا من قبل ادعائهم ينطق بصحة ما يدعونه والأول أولى
الزخرف : ( 22 ) بل قالوا إنا . . . . .
ثم بين سبحانه أنه لا حجة بأيديهم ولا شبهة ولكنهم اتبعوا اباءهم في الضلالة فقال ) بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ( فاعترفوا بأنه لا مستند لهم سوى تقليد ابائهم ومعنى على أمة على طريقة ومذهب قال أبو عبيد هي الطريقة والدين وبه قال قتادة وغيره قال الجوهري والأمة الطريقة والدين يقال فلان لا أمة له أي لا دين له ولا نحلة ومنه قول قيس بن الخطيم كنا على أمة ابائنا
ونقتدى بالأول الأول
وقول الاخر وهل يستوي ذا أمة وكفور
وقال الفراء وقطرب على قبلة وقال الأخفش على استقامة وأنشد قول النابغة
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
قرأ الجمهور أمة بضم الهمزة وقرأ مجاهد وقتادة وعمر بن عبد العزيز بكسرها قال الجوهري والإمة الكسر النعمة والإمة أيضا لغة في الأمة ومنه قول عدي بن زيد


"""""" صفحة رقم 552 """"""
ثم بعد الفلاح والملك والأم
ة وارتهم هناك قبور
الزخرف : ( 23 ) وكذلك ما أرسلنا . . . . .
ثم أخبر سبحانه أن غير هؤلاء من الكفار قد سبقهم إلى هذه المقالة وقال بها فقال ) وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ( مترفوها أغنياؤها ورؤساؤها قال قتادة مقتدون متبعون ومعنى الاهتداء والاقتداء متقارب وخصص المترفين تنبيها على أن التنعم هو سبب إهمال النظر
الزخرف : ( 24 ) قال أولو جئتكم . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه واله وسلم أن يرد عليهم فقال ) قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ( أي أتتبعون اباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين ابائكم قال الزجاج المعنى قل لهم أتتبعون ما وجدتم عليه اباءكم وإن جئتكم بأهدى منه قرأ الجمهور ? قل أو لو جئتكم ? وقرأ ابن عامر وحفص قال أو لو جئتكم وهو حكاية لما جرى بين المنذرين وقومهم أي قال كل منذر من أولئك المنذرين لأمته وقيل إن كلا القراءتين حكاية لما جرى بين الأنبياء وقومهم كأنه قال لكل نبي قل بدليل قوله ) قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ( وهذا من أعظم الأدلة الدالة على بطلان التقليد وقبحه فإن هؤلاء المقلدة في الإسلام إنما يعملون بقول أسلافهم ويتبعون اثارهم ويفتدون بهم فإذا رام الداعي إلى الحق أن يخرجهم من ضلالة أو يدفعهم عن بدعة قد تمسكوا بها وورثوها عن أسلافهم بغير دليل نير ولا حجة واضحة بل بمجرد قال وقيل لشبهة داحضة وحجة زائفة ومقالة باطلة قالوا بماقاله المترفون من هذه الملل إنا وجدنا اباءنا على أمة وإنا على اثارهم مقتدون أو بما يلاقى معناه معنى ذلك فإن قال لهم الداعى إلى الحق قد جمعتنا الملة الإسلامية وشملنا هذا الدين المحمدي ولم يتعبدنا الله ولا تعبدكم وتعبد اباءكم من قبلكم إلا بكتابه الذي أنزله على رسوله وبما صح عن رسوله فإنه المبين لكتاب الله الموضح لمعانيه الفارق بين محكمه ومتشابهه فتعالوا نرد ما تنازعنا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله كما أمرنا الله بذلك في كتابه بقوله ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( فإن الرد إليهما أهدى لنا ولكم من الرد إلى ما قاله أسلافكم ودرج عليه اباؤكم نفروا نفور الوحوش ورموا الداعي لهم إلى ذلك بكل حجر ومدر كأنهم لم يسمعوا قول الله سبحانه إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ولا قوله ) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما ( شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما فإن قال لهم القائل هذا العالم الذي تقتدون به وتتبعون أقواله هو مثلكم في كونه متعبدا بكتاب الله وسنة رسوله مطلوبا منه ما هو مطلوب منكم وإذا عمل برأيه عند عدم وجدانه للدليل فذلك رخصة له لا يحل أن يتبعه غيره عليها ولا يجوز له العمل بها وقد وجدوا الدليل الذي لم يجده وها أنا أوجدكموه في كتاب الله أو فيما صح من سنة رسوله وذلك أهدى لكم مما وجدتم عليه اباءكم قالوا لا نعمل بهذا ولا سمع لك ولا طاعة ووجدوا في صدورهم أعظم الحرج من حكم الكتاب والسنة ولم يسلموا ذلك ولا أذعنوا له وقد وهب لهم الشيطان عصى يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب والسنة وهي أنهم يقولون إن إمامنا الذي قلدناه واقتدينا به أعلم منك بكتاب الله وسنة رسوله وذلك لأن أذهانهم قد تصورت من يقتدون به تصورا عظيما بسبب تقدم العصر وكثرة الأتباع وما علموا أن هذا منقوض عليهم مدفوع به في وجوههم فإنه لو قيل لهم إن في التابعين من هو أعظم قدرا وأقدم عصرا من صاحبكم فإن كان لتقدم العصر وجلالة القدر مزية حتى توجب الاقتداء فتعالوا حتى أريكم من هو أقدم عصرا وأجل قدرا فإن أبيتم ذلك ففي الصحابة رضي الله عنهم من هو أعظم قدرا من صاحبكم علما وفضلا وجلالة قدر فإن أبيتم ذلك فها أنا أدلكم على من هو أعظم قدرا وأجل خطرا وأكثر أتباعا وأقدم عصرا وهو محمد بن عبد الله نبينا ونبيكم ورسول الله إلينا وإليكم


"""""" صفحة رقم 553 """"""
فتعالوا فهذه سنته موجوده في دفاتر الإسلام ودواوينه التي تلقتها جميع هذه الأمة قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر وهذا كتاب ربنا خالق الكل ورازق الكل وموجد الكل بين أظهرنا موجود في كل بيت وبيد كل مسلم لم يلحقه تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقص ولا تحريف ولا تصحيف ونحن وأنتم ممن يفهم ألفاظه ويتعقل معانيه فتعالوا لنأخذ الحق من معدنه ونشرب صفو الماء من منبعه فهو أهدى مما وجدتم عليه اباءكم قالوا لا سمع ولا طاعة إما بلسان المقال أو بلسان الحال فتدبر هذا وتأمله أن بقى فيك بقية من إنصاف وشعبة من خير ومزعة من حياء وحصة من دين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقد أوضحت هذا غاية الإيضاح في كتابي الذي سميته أدب الطلب ومنتهى الأرب فارجع إليه إن رمت أن تنجلى عنك ظلمات التعصب وتتقشع لك سحائب التقليد
الزخرف : ( 25 ) فانتقمنا منهم فانظر . . . . .
) فانتقمنا منهم ( وذلك الانتقام ما أوقعه الله بقوم نوح وعاد وثمود فانظر كيف كان عاقبة المكذبين من تلك الأمم فإن اثارهم موجودة
الزخرف : ( 26 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه أي واذكر لهم وقت قوله لأبيه وقومه الذين قلدوا اباءهم وعبدوا الأصنام ) إنني براء مما تعبدون ( البراء مصدر نعت به للمبالغة وهو يستعمل للواحد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث قال الجوهري وتبرأت من كذا وأنا منه براء وخلاء ولا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر في الأصل
الزخرف : ( 27 ) إلا الذي فطرني . . . . .
ثم استثنى خالقه من البراءة فقال ) إلا الذي فطرني ( أي خلقني ) فإنه سيهدين ( سيرشدني لدينه ويثبتني على الحق والاستثناء إما منقطع أي لكن الذي فطرني أو متصل من عموم ما لأنهم كانوا يعبدون الله والأصنام وإخباره بأنه سيهديه جزما لثقته بالله سبحانه وقوة يقينه
الزخرف : ( 28 ) وجعلها كلمة باقية . . . . .
) وجعلها كلمة باقية في عقبه ( الضمير في جعلها عائد إلى قوله ) إلا الذي فطرني ( وهي بمعنى التوحيد كأنه قال وجعل كلمة التوحيد باقية في عقب إبراهيم وهم ذريته فلايزال فيهم من يوحد الله سبحانه وفاعل جعلها إبراهيم وذلك حيث وصاهم بالتوحيد وأمرهم بأن يدينوا به كما في قوله ) ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ( الاية وقيل الفاعل هو الله عز وجل أي وجعل الله عز وجل كلمة التوحيد باقية في عقب إبراهيم والعقب من بعد قال مجاهد وقتادة الكلمة لا إله إلا الله لا يزال من عقبى من يعبد الله إلى يوم القيامة وقال عكرمة هي الإسلام قال ابن زيد الكلمة هي قوله أسلمت لرب العالمين وجملة لعلهم يرجعون تعليل للجعل أي جعلها باقية رجاء أن يرجع إليها من يشرك منهم بدعاء من يوحد وقيل الضمير في لعلهم راجع إلى أهل مكة أي لعل أهل مكة يرجعون إلى دينك الذي هو دين إبراهيم وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير فإنه سيهدين لعلهم يرجعون وجعلها الخ قال السدي لعلهم يتوبون فيرجعون عما هم عليه إلى عبادة الله
الزخرف : ( 29 ) بل متعت هؤلاء . . . . .
ثم ذكر سبحانه نعمته على قريش ومن وافقهم من الكفار المعاصرين لهم فقال بل متعت هؤلاء واباءهم أضرب عن الكلام الأول إلى ذكر ما متعهم به من الأنفس والأهل والأموال وأنواع النعم وما متع به اباءهم ولم يعاجلهم بالعقوبة فاغتروا بالمهلة وأكبوا على الشهوات ) حتى جاءهم الحق ( يعني القران ورسول مبين يعني محمدا صلى الله عليه واله وسلم ومعنى مبين ظاهر الرسالة واضحها أو مبين لهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين فلم يجيبوه ولم يعملوا بما أنزل عليه
الزخرف : ( 30 ) ولما جاءهم الحق . . . . .
ثم بين سبحانه ما صنعوه عند مجىء الحق فقال ) ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون ( أي جاحدون فسموا القران سحرا وجحدوه واستحقروا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
الزخرف : ( 31 ) وقالوا لولا نزل . . . . .
) وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( المراد بالقريتين مكة والطائف وبالرجلين الوليد بن المغيرة من مكة وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف كذا قال قتادة وغيره وقال مجاهد وغيره عتبة بن ربيعة من مكة وعمير بن عبد يا ليل الثقفي من الطائف وقيل غير ذلك وظاهر النظم أن المراد رجل من إحدى القريتين عظيم الجاه واسع المال مسود في قومه


"""""" صفحة رقم 554 """"""
والمعنى أنه لو كان قرانا لنزل على رجل عظيم من عظماء القريتين
الزخرف : ( 32 ) أهم يقسمون رحمة . . . . .
فأجاب الله سبحانه عنهم بقوله ) أهم يقسمون رحمة ربك ( يعني النبوة أو ماهو أعم منها والاستفهام للأنكار ثم بين أنه سبحانه هو الذي قسم بينهم ما يعيشون به من أمور الدنيا فقال ) نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ( ولم نفوض ذلك إليهم وليس لأحد من العباد أن يتحكم في شيء بل الحكم لله وحده وإذا كان الله سبحانه هو الذي قسم بينهم أرزاقهم ورفع درجات بعضهم على بعض فكيف لا يقنعون بقسمته في أمر النبوة وتفويضها إلى من يشاء من خلقه قال مقاتل يقول أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا قرأ الجمهور معيشتهم بالإفراد وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن معايشهم بالجمع و معنى رفعنا بعضهم فوق بعض درجات أنه فاضل بينهم فجعل بعضهم أفضل من بعض في الدنيا بالرزق والرياسة والقوة والحرية والعقل والعلم ثم ذكر العلة لرفع درجات بعضهم على بعض فقال ليتخذ بعضهم بعضا سخريا أي ليستخدم بعضهم بعضا فيستخدم الغني الفقير والرئيس المرءوس والقوي الضعيف والحر العبد والعاقل من هو دونه في العقل والعالم الجاهل وهذا في غالب أحوال أهل الدنيا وبه تتم مصالحهم وينتظم معاشهم ويصل كل واحد منهم إلى مطلوبه فإن كل صناعة دنيوية يحسنها قوم دون اخرين فجعل البعض محتاجا إلى البعض لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا ويحتاج هذا إلى هذا ويصنع هذا لهذا ويعطى هذا هذا قال السدي وابن زيد سخرنا خولنا وخدما يسخر الأغنياء الفقراء فيكون بعضهم سببا لمعاش بعض وقال قتادة والضحاك ليملك بعضهم بعضا وقيل هو من السخرية التي بمعنى الاستهزاء وهذا وإن كان مطابقا للمعنى اللغوي ولكنه بعيد من معنى القران ومناف لما هو مقصود السياق ) ورحمة ربك خير مما يجمعون ( يعني بالرحمة ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الاخرة وقيل هي النبوة لأنها المراد بالرحمة المتقدمة في قوله أهم يقسمون رحمة ربك ولا مانع من أن يراد كل ما يطلق عليه اسم الرحمة إما شمولا أو بدلا ومعنى مما يجمعون ما يجمعونه من الأموال وسائر متاع الدنيا ث
الزخرف : ( 33 ) ولولا أن يكون . . . . .
م بين سبحانه حقارة الدنيا عنده فقال ) ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ( أي لولا أن يجتمعوا على الكفر ميلا إلى الدنيا وزخرفها ) لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ( جمع الضمير في بيوتهم وأفرده في يكفر باعتبار معنى من ولفظها ولبيوتهم بدل اشتمال من الموصول والسقف جمع سقف قرأ الجمهور بضم السين والقاف كرهن ورهن قال أبو عبيدة ولا ثالث لهما وقال الفراء وهو جمع سقيف نحو كثيب وكثب ورغيف ورغف وقيل هو جمع سقوف فيكون جمعا للجمع وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح السين وإسكان القاف على الإفراد ومعناه الجمع لكونه للجنس قال الحسن معنى الاية لولا أن يكفر الناس جميعا بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الاخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه لهوان الدنيا عند الله وقال بهذا أكثر المفسرين وقال ابن زيد لولا أن يكون الناس أمة واحدة في طلب الدنيا واختيارهم لها على الاخرة وقال الكسائي المعنى لولا أن يكون في الكفار غنى وفقير وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها ) ومعارج عليها يظهرون ( المعارج الدرج جمع معراج والمعراج السلم قال الأخفش إن شئت جعلت الواحدة معرج ومعرج مثل مرقاة ومرقاة والمعنى فجعلنا لهم معارج من فضة عليها يظهرون أي على المعارج يرتقون ويصعدون يقال ظهرت على البيت أي علوت سطحه ومنه قول النابغة بلغنا السماء مجدا وفخرا وسوددا
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
أي مصعدا
الزخرف : ( 34 ) ولبيوتهم أبوابا وسررا . . . . .
) ولبيوتهم أبوابا وسررا ( أي وجعلنا لبيوتهم أبوابا من فضة وسررا من فضة عليها يتكئون أي على السرر وهو جمع سرير وقيل جمع أسرة فيكون للجمع والاتكاء والتوكؤ التحامل على الشيء


"""""" صفحة رقم 555 """"""
ومنه أتوكأ عليها واتكأ على الشيء فهو متكىء والموضع متكأ
الزخرف : ( 35 ) وزخرفا وإن كل . . . . .
والزخرف الذهب وقيل الزينة أعم من أن تكون ذهبا أو غيره قال ابن زيد هو ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة والأثاث وقال الحسن النقوش وأصله الزينة يقال زخرفت الدار أي زينتها و انتصاب زخرفا بفعل مقدر أي وجعلنا لهم مع ذلك زخرفا أو بنزع الخافض أي أبوابا وسررا من فضة ومن ذهب فلما حذف الخافض انتصب ثم أخبر سبحانه أن جميع ذلك إنما يتمتع به في الدنيا فقال ) وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ( قرأ الجمهور لما بالتخفيف وقرأ عاصم وحمزة وهاشم عن ابن عامر بالتشديد فعلى القراءة الأولى تكون إن هي المخففة من الثقيلة وعلى القراءة الثانية هي النافية ولما بمعنى إلا أي ما كل ذلك إلا شىء يتمتع به في الدنيا وقرأ أبو رجاء بكسر اللام من لما على أن اللام للعلة وما موصولة والعائد محذوف أي للذي هو متاع ) والآخرة عند ربك للمتقين ( أي لمن اتقى الشرك والمعاصى وامن بالله وحده وعمل بطاعته فإنها الباقية التي لا تفنى ونعيمها الدائم الذي لا يزول
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ) إنا وجدنا آباءنا على أمة ( قال على دين وأخرج عبد بن حميد عنه ) وجعلها كلمة باقية ( قال لا إله إلا الله في عقبه قال عقب إبراهيم ولده وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عنه أيضا أنه سئل عن قول الله ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( ما القريتان قال الطائف ومكة قيل فمن الرجلان قال عمير بن مسعود وخيار قريش وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا قال يعني بالقريتين مكة والطائف والعظيم الوليد بن المغيرة القرشي وحبيب بن عمير الثقفي وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في الاية قال يعنون أشرف من محمد الوليد بن المغيرة من أهل مكة ومسعود بن عمرو الثقفي من أهل الطائف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ( الاية يقول لولا أن نفعل الناس كلهم كفارا لجعلت لبيوت الكفار سقفا من فضة ومعارج من فضة وهي درج عليها يصعدون إلى الغرف وسرر فضة وزخرفا وهو الذهب وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجه عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضه ما سقى منها كافرا شربة ماء
سورة الزخرف ( 36 45 )


"""""" صفحة رقم 556 """"""
الزخرف : ( 36 ) ومن يعش عن . . . . .
قوله ) ومن يعش عن ذكر الرحمن ( يقال عشوت إلى النار قصدتها وعشوت عنها اعرضت عنها كما تقول عدلت إلى فلان وعدلت عنه وملت إليه وملت عنه كذا قال الفراء والزجاج وأبو الهيثم والأزهري فالمعنى ومن يعرض عن ذكر الرحمن قال الزجاج معنى الاية أن من أعرض عن القران وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين يعاقبه الله بشيطان يقيضه له حتى يضله ويلازمه قرينا له فلا يهتدي مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البين وقال الخليل العشو النظر الضعيف ومنه لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره
إذا الريح هبت والمكان جديب
والظاهر أن معنى البيت القصد إلى النار لا النظر إليها ببصر ضعيف كما قال الخليل فيكون دليلا على ما قدمنا من أنه يأتي بمعنى القصد وبمعنى الإعراض وهكذا ما أنشده الخليل مستشهدا به على ما قاله من قول الحطيئة متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
تجد خير نار عندها خير موقد
فإن الظاهر أن معناه تقصد إلى ضوء ناره لا تنظر إليها ببصر ضعيف ويمكن أن يقال إن المعنى في البيتين المبالغة في ضوء النار وسطوعها بحيث لا ينظرها الناظر إلا كما ينظر من هو معشى البصر لما يلحق بصره من الضعف عند ما يشاهده من عظم وقودها وقال أبو عبيدة والأخفش إن معنى ) ومن يعش ( ومن تظلم عينه وهو نحو قول الخليل وهذا على قراءة الجمهور ومن يعش بضم الشين من عشا يعشو وقرأ ابن عباس وعكرمة ومن يعش بفتح الشين يقال عشى الرجل يعشى عشيا إذا عمى ومنه قول الأعشى رأت رجلا غايب الوافدين
ومختلف الخلق اعشى ضريرا
وقال الجوهري والعشا مقصور مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار والمرأة عشواء قرىء يعشو بالواو على أن من موصولة غير متضمنة معنى الشرط قرأ الجمهور نقيض له شيطانا بالنون وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق ويعقوب وعصمة عن عاصم والأعمش بالتحتية مبنيا للفاعل وقرأ ابن عباس بالتحتية مبنيا للمفعول ورفع شيطان على النيابة ) فهو له قرين ( أي ملازم له لا يفارقه أو هو ملازم للشيطان لا يفارقه بل يتبعه في جميع أموره ويطيعه في كل ما يوسوس به إليه
الزخرف : ( 37 ) وإنهم ليصدونهم عن . . . . .
) وإنهم ليصدونهم عن السبيل ( أي وإن الشياطين الذين يقيضهم الله لكل أحد ممن يعشو عن ذكر الرحمن كما هو معنى من ليصدونهم أي يحولون بينهم وبين سبيل الحق ويمنعونهم منه ويوسوسون لهم أنهم على الهدى حتى يظنون صدق ما يوسوسون به وهو معنى قوله ويحسبون أنهم مهتدون أي يحسب الكفار أن الشياطين مهتدون فيطيعونهم أو يحسب الكفار بسبب تلك الوسوسة أنهم في أنفسهم مهتدون
الزخرف : ( 38 ) حتى إذا جاءنا . . . . .
) حتى إذا جاءنا ( قرأ الجمهور بالتثنية أي الكافر والشيطان المقارن له وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص بالإفراد أي الكافر أو جاء كل واحد منها قال الكافر مخاطبا للشيطان يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين أي بعد ما بين المشرق والمغرب فغلب المشرق على المغرب قال مقاتل يتمنى الكافر أن بينهما بعد مشرق أطول يوم في السنة من مشرق أقصر يوم في السنة والأول أولى وبه قال الفراء ) فبئس القرين ( المخصوص بالذم محذوف أي أنت أيها الشيطان
الزخرف : ( 39 ) ولن ينفعكم اليوم . . . . .
) ولن ينفعكم اليوم ( هذا حكاية لما سيقال لهم يوم القيامه ) إذ ظلمتم (


"""""" صفحة رقم 557 """"""
أى لأجل ظلمكم أنفسكم فى الدنيا وقيل إن إذ بدل من اليوم لأنه تبين فى ذلك اليوم أنهم ظلموا أنفسهم فى الدنيا قرأ الجمهور ) أنكم في العذاب مشتركون ( بفتح أن على أنها وما بعدها فى محل رفع على الفاعلية أى لن ينفعكم اليوم اشتراككم فى العذاب قال المفسرون لايخفف عنهم بسبب الاشتراك شىء من العذاب لأن لكل أحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر منه وقيل إنها للتعليل لنفى النفع أى لأن لأحقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم فى العذاب كما كنتم مشتركين فى سببه فى الدنيا ويقوى هذا المعنى قراءة ابن عامر على اختلاف عليه فيها بكسر إن
الزخرف : ( 40 ) أفأنت تسمع الصم . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنها لاتنفع الدعوة والوعظ من سبقت له الشقاوة فقال ) أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ( الهمزة لإنكار التعجب أى ليس ذلك فلايضيق صدرك إن كفروا وفيه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإخبار له أنه لايقدر علي ذلك إلا الله عز وجل وقوله ) ومن كان في ضلال مبين ( عطف على العمى أى إنك لاتهدى من كان كذلك ومعنى الاية أن هؤلاء الكفار بمنزلة الصم الذين لايعقلون ماجئت به وبمنزلة العمى الذين لايبصرونه لإفراطهم فى الضلالة وتمكنهم من الجهالة
الزخرف : ( 41 ) فإما نذهبن بك . . . . .
) فإما نذهبن بك ( بالموت قبل أن ينزل العذاب بهم ) فإنا منهم منتقمون ( إما فى الدنيا أو فى الآخرة وقيل المعني نخرجنك من مكة
الزخرف : ( 42 ) أو نرينك الذي . . . . .
) أو نرينك الذي وعدناهم ( من العذاب قبل موتك ) فإنا عليهم مقتدرون ( متى شئنا عذبناهم قال كثير من المفسرين قد أراه الله ذلك يوم بدر وقال الحسن وقتادة هى فى أهل الإسلام يريد ما كان بعد النبى ( صلى الله عليه وسلم ) من الفتن وقد كان بعد النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فتنة شديدة فأكرم الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وذهب به فلم يره فى أمته شيئا من ذلك والأول أولى
الزخرف : ( 43 ) فاستمسك بالذي أوحي . . . . .
) فاستمسك بالذي أوحي إليك ( أى من القرآن وإن كذب به من كذب ) إنك على صراط مستقيم ( أى طريق واضح والجملة تعليل لقوله فاستمسك
الزخرف : ( 44 ) وإنه لذكر لك . . . . .
) وإنه لذكر لك ولقومك ( أى وإن القرآن لشرف لك ولقومك من قريش إذ نزل عليك وأنت منهم بلغتك ولغتهم ومثله قوله ) لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ( وقيل بيان لك ولأمتك فيما لكم إليه حاجة وقيل تذكرة تذكرون بها أمر الدين وتعملون به ) وسوف تسألون ( عما جعله الله لكم من الشرف كذا قال الزجاج والكلبى وغيرهما وقيل يسئلون عما يلزمهم من القيام بما فيه والعمل به
الزخرف : ( 45 ) واسأل من أرسلنا . . . . .
) واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ( قال الزهرى وسعيد بن جبير وابن زيد إن جبريل قال ذلك للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) لما أسرى به فالمراد سؤال الأنبياء فى ذلك الوقت عند ملاقاته لهم وبه جماعة من السلف وقال المبرد والزجاج وجماعة من العلماء إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا وبه مجاهد والسدى والضحاك وقتادة وعطاء والحسن ومعنى الآية علي القولين سؤالهم هل أذن الله بعبادة الأوثان فى ملة من الملل وهل سوغ ذلك لأحد منهم والمقصود تقريع مشركى قريش بأن ماهم عليه لم يأت فى شريعة من الشرائع
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن محمد بن عثمان المخزومى أن قريشا قالت قيضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلا يأخذه فقيضوا لأبى بكر طلحة بن عبيد الله فأتاه وهو فى القوم فقال أبو بكر إلام تدعونى قال أدعوك إلى عبادة اللات والعزى قال أبو بكر وما اللات قال أولاد الله قال وما العزى قال بنات الله قال أبو بكر فمن أمهم فسكت طلحة فلم يجبه فقال لأصحابه أجيبوا الرجل فسكت القوم فقال طلحة قم يا أبا بكر أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأنزل الله ) ومن يعش عن ذكر الرحمن ( الآية وثبت فى صحيح مسلم وغيره أن مع كل إنسان قرينا من الجن وأخرج ابن مردويه عن على في قوله ) فإما نذهبن بك (


"""""" صفحة رقم 558 """"""
قال ذهب نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وبقيت نقمته فى عدوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) أو نرينك الذي وعدناهم ( يوم بدر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقى في الشعب من طرق عنه فى قوله ) وإنه لذكر لك ولقومك ( قال شرف لك ولقومك وأخرج ابن عدى وابن مردويه عن على وابن عباس قالا كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعرض نفسه على القبائل بمكة ويعدهم الظهور فإذا قالوا لمن الملك بعدك أمسك فلم يجبهم بشىء لأنه لم يؤمر فى ذلك بشىء حتى نزلت ) وإنه لذكر لك ولقومك ( فكان بعد إذا سئل قال لقريش فلا يجيبونه حتى قبلته الأنصار على ذلك وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبى عن ابن عباس فى قوله ) واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ( قال اسأل الذين أرسلنا واليهم قبلك من رسلنا
سورة الزخرف 46 56
الزخرف : ( 46 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
لما أعلم الله سبحانه نبيه بأنه منتقم له من عدوه وذكر اتفاق الأنبياء علي التوحيد أتبعه بذكر قصة موسى وفرعون وبيان مانزل بفرعون وقومه من النقمة فقال ) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ( وهى التسع التى تقدم بيانها ) إلى فرعون وملئه ( الملأ الأشراف فقال إنى رسول رب العالمين أرسلنى إليكم
الزخرف : ( 47 ) فلما جاءهم بآياتنا . . . . .
) فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون ( استهزاء وسخرية وجواب لما هو إذا الفجائية لأن التقدير فاجئوا وقت ضحكهم
الزخرف : ( 48 ) وما نريهم من . . . . .
) وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها ( أى كل واحدة من آيات موسى أكبر مما قبلها وأعظم قدرا مع كون التى قبلها عظيمة فى نفسها وقيل المعنى إن الأولى تقتضى علما والثانية تقتضى علما فإذا ضمت الثانية إلى الأولى ازداد الوضوح ومعنى الأخوة بين الايات أنها متشاكلة متناسبة فى دلالتها على صحة نبوة موسى كما هذه صاحبة هذه أى هما قرينتان فى المعنى وجملة ) إلا هي أكبر من أختها ( فى محل جر صفة لآية وقيل المعنى أن كل واحدة من الآيات إذا انفردت ظن الظان أنها أكبر من سائر الآيات ومثل هذا قول القائل


"""""" صفحة رقم 559 """"""
من تلق منهم ثقل لاقيت سيدهم
مثل النجوم التى يسرى بها السارى
) وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون ( أى بسبب تكذيبهم بتلك الآيات والعذاب هو المذكور فى قوله ) ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات ( الاية وبين سبحانه أن العلة فى أخذه لهم بالعذاب هو رجاء رجوعهم ولما عاينوا ما جاءهم به من الآيات البينات والدلالات الواضحات ظنوا أن ذلك من قبيل السحر
الزخرف : ( 49 ) وقالوا يا أيها . . . . .
) وقالوا يا أيها الساحر ( وكانوا يسهمون العلماء سحرة ويوقرون السحرة ويعظمونهم ولم يكن السحر صفة ذم عندهم قال الزجاج خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر ) ادع لنا ربك بما عهد عندك ( أى بما أخبرتنا من عهده إليك إنا إذا آمنا كشف عنا العذاب وقيل المراد بالعهد النبوة وقيل استجابة الدعوة على العموم ) إننا لمهتدون ( أى إذا كشف عنا العذاب الذي نزل فنحن مهتدون فيما يستقبل من الزمان ومؤمنون بما جئت به
الزخرف : ( 50 ) فلما كشفنا عنهم . . . . .
) فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ( فى الكلام حذف والتقدير فدعا موسى ربه فكشف عنهم العذاب فلما كشف عنهم العذاب فاجئوا وقت نكثهم للعهد الذى جعلوه على أنفسهم من الإهتداء والنكث النقض
الزخرف : ( 51 ) ونادى فرعون في . . . . .
) ونادى فرعون في قومه ( قيل لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إلى موسى فجمعهم ونادي بصوته فيما بينهم أو أمر مناديا ينادى بقوله ) يا قوم أليس لي ملك مصر ( لاينازعنى فيه أحد ولايخالفنى مخالف ) وهذه الأنهار تجري من تحتي ( أى من تحت قصرى والمراد أنهار النيل وقال قتادة المعنى تحرى بين يدى وقال الحسن تجرى بأمرى أى تجرى تحت أمرى وقال الضحاك أراد بالأنهار القواد والرؤساء والجبابرة وأنهم يسيرون تحت لوائه وقيل أراد بالأنهار الأموال والأول أولى والواو فى وهذه عاطفة على ملك مصر وتجرى فى محل نصب علي الحال أو هى واو الحال واسم الإشارة مبتدأ والأنهار صفة له وتجرى خبره والجملة فى محل نصب ) أفلا تبصرون ( ذلك وتستدلون به على قوة ملكى وعظيم قدرى وضعف موسى عن مقاومتى
الزخرف : ( 52 ) أم أنا خير . . . . .
) أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ( أم هي المنقطعة المقدرة ببل التى للإضراب دون الهمزة التى للإنكار أى بل أنا خير قال أبو عبيدة أم بمعنى بل والمعنى قال فرعون لقومه بل أنا خير وقال الفراء إن شئت جعلتها من الاستفهام الذى جعل بأم لاتصاله بكلام قبله وقيل هى زائدة وحكى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون أم زائدة والمعنى أنا خير من هذا وقال الأخفش فى الكلام حذف والمعنى أفلا تبصرون أم تبصرون ثم ابتدأ فقال ) أنا خير ( وروى عن الخليل وسيبويه نحو قول الأخفش ويؤيد هذا أن عيسى الثقفى ويعقوب الحضرمى وقفا على أم على تقدير أم تبصرون فحذف لدلالة الأول عليه وعلى هذا فتكون أم متصلة لامنقطعة والأول أولى ومثله قول الشاعر الذى أنشده الفراء بدت مثل قرن الشمس فى رونق الضحى
وصورتها أم أنت فى العين أملح
أى بل أنت وحكى الفراء أن بعض القراء قرأ ? أما أنا ? خير أى ألست خيرا من هذا الذى هو مهين أى ضعيف حقير ممتهن فى نفسه لا عز له ) ولا يكاد يبين ( الكلام لما فى لسانه من العقدة وقد تقدم بيانه فى سورة طه
الزخرف : ( 53 ) فلولا ألقي عليه . . . . .
) فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب ( زى فهلا حلى بأساورة الذهب إن كان عظيما وكان الرجل فيهم إذا سودوه سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب قرأ الجمهور أساورة جمع أسورة جمع سوار وقال أبو عمر ابن العلاء واحد الأساورة والأساور والأساوير أسوار وهى لغة في سوار وقرأ حفص أسورة جمع سوار وقرأ أبى أساور وابن مسعود أساوير قال مجاهد كانوا إذا سودوا رجلا سوروه بسوارين وطوقوه بطوق


"""""" صفحة رقم 560 """"""
ذهب علامة لسيادته ) أو جاء معه الملائكة مقترنين ( معطوف على ألقى والمعنى هلا جاء معه الملائكة متتابعين متقارنين إن كان صادقا يعينونه على أمره ويشهدون له بالنبوة فأوهم اللعين قومه أن الرسل لابد أن يكونوا على هيئة الجبابرة ومحفوفين بالملائكة
الزخرف : ( 54 ) فاستخف قومه فأطاعوه . . . . .
) فاستخف قومه فأطاعوه ( أى حملهم على خفة الجهل والسفه بقوله وكيده وغروره فأطاعوه فيما أمرهم به وقبلوا قوله وكذبوا موسى ) إنهم كانوا قوما فاسقين ( أى خارجين عن طاعة الله قال ابن الأعرابى المعنى فاستجهل قومه فأطاعوه بخفة أحلامهم وقلة عقولهم يقال استخفه الفرح أى أزعجه واستخفه أى حمله ومنه ولا يستخفنك الذين لايوقنون وقيل استخف قومه أى وجدهم خفاف العقول وقد استخف بقومه وقهرهم حتى اتبعوه
الزخرف : ( 55 ) فلما آسفونا انتقمنا . . . . .
) فلما آسفونا انتقمنا منهم ( قال المفسرون أغضبونا والأسف الغضب وقيل أشد الغضب وقيل السخط وقيل المعنى أغضبوا رسلنا ثم بين العذاب الذي وقع به الانتقام فقال ) فأغرقناهم أجمعين ( فى البحر
الزخرف : ( 56 ) فجعلناهم سلفا ومثلا . . . . .
) فجعلناهم سلفا ( أى قدوة لمن عمل بعملهم من الكفار فى استحقاق العذاب قرأ الجمهور ) سلفا ( بفتح السين واللام جمع سالف كخدم وخادم ورصد وراصد وحرس وحارس يقال سلف يسلف إذا تقدم ومضى قال الفراء والزجاج جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون وقرأ حمزة والكسائى سلفا بضم السين واللام قال الفراء هو جمع سليف نحو سرر وسرير وقال أبو حاتم هو جمع سلف نحو خشب وخشب وقرأ على وابن مسعود وعلقمة وأبو وائل والنخعى وحميد بن قيس بضم السين وفتح اللام جمع سلفة وهى الفرقة المتقدمة نحو غرف وغرفة كذا قال النضر بن شميل ) ومثلا للآخرين ( أى عبرة وموعظة لمن يأتى بعدهم أو قصة عجيبة تجرى مجرى الأمثال
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) ولا يكاد يبين ( قال كانت بموسى لثغة فى لسانه وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عنه ) فلما آسفونا ( قال أسخطونا وأخرجا عنه أيضا آسفونا قال أغضبونا وفى قوله ) سلفا ( قال أهواء مختلفة وأخرج أحمد والطبرانى والبيهقى فى الشعب وابن أبى حاتم عن عقبة بن عامر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا رأيت الله يعطى العبد ماشاء وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك استدراج منه له وقرأ ) فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين ( وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن طارق بن شهاب قال كنت عند عبد الله فذكر عنده موت الفجأة فقال تخفيف على المؤمن وحسرة على الكافر فلما آسفونا انتقمنا منهم
سورة الزخرف ( 57 73 )


"""""" صفحة رقم 561 """"""
الزخرف : ( 57 ) ولما ضرب ابن . . . . .
لما قال سبحانه واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون تعلق المشركون بزمر عيسى وقالوا مايريد محمد إلا أن تتخذه إلها كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم فأنزل الله ) ولما ضرب ابن مريم مثلا ( كذا قال قتادة ومجاهد وقال الواحدى أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت فى مجادلة ابن الزبعرى مع النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزل قوله تعالى ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( فقال ابن الزبعرى خصمتك ورب الكعبة أليست النصارى يعبدون المسيح واليهود عزيرا وبنو مليح الملائكة ففرح بذلك من قوله فأنزل الله ) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ( ونزلت هذه الآية المذكورة هنا وقد مضى هذا فى سورة الأنبياء ولايخفاك أن ما قاله ابن الزبعرى مندفع من أصله وباطل برمته فإن الله سبحانه قال ) إنكم وما تعبدون ( ولم يقل ومن تعبدون حتى يدخل فى ذلك العقلاء كالمسيح وعزير والملائكة ) إذا قومك منه يصدون ( أى إذا قومك يا محمد من ذلك المثل المضروب يصدون أى يضجون ويصيحون فرحا بذلك المثل المضروب والمراد بقومه هنا كفار قريش قرأ الجمهور ) يصدون ( بكسر الصاد وقرأ نافع وابن عامر والكسائى بضمها قال الكسائي والفراء والزجاج والأخفش هما لغتان ومعناهما يضجون قال الجوهرى صد يصد صديدا أى ضج وقيل إنه بالضم الإعراض وبالكسر من الضجيج قاله قطرب قال أبو عبيد لو كانت من الصدود عن الحق لقال إذا قومك عنه يصدون وقال الفراء هما سواء منه وعنه وقال أبو أبو عبيدة من ضم فمعناه يعدلون ومن كسر فمعناه يضجون
الزخرف : ( 58 ) وقالوا أآلهتنا خير . . . . .
) وقالوا أآلهتنا خير أم هو ( أىءآلهتنا خير أم المسيح قال السدى وابن زيد خاصموه وقالوا إن كان كل من عبد غير الله فى النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة وقال قتادة يعنون محمدا أىءآلهتنا خير أم محمد ويقوى هذا قراءة ابن مسعود ءآلهتنا خير أم هذا قرأ الجمهور بتسهيل الهمزة الثانية بين بين وقرأ الكوفيون ويعقوب بتحقيقها ) ما ضربوه لك إلا جدلا ( أى ماضربوا لك هذا المثل فى عيسى إلا ليجادلوك على أن جدلا منتصب علي العلة أو مجادلين على أنه مصدر فى موضع الحال وقرأ ابن مقسم جدالا ) بل هم قوم خصمون ( أى شديدو الخصومة كثيرو اللدد عظيموا الجدل
الزخرف : ( 59 ) إن هو إلا . . . . .
ثم بين سبحانه أن عيسى ليس برب وإنما هو عبد من عباده اختصه بنبوته فقال ) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ( بما أكرمناه به ) وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ( أى آية وعبرة لهم يعرفون به


"""""" صفحة رقم 562 """"""
قدرة الله سبحانه فإنه كان من غير أب وكان يحيى الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص وكل مريض
الزخرف : ( 60 ) ولو نشاء لجعلنا . . . . .
) ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ( أى لو نشاء أهلكناهم وجعلنا بدلا منكم ملائكة فى الأرض يخلفون أى يخلفونكم فيها قال الأزهرى ومن قد تكون للبدل كقوله ) لجعلنا منكم ( يريد بدلا منكم وقيل المعنى لو نشاء لجعلنا من بنى آدم ملائكة والأول أولى ومقصود الآية أنا لو نشاء لأسكنا الملائكة الأرض وليس فى إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا وقيل معنى يخلفون يخلف بعضهم بعضا
الزخرف : ( 61 ) وإنه لعلم للساعة . . . . .
) وإنه لعلم للساعة ( قال مجاهد والضحاك والسدى وقتادة إن المراد المسيح وإن خروجه مما يعلم به قيام الساعة لكونه شرطا من أشراطها لأن الله سبحانه ينزله من السماء قبيل قيام الساعة كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة وقال الحسن وسعيد بن جبير المراد القرآن لأنه يدل علي قرب مجىء الساعة وبه يعلم وقتها وأهوالها وأحوالها وقيل المعنى أن حدوث المسيح من غير أب وإحياءه للموتى دليل على صحة البعث وقيل الضمير لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والأول أولى قرأ الجمهور لعلم بصيغة المصدر جعل المسيح علما مبالغة لما يحصل من العلم بحصولها عند نزوله وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وأبو مالك الغفارى وقتادة بن دينار والضحاك وزيد بن على بفتح العين واللام أى خروجه علم من أعلامها وشرط من شروطها وقرأ أبو نظرة وعكرمة ) وإنه لعلم ( بلامين مع فتح العين واللام أى للعلامة يعرف بها قيام الساعة ) فلا تمترن بها ( أى فلا تشكن فى وقوعها ولا تكذبن بها فإنها كائنة لا محالة ) واتبعون هذا صراط مستقيم ( أى اتبعونى فيما آمركم به من التوحيد وبطلان الشرك وفرائض الله التى فرضها عليكم هذا الذى آمركم به وأدعوكم إليه طريق قيم موصل إلى الحق قرأ الجمهور بحذف الياء من ) اتبعون ( وصلا ووقفا وكذلك قرءوا بحذفها فى الحالين فى أطيعون وقرأ يعقوب بإثباتها وصلا ووقفا فيهما وقرأ أبو عمرو وهى رواية عن نافع بحذفها فى الوصل دون الوقف
الزخرف : ( 62 ) ولا يصدنكم الشيطان . . . . .
) ولا يصدنكم الشيطان ( أى لاتغتروا بوساوسه وشبهه التى يوقعها فى قلوبكم فيمنعكم ذلك من اتباعى فإن الذى دعوتكم إليه هو دين الله الذى اتفق عليه رسله وكتبه ثم علل نهيهم عن أن يصدهم الشيطان ببيان عداوته لهم فقال ) إنه لكم عدو مبين ( أى مظهر لعداوته لكم غير متحاش عن ذلك ولا متكتم به كما يدل على ذلك ما وقع بينه وبين آدم وما ألزم به نفسه من إغواء جميع بنى آدم إلا عباد الله المخلصين
الزخرف : ( 63 ) ولما جاء عيسى . . . . .
) ولما جاء عيسى بالبينات ( أى جاء إلى بنى إسرائيل بالمعجزات الواضحة والشرائع قال قتادة البينات هنا الإنجيل ) قال قد جئتكم بالحكمة ( أى النبوة وقيل الإنجيل وقيل مايرغب فى الجميل ويكف عن القبيح ) ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ( من أحكام التوراة وقال قتادة يعنى اختلاف الفرق الذين تحزبوا فى أمر عيسى قال الزجاج الذى جاء به عيسى فى الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه فبين لهم فى غير الإنجيل ما احتاجوا إليه وقيل إن بنى إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى فى أشياء من أمر دينهم وقال أبو عبيدة إن البعض هنا بمعنى الكل كما فى قوله ) يصبكم بعض الذي يعدكم ( وقال مقاتل هو كقوله ولأحل لكم بعض الذى حرم عليكم يعنى ما أحل فى الإنجيل مما كان محرما فى التوراة كلكم الإبل والشحم من كل حيوان وصيد السمك يوم السبت واللام فى ) ولأبين لكم ( معطوفة علي مقدر كأنه قال قد جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها ولأبين لكم ثم أمرهم بالتقوى والطاعة فقال ) فاتقوا الله ( أى اتقوا معاصيه ) وأطيعون ( فيما آمركم به من التوحيد والشرائع
الزخرف : ( 64 ) إن الله هو . . . . .
) إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه ( هذا بيان لما أمرهم بأن يطيعوه فيه ) هذا صراط مستقيم ( أى عباده الله وحده والعمل بشرائعه
الزخرف : ( 65 ) فاختلف الأحزاب من . . . . .
) فاختلف الأحزاب من بينهم ( قال مجاهد والسدى الأحزاب هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى وقال الكلبى ومقاتل هم فرق النصارى اختلفوا فى أمر عيسى قال قتادة


"""""" صفحة رقم 563 """"""
ومعنى ) من بينهم ( أنهم اختلفوا فيما بينهم وقيل اختلفوا من بين من بعث إليهم من اليهود والنصارى والأحزاب هى الفرق المتحزبة ) فويل للذين ظلموا ( من هؤلاء المحتلفين وهم الذين أشركوا بالله ولم يعملوا بشرائعه ) من عذاب يوم أليم ( أى أليم عذابه وهو يوم القيامة
الزخرف : ( 66 ) هل ينظرون إلا . . . . .
) هل ينظرون إلا الساعة ( أي هل يرتقب هؤلاء الأحزاب وينتظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة أي فجأة وهم لا يشعرون أي لا يفطنون بذلك وقيل المراد بالأحزاب الذين تحزبوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكذبوه وهم المرادون بقوله هل ينظرون إلا الساعة والأول أولى
الزخرف : ( 67 ) الأخلاء يومئذ بعضهم . . . . .
) الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو ( أي الأخلاء فى الدنيا المتحابون فيها يوم تأتيهم الساعة بعضهم لبعض عدو أى يعادى بعضهم بعضا لأنها قد انقطعت بينهم العلائق واشتغل كل واحد منهم بنفسه ووجدوا تلك الأمور التى كانوا فيها أخلاء أسبابا للعذاب فصاروا أعداء ثم استثنى المتقين فقال ) إلا المتقين ( فإنهم أخلاء فى الدنيا و الآخرة لأنهم وجدوا تلك الخلة التى كانت بينهم من أسباب الخير والثواب فبقيت خلتهم على حالها
الزخرف : ( 68 ) يا عباد لا . . . . .
) يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ( أى يقال لهؤلاء المتقين المتحابين فى الله بهذه المقالة فيذهب عند ذلك خوفهم ويرتفع حزنهم
الزخرف : ( 69 ) الذين آمنوا بآياتنا . . . . .
) الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ( الموصول يجوز أن يكون نعتا لعبادى أو بدلا منه أو عطف بيان له أو مقطوعا عنه فى محل نصب على المدح أو فى محل رفع بالابتداء وخبره ) ادخلوا الجنة ( علي تقدير يقال لهم ادخلوا الجنة والأول أولى وبه قال الزجاج قال مقاتل إذا وقع الخوف يوم القيامة نادى منادى يا عبادى لاخوف عليكم فإذا سمعوا النداء رفع الخلائق رؤوسهم فيقال الذين امنوا بآياتنا وكانوا مسلمين فينكس أهل الأوثان رؤوسهم غير المسلمين قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو يا عبادى بإثبات الياء ساكنة وصلا ووقفا وقرأ أبو بكر وزر بن حبيش بإثباتها وفتحها فى الحالين وقرأ الباقون بحذفها فى الحالين
الزخرف : ( 70 ) ادخلوا الجنة أنتم . . . . .
) ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم ( المراد بالأزواج نساؤهم المؤمنات وقيل قرناؤهم من المؤمنين وقيل زوجاتهم من الحور العين ) تحبرون ( تكرمون وقيل تنعمون وقيل تفرحون وقيل تسرون وقيل تعجبون وقيل تلذذون بالسماع والأولى تفسير ذلك بالفرح والسرور الناشئين عن الكرامة والنعمة
الزخرف : ( 71 ) يطاف عليهم بصحاف . . . . .
) يطاف عليهم بصحاف من ذهب ( الصحاف جمع صحفة وهى القصعة الواسعة العريضة قال الكسائى أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة وهى تشبع عشرة ثم الصحفة وهي تشبع خمسة ثم المكيلة وهى تشبع الرجلين والثلاثة والمعنى أن لهم فى الجنة أطعمه يطاف عليهم بها فى صحاف الذهب و لهم فيها أشربة يطاف عليهم بها فى ال ) وأكواب ( وهى جمع كوب قال الجوهرى الكوب كوز لاعروة له والجمع أكواب قال الأعشى صريفية طيب طعمها
لها زيد بين كوب ودن
وقال آخر متكئا تصفق أبوابه
يسعى عليه العبد بالكوب
قال قتادة الكوب المدور القصير العنق القصر العروة والإبريق المستطيل العنق الطويل العروة وقال الأخفش الأكواب الأباريق التى لا خراطيم لها وقال قطرب هى الأباريق التى ليست لها عرى ) وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ( قرأ الجمهور تشتهى وقرأ نافع وابن عامر وحفص ) تشتهيه ( بإثبات الضمير العائد على الموصول والمعنى ما تشتهيه أنفس أهل الجنة من فنون الأطعمة والأشربة ونحوهما مما تطلبه النفس وتهواه كائنا ما كان وتلذ الأعين من كل المستلذات التى تستلذ بها وتطلب مشاهدتها تقول لذ الشىء يلذ لذاذا ولذاذة إذا وجده لذيذا والتذ به وفى مصحف عبد الله بن مسعود تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين ) وأنتم فيها خالدون (


"""""" صفحة رقم 564 """"""
لاتموتون ولا تخرجون منها
الزخرف : ( 72 ) وتلك الجنة التي . . . . .
) وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ( أى يقال لهم يوم القيامة هذه المقالة أى صارت إليكم كما يصير الميراث إلى الوارث بما كنتم تعملونه فى الدنيا من الأعمال الصالحة واسم الإشارة مبتدأ والجنة صفته والتى أورثتموها صفة للجنة والخبر بما كنتم تعملون وقيل الخبر الموصول مع صلته والأول أولى
الزخرف : ( 73 ) لكم فيها فاكهة . . . . .
) لكم فيها فاكهة كثيرة ( الفاكهة معروفة وهى الثمار كلها رطبها ويابسها أى لهم فى الجنة سوى الطعام والشراب فاكهة كثيرة الأنواع والأصناف ) منها تأكلون ( من تبعيضية أو ابتدائية وقدم الجار لأجل الفاصلة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد وابن أبى حاتم والطبرانى وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لقريش إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير قالوا ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وعبدا من عباد الله صالحا وقد عبدته النصارى فإن كنت صادقا فإنه كآلهتهم فأنزل الله ) ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ( قلت وما يصدون قال يضجون ) وإنه لعلم للساعة ( قال خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والترمذى وصححه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر والطبرانى والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن أبى أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ماضل قوم بعد هدى كانو عليه إلا أوتوا الجدال ثم تلا هذه الاية ) ما ضربوه لك إلا جدلا ( وقد ورد فى ذم الجدال بالباطل أحاديث كثيرة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن المشركين أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا أرأيت مانعبد من دون الله أين هم قال فى النار قالوا والشمس والقمر قال والشمس والقمر قالوا فعيسى ابن مريم قال قال الله ) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ( وأخرج الفريابى وسعيد بن منصور ومسدد وعبد بن حميد وابن أبى حاتم والطبرانى من طرق عنه فى قوله ) وإنه لعلم للساعة ( قال خروج عيسى قبل يوم القيامة وأخرجه الحاكم وابن مردويه عنه مرفوعا وأخرج عبد بن حميد عن أبى هريرة نحوه وأخرج ابن مردويه عن سعد بن معاذ قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام وقلت الأنساب وذهبت الأخوة إلا الأخوة فى الله وذلك قوله ) الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ( وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وحميد بن زنجويه فى ترغيبه وابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى الشعب عن على بن أبى طالب فى قوله ) الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ( قال خليلان مؤمنان وخليلان كافران توفى أحد المؤمنين فبشر بالجنة فذكر خليله وقال اللهم إن خليلى فلانا كان يأمرنى بطاعتك وطاعة رسولك ويأمرنى بالخير وينهانى عن الشر وينبئنى أنى ملاقيك اللهم لاتضله بعدى حتى تريه مثل ما أريتنى وترضى عنه كما رضيت عنى فيقال له اذهب فلو تعلم ماله عندى لضحكت كثيرا ولبكيت قليلا ثم يموت الاخر فيجمع بين أرواحهما فيقال ليثن كل واحد منكما على صاحبه فيقول كل واحد منهما لصاحبه نعم الأخ ونعم الصاحب ونعم الخليل وإذا مات أحد الكافرين بشر بالنار فيذكر خليله فيقول اللهم إن خليلى فلانا كان يأمرنى بمعصيتك ومعصية رسولك ويأمرنى بالشر وينهانى عن الخير وينبئنى أنى غير ملاقيك اللهم فلا تهده بعدى حتى تريه مثل ما أريتنى وتسخط عليه كما سخطت علي فيموت الآخر فيجمع بين أرواجهما فيقال ليثن كل واحد منكما على صاحبه فيقول كل منهما لصاحبه بئس الأخ وبئس الصاحب وبئس الخليل وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الأكواب


"""""" صفحة رقم 565 """"""
الجرار من الفضة وأخرج ابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال مامن أحد إلا وله منزل فى الجنة ومنزل في النار فالكافر يرث المؤمن منزلة من النار والمؤمن يرث الكافر منزلة فى الجنة وذلك قوله ) وتلك الجنة التي أورثتموها )
سورة الزخرف ( 74 89 )
الزخرف : ( 74 ) إن المجرمين في . . . . .
قوله ) إن المجرمين ( أى أهل الإجرام الكفرية كما يدل عليه إيرادهم فى مقابلة المؤمنين الذين لهم ما ذكر الله سبحانه قبل هذا ) في عذاب جهنم خالدون ( لاينقطع عنهم العذاب أبدا
الزخرف : ( 75 ) لا يفتر عنهم . . . . .
) لا يفتر عنهم ( أى لايخفف عنهم ذلك العذاب والجملة فى محل نصب على الحال ) وهم فيه مبلسون ( أى آيسون من النجاة وقيل ساكتون سكوت يأس وقد مضى تحقيق معناه فى الأنعام
الزخرف : ( 76 ) وما ظلمناهم ولكن . . . . .
) وما ظلمناهم ( أى ما عذبناهم بغير ذنب ولا بزيادة على ما يستحقونه ) ولكن كانوا هم الظالمين ( لأنفسهم بما فعلوا من الذنوب قرأ الجمهور ) الظالمين ( بالنصب علي أنه خبر كان والضمير ضمير فصل وقرأ أبو زيد النحوى الظالمون بالرفع على أن الضمير مبتدأ وما بعده خبره والجملة خير كان
الزخرف : ( 77 ) ونادوا يا مالك . . . . .
) ونادوا يا مالك ( أى نادى المجرمون هذا النداء ومالك هو خازن النار قرأ الجمهور يا مالك بدون ترخيم وقرأ على وابن مسعود ويحيى بن وثاب والأعمش يا مال بالترخيم ) ليقض علينا ربك ( بالموت توسلوا بمالك إلى الله سبحانه ليسأله لهم أن يقضى عليهم بالموت ليستريحوا من العذاب ) قال إنكم ماكثون ( أى مقيمون فى العذاب قيل سكت عن إجابتهم ثمانين سنة ثم أجابهم بهذا الجواب وقيل سكت عنهم ألف عام وقيل مائة سنة وقيل أربعين سنة
الزخرف : ( 78 ) لقد جئناكم بالحق . . . . .
) لقد جئناكم بالحق ( يحتمل أن يكون هذا من كلام الله سبحانه ويحتمل أن يكون من كلام


"""""" صفحة رقم 566 """"""
مالك والأول أظهر والمعنى إنا أرسلنا إليكم الرسل وأنزلنا عليهم الكتب فدعوكم فلم تقبلوا ولم تصدقوا وهو معنى قوله ) ولكن أكثركم للحق كارهون ( لايقبلونه والمراد بالحق كل ما أمر الله به على ألسن رسله وأنزله فى كتبه وقيل هو خاص بالقرآن قيل ومعنى أكثركم كلكم وقيل أراد الرؤساء والقادة ومن عداهم أتباع لهم
الزخرف : ( 79 ) أم أبرموا أمرا . . . . .
) أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ( أم هى المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة أى بل أبرموا أمرا وفى ذلك انتقال من توجع أهل النار إلى حكاية مايقع من هؤلاء والإبرام الإتقان والإحكام يقال أبرمت الشىء أحكمته وأتقنته وأبرم الحبل إذا أحكم فتله والمعنى بل أحكموا كيدا للنبى ( صلى الله عليه وسلم ) فإنا محكمون لهم كيدا قاله مجاهد وقتادة وابن زيد ومثل هذا قوله تعالى ) أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون ( وقيل المعنى أم قضوا أمرا فإنا قاضون عليهم أمرنا بالعذاب قاله الكلبى
الزخرف : ( 80 ) أم يحسبون أنا . . . . .
) أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ( أي بل أيحسبون أنا لانسمع مايسرون به فى أنفسهم أو ما يتحادثون به سرا فى مكان خال وما يتناجون به فيما بينهم ) بلى ( نسمع ذلك ونعمل به ) ورسلنا لديهم يكتبون ( أى الحفظة عندهم يكتبون جميع مايصدر عنهم من قول أو فعل والجملة فى محل نصب على الحال أو معطوفة علي الجملة التى تدل عليها بلى
الزخرف : ( 81 ) قل إن كان . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول للكفار قولا يلزمهم به الحجة ويقطع مايوردونه من الشبه فقال ) قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ( أى إن كان له ولد فى قولكم وعلى زعمكم فأنا أول من عبد الله وحده لأن من عبد الله وحده فقد دفع أن يكون له ولد كذا قال ابن قتيبة وقال الحسن والسدى إن المعنى ما كان للرحمن ولد ويكون قوله ) فأنا أول العابدين ( ابتداء كلام وقيل المعنى قل يا محمد إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد هذا الولد الذي تزعمون ثبوته ولكنه يستحيل أن يكون له ولد وفيه نفى للولد على أبلغ وجه وأتم عباره وأحسن أسلوب وهذا هو الظاهر من النظم القرآنى ومن هذا القبيل قوله تعالى ) وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( ومثل هذا قول الرجل لمن يناظره إن ثبت ما تقوله بالدليل فأنا أول من يعتقده ويقول به فتكون إن فى إن كان شرطية ورجح هذا ابن جرير وغيره وقيل معنى العابدين الانفين من العبادة وهو تكلف لا ملجىء إليه ولكنه قرأ أبو عبد الرحمن اليمانى ? العبدين ? بغير ألف يقال عبد يعبد عبدا بالتحريك إذا أنف وغضب فهو عبد والاسم العبدة مثل الأنفة ولعل الحامل لمن قرأ هذه القراءة الشاذة البعيدة هواستبعاد معنى ) فأنا أول العابدين ( وليس بمستبعد ولا مستنكر وقد حكى الجوهرى عن أبي عمرو فى قوله ) فأنا أول العابدين ( أنه من الأنف والغضب وحكاه الماوردى عن الكسائى والقتيبى وبه قال الفراء وكذا قال ابن الأعرابى إن معنى العابدين الغضاب الانفين وقال أبو عبيدة معناه الجاحدين وحكى عبدنى حقى أى جحدنى وقد أنشدوا على هذا المعنى الذى قالوه قول الفرزدق أولئك أحلاسى فجئنى بمثلهم وأعبد أن أهجوا كليبا بدارم
وقوله أيضا
أولاك أناس لو هجونى هجوتهم وأعبد أن يهجى كليب بدارم
ولاشك أن عبد وأعبد بمعنى أنف أو غضب ثابت فى لغة العرب وكفى بنقل هؤلاء الأئمة حجة ولكن جعل ما فى القرآن من هذا من التكلف الذى لا ملجىء إليه ومن التعسف الواضح وقد رد ابن عرفة ماقالوه فقال إنما يقال عبد يعبد فهو عبد وقل ما يقال عابد والقرآن لا يأتى بالقليل من اللغة ولا الشاذ قرأ الجمهور ولد بالإفراد وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما ولد بضم الواو وسكون
الزخرف : ( 82 ) سبحان رب السماوات . . . . .
اللام ) سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون ( أى تنزيها له وتقديسا عما يقولون من الكذب بأن له ولدا ويفترون عليه سبحانه مالا يليق بجنابه


"""""" صفحة رقم 567 """"""
وهذا إن كان من كلام الله سبحانه فقد نزه نفسه عما قالوه وإن كان من تمام كلام رسوله الذى أمره بأن يقوله فقد أمره بأن يضم إلى ما حكاه عنهم بزعمهم الباطل تنزيه ربه وتقديسه
الزخرف : ( 83 ) فذرهم يخوضوا ويلعبوا . . . . .
) فذرهم يخوضوا ويلعبوا ( أى اترك الكفار حيث لم يهتدوا بما هديتهم به ولا أجابوك فيما دعوتهم إليه يخوضوا في أباطيلهم ويلهوا فى دنياهم ) حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ( وهو يوم القيامة وقيل العذاب فى الدنيا قيل وهذا منسوخ بآية السيف وقيل هو غير منسوخ وإنما أخرج مخرج التهديد قرأ الجمهور يلاقوا وقرأ مجاهد وابن محيصن وحميد وابن السميفع حتى يلقوا بفتح الياء وإسكان اللام من غير ألف ورويت هذه القراءة عن أبى عمرو
الزخرف : ( 84 ) وهو الذي في . . . . .
) وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ( الجار والمجرور فى الموضعين متعلق بإله لأنه بمعنى معبود أو مستحق للعباد والمعنى وهو الذي معبود في السماء ومعبود في الأرض أو مستحق للعبادة في السماء والعبادة فى الأرض قال أبو على الفارسى وإله فى الموضعين مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى وهو الذى فى السماء هو إله وفى الأرض هو إله وحسن حذفه لطول الكلام قال والمعنى على الإخبار بإلاهيته لا علي الكون فيهما قال قتادة يعبد فى السماء والأرض وقيل فى بمعنى على أى هو القادر علي السماء والأرض كما فى قوله ولأصلبنكم فى جذوع النخل وقرأ عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وابن مسعود وهو الذى فى السماء الله وفى الأرض الله علي تضمين العلم معنى المشتق فيتعلق به الجار والمجرور من هذه الحيثية ) وهو الحكيم العليم ( أى البليغ الحكمة الكثير العلم
الزخرف : ( 85 ) وتبارك الذي له . . . . .
) وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما ( تبارك تفاعل من البركة وهي كثرة الخيرات والمراد بما بينهما الهواء وما فيه من الحيوانات ) وعنده علم الساعة ( أى علم الوقت الذي يكون قيامها فيه ) وإليه ترجعون ( فيجازى كل أحد بما يستحقه من خير وشر وفيه وعيد شديد قرأ الجمهور ترجعون بالفوقية وقرأ ابن كثير وحمزة والسكائى بالتحتية
الزخرف : ( 86 ) ولا يملك الذين . . . . .
) ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ( أى لايملك من يدعونه من دون الله من الأصنام ونحوها السفاعة عند الله كما يزعمون أنهم يشفعون لهم قرأ الجمهور يدعون بالتحتية وقرأ السلمى وابن وثاب بالفوقية ) إلا من شهد بالحق ( اي التوحيد ) وهم يعلمون ( أى هم على علم وبصيره بما شهدوا به والاستثناء يحتمل أن يكون متصلا والمعنى إلا من شهد بالحق وهم المسيح وعزير والملائكة فإنهم يملكون الشفاعة لمن يستحقها وقيل هو منقطع والمعنى لكن من شهد بالحق يشفع فيه هؤلاء ويجوز أن يكون المستثنى منه محذوفا أى لايملكون الشفاعة فى أحد إلا فيمن شهد بالحق قال سعيد بن جبير وغيره معنى الآية أنه لايملك هؤلاء الشفاعة رلا لمن شهد بالحق وآمن على علم وبصيرة وقال قتادة لايشفعون لعابديها بل ويشفعون لمن شهد بالوحدانية وقيل مدار الاتصال فى هذا الاستثناء جعل الذين يدعون عاما لكل مايعبد من دون الله ومدار الانقطاع على جعله خاصا بالأصنام
الزخرف : ( 87 ) ولئن سألتهم من . . . . .
) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ( اللام هى الموطئة للقسم والمعنى لئن سألت هؤلاء المشركين العابدين للأصنام من خلقهم أقروا واعترفوا بأن خالقهم الله ولايقدرون على الإنكار ولايستطيعون الجحود لظهور الأمر وجلائه ) فأنى يؤفكون ( أى فكيف ينقلبون عن عبادة الله إلى عبادة غيره وينصرفون عنها مع هذا الاعتراف فإن المعترف بأن الله خالقه إذا عمد إلى صنم أو حيوان وعبده مع الله أو عبده وحده فقد عبد بعض مخلوقات الله وفى هذا من الجهل مالا يقادر قدره يقال أفكه يأفكه إفكا إذا قلبه وصرفه عن الشىء وقيل المعنى ولئن سألت المسيح وعزيرا والملائكة من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفك هؤلاء الكفار فى اتخاذهم لها آلهة وقيل المعنى ولئن سألت العابدين والمعبودين جميعا
الزخرف : ( 88 ) وقيله يا رب . . . . .
قرأ الجمهور ) وقيله ( بالنصب عطفا


"""""" صفحة رقم 568 """"""
على محل الساعة كأنه قيل إنه يعلم الساعة ويعلم قيله أو عطفا على سرهم ونجواهم أى يعلم سرهم ونجواهم ويعلم قيله أو عطفا على مفعول يكتبون المحذوف أى يكتبون ذلك ويكتبون قيله أو عطفا على مفعول يعلمون المحذوف أي يعلمون ذلك ويعلمون قيله أو هو مصدر أى قال قيله أو منصوب بإضمار فعل أى الله يعلم قيل رسوله أو هو معطوف على محل بالحق أى شهد بالحق وبقيله أو منصوب على حذف حرف القسم ومن المجوزين للوجه الأول المبرد وابن الأنبارى ومن المجوزين للثانى الفراء والأخفش ومن المجوزين للنصب علي المصدرية الفراء والأخفش أيضا وقرأ حمزة وعاصم وقيله بالجر عطفا علي لفظ الساعة أى وعنده علم الساعة وعلم قيله والقول القال والقيل بمعنى واحد أو على أن الواو للقسم وقرأ قتادة ومجاهد والحسن وأبو قلابة والأعراج وابن هرمز ومسلم بن جندب وقيله بالرفع عطفا على علم الساعة أى وعنده علم الساعة وعنده قيله أو على الابتداء وخبره الجملة المذكورة بعده أو خبره محذوف تقديره وقيله كيت وكيت أو وقيله مسموع قال أبو عبيد يقال قلت قولا وقيلا وقالا والضمير فى وقيله راجع إلى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) قال قتادة هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه وقيل الضمير عائد إلى المسيح وعلي الوجهين فالمعنى أنه قال مناديا لربه ) يا رب إن هؤلاء ( الذين أرسلتنى إليهم ) قوم لا يؤمنون )
الزخرف : ( 89 ) فاصفح عنهم وقل . . . . .
ثم نادى ربه بهذا أجابه بقوله ) فاصفح عنهم ( أى أعرض عن دعوتهم ) وقل سلام ( أى أمرى تسليم منكم ومتاركة لكم قال عطاء يريد مداراة حتى ينزل حكمى ومعناه المتاركة كقوله سلام عليكم لانبتغى الجاهلين وقال قتادة زمره بالصفح عنهم ثم أمره بقتالهم فصار الصفح منسوخا بالسيف وقيل هى محكمة لم تنسخ ) فسوف تعلمون ( فيه تهديد شديد ووعيد عظيم من الله عز وجل قرأ الجمهور يعلمون بالتحتية وقرأ نافع وابن عامر بالفوقية قال الفراء إن سلام مرفوع بإضمار عليكم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى البعث والنشور عن ابن عباس فى قوله ) ونادوا يا مالك ( قال يمكث عنهم ألف سنة ثم يجيبهم ) إنكم ماكثون ( وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظى قال بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها قرشيان وثقفى أو ثقفيان وقرشى فقال واحد منهم ترون أن الله يسمع كلامنا فقال واحد منهم إذا جهزتم سمع وإذا أسررتم لم يسمع فنزلت ) أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) إن كان للرحمن ولد ( يقول إن يكن للرحمن ولد ) فأنا أول العابدين ( قال الشاهدين وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم فى قوله ) إن كان للرحمن ولد ( قال هذا معروف من كلام العرب إن كان هذا الأمر قط أى ما كان وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه


"""""" صفحة رقم 569 """"""
ع44
تفسير
سورة الدخان
هى تسع وخمسون وقيل سبع وخمسون آية
حول السورة
قال القرطبى هى مكية باتفاق إلا قوله ) إنا كاشفو العذاب ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وعبد الله ابن الزبير أن سورة الدخان نزلت بمكة وأخرج الترمذى والبيهقى فى الشعب عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم الدخان فى ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك قال الترمذي بعد إخراجه غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وعمرو بن أبى خثعم ضعيف قال البخارى منكر الحديث وأخرج الترمذى ومحمد بن نصر وابن مردويه والبيهقى عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ حم الدخان فى ليلة جمعة أصبح مغفورا له قال الترمذى بعد إخراجه غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه وهشام ابن المقدام يضعف والحسن لم يسمع من أبى هريرة كذا قال أيوب ويونس بن عبيد وعلى بن زيد ويشهد له ما أخرجه ابن الضريس والبيهقى عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وما أخرجه ابن الضريس عن الحسن مرفوعا بنحوه وهو مرسل وما أخرجه الدارمى ومحمد بن نصر عن أبى رافع قال من قرأ الدخان فى ليلة الجمعة أصبح مغفورا له وزوج من الحور العين وأخرج ابن مردويه عن أبى زمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قرأ سورة حم الدخان فى ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بها بيتا فى الجنة
سورة الدخان ( 1 - 16 )


"""""" صفحة رقم 570 """"""
الدخان : ( 1 - 2 ) حم
قوله ) حم والكتاب المبين ( قد تقدم فى السورتين المتقدمتين قبل هذه السورة الكلام على هذا معنى وإعرابا
الدخان : ( 3 ) إنا أنزلناه في . . . . .
وقوله ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة ( جواب القسم وإن جعلت الجواب حم كانت هذه الجملة مستأنفة وقد أنكر بعض النحويين أن تكون هذه الجملة جوابا للقسم لأنها صفة للمقسم به ولا صفة المقسم به جوابا للقسم وقال الجواب ) إنا كنا منذرين ( واختاره ابن عطية وقيل إن قوله ) إنا كنا منذرين ( جواب ثان أو جملة مستأنفة مقررة للإنزال وفى حكم العلة له كأنه قال رنا أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والضمير فى أنزلناه راجع إلى الكتاب المبين وهو القرآن وقيل المراد بالكتاب سائر الكتب المنزلة والضمير فى أنزلناه راجع إلى القرآن على معني أنه سبحانه أقسم بسائر الكتب المنزلة أنه أنزل القرآن والأول أولى والليلة المباركة ليلة القدر كما فى قوله ) إنا أنزلناه في ليلة القدر ( ولها أربعة أسماء الليلة المباركة وليلة البراءة وليلة الصك وليلة القدر قال عكرمة الليلة المباركة هنا ليلة النصف من شعبان وقال قتادة أنزل القرآن كله فى ليلة القدر من أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ إلى بيت العزة فى سماء الدنيا ثم أنزله الله سبحانه علي نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) فى الليالى والأيام في ثلاث وعشرين سنة وقد تقدم تحقيق الكلام فى هذا فى البقرة عند قوله ) شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ( وقال مقاتل كان ينزل من اللوح كل ليلة قدر من الوحى علي مقدار ما ينزل به جبريل فى السنة إلى مثلها من العام ووصف الله سبحانه هذه الليلة بأنها مباركة لنزول القرآن فيها وهو مشتمل على مصالح الدين والدنيا ولكونها تتنزل فيها الملائكة والروح كما سيأتى فى سوره القدر
الدخان : ( 4 ) فيها يفرق كل . . . . .
ومن جملة بركتها ما ذكره الله سبحانه هاهنا بقوله ) فيها يفرق كل أمر حكيم ( ومعنى يفرق يفصل ويبين من قولهم فرقت الشىء أفرقه فرقا والأمر الحكيم المحكم وذلك أن الله سبحانه يكتب فيها مايكون فى السنة من حياة وموت وبسط وقبض وخير وشر وغير ذلك كذا قال مجاهد وقتادة والحسن وغيرهم وهذه الجملة إما صفة أخرى لليلة وما بينهما اعتراض أو مستأنفة لتقرير ماقبلها قرأ الجمهور يفرق بضم الياء وفتح الراء مخففا وقرأ الحسن والأعمش والأعرج بفتح الياء وضم الراء ونصب كل أمر ورفع حكيم على أنه الفاعل والحق ماذهب إليه الجمهور من إن هذه الليلة المباركة هى ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان لأن الله سبحانه أجملها هنا وبينها فى سورة البقرة ) شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ( وبقوله فى سورة القدر إنا أنزلناه فى ليلة القدر فلم يبقى بعد هذا البيان الواضح ما يوجب الخلاف ولا ما يقتضى الاشتباه
الدخان : ( 5 ) أمرا من عندنا . . . . .
) أمرا من عندنا ( قال الزجاج والفراء انتصاب أمرا يقرق أى يفرق فرقا لأن أمرا بمعنى فرقا والمعنى إنا نأمر ببيان ذلك ونسخه من اللوح المحفوظ فهو على هذا منتصب على المصدرية مثل قولك يضرب ضربا قال المبرد أمرا فى موضع المصدر والتقدير أنزلناه إنزالا وقال الأخفش انتصابه على الحال أى آمرين وقيل هو منصوب على الاختصاص أى أعنى بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا وفيه تفخيم لشأن القرآن وتعظيم له وقد ذكر بعض زهل العلم فى انتصاب أمرا اثنى عشر وجها أظهرها ما ذكرناه وقرأ زيد بن على أمر بالرفع أي هو أمر ) إنا كنا مرسلين ( هذه الجملة إما بدل من قوله ) إنا كنا منذرين ( أو جواب ثالث للقسم أو مستأنفة قال الرازى المعنى إنا فعلنا ذلك الإنذار لأجل إنا كنا مرسلين للأنبياء
الدخان : ( 6 ) رحمة من ربك . . . . .
) رحمة من ربك ( انتصاب رحمة على العلة أى أنزلناه للرحمة قاله الزجاج وقال المبرد إنها منتصبة على أنها مفعول لمرسلين أى إنا كنا مرسلين رحمة وقيل هى مصدر فى موضع الحال أى راحمين قال الأخفش وقرأ الحسن رحمة بالرفع على تقدير هى رحمة ) إنه هو السميع ( لمن دعاه ) العليم ( بكل شىء
الدخان : ( 7 ) رب السماوات والأرض . . . . .
ثم وصف سبحانه نفسه بما يدل على عظيم قدرته


"""""" صفحة رقم 571 """"""
الباهرة فقال ) رب السماوات والأرض وما بينهما ( قرأ الجمهور رب بالرفع عطفا على السميع العليم أو على أنه مبتدأ وخبره لا إله إلا هو أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى هو رب وقرأ الكوفيون رب بالجر على أنه بدل من ربك أو بيان له أو نعت ) إن كنتم موقنين ( بأنه رب السموات والأرض وما بينهما وقد أقروا بذلك كما حكاه الله عنهم فى غير موضع
الدخان : ( 8 ) لا إله إلا . . . . .
وجملة ) لا إله إلا هو ( مستأنفة مقررة لما قبلها أو خبر رب السموات كما مر وكذلك جملة ) يحيي ويميت ( فإنها مستأنفة مقررة لما قبلها ) ربكم ورب آبائكم الأولين ( قرأ الجمهور بالرفع على الاستئناف بتقدير مبتدأ أى هو ربكم أو على أنه بدل من رب السموات أو بيان أو نعت له وقرأ الكسائى فى رواية الشيرازى عنه وابن ميحصن وابن أبى إسحاق وأبو حيوة والحسن بالجر ووجه الجر ما ذكرناه فى قراءة من قرأ بالجر فى رب السموات
الدخان : ( 9 ) بل هم في . . . . .
) بل هم في شك يلعبون ( أضرب عن كونهم موقنين إلى كونهم فى شك من التوحيد والبعث وفى إقرارهم بأن الله خالقهم وخالق سائر المخلوقات وأن ذلك منهم على طريقة اللعب والهزو ومحل يلعبون الرفع على أنه خبر ثان أو النصب على الحال
الدخان : ( 10 ) فارتقب يوم تأتي . . . . .
) فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( الفاء لترتيب ما بعدها على ماقبلها لأن كونهم فى شك ولعب يقتضى ذلك والمعنى فانتظر لهم يا محمد يوم تأتى السماء بدخان مبين وقيل المعنى احفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتى السماء بدخان مبين
وقد اختلفت فى هذا الدخان المذكور فى الآية متى يأتى فقيل إنه من أشراط الساعة وأنه يمكث فى الأرض أربعين يوما وقد ثبت فى الصحيح زنه من جملة العشر الآيات التى تكون قبل قيام الساعة وقيل إنه أمر قد مضى وهو ما أصاب قريشا بدعاء النبى ( صلى الله عليه وسلم ) حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا وهذا ثابت فى الصحيحين وغيرهما وذلك حين دعا عليهم النبى ( صلى الله عليه وسلم ) بسنين كسنى يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام وكان الرجل ينظر إلي السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد وقيل إنه يوم فتح مكة وسيأتى فى آخر البحث بيان مايدل على هذه الأقوال
الدخان : ( 11 ) يغشى الناس هذا . . . . .
وقوله ) يغشى الناس ( صفة ثانية لدخان أى يشملهم ويحيط بهم ) هذا عذاب أليم ( أو يقولون هذا عذاب أليم أو قائلين ذلك أو يقول الله لهم ذلك
الدخان : ( 12 ) ربنا اكشف عنا . . . . .
) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ( أى يقولون ذلك وقد روى أنهم أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا إن كشف الله عنا هذا العذاب أسلمنا والمراد بالعذاب الجوع الذي كان بسببه ما يرونه من الدخان أو يقولونه إذا رأو الدخان الذى هو من آيات الساعة أو إذا رأوه يوم فتح مكة على اختلاف الأقوال والراجح منها أنه الدخان الذي كانوا يتخيلونه مما نزل بهم من الجهد وشدة الجوع ولا ينافي ترجيح هذا ما ورد أن الدخان من آيات الساعة فإن ذلك دخان آخر ولا ينافيه أيضا ما قيل إنه الذى كان يوم فتح مكة فإنه دخان آخر علي تقدير صحة وقوعه
الدخان : ( 13 ) أنى لهم الذكرى . . . . .
) أنى لهم الذكرى ( أى كيف يتذكرون ويتعظون بما نزل بهم و الحال أن ) وقد جاءهم رسول مبين ( يبين لهم كل شىء يحتاجون إليه من أمر الدين والدنيا
الدخان : ( 14 ) ثم تولوا عنه . . . . .
) ثم تولوا عنه ( أى أعرضوا عن ذلك الرسول الذى جاءهم ولم يكتفوا بمجرد الإعراض عنه بل جاوزوه ) وقالوا معلم مجنون ( أى قالوا إنما يعلمه القرآن بشر وقالوا إنه مجنون فكيف يتذكر هؤلاء وأنى لهم الذكرى
الدخان : ( 15 ) إنا كاشفو العذاب . . . . .
ثم لما دعوا الله بأن يكشف عنهم العذاب وأنه إذا كشفه عنهم آمنوا أجاب سبحانه عليهم بقوله ) إنا كاشفو العذاب قليلا ( أى إنا نكشفه عنهم كشفا قليلا أو زمانا قليلا ثم أخبر الله سبحانه عنهم أنهم لاينزرجون عما كانوا عليه من الشرك ولايفون بما وعدوا به من الإيمان فقال ) إنكم عائدون ( أى إلى ما كنتم عليه من الشرك وقد كان الأمر هكذا فإن الله سبحانه لما كشف عنهم ذلك


"""""" صفحة رقم 572 """"""
العذاب رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والعناد وقيل المعنى إنكم عائدون إلينا بالبعث والنشور والأول أولى
الدخان : ( 16 ) يوم نبطش البطشة . . . . .
) يوم نبطش البطشة الكبرى ( الظرف منصوب باضمار اذكر وقيل هو بدل من يوم تأتي السماء وقيل هو متعلق بمنتقمون وقيل بما دل عليه منتقمون وهو ننتقم والبطشة الكبرى هي يوم بدر قاله الأكثر والمعنى أنهم لما عادوا إلى التكذيب والكفر بعد رفع العذاب عنهم انتقم الله منهم بوقعة بدر وقال الحسن وعكرمة المراد بها عذاب النار واختار هذا الزجاج والأول أولى قرأ الجمهور نبطش بفتح النون وكسر الطاء أى نبطش بهم وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهى لغة وقرأ أبو رجاء وطلحة بضم النون وكسر الطاء
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس ) في ليلة مباركة ( قال أنزل القرآن فى ليلة القدر ونزل به جبريل علي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نجوما لجواب الناس وأخرج محمد بن نصر وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه في قوله ) فيها يفرق كل أمر حكيم ( قال يكتب من أم الكتاب فى ليلة القدر ما يكون فى السنة من رزق وموت وحياة ومطر حتى يكتب الحاج يحج فلان ويحج فلان وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عمر ) فيها يفرق كل أمر حكيم ( قال أمر السنة إلى السنة إلا الشقاء والسعادة فإنه فى كتاب الله لايبدل ولا يغير وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب قال إنك لترى الرجل يمشى فى الأسواق وقد وقع اسمه فى الموتى ثم قرأ ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة ( الاية يعنى ليلة القدر قال ففى تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل من موت أو حياة أو رزق كل أمر الدنيا يفرق تلك الليلة إلى مثلها وأخرج ابن زنجويه والديلمي عن أبى هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تقطع الاجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى وأخرجه ابن أبى الدنيا وابن جرير عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس وهذا مرسل ولا تقوم به حجة ولا تعارض بمثله صرائح القرآن وما روى فى هذا فهو إما مرسل أو غير صحيح وقد أورد ذلك صاحب الدر المنثور وأورد ما ورد فى فضل ليلة النصف من شعبان وذلك لايستلزم أنها المراد بقوله فى ليلة مباركة وأخرج البخارى ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود أن قريشا لما استعصت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبطئوا عن الإسلام قال اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجوع فأنزل الله ) فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( الآية فأتى النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر فاستسقى لهم فسقوا فأنزل الله ) إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون ( فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله ) يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ( فانتقم الله منهم يوم بدر فقد مضى البطشة والدخان واللزام وقد روى عن ابمن مسعود نحو هذا من غير وجه وروى نحوه عن جماعة من التابعين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم عن ابن أبى مليكة قال دخلت على ابن عباس فقال لم أنم هذه الليلة فقلت لم قال طلع الكوكب فخشيت أن يطرق الدخان قال ابن كثير وهذا إسناد صحيح وكذا صححه السيوطى ولكن ليس فيه أنه سبب نزول الآية وقد عرفناك أنه لا منافاة بين كون هذه الآية نازلة فى الدخان الذي كان يتراءى لقريش من الجوع وبين كون الدخان من آيات الساعة وعلاماتها وأشراطها فقد وردت أحاديث صحاح وحسان وضاف بذلك وليس فيها أنه سبب نزول


"""""" صفحة رقم 573 """"""
الآية فلا حاجة بنا إلى التطويل بذكرها والواجب التمسك بما ثبت فى الصحيحين وغيرهما أن دخان قريش عند الجهد والجوع هو سبب النزول وبهذا تعرف اندفاع ترجيح من رجح أنه الدخان الذى هو من أشرط الساعة كأين كثير فى تفسيره وغيره وهكذا يندفع قول من قال إنه الدخان الكائن يوم فتح مكة متمسكا بما أخرجه ابن سعد عن أبى هريرة قال كان يوم فتح مكة دخان وهو قول الله ) فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ( فإن هذا لايعارض مافى الصحيحين على تقدير صحة إسناده مع احتمال أن يكون أبو هريرة رضى الله عنه ظن من وقوع ذلك الدخان يوم الفتح أنه المراد بالآية ولهذا لم يصرح بأنه سبب نزولها وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال قال ابن عباس قال ابن مسعود البطشة الكبرى يوم بدر وأنا أقول هى يوم القيامة قال ابن كثير وهذا إسناد صحيح وقال ابن كثير قبل هذا فسر ذلك ابن مسعود بيوم بدر وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسيره الدخان بما تقدم وروى أيضا عن ابن عباس من رواية العوفى عنه وعن أبى بن كعب وجماعة وهو محتمل والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة كبرى أيضا انتهى
قلت بل الظاهر أنه يوم بدر وإن كان يوم القيامة القيام يوم بطشة أكبر من كل بطشة فإن السياق مع قريش فتفسيره بالبطشة الخاصة بهم أولى من تفسيره بالبطشة التى تكون يوم القيامة لكل عاص من الإنس والجن
سورة الدخان ( 17 37 )


"""""" صفحة رقم 574 """"""
الدخان : ( 17 ) ولقد فتنا قبلهم . . . . .
قوله ) ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ( أى ابتليناهم ومعنى الفتنة هنا أن الله سبحانه أرسل إليهم رسله وأمروهم بما شرعه لهم فكذبوهم أو وسع عليهم الأرزاق فطغوا وبغوا قال الزجاج بلوناهم والمعنى عاملناهم معاملة المختبر ببعث الرسل إليهم وقرئ ) فتنا ( بالتشديد ) وجاءهم رسول كريم ( أى كريم على الله كريم فى قومه وقال مقاتل حسن الخلق بالتجاوز والصفح وقال الفراء كريم على ربه إذا اختصه بالنبوة
الدخان : ( 18 ) أن أدوا إلي . . . . .
) أن أدوا إلي عباد الله ( أن هذه هى المفسرة لتقدم ماهو بمعنى القول ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة والمعنى أن الشأن والحديث أدوا إلى عباد الله ويجوز أن تكون مصدرية أى بأن أدوا والمعنى أنه طلب منهم أن يسلموا إليه بنى إسرائيل قال مجاهد المعنى أرسلوا معى عباد الله وأطلقوهم من العذاب فعباد الله على هذا مفعول به وقيل المعنى أدوا إلى عباد الله ما وجب عليكم من حقوق الله فيكون منصوبا على أنه منادى وقيل أدوا إلى سمعكم حتى أبلغكم رسالة ربكم ) إني لكم رسول أمين ( هو تعليل لما تقدم أى رسول من الله إليكم أمين على الرسالة غير متهم
الدخان : ( 19 ) وأن لا تعلوا . . . . .
) وأن لا تعلوا على الله ( أى لاتتجبروا وتتكبروا عليه بترفعكم عن طاعته ومتابعة رسله وقيل لاتبغوا على الله وقيل لاتفتروا عليه والأول أولى وبه قال ابن جريج ويحى بن سلام وجملة ) إني آتيكم بسلطان مبين ( تعليل لما قبله من النهى أى بحجة واضحة لاسبيل إلى إنكارها وقال قتادة بعذر بين والأول أولى وبه قال يحيى بن سلام قرأ الجمهور بكسر همزة إلى وقرئ بالفتح بتقدير اللام
الدخان : ( 20 ) وإني عذت بربي . . . . .
) وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ( استعاذ بالله سبحانه لما توعدوه بالقتل والمعنى من أن ترجمون قال قتادة ترجمونى بالحجارة وقيل تشتمون وقيل تقتلون
الدخان : ( 21 ) وإن لم تؤمنوا . . . . .
) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( أى إن لم تصدقونى وتقروا بنبوتى فاتركونى ولاتتعرضوا لى بأذى قال مقاتل دعونى كفافا لا على ولا لى وقيل كونوا بمعزل عنى وأنا بمعزل منكم إلى أن يحكم الله بيننا وقيل فخلوا سبيلى والمعنى متقارب
الدخان : ( 22 ) فدعا ربه أن . . . . .
ثم لما لم يصدقوه ولم يحيبوا دعوته رجع إلى ربه بالدعاء كما حكى الله عنه بقوله ) فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون ( قرأ الجمهور بفتح الهمزة على إضمار حرف الجر أى دعاه بأن هؤلاء وقرأ الحسن وابن أبى إسحاق وعيسى بن عمر بكسرها على إضمار القول وفى الكلام حذف أى فكفروا فدعا ربه والمجرمون الكافر وسماه دعاء مع أنه لم يذكر إلا مجرد كونهم مجرمين لأنهم قد استحقوا بذلك الدعاء عليهم
الدخان : ( 23 ) فأسر بعبادي ليلا . . . . .
) فأسر بعبادي ليلا ( أجاب الله سبحانه دعاءه فأمر أن يسرى ببنى إسرائيل ليلا يقال سرى وأسر لغتان قرأ الجمهور فأسر بالقطع وقرأ أهل الحجاز بالوصل ووافقهم ابن كثير فالقراءة الأولى من أسرى والثانية من سرى والجملة بتقدير القول أى فقال الله لموسى أسر بعبادى ) إنكم متبعون ( أى يتبعكم فرعون وجنوده وقد تقدم فى غير موضع خروج فرعون بعدهم
الدخان : ( 24 ) واترك البحر رهوا . . . . .
) واترك البحر رهوا ( أى ساكنا يقال رها يرهو رهوا إذا سكن لايتحرك قال الجوهرى يقال افعل ذلك رهورا أى ساكنا على هيئتك وعيش راه أى ساكن ورها البحر سكن وكذا قال الهروى وغيره وهو المعروف فى اللغة ومنه قول الشاعر والخيل تمرح رهوا فى أعنتها
كالطير تنجو من الشرنوب ذى الوبر
أى والخيل تمرح فى أعنتها ساكنة والمعنى اترك البحر ساكنا على صفته بعد أن ضربته بعصاك ولا تأمره أن يرجع كما كان ليدخله آل فرعون بعدك وبعد بنى إسرائيل فينطبق عليهم فيغرقون وقال أبو عبيدة رها بين رجليه يرهوا رهوا أى فتح قال ومنه قوله ) واترك البحر رهوا ( والمعنى اتركه منفرجا كما كان بعد


"""""" صفحة رقم 575 """"""
دخولكم فيه وكذا قال أبو عبيد وبه قال مجاهد وغيره قال ابن عرفة وهما يرجعان إلى معنى واحد وإن اختلف لفظاهما لأن البحر إذا سكن جريه انفرج قال الهروى ويجوز أن يكون رهوا نعتا لموسى أى سر ساكنا على هيئتك وقال كعب والحسن رهوا طريقا وقال الضحاك والربيع سهلا وقال عكرمة يبسا كقوله ) فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا ( وعلى كل تقدير فالمعنى التركه ذا رهو أو اتركه رهوا على المبالغة فى الوصف بالمصدر ) إنهم جند مغرقون ( أى إن فرعون وقومه مغرقون أخبر سبحانه موسى بذلك ليسكن قلبه ويطمئن جأشه قرأ الجمهور بكسر إن على الاستئناف لقصد الإخبار بذلك
الدخان : ( 25 ) كم تركوا من . . . . .
وقرئ بالفتح على تقدير لأنهم ) كم ( هى الخبرية المفيدة للتكثير وقد مضى الكلام في معنى الآية في سورة الشعراء
الدخان : ( 26 ) وزروع ومقام كريم
قرأ الجمهور ومقام بفتح الميم على أنه اسم مكان للقيام وقرأ ابن هرمز وقتادة وابن السميفع وروى عن نافع بضمها اسم مكان الإقامة
الدخان : ( 27 ) ونعمة كانوا فيها . . . . .
) ونعمة كانوا فيها فاكهين ( النعمة بالفتح التنعم يقال نعمه الله وناعمه فتنعم وبالكسر المنة وما أنعم به عليك وفلان واسع النعمة أى واسع المال ذكر معنى هذا الجوهرى قرأ الجمهور فاكهين بالألف وقرأ أبو رجاء والحسن وأبو الأشهب والأعرج وأبو جعفر وشيبة ) فكهين ( بغير ألف والمعنى على القراءة الأولى منتعمين طيبة أنفسهم وعلى القراء الثانية أشرين بطرين قال الجوهرى فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاحا والفكه أيضا الأشر البطر قال وفاكهين أى ناعمين وقال الثعلبى هما لغتان كالحاذر والحذر والفاره والفره وقيل إن الفاكهة هو المستمتع بأنواه اللذة كما يتمتع الرجل بأنواع الفاكهة
الدخان : ( 28 ) كذلك وأورثناها قوما . . . . .
) كذلك وأورثناها قوما آخرين ( الكاف فى محل رفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف قال الزجاج أى الأمر كذلك ويجوز أن تكون فى محل نصب والإشارة إلى مصدر فعل يدل عليه تركوا أى مثل ذلك السلب سلبناهم إياها وقيل مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها وقيل مثل ذلك الإهلاك أهلكناهم فعلى الوجه الأول يكون قوله وأورثناها معطوفا على تركوا وعلى الوجوه الآخرة يكون معطوفا على الفعل المقدر والمراد بالقوم الاخرين بنو إسرائيل فإن الله سبحانه ملكهم أرض مصر بعد إن كانوا فيها مستعبدين فصاروا لها وارثين أى أنها وصلت إليهم كما يصل الميراث إلى الوارث ومثل هذا قوله وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها
الدخان : ( 29 ) فما بكت عليهم . . . . .
) فما بكت عليهم السماء والأرض ( هذا بيان لعدم الاكتراث بهلاكهم قال المفسرون أى إنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا تبكى عليهم به ولم يصعد لهم إلى السماء عمل طيب يبكى عليهم به والمعنى أنه لم يصب بفقدهم وهلاكهم أحد من أهل السماء ولا من أهل السماء ولا من أهل الأرض وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم بكت له السماء والأرض أى عمت مصيبته ومن ذلك قول جرير لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة والجبال الخشع
ومنه قول النابغة بكى حارث الحولان من فقد ربه
وحوران منه خاشع متضائل
وقال الحسن فى الكلام مضاف محذوف أى ما بكى عليهم أهل السماء والأرض من الملائكة والناس وقال مجاهد إن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحا وقيل إنه يبكى على المؤمن مواضع صلاته ومصاعد عمله ) وما كانوا منظرين ( أى ممهلين إلى وقت آخر بل عوجلوا بالعقوبة لفرط كفرهم وشدة عنادهم
الدخان : ( 30 ) ولقد نجينا بني . . . . .
) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين ( أى خلصناهم بإهلاك عدوهم مما كانوا فيه من الاستعباد وقتل الأبناء واستحياء النساء وتكليفهم للأعمال الشاقة
الدخان : ( 31 ) من فرعون إنه . . . . .
وقوله ) من فرعون ( بدل من العذاب إما على حذف مضاف أى من


"""""" صفحة رقم 576 """"""
عذاب فرعون وإما على المبالغة كأنه نفس العذاب فأبدل منه أو على أنه حال من العذاب تقديره صادرا من فرعون وقرأ ابن عباس من فرعون بفتح الميم على الاستفهام التحقيرى كما يقال لمن افتخر بحسبه أو نسبه من أنت ثم بين سبحانه حاله فقال ) إنه كان عاليا من المسرفين ( أى عاليا فى التكبر والتجبر من المسرفين فى الكفر بالله وارتكاب معاصيه كما فى قوله ) إن فرعون علا في الأرض )
الدخان : ( 32 ) ولقد اخترناهم على . . . . .
ولما بين سبحانه كيفية دفعه للضر عن بنى إسرائيل بين ما أكرمهم به فقال ) ولقد اخترناهم على علم على العالمين ( أى اختارهم الله على عالمى زمانهم على علم منه باستحقاقهم لذلك وليس المراد أنه اختارهم على جميع العالمين بدليل قوله فى هذه الأمة كنتم خير أمة أخرجت للناس وقيل على كل العالمين لكثرة الأنبياء فيهم ومحل على علم النصب على الحال من فاعل اخترناهم أي حال كون اختيارنا لهم على علم منا وعلى العالمين متعلق باخترناهم
الدخان : ( 33 ) وآتيناهم من الآيات . . . . .
) وآتيناهم من الآيات ( أى معجزات موسى ) ما فيه بلاء مبين ( أى اختبار ظاهر وامتحان واضح لننظر كيف يعملون وقال قتادة الآيات إنجاؤهم من الغرق وفلق البحر لهم وتظليل الغمام عليهم وإنزال المن والسلوى لهم وقال ابن زيد الآيات هى الشر الذى كفهم عنه والخير الذى أمرهم به وقال الحسن وقتادة البلاء المبين النعمة الظاهرة كما فى قوله ) وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ( ومنه قول زهير فأبلاهما خير البلاء الذى يبلو
الدخان : ( 34 ) إن هؤلاء ليقولون
والإشارة بقوله ) إن هؤلاء ( إلى كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون مسوقة لللدلالة على استوائهم فى الإصرار على الكفر
الدخان : ( 35 ) إن هي إلا . . . . .
) ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى ( أى ماهى إلا موتتنا الأولى التى نموتها فى الدنيا ولا حياة بعدها ولابعث وهو معنى قوله ) وما نحن بمنشرين ( أى بمبعوثين وليس فى الكلام قصد إلى إثبات موتة أخرى بل المراد ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية قال الرازى المعنى أنه لايأتينا من الأحوال الشديدة إلا الموتة الأولى
الدخان : ( 36 ) فأتوا بآبائنا إن . . . . .
ثم أوردوا علي من وعدهم بالبعث ماظنوه دليلا وهو حجة داحضة فقالوا ) فأتوا بآبائنا ( أى ارجعوهم بعد موتهم إلي الدنيا ) إن كنتم صادقين ( فيما تقولونه وتختبرونا به من البعث
الدخان : ( 37 ) أهم خير أم . . . . .
ثم رد الله سبحانه عليهم بقوله ) أهم خير أم قوم تبع ( أى أهم خير فى القوة والمنعة أم قوم تبع الحميرى والذى دار فى الدنيا بجيوشه وغلب أهلها وقهرهم وفيه وعيد شديد وقيل المراد بقوم تبع جميع أتباعه لا واحد بعينه وقال الفراء الخطاب فى قوله ) فأتوا بآبائنا ( لرسول الله صلى الله وآله وسلم وحده كقوله رب ارجعون والأولى أنه خطاب له ولأتباعه من المسليمن و المراد ب ) الذين من قبلهم ( عاد وثمود ونحوهم وقوله ) أهلكناهم ( جملة مستأنفة لبيان حالهم وعاقبة أمرهم وجملة ) إنهم كانوا مجرمين ( تعليل لإهلاكهم والمعنى أن الله سبحانه قد أهلك هؤلاء بسبب كونهم مجرمين فإهلاكه لمن هو دونهم بسبب كونه مجرما مع ضعفه وقصور قدرته بالأولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولقد فتنا ( قال ابتلينا ) قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم ( قال هو موسى ) أن أدوا إلي عباد الله ( أرسلوا معى بنى إسرائيل ) وأن لا تعلوا على الله ( قال لاتعثوا ) إني آتيكم بسلطان مبين ( قال بعذر مبين ) وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ( قال بالحجارة ) وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( أى خلوا سبيلى وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم وابن مردويه عنه فى قوله ) أن أدوا إلي عباد الله ( قال يقول اتبعونى إلى ما أدعوكم إليه من الحق وفى قوله ) وأن لا تعلوا على الله ( قال لاتفتروا وفى قوله ) أن ترجمون ( قال تشتمون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) رهوا ( قال سمعتا وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا ) رهوا ( قال كهيئته وامضه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 577 """"""
عنه أيضا أنه سأل كعبا عن قوله ) واترك البحر رهوا ( قال طريقا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أيضا قال الرهو أن يترك كما كان وأخرج ابن أبى حاتم عنه أيضا فى قوله ) ومقام كريم ( قال المنابر وأخرج ابن مردويه عن جابر مثله وأخرج الترمذى وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن أبى حاتم وابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية والخطيب عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مامن عبد إلا بابان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فرذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا هذه الآية ) فما بكت عليهم السماء والأرض ( وذكر أنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا تبكى عليهم ولم يصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولا من عملهم كلام صالح فتفقدهم فتبكى عليهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقى فى الشعب نحوه من قوله ابن عباس وأخرج أبو الشيخ عنه قال يقال الأرض تبكى على المؤمن أربعين صباحا وأخرج ابن أبى الدنيا وابن جرير عن شريح بن عبيد الحضرمى مرسلا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ألا لا غربة علي مؤمن مامات مؤمن فى غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فما بكت عليهم السماء والأرض ( ثم قال إنهما لايبكيان على كافر وأخرج ابن المبارك وعبد بن حميد وابن أبى الدنيا وابن المنذر من طريق المسيب بن رافع عن على بن أبى طالب قال إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء ثم تلا الآية وأخرج ابن المبارك وعبد بن حميد وابن أبى الدنيا والحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب عن ابن عباس قال أن الأرض لتبكى على ابن آدم أربعين صباحا ثم قرأ الآية وأخرج الطبرانى وابن مردويه عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لاتسبوا تبعا فإنه قد أسلم وأخرجه أحمد والطبرانى وابن ماجه وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر مثله وروى نحو هذا عن غيرهما من الصحابة والتابعين
سورة الدخان ( 38 59 )


"""""" صفحة رقم 578 """"""
الدخان : ( 38 ) وما خلقنا السماوات . . . . .
قوله ) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما ( أى بين جنسى السماء والأرض ) لاعبين ( أى لغير غرض صحيح قال مقاتل لم نخلقهما عابثين لغير شىء وقال الكلبى لاهين وقيل غافلين قرأ الجمهور ) وما بينهما ( وقرأ عمرو بن عبيد وما بينهن لأن السموات والأرض جمع وانتصاب لاعبين على الحال
الدخان : ( 39 ) ما خلقناهما إلا . . . . .
) ما خلقناهما ( أى وما بينهما ) إلا بالحق ( أى إلا بالأمر الحق والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال وقال الكلبى إلا للحق وكذا قال الحسن وقيل إلا لإقامة الحق وإظهاره ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن الأمر كذلك وهم المشركون
الدخان : ( 40 ) إن يوم الفصل . . . . .
) إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ( أى إن يوم القيامة الذى يفصل فيه الحق عن الباطل ميقاتهم أى الوقت المجعول لتمييز المحسن من المسىء والمحق منن المبطل أجمعين لايخرج عنهم أحد من ذلك وقد اتفق القراء على رفع ميقاتهم على أنه خبر إن واسمها يوم الفصل وأجاز الكسائى والفراء نصبه على أنه اسمها ويوم الفصل خبرها
الدخان : ( 41 ) يوم لا يغني . . . . .
ثم وصف سبحانه ذلك اليوم فقال ) يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ( يوم بدل من يوم الفصل أو منتصب بفعل مضمر يدل عليه الفصل أى يفصل بينهم يوم لايغنى ولايجوز أن يكون مفعولا للفصل لأنه قد وقع الفصل بينهما بأجنبى والمعنى أنه لاينفع فى ذلك اليوم قريب قريبا ولايدفع عنه شيئا ويطلق على الوالي المولى وهو القريب والناصر ) ولا هم ينصرون ( الضمير راجع إلى المولى باعتبار المعنى لأنه نكرة فى سياق النفى وهى من صيغ العموم أى ولا هم يمنعون من عذابه الله
الدخان : ( 42 ) إلا من رحم . . . . .
) إلا من رحم الله ( قال الكسائى الاستثناء منقطع أى لكن من رحم الله وكذا قال الفراء وقيل هو متصل والمعنى لايعنى قريب عن قريب إلا المؤمنين فإنهم يؤذن لهم فى الشفاعة فيشفعون ويجوز أن يكون مرفوعا على البدل من مولى الأول أو من الضمير فى ينصرون ) إنه هو العزيز الرحيم ( أى الغالب الذى لاينصر من أراد عذابه الرحيم لعباده المؤمنين
الدخان : ( 43 ) إن شجرة الزقوم
ثم لما وصف اليوم ذكر بعده وعيد الكفار فقال ) إن شجرة الزقوم )
الدخان : ( 44 ) طعام الأثيم
(طعام الأثيم ( شجرة الزقوم هى الشجرة التى خلقها الله فى جهنم وسماها الشجرة الملعونة فإذا جاع أهل النار التجئوا إليها فأكلوا منها وقد مضى الكلام على شجرة الزقوم فى سورة الصافات والأثيم الكثير الإثم قال فى الصحاح أثم الرجل بالكسر إثما ومأثما إذا وقع فى الأثم فهو آثم وأثيم وأثوم فمعنى طعام الأثيم ذى الإثم
الدخان : ( 45 ) كالمهل يغلي في . . . . .
) كالمهل ( وهو دردى الزيت وعكر القطران وقيل هو النحاس المذاب وقيل كل مايذوب فى النار ) يغلي في البطون
الدخان : ( 46 ) كغلي الحميم
(كغلي الحميم ( قرأ الجمهور تغلى بالفوقية علي أن الفاعل ضمير يعود إلى الشجرة والجملة خبر ثان أو حال أو حبر مبتدأ محذوف أى تغلى غليا مثل غلى الحميم وهو الماء الشديد الحرارة وقرأ ابن كثير وحفص وابن محيصن وورش عن يعقوب يغلى بالتحتية على أن الفاعل ضمير يعود إلى الطعام وهو فى معنى الشجرة ولايصح أن يكون الضمير عائدا إلى المهل لأنه مشبه به وإنما يغلى ما يشبه بالمهل وقوله ) كغلي الحميم ( صفة مصدر محذوف أى غليا كغلى الحميم
الدخان : ( 47 ) خذوه فاعتلوه إلى . . . . .
) خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ( أى يقال للملائكة الذين هم خزنة النار خذوه أى الأثيم فاعتلوه العتل القود بالعنف يقال عتله يعتله إذا جره وذهب به إلي مكروه وقيل العتل أن يأخذ بتلابيب الرجل ومجامعه فيجره ومنه قول الشاعر يصف فرسا


"""""" صفحة رقم 579 """"""
نفرعه قرعا ولسنا نعتله
ومنه قول الفرزدق يهجو جريرا
حتى ترد إلى عطية تعتل
قرأ الجمهور ) فاعتلوه ( بكسر التاء وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بضمها وهما لغتان ) إلى سواء الجحيم ( أى إلى وسطه كقوله فرآه فى سواء الجحيم
الدخان : ( 48 ) ثم صبوا فوق . . . . .
) ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ( من هى التبعيضية أى صبوا فوق رأسه بعض هذا النوع وإضافة العذاب إلى الحميم للبيان أى عذاب هو الحميم وهو الماء الشديد الحرارة كما تقدم
الدخان : ( 49 ) ذق إنك أنت . . . . .
) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( أى وقولوا له تهكما وتقريعا وتوبيخا ذق إنك أنت العزيز الكريم وقيل إن أبا جهل كان يزعم أنه أعز أهل الوادي وأكرمهم فيقولون له ذق العذاب أيها المتعزز المتكرم فى زعمك وفيما كنت تقوله قرأ الجمهور ) إنك ( بكسر الهمزة وقرأ السكائى وروى ذلك عن علي بفتحها أى لأنك قال الفراء أى بهذا القول الذي قلته في الدنيا
الدخان : ( 50 ) إن هذا ما . . . . .
والإشارة بقوله إن هذا إلى العذاب ) ما كنتم به تمترون ( أي تشكون فيه حين كنتم فى الدنيا والجمع باعتبار جنس الأثيم
الدخان : ( 51 ) إن المتقين في . . . . .
ثم ذكر سبحانه مستقر المتقين فقال ) إن المتقين في مقام أمين ( أى الذين اتقوا الكفر والمعاصى قرأ الجمهور مقام بفتح الميم وقرأ نافع وابن عامر بضمها فعلى القراءة الأولى هو موضع القيام وعلى القراءة الثانية هو موضع الاقامة قال الكسائى وغيره وقال والجوهرى قد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة وقد يكون بمعنى موضع القيام ثم وصف المقام بأنه أمين يأمن صاحبه من جميع المخاوف
الدخان : ( 52 ) في جنات وعيون
) في جنات وعيون ( بدل من مقام أمين أو بيان له أو خبر ثان
الدخان : ( 53 ) يلبسون من سندس . . . . .
) يلبسون من سندس وإستبرق ( خبر ثان أو ثالث أو حال من الضمير المستكن فى الجار والمجرور والسندس مارق من الديباج والإستبرق ماغلظ منه وقد تقدم بيانه فى سورة الكهف وانتصاب ) متقابلين ( على الحال من فاعل يلبسون أى متقابلين فى مجالسهم ينظر بعضهم إلى بعض
الدخان : ( 54 ) كذلك وزوجناهم بحور . . . . .
والكاف فى قوله ) كذلك ( إما نعت مصدر محذوف أى نفعل بالمتقين فعلا كذلك أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى الأمر كذلك ) وزوجناهم بحور عين ( أى أكرمناهم بأن زوجناهم بحور عين والحور جمع حوراء وهى البيضاء والعين جمع عيناء وهى الواسعة العينين وقال مجاهد إنما سميت الحوراء حوراء لأنه يحار الطرف فى حسنها وقيل هو من حور العين وهو شدة بياض العين فى شدة سوادها كذا قال أبو عبيدة وقال الأصمعى ما أدرى ما الحور فى العين قال أبو عمرو الحور أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر قال وليس فى بنى آدم حور وإنما قيل للنساء حور لأنهن شبهن بالظباء والبقر قيل والمراد بقوله ) زوجناهم ( قرناهم وليس من عقد التزويج لأنه لايقال زوجته بامرأة وقال وقال أبو عبيدة وجعلناهم أزواجا لهن كما يزوج البعل بالبعل أى جعلناهم اثنين اثنين وكذا قال الأخفش
الدخان : ( 55 ) يدعون فيها بكل . . . . .
) يدعون فيها بكل فاكهة آمنين ( أى يأمرون بإحضار ما يشتهون من الفواكه حال كونهم آمنين من التختم والأسقام والآلام قال قتادة آمنين من الموت والوصب والشيطان وقيل من انقطاع ماهم فيه من النعيم
الدخان : ( 56 ) لا يذوقون فيها . . . . .
) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ( لايموتون فيها أبدا إلا الموتة التى ذاقوها فى الدنيا والاستثناء منقطع أى لكن الموتة التى قد ذاقوها فى الدنيا كذا قال الزجاج والفراء وغيرهما ومثل هذه الاية قوله ولا تنكحوا ما نكح آباءكم من النساء إلا ما قد سلف وقيل إن إلا بمعنى بعد كقولك ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك أى بعد رجل عندك وقيل هى بمعنى سوى أى سوى الموتة الأولى وقال ابن قتيبة إنما استثنى الموتة الأولى وهى الدنيا لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله وقدرته إلي أسباب من الجنة يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم من الجنة وتفتح لهم أبوابها فإذا ماتوا فى الدنيا فكأنهم ماتوا فى الجنة لاتصالهم


"""""" صفحة رقم 580 """"""
عليه السلام بأسبابها ومشاهدتهم إياها فيكون الاستثناء على هذا متصلا واختار ابن جرير أن إلا بمعنى بعد واختار كونها بمعني سوى ابن عطية ) ووقاهم عذاب الجحيم ( قرأ الجمهور وقاهم بالتخفيف وقرأ أبو حيوة بالتشديد على المبالغة
الدخان : ( 57 ) فضلا من ربك . . . . .
) فضلا من ربك ( أى لأجل الفضل منه أو أعطاهم ذلك عطاء فضلا منه ) ذلك هو الفوز العظيم ( أى ذلك الذى تقدم ذكره هو الفوز الذي لافوز بعده المتناهى فى العظم
الدخان : ( 58 ) فإنما يسرناه بلسانك . . . . .
ثم لما بين سبحانه الدلائل وذكر الوعد والوعيد قال ) فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ( أى إنما أنرلنا القران بلغتك كى يفهمه قومك فيتذكروا ويعتبروا ويعملوا بما فيه أو سلهتاه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه لهلهم يتذكرون
الدخان : ( 59 ) فارتقب إنهم مرتقبون
) فارتقب إنهم مرتقبون ( أى فانتظر ما وعدناك من النصر عليهم وإهلاكهم علي يدك فإنهم منتظرون ما ينزل من موت أو غيره وقيل انتظر أن يحكم الله بينك وبينهم فإنهم منتظرون بك نوائب الدهر والمعنى متقارب
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( يقول لست بعزيز ولا كريم وأخرج الأموى فى مغازيه عن عكرمة قال لقى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أبا جهل فقال إن الله أمرنى أن أقول لك أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى قال فنزع يده من يده وقال ماتستطيع لى أنت ولا صاحبك من شىء لقد علمت أنى أمنع أهل بطحاء وأنا العزيز الكريم فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته وأنزل ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ( قال المهل وأخرج عنه أيضا ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( قال هو أبو جهل بن هشام
بحمد الله تعالى تم طبع الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس وأوله تفسير
سورة الجاثية

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ط اخري مجلد 3. عجائب الآثار في التراجم والأخبار (المجلد الثالث) عبد الرحمن الجبرتي

  مجلد 3. عجائب الآثار في التراجم والأخبار (المجلد الثالث) عبد الرحمن الجبرتي   خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء ...