الجمعة، 19 أغسطس 2022

ج1. من كتاب : فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير{1}+ج2. صفحة رقم 3( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون

 

بسم الله الرحمن الرحيم
ج1.  من كتاب : فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير{1}
اسم المؤلف : محمد بن علي بن محمد الشوكاني
دار النشر : دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء / 5
[ ترقيم الشاملة موافق للمطبوع ]


"""""" صفحة رقم 11 """"""
( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون )
( المقدمة )
بسم الله الرحمن الرحيم
يروي المفتقر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى محمد بن محمد بن يحيى زبارة الحسنى اليمني غفر الله له وللمؤمنين للقاضي الحافظ الشهير محمد بن علي بن محمد الشوكاني الصنعاني المتوفى سنة 1250 هجرية عن المولى الجهبذ الكبير سيف الإسلام أحمد بن قاسم بن عبدالله حميد الدين أبقاه الله تعالى عن السيد الحافظ عبدالكريم بن عبدالله أبي طالب الحسن اليمني المتوفي سنة 1309 ه عن القاضي الحافظ أحمد بن محمد بن علي الشوكاني المتوفي سنة 1281 ه عن أبيه المؤلف قال رحمه الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل كتابه المبين كافلا ببيان الأحكام شاملا لما شرعها لعباده من الحلال والحرام مرجعا للأعلام عند تفاوت الأفهام وتباين الأقدام وتخالف الكلام قاطعا للخصام شافيا للسقام مرهما للأوهام فهو العروة الوثقى التي من تمسك بها فاز بدرك الحق القويم والجادة الواضحة التي من سلكها فقد هدى إلى الصراط المستقيم فأي عبارة تبلغ أدنى ما يستحقه كلام الحكيم من التعظيم وأي لفظ يقوم ببعض ما يليق به من التكريم والتفخيم كلا والله إن بلاغات البلغاء المصاقع وفصاحات الفصحاء البواقع وإن طالت ذيولها وسالت سيولها واستنت بميادينها خيولها تتقاصر عن الوفاء بأوصافه وتتصاغر عن التشبث بأدنى أطرافه فيعود جيدها عنه عاطلا وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا فهو كلام من لا تحيط به العقول علما ولا تدرك كنهه الطباع البشرية فهما فالإعتراف بالعجز عن القيام بما يستحقه من الأوصاف العظام أولى بالمقام وأوفق بما تقتضيه الحال من الإجلال والإعظام والصلاة والسلام على من نزل إليه الروح الأمين بكلام رب العالمين محمد سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله المطهرين وصحبه المكرمين
وبعد فإن اشرف العلوم على الإطلاق وأولاها بالتفضيل على الإستحقاق وأرفعها قدرا بالإتفاق هو


"""""" صفحة رقم 12 """"""
علم التفسير لكلام القوي القدير إذا كان على الوجه المعتبر في الورود والصدر غير مشوب بشيء من التفسير بالرأي الذي هو من أعظم الخطر وهذه الأشرفية لهذا العلم غنية عن البرهان قريبة إلى الفهام والأذهان يعرفها من يعرف الفرق بين كلام الخلق والحق ويدري بها من يميز بين كلام البشر وكلام خالق القوى والقدر فمن فهم هذا استغنى عن التطويل ومن لم يفهمه فليس بمتأهل للتحصيل ولقد صدق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث يقول فيما أخرجه عنه الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه )
ولما كان هذا العلم بهذه المنزلة الشافخة الأركان العالية البنيان المرتفعة المكان رغبت إلى الدخول من أبوابه ونشطت إلى القعود في محرابه والكون من أحزابه ووطنت النفس على سلوك طريقة هي بالقبول عند الفحول حقيقة وها أنا أوضح لك منارها وأبين لك إيرادها وإصدارها فأقول
إن غالب المفسرين تفرقوا فريقين وسلكوا طريقين الفريق الأول اقتصروا في تفاسيرهم على مجرد الرواية وقنعوا برفع هذه الراية والفريق الآخر جردوا أنظارهم إلى ما تقتضيه اللغة العربية وما تفيده العلوم الآلية ولم يرفعوا إلى الرواية رأسا وإن جاءوا بها لم يصححوا لها أساسا وكلا الفريقين قد أصاب وأطال وأطاب وإن رفع عماد بيت تصنيفه على بعض الأطناب وترك منها ما لا يتم بدونه كمال الإنتصاب فإن ما كان من التفسير ثابتا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإن كان المصير إليه متعينا وتقديمه متحتما غير أن الذي صح عنه من ذلك إنما هو تفسير آيات قليلة بالنسبة إلى جميع القرآن ولا يختلف في مثل ذلك من أئمة هذا الشأن اثنان وأما ما كان منها ثابتا عن الصحابة رضي الله عنهم فإن كان من الألفاظ التي قد نقلها الشرع إلى معنى مغاير للمعنى اللغوي بوجه من الوجوه فهو مقدم على غيره وإن كان من الألفاظ التي لم ينقلها الشرع فهو كواحد من أهل اللغة الموثوق بعربيتهم فإذا خالف المشهور المستفيض لم تقم الحجة علينا بتفسيره الذي قاله على مقتضى لغة العرب فبالأولى تفاسير من بعدهم من التابعين وتابعيهم وسائر الأئمة وأيضا كثيرا ما يقتصر الصحابي ومن بعده من السلف على وجه واحد مما يقتضيه النظم القرآني باعتبار المعنى اللغوي ومعلوم أن ذلك لا يستلزم إهمال سائر المعاني التي تفيدها اللغة العربية ولا إهمال ما يستفاد من العلوم التي تتبين بها دقائق العربية وأسرارها كعلم المعاني والبيان فإن التفسير بذلك هو تفسير باللغة لا تفسير بمحض الرأي المنهي عنه وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عن سفيان قال ليس في تفسير القرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد منه هذا وهذا وأخرج ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة قال قال أبو الدرداء لا تفقه كل الفقه حتى ترى القرآن وجوها وأخرج ابن سعد أن عليا قال لابن عباس اذهب إليهم يعني الخوارج ولا تخاصمهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة فقال له أنا أعلم بكتاب الله منهم فقال صدقت ولكن القرآن حمال ذو وجوه وأيضا لا يتيسر في كل تركيب من التراكيب القرآنية تفسير ثابت عن السلف بل قد يخلو عن ذلك كثير من القرآن ولا اعتبار بما لم يصح كالتفسير المنقول بإسناد ضعيف ولا بتفسير من ليس بثقة منهم وإن صح إسناده إليه وبهذا تعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين وهذا هو المقصد الذي وطنت نفسي عليه والمسلك الذي عزمت على سلوكه إن شاء الله مع تعرضه للترجيح بين التفاسير


"""""" صفحة رقم 13 """"""
المتعارضة مهما أمكن واتضح لي وجهه وأخذي من بيان المعنى العربي والإعرابي والبياني بأوفر نصيب والحرص على إيراد ما ثبت من التفسير عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو الأئمة المعتبرين وقد أذكر ما في إسناده ضعف إما لكون في المقام ما يقويه أو لموافقته للمعنى العربي وقد أذكر الحديث معزوا إلى راويه من غير بيان حال الإسناد لأني أجده في الأصول التي نقلت عنها كذلك كما يقع في تفسير ابن جرير والقرطبي وابن كثير والسيوطي وغيرهم ويبعد كل البعد أن يعلموا في الحديث ضعفا ولا يبينونه ولا ينبغي أن يقال فيما أطلقوه إنهم قد علموا ثبوته فإن من الجائز أن ينقلوه من دون كشف عن حال الإسناد بل هذا هو الذي يغلب به الظن لأنهم لو كشفوا عنه فثبتت عندهم صحته لم يتركوا بيان ذلك كما يقع منهم كثيرا التصريح بالصحة أو الحسن فمن وجد الاصول التي يروون عنها ويعزون ما في تفاسيرهم إليها فلينظر في أسانيدها موفقا إن شاء الله واعلم أن تفسير السيوطي المسمى بالدر المنثور قد اشتمل على غالب ما في تفاسير السلف من التفاسير المرفوعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتفاسير الصحابة ومن بعدهم وما فاته إلا القليل النادر وقد اشتمل هذا التفسير على جميع ما تدعو إليه الحاجة منه مما يتعلق بالتفسير مع اختصار لما تكرر لفظا واتحد معنى بقولي ومثله أو نحوه وضممت إلى ذلك فوائد لم يشتمل عليها وجدتها في غيره من تفاسير علماء الرواية أو من الفوائد التي لاحت لي من تصحيح أو تحسين أو تضعيف أو تعقب أو جمع أو ترجيح
فهذا التفسير وإن كبر حجمه فقد كثر علمه وتوفر من التحقيق قسمه وأصاب غرض الحق سهمه واشتمل على ما في كتب التفاسير من بدائع الفوائد مع زوائد فوائد وقواعد شوارد فإن أحببت أن تعتبر صحة هذا فهذه كتب التفسير على ظهر البسيطة انظر تفاسير المعتمدين على الرواية ثم ارجع إلى تفاسير المعتمدين على الدراية ثم انظر في هذا التفسير بعد النظرين فعند ذلك يسفر الصبح لذي عينين ويتبين لك أن هذا الكتاب هو لب اللباب وعجب العجاب وذخيرة الطلاب ونهاية مارب الألباب وقد شميته
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير
مستمدا من الله سبحانه بلوغ الغاية والوصول بعد هذه البداية إلى النهاية راجيا منه جل جلاله أن يديم به الانتفاع ويجعله من الذخائر التي ليس لها انقطاع
واعلم أن الأحاديث في فضائل القرآن كثيرة جدا ولا يتم لصاحب القرآن ما يطلبه من الأجر الموعود به في الأحاديث الصحيحة حتى يفهم معانيه فإن ذلك هو الثمرة من قراءة
قال القرطبي ينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه فينتفع بما قرأ ويعمل بما يتلو فما أقبح بحامل القرآن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم معنى ما يتلوه فكيف يعمل بما لا يفهم معناه وما أقبح به أن يسال عن فقه ما يتلوه ولا يدريه فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا وينبغي له أن يعرف المكي من المدني ليفرق بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام وما فرض في أول الإسلام وما زاد عليهم من الفرائض في آخره فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن


"""""" صفحة رقم 14 """"""
وقال أيضا قال علماؤنا وأما ما جاء في فضل التفسير عن الصحابة والتابعين فمن ذلك أن علي بن أبي طالب ذكر جابر بن عبدالله ووصفه بالعلم فقال له رجل جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى ) إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ( وقال مجاهد أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل الله وقال الحسن والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيمن نزلت وما يعني بها وقال الشعبي رحل مسروق في تفسير آية إلى البصرة فقيل له إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها وقال عكرمه في قوله عز وجل ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ( طلبت اسم هذا الرجل أربع عشرة سنة حتى وجدته قال ابن عبدالبر هو ضميرة بن حبيب وقال ابن عباس مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما يمنعني الامهابته فسألته فقال هي حفصة وعائشة وقال إياس بن معاوية مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من عند مليكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب وذكر ابن أبي الحواري أن فضيل بن عياض قال لقوم قصدوه ليأخذوا عنه العلم لو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون فقالوا قد تعلمنا القرآن فقال إن في تعلمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم فقالوا كيف يا أبا علي قال لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمة ومتشابهة وناسخة من منسوخة فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة وللسلف رحمهم الله من هذا الجنس ما لا يأتي عليه الحصر
S1
سورة الفاتحة
حول السورة
معنى الفاتحة في الأصل أول ما من شأنه أن يفتتح به ثم أطلقت على أول كل شيء كالكلام والتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية فمسيت هذه السورة فاتحة الكتاب لكونه افتتح بها إذ هي أول ما يكتبه الكاتب من المصحف وأول ما يتلوه التالي من الكتاب العزيز وإن لم تكن أول ما نزل من القرآن وقد اشتهرت هذه السورة الشريفة بهذا الإسم في أيام النبوة قيل هي مكية وقيل مدنية
وقد أخرج الواحدي في أسباب النزول والثعلبي في تفسيره عن علي رضي الله عنه قال نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة والثعلبي والواحدي من حديث عمرو بن شرحبيل ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما شكا إلى خديجة ما يجده عند أوائل الوحي فذهبت بن إلى ورقة فأخبره فقال له إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأرض فقال لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم حتى بلغ ولا الضالين ) الحديث وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن رجل من بني سلمة قال لما أسلمت فتيان بني سلمة وأسلم ولد عمرو بن الجموح قالت إمرأة عمرو له هل لك أن تسمع من أبيك ما روى عنه فساله فقرأ عليه الحمد لله رب العالمين وكان ذلك قبل الهجرة وأخرج أبو بكر بن الأنباري في المصاحف عن عبادة قال فاتحة الكتاب نزلت بمكة فهذا جملة ما استدل به من قال إنها نزلت بمكة واستدل من قال إنها نزلت بالمدينة بما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وأبو سعيد بن الأعرابي في معجمه


"""""" صفحة رقم 15 """"""
والطبراني في الأوسط من طريق مجاهد عن أبي هريرة ( رن إبليس حين أنزلت فاتحة الكتاب ) وأنزلت بالمدينة
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن المنذر وابونعيم في الحلية وغيرهم من طرق عن مجاهد قال نزلت فاتحة الكتاب بالمدينة وقيل إنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة جمعا بين هذه الروايات
أسمائها
وتسمى أم الكتاب قال البخاري في أول التفسير وسميت أم الكتاب لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن أيوب عن محمد بن سيرين كان يكره أن يقول أم الكتاب ويقول قال الله تعالى ) وعنده أم الكتاب ( ولكن يقول فاتحة الكتاب ويقال لها الفاتحة لأنها يفتتح بها القراءة وافتتحت الصحابة بها كتابة المصحف الإمام
قال ابن كثير في تفسيره وصح تسميتها بالسبع المثاني قالوا لأنهت تثني في الصلاة فتقرأ في كل ركعة وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لأم القرآن هي أم القرآن وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم ) وأخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي هريرة أيضا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني ) وأخرج نحوه ابن مردويه في تفسيره والدارقطني من حديثه وقال كلهم ثقات وروى البيهقي عن علي وابن عباس وأبي هريرة أنهم فسروا قوله تعالى ( سبعا من المثاني ) بالفاتحة ومن جملة أسمائها كما حكاه في الكشاف سورة الكنز والوافية وسورة الحمد وسورة الصلاة وقد أخرج الثعلبي أن سفيان بن عيينة كان يسمي فاتحة الكتاب الواقية وأخرج الثعلبي أيضا عن عبدالله بن يحيى بن أبي كثير أنه سأله سائل عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال عن الكافية تسأل قال السائل وما الكافية قال الفاتحة أما علمت أنها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها وأخرج أيضا عن الشعبي أن رجلا اشتكى إليه وجع الخاصرة فقال عليك بأساس القرآن قال وما أساس القرآن قال فاتحة الكتاب وأخرج البيهقي في الشعب عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله أعطاني فيما من به علي فاتحة الكتاب وقال هي من كنوز عرشي ) وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن علي نحوه مرفوعا وقد ذكر القرطبي في تفسيره للفاتحة إثنى عشر اسما وهي سبع آيات بلا خلاف كما حكاه ابن كثير في تفسيره وقال القرطبي أجمعت الأمة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات إلا ما روى عن حسين الجعفي أنها ست وهو شاذ وإلا ما روى عن عمرو بن عبيد أنه جعل إياك نعبد آية فهي عنده ثمان وهو شاذ انتهى وإنما اختلفوا في البسلمة كما سيأتي إن شاء الله وقد أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن الأنباري في المصاحف عن محمد بن سيرين أن أبي بن كعب وعثمان بن عفان كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين ولم يكتب ابن مسعود شيئا منهن وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال كان عبدالله بن مسعود لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف وقال لو كتبتها لكتبت في أول كل شيء
فضلها
وقد ورد في فضل هذه السورة أحاديث منها ما أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ( لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد قال فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قال نعم الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) وأخرج أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي من كعب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ( أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها ثم أخبره أنها الفاتحة ) وأخرجه النسائي وأخرج أحمد في المسند


"""""" صفحة رقم 16 """"""
من حديث عبدالله بن جابر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال له ( ألا أخبرك بأخير سورة في القرآن قلت بلى يا رسول الله قال اقرأ الحمد لله رب العالمين حتى تختمها ) وفي إسناده ابن عقيل وقد احتج به كبار الائمة وبقية رجاله ثقات وعبد الله بن جابر هذا هو العبدي كما قال ابن الجوزي وقيل الأنصاري البياضي كما قال ابن عساكر وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما أخبروه بأن رجلا رقى سليما بفاتحة الكتاب وما كان يدريه أنها رقية ) الحديث وأخرج مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث ابن عباس قال بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده جبريل إذ سمع نقيضا فوقه فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته ) وأخرج مسلم والنسائي والترمذي وصححه من حديث أبي هريرة ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ثلاثا غير تامة ) وأخرج البزار في مسنده بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا وضعت جنبك على الفراش وقرأت فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد فقد أمنت من كل شيء إلا الموت ) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن أبي زيد وكان له صحبة قال ( كنت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في بعض فجاج المدينة فسمع رجلا يتهجد ويقرأ بأم القرآن فقام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فاستمع حتى ختمها ثم قال ما في القرآن مثلها ) وأخرج سعيد بن منصور في سننه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم ) وأخرج أبو الشيخ نحوه من حديثه وحديث أبي هريرة مرفوعا وأخرج الدارمي والبيهقي في شعب الإيمان بسند رجاله ثقات عن عبدالملك بن عمير قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في فاتحة الكتاب ( شفاء من كل داء ) وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن جرير والحاكم وصححه عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه ( أنه أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أقبل راجعا من عنده فمر على قوم وعندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله أعندك ما تداوي به هذا فإن صاحبكم قد جاء بخير قال فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام في كل يوم مرتين غدوة وعشية أجمع بزاقي ثم أتفل فبرأ فأعطاني مائة شاة فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت ذلك له فقال كل فمن أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق ) وأخرج الفريابي في تفسيره عن ابن عباس قال ( فاتحة الكتاب ثلث القرآن ) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ أم القرآن وقل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن ) وأخرج عبد بن حميد في مسنده بسند ضعيف عن ابن عباس يرفعه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( فاتحة الكتاب تعدل بثلثي القرآن ) وأخرج الحاكم وصححه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في الشعب عن أنس قال ( كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في مسير له فنزل فمشى رجل من أصحابه إلى جنبه فالتفت إليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ألا أخبرك بأفضل القرآن فتلا عليه الحمد لله رب العالمين ) وأخرج أبو نعيم والديلمي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فاتحة الكتاب تجزي ما لا يجزي شيء من القرآن ولو أن أن فاتحة الكتاب جعلت في كفة الميزان وجعل القرآن في الكفة الأخرى لفضلت فاتحة الكتاب على القرآن سبع مرات ) وأخرج أو عبيد في فضائله عن الحسن مرسلا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ فاتحة الكتاب فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان )


"""""" صفحة رقم 17 """"""
( سورة الفاتحة )
بسم الله الرحمن الرحيم
الفاتحة : ( 1 ) بسم الله الرحمن . . . . .
فوائد
اختلف أهل العلم هل هي آية مستقلة في أول كل سورة كتبت في اولها أو هي بعض آية من أول كل سور أو هي كذلك في الفاتحة فقط دون غيرها أو أنها ليست بآية في الجميع وإنما كتبت للفصل والأقوال وأدلتها مبسوطة في موضع الكلام على ذلك وقد اتفقوا على أنها بعض آية في سورة النمل وقد جزم قراء مكة والكوفة بأنها آية من الفاتحة ومن كل سورة وخالفهم قراء المدينة والبصرة والشام فلم يجعلوها آية لا من الفاتحة ولا من غيرها من السور قالوا وإنما كتبت للفصل والتبرك وقد أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم وأخرجه الحاكم في المستدرك وأخرج ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وغيرها آية ) وفي إسناده عمرو بن هارون البلخي وفيه ضعف وروى نحوه الدارقطني مرفوعا عن أبي هريرة
وكما وقع الخلاف في إثباتها وقع الخلاف في الجهر بها في الصلاة وقد أخرج النسائي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ( أنه صلى فجهر في قراءته بالبسلمة وقال بعد أن فرغ إني لأشبهكم صلاة برسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم ) قال الترمذي وليس إسناده بذاك وقد أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بلفظ ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) ثم قال صحيح وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال كانت قراءته مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم وأخرج أحمد في المسند وأبو داود في السنن وابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أم سلمة أنها قالت ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) وقال الدارقطني إسناده صحيح
واحتج من قال بأنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة بما في صحيح مسلم عن عائشة قالت ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ) وفي الصحيحين عن أنس قال ( صليت خلف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ) ولمسلم ( لايذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها ) وأخرج أهل السنن نحوه عن عبدالله بن مغفل وإلى هذا ذهب الخلفاء الأربعة وجماعة من الصحابة وأحاديث الترك وإن كانت أصح ولكن الإثبات ارجح مع كونه خارجا من مخرج صحيح فالأخذ به أولى ولا سيما مع إمكانه تأويل الترك وهذا يقتضي الإثبات الذاتي أعني كونها قرآنا والوصفي أعني الجهر بها عند الجهر بقراءة ما يفتتح بها من السور في الصلاة ولتنقيح البحث والكلام على أطرافه استدلالا وردا وتعقبا ودفعا ورواية ودراية موضع غير هذا ومتعلق الباء محذوف وهو أقرأ أو أتلو لأنه المناسب لما جعلت البسملة مبدأ له فمن قدره متقدما كان غرضه الدلالة بتقديمه على الاهتمام بشأن الفعل ومن قدره متأخرا كان غرضه الدلالة بتأخيره على الاختصاص مع ما يحصل في ضمن ذلك من العناية بشأن الإسم والإشارة إلى أن البداية به أهم لكون التبرك حصل به وبهذا يظهر رجحان تقدير الفعل متأخرا في مثل هذا المقام


"""""" صفحة رقم 18 """"""
ولا يعارضه قوله تعالى ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( لأن ذلك المقام مقام القراءة فكان الأمر بها أهم وأما الخلاف بين أئمة النحو في كون المقدر اسما أو فعلا فلا يتعلق بذلك كثير فائدة والباء للاستعانة أو للمصاحبة ورجح الثاني الزمخشري واسم أصله سمو حذفت لامه ولما كان من الأسماء التي بنوا أوائلها على السكون زادوا في أوله الهمزة إذا نطقوا به لئلا يقع الابتداء بالساكن وهو اللفظ الدال على المسمى ومن زعم أن الإسم هو المسمى كما قاله أبو عبيدة وسيبويه والباقلاني وابن فورك وحكاه الرازي عن الحشوية والكرامية والأشهرية فقد غلط غلطا بينا وجاء بما لا يعقل مع عدم ورود ما يوجب المخالفة للعقل لا من الكتاب ولا من السنة ولا من لغة العرب بل العلم الضروري حاصل بأن الإسم الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة غير المسمى الذي هو مدلوله والبحث مبسوط في علم الكلام وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) وقال الله عز وجل ) ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ( وقال تعالى ) قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( والله علم لذات الواجب الوجود لم يطلق على غيره وأصله إله حذفت الهمزة وعوضت عنها أداة التعريف فلزمت وكان قبل الحذف من أسماء الأجناس يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق كالنجم والصعق فهو قبل الحذف من الأعلام الغالبة وبعده من الأعلام المختصة والرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على طريقة المبالغة ورحمن أشد مبالغة من رحيم وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا ولذلك قالوا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا وقد تقرر أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى وقال ابن الأنباري والزجاج إن الرحمن عبراني والرحيم عربي وخالفهما غيرهما والرحمن من الصفات الغالبة لم يستعمل في غير الله عز وجل وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمن اليمامة فقال في الكشاف إنه باب من تعنتهم في كفرهم قال أبو علي الفارسي الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين قال الله تعالى ) وكان بالمؤمنين رحيما ( وقد ورد في فضلها أحاديث منها ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس قال استرق الشيطان من الناس أعظم آية من القرآن بسم الله الرحمن الرحيم وأخرج نحوه أبو عبيد وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضا وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كان جبريل إذا جاءني بالوحي أول ما يلقى علي بسم الله الرحمن الرحيم وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره والحاكم في المستدرك وصححه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس ( أن عثمان بن عفان سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن بسم الله الرحمن الرحيم فقال هو اسم من أسماء الله وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب ) وأخرج ابن جرير وابن عدي في الكامل وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر في تاريخ دمشق والثعلبي بسند ضعيف جدا عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن عيسى ابن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب لتعلمه فقال له المعلم اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال له عيسى وما بسم الله الرحمن الرحيم قال المعلم لا أدري فقال له عيسى الباء بهاء الله والسين سناه والميم مملكته والله إله الآلهة والرحمن رحمن الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة ) وفي إسناده إسماعيل بن يحيى وهو كذاب وقد أورد هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات وأخرج ابن مردويه والثعلبي عن جابر قال لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الريح وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها ورجمت الشياطين من السماء وحلف الله بعزته وجلاله أن لا تسمى على شيء إلا بارك فيه وأخرج


"""""" صفحة رقم 19 """"""
أبو نعيم والديلمي عن عائشة قالت لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويها فقالوا سحر محمد الجبال فبعث الله دخانا حتى أظل على أهل مكة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم موقنا سبحت معه الجبال إلا أنه لا يسمع ذلك منها ) وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحا عنه أربعة آلاف سيئة ورفع له أربعة آلاف درجة ) وأخرج الخطيب في الجامع عن أبي جعفر محمد بن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب ) وهذه الأحاديث ينبغي البحث عن اسانيدها والكلام عليها بما يتبين بعد البحث إن شاء الله وقد شرعت التسمية في مواطن كثيرة قد بينها الشارع منها عند الوضوء وعند الذبيحة وعند الأكل وعند الجماع وغير ذلك
الفاتحة
الفاتحة : ( 2 ) الحمد لله رب . . . . .
) الحمد لله ( الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري وبقيد الاختيار فارق المدح فإنه يكون على الجميل وإن لم يكن الممدوح مختارا كمدح الرجل على جماله وقوته وشجاعته وقال صاحب الكشاف إنهما أخوان والحمد أخص من الشكر موردا وأعم منه متعلقا فمورد الحمد اللسان فقط ومتعلقه النعمة وغيرها ومورد الشكر اللسان والجنان والأركان ومتعلقه النعمة وقيل إن مورد الحمد كمورد الشكر لأن كل ثناء باللسان لا يكون من صميم القلب مع موافقة الجوارح ليس بحمد بل سخرية واستهزاء وأجيب بأن اعتبار موافقة القلب والجوارح في الحمد لا يستلزم أن يكون موردا له بل شرطا وفرق بين الشرط والشطر وتعريفه لاستغراق أفراد الحمد وأنها مختصة بالرب سبحانه على معنى أن حمد غيره لا اعتداد به لأن المنعم هو الله عز وجل أو على أن حمده هو الفرد الكامل فيكون الحصر إدعائيا ورجح صاحب الكشاف أن التعريف هنا هو تعريف الجنس لا الاستغراق والصواب ما ذكرناه وقد جاء في الحديث ( اللهم لك الحمد كله ) وهو مرتفع بالابتداء وخبره الظرف وهو لله وأصله النصب على المصدرية بإضمار فعله كسائر المصادر التي تنصبها العرب فعدل عنه إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام والثبات المستفاد من الجمل الاسمية دون الحدوث والتجديد اللذين تفيدهما الجمل الفعلية واللام الداخلة على الإسم الشريف هي لام الاختصاص قال ابن جرير الحمد ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله ثم رجح اتحاد الحمد والشكر مستدلا على ذلك بما حاصله أن جميع أهل المعرفة بلسان العرب يوقعون كلا من الحمد والشكر مكان الآخر قال ابن كثير وفيه نظر لأنه اشتهر عند كثير من العلماء المتأخرين أن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية والشكر لا يكون إلا على المتعدية ويكون بالجنان واللسان والأركان انتهى ولا يخفى أن المرجع في هذا إلى معنى الحمد في لغة العرب لا إلى ما قاله جماعة من العلماء المتأخرين فإن ذلك لا يرد على ابن جرير ولا تقوم به الحجة هذا إذا لم يثبت للحمد حقيقة


"""""" صفحة رقم 20 """"""
الله جل ذكره شرعية فإن ثبتت وجب تقديمها وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال عمر قد علمنا سبحان الله ولا إله إلا الله فما الحمد لله فقال علي كلمة رضيها لنفسه وروى ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس أنه قال الحمد لله كلمة الشكر وإذا قال العبد الحمد لله قال شكرني عبدي وروى هو وابن جرير عن ابن عباس أيضا أنه قال الحمد لله هو الشكر لله والاستحذاء له والإقرار له بنعمه وهدايته وابتدائه وغير ذلك وروى ابن جرير عن الحكم بن عمير وكانت له صحبة قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا قلت الحمد لله رب العالمين فقد شكرت الله فزادك ) وأخرج عبدالرزاق في المصنف والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخطابي في الغريب والبيهقي في الأدب والديلمي في مسند الفردوس عن عبدالله ابن عمرو بن العاص عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( الحمد رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عبدالرحمن الحبلي قال ( الصلاة شكر والصيام وكل خير تفعله شكر وأفضل الشكر الحمد ) وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن النواس بن سمعان قال ( سرقت ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لئن ردها الله علي لأشكرن ربي فرجعت فلما رآها قال الحمد لله فانتظروا هل يحدث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صوما أو صلاة فظنوا أنه نسي فقالوا يا رسول الله قد كنت قلت لئن ردها الله علي لأشكرن ربي قال الم أقل الحمد لله )
فضل الحمد
وقد ورد في فضل الحمد أحاديث منها ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم وصححه والبخاري في الأدب المفرد عن الأسود بن سريع قال ( قلت يا رسول الله ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى فقال أما إن ربك يحب الحمد ) وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ) وأخرج ابن ماجة والبيهقي بسند حسن عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ ) وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والقرطبي في تفسيره عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكان الحمد أفضل من ذلك ) قال القرطبي معناه لكان إلهامه الحمد أكبر نعمة عليه من نعم الدنيا لأن ثواب الحمد لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما من عبد ينعم عليه بنعمة إلا كان الحمد أفضل منها ) وأخرج عبدالرزاق في المصنف نحوه عن الحسن مرفوعا وأخرج مسلم والنسائي وأحمد عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان ) الحديث وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه عن رجل من بني سليم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( سبحان الله نصف الميزان والحمد لله تملأ الميزان والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض والطهور نصف الإيمان والصوم نصف الصبر ) وأخرج الحكيم الترمذي عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه ) وأخرج البيهقي عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( التأني من الله والعجلة من الشيطان وما شيء أكثر معاذير من الله وما شيء أحب إلى الله من الحمد ) وأخرج ابن شاهين في السنة والديلمي عن أبان بن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( التوحيد


"""""" صفحة رقم 21 """"""
ثمن الجنة والحمد ثمن كل نعمة ويتقاسمون الجنة بأعمالهم ) وأخرج أهل السنن وابن حبان والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كل آمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ) وأخرج ابن ماجة في سننه عن ابن عمر ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حدثهم أن عبدا من عباد الله قال يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك فلم يدر الملكان كيف يكتبانها فصعدا إلى السماء فقال يا ربنا إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها قال الله وهو أعلم بما قال عبده ماذا قال عبدي قالا يا رب إنه قال لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك فقال الله لهما أكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني وأجزيه بها ) وأخرج مسلم عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها )
( رب العالمين ) قال في الصحاح الرب اسم من أسماء الله تعالى ولا يقال في غيره إلا بالإضافة وقد قالوه في الجاهلية للملك وقال في الكشاف الرب المالك ومنه قول صفوان لأبي سفيان لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن ثم ذكر نحو كلام الصحاح قال القرطبي في تفسيره والرب السيد ومنه قوله تعالى ) اذكرني عند ربك ( وفي الحديث ( أن تلد الأمة ربها ) والرب المصلح والمدبر والجابر والقائم قال والرب معبود ومنه قوله الشاعر أرب يبول الثعلبان برأسه
لقد هان من بالت عليه الثعالب
و ) العالمين ( جمع العالم وهو كل موجود سوى الله تعالى قال قتادة وقيل أهل كل زمان عالم قاله الحسين بن الفضل وقال ابن عباس العالمون الجن والإنس وقال الفراء وأبو عبيد العالم عبارة عمن يعقل وهم أربعة أمم الإنس والجن والملائكة والشياطين ولا يقال للبهائم عالم لأن هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل حكى هذه الأقوال القرطبي في تفسيره وذكر أدلتها وقال إن القول الأول أصح هذه الأقوال لأنه شامل لكل مخلوق وموجود دليله قوله تعالى ) قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما ( وهو مأخوذ من العلم والعلامة لأنه يدل على موجده كذا قال الزجاج وقال العالم كل ما خلقه الله في الدنيا والآخرة انتهى وعلى هذا يكون جمعه على هذه الصيغة المختصة بالعقلاء تغليبا للعقلاء على غيرهم وقال في الكشاف ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه وهي الدلالة على معنى العلم وقد أخرج ما تقدم من قول ابن عباس عنه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير وأخرج ابن جبير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) رب العالمين ( قال إله الخلق كله السموات كلهن ومن فيهن والأرضون كلهن ومن فيهن ومن بينهن مما يعلم ومما لا يعلم
الفاتحة : ( 3 ) الرحمن الرحيم
) الرحمن الرحيم ( قد تقدم تفسيرهما قال القرطبي وصف نفسه تعالى بعد رب العالمين بأنه الرحمن الرحيم لأنه لما كان في اتصافه برب العالمين ترهيب قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمن من الترغيب ليجمع في صفاته بين الرهبة منه والرغبة إليه فيكون أعون على طاعته وأمنه كما قال تعالى ) نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ( وقال ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ( وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد ) انتهى وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) الحمد لله رب العالمين ( قال ما وصف من خلقه وفي قوله الرحمن الرحيم قال مدح نفسه


"""""" صفحة رقم 22 """"""
الفاتحة : ( 4 ) مالك يوم الدين
ثم ذكر بقية الفاتحة ) مالك يوم الدين ( قرئ ملك ومالك وملك بسكون اللام وملك بصيغة الفعل وقد اختلف العلماء أيما أبلغ ملك أو مالك فقيل إن ملك أعم وأبلغ من مالك إذ كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك قاله أبو عبيد والمبرد ورجحه الزمخشري وقيل مالك أبلغ لأنه يكون مالكا للناس وغيرهم فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم وقال أبو حاتم إن مالكا أبلغ في مدح الخالق من ملك وملك أبلغ في مدح المخلوقين من مالك لأن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا واختار هذا القاضي أبو بكر بن العربي والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعية فالمالك أقوى من الملك في بعض الأمور والملك أقوى من المالك في بعض الأمور والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته والمالك صفة لفعله ويوم الدين يوم الجزاء من الرب سبحانه لعباده كما قال ) وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ( وهذه الإضافة إلى الظرف على طريق الإتساع كقولهم يا سارق الليلة أهل الدار ويوم الدين وإن كان متأخرا فقد يضاف اسم الفاعل وما في معناه إلى المستقبل كقولك هذا ضارب زيدا غدا وقد أخرج الترمذي عن أم سلمة ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ ملك بغير ألف وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضا ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرءون مالك باللف ) وأخرج نحوه سعيد ابن منصور عن ابن عمر مرفوعا وأخرج نحوه أيضا وكيع في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن الزهري يرفعه مرسلا وأخرجه أيضا عبدالرزاق في تفسيره وعبد بن حميد وأبو داود عن ابن المسيب مرفوعا مرسلا وقد روى هذا من طرق كثيرة فهو أرجح من الأول وأخرج الحاكم وصححه عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ مالك يوم الدين ) وكذا رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود مرفوعا وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود وناس من الصحابة أنهم فسروا يوم الدين بيوم الحساب وكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال يوم الدين يوم يدين الله العباد بأعمالهم
الفاتحة : ( 5 ) إياك نعبد وإياك . . . . .
) إياك نعبد وإياك نستعين ( قراءة السبعة وغيرهم بتشديد الياء وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر وقرأ الفضل والرقاشي بفتح الهمزة وقرأ أبو السوار الغنوي ( هياك ) في الموضعين وهي لغة مشهورة والضمير المنفصل هو ( إيا ) وما يلحقه من الكاف والهاء والياء هي حروف لبيان الخطاب والغيبة والتكلم ولا محل لها من الإعراب كما ذهب إليه الجمهور وتقديمه على الفعل لقصد الإختصاص وقيل للإهتمام والصواب أنه لهما ولا تزاحم بين المقتضيات والمعنى نخصك بالعبادة ونخصك بالإستعانة لا نعبد غيرك ولا نستعينه والعبادة أقصى غايات الخضوع والتذلل قال ابن كثير وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف وعدل عن الغيبة إلى الخطاب لقصد الالتفات لأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى آخر كان أحسن تطرية لنشاط السامع وأكثر إيقاظا له كما تقرر في علم المعاني والمجيء بالنون في الفعلين لقصد الإخبار من الداعي عن نفسه وعن جنسه من العباد وقيل إن المقام لما كان عظيما لم يستقل به الواحد استقصارا لنفسه واستصغارا لها فالمجيء بالنون لقصد


"""""" صفحة رقم 23 """"""
التواضع لا لتعظيم النفس وقدمت العبادة على الاستعانة لكون الأولى وسيلة إلى الثانية وتقديم الوسائل سبب لتحصيل المطالب وإطلاق الاستعانة لقصد التعميم وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله إياك نعبد يعني إياك نوحد ونخاف يا ربنا لا غيرك وإياك نستعين على طاعتك وعلى أمورنا كلها وحكى ابن كثير عن قتادة أنه قال في إياك نعبد وإياك نستعين يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على أمركم وفي صحيح مسلم من حديث المعلى بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي فإذا قال مالك يوم الدين قال مجدني عبدي فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) وأخرج أبو القاسم البغوي والباوردي معا في معرفة الصحابة والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الدلائل عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال ( كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزاة فلقي العدو فسمعته يقول يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإيام نستعين قال فلقد رأيت الرجال تصرع فتضربها الملائكة من بين يديها ومن خلفها )
الفاتحة : ( 6 ) اهدنا الصراط المستقيم
) اهدنا الصراط المستقيم ( قرأه الجمهور بالصاد وقرأ السراط بالسين والزراط بالزاي والهداية قد يتعذر فعلها بنفسه كما هنا وكقوله ) وهديناه النجدين ( وقد يتعدى بإلى كقوله ) اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ( ) فاهدوهم إلى صراط الجحيم ( ) وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( وقد يتعدى باللام كقوله ) الحمد لله الذي هدانا لهذا ( ) إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( قال الزمخشري أصله أن يتعدى باللام أو بإلى انتهى وهي الإرشاد أو التوفيق أو الإلهام أو الدلالة وفرق كثير من المتأخرين بين معنى المتعدي بنفسه وغير المتعدي فقالوا معنى الأول الدلالة والثاني الإيصال وطلب الهداية من المهتدي معناه طلب الزيادة كقوله تعالى ) والذين اهتدوا زادهم هدى ( ) والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ( والصراط الطريق قال ابن جرير أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه وهو كذلك في لغة جميع العرب قال ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله فتصف المستقيم باستقامته والمعوج باعوجاجه وقد أخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ اهدنا الصراط المستقيم الصاد ) وأخرج سعيد ابن منصور وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه عن ابن عباس ( أنه قرأ الصراط بالسين ) وأخرج ابن الأنباري عن ابن كثير أنه كان يقرأ السراط بالسين وأخرج أيضا عن حمزة أنه كان يقرأ الزراط بالزاي قال الفراء هي لغة لعذرة وكلب وبني القين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال ( اهدنا الصراط المستقيم يقول ألهمنا دينك الحق ) وأخرج ابن جرير عنه وابن المنذر نحوه وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن جابر بن عبدالله أنه قال ( هو دين الإسلام وهو أوسع مما بين السماء والأرض ) وأخرج نحوه ابن جرير عن ابن عباس وأخرج نحوه أيضا عن ابن مسعود وناس من الصحابة وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن النواس بن سمعان عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ) وعلى جنبتي


"""""" صفحة رقم 24 """"""
الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخوا الصراط جميعا ولا تفرقوا وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه ) فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم قال ابن كثير بعد إخراجه وهو إسناد حسن صحيح وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو بكر الأنباري والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود أنه قال ( هو كتاب الله ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن عساكر عن أبي العالية قال هو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وصاحباه من بعده وأخرج الحاكم وصححه عن أبي العالية عن ابن عباس مثله وروى القرطبي عن الفضيل بن عياض أنه قال الصراط المستقيم طريق الحج قال وهذا خاص والعموم أولى انتهى وجميع ما روى في تفسير هذه الآية ما عدا هذا المروي عن الفضيل يصدق بعضه على بعض فإن من اتبع الإسلام أو القرآن أو النبي فقد اتبع الحق وقد ذكر ابن جرير نحو هذا فقال والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي معنيا به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل وذلك هو الصراط المستقيم لأن من وفق إليه ممن أنعم الله عليه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل والتمسك بالكتاب والعمل بما أمره الله به والإنزجار عما زجره عنه واتباع منهاج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومنهاج الخلفاء الأربعة وكل عبد صالح وكل ذلك من الصراط المستقيم انتهى
الفاتحة : ( 7 ) صراط الذين أنعمت . . . . .
) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( انتصب صراط على أنه بدل من الأول وفائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير ويجوز أن يكون عطف بيان وفائدته الإيضاح والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال ) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ( ) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما ( وأطلق الإنعام ليشمل كل إنعام وغير المغضوب عليهم بدل من الذين أنعمت عليهم على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال أو صفة له على معنى أنهم جمعوا بين النعمتين نعمة الإيمان والسلامة من ذلك وصح جعله صفة للمعرفة مع كون غير لا تتعرف بالإضافة إلى المعارف لما فيها من الإبهام لأنها هنا غير مبهمة لاشتهار المغايرة بين الجنسين والغضب في اللغة قال القرطبي الشدة ورجل غضوب أي شديد الخلق والغضوب الحية الخبيثة لشدتها قال ومعنى الغضب في صفة الله إرادة العقوبة فهو صفة ذاته أو نفس العقوبة ومنه الحديث ( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب ) فهو صفة فعله قال في الكشاف هو إرادة الانتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده والفرق بين عليهم الأولى وعليهم الثانية أن الأولى في محل نصب على المفعولية والثانية في محل رفع على النيابة عن الفاعل ولا في قوله ولا الضالين تأكيد للنفي المفهوم من غير والضلال في لسان العرب قال القرطبي هو الذهاب عن سنن القصد وطريق الحق ومنه ضل اللبن في الماء أي غاب ومنه ) أئذا ضللنا في الأرض ( أي غبنا بالموت وصرنا ترابا وأخرج وكيع وأبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ ) صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد أن عبدالله بن الزبير قرأ كذلك وأخرج


"""""" صفحة رقم 25 """"""
الأنباري عن الحسن أنه كان يقرأ ( عليهمي ) بكسر الهاء والميم وإثبات الياء وأخرج ابن الأنباري عن الأعرج أنه كان يقرأ ( عليهمو ) بضم الهاء والميم وإلحاق الواو وأخرج أيضا عن ابن كثير أنه كان يقرأ ( عليهمو ) بكسر الهاء وضم الميم مع إلحاق الواو وأخرج أيضا عن أبي إسحاق أنه قرأ ( عليهم ) بضم الهاء والميم من غير إلحاق واو وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة والأسود أنهما كانا يقرآن كقراءة عمر السابقة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) صراط الذين أنعمت عليهم ( يقول طريق من أنعمت عليهم من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أطاعوك وعبدوك وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنهم المؤمنون وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله ) صراط الذين أنعمت عليهم ( قال النبيون ) غير المغضوب عليهم ( قال اليهود ) ولا الضالين ( قال النصارى وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير مثله وأخرج عبدالرزاق وأحمد في مسنده وعبد بن حميد وابن جرير والبغوي وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبدالله ابن شقيق قال ( أخبرني من سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بوادي القرى على فرس له وسأله رجل من بني القين فقال من المغضوب عليهم يا رسول الله قال اليهود قال فمن الضالون قال النصارى ) وأخرجه ابن مردويه عن عبدالله بن شقيق عن أبي ذر قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير عن عبدالله بن شقيق قال ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحاصر أهل وادي القرى فقال له رجل ) إلى آخره ولم يذكر فيه أخبرني من سمع النبي كالأول وأخرجه البيهقي في الشعب عن عبدالله بن شقيق عن رجل من بني القين عن ابن عم له أنه قال ( أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فذكره وأخرجه سفيان بن عيينة في تفسيره وسعيد بن منصور عن إسماعيل بن أبي خالد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( المغضوب عليهم اليهود والضالون النصارى ) وأخرجه أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن المغضوب عليهم هم اليهود وإن الضالين النصارى ) وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني عن الشريد قال ( مر بي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي فقال أتقعد قعدة المغضوب عليهم ) قال ابن كثير بعد ذكره لحديث عدي بن حاتم وقد روى حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها انتهى والمصير إلى هذا التفسير النبوي متعين وهو الذي أطبق عليه أئمة التفسير من السلف قال ابن أبي حاتم لا أعلم خلافا بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى ويشهد لهذا التفسير النبوي آيات من القرآن قال الله تعالى في خطابه لبني إسرائيل في سورة البقرة ) بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ( وقال في المائدة ) قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ( وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه لما خرج هو وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قال اليهود إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله فقال أنا من غضب الله أفر وقالت له النصارى إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله فقال لا أستطيعه فاستمر على فطرته وجانب عبادة الأوثان
فائدة في مشروعية التأمين بعد قراءة الفاتحة اعلم أن السنة الصحيحة الصريحة الثابتة تواترا قد دلت على


"""""" صفحة رقم 26 """"""
ذلك فمن ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي عن وائل بن حجر قال ( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين مد بها صوته ) ولأبي داود ( رفع بها صوته ) وقد حسنه الترمذي وأخرجه أيضا النسائي وابن أبي شيبة وابن ماجة والحاكم وصححه وفي لفظ من حديثه أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ( قال رب اغفر لي آمين ) أخرجه الطبراني والبيهقي وفي لفظ أنه قال ( آمين ثلاث مرات ) أخرجه الطبراني وأخرج وكيع وابن أبي شيبة عن أبي ميسرة قال ( لما أقرأ جبريل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاتحة الكتاب فبلغ ولا الضالين قال قل آمين فقال آمين ) وأخرج ابن ماجة عن علي قال ( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قال ولا الضالين قال آمين ) وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي موسى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا قرأ ) يعني الإمام ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين يحبكم الله ) وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وأحمد وابن أبي شيبة وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي بسند قال السيوطي صحيح عن عائشة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين ) وأخرج ابن عدي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن اليهود قوم حسد حسدوكم على ثلاثة إفشاء السلام وإقامة الصف وآمين ) وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث معاذ مثله وأخرج ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس قال ( ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على آمين فأكثروا من قول آمين ) ووجه ضعفه أن في إسناده طلحة بن عمرو وهو ضعيف وأخرج الديلمي عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قال آمين لم يبق ملك في السماء مقرب إلا استغفر له ) وأخرج أبو داود عن بلال أنه قال ( يا رسول الله لا تسبقني بآمين ) ومعنى آمين استجب قال القرطبي في تفسيره معنى آمين عند أكثر أهل العلم اللهم استجب لنا وضع موضع الدعاء وقال في الصحاح معنى آمين كذلك فليكن وأخرج جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال ( قلت يا رسول الله ما معنى آمين قال رب افعل ) وأخرج الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله وأخرج وكيع وابن أبي شيبة في المصنف عن هلال بن يساف ومجاهد قالا آمين اسم من أسماء الله وأخرج ابن أبي شيبة عن حكيم بن جبير مثله وقال الترمذي معناه لا تخيب رجاءنا وفيه لغتان المد على وزن فاعيل كياسين والقصر على وزن يمين قال الشاعر في المد يا رب لا تسلبني حبها أبدا
ويرحم الله عبدا قال آمينا
وقال آخر آمين آمين لا أرضى بواحدة
حتى أبلغها ألفين آمينا
قال الجوهري وتشديد الميم خطأ وروى عن الحسن وجعفر الصادق والحسين بن فضل التشديد من أم إذا قصد أي نحن قاصدون نحوك حكى ذلك القرطبي قال الجوهري وهو مبني على الفتح مثل أين وكيف لاجتماع الساكنين وتقول منه أمن فلان تأمينا وقد اختلف أهل العلم في الجهر بها وفي أن الإمام يقولها أم لا وذلك مبين في مواطنه


"""""" صفحة رقم 27 """"""
S2
سورة البقرة
حول السورة
قال القرطبي في تفسير
سورة البقرة مدنية نزلت في مدد شتى وقيل هي أول سورة نزلت بالمدينة إلا قوله تعالى ) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( فإنها آخر آية نزلت من السماء ونزلت يوم النحر في حجة الوداع بمنى وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن انتهى وأخرج أبو الضريس في فضائله وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ وابن مردويه والبيهقي في دلائل النبوة من طرق عن ابن عباس قال نزلت بالمدينة سورة البقرة وأخرج ابن مردويه عن عبدالله بن الزبير مثله وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن عكرمة قال أول سورة أنزلت بالمدينة سورة البقرة
فضلها
وقد ورد في فضلها أحاديث منها ما أخرجه مسلم والترمذي وأحمد والبخاري في تاريخه ومحمد بن نصر عن النواس بن سمعان قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( يؤتى بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمهم سورة البقرة وآل عمران ) قال وضرب لهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال ( كأنهما غمامتان أو كأنهما غيابتان أو كأنهما ظلتان سوداوان أو كأنهما فرقان م من طير صواف تحاجان عن صاحبهما ) وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي ومحمد بن نصر والحاكم وصححه عن بريدة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة ثم سكت ساعة ثم قال تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان تظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف ) قال ابن كثير وإسناده حسن على شرط مسلم وأخرج نحوه أبو عبيد وأحمد وحميد بن زنجويه ومسلم وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي من حديث أبي أمامة مرفوعا وأخرج نحوه أيضا الطبراني وبو ذر الهروي بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا وأخرج نحوه أيضا البزار في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعا وأخرج مسلم والترمذي وأحمد عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ) وأخرج أبو عبيد عن أنس نحوه مرفوعا وأخرج ابن عدي في الكامل وابن عساكر في تاريخه عن أبي الدرداء مرفوعا نحوه وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن عبدالله بن مغفل مرفوعا نحوه وأخرج النسائي والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود مرفوعا نحوه وسنده ضعيف وأخرجه الدارمي والبيهقي والحاكم وصححه من حديثه بنحوه وأخرج أبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي عن سهل بن سعد الساعدي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن لكل شيء سناما وسنام القرآن سورة القرآن من قرأها في بيته نهارا لم يدخله الشيطان ثلاثة أيام ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخله الشيطان ثلاث ليال ) وأخرج أحمد ومحمد بن نصر والطبراني بسند صحيح عن معقل بن يسار أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا واستخرجت ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( من تحت العرش فوصلت بها وأخرج البغوي في معجم الصحابة وابن عساكر في تاريخه عن ربيعة الجرسي قال ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي القرآن أفضل قال السورة التي يذكر فيها البقرة قيل فأي البقرة أفضل قال آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة نزلت من تحت العرش ) وأخرج أبو عبيد وأحمد والبخاري في صحيحه تعليقا ومسلم والنسائي عن أسيد بن حضير قال ( بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت الفرس


"""""" صفحة رقم 28 """"""
فسكت فسكنت فانصرف إلى ابنه يحيى وكان قريبا منها فأشفق أن تصيبه فلما أخذه رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتدري ما ذاك قال لا يا رسول الله قال تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت تنظر إليها الناس لا تتوارى منهم ) ولهذا الحديث ألفاظ وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال ( بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعثا فاستقرأ كل رجل منهم ) يعني ما معه من القرآن ( فأتى على رجل من أحدثهم سنا فقال ما معك يا فلان قال معي كذا وكذا وسورة البقرة قال أمعك سورة البقرة قال نعم قال اذهب فأنت أميرهم ) وأخرج البيهقي في الدلائل عن عثمان بن أبي العاص قال استعملني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا أصغر القوم الذين وفدوا عليه من ثقيف وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن الصلصال بن الديهمس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا ) قال ( ومن قرأ سورة البقرة في ليلة توج بتاج في الجنة ) وأخرج أبو عبيد عن عباد بن عباد عن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد أن أشياخ أهل المدينة حدثوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قيل له ألم تر إلى ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح قال فلعله قرأ سورة البقرة قال فسئل ثابت فقال قرأت سورة البقرة قال ابن كثير وهذا إسناد جيد إلا أن فيه إبهاما ثم هو مرسل
وقد روى أئمة الحديث في فضائلها أحاديث كثيرة وآثارا عن الصحابة واسعة ومن فضائلها ما هو خاص بآية الكرسي وما هو خاص بخواتم هذه السورة وقد سبق بعض ذلك وما هو في فضلها وفضل آل عمران وقد سبق أيضا بعض من ذلك وما هو في فضل السبع الطوال كما أخرج أبو عبيد عن واثلة بن الأسقع عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أعطيت السبع مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل ) وفي إسناده سعيد بن بشير وفيه لين وقد رواه بسند آخر عن سعيد بن أبي هلال وأخرج أيضا عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أخذ السبع فهو خير ) وقد رواه عنها أحمد في المسند باللفظ أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أخذ السبع الأول من القرآن فهو خير ) وأخرج أبو عبيد عن سعيد بن جبير في قوله تعالى ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( قال هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس وبذلك قال مجاهد ومكحول وعطية بن قيس وأبو محمد القاري شداد بن عبدالله ويحيى بن الحارث الذماري
وقد ورد ما يدل على كراهة أن يقول القائل سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله فأخرج ابن الضريس والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة والسورة التي يذكر فيها آل عمران وكذا القرآن كله ) قال ابن كثير هذا حديث غريب لا يصح رفعه وفي إسناده يحيى بن ميمون الخواص وهو ضعيف الرواية لا يحتج به وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن ابن عمر قال ( لا تقولوا سورة البقرة ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة ) وقد روى عن جماعة من الصحابة خلاف هذا فثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة وأخرج


"""""" صفحة رقم 29 """"""
ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأهل السنن والحاكم وصححه عن حذيفة قال ( صليت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة من رمضان فافتتح البقرة فقلت يصلي بها في ركعة ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلا ) الحديث وأخرج أحمد وابن الضريس والبيهقي عن عائشة قالت ( كنت أقوم مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الليل فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء ) وأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي والبيهقي عن عوف بن مالك الأشجعي قال ( قمت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف ) الحديث
بسم الله الرحمن الرحيم
البقرة 1
البقرة : ( 1 ) الم
) الم ( قال القرطبي في تفسيره اختلف أهل التأويل في الحروف التي في أوائل السور فقال الشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين هي سر الله في القرآن ولله في كل كتاب من كتبه سر فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه ولا نحب أن نتكلم فيها ولكن نؤمن بها وتمد كما جاءت وروى هذا القول عن أبي بكر الصديق وعلي ابن أبي طالب قال وذكر أبو الليث السمرقندي عن عمر وعثمان وابن مسعود أنهم قالوا الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر وقال أبو حاتم لم نجد الحروف في القرآن إلا في أوائل السور ولا ندري ما أراد الله عز وجل قال وقال جمع من العلماء كثير بل نحب أن نتكم فيها ونلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها واختلفوا في ذلك على أقوال عديدة فروى عن ابن عباس وعلي أيضا أن الحروف المقطعة في القرآن اسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها وقال قطرب والفراء وغيرهما هي إشارة إلى حروف الهجاء أعلم الله بها العرب حين تحداهم بالقرآن أنه مؤتلف من حروف هي التي بناء كلامهم عليها ليكون عجزهم عنه أبلغ في الحجة عليهم إذ لم يخرج عن كلامهم قال قطرب كان ينفرون عند استماع القرآن فلا نزل الم والمص استنكروا هذا اللفظ فلما أنصتوا له ( صلى الله عليه وسلم ) أقبل عليهم بالقرآن المؤتلف ليثبته في أسماعهم وآذانهم ويقيم الحجة عليهم وقال قوم روى أن المشركين لما أعرضوا عن القرآن بمكة ) وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ( فأنزلها استغربوها فيفتحون أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة وقال جماعة هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها كقول ابن عباس وغيره الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد وذهب إلى هذا الزجاج فقال أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة كقوله فقلت لها قفي فقالت قاف أي وقفت وفي الحديث ( من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة ) قال شقيق هو أن يقول في اقتل اق كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( كفى بالسيف شا ) أي شافيا وفي نسخة شاهدا وقال زيد بن أسلم هي أسماء للسور وقال الكلبي هي أقسام أقسم الله بها لشرفها وفضلها وهي من أسمائه ومن أدق ما أبرزه المتكلمون في معاني الحروف ما ذكره الزمخشري في الكشاف فإنه قال واعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء وهي الألف واللام والميم والصاد والراد والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها الصاد والكاف والهاء والسين والحاء ومن المجهورة نصفها الألف واللام والميم والراء والعين والطاء والقاف والياء والنون ومن الشديدة نصفها الألف والكاف والطاء


"""""" صفحة رقم 30 """"""
والقاف ومن الرخوة نصفها اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون ومن المطبقة نصفها الصاد والطاء ومن المنفتحة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والعين والسين والحاء والقاف والياء والنون ومن المستعلية نصفها القاف والصاد والطاء ومن المنخفضة نصفها الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والتاء والعين والسين والحاء والنون ومن حروف القلقلة نصفها القاف والطاء ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكنوزة بالمذكورة منها فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته فكأن الله عز اسمه عدد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم وإلزام الحجة إياهم وما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعا في تراكيب الكلم أن الألف واللام لما تكاثر وقوعها فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين وهي فواتح سورة البقرة وآل عمران والروم والعنكبوت ولقمان والسجدة والأعراف والرعد ويونس وإبراهيم وهود ويوسف والحجر انتهى وأقول هذا التدقيق لا يأتي بفائدة يعتد بها وبيانه أنه إذا كان المراد منه إلزام الحجة والتبكيت كما قال فهذا متيسر بأن يقال لهم هذا القرآن هو من الحروف التي تتكلمون بها ليس هو من حروف مغايرة لها فيكون هذا تبكيتا وإلزاما يفهمه كل سامع منهم من دون إلغاز وتعمية وتفريق لهذه الحروف في فواتح تسع وعشرين سورة فإن هذا مع ما فيه من التطويل الذي لا يستوفيه سامعه إلا بسماع جميع هذه الفواتح هو أيضا مما لا يفهمه أحد من السامعين ولا يتعقل شيئا منه فضلا عن أن يكون تبكيتا له وإلزاما للحجة أيا كان فإن ذلك هو أمر وراء الفهم مترتب عليه ولم يفهم السامع هذا ولا ذكر أهل العلم عن فرد من أفراد الجاهلية الذين وقع التحدي لهم بالقرآن أنه بلغ فهمه إلى بعض هذا فضلا عن كله ثم كون هذه الحروف مشتملة على النصف من جميع الحروف التي تركبت لغة العرب منها وذلك النصف مشتمل على أنصاف تلك الأنواع من الحروف المتصفة بتلك الأوصاف هو أمر لا يتعلق به فائدة لجاهلي ولا إسلامي ولا مقر ولا منكر ولا مسلم ولا معارض ولا يصح أن يكون مقصدا من مقاصد الرب سبحانه الذي أنزل كتابه للإرشاد إلى شرائعه والهداية به وهب أن هذه صناعة عجيبة ونكتة غريبة فليس ذلك مما يتصف بفصاحة ولا بلاغة حتى يكون مفيدا أنه كلام بليغ أو فصيح وذلك لأن هذه الحروف الواقعة في الفواتح ليست من جنس كلام العرب حتى يتصف بهذين الوصفين وغاية ما هناك أنها من جنس حروف كلامهم ولا مدخل لذلك فيما ذكر وأيضا لو فرض أنها كلمات متركبة بتقدير شيء قبلها أو بعدها لم يصح وصفها بذلك لأنها تعمية غير مفهومة للسامع إلا بأن يأتي من يريد بيانها بمثل ما يأتي به من أراد بيان الألغاز والتعمية وليس ذلك من الفصاحة والبلاغة في ورد ولا صدر بل من عكسهما وضد رسمهما وإذا عرفت هذا فاعلم أن من تكلم في بيان معاني هذه الحروف جازما بأن ذلك هو ما أراده الله عز وجل فقد غلط أقبح الغلط وركب في فهمه ودعواه أعظم الشطط فإنه إن كان تفسيره لها بما فسرها به راجعا إلى لغة العرب وعلومها فهو كذب بحت فإن العرب لم يتكلموا بشيء من ذلك وإذا سمعه السامع منهم كان معدودا عنده من الرطانة ولا ينافي ذلك أنهم قد يقتصرون على أحرف أو حروف من الكلمة التي يريدون النطق بها فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن تقدمه ما يدل عليه ويفيد معناه بحيث لا يلتبس على سامعه كمثل ما تقدم ذكره ومن هذا القبيل ما يقع منهم من الترخيم وأين هذه الفواتح الواقعة في أوائل السور من هذا وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادعوه من لغة العرب وعلومها لم يبق حينئذ إلا أحد امرين
الأول التفسير بمحض الرأي الذي ورد


"""""" صفحة رقم 31 """"""
النهي عنه والوعيد عليه وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه والتنكب عن طريقه وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبة لهم يتلاعبون به ويضعون حماقات أنظارهم وخزعبلات أفكارهم عليه
الثاني التفسير بتوقيف عن صاحب الشرع وهذا هو المهيع الواضح والسبيل القويم بل الجادة التي ما سواها مردوم والطريقة العامرة التي ما عداها معدوم فمن وجد شيئا من هذا فغير ملوم أن يقول بملء فيه ويتكلم بما وصل إليه علمه ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل لا أدري أو الله أعلم بمراده فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه ومحاولة الوقوف على علمه مع كونه ألفاظا عربية وتراكيب مفهومة وقد جعل الله تتبع ذلك صنيع الذين في قلوبهم زيغ فكيف بما نحن بصدده فإنه ينبغي أن يقال فيه إنه متشابه المتشابه على فرض أن للفهم إليه سبيلا ولكلام العرب فيه مدخلا فكيف وهو خارج عن ذلك على كل التقدير وانظر كيف فهم اليهود عند سماع الم فإنهم لما لم يجدوها على نمط لغة العرب فهموا أن الحروف المذكورة رمز إلى ما يصطلحون عليه من العدد الذي يجعلونه لها كما أخرج ابن إسحاق والبخاري في تاريخه وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس عن جابر بن عبدالله قال ( مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يتلو فاتحة سورة البقرة ) الم ذلك الكتاب لا ريب ( فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه ) الم ذلك الكتاب ( فقال أنت سمعته فقال نعم فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا محمد ألم تذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك ) الم ذلك الكتاب ( قال بلى قالوا أجاءك بهذا جبريل من عند الله قال نعم قالوا لقد بعث الله قبلك الأنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك فقال حيي بن أخطب وأقبل على من كان معه الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه واجل أمته إحدى وسبعون سنة ثم أقبل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد هل مع هذا غيره قال نعم قال وما ذاك قال ) المص ( قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه إحدى وستون ومائة سنة هل مع هذا يا محمد غيره قال نعم قال وما ذاك قال ) الر ( قال هذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان هذه إحدى وثلاثون سنة ومائتان فهل مع هذا غيره قال نعم ) المر ( قال فهذه أثقل وأطول الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون سنة ومائتان ثم قال لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري قليلا أعطيت أم كثيرا ثم قاموا فقال أبو ياسر لأخيه حيي ومن معه من الأحبار ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله إحدى وسبعون وإحدى وستون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة فقالوا لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم ) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ( فانظر ما بلغت إليه أفهامهم من هذا الأمر المختص بهم من عدد الحروف مع كونه ليس من لغة العرب في شيء وتأمل أي موضع أحق بالبيان من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من هذا الموضع فإن هؤلاء الملاعين قد جعلوا ما فهموه عند سماع ) الم ذلك الكتاب ( من ذلك العدد موجبا للتثبيط عن الإجابة له والدخول في شريعته فلو كان لذلك معنى يعقل ومدلول يفهم لدفع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما ظنوه بادئ بدء حتى لا يتأثر عنه ما جاءوا به من التشكيك على من معهم
فإن قلت هل ثبت عن رسول الله في هذه الفواتح شيء يصلح للتمسك به قلت لا أعلم أن رسول الله


"""""" صفحة رقم 32 """"""
( صلى الله عليه وسلم ) تكلم في شيء من معانيها بل غاية ما ثبت عنه هو مجرد عدد حروفها فأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وصححة والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) وله طرق عن ابن مسعود وأخرج ابن أبي شيبة والبزار بسند ضعيف عن عوف بن مالك الأشجعي نحوه مرفوعا فإن قلت هل روى عن الصحابة شيء من ذلك بإسناد متصل بقائله أم ليس إلا ما تقدم من حكاية القرطبي عن ابن عباس وعلي قلت قد روى ابن جرير والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن ابن مسعود أنه قال الم حرف اشتقت من حروف اسم الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله آلم وحم ون قال اسم مقطع وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء عن ابن عباس أيضا في وقوله الم والمص والر والمر وكهيعص وطه وطسم وطس ويس وص وحم وق ون قال هو قسم أقسمه الله وهو من أسماء الله وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله الم قال هي اسم الله الأعظم وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله الم قال ألف مفتاح اسمه الله ولام مفتاح اسمه لطيف وميم مفتاح اسمه مجيد وقد روى نحو هذه التفاسير عن جماعة من التابعين فيهم عكرمة والشعبي والسدي وقتادة ومجاهد والحسن فإن قلت هل يجوز الاقتداء بأحد من الصحابة قال في تفسير شيء من هذه الفواتح قولا صح إسناده إليه قلت لا لما قدمنا إلا أن يعلم أنه قال ذلك عن علم أخذه عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن قلت هذا مما لا مجال للإجتهاد فيه ولا مدخل للغة العرب فلم لا يكون له حكم الرفع قلت تنزيل هذا منزلة المرفوع وإن قال به طائفة من أهل الأصول وغيرهم فليس مما ينشرح له صدور المنصفين ولا سيما إذا كان في مثل هذا المقام وهو التفسير لكلام الله سبحانه فإنه دخول في أعظم الخطر بما لا برهان عليه صحيح إلا مجرد قولهم إنه يبعد من الصحابي كل البعد أن يقول بمحض رأيه فيما لا مجال فيه للإجتهاد وليس مجرد هذا الاستبعاد مسوغا للوقوع في خطر الوعيد الشديد على أنه يمكن أن يذهب بعض الصحابة إلى تفسير بعض المتشابه كما تجده كثيرا في تفاسيرهم المنقولة عنهم ويجعل هذه الفواتح من جملة المتشابه ثم ها هنا مانع آخر وهو أن المروي عن الصحابة في هذا مختلف متناقض فإن عملنا بما قاله أحدهم دون الآخر كان تحكما لا وجه له وإن عملنا بالجميع كان عملا بما هو مختلف متناقض ولا يجوز ثم ها هنا مانع غير هذا المانع وهو أنه لو كان شيء لما قالوه مأخوذا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لاتفقوا عليه ولم يختلفوا كسائر ما هو مأخوذ عنه فلما اختلفوا في هذا علمنا أنه لم يكن مأخوذا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم لو كان عندهم شيء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في هذا لما تركوا حكياته عنه ورفعه إليه لا سيما عند اختلافهم واضطراب اقوالهم في مثل هذا الكلام الذي لا مجال للغة العرب فيه ولا مدخل لها والذي أراه لنفسي ولكل من أحب السلامة واقتدى بسلف الأمة أن لا يتكلم بشيء من ذلك مع الاعتراف بأن في إنزالها حكمة لله عز وجل لا تبلغها عقولنا ولا تهتدي إليها أفهامنا وإذا انتهيت إلى السلامة في مداك فلا تجاوزه وسيأتي لنا عند تفسير قوله تعالى ) منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ( كلام طويل الذيول وتحقيق تقبله صحيحات الأفهام وسليمات العقول


"""""" صفحة رقم 33 """"""
البقرة 2
البقرة : ( 2 ) ذلك الكتاب لا . . . . .
الإشارة بقوله ذلك إلى الكتاب المذكور بعده قال ابن جرير قال ابن عباس ) ذلك الكتاب ( هذا الكتاب وبه قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدى ومقاتل وزيد بن أسلم وابن جريج وحكاه البخاري عن أبي عبيدة والعرب قد تستعمل الإشارة إلى البعيد الغائب مكان الإشارة إلى القريب الحاضر كما قال خفاف أقول له والرمح يأطر متنه
تأمل خفافا أنني أنا ذلكا
أي أنا هذا ومنه قوله تعالى ) ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ( ) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم ( ) تلك آيات الله نتلوها عليك ( ) ذلكم حكم الله يحكم بينكم ( وقيل إن الإشارة إلى غائب واختلف في ذلك الغائب فقيل هو الكتاب الذي كتب على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق ) لا ريب فيه ( أي لا مبدل له وقيل ذلك الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل أن رحمته سبقت غضبه كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي ) وفي رواية ( سبقت ) وقيل الإشارة إلى ما قد نزل بمكة وقيل إلى ما في التوراة والإنجيل وقيل إشارة إلى قوله قبله الم ورجحه الزمخشري وقد وقع الاختلاف في ذلك إلى تمام عشرة أقوال حسبما حكاه القرطبي وارجحها ما صدرناه واسم الإشارة مبتدأ والكتاب صفته والخبر لا ريب فيه ومن جوز الابتداء بالم جعل ذلك مبتدأ ثانيا وخبره الكتاب أو هو صفته والخبر لا ريب فيه والجملة خبر المبتدأ ويجوز أن يكون المبتدأ مقدرا وخبره الم وما بعده والريب مصدر وهو قلق النفس واضطرابها وقيل إن الريب الشك قال ابن أبي حاتم لا أعلم في هذا خلافا وقد يستعمل الريب في التهمة والحاجة حكى ذلك القرطبي ومعنى هذا النفي العام أن الكتاب ليس بمظنة للريب لوضوح دلالته وضوحا يقوم مقام البرهان المقتضي لكونه لا ينبغي الارتياب فيه بوجه من الوجوه والوقف على فيه هو المشهور وقد روى عن نافع وعاصم الوقف على لا ريب قال في الكشاف ولا بد للواقف من أن ينوي خبرا ونظيره قوله تعالى ) قالوا لا ضير ( وقول العرب لا بأس وهي كثيرة في لسان أهل الحجاز والتقدير لا ريب فيه فيه هدى والهدى مصدر قال الزمخشري وهو الدلالة الموصلة إلى البغية بدليل وقوع الضلال في مقابلته انتهى ومحله الرفع على الابتداء وخبره الظرف المذكور قبله على ما سبق قال القرطبي الهدى هديان هدى دلالة وهو الذي يقدر عليه الرسل وأتباعهم قال الله تعالى ) ولكل قوم هاد ( وقال ) وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه وتفرد سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق فقال لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) إنك لا تهدي من أحببت ( فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ومنه قوله تعالى ) أولئك على هدى من ربهم ( وقوله ) ولكن الله يهدي من يشاء ( انتهى والمتقين من ثبتت لهم التقوى قال ابن فارس واصلها في اللغة قلة الكلام وقال في الكشاف المتقي في اللغة اسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى والوقاية الصيانة ومنه فرس واق وهذه الدابة تقي من وجارها إذا أصابها ضلع من غلظ الأرض ورقة الحافر فهو يقي حافره أن يصيبه أدنى شيء يؤلمه وهو في الشريعة الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة من فعل أو ترك انتهى وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن الكتاب القرآن لا ريب فيه لا شك فيه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( لا ريب فيه ) قال لا شك فيه وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الدرداء قال الريب الشك وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله وكذا ابن جرير عن مجاهد وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) هدى للمتقين ( قال نور للمتقين وهم المؤمنون وأخرج ابن إسحاق وابن جرير


"""""" صفحة رقم 34 """"""
وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) هدى للمتقين ( أي الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى ويرجون رحمته في التصديق مما جاء منه وأخرج ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل أنه قيل له من المتقون فقال قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة أن رجلا قال له ما التقوى قال هل وجدت طريقا ذا شوك قال نعم قال فكيف صنعت قال إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه قال ذاك التقوى وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة حين يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام وقد روي نحو ما قاله أبو الدرداء عن جماعة من التابعين وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنة وابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن عطية السعدي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس ) فالمصير إلى ما افاده هذا الحديث واجب ويكون هذا معنى شرعيا للمتقي أخص من المعنى الذي قدمنا عن صاحب الكشاف زاعما أنه المعنى الشرعي
3 ) الذين يؤمنون بالغيب (
البقرة : ( 3 ) الذين يؤمنون بالغيب . . . . .
هو وصف للمتقين كاشف والإيمان في اللغة التصديق وفي الشرع ما سيأتي والغيب في كلام العرب كل ما غاب عنك قال القرطبي واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا فقالت فرقة الغيب في هذه الآية هو الله سبحانه وضعفه ابن العربي وقال آخرون القضاء والقدر وقال آخرون القرآن وما فيه من الغيوب وقال آخرون الغيب كل ما أخبر به الرسول مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار قال ابن عطية وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها قال وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل حين قال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت ) انتهى وهذا الحديث هو ثابت في الصحيح بلفظ ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره )
الآيات الواردة في تفسير الآية
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم كلاهما في معرفة الصحابة عن تويلة بنت أسلم قالت ( صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيليا فصلينا سجدتين ثم جاءنا من يخبرنا بأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد استقبل البيت فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فصلينا السجدتين الباقتين ونحن مستقبلون البيت الحرام فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أولئك قوم آمنوا بالغيب ) وأخرج البزار وأبو يعلى والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال ( كنت جالسا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا فقالوا يا رسول الله الملائكة قال هم كذلك ويحق لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا يا رسول الله الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته والنبوة قال هم كذلك ويحق لهم وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها قالوا يا رسول الله الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء قال هم كذلك وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة قالوا فمن يا رسول الله قال أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ويصدقوني ولم يروني يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا ) وفي إسناده محمد بن أبي حميد وفيه ضعف وأخرج الحسن بن


"""""" صفحة رقم 35 """"""
عرفة في حزبه المشهور والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحو الحديث الأول وفي إسناده المغيرة بن قيس البصري وهو منكر الحديث وأخرج نحوه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا والإسماعيلي عن أبي هريرة مرفوعا أيضا والبزار عن أنس مرفوعا وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده عن عوف بن مالك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يا ليتني قد لقيت إخواني قالوا يا رسول الله ألسنا إخوانك قال بلى ولكن قوم يجيئون من بعدكم يؤمنون بي إيمانكم ويصدقوني تصديقكم وينصروني نصركم فيا لتني قد لقيت إخواني ) وأخرج نحوه ابن عساكر في الأربعين السباعية من حديث أنس وفي إسناده أبو هدبة وهو كذاب وزاد فيه ( ثم قرا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ( الآية ) وأخرج أحمد والدارمي والبارودي وابن قانع معا في معجم الصحابة والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي جمعة الأنصاري قال ( قلت يا رسول الله هل من قوم أعظم منا اجرا آمنا بك واتبعناك قال ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء بل قوم يأتون من بعدكم يأتيهم كتاب الله بين لوحين فيؤمنون بي ويعملون بما فيه أولئك أعظم منكم أجرا ) وأخرج أحمد وابن أبي شيبة والحاكم عن أبي عبدالرحمن الجهني قال ( بينما نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذ طلع راكبان فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كنديان أو مذحجيان حتى أتيا فإذا رجلان من مذحج فدنا أحدهما ليبايعه فلما أخذ بيده قال يا رسول الله أرأيت من جاءك فآمن بك واتبعك وصدقك فماذا له قال طوبى له فمسح على زنده وانصرف ثم جاء الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه فقال يا رسول الله أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك قال طوبى له ثم طوبى له ثم مسح على زنده وانصرف ) وأخرج الطيالسي وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبي لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات ) وأخرج أحمد وابن حبان عن أبي سعيد ( أن رجلا قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك قال طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني ) وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد عن ابن عمر نحوه وأخرج أحمد وأبو يعلى والطبراني من حديث أنس نحو حديث أبي أمامة الباهلي المتقدم وأخرج سفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وأحمد ابن منيع في مسنده وابن أبي حاتم وابن الضباري والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه قال والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب ثم قرأ ) الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ( إلى قوله ) المفلحون ( وللتابعين أقوال والراجح ما تقدم من الإيمان الشرعي يصدق على جميع ما ذكر هنا قال ابن جرير والأولى أن تكونوا موصوفين بالإيمان بالغيب قولا واعتقادا وعملا قال وتدخل الخشية لله في معنى الإيمان الذي هو تصديق القول بالعمل والإيمان كلمة جامعة للإقرار بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل وقال ابن كثير إن الإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا هكذا ذهب إليه اكثير الأئمة بل قد حكاه الشافي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وغير واحد إجماعا أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص وقد ورد فيه آيات كثيرة انتهى
3 ) ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (
هو معطوف على يؤمنو والإقامة في الأصل الدوام والثبات يقال قام الشيء أي دام وثبت وليس من القيام على الرجل وإنما هو من قولك قام الحق أي ظهر وثبت قال الشاعر وقامت الحرب بنا على ساق
وقال آخر وإذا يقال أقيموا لم تبرحوا
حتى تقيم الخيل سوق طعان


"""""" صفحة رقم 36 """"""
وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها والصلاة أصلها في اللغة الدعاء من صلى يصلي إذا دعا وقد ذكر هذا الجوهري وغيره وقال قوم هي مأخوذة من الصلا وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب ومنه أخذ المصلي في سبق الخيل لأنه يأتي في الحلبة ورأسه عند صلوي السابق فاشتقت منه الصلاة لأنها ثانية للإيمان فشبهت بالمصلى من الخيل وإما لأن الراكع يثني صلويه والصلا مغرز الذنب من الفرس والإثنان صلوان والمصلى تالي السابق لأن رأسه عند صلوه ذكر هذا القرطبي في تفسيره وقد ذكر المعنى الثاني في الكشاف هذا المعنى اللغوي وأما المعنى الشرعي فهو هذه الصلاة التي هي ذات الأركان والأذكار وقد اختلف أهل العلم هل هي مبقاة على أصلها اللغوي أو موضوعة وضعا شرعيا ابتدائيا فقيل بالأول وإنما جاء الشرع بزيادات هي الشروط والفروض الثابتة فيها وقال قوم بالثاني والرزق عند الجمهور ما صلح للإنتفاع به حلالا كان أو حراما خلافا للمعتزلة فقالوا إن الحرام ليس برزق وللبحث في هذه المسألة موضع غير هذا والإنفاق إخراج المال من اليد وفي المجيء بمن التبعيضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك الإسراف وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس في قوله ) يقيمون الصلاة ( قال الصلوات الخمس ) ومما رزقناهم ينفقون ( قال زكاة أموالهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أن إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها ) ومما رزقناهم ينفقون ( قال أنفقوا في فرائض الله التي افترض عليهم في طاعته وسبيله وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) ومما رزقناهم ينفقون ( قال هي نفقة الرجل على أهله وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كانت النفقات قربات يتقربون بها إلى الله عز وجل على قدر ميسورهم وجهدهم حتى نزلت فرائض الصدقات في سورة براءة هن الناسخات المبينات واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات وهو الحق من غير فرق بين النفقة على الأقارب وغيرهم وصدقة الفرض والنفل وعدم التصريح بنوع من الأنواع التي يصدق عليها مسمى الإنفاق يشعر أتم إشعار بالتعميم
البقرة 4
البقرة : ( 4 ) والذين يؤمنون بما . . . . .
قيل هم مؤمنو أهل الكتاب فإنهم جمعوا بين الإيمان بما أنزل الله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما انزله على من قبله وفيهم نزلت وقد رجح هذا ابن جرير ونقله السدي في تفسيره عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة واستشهد له ابن جرير بقوله تعالى ) وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ( وبقوله تعالى ) الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين ( الآية والآية الأولى نزلت في مؤمني العرب وقيل الآيتان جميعا في المؤمنين على العموم وعلى هذا فهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى صفة للمتقين بعد صفة ويجوز أن تكون مرفوعة على الاستئناف ويجوز أن تكون معطوفة على المتقين فيكون التقدير هدى للمتقين وللذين يؤمنون بما أنزل إليك والمراد بما أنزل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو القرآن وما أنزل من قبله هو الكتب السالفة والإيقان إيقان العلم بانتفاء الشك والشبهة عنه قاله في الكشاف والمراد أنهم يوقنون بالبعث والنشور وسائر أمور الآخرة من دون شك والآخرة تأنيث الآخر الذي هو نقيض الأول وهي صفة الدار كما في قوله تعالى ) تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ( وفي تقديم الظرف مع بناء


"""""" صفحة رقم 37 """"""
الفعل على الضمير المذكور إشعار بالحصر وأن ما عدا هذا الأمر الذي هو أساس الإيمان ورأسه ليس بمستأهل للإيقان به والقطع بوقوعه وإنما عبر بالماضي مع أنه لم ينزل إذ ذاك إلا البعض لا الكل تغليبا للموجود على ما لم يوجد أو تنبيها على تحقق الوقوع كأنه بمنزلة النازل قبل نزوله وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ( أي يصدقونك بما جئت به من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم ) وبالآخرة هم يوقنون ( إيمانا بالبعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان أي لا هؤلاء الذي يزعمون أنهم آمنوا بما كان قبلك ويكفرون بما جاء من ربك وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه
والحق أن هذه الآية في المؤمنين كالتي قبلها وليس مجرد ذكر الإيمان بما أنزل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما أنزل إلى من قبله بمقتض لجعل ذلك وصفا لمؤمني أهل الكتاب ولم يأت ما يوجب المخالفة لهذا ولا في النظم القرآني ما يقتضي ذلك وقد ثبت الثناء على من جمع بين الأمرين من المؤمنين في غير آية فمن ذلك قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ( وكقوله ) وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم ( وقوله ) آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ( وقال ) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم (
سورة البقرة 5
البقرة : ( 5 ) أولئك على هدى . . . . .
هذا كلام مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل كيف حال هؤلاء الجامعين بين التقوى والإيمان بالغيب والإتيان بالفرائض والإيمان بما أنزل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقيل ) أولئك على هدى ( ويمكن أن يكون هذا خبرا عن الذين يؤمنون بالغيب إلخ فيكون متصلا بما قبله قال في الكشاف ومعنى الاستعلاء في قوله ) على هدى ( مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به شبهت حالهم بحال من اعتلى الشيء وركبه ونحوه هو على الحق وعلى الباطل وقد صرحوا بذلك في قوله جعل الغواية مركبا وامتطى الجهل واقتعد عارب الهوى انتهى وقد أطال المحققون الكلام على هذا بما لا يتسع له المقام واشتهر الخلاف في ذلك بين المحقق السعد والمحقق الشريف واختلف من بعدهم في ترجيح الراجح من القولين وقد جمعت في ذلك رسالة سميتها [ الطود المنيف في ترجيح ما قاله السعد على ما قاله الشريف ] فليرجع إليها من أراد أن يتضح له المقام ويجمع بين أطراف الكلام على التمام قال ابن جرير إن معنى ) أولئك على هدى من ربهم ( على نور من ربهم وبرهان وإستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفيقه لهم و ) المفلحون ( أي المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله هذا معنى كلامه والفلاح أصله في اللغة الشق والقطع قاله أبو عبيد ويقال الذي شقت شفته أفلح ومنه سمى الأكار فلاحا لأنه شق الأرض بالحرث فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه قال القرطبي وقد يستعمل في الفوز والبقاء وهو أصله أيضا في اللغة فمعنى ) أولئك هم المفلحون ( الفائزون بالجنة والباقون وقال في الكشاف المفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه انتهى وقد استعمل الفلاح في السحور ومنه الحديث الذي أخرجه أبو داود ( حتى كاد يفوتنا الفلاح مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قلت وما الفلاح قال السحور فكأن معنى الحديث أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سمي فلاحا وفي تكرير اسم الإشارة دلالة على أن كلا من


"""""" صفحة رقم 38 """"""
الهدى والفلاح المستقل بتميزهم به عن غيرهم بحيث لو انفرد أحدهما لكفى تميزا على حياله وفائدة ضمير الفصل الدلالة على اختصاص المسند إليه بالمسند دون غيره وقد روى السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من الصحابة أن الذي يؤمنون بالغيب هم المؤمنون من العرب الذين يؤمنون بما أنزل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما أنزل إلى من قبله هم والمؤمنون من أهل الكتاب ثم جمع الفريقين فقال ) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ( وقد قدمنا الإشارة إلى هذا وإلى ما هو أرجح منه كما هو منقول عن مجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة وأخرج ابن أبي حاتم من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( قيل يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نيأس أو كما قال فقال ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار قالوا بلى يا رسول الله قال ) الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ( إلى قوله ) المفلحون ( هؤلاء أهل الجنة قالوا إنا نرجو أن نكون هؤلاء ثم قال ) إن الذين كفروا سواء عليهم ( إلى قوله ) عظيم ( هؤلاء أهل النار قالوا ألسنا هم يا رسول الله قال أجل )
وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث منها ما أخرجه عبدالله بن أحمد في زوائد المسند والحاكم والبيهقي عن أبي بن كعب قال ( كنت عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فجاء أعرابي فقال يا نبي الله إن لي أخا وبه وجع فقال وما وجعه قال به لمم قال فائتني به فوضعه بين يديه فعوذه النبي بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة وهاتين الآيتين ) وإلهكم إله واحد ( وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة وآية من آل عمران ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( وآية من الأعراف ) إن ربكم الله ( وآخر سورة المؤمنين ) فتعالى الله الملك الحق ( وآية من سورة الجن ) وأنه تعالى جد ربنا ( وعشر آيات من أول الصافات وثلاث آيات من آخر سورة الحشر وقل هو الله أحد والمعوذتين فقام الرجل كأنه لم يشتك قط ) وأخرج نحوه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عبدالرحمن بن أبي يعلى عن رجل عن أبي مثله وأخرج الدارمي وابن الضريس عن ابن مسعود قال من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعد آية الكرسي وثلاثا من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ولا شيء يكرهه في أهله ولا ماله ولا تقرأ على مجنون إلا أفاق وأخرج الدارمي وابن المنذر والطبراني عنه قال من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح أربع من أولها وآية الكرسي وآيتان بعدها وثلاث خواتمها أولها ) لله ما في السماوات ( ) وأخرج سعيد بن منصور والدارمي والبيهقي عن المغيرة بن سبيع وكان من أصحاب عبدالله بن مسعود بنحوه وأخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا مات أحدكم فلا تحبسوه واسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة ) وقد ورد في ذلك غير هذا
البقرة 6 7
البقرة : ( 6 ) إن الذين كفروا . . . . .
ذكر سبحانه فريق الشر بعد الفراغ من ذكر فريق الخير قاطعا لهذا الكلام عن الكلام الأول معنونا له بما يفيد أن شأن جنس الكفرة عدم إجداء الإنذار لهم وأنه لا يترتب عليهم ما هو المطلوب منهم من الإيمان وأن وجود ذلك كعدمه وسواء اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر والهمزة وأم مجردتان لمعنى


"""""" صفحة رقم 39 """"""
الاستواء غير مراد بهما ما هو أصلهما من الاستفهام وصح الابتداء بالفعل والإخبار عنه بقوله سواء هجرا لجانب اللفظ إلى جانب المعنى كأنه قال الإنذار وعدمه سواء كقولهم تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أي سماعك وأصل الكفر في اللغة الستر والتغطية قال الشاعر في ليلة كفر النجوم غمامها
أي سترها ومنه سمى الكافر كافرا لأنه يغطي بكفره ما يجب أن يكون عليه من الإيمان والإنذار الإبلاغ والإعلام قال القرطبي واختلف العلماء في تأويل هذه الاية فقيل هي عامة ومعناها الخصوص فيمن سبقت عليه كلمة العذاب وسبق في علم الله أنه يموت على كفره أراد الله تعالى أن يعلم الناس أن فيهم من هذا حاله دون أن يعين أحدا وقال ابن عباس والكلبي نزلت في رؤساء اليهود حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظرائهما وقال الربيع بن أنس نزلت فيمن قتل يوم بدر من قادة الأحزاب والأول أصح فإن من عين أحدا فإنما مثل بمن كشف الغيب بموته على الكفر انتهى وقوله ) لا يؤمنون ( خبر مبتدأ محذوف أي هم لا يؤمنون وهي جملة مستأنفة لأنها جواب سؤال مقدر كأنه قيل هؤلاء الذين استوى حالهم مع الإنذار وعدمه ماذا يكون منهم فقيل لا يؤمنون أي هم لا يؤمنون وقال في الكشاف إنها جملة مؤكدة للجملة الأولى أو خبر لأن والجملة قبلها اعتراض انتهى والأولى ما ذكرناه لأن المقصود الإخبار عن عدم الاعتداد بإنذارهم وأنه لا يجدي شيئا بل بمنزلة العدم فهذه الجملة هي التي وقعت خبرا لأن وما بعدها من عدم الإيمان متسبب عنها لا أنه المقصود وقد قال بمثل قول الزمخشري القرطبي وقال ابن كيسان إن خبر إن سواء وما بعده يقوم مقام الصلة وقال محمد ابن يزيد المبرد سواء رفع بالابتداء وخبره أأنذرتهم أم لم تنذرهم والجملة خبر إن
البقرة : ( 7 ) ختم الله على . . . . .
والختم مصدر ختمت الشيء ومعناه التغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء ومنه ختم الكتاب والباب وما يشبه ذلك حتى لا يوصل إلى ما فيه ولا يوضع فيه غيره والغشاوة الغطاء ومنه غاشية السرج والمراد بالختم والغشاوة هنا هما المعنويان لا الحسيان أي لما كانت قلوبهم غير واعية لما وصل إليها والأسماع غير مؤدية لما يطرقها من الآيات البينات إلى العقل على وجه مفهوم والأبصار غير مهدية للنظر في مخلوقاته وعجائب مصنوعاته جعلت بمنزلة الأشياء المختوم عليها ختما حسيا والمستوثق منها استيثاقا حقيقيا والمغطاة بغطاء مدرك استعارة أو تمثيلا وإسناد الختم إلى الله قد احتج به أهل السنة على المعتزلة وحاولوا دفع هذه الحجة بمثل ما ذكره صاحب الكشاف والكلام على مثل هذا متقرر في مواطنه
وقد اختلف في قوله تعالى ) وعلى سمعهم ( هل هو داخل في حكم الختم فيكون معطوفا على القلوب أو في حكم التغشية فقيل إن الوقف على قوله ) وعلى سمعهم ( تام وما بعده كلام مستقل فيكون الطبع على القلوب والأسماع والغشاوة على الأبصار كما قاله جماعة وقد قرئ ) غشاوة ( بالنصب قال ابن جرير يحتمل أنه نصبها بإضمار فعل تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة ويحتمل أن يكون نصبها على الإتباع على محل ) وعلى سمعهم ( كقوله تعالى ) وحور عين ( وقول الشاعر
علفتها تبنا وماء باردا
وإنما وحد السمع مع جمع القلوب والأبصار لأنه مصدر يقع على القليل والكثير والعذاب هو ما يؤلم وهو مأخوذ من الحبس والمنع يقال في اللغة أعذبه عن كذا حبسه ومنعه ومنه عذوبة الماء لأنها حبست في الإناء حتى صفت
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) سواء عليهم أأنذرتهم ( قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول وأخرج


"""""" صفحة رقم 40 """"""
ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا في تفسير الآية أنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق فكيف يسمعون منك انذارا وتحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك ) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) إن الذين كفروا ( قال نزلت هاتان الآيتان في قادة الأحزاب وهم الذين ذكرهم الله في هذه الآية ) ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ( قال فهم الذين قتلوا يوم بدر ولم يدخل القادة في الإسلام إلا رجلان أبو سفيان والحكم بن العاص وأخرج ابن المنذر عن السدي في قوله ) أأنذرتهم أم لم تنذرهم ( قال أوعظتهم أم لم تعظهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في هذه الآية قال أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الختم على قلوبهم وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم فلا يعقلون ولا يسمعون وجعل على أبصارهم يعني أعينهم غشاوة فهم لا يبصرون وروى ذلك السدي عن جماعة من الصحابة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال الختم على القلب والسمع والغشاوة على البصر قال الله تعالى ) فإن يشأ الله يختم على قلبك ( وقال ) وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة ( قال ابن جرير في معنى الختم والحق عندي في ذلك ما صح نظيره عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ذكر إسنادا متصلا بأبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تغلق قلبه ) فذلك الران الذي قال الله ) كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( ) وقد رواه من هذا الوجه الترمذي وصححه والنسائي ثم قال ابن جرير فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله سبحانه والطبع فلا يكون اليها مسلك ولا للكفر منها مخلص فذلك هو الختم الذي أذكره الله في قوله ) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ( نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها فذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قولبهم إلا بعد فض خاتمه وحل رباطه عنها
البقرة 8 9
البقرة : ( 8 ) ومن الناس من . . . . .
ذكر سبحانه في أول هذه السورة المؤمنين الخلص ثم ذكر بعدهم الكفرة الخلص ثم ذكر ثالثا المنافقين وهم الذين لم يكونوا من إحدى الطائفتين بل صاروا فرقة ثالثة لأنهم وافقوا في الظاهر الطائفة الأولى وفي الباطن الطائفة الثانية ومع ذلك فهم أهل الدرك الأسفل من النار وأصل ناس أناس حذفت همزته تخفيفا وهو من النوس وهو الحركة يقال ناس ينوس أي تحرك وهو من أسماء الجموع جمع إنسان وإنسانة على غير لفظه واللام الداخلة عليه للجنس ومن تبعضية أي بعض الناس ومن موصوفة أي ومن الناس ناس يقول والمراد باليوم الآخر الوقت الذي لا ينقطع بل هو دائم أبدا
البقرة : ( 9 ) يخادعون الله والذين . . . . .
والخداع في أصل اللغة الفساد حكاه ثعلب وقال عن ابن الأعرابي وأنشد


"""""" صفحة رقم 41 """"""
أبيض اللون رقيق طعمه
طيب الريق إذا الريق خدع
وقيل أصله الإخفاء ومنه مخدع البيت الذي يحرز فيه الشيء حكاه ابن فارس وغيره والمراد من مخادعتهم لله أنهم صنعوا معه صنع المخادعين وإن كان العالم الذي لا يخفى عليه شيء لا يخدع وصيغة فاعل تفيد الاشتراك في أصل الفعل فكونهم يخادعون الله والذين آمنوا يفيد أن الله سبحانه والذين آمنوا يخادعونهم والمراد بالمخادعة من الله أنه لما أجرى عليهم أحكام الإسلام مع أنهم ليسوا منه في شيء فكأنه خادعهم بذلك كما خادعوه بإظهار الإسلام وإبطال الكفر مشاكلة لما وقع منهم بما وقع منه والمراد بمخادعة المؤمنين لهم هو أنهم أجروا عليهم ما أمرهم الله به من أحكام الإسلام ظاهرا وإن كانوا يعلمون فساد بواطنهم كما أن المنافقين خادعوهم بإظهار الإسلام وإبطان الكفر والمراد بقوله تعالى ) وما يخدعون إلا أنفسهم ( الإشعار بأنهم لما خادعوا من لا يخدع كانوا مخادعين لأنفسهم لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن وأما من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع فإنما يخدع نفسه وما يشعر بذلك ومن هذا قول من قال من خادعته فانخدع لك فقد خدعك وقد قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ) يخادعون ( في الموضعين وقرأ حمزة وعاصم والكسائي وابن عامر في الثاني ) يخدعون ( والمراد بمخادعتهم أنفسهم أنه يمنونها الأماني الباطلة وهي كذلك تمنيهم قال أهل اللغة شعرت بالشيء فطنت قال في الكشاف والشعور علم الشيء علم حس من الشعار ومشاعر الإنسان حواسه والمعنى أن لحوق ضرر ذلك لهم كالمحسوس وهم لتمادي غفلتهم كالذي لا حس له والمراد بالأنفس هنا ذواتهم لا سائر المعاني التي تدخل في مسمى النفس كالروح والدم والقلب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنهم المنافقون من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود أنه قال والمراد بهذه الآية المنافقون وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج ابن المنذر عن ابن سيرين قال لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية ) ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( وأخرج ابن سعد عن حذيفة أنه قيل له ما النفاق قال أن يتكلم بالإسلام ولا يعمل به وأخرج أحمد بن منيع في مسنده بسند ضعيف عن رجل من الصحابة أن قائلا من المسلمين قال يا رسول الله ما النجاة غدا قال لا تخادع الله قال وكيف نخادع الله قال أن تعمل بما أمرك الله به تريد به غيره فاتقوا الرياء فإنه الشرك بالله فإن المرائي ينادى يوم القيامة على رءوس الخلائق بأربعة أسماء يا كافر يا فاجر يا خاسر يا غادر ضل عملك وبطل أجرك فلا خلاق لك اليوم عند الله فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع وقرأ آيات من القرآن ) فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ( الآية و ) إن المنافقين يخادعون الله ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن وهب قال سألت ابن زيد عن قوله ) يخادعون الله والذين آمنوا ( قال هؤلاء المنافقون يخادعون الله ورسوله والذين آمنوا أنهم مؤمنون بما أظهروه وعن قوله ) وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ( أنهم ضروا أنفسهم بما أضمروا من الكفر والنفاق وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) يخادعون الله ( قال يظهرون لا إله إلا الله يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم وفي أنفسهم غير ذلك
البقرة 10
البقرة : ( 10 ) في قلوبهم مرض . . . . .
المرض كل ما يخرج به الإنسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في أمر قاله ابن فارس وقيل هو الألم فيكون على هذا مستعارا للفساد الذي في عقائدهم إما شكا ونفاقا أو جحدا وتكذيبا وتقديم


"""""" صفحة رقم 42 """"""
الخبر للإشعار بأن المرض مختص بها مبالغة في تعلق هذا الداء بتلك القلوب لما كانوا عليه من شدة الحسد وفرط العداوة والمراد بقوله ) فزادهم الله مرضا ( الإخبار بأنهم كذلك بما يتجدد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من النعم ويتكرر له من منن الله الدنيوية والدينية ويحتمل أن يكون دعاء عليهم بزيادة الشك وترادف الحسرة وفرط النفاق والأليم المؤلم أي الموجع و ( ما ) في قوله ) بما كانوا يكذبون ( مصدرية أي بتكذيبهم وهو قولهم ) آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( والقراء مجمعون على فتح الراء من قوله مرض إلا ما رواه الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأ بإسكان الراء وقرأ حمزة وعاصم والكسائي ( يكذبون ) بالتخفيف والباقون بالتشديد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) في قلوبهم مرض ( قال شك ) فزادهم الله مرضا ( قال شكا وأخرج عنه ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) في قلوبهم مرض ( قال النفاق ) ولهم عذاب أليم ( قال نكال موجع ) بما كانوا يكذبون ( قال يبدلون ويحرفون وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثل ما قاله ابن عباس أولا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كل شيء في القرآن اليم فهو الموجع وأخرج أيضا عن أبي العالية مثله وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) في قلوبهم مرض ( أي ريبة وشك في أمر الله ) فزادهم الله مرضا ( ريبة وشكا ) ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ( قال إياكم والكذب فإنه باب النفاق وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال هذا مرض في الدين وليس مرضا في الأجساد وهم المنافقون والمرض الشك الذي دخل في الإسلام وروى عن عكرمة وطاوس أن المرض الرياء
البقرة 11 12
البقرة : ( 11 ) وإذا قيل لهم . . . . .
( إذا ) في موضع نصب على الظرف والعامل فيه قالوا المذكور بعده وفيه معنى الشرط والفساد ضد الصلاح وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى ضدها فسد الشيء يفسد فسادا وفسودا فهو فاسد وفسيد والمراد في الآية لا تفسدوا في الأرض بالنفاق وموالاة الكفرة وتفريق الناس عن الإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن فإنكم إذا فعلتم ذلك فسد ما في الأرض بهلاك الأبدان وخراب الديار وبطلان الزرائع كما هو مشاهد عند ثوران الفتن والتنازع و ( إنما ) من أدوات القصر كما هو مبين في علم المعاني والصلاح ضد الفساد لما نهاهم الله عن الفساد الذي هو دابهم أجابوا بهذه الدعوى العريضة ونقلوا أنفسهم من الأتصاف بما هي عليه حقيقة وهو الفساد إلى الإتصاف بما هو ضد لذلك وهو الصلاح ولم يقفوا عند هذا الكذب البحت والزور المحض حتى جعلوا صفة الصلاح مختصة بهم خالصة لهم
البقرة : ( 12 ) ألا إنهم هم . . . . .
فرد الله عليهم ذلك أبلغ رد لما يفيده حرف التنبيه من تحقيق ما بعده ولما في إن من التأكيد وما في تعريف الخبر مع توسيط ضمير الفصل من الحصر المبالغ فيه بالجمع بين أمرين من الأمور المفيدة له وردهم إلى صفة الفساد التي هم متصفون بها في الحقيقة ردا مؤكدا مبالغا فيه بزيادة على ما تضمنته دعواهم الكاذبة من مجرد الحصر المستفاد من إنما وأما نفي الشعور عنهم فيحتمل أنهم لما كانوا يظهرون الصلاح مع علمهم أنهم على الفساد الخاص ظنوا أن ذلك ينفق على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وينكتم عنه بطلان ما أضمروه ولم يشعروا بأنه عالم به وأن الخبر يأتيه بذلك من السماء فكان نفي الشعور عنهم من هذه


"""""" صفحة رقم 43 """"""
الله تبارك وتعالى الرب عز وجل الحيثية لا من جهة أنهم لا يشعرون بأنهم على الفساد ويحتمل أن فسادهم كان عندهم صلاحا لما استقر في عقولهم من محبة الكفر وعداوة الإسلام
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن مسعود أنه قال الفساد هنا هو الكفر والعمل بالمعصية وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إنما نحن مصلحون ( أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب وأخرج ابن جرير عن مجاهد في تفسير هذه الآية قال إذا ركبوا معصية فقيل لهم لا تفعلوا كذا قالوا إنما نحن على الهدى وأخرج ابن اسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمان أنه قرأ هذه الآية فقال لم يجيء أهل هذه الآية بعد قال ابن جرير يحتمل أن سلمان أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادا من الذين كانوا في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا أنه عني أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد انتهى ويحتمل أن سلمان يرى أن هذه الآية ليست في المنافقين بل يحملها على مثل أهل الفتن التي يدين أهلها بوضع السيف في المسلمين كالخوارج وسائر من يعتقد في فساده أنه صلاح لما يطرأ عليه من الشبه الباطلة
البقرة 13
البقرة : ( 13 ) وإذا قيل لهم . . . . .
أي وإذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من المهاجرين والأنصار أجابوا بأحمق جواب وأبعده عن الحق والصواب فنسبوا إلى المؤمنين السفه استهزاء واستخفافا فتسببوا بذلك إلى تسجيل الله عليهم بالسفه بأبلغ عبارة وآكد قول وحصر السفاهة وهي رقة الحلوم وفساد البصائر وسخافة العقول فيهم مع كونهم لا يعلمون أنهم كذلك إما حقيقة أو مجازا تنزيلا لإصرارهم على السفه منزلة عدم العلم بكونهم عليه وأنهم متصفون به ولما ذكر الله هنا السفه ناسبه نفي العلم عنهم لأنه لا يتسافه إلا جاهل والكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف أي إيمانا كإيمان الناس
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في وقوله ) وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس ( أي صدقوا كما صدق أصحاب محمد أنه نبي ورسول وأن ما أنزل عليه حق ) قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ( يعنون أصحاب محمد ) ألا إنهم هم السفهاء ( يقول الجهال ) ولكن لا يعلمون ( يقول لا يعقلون وروى عن ابن عساكر في تاريخه بسند واه أنه قال ) آمنوا كما آمن الناس ( أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) كما آمن السفهاء ( قال يعنون أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عن الربيع وابن زيد مثله وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها نزلت في شأن اليهود أي إذا قيل لهم يعني اليهود ) آمنوا كما آمن الناس ( عبدالله بن سلام وأصحابه ) قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء (
البقرة 14 15
البقرة : ( 14 ) وإذا لقوا الذين . . . . .
( لقوا ) أصله لقيوا نقلت الضمة إلى القاف وحذفت الياء لالتقاء الساكنين ومعنى لقيته ولاقيته استقبلته قريبا وقرأ محمد بن السميفع اليماني وأبو حنيفة لاقوا وأصله لاقيوا تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا


"""""" صفحة رقم 44 """"""
ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين وخلوت بفلان وإليه إذا انفردت به وإنما عدى بإلى وهو يتعدى بالباء فيقال خلوت به لا خلوت إليه لتضمنه معنى ذهبوا وانصرفوا والشياطين جمع شيطان على التكسير وقد اختلف كلام سيبويه في نون الشيطان فجعلها في موضع من كتابه أصلية وفي آخر زائدة فعلى الأول هو من شطن أي بعد عن الحق وعلى الثاني من شط أي بعد أو شاط أي بطل وشاط أي احترق وأشاط إذا هلك قال وقد يشيط على أرماحنا البطل
أي يهلك وقال آخر وأبيض ذي تاج أشاطت رماحنا
لمعترك بين الفوارس أقتما
أي أهلكت وحكي سيبويه أن العرب تقول تشيطن فلان إذا فعل أفعال الشياطين ولو كان من شاط لقالوا تشيط ومنه قول أمية بن أبي الصلت أيما شاطن عصاه عكا
ورماه في السجن والأغلال
وقوله ( إنا معكم ) معناه مصاحبوكم في دينكم وموافقوكم عليه والهزوء السخرية واللعب قال الراجز قد هزئت مني أم طيسله
قالت أراه معدما لا مال له
قال في الكشاف واصل الباب الخفة من الهزء وهو القتل السريع وهزأ يهزأ مات على المكان عن بعض العرب مشيت فلغبت فظننت لأهزأن على مكاني وناقته تهزأ به أي تسرع وتخف انتهى وقيل أصله الانتقام قال الشاعر قد استهزءوا منهم بألفي مدجج
سراتهم وسط الصحاصح جثم
فافاد قولهم ) إنا معكم ( أنهم ثابتون على الكفر وأفاد قولهم ) إنما نحن مصلحون ( ردهم للإسلام ورفعهم للحق وكأنه جواب سؤال مقدر ناشيء من قولهم إنا معكم أي إذا كنتم معنا فما بالكم إذا لقيتم المسلمين وافقتموهم فقالوا إنما نحن مستهزءون بهم في تلك الموافقة ولم تكن بواطننا موافقة لهم ولا مائلة إليهم
البقرة : ( 15 ) الله يستهزئ بهم . . . . .
فرد الله ذلك عليهم بقوله ) الله يستهزئ بهم ( أي ينزل بهم الهوان والحقارة وينتقم منهم ويستخف بهم انتصافا منهم لعباده المؤمنين وإنما جعل سبحانه ما وقع منه استهزاء مع كونه عقوبة ومكافأة ماشكلة وقد كانت العرب إذا وضعت لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ذكرته بمثل ذلك اللفظ وإن كان مخالفا له في معناه وورد ذلك في القرآن كثيرا ومنه ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( ) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( والجزاء لا يكون سيئة والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حتى ومنه ) ومكروا ومكر الله ( و ) إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا ( ) يخادعون الله والذين آمنوا ( ) يخادعون الله وهو خادعهم ( ) تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( وهو في السنة كثير كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله لا يمل حتى تملوا ) وإنما قال ) الله يستهزئ بهم ( لأنه يفيد التجدد وقتا بعد وقت وهو أشد عليهم وأنكأ لقلوبهم وأوجع لهم من الاستهزاء الدائم الثابت المستفاد من الجملة الإسمية لما هو محسوس من أن العقوبة الحادثة وقتا بعد وقت والمتجددة حينا بعد حين أشد على من وقعت عليه من العذاب الدائم المستمر لأنه يألفه ويوطن نفسه عليه والمد الزيادة قال يونس بن حبيب يقال مد في الشر وأمد في الخير ومنه ) وأمددناكم بأموال وبنين ( ) وأمددناهم بفاكهة ولحم ( وقال الأخفش مددت له إذا تركته وأمددته إذا أعطيته وقال الفراء واللحياني مددت فيما كانت زيادته من مثله يقال مد النهر ومنه ) والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ( وأمددت فيما كانت زيادته من غيره ومنه ) يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة ( والطغيان مجاوزة الحد والغلو في الكفر ومنه ) إنا لما طغى الماء ( أي تجاوز المقدار الذي قدرته الخزان وقوله في فرعون ) إنه طغى ( أي أسرف في الدعوى حيث قال ) أنا ربكم الأعلى ( والعمه والعامه الحائر المتردد


"""""" صفحة رقم 45 """"""
وذهبت إبله لعمهى إذا لم يدر أين ذهبت والعمه في القلب كالعمى في العين قال في الكشاف العمه مثل العمى إلا أن العمى في البصر والرأي والعمه في الرأي خاصة انتهى والمراد أن الله سبحانه يطيل لهم المدة ويمهلهم كما قال ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( قال ابن جرير ) في طغيانهم يعمهون ( في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم يترددون حيارى ضلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها فلا يبصرون رشدا ولا يهتدون سبيلا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الواحدي والثعلبي بسند واه لأن فيه محمد بن مروان وهو متروك عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي وأصحابه وذكر قصة وقعت لهم مع أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو بعضهم قالوا إنا على دينكم ) وإذا خلوا إلى شياطينهم ( وهم إخوانهم قالوا ) إنا معكم ( على مثل ما أنتم عليه ) إنما نحن مستهزؤون ( بأصحاب محمد ) الله يستهزئ بهم ( قال يسخر بهم للنقمة منهم ) ويمدهم في طغيانهم ( قال في كفرهم ) يعمهون ( قال يترددون وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه بمعناه وأطول منه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه بنحو الأول وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) وإذا خلوا إلى شياطينهم ( قال رؤسائهم في الكفر وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال ) وإذا خلوا ( أي مضوا واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحو ما قاله ابن مسعود وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) ويمدهم ( قال يملي لهم ) في طغيانهم يعمهون ( قال في كفرهم يتمادون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحو ما قاله ابن مسعود في تفسير يعمهون وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) يمدهم ( يزيدهم ) في طغيانهم يعمهون ( قال يلعبون ويترددون في الضلالة وأخرج أحمد في المسند عن أبي ذر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن فقلت يا رسول الله وللإنس شياطين قال نعم
البقرة 16
البقرة : ( 16 ) أولئك الذين اشتروا . . . . .
قال سيبويه صحت الواو في ) اشتروا ( فرقا بينها وبين الواو الأصلية في نحو ) وأن لو استقاموا ( وقال الزجاج حركت بالضم كما يفعل في نحن وقرأ يحيى بن يعمر بكسر الواو على أصل إلتقاء الساكنين وقرأ أبو السماك العدوي بفتحها لخفة الفتحة وأجاز الكسائي همز الواو والشراء هنا مستعار للإستبدال أي استبدلوا الضلالة بالهدى كقوله تعالى ) فاستحبوا العمى على الهدى ( فأما أن يكون معنى الشراء المعاوصة كما هو أصله حقيقة فلا لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين فيبيعوا إيمانهم والعرب قد تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئا بشيء قال أبو ذؤيب فإن تزعميني كنت أجهل فيكمو
فإن شريت الحلم بعدك بالجهل
واصل الضلالة الحيرة والجور عن القصد وفقد الاهتداء وتطلق على النسيان ومنه قوله تعالى ) قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ( وعلى الهلاك كقوله ) وقالوا أئذا ضللنا في الأرض ( وأصل الربح الفضل والتجارة صناعة التاجر وأسند الربح إليها على عادة العرب في قولهم ربح بيعك وخسرت صفقتك وهو من الإسناد المجازي وهو إسناد الفعل إلى ملابس للفاعل كما هو مقرر في علم المعاني والمراد ربحوا وخسروا والاهتداء قد سبق تحقيقه أي وما كانوا مهتدين في شرائهم الضلالة وقيل في سابق علم الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن


"""""" صفحة رقم 46 """"""
جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ) اشتروا الضلالة بالهدى ( أي الكفر بالإيمان وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال أخذوا الضلالة وتركوا الهدى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال آمنوا ثم كفروا وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال استحبوا الضلالة على الهدى قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة
البقرة 17 18
البقرة : ( 17 ) مثلهم كمثل الذي . . . . .
) مثلهم ( مرتفع بالإبتداء وخبره إما الكاف في قوله ( كمثل ) لأنها اسم أي مثل مثل كما في قول الأعشي أتنتهون ولن تنهي ذوي شطط
كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
وقول امرئ القيس ورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا
تصوب فيه العين طورا وترتقي
أراد مثل الطعن وبمثل ابن الماء ويجوز أن يكون الخبر محذوفا أي مثلهم مستنير كمثل فالكاف على هذا حرف والمثل الشبه والمثلان المتشابهان ( والذي ) موضوع موضع الذين أي كمثل الذين استوقدوا وذلك موجود في كلام العرب كقول الشاعر وإن الذي حانت بفلج دماؤهم
هم القوم كل القوم يا أم خالد
ومنه ) وخضتم كالذي خاضوا ( ومنه ) والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ( ووقود النار سطوعها وارتفاع لهبها ) استوقد ( بمعنى أوقد مثل استجاب بمعنى أجاب فالسين والتاء زائدتان قاله الأخفش ومنه قول الشاعر وداع دعا يا من يجيب إلى الندا
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
البقرة : ( 18 ) صم بكم عمي . . . . .
أي يجبه والإضاءة فرط الإنارة وفعلها يكون لازما ومتعديا و ( ما حوله ) قيل ما زائدة وقيل هي موصولة في محل نصب على أنها مفعول أضات وحوله منصوب على الظرفية و ( ذهب ) من الذهاب وهو زوال الشيء و ( تركهم ) أي أبقاهم ) في ظلمات ( جمع ظلمة وقرأ الأعمش بإسكان اللام على الاصل وقرأ أشهب العقيلي بفتح اللام وهي عدم النور و ( صم ) وما بعده خبر مبتدأ محذوف أي هم وقرأ ابن مسعود صما بكما عميا بالنصب على الذم ويجوز أن ينتصب بقوله تركهم والصمم الإنسداد يقال قناة صماء إذا لم تكن مجوفة وصممت القارورة إذا سددتها وفلان أصم إذا انسدت خروق مسامعه والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم فإذا فهم فهو الأخرس وقيل الأخرس والأبكم واحد والعمى ذهاب البصر والمراد بقوله ) فهم لا يرجعون ( أي إلى الحق والجواب لما في قوله فلما أضاءت قيل هو ) ذهب الله بنورهم ( وقيل محذوف تقديره طفئت فبقوا حائرين وعلى الثاني فيكون قوله ) ذهب الله بنورهم ( كلاما مستأنفا أو بدلا من المقدر
ضرب الله هذا المثل للمنافقين لبيان ان ما يظهرونه من الإيمان مع ما يبطنونه من النفاق لا يثبت لهم به أحكام


"""""" صفحة رقم 47 """"""
الإسلام كمثل المستوقد الذي أضاءت ناره ثم طفئت فإنه يعود إلى الظلمة ولا تنفعه تلك الإضاءة اليسيرة فكان بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق في حيرته وتردده وإنما وصفت هذه النار بالإضاءة مع كونها نار باطل لأن الباطل كذلك تسطع ذوائب لهب ناره لحظة ثم تخفت ومنه قولهم للباطل صولة ثم يضمحل وقد تقرر عند علماء البلاغة أن لضرب الأمثال شأنا عظيما في إبراز خفيات المعاني ورفع أستار محجبات الدقائق ولهذا استكثر الله من ذلك في كتابه العزيز وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكثر من ذلك في مخاطباته ومواعظه قال ابن جرير إن هؤلاء المضروب لهم المثل ها هنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات واحتج بقوله تعالى ) ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( وقال ابن كثير إن الصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ثم سلبوه وطبع على قلوبهم كما يفيده قوله تعالى ) ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ( قال ابن جرير وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال ) رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت ( أي كدوران عيني الذي يغشى عليه من الموت وقال تعالى ) مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ( ا ه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) قال هذا مثل ضربه الله للمنافقين كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله العز كما سلب صاحب النار ضوءه ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) يقول في عذاب ( صم بكم عمي ) فهم لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) قالوا إن ناسا دخلوا في الإسلام عند مقدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة ثم نافقوا فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقد نارا فأضاءت ما حوله من قذى وأذى فأبصره حتى عرف ما يتقي فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم فعرف الحلال من الحرام والخير من الشر فبينما هو كذلك إذ كفر فصار لا يعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشر فهم صم بكم هم الخرس فهم لا يرجعون إلى الإسلام وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) كمثل الذي استوقد نارا ( قال ضربه الله مثلا للمنافق وقوله ) ذهب الله بنورهم ( قال أما النور فهو إيمانهم الذي يتكلمون به وأما الظلمة فهو ضلالهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرجا أيضا عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة والحسن والسدي والربيع بن أنس نحو ما تقدم
البقرة 19 20
البقرة : ( 19 ) أو كصيب من . . . . .
عطف هذا المثل على المثل الأول بحرف الشك لقصد التخيير بين المثلين أي مثلوهم بهذا أو هذا وهي وإن


"""""" صفحة رقم 48 """"""
كانت في الأصل للشك فقد توسع فيها حتى صارت لمجرد التساوى من غير شك وقيل إنها بمعنى الواو قاله الفراء وغيره وأنشد وقد زعمت ليلى بأني فاجر
لنفسي تقاها أو عليها فجورها
وقال آخر نال الخلافة أو كانت له قدرا
كما أتى ربه موسى على قدر
والمراد بالصيب المطر واشتقاقه من صاب يصوب إذا نزل قال علقمة فلا تعدلي بيني وبين معمر
سقتك روايا الموت حيث تصوب
وأصله صيوب اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت كما فعلوا في ميت وسيد والسماء في الأصل كل ما علاك فأظلك ومنه قيل لسقف البيت سماء والسماء أيضا المطر سمى بها لنزوله منها وفائدة ذكر نزوله من السماء مع كونه لا يكون إلا منها أنه لا يختص نزوله بجانب منها دون جانب وإطلاق السماء على المطر واقع كثيرا في كلام العرب فمنه قول حسان ديار من بني الحسحاس قفر
تعفيها الدوامس والسماء
وقال آخر إذا نزل السماء بأرض قوم
والظلمات قد تقدم تفسيرها وإنما جمعها إشارة إلى أنه انضم إلى ظلمة الليل ظلمة الغيم والرعد اسم لصوت الملك الذي يزجر السحاب وقد أخرج الترمذي من حديث ابن عباس قال ( سألت اليهود النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الرعد ما هو قال ملك من الملائكة بيده مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله قالوا فما هذا الصوت الذي نسمع قال زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر قالت صدقت ) الحديث بطوله وفي إسناده مقال قال القرطبي وعلى هذا التفسير أكثر العلماء وقيل هو اضطراب أجرام السحاب عند نزول المطر منها وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين تبعا للفلاسفة وجهلة المتكلمين وقيل غير ذلك والبرق مخراق حديد بيد الملك الذي يسوق السحاب وإليه ذهب كثير من الصحابة وجمهور علماء الشريعة للحديث السابق وقال بعض المفسرين تبعا للفلاسفة إن البرق ما ينقدح من اصطكاك أجرام السحاب المتراكمة من الأبخرة المتصعدة المشتملة على جزء ناري يلتهب عند الإصطكاك وقوله ) يجعلون أصابعهم في آذانهم ( جملة مستأنفة لا محل لها كأن قائلا قال فكيف حالهم عند ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم وإطلاق الأصبع على بعضها مجاز مشهور والعلاقة الجزئية والكلية لأن الذي يجعل في الأذن إنما هو رأس الأصبع لا كلها والصواعق ويقال الصواقع هي قطعة نار تنفصل من مخراق الملك الذي يزجر السحاب عند غضبه وشدة ضربه لها ويدل على ذلك ما في حديث ابن عباس الذي ذكرنا بعضه قريبا وبه قال كثير من علماء الشريعة ومنهم من قال إنها نار تخرج من فم الملك وقال الخليل هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحيانا قطعة نار تحرق ما أتت عليه وقال أبو زيد الصاعقة نار تسقط من السماء في رعد شديد وقال بعض المفسرين تبعا للفلاسفة ومن قال بقولهم إنها نار لطيفة تنقدح من السحاب اذا اصطكت أجرامها وسيأتي في سورة الرعد إن شاء الله في تفسير الرعد والبرق والصواعق ما له مزيد فائدة وإيضاح ونصب ( حذر الموت ) على أنه مفعول لأجله وقال الفراء منصوب على التمييز والموت ضد الحياة والإحاطة الأخذ من جميع الجهات حتى لا تفوت المحاط به بوجه من الوجوه
البقرة : ( 20 ) يكاد البرق يخطف . . . . .
وقوله ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) جملة مستأنفة كأنه قيل فكيف حالهم مع ذلك البرق ويكاد يقارب والخطف الأخذ بسرعة ومنه سمى الطبر خطافا لسرعته وقرأ مجاهد ( يخطف ) بكسر الطاء والفتح أفصح وقوله ) كلما أضاء لهم مشوا فيه (


"""""" صفحة رقم 49 """"""
كلام مستأنف كأنه قيل كيف تصنعون في تارتي خفوق البرق ويكونه وهو تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أهل الصيب ) ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ( بالزيادة في الرعد والبرق ) إن الله على كل شيء قدير ( وهذا من جملة مقدوراته سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( أو كصيب ) هو المطر ضرب مثله في القرآن ) فيه ظلمات ( يقول ابتلاء ) ورعد وبرق ( تخويف ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) يقول كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزا أطمأنوا فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله ) ومن الناس من يعبد الله على حرف ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق فجعلا كلما أصابهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا قاما مكانهما لا يمشيان فجعلا يقولان ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع ايدينا في يده فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقا من كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا كما كان ذلك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما واذا أضاء لهم مشوا فيه أي فإذا كثرت أموالهم وأولادهم أصابوا غنيمة وفتحا مشوا فيه وقالوا إن دين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حينئذ صدق واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا اضاء لهم البرق وإذا أظلم عليهم قاموا فكانوا إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا هذا من أجل دين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وارتدوا كفرا كما قام المنافقان حين أظلم البرق عليهما وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال ( أو كصيب ) قال هو المطر وهو مثل للمنافق في ضوئه يتكلم بما معه من كتاب الله مراآة الناس فإذا خلا وحده عمل بغيره فهو في ظلمة ما أقام على ذلك وأما الظلمات فالضلالات وأما البرق فالإيمان وهم أهل الكتاب وإذا أظلم عليهم فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا نحو ما سلف وقد روى تفسيره بنحو ذلك عن جماعة من التابعين
فائدة : أصناف المنافقين
واعلم أن المنافقين أصناف فمنهم من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ومنهم من قال فيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ( ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ) وورد بلفظ أربع وزاد ( وإذا خاصم فجر ) وورد بلفظ ( وإذا عاهد غدر ) وقد ذكر ابن جرير ومن تبعه من المفسرين أن هذين المثلين لصنف واحد من المنافقين
البقرة 21 22


"""""" صفحة رقم 50 """"""
البقرة : ( 21 ) يا أيها الناس . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر المؤمنين والكافرين والمنافين أقبل عليهم بالخطاب إلتفاتا للنكتة السابقة في الفاتحة ويا حرف نداء والمنادى أي وهو اسم مفرد مبني على الضم وها حرف تنبيه مقحم بين المنادى وصفته قال سيبويه كأنك كررت ( يا ) مرتين وصار الإسم بينهما كما قالوا ها هو ذا وقد تقدم الكلام في تفسير الناس والعبادة وإنما خص نعمة الخلق وامتن بها عليهم لأن جميع النعم مترتبة عليها وهي أصلها الذي لا يوجد شيء منها بدونها وأيضا فالكفار مقرون بأن الله هو الخالق ) ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ( فامتن عليهم بما يعترفون به ولا ينكرونه وفي أصل معنى الخلق وجهان أحدهما التقدير يقال خلفت الأديم للسقاء إذا قدرته قبل القطع قال زهير ولأنت تفري ما خلقت وبع
ض القوم يخلق ثم لا يفري
الثاني الإنشاء والإختراع والإبداع ولعل أصلها الترجي والطمع والتوقع والإشتفاق وذلك مستحيل على الله سبحانه ولكنه لما كانت المخاطبة منه سبحانه للبشر كان بمنزلة قوله لهم افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع وبهذا قال جماعة من أئمة العربية منهم سيبويه وقيل إن العرب استعملت لعل مجردة من الشك بمعنى لام كي والمعنى هنا لتتقوا وكذلك ما وقع هذا الموقع ومنه قول الشاعر وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا
نكف ووثقتم لنا كل موثق
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم
كشبه سراب في الملا متألق
أي كفوا عن الحرب لنكف ولو كانت لعل للشك لم يوثقوا لهم كل موثق وبهذا قال جماعة منهم قطرب وقيل إنها بمعنى التعرض للشيء كأنه قال متعرضين للتقوى
البقرة : ( 22 ) الذي جعل لكم . . . . .
وجعل هنا بمعنى صير لتعديه إلى المفعولين ومنه قول الشاعر وقد جعلت أرى الإثنين أربعة
والأربع اثنين لما هدني الكبر
و ( فراشا ) أي وطاء يستقرون عليها لما قدم نعمة خلقهم أتبعه بنعمة خلق الأرض فراشا لهم لما كانت الأرض التي هي مسكنهم ومحل استقرارهم من أعظم ما تدعوا إليه حاجتهم ثم أتبع ذلك بنعمة جعل السماء كالقبة المضروبة عليهم والسقف للبيت الذي يسكنونه كما قال ) وجعلنا السماء سقفا محفوظا ( وأصل البناء وضع لبنة على أخرى ثم امتن عليهم بإنزال الماء من السماء وأصل ماء موه قلبت الواو لتحركها وانفتاح ما قبلها ألفا فصار ماه فاجتمع حرفان خفيفان فقلبت الهاء همزة والثمرات جمع ثمرة والمعنى أخرجنا لكم ألوانا من الثمرات وأنواعا من النبات ليكون ذلك متاعا لكم إلى حين والأنداد جمع ند وهو المثل والنظير وقوله ( وأنتم تعلمون ) جملة حالية والخطاب للكفار والمنافقين فإن قيل كيف وصفهم بالعلم وقد نعتهم بخلاف ذلك حيث قال ) ولكن لا يعلمون ( ) ولكن لا يشعرون ( ) وما كانوا مهتدين ( ) صم بكم عمي ( فيقال إن المراد أن جهلهم وعدم شعورهم لا يتناول هذا أي كونهم يعلمون أنه المنعم دون غيره من الأنداد فإنهم كانوا يعلمون هذا ولا ينكرونه كما حكاه الله عنهم في غير آية وقد يقال المراد وأنتم تعلمون وحدانيته بالقوة والإمكان لو تدبرتم ونظرتم وفيه دليل على وجوب استعمال الحجج وترك التقليد قال ابن فورك المراد وتجعلون لله أنداد بعد علمكم الذي هو في الجهل بأن الله واحد انتهى وحذف مفعول تعلمون للدلالة على عدم اختصاص ما هم عليه من العلم بنوع واحد من الأنواع الموجبة للتوحيد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البزار والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال ما كان


"""""" صفحة رقم 51 """"""
) يا أيها الذين آمنوا ( فهو أنزل بالمدينة وما كان ) يا أيها الناس ( فهو أنزل بمكة وروى نحو ذلك عن ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وروى نحوه أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر من قول علقمة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه وابن المنذر عن الضحاك مثله وكذا أخرج أبو عبيد عن ميمون بن مهران وأخرج نحوه أيضا ابن أبي شيبة وابن مردويه عن عروة وعكرمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الناس ( قال هي للفريقين جميعا من الكفار والمؤمنين وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ( لعلكم ) يعني كي وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عون بن عبدالله بن عتبة قال لعل من الله واجب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ( الذي جعل لكم الأرض فراشا ) أي تمشون عليها وهي المهاد والقرار ( والسماء بناء ) قال كهيئة القبة وهي سقف الأرض وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن أنه سئل المطر من السماء أم من السحاب قال من السماء وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال السحاب غربال المطر ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض والبذر وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن معدان قال المطر ماء يخرج من تحت العرش فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في سماء الدنيا فيجتمع في موضع يقال له الأبزم فتجيء السحاب السود فتدخله فتشربه مثل شرب الإسفنجة فيسوقها الله حيث يشاء وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال ينزل الماء من السماء السابعة فتقع القطرة منه على السحاب مثل البعير وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن خالد بن يزيد قال المطر منه من السماء ومنه ما يستقيه الغيم من البحر فيعذبه الرعد والبرق وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب المطر عن ابن عباس قال إذا جاء القطر من السماء تفتحت له الأصداف فكان لؤلؤا وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي الدنيا في كتاب المطر وأبو الشيخ في العظمة عن المطلب بن حنطب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء ) وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال ما نزل مطر من السماء إلا ومعه البذر أما لو أنكم بسطتم نطعا لرأيتموه وأخرج ابن أبي الدينا وأبو الشيخ عن ابن عباس قال المطر مزاجة من الجنة فإذا كثر المزاج عظمت البركة وإن قل المطر وإذا قل المزاج قلت البركة وإن كثر المطر وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يصرفه حيث يشاء وينزل مع المطر كذا وكذا من الملائكة يكتبون حيث يقع ذلك المطر ومن يرزقه ومن يخرج منه مع كل قطرة وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فلا تجعلوا لله أندادا ( أي لا تشركوا به غيره من الأنداد التي لا تضر ولا تنفع ( وأنتم تعلمون ) لأنه لا رب لكم يرزقكم غيره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عباس ( أندادا ) قال أشباها وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ( أندادا ) قال أكفاء من الرجال يطيعونهم في معصية الله وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ( أندادا ) قال شركاء وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجة وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال ( قال رجل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما شاء الله وشئت قال جعلتني لله ندا ما شاء الله وحده ) وأخرج ابن سعد عن قتيلة بنت صيفي قالت ( جاء حبر من الأحبار إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال وكيف قال يقول أحدكم لا والكعبة فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حلف فليحلف برب الكعبة فقال يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله ندا قال وكيف ذلك قال يقول أحدكم ما شاء الله وشئت فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فمن قال منكم ما شاء الله قال ثم شئت )


"""""" صفحة رقم 52 """"""
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان ) وأخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي وابن مردويه عن طفيل بن سخبرة ( أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مر برهط من اليهود فقال أنتم نعم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرا ابن الله فقالوا وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد ثم مر برهط من النصارى فقال أنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله قالوا وأنتم نعم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد فلما أصبح اخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فخطب فقال إن طفيلا رأى رؤيا وإنكم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم فلا تقولوها ولكن قولوا ما شاء الله وحده لا شريك له ) وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفا سوداء في ظلمة الليل وهو أن تقول والله وحياتك يا فلان وحياتي وتقول لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص ولولا القط في الدار لأتى اللصوص وقول الرجل ما شاء الله وشئت وقول الرجل لولا الله وفلان هذا كله شرك وأخرج البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال ( قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك ) الحديث
البقرة 23 24
البقرة : ( 23 ) وإن كنتم في . . . . .
( في ريب ) أي شك مما نزلنا على عبدنا أي القرآن أنزله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والعبد مأخوذ من التعبد وهو التذلل والتنزيل التدريج والتنجيم وقوله ( فأتوا ) الفاء جواب الشرط وهو أمر معناه التعجيز لما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ويبطل الشرك عقبه بما هو الحجة على إثبات نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما يدفع الشبهة في كون القرآن معجزة فتحداهم بأن يأتوا بسورة من سوره والسورة الطائفة من القرآن المسماة باسم خاص سميت بذلك لأنها مشتملة على كلماتها كاشتمال سور البلد عليها و ( من ) في قوله ( من مثله ) زائدة لقوله فأتوا بسورة مثله والضمير في مثله عائد على القرآن عند جمهور أهل العلم وقيل عائد على التوراة والإنجيل لأن المعنى فأتوا بسورة من كتاب مثله فإنها تصدق ما فيه وقيل يعود على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى من بشر مثل محمد أي لا يكتب ولا يقرأ والشهداء جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة أو المعاون والمراد هنا الآلهة ومعنى ( دون ) أدنى مكان من الشيء واتسع فيه حتى استعمل في تخطي الشيء إلى شيء آخر ومنه ما في هذه الآية وكذلك قوله تعالى ) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ( وله معان آخر منها التقصير عن الغاية والحقارة يقال هذا الشيء دون أي حقير ومنه إذا ما علا المرء رام العلا
ويقنع بالدون من كان دونا
والقرب يقال هذا دون ذاك أي أقرب منه ويكون إغراء تقول دونك زيدا أي خذه من أدنى مكان ( من دون الله ) متعلق بادعوا أي أدعوا الذين يشهدون لكم من دون الله إن كنتم صادقين فيما قلتم من أنكم تقدرون على المعارضة وهذا تعجيز لهم وبيان لانقطاعهم والصدق خلاف الكذب وهو مطابقة الخبر للواقع أو للإعتقاد أو لهما على الخلاف المعروف في علم المعاني
البقرة : ( 24 ) فإن لم تفعلوا . . . . .
) فإن لم تفعلوا ( يعني فيما مضى ) ولن تفعلوا ( أي تطيقوا ذلك فيما يأتي


"""""" صفحة رقم 53 """"""
وتبين لكم عجزكم عن المعارضة ( فاتقوا النار ) بالإيمان بالله وكتبه ورسله والقيام بفرائضه واجتناب مناهيه وعبر عن الإتيان بالفعل لأن الإتيان فعل من الأفعال لقصد الاختصار وجملة لن تفعلوا لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية ولن للنفي المؤكد لما دخلت عليه وهذا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها لأنها لم تقع المعارضة من أحد من الكفرة في أيام النبوة وفيما بعدها وإلى الآن والوقود بالفتح الحطب وبالضم التوقيد أي المصدر وقد جاء فيه الفتح والمراد بالحجارة الأصنام التي كانوا يعبدونها لأنهم قرنوا أنفسهم بها في الدينا فجعلت وقودا للنار معهم ويدل على هذا قوله تعالى ) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ( أي حطب جهنم وقيل المراد بها حجارة الكبريت وفي هذا من التهويل ما لا يقدر قدره من كون هذه النار تتقد بالناس والحجارة فأوقدت بنفس ما يراد إحراقه بها والمراد بقوله ( أعدت ) جعلت عدة لعذابهم وهيئت لذلك وقد كرر الله سبحانه تحدي الكفار بهذا في مواضع في القرآن منها هذا ومنها قوله تعالى في سورة القصص ) قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ( وقال في سورة سبحان ) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( وقال في سورة هود ) أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ( وقال في سورة يونس ) وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (
وقد وقع الخلاف بين أهل العلم هل وجه الإعجاز في القرآن هو كونه في الرتبة العلية من البلاغة الخارجة عن طوق البشر أو كان العجز عن المعارضة للصرفة من الله سبحانه لهم عن ان يعارضوه والحق الأول والكلام في هذا مبسوط في مواطنه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فارجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ) وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ( وإن كنتم في ريب ) قال هذا قول الله لمن شك من الكفار فيما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ( وإن كنتم في ريب ) قال في شك ( مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) قال من مثل القرآن حقا وصدقا لا باطل فيه ولا كذب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) فأتوا بسورة من مثله ( قال مثل القرآن ) وادعوا شهداءكم ( قال ناس يشهدون لكم إذا أتيتم بها أنها مثله وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( شهداءكم ) قال أعوانكم على ما أنتم عليه ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ) فقد بين لكم الحق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ) يقول لن تقدروا على ذلك ولن تطيقوه وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه كان يقرأ كل شيء في القرآن وقودها برفع الواو الأولى إلا التي في السماء ذات البروج ) النار ذات الوقود ( بنصب الواو وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال إن الحجارة التي ذكرها الله في القرآن في قوله ) وقودها الناس والحجارة ( حجارة من كبريت خلقها الله عنده كيف شاء وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير أيضا عن عمرو بن ميمون مثله أيضا وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال ( تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) وقودها الناس والحجارة ( قال أوقد عليها ألف عام حتى احمرت


"""""" صفحة رقم 54 """"""
وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها ) وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا مثله وأخرج أحمد ومالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم قالوا يا رسول الله إن كانت لكافية قال فإنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ) واخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد مرفوعا نحوه وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون إنها لأشد سوادا من القار وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أعدت للكافرين ( قال أي لمن كان مثل ما أنتم عليه من الكفر
البقرة 25
البقرة : ( 25 ) وبشر الذين آمنوا . . . . .
لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقبه بجزاء المؤمنين ليجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد كما هي عادته سبحانه في كتابه العزيز لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه والتبشير الإخبار بما يظهر أثره على البشرة وهي الجلدة الظاهرة من البشر والسرور قال القرطبي أجمع العلماء على أن المكلف إذا قال من بشرني من عبيدي فهو حر فبشره واحد من عبيده فأكثر فإن أولهم يكون حرا دون الثاني واختلفوا إذا قال من أخبرني من عبيدي بكذا فهو حر فقال أصحاب الشافعي يعم لأن كل واحد منهم مخبر وقال علماؤنا لا لأن المكلف إنما قصد خبرا يكون بشارة وذلك مختص بالأول انتهى والحق أنه إن أراد مدلول الخبر عتقوا جميعا وإن أراد الخبر المقيد بكونه بشارة عتق الأول فالخلاف لفظي والمأمور بالتبشير قيل هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو كل أحد كما في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( بشر المشائين ) وهذه الجمل وإن كانت مصدرة بالإنشاء فلا يقدح ذلك في عطفها على ما قبلها لأن المراد عطف جملة وصف ثواب المطيعين على جملة وصف عقاب العاصين من دون نظر إلى ما اشتمل عليه الوصفان من الأفراد المتخالفة خبرا وإنشاء وقيل إن قوله ( وبشر ) معطوف على قوله ( فاتقوا النار ) وليس هذا بجيد و ( الصالحات ) الأعمال المستقيمة والمراد هنا الأعمال المطلوبة منهم المفترضة عليهم وفيه رد على من يقول إن الإيمان بمجرده يكفي فالجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح والجنات البساتين وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها أي تستره بشجرها وهو اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة والأنهار جمع نهر وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر والمراد الماء الذي يجري فيها وأنشد الجرى إليها مجازا والجاري حقيقة هو الماء كما في قوله تعالى ) واسأل القرية ( أي أهلها وكما قال الشاعر ونبئت أن النار بعدك أوقدت
واستب بعدك يا كليب المجلس
والضمير في قوله ( من تحتها ) عائد إلى الجنات لاشتمالها على الأشجار أي من تحت أشجارها وقوله ( كلما رزقوا ) وصف آخر للجنات أو هو جملة مستأنفة كأن سائلا قال كيف ثمارها و ( من ثمرة ) في معنى من أي


"""""" صفحة رقم 55 """"""
ثمرة أي نوع من أنواع الثمرات والمراد بقوله ( هذا الذي رزقنا من قبل ) أنه شبيهه ونظيره لا أنه هو لأن ذات الحاضر لا تكون عين ذات الغائب لاختلافهما وذلك أن اللون يشبه اللون وإن كان الحجم والطعم والرائحة والماوية متخالفة والضمير في به عائد إلى الرزق وقيل المراد أنهم أتوا بما يرزقونه في الجنة متشابها فما يأتيهم في أول النهار يشابه الذي يأتيهم في آخره فيقولون هذا الذي رزقنا من قبل فإذا أكلوا وجدوا له طعما غير طعم الأول و ( متشابها ) منصوب على الحال والمراد بتطهير الأزواج أنه لا يصيبهن ما يصيب النساء من قذر الحيض والنفاس وسائر الأدناس التي لا يمتنع تعلقها بنساء الدنيا والخلود البقاء الدائم الذي لا ينقطع وقد يستعمل مجازا فيما يطول والمراد هنا الأول
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن ماجة وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي وابن مردويه عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا هل مشمر للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في دار سليمة وفاكهة خضراء ) الحديث والأحاديث في وصف الجنة كثيرة جدا ثابتة في الصحيحين وغيرهما وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أنهار الجنة تفجر من تحت جبال مسك ) وأخرج ابن أبي شيبة وأبو حاتم وأبو الشيخ وابن حبان والبيهقي في البعث وصححه عن ابن مسعود نحوه موقوفا وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ( تجري من تحتها الأنهار ) قال يعني المساكن تجري اسفلها أنهارها وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا ( قال أتوا بالثمرة في الجنة فنظروا إليها ) قالوا هذا الذي رزقنا من قبل ( في الدنيا ) وأتوا به متشابها ( في اللون والمرأى وليس يشبه الطعم عبد بن حميد عن علي بن زيد وقتادة نحوه وأخرج مسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ليس في الدنيا مما في الجنة شيء إلا الأسماء وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال قولهم ) من قبل ( معناه هذا مثل الذي كان بالأمس وأخرج ابن جرير عن يحيى بن أبي كثير نحوه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال ( متشابها ) في اللون مختلفا في الطعم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) متشابها ( قال خيار كله يشبه بعضه بعضا لا رذل فيه ألم تروا إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) ولهم فيها أزواج مطهرة ( قال من الحيض والغائط والبزاق والنخامة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال من القذر والأذى وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في صفات أهل الجنة في الصحيحين وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة أن أهل الجنة لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون وثبت أيضا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما من صفات نساء أهل الجنة ما لا يتسع المقام لبسطه فلينظر في دواوين الإسلام وغيرها وأخرج ابن جرير وابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وهم فيها خالدون ( أي خالدون أبدا يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله ابدا لا انقطاع له وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وهم فيها خالدون ( يعني لا يموتون وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار لا موت


"""""" صفحة رقم 56 """"""
ويا أهل الجنة لا موت كل هو خالد فيما هو فيه ) وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة نحوه وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث معاذ نحوه وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لو قيل لأهل النار إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا ولكن جعل لهم الأبد )
البقرة 26 27
البقرة : ( 26 ) إن الله لا . . . . .
أنزل الله هذه الآية ردا على الكفار لما أنكروا ما ضربه سبحانه من الأمثال كقوله ) مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ( وقوله ) أو كصيب من السماء ( فقالوا الله أجل وأعلا من أن يضرب الأمثال وقال الرازي إنه تعالى لما بين بالدليل كون القرآن معجزا أورد ها هنا شبهة أوردها الكفار قدحا في ذلك وأجاب عنها وتقرير الشبهة أنه جاء في القرآن ذكر النحل والعنكبوت والنمل وهذه الأشياء لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء فاشتمال القرآن عليها يقدح في فصاحته فضلا عن كونه معجزا وأجاب الله عنها بأن صغر هذه الأشياء لا تقدح في الفصاحة إذا كان ذكرها مشتملا على حكمة بالغة انتهى ولا يخفاك أن تقرير هذه الشبهة على هذا الوجه وإرجاع الإنكار إلى مجرد الفصاحة لا مستند له ولا دليل عليه وقد تقدمه إلى شيء من هذا صاحب الكشاف والظاهر ما ذكرناه أولا لكون هذه الآية جاءت بعقب المثلين اللذين هما مذكوران قبلها ولا يستلزم استنكارهم لضرب الأمثال بالأشياء المحقرة أن يكون ذلك لكونه قادحا في الفصاحة والإعجاز والحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم كذا في الكشاف وتبعه الرازي في مفاتيح الغيب وقال القرطبي أصل الإستحياء الإنقباض عن الشيء والامتناع منه خوفا من مواقعة القبيح وهذا محال على الله انتهى وقد اختلفوا في تأويل ما في هذه الآية من ذكر الحياء فقيل ساغ ذلك لكونه واقعا في الكلام المحكي عن الكفار وقيل هو من باب المشاكلة كما تقدم وقيل هو جار على سبيل التمثيل قال في الكشاف مثل تركه تخييب العبد وأنه لا يرد يديه صفرا من عطائه لكرمه بترك من يترك رد المحتاج إليه حياء منه انتهى وقد قرأ ابن محيصن وابن كثير في رواية عنه ( يستحي ) بياء واحدة وهي لغة تميم وبكر بن وائل نقلت فيها حركة الياء الأولى إلى الحاء فسكنت ثم استثقلت الضمة على الثانية فسكنت فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين وضرب المثل اعتماده وصنعه و ( ما ) في قوله ) ما بعوضة ( إبهامية أي موجبة لإبهام ما دخلت عليه حتى يصير أعم مما كان عليه وأكثر شيوعا في أفراده وهي في موضع نصب على البدل من قوله ( مثلا ) و ( بعوضة ) نعت لها لإبهامها قاله الفراء والزجاج وثعلب وقيل إنها زائدة وبعوضة بدل من مثل ونصب بعوضة في هذين الوجهين ظاهر وقيل إنها منصوبة بنزع الخافض والتقدير أن يضرب مثلا ما بين بعوضة فخذف لفظ بين وقد روى هذا عن الكسائي وقيل إن يضرب بمعنى يجعل فتكون


"""""" صفحة رقم 57 """"""
بعوضة المفعول الثاني وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورؤية بن العجاج ( بعوضة ) بالرفع وهي لغة تميم قال أبو الفتح وجه ذلك أن ( ما ) اسم بمنزلة الذي وبعوضة رفع على إضمار المبتدأ ويحتمل أن تكون ( ما ) استفهامية كأنه قال تعالى ) ما بعوضة فما فوقها ( حتى لا يضرب المثل به بل يدان لمثل بما هو أقل من ذلك بكثير والبعوضة فعولة من بعض إذا قطع يقال بعض وبضع بمعنى والبعوض البق الواحدة بعوضة سميت بذلك لصغرها قاله الجوهري وغيره وقوله ( فما فوقها ) قال الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما فما فوقها والله أعلم ما دونها أي أنها فوقها في الصغر كجناحها قال الكسائي وهذا كقولك في الكلام أتراه قصيرا فيقول القائل أو فوق ذلك أي أقصر مما ترى ويمكن أن يراد فما زاد عليها في الكبر وقد قال بذلك جماعة وقوله ) فأما الذين آمنوا ( أما حرف فيه معنى الشرط وقدره سيبويه بمهما يكن من شيء فكذا وذكر صاحب الكشاف أن فائدته في الكلام أنه يعطيه فضل توكيد وجعل تقدير سيبويه دليلا على ذلك والضمير في ( أنه ) راجع إلى المثل و ( الحق ) الثابت وهو المقابل للباطل والحق واحد الحقوق والمراد هنا الأول وقد اختلف النحاة في ( ماذا ) فقيل هي بمنزلة اسم واحد بمعنى أي شيء أراد الله فتكون في موضع نصب بأراد قال ابن كيسان وهو الجيد وقيل ( ما ) اسم تام في موضع رفع بالابتداء و ( ذا ) بمعنى الذي وهو خبر المبتدأ مع صلته وجوابه يكون على الأول منصوبا وعلى الثاني مرفوعا والإرادة نقيض الكراهة وقد اتفق المسلمون على أنه يجوز إطلاق هذا اللفظ على الله سبحانه و ( مثلا ) قال ثعلب منصوب على القطع والتقدير أراد مثلا وقال ابن كيسان هو منصوب على التمييز الذي وقع موقع الحال وهذا أقوى من الأول وقوله ) يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا ( هو كالتفسير للجملتين السابقتين المصدرتين بأما فهو خبر من الله سبحانه وقيل هو حكاية لقول الكافرين كأنهم قالوا ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى وليس هذا بصحيح فإن الكافرين لا يقرون بأن في القرآن شيئا من الهداية ولا يعترفون على أنفسهم بشيء من الضلالة قال القرطبي ولا خلاف أن قوله ) وما يضل به إلا الفاسقين ( من كلام الله سبحانه وقد أطال المتكلمون الخصام في تفسير الضلال المذكور هنا وفي نسبته إلى الله سبحانه وقد نقح البحث الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب في هذا الموضع تنقيحا نفيسا وجوده وطوله وأوضح فروعه وأصوله فليرجع إليه فإنه مفيد جدا وأما صاحب الكشاف فقد اعتمد ها هنا على عصاه التي يتوكأ عليها في تفسيره فجعل إسناد الإضلال إلى الله سبحانه بكونه سببا فهو من الإسناد المجازي إلى ملابس للفاعل الحقيقي وحكى القرطبي عن أهل الحق من المفسرين أن المراد بقوله ( يضل ) يخذل والفسق الخروج عن الشيء يقال فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها والفأرة من جحرها ذكر معنى هذا الفراء وقد استشهد أبو بكر بن الأنباري في كتاب الزاهر له على معنى الفسق بقول رؤبة بن العجاج يهوين في نجد وغورا غائرا
فواسقا عن قصدها جوائر
قد زعم ابن الأعرابي أنه لم يسمع قط في كلام الجاهلية ولا في شعرهم فاسق وهذا مردود عليه فقد حكى ذلك عن العرب وأنه من كلامهم جماعة من أئمة اللغة كابن فارس والجوهري وابن الأنباري وغيرهم وقد ثبت في الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( خمس فواسق ) الحديث وقال في الكشاف الفسق الخروج عن القصد ثم ذكر عجز بيت رؤبة المذكور ثم قال والفاسق في الشريعة الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة انتهى وقال القرطبي والفسق في عرف الاستعمال الشرعي الخروج من طاعة الله عز وجل فقد يقع على من خرج بكفر وعلى من خرج بعصيان انتهى وهذا هو أنسب بالمعنى اللغوي ولا وجه لقصره على


"""""" صفحة رقم 58 """"""
بعض الخارجين دون بعض قال الرازي في تفسيره واختلف أهل القبلة هل هو مؤمن أو كافر فعند أصحابنا أنه مؤمن وعند الخوارج أنه كافر وعند المعتزلة لا مؤمن ولا كافر واحتج المخالف بقوله تعالى ) بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ( وقوله ) إن المنافقين هم الفاسقون ( وقوله ) حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ( وهذه المسألة طويلة مذكورة في علم الكلام انتهى
البقرة : ( 27 ) الذين ينقضون عهد . . . . .
وقوله ) الذين ينقضون ( في محل نصب وصفا للفاسقين والنقض إفساد ما أبرم من بناء حبل أو عهد والنقاضة ما نقض من حبل الشعر والعهد قيل هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره وقيل هو وصية الله إلى خلقه وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسن رسله ونقضهم ذلك ترك العمل به وقيل بل هو نصب الأدلة على وحدانيته بالسموات والأرض وسائر مخلوقاته ونقضه ترك النظر فيه وقيل هو ما عهده إلى الذين أوتوا الكتاب ليبيننه للناس والميثاق العهد المؤكد باليمين مفعال من الوثاقة وهي الشدة في العقد والربط والجمع المواثيق والمياثيق وأنشد ابن الأعرابي حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا
ولا نسأل الأقوام عهد المياثق
واستعمال النقض في إبطال العهد على سبيل الاستعارة والقطع معروف والمصدر في الرحم القطيعة وقطعت الحبل قطعا وقطعت النهر قطعا ( وما ) في قوله ( ما أمر الله به ) في موضع نصب بيقطعون و ( أن يوصل ) في محل نصب بأمر ويحتمل أن يكون بدلا من ما أو من الهاء في به واختلفوا ما هو الشيء الذي أمر الله بوصله فقيل الأرحام وقيل أمر أن يوصل القول بالعمل وقيل أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه فقطعوه بتصديق بعضهم وتكذيب البعض الآخر وقيل المراد به حفظ شرائعه وحدوده التي أمر في كتبه المنزلة وعلى ألسن رسله بالمحافظة عليها فهي عامة وبه قال الجمهور وهو الحق والمراد بالفساد في الأرض الأفعال والأقوال المخالفة لما أمر الله به كعبادة غيره والإضرار بعباده وتغيير ما أمر بحفظه وبالجملة فكل ما خالف الصلاح شرعا أو عقلا فهو فساد والخسران النقصان والخاسر هو الذي نقص نفسه من الفلاح والفوز وهؤلاء لما استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل كان عملهم فسادا لما نقصوا أنفسهم من الفلاح والربح
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مسعود وناس من الصحابة قال لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين قوله ) مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ( وقوله ) أو كصيب من السماء ( قال المنافقون الله أعلا وأجل من أن يضرب هذه الأمثال فانزل الله ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ) الآية وأخرج الواحدي في تفسيره عن ابن عباس قال إن الله ذكر آلهة المشركين فقال ) وإن يسلبهم الذباب شيئا ( وذكر كيد الآلهة فجعله كبيت العنكبوت فقالوا أرأيت حيث ذكر الله الذباب والعنكبوت فيما أنزل من القرآن على محمد أي شيء كان يصنع بهذا فأنزل الله ) إن الله لا يستحيي ( وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة نحو قول ابن عباس وأخرج ابن أبي خاتم عن الحسن قال لما نزلت ) يا أيها الناس ضرب مثل ( قال المشركون ما هذا من الأمثال فيضرب فأنزل الله هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى ) فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ( قال يؤمن به المؤمن ويعلمون أنه الحق من ربهم ويهديهم الله به ويعرفه الفاسقون فيكفرون به وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) يضل به كثيرا ( يعني المنافقين ) ويهدي به كثيرا ( يعني المؤمنين ) وما يضل به إلا الفاسقين ( قال هم المنافقون وفي قوله ) ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ( قال هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 59 """"""
في قوله ) وما يضل به إلا الفاسقين ( يقول يعرفه الكافرون فيكفرون به وأخرج ابن جرير عن قتادة قال فسقوا فأضلهم الله بفسقهم وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعد بن أبي وقاص قال الحرورية هم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان يسميهم الفاسقين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال ما نعلم الله أوعد في ذنب ما أوعد في نقض هذا الميثاق فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه فليوف به الله وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في أحاديث ثابتة في الصحيح وغيره من طريق جماعة من الصحابة النهي عن نقض العهد والوعيد الشديد عليه واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ( قال الرحم والقرابة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ويفسدون في الأرض ( قال يعملون فيها بالمعصية وأخرج ابن المنذر عن مقاتل في قوله ) أولئك هم الخاسرون ( يقول هم أهل النار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام مثل خاسر ومسرف وظالم ومجرم وفاسق فإنما يعني به الكفر وما نسبه إلى أهل الإسلام فإنما يعني به الذم
البقرة 28
البقرة : ( 28 ) كيف تكفرون بالله . . . . .
كيف مبنية على الفتح لخفته وهي في موضع نصب بتكفرون ويسأل بها عن الحال وهذا الإستفهام هو للإنكار عليهم والتعجيب من حالهم وهي متضمنة لهمزة الإستفهام والواو في ) وكنتم ( للحال وقد مقدرة كما قال الزجاج والفراء وإنما صح جعل هذا الماضي حالا لأن الحال ليس هو مجرد قوله ) وكنتم أمواتا ( بل هو وما بعده إلى قوله ) ترجعون ( كما جزم به صاحب الكشاف كأنه قال كيف تكفرون وقصتكم هذه أي وأنتم عالمون بهذه القصة وبأولها وآخرها والأموات جمع ميت واختلف المفسرون في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين فقيل إن المراد ) وكنتم أمواتا ( قبل أن تخلقوا أي معدومين لأنه يجوز إطلاق اسم الموت على المعدوم لاجتماعهما في عدم الإحساس ) فأحياكم ( أي خلقكم ) ثم يميتكم ( عند انقضاء آجالكم ) ثم يحييكم ( يوم القيامة وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة فمن بعدهم قال ابن عطية وهذا القول هو المراد بالاية وهو الذي لا محيد للكفار عنه وإذا أذعنت نفوس الكفار بكونهم كانوا معدومين ثم أحياء في الدنيا ثم أمواتا فيها لزمهم الإقرار بالحياة الأخرى قال غيره والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم حياة الدنيا وقيل إن المراد كنتم أمواتا في ظهر آدم ثم أخرجكم من ظهره كالذر ثم يميتكم موت الدنيا ثم يبعثكم وقيل ) وكنتم أمواتا ( أي نطفا في أصلاب الرجال ) ثم يحييكم ( حياة الدنيا ) ثم يميتكم ( بعد هذه الحياة ) ثم يحييكم ( في القبور ) ثم يميتكم ( في القبر ) ثم يحييكم ( الحياة التي ليس بعدها موت قال القرطبي فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات وثلاث إحياءات وكونهم موتى في ظهر آدم وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفا في أصلاب الرجال فعلى هذا يجيء أربع موتات وأربع إحياءات وقد قيل إن الله أوجدهم قبل خلق آدم كالبهائم وأمهاتهم فيكون على هذا خمس موتات وخمس إحياءات وموتة سادسة للعصاة من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كما ورد في الحديث ( ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فاماتهم الله إماتة حتى اذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فجيء بهم إلى أن قال فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ) وهو في الصحيح من حديث أبي سعيد وقوله ) ثم إليه ترجعون ( أي إلى الله سبحانه فيجازيكم


"""""" صفحة رقم 60 """"""
بأعمالكم وقد قرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق ومجاهد وسلام ويعقوب بفتح حرف المضارعة وقرأ الجماعة بضمه قال في الكشاف عطف الأول بالفاء وما بعده بثم لأن الإحياء الأول قد تعقب الموت بغير تراخ وأما الموت فقد تراخى عن الإحياء والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخيا ظاهرا وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النشور انتهى ولا يخفاك أنه إن أراد بقوله أن الإحياء الأول قد تعقب الموت أنه وقع على ما هو متصف بالموت فالموت الآخر وقع على ما هو متصف بالحياة وإن أراد أنه وقع الإحياء الأول عند أول اتصافه بالموت بخلاف الثاني فغير مسلم فإنه وقع عند آخر أوقات موته كما وقع الثاني عند آخر أوقات حياته فتأمل هذا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى ) وكنتم أمواتا ( الآية قال لم تكونوا شيئا فخلقكم ) ثم يميتكم ثم يحييكم ( يوم القيامة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال يميتكم ثم يحيكم في القبر ثم يميتكم وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) وكنتم أمواتا ( قال حين لم تكونوا شيئا ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة ثم يرجعون إليه بعد الحياة وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال خلقهم من ظهر آدم فأخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة والصحيح الأول
البقرة 29
البقرة : ( 29 ) هو الذي خلق . . . . .
قال ابن كيسان ) خلق لكم ( أي من أجلكم وفيه دليل على أن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة حتى يقوم دليل يدل على النقل عن هذا الأصل ولا فرق بين الحيوانات وغيرها مما ينتفع به من غير ضرر وفي التأكيد بقوله ) جميعا ( أقوى دلالة على هذا وقد استدل بهذه الآية على تحريم أكل الطين لأنه تعالى خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض وقال الرازي في تفسيره إن لقائل أن يقول إن في جملة الأرض ما يطلق عليه أنه في الأرض فيكون جامعا للوصفين ولا شك أن المعادن داخلة في ذلك وكذلك عروق الأرض وما يجري مجرى البعض لها ولأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه انتهى وقد ذكر صاحب الكشاف ما هو أوضح من هذا فقال فإن قلت هل لقول من زعم أن المعنى خلق لكم الأرض وما فيها وجه صحة قلت إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء كما تذكر السماء ويراد الجهات العلوية جاز ذلك فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية انتهى وأما التراب فقد ورد في السنة تحريمه وهو أيضا ضار فليس مما ينتفع به أكلا ولكنه ينتفع فيه في منافع أخرى وليس المراد منفعة خاصة كمنفعة الأكل بل كل ما يصدق عليه أنه ينتفع به بوجه من الوجوه وجميعا منصوب على الحال والاستواء في اللغة الاعتدال والاستقامة قاله في الكشاف ويطلق على الإرتفاع والعلو على الشيء قال تعالى ) فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك ( وقال ) لتستووا على ظهوره ( وهذا المعنى هو المناسب لهذه الآية وقد قيل إن هذه الآية من المشكلات وقد ذهب كثير من الأئمة إلى الإيمان بها وترك التعرض لتفسيرها وخالفهم آخرون والضمير في قوله ) فسواهن ( مبهم يفسره ما بعده كقولهم زيد رجلا وقيل إنه راجع إلى السماء لأنها في معنى الجنس والمعنى أنه عدل خلقهن فلا اعوجاج فيه وقد استدل بقوله ) ثم استوى ( على أن خلق الأرض متقدم على خلق السماء وكذلك الآية التي في حم السجدة وقال في النازعات


"""""" صفحة رقم 61 """"""
) أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ( فوصف خلقها ثم قال ) والأرض بعد ذلك دحاها ( فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض وكذلك قوله تعالى ) الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ( وقد قيل إن خلق جرم الأرض متقدم على السماء ودحوها متأخر وقد ذكر نحو هذا جماعة من أهل العلم وهذا جمع جيد لابد من المصير إليه ولكن خلق ما في الأرض لا يكون إلا بعد الدحو والآية المذكورة هنا دلت على أنه خلق ما في الأرض قبل خلق السماء وهذا يقتضي بقاء الإشكال وعدم التخلص عنه بمثل هذا الجمع وقوله ) سبع سماوات ( فيه التصريح بأن السموات سبع وأما الأرض فلم يأت في ذكر عددها إلا قوله تعالى ) ومن الأرض مثلهن ( فقيل أي في العدد وقيل أي في غلظهن وما بينهن وقال الداودي إن الأرض سبع ولكن لم يفتق بعضها من بعض والصحيح أنها سبع كالسموات وقد ثبت في الصحيح قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من أخذ شبرا من الأرض ظلما طوقه الله من سبع أرضين ) وهو ثابت من حديث عائشة وسعيد بن زيد ومعنى قوله تعالى ) فسواهن ( سوى سطوحهن بالإملاس وقيل جعلهن سواء قال الرازي في تفسيره فإن قيل فهل يدل التنصيص على سبع سموات أي فقط قلنا الحق أن تخصيص العدد بالذكر لا يدل على نفي الزائد والله أعلم انتهى وفي هذا إشارة إلى ما ذكره الحكماء من الزيادة على السبع ونحن نقول إنه لم يأتنا عن الله ولا عن رسوله إلا السبع فنقتصر على ذلك ولا نعمل بالزيادة إلا إذا جاءت من طريق الشرع ولم يأت شيء من ذلك وإنما أثبت لنفسه سبحانه أنه بكل شيء عليم لأنه يجب أن يكون عالما بجميع ما ثبت أنه خالقه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله تعالى ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ( قال سخر لكم ما في الأرض جميعا كرامة من الله ونعمة لابن آدم وبلغة ومنفعة إلى أجل وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن مجاهد في قوله ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ( قال سخر لكم ما في الأرض جميعا ) ثم استوى إلى السماء ( قال خلق الأرض قبل السماء فلما خلق الأرض ثار منها دخان فذلك قوله ) ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ( يقول خلق سبع سموات بعضهن فوق بعض وسبع أرضين بعضهن فوق بعض وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض ( الآية قالوا إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء فلما أراد يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم انبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها سبع أرضين في يومين الأحد والإثنين فخلق الأرض على حوت وهو الذي ذكره في قوله ) ن والقلم ( والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة في الريح وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت فذلك قوله تعالى ) وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ( وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها سخرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك قوله ) أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض ( إلى قوله ) وبارك فيها ( يقول أنبت شجرها ) وقدر فيها أقواتها ( يقول أقوات أهلها ) في أربعة أيام سواء للسائلين ( يقول لمن سأل فهكذا الامر ) ثم استوى إلى السماء وهي دخان ( وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض ) وأوحى في كل سماء أمرها ( قال خلق في كل أسماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظا من الشياطين فلما فرغ


"""""" صفحة رقم 62 """"""
من خلق ما أحب استوى على العرش وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس ي قوله ) ثم استوى إلى السماء ( يعني صعد أمره إلى السماء فسواهن يعني خلق سبع سموات قال أجرى النار على الماء فبخر البحر فصعد في الهواء فجعل السموات منه وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حديث أبي هريرة في الصحيح قال ( أخذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة بعد العصر ) وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من طرق عند أهل السنن وغيرهم عن جماعة من الصحابة أحاديث في وصف السموات وأن غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام وما بين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام وأنها سبع سموات وان الأرض سبع ارضين وكذلك ثبت في وصف السماء آثار عن جماعة من الصحابة وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور بعض ذلك في تفسير هذه الآية وإنما تركنا ذكره ها هنا لكونه غير متعلق بهذه الآية على الخصوص بل هو متعلق بما هو أعم منها
البقرة 30
البقرة : ( 30 ) وإذ قال ربك . . . . .
( إذ ) من الظروف الموضوعة للتوقيت وهي للمستقبل وإذا للماضي وقد توضع إحداهما موضع الأخرى وقال المبرد هي مع المستقبل للمضي ومع الماضى للاستقبال وقال أبو عبيدة إنها هنا زائدة وحكاه الزجاج وابن النحاس وقالا هي ظرف زمان ليست مما يزاد وهي هنا في موضع نصب بتقدير اذكر أو بقالوا وقيل هو متعلق بخلق لكم وليس بظاهر والملائكة جمع ملك بوزن فعل قاله ابن كيسان وقيل جمع ملأك بوزن مفعل قاله أبو عبيدة من لأك إذا أرسل والألوكة الرسالة قال لبيد وغلام أرسلته أمه
بألوك فبذلنا ما سأل
وقال عدي بن زيد أبلغ النعمان عني مألكا
أنه قد طال حبسي وانتظار
ويقال ألكني أي أرسلني وقال النضر بن شميل لا اشتقاق لملك عند العرب والهاء في الملائكة تأكيد لتأنيث الجمع ومثله الصلادمة والصلادم الخيل الشداد واحدها صلدم وقيل هي المبالغة كعلامة ونسابة و ( جاعل ) هنا من جعل المتعدي إلى مفعولين وذكر المطرزي أنه بمعنى خالق وذلك يقتضي أنه متعد إلى مفعول واحد والأرض هنا هي هذه الغبراء ولا يختص ذلك بمكان دون مكان وقيل إنها مكة والخليفة هنا معناه الخالف لمن كان قبله من الملائكة ويجوز أن يكون معنى المخلوف أي يخلفه غيره قيل هو آدم وقيل كل من له خلافة في الأرض ويقوي الأول قول خليفة دون خلائف واستغني بآدم عن ذكر من بعده قيل خاطب الله الملائكة بهذا الخطاب لا للمشورة ولكن لاستخراج ما عندهم وقيل خاطبهم بذلك لأجل أن يصدر منهم ذلك السؤال فيجابون بذلك الجواب وقيل لأجل تعليم عباده مشروعية المشاورة لهم وأما قولهم ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( فظاهره أنهم استنكروا استخلاف بني آدم في الأرض لكونهم مظنة للإفساد في الأرض وإنما قالوا هذه المقالة قبل أن يتقدم لهم معرفة ببني آدم بل قبل وجود آدم فضلا عن ذريته لعلم قد علموه من


"""""" صفحة رقم 63 """"""
الله سبحانه بوجه من الوجوه لأنهم لا يعلمون الغيب قال بهذا جماعة من المفسرين وقال بعض المفسرين إن في الكلام حذفا والتقدير إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا فقالوا ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( وقوله ( يفسد ) قائم مقام المفعول الثاني والفساد ضد الصلاح وسفك الدم صبه قاله ابن فارس والجوهري ولا يستعمل السفك إلا في الدم وواحد الدماء دم وأصله دمي حذف لامه وجملة ونحن نسبح بحمدك حالية والتسبيح في كلام العرب التنزيه والتبعيد من السوء على وجه التعظيم قال الأعشى اقول لما جاءني فخره
سبحان من علقمة الفاخر
( وبحمدك ) في موضع الحال أي حامدين لك وقد تقدم معنى الحمد والتقديس التطهير أي ونطهرك عما لا يليق بك مما نسبه إليك الملحدون وافتراه الجاحدون وذكر في الكشاف أن معنى التسبيح والتقديس واحد وهو تبعيد الله من السوء وأنهما من سبح في الأرض والماء وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد وفي القاموس وغيره من كتب اللغة ما يرشد إلى ما ذكرناه والتأسيس خير من التأكيد خصوصا في كلام الله سبحانه ولما كان سؤالهم واقعا على صفة تستلزم إثبات شيء من العلم لأنفسهم أجاب الله سبحانه عليهم بقوله ) إني أعلم ما لا تعلمون ( وفي هذا الإجمال ما يغني عن التفصيل لأن من علم ما لا يعلم المخاطب له كان حقيقا بأن يسلم له ما يصدر عنه وعلى من لا يعلم أن يعترف لمن يعلم بأن أفعاله صادرة على ما يوجبه العلم وتقتضيه المصلحة الراجحة والحكمة البالغة ولم يذكر متعلق قوله ( تعلمون ) ليفيد التعميم ويذهب السامع عند ذلك كل مذهب ويعترف بالعجز ويقر بالقصور
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال إن الله أخرج آدم من الجنة قبل أن يخلقه ثم قرأ ) إني جاعل في الأرض خليفة ( وأخرج الحاكم وصححه عنه أيضا نحوه وزاد وقد كان فيها قبل أن يخلق بألفي عام الجن بنو الجان فأفسدوا في الأرض وسفكوا الدماء فلما أفسدوا في الأرض بعث الله عليهم جنودا من الملائكة فضربوهم حتى ألحقوهم بجزائر البحور فلما قال الله ) إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( كما فعل أولئك الجان فقال الله ) إني أعلم ما لا تعلمون ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أطول منه وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال لما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على ملك سماء الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سموا الجن لأنهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره كبر وقال ما أعطاني الله هذا إلا لمزية لي فاطلع الله على ذلك منه فقال للملائكة ) إني جاعل في الأرض خليفة ( قالوا ربنا وما يكون ذلك الخليفة قال يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا قالوا ربنا ) قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ( وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال قد علمت الملائكة وعلم الله أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدماء والفساد في الأرض وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال إياكم والرأي فإن الله رد الرأي على الملائكة وذلك أن الله قال ) إني جاعل في الأرض خليفة ( قالت الملائكة ) أتجعل فيها من يفسد فيها ( قال ) إني أعلم ما لا تعلمون ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي سابط أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( دحيت الأرض من مكة وكانت الملائكة تطوف بالبيت ) فهي أول من طاف به وهي الأرض التي قال الله ) إني جاعل في الأرض خليفة ( قال ابن كثير وهذا مرسل في سنده ضعف وفيه مدرج وهو أن المراد بالأرض مكة والظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك انتهى وأخرج


"""""" صفحة رقم 64 """"""
عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال التسبيح والتقديس المذكور في الآية هو الصلاة وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن أول من لبي الملائكة قال الله تعالى ) إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( قال فرادوه فأعرض عنهم فطافوا بالعرش ست سنين يقولون لبيك لبيك اعتذارا إليك لبيك لبيك نستغفرك ونتوب إليك ) وثبت في الصحيح من حديث أبي ذر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أحب الكلام إلى الله ما اصطفاه لملائكته سبحان ربي وبحمده ) وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) ونقدس لك ( قال نصلي لك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال التقديس التطهير وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ونقدس لك ( قال نعظمك ونكبرك وأخرجا عن أبي صالح قال نعظمك ونمجدك وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) أعلم ما لا تعلمون ( قال علم من إبليس المعصية وخلقه لها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في تفسيرها قال كان في علم الله أنه سيكون من الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنوا الجنة وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب عن عبدالله بن عمر أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( إن آدم لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أي رب ) أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( الآية قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم قال الله لملائكته هلموا ملكين من الملائكة حتى يهبطا إلى الأرض فننظر كيف يعملان فقالوا ربنا هاروت وماروت قال فاهبطا إلى الأرض فتمثلت لهما الزهرة إمرأة من أحسن البشر وذكر القصة وقد ثبت في كتب الحديث المعتبرة أحاديث من طريق جماعة من الصحابة في صفة خلقه سبحانه لآدم وهي موجودة فلا نطول بذكرها
البقرة 31 33
البقرة : ( 31 ) وعلم آدم الأسماء . . . . .
( آدم ) أصله أأدم بهمزتين إلا أنهم لينوا الثانية وإذا حركت قلبت واو كما قالوا في الجمع أوادم قاله الأخفش واختلف في اشتقاقه فقيل من أديم الأرض وهو وجهها وقيل من الأدمة وهي السمرة قال في الكشاف وما آدم إلا اسم عجمي واقرب أمره أن يكون على فاعل كآزر وعازر وعابر وشالخ وفالغ وأشباه ذلك و ( الأسماء ) هي العبارات والمراد أسماء المسميات قال بذلك أكثر بذلك العلماء وهو المعنى الحقيقي للاسم والتأكيد بقوله ( كلها ) يفيد أنه علمه جميع الأسماء ولم يخرج عن هذا شيء منها كائنا ما كان وقال ابن جرير إنها أسماء الملائكة واسماء ذرية آدم ثم رجع هذا وهو غير راجح وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم أسماء الذرية وقال الربيع بن خيثم أسماء الملائكة واختلف أهل العلم هل عرض على الملائكة المسميات أو الأسماء والظاهر الأول لأن عرض نفس الأسماء غير واضح وعرض الشيء إظهاره ومنه عرض الشيء للبيع وإنما


"""""" صفحة رقم 65 """"""
ذكر ضمير المعروضين تغليبا للعقلاء على غيرهم وقرأ ابن مسعود ( عرضهن ) وقرأ أبي ( عرضها ) وإنما رجع ضمير عرضهم إلى مسميات مع عدم تقدم ذكرها لأنه قد تقدم ما يدل عليها وهو أسماؤها قال ابن عطية والذي يظهر أن الله علم آدم الأسماء وعرض عليه مع ذلك الأجناس أشخاصا ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن أسماء مسمياتها التي قد تعلمها آدم فقال لهم آدم هذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا قال الماوردي فكان الأصح توجه العرض إلى المسمين ثم في زمن عرضهم قولان أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم الثاني أنه صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم وأما أمره سبحانه للملائكة بقوله ) أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( فهذا منه تعالى لقصد التبكيت لهم مع علمه بأنهم يعجزون عن ذلك والمراد ) إن كنتم صادقين ( أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبئوني كذا قال المبرد وقال أبو عبيد وابن جرير إن بعض المفسرين قال معنى ) إن كنتم صادقين ( إذ كنتم قالا وهذا خطأ ومعنى ( أنبؤني ) أخبروني فلما قال لهم ذلك اعترفوا بالعجز والقصور
البقرة : ( 32 ) قالوا سبحانك لا . . . . .
فقالوا ) سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ( وسبحان منصوب على المصدرية عند الخليل وسيبويه وقال الكسائي هو منصوب على أنه منادى مضاف وهذا ضعيف جدا والعليم للمبالغة والدلالة على كثرة المعلومات والحكيم صيغة مبالغة في إثبات الحكمة له
البقرة : ( 33 ) قال يا آدم . . . . .
ثم أمر الله سبحانه آدم أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة فعجزوا واعترفوا بالقصور ولهذا قال سبحانه ) ألم أقل لكم ( الآية قال فيما تقدم ) أعلم ما لا تعلمون ( ثم قال هنا ) أعلم غيب السماوات والأرض ( تدرجا من المجمل إلى ما هو مبين بعض بيان ومبسوط بعض بسط وفي اختصاصه بعلم غيب السموات والأرض رد لما يتكلفه كثير من العباد من الاطلاع على شيء من علم الغيب كالمنجمين والكهان وأهل الرمل والسحر والشعوذة والمراد بما يبدون وما يكتمون ما يظهرون ويسرون كما يفيده معنى ذلك عند العرب ومن فسره بشيء خاص فلا يقبل منه ذلك إلا بدليل
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وعلم آدم الأسماء كلها ( قال علمه اسم الصحفة والقدر وكل شيء وأخرج ابن جرير عنه نحوه واخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه في تفسير الآية قال عرض عليه أسماء ولده إنسانا إنسانا والدواب فقيل هذا الجمل هذا الحمل هذا الفرس وأخرج الحاكم في تاريخه وابن عساكر والديلمي عن عطية بن بشر مرفوعا في قوله ) وعلم آدم الأسماء كلها ( قال علم الله آدم في تلك الأسماء ألف حرفة من الحرف وقال له قل لأولادك ولذريتك إن لم تصبروا عن الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين فإن الدين لي وحدي خالصا ويل لمن طلب الدنيا بالدين ويل له وأخرج الديلمي عن أبي رافع قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مثلت لي أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها ) وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في تفسير الآية قال أسماء ذريته أجمعين ) ثم عرضهم ( قال أخذهم من ظهره وأخرج عن الربيع بن أنس قال أسماء الملائكة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس ( ثم عرضهم ) يعني عرض أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف الخلق ) فقال أنبئوني ( يقول أخبروني ) بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة ) قالوا سبحانك ( تنزيها لله من أن يكون يعلم الغيب أحد غيره تبنا إليك ) لا علم لنا ( تبرءوا منهم من علم الغيب ) إلا ما علمتنا ( كما علمت آدم وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال عرض أصحاب الأسماء على الملائكة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) إنك أنت العليم الحكيم ( قال


"""""" صفحة رقم 66 """"""
العليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ( إن كنتم صادقين ) أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ( وأعلم ما تبدون ) قال قولهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها وما كنتم تكتمون ) يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال ( ما تبدون ) ما تظهرون ( وما كنتم تكتمون ) يقول أعلم السر كما أعلم العلانية
البقرة 34
البقرة : ( 34 ) وإذ قلنا للملائكة . . . . .
( إذ ) متعلق بمحذوف تقديره واذكر إذ قلنا وقال أبو عبيدة إذ زائدة وهو ضعيف وقد تقدم الكلام في الملائكة وآدم السجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع وغايته وضع الوجه على الأرض قال ابن فارس سجد إذا تطامن وكل ما سجد فقد ذل والإسجاد إدامة النظر وقال أبو عمر وسجد إذا طأطأ رأسه وفي هذه الآية فضيلة لآدم عليه السلام عظيمة حيث اسجد الله له ملائكته وقيل إن السجود كان لله ولم يكن لآدم وإنما كانوا مستقبلين له عند السجود ولا ملجىء لهذا فإن السجود للبشر قد يكون جائزا في بعض الشرائع بحسب ما تقتضيه المصالح وقد دلت هذه الآية على أن السجود لآدم وكذلك الآية الأخرى أعني قوله ) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ( وقال تعالى ) ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا ( فلا يستلزم تحريمه لغير الله في شريعة نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يكون كذلك في سائر الشرائع ومعنى السجود هنا هو وضع الجبهة على الأرض واليه ذهب الجمهور وقال قوم هو مجرد التذلل والإنقياد وقد وقع الخلاف هل كان السجود من الملائكة لآدم قبل تعليمه الأسماء أم بعده وقد أطال البحث في ذلك البقاعي في تفسيره وظاهر السياق أنه وقع التعليم وتعقبه الأمر بالسجود وتعقبه إسكانه الجنة ثم إخراجه منها وإسكانه الأرض وقوله ( إلا إبليس ) استثناء متصل لأنه كان من الملائكة على ما قاله الجمهور وقال شهر بن حوشب وبعض الأصوليين ( كان من الجن ) الذين كانوا في الأرض فيكون الاستنثاء على هذا منقطعا واستدلوا على هذا بقوله تعالى ) لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ( وبقوله تعالى ) إلا إبليس كان من الجن ( والجن غير الملائكة وأجاب الأولون بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس عن جملة الملائكة لما سبق في علم الله من شقائه عدلا منه ) لا يسأل عما يفعل ( وليس في خلقه من نار ولا تركيب الشهوة فيه حين غضب عليه ما يدفع أنه من الملائكة وأيضا على تسليم ذلك لا يمتنع أن يكون الاستنثاء متصلا تغليبا للملائكة الذين هم ألوف مؤلفة على إبليس الذي هو فرد واحد بين أظهرهم ومعنى ( أبى ) امتنع من فعل ما أمر به والاستكبار الاستعظام للنفس وقد ثبت في الصحيح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ( أن الكبر بطر الحق وغمط الناس ) وفي رواية ( غمص ) بالصاد المهملة ( وكان من الكافرين ) أي من جنسهم قيل إن ( كان ) هنا بمعنى صار وقال ابن فورك إنه خطأ ترده الأصول
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كانت السجدة لآدم والطاعة لله وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال سجدوا كرامة من الله أكرم بها آدم وأخرج ابن عساكر عن إبراهيم المزني قال إن الله جعل آدم كالكعبة وأخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن عباس قال كان إبليس اسمه عزازيل وكان من أشراف الملائكة من ذوي الأجنحة الأربعة ثم أبلس بعد وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال إنما سمي إبليس لأن الله أبلسه من الخير كله أي آيسه منه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن الأنباري عنه


"""""" صفحة رقم 67 """"""
قال كان إبليس قبل أن يرتكب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما فذلك دعاه إلى الكبر وكان من حي يسمون جنا وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عنه قال كان إبليس من خزان الجنة وكان يدبر أمر سماء الدنيا وأخرج محمد بن نصر عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله أمر آدم بالسجود فسجد فقال لك الجنة ولمن سجد من ولدك وامر إبليس بالسجود فأبي أن يسجد فقال لك النار ولمن أبي من ولدك أن يسجد ) وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( وكان من الكافرين ) قال جعله الله كافرا لا يستطيع أن يؤمن وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال ابتدأ الله خلق إبليس على الكفر والضلالة وعمل بعمل الملائكة فصيره إلى ما ابتدىء إليه خلقه من الكفر قال الله ( وكان من الكافرين )
البقرة 35 39
الآثار الوارده في تفسير الآيات
( اسكن ) أي اتخذ الجنة مسكنا وهو محل السكون وأما ما قاله بعض المفسرين من أن في قوله ( اسكن ) تنبيها على الخروج لأن السكنى لا تكون ملكا وأخذ ذلك من قول جماعة من العلماء أن من أسكن رجلا منزلا له فإنه لا يملكه بذلك وإن له أن يخرجه منه فهو معنى عرفي والواجب الأخذ بالمعنى العربي إذا لم تثبت في اللفظ حقيقة شرعية و ( أنت ) تأكيد للضمير المستكن في الفعل ليصح العطف عليه كما تقرر في علم النحو أنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المستكن إلا بعد تأكيده بمنفصل وقد يجيء العطف نادرا بغير تأكيد كقول الشاعر قلت إذا أقبلت وزهر تهادى
كنعاج الملا تعسفن رملا
وقوله ( وزوجك ) أي حواء وهذه هي اللغة الفصيحة زوج بغير هاء وقد جاء بها قليلا كما في صحيح مسلم من حديث أنس ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه وقال يا فلان هذه زوجتي فلانة ) الحديث ومنه قول الشاعر وإن الذي يسعي ليفسد زوجتي
كساع إلى أسد الشرى يستميلها
و ( رغدا ) بفتح المعجمة وقرأ النخعي وابن وثاب بسكونها والرغد العيش الهنيء الذي لا عناء فيه وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف و ( حيث ) مبنية على الضم وفيها لغات كثيرة مذكورة في كتب العربية القرب الدنو قال في الصحاح قرب الشيء بالضم يقرب قربا أي دنا وقربته بالكسر أقربه قربانا أي دنوت منه وقربت أقرب قرابة مثل كتبت أكتب كتابة إذا سرت إلى الماء وبينك وبينة ليلة والاسم القرب


"""""" صفحة رقم 68 """"""
قال الأصمعي قلت لأعرابي ما القرب قال سير الليل لورود الغد والنهي عن القرب فيه سد للذريعة وقطع للوسيلة ولهذا جاء به عوضا عن الأكل ولا يخفى أن النهي عن القرب لا يستلزم النهي عن الأكل لأنه قد يأكل من ثمر الشجرة من هو بعيد عنها إذا يحمل إليه فالأولى أن يقال المنع من الأكل مستفاد من المقام والشجر ما كان له ساق من نبات الأرض وواحده شجرة وقريء بكسر الشين وبالياء المثناة من تحت مكان الجيم وقرأ ابن محيصن ( هذي ) بالياء بدل الهاء وهو الأصل واختلف أهل العلم في تفسير هذه الشجرة فقيل هي الكرم وقيل النسنبلة وقيل التين وقيل الحنطة وسيأتي ما روى عن الصحابة فمن بعدهم في تعيينها وقوله ( فتكونا ) معطوف على ( تقربا ) في الكشاف أو نصب في جواب النهي وهو الأظهر والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه والأرض المظلومة التي لم تحفر قط ثم حفرت ورجل ظليم شديد الظلم والمراد هنا ( فتكونا من الظالمين ) لأنفسهم بالمعصية وكلام أهل العلم في عصمة الأنبياء واختلاف مذاهبهم في ذلك مدون في مواطنه وقد أطال البحث في ذلك الرازي في تفسيره في هذا الموضع فليرجع إليه فإنه مفيد
البقرة : ( 36 ) فأزلهما الشيطان عنها . . . . .
وأزلهما من الزلة وهي الخطيئة أي استزلهما وأوقعهما فيها وقرأ حمزة ( فأزالهما ) بإثبات الألف من الإزالة وهي التنحية أي نحاهما وقرأ الباقون بحذف الألف قال ابن كيسان هو من الزوال أي صرفهما عما كانا عليه من الطاعة إلى المعصية قال القرطبي وعلى هذا تكون القراءتان بمعنى إلا أن قراءة الجماعة أمكن في المعنى يقال منه أزللته فزل و ( عنها ) متعلق بقوله أزلهما على تضمينه معنى أصدر أي أصدر الشيطان زلتهما عنها أي بسببها يعني الشجرة وقيل الضمير للجنة وعلى هذا فالفعل مضمن معنى أبعدهما أي أبعدهما عن الجنة وقوله ) فأخرجهما ( تأكيد لمضمون الجملة الأولى أي أزلهما إن كان معناه زال عن المكان وإن لم يكن معناه كذلك فهو تأسيس لأن الإخراج فيه زيادة على مجرد الصرف والإبعاد ونحوهما لأن الصرف عن الشجرة والإبعاد عنها قد يكون مع البقاء في الجنة بخلاف الاخراج لهما عما كانا فيه من النعيم والكرامة أو من الجنة وإنما نسب ذلك إلى الشيطان لأنه الذي تولى إغواء آدم حتى أكل من الشجرة وقد اختلف أهل العلم في الكيفية التي فعلها الشيطان في إزلالهما فقيل إنه كان ذلك بمشافهة منه لهما واليه ذهب الجمهور واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ( والمقاسمة ظاهرها المشافهة وقيل لم يصدر منه إلا مجرد الوسوسة وقيل غير ذلك مما سيأتي في المروي عن السلف وقوله ) اهبطوا ( خطاب لآدم وحواء وخوطبا بما يخاطب به الجمع لأن الإثنين أقل الجمع عند البعض من أئمة العربية وقيل إنه خطاب لهما ولذريتهما لأنهما لما كانا أصل هذا النوع الإنساني جعلا بمنزلته ويدل على ذلك قوله ) بعضكم لبعض عدو ( فإن هذه الجملة الواقعة حالا مبينا للهيئة الثابتة للمأمورين بالهبوط تفيد ذلك والعدو خلاف الصديق وهو من عدا إذا ظلم ويقال ذئب عدوان أي يعدو على الناس والعدوان الظلم الصراح وقيل إنه مأخوذ من المجاوزة يقال عداه إذا جاوزه والمعنيان متقاربان فإن من ظلم فقد تجاوز وإنما أخبر عن قوله ( بعضكم ) بقوله ( عدو ) مع كونه مفردا لأن لفظ بعض وإن كان معناه محتملا للتعدد فهو مفرد فروعي جانب اللفظ واخبر عنه بالمفرد وقد يراعى المعنى فيخبر عنه بالمتعدد وقد يجاب بأن ( عدو ) وإن كان مفردا فقد يقع موقع المتعدد كقوله تعالى ) وهم لكم عدو ( وقوله ) يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو ( قال ابن فارس العدو اسم جامع للواحد والإثنين والثلاثة والمراد بالمستقر موضع الاستقرار ومنه ) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا ( وقد يكون بمعنى الاستقرار ومنه ) إلى ربك يومئذ المستقر ( فالآية محتملة للمعنيين ومثلها قوله ) جعل لكم الأرض قرارا ( والمتاع ما يستمتع به من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها واختلف المفسرون في قوله


"""""" صفحة رقم 69 """"""
( إلى حين ) فقيل إلى الموت وقيل إلى قيام الساعة واصل معنى الحين في اللغة الوقت البعيد ومنه ) هل أتى على الإنسان حين من الدهر ( والحين الساعة ومنه ) أو تقول حين ترى العذاب ( والقطعة من الدهر ومنه ) فذرهم في غمرتهم حتى حين ( أي حتى تفنى آجالهم ويطلق على السنة وقيل على ستة أشهر ومنه ) تؤتي أكلها كل حين ( ويطلق على المساء والصباح ومنه ) حين تمسون وحين تصبحون ( وقال الفراء الحين حينان حين لا يوقف على حده ثم ذكر الحين الآخر واختلافه بحسب اختلاف المقامات كما ذكرنا وقال ابن العربي الحين المجهول لا يتعلق به حكم والحين المعلوم سنة
البقرة : ( 37 ) فتلقى آدم من . . . . .
ومعنى تلقي آدم للكلمات أخذه لها وقبوله لما فيها وعمله بها وقيل فهمه لها وفطانته لما تضمنته واصل معنى التلقي الاستقبال أي استقبل الكلمات الموحاة إليه ومن قرأ بنصب ( آدم ) جعل معناه استقبلته الكلمات وقيل إن معنى تلقي تلقن ولا وجه له في العربية واختلف السلف في تعيين هذه الكلمات وسيأتي والتوبة الرجوع يقال تاب العبد إذا رجع إلى طاعة مولاه وعبد تواب كثير الرجوع فمعنى تاب عليه رجع عليه بالرحمة فقبل توبته أو وفقه للتوبة واقتصر على ذكر التوبة على آدم دون حواء مع اشتراكهما في الذنب لأن الكلام من أول القصة معه فاستمر على ذلك واستغنى بالتوبة عليه عن ذكر التوبة عليها لكونها تابعة له كما استغنى بنسبة الذنب إليه عن نسبته إليها في قوله ) وعصى آدم ربه فغوى )
البقرة : ( 38 ) قلنا اهبطوا منها . . . . .
وأما قوله ) قلنا اهبطوا ( بعد قوله ) قلنا اهبطوا ( فكرره للتوكيد والتغليظ وقيل إنه لما تعلق به حكم غير الحكم الأول كرره ولا تزاحم بين المقتضيات فقد يكون التكرير للأمرين معا وجواب الشرط في قوله ) فإما يأتينكم مني هدى ( هو الشرط الثاني مع جوابه قاله سيبويه وقال الكسائي إن جواب الشرط الأول والثاني قوله ) فلا خوف ( واختلفوا في معنى الهدى المذكور فقيل هو كتاب الله وقيل التوفيق للهداية والخوف هو الذعر ولا يكون إلا في المستقبل وقرأ الزهري والحسن وعيسى بن عمار وابن أبي إسحاق ويعقوب ( فلا خوف ) بفتح الفاء والحزن ضد السرور قال اليزيدي حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما
البقرة : ( 39 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
وصحبة أهل النار لها بمعنى الاقتران والملازمة وقد تقدم ذكر تفسير الخلود
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي ذر قال ( قلت يا رسول الله أرأيت آدم نبيا كان قال نعم كان نبيا رسولا كلمه الله قال له ) يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ( وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أبي ذر قال ( قلت يا رسول الله من أول الأنبياء قال آدم قلت نبي قال نعم قلت ثم من قال نوح وبينهما عشرة آباء ) وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه والبيهقي في الشعب نحوه من حديث أبي ذر مرفوعا وزاد ( كم كان المرسلون قال ثلثمائة وخمسة عشر جما غفيرا ) وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة الباهلي أن رجلا قال ( يا رسول الله أنبي كان آدم قال نعم قال كم بينه وبين نوح قال عشرة قرون قال كم بين نوح وبين إبراهيم قال عشرة قرون قال يا رسول الله كم الأنبياء قال مائة ألف واربعة وعشرون ألفا قال يا رسول الله كم كانت الرسل من ذلك قال ثلثمائة وخمسة عشر جما غفيرا ) وأخرج أحمد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه من حديث أبي أمامة نحوه وصرح بأن السائل أبو ذر وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال ما سكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس وأخرج عبدالرزاق وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عنه قال ( ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى أهبط من الجنة ) وأخرج الفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن قال لبث آدم في الجنة ساعة من نهار تلك الساعة مائة وثلاثون سنة من أيام الدنيا وقد روى تقدير الليث في الجنة عن سعيد بن جبير بمثل ما تقدم عن ابن عباس كما رواه أحمد في الزهد وأخرج


"""""" صفحة رقم 70 """"""
ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة قالوا لما سكن آدم الجنة كان يمشي فيها وحشا ليس له زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء من الضلع رأسه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته تركته وفيه عوج ) وروى أبو الشيخ وابن عساكر عن ابن عباس قال إنما سميت حواء لأنها أم كل حي وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن النخعي قال لما خلق الله آدم وخلق له زوجه بعث إليه ملكا وأمره بالجماع ففعل فلما فرغ قالت له حواء يا آدم هذا طيب زدنا منه وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال الرغد الهنيء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الرغد سعة المعيشة وأخرجا عنه في قوله ) وكلا منها رغدا حيث شئتما ( قال لا حساب عليكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال الشجرة التي نهى الله عنها آدم السنبلة وفي لفظ البر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال هي الكرم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله وأخرج أبو الشيخ عنه قال هي اللوز وأخرج ابن جرير عن بعض الصحابة قال هي التينة وروى مثله أبو الشيخ عن مجاهد وابن أبي حاتم عن قتادة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب ابن منبه قال هي البر وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك قال هي النخلة وأخرج أبو الشيخ عن يزيد عن عبدالله ابن قسيط قال هي الأترج وأخرج أحمد في الزهد عن شعيب الجبائي قال هي تشبه البر وتسمى الدعة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فأزلهما ( قال فأغواهما وأخرج ابن أبي حاتم عن عاصم بن بهدلة قال ) فأزلهما ( فنحاهما وأخرج أبو داود في المصاحف عن الأعمش قال قراءتنا في البقرة مكان فأزلهما فوسوس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة فمنعته الخزنة فأتى الحية وهي دابة لها أربع قوائم كأنها البعير وهي كأحسن الدواب فكلمها أن تدخله في فمها حتى تدخل به إلى آدم فأدخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة فدخلت ولا يعلمون لما أراد الله من الأمر فكلمه من فمها فلم يبال بكلامه فخرج إليه فقال يا آدم ) هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ( وحلف لهما بالله ) إني لكما لمن الناصحين ( فابى آدم أن يأكل منها فتقدمت حواء فأكلت ثم قالت يا آدم كل فإني قد أكلت فلم يضرني فلما أكلا ) بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( وقد أخرج قصة الحية ودخول إبليس معها عبدالرزاق وابن جرير عن ابن عباس وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي بن كعب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن آدم كان رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق طوله ستون ذراعا كثير شعر الرأس فلما ركب الخطيئة بدت له عورته ) الحديث وأخرج ابن منيع وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال قال الله لآدم ما حملك على أن أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها قال يا رب زينته لي حواء قال فإني عاقبتها بأن لا تحمل لا كرها ولا تضع إلا كرها وأدميتها في كل شهر مرتين وأخرج البخاري والحاكم عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها ) وقد ثبتت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما في محاجة آدم وموسى وحج


"""""" صفحة رقم 71 """"""
آدم موسى بقوله أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ( قال آدم وحواء وإبليس والحية ) ولكم في الأرض مستقر ( قال القبور ) ومتاع إلى حين ( قال الحياة وروى نحو ذلك عن مجاهد وأبي صالح وقتادة كما أخرجه عن الأول والثاني أبو الشيخ وعن الثالث عبد بن حميد وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله ) ولكم في الأرض مستقر ( قال القبور ( ومتاع إلى حين ) قال إلى يوم القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال اهبط آدم بالصفا وحواء بالمروة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال ( أول ما أهبط الله آدم إلى أرض الهند ) وفي لفظ ( بدجنى أرض الهند ) وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه أهبط إلى أرض بين مكة والطائف وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عنه قال قال علي بن أبي طالب أطيب ريح الأرض الهند هبط بها آدم فعلق شجرها من ريح الجنة وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي عباس قال أهبط آدم بالهند وحواء بجدة فجاء في طلبها حتى أتى جمعا فازدلفت إليه حواء فلذلك سميت المزدلفة واجتمعا بجمع وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أنزل آدم عليه السلام بالهند فاستوحش فنزل جبريل فنادى بالأذان فلما سمع ذكر محمد قال له ومن محمد هذا قال هذا آخر ولدك من الأنبياء ) وقد روى عن جماعة من الصحابة أن آدم أهبط إلى أرض الهند منهم جابر أخرجه ابن أبي الدنيا وابن المنذر وابن عساكر ومنهم ابن عمر أخرجه الطبراني وأخرج ابن عساكر عن علي قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله لما خلق الدنيا لم يخلق فيها ذهبا ولا فضة فلما أهبط آدم وحواء أنزل معهما ذهبا وفضة فسلكه ينابيع في الأرض منفعة لأولادهما من بعهدهما وجعل ذلك صداق لحواء فلا ينبغي لأحد أن يتزوج إلا بصداق ) وأخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( هبط آدم وحواء عريانين جميعا عليهم ورق الجنة قعد يبكي ويقول لها يا حواء قد آذاني الحر فجاءه جبريل بقطن وأمرها أن تغزل وعلمها وأمر آدم بالحياكة وعلمه ) وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أنس مرفوعا ( أول من حاك آدم عليه السلام ) وقد روى عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم حكايات في صفة هبوط آدم من الجنة وما أهبط معه وما صنع عند وصوله إلى الأرض ولا حاجة لنا ببسط جميع ذلك وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) فتلقى آدم من ربه كلمات ( قال أي رب ألم تخلقني بيدك قال بلى قال أي رب الم تنفخ في من روحك قال بلى قال أي رب ألم تسبق إلي رحمتك قبل غضبك قال بلى قال أي رب ألم تسكني جنتك قال بلى قال أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة قال نعم وأخرج الطبراني في الاوسط وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لما أهبط الله آدم إلى الأرض قام وجاه الكعبة فصلى ركعتين ) الحديث وقد روى نحوه بإسناد لا بأس به أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدعوات وابن عساكر من حديث بريدة مرفوعا وأخرج الثعلبي عن ابن عباس في وقوله ) فتلقى آدم من ربه كلمات ( قال قوله ) ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جرير عنه مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن محمد بن كعب القرظي في قوله ) فتلقى آدم من ربه كلمات ( مثله وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن


"""""" صفحة رقم 72 """"""
مجاهد مثله وأخرج عبد بن حميد عن الحسن والضحاك مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قيل له ما الكلمات التي تلقى آدم من ربه قال علم شأن الحج فهي الكلمات وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن زيد في قوله ) فتلقى آدم من ربه كلمات ( قال لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت خير الغافرين لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم وأخرج نحوه البيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن أنس وأخرج نحوه هنا وفي الزهد عن سعيد بن جبير وأخرج نحوه ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس وأخرج نحوه الديلمي في مسند الفردوس بسند ضعيف عن علي مرفوعا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) فإما يأتينكم مني هدى ( قال الهدى الأنبياء والرسل والبيان وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي الطفيل قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فمن تبع هدي ) بتثقيل الياء وفتحها وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) فلا خوف عليهم ( يعني في الآخرة ) ولا هم يحزنون ( يعني لا يحزنون للموت
البقرة 40 42
الترابط بين الآيات
اعلم أن كثيرا من المفسرين جاءوا بعلم متكلف وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة بل أوقعوا أنفسهم في التكلم بمحض الرأي المنهي عنه في الأمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه وذلك أنهم ارادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف فجاءوا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الإنصاف ويتنزه عنها كلام البلغاء فضلا عن كلام الرب سبحانه حتى أفردوا ذلك بالتصنيف وجعلوه المقصد الأهم من التأليف كما فعله البقاعي في تفسيره ومن تقدمه حسبما ذكر في خطبته وإن هذا لمن أعجب ما يسمعه من يعرف أن هذا القرآن ما زال ينزل مفرقا على حسب الحوادث المقتضية لنزوله منذ نزول الوحي على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أن قبضه الله عز وجل إليه وكل عاقل فضلا عن عالم لا يشك أن هذه الحوادث المقتضية نزول القرآن متخالفة باعتبار نفسها بل قد تكون متناقضة كتحريم أمر كان حلالا وتحليل أمر كان حراما وإثبات أمر لشخص أو أشخاص يناقض ما كان قد ثبت لهم قبله وتارة يكون الكلام مع المسلمين وتارة مع الكافرين وتارة مع من مضي وتارة مع من حضر وحينا في عبادة وحينا في معاملة ووقتا في ترغيب ووقتا في ترهيب وآونة في بشارة وآونة في نذارة وطورا في أمر دنيا وطورا في أمر آخرة ومرة في تكاليف آتية ومرة في أقاصيص ماضية وإذا كانت أسباب النزول مختلفة هذا الاختلاف ومتباينة هذا التباين الذي لا يتيسر معه الائتلاف فالقرآن النازل فيها هو بإعتباره نفسه مختلف كإختلافها فكيف يطلب العاقل المناسبة بين الضب والنون والماء والنار والملاح والحادي وهل هذا إلا من


"""""" صفحة رقم 73 """"""
فتح أبواب الشك وتوسيع دائرة الريب على من في قلبه مرض أو كان مرضه مجرد الجهل والقصور فإنه إذا وجد أهل العلم يتكلمون في التناسب بين جميع آي القرآن ويفردون ذلك بالتصنيف تقرر عنده أن هذا أمر لا بد منه وأنه لا يكون القرآن بليغا معجزا إلا إذا ظهر الوجه المقتضى للمناسبة وتبين الأمر الموجب للإرتباط فإن وجد الاختلاف بين الآيات فرجع إلى ما قاله المتكلمون في ذلك فوجده تكلفا محضا وتعسفا بينا انقدح في قلبه ما كان عنه في عافية وسلامة هذا على فرض أن نزول القرآن كان مترتبا على هذا الترتيب الكائن في المصحف فكيف وكل من له أدنى علم بالكتاب وأيسر حظ من معرفته يعلم علما يقينا أنه لم يكن كذلك ومن شك في هذا وإن لم يكن مما يشك فيه أهل العلم رجع إلى كلام أهل العلم العارفين بأسباب النزول المطلعين على حوادث النبوة فإنه ينثلج صدره ويزول عنه الريب بالنظر في سورة من السور المتوسطة فضلا عن المطولة لأنه لا محالة يجدها مشتملة على آيات نزلت في حوادث مختلفة وأوقات متباينة لا مطابقة بين أسبابها وما نزل فيها في الترتيب بل يكفي المقصر أن يعلم أن أول ما نزل ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( وبعده ) يا أيها المدثر ( ) يا أيها المزمل ( وينظر وينظر أين موضع هذه الآيات والسور في ترتيب المصحف وإذا كان الأمر هكذا فأي معنى لطلب المناسبة بين آيات نعلم قطعا أنه قد تقدم في ترتيب المصحف ما أنزله الله متأخرا وتأخر ما أنزله الله متقدما فإن هذا عمل لا يرجع إلى ترتيب نزول القرآن بل إلى ما وقع من الترتيب عند جمعه ممن تصدى لذلك من الصحابة وما أقل نفع مثل هذا وأنزر ثمرته وأحقر فائدته بل هو عند من يفهم ما يقول وما يقال له من تضييع الأوقات وإنفاق الساعات في أمر لا يعود بنفع على فاعله ولا على من يقف عليه من الناس وأنت تعلم أنه لو تصدى رجل من أهل العلم للمناسة بين ما قاله رجل من البلغاء من خطبه ورسائله وإنشاءاته أو إلى ما قاله شاعر من الشعراء من القصائد التي تكون تارة مدحا واخرى هجاء وحينا نسيبا وحينا رثاء وغير ذلك من الأنواع المتخالفة فعمد هذا المتصدي إلى ذلك المجموع فناسب بين فقره ومقاطعه ثم تكلف تكلفا آخر فناسب بين الخطبة التي خطبها في الجهاد والخطبة التي خطبها في الحج والخطبة التي خطبها في النكاح ونحو ذلك وناسب بين الإنشاء الكائن في العزاء والإنشاء الكائن في الهناء وما يشابه ذلك لعد هذا المتصدي لمثل هذا مصابا في عقله متلاعبا بأوقاته عابثا بعمره الذي هو رأس ماله وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وهو ركوب الأحموقة في كلام البشر فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب وأبكمت فصاحته فصحاء عدنان وفحطان وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي وأنزله بلغة العرب وسلك فيه مسالكهم في الكلام وجرى به مجاريهم في الخطاب وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متحالفة وطرائق متباينة فضلا عن المقامين فضلا عن المقامات فضلا عن جميع ما قاله ما دام حيا وكذلك شاعرهم ولنكتف بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي تعثر في ساحاتها كثير من المحققين وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم عليه السلام فإذا قال متكلف كيف ناسب هذا ما قبله قلنا لا كيف فدع عنك نهبا صيح في حجراته
وهات حديثا ما حديث الرواحل
البقرة : ( 40 ) يا بني إسرائيل . . . . .
قوله ( يا بني إسرائيل ) اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ومعناه


"""""" صفحة رقم 74 """"""
عبدالله لأن إسر في لغتهم هو العبد وإيل هو الله قيل إن له اسمين وقيل إسرائيل لقب له وهو اسم عجمي غير منصرف وفيه سبغ لغات إسرائيل بزنة إبراهيم وإسرائل بمدة مهموزة مختلسة رواها ابن شنبوذ عن ورش وإسرائيل بمدة بعد الياء من غير همز وهي قراءة الأعمش وعيسى بن عمر وقرأ الحسن من غير همز ولا مد وإسرائل بهمزة مكسورة وإسراءل بهمزة مفتوحة وتميم يقولون إسرائين والذكر هو ضد الإنصات وجعله بعض أهل اللغة مشتركا بين ذكر القلب واللسان وقال الكسائي ما كان بالقلب فهو مضموم الذال وما كان باللسان فهو مكسور الذال قال ابن الأنباري والمعنى في الآية اذكروا شكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة وهي اسم جنس ومن جملتها أنه جعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتب والمن والسلوى وأخرج لهم الماء من الحجر ونجاهم من آل فرعون وغير ذلك والعهد قد تقدم تفسيره واختلف أهل العلم في العهد المذكور في هذه الآية ما هو فقيل هو المذكور في قوله تعالى ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( وقيل هو ما في قوله ) ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ( وقيل هو قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ( وقال الزجاج هو ما أخذ عليهم في التوراة من اتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو أداء الفرائض ولا مانع من حمله على جميع ذلك ومعنى قوله ) أوف بعهدكم ( أي بما ضمنت لكم من الجزاء والرهب والرهبة الخوف ويتضمن الأمر به معنى التهديد وتقديم معمول الفعل يفيد الاختصاص كما تقدم في ) إياك نعبد ( وإذا كان التقديم على طريقة الإضمار والتفسير مثل زيدا ضربته ) وإياي فارهبون ( كان أوكد في إفادة الإختصاص ولهذا قال صاحب الكشاف وهو أوكد في إفادة الاختصاص من إياك نعبد وسقطت الياء من قوله ) فارهبون ( لأنها رأس آية ) ومصدقا ( حال من ( ما ) في قوله ) ما أنزلت ( أو من ضميرها المقدر بعد الفعل أي أنزلته
البقرة : ( 41 ) وآمنوا بما أنزلت . . . . .
وقوله ) أول كافر به ( إنما جاء به مفردا ولم يقل كافرين حتى يطابق ما قبله لأنه وصف لموصوف محذوف مفرد اللفظ متعدد المعنى نحو فريق أو فوج وقال الأخفش والفراء إنه محمول على معنى الفعل لأن المعنى أول من كفر وقد يكون من باب قولهم هو أظرف الفتيان وأجمله كما حكى ذلك سبيويه فيكون هذا المفرد قائما مقام الجمع وإنما قال أول مع أنه قد تقدمهم إلى الكفر به كفار قريش لأن المراد أول كافر به من أهل الكتاب لأنهم العارفون بما يجب للأنبياء وما يلزم من التصديق والضمير في به عائد إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي لا تكونوا أول كافر بهذا النبي مع كونكم قد وجدتموه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل مبشرا به في الكتب المنزلة عليكم وقد حكى الرازي في تفسيره في هذا الموضع ما وقف عليه من البشارات برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الكتب السالفة وقيل إنه عائد إلى القرآن المدلول عليه بقوله ) بما أنزلت ( وقيل عائد إلى التوراة المدلول عليها بقول ) لما معكم ( وقوله ) ولا تشتروا بآياتي ( أي بأوامري ونواهي ) ثمنا قليلا ( أي عيشا نزرا ورئاسة لا خطر لها جعل ما اعتاضوه ثمنا وأوقع الاشتراء عليه وإن كان الثمن هو المشتري به لأن الاشتراء هنا مستعار للاستبدال أي لا تستبدلوا بآياتي ثمنا قليلا وكثيرا ما يقع مثل هذا في كلامهم وقد قدمنا الكلام عليه في تفسير قوله تعالى ) اشتروا الضلالة بالهدى ( ومن إطلاق اسم الثمن على نيل عرض من أعراض الدنيا قول الشاعر إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها
فما أصبت بترك الحج من ثمن
وهذه الآية وإن كانت خطابا لبني إسرائيل ونهيا لهم فهي متناولة لهذه الأمة بفحوى الخطاب أو بلحنه فمن أخذ من المسلمين رشوة على إبطال حق أمر الله به أو إثبات باطل نهى الله عنه أو امتنع من تعليم


"""""" صفحة رقم 75 """"""
ما علمه الله وكتم البيان الذي أخذ الله عليه ميثاقه به فقد اشترى بآيات الله ثمنا قليلا وقوله ) وإياي فاتقون ( الكلام فيه كالكلام في قوله تعالى ) وإياي فارهبون ( وقد تقدم قريبا
البقرة : ( 42 ) ولا تلبسوا الحق . . . . .
واللبس الخلط يقال لبست عليه الأمر ألبسه إذا خلطت حقه بباطله وواضحه بمشكله قال الله تعالى ) وللبسنا عليهم ما يلبسون ( قالت الخنساء ترى الجليس يقول الحق تحسبه
رشدا وهيهان فانظر ما به التبسا
صدق مقالته واحذر عداوته
والبس عليه أمورا مثل ما لبسا
وقال العجاج لما لبست الحق بالتجني
عتبن فاستبدلن زيدا مني
ومنه قول عنترة وكتيبة لبستها بكتيبة
حتى إذا التبست نفضت لها يدي
وقيل هو مأخذو من التغطية أي لا تغطوا الحق بالباطل ومنه قول الحعدي إذا ما الضجيع ثنى جيدها
تثنت عليه وكانت لباسا
وقول الأخطل وقد لبست لهذا الأمر أعصره
حتى تجلل رأسي الشيب فاشتعلا
والأول أولى والباطل في كلام العرب الزائل ومنه قول لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وبطل الشيء يبطل بطولا وبطلانا وأبطله غيره ويقال ذهب دمه بطلا أي هددا والباطل الشيطان وسمي الشجاع بطلا لأنه يبطل شجاعة صاحبه والمراد به هنا خلاف الحق والباء في قوله بالباطل يحتمل أن تكون صله وأن تكون للاستعانة ذكر معناه في الكشاف ورجح الرازي في تفسيره الثاني وقوله ) وتكتموا ( يجوز أن يكون داخلا تحت حكم النهي أو منصوبا بإضمار أن وعلى الأول يكون كل واحد من اللبس والكتم منهيا عنه وعلى الثاني يكون المنهي عنه هو الجمع بين الامرين ومن هذا يلوح رجحان دخوله تحت حكم النهي وأن كل واحد منهما لا يجوز فعله على انفراده والمراد النهى عن كتم حجج الله التى أوجب عليهم تبليغها وأخذ عليهم بيانها ومن فسر اللبس أو الكتمان بشيء معين ومعنى خاص فلم يصب إن أراد أن ذلك هو المراد دون غيره لا إن أراد أنه مما يصدق عليه وقوله ) وأنتم تعلمون ( جملة حالية وفيه أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل وذلك أغلظ للذنب وأوجب للعقوبة وهذا التقييد لا يفيد جواز اللبس والكتمان مع الجهل لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شيء حتى يعلم بحكمه خصوصا في أمور الدين فإن التكلم فيها والتصدي للإصدار والإيراد في أبوابها إنما أذن الله به لمن كان رأسا في العلم فردا في الفهم وما للجهال والدخول فيما ليس من شأنهم والقعود في غير مقاعدهم وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يا بني إسرائيل ( قال للأحبار من اليهود ) اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ( أي بلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون وقومه ) وأوفوا بعهدي ( الذي أخذت في أعناقكم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا جاءكم ) أوف بعهدكم ( أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال ) وإياي فارهبون ( أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات ) وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ( وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم ) وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ( أي لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي وبما جاءكم به وأنتم تجدونه عندكم فيما يعلمون من الكتب التي بأيديكم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وأوفوا بعهدي ( يقول ما أمرتكم به من طاعتي ونيهتكم عنه من معصيتي في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وغيره ) أوف بعهدكم ( يقول أرض عنكم وأدخلكم الجنة وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن المنذر عن


"""""" صفحة رقم 76 """"""
مجاهد في قوله ) وأوفوا بعهدي ( قال هو الميثاق الذي أخذه عليهم في سورة المائدة ) لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ( الآية وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال أوفوا لي بما افترضت عليكم أوف لكم بما وعدتكم وأخرج عبدالله بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) وإياي فارهبون ( قال فاخشون وأخرج عبد بن حميد وابن جريج عن مجاهد في قوله ) وآمنوا بما أنزلت ( قال القرآن ) مصدقا لما معكم ( قال التوراة والإنجيل وأخرج ابن جريج عن ابن جرير في قوله ) أول كافر به ( قال بالقرآن وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال يقول يا معشر أهل الكتاب آمنوا بما انزلت على محمد مصدقا لما معكم لأنهم يجدنه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) ولا تكونوا أول كافر به ( أي أول من كفر بمحمد ) ولا تشتروا بآياتي ( يقول لا تأخذوا عليه أجرا قال وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول يا بن آدم علم مجانا كما علمت مجانا وأخرج أبو الشيخ عنه قال لا تأخذ على ما علمت أجرا إنما أجر العلماء والحكماء والحلماء على الله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) ولا تلبسوا الحق بالباطل ( قال لا تخلطوا الصدق بالكذب ) وتكتموا الحق ( قال لا تكتموا الحق وأنتم قد علمتم أن محمدا رسول الله وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) ولا تلبسوا ( الآية قال لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام ) وتكتموا الحق ( قال كتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال الحق التوراة والباطل الذي كتبوه بأيديهم
البقرة 43 46
البقرة : ( 43 ) وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . .
قد تقدم الكلام في تفسير إقامة الصلاة واشتقاقها والمراد هنا الصلاة المعهودة وهي صلاة المسلمين على أن التعريف للعهد ويجوز أن تكون للجنس ومثلها الزكاة والإيتاء الإعطاء يقال آتيته أي أعطيته والزكاة مأخوذة من الزكاء وهو النماء زكا الشيء إذا نما وزاد ورجل زكي أي زائد الخير وسمى اخراج جزء من المال زكاة أي زيادة مع أنه نقص منه لأنها تكثر بركته بذلك أو تكثر أجر صاحبه وقيل الزكاة مأخوذة من التطهير كما يقال زكا فلان أي طهر
والظاهر أن الصلاة والزكاة والحج والصوم ونحوها قد نقلها الشرع إلى معان شرعية هي المرادة بما هو مذكور في الكتاب والسنة منها وقد تكلم أهل العلم على ذلك بما لا يتسع المقام لبسطه وقد اختلف أهل العلم في المراد بالزكاة هنا فقيل المراد المفروضة لاقترانها بالصلاة وقيل صدقة الفطر والظاهر أن المراد ما هو أعم من ذلك والركوع في اللغة الإنحناء وكل منحن راكع قال لبيد أخبر أخبار القرون التي مضت
أدب كأني كلما قمت راكع
وقيل الإنحناء يعم الركوع والسجود ويستعار أيضا للإنحطاط في المنزلة قال الشاعر


"""""" صفحة رقم 77 """"""
لا تهين الفقير علك أن
تركع يوما والدهر قد رفعه
وإنما خص الركوع بالذكر هنا لأن اليهود لا ركوع في صلاتهم وقيل لكونه كان ثقيلا على أهل الجاهلية وقيل إنه أراد بالركوع جميع أركان الصلاة والركوع الشرعي هو أن ينحني الرجل ويمد ظهره وعنقه ويفتح أصابع يديه ويقبض على ركبتيه ثم يطمئن راكعا ذاكرا بالذكر المشروع وقوله ) مع الراكعين ( فيه الإرشاد إلى شهود الجماعة والخروج إلى المساجد وقد ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة في الصحيحين وغيرهما ما هو معروف وقد أوجب حضور الجماعة بعض أهل العلم على خلاف بينهم في كون ذلك عينا أو كفاية وذهب الجمهور إلى أنه سنة مؤكدة مرغب فيها وليس بواجب وهو الحق للأحاديث الصحيحة الثابتة عن جماعة من الصحابة من أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بخمس وعشرين درجة أو بسبع وعشرين درجة وثبت في الصحيح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) الذي يصلي مع الإمام أفضل من الذي يصلي وحده ثم ينام والبحث طويل الذيول كثير النقول
البقرة : ( 44 ) أتأمرون الناس بالبر . . . . .
والهمزة في قوله ) أتأمرون الناس بالبر ( للإستفهام مع التوبيخ للمخاطبين وليس المراد توبيخهم على نفس الأمر بالبر فإنه فعل حسن مندوب إليه بل بسبب ترك فعل البر المستفاد من قوله ) وتنسون أنفسكم ( مع التطهر بتزكية النفس والقيام في مقام دعاة الخلق إلى الحق إيهاما للناس وتلبيسا عليهم كما قال أبو العتاهية وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى
وريح الخطايا من ثيابك يسطع
والبر الطاعة والعمل الصالح والبر سعة الخير والمعروف والبر الصدق والبر ولد الثعلب والبر سوق الغنم ومن إطلاقه على الطاعة قول الشاعر لاهم رب أن يكونوا دونكا
يبرك الناس ويفجرونكا
أي يطيعونك ويعصونك والنسيان بكسر النون هو هنا بمعنى الترك أي وتتركون أنفسكم وفي الأصل خلاف الذكر والحفظ أي زوال الصورة التي كانت محفوظة عن المدركة والحافظة والنفس الروح ومنه قوله تعالى ) الله يتوفى الأنفس حين موتها ( يريد الأرواح وقال أبو خراش نجا سالم والنفس منه بشدقه
والنفس أيضا الدم
ومنه قولهم سالت نفسه قال الشاعر تسيل على حد السيوف نفوسنا
وليس على غير الظبات تسيل
والنفس الجسد ومنه نبئت أن بني سحيم أدخلوا
أبياتهم تأمور نفس المنذر
والتأمور البدن وقوله ) وأنتم تتلون الكتاب ( جملة حالية مشتملة على أعظم تقريع وأشد توبيخ وأبلغ تبكيت أي كيف تتركون البر الذي تأمرون الناس به وأنتم من أهل العلم العارفين بقبح هذا الفعل وشدة الوعيد عليه كما ترونه في الكتاب الذي تتلونه والآيات التي تقرءونها من التوراة والتلاوة القراءة وهي المراد هنا وأصلها الاتباع يقال تلوته إذا تبعته وسمى القارئ تاليا والقراءة تلاوة لأنه يتبع بعض الكلام ببعض على النسق الذي هو عليه وقوله ) أفلا تعقلون ( استفهام للإنكار عليهم والتقريع لهم وهو أشد من الأول وأشد وأشد وأشد ما قرع الله في هذا الموضع من يأمر بالخير ولا يفعله من العلماء الذين هم غير عاملين بالعلم فاستنكر عليهم أولا أمرهم للناس بالبر مع نسيان أنفسهم في ذلك الأمر الذي قاموا به في المجامع ونادوا به في المجالس إيهاما للناس بأنهم


"""""" صفحة رقم 78 """"""
مبلغون عن الله ما تحملوه من حججه ومبينون لعباده ما أمرهم ببيانه وموصلون إلى خلقه ما استودعهم وائتمنهم عليه وهم أترك الناس لذلك وأبعدهم من نفعه وأزهدهم فيه ثم ربط هذه الجملة بجملة أخرى جعلها مبينة لحالهم وكاشفة لعوارهم وهاتكة لأستارهم وهي أنهم فعلوا هذه الفعلة الشنيعة والخصلة الفظيعة على علم منهم ومعرفة بالكتاب الذي أنزل عليهم وملازمة لتلاوته وهم في ذلك كما قال المعرى
وإنما حمل التوراة قارئها كسب الفوائد لا حب التلاوات
ثم انتقل معهم من تقريع إلى تقريع ومن توبيخ إلى توبيخ فقال إنكم لو لم تكونوا من أهل العلم وحملة الحجة وأهل الدراسة لكتب الله لكان مجرد كونكم ممن يعقل حائلا بينكم وبين ذلك ذائدا لكم عنه زاجرا لكم منه فكيف أهملتم ما يقتضيه العقل بعد إهمالكم لما يوجبه العلم والعقل في أصل اللغة المنع ومنه عقال البعير لأنه يمنعه عن الحركة ومنه العقل في الدية لأنه يمنع ولي المقتول عن قتل الجاني والعقل نقيض الجهل ويصح تفسير ما في الآية هنا بما هو أصل معنى العقل عند أهل اللغة أي أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المزرية ويصح أن يكون معنى الآية افلا تنظرون بعقولكم التي رزقكم الله إياها حيث لم تنتفعوا بما ليدكم من العلم
البقرة : ( 45 ) واستعينوا بالصبر والصلاة . . . . .
وقوله ) واستعينوا بالصبر ( الصبر في اللغة الحبس وصبرت نفسي على الشيء حبستها ومنه قول عنترة
فصبرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع
والمراد هنا استعينوا بحبس أنفسكم عن الشهوات وقصرها على الطاعات على دفع ما يرد عليكم من المكروهات وقيل الصبر هنا هو خاص بالصبر على تكاليف الصلاة واستدل هذا القائل بقوله تعالى ) وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ( وليس في هذا الصبر الخاص بهذه الآية ما ينفي ما تفيده الألف واللام الداخلة على الصبر من الشمول كما أن المراد بالصلاة هنا جميع ما تصدق عليه الصلاة الشرعية من غير فرق بين فريضة ونافلة واختلف المفسرون في رجوع الضمير في قوله ) وإنها لكبيرة ( فقيل إنه راجع إلى الصلاة وإن كان المتقدم هو الصبر والصلاة فقد يجوز إرجاع الضمير إلى أحد الأمرين المتقدم ذكرهما كما قال تعالى ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( إذا كان أحدهما داخلا تحت الآخر بوجه من الوجوه ومنه قول الشاعر
إن شرخ الشباب والشعر الأس ود ما لم يعاض كان جنونا
ولم يقل ما لم يعاضا بل جعل الضمير راجعا إلى الشباب لأن الشعر الأسود داخل فيه وقيل إنه عائد إلى الصلاة من دون اعتبار دخول الصبر تحتها لأن الصبر هو عليها كما قيل سابقا وقيل إن الضمير راجع إلى الصلاة ون كان الصبر مرادا معها لكن لما كانت آكد وأعم تكليفا وأكثر ثوابا كانت الكناية بالضمير عنها ومنه قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ( كذا قيل وقيل إن الضمير راجع إلى الأشياء المكنوزة ومثل ذلك قوله تعالى ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( فارجع الضمير هنا إلى الفضة والتجارة لما كانت الفضة أعم نفعا وأكثر وجودا والتجارة هي الحاملة على الإنفضاض والفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأول أن الصبر هناك جعل داخلا تحت الصلاة وهنا لم يكن داخلا وإن كان مرادا وقيل إن المراد الصبر والصلاة ولكن أرجع الضمير إلى أحدهما استغناء به عن الآخر ومنه قوله تعالى ) وجعلنا ابن مريم وأمه آية ( أي ابن مريم آية وأمه آية ومنه قول الشاعر
ومن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريب


"""""" صفحة رقم 79 """"""
وقال آخر لكل هم من الهموم سعة
والصبح والمساء لا فلاح معه
وقيل رجع الضمير إليهما بعد تأويلهما بالعبادة وقيل رجع إلى المصدر المفهوم من قوله ) واستعينوا ( وهو الاستعانة وقيل رجع إلى جميع الأمور التي نهى عنها بنو إسرائيل والكبيرة التي يكبر أمرها ويتعاظم شأنها على حاملها لما يجده عند تحملها والقيام بها من المشقة ومنه ) كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ( والخاشع هو المتواضع والخشوع التواضع قال في الكشاف والخشوع الإخبات والتطامن ومنه الخشعة للرملة المتطامنة وأما الخضوع فاللين والإنقياد ومنه خضعت بقولها إذا لينته انتهى وقال الزجاج الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه كخشوع الدار بعد الأقوى ومكان خاشع لا يهتدي إليه وخشعت الأصوات أي سكنت وخشع ببصره إذا غضه والخشعة قطعة من الأرض رخوة وقال سفيان الثوري سالت الأعمش عن الخشوع فقال يا ثوري أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطىء الرأس لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء وتخشع لله في كل فرض افترض عليك انتهى وما أحسن ما قاله بعض المحققين في بيان ماهيته إنه هيئة في النفس يظهر منها في الجوراح سكون وتواضع واستثنى سبحانه الخاشعين مع كونهم باعتبار استعمال جوراحهم في الصلاة وملازمتهم لوظائف الخشوع الذي هو روح الصلاة وإتعابهم لأنفسهم إتعابا عظيما في الاسباب الموجبة للحضور والخضوع لأنهم لما يعلمونه من تضاعف الأجر وتوفر الجزاء والظفر بما وعد الله به من عظيم الثواب تسهل عليهم تلك المتاعب ويتذلل لهم ما يرتكبونه من المصاعب بل يصير ذلك لذة لهم خالصة وراحة عندهم محضة ولأمر ما هان على قوم ما يلاقونه من حر السيوف عند تصادم الصفوف وكانت الأمنية عندهم طعم المنية حتى قال قائلهم ولست أبالي حين أقتل مسلما
على أي جنب كان في الله مصرعي
البقرة : ( 46 ) الذين يظنون أنهم . . . . .
والظن هنا عند الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى ) إني ظننت أني ملاق حسابيه ( وقوله ) فظنوا أنهم مواقعوها ( ومنه قول دريد بن الصمة فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج
سراتهم بالفارسي المسود
وقيل إن الظن في الآية على بابه ويضمر في الكلام بذنوبهم فكأنهم توقعوا لقاءه مذنبين ذكره المهدوي والماوردي والأول أولى وأصل الظن الشك مع الميل إلى أحد الطرفين وقد يقع موقع اليقين في مواضع منها هذه الآية ومعنى قوله ) ملاقوا ربهم ( ملاقوا جزائه والمفاعلة هنا ليست على بابها ولا أرى في حمله على اصل معناه من دون تقدير المضاف بأسا وفي هذا مع ما بعده من قوله ) وأنهم إليه راجعون ( إقرار بالبعث وما وعد الله به في اليوم الآخر وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) واركعوا ( قال صلوا
سبب النزول
وأخرج ابن أبي حاتم أيضا عن مقاتل في قوله ) واركعوا مع الراكعين ( قال أمرهم أن يركعوا مع أمة محمد يقول كونوا منهم ومعهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى ) أتأمرون الناس بالبر ( الآية قال أولئك أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ولا ينتفعون بما فيه وأخرج الثعلبي والواحدي عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره ولذي قرابته ولمن بينه وبينه رضاع من المسلمين اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل يعنون محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فإن أمره حق وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه وأخرج ابن جرير عنه


"""""" صفحة رقم 80 """"""
في قوله ) أتأمرون الناس بالبر ( قال بالدخول في دين محمد وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسلي وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي عن أبي الدرداء في الآية قال لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن حبان وابن مردويه والبيهقي عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت رجعت فقلت لجبريل من هؤلاء قال هؤلاء خطباء من أمتك كانوا يأمرون الناس البر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون وثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون يا فلان مالك ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه وفي الباب أحاديث منها عن جابر مرفوعا عند الخطيب وابن النجار وعن الوليد بن عقبة مرفوعا عند الطبراني والخطيب بسند ضعيف وعند عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد عند موقوفا ومعناها جميعا أنه يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون لهم بما دخلتم النار وإنما دخلنا الجنة بتعليمكم قالوا إنا كنا نأمركم ولا نفعل وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء والأصبهاني في الترغيب بسند جيد عن جندب بن عبدالله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ) وأخرج ابن أبي شيبة وعبدالله بن أحمد في زوائد الزهد عنه نحوه وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء عن أبي برزة مرفوعا نحوه وأخرج ابن قانع في معجمه والخطيب في الاقتضاء عن سليك مرفوعا نحوه وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال ( ويل للذي لا يعلم مرة ولو شاء الله لعلمه وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات ) وأخرج أحمد في الزهد عن عبدالله بن مسعود مثله وما أحسن ما أخرجه ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن ابن عباس أنه جاءه رجل فقال يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر قال أوبلغت ذلك قال ارجو قال فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل قال وما هن قال قوله عز وجل ) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ( أحكمت هذه الآية قال لا قال فالحرف الثاني قال قوله تعالى ) لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( أحكمت هذه الآية قال لا قال فالحرف الثالث قال قول العبد الصالح شعيب ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( أحكمت هذه الآية قال لا قال فأبدأ بنفسك وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى ) واستعينوا بالصبر والصلاة ( قال إنهما معونتان من الله فاستعينوا بهما وقد أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وأبو الشيخ في الثواب والديلمي في مسند الفردوس عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر عن المعصية ) وقد وردت أحاديث كثيرة في مدح الصبر والترغيب فيه والجزاء للصابرين ولم يذكرها هنا لأنها ليست بخاصة بهذه الآية بل هي واردة في مطلق الصبر وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور ها هنا منها شطرا صالحا وفي الكتاب العزيز من الثناء على ذلك والترغيب فيه الكثير الطيب وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير عن حذيفة قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا حزبه


"""""" صفحة رقم 81 """"""
أمر فزع إلى الصلاة ) وأخرج أحمد والنسائي وابن حبان عن صهيب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كانوا يعني الأنبياء يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة ) وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن أبي الدرداء مرفوعا نحو حديث حذيفة وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أنه كان في مسير له فنعى إليه ابن له فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع فقال فعلنا كما أمرنا الله فقال ) واستعينوا بالصبر والصلاة ( ) وقد روى عنه نحو ذلك سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي لما نعى إليه أخوه قثم وقد روى نحو ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) وإنها لكبيرة ( قال لثقيلة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا على الخاشعين ( قال المؤمنين حقا وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) إلا على الخاشعين ( قال الخائفين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كل ظن في القرآن فهو يقين ولا يتم هذا في مثل قوله ) إن الظن لا يغني من الحق شيئا ( وقوله ) إن بعض الظن إثم ( ولعله يريد الظن المتعلق بأمور الآخرة كما رواه ابن جريرة عن قتادة قال ما كان من ظن الآخرة فهو علم وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) وأنهم إليه راجعون ( قال يستيقنون أنهم يرجعون إليه يوم القيامة
البقرة 47 50
البقرة : ( 47 ) يا بني إسرائيل . . . . .
قوله ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ( قد تقدم تفسيره وإنما كرر ذلك سبحانه توكيدا للحجة عليهم وتحذيرا لهم من ترك اتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قرنه بالوعيد وهو قوله ) واتقوا يوما ( وقوله ) وأني فضلتكم ( معطوف على مفعول اذكروا أي اذكروا نعمتي وتفضيلي لكم على العالمين قيل المراد بالعالمين عالم زمانهم وقيل على جميع العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء وقال في الكشاف على الجم الغفير من الناس كقوله ) باركنا فيها للعالمين ( يقال رأيت عالما من الناس يراد الكثرة انتهى قال الرازي في تفسيره وهذا ضعيف لأن لفظ العالم مشتق من العلم وهو الدليل وكل ما كن دليلا على الله كان علما وكان من العالم وهذا تحقيق قول المتكلمين العالم كل موجود سوى الله وعلى هذا لا يمكن تخصيص لفظ العالم ببعض المحدثات انتهى وأقول هذا الاعتراض ساقط أما أولا فدعوى اشتقاقه من العلم لا برهان عليه وأما ثانيا فلو سلمنا صحة هذا الاستقاق كان المعنى موجودا بما يتحصل معه مفهوم الدليل على الله الذي يصح إطلاق اسم العلم عليه وهو كائن في كل فرد من أفراد المخلوقات التي يستدل بها على الخالق وغايته أن جمع العالم يستلزم أن يكونوا مفضلين على افراد كثيرة من المحدثات وأما أنهم مفضلون على كل المحدثات في كل زمان فليس في اللفظ ما يفيد هذا ولا في اشتقاقه ما يدل عليه وأما من جعل العالم أهل العصر فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصور لا على


"""""" صفحة رقم 82 """"""
أهل كل عصر فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين فيهم نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ولا على ما بعده من العصور ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسيره قوله تعالى ) إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( وعند قوله تعالى ) ولقد اخترناهم على علم على العالمين ( وعند قوله تعالى ) إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ( فإن قيل إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم قلت لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزما ما لكونهم افضل من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لقوله تعالى ) كنتم خير أمة أخرجت للناس ( فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات
البقرة : ( 48 ) واتقوا يوما لا . . . . .
وقوله ) واتقوا يوما ( أمر معناه الوعيد وقد تقدم معنى التقوى والمراد باليوم يوم القيامة أي عذابه وقوله ) لا تجزي نفس عن نفس شيئا ( في محل نصب صفة ليوم والعائد محذوف قال البصريون في هذا وأمثاله تقديره فيه وقال الكسائي هذا خطأ بل التقدير لا تجزيه لأن حذف الظرف لا يجوز ويجوز حذف الضمير وحده وقد روى عن سيبويه والأخفش والزجاج جواز الأمرين ومعنى لا تجزي لا تكفي وتقضي يقال جزا عني هذا الأمر يجزي أي قضى واجتزأت بالشيء أجتزي أي اكتفيت ومنه قول الشاعر فإن الغدر في الأقوام عار
وإن الحر يجزي بالكراع
والمراد أن هذا اليوم لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تكفي عنها ومعنى التنكير التحقير أي شيئا يسيرا حقيرا وهو منصوب على المفعولية أو على أنه صفة مصدر محذوف أي جزاء حقيرا والشفاعة مأخوذة من الشفع وهو الاثنان تقول استشفعته أي سألته أن يشفع لي أي يضم جاهه إلى جاهك عند المشفوع إليه ليصل النفع إلى المشفوع له وسميت الشفعة شفعة لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو تقبل بالمثناة الفوقية لأن الشفاعة مؤنثة وقرأ الباقون بالياء التحتية لأنها بمعنى الشفيع قال الأخفش الأحسن التذكير وضمير منها يرجع إلى النفس المذكور ثانيا أي إن جاءت بشفاعة شفيع ويجوز أن يرجع إلى النفس المذكورة أولا أي إذا شفعت لم يقبل منها والعدل بفتح العين الفداء وبكسرها المثل يقال عدل وعديل للذي ماثل في الوزن والقدر وحكى ابن جرير أن في العرب من يكسر العين في معنى الفدية والنصر العون والأنصار الأعوان وانتصر الرجل انتقم والضمير أي هم يرجع إلى النفوس المدلول عليها بالنكرة في سياق النفي والنفس تذكر وتؤنث
البقرة : ( 49 ) وإذ نجيناكم من . . . . .
وقوله ) وإذ نجيناكم ( متعلق بقوله ) اذكروا ( والنجاة النجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها ثم سمى كل فائز ناجيا وآل فرعون قومه وأصل آل أهل بدليل تصغيره على أهيل وقيل غير ذلك وهو يضاف إلى ذوي الخطر قال الأخفش إنما يقال في الرئيس الأعظم نحو آل محمد ولا يضاف إلى البلدان فلا يقال من آل المدينة وقال الأخفش قد سمعناه في البلدان قالوا آل المدينة واختلفوا هل يضاف إلى المضمر أم لا فمنعه قوم وسوغه آخرون وهو الحق ومنه قول عبدالمطلب وانصر على آل الصلي
ب وعابديه اليوم آلك
وفرعون قيل هو اسم ذلك الملك بعينه وقيل إنه اسم لكل ملك من ملوك العمالقة كما يسمى من ملك الفرس كسرى ومن ملك الروم قيصر ومن ملك الحبشة النجاشي واسم فرعون موسى المذكور هنا قابوس في قول أهل الكتاب وقال وهب اسمه الوليد بن مصعب بن الريان قال المسعودي لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية وقال الجوهري إن كل عات يقال له فرعون وقد تفرعن وهو ذو فرعنة أي دهاء ومكر وقال في


"""""" صفحة رقم 83 """"""
الكشاف تفرعن فلان إذا عتا وتجبر ومعنى قوله ) يسومونكم ( يولونكم قاله أبو عبيدة وقيل يذيقونكم ويلزمونكم إياه وأصل السوم الدوام ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي ويقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها وقال في الكشاف أصله من سام السلعة إذا طلبها كأنه بمعنى يبغونكم سوؤ العذاب ويريدونكم عليه انتهى وسوء العذاب أشده وهو صفة مصدر محذوف أي يسومونكم سوما سوء العذاب ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا وهذه الجملة في محل رفع على أنها خبر لمبتدأ مقدر ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال أي سائمين لكم وقوله ) يذبحون ( وما بعده بدل من قوله ) يسومونكم ( وقال الفراء إنه تفسير لما قبله وقرأه الجماعة بالتشديد وقرأ ابن محيصن بالتخفيف والذبح في الأصل الشق وهو فرى أوداج المذبوح والمراد بقوله تعالى ) ويستحيون نساءكم ( يتركونهن أحياء ليستخدموهن ويمتهنوهن وإنما أمر بذبح الأبناء واستحياء البنات لأن الكهنة أخبروه بأنه يولد مولود يكون هلاكه على يده وعبر عن البنات باسم النساء لأنه جنس يصدق على البنات وقالت طائفة أنه أمر بذبح الرجال واستدلوا بقوله ) نساءكم ( والأول أصح بشهادة السبب ولا يخفي ما في قتل الأبناء واستحياء البنات للخدمة ونحوها من إنزال الذل بهم وإلصاق الإهانة الشديدة بجميعهم لما في ذلك من العار والإشارة بقوله ) وفي ذلكم ( إلى جملة الأمر والبلاء يطلق تارة على الخبر وتارة على الشر فإن أريد به هنا الشر كانت الإشارة بقوله ) وفي ذلكم ( إلى جملة الأمر والبلاء يطلق تارة على الخير وتارة على الشر فإن أريد به هنا الشر كانت الإشارة بقوله ) وفي ذلكم بلاء ( إلى ما حل بهم من النقمة بالذبح ونحوه وإن أريد به الخير كانت الإشارة إلى النعمة التي أنعم إله عليهم بالإنجاء وما هو مذكور قبله من تفضيلهم على العالمين وقد اختلف السلف ومن بعدهم في مرجع الإشارة فرجح الجمهور الأول ورجح الآخرون الآخر قال ابن جرير وأكثر ما يقال في الشر بلوته أبلوه بلاء وفي الخير أبليه إبلاء وبلاء قال زهير جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
قال فجمع بين اللغتين لأنه أراد فأنعم عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده
البقرة : ( 50 ) وإذ فرقنا بكم . . . . .
وقوله ) وإذ فرقنا ( متعلق بما تقدم من قوله ) اذكروا ( وفرقنا فلقنا وأصل الفرق الفصل ومنه فرق الشعر وقرأ الزهري ) فرقنا ( بالتشديد والباء في قوله ) بكم ( قيل هي بمعنى اللام أي لكم وقيل هي الباء السببية أي فرقناه بسببكم وقيل إن الجار والمجرور في محل الحال أي فرقناه متلبسا بكم والمراد ها هنا أن فرق البحر كان بهم أي بسبب دخولهم فيه أي لما صاروا بين الماءين صار الفرق بهم واصل البحر في اللغة الاتساع أطلق على البحر الذي هو مقابل البر لما فيه من الاتساع بالنسبة إلى النهر والخليج ويطلق على الماء المالح ومنه أبحر الماء إذا ملح قال نصيب
وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب
وقوله ) فأنجيناكم ( أي أخرجناكم منه ) وأغرقنا آل فرعون ( فيه وقوله ) وأنتم تنظرون ( في محل نصب على الحال أي حال كونكم ناظرين إليهم بأبصاركم وقيل معناه وأنتم تنظرون أي ينظر بعضكم إلى البعض الآخر من السالكين في البحر وقيل نظروا إلى أنفسهم ينجون وإلى آل فرعون يغرقون والمراد بآل فرعون هنا هو قومه وأتباعه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وأسباب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا ) اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ( قال مضى القوم وإنما يعني به أنتم وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عيينة قال في قومه ) اذكروا نعمتي ( هي أيادي الله وأيامه واخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال نعمة الله التي أنعم بها على بني


"""""" صفحة رقم 84 """"""
إسرائيل فيما سمى وفيما سوى ذلك فجر لهم الحجر وأنزل عليهم المن والسلوى وأنجاهم من عبودية آل فرعون وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وأني فضلتكم على العالمين ( قال فضلوا على العالم الذي كانوا فيه ولكل زمان عالم وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه واخرج ابن أبي حاتم وابن جرير عن أبي العالية في قوله ) فضلتكم على العالمين ( قال بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالما وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) لا تجزي نفس عن نفس شيئا ( قال لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا وأخرج ابن جرير عن عمرو بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن الثناء عليه قال ( قيل يا رسول الله ما العدل قال العدل الفدية ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه قال ابن أبي حاتم وروى عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك وأخرج عبدالرزاق عن علي في تفسير الصرف والعدل قال التطوع والفريضة قال ابن كثير وهذا القول غريب ههنا والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قالت الكهنة لفرعون إنه يولد في هذا العام مولود يذهب بملكه فجعل فرعون على كل ألف إمرأة مائة رجل وعلى كل مائة عشرة وعلى كل عشر رجلا فقال انظروا كل إمرأة حامل في المدينة فإذا وضعت حملها فإن كان ذكرا فاذبحوه وإن كان أنثى فخلوا عنها وذلك قوله ) يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) يسومونكم سوء العذاب ( قال إن فرعون ملكهم أربعمائة سنة فقالت له الكهنة إنه سيولد العام بمصر غلام يكون هلاكك على يديه فبعث في أهل مصر نساء قوابل فإذا ولدت إمرأة غلاما أتى فرعون فقتله ويستحي الجواري وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بلاء من ربكم عظيم ( يقول نقمة وأخرج وكيع عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وإذ فرقنا بكم البحر ( فقال إي والله لفرق البحر بينهم حتى صار طريقا يبسا يمشون فيه فأنجاهم الله وأغرق آل فرعون عدوهم وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال ( قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال ما هذا اليوم قالوا هذا يوم صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نحن أحق بموسى منكم فصامه وامر بصومه ) وقد أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير أن هرقل كتب إلى معاوية يسأله عن أمور منها عن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة فكتب معاوية إلى ابن عباس فأجابه عن تلك الأمور وقال وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل ولعله سيأتي إن شاء الله تعالى زيادة على ما هنا عند تفسير قوله تعالى ) أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم (
البقرة 51 54


"""""" صفحة رقم 85 """"""
البقرة : ( 51 ) وإذ واعدنا موسى . . . . .
قرأ أبو عمرو ) وعدنا ( بغير ألف ورجحه أبو عبيدة وأنكر ( واعدنا ) قال لأن المواعدة إنما تكون من البشر فأما من الله فإنما هو التفرد بالوعد على هذا وجدنا القرآن كقوله ) وعدكم وعد الحق ( وقوله ) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين ( ومثله قال أبو حاتم ومكي وإنما قالوا هكذا نظرا إلى أصل المفاعلة أنها تفيد الاشتراك في أصل الفعل وتكون من كل واحد من المتواعدين ونحوهما ولكنها قد تأتي للواحد في كلام العرب كما في قولهم داويت العليل وما قبت اللص وطارقت النعل وذلك كثير في كلامهم وقرأه الجمهور ( واعدنا ) قال النحاس وهي أجود وأحسن وليس قوله ) وعد الله الذين آمنوا ( من هذا من شيء لأن واعدنا موسى إنما هو من باب الموافاة وليس هو من الوعد والوعيد في شيء وإنما هو من قولك موعدك يوم الجمعة وموعدك موضع كذا والفصيح في هذا أن يقال واعدته قال الزجاج واعدنا بالألف ها هنا جيد لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة فمن الله سبحانه وعد ومن موسى قبول قوله ) أربعين ليلة ( قال الزجاج التقدير تمام أربعين ليلة وهي عند أكثر المفسرين ذو القعدة وعشر من ذي الحجة وإنما خص الليالي بالذكر دون الأيام لأن الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة ومعنى قوله ) ثم اتخذتم العجل ( أي جعلتم العجل إلها من بعده أي من بعد مضي موسى إلى الطور وقد ذكر بعض المفسرين أنهم عدوا عشرين يوما وعشرين ليلة وقالوا قد اختلف موعده فاتخذوا العجل وهذا غير بعيد منهم فقد كانوا يسلكون طرائق من التعنت خارجة عن قوانين العقل مخالفة لما يخاطبون به بل ويشاهدونه بأبصارهم فلا يقال كيف تعدون الأيام والليالي على تلك الصفة وقد صرح لهم في الوعد بأنها أربعون ليلة وإنما سماهم ظالمين لأنهم أشركوا بالله وخالفوا موعد نبيهم عليه السلام والجملة في موضع نصب على الحال
البقرة : ( 52 ) ثم عفونا عنكم . . . . .
وقوله ) من بعد ذلك ( أي من بعد عبادتكم العجل وسمي العجل عجلا لاستعجالهم عبادته كذا قيل وليس بشيء لأن العرب تطلق هذا الإسم على ولد البقر وقد كان جعله لهم السامري على صورة العجل وقوله ) لعلكم تشكرون ( أي لكي تشكروا ما أنعم الله به عليكم من العفو عن ذنبكم العظيم الذي وقعتم فيه واصل الشكر في اللغة الظهور من قولهم دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطي من العلف قال الجوهري الشكر الثناء على المحسن بما أولاك من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح وقد تقدم معناه والكشران خلاف الكفران
البقرة : ( 53 ) وإذ آتينا موسى . . . . .
والكتاب التوراة بالإجماع من المفسرين واختلفوا في الفرقان وقال الفراء وقطرب المعنى آتينا موسى التوراة ومحمدا الفرقان وقد قيل إن هذا غلط أوقعهما فيه أن الفرقان مختص بالقرآن وليس كذلك فقد قال تعالى ) ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ( وقال الزجاج إن الفرقان هو الكتاب أعيد ذكره تأكيدا وحكى نحوه عن الفراء ومنه قول عنترة حييت من طلل تقادم عهده
أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
وقيل إن الواو صلة والمعنى آتينا موسى الكتاب الفرقان والواو قد تزاد في النعوت كقول الشاعر إلى الملك القرم وابن الهمام
وليث الكتيبة في المزدحم
وقيل المعنى أن ذلك المنزل جامع بين كونه كتابا وفارقا بين الحق والباطل وهو كقوله ) ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء ( وقيل الفرقان الفرق بينهم وبين قوم فرعون أنجى هؤلاء وأغرق هؤلاء وقال ابن زيد الفرقان انفراق البحر وقيل الفرقان الفرج من الكرب وقيل إنه الحجة والبيان بالآيات التي أعطاه الله من العصا واليد وغيرهما وهذا أولى وأرجح ويكون العطف على بابه كأنه قال


"""""" صفحة رقم 86 """"""
آتينا موسى التوراة والآيات التي أرسلناه بها معجزة له
البقرة : ( 54 ) وإذ قال موسى . . . . .
قوله ) يا قوم ( القوم يطلق تارة على الرجال دون النساء ومنه قول زهير وما أدري وسوف إخال أدري
أقوم آل حصن أم نساء
ومنه قوله تعالى ) لا يسخر قوم من قوم ( ثم قال ) ولا نساء من نساء ( ومنه ) ولوطا إذ قال لقومه ( أراد الرجال وقد يطلق على الجميع كقوله تعالى ) إنا أرسلنا نوحا إلى قومه ( والمراد هنا بالقوم عبدة العجل والبارىء الخالق وقيل إن البارىء هو المبدع المحدث والخالق هو المقدر الناقل من حال إلى حال وفي ذكر البارىء إشارة إلى عظيم جرمهم أي فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره والفاء في قوله ) فتوبوا ( للسببية أي لتسبب التوبة عن الظلم وفي قوله ) فاقتلوا ( للتعقيب أي اجعلوا القتل متعقبا للتوبة قال القرطبي وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده قيل قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا وقيل وقف الذين عبدوا العجل ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم وقوله ) فتاب عليكم ( قيل في الكلام حذف أي فقتلتم نفسكم فتاب عليكم أي على الباقين منكم وقيل هو جواب شرط محذوف كأنه قال فإن فعلتم فقد تاب عليكم وأما ما قاله صاحب الكشاف من أنه يجوز أن يكون خطابا من الله لهم على طريقة الالتفات فيكون التقدير ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم فهو بعيد جدا كما لا يخفى
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) أربعين ليلة ( قال ذا القعدة وعشرا من ذي الحجة وقد أخرج ابن جرير عنه في قوله ) من بعد ذلك ( قال من بعد ما اتخذتم العجل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان ( قال الكتاب هو الفرقان فرق بين الحق والباطل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال الفرقان جماع اسم التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وأخرج ابن جرير عنه قال أمر موسى قومه عن أمر ربه أن يقتلوا انفسهم واختبأ الذين عكفوا على العجل فجلسوا وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضا فانجلت الظلمة عنهم عن سبعين ألف قتيل كل من قتل منهم كانت له توبة وكل من بقي كانت له توبة وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال قالوا لموسى ما توبتنا قال يقتل بعضكم بعضا فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفا فأوحى الله إلى موسى مرهم فليرفوا أيديهم وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي وقد أخرج عبد بن حميد عن قتادة وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن الزهري نحوا مما سبق وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) إلى بارئكم ( قال خالقكم
البقرة 55 57
البقرة : ( 55 ) وإذ قلتم يا . . . . .
قوله ( وإذ قلتم ) هذه الجملة معطوفة على التي قبلها وظاهر السياق أن القائلين هذه المقالة هم قوم موسى


"""""" صفحة رقم 87 """"""
وقيل هم السبعون الذين اختارهم وذلك أنهم لما سمعوا كلام الله قالوا له بعد ذلك هذه المقالة فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم ثم دعا موسى ربه فأحياهم كما قال تعالى هنا ) ثم بعثناكم من بعد موتكم ( وسيأتي ذلك في الأعراف إن شاء الله والجهرة المعاينة وأصلها الظهور ومنه الجهر بالقراءة والمجاهرة بالمعاصي ورأيت الأمر جهرة جهارا أي غير مستتر بشيء وهي مصدر واقع موقع الحال وقرأ ابن عباس ( جهرة ) بفتح الهاء وهي لغتان أهل زهرة وزهر ويحتمل أن يكون على هذه القراءة جمع جاهر والصاعقة قد تقدم تفسيرها وقرأ عمر وعثمان وعلي ( الصعقة ) وهي قراءة ابن محيصن والمراد بأخذ الصاعقة إصابتها إياهم ) وأنتم تنظرون ( في محل نصب على الحال والمراد من هذا النظر الكائن منهم أنهم نظروا أوائل الصاعقة النازلة بهم الواقعة عليهم لا آخرها الذي ماتوا عنده وقيل المراد بالصاعقة الموت واستدل عليه بقوله ) ثم بعثناكم من بعد موتكم ( ولا موجب للمصير إلى هذا التفسير لأن المصعوق قد يموت كما في هذه الآية وقد يغشى عليه ثم يفيق كما في قوله تعالى ) وخر موسى صعقا فلما أفاق ( ومما يوجب بعد ذلك قوله ) وأنتم تنظرون ( فإنها لو كانت الصاعقة عبارة عن الموت لم يكن لهذه الجملة كبير معنى بل قد يقال إنه لا يصح أن ينظروا الموت النازل بهم إلا أن يكون المراد نظر الأسباب المؤثرة للموت
البقرة : ( 56 ) ثم بعثناكم من . . . . .
والمراد بقوله ) ثم بعثناكم ( الإحياء لهم لوقوعه بعد الموت واصل البعث الإثارة للشيء من محله يقال بعثت الناقة أي أثرتها ومنه قول امرئ القيس وإخوان صدق قد بعثت بسحرة
فقاموا جميعا بين غاث ونشوان
وقوله عنترة وصحابة شم الأنوف بعثتهم
ليلا وقد مال الكرى بطلاها
وإنما عوقبوا بأخذ الصاعقة لهم لأنهم طلبوا ما لم يأذن الله به من رؤيته في الدنيا وقد ذهبت المعتزلة ومن تابعهم إلى إنكار الرؤية في الدنيا والآخرة وذهب من عداهم إلى جوازها في الدنيا والآخرة ووقوعها في الآخرة وقد تواترت الأحاديث الصحيحة بأن العباد يرون ربهم في الآخرة وهي قطعية الدلالة لا ينبغي لمنصف أن يتمسك في مقابلها بتلك القواعد الكلامية التي جاء بها قدماء المعتزلة وزعموا أن العقل قد حكم بها دعوى مبنية على شفا جرف هار وقواعد لا يغتر بها إلا من لم يحظ من العلم النافع بنصيب وسيأتيك إن شاء الله بيان ما تمسكوا به من الأدلة القرآنية وكلها خارج عن محل النزاع بعيد من موضع الحجة وليس هذا موضع المقال في هذه المسألة
البقرة : ( 57 ) وظللنا عليكم الغمام . . . . .
قوله ) وظللنا عليكم الغمام ( أي فعلناه كالظلة والغمام جمع غمامة كسحابة وسحاب قاله الأخفش قال الفراء ويجوز غمائم وقد ذكر المفسرون أن هذا جرى في التيه بين مصر والشام لما امتنعوا من دخول مدينة الجبارين والمن قيل هو الترنجبين قال النحاس هو بتشديد الراء وإسكان النون ويقال الطرنجبين بالطاء وعلى هذا أكثر المفسرين وهو طل ينزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو وينعقد عسلا ويجف جفاف الصمغ ذكر معناه في القاموس وقيل إن المن العسل وقيل شراب حلو وقيل خبز الرقاق وقيل إنه مصدر يعم جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ومنه ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد بن زيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أن الكمأة من المن الذي أنزل على موسى وقد ثبت مثله من حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي ومن حديث جابر وأبي سعيد وابن عباس عند النسائي والسلوى قيل هو السماني كحبارى طائر يذبحونه فيأكلونه قال ابن عطية السلوى طير بإجماع المفسرين وقد غلط الهذلي فقال وقاسمهما بالله جهدا لأنتما
ألذ من السلوى إذا ما أشورها


"""""" صفحة رقم 88 """"""
ظن أن السلوى العسل قال القرطبي ما ادعاه من الإجماع لا يصح وقد قال المؤرج أحد علماء اللغة والتفسير إنه العسل واستدل ببيت الهذلي وذكر أنه كذلك بلغة كنانة وأنشد لو شربت السلوى ما سلوت
ما غنا عنك وإن غنيت
وقال الجوهري والسلوى العسل قال الأخفش السلوى لا واحد له من لفظه مثل الخير والشر وهو يشبه أن يكون واحده سلوى وقال الخليل واحده سلواة وأنشد وإني لتعروني لذكراك سلوة
كما انتفض السلواة من سلكه القطر
وقال الكسائي السلوى واحدة وجمعه سلاوي وقوله ) كلوا ( أي قلنا لهم كلوا وفي الكلام حذف والتقدير قلنا كلوا فعصوا ولم يقابلوا النعم بالشكر فظلموا أنفسهم وما ظلمونا فحذف هذا لدلالة ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( عليه وتقديم الأنفس هنا يفيد الاختصاص وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) حتى نرى الله جهرة ( قال علانية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال هم السبعون الذين اختارهم موسى ) فأخذتكم الصاعقة ( قال ماتوا ) ثم بعثناكم من بعد موتكم ( قال فبعثوا من بعد الموت ليستوفوا آجالهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ثم بعثناكم ( نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وظللنا عليكم الغمام ( قال غمام أبرد من هذا وأطيب وهو الذي يأتي الله فيه يوم القيامة وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر وكان معهم في التيه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وظللنا عليكم الغمام ( قال كان هذا الغمام في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس وأطعمهم المن والسلوى حين برزوا إلى البرية فكان المن يسقط عليهم في محلتهم سقوط الثلج أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فيأخذ الرجل قدر ما يكفيه يومه ذلك فإن تعدى ذلك فسد ما يبقى عنده حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه فبقي عنده لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر المعيشة ولا لطلبة شيء وهذا كله في البرية وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال المن شيء أنزل الله عليهم مثل الطل والسلوى طير أكبر من العصفور وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال المن صمغة والسلوى طائر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال قالوا يا موسى كيف لنا بما ها هنا أين الطعام فأنزل الله عليهم المن فكان يسقط على الشجرة الترنجبين وأخرجوا عن وهب أنه سئل ما المن قال خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان المن ينزل عليهم بالليل على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا والسلوى طائر يشبه السماني كانوا يأكلون منه ما شاءوا وأخرج ابن جرير عنه نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في السلوى مثله وقد روى نحو ذلك عن جماعة من التابعين ومن بعدهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وما ظلمونا ( قال نحن أعز من أن نظلم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( قال يضرون
البقرة 58 59


"""""" صفحة رقم 89 """"""
البقرة : ( 58 ) وإذ قلنا ادخلوا . . . . .
قال جمهور المفسرين القرية هي بيت المقدس وقيل إنها أريحاء قرية من قرى بيت المقدس وقيل من قرى الشام وقوله ) كلوا ( أمر إباحة و ) رغدا ( كثيرا واسعا وهو نعت لمصدر محذوف أي أكلا رغدا ويجوز أن يكون في موضع الحال وقد تقدم تفسيره والباب الذي أمروا بدخوله هو باب في بيت المقدس يعرف اليوم بباب حطة وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل والسجود قد تقدم تفسيره وقيل هو هنا الانحناء وقيل التواضع والخضوع واستدلوا على ذلك بأنه لو كان المراد السجود الحقيقي الذي هو وضع الجبهة على الأرض لامتنع الدخول المأمور به لأنه لا يمكن الدخول حال السجود الحقيقي وقال في الكشاف إنهم أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله وتواضعا واعترضه أبو حيان في النهر الماد فقال لم يؤمروا بالسجود بل هو قيد في وقوع المأمور به وهو الدخول والأحوال نسب تقييدية والأوامر نسب إسنادية انتهى ويجاب عنه بأن الأمر بالمقيد أمر بالقيد فمن قال أخرج مسرعا فهو ى مر بالخروج على هذه الهيئة فلو خرج غير مسرع كان عند أهل اللسان مخالفا للأمر ولا ينافي هذا كون الأحوال نسبا تقييدية فإن اتصافها بكونها قيودا مأمورا بها هو شيء زائد على مجرد التقييد وقوله ) حطة ( بالرفع في قراءة الجمهور على إضمار مبتدا قال الأخفش وقرئت ( حطة ) نصبا على معنى احطط عنا ذنوبنا حطة وقيل معناها الاستغفار ومنه قول الشاعر فاز بالحطة التي أمر الله بها ذنب عبده مغفورا
وقال ابن فارس في المجمل ( حطة ) كلمة أمروا بها ولو قالوها لحطت أوزارهم قال الرازي في تفسيره أمرهم بأن يقولوا ما يدل على التوبة وذلك لأن التوبة صفة القلب فلا يطلع الغير عليها وإذا اشتهر وأخذ بالذنب ثم تاب بعده لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذنب لأن التوبة لا تتم إلا به انتهى وكون التوبة لا تتم إلا بذلك لا دليل عليه بل مجرد عقد القلب عليها يكفي سواء اطلع الناس على ذنبه أم لا وربما كان التكتم بالتوبة على وجه لا يطلع عليها إلا الله عز وجل أحب إلى الله وأقرب إلى مغفرته وأما رفع ما عند الناس من اعتقادهم بقاءه على المعصية فذلك باب آخر وقوله ) يغفر لكم ( قرأه نافع بالياء التحتية المضمومة وقرأه ابن عامر بالتاء الفوقية المضمومة وقرأه الباقون بالنون وهي أولى والخطايا جمع خطيئة بالهمز وقد تكلم علماء العربية في ذلك بما هو معروف في كتب الصرف وقوله ) وسنزيد المحسنين ( أي نزيدهم إحسانا على إحسانهم المتقدم وهو اسم فاعل من أحسن وقد ثبت في الصحيح ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن الإحسان فقال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك
البقرة : ( 59 ) فبدل الذين ظلموا . . . . .
وقوله ) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ( قيل إنهم قالوا حنظة وقيل غير ذلك والصواب أنهم قالوا حبة في شعرة كما سيأتي مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) فأنزلنا على الذين ظلموا ( هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة كما تقرر في علم البيان وهي هنا تعظيم الأمر عليهم وتقبيح فعلهم ومنه قول عدي بن يزيد


"""""" صفحة رقم 90 """"""
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
فكرر الموت في البيت ثلاثا تهويلا لأمره وتعظيما لشأنه وقوله ) رجزا ( بكسر الراء في قراءة الجميع إلا ابن محيصن فإنه قرأ بضم الراء والرجز العذاب والفسق قد تقدم تفسيره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ادخلوا هذه القرية ( قال بيت المقدس وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال هي أريحاء قرية من بيت المقدس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) ادخلوا الباب ( قال باب ضيق ) سجدا ( قال ركعا وقوله ) حطة ( قال مغفرة فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة استهزاء قال فذلك قوله تعالى ) فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ( وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الباب هو أحد أبواب بيت المقدس وهو يدعى باب حطة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال قيل لهم ) ادخلوا الباب سجدا ( فدخلوا مقنعي رءوسهم وقالوا حنطة حبة حمراء فيها شعيرة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) وادخلوا الباب سجدا ( قال طأطئوا رءوسكم ) وقولوا حطة ( قال قولوا لا إله إلا الله وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ) وقولوا حطة ( قال لا إله إلا الله وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كان الباب قبل القبلة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( قيل لبني إسرائيل ادخوا الباب سجدا وقولا حطة فبدلوا فدخوا يزحفون على أستاههم وقالوا حبة في شعرة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حنظة في شعيرة والأول أرجح لكونه في الصحيحين وقد أخرجه معهما من أخرج هذا الحديث الآخر أعني ابن جرير وابن المنذر وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني اسرائيل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب وأخرج مسلم وغيره من حديث أسامة بن زيد وسعد بن مالك وخزيمة بن ثابت قالوا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( وإن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها )
البقرة 60 61


"""""" صفحة رقم 91 """"""
البقرة : ( 60 ) وإذ استسقى موسى . . . . .
الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس المطر ومعناه في اللغة طلب السقيا وفي الشرع ما ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في صفته من الصلاة والدعاء والحجر يحتمل أن يكون حجرا معينا فتكون اللام للعهد ويحتمل أن لا يكون معينا فتكون للجنس وهو أظهر في المعجزة وأقوى للحجة وقوله ) فانفجرت ( الفاء مترتبة على محذوف تقديره فضرب فانفجرت والإنفجار الانشقاق وانفجر الماء انفجارا تفتح والفجرة موضع تفتح الماء قال ابن عطية ولا خلاف أنه كان حجرا مربعا يخرج من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى سالت العيون وإذا استغنوا عن الماء جفت والمشرب موضع الشرب وقيل هو المشروب نفسه وفيه دليل على أنه يشرب من كل عين قوم منهم لا يشاركهم غيرهم قيل كان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها إلى غيرها والأسباط ذرية الإثنى عشر من أولاد يعقوب وقوله ( كلوا ) أي قلنا لهم كلوا المن والسلوى واشربوا الماء المتفجر من الحجر وعثا يعثي عثيا وعثا يعثو عثوا وعاث يعيث عيثا لغات بمعنى افسد وقوله ) مفسدين ( حال مؤكدة قال في القاموس عثى كرمى وسعى ورضي عثيا وعثيا وعثيانا وعثا يعثو عثوا أفسد وقال في الكشاف العثي أشد الفساد فقيل لهم لا تمادوا في الفساد في حال فسادكم لأنهم كانوا متمادين فيه انتهى
البقرة : ( 61 ) وإذ قلتم يا . . . . .
قوله ) لن نصبر على طعام واحد ( تضجر منهم بما صاروا فيه من النعمة والرزق الطيب والعيش المستلذ ونزوع إلى ما ألفوه قبل ذلك من خشونة العيش إن الشقي بالشقاء مولع
لا يملك الرد له إذا أتى
يحتمل أن لا يكون هذا منهم تشوقا إلى ما كانوا فيه ونظرا لما صاروا إليه من العيشة الرافهة بل هو باب من تعنتهم وشعبة من شعب تعجرفهم كما هو دأبهم وهجيراهم في غالب ما قص علينا من أخبارهم وقال الحسن البصري إنهم كانوا أهل كراث وأبصال وأعداس فنزعوا إلى عكرهم أي أصلهم عكر السوء واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم فقالوا ) لن نصبر على طعام واحد ( والمراد بالطعام الواحد هو المن والسلوى وهما وإن كانا طعامين لكن لما كانوا يأكلون أحدهما بالآخر جعلوهما طعاما واحد وقيل لتكررهما في كل يوم وعدم وجود غيرهما معهما ولا تبدلة بهما ومن قوله ) مما تنبت ( تخرج قال الأخفش زائدة وخالفه سيبويه لكونها لا تزاد في الكلام الموجب قال النحاس وإنما دعا الأخفش إلى هذا لأنه لم يجد مفعولا ليخرج فأراد أن يجعل ما مفعولا والأولى أن يكون الفعول محذوفا دل عليه سياق الكلام أي تخرج لنا مأكولا وقوله ) من بقلها ( بدل من ما بإعادة الحرف والبقل كل نبات ليس له ساق والشجر ما له ساق قال في الكشاف البقل ما أنبتته الأرض من الخضر والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها انتهى والقثاء بكسر القاف وفتحها والأولى قراءة الجمهور والثانية قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف وهو معروف والفوم قيل هو الثوم وقد قرأه ابن مسعود بالثاء وروى نحو ذلك عن ابن عباس وقيل الفوم الحنطة واليه ذهب أكثر المفسرين كما قال القرطبي وقد رجح هذا ابن النحاس وقال الجوهري الفوم الحنطة وممن قال بهذا الزجاج والأخفش وأنشد قد كنت أحسبني كأغنى واحد
ترك المدينة عن زراعة فوم
وقال بالقول الأول الكسائي والنضر بن شميل ومنه قول أمية بن أبي الصلت كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة
فيها الفراديس والفومات والبصل


"""""" صفحة رقم 92 """"""
أي الثوم وقال حسان وأنتم أناس لئام الأصول
طعامكم الفوم والحوقل
يعني الثوم والبصل وقيل الفوم السنبلة وقيل الحمص وقيل الفوم كل حب يخبز والعدس والبصل معروفان والاستبدال وضع الشيء موضع الآخر ) وأدنى ( قال الزجاج إنه مأخوذ من الدنو أي القرب والمراد أتضعون هذه الأشياء التي هي دون موضع المن والسلوى اللذين هما خير منها من جهة الاستلذاذ والوصول من عند الله بغير واسطة أحد من خلقه والحل الذي لا تطرقه الشبهة وعدم الكلفة بالسعي له والتعب في تحصيله وقوله ) اهبطوا مصرا ( أي انزلوا وقد تقدم معنى الهبوط وظاهر هذا أن الله أذن لهم بدخول مصر وقيل إن الأمر للتعجيز لأنهم كانوا في التيه فهو مثل قوله تعالى ) كونوا حجارة أو حديدا ( وصرف مصر هنا مع اجتماع العلمية والتأنثيث لأنه ثلاثي ساكن الوسط وهو يجوز صرفه مع حصول السببين وبه قال الأخفش والكسائي وقال الخليل وسيبويه إن ذلك لا يجوز وقالا إنه لا علمية هنا لأنه أراد مصرا من الأمصار ولم يرد المدينة المعروفة وهو خلاف الظاهر وقرأ الحسن وابان بن تغلب وطلحة بن مصرف بترك التنوين وهو كذلك في مصحف أبي وابن مسعود ومعنى ضرب الذلة والمسكنة إلزامهم بذلك والقضاء به عليهم قضاء مستمرا لا يفارقهم ولا ينفصل عنهم مع دلالته على أن ذلك مشتمل عليهم اشتمال القباب على من فيها ومنه قول الفرزدق يهجو جريرا ضربت عليك العنكبوت بوزنها
وقضى عليك به الكتاب المنزل
وهو ضرب من الهجاء بليغ كما أنه إذا استعمل في المديح كان في منزلة رفيعة ومنه قول الشاعر إن المروءة والشجاعة والندى
في قبة ضربت على ابن الحشرج
وهذا الخبر الذي أخبرنا الله به هو معلوم في جميع الأزمنة فإن اليهود أقماهم الله أزل الفرق وأشدهم مسكنة وأكثرهم تصاغرا لم ينتظم لهم جمع ولا خفقت على رءوسهم راية ولا ثبتت لهم ولاية بل ما زالوا عبيد العصى في كل زمن وطروقة كل فحل في كل عصر ومن تمسك منهم بنصيب من المال وإن بلغ في الكثرة أي مبلغ فهو متظاهر بالفقر مترد بأثواب المسكنة ليدفع عن نفسه أطماع الطامعين في ماله إما بحق كتوفير ما عليه من الجزية أو بباطل كما يفعله كثير من الظلمة من التجرىء على الله بظلم من لا يستطيع الدفع عن نفسه ومعنى ( باءوا ) رجعوا يقال باء بكذا أي رجع به وباء إلى المباءة أي رجع إلى المنزل والبواء الرجوع ويقال هم في هذا الأمر بواء أي سواء يرجعون فيها إلى معنى واحد وباء فلان بفلان إذا كان حقيقا بأن يقبل به لمساواته له ومنه قول الشاعر ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي
محاربنا لا يبوا الدم بالدم
والمراد في الآية أنهم رجعوا بغضب من الله أو صاروا أحقاء بغضبه وقد تقدم تفسير الغضب والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من حديث الذلة وما بعده بسبب كفرهم بالله وقتلهم لأنبيائه بغير حق يحق عليهم اتباعه والعمل به ولم يخرج هذا مخرج التقييد حتى يقال إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال لمكان العصمة بل المراد نعي هذا الأمر عليهم وتعظيمه وأنه ظلم بحت في نفس الأمر ويمكن أن يقال أنه ليس بحق في اعتقادهم الباطل لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يعارضوهم في مال ولا جاه بل أرشدوهم إلى مصالح الدين


"""""" صفحة رقم 93 """"""
والدنيا كما كان من شعيبا وزكريا ويحيى فإنهم قتلوهم وهم يعلمون ويعتقدون أنهم ظالمون وتكرير الإشارة لقصد التأكيد وتعظيم الأمر عليهم وتهويله ومجموع ما بعده الإشارة الأولى والاشارة الثانية هو السبب لضرب الذلة وما بعده وقيل يجوز أن تكون الإشارة الثانية إلى الكفر والقتل فيكون ما بعدها سببا للسبب وهو بعيد جدا والاعتداء تجاوز الحد في كل شيء
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وإذ استسقى موسى لقومه ( قال ذلك في التيه ضرب لهم موسى الحجر فصار فيها اثنتا عشرة عينا من ماء لكل سبط منهم عين يشربون منها وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ومجاهد وابن أبي حاتم عن جويبر نحو ذلك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تعثوا في الأرض ( قال لا تسعوا في الأرض فسادا واخرج ابن جرير عن أبي العالية مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال يعني ولا تمشوا بالمعاصي وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال لا تسيروا في الأرض مفسدين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) لن نصبر على طعام واحد ( قال المن والسلوى استبدلوا به البقل وما حكى معه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وفومها ( قال الخبز وفي لفظ البر وفي لفظ الحنطة وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال الفوم الثوم وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود أنه قرأ ( وثومها ) وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه قال قراءتي قراءة زيد وأنا آخذ ببضعة عشر حرفا من قراءة ابن مسعود هذا أحدها ( من بقلها وقثائها وثومها ) وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) الذي هو أدنى ( قال أردأ وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) اهبطوا مصرا ( قال مصرا من الأمصار وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أنه مصر فرعون وأخرج نحوه ابن أبي داود وابن الأنباري عن الأعمش وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وضربت عليهم الذلة ( قال هم أصحاب الجزية وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة والحسن قال ضربت عليهم الذلة والمسكنة أي يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال المسكنة الفاقة وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) وباؤوا بغضب من الله ( قال استحقوا الغضب من الله وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وباؤوا ( قال انقلبوا وأخرج أبو داود الطيالسي وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار
البقرة 62
البقرة : ( 62 ) إن الذين آمنوا . . . . .
قيل إن المراد بالذين آمنوا المنافقون بدلالة جعلهم مقترنين باليهود والنصارى والصابئين أي آمنوا في الظاهر والأولى أن يقال إن المراد الذين صدقوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصاروا من جملة أتباعه وكأنه سبحانه أراد أن يبين أن حال هذه الملة الإسلامية وحال من قبلها من سائر الملل يرجع إلى شيء واحد وهو أن من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا استحق ما ذكره الله من الأجر ومن فاته ذلك فاته الخير كله والأجر دقه وجله والمراد بالإيمان ها هنا هو ما بينه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله لما سأله جبريل عن الإيمان


"""""" صفحة رقم 94 """"""
فقال ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره ) ولا يتصف بهذا الإيمان إلا من دخل في الملة الإسلامية فمن لم يؤمن بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولا بالقرآن فليس بمؤمن ومن آمن بهما صار مسلما مؤمنا ولم يبق يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا وقوله ) هادوا ( معناه صاروا يهودا قيل هو نسبة لهم إلى يهوذا بن يعقوب بالذال المعجنة فقلبتها العرب دالا مهملة وقيل معنى هادوا تابوا لتوبتهم عن عبادة العجل ومنه قوله تعالى ) إنا هدنا إليك ( أي تبنا وقيل إن معناه السكون والموادعة وقال في الكشاف إن معناه دخل في اليهودية والنصارى قال سيبويه مفردة نصران ونصرانة كندمان وندمانة وأنشد شاهدا على ذلك قول الشاعر تراه إذا زار العشا متخففا
ويضحى لديه وهو نصران شامس
وقال الاخر فكلتاهما خرت وأسجد رأسها
كما سجدت نصرانة لم تحنف
قال ولكن لا يستعمل إلا بياء النسب فيقال رجل نصراني وامرأة نصرانية وقال الخليل واحد النصارى نصرى وقال الجوهري ونصران قرية بالشام تنسب إليها النصارى ويقال ناصرة وعلى هذا فالياء للنسب وقال في الكشاف إن الياء للمبالغة كالتي في أحمرى سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح والصابين جمع صابي وقيل صاب وقد اختلف فيه القراء فهمزوه جميعا إلا نافعا فمن همزة جعله من صبأت النجوم إذا طلعت وصبأت ثنية الغلام إذا خرجت ومن لم يهمزه جعله من صبا يصبو إذا مال والصابيء في اللغة من خرج ومال من دين إلى دين ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبأ وسموا هذه الفرقة صابئة لأنها خرجت من دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة وقوله ) من آمن بالله ( في موضع نصب بدلا من الذين آمنوا وما بعده وقد تقدم معنى الإيمان ويكون خبر إن قوله ) فلهم أجرهم ( ويجوز أن يكون قوله ) من آمن بالله ( في محل رفع على أنه مبتدأ خبره قوله ) فلهم أجرهم ( هما جميعا خبر إن والعائد مقدر في الجملة الأولى أي من آمن منهم ودخلت الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط وقد تقدم تفسير قوله تعالى ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سلمان قال سألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن أهل دين كنت معهم فذكرت من صلاتهم وعبادتهم فنزلت ) إن الذين آمنوا والذين هادوا ( الآية وأخرج الواحدي عن مجاهد نحو ذلك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في ذكر السبب بنحو ما سبق وحكى قصة طويلة واخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن الذين آمنوا والذين هادوا ( قال فأنزل الله بعد هذا ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن علي قال إنما سميت اليهود لأنهم قالوا ) إنا هدنا إليك ( وأخرج ابن حاتم عن ابن مسعود قال نحن أعلم من أين سميت اليهود باليهوديه من كلمة موسى عليه السلام ) إنا هدنا إليك ( ولم تسمت النصارى بالنصرانية من كلمة عيسى عليه السلام ) كونوا أنصار الله ( وأخرج أبو الشيخ نحوه عنه وأخرج ابن جرير عن قتادة إنما تسموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير عن ابن عباس قال إنما سميت النصارى لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال الصابئون فرقة بين اليهود والنصارى والمجوس ليس لهم دين وأخرج عبدالرزاق عنه قال قال ابن عباس فذكر نحوه وقد روى في تفسير الصابئين غير هذا
البقرة 63 66


"""""" صفحة رقم 95 """"""
البقرة : ( 63 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .
قوله ) وإذ ( وإذ أخذنا هو في محل نصب بعامل مقدر هو اذكروا كما تقدم غير مرة وقد تقدم تفسير الميثاق والمراد أنه أخذ سبحانه عليهم الميثاق بأن يعملوا بما شرعه لهم في التوراة وبما هو أعم من ذلك أو أخص والطور اسم جبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة فيه وقيل هو اسم لكل جبل بالسريانية وقد ذكر كثير من المفسرين أن موسى لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح قال لهم خذوها والتزموها فقالوا إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك فصعقوا ثم أحيوا فقال لهم خذوها والتزموها فقالوا لا فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله وكذلك كان عسكرهم فجعل عليهم مثل الظلة وأتوا ببحر من خلفهم ونار من قبل وجوههم وقيل لهم خذوها وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها وإلا سقط عليكم الجبل فسجدوا توبة لله وأخذوا التوراة بالميثاق قال ابن جرير عن بعض العلماء لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق قال ابن عطية والذي لا يصح سواه أن الله سبحانه اخترع وقت سجودهم الإيمان لا أنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة انتهى وهذا تكلف ساقط حمله عليه المحافظة على ما قد ارتسم لديه من قواعد مذهبية قد سكن قلبه إليها كغيره وكل عاقل يعلم أنه لا سبب من أسباب الإكراه أقوى من هذا أو أشد منه ونحن نقول أكرههم الله على الإيمان فآمنوا مكرهين ورفع عنهم العذاب بهذا الإيمان وهو نظير ما ثبت في شرعنا من رفع السيف عن من تكلم بكلمة الإسلام والسيف مصلت قد هزه حامله على رأسه وقد ثبت في الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لمن قتل من تكلم بكلمة الإسلام معتذرا عن قتله بأنه قالها تقية ولم تكن عن قصد صحيح ( أأنت فتشت عن قلبه ) وقال ( لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ) وقوله ) خذوا ( أي وقلنا لكم خذو ) ما آتيناكم بقوة ( والقوة الجد والاجتهاد والمراد بذكر ما فيه أن يكون محفوظا عندهم ليعملوا به
البقرة : ( 64 ) ثم توليتم من . . . . .
قوله ) ثم توليتم ( أصل التولي الإدبار عن الشيء والإعراض بالجسم ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات إتساعا ومجازا والمراد هنا إعراضهم عن الميثاق المأخوذ عليهم وقوله ) من بعد ذلك ( أي من بعد البرهان لهم والترهيب بأشد ما يكون وأعظم ما تجوزه العقول وتقدره الأفهام وهو رفع الجبل فوق رءوسهم كأنه ظلة عليهم وقوله ) فلولا فضل الله عليكم ( بأن تدارككم بلطفه ورحمته حتى أظهرتم التوبة لخسرتم والفضل الزيادة قال ابن فارس في المجمل الفضل الزيادة والخير والإفضال الإحسان انتهى والخسران النقصان وقد تقدم تفسيره
البقرة : ( 65 ) ولقد علمتم الذين . . . . .
والسبت في أصل اللغة القطع لأن الأشياء تمت فيه وانقطع العمل وقيل هو مأخوذ من السبوت وهو الراحة والدعة وقال في الكشاف السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت انتهى وقد ذكر جماعة من المفسرين أن اليهود افترقت فرقتين ففرقة اعتدت في السبت أي جاوزت ما أمرها الله به من العمل فيه فصادوا السمك الذي نهاهم الله عن صيده فيه والفرقة الأخرى انقسمت إلى فرقتين ففرقة جاهرت بالنهي واعتزلت وفرقة لم توافق المعتدين ولا صادوا معهم لكنهم جالسوهم ولم يجاهروهم بالنهي ولا اعتزلوا عنهم فمسخهم الله جميعا ولم تنج إلا الفرقة الأولى فقط ) وهذه من جملة المحن التي امتحن الله بها هؤلاء الذين بالغوا في العجرفة وعاندوا


"""""" صفحة رقم 96 """"""
أنبياءهم وما زالوا في كل موطن يظهرون من حماقاتهم وسخف عقولهم وتعنتهم نوعا من أنواع التعسف وشعب من شعب التكلف فإن الحيتان كانت يوم السبت كما وصف الله سبحانه بقوله ) إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم ( فاحتالوا لصيدها وحفروا الحفائر وشقول الجداول فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصيدونها يوم الأحد فلم ينتفعوا بهذه الحيلة الباطلة والخاسىء المبعد يقال خسأته فخسأ وخسىء وانخسأ أبعدته فبعد ومنه قوله تعالى ) ينقلب إليك البصر خاسئا ( أي مبعدا وقوله ) اخسؤوا فيها ( أي تباعدوا تباعد سخط ويكون الخاسىء بمعنى الصاغر والمراد هنا كونوا بين المصير إلى أشكال القردة مع كونهم مطرودين صاغرين فقردة خبر الكون وخاسئين خبر آخر وقيل إنه صفة لقردة والأول أظهر
البقرة : ( 66 ) فجعلناها نكالا لما . . . . .
واختلف في مرجع الضمير في قوله ) فجعلناها ( وفي قوله ) لما بين يديها وما خلفها ( فقيل العقوبة وقيل الأمة وقيل القرية وقيل القردة وقيل الحيتان والأول أظهر والنكال الزج والعقاب والنكل القيد لأنه يمنع صاحبه ويقال للجام الدابة نكل لأنه يمنعها والموعظة مأخوذة من الاتعاظ والإنزجار والوعظ التخويف وقال الخليل الوعظ التذكير بالخير
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الطور الجبل الذي أنزلت عليه التوراة وكان بنو إسرائيل أسفل منه وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال الطور ما أنبت من الجبال وما لم ينبت فليس بطور وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( قال أيجد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) واذكروا ما فيه ( قال اقرءوا ما في التوراة واعملوا به وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن أبي عباس في قوله ) لعلكم تتقون ( قال لعلكم تنزعون عما أنتم عليه وأخرج ابن جرير عنه قال ) ولقد علمتم ( أي عرفتم ) اعتدوا ( يقول اجترءوا في السبت بصيد السمك فمسخهم الله قردة بمعصيتهم ولم يعش مسيخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل وأخرج ابن المنذر عنه قال القردة والخنازير من نسل الذين مسخوا وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال انقطع ذلك النسل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله لهم كقوله ) كمثل الحمار يحمل أسفارا ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال أحلت لهم الحيتان وحرمت عليهم يوم السبت ليعلم من يطيعه ممن يعصيه فكان فيهم ثلاثة أصناف وذكر نحو ما قدمناه عن المفسرين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال صار شباب القوم قردة والمشيخة صاروا خنازير وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) خاسئين ( قال ذليلين وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ) خاسئين ( قال صاغرين وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فجعلناها نكالا لما بين يديها ( من القرى ) وما خلفها ( من القرى ) وموعظة للمتقين ( الذين من بعدهم إلى يوم القيامة وأخرج ابن جرير عنه ) فجعلناها ( يعني الحيتان ) نكالا لما بين يديها وما خلفها ( من الذنوب التي عملوا قبل وبعد وأخرج ابن جرير عنه ) فجعلناها ( قال جعلنا تلك العقوبة وهي المسخة ) نكالا ( عقوبة ) لما بين يديها ( يقول ليحذر من بعدهم عقوبتي ) وما خلفها ( يقول الذين كانوا معهم ) وموعظة ( قال تذكرة وعبرة للمتقين
البقرة 67 71


"""""" صفحة رقم 97 """"""
البقرة : ( 67 ) وإذ قال موسى . . . . .
قيل إن قصة ذبح البقرة المذكورة هنا مقدم في التلاوة ومؤخر في المعنى على قوله تعالى ) وإذ قتلتم نفسا ( ويجوز أن يكون قوله قتلتم مقدما في النزول ويكون الأمر بالذبح مؤخرا ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها ثم وقع ما وقع من أمر القتل فأمروا أن يضربوه ببعضها هذا على فرض أن الواو تقتضي الترتيب وقد تقرر في علم العربية أنها لمجرد الجمع من دون ترتيب ولا معية وسيأتي في قصة القتل تمام الكلام والبقرة اسم للأنثى ويقال للذكر ثور وقيل إنها تطلق عليهما وأصله من البقر وهو الشق لأنها تشق الأرض بالحرث قال الأزهري البقر اسم جنس وجمعه باقر وقد قرأ عكرمة ويحيى ابن يعمر ( إن الباقر تشابه علينا ) وقوله ) هزوا ( الهزو هنا اللعب والسخرية وقد تقدم تفسيره وإنما يفعل ذلك أهل الجهل لأنه نوع من العبث الذي لا يفعله العقلاء ولهذا أجابهم موسى بالاستعاذة بالله سبحانه من الجهل
البقرة : ( 68 ) قالوا ادع لنا . . . . .
وقوله ) قالوا ادع لنا ربك ( هذا نوع من أنواع تعنتهم المألوفة فقد كانوا يسلكون هذه المسالك في غالب ما أمره الله به ولو تركوا التعنت والأسئلة المتكلفة لأجزأهم ذبح بقرة من عرض البقر ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم كما سيأتي بيانه والفارض المسنة ومعناه في اللغة الواسع قال في الكشاف وكأنها سميت فارضا لأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها انتهى ويقال للشيء القديم فارض ومنه قول الراجز يا رب ذي ضغن علي فارض
له قرو كقرو الحائض
أي قديم وقيل الفارض التي قد ولدت بطونا كثيرة فيتسع جوفها والبكر الصغيرة التي لم تحمل وتطلق في إناث البهائم وبني آدم على ما لم يفتحله الفحل وتطلق أيضا على الأول من الأولاد ومنه قول الراجز يا بكر بكرين ويا صلب الكبد
أصبحت مني كذراع من عضد
والعوان المتوسطة بين سني الفارض والبكر وهي التي قد ولدت بطنا أو بطنين ويقال هي التي قد ولدت مرة بعد مرة والإشارة بقوله ) بين ذلك ( إلى الفارض والبكر وهما وإن كانتا مؤنثتين فقد اشير إليهما بما هو للمذكر على تأويل المذكور كأنه قال بين ذلك المذكور وجاز دخول بين المقتضية لشيئين لأن المذكور متعدد وقوله ) فافعلوا ( تجديد للأمر وتأكيد له وزجر لهم عن التعنت فلم ينفعهم ذلك ولا نجع فيهم بل رجعوا إلى طبيعتهم وعادوا إلى مكرهم واستمروا على عادتهم المألوفة
البقرة : ( 69 ) قالوا ادع لنا . . . . .
ف ) قالوا ادع لنا ربك ( واللون واحد


"""""" صفحة رقم 98 """"""
الألوان وجمهور المفسرين على أنها كانت جميعها صفراء قال بعضهم حتى قرنها وظلفها وقال الحسن وسعيد ابن جبير إنها كانت صفراء القرن والظلف فقط وهو خلاف الظاهر والمراد بالصفرة هنا الصفرة المعروفة
وروي عن الحسن أن صفراء معناه سوداء وهذا من بدع التفاسير ومنكراتها وليت شعري كيف يصدق على اللون الأسود الذي هو أقبح الألوان أنه يسر الناظرين وكيف يصح وصفه بالفقوع الذي يعلم كل من يعرف لغة العرب أنه لا يجزي على الأسود بوجه من الوجوه فإنهم يقولون في وصف الأسود حالك وحلكوك ودجوجي وغربيب قال الكسائي يقال فقع لونها يفقع فقوعا إذا خلصت صفرته وقال في الكشاف الفقوع أشد ما يكون من الصفرة وأنصعه ومعنى ) تسر الناظرين ( تدخل عليهم السرور إذا نظروا إليها إعجابا بها واستحسانا للونها قال وهب كانت كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها
البقرة : ( 70 ) قالوا ادع لنا . . . . .
ثم لم ينزعوا عن غوايتهم ولا ارعووا من سفههم وجهلهم بل عادوا إلى تعنتهم فقال ) ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا ( أي أن جنس البقر يتشابه عليهم لكثرة ما يتصف منها بالعوان الصفراء الفاقعة ووعدوا من أنفسهم بالاهتداء إلى ما دلهم عليه والامتثال لما أمروا به
البقرة : ( 71 ) قال إنه يقول . . . . .
والذلول التي لم يذللها العمل أي هي غير مذللة بالعمل ولا ريضة به وقوله ) تثير ( في موضع رفع على الصفة لبقرة أي هي بقرة لا ذلول مثيرة وكذلك قوله ) ولا تسقي الحرث ( في محل رفع لأنه وصف لها أي ليست من النواضح التي يسنى عليها لسقي الزروع وحرف النفي الآخر توكيد للأول أي هي بقرة غير مذللة بالحرث ولا بالنضح ولهذا قال الحسن كانت البقرة وحشية وقال قوم إن قوله ) تثير ( فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث لها والنضح بها والأول أرجح لأنها لو كانت مثيرة ساقية لكانت مذللة ريضة وقد نفى الله ذلك عنها وقوله ) مسلمة ( مرتفع على أنه من أوصاف البقرة ويجوز أن يكون مرتفعا على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي هي مسلمة والجملة في محل رفع على أنها صفة والمسلمة هي التي لا عيب فيها وقيل مسلمة من العمل وهو ضعيف لأن الله سبحانه قد نفى ذلك عنها والتأسيس خير من التأكيد وألإفادة أولى من الإعادة والشية أصلها وشية حذفت الواو كما حذفت من يشي وأصله يوشي ونظيره الزنة والعدة والصلة وهي مأخوذة من وشى الثوب إذا نسج على لونين مختلفين وثور موسى في وجهه وقوائمه سواد والمراد أن هذه البقرة خالصة الصفرة ليس في جسمها لمعة من لون آخر فلما سمعوا هذه الأوصاف التي لا يبقى بعدها ريب ولا يخالج سامعها شك ولا تحتمل الشركة بوجه من الوجوه أقصروا من غوايتهم وانتبهوا من رقدتهم وعرفوا بمقدار ما أوقعهم فيه تعنتهم من التضييق عليهم ) قالوا الآن جئت بالحق ( أي أوضحت لنا الوصف وبينت لنا الحقيقة التي يجب الوقوف عندها فحصلوا تلك البقرة الموصوفة بتلك الصفات ) فذبحوها ( وامتثلوا الأمر الذي كان يسرا فعسروه وكان واسعا فضيقوه ) وما كادوا يفعلون ( ما أمروا به لما وقع منهم من التثبط والتعنت وعدم المبادرة فكان ذلك مظنة للاستبعاد ومحلا للمجيء بعبارة مشعرة بالتثبط الكائن منهم وقيل إنهم ما كادوا يفعلون لعدم وجدان البقرة المتصفة بهذه الأوصاف وقيل لارتفاع ثمنها وقيل لخوف انكشاف أمر المقتول والأول ارجح وقد استدل جماعة من المفسرين والأصوليين بهذه الآية على جواز النسخ قبل إمكان الفعل
وليس ذلك عندي بصحيح لوجهين الأول أن هذه الأوصاف المزيدة بسبب تكرر السؤال هي من باب التقييد للمأمور به لا من باب النسخ وبين البابين بون بعيد كما هو مقرر في علم الأصول الثاني أنا لو سلمنا أن هذا من باب النسخ لا من باب التقييد لم يكن فيه دليل على ما قالوه فإنه قد كان يمكنهم بعد الأمر الأول أن يعمدوا


"""""" صفحة رقم 99 """"""
إلى بقرة من عرض البقر فيذبحوها ثم كذلك بعد الوصف بكونها جامعة بين الوصف بالعوان والصفراء ولا دليل يدل على أن هذه المحاورة بينهم وبين موسى عليه السلام واقعة في لحظة واحدة بل الظاهر أن هذه الأسئلة المتعنتة كانوا يتواطؤون عليها ويديرون الرأي بينهم في أمرها ثم يوردونها وأقل الأحوال الاحتمال القادح في الاستدلال
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني قال كان رجل من بني إسرائيل عقيما لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه وارثه فقتله ثم احتمله ليلا فوضعه على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم حتى تسلحوا وركب بعضهم إلى بعض فقال ذو الرأي منهم علام يقتل بعضكم بعضا وهذا رسول الله فيكم فأتوا موسى فذكروا ذلك له فقال ) إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ( الآية قال فلو لم يعترضوا لأجزأت عنهم أدنى بقرة ولكنهم شددوا فشدد عليهم حتى انتهوا إلى البقرة التي أمروا بذبحها فوجدوها عند رجل ليس له بقرة غيرها فقال والله لا أنقصها من ملء جلدها ذهبا فأخذوها بملء جلدها ذهبا فذبحوها فضربوه ببعضها فقام فقالوا من قتلك فقال هذا لابن أخيه ثم مال ميتا فلم يعط من ماله شيئا ولم يورث قاتل بعده وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ( من عاش بعد الموت ) عن ابن عباس أن القتيل وجد بين قريتين وأن البقرة كانت لرجل كان يبر أباه فاشتروها بوزنها ذهبا وأخرج ابن جرير عنه نحوا من ذلك ولم يذكر ما تقدم في البقرة وقد روى في هذا قصص مختلفة لا يتعلق بها كثير فائدة وأخرج البزار عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزأهم أو لأجزأت عنهم ) وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لولا أن بني إسرائيل قالوا ) وإنا إن شاء الله لمهتدون ( ما أعطوا ابدا ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم ) وأخرج نحوه الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر عن عكرمة يبلغ به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرجه ابن جرير عن ابن جريج يرفعه وأخرجه ابن جرير عن قتادة يرفعه أيضا وهذه الثلاثة مرسلة وأخرج نحوه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال الفارض الهرمة والبكر الصغيرة والعوان النصف وأخرج نحوه عن مجاهد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) عوان بين ذلك ( قال بين الصغيرة والكبيرة وهي أقوى ما يكون وأحسنه وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله ) صفراء فاقع لونها ( قال شديدة الصفرة تكاد من صفرتها تبيض وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله ) صفراء ( قال صفراء الظلف ) فاقع لونها ( قال صافي وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال ) فاقع لونها ( أي صاف ) تسر الناظرين ( أي تعجب وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) صفراء فاقع لونها ( قال سوداء شديدة السواد وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) لا ذلول ( أي لم يذلها العمل ) تثير الأرض ( يعني ليست بذلول فتثير الأرض ) ولا تسقي الحرث ( يقول ولا تعمل في الحرث ) مسلمة ( قال من العيوب واخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وقال ) لا شية فيها ( لا بياض فيها ولا سواد وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) مسلمة ( لا عوار فيها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) قالوا الآن جئت بالحق ( قالوا الآن بينت لنا ) فذبحوها وما كادوا يفعلون ( وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب في قوله ) وما كادوا يفعلون ( لغلاء ثمنها


"""""" صفحة رقم 100 """"""
البقرة 72 74
البقرة : ( 72 ) وإذ قتلتم نفسا . . . . .
قد تقدم ما ذكرناه في قصة البقرة فيكون تقدير الكلام ( وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ) فقال موسى لقومه ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) إلى آخر القصة وبعدها ) فقلنا اضربوه ببعضها ( الآية وقال الرازي في تفسيره أعلم أن وقوع القتل لا بد أن يكون متقدما لأمره تعالى بالذبح فأما الإخبار عن وقوع ذلك القتل وعن أنه لا بد أن يضرب القتيل ببعض تلك البقرة فلا يجب أن يكون متقدما على الإخبار عن قصة البقرة فقول من يقول هذه القصة يجب أن تكون متقدمة في التلاوة على الأولى خطأ لأن هذه القصة في نفسها يجب أن تكون متقدمة على الأولى في الوجود فأما التقدم في الذكر فغير واجب لأنه تارة يقدم ذكر السبب على ذكر الحكم واخرى على العكس من ذلك فكأنهم لما وقعت لهم تلك الواقعة أمرهم الله بذبح البقرة فلما ذبحوها قال وإذ قتلتم نفسا من قبل ونسب القتل إليهم بكون القاتل منهم وأصل ادارأتم تدارأتم ثم أدغمت التاء في الدال ولما كان الابتداء بالمدغم الساكن لا يجوز زادوا ألف الوصل ومعنى ادارأتم اختلفتم وتنازعتم لأن المتنازعين يدرأ بعضهم بعضا أي يدفعه ومعنى ( مخرج ) مظهر أي ما كتمتم بينكم من أمر القتل فالله مظهره لعباده ومبينه لهم وهذه الجملة معترضة بين أجزاء الكلام أي فادارأتم فيها فقلنا
البقرة : ( 73 ) فقلنا اضربوه ببعضها . . . . .
واختلف في تعيين البعض الذي أمروا بأن يضربوا القتيل به ولا حاجة إلى ذلك مع ما فيه من القول بغير علم ويكفينا أن نقول أمرهم الله بأن يضربوه ببعضها فأي بعض ضربوا به فقد فعلوا ما أمروا به وما زاد على هذا فهو من فضول العلم إذا لم يرد به برهان قوله ) كذلك يحيي الله الموتى ( في الكلام حذف والتقدير ( فقلنا اضربوه ببعضها ) فأحياه الله ) كذلك يحيي الله الموتى ( أي إحياء كمثل هذا الإحياء ) ويريكم آياته ( أي علاماته ودلائله الدالة على كمال قدرته وهذا يحتمل أن يكون خطابا لمن حضر القصة ويحتمل أن يكون خطابا للموجودين عند نزول القرآن
البقرة : ( 74 ) ثم قست قلوبكم . . . . .
والقسوة الصلابة واليبس وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لايات الله مع وجود ما يقتضي خلاف هذه القسوة من إحياء القتيل وتكلمه وتعيينه لقاتله والإشارة بقوله ) من بعد ذلك ( إلى ما تقدم من الآيات الموجبة للين القلوب ورقتها قيل ( أو ) في قوله ( أو أشد قسوة ) بمعنى الواو كما في قوله تعالى ) آثما أو كفورا ( وقيل هي بمعنى بل وعلى أن ( أو ) على أصلها أو بمعنى الواو فالعطف على قوله ( كالحجارة ) أي هذه القلوب هي كالحجارة أو هي أشد قسوة منها فشبهوها بأي الأمرين شئتم فإنكم مصيبون في هذا التشبيه وقد أجاب الرازي في تفسيره عن وقوع ( أو ) ههنا مع كونها للترديد أي لا يليق لعلام الغيوب بثمانية أوجه وإنما توصل إلى أفعل التفضيل بأشد مع كونه يصح أن يقال وأقسى من الحجارة لكونه ابين وأدل على فرط القسوة كما قاله في


"""""" صفحة رقم 101 """"""
الكشاف وقرأ الأعمش ( أو أشد ) بنصب الدال وكأنه عطفه على الحجارة فيكون أشد مجرورا بالفتحة وقوله ) وإن من الحجارة ( إلى آخره قال في الكشاف إنه بيان لفضل قلوبهم على الحجارة في شدة القسوة وتقرير لقوله ) أو أشد قسوة ( انتهى وفيه أن مجيء البيان بالواو غير معروف ولا مألوف والأولى جعل ما بعد الواو تذييلا أو حالا التفجر التفتح وفد سبق تفسيره واصل ( يشقق ) يتشقق أدغمت التاء في الشين وقد قرأ الأعمش ( يتشقق ) على الأصل وقرأ ابن مصرف ينشق بالنون والشق واحد الشقوق وهو يكون بالطول أو بالعرض بخلاف الإنفجار فهو الانفتاح من موضع واحد مع اتساع الخرق والمراد أن الماء يخرج من الحجارة من مواضع الإنفجار والإنشقاق ومن الحجارة ما يهبط أي ينحط من المكان الذي هو فيه إلى أسفل منه من الخشية لله التي تداخله وتحل به وقيل إن الهبوط مجاز عن الخشوع منها والتواضع الكائن فيها انقيادا لله عز وجل فهو مثل قوله تعالى ) لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ( وقد حكى ابن جرير عن فرقة أن الخشية للحجارة مستعارة كما استعيرت الإرادة للجدار وكما قال الشاعر لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة والجبال الخشع
وذكر الجاحظ أن الضمير في قوله ) وإن منها ( راجع إلى القلوب لا إلى الحجارة وهو فاسد فإن الغرض من سياق هذا الكلام هو التصريح بأن قلوب هؤلاء بلغت في القسوة وفرط اليبس الموجبين لعدم قبول الحق والتأثر للمواعظ إلى مكان لم تبلغ إليه الحجارة التي هي أشد الأجسام صلابة وأعظمها صلادة فإنها ترجع إلى نوع من اللين وهي تفجرها بالماء وتشققها عنه وقبولها لما توجبه الخشية لله من الخشوع والانقياد بخلاف تلك القلوب وفي قوله تعالى ) وما الله بغافل عما تعملون ( من التهديد وتشديد الوعيد ما لا يخفى فإن الله عز وجل إذا كان عالما بما يعملونه مطلعا عليه غير غافل عنه كان لمجازاتهم بالمرصاد
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ( قال اختلفتم فيها ) والله مخرج ما كنتم تكتمون ( قال ما تغيبون وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن المسيب بن رافع قال ( ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وتصديق ذلك في كتاب الله ) والله مخرج ما كنتم تكتمون ( وأخرج أحمد والحاكم وصححه عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لو أن رجلا عمل عملا في صخرة صماء لا باب لها ولا كوة خرج عمله إلى الناس كائنا ما كان ) وأخرج البيهقي من حديث عثمان قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من كانت له سريرة صالحة أو سيئة أظهر الله عليها منها رداء يعرف به ) ورواه البيهقي أيضا بنحوه من قول عثمان قال والموقوف أصح وأخرج أبو الشيخ والبيهقي عن أنس مرفوعا حديثا طويلا في هذا المعنى ومعناه أن الله يلبس كل عامل عمله حتى يتحدث به الناس ويزيدون ولو عمله في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت باب من حديد وفي إسناده ضعف وأخرج ابن عدي من حديث أنس أيضا مرفوعا ( إن الله مرد كل امرئ رداء عمله ) ولجماعة من الصحابة والتابعين كلمات تفيد هذا المعنى وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فقلنا اضربوه ببعضها ( قال ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنهم ضربوه بفخذها وأخرج مثله ابن جرير عن عكرمة وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد وأخرج ابن جرير عن السدي قال ضرب بالبضعة التي بين الكتفين وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة عن


"""""" صفحة رقم 102 """"""
وهب بن منبه قصة طويلة في ذكر البقرة وصاحبها لا حاجة إلى التطويل بذكرها وقد استوفاها في الدر المنثور وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ( قال من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى ومن بعد ما اراهم من أمر القتيل ) فهي كالحجارة أو أشد قسوة ( ثم عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي بني آدم فقال ) وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ( إلى آخر الآية وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أي من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( إن الحجر ليقع على الأرض ولو اجتمع عليه فئام من الناس ما استطاعوه وأنه ليهبط من خشية الله )
البقرة 75 77
البقرة : ( 75 ) أفتطمعون أن يؤمنوا . . . . .
قوله ) أفتطمعون ( هذا الاستفهام فيه معنى الإنكار كأنه آيسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود والخطاب لأصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أوله ولهم و ) يؤمنوا لكم ( أي لأجلكم أو على تضمين آمن معنى استجاب أي أتطمعون أن يستجيبوا لكم والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه و ) كلام الله ( أي التوراة وقيل إنهم سمعوا خطاب الله لموسى حين كلمه وعلى هذا فيكون الفريق هم السبعون الذين اختارهم موسى وقرأ الأعمش ) كلم الله ( والمراد من التحريف أنهم عمدوا إلى ما سمعوه من التوراة فجعلوا حلاله حراما أو نحو ذلك مما فيه موافقة لأهوائهم كتحريفهم صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإسقاط الحدود عن أشرافهم أو سمعوا كلام الله لموسى فزادوا فيه ونقصوا وهذا إخبار عن إصرارهم على الكفر وإنكار على من طمع في إيمانهم وحالهم هذه الحال أي ولهم سلف حرفوا كلام الله وغيروا شرائعه وهم مقتدون بهم متبعون سبيلهم ومعنى قوله ) من بعد ما عقلوه ( أي من بعد ما فهموه بعقولهم مع كونهم يعلمون أن ذلك الذي فعلوه تحريف مخالف لما أمرهم الله به من تبليغ شرائعه كما هي فهم وقعوا في المعصية عالمين بها وذلك أشد لعقوبتهم وأبين لضلالهم
البقرة : ( 76 ) وإذا لقوا الذين . . . . .
( وإذا لقوا الذين آمنوا ) يعني أن المنافقين إذا لقوا الذين آمنوا ) قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض ( أي إذا خلا الذين لم ينافقوا بالمنافقين قالوا لهم عاتبين عليهم ) أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ( أي حكم عليكم من العذاب وذلك أن ناسا من اليهود أسلموا ثم نافقوا فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذب به آباؤهم وقيل إن المراد ما فتح الله عليهم في التوراة من صفة محمد وقد تقدم معنى خلا والفتح عند العرب القضاء والحكم والفتاح القاضي بلغة اليمن والفتح النصر ومن ذلك قوله تعالى ) يستفتحون على الذين كفروا ( وقوله ) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( ومن الأول ثم يفتح بيننا بالحق وهو خير الفاتحين أي الحاكمين ويكون الفتح بمعنى الفرق بين الشيئين والمحاجة إبراز الحجة أي لا تخبروهم بما حكم الله به عليكم من العذاب فيكون ذلك حجة لهم عليكم فيقولون نحن أكرم على الله منكم وأحق بالخير منه والحجة الكلام المستقيم وحاججت فلانا فحججته أي غلبته بالحجة ) أفلا تعقلون ( ما فيه الضرر عليكم من هذا التحدث الواقع منكم لهم
البقرة : ( 77 ) أو لا يعلمون . . . . .
ثم وبخهم الله سبحانه


"""""" صفحة رقم 103 """"""
) أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( من جميع أنواع الأسرار وأنواع الإعلان ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ثم قال الله لنبيه ومن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم ) أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ( وليس قوله يسمعون التوراة كلهم قد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها وأخرج عبد بن حمبد وابن جرير عن قتادة في قوله ) أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ( الآية قال هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما سمعوه ووعوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ( الآية قال الذين يحرفونه والذين يكتبونه هم العلماء منهم والذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هؤلاء كلهم يهود وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) يسمعون كلام الله ( قال هي التوراة حرفوها وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ( أي بصاحبكم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكنه إليكم خاصة ) وإذا خلا بعضهم إلى بعض ( قالوا لا تحدثوا العرب بهذا فقد كنتم تستفتحون به عليهم وكان منهم ) ليحاجوكم به عند ربكم ( أي تقرون بأنه نبي وقد علمتم أنه قد أخذ عليكم الميثاق بإتباعه وهو يخبرهم أنه النبي الذي كان ينتظر ونجد في كتابنا اجحدوه ولا تقروا به وأخرج ابن جرير عنه أن هذه الآية في المنافقين من اليهود وقوله ) بما فتح الله عليكم ( يعني بما أكرمكم به واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال نزلت هذه الآية في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا وكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به فقالوا بعضهم لبعض أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب لتقولوا نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم وقد أخرج ابن جرير عن ابن زيد أن سبب نزول الآية أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن فكان اليهود يظهرون الإيمان فيدخلون ويرجعون إلى قومهم بالأخبار وكان المؤمنون يقولون لهم أليس قد قال الله في التوراة كذا وكذا فيقولون نعم فإذا رجعوا إلى قومهم ) قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ( الآية ) وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أن سبب نزول الآية ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قام لقوم قريظة تحت حصونهم فقال يا إخوان القردة والخنازير ويا عبدة الطاغون فقالوا من أخبر هذا الأمر محمدا ما خرج هذا الأمر إلا منكم ) أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ( أي بما حكم الله ليكون لهم حجة عليكم وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة أن السبب في نزول الآية ( أن إمرأة من اليهود أصابت فاحشة فجاءوا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يبتغون منه الحكم رجاء الرخصة فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عالمهم وهو ابن صوريا فقال له احكم قال فجبوه والتجبية يحملونه على حمار ويجعلون وجهه إلى ذنب الحمار فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ابحكم الله حكمت قال لا ولكن نساءنا كن حسانا فأسرع فيهن رجالنا فغيرنا الحكم وفيه نزل ) وإذا خلا بعضهم إلى بعض ( الآية ) وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ( قال هم اليهود وكانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا فصانعوهم بذلك ليرضوا عنهم ) وإذا خلا بعضهم إلى بعض ( نهى بعضهم بعضا أن يحدثوا بما فتح الله عليهم وبين لهم في كتابه من أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونعته ونبوته وقالوا إنكم إذا فعلتم ذلك احتجوا بذلك عليكم عند ربكم ) أفلا تعقلون أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( قال ما يعلنون من أمرهم وكلامهم إذا لقوا الذين


"""""" صفحة رقم 104 """"""
آمنوا وما يسرون إذا خلا بعضهم إلى بعض من كفرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتكذييهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ( يعني من كفرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ولكذبهم وما يعلنون حين قالوا للؤمنين آمنا وقد قال بمثل هذا جماعة من السلف
البقرة 78 82
البقرة : ( 78 ) ومنهم أميون لا . . . . .
قولهم ( ومنهم ) أي من اليهود والأمي منسوب إلى الأمة الأمية التي هي علي أصل ولادتها من أمهاتها لم تتعلم الكتابة ولا تحسن القراءة للمكتوب ومنه احديث ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) وقال أبو عبيدة إنما قيل لهم أميون لنزول الكتاب عليهم كأنهم نسبوا إلى أم الكتاب فكأنه قال ومنهم أهل الكتاب وقيل هم نصارى العرب وقيل هم قوم كانوا أهل كتاب فرفع كتابهم لذنوب ارتكبوها وقيل هم المجوس وقيل غير ذلك والراجح الأول ومعنى ) لا يعلمون الكتاب إلا أماني ( أنه لا علم لهم به إلا ما هم عليه من الأماني التي يتمنونها ويعللون بها أنفسهم والأماني جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان لنفسه فهؤلاء لا علم لهم بالكتاب الذي هو التوراة لما هم عليه من كونهم لا يكتبون ولا يقرءون المكتوب والاستثناء منقطع أي لكن الأماني ثابتة لهم من كونهم مغفورا لهم بما يدعونه لأنفسهم من الأعمال الصالحة أو بما لهم من السلف الصالح في اعتقادهم وقيل الأماني الأكاذيب كما سيأتي عن ابن عباس ومنه قول عثمان بن عفان ما تمنيت منذ أسلمت أي ما كذبت حكاه عنه القرطبي في تفسيره وقيل الأماني التلاوة ومنه قوله تعالى ) إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ( أي إذا تلا القى الشيطان في تلاوته أي لا علم لهم إلا مجرد التلاوة من دون تفهم وتدبر ومنه قول كعب بن مالك تمنى كتاب الله أول ليلة
وآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر تمنى كتاب الله آخر ليلة
تمنى داود الزبور على رسل
وقيل الأماني التقدير قال الجوهري يقال منى له أي قدر ومه قول الشاعر لا تأمنن وإن أمسيت في حرم
حتى تلاقي ما يمنى لك الماني
أي يقدر لك المقدر قال في الكشاف والاشتقاق من منى إذا قدر لأن المتمني يقدر في نفسه ويجوز ما يتمناه


"""""" صفحة رقم 105 """"""
وكذلك المختلق والقارىء يقدر أن كلمة كذا بعد كذا انتهى ( وإن ) في قوله ) وإن هم إلا يظنون ( نافية أي ما هم والظن هو التردد الراجح بين طرفي الإعتقاد الغير الجازم كذا في القاموس أي ما هم إلا يترددون بغير جزم ولا يقين وقيل الظن هنا بمعنى الكذب وقيل هو مجرد الحدس لما ذكر الله سبحانه أهل العلم منهم بأنهم غير عاملين بل يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ذكر أهل الجهل منهم بأنهم يتكلمون على الأماني ويعتمدون على الظن الذي لا يقفون من تقليدهم على غيره ولا يظفرون بسواه
البقرة : ( 79 ) فويل للذين يكتبون . . . . .
والويل الهلاك وقال الفراء لأصل في الويل وي أي حزن كما تقول وي لفلان أي حزن له فوصلته العرب باللام قال الخليل ولم نسمع على بنائه إلا ويح وويس وويه وويك وويب وكله متقارب في المعنى وقد فرق بينها قوم وهي مصادر لم ينطق العرب بأفعالها وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأن فيه معنى الدعاء والكتابة معروفة والمراد أنهم يكتبون الكتاب المحرف ولا يبينون ولا ينكرونه على فاعله وقوله ) بأيديهم ( تأكيد لأن الكتابة لا تكون إلا باليد فهو مثل قوله ) ولا طائر يطير بجناحيه ( وقوله ) يقولون بأفواههم ( وقال ابن السراج هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم قوله ) يكتبون الكتاب ( فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك والاشتراء الاستبدال وقد تقدم الكلام عليه ووصفه بالقلة لكونه فانيا لا ثواب فيه أو لكونه حراما لا تحل به البركة فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ولا بالكتابة لذلك المحرف حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله لينالوا بهذه المعاصي والمتكررة هذا الغرض النزير والعوض الحقير وقوله ) مما يكسبون ( قيل من الرشا ونحوها وقيل من المعاضي وكرر الويل تغليظا عليهم وتعظيما لفعلهم وهتكا لأستارهم
البقرة : ( 80 ) وقالوا لن تمسنا . . . . .
( وقالوا ) أي اليهود ) لن تمسنا النار ( الآية وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي بيانه والمراد بقوله ) قل أتخذتم عند الله عهدا ( الإنكار عليهم لما صدر منهم من هذه الدعوى الباطلة أنها لن تمسهم النار إلا أياما معدودة أي لم يتقدم لكم مع الله عهدا بهذا ولا أسلفتم من الأعمال الصالحة ما يصدق هذه الدعوى حتى يتعين الوفاء بذلك وعدم إخلاف العهد أي إن اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون قال في الكشاف و ( أم ) إما أن تكون معادلة بمعنى أي الامرين كائن على سبيل التقرير لأن العلم واقع بكون أحدهما ويجوز أن تكون منقطعة انتهى وهذا توبيخ لهم شديد قال الرازي في تفسيره العهد في هذا الموضع يجري مجرى الوعد وإنما سمى خبره سبحانه عهدا لأن خبره أوكد من العهود المؤكدة
البقرة : ( 81 ) بلى من كسب . . . . .
وقوله ) بلى ( إثبات بعد النفي أي بلى تمسكم لا على الوجه الذي ذكرتم من كونه أياما معدودة والسيئة المراد بها الجنس هنا ومثله قوله تعالى ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( ) من يعمل سوءا يجز به ( ثم أوضح سبحانه أن مجرد كسب السيئة لا يوجب الخلود في النار بل لا بد أن تكون سيئة محيطة به قيل هي الشرك وقيل الكبيرة وتفسيرها بالشرك أولى لما ثبت في السنة تواترا من خروج عصاة الموحدين من النار ويؤيد ذلك كونها نازلة في اليهود وإن كان الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقد قرأ نافع ( خطيئاته ) بالجمع وقرأ الباقون بالإفراد
البقرة : ( 82 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
وقد تقدم تفسير الخلود
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب ( قال لا يدرون ما فيه ) وإن هم إلا يظنون ( قال وهم يجحدون نبوتك بالظن وأخرج ابن جرير عنه قال الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ولا كتابا أنزله الله فكتبوا كتابا بأيديهم ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله
وقد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله وأخرج ابن جرير عن النخعي قال


"""""" صفحة رقم 106 """"""
منهم من لا يحسن أن يكتب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا أماني ( قال الأحاديث وأخرج ابن جرير عنه أنها الكذب وكذا روى مثله عبد بن حميد عن مجاهد وزاد ) وإن هم إلا يظنون ( قال إلا يكذبون وخرج النسائي وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فويل للذين يكتبون الكتاب ( قال نزلت في أهل الكتاب وأخرج أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه عن أبي سعيد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ) وأخرج ابن جرير من حديث عثمان مرفوعا قال الويل جبل في النار ) وأخرج البزار وابن مردويه من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا أنه حجر في النار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فويل للذين يكتبون الكتاب ( قال هم أحبار اليهود وجدوا صفة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مكتوبة في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فلما وجدوه في التوراة محوه حسدا وبغيا فأتاهم نفر من قريش فقالوا تجدون في التوراة نبيا أميا فقالوا نعم نجده طويلا أزرق سبط الشعر فأنكرت قريش وقالوا ليس هذا منا وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) ثمنا قليلا ( قال عرضا من عرض الدنيا ) فويل لهم ( قال فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب ) وويل لهم مما يكسبون ( يقول مما يأكلون به الناس السفلة عندهم وقد ذكر صاحب الدر المنثور آثارا عن جماعة من السلف أنهم كرهوا بيع المصاحف مستدلين بهذه الآية ولا دلالة فيها على ذلك ثم ذكر آثارا عن جماعة منهم أنهم جوزوا ذلك ولم يكرهوه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوما واحدا في النار وإنما هي سبعة أيام معدودة ثم ينقطع العذاب فأنزل الله في ذلك ) وقالوا لن تمسنا النار ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال وجد أهل الكتاب مسيرة ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين فقالوا لن تعذب أهل النار إلا قدر أربعين فإذا كان يوم القيامة ألجموا في النار فساروا فيها حتى انتهوا إلى سقر وفيها شجرة الزقوم إلى آخر يوم من الأيام المعدودة فقال لهم خزنة النار يا أعداء الله زعمتم أنكم لن تعذبوا في النار إلا أياما معدودة فقد انقضى العدد وبقي الأبد فيؤخذون في الصعود يرهقون على وجوههم وأخرج ابن جرير عنه أن اليهود قالوا لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة مدة عبادة العجل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال اجتمعت يهود يوما فخاصموا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات أربعين يوما ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورد يديه على رأسه ( كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لانخلفكم فيها إن شاء الله أبدا ففيهم نزلت هذه الآية ) وقالوا لن تمسنا النار ( ) وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم مرفوعا نحوه واخرج أحمد والبخاري والدارمي والنسائي من حديث أبي هريرة ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سأل اليهود في خيبر من أهل النار فقالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبدا ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) قل أتخذتم عند الله عهدا ( أي موثقا من الله بذلك أنه كما تقولون وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه فسر العهد هنا بأنهم قالوا لا إله إلا الله لم يشركوا به ولم يكفروا وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) أم تقولون على الله ما لا تعلمون ( قال قال القوم الكذب والباطل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بلى من كسب سيئة ( قال الشرك وأخرج عبدالله عن مجاهد


"""""" صفحة رقم 107 """"""
وعكرمة وقتادة مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله ) وأحاطت به خطيئته ( قال أحاط به شركه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) بلى من كسب سيئة ( أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم حتى يحيط كفره بما له من حسنة ) فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات ( أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) وأحاطت به خطيئته ( قال هي الكبيرة الموجبة لأهلها النار وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن أنه قال كل ما وعد الله عليه النار فهو الخطيئة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الربيع ابن خيثم قال هو الذي يموت على خطيئته قبل أن يتوب وأخرج مثله ابن جرير عن الأعمش
البقرة 83 86
البقرة : ( 83 ) وإذ أخذنا ميثاق . . . . .
قد تقدم تفسير الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل وقال مكي إن الميثاق الذي أخذه الله عليهم هنا هو ما أخذه الله عليهم في حياتهم على ألسن أنبيائهم وهو قوله ) لا تعبدون إلا الله ( وعبادة الله إثبات توحيده وتصديق رسله والعمل بما أنزل في كتبه قال سيبويه إن قوله ) لا تعبدون إلا الله ( هو جواب قسم والمعنى استحلفناهم والله لا تعبدون إلا الله وقيل هو إخبار في معنى الأمر ويدل عليه قراءة أبي وابن مسعود ( لا تعبدوا ) على النهي ويدل عليه أيضا ما عطف عليه من قوله ( وقولوا وأقيموا وآتوا ) وقال قطرب والمبرد إن قوله ) لا تعبدون ( جملة حالية أي أخذنا ميثاقهم موحدين أو غير معاندين قال القرطبي وهذا إنما يتجه على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ( يعبدون ) بالياء التحتية وقال الفراء والزجاج وجماعة إن معناه أخذنا ميثاقكم بأن لا تعبدوا إلا الله وبأن تحسنوا بالوالدين وبأن لا تسفكوا الدماء ثم حذف أن فارتفع الفعل لزوالها قال المبرد هذا خطأ لأن كل ما أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهرا وقال القرطبي ليس بخطأ بل هما وجهان صحيحان وعليهما أنشد


"""""" صفحة رقم 108 """"""
ألا أي هذا الزاجري أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
بالنصب لقوله أحضر وبالرفع والإحسان إلى الوالدين معاشرتهما بالمعروف والتواضع لهما وامتثال أمرهما وسائر ما أوجبه الله على الولد لوالديه من الحقوق والقربى مصدر كالرجعي والعقبى هم القرابة والإحسان بهم صلتهم والقيام بما يحتاجون إليه بحسب الطاقة وبقدر ما تبلغ إليه القدرة واليتامى جمع يتيم واليتيم في بني آدم من فقد أبوه وفي سائر الحيوانات من فقدت أمه وأصله الإنفراد يقال صبي يتيم أي منفرد من أبيه والمساكين جمع مسكين وهو من أسكنته الحاجة وذللته وهو أشد فقرا من الفقير عند أكثر أهل اللغة وكثير من أهل الفقه وروى عن الشافعي أن الفقير أسود أسوأ حالا من المسكين وقد ذكر أهل العلم لهذا البحث أدلة مستوفاة في مواطنها ومعنى قوله ) وقولوا للناس حسنا ( أي قولوا لهم قولا حسنا فهو صفة مصدر محذوف وهو مصدر كبشرى وقرأ حمزة والكسائي ( حسنا ) بفتح الحاء والسين وكذلك قرأ زيد بن ثابت وابن مسعود قال الأخفش هما بمعنى واحد مثل البخل والبخل والرشد والرشد وحكى الأخفش أيضا ( حسنى ) بغير تنوين على فعلى قال النحاس وهذا لا يجوز في العربية لا يقال من هذا شيء إلا بالألف واللام نحو الفضلى والكبرى والحسنى وهذا قول سيبويه وقرأ عيسى بن عمر ( حسنا ) بضمتين والظاهر أن هذا القول الذي أمرهم الله به لا يختص بنوع معين بل كل ما صدق عليه أنه حسن شرعا كان من جملة ما يصدق عليه هذا الأمر وقد قيل إن ذلك هو كلمة التوحيد وقيل الصدق وقيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيل غير ذلك وقوله ) وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ( قد تقدم تفسيره وهو خطاب لبني إسرائيل فالمراد الصلاة التي كانوا يصلونها والزكاة التي كانوا يخرجونها قال ابن عطية وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يقبل ولا تنزل على ما لا يقبل وقوله ( ثم توليتم ) قيل الخطاب للحاضرين منهم في عصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم مثل سلفهم في ذلك وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب وقوله ( إلا قليلا ) منصوب على الاستثناء ومنهم عبدالله بن سلام وأصحابه وقوله ) وأنتم معرضون ( في موضع النصب على الحال والإعراض والتولي بمعنى واحد وقيل التولي بالجسم والإعراض بالقلب
البقرة : ( 84 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .
وقوله ( لا تسفكون ) الكلام فيه كالكلام في لا تعبدون وقد سبق وقرأ طلحة بن مصرف وشعيب بن أبي حمزة بضم الفاء وهي لغة وقرأ أبو نهيك بضك الياء وتشديد الفاء وفتح السين والسفك الصب وقد تقدم والمراد أنه لا يفعل ذلك بعضهم ببعض والدار المنزل الذي فيه ابنية المقام بخلاف منزل الارتحال وقال الخليل كل موضع حله قوم فهو دار لهم وإن لم يكن فيه أبنية وقيل سميت دارا لدورها على سكانها كما يسمى الحائط حائطا لإحاطته على ما يحويه وقوله ( ثم أقررتم ) من الإقرار أي حصل منكم الاعتراف بهذا الميثاق المأخوذ عليكم في حال شهادتكم على أنفسكم بذلك قيل الشهادة هنا بالقلوب وقيل هي بمعنى الحضور أي أنكم الآن تشهدون على أسلافكم بذلك وكان الله سبحانه قد أخذ في التوراة على بني إسرائيل أن لا يقتل بعضهم بعضا ولا ينفيه ولا يسترقه
البقرة : ( 85 ) ثم أنتم هؤلاء . . . . .
وقوله ) ثم أنتم هؤلاء ( أي أنتم هؤلاء المشاهدون الحاضرون تخالفون ما أخذه الله عليكم في التوراة فتقتلون أنفسكم إلى آخر الآية وقيل إن هؤلاء منصوب بإضمار أعني ويمكن أن يقال منصوب بالذم أو الاختصاص أي أذم أو أخص وقال القتيبي إن التقدير يا هؤلاء قال النحاس هذا خطأ على قول سيبويه لا يجوز وقال الزجاج هؤلاء بمعنى الذين أي ثم أنتم الذين تقتلون وقيل هؤلاء مبتدأ وأنتم خبر مقدم وقرأ الزهري ( تقتلون ) مشددا فمن جعل قوله ) أنتم هؤلاء ( مبتدأ وخبرا جعل قوله ( تقتلون ) بيانا لأن معنى قوله ( أنتم هؤلاء ) أنهم على حاله كحالة أسلافهم من نقض الميثاق ومن جعل


"""""" صفحة رقم 109 """"""
هؤلاء منادى أو منصوبا بما ذكرنا جعل الخبر تقتلون وما بعده وقوله ) تظاهرون ( بالتشديد وأصله تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء لقربها منها في المخرج وهي قراءة أهل مكة وقرأ أهل الكوفة ( تظاهرون ) مخففا بحذف التاء الثانية لدلالة الأولى عليها وأصل المظاهرة المعاونة مشتقة من الظهر لأن بعضهم يقوى بعضا فيكون له كالظهر ومنه قول الشاعر تظاهرتم من كل أوب ووجهة
على واحد لا زلتم قرن واحد
ومنه قوله تعالى ) وكان الكافر على ربه ظهيرا ( وقوله ) والملائكة بعد ذلك ظهير ( وأسارى حال قال أبو عبيد وكان أبو عمرو يقول ما صار في أيديهم فهو أسارى وما جاء مستأسرا فهو الأسرى ولا يعرف أهل اللغة ما قال أبو عمرو وإنما هذا كما تقول سكارى وسكرى وقد قرأ حمزة ( اسرى ) وقرأ الباقون ( أسارى ) والأسرى جمع أسير كالقتلى جمع قتيل والجرحى جمع جريح قال أبو حاتم ولا يجوز أسارى وقال الزجاج يقال أسارى كما يقال سكارى وقال ابن فارس يقال في جمع أسير أسرى وأسارى انتهى فالعجب من أبي حاتم حيث ينكر ما ثبت في التنزيل وقرا به الجمهور والأسير مشتق من السير وهو القيد الذي يشد به المحمل فسمى أسيرا لأنه يشد وثاقه والعرب تقول قد اسرقته أيد شده ثم سمى كل أخيذ أسيرا وإن لم يؤخذ وقوله ) تفادوهم ( جواب الشرط وهي قراءة حمزة ونافع والكسائي وقرأ الباقون ( تفدوهم ) والفداء هو ما يوجد من الأسير ليفك به أسره يقال فداه وفاداه إذا أعطاه فداءه قال الشاعر قفي فادي أسيرك إن قومي
وقومك ما أرى لهم اجتماعا
وقوله ) وهو محرم عليكم إخراجهم ( الضمير للشأن وقيل مبهم تفسره الجملة التي بعده وزعم الفراء أن هذا الضمير عماد واعترض عليه بأن العماد لا يكون في أول الكلام و ( إخراجهم ) مرتفع بقول ( محرم ساد مسد الخبر وقيل بل مرتفع بالابتداء ومحرم خبره قال المفسرون كان الله سبحانه قد أخذ على بني إسرائيل أربعة عهود ترك القتل وترك الإخراج وترك المظاهرة وفداء أسراهم فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء فوبخهم الله على ذلك بقوله ) أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ( والخزي الهوان قال الجوهري والخزي بالكسر يخزي خزيا إذا ذل وهان وقد وقع هذا الجزاء الذي وعد الله به الملاعين اليهود موفرا فصاروا في خزي عظيم بما ألصق بهم من الذل والمهانة بالقتل والأسر وضرب الجزية والجلاء وإنما ردهم الله يوم القيامة إلى أشد العذاب لأنهم جاءوا بذنب شديد ومعصية فظيعة وقد قرأ الجمهور يردون بالياء التحتية وقرأ الحسن بالفوقية على الخطاب وقد تقدم تفسير قوله ) وما الله بغافل عما يعملون )
البقرة : ( 86 ) أولئك الذين اشتروا . . . . .
وكذلك تفسير ) أولئك الذين اشتروا ( وقوله ) فلا يخفف ( إخبار من الله سبحانه بأن اليهود لا يزالون في عذاب موفر لازم لهم بالجزية والصغار والذلة والمهانة فلا يخفف عنهم ذلك أبدا ما داموا ولا يوجد لهم ناصر يدفع عنهم ولا يثبت لهم نصر في أنفسهم على عدوهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ( قال يؤنبهم أي ميثاقكم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وقولوا للناس حسنا ( قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وروى البيهقي في الشعب عن علي في قوله ) وقولوا للناس حسنا ( قال يعني الناس كلهم ومثله روى عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 110 """"""
في قوله ( ثم توليتم ) قال أي تركتم ذلك كله وأخرج ابن جرير عنه أنه قال معناه أعرضتم عن طاعتي إلا قليلا منكم وهم الذين اخترتهم لطاعتي وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) لا تسفكون دماءكم ( لا يقتل بعضكم بعضا ) ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ( لا يخرج بعضكم بعضا من الديار ) ثم أقررتم ( بهذا الميثاق ) وأنتم تشهدون ( وأنتم شهود وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ثم أقررتم ( أن هذا حق من ميثاقي عليكم ) ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ( أي أهل الشرك حتى تسفكوا دماءهم معهم ) وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ( قال تخرجونهم من ديارهم معهم ) تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ( فكانوا إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت معهم بنو قينقاع مع الخزرج والنضير وقريظة مع الأوس وظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه حتى يسافكوا دماءهم فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أسراهم تصديقا لما في التوراة ) وإن يأتوكم أسارى تفادوهم ( وقد عرفتم أن ذلك عليكم في دينكم ) وهو محرم عليكم ( في كتابكم لإخراجهم ) أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ( أتفادونهم مؤمنين بذلك وتخرجونهم كفرا بذلك وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ( قال استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة
البقرة 87 88
البقرة : ( 87 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
الكتاب التوراة والتقفية الاتباع والإرداف مأخوذة من القفا وهو مؤخر العنق تقول استقفيته إذا جئت من خلفه ومنه سميت قافية الشعر لأنها تتلو سائر الكلام والمراد أن الله سبحانه أرسل على أثره رسلا جعلهم تابعين له وهم أنبياء بني إسرائيل المبعوثون من بعده و ( البينات ) الأدلة التي ذكرها الله في آل عمران والمائدة والتأييد التقوية وقرأ مجاهد وابن محيصن ( آيدناه ) بالمد وهما لغتان وروح القدس من إضافة الموصوف إلى الصفة أي الروح المقدسة والقدس الطهارة والمقدس المطهر وقيل هو جبريل أيد الله به عيسى ومنه قول حسان وجبريل أمين الله فينا
وروح القدس ليس به خفاء
قال النحاس وسمى جبريل روحا وأضيف إلى القدس لأنه كان بتكوين الله له من غير ولادة وقيل القدس هو الله عز وجل ورحوحه جبريل وقيل المراد بروح القدس الإسم الذي كان عيسى يحيى به الموتى وقيل المراد به الإنجيل وقيل المراد به الروح المنفوخ فيه أيده الله به لما فيه من القوة وقوله ) بما لا تهوى أنفسكم ( أي بما لا يوافقها ويلائمها وأصل الهوى الميل إلى الشيء قال الجوهري وسمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار وبخهم الله سبحانه بهذا الكلام المعنون بهمزة التوبيخ فقال ) أفكلما جاءكم رسول ( منكم ) بما لا ( يوافق ما تهوونه استكبرتم عن إجابته احتقارا للرسل واستبعادا للرسالة والفاء في قوله ) أفكلما ( للعطف على مقدر أي آتيناكم يا بني إسرائيل من الأنبياء ما آتيناكم أفكلما جاءكم رسول وفريقا منصوب بالفعل الذي بعده والفاء


"""""" صفحة رقم 111 """"""
للتفصيل ومن الفريق المكذبين عيسى ومحمد ومن الفريق المقتولين يحيى وزكريا
البقرة : ( 88 ) وقالوا قلوبنا غلف . . . . .
والغلف جمع أغلف المراد به هنا الذي عليه غشاوة تمنع من وصول الكلام إليه ومنه غلفت السيف أي جعلت له غلافا قال في الكشاف هو مستعار من الأغلف الذي لم يختن كقوله ) قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ( وقيل إن الغلف جمع غلاف مثل حمار وحمر أي قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم عنك وقد وعينا علما كثيرا فرد الله عليهم ما قالوه فقال ) بل لعنهم الله بكفرهم ( واصل اللعن في كلام العرب الطرد والإبعاد ومنه قول الشماخ ذعرت بع القطا ونفيت عنه
مقام الذئب كالرجل اللعين
اي كالرجل المطرود والمعنى أبعدهم الله من رحمته و ( قليلا ) نعت لمصدر محذوف أي إيمانا قليلا ) ما يؤمنون ( و ( ما ) زائدة وصف إيمانهم بالقلة لأنهم الذين قص الله علينا من عنادهم وعجرفتهم وشدة لجاجهم وبعدهم عن إجابة الرسل ما قصه ومن جملة ذلك أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض وقال معمر المعنى لا يؤمنون إلا قليلا مما في أيديهم ويكفرون بأكثره وعلى هذا يكون قليلا منصوبا بنزع الخافض وقال الواقدي معناه لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا قال الكسائي تقول العرب مررنا بأرض قل ما تنبت الكراث والبصل أي لا تنبت شيئا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن عساكر عن ابن عباس في قوله ) ولقد آتينا موسى الكتاب ( يعني به التوراة جملة واحدة مفصلة محكمة ) وقفينا من بعده بالرسل ( يعني رسولا يدعى أشمويل بن بابل ورسولا يدعى منشابيل ورسولا يدعى شعياء ورسولا يدعى حزقيل ورسولا يدعى أرمياء وهو الخضر ورسولا يدعى داود وهو أبو سليمان ورسولا يدعى المسح عيسى ابن مريم فهؤلاء الرسل ابتعثهم الله وانتخبهم من الأمة بعد موسى فأخذنا عليهم ميثاقا غليظا أن يؤدوا إلى أمتهم صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وصفة أمته وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وآتينا عيسى ابن مريم البينات ( قال هي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب وما ورد عليهم من التوراة والإنجيل الذي أحدث الله إليه وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) وأيدناه ( قال قويناه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال روح من القدس الإسم الذي كان عيسى يحيي بن الموتى وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال القدس الله تعالى وأخرج عن الربيع بن أنس مثله وأخرج عن ابن عباس قال القدس الطهر وأخرج عن السدي قال القدس البركة وأخرج عن إسماعيل بن أبي خالد أن روح القدس جبريل وأخرج عن ابن مسعود مثله واخرج أبو الشيخ في العظمة عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال روح القدس جبريل وقد ثبت في الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( اللهم أيد حسان بروح القدس ) وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير في قوله ( فريقا ) قال طائفة وأخرج عن ابن عباس قال إنما سمي القلب لتقلبه وأخرج الطبراني في الأوسط عنه أنه كان يقرأ ( قلوبنا غلف ) مثقلة أي كيف نتعلم وقلوبنا غلف للحكمة أي أوعية للحكمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وقالوا قلوبنا غلف ( مملوءة علما لا تحتاج إلى علم محمد ولا غيره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) قلوبنا غلف ( قال في غطاء وروى ابن إسحاق وابن جرير عنه أنه قال في أكنة وأخرج ابن جرير عنه أنه قال هي القلوب المطبوع عليها وأخرج وكيع عن عكرمة وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال هي التي لا تفقه وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الاخلاص وابن جرير عن حذيفة قال القلوب أربعة قلب أغلف فذلك


"""""" صفحة رقم 112 """"""
قلب الكافر وقلب مصفح فذلك قلب المنافق وقلب أجرد فيه مثل السراج فذلك قلب المؤمن وقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب ومثل المنافق كمثل قرحة يمدها القيح والدم وأخرج أحمد بسند جيد عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يزهى وقلب أغلف مربوط على غلافه وقلب منكوس وقلب مصفح فأما القلب الأجرد فقلت المؤمن سراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثلة البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه ) وأخرج ابن أبي حاتم عن سلمان الفارسي مثله سواء موقوفا وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) فقليلا ما يؤمنون ( قال لا يؤمن منهم إلا قليل
البقرة 89 92
البقرة : ( 89 ) ولما جاءهم كتاب . . . . .
( ولما جاءهم ) يعني اليهود ( كتاب ) يعني القرآن و ( مصدق ) وصف له وهو في مصحف أبي منصور ونصبه على الحال وإن كان صاحبها نكرة فقد تخصصت بوصفها بقوله ( من عند الله ) وتصديقه لما معهم من التوراة والإنجيل أنه يخبرهم ما فيها ويصدقه ولا يخالفه والاستفتاح الاستنصار أي كانوا من قبل يطلبون من الله النصر على أعدائهم بالنبي المنعوت في آخر الزمان الذي يجدون صفته عندهم في التوراة وقيل الاستفتاح هنا بمعنى الفتح أي يخبرونهم بأنه سيبعث ويعرفونهم بذلك وجواب ( لما ) في قوله ( ولما جاءهم كتاب ) قيل هو قوله ( فلما جاءهم ما عرفوا ) وما بعده وقيل هو محذوف أي كذبوا أو نحوه كذا قال الأخفش والزجاج وقال المبرد إن جواب ( لما ) الأولى هو قوله ( كفروا ) وأعيدت ( لما ) الثانية لطول الكلام واللام في الكافرين للجنس ويجوز أن تكون للعهد ويكون هذا من وضع الظاهر موضع المضمر والأول أظهر
البقرة : ( 90 ) بئسما اشتروا به . . . . .
و ( ما ) في قوله ( بئسما ) موصولة أو موصوفة اي بئس الشيء أو شيئا اشتروا به أنفسهم قاله سيبويه وقال الاخفش ما في في موضع نصب على التمييز كقولك بئس رجلا زيد وقال الفراء بئسما بجملته شيء واحد ركب كحبذا وقال الكسائي ( ما ) و ( اشتروا ) بمنزلة اسم واحد قائم بنفسه والتقدير بئس اشتراؤهم أن يكفروا وقوله ( أن يكفروا ) في موضع رفع على الابتداء عند سيبويه وخبره ما قبله وقال الفراء والكسائي إن شئت كان


"""""" صفحة رقم 113 """"""
في موضع خفض بدلا من الهاء في به أي اشتروا أنفسهم بأن يكفروا وقال في الكشاف إن ( ما ) نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس بمعنى شيئا اشتروا به أنفسهم والمخصوص بالذم أن يكفروا واشتروا بمعنى باعوا وقوله 0 بغيا ) أي حسدا قال الأصمعي البغي مأخوذ من قولهم قد بغى الجرح إذا فسد وقيل أصله الطلب ولذلك سميت الزانية بغيا وهو علة لقوله ( اشتروا ) وقول ( أن ينزل ) علة لقوله ( بغيا ) أي لأن ينزل والمعنى أنهم باعوا أنفسهم بهذا الثمن البخس حسدا ومنافسة ( أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن ( أن ينزل ) بالتخفيف ( فباءوا ) أي رجعوا وصاروا أحقاء ( بغضب على غضب ) وقد تقدم معنى باؤوا ومعنى الغضب قيل الغضب الأول لعبادتهم العجل والثاني لكفرهم بمحمد وقيل كفرهم بعيسى ثم كفرهم بمحمد وقيل كفرهم بمحمد ثم البغي عليه وقيل غير ذلك والمهين مأخوذ من الهوان قيل وهو ما اقتضى الخلود في النار
البقرة : ( 91 ) وإذا قيل لهم . . . . .
وقوله ( بما أنزل الله ) هو القرآن وقيل كل كتاب أي صدقوا بالقرآن أو صدقوا بما أنزل الله من الكتب قالوا ( نؤمن ) أي نصدق ( بما أنزل علينا ) أي التوراة وقوله ( ويكفرون بما وراءه ) قال الفراء بما سواه وقال أبو عبيدة بما بعده قال الجوهري وراء بمعنى خلف وقد يكون بمعنى قدام وهي من الأضداد ومنه قوله تعالى ) وكان وراءهم ملك ( أي قدامهم وهذه الجملة أعني ويكفرون في محل النصب على الحال أي قالوا نؤمن بما أنزل علينا حال كونهم كافرين بما وراءه مع كون هذا الذي هو وراء ما يؤمنون به هو الحق وقوله ( مصدقا ) حال مؤكدة وهذه أحوال متداخلة أعني قوله ( ويكفرون ) وقوله ( وهو الحق ) وقوله ( مصدقا ) ثم اعترض الله سبحانه عليهم لما قال نؤمن بما أنزل علينا بهذه الجملة المشتملة على الاستفهام المفيد للتوبيخ أي إن كنتم تؤمنون بما أنزل عليكم فكيف تقتلون الأنبياء وقد نهيتم عن قتلهم فيما أنزل عليكم وهذا الخطاب وإن كان مع الحاضرين من اليهود فالمراد به أسلافهم وكلنهم لما كانوا يرضون بأفعال سلفهم كانوا مثلهم
البقرة : ( 92 ) ولقد جاءكم موسى . . . . .
واللام في قوله ( ولقد ) جواب لقسم مقدر والبينات يجوز أن يراد بها التوراة أو التسع الآيات المشار إليها بقوله تعالى ) ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ( ويجوز أن يراد الجميع ثم عبدتم العجل بعد النظر في تلك البينات حال كونكم ظالمين بهذه العبادة الصادرة منكم عنادا بعد قيام الحجة عليكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق ( قال هو القرآن ) مصدق لما معهم ( من التوراة والإنجيل وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري قال حدثني أشياخ منا قالوا لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منا لأن معنا يهود وكانوا أهل كتاب وكنا أصحاب وثن وكانوا إذا بلغهم منا ما يكرهون قالوا إن نبيا ليبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اتبعناه وكفروا به ففينا والله وفيهم أنزل الله ) وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ( وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة قالوا كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم وكانوا يجدون محمدا في التوراة فيسألون الله أن يبعثه نبيا فيقاتلون معه العرب فلما جاء محمد كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل وقد روى نحو هذا عن ابن عباس من غير وجه بألفاظ مختلفة ومعانيها متقاربة وروى عن غيره من السلف نحو ذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) بئسما اشتروا به أنفسهم (


"""""" صفحة رقم 114 """"""
قال هم اليهود كفروا بما أنزل الله وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) بغيا وحسدا للعرب ) فباؤوا بغضب على غضب ( قال غشب الله عليهم مرتين بكفرهم بالإنجيل وبعيسى وبكفرهم بالقرآن وبمحمد وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بغيا أن ينزل الله ( أي ان الله جعله من غيرهم ) وباؤوا بغضب ( بكفرهم بهذا النبي ) على غضب ( كان عليهم بما صنعوه من التوراة وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج أيضا عن مجاهد معناه وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) ويكفرون بما وراءه ( قال بما بعده وأخرج ابن جرير عن السدي قال بما وراءه أي القرآن
البقرة 93 96
البقرة : ( 93 ) وإذ أخذنا ميثاقكم . . . . .
قد تقدم تفسير أخذ الميثاق ورفع الطور والأمر بالسماع معناه الطاعة والقبول وليس المراد مجرد الإدراك بحاسة السمع ومنه قولهم ( سمع الله لمن حمده ) أي قبل واجاب ومنه قول الشاعر دعوت الله حتى خفت أن لا
يكون الله يسمع ما أقول
أي يقبل وقولهم في الجواب ( سمعنا ) هو علي بابه وفي معناه أي سمعنا قولك بحاسة السمع وعصيناك أي لا نقبل ما تأمرنا به ويجوز أن يكونوا ارادوا بقولهم ( سمعنا ) ما هو معهود من تلاعبهم واستعمالهم المغالطة في مخاطبة أنبيائهم وذلك بأن يحملوا قوله تعالى ( اسمعوا ) على معناه الحقيقي أي السماع بالحاسة ثم أجابوا بقولهم ( سمعنا ) أي أدركنا ذلك بأسماعنا عملا بموجب ما تأمر به ولكنهم لما كانوا يعلمون أن هذا غير مراد الله عز وجل بل مراده بالأمر بالسماع الأمر بالطاعة والقبول لم يقتصروا على هذه المغالطة بل ضموا إلى ذلك ما هو الجواب عندهم فقالوا ( عصينا ) وفي قوله ( وأشربوا ) تشبيه بليغ أي جعلت قلوبهم لتمكن حب العجل منها كأنها تشربه ومثله قول زهير فصحوت عنها بعد حب داخل
والحب يشربه فؤادك دائما
وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها والطعام يجاوزها ولا يتغلغل فيها والباء في قولهم ) بكفرهم ( سببية أي كان ذلك بسبب كفرهم عقوبة لهم وخذلانا وقوله ) قل بئسما يأمركم به إيمانكم ( الذي زعمتم أنكم تؤمنون بماأنزل عليكم وتكفرون بما وراءه فإن هذا الصنع وهو قولكم ) سمعنا وعصينا ( في جواب ما أمرتم به في كتابكم وأخذ عليكم الميثاق به مناد عليكم بأبلغ نداء بخلاف ما زعمتم وكذلك ما وقع منكم من عباده العجل ونزول حبه من قلوبكم منزلة الشراب هو من أعظم ما يدل


"""""" صفحة رقم 115 """"""
على أنكم كاذبون في قولكم ) نؤمن بما أنزل علينا ( لا صادقون فإن زعمتم أن كتابكم الذي آمنتم به أمركم بهذا فبئسما يأمركم به إيمانكم بكتابكم وفي هذا من التهكم بهم ما لا يخفى
البقرة : ( 94 ) قل إن كانت . . . . .
وقوله ) قل إن كانت لكم الدار الآخرة ( هو رد عليهم لما ادعوا أنهم يدخلون الجنة ولا يشاركهم في دخولها غيرهم وإلزام لهم بما يتبين به أنهم كاذبون في تلك الدعوى وأنها صادرة منهم لا عن برهان و ( خالصة ) منصوب على الحال ويكون خبر كان هو عند الله أو يكون خبر كان هو خالصة ومعنى الخلوص أنه لا يشاركهم فيها غيرهم إذا كانت اللام في قوله ) من دون الناس ( للجنس أو لا يشاركهم فيها المسلمون إن كانت اللام للعهد وهذا أرجح لقولهم في الآية الأخرى ) وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ( وإنما أمرهم بتمني الموت لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة ولما كان ذلك منهم مجرد دعوى أحجموا
البقرة : ( 95 ) ولن يتمنوه أبدا . . . . .
ولهذا قال سبحانه ) ولن يتمنوه أبدا ( و ( ما ) في قوله ( بما قدمت أيديهم ) موصولة والعائد محذوف أي بما قدمته من الذنوب التي يكون فاعلها غير آمن من العذاب بل غير طامع في دخول الجنة فضلا عن كونه قاطعا بها فضلا عن كونها خالصة له مختصة به وقيل إن الله سبحانه صرفهم عن التمني ليجعل ذلك آية لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالتمني هنا هو التلفظ بما يدل عليه لا مجرد خطوره بالقلب وميل النفس إليه فإن ذلك لا يراد في مقام المحاجة ومواطن الخصومة ومواقف التحدي وفي تركهم للتمني أو صرفهم عنه معجزة لرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فإنهم قد كانوا يسلكون من التعجرف والتجريء على الله وعلى أنبيائه بالدعاوي الباطلة في غير موطن ما قد حكاه عنهم التنزيل فلم يتركوا عادتهم هنا إلا لما قد تقرر عندهم من أنهم إذا فعلوا ذلك التمني نزل بهم الموت إما لأمر قد علموه أو للصرفة من الله عز وجل وقد يقال ثبت النهي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن تمني الموت فكيف أمره الله أن يأمرهم بما هو منهي عنه في شريعته ويجاب بأن المراد هنا إلزامهم الحجة وإقامة البرهان على بطلان دعواهم
وقوله ( والله عليم بالظالمين ) تهديد لهم وتسجيل عليهم بأنهم كذلك
البقرة : ( 96 ) ولتجدنهم أحرص الناس . . . . .
واللام في قوله ) ولتجدنهم ( جواب قسم محذوف وتنكير حياة للتحقير أي أنهم أحرص الناس على أحقر حياة واقل لبث في الدنيا فكيف بحياة كثيرة ولبق متطاول وقال في الكشاف إنه أراد بالتنكير حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة وتبعه في ذلك الرازي في تفسيره وقوله ( ومن الذين أشركوا ) قيل هو كلام مستأنف والتقدير ومن الذين أشركوا ناس ( يود أحدهم ) وقيل إنه معطوف على الناس أي أحرص الناس وأحرص من الذين أشركوا وعلى هذا يكون قوله يود أحدهم راجعا إلى اليهود بيانا لزيادة حرصهم على الحياة ووجه ذكر الذين أشركوا بعد ذكر الناس مع كونهم داخلين فيهم الدلالة على مزيد حرص المشركين من العرب ومن شابههم من غيرهم فمن كان أحرص منهم وهم اليهود كان بالغا في الحرص إلى غاية لا يقادر قدرها وإنما بلغوا في الحرص إلى هذا الحد الفاضل على حرص المشركين لأنهم يعلمون بما يحل بهم من العذاب في الآخرة بخلاف المشركين من العرب ونحوهم فإنهم لا يقرون بذلك وكان حرصهم على الحياة دون حرص اليهود والأول وإن كان فيه خروج من الكلام في اليهود إلى غيرهم من مشركي العرب لكنه ارجح لعدم استلزامه للتكليف ولا ضير في استطراد ذكر حرص المشركين بعد ذكر حرص اليهود وقال الرازي إن الثاني أرجح ليكون ذلك ابلغ في إبطال دعواهم وفي إظهار كذبهم في قولهم إن الدار الآخرة لنا لا لغيرنا انتهى ويجاب عنه بأن هذا الذي جعله مرجحا قد أفاده قوله تعالى ) ولتجدنهم أحرص الناس ( ولا يستلزم استئناف الكلام في المشركين أن لا يكونوا من جملة الناس وخص الألف بالذكر لأن العرب كانت تذكر ذلك عند إرادة المبالغة واصل سنة سنهة وقيل سنوة واختلف في الضمير في قوله ) وما هو بمزحزحه (


"""""" صفحة رقم 116 """"""
فقيل هو راجع إلى أحدهم والتقدير وما أحدهم بمزحزحه من العذاب أن يعمر وعلى هذا يكون قوله ( أن يعمر ) فاعلا لمزحزحه وقيل هو لما دل عليه يعمر من مصدره أي وما التعمير بمزحزحه ويكون قوله ( أن يعمر ) بدلا منه وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت هو عماد وقيل هو ضمير الشأن وقيل ( ما ) هي الحجازية والضمير اسمها وما بعده خبرها والأول أرجح وكذلك الثاني والثالث ضعيف جدا لأن العماد لا يكون إلا بين شيئين ولهذا يسمونه ضمير الفصل والرابع فيه أن ضمير الشأن يفسر بجملة سالمة عن حرف جر كما حكاه ابن عطية عن النحاة والزحزحة التنحية يقال زحزحته فتزحزح أي نحيته فتنحى وتباعد ومنه قول ذي الرمة يا قابض الروح عن جسم عصى زمنا
وغافر الذنب زحزحني عن النار
والبصير العالم بالشيء الخبير به ومنه قولهم فلان بصير بكذا أي خبير به ومنه قول الشاعر فإن تسألوني بالنساء فإنني
بصير بأدواء النساء طبيب
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) وأشربوا في قلوبهم العجل ( قال أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم وأخرج ابن جرير عن أبي العالية أن اليهود لما قالوا ) لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ( الآية نزل قوله تعالى ) قل إن كانت لكم الدار الآخرة ( الآية وأخرج ابن جرير مثله عن قتادة وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن قوله ) خالصة من دون الناس ( يعني المؤمنين ) فتمنوا الموت ( فقال لهم رسول الله ( إن كنتم في مقالتكم صادقين فقولوا اللهم أمتنا فالوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه ) وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فتمنوا الموت ( أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فابوا ذلك ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم عنه قال ( لو تمنى اليهود الموت لماتوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه نحوه وأخرج البخاري وغيره من حديثه مرفوعا لو أن اليهود تمنوا لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه في قوله ) ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ( قال اليهود ( ومن الذين أشركوا ) قال وذلك أن المشركين لا يرجون بعثا بعد الموت فهو يحب طول الحياة وأن اليهودي قال قد عرف ما له من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم ) وما هو بمزحزحه ( قال بمنحيه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر واحاكم عنه في قوله ) يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ( قال هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم ( ذه هز إرسال ) يعني عش ألف سنة
البقرة 97 98
البقرة : ( 97 ) قل من كان . . . . .
هذه الآية قد أجمع المفسرون أنها نزلت في اليهود قال ابن جرير الطبري وأجمع أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت جوابا على اليهود إذ زعموا أن جبريل عدو لهم وأن ميكائيل ولي لهم ثم اختلفوا ما كان سبب قولهم ذلك فقال بعضهم إنما كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 117 """"""
وآله وسلم من أمر نبوته ثم ذكر روايات في ذلك ستأتي آخر البحث إن شاء الله والضمير في قوله ( فإنه ) يحتمل وجهين الأول أن يكون لله ويكون الضمير في قوله ) نزله ( لجبريل أي فإن الله سبحانه نزل جبريل على قلبك وفيه ضعف كما يفيده قوله ) مصدقا لما بين يديه ( الثاني أنه لجبريل والضمير في ) نزله ( للقرآن أي فإن جبريل نزل القرآن على قلبك وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وقوله ( بإذن الله ) أي بعلمه وإرادته وتيسيره وتسهيله و ( ما بين يديه ) هو التوراة كما سلف أو جميع الكتب المنزلة وفي هذا دليل على شرف جبريل وارتفاع منزلته وأنه لا وجد لمعاداة اليهود له حيث كان منه ما ذكر من تنزيل الكتاب على قلبك أو من تنزيل الله له على قلبك وهذا هو وجه الربط بين الشرط والجواب أي من كان معاديا لجبريل منهم فلا وجه لمعاداته له فإنه لم يصدر منه إلا ما يوجب المحبة دون العداوة أو من كان معاديا له فإن سبب معاداته أنه وقع منه ما يكرهونه من التنزيل وليس ذلك بذنب له وإن نزهوه فان هذه الكراهة منهم له بهذا السبب ظلم وعدوان لأن هذا الكتاب الذي نزل به هو مصدق لكتابهم وهدى وبشرى للمؤمنين
البقرة : ( 98 ) من كان عدوا . . . . .
ثم أتبع سبحانه هذا الكلام بجملة مشتملة على شرط وجزاء يتضمن الذم لمن عادى جبريل ذلك السبب والوعيد الشديد له فقال ) من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ( والعداوة من العبد هي صدور المعاصي منه لله والبغض لأوليائه والعداوة من الله للعبد هي تعذيبه بذنبه وعدم التجاوز عنه والمغفرة له وإنما خص جبريل وميكائيل بالذكر بعد ذكر الملائكة لقصد التشريف لهما والدلالة على فضلهما وأنهما وإن كانا من الملائكة فقد صارا باعتبار ما لهما من المزية بمنزلة جنس آخر اشرف من جنس الملائكة تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما ذكره صاحب الكشاف وقرره علماء البيان وفي جبريل عشر لغات ذكرها ابن جرير الطبري وغيره وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك وفي ميكائيل ست لغات وهما إسمان عجميان والعرب إذا نطقت بالعجي تساهلت فيه وحكى الزمخشري عن ابن جني أنه قال العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه وقوله ) للكافرين ( من وضع الظاهر موضع المضمر أي فإن الله عدو لهم لقصد الدلالة على أن هذه العداوة موجبة لكفر من وقعت منه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال ( حضرت عصابة من اليهود النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا أبا القاسم حدثنا عن خلال نسالك عنهن لا يعلمهن إلا نبي قال سلوني عما شئتم فسألوه وأجابهم ثم قالوا فحدثنا من وليك من الملائكة فعندها نجامعك أو نفارقك فقال وليي جبريل ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة لاتبعناك وصدقناك قال فما يمنعكم أن تصدقوه قالوا هذا عدونا فعند ذلك أنزل الله الآية ) وأخرج نحو ذلك ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب في قصة جرت له معهم وإسنادها صحيح ولكن الشعبي لم يدرك عمر وقد رواها عكرمة وقتادة والسدي وعبدالرحمن ابن أبي ليلى عن عمر واخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وغيرهم عن أنس قال ( سمع عبدالله بن سلام بمقدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في أرض يخترف فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه فقال أخبرني بهن جبريل آنفا فقال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية ) من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ( قال أما أول اشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب وأما أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما ما ينزع الولد إلى أبيه


"""""" صفحة رقم 118 """"""
أو أمه فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها قال اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فإنه نزله على قلبك بإذن الله ( يقول فإن جبريل نزل القرآن بأمر الله يشدد به فؤادك ويربط به على قلبك ( مصدقا لما بين يديه ) يقول لما قبله من الكتب التي أنزلها والآيات والرسل الذين بعثهم الله وقد ذكر السيوطي في هذا الموضع من تفسيره ( الدر المنثور ) أحاديث كثيرة واردة في جبريل وميكائيل وليست مما يتعلق بالتفسير حتى نذكرها
البقرة 99 103
البقرة : ( 99 ) ولقد أنزلنا إليك . . . . .
الضمير في قوله ( إليك ) للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي أنزلنا إليك علامات واضحات دالة على نبوتك وقوله ( إلا الفاسقون ) قد تقدم تفسيره والظاهر أن المراد جنس الفاسقين ويحتمل أن يراد اليهود لأن الكلام معهم
البقرة : ( 100 ) أو كلما عاهدوا . . . . .
والواو في قوله ( أو كلما ) للعطف دخلت عليها همزة الاستفهام كما تدخل على الفاء ومن ذلك قوله تعالى ) أفحكم الجاهلية يبغون ( ) أفأنت تسمع الصم ( ) أفتتخذونه وذريته ( وكما تدخل على ثم ومن ذلك قوله تعالى ) أثم إذا ما وقع ( وهذا قول سيبويه وقال الأخفش الواو زائدة وقال الكسائي إنها أو حركت الواو تسهيلا قال ابن عطية وهذا كله متكلف والصحيح قول سيبويه والمعطوف عليه محذوف والتقدير أكفروا بالآيات البينات وكلما عاهدوا قوله ( نبذ فريق ) قال ابن جرير أصل النبذ الطرح والإلقاء ومنه سمي اللقيط منبوذا ومنه سمي النبيذ وهو التمر والزبيب إذا طرحا في الماء قال أبو الأسود نظرت إلى عنوانه فنبذته
كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا
وقال آخر إن الذين أمرتهم أن يعدلوا
نبذوا كتابك واستحل المحرم


"""""" صفحة رقم 119 """"""
البقرة : ( 101 ) ولما جاءهم رسول . . . . .
وقوله ( وراء ظهروهم ) أي خلف ظهورهم وهو مثل يضرب لمن يتسخف بالشيء فلا يعمل به يقول العرب اجعل هذا خلف ظهرك ودبر أذنك وتحت قدمك أي ارتكه وأعرض عنه ومنه ما أنشده الفراء تميم بن زيد لا تكونن حاجتي
بظهر فلا يعبي علي جوابها
وقوله ) كتاب الله ( أي التوراة لأنهم لما كفروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبما أنزل عليه بعد أن أخذ الله عليهم في التوراة الإيمان به وتصديقه واتباعه وبين لهم صفته كان ذلك منهم نبذا للتوراة ونقضا لها ورفضا لما فيها ويجوز أن يراد بالكتاب هنا القرآن أي لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم من التوراة نبذوا كتاب الله الذي جاء به هذا الرسول وهذا أظهر من الوجه الأول وقوله ) كأنهم لا يعلمون ( تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئا مع كونهم يعلمون علما يقينا من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي ولكنهم لما لم يعملوا بالعلم بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم كانوا بمنزلة من لا يعلم
البقرة : ( 102 ) واتبعوا ما تتلوا . . . . .
قوله ) واتبعوا ما تتلوا الشياطين ( معطوف على قوله ) نبذه ( أي نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين من السحر ونحوه قال الطبري اتبعوا بمعنى فعلوا ومعنى ( تتلوا ) تتقوله وتقرؤه و ( على ملك سليمان ) على عهد ملك سليمان قاله الزجاج وقيل المعنى في ملك سليمان يعني في قصصه وصفاته وأخباره قال الفراء تصلح ( على ) وفي في هذا الموضع والأول أظهر وقد كانوا يظنون أن هذا هو علم سليمان وأنه يستجيزه ويقول به فرد الله ذلك عليهم وقال ) وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ( ولم يتقدم أن أحدا نسب سليمان إلى الكفر ولكن لما نسبته اليهود إلى السحر صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر لأن السحر يوجب ذلك ولهذا أثبت الله سبحانه كفر الشياطين فقال ( ولكن الشياطين كفروا ) أي بتعليمهم وقوله ) يعلمون الناس السحر ( في محل نصب على الحال ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر بعد خبر وقرأ ابن عامر والكوفيون سوى عاصم ( ولكن الشياطين ) بتخفيف لكن ورفع الشياطين والباقون بالتشديد والنصب والسحر هو ما يفعله الساحر من الحيل والتخييلات التي تحصل بسببها للمسحور ما يحصل من الخواطر الفاسدة الشبيهة بما يقع لمن يرى السراب فيظنه ماء وما يظنه راكب السفينة أو الدابة من أن الجبال تسير وهو مشتق من سحرت الصبي إذا خدعته وقيل أصله الخفاء فإن الساحر يفعله خفية وقيل أصله الصرف لأن السحر مصروف عن جهته وقيل أصله الاستمالة لأن من سحرك فقد استمالك وقال الجوهري السحر الأخذة وكل ما لظف مأخذه ودق فهو سحر وقد سحره يسحره سحرا والساحر العالم وسحره أيضا بمعنى خدعه وقد اختلف هل له حقيقة أم لا فذهبت المعتزلة وأبو حنيفة إلى أنه خدع لا أصل له ولا حقيقة وذهب من عداهم إلى أن له حقيقة مؤثرة وقد صح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سحر سحره لبيد ابن الأعصم اليهوي حتى كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولم يكن قد أتاه ثم شفاه الله سبحانه والكلام في ذلك يطول وقوله ( وما أنزل على الملكين ) أي ويعلمون الناس ما أنزل على الملكين فهو معطوف على السحر وقيل هو معطوف على قوله ما تتلو الشياطين أي واتبعوا ما أنزل على الملكين وقيل إن ( ما ) في قوله ( وما أنزل على الملكين ) نافية والواو عاطفة على قوله ( وما كفر سليمان ) وفي الكلام تقديم وتأخير والتقدير وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت فهاروت وماروت بدل من الشياطين في قوله ( ولكن الشياطين كفروا ) ذكر هذا ابن جرير وقال فإن قال لنا قائل وكيف وجه تقديم ذلك قيل وجه تقديمه أن يقال واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان وما أنزل الله على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت فيكون معنيا


"""""" صفحة رقم 120 """"""
بالملكين جبريل وميكائيل لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود فأكذبهم الله بذلك واخبر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر وبرأ سليمان مما نحلوه من السحر وأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين وأنها تعلم الناس ذلك ببابل وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان أحدهما هاروت والآخر ماروت فيكون هاروت وماروت على هذا التاويل ترجمة عن الناس وردا عليهم انتهى وقال القرطبي في تفسيره بعد أن حكى معنى هذا الكلام ورجح أن هاروت وماروت بدل من الشياطين ما لفظه هذا أولى ما حملت عليه الآية وأصح ما قيل فيها ولا يلتفت إلى سواه فالسحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة أفهامهم وأكثر ما يتعاطاه من الإنس النساء وخاصة في حالة طمثهن قال الله ) ومن شر النفاثات في العقد ( ثم قال إن قيل كيف يكون اثنان بدلا من جمع والبدل إنما يكون على حد المبدل ثم أجاب عن ذلك بأن الإثنين قد يطلق عليهما الجمع أو أنهما خصا بالذكر دون غيرهما لتمردهما ويؤيد هذا أنه قرأ ابن عباس والضحاك والحسن ( الملكين ) بكسر اللام ولعل وجه الجزم بهذا التأويل مع بعده وظهور تكلفه تنزيه الله سبحانه أن ينزل السحر إلى ارضه فتنة لعباده على السن ملائكته وعندي أنه لا موجب لهذا التعسف المخالف لما هو الظاهر فإن لله سبحانه أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن بنهر طالوت ولهذا يقول الملكان ) إنما نحن فتنة ( قال ابن جرير وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء وأنهما أنزلا إلى الأرض فكان من أمرهما ما كان وبابل قيل هي العراق وقيل نهاوند وقيل نصيبين وقيل المغرب وهاروت وماروت اسمان أعجميان لا ينصرفان وقوله ) وما يعلمان من أحد حتى يقولا ( قال الزجاج تعليم إنذار من السحر لا تعليم دعاء إليه قال وهو الذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر ومعناه أنهما يعلمان على النهي فيقولان لهم لا تفعلوا كذا و ( من ) في قوله ( من أحد ) زائدة للتوكيد وقد قيل إن قوله ( يعلمان ) من الإعلام لا من التعلم وقد جاء في كلام العرب تعلم بمعنى أعلم كما حكاه ابن الأنباري وابن الأعرابي وهو كثير في أشعارهم كقول كعب بن مالك تعلم رسول الله أنك مدركي وأن وعيدا منك كالأخذ باليد
وقال القطامي
تعلم أن بعد الغي رشدا وأن لذلك الغي انقشاعا
وقوله ( إنما نحن فتنة ) هو على ظاهره أي إنما نحن ابتلاء واختبار من الله لعباده وقيل إنه استهزاء منهما لأنهما إنما يقولانه لمن قد تحققا ضلاله وفي قولهما ( فلا تكفر ) أبلغ إنذار وأعظم تحذير أي أن هذا ذنب يكون من فعله كافر فلا تكفر وفيه دليل على أن تعلم السحر كفر وظاهره عدم الفرق بين المعتقد وغير المعتقد وبين من تعلمه ليكون ساحرا ومن تعلمه ليقدر على دفعه وقوله ) فيتعلمون ( فيه ضمير يرجع إلى قوله ) من أحد ( قال سيبويه التقدير فهم يتعلمون قال ومثله ) كن فيكون ( وقيل هو معطوف على موضع ما يعلمان لأنه وإن كان منفيا فهو يتضمن الإيجاب وقال الفراء هي مردودة على قوله ( يعلمون الناس السحر ) أي يعلمون الناس فيتعلمون وقوله ( ما يفرقون به بين المرء وزوجة ) في إسناد التفريق إلى السحرة وجعل السحر سببا لذلك دليل على أن للسحر تأثيرا في القلوب بالحب والبغض والجمع والفرقة والقرب والبعد وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر لا يقدر على أكثر مما أخبر الله به من التفرقة لأن الله ذكر ذلك في معرض الذم للسحر وبين ما هو الغاية في تعليمه فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره وقالت طائفة أخرى إن ذلك خرج مخرج الأغلب وأن الساحر يقدر


"""""" صفحة رقم 121 """"""
على غير ذلك المنصوص عليه وقيل ليس للسحر تأثير في نفسه أصلا لقوله تعالى ) وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ( والحق أنه لا تنافى بين قوله ) فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ( وبين قوله ) وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ( فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيرا في نفسه ولكنه لا يؤثر ضررا إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيرا في نفسه وحقيقة ثابتة ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة كما تقدم وقوله ) ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ( فيه تصريح بأن السحر لا يعود على صاحبه بفائدة ولا يجلب إليه منفعة بل هو ضر محض وخسران بحت واللام في قوله ( ولقد ) جواب قسم محذوف وفي قوله ( لمن اشتراه ) للتأكيد و ( من ) موصولة هي في محل رفع على الابتداء والخبر قوله ( ما له في الآخرة من خلاق ) وقال الفراء إنها شرطية للمجازاة وقال الزجاج ليس هذا بموضع شرط ورجح أنها موصوله كما ذكرنا والمراد بالشراء هنا الاستبدال آي من استبدل ما تتلوا الشياطين على كتاب الله والخلاق النصيب عند أهل اللغة كذا قال الزجاج والمراد بقوله ( ما شروا به أنفسهم ) أي باعوها وقد اثبت لهم العلم في قوله ( ولقد علموا ) ونفاه عنهم في قوله ( لو كانوا يعلمون ) واختلفوا في توجيه ذلك فقال قطرب والأخفش إن المراد بقوله ( ولقد علموا ) الشياطين والمراد بقوله ( لو كانوا يعلمون ) الإنس وقال الزجاج إن الأول للملكين وإن كان بصيغة الجمع فهو مثل قولهم الزيدان قاموا والثاني المراد به علماء اليهود وإنما قال ( لو كانوا يعلمون ) لأنهم تركوا العمل بعلمهم
البقرة : ( 103 ) ولو أنهم آمنوا . . . . .
وقوله ) ولو أنهم آمنوا ( أي بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما جاء به من القرآن ( واتقوا ) ما وقعوا فيه من السحر والكفر واللام في قوله ( لمثوبة ) جواب لو والمثوبة الثواب وقال الأخفش إن الجواب محذوف والتقدير ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا فحذف لدلالة قوله ( لمثوبة ) عليه وقوله ( لو كانوا يعلمون ) هو إما للدلالة على أنه لا علم لهم أو لتنزيل علمهم مع عدم العمل منزلة العدم
سبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( قال ابن صوريا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يا محمد ما جئتنا بشيء يعرف وما أنزل الله عليك من آية بينة فأنزل الله تعالى في ذلك ) ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ( ) وقال مالك بن الصيف حين بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذكرهم ما أخذ عليهم من الميثاق وما عهد إليهم في محمد والله ما عهد إلينا في محمد ولا أخذ علينا شيئا فأنزل الله ) أو كلما عاهدوا ( الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) آيات بينات ( يقول فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك وأنت عندهم أمي لم تقرأ الكتاب وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه ففي ذلك عبرة لهم وحجة عليهم ) لو كانوا يعلمون ( وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) نبذه ( قال نقضه وأخرج أيضا عن السدي في قوله ( مصدق لما معهم ) قال لما جاءهم محمد عارضوه بالتوراة واتفقت التوراة مع القرآن فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت كأنهم لا يعلمون بما في التوراة من الأمر باتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتصديقه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب معها ألف كذبة فاشربتها قلوب الناس وأتخذوها دواوين فأطلع الله على ذلك سليمان بن داود فأخذها فدفنها تحت الكرسي فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع قالوا نعم فأخرجوه فإذا هو سحر فتناسختها الأمم وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر فقال


"""""" صفحة رقم 122 """"""
) واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ( الآية وأخرج النسائي وابن أبي حاتم عنه قال كان آصف كاتب سليمان وكان يعلم الإسم الأعظم وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا وقالوا هذا الذي كان سليمان يعمل بها فأكفره جهال الناس وسبوه ووقف علماؤهم فلم يزل جهالهم يسبونه حتى أنزل الله على محمد ) واتبعوا ما تتلوا الشياطين ( الآية واخرج ابن جرير عنه قال كان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو يأتي شيئا من شأنه أعطى الجرادة وهي امرأته خاتمه فلما أراد الله ان يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها هاتي خاتمي فأخذه فلبسه فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس فجاء سليمان فقال هاتي خاتمي فقالت كذبت لست سليمان فعرف أنه بلاء ابتلي به فانطلقت الشياطين فكتبت في تلك الأيام كتبا فيها سحر وكفر ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ثم أخرجوها فقرءوها على الناس وقالوا إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكتب فبريء الناس من سليمان وأكفروه حتى بعث الله محمدا وأنزل عليه ) وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ( وأخرج ابن جرير عنه في قوله ( وما تتلوا ) قال ما تتبع وأخرج أيضا عن عطاء في قوله ( ما تتلوا ) قال نراه ما تحدث وأخرج أيضا عن ابن جريج في قوله ( على ملك سليمان ) يقول في ملك سليمان وأخرج أيضا عن السدي في قوله ( وما أنزل على الملكين ) قال هذا سحر آخر خاصموه به فإن كلام الملائكة فيما بينهم إذا علمته الإنس فصنع وعمل به كان سحرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( وما أنزل على الملكين ) قال لم ينزل الله السحر وأخرج ابن أبي حاتم عن علي قال هما ملكان من ملائكة السماء وأخرج نحوه ابن مردويه من وجه آخر عنهم مرفوعا وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر عن ابن عباس ( وما أنزل على الملكين ) يعني جبريل وميكائيل ( ببابل هاروت وماروت ) يعلمان الناس السحر وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالرحمن بن البزي أنه كان يقرؤها وما أنزل على الملكين داود وسليمان وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال هما علجان من أهل بابل وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أشرفت الملائكة على الدنيا فرأت بني آدم يعصون فقالت يا رب ما أجهل هؤلاء ما أقل معرفة هؤلاء بعظمتك فقال الله لو كنتم في محلاتهم لعصيتموني قالوا كيف يكون هذا ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال فاختاروا منكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت ثم أهبطا إلى الأرض وركبت فيهما شهوات بني آدم ومثلت لهما إمرأة فما عصما حتى واقعا المعصية فقال الله اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة فنظر أحدهما لصاحبه قال ما تقول قال أقول إن عذاب الدنيا ينقطع وإن عذاب الآخرة لا ينقطع فاختارا عذاب الدنيا فهما اللذان ذكر الله في كتابه ( وما أنزل علي الملكين ) الآية وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر أنه كان يقول اطلعت الحمراء بعد فإذا رآها قال لا مرحبا ثم قال إن ملكين من الملائكة هاروت وماروت سألا الله أن يهبطهما إلى الأرض فأهبطا إلا الأرض فكانا يقضيان بين الناس فإذا أمسيا تكلما بكلمات فعرجا بها إلى السماء فقيض لهما إمرأة من أحسن النساء وألقيت عليهما الشهوة فجعلا يؤخرانها وألقيت في أنفسهما فلم يزالا يفعلان حتى وعدتهما ميعادا فأتتهما للميعاد فقالت علماني الكلمة التي تعرجان بها فعلماها الكلمة فتكلمت بها فعرجت إلى السماء فمسخت فجعلت كما ترون فلما أمسيا تكلما بالكلمة فلم يعرجا فبعث إليهما إن شئتما فعذاب الآخرة وإن شئتما فعذاب الدنيا إلى أن تقوم الساعة على أن


"""""" صفحة رقم 123 """"""
تلقيا الله فإن شاء عذبكما وإن شاء رحمكما فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال بل نختار عذاب الدنيا ألف ألف ضعف فهما يعذبان إلى يوم القيامة وقد رويت هذه القصة عن ابن عمر بألفاظ وفي بعضها أنه يروي ذلك ابن عمر عن كعب الأحبار كما أخرجه عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طريق الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب فقيل لو كنتم مكانهم لأتيتم مثل ما يأتون فاختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت وماروت فقال لهما إني أرسل إلى بني آدم رسلا فليس بيني وبينكم رسول انزلا لا تشركا بي شيئا ولا تزنيا ولا تشربا الخمر قال كعب فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه حتى استعملا جميع ما نهيا عنه قال ابن كثير وهذا أصح يعني من الإسنادين اللذين ذكرهما قبله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال إن هذه الزهرة تسميها العرب الزهرة والعجم أناهيد وذكر نحو الرواية السابقة عن ابن عمر عند الحاكم قال ابن كثير وهذا الإسناد رجاله ثقات وهو غريب جدا وقد أخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس قال كانت الزهرة امرأة واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عنه أن المرأة التي فتن بها الملكان مسخت فهي هذه الكوكبة الحمراء يعني الزهرة
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه فذكر قصة طويلة وفيها التصريح بأن الملكين شربا الخمر وزنيا بالمرأة وقتلاها وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وابن عباس هذه القصة وقالا إنها أنزلت إليهما الزهرة في صورة إمرأة وأنهما وقعا في الخطيئة وقد روى في هذا الباب قصص طويلة وروايات مختلفة استوفاها السيوطي في الدر المنثور وذكر ابن كثير في تفسيره بعضها ثم قال وقد روى في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى والله أعلم بحقيقة الحال انتهى وقال القرطبي بعد سياق بعض ذلك قلنا هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمرو وغيره لا يصح منه شيء فإنه قول تدفعه الأصول في الملائكة الذين هم أمناء الله على وحيه وسفراؤه إلى رسله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ثم ذكر ما معناه أن العقل يجوز وقوع ذلك منهم لكن وقوع هذا الجائز لا يدرى إلا بالسمع ولم يصح انتهى واقول هذا مجرد استبعاد وقد ورد الكتاب العزيز في هذا الموضع بما تراه ولا وجه لإخراجه عن ظاهره بهذه التكلفات وما ذكره من أن الأصول تدفع ذلك فعلى فرض وجود هذه الأصول فهي مخصصة بما وقع في هذه القصة ولا وجه لمنع التخصيص وقد كان إبليس يملك المنزلة العظيمة وصار أشر البرية وأكفر العالمين وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) إنما نحن فتنة ( قال بلا وأخرج البزار بإسناد صحيح والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال ( من أتى كاهنا أو ساحرا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) وأخرج البزار عن عمران بن حصين قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن عقد عقدة ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) وأخرج عبدالرزاق عن صفوان بن سليم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 124 """"""
( من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا كان آخر عهده من الله ) وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) من خلاق ( قال قوام وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال ( خلاق ) من نصيب وكذا روى ابن جري عن مجاهد وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن الحسن ( ما له في الآخرة من خلاق ) قال ليس له دين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ( ولبئس ما شروا به ) قال باعوا وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ( لمثوبة ) قال ثواب
البقرة 104 105
البقرة : ( 104 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ( راعنا ) أي راقبنا واحفظنا وصيغة المفاعلة تدل على أن معنى ( راعنا ) ارعنا ونرعاك واحفظنا ونحفظك وارقبنا ونرقبك ويجوز أن يكون من ارعنا سمعك أي فرغه لكلامنا وجه النهي عن ذلك أن هذا اللفظ كان بلسان اليهود سبا قيل إنه في لغتهم بمعنى اسمع لا سمعت وقيل غير ذلك فلما سمعوا المسلمين يقولون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) راعنا طلبا منه أن يراعيهم من المراعاة اغتنموا الفرصة وكانوا يقولون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) كذلك مظهرين أنهم يريدون المعنى العربي مبطنين أنهم يقصدون السب الذي هو معنى هذا اللفظ في لغتهم وفي ذلك دليل على أنه ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة للسب والنقص وإن لم يقصد المتكلم بها ذلك المعنى المفيد للشتم سدا للذريعة ودفعا للوسيلة وقطعا لمادة المفسدة والتطرق إليه ثم أمرهم الله بأن يخاطبوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بما لا يحتمل النقص ولا يصلح للتعريض فقال ( وقولوا انظرنا ) أي أقبل علينا وانظر إلينا فهو من باب الحذف والإيصال كما قال الشاعر ظاهرات الجمال والحسن ينظر
ن كما ينظر الأراك الظباء
أي إلى الأراك وقيل معناه انتظرنا وتأن بنا ومنه قول الشاعر فإنكما إن تنظراني ساعة
من الدهر تنفعني لدى أم جندب
وقرأ الأعمش ( أنظرنا ) بقطع الهمزة وكسر الظاء بمعنى أخرنا وأمهلنا حتى نفهم عنك ومنه قول الشاعر أبا هند فلا تعجل علينا
وأنظرنا نخبرك اليقينا
وقرأ الحسن ( راعنا ) بالتنوين وقال الراعن من القول السخري منه انتهى وأمرهم بعد هذا النهي والأمر بأمر آخر وهو قوله ( واسمعوا ) أي اسمعوا ما أمرتم به ونهيتم عنه ومعناه أطيعوا الله في ترك خطاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك اللفظ وخاطبوه بما أمرتم به ويحتمل أن يكون معناه اسمعوا ما يخاطبكم به الرسول من الشرع حتى يحصل لكم المطلوب بدون طلب للمراعاة ثم توعد اليهود بقوله ) وللكافرين عذاب أليم ( ويحتمل أن يكون وعيدا شاملا لجنس الكفرة قال ابن جرير والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله نهى المؤمنين أن يقولوا لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ( راعنا ) لأنها كلمة كرهها الله أن يقولوها لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) نظير الذي ذكر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( لا تقولوا للعنب الكرم ولكن قولوا الحبلة ولا


"""""" صفحة رقم 125 """"""
تقولوا عبدي ولكن قولوا فتاي ) وما أشبه ذلك
البقرة : ( 105 ) ما يود الذين . . . . .
وقوله ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ) الآية فيه بيان شدة عداوة الكفار للمسلمين حيث لا يودون إنزال الخير عليهم من الله سبحانه ثم رد الله سبحانه ذلك عليهم فقال ) والله يختص برحمته من يشاء ( الآية وقوله ) أن ينزل ( في محل نصب على المفعولية و ( من ) في قوله ( من خير ) زائدة قاله النحاس وفي الكشاف أن ( من ) في قوله ( من أهل الكتاب ) بيانية وفي قوله ( من خير ) مزيدة لاستغراق الخير وفي قوله ( من ربكم ) لابتداء الغاية وقد قيل بأن الخير الوحي وقيل غير ذلك والظاهر أنهم لا يودون أن ينزل على المسلمين أي خير كان فهو لا يختص بنوع معين كما يفيده وقوع هذه النكرة في سياق النفي وتأكيد العموم بدخول ( من ) المزيدة عليها وإن كان بعض أنواع الخير أعظم من بعض فذلك لا يوجب التخصيص والرحمة قيل هي القرآن وقيل النبوة وقيل جنس الرحمة من غير تعيين كما يفيد ذلك الإضافة إلى ضميره تعالى ) والله ذو الفضل العظيم ( أي صاحب الفضل العظيم فكيف لا تودون أن يختص برحمته من يشاء من عباده
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور في سننه وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أن رجلا أتاه فقال اعهد إلي فقال إذا سمعت الله يقول ( يا أيها الذين آمنوا ) فأوعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال ( راعنا ) بلسان اليهود السب القبيح وكان اليهود يقولون ذلك لرسول الله سرا فلما سمعوا أصحابه يقولون ذلك أعلنوا بها فكانوا يقولون ذلك ويضحكون فيما بينهم فأنزل الله الآية وأخرج أبو نعيم في الدلائل عنه أنه قال المؤمنون بعد هذه الآية من سمعتموه يقولها فاضربوا عنقه فانتهت اليهود بعد ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال كان رجلان من اليهود مالك بن الصيف ورفاعة بن زيد إذا لقيا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالا له وهما يكلمانه راعنا سمعك واسمع غير مسمع فظن المسلمون أن هذا شيء كان أهل الكتاب يعظمون به أنبيائهم فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله الآية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صخر قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أدبر ناداه من كانت له حاجة من المؤمنين فقالوا ارعنا سمعك فأعظم الله رسوله أن يقال له ذلك وامرهم أن يقولوا ( انظرنا ) ليعززوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويوقروه وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن قتادة أن اليهود كانت نقول ذلك استهزاء فكره الله للمؤمنين أن يقولوا كقولهم وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال الرحمة القرآن والإسلام
البقرة 106 107
البقرة : ( 106 ) ما ننسخ من . . . . .
النسخ في كلام العرب على وجهين أحدهما النقل كنقل كتاب من آخر وعلى هذا يكون القرآن كله منسوخا أعني من اللوح المحفوظ فلا مدخل لهذا المعنى في هذه الآية ومنه ) إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ( أي نأمر بنسخه الوجه الثاني الإبطال الإزالة وهو المقصود هنا وهذا الوجه الثاني ينقسم إلى قسمين عند أهل


"""""" صفحة رقم 126 """"""
اللغة أحدهما إبطال الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه ومنه نسخت الشمس الظل إذا اذهبته وحلت محله وهو معنى قوله ) ما ننسخ من آية ( وفي صحيح مسلم ( لم تكن نبوة قط إلا تناسخت ) أي تحولت من حال إلى حال والثاني إزالة الشيء دون أن يقوم مقامه آخر كقولهم نسخت الريح الأثر ومن هذا المعنى فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي يزيله وروى عن أبي عبيد أن هذا قد كان يقع في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكانت تنزل عليه السورة فترفع فلا تتلى ولا تكتب ومنه ما روى عن أبي وعائشة أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة في الطول قال ابن فارس النسخ نسخ الكتاب والنسخ أن تزيل أمرا كان من قبل يعمل به ثم تنسخه بحادث غيره كالآية تنزل بأمر ثم تنسخ بأخرى وكل شيء خلف شيئا فقد انتسخه يقال نسخت الشمس الظل والشيب والشباب وتناسخ الورثة أن يموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم وكذا تناسخ الأزمنة والقرون وقال ابن جرير ( ما ننسخ ) ما ننقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره وذلك أن نحول الحلال حراما والحرام حلالا والمباح محظورا والمحظور مباحا ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ وأصل النسخ من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة أخرى فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره إنما هو تحويله إلى غيره وسواء نسخ حكمها أو خطها إذ هي في كلتى حالتيها منسوخة انتهى وقد جعل علماء الأصول مباحث النسخ من جلمة مقاصد ذلك الفن فلا نطول بذكره بل نحيل من أراد الاستشفاء عليه وقد اتفق أهل الإسلام على ثبوته سلفا وخلفا ولم يخالف في ذلك أحد إلا من لا يعتد بخلافه ولا يؤبه لقوله وقد اشتهر عن اليهود أقماهم الله إنكاره وهم محجوجون بما في التوراة أن الله قال لنوح عليه السلام عند خروجه من السفينة إني إن قد جعلت كل دابة مأكلا لك ولذريتك وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه ثم قد حرم على موسى وعلى بني إسرائيل كثيرا من الحيوان وثبت في التوراة أن آدم كان يزوج الأخ من الأخت وقد حرم الله ذلك على موسى عليه السلام وعلى غيره وثبت فيها أن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ابنه ثم قال الله له لا تذبحه وبأن موسى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد منهم العجل ثم أمرهم برفع السيف عنهم ونحو هذا كثير في التوراة الموجودة بأيديهم وقوله ( أو ننسها ) قرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح النون والسين والهمز وبه قرأ عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وأبي بن كعب وعبيد بن عمير والنخعي وابن محيصن ومعنى هذه القراءة نؤخرها عن النسخ من قولهم نسأت هذا الأمر إذا أخرته قال ابن فارس ويقولون نسأ الله في أجلك وأنسأ الله أجلك وقد انتسأ القوم إذا تأخروا وتباعدوا ونسأتهم أنا أخرتهم وقيل معناه نؤخر نسخ لفظها أي نتركه في أم الكتاب فلا يكون وقيل نذهبها عنكم حتى لا تقرأ ولا تذكر وقرأ الباقون ( ننسها ) بضم النون من النسيان الذي بمعنى الترك أي نتركها فلا نبدلها ولا ننسخها ومنه قوله تعالى ) نسوا الله فنسيهم ( أي تركوا عبادته فتركهم في العذاب واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم وحكى الأزهري أن معناه نأمر بتركها يقال أنسيته الشيء أي أمرته بتركه ونسيته تركته ومنه قول الشاعر إن علي عقبة أقضيها
لست بناسيها ولا منسيها
أي ولا آمر بتركها وقال الزجاج إن القراء بضم النون لا يتوجه فيها معنى الترك لا يقال أنسى بمعنى ترك قال وما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( أو ننسها ) قال نتركها لا نبدلها فلا يصح والذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر أن معنى ( أو ننسها ) نبح لكم تركها من نسي إذا ترك ثم تعديه ومعنى ( نأت بخير منها أو مثلها )


"""""" صفحة رقم 127 """"""
نأت بما هو أنفع للناس منها في العاجل والآجل أو في أحدهما أو بما هو مماثل لها من غير زيادة ومرجع ذلك إلى إعمال النظر في المنسوخ والناسخ فقد يكون الناسخ أخف فيكون أنفع لهم في العاجل وقد يكون أثقل وثوابه أكثر فيكون أنفع لهم في الآجل وقد يستويان فتحصل المماثلة
البقرة : ( 107 ) ألم تعلم أن . . . . .
وقوله ) ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ( يفيد أن النسخ من مقدوراته وأن إنكاره إنكار للقدرة الإلهية وهكذا قوله ) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ( أي له التصرف في السموات والأرض بالإيجاد والاختراع ونفوذ الأمر في جميع مخلوقاته فهو أعلم بمصالح عباده وما فيه النفع لهم من أحكامه التي تعبدهم بها وشرعها لهم وقد يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأزمنة والأشخاص وهذا صنع من لا ولي لهم غيره ولا نصير سواه فعليهم أن يتلقوه بالقبول والامتثال والتعظيم والإجلال
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم والحاكم في الكنى وابن عدي وابن عساكر عن ابن عباس قال كان مما ينزل على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الوحي بالليل وينساه بالنهار فأنزل الله ) ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ( وفي إسناده الحجاج الجزري ينظر فيه وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال ( قرأ رجلان من الأنصار سورة أقرأهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكانا يقرآن بها فقاما يقرآن ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إنها مما نسخ أو نسي فالهوا عنها ) وفي إسناده سليمان ابن أرقم وهو ضعيف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ( ما ننسخ من آية أو ننسأها ) يقول ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها ( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول خير لكم في المنفعة وأرفق بكم وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال ( ننسأها ) نؤخرها وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود في قوله ( ما ننسخ من آية ) قال نثبت خطها ونبدل حكمها ( أو ننسأها ) قال نؤخرها وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في قوله ( نأت بخير منها أو مثلها ) يقول فيها تخفيف فيها رخصة أمر فيها نهي وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف وأبو ذر الهروي في فضائله عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ( أن رجلا كانت معه سورة فقام من الليل فقام بها فلم يقدر عليها وقام آخر يقرا بها فلم يقدر عليها وقام آخر فلم يقدر عليها فأصبحوا فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فاجتمعوا عنده فأخبروه فقال إنها نسخت البارحة ) وقد روى نحوه عنه من وجه آخر وقد ثبت في البخاري وغيره عن أنس أن الله أنزل في الذين قتلوا في بئر معونة ( أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا ) ثم نسخ وهكذا ثبت في مسلم وغيره عن أبي موسى قال كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني حفظت منها ( لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوفه إلا التراب ) وكنا نقرأ سورة نشبهها بإحدى المسبحات أولها سبح لله ما في السموات فأنسيناها غير أني حفظت منها ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألوا عنها يوم القيامة ) وقد روى مثل هذا من طريق جماعة من الصحابة ومنه آية الرجم كما رواه عبدالرزاق وأحمد وابن حبان عن عمر
البقرة 108 110


"""""" صفحة رقم 128 """"""
البقرة : ( 108 ) أم تريدون أن . . . . .
( أم ) هذه هي المنقطعة التي بمعنى بل أي بل تريدون وفي هذا توبيخ وتقريع والكاف في قوله ( كما سئل ) في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي سؤالا مثل ما سئل موسى من قبل حيث سألوه أن يريهم الله جهرة وسألوا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتي بالله والملائكة قبيلا وقوله ( سواء ) هو الوسط من كل شيء قاله أبو عبيدة ومنه قوله تعالى ) في سواء الجحيم ( ومنه قول حسان يرثي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يا ويح أصحاب النبي ورهطه
بعد المغيب في سواء الملحد
وقال الفراء السواء القصد أي ذهب عن قصد الطريق وسمته أي طريق طاعة الله
البقرة : ( 109 ) ود كثير من . . . . .
وقوله تعالى ) ود كثير من أهل الكتاب ( فيه إخبار المسلمين بحرص اليهود على فتنتهم وردهم عن الإسلام والتشكيك عليهم في دينهم وقوله ( لو يردونكم ) في محل نصب على أنه مفعول للفعل المذكور وقوله ( من عند أنفسهم ) يحتمل أن يتعلق بقوله ( ود ) أي ودوا ذلك من عند أنفسهم ويحتمل أن يتعلق بقوله ( حسدا ) أي حسدا ناشئا من عند أنفسهم وهو علة لقوله ( ود ) والعفو ترك المؤاخذة بالذنب والصفح إزالة أثره من النفس صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه وقد ضربت عنه صفحا إذا أعرضت عنه وفيه الترغيب في ذلك والإرشاد إليه وقد نسخ ذلك بالأمر بالقتال قاله أبو عبيدة وقوله ) حتى يأتي الله بأمره ( هو غاية ما أمر الله سبحانه به من العفو والصفح أي افعلوا ذلك إلى أن يأتي إليكم الأمر من الله سبحانه في شأنهم بما يختاره ويشاؤه وما قد قضى به في سابق علمه وهو قتل من قتل منهم وإجلاء من أجلى وضرب الجزية على من ضربت عليه وإسلام من أسلم
البقرة : ( 110 ) وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . .
وقوله ) وأقيموا الصلاة ( حث من الله سبحانه لهم على الاشتغال بما ينفعهم ويعود عليهم بالمصلحة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وتقديم الخير الذي يثابون عليه حتى يمكن الله لهم وينصرهم على المخالفين لهم
سبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال قال رافع بن حريملة ووهب ابن زيد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا محمد ائتنا بكتاب ينزل علينا من السماء نقرؤه أو فجر لنا أنهارا نتبعك ونصدقك فأنزل الله في ذلك ) أم تريدون أن تسألوا رسولكم ( إلى قوله ) سواء السبيل ( وكان حيي بن أخطب من أشد اليهود حسدا للعرب إذ خصهم الله برسوله وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا فأنزل الله فيهما ) ود كثير من أهل الكتاب ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي قال سألت العرب محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتيهم بالله فيروه جهرة فنزلت هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال قال رجل لو كانت كفاراتنا كفارات بني إسرائيل فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما أعطاكم الله خير كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة وجدها مكتوبة على بابه وكفارتها فإن كفرها كانت له خزايا في الدنيا وإن لم يكفرها كانت له خزايا في الآخرة وقد أعطاكم الله خيرا من ذلك قال ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( الآية والصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن فأنزل الله


"""""" صفحة رقم 129 """"""
) أم تريدون أن تسألوا رسولكم ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال سألت قريش محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يجعل لهم الصفا ذهبا فقال نعم وهو لكم كالمائدة لبني إسرائيل إن كفرتم فأبوا ورجعوا فأنزل الله ) أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ( أن يريهم الله جهرة وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) ومن يتبدل الكفر ( بالإيمان قال يتبدل الشدة بالرخاء وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) فقد ضل سواء السبيل ( قال عدل عن السبيل وأخرج أبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن كعب بن مالك قال كان اليهود والمشركون من أهل المدينة يؤذون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه أشد الأذى فأمر الله بالصبر على ذلك والعفو عنهم وأنزل الله ) ود كثير من أهل الكتاب )
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وفي الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله تعالى ) ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا ( وقال ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم الآية وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتأول في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم بقتل فقتل الله به من قتل من صناديد قريش و أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في قوله ) من عند أنفسهم ( قال من قبل أنفسهم ) من بعد ما تبين لهم الحق ( يقول إن محمدا رسول الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) فاعفوا واصفحوا ( وقوله ) وأعرض عن المشركين ( ونحو هذا في العفو عن المشركين قال نسخ ذلك كله بقوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( الآية وقاله ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن جرير عن السدي نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وما تقدموا لأنفسكم من خير ( يعني من الأعمال من الخير في الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) تجدوه عند الله ( قال تجدوا ثوابه
البقرة 111 113
البقرة : ( 111 ) وقالوا لن يدخل . . . . .
قوله ( هودا ) قال الفراء يجوز أن يكون هودا بمعنى يهوديا وأن يكون جمع هائد وقال الأخفش إن الضمير المفرد في كان هو باعتبار لظ من والجمع في قوله ( هودا ) باعتبار معنى من قيل في هذا الكلام حذف وأصله وقالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا هكذا قال كثير من المفسرين وسبقهم إلى ذلك بعض السلف وظاهر النظم القرآني أن طائفتي اليهود والنصارى وقع منهم هذا القول وأنهم يختصون بذلك دون غيرهم ووجه القول بأن في الكلام حذفا ما هو


"""""" صفحة رقم 130 """"""
معلوم من أن كل طائفة من هاتين الطائفتين تضلل الأخرى وتنفي عنها أنها على شيء من الدين فضلا عن دخول الجنة كما في هذا الموضع فإنه قد حكى الله عن اليهود أنها قالت ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء والأماني قد تقدم تفسيرها والإشارة بقوله تلك إلى ما تقدم لهم من الأماني التي آخرها أنه لا يدخل الجنة غيرهم وقيل إن الإشارة إلى هذه الأمنية الآخرة والتقدير أمثال تلك الأمنية أمانيهم على حذف المضاف ليطابق أمانيهم قوله ) هاتوا ( أصله هاتيوا حذفت الضمة لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ويقال للمفرد المذكر هات وللمؤنث هاتي وهو صوت بمعنى أحضر والبرهان الدليل الذي يحصل عنده اليقين قال ابن جرير طلب الدليل هنا يقتضي إثبات النظر ويرد على من ينفيه وقوله ) إن كنتم صادقين ( أي في تلك الأماني المجردة والدعاوى الباطلة
البقرة : ( 112 ) بلى من أسلم . . . . .
ثم رد عليهم فقال ) بلى من أسلم ( وهو إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة أي ليس كما يقولون بل يدخلها من أسلم وجهه لله ومعنى أسلم استسلم وقيل أخلص وخص الوجه بالذكر لكونه أشرف ما يرى من الأنسان ولأنه موضع الحواس الظاهرة وفيه يظهر العز والذل وقيل إن العرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء وأن المعنى هنا الوجه وغيره وقيل المراد بالوجه هنا المقصد أي من أخلص مقصده وقوله ) وهو محسن ( في محل نصب على الحال والضمير في قوله ) وجهه ( ) وله ( باعتبار لفظ من وفي قوله ) عليهم ( باعتبار معناها وقوله ) من ( إن كانت الموصولة فهي فاعل لفعل محذوف أي بلى يدخلها من أسلم وقوله ) فله ( معطوف على ) من أسلم ( وإن كانت من شرطية فقوله ) فله ( هو الجزاء ومجموع الشرط والجزاء رد على أهل الكتاب وإبطال لتلك الدعوى
البقرة : ( 113 ) وقالت اليهود ليست . . . . .
وقوله ) وقالت اليهود ( وما بعده فيه أن كل طائفة تنفي الخير عن الأخرى ويتضمن ذلك إثباته لنفسها تحجرا لرحمة الله سبحانه قال في الكشاف إن الشيء هو الذي يصح ويعتد به قال وهذه مبالغة عظيمة لأن المحال والمعدوم يقع عليهما اسم الشيء وإذا نفى إطلاق اسم الشيء عليه فقد بولغ في ترك الاعتداد به إلى ما ليس بعده وهكذا قولهم أقل من لا شيء وقوله ) وهم يتلون الكتاب ( أي التوراة والإنجيل والجملة حالية وقيل المراد جنس الكتاب وفي هذا أعظم توبيخ وأشد تقريع لأن الوقوع في الدعاوى الباطلة والتكلم بما ليس عليه برهان هو وإن كان قبيحا على الإطلاق لكنه من أهل العلم والدراسة لكتب الله أشد قبحا وأفظع جرما وأعظم ذنبا وقوله ) كذلك قال الذين لا يعلمون ( المراد بهم كفار العرب الذين لا كتاب لهم قالوا مثل مقالة اليهود اقتداء بهم لأنهم جهلة لا يقدرون على غير التقليد لمن يعتقدون أنه من أهل العلم وقيل المراد بهم طائفة من اليهود والنصارى وهم الذين لا علم عندهم ثم أخبرنا سبحانه بأنه المتولي لفصل هذه الخصومة التي وقع فيها الخلاف عند الرجوع إليه فيعذب من يستحق التعذيب وينجي من يستحق النجاة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) وقالوا لن يدخل الجنة ( الآية قال قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا ) تلك أمانيهم ( قال أماني يتمنونها على الله بغير الحق ) قل هاتوا برهانكم ( قال حجتكم ) إن كنتم صادقين ( بما تقولونه أنه كما تقولون ) بلى من أسلم وجهه لله ( يقول أخلص لله وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) قل هاتوا برهانكم ( قال حجتكم وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) بلى من أسلم وجهه ( قال أخلص دينه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رافع بن حريملة ما أنتم على شيء


"""""" صفحة رقم 131 """"""
وكفر بعيسى والإنجيل فقال له رجل من أهل نجران ما أنتم على شيء وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة قال فأنزل الله في ذلك ) وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ( أي كل يتلو في كتابه تصديق من كفره به وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال قلت لعطاء من هؤلاء الذي لا يعلمون قال هم أمم كانت قبل اليهود والنصارى وأخرج ابن جرير عن السدي قال هم العرب قالوا ليس محمد عل شيء
البقرة 114 115
البقرة : ( 114 ) ومن أظلم ممن . . . . .
هذا الاستفهام فيه أبلغ دلالة على أن هذا الظلم متناه وأنه بمنزلة لا ينبغي أن يلحقه سائر أنواع الظلم أي لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله واسم الاستفهام في محل رفع على الابتداء وأظلم خبره وقوله ) أن يذكر فيها اسمه ( قيل هو بدل من مساجد وقيل إنه مفعول له بتقدير كراهية أن يذكر وقيل إن التقدير من أن يذكر ثم حذف حرف الجر لطول الكلام وقيل إنه مفعول ثان لقوله ( منع ) والمراد بمنع المساجد أن يذكر فيها اسم الله منع من يأتي إليها للصلاة والتلاوة والذكر وتعليمه والمراد بالسعي في خرابها هو السعي في هدمها ورفع بنيانها ويجوز أن يراد بالخراب تعطيلها عن الطاعات التي وضعت لها فيكون أعم من قوله ) أن يذكر فيها اسمه ( فيشمل جميع ما يمنع من الأمور التي بنيت لها المساجد كتعلم العلم وتعليمه والقعود للاعتكاف وانتظار الصلاة ويجوز أن يراد ما هو أعم من الأمرين من باب عموم المجاز كما قيل في قوله تعالى ) إنما يعمر مساجد الله ( وقوله ) ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ( أي ما كان ينبغي لهم دخولها إلا حال خوفهم وفيه إرشاد للعباد من الله عز وجل أنه ينبغي لهم أن يمنعوا مساجد الله من أهل الكفر من غير فرق بين مسجد ومسجد وبين كافر وكافر كما يفيده عموم اللفظ ولا ينافيه خصوص السبب وأن يجعلوهم بحالة إذا أرادو الدخول كانوا على وجل وخوف من أن يفطن لهم أحد من المسلمين فينزلون بهم ما يوجب الإهانة والإذلال وليس فيه الإذن لنا بتمكينهم من ذلك حال خوفهم بل هو كناية عن المنع لهم منا عن دخول مساجدنا والخزي قيل هو ضرب الجزية عليهم وإذلالهم وقيل غير ذلك وقد تقدم تفسيره
البقرة : ( 115 ) ولله المشرق والمغرب . . . . .
والمشرق موضع الشروق والمغرب موضع الغروب أي هما ملك لله وما بينهما من الجهات والمخلوقات فيشمل الأرض كلها وقوله ) فأينما تولوا ( أي أي جهة تستقبلونها فهناك وجه الله أي المكان الذي يرتضي لكم استقباله وذلك يكون عند إلتباس جهة القبلة التي أمرنا بالتوجه إليها بقوله سبحانه ) فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ( قال في الكشاف والمعنى أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام أي في بيت المقدس فقد جعلت لكم الأرض مسجدا فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها وافعلوا التولية فيها فإن التولية ممكنة في كل مكان لا تختص أماكنها في مسجد دون مسجد ولا في مكان دون مكان انتهى وهذا التخصيص لا وجه له فإن اللفظ أوسع منه وإن كان المقصود به بيان السبب فلا بأس وقوله ) إن الله واسع عليم ( فيه إرشاد إلى سعة رحمته وأنه يوسع على عباده في دينهم ولا يكلفهم ما ليس


"""""" صفحة رقم 132 """"""
في وسعهم وقيل واسع بمعنى أنه يسع علمه كل شيء كما قال ) وسع كل شيء علما ( وقال الفراء الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن قريشا منعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الصلاة عند الكعبة في المسجد الحرام فأنزل الله ) ومن أظلم ممن منع مساجد الله ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال هم النصارى وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن السدي قال هم الروم كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس وفي قوله ) أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ( قال فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن يضرب عنقه وقد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها وفي قوله ) لهم في الدنيا خزي ( قال أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنهم الروم وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب أنهم النصارى لما أظهروا على بيت المقدس حرقوه وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم قال هم المشركون حين صدوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن البيت يوم الحديبية وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال ليس للمشركين أن يدخلوا المسجد إلا خائفين وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) لهم في الدنيا خزي ( قال يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا والله أعلم شأن القبلة قال الله تعالى ) ولله المشرق والمغرب ( الآية فاستقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فصلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ثم صرفه الله إلى البيت العتيق ونسخها فقال ) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ( وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به ثم قرأ ابن عمر هذه الآية ) فأينما تولوا فثم وجه الله ( وقال في هذا أنزلت هذه الآية وأخرج نحوه عنه ابن جرير والدارقطني والحاكم وصححه وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان يصلي على راحلته قبل المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل واستقبل القبلة وصلى وروى نحوه من حديث أنس مرفوعا أخرجه ابن أبي شيبة وأبو داود وأخرج عبد بن حميد والترمذي وضعفه وابن ماجة وابن جرير وغيرهم عن عامر ابن ربيعة قال كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا فيصلي فيه فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا على غير القبلة فقلنا يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة فأنزل الله ) ولله المشرق والمغرب ( الآية فقال مضت صلاتكم وأخرج الدارقطني وابن مردويه والبيهقي عن جابر مرفوعا نحوه إلا أنه ذكر أنهم خطوا خطوطا وأخرج نحوه ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا وأخرج نحوه أيضا سعيد بن منصور وابن المنذر عن عطاء يرفعه وهو مرسل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فثم وجه الله ( قال قبلة الله اينما توجهت شرقا أو غربا وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه وابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) وأخرج ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر مثله وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر نحوه


"""""" صفحة رقم 133 """"""
البقرة 116 118
البقرة : ( 116 ) وقالوا اتخذ الله . . . . .
قوله ( وقالوا ) هم اليهود والنصارى وقيل اليهود أي قالوا عزير ابن الله وقيل النصارى أي المسيح ابن الله وقيل هم كفار العرب أي قالوا الملائكة بنات الله وقوله ( سبحانه ) قد تقدم تفسيره وهنا تبرؤ الله تعالى عما نسبوه إليه من اتخاذ الولد وقوله ( بل له ما في السموات والأرض ) رد على القائلين اتخذ ولدا أي بل هو مالك لما في السموات والأرض وهؤلاء القائلون داخلون تحت ملكه والولد من جنس لا من جنسه ولا يكون الولد إلا من جنس الوالد والقانت المطيع الخاضع أي كل من في السموات والأرض مطيعون له خاضعون لعظمته خاشعون لجلاله والقنوت في أصل اللغة أصله القيام قال الزجاج فالخلق قانت أي قائمون بالعبودية إما إقرارا وإما أن يكونوا على خلاف ذلك فاثر الصنعة بين عليهم وقيل أصله الطائعين ومنه ) والقانتين والقانتات ( وقيل السكون ومنه قوله ) وقوموا لله قانتين ( ولهذا قال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت ) وقوموا لله قانتين ( فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وقيل القنوت الصلاة ومنه قول الشاعر قانتا لله يتلو كتبه
وعلى عمد من الناس اعتزل
والأولى أن القنوت لفظ مشترك بين معان كثيرة قيل هي ثلاثة عشر معنى وهي مبينة وقد نظمها بعض أهل العلم كما أوضحت ذلك في شرحي على المنتقى
البقرة : ( 117 ) بديع السماوات والأرض . . . . .
وبديع فعيل للمبالغة وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو مبدع سمواته وارضه أبدع الشيء أنشأه لا عن مثال وكل من أنشا ما لم يسبق قيل له مبدع وقوله ) وإذا قضى أمرا ( أي أحكمه وأتقنه قال الأزهري قضى في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامة قيل هو مشترك بين معان يقال قضى بمعنى خلق ومنه ) فقضاهن سبع سماوات ( وبمعنى أعلم ومنه ) وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ( وبمعنى أمر ومنه ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ( وبمعنى ألزم ومنه قضى عليه القاضي وبمعنى أوفاه ومنه ) فلما قضى موسى الأجل ( وبمعنى أراد ومنه ) فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( والأمر واحد الأمور وقد ورد في القرآن على أربعة عشر معنى الأول الدين ومنه ) حتى جاء الحق وظهر أمر الله ( الثاني بمعنى القول ومنه ) فإذا جاء أمرنا ( الثالث العذاب ومنه ولما قضى العذاب الرابع عيسى ومنه ) فإذا قضى أمرا ( أي أوجد عيسى عليه السلام الخامس القتل ومنه ) فإذا جاء أمر الله ( السادس فتح مكة ومنه ) فتربصوا حتى يأتي الله بأمره ( السابع قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير ومنه ) فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ( والثامن القيامة ومنه ) أتى أمر الله ( التاسع القضاء ومنه ) يدبر الأمر ( العاشر الوحي ومنه ) يتنزل الأمر بينهن ( الحادي عشر أمر الخلائق ومنه ) ألا إلى الله تصير الأمور ( الثاني عشر النصر ومنه ) هل لنا من الأمر من شيء ( والثالث عشر الذنب ومنه ) فذاقت وبال أمرها (


"""""" صفحة رقم 134 """"""
الرابع عشر الشأن ومنه ) وما أمر فرعون برشيد ( هكذا أورد هذه المعاني بأطول من هذا بعض المفسرين وليس تحت ذلك كثير فائدة وإطلاقه على الأمور المختلفة لصدق اسم الأمر عليها وقوله ) فإنما يقول له كن فيكون ( الظاهر في هذا المعنى الحقيقي وأنه يقول سبحانه هذا اللفظ وليس في ذلك مانع ولا جاء ما يوجب تأويله ومنه قوله تعالى ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ( وقال تعالى ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( وقال ) وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ( ومنه قول الشاعر إذا ما أراد الله امرا فإنما
يقول له كن قوله فيكون
وقد قيل إن ذلك مجاز وانه لا قول وإنما هو قضاء يقضيه فعبر عنه بالقول ومنه قول الشاعر وهو عمر ابن حممة الدوسي فأصبحت مثل النسر طار فراخه
إذا رام تطيارا يقال له قع
وقال آخر قالت جناحاه لساقيه الحقا
ونجيا لحكمكما أن يمزقا
البقرة : ( 118 ) وقال الذين لا . . . . .
والمراد بقوله ) وقال الذين لا يعلمون ( اليهود وقيل النصارى ورجحه ابن جرير لأنهم المذكورون في الآية وقيل مشركو العرب و ( لولا ) حرف تحضيض أي هلا ( يكلمنا الله ) بنبوة محمد فنعلم أنه نبي ( أو تأتينا ) بذلك علامة على نبوته والمراد بقوله ) قال الذين من قبلهم ( قيل هم اليهود والنصارى في قول من جعل الذين لا يعلمون كفار العرب أو الأمم السالفة في قول من جعل الذين لا يعلمون اليهود والنصارى أو اليهود في قول من جعل الذي لا يعلمون النصارى ( تشابهت ) أي في التعنت والاقتراح وقال الفراء ( تشابهت ) في اتفاقهم على الكفر ) قد بينا الآيات لقوم يوقنون ( أي يعترفون بالحق وينصفون في القول ويذعنون لأوامر الله سبحانه لكونهم مصدقين له سبحانه مؤمنين بآياته متبعين لما شرعه لهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال قال الله تعالى ( كذبني ابن آدم وشتمني فأما تكذيبه إياي فيزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا ) وأخرج نحوه أيضا من حديث أبي هريرة وفي الباب أحاديث وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) سبحان الله ( قال تنزيه الله نفسه عن السوء وأخرج عبدالرزاق وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن موسى بن طلحة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان سبحان الله قال برأه الله من السوء وأخرجه الحاكم وصححه ابن مردويه والبيهقي من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه عن جده طلحة بن عبيدالله قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن تفسير سبحان الله فقال هو تنزيه الله من كل سوء وأخرجه ابن مردويه عنه من طريق أخرى مرفوعا وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والضياء في المختارة عن أبي سعيد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( كل له قانتون ) قال مطيعون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) بديع السماوات والأرض ( يقول ابتدع خلقهما ولم يشركه في خلقهما أحد وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال رافع بن حريملة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول فقل لله


"""""" صفحة رقم 135 """"""
فليكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله في ذلك ) وقال الذين لا يعلمون ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنهم كفار العرب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال هم النصارى والذين من قبلهم يهود
البقرة 119 121
البقرة : ( 119 ) إنا أرسلناك بالحق . . . . .
قوله ( بشيرا ونذيرا ) يحتمل أن يكون منصوبا على الحال ويحتمل أن يكون مفعولا له أي أرسلناك لأجل التبشير والإنذار وقوله ( ولا تسئل ) قرأه الجمهور بالرفع مبنيا للمجهول أي حال كونك غير مسئول وقرىء بالرفع مبنيا للمعلوم قال الأخفش ويكون في موضع الحال عطفا على ( بشيرا ونذيرا ) أي حال كونك غير سائل عنهم لأن علم الله بكفرهم بعد إنذارهم يغني عن سؤاله عنهم وقرأ نافع ( ولا تسئل ) بالجزم أي لا يصدر منك السؤال عن هؤلاء أو لا يصدر منك السؤال عمن مات منهم على كفره ومعصيته تعظيما لحاله وتغليظا لشأنه أي أن هذا أمر فظيع وخطب شنيع يتعاظم المتكلم أن يجريه على لسانه أو يتعاظم السامع أن يسمعه
البقرة : ( 120 ) ولن ترضى عنك . . . . .
قوله ) ولن ترضى عنك اليهود ( الآية أي ليس غرضهم ومبلغ الرضا منهم ما يقترحونه عليك من الآيات ويوردونه من التعنتات فإنك لو جئتهم بكل ما يقترحون وأوجبتهم عن كل تعنت لم يرضوا عنك ثم أخبره بأنهم لن يرضوا عنه حتى يدخل في دينهم ويتبع ملتهم والملة اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه على ألسن أنبيائه وهكذا الشريعة ثم رد عليهم سبحانه فأمره بأن يقول لهم ) إن هدى الله هو الهدى ( الحقيقي لا ما أنتم عليه من الشريعة المنسوخة والكتب المحرفة ثم اتبع ذلك بوعيد شديد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن اتبع أهواءهم وحاول رضاهم وأتعب نفسه في طلب ما يوافقهم ويحتمل أن يكون تعريضا لأمته وتحذيرا لهم أن يواقعوا شيئا من ذلك أو يدخلوا في أهوية أهل الملل ويطلبوا رضا أهل البدع وفي هذه الآية من الوعيد الشديد الذي ترجف له القلوب وتتصدع منه الأفئدة ما يوجب على أهل العلم الحاملين لحجج الله سبحانه والقائمين ببيان شرائعه ترك الدهان لأهل البدع المتمذهبين بمذاهب السوء التاركين للعمل بالكتاب والسنة المؤثرين لمحض الرأي عليهما فإن غالب هؤلاء وإن أظهر قبولا وأبان من أخلاقه لينا لا يرضيه إلا اتباع بدعته والدخول في مداخله والوقوع في حبائله فإن فعل العالم ذلك بعد أن علمه الله من العلم ما يستفيد به أن هدى الله هو ما في كتابه وسنة رسوله لا ما هم عليه من تلك البدع التي هي ضلالة محضة وجهالة بينة ورأي منهار وتقليد على شفا جرف هار فهو إذ ذاك ما له من الله من ولي ولا نصير ومن كان كذلك فهو مخذول لا محالة وهالك بلا شك ولا شبهة
البقرة : ( 121 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
وقوله ) الذين آتيناهم الكتاب ( قيل هم المسلمون والكتاب هو القرأن وقيل من أسلم من أهل الكتاب والمراد بقوله ) يتلونه ( أنهم يعملون بما فيه فيحللون حلاله


"""""" صفحة رقم 136 """"""
ويحرمون حرامه فيكون من تلاه يتلوه إذا اتبعه ومنه قوله تعالى ) والقمر إذا تلاها ( أي اتبعها كذا قيل ويحتمل أن يكون من التلاوة أي يقرءونه حق قراءته لا يحرفونه ولا يبدلونه وقوله ) الذين آتيناهم الكتاب ( مبتدأ وخبره ) يتلونه ( أو الخبر قوله ) أولئك ( مع ما بعده
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ليت شعري ما فعل أبواي ) فنزل ) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ( فما ذكرهما حتى توفاه الله قال السيوطي هذا مرسل ضعيف الإسناد ثم رواه من طريق ابن جرير عن داود بن أبي عاصم مرفوعا وقال هو معضل الإسناد ضعيف لا تقوم به ولا بالذي قبله حجة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال ( الجحيم ) ما عظم من النار وأخرج الثعلبي عن ابن عباس قال إن يهود المدينة ونصارى نجران كانوا يرجون أن يصلي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى قبلتهم فلما صرف الله القبلة إلى الكعبة شق ذلك عليهم وايسوا منه أن يوافقهم على دينهم فأنزل الله ) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ( الآية
وأخرج عبدالرزاق عن قتادة في قوله ) الذين آتيناهم الكتاب ( قال هم اليهود والنصارى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) يتلونه حق تلاوته ( قال يحلون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه وأخرجوا عنه أيضا يتبعونه حق اتباعه ثم قرءوا والقمر إذا تلاها يقول اتبعها وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال في قوله ) يتلونه حق تلاوته ( إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار وأخرج الخطيب في كتاب الرواة بسند فيه مجاهيل عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) يتلونه حق تلاوته ( قال يتبعونه حق اتباعه وكذا قال القرطبي في تفسيره أن في إسناده مجاهيل قال لكن معناه صحيح وأخرج عبدالرزاق وابن جرير من طرق عن ابن مسعود في تفسيره هذه الآية مثل ما سبق عن ابن عباس في قوله يحلون حلاله إلى آخره وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال يتكلمون به كما أنزل ولا يكتمونه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في هذه الآية قال هم أصحاب محمد ثم حكى نحو ذلك عن عمر بن الخطاب وأخرج وكيع وابن جرير عن الحسن في قوله ) يتلونه حق تلاوته ( قال يعملون بمحكمه ويؤمنون بمتشابهه ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه
البقرة 122 124
البقرة : ( 122 - 123 ) يا بني إسرائيل . . . . .
قوله ) يا بني إسرائيل ( إلى قوله ولا هم ينصرون ) قد سبق مثل هذا في صدر السورة وتقدم تفسيره ووجه التكرار الحث على اتباع الرسول النبي الأمي ذكر معناه ابن كثير في تفسيره وقال البقاعي في تفسيره إنه لما طال المدى استقصاء تذكيرهم بالنعم ثم في بيان عوارهم وهتك أستارهم وختم ذلك بالترهيب لتضييع


"""""" صفحة رقم 137 """"""
أديانهم بأعمالهم وأحوالهم وأقوالهم أعاد ما صدر به قصتهم من التذكير بالنعم والتحذير من حلول النقم يوم تجمع الأمم ويدوم فيه الندم لمن زلت به القدم ليعلم ان ذلك فذلكة القصة والمقصود بالذات الحث على انتهاز الفرصة انتهى واقول ليس هذا بشيء فإنه لو كان سبب التكرار ما ذكره من طول المدى وأنه أعاد ما صدر به قصتهم لذلك لكان الأولى بالتكرار والأحق بإعادة الذكر هو قوله سبحانه ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ( فإن هذه الآية مع كونها أول الكلام معهم والخطاب لهم في هذه السورة هي أيضا أولى بأن تعاد وتكرر لما فيها من الأمر بذكر النعم والوفاء بالعهد والرهبة لله سبحانه وبهذا تعرف صحة ما قدمناه لك عند أن شرع الله سبحانه في خطاب بني إسرائيل من هذه السورة فراجعه ثم حكى البقاعي بعد كلامه السابق عن الحوالي أنه قال كرره تعالى إظهارا لمقصد إلتئام آخر الخطاب بأوله وليتخذ هذا الإفصاح والتعليم أصلا لما يمكن بأن يرد من نحوه في سائر القرآن حتى كان الخطاب إذا انتهى إلى غاية خاتمه يجب أن يلحظ القلب بذاته تلك الغاية فيتلوها ليكون في تلاوته جامعا لطرفي الثناء وفي تفهيمه جامعا لمعاني طرفي المعنى انتهى وأقول لو كان هذا هو سبب التكرار لكان الأولى به ما عرفناك وأما قوله وليتخذ ذلك أصلا لما يرد من التكرار في سائر القرآن فمعلوم أن حصول هذا الأمر في الأذهان وتقرره في الأفهام لا يختص بتكرير آية معينة يكون افتتاح هذا المقصد بها فلم تتم حينئذ النكتة في تكرير هاتين الآيتين بخصوصهما ولله الحكمة البالغة التي لا تبلغها الأفهام ولا تدركها العقول فليس في تكليف هذه المناسبات المتعسفة إلا ما عرفناك به هناك فتذكر
البقرة : ( 124 ) وإذ ابتلى إبراهيم . . . . .
قوله ( وإذ ابتلى ) الإبتلاء الإمتحان والاختبار أي ابتلاه بما أمره به و ( إبراهيم ) معناه في السريانية أب رحيم كذا قال الماوردي قال ابن عطية ومعناه في العربية كذلك قال السهيلي وكثيرا ما يقع الإتفاق بين السرياني والعربي وقد أورد صاحب الكشاف هنا سؤالا في رجوع الضمير إلى إبراهيم مع كون رتبته التأخير وأجاب عنه بأنه قد تقدم لفظا فرجع إليه والأمر في هذا أوضح من أن يشتغل بذكره أو ترد في مثله الأسئلة أو يسود وجه القرطاس بإيضاحه وقوله ( بكلمات ) قد اختلف العلماء في تعيينها فقيل هي شرائع الإسلام وقيل ذبح ابنه وقيل أداء الرسالة وقيل هي خصال الفطرة وقيل هي قوله ) إني جاعلك للناس إماما ( وقيل بالطهارة كما سيأتي بيانه قال الزجاج وهذه الأقوال ليس بمتناقضة لأن هذا كله مما ابتلى به إبراهيم انتهى وظاهر النظم القرآني أن الكلمات هي قوله ) قال إني جاعلك ( وما بعده ويكون ذلك بيانا للكلمات وسيأتي عن بعض السلف ما يوافق ذلك وعن آخرين ما يخالفه وعلى هذا فيكون قوله ) قال إني جاعلك ( مستأنفا كأنه ماذا قال له وقال ابن جرير ما حاصله إنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ذلك وجائز أن يكون بعض ذلك ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع ولم يصح في ذلك خبر بنقل الواحد ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له ثم قال فلو قال قائل إن الذي قاله مجاهد وأبو صالح والربيع بن أنس أولى بالصواب يعني أن الكلمات هي قوله ) إني جاعلك للناس إماما ( وقوله ) وعهدنا إلى إبراهيم ( وما بعده ورجح ابن كثير أنها تشمل جميع ما ذكر وسيأتي التصريح بما هو الحق بعد إيراد ما ورد عن السلف الصالح وقوله ) فأتمهن ( أي قام بهن أتم قيام وامتثل أكمل امتثال والإمام هو ما يؤتم به ومنه قيل للطريق إمام وللبناء إمام لأنه يؤتم بذلك أي يهتدي به السالك والإمام لما كان هو القدوة للناس لكونهم يأتمون به ويهتدون بهديه أطلق عليه هذا اللفظ وقوله ) ومن ذريتي ( يحتمل أن يكون ذلك دعاء من إبراهيم أي واجعل من ذريتي أئمة ويحتمل أن يكون هذا من إبراهيم بقصد الاستفهام وإن لم يكن بصيغته أي ومن


"""""" صفحة رقم 138 """"""
ذريتي ماذا يكون يا رب فأخبره أن فيهم عصاة وظلمة وأنهم لا يصلحون لذلك ولا يقومون به ولا ينالهم عهد الله سبحانه والذرية مأخوذة من الذر لأن الله أخرج الخلق من ظهر آدم حين أشهدهم على أنفسهم كالذر وقيل مأخوذة من ذرأ الله الخلق يذرؤهم إذا خلقهم وفي الكتاب العزيز ) فأصبح هشيما تذروه الرياح ( قال في الصحاح ذرت الريح السحاب وغيره تذروه وتذريه ذروا وذريا أي نسفته وقال الخليل إنما سمعوا ذرية لأن الله تعالى ذرأها على الأرض كما ذرأ الزارع البذر واختلف في المراد بالعهد فقيل الإمامة وقيل النبوة وقيل عهد الله أمره وقيل الأمان من عذاب الآخر ورجحه الزجاج والأول أظهر كما يفيده السياق وقد استدل بهذه الآية جماعة من أهل العلم على أن الإمام لابد أن يكون من أهل العدل والعمل بالشرع كما ورد لأنه إذا زاغ عن ذلك كان ظالما ويمكن أن ينظر إلى ما يصدق عليه اسم العهد وما تفيده الإضافة من العموم فيشمل جميع ذلك اعتبارا بعموم اللفظ من غير نظر إلى السبب ولا إلى السياق فيستدل به على إشتراط السلامة من وصف الظلم في كل من تعلق بالأمور الدينية وقد اختار ابن جرير أن هذه الآية وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالما ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل أنه سيوجد من ذريته من هو ظالم لنفسه انتهى ولا يخفاك أنه لا جدوى لكلامه هذا فالأولى أن يقال إن هذا الخبر في معنى الأمر لعباده أن لا يولوا أمور الشرع ظالما وإنما قلنا إنه في معنى الأمر لأن أخباره تعالى لا يجوز أن تتخلف وقد علمنا أنه قد نال عهده من الإمامة وغيرها كثيرا من الظالمين
البقرة : ( 125 ) وإذ جعلنا البيت . . . . .
قوله ) وإذ جعلنا البيت ( هو الكعبة غلب عليه كما غلب النجم على الثريا و ( مثابة ) مصدر من ثاب يثوب مثابا ومثابة أي مرجعا يرجع الحجاج إليه بعد تفرقهم عنه ومنه قول ورقة بن نوفل في الكعبة مثاب لأقفاء القبائل كلها
تخب إليها اليعملات الذوابل
وقرأ الأعمش ( مثابات ) وقيل المثابة من الثواب أي يثابون هنالك وقال مجاهد المراد أنهم لا يقضون منه أوطارهم قال الشاعر جعل البيت مثابات له
ليس منه الدهر يقضون الوطر
قال الأخفش ودخلت الهاء لكثرة من يثوب إليه فهي كعلامة ونسابة وقال غيره هي للتأنيث وليست للمبالغة وقوله ( وأمنا ) هو اسم مكان أي موضع أمن وقد استدل بذلك جماعة من أهل العلم على أنه لا يقام الحد على من لجأ إليه ويؤيد ذلك قوله تعالى ) ومن دخله كان آمنا ( وقيل إن ذلك منسوخ وقوله ) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( قرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على أنه فعل ماض أي جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوه مصلى وقرأ الباقون على صيغة الأمر عطفا على اذكروا المذكور أول الآيات أو على اذكروا المقدر عاملا في قوله ( وإذ ) ويجوز أن يكون على تقدير القول أي وقلنا اتخذوا والمقام في اللغة موضع القيام قال النحاس وهو من قام يقوم يكون مصدرا واسما للموضع ومقام من أقام وليس من هذا قول الشاعر وفيهم مقامات حسان وجوهها
وأندية ينتابها القول والفعل
لأن معناه أهل مقامات واختلف في تعيين المقام على أقوال أصحها أنه الحجر الذي يعرفه الناس ويصلون عنده ركعتي الطواف وقيل المقام الحج كله روى ذلك عن عطاء ومجاهد وقيل عرفة والمزدلفة روى عن عطاء أيضا وقال الشعبي الحرم كله مقام إبراهيم وروى عن مجاهد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي


"""""" صفحة رقم 139 """"""
في سننه عن ابن عباس في قوله ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه ( قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد في الرأس قص الشارب والمضمضة والإستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عنه نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه وابن عساكر عنه قال ما ابتلى أحد بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم وقرأ هذه الآية فقيل له ما الكلمات قال سهام الإسلام ثلاثون سهما عشرة في براءة ( التائبون العابدون ) إلى آخر الآية وعشرة في أول سورة قد أفلح وسأل سائل والذين يصدقون بيوم الدين الآيات وعشرة في الأحزاب ( إن المسلمين ) إلى آخر الآية ( فأتمهن ) كلهن فكتب له براءة قال تعالى ) وإبراهيم الذي وفى ( واخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم عنه قال منهن مناسك الحج واخرج ابن جرير عنه قال الكلمات ) إني جاعلك للناس إماما ( ) وإذ يرفع إبراهيم القواعد ( والآيات في شأن المناسك والمقام الذي جعل لإبراهيم والرزق الذي رزق ساكنو البيت وبعث محمد في ذريتهما وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد في قوله ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ( قال ابتلى بالآيات التي بعدها وأخرجا أيضا عن الشعبي مثله وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم فأتمهن فراق قومه في الله حين أمر بفارقتهم ومحاجته نمروذ في الله حين وقفه على ما وقفه عليه من خطر الأمر الذي فيه خلاقهم وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرقوه في الله والهجرة بعد ذلك من وطنه وبلاده حين أمره بالخروج عنهم وما أمره به من الضيافة والصبر عليها وما ابتلى به من ذبج ولده فلما مضى على ذلك كله ( قال ) الله له ) أسلم قال أسلمت لرب العالمين ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال ابتلاه بالكوكب فرضي عنه وابتلاه بالقمر فرضي عنه وابتلاه بالشمس فرضي عنه وابتلاه بالهجرة فرضي عنه وابتلاه بالختان فرضي عنه وابتلاه بابنه فرضي عنه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( فأتمهن ) قال فأداهن وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من فطرة إبراهيم السواك ) قلت وهذا على تقدير أن إسناده إلى عطاء صحيح فهو مرسل لا تقوم به الحجة ولا يحل الاعتماد على مثله في تفسيره كلام الله سبحانه وهكذا لا يحل الاعتماد على مثل ما أخرجه ابن أبي حاتم عن مجاهد قال من فطرة إبراهيم غسل الذكر والبراجم ومثل ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه قال ست من فطرة إبراهيم قص الشارب والسواك والفرق وقص الأظفار والاستنجاء وحلق العانة قال ثلاثة في الرأس وثلاثة في الجسد وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيح وغيره من طريق جماعة من الصحابة مشروعية تلك العشر لهذه الأمة ولم يصح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنها الكلمات التي ابتلى بها إبراهيم وأحسن ما روى عنه ما أخرجه الترمذي وحسنه عن ابن عباس قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقص أو يأخذ من شاربه قال وكان خليل الرحمن إبراهيم يفعله ولا يخفاك أن فعل الخليل له لا يستلزم أنه من الكلمات التي ابتلى بها وإذا لم يصح شيء عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا جاءنا من طريق تقوم بها الحجة تعيين تلك الكلمات لم يبق لنا إلا أن نقول إنها ما ذكره الله سبحانه في كتابه بقوله ) قال إني جاعلك ( إلى آخر الآيات ويكون ذلك بيانا للكلمات أو السكوت وإحالة العلم في ذلك على الله سبحانه وأما روي عن ابن عباس ونحوه من الصحابة من بعدهم


"""""" صفحة رقم 140 """"""
في تعيينها فهو أولا أقوال الصحابة لا تقوم بها الحجة فضلا عن أقوال من بعدهم وعلى تقدير أنه لا مجال للإجتهاد في ذلك وأن له حكم الرفع فقد اختلفوا في التعيين اختلافا يمتنع معه العمل ببعض ما روى عنهم دون البعض الآخر بل اختلفت الروايات عن الواحد منهم كما قدمنا عن ابن عباس فكيف يجوز العمل بذلك وبهذا تعرف ضعف قول من قال إنه يصار إلى العموم ويقال تلك الكلمات هي جميع ما ذكر هنا فإن هذا يستلزم تفسير كلام الله بالضعيف والمتناقض وما لا تقوم به الحجة وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ) قال إني جاعلك للناس إماما ( يقتدى بدينك وهديك وسنتك ) قال ومن ذريتي ( إماما لغير ذريتي ) قال لا ينال عهدي الظالمين ( أن يقتدي بدينهم وهديهم وسنتهم وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم عنه قال قال الله لإبراهيم ) إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي ( فأبى أن يفعل ثم قال ) لا ينال عهدي الظالمين ( وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال هذا عند الله يوم القيامة لا ينال عهده ظالما فأما في الدنيا فقد نالوا عهده فوارثوا به المسلمين وغازوهم وناكحوهم فلما كان يوم القيامة قصر الله عهده وكرامته على أوليائه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في تفسير الآية أنه قال لا أجعل إماما ظالما يقتدى به وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال يخبره أنه إن كان في ذريته ظالم لا ينال عهده ولا ينبغي له أن يوليه شيئا من أمره وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أنه قال ليس لظالم عليك عهد في معصية الله وقد أخرج وكيع وابن مردويه من حديث علي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) لا ينال عهدي الظالمين ( قال لا طاعة إلا في المعروف إسناده عند ابن مردويه هكذا قال حدثنا عبدالرحمن بن محمد بن حامد حدثنا أحمد بن عبدالله ابن سعد الأسدي حدثنا سليم بن سعيد الدامغاني حدثنا وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي عبدالرحمن السلمي عن علي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج عبد بن حميد من حديث عمران بن حصين سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول لا طاعة لمخلوق في معصية الله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في تفسير الآية ليس للظالم عهد وإن عاهدته فانقضه قال ابن كثير وروى عن مجاهد وعطاء ومقاتل وابن حبان نحو ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) مثابة للناس وأمنا ( قال يثوبون إليه ثم يرجعون وأخرج ابن جرير عنه أنه قال لا يقضون منه وطرا يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( وأمنا ) قال أمنا للناس وأخرج البخاري وغيره من حديث أنس عن عمر بن الخطاب قال وافقت ربي في ثلاث ووافقني ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزلت ) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نساؤه في الغيرة فقلت لهن ) عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ( فنزلت كذلك وأخرجه مسلم وغيره مختصرا من حديث ابن عمر عنه وأخرج مسلم وغيره من حديث جابر ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رمل ثلاثة أشواط ومشى أربعا حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ثم قرأ ) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( وفي مقام إبراهيم عليه السلام أحاديث كثيرة مستوفاة في الأمهات وغيرها والأحاديث الصحيحة تدل على أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان إبراهيم يقوم عليه لبناء الكعبة لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل به ليقوم فوقه كما في البخاري من حديث ابن عباس وهو الذي كان ملصقا بجدار الكعبة وأول من نقله عمر بن الخطاب كما


"""""" صفحة رقم 141 """"""
أخرجه عبدالرزاق والبيهقي بإسناد صحيح وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق مختلفة وأخرج ابن أبي حاتم من حديث جابر في وصف حج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما طاف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له عمر هذا مقام إبراهيم قال نعم وأخرج نحوه ابن مردويه
البقرة 125 128
قوله ) عهدنا ( معناه هنا أمرنا أو أوجبنا وقوله ) أن طهرا ( في موضع نصب بنزع الخافض أي بأن طهرا قاله الكوفيون وقال سيبويه هو بتقدير أي المفسرة أي أن طهرا فلا موضع لها من الإعراب والمراد بالتطهير قيل من الأوثان وقيل من الآفات والريب وقيل من الكفار وقيل من النجاسات وطواف الجنب والحائض وكل خبيث والظاهر أنه لا يختص بنوع من هذه الأنواع وأن كل ما يصدق عليه مسمى التطهير فهو يتناوله إما تناولا شموليا أو بدليا والإضافة في قوله ) بيتي ( للتشريف والتكريم وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأهل المدينة وهشام وحفص ( بيتي ) بفتح الياء وقرأ الآخرون بإسكانها والطائف الذي يطوف به وقيل الغريب الطارىء على مكة والعاكف المقيم وأصل العكوف في اللغة اللزوم والإقبال على الشيء وقيل هو المجاور دون المقيم من أهلها والمراد بقوله ) والركع السجود ( المصلون وخص هذين الركنين بالذكر لأنهما أشرف أركان الصلاة
البقرة : ( 126 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
وقوله ) وإذ قال إبراهيم ( ستأتي الأحاديث الدالة على أن إبراهيم هو الذي حرم مكة والأحاديث الدالة على أن الله حرمها يوم خلق السموات والأرض والجمع بين هذه الأحاديث في هذا البحث وقوله ( بلدا آمنا ) أي مكة والمراد الدعاء لأهله من ذريته وغيرهم كقوله عيشة راضية أي راض صاحبها وقوله ( من آمن ) بدل من قول أهله أي أرزق من آمن من أهله دون من كفر وقوله ) ومن كفر ( الظاهر أن هذا من كلام الله سبحانه ردا على إبراهيم حيث طلب الرزق للمؤمنين دون غيرهم أي وأرزق من كفر فامتعه بالرزق قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار ويحتمل أن يكون كلاما مستقلا بيانا لحال من كفر ويكون في حكم الإخبار عن حال الكافرين بهذه الجملة الشرطية أي من كفر فإني أمتعه في هذه الدنيا بما يحتاجه من الرزق ) ثم أضطره ( بعد هذا التمتيع ) إلى عذاب النار ( فأخبر سبحانه أنه لا ينال الكفرة من الخير إلا تمتيعهم في هذه الدنيا وليس لهم بعد ذلك إلا ما هو شر محض وهو عذاب النار وأما على قراءة من قرأ ( فأمتعه ) بصيغة الأمر وكذلك قوله ) ثم أضطره ( بصيغة الأمر فهي مبنية على أن ذلك من جملة كلام إبراهيم وأنه لما فرغ من الدعاء للمؤمنين دعا للكافرين بالإمتاع قليلا ثم دعا عليهم بأن يضطرهم إلى عذاب النار ومعنى ) أضطره ( ألزمه حتى صار


"""""" صفحة رقم 142 """"""
مضطرا لذلك لا يجد عنه مخلصا ولا منه متحولا
البقرة : ( 127 ) وإذ يرفع إبراهيم . . . . .
قوله ) وإذ يرفع ( هو حكاية لحال ماضيه استحضارا لصورتها العجيبة والقواعد الأساس قاله أبو عبيدة والفراء وقال الكسائي هي الجدر والمراد برفعها رفع ما هو مبني فوقها لا رفعها في نفسها فإنها لم ترتفع لكنها لما كانت متصلة بالبناء المرتفع فوقها صارت كأنها مرتفعة بارتفاعه كما يقال ارتفع البناء ولا يقال ارتفع أعالى البناء ولا أسافله قوله ) ربنا تقبل منا ( في محل الحال بتقدير القول أي قائلين ربنا وقرأ أبي وابن مسعود ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت إسماعيل ويقولان ربنا تقبل منا
البقرة : ( 128 ) ربنا واجعلنا مسلمين . . . . .
وقوله ) واجعلنا مسلمين لك ( أي اجعلنا ثابتين عليه أو زدنا منه قيل المراد بالإسلام هنا مجموع الإيمان والأعمال وقوله ( ومن ذريتنا ) أي واجعل من ذريتنا و ( من ) للتبعيض أو للتبيين وقال ابن جرير إنه أراد بالذرية العرب خاصة وكذا قال السهيلي قال ابن عطية وهذا ضعيف لأن دعوته ظهرت في العرب وغيرهم من الذين آمنوا به والأمة الجماعة في هذا الموضع وقد تطلق على الواحد ومنه قوله تعالى ) إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ( وتطلق على الدين ومنه ) إنا وجدنا آباءنا على أمة ( وتطلق على الزمان ومنه ) وادكر بعد أمة ( وقوله ) وأرنا مناسكنا ( هي من الرؤية البصرية وقرأ عمر بن عبدالعزيز وقتادة وابن كثير وابن محيصن وغيرهم ) أرنا ( بسكون الراء ومنه قول الشاعر أرنا إداوة عبدالله يملؤها
من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا
والمناسك جمع نسك وأصله في اللغة الغسل يقال نسك ثوبه إذا غسله وهو في الشرع اسم للعبادة والمراد هنا مناسك الحج وقيل مواضع الذبح وقيل جميع المتعبدات وقوله ) وتب علينا ( قيل المراد بطلبهما للتوبة التثبيت لأنهما معصومان لا ذنب لهما وقيل المراد تب على الظلمة منا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن عطاء قال ) وعهدنا إلى إبراهيم ( أي أمرناه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أن طهرا بيتي ( قال من الأوثان وأخرج أيضا عن مجاهد وسعيد بن جبير مثله وزادوا الريب وقول الزور والرجس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إذا كان قائما فهو من الطائفين وإذا كان جالسا فهو من العاكفين وإذا كان مصليا فهو من الركع السجود وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن الذين ينامون في المسجد فقال هم العاكفون وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها فلا يصاد صيدها ولا يقطع عضاهها ) كما أخرج أحمد ومسلم والنسائي وغيرهم من حديث جابر وقد روى هذا المعنى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من طريق جماعة من الصحابة منهم رافع بن خديج عند مسلم وغيره ومنهم أبو قتادة عند أحمد ومنهم أنس عن الشيخين ومنهم أبو هريرة عند مسلم ومنهم علي أبي طالب عند الطبراني في الأوسط ومنهم أسامة بن زيد عن أحمد والبخاري ومنهم عائشة عند البخاري وثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض وهي حرام إلى يوم القيامة ) أخرجه البخاري تعليقا وابن ماجة من حديث صفية بنت شيبة وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس وأخرجه الشيخان وأهل السنن من حديث أبي هريرة وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا ولا تعارض بين هذه الأحاديث فإن إبراهيم عليه السلام لما بلغ الناس أن الله حرمها وأنها لم تزل حرما آمنا نسب إليه أنه حرمها أي أظهر للناس حكم الله فيها وإلى هذا الجمع ذهب ابن عطية وابن كثير وقال ابن جرير


"""""" صفحة رقم 143 """"""
إنها كانت حراما ولم يتعبد الله الخلق بذلك حتى سأله إبراهيم وتعبدهم بذلك انتهى وكلا الجمعين حسن وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم الطائفي قال بلغني أنه لما دعا إبراهيم للحرم فقال ) وارزق أهله من الثمرات ( نقل الله الطائف من فلسطين وأخرج نحوه ابن أبي حاتم والأزرقي عن الزهري وأخرج نحوه أيضا الأزرقي عن بعض ولد نافع بن جبير بن مطعم وقد أخرج الأزرقي نحوها مرفوعا من طريق محمد بن المنكدر وأخرج أيضا عن محمد بن كعب القرظي قال دعا إبراهيم للمؤمنين وترك الكفار ولم يدع لهم بشيء قال الله ( ومن كفر فأمتعه ) الآية وأخرج نحوه سفيان بن عيينة عن مجاهد وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) من آمن منهم بالله ( قال كأن إبراهيم احتجرها على المؤمنين دون الناس فأنزل الله ) ومن كفر ( أيضا فأنا ارزقهم كما أرزق المؤمنين أخلق خلقا لا أرزقهم أمتعهم قليلا ثم أضطرهم إلى عذاب النار ثم قرأ ابن عباس ) كلا نمد هؤلاء وهؤلاء ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال قال أبي بن كعب في قوله ) ومن كفر ( أن هذا من قول الرب وقال ابن عباس هذا من قول إبراهيم يسأل ربه أن من كفر فأمتعه قليلا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال القواعد أساس البيت وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وغيرهم عن سعيد بن جبير قصة مطولة وآخرها في بناء البيت قال فعند ذلك رفع إبراهيم القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ) ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ( وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإذ يرفع إبراهيم القواعد ( قال القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك وقد أكثر المفسرون في تفسير هذه الآية من نقل أقوال السلف في كيفية بناء البيت ومن أي أحجار الأرض بنى وفي أي زمان عرف ومن حجه وما ورد فيه من الأدلة الدالة على فضله أو فضل بعضه كالحجر الأسود وفي الدر المنثور من ذلك ما لم يكن في غيره فليرجع إليه وفي تفسير ابن كثير بعض من ذلك ولما لم يكن ما ذكروه متعلقا بالتفسير لم نذكره وأخرج ابن أبي حاتم عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية ) ربنا واجعلنا مسلمين لك ( قال كانا مسلمين ولكن سألاه الثبات وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالكريم قال مخلصين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ومن ذريتنا ( قال يعنيان العرب وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن مجاهد قال قال إبراهيم رب أرنا مناسكنا فأتاه جبريل فأتى به البيت فقال ارفع القواعد فرفع القواعد وأتم البنيان ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به نحو مني فلما كان عند العقبة فإذا إبليس قائم عند الشجرة فقال كبر وارمه فكبر ورماه فذهب إبليس حتى أتى الجمرة الوسطى ففعل به إبراهيم كما فعل في الأولى ثم كذلك في الجمرة الثالثة ثم أخذ جبريل بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام فقال هذا المشعر الحرام ثم ذهب حتى أتى به عرفات قال وقد عرفت ما أريتك قالها ثلاثا قال نعم قال فأذن في الناس بالحج قال كيف أؤذن قال قل يا ( أيها الناس أجيبوا ربكم ثلاث مرات فأجاب العباد لبيك اللهم لبيك فمن أجاب إبراهيم يومئذ من الخلق فهو حاج وأخرج ابن جرير من طريق ابن المسيب عن علي قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال قد فعلت أي رب فأرنا مناسكنا أبرزها لنا علمناها فبعث الله جبريل فحج به وفي الباب آثار كثيرة عن السلف من الصحابة ومن بعدهم تتضمن أن جبريل أرى إبراهيم المناسك وفي أكثرها أن الشيطان تعرض له كما تقدم عن


"""""" صفحة رقم 144 """"""
مجاهد وقد أخرج ابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس نحو ذلك وكذلك أخرج عنه أحمد وابن أبي حاتم والبيهقي
البقرة 129 132
البقرة : ( 129 ) ربنا وابعث فيهم . . . . .
الضمير في قوه ) وابعث فيهم ( راجع إلى الأمة المسلمة المذكورة سابقا وقرأ أبي ( وابعث في آخرهم ) ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى الذرية وقد أجاب الله لإبراهيم عليه السلام هذه الدعوة فبعث في ذريته ( رسولا منهم ) وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقد أخبر عن نفسه بأنه دعوة إبراهيم كما سيأتي تخريج ذلك إن شاء الله ومراده هذه الدعوة والرسول هو المرسل قال ابن الأنباري يشبه أن يكون أصله ناقة مرسال ورسلة إذا كانت سهلة السير ماضية أما النوق ويقال جاء القوم ارسالا أي بعضهم في اثر بعض والمراد بالكتاب القرآن والمراد بالحكمة المعرفة بالدين والفقه في التأويل والفهم للشريعة وقوله ( يزكيهم ) أي يطهرهم من الشرك وسائر المعاصي وقيل إن المراد بالآيات ظاهر الألفاظ والكتاب معانيها والحكمة الحكم وهو مراد الله بالخطاب والعزيز الذي لا يعجزه شيء قاله ابن كيسان وقال الكسائي ( العزيز ) الغالب
البقرة : ( 130 ) ومن يرغب عن . . . . .
( ومن يرغب ) في موضع رفع على الابتداء والاستفهام للإنكار وقوله ( إلا من سفه نفسه ) في موضع الخبر وقيل هو بدل من فاعل يرغب والتقدير وما يرغب عن ملة إبراهيم أحد إلا من سفه نفسه قال الزجاج سفه بمعنى جهل أي جهل أمر نفسه فلم يفكر فيها وقال أبو عبيدة المعنى أهلك نفسه وحكى ثعلب والمبرد أن سفه بكسر الفاء يتعدى كسفه بفتح الفاء مشددة قال الأخفش ( سفه نفسه ) أي فعل بها من السفه ما صار به سفيها وقيل إن نفسه منتصب بنزع الخافض وقيل هو تمييز وهذان ضعيفان جدا وأما سفه بضم الفاء فلا يتعدى قاله المبرد وثعلب والإصطفاء الإختيار أي اخترناه في الدنيا وجعلناه في الآخرة من الصالحين فكيف يرغب عن ملته راغب
البقرة : ( 131 ) إذ قال له . . . . .
وقوله ( إذ قال له ) يحتمل أن يكون متعلقا بقوله ( اصطفيناه ) أي اخترناه وقت أمرنا له بالإسلام ويحتمل أن يتعلق بمحذوف هو اذكر قال في الكشاف كأنه قيل اذكر ذلك الوقت ليعلم أنه المصطفى الصالح الذي لا يرغب عن ملة مثله
البقرة : ( 132 ) ووصى بها إبراهيم . . . . .
والضمير في قوله ( وأوصى بها ) راجع إلى الملة أو إلى الكلمة أي أسلمت لرب العالمين قال القرطبي وهو أصوب لأنه أقرب مذكور أي قولوا أسلمنا انتهى والأول أرجح لأن الملوب ممن بعده هو اتباع ملته لا مجرد التكلم بكلمة الإسلام فالتوصية بذلك أليق بإبراهيم وأولى بهم ووصى وأوصى بمعنى وقريء بهما وفي مصحف عثمان ( وأوصى ) وهي قراءة أهل الشام والمدينة وفي مصحف عبدالله بن مسعود ( ووصى ) وهي قراءة الباقين ( ويعقوب ) معطوف على إبراهيم أي وأوصى يعقوب بنيه كما


"""""" صفحة رقم 145 """"""
أوصى إبراهيم بنيه وقرأ عمر بن فايد الأسواري وإسماعيل بن عبدالله المكي بنصب يعقوب فيكون داخلا فيمن أوصاه إبراهيم قال القشيري وهو بعيد لأن يعقوب لم يدرك جده إبراهيم وإنما ولد بعد موته وقوله ) يا بني ( هو بتقدير أن وقد قرأ أبي وابن مسعود والضحاك بإثباتها قال الفراء ألغيت أن لأن التوصية كالقول وكل كلام رجع إلى القول جاز فيه دخول أن وجاز فيه إلغاؤها وقيل إنه على تقدير القول أي قائلا يا بني روى ذلك عن البصريين وقوله ) اصطفى لكم الدين ( أي اختاره لكم والمراد ملته التي لا يرغب عنها إلا من سفه نفسه وهي الملة التي جاء بها محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( فيه إيجاز بليغ والمراد ألزموا الإسلام ولا تفارقوه حتى تموتوا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) ومن يرغب عن ملة إبراهيم ( قال رغبت اليهود والنصارى عن ملته واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله تركوا ملة إبراهيم الاسلام وبذلك بعث الله نبيه محمداا ( صلى الله عليه وسلم ) بملة إبراهيم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ( ولقد اصطفيناه ) قال اخترناه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ووصى بها إبراهيم بنيه ( قال وصاهم بالإسلام ووصى يعقوب بنيه بمثل ذلك وأخرج الثعلبي عن فضيل بن عياض في قوله ) فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( أي محسنون بربكم الظن
البقرة 133 141


"""""" صفحة رقم 146 """"""
البقرة : ( 133 ) أم كنتم شهداء . . . . .
قوله ( أم كنتم شهداء ) أم هذه قيل هي المنقطعة وقيل هي المتصلة وفي الهمزة وفي الهمزة الإنكار المفيد للتقريع والتوبيخ والخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون إلى إبراهيم وإلى بنيه أنهم على اليهودية والنصرانية فرد الله ذلك عليهم وقال لهم أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى به بنيه فتدعون ذلك عن علم أم لم تشهدوا بل أنتم مفترون والشهداء جمع شاهد ولم ينصرف لأن فيه ألف التأنيث التي لتأنيث الجماعة والعامل في ( إذ ) الأولى معنى الشهادة وإذ الثانية بدل من الأولى والمراد بحضور الموت حضور مقدماته وإنما جاء بما دون من في قوله ( ما تعبدون ) لأن المعبودات من دون الله غالبها جمادات كالأوثان والنار والشمس والكواكب ومعنى ( من بعدي ) أي من بعد موتى وقوله ( إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) عطف بيان لقوله ( آبائك ) وإسماعيل وإن كان عما ليعقوب لأن العرب تسمى العم أبا وقوله ) إلها ( بدل من إلهك وإن كان نكرة فذلك جائز ولا سيما بعد تخصيصه بالصفة التي هي قوله ( واحدا ) فإنه قد حصل المطلوب من الإبدل بهذه الصفة وقيل إن الها منصوب على الاختصاص وقيل إنه حال قال ابن عطية وهو قول حسن لأن الغرض الإثبات حال الوحدانية وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر وأبو رجاء العطاردي ( وإله ابيك ) فقيل أراد إبراهيم وحده ويكون قوله ( وإسماعيل ) عطفا على أبيك وكذلك ( إسحاق ) وإن كان هو أباه حقيقة وإبراهيم جده ولكن لإبراهيم مزيد خصوصية وقيل إن قوله ( أبيك ) جمع كما روى عن سيبويه أن أبين جمع سلامة ومثله أبون ومنه قول الشاعر فلما تبين اصواتنا
بكين وقد بننا بالأبينا
وقوله ( ونحن له مسلمون ) جملة حالية أي نعبده حال إسلامنا له وجوز الزمخشري أن تكون اعتراضية على ما يذهب إليه من جوز وقوع الجمل الاعتراضية آخر الكلام
البقرة : ( 134 ) تلك أمة قد . . . . .
والاشارة بقوله ( تلك ) إلى إبراهيم وبنيه ويعقوب وبنيه و ( أمه ) بدل منه وخبره ( قد خلت ) أو أمة خبره وقد خلت نعت لأمة وقوله ( لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ) بيان لحال تلك الأمة وحال المخاطبين بأن لكل من الفريقين كسبه لا ينفعه كسب غيره ولا يناله منه شيء ولا يضره ذنب غيره وفيه الرد على من يتكل على عمل سلفه ويروح نفسه بالأماني الباطلة ومنه ما ورد في الحديث ( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) والمراد أنكم لا تنتفعون بحسناتهم ولا تؤاخذون بسيآتهم ولا تسألون عن أعمالهم كما لا يسألون عن أعمالكم ومثله ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )
البقرة : ( 135 ) وقالوا كونوا هودا . . . . .
ولما ادعت اليهود والنصارى أن الهداية بيدها والخير مقصور عليها رد الله ذلك عليهم بقوله ) بل ملة إبراهيم ( أي قل يا محمد هذه المقالة ونصب ملة بفعل مقدر أي نتبع وقيل التقدير نكون ملة إبراهيم أي أهل ملته وقيل بل نهتدي بملة إبراهيم فلما حذف حرف الجر صار منصوبا وقرأ الاعراج وابن أبي عبلة ( ملة ) بالرفع أي بل الهدى ملة إبراهيم والحنيف المائل عن الأديان الباطلة إلى دين الحق وهو في أصل اللغة الذي تميل قدماه كل واحدة إلى أختها قال الزجاج وهو منصوب على الحال أي نتبع ملة إبراهيم حال كونه حنيفا وقال علي بن سليمان هو منصوب بتقدير أعني والحال خطأ كما لا يجوز جاءني غلام هند مسرعة وقال في الكشاف هو حال من المضاف إليه كقولك رأيت وجه هند قائمة وقال قوم الحنف الاستقامة


"""""" صفحة رقم 147 """"""
فسمى دينا إبراهيم حنيفا لاستقامته وسمى معوج الرجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة كما قيل للديغ سليم وللمهلكة مفازة وقد استدل من قال بأن الحنيف في اللغة المائل لا المستقيم بقول الشاعر إذا حول الظل العشي رأيته
حنيفا وفي قرن الضحى يتنصر
أي أن الحرباء تستقبل القبلة بالعشي وتستقبل المشرق بالغداة وهي قبلة النصارى ومنه قول الشاعر والله لولا حنف في رجله
ما كان في رجالكم من مثله
وقوله ) وما كان من المشركين ( فيه تعريض باليهود لقولهم ) عزير ابن الله ( وبالنصارى لقولهم ) المسيح ابن الله ( أي أن إبراهيم ما كان على هذه الحالة التي أنتم عليها من الشرك بالله فكيف تدعون عليه أنه كان على اليهودية أو النصرانية
البقرة : ( 136 ) قولوا آمنا بالله . . . . .
وقوله ) قولوا آمنا بالله ( خطاب للمسلمين وأمر لهم بأن يقولوا هذه المقالة وقيل إنه خطاب للكفار بأن يقولون ذلك حتى يكونوا على الحق والأول أظهر والأسباط أود يعقوب وهم اثنا عشر ولدا ولكل واحد منهم من الأولاد جماعة والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع فهم جماعة متتابعون وقيل أصله من السبط بالتحريك وهو الشجر أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر وقيل الأسباط حفدة يعقوب أي أولاد أولاده لا أولاده لأن الكثرة إنما كانت فيهم دون أولاد يعقوب في نفسه فهم افراد لا أسباط وقوله ) لا نفرق بين أحد منهم ( قال الفراء معناه لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى قال في الكشاف وأحد في معنى الجماعة ولذلك صح دخول بين عليه
البقرة : ( 137 ) فإن آمنوا بمثل . . . . .
وقوله ) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ( هذا الخطاب للمسلمين أيضا أي فإن آمن أهل الكتاب وغيرهم بمثل ما آمنتم به من جميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم فقد اهتدوا وعلى هذا فمثل زائدة كقوله ) ليس كمثله شيء ( وقول الشاعر فصيروا مثل كعصف مأكول
وقيل إن المماثلة وقعت بين الإيمانين أي فإن آمنوا بمثل إيمانكم وقال في الكشاف إنه من باب التبكيت لأن دين الحق واحد لا مثل له وهو دين الإسلام قال أي فإن حصلوا دينا آخر مثل دينكم مساويا له في الصحة والسداد فقد اهتدوا وقيل إن الباء زائدة مؤكدة وقيل إنها للاستعانة والشقاق أصله من الشق وهو الجانب كأن كل واحد من الفريقين في جانب غير الجانب الذي فيه الآخر وقيل إنه مأخوذ من فعل ما يشق ويصعب فكل واحد من الفريقين يحرص على فعل ما يشق على صاحبه ويصح حمل الآية على كل واحد من المعنيين وكذلك قول الشاعر
وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق
وقول الآخر
إلى كم تقبل العلماء قسرا وتفخر بالشقاق وبالنفاق
وقوله ) فسيكفيكهم الله ( وعد من الله تعالى لنبيه أنه سيكفيه من عانده وخالفه من المتولين وقد أنجز له وعده بما أنزله من بأسه بقريظة والنضير وبني قينقاع
البقرة : ( 138 ) صبغة الله ومن . . . . .
وقوله ) صبغة الله ( قال الأخفش وغيره أي دين الله قال وهي منتصبة على البدل من ملة وقال الكسائي هي منصوبة على تقدير اتبعوا أو على الإغراء أي الزموا ورجح الزجاج الانتصاب على البدل من ملة كما قاله الفراء وقال في الكشاف إنها مصدر مؤكد منتصب عن قوله ) آمنا بالله ( كما انتصب ) وعد الله ( عما تقدمه وهي فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ والمعنى تطهير الله لأن الإيمان تطهير النفوس انتهى وبه قال سيبويه أي كونه مصدرا


"""""" صفحة رقم 148 """"""
مؤكدا وقد ذكر المفسرون أن أصل ذلك أن النصارى كانوا يصبغون أولادهم في الماء وهو الذي يسمونه المعمودية ويجعلون ذلك تطهيرا لهم فإذا فعلوا ذلك قالوا الآن صار نصرانيا حقا فرد الله عليهم بقوله ) صبغة الله ( أي الإسلام وسماه صبغة استعارة ومنه قوله بعض شعراء همدان وكل أناس لهم صبغة
وصبغة همدان خير الصبغ
صبغنا على ذاك أولادنا
فأكرم بصبغتنا في الصبغ
وقيل إن الصبغة الاغتسال لمن أراد الدخول في الإسلام بدلا من معمودية النصارى ذكره الماوردي وقال الجوهري صبغة الله دينه وهو يؤيد ما تقدم عن الفراء وقيل الصبغة الختان
البقرة : ( 139 ) قل أتحاجوننا في . . . . .
وقوله ) قل أتحاجوننا في الله ( أي أتجادلوننا في الله أي في دينه والقرب منه والحظوة عنده وذلك كقولهم ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( وقرأ ابن محيصن ( أتحاجونا ) بالإدغام لاجتماع المثلين وقوله ) وهو ربنا وربكم ( أي نشترك نحن وأنتم في ربوبيته لنا وعبوديتنا له فكيف تدعون أنكم أولى به منا وتحاجوننا في ذلك وقوله ) لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ( أي لنا أعمال ولكم أعمال فلستم بأولى بالله منا وهو مثل قوله تعالى ) فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ( وقوله ) ونحن له مخلصون ( أي نحن أهل الاخلاص للعبادة دونكم وهو المعيار الذي يكون به التفاضل والخصلة التي يكون صاحبها أولى بالله سبحانه من غيره فكيف تدعون لأنفسكم ما نحن أولى به منكم وأحق وفيه توبيخ لهم وقطع لما جاءوا به من المجادلة والمناظرة
البقرة : ( 140 ) أم تقولون إن . . . . .
وقوله ) أم يقولون ( قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص ( تقولون ) بالتاء الفوقية وعلى هذه القراء تكون أم ها هنا معادلة للهمزة في قوله ) أتحاجوننا ( أي أتحاجوننا في الله أم تقولون إن هؤلاء الأنبياء على دينكم وعلى قراءة الياء التحتية تكون أم منقطعة أي بل يقولون وقوله ) قل أأنتم أعلم أم الله ( فيه تقريع وتوبيخ أي أن الله أخبرنا بأنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى وأنتم تدعون أنهم كانوا هودا أو نصارى فهل أنتم أعلم أم الله سبحانه وقوله ) ومن أظلم ( استفهام أي لا أحد أظلم ) ممن كتم شهادة عنده من الله ( يحتمل أن يريد بذلك الذم لأهل الكتاب بأنهم يعلمون أن هؤلاء الأنبياء ما كانوا هودا ولا نصارى بل كانوا على الملة الإسلامية فظلموا أنفسهم بكتمهم لهذه الشهادة بل بادعائهم لما هو مخالف لها وهو أشد في الذنب ممن اقتصر على مجرد الكتم الذي لا أحد أظلم منه ويحتمل أن المراد أن المسلمين لو كتموا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منهم ويكون المراد بذلك التعريض بأهل الكتاب وقيل المراد هنا ما كتموه من صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وفي قوله ) وما الله بغافل عما تعملون ( وعيد شديد وتهديد ليس عليه مزيد وإعلام بأن الله سبحانه لا يترك عقوبتهم على هذا الظلم القبيح والذنب الفظيع
البقرة : ( 141 ) تلك أمة قد . . . . .
وكرر قوله سبحانه ) تلك أمة قد خلت ( إلى آخر الآية لتضمنها معنى التهديد والتخويف الذي هو المقصود في هذا المقام
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) أم كنتم شهداء ( يعني أهل الكتاب وأخرج أيضا عن الحسن في قوله ) أم كنتم شهداء ( قال يقول لم يشهد اليهود ولا النصارى ولا أحد من الناس يعقوب إذ أخذ على بنيه الميثاق إذ حضره الموت أن لا تبعدوا إلا الله فأقروا بذلك وشهد عليهم أن قد أقروا بعبادتهم أنهم مسلمون وأخرج عن ابن عباس أنه كان يقول الجد أب ويتلو الآية وأخرج أيضا عن أبي العالية في الآية قال سمى العم أبا وأخرج أيضا نحوه عن محمد بن كعب وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال عبدالله بن صوريا الأعور للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا


"""""" صفحة رقم 149 """"""
يا محمد تهتد وقالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله فيهم ) وقالوا كونوا هودا ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ( حنيفا ) قال متبعا وأخرجا أيضا عن ابن عباس في قوله ) حنيفا ( قال حاجا واخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال الحنيف المستقيم وأخرج أيضا عن خصيف قال الخنيف المخلص وأخرج أيضا عن أبي قلابة قال الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( بعثت بالحنيفية السمحة ) وأخرج أحمد أيضا والبخاري في الأدب المفرد وابن المنذر عن ابن عباس قال ( قيل يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله قال الحنيفية السمحة ) وأخرج الحاكم في تاريخه وابن عساكر من حديث أسعد بن عبدالله بن مالك الخزاعي مرفوعا مثله وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية التي في البقرة ) قولوا آمنا بالله ( كلها وفي الآخرة ) آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ( وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ) قولوا آمنا بالله ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال الأسباط بنو يعقوب كانوا اثنى عشر رجلا كل واحد منهم ولد أمة من الناس وروى نحوه ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي وحكاه ابن كثير في تفسيره عن أبي العالية والربيع وقتادة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فإن الله لا مثل له ولكن قولوا فإن آمنوا بالذي آمنتم به وأخرج ابن أبي داود في المصاحف والخطيب في تاريخه عن أبي جمرة قال كان ابن عباس يقرأ ) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) فإنما هم في شقاق ( قال فراق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( صبغة الله ) قال دين الله وخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال فطرة الله التي فطر الناس عليها وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن بني إسرائيل قالوا يا موسى هل يصبغ ربك فقال اتقوا الله فناداه ربه يا موسى سألوك هل يصبغ ربك فقل نعم أنا أصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود والألوان كلها في صبغتي ) وأنزل الله على نبيه ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) وأخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس موقوفا وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال إن اليهود تصبغ أبناءها يهودا والنصارى تصبغ أبناءها نصارى وإن صبغة الله الإسلام ولا صبغة أحسن من صبغة الإسلام ولا أطهر وهو دين الله الذي بعث به نوحا ومن كان بعده من الأنبياء وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد عن ابن عباس في قوله ) صبغة الله ( قال البياض وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أتحاجوننا ( قال أتخاصموننا وأخرج ابن جرير عنه قال أتجادلوننا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ومن أظلم ممن كتم شهادة ( الآية قال أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله واتخذوا اليهودية والنصرانية وكتموا محمدا وهم يعلمون أنه رسول الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله ) تلك أمة قد خلت ( قال يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط


"""""" صفحة رقم 150 """"""
البقرة 142 143
البقرة : ( 142 ) سيقول السفهاء من . . . . .
قوله ( سيقول ) هذا إخبار من الله سبحانه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين بأن السفهاء من اليهود والمنافقين سيقولون هذه المقالة عند أن تتحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة وقيل إن ( سيقول ) بمعنى قال وإنما عبر عن الماضي بلفظ المستقبل للدلالة على استدامته واستمرار عليه وقيل أن الإخبار بهذا الخبر كان قبل التحول إلى الكعبة وأن فائدة ذلك أن الإخبار بالمكروه إذا وقع قبل وقوعه كان فيه تهوينا لصدمته وتخفيفا لروعته وكسرا لسورته والسفهاء جمع سفيه وهو الكذاب البهات المعتمد خلاف ما يعلم كذا قال بعض أهل اللغة وقال في الكشاف هم خفاف الأحلام ومثله في القاموس وقد تقدم في تفسير قوله ) إلا من سفه نفسه ( ما ينبغي الرجوع إليه ومعنى ( ما ولاهم ) ما صرفهم ( عن قبلتهم التي كانوا عليها ) وهي بيت المقدس فرد الله عليهم بقوله ( قل لله المشرق والمغرب ) فله أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء وفي قوله ) يهدي من يشاء ( إشعار بأن تحويل القبلة إلى الكعبة من الهداية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولأهل ملته إلى الصراط المستقيم
البقرة : ( 143 ) وكذلك جعلناكم أمة . . . . .
وقوله ( وكذلك جعلناكم ) أي مثل ذلك الجعل جعلناكم قيل معناه وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا والوسط الخيار أو العدل والآية محتملة للأمرين ومما يحتملهما قول زهير هم وسط ترضى الأنام بحكمهم
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
ومثله قول الآخر أنتم اوسط حي علموا
بصغير الأمر أو إحدى الكبر
وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تفسير الوسط هنا بالعدل كما سيأتي فوجب الرجوع إلى ذلك ومنه قول الراجز لا تذهبن في الأمور مفرطا
لا تسألن إن سألت شططا
وكن من الناس جميعا وسطا
ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في عيسى ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم ويقال فلان أوسط قومه وواسطتهم أي خيارهم وقوله ) لتكونوا شهداء على الناس ( أي يوم القيامة تشهدون للانبياء على أممهم أنهم قد بلغوهم ما أمرهم الله بتبليغه إليهم ويكون الرسول شهيدا على أمته بأنهم قد فعلوا ما أمر بتبليغه إليهم ومثله قوله تعالى ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( قيل إن قوله ) عليكم ( يعني لكم أي يشهد لهم بالإيمان وقيل معناه يشهد عليكم بالتبليغ لكم قال في الكشاف لما كان الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له جيء بكلمة الاستعلاء ومنه قوله تعالى ) والله على كل شيء شهيد ( ) كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ( انتهى وقالت طائفة معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت وقيل المراد لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا فيما لا يصح إلا بشهادة العدول


"""""" صفحة رقم 151 """"""
وسيأتي من المرفوع ما يبين معنى الآية إن شاء الله وإنما أخر لفظ ( على ) في شهادة الأمة على الناس وقدمها في شهادة الرسول عليهم لأن الغرض كما قال صاحب الكشاف في الأول إثبات شهادتهم على الأمم وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم وقوله ) وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ( قيل المراد بهذه القبلة هي بيت المقدس أي ما جعلناها إلا لنعلم المتبع والمنقلب ويؤيد هذا قوله ) كنت عليها ( إذا كان نزول هذه الآية بعد صرف القبلة إلى الكعبة وقيل المراد الكعبة أي ما جعلنا القبلة التي أنت عليها الآن بعد أن كانت إلى بيت المقدس إلا لذلك الغرض ويكون ( كنت ) بمعنى الحال وقيل المراد بذلك القبلة التي كان عليها قبل استقبال بيت المقدس فإنه كان يستقبل في مكة الكعبة ثم لما هاجر توجه إلى بيت المقدس تألفا لليهود ثم صرف إلى الكعبة وقوله ) إلا لنعلم ( قيل المراد بالعلم هنا الرؤية وقيل المراد إلا لتعلموا أنا نعلم بأن المنافقين كانوا في شك وقيل ليعلم النبي وقيل المراد لنعلم ذلك موجودا حاصلا وهكذا ما ورد معللا بعلم الله سبحانه لا بد أن يؤول بمثل هذا كقوله ) وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ( وقوله ) وإن كانت لكبيرة ( أي ما كانت إلا كبيرة كما قاله الفراء في أن وإن أنهما بمعنى ما وإلا وقال البصريون هي الثقيلة خففت والضمير في كانت راجع إلى ما يدل عليه قوله ) وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ( من التحويلة أو التولية أو الجعلة أو الردة ذكر معنى ذلك الأخفش ولا مانع من أن يرجع الضمير إلى القبلة المذكورة أي وإن كانت القبلة المتصفة بأنك كنت عليها لكبيرة إلا على الذين هداهم الله للإيمان فانشرحت صدورهم لتصديقك وقبلت ما جئت به عقولهم وهذا الاستثناء مفرغ لأن ما قبله في قوة النفي أي أنها لا تخف ولا تسهل إلا على الذين هدى الله وقوله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( قال القرطبي اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس ثم قال فسمى الصلاة إيمانا لاجتماعها على نية وقول وعمل وقيل المراد ثبات المؤمنين على الإيمان عند تحويل القبلة وعدم ارتيابهم كما ارتاب غيرهم والأول يتعين القول به والمصير إليه لما سيأتي من تفسيره ( صلى الله عليه وسلم ) للآية بذلك والرءوف كثير الرأفة وهي أشد من الرحمة قال أبو عمرو بن العلاء الرافة أكبر من الرحمة والمعنى متقارب وقرأ أبو جعفر بن يزيد بن القعقاع ( لروف ) بغير همز وهي لغة بني أسد ومنه قول الوليد بن عتبة وشر الغالبين فلا تكنه
يقاتل عمه الروف الرحيم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أول ما نزل المدينة نزل على أخواله من الأنصار وأنه صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت وأن أول صلاة صلاها العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قبل الكعبة فداروا كما هم قبل البيت وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب فلما ولي وجهه قبل البيت أنكروا ذلك وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال وقتلوا فلم ندر ما يقول فيهم فأنزل الله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ( وله طرق أخر وألفاظ متقاربة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال إن أول ما نسخ في القرآن القبلة وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعد ما تحول إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرفه الله إلى الكعبة وفي الباب أحاديث كثيرة بمضمون ما تقدم وكذلك وردت أحاديث في الوقت الذي نزل فيه استقبال القبلة وفي كيفية استدارة المصلين لما بلغهم


"""""" صفحة رقم 152 """"""
ذلك وقد كانوا في الصلاة فلا نطول بذكرها وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي والترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والإسماعيلي في صحيحه والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( قال عدلا وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت فيقول نعم فيدعي قومه فيقال لهم هل بلغكم فيقولون ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد فيقال لنوح من يشهد لك فيقول محمد وأمته ) فذلك قوله ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( قال والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ وأشهد عليكم وأخرج سعيد بن منصور وأحمد والنسائي وابن ماجة عن أبي سعيد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أن وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق ما من الناس أحد إلا ود أنه منا وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه بلغ رسالة ربه ) وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ( بأن الرسل قد بلغوا ) ويكون الرسول عليكم شهيدا ( بما عملتم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال مروا بجنازة فأثنى عليها خيرا فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( وجبت وجبت وجبت ومروا بجنازة فأثنى عليها شرا فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجبت وجبت وجبت فسأله عمر فقال من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض ) زاد الحكيم الترمذي ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( الآية وفي الباب أحاديث منها عن جابر مرفوعا عند ابن المنذر والحاكم وصححه ومنه عن عمر مرفوعا عند ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي ومنها عن أبي زهير الثقفي مرفوعا عند أحمد وابن ماجة والطبراني والدارقطني في الإفراد والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن ومنها عن أبي هريرة مرفوعا عند ابن جرير وابن أبي حاتم ومنها عن سلمة بن الأكوع مرفوعا عند ابن أبي شيبة وابن جرير والطبراني وأخرج ابن جرير عن عطاء في قوله تعالى ) وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ( قال يعني بيت المقدس ( إلا لنعلم ) قال نبتليهم لنعلم من يسلم لأمره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( إلا لنعلم ) قال لنميز أهل اليقين من أهل الشك ) وإن كانت لكبيرة ( يعني تحويلها على أهل الشرك والريب وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا مرة ها هنا ومرة ها هنا وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال لما وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى القبلة قالوا يا رسول الله فيكف بالذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فأنزل الله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( وقد تقدم حديث البراء وفي الباب أحاديث كثيرة وآثار عن السلف
البقرة 144 147


"""""" صفحة رقم 153 """"""
البقرة : ( 144 ) قد نرى تقلب . . . . .
قوله ) قد نرى تقلب وجهك ( قال القرطبي في تفسيره قال العلماء هذه الآية مقدمة في النزول على قوله ) سيقول السفهاء ( ومعنى ( قد ) تكثير الرؤية كما قاله صاحب الكشاف ومعنى ( تقلب وجهك ) تحول وجهك إلى السماء قاله قطرب ز وقال الزجاج تقلب عينيك في النظر إلى السماء و المعنى متقارب وقوله ( فلنولينك ) هو إما من الولاية أي فلنعطيك ذلك أو من التولي أي فلنجعلك متوليا إلى جهتها وهذا أولى لقوله ) فول وجهك شطر المسجد الحرام ( والمراد بالشطر هنا الناحية والجهة وهو منتصب على الظرفية ومنه قول الشاعر أقول لأم زنباع أقيمي
صدور العيس شطر بني تميم
ومنه أيضا قول الآخر ألا من مبلغ عمرا رسولا
وما تغني الرسالة شطر عمرو
وقد يراد بالشطر النصف ومنه الوضوء شطر الإيمان ومنه قول عنترة إني امرؤ من خير عبس منصبا
شطري وأحمي سائري بالمنصل
قال ذلك لأن أباه من سادات عبس وأمه أمة ويرد بمعنى البعض مطلقا ولا خلاف أن المراد بشطر المسجد هنا الكعبة وقد حكى القرطبي الإجماع على أن استقبال عين الكعبة فرض على المعاين وعلى أن غير المعاين يستقبل الناحية ويستدل على ذلك بما يمكنه الاستدلال به والضمير في قوله ( أنه الحق ) راجع إلى ما يدل عليه الكلام من التحول إلى جهة الكعبة وعلم أهل الكتاب بذلك إما لكونه قد بلغهم عن انبيائهم أو وجدوا في كتب الله المنزلة عليهم أن هذا النبي يستقبل الكعبة أو لكونهم قد علموا من كتبهم أو أنبيائهم أن النسخ سيكون في هذه الشريعة فيكون ذلك موجبا عليهم الدخول في الإسلام ومتابعة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) وما الله بغافل عما يعملون ( قد تقدم معناه وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي تعملون بالمثناة الفوقية على مخاطبة أهل الكتاب أو أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقرأ الباقون بالياء التحتية
البقرة : ( 145 ) ولئن أتيت الذين . . . . .
وقوله ) ولئن أتيت ( هذه اللام هي موطئة للقسم والتقدير والله لئن أتيت وقوله ( ما تبعوا ) جواب القسم المقدر قال الأخفش والفراء أجيب لئن بجواب لو لأن المعنى ولو أتيت ومثله قوله تعالى ) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا ( أي ولو ارسلنا وإنما قالا هكذا لأن لئن هي ضد لو وذلك أن الأولى تطلب في جوابها المضي والوقوع ولئن تطلب في جوابها الاستقبال وقال سيبويه إن معنى لئن يخالف معنى لو فلا تدخل إحداهما على الاخرى فالمعنى ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية لا يتبعون قبلتك قال سيبويه و معنى ) ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ( ليظللن انتهى وفي هذه الآية مبالغة عظيمة وهي متضمنة للتسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وترويح خاطرة لأن هؤلاء لا تؤثر فيهم كل آية ولا يرجعون إلى الحق وإن جاءهم بكل برهان فضلا عن برهان واحد وذلك أنهم لم يتركوا اتباع الحق


"""""" صفحة رقم 154 """"""
لدليل عندهم أو لشبهة طرأت عليهم حتى يوازنوا بين ما عندهم وما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويقلعوا عن غوايتهم عند وضوح الحق بل كان تركهم للحق تمردا وعنادا مع علمهم بأنهم ليسوا على شيء ومن كان هكذا فهو لاينتفع بالبرهان أبدا وقوله ( وما أنت بتابع قبلتهم ) هذا الإحبار ممكن أن يكون بمعنى النهى من الله سبحانه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أي لا تتبع يا محمد قبلتهم ويمكن أن يكون على ظاهره دفعا لأطماع أهل الكتاب وقطعا لما يرجونه من رجوعه ( صلى الله عليه وسلم ) إلى القبلة التي كان عليها وقوله ( وما بعضهم بتابع قبلة بعض ) فيه إخبار بأن اليهود والنصارى مع حرصهم على مبايعة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لما عندهم مختلفون في دينهم حتى في هذا الحكم الخاص الذي قصة الله سبحانه على رسوله فإن بعضهم لا يتابع الآخر في استقبال قبلته قال في الكشاف وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس والنصارى تستقبل مطلع الشمس انتهى وقوله ( ولئن اتبعت أهواءهم ) إلى آخر الآية فيه من التهديد العظيم والزجر البليغ ما تقشعر له الجلود وترجف منه الأفئدة وإذا كان الميل إلى أهوية المخالفين لهذه الشريعة الغراء والملة الشريفة من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الذي هو وسيد ولد آدم يوجب عليه أن يكون وحاشاه من الظالمين فما ظنك بغيره من أمته وقد صان الله هذه الفرقة الإسلامية بعد ثبوت قدم الإسلام وارتفاع مناره عن أن يميلوا إلى شيء من هوى أهل الكتاب ولم تبق إلا دسيسة شيطانية ووسيلة طاغوتية وهي ميل بعض من تحمل حجج الله إلى هوى بعض طوائف المبتدعة لما يرجوه من الحطام العاجل من أيديهم أو الجاه لديهم إن كان لهم في الناس دولة أو كانوا من ذوى الصولة وهذا الميل ليس بدون ذلك الميل بل اتباع أهوية المبتدعة تشبه اتباع أهوية أهل الكتاب كما يشبه الماء الماء والبيضة البيضة والتمرة التمرة وقد تكون مفسدة اتباع أهوية المبتدعة أشد على هذه الملة من مفسدة اتباع أهوية أهل الملل فإن المبتدعة ينتمون إلى الإسلام ويظهرون للناس أنهم ينصرون الدين ويتبعون أحسنه وهم على العكس من ذلك والضد لما هنالك فلا يزالون ينقلون من يميل إلى أهويتهم من بدعة إلى بدعة ويدفعونه من شنعة إلى شنعة حتى يسلخوه من الدين ويخرجوه منه وهو يظن أنه منه في الصميم وأن الصراط الذي هو عليه هو الصراط المستقيم هذا إن كان في عداد المقصرين ومن جملة الجاهلين وإن كان من أهل العلم والفهم المميزين بين الحق والباطل كان في اتباعه لأهويتهم ممن أضله الله على علم وختم على قلبه وصار نقمة على عباد الله ومصيبة صبها الله على المقصرين لأنهم يعتقدون أنه في علمه وفهمه لا يميل إلا إلى الحق ولا يتبع إلا الصواب فيضلون بضلالة فيكون عليه إثمه وإثم من اقتدى به إلى يوم القيامة نسأل الله اللطف والسلامة والهداية
البقرة : ( 146 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
وقوله ) الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ( قيل الضمير لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أي يعرفون نبوته روى ذلك عن مجاهد وقتادة وطائفة من أهل العلم وقيل يعرفون تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة بالطريق التي قدمنا ذكرها وبه قال جماعة من المفسرين ورجح صاحب الكشاف الأول وعندي أن الراجح الآخر كما يدل عليه السياق الذي سيقت له هذه الآيات وقوله ) ليكتمون الحق ( هو عند أهل القول الأول نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وعند أهل القول الثاني استقبال الكعبة
البقرة : ( 147 ) الحق من ربك . . . . .
وقوله ( الحق من ربك ) يحتمل أن يكون المراد به الحق الأول ويحتمل أن يراد به جنس الحق على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ وخبره قوله ( من ربك ) أي الحق هو الذي من ربك لا من غيره وقرأ علي بن أبي طالب الحق بالنصب على أنه بدل من الأول أو منصوب على الإغزاء أي إلزم الحق وقوله ) فلا تكونن من الممترين ( خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 155 """"""
الامتراء الشك نهاه الله سبحانه عن الشك في كونه الحق من ربه أو في كون كتمانهم الحق مع علمهم وعلى الأول هو تعريض للأمة أي لا يكن أحد من أمته من الممترين لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) لا يشك في كون ذلك هو الحق من الله سبحانه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن ماجة عن البراء قال صلينا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرا وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله إلى المدينة بشهرين وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا صلى إلى بيت المقدس أكثر تقليب وجهه في السماء وعلم الله من قلب نبيه أنه يهوى الكعبة فصعد جبريل فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتبعه بصره وهو يصع بين السماء والأرض ينظر ما يأتيه به فأنزل الله ) قد نرى تقلب وجهك في السماء ( الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا جبريل كيف حالنا في صلاتنا إلى بيت المقدس فانزل الله ) وما كان الله ليضيع إيمانكم ( وأخرجه الطبراني من حديث معاذ مختصرا لكنه قال سبعة عشر شهرا وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه عن عبدالله بن عمرو في قوله تعالى ) فلنولينك قبلة ترضاها ( قال قبلة إبراهيم نحو الميزاب وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن البراء في قوله ) فول وجهك شطر المسجد الحرام ( قال قبله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن علي مثله وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال ( شطره ) نحوه واخرج البيهقي عن مجاهد مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية قال ) شطر المسجد الحرام ( تلقاءه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال البيت كله قبلة وقبلة البيت الباب وأخرج البيهقي في سننه عنه مرفوعا قال البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) وإن الذين أوتوا الكتاب ( قال أنزل ذلك في اليهود وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ليعلمون أنه الحق ( قال يعني بذلك القبلة وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية نحوه وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) وما بعضهم بتابع قبلة بعض ( يقول ما اليهود بتابعي قبلة النصارى ولا النصارى بتابعي قبلة اليهود وأخرج عبدالرزاق عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) الذين آتيناهم الكتاب ( قال اليهود والنصارى ) يعرفونه ( قال يعرفون رسول الله في كتابهم ) كما يعرفون أبناءهم ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه في قوله ) يعرفونه ( أي يعرفون أن البيت الحرام هو القبلة وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ( قال يكتمون محمدا وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير عن أبي العالية قال قال الله لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( يقول لا تكونن في شك يا محمد أن الكعبة هي قبلتك وكانت قبلة الأنبياء من قبلك
البقرة 148 152


"""""" صفحة رقم 156 """"""
البقرة : ( 148 ) ولكل وجهة هو . . . . .
قوله ( ولكل ) بحذف المضاف إليه لدلالة التنوين عليه أي لكل أهل دين وجهة والوجهة فعلة من المواجهة وفي معناها الجهة والوجه والمراد القبلة أي أنهم لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم ) ولكل وجهة ( إما بحق وإما بباطل والضمير في قوله ) هو موليها ( راجع إلى لفظ كل والهاء في قوله ) موليها ( هي المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف أي موليها وجهه والمعنى أن لكل صاحب ملة قبلة صاحب القبلة موليها وجهه أو لكل منكم يا أمة محمد قبلة يصلي إليها من شرق أو غرب أو جنوب أو شمال إذا كان الخطاب للمسلمين ويحتمل أن يكون الضمير لله سبحانه وإن لم يجز له ذكر إذ هو معلوم أن الله فاعل ذلك والمعنى أن لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه وحكى الطبري أن قوما قرءوا ( ولكل وجهة ) بالإضافة ونسب هذه القراءة أبو عمرو الداني إلى ابن عباس قال في الكشاف والمعنى وكل وجهة الله موليها فزيدت اللام لتقدم المفعول كقولك لزيد ضرب ولزيد أبوه ضاربه انتهى وقرأ ابن عباس وابن عامر ( مولاها ) على ما لم يسم فاعلة قال الزجاج والضمير على هذه القراءة لواحد أي ولكل واحد من الناس قبلة الواحد مولاها أي مصروف إليها وقوله ) فاستبقوا الخيرات ( أي إلى الخيرات على الحذف والايصال أي بادروا إلى ما أمركم الله من استقبال البيت الحرام كما يفيده السياق وإن كان ظاهره الأمر بالاستباق إلى كل ما يصدق عليه أنه خير كما يفيده العموم المستفاد من تعريف الخيرات والمراد من الاستباق إلا الاستقبال الاستباق إلى الصلاة في أول وقتها ومعنى قوله ) أين ما تكونوا يأت بكم الله ( أي في أي جهة من الجهات المختلفة تكونوا يأت بكم الله للجزاء يوم القيامة أو يجمعكم جميعا ويجعل صلاتكم في الجهات المختلفة كأنها إلى جهة واحدة
البقرة : ( 149 ) ومن حيث خرجت . . . . .
وقوله ) ومن حيث خرجت ( كرر سبحانه هذا لتأكيد الأمر باستقبال الكعبة وللاهتمام به لأن موقع التحويل كان معتنى به في نفوسهم وقيل وجه التكرير أن النسخ من مظان الفتنة ومواطن الشبهة فإذا سمعوه مرة بعد أخرى ثبتوا واندفع ما يختلج في صدورهم وقيل إنه كرر هذا الحكم لتعدد علله فإنه سبحانه ذكر للتحويل ثلاث علل الأولى ابتغاء مرضاته والثانية جرى العادة الإلهية أن يولي كل أهل ملة وصاحب دعوة جهة يستقل بها والثالثة دفع حجج المخالفين فقرن بكل علة معلولها وقيل أراد بالأول ول وجهك شطر الكعبة إذا صليت تلقاءها ثم قال وحيثما كنتم معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها فولوا وجوهكم شطره
البقرة : ( 150 ) ومن حيث خرجت . . . . .
ثم قال ) ومن حيث خرجت ( يعني وجوب الاستقبال في الأسفار فكان هذا أمر بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواطن من نواحي الأرض وقوله ) لئلا يكون للناس عليكم حجة ( قيل لئلا يكون لليهود عليكم حجة إلا للمعاندين منهم القائلين ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه


"""""" صفحة رقم 157 """"""
فعلى هذا المراد بالذين ظلموا المعاندون من أهل الكتاب وقيل هم مشركوا العرب وحجتهم قولهم راجعت قبلتنا وقيل معناه لئلا يكون للناس عليكم حجة لئلا يقولوا لكم قد أمرتم باستقبال الكعبة ولستم ترونها وقال أبو عبيدة إن إلا ها هنا بمعنى الواو أي والذين ظلموا فهو استثناء بمعنى الواو ومنه قول الشاعر ما بالمدينة دار غير واحدة
دار الخليفة إلا دار مروانا
كأنه قال إلا دار الخليفة ودار مروان وأبطل الزجاج هذا القول وقال إنه استثناء منقطع أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون ومعناه إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له كما تقول ما لك علي حجة إلا أن تظلمني أي ما لك علي حجة البتة ولكنك تظلمني وسمى ظلمه حجة لأن المجتج بها سماه حجة وإن كانت داحضة وقال قطرب يجوز أن يكون المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا فالذين بدل من الكاف والميم في عليكم ورجح ان جرير الطبري أن الاستثناء متصل وقال نفى الله أن يكون لأحد حجة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه في استقبالهم الكعبة والمعنى لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة حيث قالوا ما ولاهم وقالوا إن محمدا تحير في دينه وما توجه إلى قبلتنا إلا أنا أهدى منه وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو من يهودي أو منافق قال والحجة بمعنى المحاجة التي هي المخاصمة والمجادلة وسماها تعالى حجة وحكم بفسادها حيث كانت من ظالم ورجح ابن عطية أن الاستثناء منقطع كما قال الزجاج قال القرطبي وهذا على أن يكون المراد بالناس اليهود ثم استثنى كفار العرب كأنه قال لكن الذين ظلموا في قولهم رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا كله وقوله ) فلا تخشوهم ( يريد الناس أي لا تخافوا مطاعنهم فإنها داحضة باطلة لا تضركم وقوله ) ولأتم نعمتي عليكم ( معطوف على ) لئلا يكون ( أي ولأن أتم قاله الأخفش وقيل هو مقطوع عما قبله في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر والتقدير ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي قاله الزجاج وقيل معطوف على علة مقدرة كأنه قيل واخشوني لأوفقكم ولأتم نعمتي عليكم وإتمام النعمة الهداية إلى القبلة وقيل دخول الجنة
البقرة : ( 151 ) كما أرسلنا فيكم . . . . .
وقوله ) كما أرسلنا ( الكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف والمعنى ولأتم نعمتي عليكم إتماما مثل ما أرسلنا قاله الفراء ورجحه ابن عطية وقيل الكاف في موضع نصب على الحال والمعنى ولأتم نعمتي عليكم في هذه الحال والتشبيه واقع على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة وقيل معنى الكلام على التقديم والتأخير أي فاذكروني كما أرسلنا قاله الزجاج
البقرة : ( 152 ) فاذكروني أذكركم واشكروا . . . . .
وقوله ) فاذكروني أذكركم ( أمر وجوابه وفيه معنى المجازاة قال سعيد بن جبير ومعنى الآية اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة حكاه عنه القرطبي في تفسيره وأخرجه عنه عبد بن حميد وابن جرير وقد روى نحوه مرفوعا كما سيأتي وقوله ) واشكروا لي ( قال الفراء شكر لك وشكرت لك والشكر معرفة الإحسان والتحدث به وأصله في اللغة الطهور وقد تقدم الكلام فيه وقوله ) ولا تكفرون ( نهي ولذلك حذفت نون الجماعة وهذه الموجوده في الفعل هي نون المتكلم وحذفت الياء لأنها رأس آية وإثباتها حسن في غير القرآن والكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب وقد تقدم الكلام فيه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولكل وجهة هو موليها ( قال يعني بذلك أهل الأديان يقول لكل قبلة يرضونها وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال في تفسير هذه الآية صلوا إلى بيت المقدس مرة ونحو الكعبة مرة أخرى وأخرج أبو داود في ناسخه عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن


"""""" صفحة رقم 158 """"""
قتادة في قوله ) فاستبقوا الخيرات ( يقول لا تغلبن على قبلتكم وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) فاستبقوا الخيرات ( قال الأعمال الصالحة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) فاستبقوا الخيرات ( يقول فسارعوا في الخيرات ) أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا ( قال يوم القيامة وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة قال لما صرف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نحو الكعبة بعد صلاته إلى بيت المقدس قال المشركون من أهل مكة تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنكم أهدى منه سبيلا ويوشك أن يدخل في دينكم فأنزل الله ) لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) لئلا يكون للناس عليكم حجة ( قال يعني بذلك أهل الكتاب حين صرف نبي الله إلى الكعبة قالوا اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال حجتهم قولهم قد أحب قبلتنا وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ومجاهد في قوله ) إلا الذين ظلموا منهم ( قال الذين ظلموا منهم مشركو قريش أنهم سيحتجون بذلك عليكم واحتجوا على نبي الله بانصرافه إلى البيت الحرام وقالوا سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا فأنزل الله في ذلك كله ) يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) كما أرسلنا فيكم رسولا منكم ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) كما أرسلنا فيكم رسولا منكم ( يقول كما فعلت فاذكروني وأخرج أبو الشيخ والديلمي من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فاذكروني أذكركم ( يقول اذكروني يا معشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتي وأخرج الديلمي وابن عساكر مثله مرفوعا من حديث أبي هند الداري وزاد فمن ذكرني وهو مطيع فحق علي أن أذكره بمغفرتي ومن ذكرني وهو لي عاص فحق علي أن أذكره بمقت وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس يقول الله ذكري لكم خير من ذكركم لي وقد ورد في فضل ذكر الله على الإطلاق وفضل الشكر أحاديث كثيرة
البقرة 153 157
ل
البقرة : ( 153 ) يا أيها الذين . . . . .
ما فرغ سبحانه من إرشاد عباده إلى ذكره وشكره عقب ذلك بإرشادهم إلى الاستعانة بالصبر والصلاة فإن من جمع بين ذكر الله وشكره واستعان بالصبر والصلاة على تأدية ما أمر الله به ودفع ما يرد عليه من المحن فقد هدى إلى الصواب ووفق إلى الخير وإن هذه المعية التي أوضحها الله بقوله ) إن الله مع الصابرين ( فيها أعظم ترغيب لعباده سبحانه إلى لزوم الصبر على ما ينوب من الخطوب فمن كان الله معه لم يخش من الأهوال وإن كانت


"""""" صفحة رقم 159 """"""
كالجبال
البقرة : ( 153 ) يا أيها الذين . . . . .
وأموات وأحياء مرتفعان على أنهما خبران لمحذوفين أي لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله هم أموات بل هم أحياء ولكن لا تشعرون بهذه الحياة عند مشاهدتكم لأبدانهم بعد سلب أرواحهم لأنكم تحكمون عليها بالموت في ظاهر الأمر بحسب ما يبلغ إليه علمكم الذي هو بالنسبة إلى علم الله كما يأخذ الطائر في منقارة من ماء البحر وليسوا كذلك في الواقع بل هم أحياء في البرزخ وفي الآية دليل على ثبوت عذاب القبر ولا اعتداد بخلاف من خالف في ذلك فقد تواترت به الأحاديث الصحيحة ودلت عليه الآيات القرآنية ومثل هذه الآية قوله تعالى ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )
البقرة : ( 155 ) ولنبلونكم بشيء من . . . . .
والبلاء أصله المحنة ومعنى نبلوكم نمتحنكم لنختبركم هل تصبرون على القضاء أم لا وتنكير شيء للتقليل أي بشيء قليل من هذه الأمور وقرأ الضحاك بأشياء والمراد بالخوف ما يحصل لمن يخشى من نزول ضرر به من عدو أو غيره وبالجوع المجاعة التي تحصل عند الجدب والقحط وبنقص الأموال ما يحدث فيها بسبب الحوائج وما أوجبه الله فيها من لزكاة ونحوها وبنقص الأنفس الموت والقتل في الجهاد وبنقص الثمرات ما يصيبها من الآفات وهو من عطف الخاص على العام لشمول الأموال للثمرات وغيرها وقيل المراد بنقص الثمرات موت الأولاد وقوله ( وبشر الصابرين ) أمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يقدر على التبشير وقد تقدم معنى البشارة والصبر أصله الحبس ووصفهم بأنهم المسترجعون عند المصيبة لأن ذلك تسليم ورضا
البقرة : ( 156 ) الذين إذا أصابتهم . . . . .
والمصيبة واحدة المصائب وهي النكبة التي يتأذى بها الإنسان وإن صغرت وقوله ) إنا لله وإنا إليه راجعون ( فيه بيان أن هذه الكلمات ملجأ للمصابين وعصمة للممتحنين فإنها جامعة بين الإقرار بالعبودية لله والاعتراف بالبعث والنشور
البقرة : ( 157 ) أولئك عليهم صلوات . . . . .
ومعنى الصلوات هنا المغفرة والثناء الحسن قاله الزجاج وعلى هذا فذكر الرحمة لقصد التأكيد وقال في الكشاف الصلاة الرحمة والتعطف فوضعت موضع الرأفة وجمع بينها وبين الرحمة كقوله رأفة ورحمة ) لرؤوف رحيم ( والمعنى عليهم رأفة بعد رأفة ورحمة بعد رحمة بعد رحمة انتهى وقيل المراد بالرحمة كشف الكربة وقضاء الحاجة و ) المعتدون ( قد تقدم معناه وإنما وصفوا هنا بذلك لكونهم فعلوا ما فيه الوصول إلى طريق الصواب من الاسترجاع والتسليم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف قال غشى علي عبدالرحمن بن عوف في وجعه غشية ظنوا أنه قد فاضت نفسه فيها حتى قاموا من عنده وجللوه ثوبا وخرجت أم كلثوم بنت عقبة امرأته إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة فلبثوا ساعة وهو في غشيته ثم أفاق وأخرج ابن منده في المعرفة عن ابن عباس قال قتل تميم بن الحمام ببدر وفيه وفي غيره نزلت ) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال ) في سبيل الله ( في طاعة الله في قتال المشركين وقد وردت أحاديث أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تأكل من ثمار الجنة فمنها عن كعب بن مالك مرفوعا عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وروى أن أرواح الشهداء تكون على صور طيور بيض كما أخرجه عبدالرزاق عن قتادة قال بلغنا فذكر ذلك وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا بنحوه وروى أنها على صور طيور خضر كما أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي العالية وأخرجه ابن أبي شيبة في البعث والنشور عن كعب وأخرجه هناد بن السري عن هذيل وأخرجه عنه عبدالرزاق في المصنف عن عبدالله بن كعب بن مالك مرفوعا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عطاء في قوله ) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع (


"""""" صفحة رقم 160 """"""
قال هم أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) ولنبلونكم ( الآية قال أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأمرهم بالصبر وبشرهم فقال ) وبشر الصابرين ( وأخبر أن المؤمن إذا سلم لأمر الله ورجع واسترجع عند المصيبة كتب الله له ثلاث خصال من الخير الصلاة من الله والرحمة وتخفيف سبيل الهدى وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفا صالحا يرضاه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله ) ونقص من الثمرات ( قال يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة فيه إلا تمرة وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم أن يقولوا عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون وقد ورد في فضل الاسترجاع عند المصيبة أحاديث كثيرة
البقرة 158
البقرة : ( 158 ) إن الصفا والمروة . . . . .
( أصل ) الصفا في اللغة الحجر الأملس وهو هنا علم لجبل من جبال مكة معروف وكذلك ( المروة ) علم لجبل بمكة معروف وأصلها في اللغة واحدة المروى وهي الحجارة الصغار التي فيها لين وقيل التي فيها صلابة وقيل تعم الجميع قال أبو ذؤيب حتى كأني للحوادث مروة
بصفا المشقر كل يوم تقرع
وقيل إنها الحجارة البيض البراقة وقيل إنها الحجارة السود والشعائر جمع شعيرة وهي العلامة أي من أعلام مناسكه والمراد بها مواضع العبادة التي أشعرها الله إعلاما للناس من الموقف والسعي والمنحر ومنه إشعار الهدى أي إعلامه بغرز حديدة في سنامه ومه قول الكميت نقتلهم جيلا فجيلا تراهم
شعائر قربان بهم يتقرب
وحج البيت في اللغة قصده ومنه قول الشاعر وأشهد من عوف حئولا كثيرة
يحجون سب الزبرقان المزعفرا
السب العمامة
وفي الشرع الإتيان بمناسك الحج التي شرعها الله سبحانه والعمرة في اللغة الزيارة وفي الشرع الإتيان بالنسك المعروف على الصفة الثابتة والجناح أصله من الجنوح وهو الميل ومنه الجوانح لإعوجاجها وقوله ) يطوف ( أصله يتطوف فأدغم وقريء أن يطوف رفع الجناح يدل على عدم الوجوب وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري
حكم الطواف وسبب نزول الآيات
وحكى الزمخشري في الكشاف عن أبي حنيفة أنه يقول إنه واجب وليس بركن وعلى تاركه دم وقد ذهب إلى عدم الوجوب ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وابن سيرين ومما يقوى دلالة هذه الآية على عدم الوجوب قوله تعالى في آخر الآية ) ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ( وذهب الجمهور إلى أن السعي واجب ونسك من جملة المناسك واستدلوا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن عائشة أن عروة قال لها أرأيت قول الله ) إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما (


"""""" صفحة رقم 161 """"""
فما أرى على أحد جناحا أن لا يطوف بهما فقالت عائشة بئس ما قلت با ابن أختي إنها لو كانت على ما أولتها كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة في الجاهلية فأنزل الله ) إن الصفا والمروة من شعائر الله ( الآية قالت عائشة ثم قد بين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الطواف بهما فليس لأحد أن يدع الطواف بهما وأخرج مسلم وغيره عنها أنها قالت لعمري ما أتم الله حج من لم يسع بين الصفا والمروة ولا عمرته لأن الله قال ) إن الصفا والمروة من شعائر الله ( وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ( إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا ) وأخرج أحمد في مسنده والشافعي وابن سعد وابن المنذر وابن قانع والبيهقي عن حبيبة بنت أبي تجرأة قالت ( رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم يسعى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول اسعوا فإن الله عز وجل كتب عليكم السعي ) وهو في مسند أحمد من طريق شيخه عبدالله بن المؤمل عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة عنها ورواه من طريق أخرى عن عبدالرزاق أخبرنا معمر عن واصل مولى أبي عيينة عن موسى بن عبيدة عن صفية بنت شيبة أن امرأة أخبرتها فذكرته ويؤيد ذلك حديث ( خذوا عني مناسككم ) اه
البقرة 159 163
البقرة : ( 159 ) إن الذين يكتمون . . . . .
قوله ( إن الذين يكتمون ) إلى آخر الآية فيه الإخبار بأن الذي يكتم ذلك ملعون واختلفو من المراد بذلك فقيل أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل كل من كتم الحق وترك بيان ما أوجب الله بيانه وهو الراجح لأن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول فعلى فرض أن سب النزول ما وقع من اليهود والنصارى من الكتم فلا ينافي ذلك تناول هذه الآية كل من كتم الحق وفي هذه الآية من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره فإن من لعنه الله ولعنه كل من يتأتى منه اللعن من عباده قد بلغ من الشقاوة والخسران إلى الغاية التي تلحق ولا يدرك كنهها وفي قوله ) من البينات والهدى ( دليل على أنه يجوز كتم غير ذلك كما قال أبو هريرة ( حفظت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعاءين أما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم ) أخرجه البخارى والضمير في قوله ) من بعد ما بيناه ( راجع إلى ما أنزلنا والكتاب اسم جنس وتعريفه يفيد شموله لجميع الكتب وقيل المراد به التوراة واللعن الإبعاد والطرد والمراد بقوله ) اللاعنون ( الملائكة والمؤمنون قاله الزجاج وغيره ورجحه ابن عطية وقيل كل من يتأتى منه


"""""" صفحة رقم 162 """"""
اللعن فيدخل في ذلك الجن وقيل هم الحشرات والبهائم
البقرة : ( 160 ) إلا الذين تابوا . . . . .
وقوله ) إلا الذين تابوا ( إلخ فيه استثناء التائبين والمصلحين لما فسد من أعمالهم والمبينين للناس ما بينه الله في كتبه وعلى ألسن رسله
البقرة : ( 161 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ( وماتوا وهم كفار ) هذه الجملة حالية وقد استدل بذلك على أنه لا يجوز لعن كافر معين لأن حاله عند الوفاة لا يعلم ولا ينافي ذلك ما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من لعنه لقوم من الكفار بأعيانهم لأنه يعلم بالوحي ما لا نعلم وقيل يجوز لعنه عملا بظاهر الحال كما يجوز قتاله قوله ) أولئك عليهم لعنة الله ( إلخ استدل به على جواز لعن الكفار على العموم قال القرطبي ولا خلاف في ذلك قال وليس لعن الكافر بطريق الزجر له عن الكفر بل هو جزاء على الكفر وإظهار قبح كفره سواء كان الكافر عاقلا أو مجنونا وقال قوم من السلف لا فائدة في لعن من جن أو مات منهم لا بطريق الجزاء ولا بطريق الزجر قال ويدل على هذا القول أن الآية دالة على الإخبار عن الله والملائكة والناس بلعنهم لا على الأمر به قال ابن العربي إن لعن العاصي المعين لا يجوز باتفاق لما روى ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أتى بشارب خمر مرارا فقال بعض من حضر لعنه الله ما أكثر ما يشربه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم ) والحديث في الصحيحين وقوله ( والناس أجمعين ) قيل هذا يوم القيامة وأما في الدنيا ففي الناس المسلم والكافر ومن يعلم بالعاصي ومعصيته ومن لا يعلم فلا يتأتى اللعن له من جميع الناس وقيل في الدنيا والمراد أنه يلعنه غالب الناس أو كل من علم بمعصيته منهم
البقرة : ( 162 ) خالدين فيها لا . . . . .
وقوله ) خالدين فيها ( أي في النار وقيل في اللعنة والإنظار الإمهال وقيل معنى لا ينظرون لا ينظر الله إليهم فهو من النظر وقيل هو من الإنتظار أي لا ينتظرون ليعتذروا وقد تقدم تفسير ) الرحمن الرحيم )
البقرة : ( 163 ) وإلهكم إله واحد . . . . .
وقوله ) وإلهكم إله واحد ( فيه الإرشاد إلى التوحيد وقطع علائق الشرك والإشارة إلى أن أول ما يجب بيانه ويحرم كتمانه هو أمر التوحيد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال سأل معاذ بن جبل أخو بني سلمة وسعد بن معاذ أخو بني الأشهل وخارجه بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج نفرا من أحبار اليهود عن بعض ما في التوراة فكتموهم إياه وأبوا أن يخبروهم فأنزل الله فيهم ) إن الذين يكتمون ما أنزلنا ( الآية وقد روى عن جماعة من السلف أن الآية نزلت في أهل الكتاب لكتمهم نبوة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وآله وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب قال كنا في جنازة مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه فتسمعه كل دابة غير الثقلين فتلعنه كل دابة سمعت صوته فذلك قول الله تعالى ) ويلعنهم اللاعنون ( يعني دواب الأرض وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال الجن والإنس وكل دابة وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد قال إذا أجدبت البهائم دعت على فجار بني آدم وأخرج عنه عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان قال في تفسير الآية إن دواب الأرض والعقارب والخنافس يقولون إنما منعنا القطر بذنوبهم فيلعنونهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج عبد بن حميد عن أبي جعفر قال يلعنهم كل شيء حتى الخنفساء وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن كتم العلم والوعيد لفاعلة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إلا الذين تابوا وأصلحوا ( قال أصلحوا ما بينهم وبين الله وبينوا الذين جاءهم من الله ولم يكتموه ولم يجحدوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) أتوب عليهم ( يعني أتجاوز عنهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن


"""""" صفحة رقم 163 """"""
أبي العالية قال إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة ثم يلعنه الناس أجمعون وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن قتادة قال يعني بالناس أجمعين المؤمنين وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ) خالدين فيها ( يقول خالدين في جهنم في اللعنة وقال في قوله ) ولا هم ينظرون ( يقول لا ينظرون فيعتذرون وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا هم ينظرون ( قال لا يؤخرون وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه عن أسماء بنت يزيد بن السكن عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( اسم الله الأعظم في هاتين الايتين ) وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ( الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وأخرج الديلمي عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ليس شيء أشد على مردة الجن من هؤلاء الآيات التي في سورة البقرة ) وإلهكم إله واحد ( الايتين
البقرة 164
البقرة : ( 164 ) إن في خلق . . . . .
لما ذكر سبحانه التوحيد بقوله ) وإلهكم إله واحد ( عقب ذلك بالدليل الدال عليه وهو هذه الأمور التي هي من أعظم صنعة الصانع الحكيم مع علم كل عاقل بأنه لا يتهيأ من أحد من الآلهة التي أثبتها الكفار أن يأتي بشيء منها أو يقتدر عليه أو على بعضه وهي خلق السموات وخلق الأرض وتعاقب الليل والنهار وجرى الفلك في البحر وإنزال المطر من السماء وإحياء الأرض به وبث الدواب منها بسببه وتصريف الرياح فإن من أمعن نظره وأعمل فكره في واحد منها انبهر له وضاق ذهنه عن تصور حقيقته وتحتم عليه التصديق بأن صانعه هو الله سبحانه وإنما جمع السموات لأنها أجناس مختلفة كل سماء من جنس غير جنس الأخرى ووحد الأرض لأنها كلها من جنس واحد وهو التراب والمراد باختلاف الليل والنهار تعاقبهما بإقبال أحدهما وإدبار الآخر وإضاءة أحدهما وإظلام الآخر والنهار ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس وقال النضر بن شميل أول النهار طلوع الشمس ولا يعد ما قبل ذلك من النهار وكذا قال ثعلب واستشهد بقول أمية بن أبي الصلت والشمس تطلع كل آخر ليلة
حمراء يصبح لونها يتورد
وكذا قال الزجاج وقسم ابن الأنباري الزمان إلى ثلاثة أقسام قسما جعله ليلا محضا وهو من غروب الشمس إلى طلوع الفجر وقسما جعله نهارا محضا وهو من طلوع الشمس إلى غروبها وقسما جعله مشتركا بين النهار والليل وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لبقايا ظلمة الليل ومبادىء ضوء النهار هذا باعتبار مصطلح أهل اللغة وأما في الشرع فالكلام في ذلك معروف والفلك السفن وإفراده وجمعه بلفظ واحد وهو هذا ويذكر ويؤنث قال الله تعالى ) في الفلك المشحون ( ) والفلك التي تجري في البحر ( وقال ) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ( وقيل واحدة فلك بالتحريك مثل أسد وأسد وقوله ) بما ينفع الناس ( يحتمل أن تكون ما موصولة


"""""" صفحة رقم 164 """"""
أي بالذي ينفعهم أو مصدرية أي بنفعهم والمراد بما أنزل من السماء المطر الذي به حياة العالم وإخراج النبات والأرزاق والبث النشر والظاهر أن قوله ) بث ( معطوف على قوله ) فأحيا ( لأنهما أمران متسببان عن إنزال المطر وقال في الكشاف إن الظاهر عطفه على أنزل والمراد بتصريف الرياح إرسالها عقيما وملقحة وصرا ونصرا وهلاكا وحارة وباردة ولينة وعاصفة وقيل تصريفها إرسالها جنوبا وشمالا ودبورا وصبا ونكبا وهي التي تأتي بين مهبي ريحين وقيل تصريفها أن تأتي السفن الكبار بقدر ما تحملها والصغار كذلك ولا مانع من حمل التصريف على جميع ما ذكر والسحاب سمى سحابا لإنسحابه في الهواء وسحبت ذيلي سحبا وتسحب فلان على فلان اجترأ والمسخر المذلل وسخره بعثه من مكان إلى آخر وقيل تسخيره ثبوته بين السماء والأرض من غير عمد ولا علائق والأول أظهر والايات الدلالات على وحدانيته سبحانه لمن ينظر ببصره ويتفكر بعقله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال قالت قريش للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا نتقوى به على عدونا فأوحى الله إليه إني معطيهم فأجعل لهم الصفا ذهبا ولكن إن كفروا بعد ذلك عذبتهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فقال رب دعني وقومي فأدعوهم يوما بيوم فأنزل الله هذه الآية وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير وأخرج وكيع والفريابي وآدم ابن أبي إياس وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي الضحى قال لما نزلت ) وإلهكم إله واحد ( عجب المشركون وقالوا إن محمدا يقول ) وإلهكم إله واحد ( فليأتنا بآية إن كان من الصادقين فأنزل الله ) إن في خلق السماوات والأرض ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء نحوه وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سلمان قال الليل موكل به ملك يقال له شراهيل فإذا حان وقت الليل أخذ خرزة سوداء فدلاها من قبل المغرب فإذا نظرت إليها الشمس وجبت في أسرع من طرفة عين وقد أمرت الشمس أن لا تغرب حتى ترى الخرزة فإذا غربت جاء الليل فلا تزال الخرزة معلقة حتى يجيء ملك آخر يقال له هراهيل بخرزة بيضاء فيعلقها من قبل المطلع فإذا رآها شراهيل مد إليه خرزته وترى الشمس الخرزة البيضاء فتطلع وقد أمرت أن لا تطلع حتى تراها فإذا طلعت جاء النهار وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) والفلك ( قال السفينة واخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال ( بث ) خلق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وتصريف الرياح ( قال إذا شاء جعلها رحمة لواقح للسحاب وبشرا بين يدي رحمته وإذا شاء جعلها عذابا ريحا عقيما لا تلقح وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال كل شيء في القرآن من الرياح فهي رحمة وكل شيء في القرآن من الريح فهي عذاب وقد رود في النهي عن سب الريح وأوصافها أحاديث كثيرة لا تعلق لها بالآية
البقرة 165 167


"""""" صفحة رقم 165 """"""
البقرة : ( 165 ) ومن الناس من . . . . .
لما فرغ سبحانه من الدليل على وحدانيته أخبر أن مع هذا الدليل الظاهر المفيد لعظيم سلطانه وجليل قدرته وتفرده بالخلق وقد وجد في الناس من يتخذ معه سبحانه ندا يعبده من الأصنام وقد تقدم تفسير الأنداد مع أن هؤلاء الكفار لم يقتصروا على مجرد عبادة الأنداد بل أحبوها حبا عظيما وأفرطوا في ذلك إفراطا بالغا حتى صار حبهم لهذه الأوثان ونحوها متمكنا في صدورهم كتمكن حب المؤمنين لله سبحانه فالمصدر في قوله ) كحب الله ( مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف وهو المؤمنون ويجوز أن يكون المراد كحبهم لله أي عبدة الأوثان قاله ابن كيسان والزجاج ويجوز أن يكون هذا المصدر من المبني للمجهول أي كما يحب الله والأول أولى لقوله ) والذين آمنوا أشد حبا لله ( فإنه استدراك لما يفيده التشبيه من التساوي أي أن حب المؤمنين لله أشد من حب الكفار للأنداد لأن المؤمنين يخصون الله سبحانه بالعبادة والدعاء والكفار لا يخصون أصنامهم بذلك بل يشركون الله معهم ويعترفون بأنهم إنما يعبدون أصنامهم ليقربوهم إلى الله ويمكن أن يجعل هذا أعني قوله ) والذين آمنوا أشد حبا لله ( دليلا على الثاني لأن المؤمنين إذا كانوا أشد حبا لله لم يكن حب الكفار للأنداد كحب المؤمنين لله وقيل المراد بالأنداد هنا الرؤساء أي يطيعونهم في معاصي الله ويقوى هذا الضمير في قولهم ) يحبونهم ( فإنه لمن يعقل ويقويه أيضا قوله سبحانه عقب ذلك ) إذ تبرأ الذين اتبعوا ( الآية قوله ? ولو ترى الذين ظلموا ? قراءة أهل مكة والكوفة وأبو عمرو بالياء التحتية وهو اختيار أبي عبيد وقراءة أهل المدينة وأهل الشام بالفوقية والمعنى على القراءة الأولى لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعا قاله أبو عبيد قال النحاس وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير انتهى وعلى هذا فالرؤية هي البصرية لا القلبية وروى عن محمد بن يزيد المبرد أنه قال هذا التفسير الذي جاء به أبو عبيد بعيد وليست عبارته فيه بالجيدة لأنه يقدر ولو يرى الذين ظلموا العذاب فكأنه يجعله مشكوكا فيه وقد أوجبه الله تعالى ولكن التقدير وهو الأحسن ولو يرى الذين ظلموا أن القوة لله ويرى بمعنى يعلم أي لو يعلمون حقيقة قوة الله وشدة عذابه قال وجواب لو محذوف أي لتبينوا ضرر اتخاذهم الآلهة كما حذف في قوله ) ولو ترى إذ وقفوا على النار ( ) ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ( ومن قرأ بالفوقية فالتقدير ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه لعلمت أن القوة لله جميعا وقد كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علم ذلك ولكن خوطب بهذا الخطاب والمراد به أمته وقيل ) إن ( في موضع نصب مفعول لأجله أي لأن القوة لله كما قال الشاعر واغفر عوراء الكريم ادخاره
وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
أي لإدخاره والمعنى ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم للعذاب لأن القوة لله لعلمت مبلغهم من النكال ودخلت ( إذا ) وهي لما مضى في إثبات هذه المستقبلات تقريبا للأمر وتصحيحا لوقوعه وقرأ ابن عامر ( إذ يرون ) بضم الياء والباقون بفتحها وقرأ الحسن ويعقوب وأبو جعفر ( إن القوة وإن الله ) بكسر الهمزة فيهما على الاستئناف وعلى تقدير القول
البقرة : ( 166 ) إذ تبرأ الذين . . . . .
قوله ) إذ تبرأ الذين اتبعوا ( بدل من قوله ) إذ يرون العذاب ( ومعناه


"""""" صفحة رقم 166 """"""
أن السادة والرؤساء تبرءوا ممن اتبعهم على الكفر وقوله ) ورأوا العذاب ( في محل نصب على الحال يعني التابعين والمتبوعين قيل عند المعاينة في الدنيا وقيل عند العرض والمساءلة في الآخرة ويمكن أن يقال فيهما جميعا إذ لا مانع من ذلك قوله ) وتقطعت بهم الأسباب ( هي جمع سبب وأصله في اللغة الحبل الذي يشد به الشيء ويجذب به ثم جعل كل ما جر شيئا سببا والمراد بها الوصل التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا من الرحم وغيره وقيل هي الأعمال
البقرة : ( 167 ) وقال الذين اتبعوا . . . . .
والكرة الرجعة والعودة إلى حال قد كانت ولو هنا في معنى التمني كأنه قيل ليت لنا كرة ولهذا وقعت الفاء في الجواب والمعنى أن الأتباع قالوا لو رددنا إلى الدنيا حتى نعمل صالحا ونتبرأ منهم كما تبرءوا منا والكاف في قوله ) كما تبرؤوا منا ( في محل نصب على النعت لمصدر محذوف وقيل في محل نصب على الحال ولا أراه صحيحا وقوله ) كذلك يريهم الله ( في موضع رفع أي الأمر كذلك أي كما أراهم الله العذاب يريهم أعمالهم وهذه الرؤية إن كانت البصرية فقوله ) حسرات ( منتصب على الحال وإن كانت القلبية فهو المفعول الثالث والمعنى أن أعمالهم الفاسدة يريهم الله إياها فتكون عليهم حسرات أو يريهم الأعمال الصالحة التي أوجبها عليهم فتركوها فيكون ذلك حسرة عليهم وقوله ) وما هم بخارجين من النار ( فيه دليل على خلود الكفار في النار وظاهر هذا التركيب يفيد الاختصاص وجعله الزمخشري للتقوية لغرض له يرجع إلى المذهب والبحث في هذا يطول
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا ( قال مباهاة ومضاررة للحق بالأنداد ) والذين آمنوا أشد حبا لله ( قال من الكفار لالهتهم وأخرج ابن جرير عن أبي زيد في هذه الآية قال هؤلاء المشركون أندادهم آلهتهم التي عبدوا مع الله يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله ) والذين آمنوا أشد حبا لله ( من حبهم لآلهتهم وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال الأنداد من الرجال يطيعونهم كما يطيعون الله إذا أمروهم أطاعوهم وعصوا الله وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة نحو ما قال ابن زيد وأخرج ابن جرير عن الزبيري في قوله ) ولو يرى الذين ظلموا ( قال ولو ترى يا محمد الذين ظلموا أنفسهم فاتخذوا من دوني أندادا يحبونهم كحبكم إياي حين يعاينون عذابي يوم القيامة الذي أعددت لهم لعلمتم أن القوة كلها لي دون الأنداد والآلهة لا تغني عنهم هنالك شيئا ولا تدفع عنهم عذابا أحللت بهم وايقنتهم أني شديد عاذبي لمن كفر بي وادعى معي إلها غيري وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إذ تبرأ الذين اتبعوا ( قال هم الجبابرة والقادة والرءوس في الشرك ) من الذين اتبعوا ( قال هم الشياطين تبرءوا من الإنس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) وتقطعت بهم الأسباب ( قال المودة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال هي المنازل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال هي الأرحام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال هي الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا والمودة وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال هي الأعمال وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع قال هي المنازل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) لو أن لنا كرة ( قال رجعة إلى الدنيا وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) حسرات ( قال صارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) وما هم بخارجين من النار ( قال أولئك أهلها الذين هم أهلها وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت بن معبد قال ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت ) وما هم بخارجين من النار (


"""""" صفحة رقم 167 """"""
البقرة 168 171
البقرة : ( 168 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله ) يا أيها الناس ( قيل إنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني مدلج فيما حرموه على أنفسهم من الأنعام حكاه القرطبي في تفسيره ولكن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقوله ) حلالا ( مفعول أو حال وسمي الحلال حلالا لإنحلال عقدة الحظر عنه والطيب هنا هو المستلذ كما قاله الشافعي وغيره وقال مالك وغيره هو الحلال فيكون تأكيدا لقوله ) حلالا ( ومن في قوله ) مما في الأرض ( للتبعيض للقطع بأن في الأرض ما هو حرام ( وخطوات ) جمع خطوة بالفتح والضم وهي بالفتح للمرة وبالضم لما بين القدمين وقرأ القراء خطؤات بفتح الخاء وقرأ أبو سماك بفتح الخاء والطاء وقرأ علي وقتادة والأعرج وعمرو بن ميمون والأعمش ( خطؤات ) بضم الخاء والطاء والهمز على الواو قال الأخفش وذهبوا بهذه القراءة ألى أنها جمع خطية من الخطأ لا من الخطو قال الجوهري والخطوة بالفتح المرة الواحدة والجمع خطوات وخطا انتهى والمعنى على قراءة الجمهور لا تقفوا أثر الشيطان وعمله وكل ما لم يرد به الشرع فهو منسوب إلى الشيطان وقيل هي النذور والمعاصي والأولى التعميم وعدم التخصيص بفرد أو نوع وقوله ) إنه لكم عدو مبين ( أي ظاهر العداوة ومثله قوله تعالى ) إنه عدو مضل مبين ( وقوله ) إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا )
البقرة : ( 169 ) إنما يأمركم بالسوء . . . . .
وقوله ) بالسوء ( سمي السوء سوءا لأنه يسوء صاحبه بسوء عاقبته وهو مصدر ساءه يسوؤه سوءا ومساءة إذا أحزنه ) والفحشاء ( أصله سوء المنظر ومنه قول الشاعر وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش
ثم استعمل فيما يقبح من المعاني وقيل السوء القبيح والفحشاء التجاوز للحد في القبح وقيل السوء ما لا حد فيه والفحشاء ما فيه الحد وقيل الفحشاء الزنا وقيل إن كل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء وقوله ) وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( قال ابن جرير الطبري يريد ما حرموه من البحيرة والسائبة ونحوهما مما جعلوه شرعا وقيل هو قولهم هذا حلال وهذا حرام بغير علم والظاهر أنه يصدق على كل ما قيل في الشرع بغير علم وفي هذه الآية دليل على أن كل ما لم يرد فيه نص أو ظاهر من الأعيان الموجودة في الأرض فأصله الحل حتى يرد دليل يقتضي تحريمه وأوضح دلالة على ذلك من هذه الآية قوله تعالى ) هو الذي خلق لكم ما في الأرض )
البقرة : ( 170 ) وإذا قيل لهم . . . . .
والضمير في قوله ) وإذا قيل لهم ( راجع إلى الناس لأن الكفار منهم وهم المقصودون هنا وقيل كفر العرب خاصة و ) ألفينا ( معناه وجدنا والألف في قوله ) أولو كان آباؤهم ( للإستفهام وفتحت الواو لأنها واو العطف وفي هذه الآية من الذم للمقلدين والنداء بجهلهم الفاحش واعتقادهم الفاسد ما لا يقادر قدره ومثل هذه الآية قوله تعالى ) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ( الآية وفي ذلك دليل على قبح التقليد والمنع منه والبحث في ذلك يطول وقد أفردته بمؤلف مستقل سميته القول المفيد في حكم التقليد واستوفيت


"""""" صفحة رقم 168 """"""
الكلام فيه في أدب الطلب ومنتهى الأرب
البقرة : ( 171 ) ومثل الذين كفروا . . . . .
وقوله ) ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ( فيه تشبيه واعظ الكافرين وداعيهم وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالراعي الذي ينعق بالغنم أو الإبل فلا يسمع إلا دعاء وندء ولا يفهم ما يقول هذا فسره الزجاج والفراء وسيبويه وبه قال جماعة من السلف قال سيبويه لم يشبهوا بالناعق إنما شبهوا بالمنعوق به والمعنى مثلك يا محمد ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به من البهائم التي لا تفهم فحذف لدلالة المعنى عليه وقال قطرب المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم ما لا يفهم يعني الأصنام كمثل الراعي إذا نعق بغنمه وهو لا يدري أين هي وبه قال ابن جرير الطبري وقال ابن زيد المعنى مثل الذين كفروا في دعائهم الآلهة الجماد كمثل الصائح في جوف الليل فيجيبه الصدى فهو يصيح بما لا يسمع ويجيبه ما لا حقيقة فيه والنعيق زجر الغنم والصياح بها يقال نعق الراعي بغنمه ينعق نعيقا ونعاقا ونعقانا أي صاح بها وزجرها والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ويقولون أجهل من راعي ضأن وقوله ( صم ) وما بعده أخبار لمبتدإ محذوف أي هم صم بكم عمى وقد تقدم تفسير ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال ( تليت هذه الآية عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يعني ) يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ( فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه فما يتقبل منه أربعين يوما وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولا تتبعوا خطوات الشيطان ( قال عمله وأخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال ( ما خالف القرآن فهو من خطوات الشيطان ) وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال خطاه
وأخرجا أيضا عن عكرمة قال هي نزغات الشيطان وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال هي تزيين الشيطان وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال كل معصية لله فهي من خطوات الشيطان وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال ما كان من يمين أو نذر في غضب فهو من خطوات الشيطان وكفارته كفارة يمين وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه أتى بضرع وملح فجعل يأكل فاعتزل رجل من القوم فقال ابن مسعود ناولوا صاحبكم فقال لا أريد فقال أصائم أنت قال لا قال فما شأنك قال حرمت على نفسى أن آكل ضرعا فقال ابن مسعود هذا من خطوات الشيطان فأطعم وكفر عن يمينك وأخرج عبد بن حميد عن عثمان بن غياث قال سألت جابر بن زيد عن رجل نذر أن يجعل في أنفه حلقة من ذهب فقال هي من خطوات الشيطان ولا يزال عاصيا لله فليكفر عن يمينه وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه جعل يمين من حلف أن يحج حبوا من خطوات الشيطان وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال هي النذور في المعاصي وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) إنما يأمركم بالسوء ( قال المعصية ) والفحشاء ( قال الزنا وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اليهود إلى الإسلام ورغبهم فيه وحذرهم عذاب الله ونقمته فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا هم كانوا أعلم وخيرا منا فأنزل الله في ذلك ) وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ( وأخرج ابن جرير عن الربيع وقتادة في قوله ) ألفينا ( قالا وجدنا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن


"""""" صفحة رقم 169 """"""
عباس في قوله ) ومثل الذين كفروا ( الآية قال كمثل البقر والحمار والشاة إن قلت لبعضهم كلاما لم يعلم ما تقول غير أنه يسمع صوتك وكذلك الكافر إن أمرته بخير أو نهيته عن شر أو وعظته لم يعقل ما تقول غير أنه يسمع صوتك وروى نحو ذلك عن مجاهد أخرجه عبد بن حميد وعن عكرمة أخرجه وكيع واخرج ابن جرير عن ابن جريج قال قال لي عطاء في هذه الآية هم اليهود الذين أنزل الله فيهم ) إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ( إلى قوله ) فما أصبرهم على النار (
البقرة 172 173
البقرة : ( 172 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ( هذا تأكيد للأمر الأول أعني قوله ) يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ( وإنما خص المؤمنين هنا لكونهم أفضل أنواع الناس قيل والمراد بالأكل الانتفاع وقيل المراد به الأكل المعتاد وهو الظاهر قوله ) واشكروا لله ( قد تقدم أنه يقال شكره وشكر له يتعدى بنفسه وبالحرف وقوله ) إن كنتم إياه تعبدون ( أي تخصونه بالعبادة كما يفيده تقدم المفعول
البقرة : ( 173 ) إنما حرم عليكم . . . . .
قوله ) إنما حرم عليكم الميتة ( قرأ أبو جعفر ( حرم ) على البناء للمفعول و ( إنما ) كلمة موضوعة للحصر تثبت ما تناوله الخطاب وتنفي ما عداه وقد حصرت ها هنا التحريم في الأمور المذكورة بعدها قوله ) الميتة ( قرأ ابن أبي عبلة بالرفع ووجه ذلك أنه يجعل ( ما ) في ( إنما ) موصولة منفصلة في الخط والميتة وما بعدها خبر الموصول وقراءة الجميع بالنصب وقرأ أبو جعفر بن القعقاع الميتة بتشديد الياء وقد ذكر أهل اللغة أنه يجوز في ميت التخفيف والتشديد والميتة ما فارقها الروح من غير ذكاة وقد خصص هذا العموم بمثل حديث ( أحل لنا ميتتان ودمان ) أخرجه أحمد وابن ماجة والدارقطني والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا ومثل حديث جابر في العنبر الثابت في الصحيحين مع قوله تعالى ) أحل لكم صيد البحر ( فالمراد بالميتة هنا ميتة البر لا ميتة البر وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أكل جميع حيوانات البحر حيها وميتها وقال بعض أهل العلم إنه يحرم من حيوانات البحر ما يحرم شبهه في البر وتوقف ابن حبيب في خنزير الماء وقال ابن القاسم وأنا أتقيه ولا أراه حراما قوله ( والدم ) قد اتفق العلماء على أن الدم حرام وفي الآية الأخرى ) أو دما مسفوحا ( فيحمل المطلق على المقيد لأن ما خلط باللحم غير محرم قال القرطبي بالإجماع وقد روت عائشة أنها كانت تطبخ اللحم فتعلو الصفرة على البرمة من الدم فيأكل ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا ينكره قوله ( ولحم الخنزير ) ظاهر هذه الآية والآية الأخرى أعني قوله تعالى ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ( أن المحرم إنما هو اللحم فقط وقد أجمعت الأمة على تحريم شحمه كما حكاه القرطبي في تفسيره وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن اللحم يدخل تحته الشحم وحكى القرطبي الإجماع أيضا على أن جملة الخنزير محرمة إلا الشعر فإنه تجوز الخرازة به قوله ) وما أهل به لغير الله ( الإهلال رفع الصوت يقال أهل بكذا أي رفع صوته قال الشاعر يصف فلاة


"""""" صفحة رقم 170 """"""
تهل بالفرقد ركبانها
كما يهل الراكب المعتمر
وقال النابغة أو درة صدفية غواصها
بهج متى يرها يهل ويسجد
ومنه إهلال الصبي واستهلاله وهو صياحه عند ولادته والمراد هنا ما ذكر عليه اسم غير الله كاللات والعزى إذا كان الذابح وثنيا والنار إذا كان الذابح مجوسيا ولا خلاف في تحريم هذا وأمثاله ومثله ما يقع من المعتقدين للأموات من الذبح على قبورهم فإنه مما أهل به لغير الله ولا فرق بينه وبين الذبح للوثن قوله ) فمن اضطر ( قريء بضم النون للإتباع وبكسرها على الأصل في التقاء الساكنين وفيه إضمار أي فمن اضطر إلى شيء من هذه المحرمات وقرأ ابن محيصن بإدغام الضاد في الطاء وقرأ أبو السماك بكسر الطاء والمراد من صيره الجوع والعدم إلى الإضطرار إلى الميتة قوله ) غير باغ ( نصب على الحال قيل المراد بالباغي من يأكل فوق حاجته والعادي من يأكل هذه المحرمات وهو يجد عنها مندوحة وقيل غير باغ على المسلمين وعاد عليهم فيدخل في الباغي والعادي قطاع الطريق والخارج على السلطان وقاطع الرحم ونحوهم وقيل المراد غير باغ على مضطر آخر ولا عاد سدا لجوعة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ( قال من الحلال وأخرج ابن سعد عن عمر بن عبدالعزيز أن المراد بما في الآية طيب الكسب لا طيب الطعام وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنها حلال الرزق وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال ) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ( وقال ) يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ( ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ) وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وما أهل ( قال ذبح وأخرج ابن جرير عنه قال ) وما أهل به ( للطواغيت وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال ما ذبح لغير الله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال ما ذكر عليه اسم غير الله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) غير باغ ولا عاد ( يقول من أكل شيئا من هذه وهو مضطر فلا حرج ومن أكله وهو غير مضطر فقد بغى واعتدى وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) غير باغ ( قال في الميتة ) ولا عاد ( قال في الأكل وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) غير باغ ولا عاد ( قال غير باغ على المسلمين ولا معتد عليهم فمن خرج يقطع الرحم أو يقطع السبيل أو يفسد في الأرض أو مفارقا للجماعة والأئمة أو خرج في معصية الله فاضطر إلى الميتة لم تحل له وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال العادي الذي يقطع الطريق وقوله ) فلا إثم عليه ( يعني في أكله ) إن الله غفور رحيم ( لمن أكل من الحرام رحيم به إذ أحل له الحرام في الاضطرار وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ) فمن اضطر غير باغ ولا عاد ( غير باغ في أكله ولا عاد يتعدى الحلال إلى الحرام وهو يجد عنه بلغة ومندوحة
البقرة 174 176


"""""" صفحة رقم 171 """"""
البقرة : ( 174 ) إن الذين يكتمون . . . . .
قوله ) إن الذين يكتمون ( قيل المراد بهذه الآية علماء اليهود لأنهم كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والاشتراء هنا الاستبدال وقد تقدم تحقيقه وسماه قليلا لانقطاع مدته وسوء عاقبته وهذا السبب وإن كان خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ وهو يشمل كل من كتم ما شرعه الله وأخذ عليه الرشا وذكر البطون دلالة وتأكيدا أن هذا الأكل حقيقة إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضى ونحوه وقال في الكشاف إن معنى ) في بطونهم ( ملء بطونهم قال يقول أكل فلان في بطنه واكل في بعض بطنه انتهى وقوله ) إلا النار ( أي أنه يوجب عليهم عذاب النار فسمى ما أكلوه نارا لأنه يؤول بهم اليها هكذا قال أكثر المفسرين وقيل إنهم يعاقبون على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة ومثله قوله سبحانه ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ( وقوله ) ولا يكلمهم الله ( فيه كناية عن حلول غضب الله عليهم وعدم الرضا عنهم قال فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه وقال ابن جرير الطبري المعنى ولا يكلمهم بما يحبونه لا بما يكرهونه كقوله تعالى ) اخسؤوا فيها ولا تكلمون ( وقوله ) ولا يزكيهم ( معناه لا يثني عليهم خيرا قاله الزجاج وقيل معناه لا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم
البقرة : ( 175 ) أولئك الذين اشتروا . . . . .
وقوله ) اشتروا الضلالة بالهدى ( قد تقدم تحقيق معناه وقوله ) فما أصبرهم على النار ( ذهب جمهور ومنهم الحسن ومجاهد إلى أن معناه التعجب والمراد تعجيب المخلوقين من حال هؤلاء الذين باشروا الأسباب الموجبة لعذاب النار فكأنهم بهذه المباشرة للأسباب صبروا على العقوبة في نار جهنم وحكى الزجاج أن المعنى ما أبقاهم على النار من قولهم ما أصبر فلانا على الحبس أي ما أبقاه فيه وقيل المعنى ما أقل جزعهم من النار فجعل قلة الجزع صبرا وقال الكسائي وقطرب أي ما أدومهم على عمل أهل النار وقيل ( ما ) استفهامية ومعناه التوبيخ أي أي شيء أصبرهم على عمل النار قاله ابن عباس والسدي وعطاء وأبو عبيدة
البقرة : ( 176 ) ذلك بأن الله . . . . .
) ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ( الإشارة باسم الإشارة إلى الأمر أي ذلك الأمر وهو العذاب قاله الزجاج وقال الأخفش إن خبر اسم الإشارة محذوف والتقدير ذلك معلوم والمراد بالكتاب هنا القرآن ( بالحق ) أي بالصدق وقيل بالحجة وقوله ) وإن الذين اختلفوا في الكتاب ( قيل المراد بالكاب هنا التوراة فادعى النصارى أن فيها صفة عيسى وأنكرهم اليهود وقيل خالفوا ما في التوراة من صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) واختلفوا فيها وقيل المراد القرآن والذين اختلفوا كفار قريش يقول بعضهم هو سحر وبعضهم يقول هو اساطير الأولين وبعضهم يقول غير ذلك ) لفي شقاق ( أي خلاف ) بعيد ( عن الحق وقد تقدم معنى الشقاق
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ) إن الذين يكتمون ما أنزل الله ( قال نزلت في اليهود وأخرج ابن جرير عن السدي قال كتموا اسم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذوا عليه طمعا قليلا وأخرج ابن جرير أيضا عن أبي العالية نحوه وأخرج الثعلبي عن ابن عباس بسندين ضعيفين أنها نزلت في اليهود وأخرج


"""""" صفحة رقم 172 """"""
ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ( قال اختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة ) فما أصبرهم على النار ( قال ما أجرأهم على عمل النار وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) فما أصبرهم على النار ( قال ما أعملهم بأعمال أهل النار وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر في قوله ) فما أصبرهم على النار ( قال والله ما لهم عليها من صبر ولكن يقول ما أجرأهم على النار وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير أيضا عن السدي في الآية قال هذا على وجه الاستفهام يقول ما الذي أصبرهم على النار وقوله ) وإن الذين اختلفوا في الكتاب ( قال هم اليهود والنصارى ) لفي شقاق بعيد ( قال في عداوة بعيدة
البقرة 177
البقرة : ( 177 ) ليس البر أن . . . . .
قوله ) ليس البر ( قرأ حمزة وحفص بالنصب على أنه خبر ليس والاسم ) أن تولوا ( وقرأ الباقون بالرفع على أنه الإسم قيل إن هذه الآية نزلت للرد على اليهود والنصارى لما أكثروا الكلام في شأن القبلة عند تحويل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الكعبة وقيل إن سبب نزولها أنه سأل رسول الله سائل وسيأتي ذلك آخر البحث إن شاء الله وقوله ) قبل المشرق والمغرب ( قيل أشار سبحانه بذكر المشرق إلى قبلة النصارى لأنهم يستقبلون مطلع الشمس وأشار بذكر المغرب إلى قبلة اليهود لأنهم يستقبلون بيت المقدس وهو في جهة الغرب منهم إذ ذاك وقوله ) ولكن البر ( هو اسم جامع للخير وخبره محذوف تقديره بر من آمن قاله الفراء وقطرب والزجاج وقيل إن التقدير ولكن ذو البر من آمن ووجه هذا التقدير الفرار عن الإخبار باسم العين عن اسم المعنى ويجوز أن يكون البر بمعنى البار وهو يطلق المصدر على اسم الفاعل كثيرا ومنه في التنزيل ) إن أصبح ماؤكم غورا ( أي غائرا وهذا اختيار أبي عبيدة والمراد بالكتاب هنا الجنس أو القرآن والضمير في قوله ) على حبه ( راجع إلى المال وقيل راجع إلى الإيتاء المدلول عليه بقوله ) وآتى المال ( وقيل إنه راجع إلى الله سبحانه أي على حب الله والمعنى على الاول أنه أعطى المال وهو يحبه ويشح به ومنه قوله تعالى ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( والمعنى على الثاني أنه يحب إيتاء المال وتطيب به نفسه والمعنى على الثالث أنه أعطى من تضمنته الآية في حب الله عز وجل لا لغرض آخر وهو مثل قوله ) ويطعمون الطعام على حبه ( ومثله قوله زهير إن الكريم على علاته هرم
وقدم ذوي القربى لكون دفع المال إليهم صدقة وصلة إذا كانوا فقراء هكذا اليتامى الفقراء أولى بالصدقة من الفقراء الذين ليسوا بيتامى لعدم قدرتهم على الكسب والمسكين الساكن إلي ما في أيدي الناس لكونه لا يجد شيئا ) وابن السبيل ( المسافر المنقطع وجعل ابنا للسبيل لملازمته له وقوله


"""""" صفحة رقم 173 """"""
( وفي الرقاب ) أي في معاونة الأرقاء الذين كاتبهم المالكون لهم وقيل المراد شراء الرقاب وإعتاقها وقيل المراد فك الأسارى وقوله ) وآتى الزكاة ( فيه دليل على أن الإيتاء المتقدم هو صدقة التطوع لا صدقة الفريضة وقوله ) والموفون ( قيل هو معطوف على ( من آمن ) كأنه قيل ولكن البر المؤمنون والموفون قاله الفراء والأخفش وقيل هو مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وقيل هو خبر لمبتدإ محذوف أي هم الموفون وقيل إنه معطوف على الضمير في آمن وأنكره أبو علي وقال ليس المعنى عليه وقوله ) والصابرين ( منصوب على المدح كقوله تعالى ) والمقيمين الصلاة ( ومنه ما أنشده أبو عبيدة لا يبعدن قومي الذين هم
سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معركة
والطيبين معاقد الأزر
وقال الكسائي هو معطوف على ذوي القربى كأنه قال وآتى الصابرين وقال النحاس إنه خطأ قال الكسائي وفي قراءة عبدالله ? والموفين والصابرين ? قال النحاس يكونان على هذه القراءة منسوقين على ذوي القربى أو على المدح وقرأ يعقوب والأعمش ? والموفون والصابرون ? بالرفع فيهما ( والبأساء ) الشدة والفقر ( والضراء ) المرض والزمانة ( وحين البأس ) قيل الراد وقت الحرب والبأساء والضراء اسمان بنيا على فعلاء ولا فعل لهما لأنهما اسمان وليسا بنعت وقوله ( صدقوا ) وصفهم بالصدق والتقوى في أمورهم والوفاء بها وأنهم كانوا جادين وقيل المراد صدقوهم القتال والأول أولى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الإيمان فتلا ) ليس البر أن تولوا وجوهكم ( حتى فرغ منها ثم سأله أيضا فتلاها ثم سأله فتلاها قال وإذا عملت بحسنة أحبها قلبك وإذا عملت بسيئة أبغضها قلبك وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن القاسم بن عبدالرحمن قال جاء رجل إلى أبي ذر فقال ما الإيمان فتلا عليه هذه الآية ثم ذكر له نحو الحديث السابق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال يقول ليس البر أن تصلوا ولا تعلموا هذا حين تحول من مكة إلى المدينة وأنزلت الفرائض واخرج عنه ابن جرير أنه قال هذه الآية نزلت بالمدينة يقول ليس البر أن تصلوا ولكن البر ما ثبت في القلب من طاعة الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلا سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن البر فأنزل الله ) ليس البر ( الآية وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة قال كانت اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق فنزلت ( ليس البر ) الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية مثله وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود في قوله ) وآتى المال على حبه ( قال يعطي وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخاف الفقر وأخرج عنه مرفوعا مثله وأخرج البيهقي في الشعب عن المطلب ( أنه قيل يا رسول ما آتى امال على حبه فكلنا نحبه قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تؤتيه حين تؤتيه ونفسك تحدثك بطول العمر والفقر ) وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وآتى المال على حبه ( يعني على حب المال وأخرج عنه أيضا في قوله ) ذوي القربى ( يعني قرابته وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة ) أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والحاكم والبيهقي في سننه


"""""" صفحة رقم 174 """"""
من حديث سلمان بن عامر الضبي وفي الصحيحين وغيرهما من حديث زينب إمرأة ابن مسعود ( أنها سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل تجزي عنها من الصدقة النفقة على زوجها وأيتام في حجرها فقال لك أجران أجر الصدقة وأجر القرابة ) وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من حديث أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح ) وأخرج أحمد والدارمي والطبراني من حديث حكيم بن حزام عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال هو الذي يمر بك وهو مسافر وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ( والسائلين ) قال السائل الذي يسألك وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ( وفي الرقاب ) قال يعني فك الرقاب وأخرج أيضا عنه قوله ) وأقام الصلاة ( يعني وأتم الصلاة المكتوبة ) وآتى الزكاة ( يعني الزكاة المفروضة وأخرج الترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والدارقطني وابن مردويه عن فاطمة بنت قيس قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( في المال حق سوى الزكاة ثم قرأ ( ليس البر أن تولوا وجوهكم ) الآية ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قول ( والموفون بعهدهم ) قال فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فالله ينتقم منه ومن أعطى ذمة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم غدر بها فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خصمه واخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ( يعني فيما بينهم وبين الناس وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود في الآية قال ( البأساء ) الفقر ( والضراءة ) السقم ( وحين البأس ) حين القتال وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) أولئك الذين صدقوا ( قال فعلوا ما ذكر الله في هذه الآية وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله ) أولئك الذين صدقوا ( قال تكلموا بكلام الإيمان فكانت حقيقة العمل صدقوا الله قال وكان الحسن يقول هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء
البقرة 178 179
البقرة : ( 178 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ( كتب ) معناه فرض وأثبت ومنه قوله عمر بن أبي ربيعة كتب القتل والقتال علينا
وعلى الغانيات جر الذيول
وهذا إخبار من الله سبحانه لعباده بأنه شرع لهم ذلك وقيل إن ( كتب ) هنا إشارة إلى ما جرى به القلم في اللوح المحفوظ و ( القصاص ) أصله قص الأثر أي أتباعه ومنه القاص لأنه يتتبع الآثار وقص الشعر اتباع أثره فكأن القاتل يسلك طريقا من القتل يقص أثره فيها ومنه قوله تعالى ) فارتدا على آثارهما قصصا ( قيل إن


"""""" صفحة رقم 175 """"""
القصاص مأخوذ من القص وهو القطع يقال قصصت ما بينهما أي قطعته وقد استدل بهذه الآية القائلون بأن الحر لا يقتل بالعبد وهم الجمهور وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن أبي ليلى وداود إلى أنه يقتل به قال القرطبي وروى ذلك عن علي وابن مسعود وبه قال سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وقتادة والحكم بن عتيبة واستدلوا بقوله تعالى ) وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ( وأجاب الأولون عن هذا الاستدلال بأن قوله تعالى ) الحر بالحر والعبد بالعبد ( مفسر لقوله تعالى ) النفس بالنفس ( وقالوا أيضا إن قوله ) وكتبنا عليهم فيها ( يفيد أن ذلك حكاية عما شرعه الله لبني إسرائيل في التوراة ومن جملة ما استدل به الاخرون قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ) ويجاب عنه بأنه مجمل والآية مبينة ولكنه يقال إن قوله تعالى ) الحر بالحر والعبد بالعبد ( إنما أفاد بمنطوقه أن الحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد وليس فيه ما يدل على أن الحر لا يقتل بالعبد إلا باعتبار المفهوم فمن أخذ بمثل هذا المفهوم لزمه القول به هنا ومن لم يأخذ بمثل هذا المفهوم لم يلزمه القول به هنا والبحث في هذا محرر في علم الأصول وقد استدل بهذه الآية القائلون بأن المسلم يقتل بالكافر وهم الكوفيون والثوري لأن الحر يتناول الكافر كما يتناول المسلم وكذا العبد والأنثى يتناولان الكافر كما يتناولان المسلم واستدلوا أيضا بقوله تعالى إن النفس بالنفس لأن النفس تصدق على النفس الكافرة كما تصدق على النفس المسلمة وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل المسلم بالكافر واستدلوا بما ورد من السنة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه لا يقتل مسلم بكافر وهو مبين لما يراد في الآيتين والبحث في هذا يطول واستدل بهذه الآية القائلون بأن الذكر لا يقتل بالأنثى وقرروا الدلالة على ذلك بمثل ما سبق إلا إذا سلم أولياء المرأة الزيادة على ديتها من دية الرجل وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبو ثور وذهب الجمهور إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا زيادة وهو الحق وقد بسطنا البحث في شرح المنتقى فليرجع إليه قوله ) فمن عفي له من أخيه شيء ( من هنا عبارة عن القائل والمراد بالأخ المقتول أو الولي والشيء عبارة عن الدم والمعنى أن القاتل أو الجاني إذا عفي له من جهة المجني عليه أو الولي دم أصابه منه على أن يأخذ منه شيئا من الدية أو الأرش فليتبع المجني عليه الولي من عليه الدم فيما يأخذه منه من ذلك اتباعا بالمعروف وليؤد الجاني ما لزمه من الدية أو الأرش إلى المجني عليه أو إلى الولي أداء بإحسان وقيل إن ( من ) عبارة عن الولي والأخ يراد به القاتل والشيء الدية والمعنى أن الولي إذا جنح إلى العفو عن القصاص إلى مقابل الدية فإن القاتل مخير بين أن يعطيها أو يسلم نفسه للقصاص كما روى عن مالك أنه يثبت الخيار للقاتل في ذلك وذهب من عداه إلى أنه لا يخير بل إذا رضى الأولياء بالدية فلا خيار للقاتل بل يلزمه تسليمها قيل معنى ( عفي ) بذل أي من بذل له شيء من الدية فليقبل وليتبع بالمعروف وقيل إن المراد بذلك أن من فضل له من الطائفتين على الأخرى شيء من الديات فيكون عفي بمعنى فضل وعلى جميع التقادير فتنكير شيء للتقليل فيتناول العفو عن الشيء اليسير من الدية والعفو الصادر عن فرد من أفراد الورثة وقوله ) فاتباع ( مرتفع بفعل محذوف أي فليكن منه اتباع أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فالأمر اتباع وكذا قوله ) وأداء إليه بإحسان ( وقوله ) ذلك تخفيف ( إشارة إلى العفو والدية أي أن الله شرع لهذه الأمة العفو من غير عوض أو بعوض ولم يضيق عليهم كما ضيق على اليهود فإنه أوجب عليهم القصاص ولا عفو وكما ضيق على النصارى فإنه أوجب عليهم العفو ولا دية قوله ) فمن اعتدى بعد ذلك ( أي بعد التخفيف نحو أن يأخذ الدية ثم يقتل القاتل أو يعفو ثم يستقص وقد اختلف أهل العلم فيمن قتل القاتل بعد


"""""" صفحة رقم 176 """"""
أخذ الدية فقال جماعة منهم مالك والشافعي إنه كمن قتل ابتداء إن شاء الولي قتله وإن شاء عفا عنه وقال قتادة وعكرمة والسدي وغيرهم عذابه أن يقتل ألبتة ولا يمكن الحاكم الولي من العفو وقال الحسن عذابه أن يرد الدية فقط ويبق أثمه إلى عذاب الآخرة وقال عمر بن عبدالعزيز أمره إلى الإمام يصنع فيه ا رأى
البقرة : ( 179 ) ولكم في القصاص . . . . .
قوله ) ولكم في القصاص حياة ( أي لكم في هذا الحكم الذي شرعه الله لكم حياة لأن الرجل إذا علم أنه يقتل قصاصا إذا قتل آخرا كف عن القتل وانزجر عن التسرع إليه والوقوع فيه فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الانسانية وهذا نوع من البلاغة بليغ وجنس من الفصاحة رفيع فإنه جعل القصاص الذي هو موت حياة باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضا إبقاء على أنفسهم واستدامة لحياتهم وجعل هذا الخطاب موجها إلى أولي الألباب لأنهم هم الذين ينظرون في العواقب ويتحامون ما فيه الضرر الآجل وأما من كان مصابا بالحمق والطيش والخفة فإنه لا ينظر عند سورة عضبه وغليان مراجل طيشه إلى عاقبة ولا يفكر في أمر مستقبل كما قال بعض فتاكهم سأغسل عني العار بالسيف جالبا
علي قضاء الله ما كان جالبا
ثم علل سبحانه هذا الحكم الذي شرعه لعباده بقوله ) لعلكم تتقون ( أي تتحامون القتل بالمحافظة على القصاص فيكون ذلك سببا للتقوى وقرأ أبو الجوزاء ) ولكم في القصاص حياة ( قيل أراد بالقصص القرآن أي لكم في كتاب الله الذي شرع فيه القصاص حياة أي نجاة وقيل أراد حياة القلوب وقيل هو مصدر بمعنى القصاص والكل ضعيف والقراءة به منكرة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء ولم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم وبالمرأة منا الرجل منهم فنزلت هذه الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فأنزل الله ) النفس بالنفس ( فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم في العمد رجالهم ونساءهم في النفس وفيما دون النفس وجعل العبيد مستوين في العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساءهم وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي مالك قال كان بين حيين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطول فكأنهم طلبوا الفضل فجاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليصلح بينهم فنزلت هذه الآية ) الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ( قال ابن عباس فنسختها ) النفس بالنفس ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس ) فمن عفي له ( قال هو العمد رضي أهله بالعفو ) فاتباع بالمعروف ( أمر به الطالب ) وأداء إليه بإحسان ( من القابل قال يؤدي المطلوب بإحسان ) ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ( مما كان على بني إسرائيل وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عنه من وجه آخر وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن الدية فيهم فقال الله لهذه الأمة ) كتب عليكم القصاص في القتلى ( إلى قوله ) فمن عفي له من أخيه شيء ( فالعفو أن تقبل الدية في العمد ) فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة (


"""""" صفحة رقم 177 """"""
مما كتب على من كان قبلكم ) فمن اعتدى بعد ذلك ( قيل بعد قبول الدية ) فله عذاب أليم ( وأخرج ابن جرير عن قتادة قال كان أهل التوراة إنما هو القصاص أو العفو ليس بينهما ارش وكان أهل الانجيل إنما هو العفو أمروا به وجعل الله لهذه الأمة القتل والعفو والدية إن شاءوا أحلها لهم ولم تكن لأمة قبلهم وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي شريح والخزاعي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أصيب بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثلاث إما أن يقتص وإما أن يعفو وإما أن يأخذ الدية فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها أبدا ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه إذا قتل بعد أخذ الدية فله عذاب عظيم قال فعليه القتل لا تقبل منه الدية قال وذكر لنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية ) وأخرج سمويه في فوائده عن سمرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر مثله وأخرج ابن شيبة عن عكرمة أنه قال يقتل وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) ولكم في القصاص حياة ( قال جعل الله في القصاص حياة ونكالا وعظة إذا ذكره الظالم المعتدى كف عن القتل وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) لعلكم تتقون ( قال لعلك تتقي أن تقتله فتقتل به وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) يا أولي الألباب ( قال من كان له لب يذكر القصاص فيحجزه خوف القصاص عن القتل ) لعلكم تتقون ( قال لكي تتقوا الدماء مخافة القصاص
البقرة 180 182
البقرة : ( 180 ) كتب عليكم إذا . . . . .
قد تقدم معنى ( كتب ) قريبا وحضور الموت حضور أسبابه وظهور علاماته ومنه قول عنترة وإن الموت طوع يدي إذا ما
وصلت بنانها بالهنداوني
وقال جرير أنا الموت الذي حدثت عنه
فليس لهارب مني نجاة
وإنما لم يؤنث الفعل المسند إلى الوصية وهو ) كتب ( لوجود الفاصل بينهما وقيل لأنها بمعنى الإيصاء وقد روى جواز إسناد ما لا تأنيث فيه إلى المؤنث مع عدم الفصل وقد حكى سيبويه قام امرأة وهو خلاف ما أطبق عليه أئمة العربية وشرط سبحانه ما كتبه من الوصية بأن يترك الموصي خيرا واختلف في جواب هذا الشرط ما هو فروى عن الأخفش وجهان أحدهما أن التقدير إن ترك خيرا فالوصية ثم حذفت الفاء كما قال الشاعر من يفعل الحسنات الله يشكرها
والشر بالشر عند الله مثلان
والثاني أن جوابه مقدر قبله أي كتب الوصية للوالدين والأقربين إن ترك خيرا واختلف أهل العلم في مقدار الخير فقيل ما زاد على سبعمائة دينار وقيل ألف دينار وقيل ما زاد على خمسمائة دينار والوصية


"""""" صفحة رقم 178 """"""
في الأصل عبارة عن الأمر بالشيء والعهد به في الحياة وبعد الموت وهي هنا عبارة عن الأمر بالشيء لبعد الموت وقد اتفق أهل العلم على وجوب الوصية على من عليه دين أو عنده وديعة أو نحوها وأما من لم يكن كذلك فذهب أكثرهم إلى أنها غير واجبة عليه سواء كان فقيرا أو غنيا وقالت طائفة إنها واجبة ولم يبين الله سبحانه ها هنا القدر الذي كتب الوصية به للوالدين والأقربين فقيل الخمس وقيل الربع وقيل الثلث وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فذهب جماعة إلى أنها محكمة قالوا وهي وإن كانت عامة فمعناها الخصوص والمراد بها من الوالدين من لا يرث كالأبوين الكافرين ومن هو في الرق ومن الأقربين من عدا الورثة منهم قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوصية للوالدين الذين لا يرثان والأقرباء الذين لا يرثون جائزة وقال كثير من أهل العلم إنها منسوخة بآية المواريث مع قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا وصية لوارث ) وهو حديث صححه بعض أهل الحديث وروى من غير وجه وقال بعض أهل العلم إنه نسخ الوجوب ونفى الندب وروى عن الشعبي والنخعي ومالك قوله ) بالمعروف ( أي العدل لا وكس فيه ولا شطط وقد أذن الله للميت بالثلث دون ما زاد عليه وقوله ) حقا ( مصدر معناه الثبوت والوجوب
البقرة : ( 181 ) فمن بدله بعد . . . . .
قوله ) فمن بدله ( هذا الضمير عائد إلا الإيصاء المفهوم من الوصية وكذلك الضمير في قوله ( سمعه ) والتبديل التغيير والضمير في قوله ) فإنما إثمه ( راجع إلى التبديل المفهوم من قوله ) بدله ( وهذا وعيد لمن غير الوصية المطابقة للحق التي لا جنف فيها ولا مضارة وأنه يبوء بالإثم وليس على الموصي من ذلك شيء فقد تخلص مما كان عليه بالوصية به قال القرطبي ولا خلاف أنه إذا أوصى بما لا يجوز مثل أن يوصي بخمر أو خنزير أو شيء من المعاصي أنه يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث قاله أبو عمر انتهى
البقرة : ( 182 ) فمن خاف من . . . . .
والجنف المجاوزة من جنف يجنف إذا جاوز قاله النحاس وقيل الجنف الميل ومنه قول الأعشى تجانف عن حجر اليمامة يا فتى
وما قصدت من أهلها لسوائكا
قال في الصحاح الجنف الميل وكذا في الكشاف وقال لبيد إني امرؤ منعت أرومة عامر
ضيمي وقد جنفت علي خصومي
وقوله ) فأصلح بينهم ( أي أصلح ما وقع بين الورثة من الشقاق والإضطراب بسبب الوصية بإبطال ما فيه ضرار ومخالفة لما شرعه الله وإثبات ما هو حق كالوصية في قربة لغير وارث والضمير في قوله ) بينهم ( راجع إلى الورثة وإن لم يتقدم لهم ذكر لأنه قد عرف أنهم المرادون من السياق وقيل راجع إلى الموصى لهم وهم الأبوان والقرابة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن ترك خيرا ( قال مالا وأخرج ابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال من لم يترك ستين دينارا لم يترك خيرا وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن عروة أن علي بن أبي طالب دخل على مولى لهم في الموت وله سبعمائة درهم أو ستمائة درهم فقال ألا أوصي قال لا إنما قال الله ) إن ترك خيرا ( وليس لك كثير مال فدع مالك لورثتك وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن عائشة أن رجلا قال لها أريد أن أوصي قالت كم مالك قال ثلاثة آلاف قالت كم عيالك قال أربعة قالت قال الله ) إن ترك خيرا ( وإن هذا شيء يسير فاتركه لعيالك فهو أفضل


"""""" صفحة رقم 179 """"""
وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال إذا ترك الميت سبعمائة درهم فلا يوصي وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن الزهري قال جعل الله الوصية حقا مما قل عنه أو كثر وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر حديثا وفيه ( انظر قرابتك الذين يحتاجون ولا يرثون فأوص لهم من مالك بالمعروف ) وأخرجا أيضا عن طاوس قال من أوصى لقوم وسماهم وترك ذوي قرابته محتاجين انتزعت منهم وردت على قرابته وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في الناسخ وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن محمد بن بشير عن ابن عباس قال نسخت هذه الآية وأخرج عنه من وجه آخر أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم أن هذه الآية نسخها قوله تعالى ) للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ( الآية وأخرج عنه من وجه آخر ابن جرير وابن أبي حاتم أنها منسوخة بآية الميراث وأخرج عنه أبو داود في سننه والبيهقي مثله وأخرج ابن جرير عنه أنه قال في الآية نسخ من يرث ولم ينسخ الأقربين الذين لا يرثون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر أنه قال هذه الآية نسختها آية الميراث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فمن بدله ( الآية قال وقد وقع أجر الموصى على الله وبريء من إثمه وقال في قوله ) جنفا ( يعني إثما ) فأصلح بينهم ( قال إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف فيها فليس على الأولياء حرج أن يردوا خطأه إلى الصواب وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه لكنه فسر الجنف بالميل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) جنفا أو إثما ( قال خطأ أو عمدا وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في سننه عنه قال الجنف في الوصية والإضرار فيها من الكبائر
البقرة 183 184
البقرة : ( 183 ) يا أيها الذين . . . . .
قد تقدم معنى ( كتب ) ولا خلاف بين المسلمين أجمعين أن صوم رمضان فريضة افترضها الله سبحانه على هذه الأمة والصيام أصله في اللغة الإمساك وترك التنقل من حال إلى حال ويقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام ومنه ) إني نذرت للرحمن صوما ( أي إمساكا عن الكلام ومنه قول النابغة خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
أي خيل ممسكة عن الجري والحركة وهو في الشرع الإمساك عن المفطرات مع إقتران النية به من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وقوله ) كما كتب ( أي صوما كما كتب على أن الكاف في موضع نصب على النعت أو كتب عليكم الصيام مشبها ما كتب على أنه في محل نصب على الحال وقال بعض النحاة إن الكاف في موضع رفع نعتا للصيام وهو ضعيف لأن الصيام معرف باللام والضمير المستتر في قوله ) كما كتب ( راجع إلى ما واختلف المفسرون في وجه التشبيه ما هو فقيل هو قدر الصوم ووقته فإن الله كتب على اليهود والنصارى صوم رمضان فغيروا


"""""" صفحة رقم 180 """"""
وقيل هو الوجوب فإن الله أوجب على الأمم الصيام وقيل هو الصفة أي ترك الأكل والشرب ونحوهما في وقت فعلى الأول معناه أن الله كتب على هذه الأمة صوم رمضان كما كتبه على الذين من قبلهم وعلى الثاني أن الله أوجب على هذه الأمة الصيام كما أوجبه على الذين من قبلهم وعلى الثالث أن الله سبحانه أوجب على هذه الأمة الإمساك عن المفطرات كما أوجبه على الذين من قبلهم وقوله تعالى ) لعلكم تتقون ( بالمحافظة عليها وقيل تتقون المعاصي بسبب هذه العبادة لأنها تكسر الشهوة وتضعف دواعي المعاصي كما ورد في الحديث أنه جنة وأنه وجاء
البقرة : ( 184 ) أياما معدودات فمن . . . . .
وقوله ) أياما ( منتصب على أنه مفعول ثان لقوله ) كتب ( قاله الفراء وقيل إنه منتصب على أنه ظرف أي كتب عليكم الصيام في أيام وقوله ) معدودات ( أي معينات بعدد معلوم ويحتمل أن يكون في هذا الجمع لكونه من جموع القلة إشارة إلى تقليل الأيام وقوله ) فمن كان منكم مريضا ( قيل للمريض حالتان إن كان لا يطيق الصوم كان الإفطار عزيمة وإن كان يطيقه مع تضرر ومشقة كان رخصة وبهذا قال الجمهور وقوله ) على سفر ( اختلف أهل العلم في السفر المبيح للإفطار فقيل مسافة قصر الصلاة والخلاف في قدرها معروف وبه قال الجمهور وقال غيرهم بمقادير لا دليل عليها والحق أن ما صدق عليه مسمى السفر فهو الذي يباح عنده الفطر وهكذا ما صدق عليه مسمى المرض فهو الذي يباح عنده الفطر وقد وقع الإجماع على الفطر في سفر الطاعة واختلفوا في الأسفار المباحة والحق أن الرخصة ثابتة فيه وكذا اختلفوا في سفر المعصية وقوله ) فعدة ( أي فعليه عدة أو فالحكم عدة أو فالواجب عدة والعدة فعله من العدد وهو بمعنى المعدود وقوله ) من أيام أخر ( قال سيبويه ولم ينصرف لأنه معدول به عن الآخر لأن سبيل هذا الباب أن يأتي بالألف واللام وقال الكسائي هو معدول به عن آخر وقيل إنه جمع أخرى وليس في الآية ما يدل على وجوب التتابع في القضاء قوله ) وعلى الذين يطيقونه ( قراءة الجمهور بكسر الطاء وسكون الياء وأصله يطوقونه نقلت الكسرة إلى الطاء وانقلبت الواو ياء لإنكسار ما قبلها وقرأ حميد على الأصل من غير إعلال وقرأ ابن عباس بفتح الطاء مخففة وتشديد الواو أي يكلفونه وروى ابن الأنباري عن ابن عباس ( يطيقونه ) بفتح الياء وتشديد الطاء والياء مفتوحتين بمعنى يطيقونه وروى عن عائشة وابن عباس وعمرو بن دينار وطاوس أنهم قرءوا ( يطيقونه ) بفتح الياء وتشديد الطاء مفتوحة وقرأ أهل المدينة والشام ) فدية طعام ( مضافا وقرءوا أيضا ( مساكين ) وقرأ ابن عباس ( طعام مسكين ) وهي قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فقيل إنها منسوخة وإنما كانت رخصة عند ابتداء فرض الصيام لأنه شق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم وهو يطيقه ثم نسخ ذلك وهذا قول الجمهور وروى عن بعض أهل العلم أنها لم تنسخ وأنها رخصة للشيوخ والعجائز خاصة إذا كانوا لا يطيقون الصيام إلا بمشقة وهذا يناسب قراءة التشديد أي يكلفونه كما مر والناسخ لهذه الآية عند الجمهور قوله تعالى ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( وقد اختلفوا في مقدرا الفدية فقيل كل يوم صاع من غير البر ونصف صاع منه وقيل مد فقط وقوله ) فمن تطوع خيرا فهو خير له ( قال ابن شهاب معناه من أراد الإطعام مع الصوم وقال مجاهد معناه من زاد في الإطعام على المد وقيل من أطعم مع السكين مسكينا آخر وقرأ عيسى بن عمرو ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي ( يطوع ) مشددا مع جزم الفعل على معنى يتطوع وقرأ الباقون بتخفيف الطاء على أنه فعل ماض وقوله ) وأن تصوموا خير لكم ( معناه أن الصيام خير لهم من الإفطار مع الفدية وكان هذا قبل النسخ وقيل معناه وأن تصوموا في السفر والمرض غير الشاق


"""""" صفحة رقم 181 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال وأحيل الصيام ثلاثة أحوال فذكر أحوال الصلاة ثم قال وأما أحوال الصيام فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء ثم إن الله سبحانه فرض عليه الصيام وأنزل عليه ) يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ( إلى قوله ) وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه ثم إن الله أنزل الآية الأخرى ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( فأثبت الله صيامه على الصيح المقيم ورخص فيه للمريض والمسافر وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ثم ذكر تمام الحديث وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) كما كتب على الذين من قبلكم ( قال يعني بذلك أهل الكتاب وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني عن دغفل بن حنظلة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كان على النصارى صوم شهر رمضان فمرض ملكهم فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن عشرا ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فوه فقال لئن شفاه الله ليزيدن سبعة ثم كان عليهم ملك آخر فقال ما ندع من هذه الثلاثة الأيام شيئا أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ففعل فصارت خمسين يوما ) وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) لعلكم تتقون ( قال تتقون من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحو ما سبق عن معاذ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم ) وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة قالت كان عاشوراء صياما فلما أنزل رمضان كان من شاء صام ومن شاء افطر وأخرج عبد بن حميد أن ابن عباس قال إن قوله تعالى ) وعلى الذين يطيقونه ( قد نسخت وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه نحو ذلك وزاد أن الناسخ لها قوله تعالى ) فمن شهد منكم الشهر ( الآية وأخرج نحو ذلك عنه أبو داود في ناسخه وأخرج نحوه عنه أيضا سعد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وغيرهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث سلمة بن الأكوع قال لما نزلت هذه الآية ) وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ( كان من شاء صام ومن شاء أن يفطر ويفتدي فعل حتى نزلت هذه الآية بعدها فنسختها ) فمن شهد منكم الشهر ( وأخرج البخاري عن ابن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد فذكر نحوه وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله ) وعلى الذين يطيقونه ( قال الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم فيفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والدارقطني والبيهقي أن أنس بن مالك ضعف عن الصوم عاما قبل موته فصنع جفنة من ثريد ودعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والدارقطني وصححه عن ابن عباس أنه قال لأم ولد له حامل أو مرضعة أنت بمنزلة الذين لا يطيقون الصيام عليك الطعام لا قضاء عليك وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والدارقطني عن ابن عمر أن إحدى بناته أرسلت تساله عن صوم رمضان وهي حامل قال تفطر وتطعم كل يوم مسكينا وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله ) فمن تطوع خيرا ( قال أطعم مسكينين وأخرج عبد بن حميد عن طاوس في قوله ) فمن تطوع خيرا ( قال إطعام مساكين وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب في قوله ) وأن تصوموا خير لكم ( أي أن الصوم خير لكم من القدية وقد رود في فضل الصوم أحاديث كثيرة جدا


"""""" صفحة رقم 182 """"""
البقرة 185
البقرة : ( 185 ) شهر رمضان الذي . . . . .
( رمضان ) مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا احترق جوفه من شدة العطش والرمضاء ممدود شدة الحر ومنه الحديث الثابت في الصحيح ( صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال ) أي أحرقت الرمضاء أجوافها قال الجوهري وشهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء يقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام الحر فسمي بذلك وقيل إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة وقال الماوردي إن اسمه في الجاهلية ناتق وأنشد المفضل وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغا
وولت على الأدبار فرسان خثعما
وإنما سموه بذلك لأنه كان ينتقهم لشدته عليهم وشهر مرتفع في قراءة الجماعة على أنه مبتدأ خبره ) الذي أنزل فيه القرآن ( أو على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي المفروض عليكم صومه شهر رمضان ويجوز أن يكون بدلا من الصيام المذكور في قوله تعالى ) كتب عليكم الصيام ( وقرأ مجاهد وشهر بن حوشب بنصب الشهر ورواها هارون الأعور عن أبي عمرو وهو منتصب بتقدير ألزموا أو صوموا قال الكسائي والفراء إنه منصوب بتقدير فعل كتب عليكم الصيام وأن تصوموا وأنكر ذلك النحاس وقال إنه منصوب على الإغراء وقال الأخفش إنه نصب على الظرف ومنع الصرف للألف والنون الزائدتين قوله ) أنزل فيه القرآن ( قيل أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ثم كان جبريل ينزل به نجما نجما وقيل أنزل فيه أوله وقيل أنزل في شأنه القرآن وهذه الآية أعم من قوله تعالى ) إنا أنزلناه في ليلة القدر ( وقوله ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة ( يعني ليلة القدر والقرآن اسم لكلام الله تعالى وهو بمعنى المقروء كالمشروب سمى شرابا والمكتوب سمى كتابا وقيل هو مصدر قرأ يقرأ ومنه قول الشاعر ضحوا باشمط عنوان السجود به
يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة ومنه قوله تعالى ) قرآن الفجر ( أي قراءة الفجر وقوله ) هدى للناس ( منتصب على الحال أي هاديا لهم وقوله ) وبينات من الهدى ( من عطف الخاص على العام إظهارا لشرف المعطوف بإفراده بالذكر لأن القرآن يشمل محكمه ومتشابهه والبينات تختص بالمحكم منه والفرقان ما فرق بين الحق والباطل أي فصل قوله ) فمن شهد منكم الشهر ( أي حضر ولم يكن في سفر بل كان مقيما والشهر منتصب على أنه ظرف ولا يصح أن يكون مفعولا به قال جماعة من السلف والخلف إن من أدركه شهر رمضان مقيما غير مسافر لزمه صيامه سافر بعد ذلك أو قام استدلالا بذه الآية وقال الجمهور إنه إذا سافر أفطر لأن معنى الآية إن حضر الشهر من أوله إلى آرخره لا إذا حضر بعضه وسافر فإنه لا يتحتم عليه إلا صوم ما حضره وهذا هو الحق وعليه دلت الأدلة الصحيحة من السنة وقد كان يخرج ( صلى الله عليه وسلم ) في رمضان فيفطر وقوله ) فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر (


"""""" صفحة رقم 183 """"""
قد تقدم تفسيره وقوله ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( فيه أن هذا مقصد من مقاصد الرب سبحانه ومراد من مراداته في جميع أمور الدين ومثله قول تعالى ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان يرشد إلى التيسير وينهى عن التعسير كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وهو في الصحيح واليسر السهل الذي لا عسر فيه وقوله ) ولتكملوا العدة ( الظاهر أنه معطوف على قوله ) يريد الله بكم اليسر ( أي يريد بكم اليسر ويريد إكمالكم للعدة وتكبيركم وقيل إنه متعلق بمحذوف تقديره رخص لكم هذه الرخصة لتكملوا العدة وشرع لكم الصوم لمن شهد الشهر لتكملوا العدة وقد ذهب إلى الأول البصريون قالوا والتقدير يريد لأن تكملوا العدة ومثله قول كثير بن صخر
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلا بكل سبيل
وذهب الكوفيون إلى الثاني وقيل الواو مقحمة وقيل إن هذه اللام لام الأمر والواو لعطف الجملة إلي بعدها على الجملة التي قبلها وقال في الكشاف إن قوله ) ولتكملوا العدة ( علة للأمر بمراعاة العدة ) ولتكبروا ( علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر ) ولعلكم تشكرون ( علة الترخيص والتيسير والمراد بالتكبير هنا هو قول القائل الله أكبر قال الجمهور ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان وقد وقع الخلاف في وقته فروى عن بعض السلف أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر وقيل إذا رأو هلال شوال كبروا إلى إنقضاء الخطبة وقيل إلى خروج الإمام وقيل هو التكبير يوم الفطر قال مالك هو من حين يخرج من داره إلى أن يخرج الإمام وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يكبر في الأضحى ولا يكبر في الفطر وقوله ) ولعلكم تشكرون ( قد تقدم تفسيره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو حاتم وأبو الشيخ وابن عدي والبيهقي في سننه عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا ( لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان
وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) وثبت عنه أنه قال ( من قام رمضان أيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) وثبت عنه أنه قال ( شهرا عيد لا ينقضان رمضان وذو الحجة ) وقال ( إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ) وهذا كله في الصحيح وثبت عنه في أحاديث كثيرة غير هذه أنه كان يقول رمضان بدون ذكر الشهر وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال قال رسول الله عليه وسلم إنما سمي رمضان لأن رمضان يرمض الذنوب وأخرجا أيضا عن عائشة مرفوعا نخوه وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر نحوه وقد ورد في فضل رمضان أحاديث كثيرة وأخرج أحمد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من رمضان وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ) وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن جابر مثله لكنه قال ( وأنزل الزبور الأثنى عشر ) وزاد ( وأنزل التوراة لست خلون من رمضان وأنزل الإنجيل لثماني عشرة خلت من رمضان ) وأخرج محمد بن نصر عن عائشة نحو قول جابر إلا أنها لم تذكر نزول القرآن وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن مقسم قال سأل عطية بن الأسود ابن عباس فقال إنه قد وقع في قلبي الشك في قوله الله ) شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ( وقوله ) إنا أنزلناه في ليلة القدر (


"""""" صفحة رقم 184 """"""
وقوله ) إنا أنزلناه في ليلة مباركة ( فقال ابن عباس إنه أنزل في ليلة القدر وفي رمضان وفي ليلة مباركة جملة واحدة ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام وأخرج محمد بن نصر والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عباس قال نزل القرآن جملة لأربعة وعشرين من رمضان فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل ينزله على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ترتيلا وأخرج ابن جرير عنه أنه قال ( ليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في رمضان أنزل القرآن جملة واحدة من الذكر إلى البيت المعمور ) وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) هدى للناس ( قال يهتدون به ) وبينات من الهدى ( قال فيه الحلال والحرام والحدود وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( قال هو إهلالة بالدار وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي قال من أدرك رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم لأن الله يقول ) فمن شهد منكم الشهر فليصمه ( وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) يريد الله بكم اليسر ( قال اليسر الإفطار في السفر والعسر الصوم في السفر وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ) ولتكملوا العدة ( قال عدة شهر رمضان وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنه قال عدة ما أفطر المريض في السفر وقد صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال حق على الصائمين إذا نظروا إلى شهر شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم لأن الله يقول ) ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ( وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان يكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يكبر الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا الله أكبر ولله الحمد وأجل الله أكبر على ما هدانا
البقرة 186
البقرة : ( 186 ) وإذا سألك عبادي . . . . .
قوله ) وإذا سألك عبادي عني ( يحتمل أن السؤال عن القرب والبعد كما يدل عليه قوله ) فإني قريب ( ويحتمل أن السؤال عن إجابة الدعاء كما يدل على ذلك قوله ) أجيب دعوة الداع ( ويحتمل أن السؤال عما هو أعم من ذلك وهذا هو الظاهر مع قطع النظر عن السبب الذي سيأتي بيانه وقوله ) فإني قريب ( قيل بالإجابة وقيل بالعلم وقيل بالإنعام وقال في الكشاف إنه تثميل لحاله في سهولة إجابته لمن دعاه وسرعة إنجاحه حاجة من سأله بمن قرب مكانه فإذا دعي أسرعت تلبيته ومعنى الإجابة هو معنى ما في قوله تعالى ) ادعوني أستجب لكم ( وقيل معناه أقبل عبادة من عبدني بالدعاء لما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من أن الدعاء هو العبادة كما أخرجه أبو داود وغيره من حديث النعمان بن بشير والظاهر أن الإجابة هنا هي باقية على معناها اللغوي وكون الدعاء من العبادة لا يستلزم أن الإجابة هي القبول للدعاء أي جعله عبادة متقبلة فالإجابة أمر آخر غير قبول هذه العبادة والمراد أنه سبحانه يجيب بما شاء وكيف شاء فقد يحصل المطلوب قريبا وقد يحصل بعيدا وقد يدفع عن الداعي من البلاء ما لا يعلمه بسبب دعائه وهذا مقيد بعدم اعتداء الداعي في دعائه كما في قوله سبحانه


"""""" صفحة رقم 185 """"""
) ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ( ومن الاعتداء أن يطلب ما لا يستحقه ولا يصلح له كمن يطلب منزلة في الجنة مساوية لمنزلة الأنبياء أو فوقها وقوله ) فليستجيبوا لي ( أي كما أجبتهم إذا دعوني فليستجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان والطاعات وقيل معناه أنهم يطلبون إجابة الله سبحانه لدعائهم باستجابتهم له أي القيام بما أمرهم به والترك لما نهاهم عنه والرشد خلاف الغي رشد يرشد رشدا ورشدا قال الهروي الرشد والرشد والرشاد الهدى والإستقامة قال ومنه هذه الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق الصلت بن حكيم عن رجل من الأنصار عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن الحسن قال سأل أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين ربنا فانزل الله هذه الآية وأخرج ابن مردويه عن أنس أنه سأل أعرابي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين ربنا فنزلت وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تعجزوا عن الدعاء فإن الله أنزل علي ) ادعوني أستجب لكم ( فقال رجل يا رسول الله ربنا يسمع الدعاء أم كيف ذلك فأنزل الله هذه الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء أنه بلغه لما نزلت ) ادعوني أستجب لكم ( قالوا لو نعلم أي ساعة ندعو فنزلت وقد ثبت في الصحيح من حدي أبي سعيد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحمه الله إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها وثبت في الصحيح أيضا من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس في قوله ) فليستجيبوا لي ( قال ليدعوني ) وليؤمنوا بي ( أي أنهم إذا دعوني استجبت لهم وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال ) فليستجيبوا لي ( أي فليطيعوني وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الربيع بن أنس في قوله ) لعلهم يرشدون ( قال يهتدون
البقرة 187
البقرة : ( 187 ) أحل لكم ليلة . . . . .
قوله ) أحل لكم ( فيه دلالة على أن هذا الذي أحله الله كان حراما عليهم وهكذا كان كما يفيده السبب لنزول الآية وسيأتي والرفث كناية عن الجماع قال الزجاج الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته وكذا قال الأزهري ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 186 """"""
ويرين من أنس الحديث زوانيا وبهن عن رفث الرجال نفار
وقيل الرفث أصله قول الفحش رفث وأرفث إذا تكلم بالقبيح وليس هو المراد هنا وعدي الرفث بإلى لتضمينه معنى الإمضاء وجعل النساء لباسا للرجال والرجال لباسا لهن لإمتزاج كل واحد منهما بالآخر عند الجماع كالإمتزاج الذي يكون بين الثوب ولابسه قال أبو عبيدة وغيره يقال للمرأة لباس وفراش وإزار وقيل إنما جل كل واحد منهما لباسا للآخر لأنه يستره عنده الجماع عن أعين الناس وقوله ) تختانون أنفسكم ( أي تخونونها بالمباشرة في ليالي الصوم يقال خان واختان بمعنى وهما من الخيانة قال القتيبي أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه انتهى وإنا سماهم خائنين لأنفسهم لأن ضرر ذلك عائد عليهم وقوله ) فتاب عليكم ( يحتمل معنيين أحدهما قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم والآخر التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة كقوله ) علم أن لن تحصوه فتاب عليكم ( يعني خفف عنكم وكقوله ) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ( يعني تخفيفا وهكذا قوله ) وعفا عنكم ( يحتمل العفو من الذنب ويحتمل التوسعة والتسهيل وقوله ) وابتغوا ( قيل هو الولد أي ابتغوا بمباشرة نسائكم حصول ما هو معظم المقصود من النكاح وهو حصول النسل وقيل المراد ابتغوا القرآن بما أبيح لكم فيه قاله الزجاج وغيره وقيل ابتغوا الرخصة والتوسعة وقيل ابتغوا ما كتب لكم من الإماء والزوجات وقيل غير ذلك مما لا يفيده النظم القرآني ولا دل عليه دليل آخر وقرأ الحسن البصري ) واتبعوا ( بالعين المهلمة من الإتباع وقوله ) حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ( هو تشبيه بليغ والمراد هنا بالخيط الأبيض هو المعترض في الأفق لا الذي هو كذنب السرحان فإنه الفجر الكاذب الذي لا يحل شيئا ولا يحرمه والمراد بالخيط الأسود سواد الليل والتبين أن يمتاز أحدهما عن الآخر وذلك لآ يكون إلا عند دخول وقت الفجر وقوله ) ثم أتموا الصيام إلى الليل ( فيه التصريح بأن للصوم غاية هي الليل فعند إقبال الليل من المشرق وإدبار النهار من المغرب يفطر الصائم ويحل له الأكل والشرب وغيرهما وقوله ) ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ( قيل المراد بالمباشرة هنا الجماع وقيل تشمل التقبيل واللمس إذا كانا لشهوة لا إذا كانا لغير شهوة فهما جائزان كما قاله عطاء والشافعي وابن المنذر وغيرهم وعلى هذا يحتمل ما حكاه ابن عبدالبر من الإجماع على أن المعتكف لا يباشر ولا يقبل فتكون هذه الحكاية للإجماع مقيدة بأن يكونا لشهوة والإعتكاف في اللغة الملازمة يقال عكف على الشيء إذا لازمه ومنه قول الشاعر
وظل بنات الليل حولي عكفا عكوف البواكي حولهن صريع
ولما كان المعتكف يلازم المسجد قيل له عاكف في المسجد ومعتكف فيه لأنه يحبس نفسه لهذه العبادة في المسجد والاعتكاف في الشرع ملازمه طاعة مخصوصة على شرط مخصوص وقد وقع الإجماع على أنه ليس بواجب وعلى أنه لا يكون إلا في مسجد وللإعتكاف أحكام مستوفاة في كتب الفقه وشروح الحديث وقوله ) تلك حدود الله ( أي هذه الأحكام حدود الله وأصل الحد المنع ومنه سمى البواب والسجان حدادا وسميت الأوامر والنواهي حدود الله لأنها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها وأن يخرج عنها ما هو منها ومن ذلك سميت الحدود حدودا لأنها تمنع أصحابها من العود ومعنى النهي عن قربانها النهي عن تعديها بالمخالفة لها وقيل إن حدود الله هي محارمه فقط ومنها المباشرة من المعتكف والإفطار في رمضان لغير عذر وغير ذلك مما سبق النهي عنه ومعنى النهي عن قربانها على هذا واضح وقوله ) كذلك يبين الله آياته ( أي كما بين لكم هذه الحدود يبين لكم العلامات


"""""" صفحة رقم 187 """"""
الهادية إلى الحق
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم عن البراء بن عازب قال كان اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما فكان يومه ذلك يعمل في أرضه فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال هل عندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك فغلبته عينه فنام وجاءت امرأته فلما رأته نائما قالت خيبة لك أنمت فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية ) أحل لكم ليلة الصيام ( إلى قوله ) من الفجر ( ففرحوا بها فرحا شديدا وأخرج البخاري أيضا من حديثه قال لما نزل صوم شهر رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله فكان رجال يخونون أنفسهم فانزل الله ) علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ( الآية وقد روى في بيان سبب نزول هذه الآية أحاديث عن جماعة من الصحابة نحو ما قاله البراء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الناس أول ما أسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام ثم قال وإن عمر بن الخطاب أتى إمرأته ثم أتى رسول الله فقال يا رسول الله إني أعتذر إلى الله وإليك من نفسي وذكر ما وقع منه فنزل قوله تعالى ) أحل لكم ليلة الصيام ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال إن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام والشراب إلى مثلها من القابلة ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا النساء والطعام في رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب فشكوا ذلك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) أحل لكم ليلة الصيام ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال الرفث الجماع وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر مثله وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال الدخول والتغشي والإفضاء والمباشرة والرفث واللمس والمس هذا الجماع غير أن الله حيي كريم يكني بما شاء عما شاء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ( قال هن سكن لكم وأنتم سكن لهن وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) تختانون أنفسكم ( قال تظلموا أنفسكم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فالآن باشروهن ( قال انكحوهن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) وابتغوا ما كتب الله لكم ( قال الولد وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وقتادة والضحاك مثله وأخرج ابن جري وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) وابتغوا ما كتب الله لكم ( قال ليلة القدر وأخرج البخاري في تاريخه عن أنس مثله وأخرج عبدالرزاق عن قتادة قال ) وابتغوا ( الرخصة التي كتب الله لكم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن سعد قال أنزلت ) وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ( ولم ينزل ) من الفجر ( فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله ) من الفجر ( فعلموا أنه يعني الليل والنهار وفي الصحيحين وغيرهما عن عدي بن حاتم أنه جعل تحت وسادة خيطين أبيض وأسود وجعل ينظر إليهما فلا يتبين له الأبيض من الأسود فغدا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فقال إن وسادك إذا لعريض إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل وفي رواية في البخاري وغيره إنه قال له إنك لعريض القفا وفي رواية عند ابن جرير وابن أبي حاتم أنه ضحك منه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال كانوا يجامعون وهم معتكفون حتى نزلت ) ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد (


"""""" صفحة رقم 188 """"""
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن الربيع نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال ( إذا جامع المعتكف بطل إعتكافه ويستأنف وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) تلك حدود الله ( قال يعني طاعة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال ) حدود الله ( معصية الله يعني المباشرة في الاعتكاف وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنها الجماع وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير في قوله ) كذلك ( يعني هكذا يبين الله
البقرة 188
البقرة : ( 188 ) ولا تأكلوا أموالكم . . . . .
هذا يعم جميع الأمة وجميع الأموال لا يخرج عن ذلك إلا ما ورد دليل الشرع بأنه يجوز أخذه فإنه مأخوذ بالحق لا بالباطل ومأكول بالحل لا بالإثم وإن كان صاحبه كارها كقضاء الدين إذا امتنع منه من هو عليه وتسليم ما أوجبه الله من الزكاة ونحوها ونفقة من أوجب الشرع نفقته والحاصل أن ما لم يبح الشرع أخذه من مالكه فهو مأكول بالباطل وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغي وحلوان الكاهن وثمن الخمر والباطل في اللغة الذاهب الزائل وقوله ) وتدلوا ( مجزوم عطفا على تأكلوا فهو من جملة المنهي عنه يقال أدلى الرجل بحجته أو بالأمر الذي يرجو النجاح به تشبيها بالذي يرسل الدلو في البئر يقال أدلى دلوه أرسلها والمعنى أنكم لا تجمعوا بين أكل الأموال بالباطل وبين الإدلاء بها إلى الحكام بالحجج الباطلة وفي هذه الآية دليل أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال من غير فرق بين الأموال والفروج فمن حكم له القاضي بشيء مستندا في حكمه إلى شهادة زور أو يمين فجور فلا يحل له أكله فإن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وهكذا إذا أرشى الحاكم فحكم له بغير الحق فإنه من أكل أموال الناس بالباطل ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال وقد روى عن أبي حنيفة ما يخالف ذلك وهو مردود لكتاب الله تعالى ولسنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما في حديث أم سلمة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض فاقضى له على نحو ما اسمع فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ) وهو في الصحيحين وغيرهما وقوله ) فريقا ( أي قطعة أو جزءا أو طائفة فعبر بالفريق عن ذلك واصل الفريق القطة من الغنم تشذ عن معظمها وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير لتأكلوا أموال فريق من الناس بالإثم وسمى الظلم والعدوان إنما باعتبار تعلقه بفاعله وقوله ) وأنتم تعلمون ( أي حال كونكم عالمين أن ذلك باطل ليس من الحق في شيء وهذا أشد لعقابهم وأعظم لجرمهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تأكلوا أموالكم ( الآية قال هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه بينة فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن مجاهد قال معناها لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم وأخرج ابن المنذر عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن امرأة القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض واراد امرؤ القيس أن يحلف فنزلت ) ولا تأكلوا أموالكم ( الآية


"""""" صفحة رقم 189 """"""
البقرة 189
البقرة : ( 189 ) يسألونك عن الأهلة . . . . .
قوله ( يسألونك ) سيأتي بيان من هم السائلون له ( صلى الله عليه وسلم ) والأهلة جمع هلال وجمعها باعتبار هلال كل شهر أو كل ليلة تنزيلا لاختلاف الأوقات منزلة اختلاف الذوات والهلال اسم لما يبدو في أول الشهر وفي آخره قال الأصمعي هو هلال حتى يستدير وقيل هو هلال حتى ينير بضوئه السماء وذلك ليلة السابع وإنما قيل له هلال لأن الناس يرفعون اصواتهم بالإخبار عنه عند رؤيته ومنه استهل الصبي إذا صاح واستهل وجهه وتهلل إذا ظهر فيه السرور قوله ) قل هي مواقيت للناس والحج ( فيه بيان وجه الحكمة في زيادة الهلال ونقصانه وأن ذلك لأجل بيان المواقيت التي يوقت الناس عباداتهم ومعاملاتهم بها كالصوم والفطر والحج ومدة الحمل والعدة والإجارات والأيمان وغير ذلك ومثله قوله تعالى ) لتعلموا عدد السنين والحساب ( والمواقيت جمع الميقات وهو الوقت وقراءة الجمهور ) والحج ( بفتح الحاء وقرأ ابن أبي إسحاق بكسرها في جميع القرآن قال سيبويه الحج بالفتح كالرد والشد وبالكسر كالذكر مصدران بمعنى وقيل بالفتح مصدر وبالكسر الإسم وإنما أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت ولا يجوز فيه النسيء عن وقته ولعظم المشقة على من التبس عليه وقت مناسكه أو أخطأ وقتها أو وقت بعضها وقد جعل بعض علماء المعاني هذا الجواب أعني قوله ) قل هي مواقيت ( من الأسلوب الحكيم وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب تنبيها على أنه الأولى بالقصد ووجه ذلك أنهم سالوا عن أجرام الأهلة باعتبار زيادتها ونقصانها فأجيبوا بالحكمة التي كانت تلك الزيادة والنقصان لأجلها لكون ذلك أولى بأن يقصد السائل وأحق بأن يتطلع لعلمه قوله ) وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ( وجه اتصال هذا بالسؤال عن الأهلة والجواب بأنها مواقيت للناس والحج أن الأنصار كانوا إذا حجوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم إذا رجع أحدهم إلى بيته بعد إحرامه قبل تمام حجه لأنهم يعتقدون أن المحرم لا يجوز أن يحول بينه وبين السماء حائل وكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم وقال أبو عبيدة إن هذا من ضرب المثل والمعنى ليس البر أن تسالوا الجهال ولكن البر التقوى واسالوا العلماء كما تقول اتيت هذا الأمر من بابه وقيل هو مثل في جماع النساء وأنهم أمروا بإتيانهن في القبل لا في الدبر وقيل غير ذلك والبيوت جمع بيت وقرئ بضم الباء وكسرها وقد تقدم تفسير التقوى والفلاح وسبق أيضا أن التقدير في مثل قوله ) ولكن البر من اتقى ( ولكن البر بر من اتقى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله تعالى ) يسألونك عن الأهلة ( قال نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عثمة وهما رجلان من الأنصار قالا يا رسول الله ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقا مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد فنزلت ) يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس ( في حل دينهم ولصومهم ولفطرهم وعدد نسائهم والشروط التي إلى أجل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال سألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الأهلة لم جعلت فأنزل الله ) يسألونك عن الأهلة ( الآية فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم وعدد نسائهم ومحل دينهم وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية نحوه وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس نحوه وقد


"""""" صفحة رقم 190 """"""
روى عن ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ) وأخرج أحمد والطبراني وابن عدي والدارقطني بسند ضعيف عن طلق بن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحو حديث ابن عمر وأخرج البخاري وغيره عن البراء قال كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها فنزلت ) وليس البر ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جابر قال كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب فقال له ما حملك على ما صنعت قال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت فقال إني رجل أحمسي قال فإن ديني دينك فانزل الله الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من الصحابة والتابعين
البقرة 190 193
البقرة : ( 190 ) وقاتلوا في سبيل . . . . .
لا خلاف بين أهل العلم أن القتال كان ممنوعا قبل الهجرة لقوله تعالى ) فاعف عنهم واصفح ( وقوله ) واهجرهم هجرا جميلا ( وقوله ) لست عليهم بمصيطر ( وقوله ) ادفع بالتي هي أحسن ( ونحو ذلك مما نزل بمكة فلما هاجر إلى المدينة أمره الله سبحانه بالقتال ونزلت هذه الآية وقيل إن أول ما نزل قوله تعالى ) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ( فلما نزلت الآية كان ( صلى الله عليه وسلم ) يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزل قوله تعالى ) فاقتلوا المشركين ( وقوله تعالى ) وقاتلوا المشركين كافة ( وقال جماعة من السلف إن المراد بقوله ) الذين يقاتلونكم ( من عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم وجعلوا هذه الآية محكمة غير منسوخة والمراد بالاعتداء عند أهل القول الأول هو مقاتلة من يقاتل من الطوائف الكفرية والمراد به على القول الثاني مجاوزة قتل من يستحق القتل إلى قتل من لا يستحقه ممن تقدم ذكره
البقرة : ( 191 ) واقتلوهم حيث ثقفتموهم . . . . .
قوله ) حيث ثقفتموهم ( يقال ثقف يثقف ثقفا ورجل ثقيف إذا كان محكما لما يتناوله من الأمور قال في الكشاف والثقف وجود على وجه الأخذ والغلبة ومنه رجل ثقف سريع الأخذ لأقرانه انتهى ومنه قول حسان فإما يثقفن بني لؤي
جذيمة إن قتلهم دواء
قوله ) وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ( أي مكة قال ابن جرير الخطاب للمهاجرين والضمير لكفار


"""""" صفحة رقم 191 """"""
قريش انتهى وقد امتثل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر ربه فأخرج من مكة من لم يسلم عند أن فتحها الله عليه قوله ) والفتنة أشد من القتل ( أي الفتنة التي أرادوا أن يفتنوكم وهي رجوعكم إلى الكفر أشد من القتل وقيل المراد بالفتنة المحنة التي تنزل بالإنسان في نفسه أو أهله أو ماله أو عرضه وقيل إن المراد بالفتنة الشرك الذي عليه المشركون لأنهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم فأخبرهم الله أن الشرك الذي هم عليه أشد مما يستعظمونه وقيل المراد فتنتهم إياكم بصدكم عن المسجد الحرام أشد من قتلكم إياهم في الحرم أو من قتلهم إياكم إن قتلوكم والظاهر أن المراد الفتنة في الدين باي سبب كان وعلى أي صورة اتفقت فإنها أشد من القتل قوله ) ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ( الآية اختلف أهل العلم في ذلك فذهبت طائفة إلى أنها محكمة وأنه لا يجوز القتال في الحرم إلا بعد أن يتعدى بالقتال فيه فإنه يجوز دفعه بالمقاتلة له وهذا هو الحق وقالت طائفة إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( ويجاب عن هذا الاستدلال بأن الجمع ممكن ببناء العام على الخاص فيقتل المشرك حيث وجد إلا بالحرم ومما يؤيد ذلك قوله ( صلى الله عليه وسلم ) إنها لم تحل لأحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ) وهو في الصحيح وقد احتج القائلون بالنسخ بقتله ( صلى الله عليه وسلم ) لابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ويجاب عنه بأنه وقع في تلك الساعة التي أحل الله لرسوله ( صلى الله عليه وسلم )
البقرة : ( 192 ) فإن انتهوا فإن . . . . .
قوله ) فإن انتهوا ( أي عن قتاكم ودخلوا في الإسلام
البقرة : ( 193 ) وقاتلوهم حتى لا . . . . .
قوله ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( فيه الأمر بمقاتلة المشركين إلى غاية هي أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين لله وهو الدخول في الإسلام والخروج عن سائر الأديان المخالفة له فمن دخل في الإسلام واقلع عن الشرك لم يحل قتاله قيل المراد بالفتنة هنا الشرك والظاهر أنها الفتنة في الدين على عمومها كما سلف قوله ) فلا عدوان إلا على الظالمين ( أي لا تعتدوا إلا على من ظلم وهو من لم ينته عن الفتنة ولم يدخل في الإسلام وإنما سمي جزاء الظالمين عدوانا مشاكلة كقوله تعالى ) وجزاء سيئة سيئة مثلها ( وقوله ) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه (
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى ) وقاتلوا في سبيل الله ( الآية أنها أول آية نزلت في القتال بالمدينة فلما نزلت كان رسول الله يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزلت سورة براءة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في هذه الآية قال إن أصحاب محمد أمروا بقتال الكفار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تعتدوا ( يقول لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من القى السلم وكف يده فإن فعلتم فقد اعتديتم وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال إن هذه الآية في النساء والذرية وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) والفتنة أشد من القتل ( يقول الشرك أشد من القتل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال ارتداد المؤمن إلى الوثن أشد عليه من أن يقتل محقا وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة في قوله ) ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ( قال حتى يبدءوا بالقتال ثم نسخ بعد ذلك فقال ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه عن قتادة أن قوله ) ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ( وقوله ) يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ( فكان كذلك حتى نسخ هاتين الآيتين جميعا في براءة قوله ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( ) وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ( وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) فإن انتهوا ( قال فإن تابوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 192 """"""
في قوله ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( يقول شرك بالله ) ويكون الدين ( ويخلص التوحيد لله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في الآية قال الشرك وقوله ) فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( قال لا تقاتلوا إلا من قاتلكم وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله ) ويكون الدين لله ( يقول حتى لا تعبدوا إلا الله وأخرج أيضا عن عكرمة في قوله ) فلا عدوان إلا على الظالمين ( قال هم من أبى أن يقول أن لا إله إلا الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه
البقرة 194
البقرة : ( 194 ) الشهر الحرام بالشهر . . . . .
قوله ) الشهر الحرام بالشهر الحرام ( أي إذا قاتلوكم في الشهر الحرام وهتكوا حرمته قاتلتموهم في الشهر الحرام مكافأة لهم ومجازاة على فعلهم ( والحرمات ) جمع حرمة كالظلمات جمع ظلمة وإنما جمع الحرمات لأنه أراد الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام والحرمة ما منع الشرع من انتهاكه والقصاص المساواة والمعنى أن كل حرمة يجري فيها القصاص فمن هتك حرمة عليكم فلكم أن تهتكوا حرمة عليه قصاصا قيل وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بالقتال وقيل إنه ثابت بين أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لم ينسخ ويجوز لمن تعدى عليه في مال أو بدن أن يتعدى بمثل ما تعدى عليه وبهذا قال الشافعي وغيره وقال آخرون إن أمور القصاص مقصورة على الحكام وهكذا الأموال لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) أخرجه الدارقطني وغيره وبه قال أبو حنيفة وجمهور الماليكة وعطاء الخراساني والقول الأول ارجح وبه قال ابن المنذر واختاره ابن العربي والقرطبي وحكاه الداودي عن مالك ويؤيده إذنه ( صلى الله عليه وسلم ) لامرأة أبي سفيان أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها وهو في الصحيح ولا أصرح وأوضح من قوله تعالى في هذه الآية ) فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( وهذه الجملة في حكم التأكيد للجملة الأولى أعني قوله ) والحرمات قصاص ( وإنما سمي المكافأة اعتداء مشاكلة كما تقدم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما سار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) معتمرا في سنة ست من الهجرة وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت وصدوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة وهو شهر حرام قاضاهم على الدخول من قابل فدخلها في السنة الآتية هو ومن كان معه من المسلمين وأقصه الله منهم نزلت في ذلك هذه الآية ) الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه أيضا وأخرجا أيضا عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن جريج نحوه وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) فمن اعتدى عليكم ( الآية وقوله ) وجزاء سيئة ( الآية وقوله ) ولمن انتصر بعد ظلمه ( الآية وقوله ) وإن عاقبتم ( الآية قال هذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ليس لهم سلطان يقهر المشركين فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى فأمر الله المسلمين من يتجازى منهم أن يتجازى بمثل ما أوتي إليه أو يصبروا و يعفوا فلما هاجر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر


"""""" صفحة رقم 193 """"""
الله المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ولا يعدوا بعضهم على بعض كأهل الجاهلية فقال ) ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ( الآية يقول ينصره السلطان حتى ينصفه على من ظلمه ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله تعالى انتهى وأقول هذه الآية التي جعلها ابن عباس رضي الله تعالى عنه ناسخة مؤيدة لما تدل عليه الآيات التي جعلها منسوخه ومؤكدة له فإن الظاهر من قوله ) فقد جعلنا لوليه سلطانا ( أنه جعل السلطان له أي جعل له تسلطا يتسلط به على القاتل ولهذا قال ) فلا يسرف في القتل ( ثم لو سلمنا أن معنى الآية كما قاله لكان ذلك مخصصا للقتل من عموم الآيات المذكورة لا ناسخا لها فإنه لم ينص في هذه الآية إلا على القتل وحده وتلك الآيات شاملة له ولغيره وهذا معلوم من لغة العرب التي هي المرجع في تفسير كلام الله سبحانه
البقرة 195
البقرة : ( 195 ) وأنفقوا في سبيل . . . . .
في هذه الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله وهو الجهاد واللفظ يتناول غيره مما يصدق عليه أنه من سبيل الله والباء في قوله ) بأيديكم ( زائدة والتقدير ولا تلقوا أيديكم ومثله ) ألم يعلم بأن الله يرى ( وقال المبرد ) بأيديكم ( أي بأنفسكم تعبيرا بالبعض عن الكل كقوله ) فبما كسبت أيديكم ( وقيل هذا مثل مضروب يقال فلان ألقى بيده في أمر كذا إذا استسلم لأن المستسلم في القتال يلقى سلاحه بيديه فكذلك فعل كل عاجز في أي فعل كان وقال قوم التقدير ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم والتهلكة مصدر من هلك يهلك هلاكا وهلكا وتهلكة أي لا تاخذوا فيما يهلككم وللسلف في معنى الآية أقوال سيأتي بيانها وبيان سبب نزول الآية والحق أن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكل ما صدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا وبه قال ابن جرير الطبري ومن جملة ما يدخل تحت الآية أن يقتحم الرجل في الحرب فيحمل على الجيش مع عدم قدرته على التخلص وعدم تأثيره لأثر ينفع المجاهدين ولا يمنع من دخول هذا تحت الآية إنكار من أنكره من الذين رأوا السبب فإنهم ظنوا أن الآية لا تجاوز سببها وهو ظن تدفعه لغة العرب وقوله ) وأحسنوا ( أي في الإنفاق في الطاعة أو أحسنوا الظن بالله في إخلافه عليكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد والبخاري والبيهقي في سننه عن حذيفة في قوله ) وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( قال نزلت في النفقة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال هو ترك النفقة في سبيل الله مخافة العيلة وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الشعب عنه قال هو البخل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بغير نفقة فإما يقطع لهم وإما كانوا عيالا فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بايديهم إلى التهلكة والتهلكة أن تهلك رجال من


"""""" صفحة رقم 194 """"""
الجوع والعطش ومن المشي وقال لمن بيده فضل ) وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ( وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير والبغوي في معجمه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن ماتع والطبراني عن الضحاك ابن أبي جبير أن الأنصار كانوا ينفقون في سبيل الله ويتصدقون فأصابتهم سنة فساء ظنهم وأمسكوا عن ذلك فأنزل الله الآية وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أسلم بن عمران قال كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد فخرج صف عظيم من الروم فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا سبحان الله يلقى بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا أيها الناس إنكم تؤولون الآية هذا التأويل وإنما انزلت فينا هذه الآية معشر الأنصار إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أموال الناس قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه يرد علينا ) وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( فكانت التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وترك الغزو وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه والبيهقي عن البراء بن عازب قال في تفسير الآية هو الرجل يذنب الذنب فيلقي بيديه فيقول لا يغفر الله لي ابدا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والطبراني والبيهقي في الشعب عن النعمان بن بشير نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير قال في تفسير الآية إنه القنوط وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال التهلكة عذاب الله وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أنهم حاصروا دمشق فاسرع رجل إلى العدو وحده فعاب ذلك عليه المسلمون ورفع حديثه إلى عمرو بن العاص فأرسل إليه فرده وقال قال الله ) ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( وأخرج ابن جرير عن رجل من الصحابة في قوله ) وأحسنوا ( قال أدوا الفرائض وأخرج عبد بن حميد عن أبي إسحاق مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال أحسنوا الظن بالله
البقرة 196
البقرة : ( 196 ) وأتموا الحج والعمرة . . . . .
قوله ) وأتموا الحج ( اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج والعمرة لله فقيل أداؤهما والإتيان بهما من دون أن يشوبهما شيء مما هو محظور ولا يخل بشرط ولا فرض لقوله تعالى ) فأتمهن ( وقوله ) ثم أتموا الصيام إلى الليل ( وقال سفيان الثوري إتمامهما أن تخرج لهما لا لغيرهما وقيل إتمامهما أن تفرد كل واحد منهما من


"""""" صفحة رقم 195 """"""
غير تمتع ولا قران وبه قال ابن حبيب وقال قائل إتمامها أن لا يستحلوا فيهما ما لا ينبغي لهم وقيل إتمامها أن يحرم لهما من دويرة أهله وقيل أن ينفق في سفرهما الحلال الطيب وسياتي بيان سبب نزول الآية وما هو مروي عن السلف في معنى إتمامهما وقد استدل بهذه الآية على وجوب العمرة لأن الأمر بإتمامهما أمر بها وبذلك قال علي وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي وسعيد بن جبير ومسروق وعبد بن شداد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن الجهم من المالكية وقال مالك والنخعي وأصحاب الرأي كما حكاه ابن المنذر عنهم أنها سنة وحكي عن أبي حنيفة أنه يقول بالوجوب ومن القائلين بأنها سنة ابن مسعود وجابر بن عبدالله ومن جملة ما استدل به الأولون ما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيح أنه قال لأصحابه ( من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة ) وثبت عنه أيضا في الصحيح أنه قال ( دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ) وأخرج الدارقطني والحاكم من حديث زيد بن ثابت قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت ) واستدل الآخرون بما أخرجه الشافعي في الآية وعبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي صالح الحنفي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الحج جهاد والعمرة تطوع ) وأخرج ابن ماجة عن طلحة بن عبيدالله مرفوعا مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والترمذي وصححه عن جابر ( أن رجلا سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن العمرة أواجبة هي قال لا وأن تعتمروا خير لكم ) وأجابوا عن الآية وعن الأحاديث المصرحة بأنها فريضة بحمل ذلك على أنه قد وقع الدخول فيها وهي بعد الشروع فيها واجبة بلا خلاف وهذا وإن كان فيه بعد لكنه يجب المصير إليه جمعا بين الأدلة ولا سيما بعد تصريحه ( صلى الله عليه وسلم ) بما تقدم في حديث جابر من عدم الوجوب وعلى هذا يحمل ما ورد مما فيه دلالة على وجوبها كما أخرجه الشافعي في الأم أن في الكتاب الذي كتبه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لعمرو بن حزم ( إن العمرة هي الحج الأصغر ) وكحديث ابن عمر عند البيهقي في الشعب قال ( جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أوصني فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتحج وتعتمر وتسمع وتطيع وعليك بالعلانية وإياك والسر ) وهكذا ينبغي حمل ما ورد من الأحاديث التي قرن فيها بين الحج والعمرة في أنهما من أفضل الأعمال وأنهما كفارة لما بينهما وأنهما يهدمان ما كان قبلهما ونحو ذلك قوله ) فإن أحصرتم ( الحصر الحبس قال أبو عبيدة والكسائي والخليل إنه يقال أحصر بالمرض وحصر بالعدو وفي المجمل لابن فارس العكس يقال أحصر بالعدو وحصر بالمرض ورجح الأول ابن العربي وقال هو رأي أكثر أهل اللغة وقال الزجاج إنه كذلك عند جميع أهل اللغة وقال الفراء هما بمعنى واحد في المرض والعدو ووافقه على ذلك أبو عمرو الشيباني فقال حصرني الشيء وأحصرني أي حبسني وبسبب هذا الاختلاف بين أهل اللغة اختلف أئمة الفقه في معنى الآية فقالت الحنفية المحصر من يصير ممنوعا من مكة بعد الإحرام بمرض أو عدو أو غيره وقالت الشافعة وأهل المدينة المراد بالآية حصر العدو وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدى ويحلق رأسه كما فعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو وأصحابه في الحديبية وقوله ) فما استيسر من الهدي ( ما في موضع رفع على الابتداء أو الخبر أي فالواجب أو فعليكم ويحتمل أن يكون في موضع نصب أي فانحروا أو فاهدوا ما استيسر أي ما تيسر يقال يسر الأمر واستيسر كما يقال صعب واستصعب


"""""" صفحة رقم 196 """"""
والهدى والهدي لغتان وهما جمع هدية وهي ما يهدي إلى البيت من بدنة أو غيرها قال الفراء أهل الحجاز وبنو أسد يخففون الهدى وتميم وسفلى قيس يثقلون قال الشاعر حلفت برب كعبة والمصلى
وأعناق الهدي مقلدات
قال وواحد الهدي هدية ويقال في جمع الهدي أهد واختلف أهل العلم في المراد بقوله ) فما استيسر ( فذهب الجمهور إلى أنه شاه وقال ابن عمر وعائشة وابن الزبير جمل أو بقرة وقال الحسن أعلا الهدى بدنة وأوسطه بقرة وأدناه شاه وقوله ) ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ( هو خطاب لجميع الأمة من غير فرق بين محصر وغير محصر واليه ذهب جمع من أهل العلم وذهب طائفة إلى أنه خطاب للمحصرين خاصة أي لا تحلوا من الإحرام حتى تعلموا أن الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم قد بلغ محله وهو الموضع الذي يحل فيه ذبحه واختلفوا في تعيينه فقال مالك والشافعي هو موضع الحصر اقتداء برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث أحصر في عام الحديبية وقال أبو حنيفة هو الحرم لقول تعالى ) ثم محلها إلى البيت العتيق ( وأجيب عن ذلك بأن المخاطب به هو الآمن الذي يمكنه الوصول إلى البيت وأجاب الحنفية عن نحره ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديبية بأن طرف الحديبية الذي إلى أسفل مكة هو من الحرم ورد بأن المكان الذي وقع فيه النحر ليس هو من الحرم قوله ) فمن كان منكم مريضا ( الآية المراد بالمرض هنا ما يصدق عليه مسمى المرض لغة والمراد بالأذى من الرأس ما فيه من قمل أو جراح ونحو ذلك ومعنى الآية أن من كان مريضا أو به أذى من رأسه فحلق فعليه فدية وقد بينت السنة ما أطلق هنا من الصيام والصدقة والنسك فثبت في الصحيح ( أن رسول الله رأى كعب بن عجرة وهو محرم وقمله يتساقط على وجهه فقال أيؤذيك هوام رأسك قال نعم فأمره أن يحلق ويطعم ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام ) وقد ذكر ابن عبدالبر أنه لا خلاف بين العلماء أن النسك هنا هو شاة وحكى عن الجمهور أن الصوم المذكور في الآية ثلاثة أيام والإطعام لستة مساكين وروى عن الحسن وعكرمة ونافع أنهم قالوا الصوم في فدية الأذى عشرة أيام والإطعام عشرة مساكين والحديث الصحيح المتقدم يرد عليهم ويبطل قولهم وقد ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وداود إلى أن الإطعام في ذلك مدان بمد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي لكل مسكين وقال الثوري نصف صاع من بر أو صاع من غيره وروى ذلك عن أبي حنيفة قال ابن المنذر وهذا غلط لأن في بعض أخبار كعب أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له تصدق بثلاثة أصوع من تمر على ستة مساكين واختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل فروى عنه مثل قول مالك والشافعي وروى عنه أنه إن أطعم برا فمد لكل مسكين وإن أطعم تمرا فنصف صاع واختلفوا في مكان هذه الفدية فقال عطاء ما كان من دم فبمكة وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء وبه قال أصحاب الرأي وقال طاوس والشافعي الإطعام والدم لا يكونان إلا بمكة والصوم حيث شاء وقال مالك ومجاهد حيث شاء في الجميع وهو الحق لعدم الدليل على تعيين المكان قوله ) فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ( أي برأتم من المرض وقيل من خوفكم من العدو على الخلاف السابق ولكن الأمن من العدو أظهر من استعمال أمنتم في ذهاب المرض فيكن مقويا لقول من قال إن قوله ) فإن أحصرتم ( المراد به الإحصار من العدو كما أن قوله ) فمن كان منكم مريضا ( يقوي قول من قال بذلك لإفراد عذر المرض بالذكر وقد وقع الخلاف هل المخاطب بهذا هم المحصرون خاصة أم جميع الأمة على حسب ما سلف والمراد بالتمتع المذكور في الآية أن يحرم الرجل بعمرة ثم يقيم حلالا بمكة إلى أن يحرم بالحج فقد استباح بذلك


"""""" صفحة رقم 197 """"""
ما لا يحل للمحرم استباحنه وهو معنى تمتمع واستمتع ولا خلاف بين أهل العلم في جواز التمتع بل هو عندي أفضل أنواع الحج كما حررته في شرحي على المنتقى وقد تقدم الخلاف في معنى قوله ) فما استيسر من الهدي ( قوله ) فمن لم يجد ( الاية أي فمن لم يجد الهدي إما لعدم المال أو لعدم الحيوان صام ثلاثة أيام في الحج أي في أيام الحج وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر وقيل يصوم قبل يوم التروية يوما ويوم التروية ويوم عرفة وقيل ما بين أن يحرم بالحج إلى يوم عرفة وقيل يصومهن من أول عشر ذي الحجة وقيل ما دام بمكة وقيل إنه يجوز أن يصوم الثلاث قبل أن يحرم وقد جوز بعض أهل العلم صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي ومنعه آخرون قوله ) وسبعة إذا رجعتم ( قرأه الجمهور بخفض سبعة وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة بالنصب على أنه معمول بفعل مقدر أي وصوموا سبعة وقيل على أنه معطوف على ثلاثة لأنها وإن كانت مجرورة لفظا فهي في محل نصب كأنه قيل فصيام ثلاثة والمراد بالرجوع هنا الرجوع إلى الأوطان قال أحمد وإسحاق يجزيه الصوم في الطريق ولا يتضيق عليه الوجوب إلا إذا وصل وطنه وبه قال الشافعي وقتادة والربيع ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وغيرهم وقال مالك إذا رجع من مني فلا بأس أن يصوم والأول أرجح وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أنه قال ( فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ) فبين ( صلى الله عليه وسلم ) أن الرجوع المذكور في الآية هو الرجوع إلى الأهل وثبت أيضا في الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ ( وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم ) وإنما قال سبحانه ) تلك عشرة كاملة ( مع أن كل أحد يعلم أن الثلاثة والسبعة عشرة لدفع أن يتوهم متوهم التخيير بين الثلاثة الأيام في الحج والسبعة إذا رجع قاله الزجاج وقال المبرد ذكر ذلك ليدل على إنقضاء العدد لئلا يتوهم متوهم أنه قد بقي منه شيء بعد ذكر السبعة وقيل هو توكيد كما تقول كتبت بيدي وقد كانت العرب تأتي بمثل هذه الفذلكة فيما دون هذا العدد كقول الشاعر ثلاث واثنتان فهن خمس
وسادسة تميل إلى سهامي
وكذل قول الآخر ثلاث بالعداد وذاك حسبي
وست حين يدركني العشاء
فذلك تسعة في اليوم ري
وشرب المرء فوق الري داء
وقوله ) كاملة ( توكيد آخر بعد الفذلكة لزيادة التوصية بصيامها وأن لا ينقص من عددها وقوله ) ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ( الإشارة بقوله ) ذلك ( قيل هي راجعة إلى التمتع فتدل على أنه لا متعة لحاضري المسجد الحرام كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه قالوا ومن تمتع منهم كان عليه دم وهو دم جناية لا يأكل منه وقيل إنها راجعة إلى الحكم وهو وجوب الهدي والصيام فلا يجب ذلك على من كان من حاضري المسجد الحرام كما يقوله الشافعي ومن وافقه والمراد بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام من لم يكن ساكنا في الحرم أو من لم يكن ساكنا في المواقيت فما دونها على الخلاف في ذلك بين الأئمة وقوله ) واتقوا الله ( أي فيما فرضه عليكم في هذه الأحكام وقيل هو أمر بالتقوى على العموم وتحذير من شدة عقاب الله سبحانه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل وابن عبدالبر في التمهيد عن يعلى بن أمية قال ( جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر خلوق فقال كيف تأمرني يا رسول الله أن


"""""" صفحة رقم 198 """"""
أصنع في عمرتي فأنزل الله ) وأتموا الحج والعمرة لله ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أين السائل عن العمرة فقال ها أنذا قال اخلع الجبة واغسل عنك أثر الخلوق ثم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك ) وقد أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديثه ولكن فيهما أنه نزل عليه ( صلى الله عليه وسلم ) الوحي بعد السؤال ولم يذكر ما هو الذي أنزل عليه وأخرج ابن أبي شيبة عن علي في قوله ) وأتموا الحج والعمرة لله ( قال أن تحرم من دويرة أهلك وأخرج ابن عدي والبيهقي مثله من حديث أبي هريرة مرفوعا وأخرج عبدالرزاق وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال من تمامهما أن يفرد كل واحد منهما عن الآخر وأن يعتمر في غير أشهر الحج وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال تمام الحج يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة وزار البيت فقد حل وتمام العمرة إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة فقد حل وقد ورد في فضل الحج والعمرة أحاديث كثيرة ليس هذا موطن ذكرها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فإن أحصرتم ( يقول من أحرم بحج أو عمرة ثم حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدو يحبسه فعليه ذبح ما استيسر من الهدي شاة فما فوقها وإن كانت حجة الإسلام فعليه قضاؤها وإن كانت بعد حجة الفريضة فلا قضاء عليه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ) فإن أحصرتم ( يقول الرجل إذا أهل بالحج فأحصر بعث بما استيسر من الهدي فإن كان عجل قبل أن يبلغ الهدي محله فحلق رأسه أو مس طيبا أو تداوي بدواء كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك فالصيام ثلاثة ايام والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع والنسك شاة ) فإذا أمنتم ( يقول فإذا برئ فمضى من وجهه ذلك إلى البيت أحل من حجته بعمرة وكان عليه الحج من قابل فإن هو رجع ولم يتم من وجهه ذلك إلى البيت كان عليه حجة وعمرة فان هو رجع متمتعا في أشهر الحج كان عليه ما استيسر من الهدي شاة فإن هو لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع قال إبراهيم فذكرت هذا الحديث لسعيد بن جبير فقال هكذا قال ابن عباس في هذا الحديث كله وأخرج مالك وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن علي في قوله ) فما استيسر من الهدي ( قال شاة وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس مثله وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي ) فما استيسر من الهدي ( قال بقرة أو جزور قيل أو ما يكفيه شاة قال لا وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس قال في تفسير ) فما استيسر ( ما يجد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال إن كان موسرا فمن الإبل وإلا فمن البقر وإلا فمن الغنم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق القاسم عن عائشة وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدى إلا من الإبل والبقر وكان ابن عباس يقول ما استيسر من الهدي شاة وأخرج الشافعي في الأم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لا حصر إلا حصر العدو فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء إنما قال الله ) فإذا أمنتم ( فلا يكون الأمن إلا من الخوف وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال لا إحصار إلا من عدو وأخرج أيضا عن الزهري نحوه وأخرج أيضا عن عطاء قال لا إحصار إلا من مرض أو عدو أو أمر حادث وأخرج أيضا عن عروة قال كل شيء حبس المحرم فهو إحصار وأخرج البخاري عن المسور أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نحر قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك وأخرج أو داود في ناسخه عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 199 """"""
في قوله ) ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ( ثم استثنى فقال ) فمن كان منكم مريضا ( الآية وأخرج الترمذي وابن جرير عن كعب عن عجرة قال لفي نزلت وإياي عني بها ) فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فمن كان منكم مريضا ( يعني من اشتد مرضه وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عنه قال يعني بالمرض أن يكون برأسه اذى أو قروح أو به اذى من رأسه قال الأذى هو القمل وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال النسك المذكور في الآية شاة وروى أيضا عن علي مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ( يقول من أحرم بالعمرة في أشهر الحج وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم أن ابن الزبير كان يقول أنما المتعة لمن أحصر وليست لمن خلى سبيله وقال ابن عباس هي لمن أحصر ومن خلى سبيله وأخرج ابن جرير عن علي في قوله ) فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ( قال فإن أخر العمرة حتى يجمعها مع الحج فعليه الهدى وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي بن أبي طالب في قوله ) فصيام ثلاثة أيام ( قال قبل التروية يوم يوم التروية ويوم عرفة فإن فاتته صامهن أيام التشريق وأخرج هؤلاء إلا ابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر مثله إلا أنه قال وإذا فاته صام أيام منى فإنهن من الحج وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر نحوه مرفوعا وأخرج ابن أبي شيبة عن علقمة ومجاهد وسعيد بن جبير مثله وأخرج ابنجرير عن ابن عباس قال الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال إذا لم يجد المتمتع بالعمرة هديا فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة وإن كان يوم عرفة الثالث فقد تم صومه وسبعة إذا رجع إلى أهله وأخرج الدارقطني عن عائشة سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( من لم يكن معه هدي فليصم ثلاثة أيام قبل في يوم النحر ومن لم يكن صام تلك الثلاثة الأيام فليصم أيام التشريق ) وأخرج أيضا عن عبدالله بن حذافة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمره في رهط أن يطوفوا في منى في حجة الوداع فينادوا إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله فلا نصوم فيهن إلا صوما في هدى ) وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عطاء في قوله تعالى ) ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ( قال ست قريات عرفة وعرنة والرجيع والنخلتان ومر الظهران وضجنان وقال مجاهد هم أهل الحرم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال هم أهل الحرم وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر مثله
البقرة 197 198


"""""" صفحة رقم 200 """"""
البقرة : ( 197 ) الحج أشهر معلومات . . . . .
قوله ) الحج أشهر ( فيه حذف والتقدير وقت الحج أشهر أي وقت عمل الحج وقيل التقدير الحج في أشهر وفيه أنه يلزم النصب مع حذف حرف الجر لا الرفع قال الفراء الأشهر رفع لأن معناه وقت الحج أشهر معلومات وقيل التقدير الحج حج أشهر معلومات وقد اختلف في الأشهر المعلومات فقال ابن مسعود وابن عمر وعطاء والربيع ومجاهد والزهري هي شوال وذو القعدة وذو الحجة كله وبه قال مالك وقال ابن عباس والسدي والشعبي والنخعي هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم وقد روى أيضا عن مالك ويظهر فائدة الخلاف في ما وقع من أعمال الحج بعد يوم النحر فمن قال إن ذا الحجة كله من الوقت لم يلزمه دم التأخير ومن قال ليس إلا العشر منه قال يلزم دم التأخير وقد استدل بهذه الآية من قال إنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج وهو عطاء وطاوس ومجاهد والأوزاعي والشافعي وأبو ثور قالوا فمن أحرم بالحج قبلها أحل بعمرة ولا يجزيه عن إحرام الحج كمن دخل في صلاة قبل وقتها فإنها لا تجزيه وقال أحمد وأبو حنيفة إنه مكروه فقط وروى نحوه عن مالك والمشهور عنه جواز الإحرام بالحج في جميع السنة من غير كراهة وروى مثله عن أبي حنيفة وعلى هذا القول ينبغي أن ينظر في فائدة توقيت الحج بالأشهر المذكورة في الآية وقد قيل إن النص عليها لزيادة فضلها وقد روى القول بجواز الإحرام في جميع السنة عن إسحاق بن راهوية وإبراهيم النخعي والثوري والليث بن سعد واحتج لهم بقوله تعالى ) يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ( فجعل الأهلة كلها مواقيت للحج ولم يخص الثلاثة الأشهر ويجاب بأن هذه الآية عامة وتلك خاصة والخاص مقدم على العام ومن جملة ما احتجوا به القياس للحج على العمرة فكما يجوز الإحرام للعمرة في جميع السنة كذلك يجوز للحج ولا يخفى أن هذا القياس مصادم للنص القرآني فهو باطل فالحق ما هذب إليه الأولون إن كانت الأشهر المذكورة في قوله ) الحج أشهر ( مختصة بالثلاثة المذكورة بنص أو إجماع فإن لم يكن كذلك فالأشهر جمع شهر وهو من جموع القلة يتردد ما بين الثلاثة إلى العشرة والثلاثة هي المتيقنة فيجب الوقوف عندها ومعنى قوله ) معلومات ( أن الحج في السنة مرة واحدة في أشهر معلومات من شهورها ليس كالعمرة أو المراد معلومات ببيان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو معلومات عند المخاطبين لا يجوز التقدم عليها ولا التأخر عنها قوله ) فمن فرض فيهن الحج ( أصل الفرض في الغة الحز والقطع ومنه فرضة القوس والنهر والجبل ففرضية الحج لازمة للعبد الحر كلزوم الحز للقوس وقيل معنى فرض أبان وهو أيضا يرجع إلى القطع لأن من قطع شيئا فقد أبانه عن غيره والمعنى في الآية فمن ألزم نفسه فيهن الحج بالشروع فيه بالنية قصدا باطنا وبالإحرام فعلا ظاهرا وبالتلبية نطقا مسموعا وقال أبو حنيفة إن إلزامه نفسه يكون بالتلبية أو بتقليد الهدى وسوقه وقال الشافعي تكفي النية في الإحرام بالحج والرفث قال ابن عباس وابن جبير والسدي وقتادة والحسن وعكرمة والزهري ومجاهد ومالك هو الجماع وقال ابن عمر وطاوس وعطاء وغيرهم الرفث الإفحاش بالكلام قال أبو عبيدة الرفث اللغاء من الكلام وانشد ورب أسراب حجيج كظم
عن اللغا ورفث التكلم
يقال رفث يرفث بكسر الفاء وضمها والفسوق الخروج عن حدود الشرع وقيل هو الذبح للاصنام وقيل التنابز بالألقاب وقيل السباب والظاهر أنه لا يختص بمعصية معينة وإنما خصصه من خصصه بما ذكر باعتبار أنه قد أطلق على ذلك الفرد اسم الفسوق كما قال سبحانه في الذبح للأصنام أو فسقا أهل لغير الله به


"""""" صفحة رقم 201 """"""
وقال في التنابز ) بئس الاسم الفسوق ( وقال ( صلى الله عليه وسلم ) في السباب ( سباب المسلم فسوق ) ولا يخفى على عارف أن إطلاق اسم الفسوق على فرد من افراد المعاصي لا يوجب اختصاصه به والجدال مشتق من الجدل وهو القتل والمراد به هنا المماراة وقيل السباب وقيل الفخر بالآباء والظاهر الأول وقد قرئ بنصب الثلاثة ورفعها ورفع الأولين ونصب الثالث وعكس ذلك ومعنى النفي لهذه الأمور النهي عنها وقوله ) وما تفعلوا من خير يعلمه الله ( حث على الخير بعد ذكر الشر وعلى الطاعة بعد ذكر المعصية وفيه أن كل ما يفعلونه من ذلك فهو معلوم عند الله لا يفوت منه شيء وقوله ) وتزودوا ( فيه الأمر باتخاذ الزاد لأن بعض العرب كانوا يقولون كيف نحج بيت ربنا ولا يطعمنا فكانوا يحجون بلا زاد ويقولون نحن متوكلون على الله سبحانه وقيل المعنى تزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة ) فإن خير الزاد التقوى ( والأول أرجح كما يدل على ذلك سبب نزول الآية وسيأتي وقوله ) فإن خير الزاد التقوى ( إخبار بأن خير الزاد اتقاء المنهيات فكأنه قال اتقوا الله في إتيان ما أمركم به من الخروج بالزاد فإن خير الزاد التقوى وقيل المعنى فإن خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة والحاجة إلى السؤال والتكفف قوله ) واتقون يا أولي الألباب ( فيه التخصيص لأولى الألباب بالخطاب بعد حث جميع العباد على التقوى لأن أرباب الألباب هم القابلون لأوامر الله الناهضون بها ولب كل شيء خالصه
البقرة : ( 198 ) ليس عليكم جناح . . . . .
قوله ) ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( فيه الترخيص لمن حج في التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق وهو المراد بالفضل هنا ومنه قوله تعالى ) فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ( أي لا إثم عليكم في أن تبتغوا فضلا من ربكم مع سفركم لتأدية ما افترضه عليكم من الحج قوله ) فإذا أفضتم ( أي دفعتم يقال فاض الإناء إذا امتلأ ماء حتى ينصب من نواحيه ورجل فياض أي متدفقة يداه بالعطاء ومعناه أفضتم أنفسكم فترك ذكر المفعول كما ترك في قولهم دفعوا من موضع كذا وعرفات اسم لتلك البقعة أي موضع الوقوف وقرأه الجماعة بالتنوين وليس التنوين هنا للفرق بين ما ينصرف وما لا ينصرف وإنما هو بمنزلة النون في مسلمين قال النحاس هذا الجيد وحكى سيبويه عن العرب حذف التنوين من عرفات قال لما جعلوها معرفة حذفوا التنوين وحكى الأخفش والكوفيون فتح التاء تشبيها بتاء فاطمة وأنشدوا تنورتها من أذرعات وأهلها
بيثرب أدنى دارها نظر عالي
وقال في الكشاف فإن قلت هلا منعت الصرف وفيها السببان التعريف والتأنيث قلت لا يخلو التأنيث إما أن يكون بالتاء التي في لفظها وإما بتاء مقدرة كما في سعاد فالتي في لفظها ليست للتأنيث وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث ولا يصح تقدير التاء فيها لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما لا تقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث فأبت تقديرها انتهى وسميت عرفات لأن الناس يتعارفون فيها وقيل إن آدم التقى هو وحواء فيها فتعارفا وقيل غير ذلك قال ابن عطية والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماء البقاع واستدل بالآية على وجوب الوقوف بعرفة لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده والمراد بذكر الله عند المشعر الحرام دعاؤه ومنه التلبية والتكبير وسمى المشعر مشعرا من الشعار وهو العلامة والدعاء عنده من شعائر الحج ووصف بالحرام لحرمته وقيل المراد بالذكر صلاة المغرب والعشاء بالمزدلفة جمعا وقد أجمع أهل العلم على أن السنة أن يجمع الحاج بينهما فيها والمشعر هو جبل قزح الذي يقف عليه الإمام وقيل هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى وادي محسر قوله ) واذكروه كما هداكم (


"""""" صفحة رقم 202 """"""
الكاف نعت مصدر محذوف وما مصدرية أو كافة أي اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة وكرر الأمر بالذكر تأكيدا وقيل الأول أمر بالذكر عند المشعر الحرام والثاني في أمر بالذكر على حكم الاخلاص وقيل المراد بالثاني تعديد النعمة عليهم و ( إن ) في قوله ) وإن كنتم من قبله ( مخففة كما يفيده دخول اللام في الخبر وقيل هي بمعنى قد أي قد كنتم والضمير في قوله ) من قبله ( عائد إلى الهدى وقيل إلى القرآن
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله تعالى ) الحج أشهر معلومات ( شوال وذو القعدة وذو الحجة وأخرج الطبراني في الأوسط أيضا عن ابن عمر مرفوعا مثله وأخرج الخطيب عن ابن عباس مرفوعا مثله أيضا وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عمر بن الخطاب موقوفا مثله وأخرج الشافعي في الأم وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر موقوفا مثله واخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وعطاء والضحاك مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عمر في قوله ) الحج أشهر معلومات ( قال شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة وأخرجوا إلا الحاكم عن ابن مسعود مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن ابن عباس من طرق مثله وأخرج ابن المنذر والدارقطني والطبراني والبيهقي عن عبدالله بن الزبير مثله أيضا وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن ومحمد وإبراهيم مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عمر في قوله ) فمن فرض فيهن الحج ( قال من أهل فيهن بحج وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال الفرض الإحرام وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الزبير قال الإهلال وأخرج عنه ابن المنذر والدارقطني والبيهقي قال فرض الحج الإحرام وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال الفرض الإهلال وروى نحو ذلك عن جماعة من التابعين وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج من أجل قول الله تعالى ) الحج أشهر معلومات ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن خزيمة والحاكم وصححه والبيهقي عنه نحوه وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة وابن مردويه والبيهقي عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج ) وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) قال الرفث التعريض للنساء بالجماع والفسوق المعاصي كلها والجدال جدال الرجل صاحبه ) وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فلا رفص لا جماع ولا فسوق المعاصي والكذب ) وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس في الآية قال الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال المراء وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه نحوه وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال الرفث غشيان النساء والفسوق السباب والجدال المراء وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عنه نحوه وروى نحو ما تقدم عن جماعة من التابعين بعبارات مختلفة وأخرج عبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم عن ابن عباس قال كان أهل اليمن يحجون ولا


"""""" صفحة رقم 203 """"""
يتزودون ويقولون نحن متوكلون ثم يقدمون فيسألون الناس فانزل الله ) وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون نحج بيت الله ولا يطعمنا فنزلت الآية وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زادا آخر فأنزل الله ) وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ( فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق وأخرج الطبراني عن ابن الزبير قال كان الناس يتوكل بعضهم على بعض في الزاد فأمرهم الله أن يتزودوا وقد روى عن جماعة من التابعين مثل ما تقدم عن الصحابة وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير عن ابن عباس قال كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج ويقولون أيام ذكر الله فنزلت ) ليس عليكم جناح ( الآية وقد أخرج نحوه عنه البخاري وغيره وأخرج عبد بن حميد وعبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي امامة التميمي قال قلت لابن عمر إنا أناس نكرى فهل لنا من حج قال أليس تطوفون بالبيت وبين الصفا والمروة وتأتون المعرف وترمون الجمار وتحلقون رءوسكم قلت بلى فقال ابن عمر جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فسأله عن الذي سألتني عنه فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية ) ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( فدعاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ عليه الآية وقال أنتم حجاج وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس أنه كان يقرأ ) ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ( في مواسم الحج وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن الزبير أنه قرأها كما قرأها ابن عباس وأخرج ابن أبي داود في المصاحف أن ابن مسعود قرأها كذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال إنما سمي عرفات لأن جبريل كان يقول لإبراهيم عليه السلام حين رأى المناسك عرفت وأخرج مثله ابن أبي حاتم عن ابن عمر وأخرج مثله عبد الرزاق وابن جرير عن علي وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عمر أنه سئل عن المشعر الحرام فسكت حتى إذا هبطت أيدي الرواحل بالمزدلفة قال هذا المشعر الحرام وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه انه قال المشعر الحرام المزدلفة كلها وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عنه قال هو الجبل وما حوله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه قال ما بين الجبلين الذي بجمع مشعر وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن الزبير في قوله ) واذكروه كما هداكم ( قال ليس هذا بعام هذا لأهل البلد كانوا يفيضون من جمع ويفيض سائر الناس من عرفات فأبى الله لهم ذلك فأنزل ) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( وأخرج عبد بن حميد عن سفيان في قوله ) وإن كنتم من قبله ( قال من قبل القرآن وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن كنتم من قبله لمن الضالين ( قال لمن الجاهلين
البقرة 199 203


"""""" صفحة رقم 204 """"""
البقرة : ( 199 ) ثم أفيضوا من . . . . .
قيل الخطاب في قوله ) ثم أفيضوا ( للحمس من قريش لأنهم كانوا لا يقفون مع الناس بعرفات بل كانوا يقفون بالمزدلفة وهي من الحرم فأمروا بذلك وعلى هذا تكون ثم لعطف جملة على جملة لا للترتيب وقيل الخطاب لجميع الامة والمراد بالناس إبراهيم أي ثم افيضوا من حيث أفاض إبراهيم فيحتمل أن يكون أمرا لهم بالإفاضة من عرفة ويحتمل أن يكون إفاضة أخرى وهي التي من المزدلفة وعلى هذا تكون ثم على بابها أي للترتيب وقد رجح هذا الاحتمال الأخير ابن جرير الطبري وإنما امروا بالاستغفار لأنهم في مساقط الرحمة ومواطن القبول ومظنات الإجابة وقيل إن المعنى استغفروا للذي كان مخالفا لسنة إبراهيم وهو وقوفكم بالمزدلفة دون عرفة
البقرة : ( 200 ) فإذا قضيتم مناسككم . . . . .
والمراد بالمناسك أعمال الحج ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( خذوا عني مناسككم ) أي فإذا فرغتم من أعمال الحج فاذكروا الله وقيل المراد بالمناسك الذبائح وإنما قال سبحانه ) كذكركم آباءكم ( لأن العرب كانوا إذا فرغوا من حجهم يقفون عند الجمرة فيذكرون مفاخر آبائهم ومناقب أسلافهم فأمرهم الله بذكره مكان ذلك الذكر ويجعلونه ذكرا مثل ذكرهم لآبائهم أو اشد من ذكرهم لابائهم قال الزجاج إن قوله ) أو أشد ( في موضع خفض عطفا على ذكركم والمعنى أو كأشد ذكرا ويجوز أن يكون في موضع نصب أي اذكروه أشد ذكرا وقال في الكشاف إنه عطف على ما أضيف إليه الذكر في قوله ) كذكركم ( كما تقول كذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا قوله ) فمن الناس من يقول ( الآية لما ارشد سبحانه عباده إلى ذكره وكان الدعاء نوعا من أنواع الذكر جعل من يدعوه منقسما إلى قسمين أحدهما يطلب حظ الدنيا ولا يلتفت إلى حظ الآخرة والقسم الآخر يطلب الأمرين جميعا ومفعول الفعل أعني قوله ) آتنا ( محذوف أي ما نريد أو ما نطلب والواو في قوله ) وما له ( واو الحال والجملة بعدها حالية والخلاق النصيب أي وما لهذا الداعي في الآخرة من نصيب لأن همه مقصور على الدنيا لا يريد غيرها ولا يطلب سواهاه وفي هذا الخبر معنى النهى عن الاقتصار على طلب الدنيا والذم لمن جعلها غاية رغبته ومعظم مقصوده
البقرة : ( 201 ) ومنهم من يقول . . . . .
وقد اختلف في تفسير الحسنتين المذكورتين في الآية فقيل هما ما يطلبه الصالحون في الدنيا من العافية وما لا بد منه من الرزق وما يطلبونه في الآخرة نيعم الجنة والرضا وقيل المراد بحسنة الدنيا الزوجة الحسناء وحسنة الآخرة الحور العين وقيل حسنة الدنيا العلم والعبادة وقيل غير ذلك قال القرطبي والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعيم الدنيا والآخرة قال وهذا هو الصحيح فإن اللفظ يقتضي هذا كله فإن حسنة نكرة في سياق الدعاء فهو محتمل لكل حسنة من الحسنات على البدل وحسنة الآخرة الجنة بإجماع انتهى قوله ) وقنا ( أصله أوقنا حذفت الواو كما حذفت في يقي لأنها بين ياء وكسرة مثل يعد هذا قول البصريين وقال الكوفيون حذفت فرقا بين اللازم والمتعدي
البقرة : ( 202 ) أولئك لهم نصيب . . . . .
وقوله ) أولئك ( إشارة إلى الفريق الثاني ) لهم نصيب من ( جنس ) ما كسبوا ( من


"""""" صفحة رقم 205 """"""
الأعمال أي من ثوابها ومن جملة أعمالهم الدعاء فما أعطاهم الله بسببه من الخير فهو مما كسبوا وقيل إن معنى قوله ) مما كسبوا ( التعليل أي من أجل ما كسبوا وهو بعيد وقيل إن قوله ) أولئك ( اشارة إلى الفريقين جميعا أي للأولين نصيب من الدنيا ولا نصيب لهم في الآخرة وللآخرين نصيب مما كسبوا في الدنيا وفي الآخرة وسريع من سرع يسرع كعظم يعظم سرعا وسرعة والحساب مصدر كالمحاسبة وأصله العدد يقال حسب يحسب حسابا وحسابة وحسبانا وحسبا والمراد هنا المحسوب سمي حسابا تمسية للمفعول بالمصدر والمعنى أن حسابه لعباده في يوم القيامة سريع مجيئه فبادروا ذلك بأعمال الخير أو أنه وصف نفسه بسرعة الحساب الخلائق على كثرة عددهم وأنه لا يشغله شأن عن شأن فيحاسبهم في حالة واحدة كما قال تعالى ) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة )
البقرة : ( 203 ) واذكروا الله في . . . . .
قوله ) في أيام معدودات ( قال القرطبي لا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى وايام التشريق وهي أيام رمي الجمار وقال الثعلبي قال إبراهيم الأيام المعدودات أيام العشر والأيام المعلومات أيام النحر وكذا روى عن مكي والمهدوي قال القرطبي ولا يصح لما ذكرناه من الإجماع على ما نقله أبو عمر بن عبدالبر وغيره وروى الطحاوي عن أبي يوسف أن الأيام المعلومات أيام النحر قال لقوله تعالى ) ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة ( وحكى الكرخي عن محمد بن الحسن أن الأيام المعلومات أيام النحر الثلاثة يوم الأضحى ويومان بعده قال الكيا الطبري فعلى قول أبي يوسف ومحمد لا فرق بين المعلومات والمعدودات لأن المعدودات المذكورة في القرآن أيام التشريق بلا خلاف وروى عن مالك أن الأيام المعدودات والايام المعلومات يجمعها أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده فيوم النحر معلوم غير معدود واليومان بعده معلومان معدودان واليوم الرابع معدود لا معلوم وهو مروي عن ابن عمر وقال ابن زيد الأيام المعلومات عشر ذي الحجة وايام التشريق والمخاطب بهذا الخطاب المذكور في الآية أعني قوله تعالى ) واذكروا الله في أيام معدودات ( هو الحاج وغيره كما ذهب إليه الجمهور وقيل هو خاص بالحاج وقد اختلف أهل العلم في وقته فقيل من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق وقيل من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر النحر وبه قال أبو حنيفة وقيل من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق وبه قال مالك والشافعي قوله ) فمن تعجل ( الآية اليومان هما يوم ثاني النحر ويوم ثالثه وقال ابن عباس والحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة والنخعي من رمي في اليوم الثاني من الأيام المعدودات فلا حرج ومن تأخر إلى الثالث فلا حرج فمعنى الآية كل ذلك مباح وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا لأن من العرب من كان يذم التعجل ومنهم من كان يذم التأخر فنزلت الآية رافعة للجناح في كل ذلك وقال علي وابن مسعود معنى الآية من تعجل فقد غفر له ومن تأخر فقد غفر له والآية قد دلت على أن التعجل والتأخر مباحان وقوله ) لمن اتقى ( معناه أن التخيير ورفع الإثم ثابت لمن اتقى لأن صاحب التقوى يتحرز عن كا ما يريبه فكان أحق بتخصيصه بهذا الحكم قال الأخفش التقدير ذلك لمن اتقى وقيل لمن اتقى بعد انصرافه من الحج عن جميع المعاصي وقيل لمن اتقى قتل الصيد وقيل معناه السلامة لمن اتقى وقيل هو متعلق بالذكر أي الذكر لمن اتقى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد آخر ج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت ( كانت قريش ومن دان بدينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وكانت سائر العرب يقفون بعرفات فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه أن يأتي عرفات ثم يقف بها


"""""" صفحة رقم 206 """"""
ثم يفيض منها فذلك قوله تعالى ) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ( وأخرجا أيضا عنها موقوفا نحوه وقد ورد في هذا المعنى روايات عن الصحابة والتابعين وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال إذا كان يوم عرفة هبط الله إلى سماء الدنيا في الملائكة فيقول لهم عبادي آمنوا بوعدي وصدقوا برسلي ما جزاؤهم فيقال أن تغفر لهم فذلك قوله ) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ( وقد وردت أحاديث كثيرة في المغفرة لأهل عرفة ونزول الرحمة عليهم وإجابة دعائهم وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله تعالى ) فإذا قضيتم مناسككم ( قال حجكم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) فإذا قضيتم مناسككم ( قال إهراق الدماء ) فاذكروا الله كذكركم آباءكم ( قال تفاخر العرب بينها بفعال آبائها يوم النحر حين يفرغون فأمروا بذكر الله مكان ذلك وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال كان المشركون يجلسون في الحج فيذكرون أيام آبائهم وما يعدون من أنسابهم يومهم أجمع فأنزل الله على رسوله ) فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ( وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عبدالله بن الزبير نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير وعكرمة نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) كذكركم آباءكم ( يقول كما يذكر الأبناء الآباء وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا أنه قيل له في قوله ) كذكركم آباءكم ( إن الرجل ليأتي عليه اليوم وما يذكر أباه فقال إنه ليس بذاك ولكن يقول تغضب لله إذا عصى أشد من غضبك إذا ذكر والدك بسوء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيقولون اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن لا يذكرون من أمر الآخرة شيئا فأنزل الله فيهم ) فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ( ويجيء بعدهم آخرون من المؤمنين فيقولون ) ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ( فأنزل الله فيهم ) أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ( وأخرج الطبراني عن عبدالله بن الزبير قال كان الناس في الجاهلية إذا وقفوا عند المشعر الحرام دعوا فقال أحدهم اللهم ارزقني إبلا وقال الآخر اللهم ارزقني غنما فأنزل الله الآية وأخرج ابن جرير عن أنس أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة فيدعون اللهم اسقنا المطر وأعطنا على عدونا الظفر وردنا صالحين إلى صالحين فنزلت الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قول ) أولئك لهم نصيب مما كسبوا ( قال مما عملوا من الخير وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) سريع الحساب ( قال سريع الإحصاء وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن علي قال الأيام المعدودات ثلاثة أيام يوم الأضحى ويومات بعده اذبح في أيها شئت وأفضلها أولها وأخرج الفريابي وابن أبي الدنيا وابن المنذر عن ابن عمر أنها أيام التشريق الثلاثة وفي لفظ هذه الأيام الثلاثة بعد يوم النحر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة عن ابن عباس قال الأيام المعلومات أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق وأخرج الطبراني عن ابن الزبير قال في قوله ) واذكروا الله في أيام معدودات ( قال هن أيام التشريق يذكر فيهن بتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأيام المعدودات أربعة أيام يوم النحر والثلاثة أيام بعده وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كان يكبر تلك الأيام بمنى ويقول التكبير واجب ويتأول هذه الآية ) واذكروا الله في أيام معدودات ( وأخرج ابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يكبر يوم النحر ويتلو هذه الآية


"""""" صفحة رقم 207 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) واذكروا الله في أيام معدودات ( قال التكبير ايام التشريق يقول في دبر كل صلاة الله أكبر الله أكبر الله أكبر وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يكبر ثلاثا ثلاثا وراء الصلوات ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأخرج المروزي عن الزهري قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكبر أيام التشريق كلها وأخرج مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن عمر بن الخطاب خرج الغد من يوم النحر بمنى حين ارتفع النهار شيئا فكبر وكبر الناس بتكبيره ثم خرج الثانية في يومه ذلك بعد ارتفاع النهار فكبر وكبر الناس بتكبيره حتى بلغ تكبيرهم البيت ثم خرج الثالثة من يومه ذلك حين زاغت الشمس فكبر وكبر الناس بتكبيره وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يرمي الجمار ويكبر مع كل حصاة وقد روى نحو ذلك من حديث عائشة عند الحاكم وصححه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ( قال في تعجيله ) ومن تأخر فلا إثم عليه ( قال في تأخيره وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال النفر في يومين لمن اتقى واخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال من غابت له الشمس في اليوم الذي قال الله فيه ) فمن تعجل في يومين ( وهو بمنى فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لمن اتقى ( قال لمن اتقى الصيد وهو محرم وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأهل السنن والحاكم وصححه عن عبدالرحمن بن يعمر الديلي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول وهو واقف بعرفة وأتاه الناس من أهل مكة فقالوا يا رسول الله كيف الحج قال الحج عرفات فمن أدرك ليلة جمع قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك أيام مني ثلاثة أيام ) فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ( قال مغفورا له ) ومن تأخر فلا إثم عليه ( قال مغفورا له وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) لمن اتقى ( قال لمن اتقى في حجه قال قتادة وذكر لنا أن ابن مسعود كان يقول من اتقى في حجه غفر له ما تقدم من ذنبه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله ) فلا إثم عليه لمن اتقى ( قال ذهب إثمه كله إن اتقى فيما بقي من عمره
البقرة 204 207
البقرة : ( 204 ) ومن الناس من . . . . .
لما ذكر سبحانه طائفتي المسلمين بقوله ) فمن الناس من يقول ( عقب ذلك بذكر طائفة المنافقين وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر وسبب النزول الأخنس بن شريق كما يأتي بيانه قال ابن عطية ما ثبت قط أن الأخنس أسلم وقيل إنها نزلت في قوم من المنافقين وقيل إنها نزلت في كل من أضمر كفرا أو نفاقا أو كذبا وأظهر بلسانه خلافه ومعنى قوله ) يعجبك ( واضح ومعنى قوله ) ويشهد الله على ما في قلبه ( أنه يحلف على ذلك فيقول يشهد الله على ما في قلبي من محبتك أو من الإسلام أو يقول الله يعلم أني أقول حقا وأني صادق


"""""" صفحة رقم 208 """"""
في قولي لك وقرأ ابن محيصن ) ويشهد الله ( بفتح حرف المضارعة ورفع الإسم الشريف على أنه فاعل والمعنى ويعلم الله منه خلاف ما قال ومثله قوله تعالى ) والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( وقراءة الجماعة أبلغ في الذم وقرا ابن عباس ? والله يشهد على ما في قلبه ? وقرأ أبي وابن مسعود ) ويشهد الله على ما في قلبه ( وقوله ) في الحياة الدنيا ( متعلق بالقول أو بيعجبك فعلى الأول القول صادر في الحياة وعلى الثاني الإعجاب صادر فيها والألد الشديد الخصومة يقال رجال ألد وامرأة لداء ولددته ألده إذا جادلته فغلبته ومنه قول الشاعر وألد ذي جنف علي كأنما
تغلى عداوة صدره في مرجل
والخصام مصدر خاصم قاله الخليل وقيل جمع خصم قاله الزجاج ككلب وكلاب وصعب وصعاب وضخم وضخام والمعنى أنه أشد المخاصمين خصومة لكثرة جداله وقوة مراجعته وإضافة الألد إلى الخصام بمعنى في أي ألد في الخصام أو جعل الخصام الد على المبالغة
البقرة : ( 205 ) وإذا تولى سعى . . . . .
وقوله ) وإذا تولى ( أي أدبر وذهب عنك يا محمد وقيل إنه بمعنى ضل وغضب وقيل إنه بمعنى الولاية أي إذا كان واليا فعل ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض والسعي المذكور يحتمل أن يكون المراد به السعي بالقدمين إلى ما هو فساد في الأرض كقطع الطريق وحرب المسلمين ويحتمل أن يكون المراد به العمل في الفساد وإن لم يكن فيه سعي بالقدمين كالتدبير على المسلمين بما يضرهم وأعمال الحيل عليهم وكل عمل يعمله الإنسان بجوارحه أو حواسه يقال له سعي وهذا هو الظاهر من هذه الآية وقوله ) ويهلك ( عطف على قوله ) ليفسد ( وفي قراءة أبي ( وليهلك ) وقرأه قتادة بالرفع وروى عن ابن كثير ( ويهلك ) بفتح الياء وضم الكاف ورفع الحرث والنسل وهي قراءة الحسن وابن محيصن والمراد بالحرث الزرع والنسل الأولاد وقيل الحرث النساء قال الزجاج وذلك لأن النفاق يؤدي إلى تفريق الكلمة ووقوع القتال وفيه هلاك الخلق وقيل معناه أن الظالم يفسد في الأرض فيمسك الله المطر فيهلك الحرث والنسل وأصل الحرث في اللغة الشق ومنه المحراث لما يشق به الأرض والحرث كسب المال وجمعه وأصل النسل في اللغة الخروج والسقوط ومنه نسل الشعر ومنه أيضا ) إلى ربهم ينسلون ( ) وهم من كل حدب ينسلون ( ويقال لما خرج من كل أنثى نسل لخروجه منها وقوله ) والله لا يحب الفساد ( يشمل كل نوع من أنواعه من غير فرق بين ما فيه فساد الدين وما فيه فساد الدنيا
البقرة : ( 206 ) وإذا قيل له . . . . .
والعزة القوة والغلبة من عزه يعزه إذا غلبه ومنه ) وعزني في الخطاب ( وقيل العزة هنا الحمية ومنه قول الشاعر أخذته عزة من جهله
فتولى غضبا فعل الضجر
وقيل العزة هنا المنعة وشدة النفس ومعنى ) أخذته العزة بالإثم ( حملته العزة على الإثم من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه وقيل أخذته العزة بما يؤثمه أي ارتكب الكفر للعزة ومنه ) بل الذين كفروا في عزة وشقاق ( وقيل الباء في قوله ) بالإثم ( بمعنى اللام أي أخذته العزة والحمية عن قبول الوعظ للإثم الذي في قلبه وهو النفاق وقيل الباء بمعنى مع أي أخذته العزة مع الإثم وقوله ) فحسبه جهنم ( أي كافية معاقبة وجزاء كما تقول للرجل كفاك ما حل بك وأنت تستعظم عليه ما حل به والمهاد جمع المهد وهو الموضع المهيأ للنوم ومنه مهد الصبي وسميت جهنم مهادا لأنها مستقر الكفار وقيل المعنى أنها بدل لهم من المهاد كقوله ) فبشرهم بعذاب أليم ( وقول الشاعر تحية بينهم ضرب وجيع
البقرة : ( 207 ) ومن الناس من . . . . .
ويشري بمعنى يبيع أي يبيع نفسه في


"""""" صفحة رقم 209 """"""
مرضاة الله كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومثله قوله تعالى ) وشروه بثمن بخس ( وأصله الاستبدال ومنه قوله ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ( ومنه قول الشاعر وشريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامه
ومنه قول الآخر يعطي بها ثمنا فيمنعها
ويقول صاحبه ألا تشري
والمرضاة الرضا تقول رضى يرضى رضا ومرضاة ووجه ذكر الرافة هنا أنه أوجب عليهم ما أوجبه ليجازيهم ويثيبهم عليه فكان ذلك رافة بهم ولطفا لهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات سبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما اصيبت السرية التي فيها عاصم ومرثد قال رجال من المنافقين يا ويح هؤلاء المقتولين الذين هلكوا هكذا لا هم قعدوا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم فأنزل الله ) ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ( أي ما يظهر من الإسلام بلسانه ) ويشهد الله على ما في قلبه ( أنه مخالف لما يقوله بلسانه ) وهو ألد الخصام ( أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك ) وإذا تولى ( خرج من عندك ) سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ( أي لا يحب عمله ولا يرضى به ) ومن الناس من يشري نفسه ( الذين يشرون أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله والقيام بحقه حتى هلكوا على ذلك يعني هذه السرية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ومن الناس من يعجبك ( الآية قال نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة أقبل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة وقال جئت أريد الإسلام ويعلم الله اني لصادق فاعجب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك منه فذلك قوله ) ويشهد الله على ما في قلبه ( ثم خرج من عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فانزل الله ) وإذا تولى سعى في الأرض ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وهو ألد الخصام ( قال هو شديد الخصومة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله ) وإذا تولى سعى في الأرض ( قال عمل في الأرض ) ويهلك الحرث ( قال نبات الأرض ) والنسل ( نسل كل شيء من الحيوان الناس والدواب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا أنه سئل عن قوله ) وإذا تولى سعى في الأرض ( قال يلى في الأرض فيعمل فيها بالعدوان والظلم فيحبس الله بذلك القطر من السماء فتهلك بحبس القطر الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ثم قرأ مجاهد ) ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه سئل من قوله ) ويهلك الحرث والنسل ( قال الحرث الزرع والنسل نسل كل دابة وأخرج ابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال ( إن من أكبر الذنوب عند الله أن يقول الرجل لأخيه اتق الله فيقول عليك بنفسك أنت تأمرني ) وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الشعب عن سفيان قال قال رجل لمالك بن مغول اتق الله فسقط فوضع خده على الأرض تواضعا لله وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ولبئس المهاد ( قال بئس المنزل واخرجا عن مجاهد قال بئس ما شهدوا لأنفسهم وأخرج ابن مردويه عن صهيب قال لما أردت الهجرة من مكة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالت لي قريش يا صهيب قدمت إلينا ولا مال لك وتخرج أنت ومالك والله لا يكون ذلك أبدا فقلت لهم ارأيتم إن دفعت إليكم مالي تخلون عني قالوا نعم فدفعت إليهم مالي فخلوا عني فخرجت حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 210 """"""
وسلم فقال ربح البيع صهيب مرتين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن سعيد بن المسيب نحوه وأخرج الطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل عن صهيب نحوه وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن أنس قال نزلت في خروج صهيب إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن قتادة قال هم المهاجرون والأنصار
البقرة 208 210
البقرة : ( 208 ) يا أيها الذين . . . . .
لما ذكر الله سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف مؤمنين وكافرين ومنافقين أمرهم بعد ذلك بالكون على ملة واحدة وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان لأن أهل الكتاب مؤمنون بنبيهم وكتابهم والمنافق مؤمن بلسانه وإن كان غير مؤمن بقلبه والسلم بفتح السين وكسرها قال الكسائي ومعناهما واحد وكذا عند البصريين وهما جميعا يقعان للإسلام والمسالمة وقال أبو عمرو بن العلاء إنه بالفتح للمسالمة وبالكسر للإسلام وأنكر المبرد هذه التفرقة وقال الجوهري السلم بفتح السين الصلح وتكسير ويذكر ويؤنث وأصله من الإستسلام والإنقياد ورجح الطبري أنه هنا بمعنى الإسلام ومنه قول الشاعر الكندي دعوت عشيرتي للسلم لما
رايتهم تولوا مدبرين
أي إلى الإسلام وقرأ الأعمش ( السلم ) بفتح السين واللام وقد حكى البصريون في سلم وسلم أنها بمعنى واحد ( وكافة ) حال من السلم أو من ضمير المؤمنين فمعناه على الأول لا يخرج منكم أحد وعلى الثاني لا يخرج من أنواع السلم شيء بل أدخلوا فيها جميعا أي في خصال الإسلام وهو مشتق من قولهم كففت أي منعت أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام والكف المنع والمراد به هنا الجميع ) ادخلوا في السلم كافة ( أي جميعا وقوله ) ولا تتبعوا خطوات الشيطان ( أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان وقد تقدم الكلام على خطوات
البقرة : ( 209 ) فإن زللتم من . . . . .
قوله ) زللتم ( أي تنحيتم عن طريق الاستقامة وأصل الزلل في القدم ثم استعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك يقال زل يزل زلا وزللا وزلولا أي دحضت قدمه وقرئ ) زللتم ( بكسر اللام وهما لغتان والمعنى فإن ضللتم وعرجتم عن الحق ) من بعد ما جاءتكم البينات ( أي الحجج الواضحة والبراهين الصحيحة أن الدخول في الإسلام هو الحق ) فاعلموا أن الله عزيز ( غالب لا يعجزه الانتقام منكم ) حكيم ( لا ينتقم إلا بحق
البقرة : ( 210 ) هل ينظرون إلا . . . . .
قوله ) هل ينظرون ( أي ينتظرون يقال نظرته وانتظرته بمعنى والمراد هل ينتظر التاركون للدخول في السلم والظلل جمع ظلة وهي ما يظلك وقرأ قتادة ويزيد بن القعقاع ( في ظلال ) وقرأ يزيد أيضا ) والملائكة ( بالجر عطفا على الغمام أو على ظلل قال الأخفش ) والملائكة ( بالخفض بمعنى وفي الملائكة قال والرفع أجود وقال الزجاج التقدير في ظلل من الغمام ومن الملائكة والمعنى هل ينتظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل من الغمام والملائكة قال الأخفش وقد يحتمل أن يكون معنى الإتيان


"""""" صفحة رقم 211 """"""
راجعا إلى الجزاء فسمى الجزاء إتيانا كما سمي التخويف والتعذيب في قصة ثمود إتيانا فقال ) فأتى الله بنيانهم من القواعد ( وقال في قصة النضير ) فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ( وإنما احتمل الإتيان هذا لأن أصله عند أهل اللغة القصد إلى الشيء فمعنى الآية هل ينظرون إلا أن يظهر الله فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى محاربتهم وقيل إن المعنى يأتيهم أمر الله وحكمه وقيل إن قوله ) في ظلل ( بمعنى بظلل وقيل المعنى يأتيهم بباسه في ظلل والغمام السحاب الرقيق الأبيض سمي بذلك لأنه يغم أي يستر ووجه إتيان العذاب في الغمام على تقدير أن ذلك هو المراد ما في مجيء الخوف من محل الأمن من الفظاعة وعظم الموقع لأن الغمام مظنة الرحمة لا مظنة العذاب وقوله ) وقضي الأمر ( عطف على يأتيهم داخل في حيز الانتظار وإنما عدل إلى صيغة الماضي دلالة على تحققه فكأنه قد كان أو جملة مستأنفة جيء بها للدلالة على أن مضمونها واقع لا محالة أي وفرغ من الأمر الذي هو إهلاكهم وقرأ معاذ بن جبل ( وقضاء الأمر ) بالمصدر عطفا على الملائكة وقرأ يحيى بن يعمر ( وقضى الأمور ) بالجمع وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ( ترجع الأمور ) على بناء الفعل للفاعل وقرأ الباقون على البناء للمفعول
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ( قال يعني مؤمني أهل الكتاب فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم يقول ادخوا في شرائع دين محمد ولا تدعوا منها شيئا وحسبكم الإيمان بالتوراة وما فيها وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن هذه الآية نزلت في ثعلبة وعبدالله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني كعب وسعيد بن عمرو وقيس بن زيد كلهم من يهود قالوا يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه وإن التوراة كتاب الله فلنقم بها الليل فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال السلم الطاعة لله وكافة يقول جميعا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال السلم الإسلام والزلل ترك الإسلام وأخرج ابن جرير عن السدي قال ) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات ( قال فإن ظللتم من بعد ما جاءكم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عمر في هذه الآية قال يهبط حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب منها النور والظلمة والماء فيصوت الماء في تلك العظمة صوتا تنخلع له القلوب وأخرج أبو يعلى وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال يأتي الله يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قطعت طاقات وأخرج ابن أبي جرير والديلمي عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفات بالملائكة ) وذلك قوله ) هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة ) في ظلل من الغمام ( قال طاقات والملائكة حوله وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال يأتيهم الله في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة عند الموت وأخرج عن عكرمة في قوله ) وقضي الأمر ( يقول قامت


"""""" صفحة رقم 212 """"""
البقرة 211 213
البقرة : ( 211 ) سل بني إسرائيل . . . . .
المأمور بالسؤال لبني إسرائيل هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويجوز أن يكون هو كل فرد من السائلين وهو سؤال تقريع وتوبيخ و ( كم ) في محل نصب بالفعل المذكور بعدها على أنها مفعول بآتي ويجوز أن ينتصب بفعل مقدر دل عليه المذكور أي كم آتينا آتيناهم وقدر متأخرا لأن لها صدر الكلام وهي إما استفهامية للتقرير أو خبرية للتكثير و ) من آية ( في موضع نصب على التمييز وهي البراهين التي جاء بها أنبياؤهم في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد بذلك الآيات التي جاء بها موسى وهي التسع والمراد بالنعمة هنا ما جاءهم من الآيات وقال ابن جرير الطبري النعمة هنا الإسلام والظاهر دخول كل نعمة أنعم الله بها على عبد من عباده كائنا من كان فوقع منه التبديل لها وعدم القيام بشكرها ولا ينافي ذلك كون السياق في بني إسرائيل أو كونهم السبب في النزول لما تقرر من أن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وفي قوله ) فإن الله شديد العقاب ( من الترهيب والتخويف ما لا يقادر قدره
البقرة : ( 212 ) زين للذين كفروا . . . . .
قوله ) زين ( مبني للمجهول والمزين هو الشيطان أو الأنفس المجبولة على حب العاجلة والمراد بالذين كفروا رؤساء قريش أو كل كافر وقرأ مجاهد وحميد بن قيس ( زين ) على البناء للمعلوم قال النحاس وهي قراءة شادة لأنه لم يتقدم للفاعل ذكر وقرأ ابن أبي عبلة ( زينت ) وإنما خص الذين كفروا بالذكر مع كون الدينا مزينة للمسلم والكافر كما وصف سبحانه بأنه جعل ما على الأرض زينة لها ليبلو الخلق ايهم أحسن عملا لأن الكافر افتتن بهذا التزيين وأعرض عن الآخرة والمسلم لم يفتتن به بل أقبل على الآخرة قوله ) ويسخرون من الذين آمنوا ( هذه الجملة في محل نصب على الحال أي والحال أن أولئك الكفار يسخرون من الذين آمنوا لكونهم فقراء لا حظ لهم من الدنيا كحظ رؤساء الكفر وأساطين الضلال وذلك لأن عرض الدنيا عندهم هو الأمر الذي يكون من ناله سعيدا رابحا ومن حرمه شقيا خاسرا وقد كان غالب المؤمنين إذ ذاك فقراء لاشتغالهم بالعبادة وأمر الآخرة وعدم إلتفاتهم إلى الدنيا وزينتها وحكى الأخفش أنه يقال سخرت منه وسخرت به وضحكت منه وضحكت به وهزأت منه وهزأت به والاسم السخرية والسخرى ولما وقع من الكفار ما وقع من السخرية بالمؤمنين رد الله عليهم بقوله ) والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ( والمراد بالفوقية هنا العلو في الدرجة لأنهم في الجنة والكفار في النار ويحتمل أن يراد بالفوق المكان


"""""" صفحة رقم 213 """"""
لأن الجنة في السماء والنار في أسفل سافلين أو أن المؤمنين هم الغالبون في الدنيا كما وقع ذلك من ظهور الإسلام وسقوط الكفر وقتل أهله وأسرهم وتشريدهم وضرب الجزية عليهم ولا مانع من حمل الآية على جميع ذلك لولا التقييد بكونه في يوم القيامة قوله ) والله يرزق من يشاء بغير حساب ( يحتمل أن يكون فيه إشارة إلى أن الله سبحانه سيرزق المستضعفين من المؤمنين ويوسع عليهم ويجعل ما يعطيهم من الرزق بغير حساب أي بغير تقدير ويحتمل أن المعنى أن الله يوسع على عبادة في الرزق كما وسع على أولئك الرؤساء من الكفار استدراجا لهم وليس في التوسعة دليل على أن من وسع عليه فقد رضي عنه ويحتمل ان يراد بغير حساب من المرزوقين كما قال سبحانه ) ويرزقه من حيث لا يحتسب )
البقرة : ( 213 ) كان الناس أمة . . . . .
قوله ) كان الناس أمة واحدة ( أي كانوا على دين واحد فاختلفوا ( فبعث الله النبيين ) ويدل على هذا المحذوف أعني قوله فاختلفوا قراءة ابن مسعود فإنه قرأ ( كان الناس أمة واحدة ) فاختلفوا فبعث الله النبيين واختلف في الناس المذكورين في هذه الآية من هم فقيل هم بنو آدم حين أخرجهم الله نسما من ظهر آدم وقيل آدم وحده وسمى ناسا لأنه أصل النسل وقيل آدم وحواء وقيل المراد القرون الأولى التي كانت بين آدم ونوح وقيل المراد نوح ومن في سفينته وقيل معنى الآية كان الناس أمة واحدة كلهم كفار فبعث الله النبيين وقيل المراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم كانوا أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع وجهلهم بالحقائق لولا أن الله من عليهم بإرسال الرسل والأمة مأخوذة من قولهم أممت الشيء أي قصدته أي مقصدهم واحد غير مختلف قوله ) فبعث الله النبيين ( قيل جملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر وقوله ) مبشرين ومنذرين ( بالنصب على الحال قوله ) وأنزل معهم الكتاب ( أي الجنس وقال ابن جرير الطبري إن الألف واللام للعهد والمراد التوراة وقوله ( ليحكم ) مسند إلى الكتاب في قول الجمهور وهو مجاز مثل قوله تعالى ) هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ( وقيل إن المعنى ليحكم كل نبي بكتابه وقيل ليحكم الله والضمير في قوله ) فيه ( الأولى راجع إلى ما في قوله ) فيما اختلفوا فيه ( والضمير في قول ) وما اختلف فيه ( يحتمل أن يعود إلى الكتاب ويحتمل أن يعود إلى المنزل عليه وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قاله الزجاج ويحتمل أن يعود إلى الحق وقوله ) إلا الذين أوتوه ( أي أوتوا الكتاب أو أوتوا الحق أو أوتوا النبي أي أعطوا علمه وقوله ) بغيا بينهم ( منتصب على أنه مفعول به أي لم يختلفوا إلا للبغي أي الحسد والحرص على الدنيا وفي هذا تنبيه على السفه في فعلهم والقبيح الذي وقعوا فيه لأنهم جعلوا نزول الكتاب سببا في شدة الخلاف وقوله ) فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق ( أي فهدى الله أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الحق وذلك بما بينه لهم في القرآن من اختلاف من كان قبلهم وقيل معناه فهدى الله أمة محمد للتصديق بجميع الكتب بخلاف من قبلهم فإن بعضهم كذب كتاب بعض وقيل إن الله هداهم إلى الحق من القبلة وقيل هداهم ليوم الجمعة وقيل هداهم لاعتقاد الحق في عيسى بعد أن كذبته اليهود وجعلته النصارى ربا وقيل المراد بالحق الإسلام وقال الفراء إن في الآية قلبا وتقديره فهدى الله الذين آمنوا بالحق لما اختلفوا فيه واختاره ابن جرير وضعفه ابن عطية وقوله ( بإذنه ) قال الزجاج معناه بعلمه قال النحاس وهذا غلط والمعنى بأمره
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) سل بني إسرائيل ( قال هم اليهود ) كم آتيناهم من آية بينة ( ما ذكر الله في القرآن وما لم يذكر ) ومن يبدل نعمة الله ( قال يكفرها وأخرج ابن أبي حاتم عن


"""""" صفحة رقم 214 """"""
أبي العالية قال آتاهم الله آيات بينات عصى موسى ويده وأقطعهم البحر وأغرق عدوهم وهم ينظرون وظلل من الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى ) ومن يبدل نعمة الله ( يقول من يكفر بنعمة الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) زين للذين كفروا الحياة الدنيا ( قال الكفار يبتغون الدنيا ويطلبونها ) ويسخرون من الذين آمنوا ( في طلبهم الآخرة قال ابن جريج لا أحسبه إلا عن عكرمة قال قالوا لو كان محمد نبيا لاتبعه ساداتنا وأشرافنا والله ما اتبعه إلا أهل الحاجة مثل ابن مسعود وأصحابه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قول ) ويسخرون من الذين آمنوا ( يقولون ما هؤلاء على شيء استهزاء وسخريا ) والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ( هنا كم التفاضل وأخرج عبدالرزاق عن قتادة قال فوقهم في الجنة وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال سألت ابن عباس عن هذه الآية ) والله يرزق من يشاء بغير حساب ( قال تفسيرها ليس على الله رقيب ولا من يحاسبه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال لا يحاسب الرب وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو يعلى والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال كان الناس أمة واحدة قال على الإسلام كلهم
وأخرج البزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عنه قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين قال وكذلك في قراءة عبدالله ) كان الناس أمة واحدة ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال كانوا أمة واحدة حيث عرضوا على آدم ففطرهم الله على الإسلام وأقروا له بالعبودية وكانوا أمة واحدة مسلمين ثم اختفلوا من بعد آدم وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد كان الناس أمة واحدة قال آدم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أنه كان يقرؤها كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين وإن الله إنما بعث بعث الرسل وأنزل الكتب بعد الاختلاف وما اختلف الذين أوتوه يعني بني إسرائيل أوتوا الكتاب والعلم بغيا بينهم يقول بغيا على الدنيا وطلب ملكها وزخرفها أيهم يكون له الملك والمهابة في الناس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) كان الناس أمة واحدة ( قال كفارا وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله ) فهدى الله الذين آمنوا ( قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( نحن الآخرون الأولون يوم القيامة وأول الناس دخولا يبدأ بهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى ) وهو في الصحيح بدون ذكر الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله ) فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق ( قال اختلفوا في يوم الجمعة فأخذ اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة واختلفوا في القبلة فاستقبلت النصارى المشرق واليهود بيت المقدس وهدى أمة محمد للقبلة واختلفوا في الصلاة فمنهم من يركع ولا يسجد ومنهم من يسجد ولا يركع ومنهم من يصلي وهو يتكلم ومنهم من يصلي وهو يمشي فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك واختلفوا في الصيام فمنهم من يصوم النهار ومنهم من يصوم من بعض الطعام فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود كان يهوديا وقالت النصارى كان نصرانيا وجعله الله حنيفا مسلما فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك واختلفوا في عيسى فكذبت به اليهود وقالوا لأمه بهتانا عظيما وجعلته النصارى إلها وولدا وجعله الله روحه وكلمته فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك


"""""" صفحة رقم 215 """"""
البقرة 214
البقرة : ( 214 ) أم حسبتم أن . . . . .
( أم ) هنا منقطعة بمعنى بل وحكى بعض اللغويين أنها قد تجيء بمثابة همزة الاستفهام يبتدأ بها الكلام فعلى هذا معنى الاستفهام هنا التقرير والإنكار أي أحسبتم دخولكم الجنة واقعا ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كا صبروا ذكر الله سبحانه هذه التسلية بعد أن ذكر اختلاف الأمم على أنبيائهم تثبيتا للمؤمنين وتقوية لقلوبهم ومثل هذه الآية قوله تعالى ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ( وقوله تعالى ) الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ( وقوله ) مستهم ( بيان لقوله ) مثل الذين خلوا ( و ) البأساء والضراء ( قد تقدم تفسيرهما والزلزلة شدة التحريك يكون في الأشخاص وفي الأحوال يقال زلزل الله الأرض زلزلة وزلزالا بالكسر فتزلزلت إذا تحركت واضطربت فمعنى زلزلوا خوفوا وأزعجوا إزعاجا شديدا وقال الزجاج أصل الزلزلة نقل الشيء من مكانه فإذا قلت زلزلته فمعناه كررت زلله من مكانه وقوله ) حتى يقول ( أي استمر ذلك إلى غاية هي قول الرسول ومن معه ) متى نصر الله ( والرسول هنا قيل هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو شعياء وقيل هو كل رسول بعث إلى امتى وقرأ مجاهد والأعرج ونافع وابن محيصن بالرفع في قوله ) حتى يقول ( وقرأ غيرهم بالنصب فالرفع على أنه حكاية لحال ماضية والنصب بإضمار أن على أنه غاية لما قبله وقرأ الأعمش ? وزلزلوا ويقول الرسول ? بالواو بدل حتى ومعنى ذلك أن الرسول ومن معه بلغ بهم الضجر إلى أن قالوا هذه المقالة المقتضية لطلب النصر واستبطاء حصوله واستطالة تأخيره فبشرهم الله سبحانه بقوله ) ألا إن نصر الله قريب ( وقالت طائفة في الكلام تقديم وتأخير والتقدير حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله ويقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ألا إن نصر الله قريب ولا ملجئ لهذا التكلف لأن قول الرسول ومن معه ) متى نصر الله ( ليس فيه إلا استعجال النصر من الله سبحانه وليس فيه ما زعموه من الشك والارتياب حتى يحتاج إلى ذلك التاويل المتعسف
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أن هذه الآية نزلت في يوم الأحزاب أصاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ وأصحابه بلاء وحصر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها وأخبرهم أنه هكذا فعل بانبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال ) مستهم البأساء والضراء ( فالبأساء الفتن والضراء السقم وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ولما يأتكم مثل الذين خلوا ( قال اصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم ) ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ( ولعله يعني بقوله حتى قال قائلهم يعني قائل المنافقين كما يفيد ذلك قوله تعالى ) إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا (


"""""" صفحة رقم 216 """"""
البقرة 215 216
البقرة : ( 215 ) يسألونك ماذا ينفقون . . . . .
السائلون هنا هم المؤمنون سألوا عن الشيء الذي ينفقونه ما هو فأجيبوا ببيان المصرف الذي يصرفون فيه تنبيها على انه الأولى بالقصد لأن الشيء لا يعتد به إلا إذا وضع في موضعه وصادف مصرفه وقيل إنه قد تضمن قوله ( ما انفقتم من خير ) بيان ما ينفقونه وهو كل خير وقيل إنهم إنما سألوا عن وجوه البر التي ينفقون فيها وهو خلاف الظاهر وقد تقدم الكلام في الاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل
البقرة : ( 216 ) كتب عليكم القتال . . . . .
وقوله ( كتب ) أي فرض وقد تقدم بيان معناه بين سبحانه ان هذا أي فرض القتال عليهم من جملة ما امتحنوا به والمراد بالقتال قتال الكفار والكره بالضم المشقة والفتح ما اكرهت عليه ويجوز اضم في معنى الفتح فيكونان لغتين يقال كرهت الشيء كرها وكرها وكراهة وكراهية وأكرهته عليه إكراها وإنما كان الجهاد كرها لأن فيه إخراج المال ومفارقة الأهل والوطن والتعرض لذهاب النفس وفي التعبير بالمصدر وهو قوله ( كره ) مبالغة ويحتمل ان يكون بمعنى المكروه كما في قولهم الدرهم ضرب الأمير وقوله ( وعسى ان تكرهوا شيئا ) قيل عسى هنا بمعنى قد وروى ذلك عن الأصم وقال أبو عبيدة عسى من الله إيجاب والمعنى عسى ان تكرهوا الجهاد لما فيه من المشقة وهو خير لكم فربما تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ومن مات مات شهيدا وعسى ان تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم فربما يتقوى عليكم العدو فيغلبكم ويقصدكم إلى عقر دياركم فيحل بكم أشد مما تخافونه من الجهاد الذي كرهتم مع ما يفوتكم في ذلك من الفوائد العاجلة والآجلة ( والله يعلم ) ما فيه صلاحكم وفلاحكم ( وأنتم لاتعلمون )
الآثار الوارده في تفسير الآيات والسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في قوله ( يسألونك ماذا ينفقون ) قال يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة وأخرج ابن جرير وابن ا لمنذر عن ابن جريج قال سأل المؤمنون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أين يضعون أموالهم فنزلت ( يسالونك ماذا ينفقون ) الآية فذلك النفقة في التطوع والزكاة سواء ذلك كله وأخرج ابن المنذر ان عمرو بن الجموح سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ماذا ننفق من اموالنا وأين نضعها فنزلت وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) كتب عليكم القتال ( قال ان الله أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين بمكة بالتوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يكفوا أيديهم عن القتال فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض وأذن لهم في القتال فنزلت ) كتب عليكم القتال ( يعنى فرض عليكم وأذن لهم بعد ما نهاهم عنه ( وهو كره لكم ) يعنى القتال وهو مشقة عليكم ( وعسى ان تكرهوا شيئا ) يعنى الجهاد قتال المشركين وهو خير لكم ويجعل الله عاقبته فتحا وغنيمة وشهادة ( وعسى ان تحبوا شيئا ) يعنى القعود عن الجهاد ( وهو شر لكم ) فيجعل الله عاقبته شرا فلا تصيبوا ظفرا ولا غنيمة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن حاتم عن ابن جريج قال


"""""" صفحة رقم 217 """"""
قلت لعطاء ما يقول في قوله ( كتب عليكم القتال ) أوجب الغزو على الناس من أجلها قال لا كتب على أولئك حينئذ وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن شهاب في الآية قال الجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد فالقاعد إن استعين به أعان وإن استغيث به أغاث وإن استنفر نفر وإن استغنى عنه قعد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ( وهو كره لكم ) قال نسختها هذه الآية وقالوا سمعنا وأطعنا وأخرجه ابن جرير موصولا عن عكرمة عن ابن عباس وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق علي قال عسى من الله واجب وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى نحوه أيضا وقد ورد في فضل الجهاد ووجوه أحاديث كثيرة لا يتسع المقام لبسطها
البقرة 217 218
البقرة : ( 217 ) يسألونك عن الشهر . . . . .
قوله ( قتال فيه ) هو بدل اشتمال قاله سيبويه ووجهه ان السؤال عن الشهر لم يكن إلا باعتبار ما وقع فيه من القتال قال الزجاج المعنى يسئلونك عن القتال في الشهر الحرام وأنشد سيبويه قول الشاعر فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
فقوله هلكه بدل اشتمال من قيس وقال الفراء هو مخفوض يعني قوله ( قتال فيه ) على نية عن وقال أبو عبيدة هو مخفوض على الجوار قال النحاس لا يجوز ان يعرب الشيء على الجوار في كتاب الله ولا في شيء من الكلام وإنما وقع في شيء شاذ وهو قولهم هذا جحر ضب خرب وتابع النحاس ابن عطية في تخطئة أبي عبيدة قال النحاس ولا يجوز إضمار عن والقول فيه انه بدل وقرأ ابن مسعود وعكرمة ( يسألونك عن الشهر الحرام وعن قتال فيه ) وقرأ الأعرج ( قتال فيه ) بالرفع قال النحاس وهو غامض في العربية والمعنى يسألونك عن الشهر الحرام جائز قتال فيه وقوله ( قل قتال فيه كبير ) مبتدأ وخبر أي القتال فيه أمر كبير مستنكر والشهر الحرام المراد به الجنس وقد كانت العرب لا تسفك فيه دما ولا تغير على عدو والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد وقوله ( وصد عن سبيل الله ) مبتدأ وقوله ( وكفر به ) معطوف على صد وقوله ( والمسجد الحرام ) عطف على سبيل الله وقوله ( وإخراج أهله منه ) معطوف أيضا على صد وقوله ( أكبر عند الله ) خبر صد وما عطف عليه أي الصد عن سبيل الله والكفر به والصد عن المسجد الحرام وإخراج أهل الحرم منه ( اكبر عند الله ) أي أعظم إثما وأشد ذنبا من القتال في


"""""" صفحة رقم 218 """"""
الشهر الحرام كذا قال المبرد وغيره والضمير في قوله ( وكفر به ) يعود إلى الله وقيل يعود إلى الحج وقال الفراء إن قوله ( وصد ) عطف على كبير والمسجد عطف على الضمير في قوله ( وكفر به ) فيكون الكلام منتسقا متصلا غير منفصل قال ابن عطية وذلك خطأ لأن المعنى يسوق إلى ان قوله ( وكفربه ) أي بالله عطف ايضا على كبير ويجئ من ذلك أن إخراج أهل المسجد من أكبر من الكفر بالله وهذا بين فساده ومعنى الآية على القول الأول الذي ذهب إليه الجمهور أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ومن الكفر بالله ومن الصد عن المسجد الحرام ومن إخراج أهل الحرم منه أكبر جرما عند الله والسبب يشهد لهذا المعنى ويفيد انه المراد كما سيأتي بيانه فإن السؤال منهم المذكور في هذه الآية هو سؤال إنكار لما وقع من السرية التي بعثها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالفتنة هنا الكفر أي كفركم أكبر من القتل الواقع من السرية التي بعثها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد بالفتنة الاخراج لأهل الحرم منه وقيل المراد بالفتنة هنا فتنتهم عن دينهم حتى يهلكوا أي فتنة المستضعفين من المؤمنين أو نفس الفتنة التي الكفار عليها وهذا ارجح من الوجهين الأولين لأن الكفر والإخراج قد سبق ذكرهما وانهما مع الصد أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام وقوله ( ولا يزالون ) ابتداء كلام يتضمن الإخبار من الله عز وجل للمؤمنين بأن هؤلاء الكفار لا يزالون مستمرين على قتالكم وعداوتكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر ان استطاعوا ذلك وتهيأ لهم منكم والتقيد بهذا الشرط مشعر باستعباد تمكنهم من ذلك وقدرتهم عليه ثم حذر الله سبحانه المؤمنين من الاغترار بالكفار والدخول فيما يريدونه من ردهم عن دينهم الذي هو الغاية لما يريدونه من المقاتلة للمؤمنين فقال ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر ( فأولئك حبطت أعمالهم ) إلى آخر الآية والردة الرجوع عن الإسلام إلى الكفر والتقييد بقوله ( فيمت وهو كافر ) يفيد أن عمل من ارتد إنما يبطل إذا مات على الكفر وحبط معناه بطل وفسد ومنه الحبط وهو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها للكلأ فتنتفخ أجوافها وربما تموت من ذلك وفي هذه الآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام ومعنى قوله ( في الدنيا والآخرة ) أنه لا يبقى له حكم المسلمين في الدنيا فلا يأخذ شيئا مما يستحقه المسلمون ولا يظفر بحظ من حظوظ الإسلام ولا ينال شيئا من ثواب الآخرة الذي يوجبه الإسلام ويستحقه أهله وقد اختلف أهل العلم في الردة هل تحبط العمل بمجردها أم لا تحبط إلا بالموت على الكفر والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد وقد تقدم الكلام في معنى الخلود
البقرة : ( 218 ) إن الذين آمنوا . . . . .
قوله ) وهاجروا ( الهجرة معناها الانتقال من موضع إلى موضع وترك الأول لإيثار الثاني والهجر ضد الوصل والتهاجر التقاطع والمراد بها هنا الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام والمجاهدة استخراج الجهد جهد مجاهدة وجهادا والجهاد والتجاهد بذل الوسع وقوله ) يرجون ( معناه يطمعون وإنما قال يرجون بعد تلك الأوصاف المادحة التي وصفهم بها لأنه لا يعلم أحد في هذه الدنيا أنه صائر إلى الجنة ولو بلغ في طاعة الله كل مبلغ والرجاء الأمل يقال رجوت فلانا أرجو رجاء ورجاؤه وقد يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في قوله تعالى ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( أي لا تخافون عظمة الله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه بسند صحيح عن جندب بن عبدالله عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب لينطلق بكى شوقا وصبابة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فجلس فبعث مكانه عبدالله بن جحش


"""""" صفحة رقم 219 """"""
وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك فلما قرأ الكتاب استرجع وقال سمعا وطاعة لله ولرسوله فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى فقال المشركون للمسلمين قتلتم في الشهر الحرام فانزل الله ) يسألونك عن الشهر الحرام ( الآية فقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله ) إن الذين آمنوا والذين هاجروا ( إلى آخر الآية وأخرج البزار عن ابن عباس أن سبب نزول الآية هو ذلك أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال إن المشركين صدوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل فعاب المشركون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) القتال في شهر حرام فقال الله ) قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ( من القتال فيه وأن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) بعث سرية فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب وإن أصحاب محمد كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى وكانت أول رجب ولم يشعروا فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك فنزلت الآية وأخرج ابن إسحاق عنه أن سبب نزول الآية مصاب عمرو بن الحضرمي وقد ورد من طرق كثيرة في تعيين السبب مثل ما تقدم وأخرج ابن أبي داود عن عطاء بن ميسرة قال أحل القتال في الشهر الحرام في براءة في قوله ) فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة ( وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري أنه سئل عن هذه الآية فقال هذا شيء منسوخ ولا باس بالقتال في الشهر الحرام وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عمر ) والفتنة أكبر من القتل ( قال الشرك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ) ولا يزالون يقاتلونكم ( قال كفار قريش وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله ) أولئك يرجون رحمة الله ( قال هؤلاء خيار هذه الأمة جعلهم الله أهل رجاء إنه من رجا طلب ومن خاف هرب وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه
البقرة 219 220
البقرة : ( 219 ) يسألونك عن الخمر . . . . .
السائلون في قوله ) يسألونك عن الخمر ( هم المؤمنون كما سيأتي بيانه عند ذكر سبب نزول الآية والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر ومنه خمار المرأة وكل شيء غطى شيئا قد خمره ومنه خمروا آنيتكم وسمي خمرا


"""""" صفحة رقم 220 """"""
لأنه يخمر العقل أي يغطيه ويستره ومن ذلك الشجر الملتف يقال له الخمر بفتح الميم لأنه يغطي ما تحته ويستره يقال منه أخمرت الأرض كثر خمرها قال الشاعر ألا يا زيد والضحاك سيرا
فقد جاوزتما خمر الطريق
أي جاوزتما الوهد وقيل إنما سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى أدركت كما يقال قد اختمر العجين أي بلغ إدراكه وخمر الرأي أي ترك حتى تبين فيه الوجه وقيل إنما سميت الخمر خمرا لأنها تخالط العقل من المخامرة وهي المخالطة وهذه المعاني الثلاثة متقاربة موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت ثم خالطت العقل فخمرته أي سترته والخمر ماء العنب الذي غلا واشتد وقذف بالزبد وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه كما ذهب إليه الجمهور وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن عكرمة وجماعة من فقهاء الكوفة ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فهو حلال أي ما دون المسكر فيه وذهب أبو حنيفة إلى حل ما ذهب ثلثاه بالطبخ والخلاف في ذلك مشهور وقد أطلت الكلام على الخمر في شرحي للمنتقى فليرجع إليه والميسر مأخوذ من اليسر وهو وجوب الشيء لصاحبه يقال يسر لي كذا إذا وجب فهو ييسر يسرا وميسرا والياسر اللاعب بالقداح وقد يسر ييسر قال الشاعر فأعنهم وأيسر كما يسروا به
وإذا هم نزلوا بضنك فأنزل
وقال الأزهري الميسر الجزور التي كانوا يتقامرون عليه سمي ميسرا لأنه يجزأ أجزاء فكأنه موضع التجزئة وكل شيء جزأته فقد يسرته والياسر الجازر قال وهذا الأصل في الياسر ثم يقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور ياسرون لأنهم جازرون إذ كانوا سببا لذلك وقال في الصحاح ويسر القوم الجزور إذا اجتزروها واقتسموا أعضاءها ثم قال ويقال يسر القوم إذا قامروا ورجل ميسر وياسر بمعنى والجمع أيسار قال النابغة إني أتمم أيسارى وأمنحهم
مشي الأيادي وأكسوا الحفنة الأدما
والمراد بالميسر في الآية قمار العرب بالأزلام قال جماعة من السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كل شيء فيه قمار من نرد أو شطرنج أو غيرهما فهو الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب إلا ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز الحقوق وقال مالك الميسر ميسران ميسر اللهو وميسر القمار فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها وميسر القمار ما يتخاطر الناس عليه وكل ما قومر به فهو ميسر وسيأتي البحث مطولا في هذا في سورة المائدة عند قوله ) إنما الخمر والميسر ( قوله ) قل فيهما إثم كبير ( يعني الخمر والميسر فإثم الخمر أي إثم تعاطيها ينشأ من فساد عقل مستعملها فيصدر عنه ما يصدر عن فاسد العقل من المخاصمة والمشاتمة وقول الفحش والزور وتعطيل الصلوات وسائر ما يجب عليه وأما إثم الميسر أي إثم تعاطيه فما ينشأ عن ذلك من الفقر وذهاب المال في غير طائل والعداوة وإيحاش الصدور وأما منافع الخمر فربح التجارة فيها وقيل ما يصدر عنها من الطرب والنشاط وقوة القلب وثبات الجنان وإصلاح المعدة وقوة الباءة وقد أشار شعراء العرب إلى شيء من ذلك قال وإذا شربت فإنني
رب الخورنق والسدير


"""""" صفحة رقم 221 """"""
وإذا صحوت فإنني
رب الشويهة والبعير
وقال آخر ونشربها فتتركنا ملوكا
وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
وقال من أشار إلى ما فيها من المفاسد والمصالح رايت الخمر صالحة وفيها
خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحا
ولا أشفي بها أبدا سقيما
ولا أعطي بها ثمنا حياتي
ولا أدعو لها أبدا نديما
ومنافع الميسرك مصير الشيء إلى الإنسان بغير تعب ولا كد وما يحصل من السرور والأريحية عند أن يصير منها سهم صالح وسهام الميسر أحد عشر منها سبعة لها فروض على عدد ما فيها من الحظوظ الأول الفذ بفتح فاء بعدها معجمة وفيه علامة واحدة وله نصيب وعليه نصيب الثاني التوأم بفتح المثناة الفوقية وسكون واو وفتح الهمزة وفيه علامتان وله وعليه نصيبان الثالث الرقيب وفيه ثلاث علامات وله وعليه ثلاثة أنصباء الرابع الحلس بمهملتين الأولى مكسورة واللام ساكنة وفيه أربع علامات وله وعليه أربعة أنصباء الخامس النافر بالنون والفاء والمهملة ويقال النافس بالسين المهملة مكان الراء وفيه خمس علامات وله وعليه خمسة أنصباء السادس المسبل بضم الميم وسكون المهملة وفتح الباء الموحدة وفيه ست علامات وله وعليه ستة أنصباء السابع المعلى بضم الميم وفتح المهملة وتشديد اللام المفتوحة وفيه سبع علامات وله وعليه سبعة أنصباء وأكثر السهام حظا وأعلاها قدرا فجملة ذلك ثمانية وعشرون فردا والجزور تجعل ثمانية وعشرين هكذا قال الأصمعي بقي من السهام أربعة أغفالا لا فروض لها وهي المنيح بفتح الميم وكسر النون وسكون الياء التحتية وبعدها مهملة والسفيح بفتح المهملة وكسر الفاء وسكون الياء التحتية بعدها مهملة والوغد فتح الواو وسكون المعجمة بعدها مهملة والضعف بالمعجمة بعدها مهملة ثم فاء وإنما أدخلوا هذه الأربعة التي روض لها بين ذوات الفروض لتكثر السهام على الذي يجيلها ويضرب بها قال يجد إلى الميل مع أحد سبيلا وقد يكون المجيل للسهام يلتحف بثوب ويحثو على ركبتيه ويخرج رأسه من الثوب ثم يدخل يده في الربابة بكسر المهملة وبعدها باء موحدة وبعد الألف باء موحدة أيضا وهي الخريطة التي يجعل فيها السهام فيخرج منها باسم كل رجل فيها فمن خرج له سهم له فرض أخذ فرضه ومن خرج له سهم لا فرض له لم يأخذ شيئا وغرم قيمة الجزور وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء وقد قال ابن عطية إن الأصمعي أخطأ في قوله إن الجزور تقسم على ثمانية وعشرين جزءا وقال إنما تقسم على عشرة أجزاء قوله تعالى ) وإثمهما أكبر من نفعهما ( أخبر سبحانه بأن الخمر والميسر وإن كان فيهما نفع فالإثم الذي يلحق متعاطيهما أكثر من هذا النفع لأنه لا خير يساوي فساد العقل الحاصل بالخمر فإنه ينشأ عنه من الشرور ما لا يأتي عليه الحصر وكذلك لا خير في الميسر يساوي ما فيها من المخاطرة بالمال والتعرض للفقر واستجلاب العداوات المفضية إلى سفك الدماء وهتك الحرم وقرأ حمزة والكسائي ( كثير ) بالمثلثة وقرأ الباقون بالباء الموحدة وقرأ أبي ( وإثمهما أقرب من نفعهما ) قوله ) قل العفو ( قرأه الجمهور بالنصب وقرأ أبو عمرو وحده بالرفع واختلف فيه عن ابن كثير وبالرفع قرأه الحسن وقتادة قال النحاس إن جعلت ذا بمعنى الذي كان الاختيار الرفع على معنى الذي ينفقون هو العفو وإن جعلت ما و ذا


"""""" صفحة رقم 222 """"""
شيئا واحدا كان الاختيار النصب على معنى قل ينفقون العفو والعفو ما سهل وتيسر ولم يشق على القلب والمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تجهدوا فيه أنفسكم وقيل هو ما فضل عن نفقة العيال وقال جمهور العلماء هو نفقات التطوع وقيل إن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة المفروضة وقيل هي محكمة وفي المال حق سوى الزكاة قوله ) كذلك يبين الله لكم الآيات ( أي في أمر النفقة
البقرة : ( 220 ) في الدنيا والآخرة . . . . .
وقوله ) في الدنيا والآخرة ( متعلق بقوله ) تتفكرون ( أي تتفكرون في أمرهما فتحبسون من أموالكم ما تصلحون به معايش دنياكم وتنفقون الباقي في الوجوه المقربة إلى الآخرة وقيل في الكلام تقديم وتأخير أي كذلك يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون في الدنيا وزوالها وفي الآخرة وبقائها فترغبون عن العاجلة إلى الآجلة وقيل يجوز أن يكون إشارة إلى قوله ) وإثمهما أكبر من نفعهما ( أي لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة وليس هذا بجيد قوله ) ويسألونك عن اليتامى ( هذه الآية نزلت بعد نزول قوله تعالى ) ولا تقربوا مال اليتيم ( وقوله ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ( وقد كان ضاق على الأولياء الأمر كما سيأتي بيانه إن شاء الله فنزلت هذه الآية والمراد بالإصلاح هنا مخالطتهم على وجه الإصلاح لأموالهم فإن ذلك أصلح من مجانبتهم وفي ذلك دليل على جواز التصرف في أموال الأيتام من الأولياء والأوصياء بالبيع والمضاربة والإجارة ونحو ذلك قوله ) وإن تخالطوهم فإخوانكم ( اختلف في تفسير المخالطة لهم فقال أبو عبيدة مخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ولا يجد بدا من خلطه بعياله فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله وهذا قد تقع فيه الزيادة والنقصان فدلت هذه الآية على الرخصة وهي ناسخة لما قبلها وقيل المراد بالمخالطة المعاشرة للايتام وقيل المراد بها المصاهرة لهم والأولى عدم قصر المخالطة على نوع خاص بل تشمل كل مخالطة كما يستفاد من الجملة الشرطية وقوله ) فإخوانكم ( خبر لمبتدإ محذوف أي فهم إخوانكم في الدين في قوله ) والله يعلم المفسد من المصلح ( تحذير للأولياء أي لا يخفى على الله من ذلك شيء فهو يجازي كل أحد بعمله من أصلح فلنفسه ومن أفسد فعلى نفسه وقوله ) لأعنتكم ( أي ولو شاء لجعل ذلك شاقا عليكم ومتعبا لكم وأوقعكم فيما فيه الحرج والمشقة وقيل العنت هنا معناه الهلاك قاله أبو عبيدة واصل العنت المشقة وقال ابن الأنباري أصل العنت التشديد ثم نقل إلى معنى الهلال وقوله ) عزيز ( أي لا يمتنع عليه شيء لأنه غالب لا يغالب ) حكيم ( يتصرف في ملكه بما تقتضيه مشيئته وحكمته وليس لكم أن تختاروا لأنفسكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب بالمال والعقل فنزلت ) يسألونك عن الخمر والميسر ( يعني هذه الآية فدعى عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت التي في سورة النساء ) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( فكان ينادي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قام إلى الصلاة أن لا يقربن الصلاة سكران فدعى عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة فدعى عمر فقرئت عليه فلما بلغ ) فهل أنتم منتهون ( قال عمر انتهينا انتهينا وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال كنا نشرب الخمر فانزلت ) يسألونك عن الخمر والميسر ( الآية فقلنا نشرب منها ما ينفعنا فنزلت في المائدة ) إنما الخمر والميسر ( الآية فقالوا اللهم انتهينا وأخرج أبو عبيد والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال الميسر


"""""" صفحة رقم 223 """"""
القمار وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس مثله قال كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله وقوله ) قل فيهما إثم كبير ( يعني ما ينقص من الدين عند شربها ) ومنافع للناس ( يقول فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوا ) وإثمهما أكبر من نفعهما ( يقول ما يذهب من الدين فالإثم فيه أكبر مما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها فانزل الله بعد ذلك ) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( الآية فكانوا لا يشربونها عند الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها ثم إن ناسا من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لم يرض الله من القول فأنزل الله ) إنما الخمر والميسر والأنصاب ( الآية فحرم الخمر ونهى عنها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال منافعهما قبل التحريم وإثمهما بعد ما حرمهما وأخرج ابن اسحاق وابن أبي حاتم عنه أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إنا لا تدري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا فما ننفق منها فأنزل الله ) ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ( وكان قبل ذلك ينفق ماله حتى ما يجد ما يتصدق به ولا ما يأكل حتى يتصدق عليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال العفو هو ما لا يتبين في أموالكم وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عنه في الآية قال ) العفو ( ما يفضل عن أهلك وفي لفظ قال الفضل عن العيال وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) قل العفو ( قال لم تفرض فيه فريضة معلومة ثم قال ) خذ العفو وأمر بالعرف ( ثم نزلت في الفرائض بعد ذلك مسماة وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدا بمن تعول ) وثبت نحوه في الصحيح مرفوعا من حديث حكيم بن حزام وفي الباب أحاديث كثيرة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ( قال يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عنه قال لما أنزل الله ) ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ( ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ( الآية انطلق من كان عنده يتيم يعزل طعامه عن طعامه وشرابه عن شرابه فجعل يفصل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فيرمى به فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) ويسألونك عن اليتامى ( الآية فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم وقد روى نحو ذلك عن جماعة من التابعين وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإن تخالطوهم ( قال المخالطة أن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه ويأكل من قصعتك وتأكل من قصعته ويأكل من ثمرتك وتأكل من ثمرته ) والله يعلم المفسد من المصلح ( قال يعلم من يتعمد أكل مال اليتيم ومن يتحرج منه ولا يألوا عن إصلاحه ) ولو شاء الله لأعنتكم ( يقول لو شاء ما أحل لكم ما أعنتكم مما لا تتعمدون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) لأعنتكم ( يقول لأحرجكم وضيق عليكم ولكنه وسع ويسر وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولو شاء الله لأعنتكم ( قال ولو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا


"""""" صفحة رقم 224 """"""
البقرة 221
البقرة : ( 221 ) ولا تنكحوا المشركات . . . . .
قوله ) ولا تنكحوا ( قرأه الجمهور بفتح التاء وقرئ في الشواذ بضمها قيل والمعنى كان المتزوج لها أنكحها من نفسها وفي هذه الآية النهي عن نكاح المشركات فقيل المراد بالمشركات الوثنيات وقيل إنها تعم الكتابيات لأن أهل الكتاب مشركون ) وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ( وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية فقالت طائفة إن الله حرم نكاح المشركات فيها والكتابيات من الجملة ثم جاءت آية المائدة فخصصت الكتابيات من هذا العموم وهذا مكي عن ابن عباس ومالك وسفيان بن سعيد وعبدالرحمن بن عمر والأوزاعي وذهب طائفة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة وأنه يحرم نكاح الكتابيات والمشركات وهذا أحد قولي الشافعي وبه قال جماعة من أهل العلم ويجاب عن قولهم أن هذه الآية ناسخة لآية المائدة بأن سورة البقرة من أول ما نزل وسورة المائدة من آخر ما نزل والقول الأول هو الراجح وقد قال به مع من تقدم عثمان بن عفان وطلحة وجابر وحذيفة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك كما حكاه النحاس والقرطبي وقد حكاه ابن المنذر عن المذكورين وزاد عمر بن الخطاب وقال لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك وقال بعض أهل العلم إن لفظ المشرك لا يتناول أهل الكتاب لقوله تعالى ) ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ( وقال ) لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ( وعلى فرض أن لفظ المشركين يعم فهذا العموم مخصوص بآية المائدة كما قدمنا قوله ) ولأمة مؤمنة ( أي ولرقيقة مؤمنة وقيل المراد بالأمة الحرة لأن الناس كلهم عبيدالله وإماؤه والأول أولى لما سيأتي لأنه الظاهر من اللفظ ولأنه أبلغ فإن تفضيل الأمة الرقيقة المؤمنة على الحرة المشركة يستفاد منه تفضيل الحرة المؤمنة على الحرة المشركة بالأولى وقوله ) ولو أعجبتكم ( أي ولو أعجبتكم المشركة من جهة كونها ذات جمال أو مال أو شرف وهذه الجملة حالية قوله ) ولا تنكحوا المشركين ( أي لا تزوجوهم بالمؤمنات ) حتى يؤمنوا ( قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام واجمع القراء على ضم التاء من تنكحوا وقوله ) ولعبد ( الكلام فيه كالكلام في قوله ) ولأمة ( والترجيح كالترجيح قوله ) أولئك ( إشارة إلى المشركين والمشركات ) يدعون إلى النار ( أي إلى الأعمال الموجبة للنار فكان في مصاهرتهم ومعاشرتهم ومصاحبتهم من الخطر العظيم ما لا يجوز للمؤمنين أن يتعرضوا له ويدخلوا فيه ) والله يدعو إلى الجنة ( أي إلى الأعمال الموجبة للجنة وقيل المراد أن أولياء الله هم المؤمنون يدعون إلى الجنة وقوله ) بإذنه ( أي بأمره قاله الزجاج وقيل بتيسيره وتوفيقه قاله صاحب الكشاف
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال نزلت هذه الآية في أبي مرثد الغنوي استأذن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في عناق أن يتزوجها وكانت ذات حظ من جمال وهي مشركة وأبو مرثد يومئذ مسلم فقال يا رسول الله إنها تعجبني فأنزل الله ) ولا تنكحوا المشركات ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 225 """"""
وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( ولا تنكحوا المشركات ) قال استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب فقال ) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ( وقد روى هذا المعنى عنه من طرق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سعيد بن جبير في قوله ( ولا تنكحوا المشركات ) يعني أهل الأوثان وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد نحوه وكذلك أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة نحوه أيضا وأخرج عبد بن حميد عن النخعي نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب وتأول ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) وأخرج البخاري عنه قال حرم الله نكاح المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئا من الاشراك أعظم من أن تقول المرأة ربها عيسى أو عبد من عباد الله وأخرج الواحدى وابن عساكر من طريق السدى عن أبي مالك عن ابن عباس في قوله تعالى ( ولأمة مؤمنة خير من مشركة ) قال نزلت في عبدالله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وانه غضب عليها فلطمها ثم إنه فزع فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره خبرها فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) له ما هي يا عبدالله قال تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد ان لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال يا عبدالله هذه مؤمنة فقال عبد الله فوالذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا نكح أمة وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم فأنزل الله فيهم ( ولأمة مؤمنة خير من مشركة ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي مثله وأخرج ابن أبي حاتم قاتل بن حيان في قوله ( ولامة مؤمنة ) قال بلغنا أنها كانت أمة لحذيفة سوداء فأعتقها وتزوجها حذيفة وأخرج ابن جرير عن أبي جعفر محمد بن على قال النكاح يولي في كتاب الله ثم قرأ ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا )
البقرة 222 223
البقرة : ( 222 ) ويسألونك عن المحيض . . . . .
قوله ( المحيض ) هو الحيض وهو مصدر يقال حاضت المرأة حيضا ومحيضا فهي حائض وحائضة كذا قال الفراء وانشد كحائضة تزني بها غير طاهرة
ونساء حيض وحوائض والحيضة بالكسر المرة الواحدة وقيل الإسم وقيل المحيض عبارة عن الزمان والمكان وهو مجاز فيهما وقال ابن جرير الطبري المحيض اسم الحيض ومثله قول رؤبة
إليك أشكو شدة المعيش أي العيش وأصل هذه الكلمة من السيلان والانفجار يقال حاض السيل وفاض وحاضت الشجرة أي سالت رطوبتها ومنه الحيض أي الحوض لأن الماء يحوض إليه اي يسيل وقوله ( قل هو أذى ) أي قل هو شيء يتاذى به أي برائحته والأذى كناية عن القذر ويطلق على القول المكروه ومنه قوله تعالى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ومنه قوله تعالى ودع أذاهم وقوله ( فاعتزلوا النساء في المحيض ) أي فاجتنبوهن في رمان الحيض إن حمل المحيض على المصدر أو في محل الحيض إن حمل على الإسم والمراد من هذا الإعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة أو الملامسة فإن ذلك جائز بل يجوز


"""""" صفحة رقم 226 """"""
الإستمتاع منها بما عدا الفرج أو بما دون الإزار على خلاف في ذلك وأما ما يروى عن ابن عباس وعبيدة السلماني انه يجب على الرجل ان يعتزل فراش زوجته إذا حاضت فليس ذلك بشيء ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين قوله ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) قرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بسكون الطاء وضم الهاء وقرأ حمزة والكسائى وعاصم في رواية أبي بكر ( يطهرن ) بتشديد الطاء وفتحها وفتح الهاء وتشديدها وفي مصحف أبي وابن مسعود ( ويتطهرن ) والطهر انقطاع الحيض والتطهر الاغتسال وبسبب اختلاف القراء اختلف أهل العلم فذهب الجمهور إلى ان الحائض لا يحل وطؤها لزوجها حتى تتطهر بالماء وقال محمد بن كعب القرظي ويحيى بن بكير إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلت لزوجها وإن لم تغتسل وقال مجاهد وعكرمة إن انقطاع الدم يحلها لزوجها ولكن تتوضأ وقال أبو حنفية وأبو يوسف ومحمد إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له ان يطأها قبل الغسل وإن كان إنقطاعه قبل العشر لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة وقد رجح ابن جرير الطبري قراءة التشديد والاولى ان يقال إن الله سبحانه جعل للحل غايتين كما تقتضيه القراءتان إحداهما انقطاع الدم والأخرى التطهر منه والغاية الأخرى مشتملة على زيادة على الغاية الأولى فيجب المصير إليها وقد دل أن الغاية الأخرى هي المعتبرة قوله تعالى بعد ذلك ( فإذا تطهران ) فإن ذلك يفيد أن المعتبر التطهر لا مجرد انقطاع الدم وقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة بالعمل بتلك الزيادة كذلك يجب الجمع بين القراءتين قوله ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) أي فجامعوهن وكنى عنه بالإتيان والمراد أنهم يجامعونهن في المأتى الذي اباحه الله وهو القبل قيل و ( من حيث ) بمعنى في حيث كما في قوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة أي في يوم الجمعة وقوله ماذا خلقوا من الأرض أي في الأرض وقيل ان المعنى من الوجه الذي أذن الله لكم فيه أي من غير صوم وإحرام وأعتكاف وقيل إن المعنى ومن قبل الطهر لا من قبل الحيض وقيل من قبل الحلال لا من قبل الزنا قوله ( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) قيل المراد التوابين من الذنوب والمتطهرون من الجنابة والأحداث وقيل التوابون من إتيان النساء في أدبارهن وقيل من إتيانهن في الحيض والأول أظهر
البقرة : ( 223 ) نساؤكم حرث لكم . . . . .
قوله ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أني شئتم ) لفظ الحرث يفيد ان الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة إذ هو مزدرع الذرية كما أن الحرث مزدرع النبات فقد شبه ما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبات بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه وهذه الجملة بيان للجملة الأولى أعنى قوله ( فأتوهن من حيث أمركم الله 9 وقوله ( أني شئتم ) أي من أي جهة شئتم من خلف وقدام وباركة ومستلقية ومضطجعة إذا كان في موضع الحرث وأنشد ثعلب إنما الأرحام أرضو
ن لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها
وعلى الله النبات
وإنما عبر سبحانه بقوله ( أني ) لكونها أعم في اللغة من كيف وأين ومتى وأما سيبويه ففسرها هنا بكيف وقد ذهب السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة إلى ما ذكرناه من تفسير الآية وأن إتيان الزوجة في دبرها حرام وروى عن سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون أنه يجوز ذلك حكاه عنهم القرطبي في تفسيره قال وحكى ذلك عن مالك في كتاب له يسمى ( كتاب السر ) وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ومالك أجل من أن يكون له كتاب سر ووقع هذا


"""""" صفحة رقم 227 """"""
القول في العتبية وذكر ابن العربي أن ابن شعبان اسند جواز ذلك إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب ( جماع النسوان وأحكام القرآن ) وقال الطحاوي روى أصبغ بن الفرج عن عبدالرحمن بن القاسم قال ما أدركت أحدا أقتدى به في ديني شك في أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ ( نساؤكم حرث لكم ) ثم قال فأي شيء أبين من هذا وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك وفي أسانيدها ضعف وقد روى الطحاوي عن محمد بن عبد الله بن عبدالحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في تحليله ولا تحريمه شئ والقياس أنه حلال وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب قال ابن الصباغ كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب ابن عبدالحكم على الشافعي في ذلك فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه قوله وقدموا لأنفسكم ) أي خيرا كما في قول إبراهيم تعالى وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله وقيل ابتغاء الولد وقيل التزويج بالعفائف وقيل غير ذلك وقوله ( واتقوا الله ) فيه تحذير عن الوقوع في شيء من المحرمات وفي قوله ( واعلموا أنكم ملاقوه ) مبالغة في التحذير وفي قوله ( وبشر المؤمنين ) تانيس لمن يفعل الخير ويجتنب الشر
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أنس ( أن اليهود كانوا إذ حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت فسئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك فأنزل الله ( ويسألونك عن المحيض ) الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شئ إلا النكاح ) وأخرج النسائي والبزاز عن جابر قال إن اليهود قالوا من أتي المرأة في دبرها كان ولده أحول فجاءوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألوه عن ذلك وعن إتيان الحائض فنزلت وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال الاذى الدم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( فاعتزلوا النساء ) يقول اعتزلوا نكاح فروجهن وفي قوله ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ) قال من الدم وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال حتى ينقطع الدم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ( فإذا تطهرن ) قال بالماء وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه أيضا وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وعطاء أنهما قالا إذا رأت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) قال يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) قال من حيث أمركم أن تعزلوهن وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيقهي عن ابن عباس قال من حيث نهاكم أن تاتوهن وهن حيض يعني من قبل الفرج وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية قال ( فأتوهن من حيث أمركم الله ) من قبل التزويج وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله ) يحب التوابين ( قال من الذنوب ) ويحب المتطهرين ( قال بالماء وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش قال التوبة من الذنوب و التطهير من الشرك وأخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن جابر قال كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها جاء الولد أحول فنزلت ( نساءكم حرث لكم فأتوا حرثكم أتي شئتم ) إن شاء محتبية وإن شاء غير محتبية غير ان ذلك في صمام واحد وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن مرة الهمذاني


"""""" صفحة رقم 228 """"""
نحوه وقد روى هذا عن جماعة من السلف وصرحوا أنه السبب ومن الراوين لذلك عبدالله بن عمر عند ابن عساكر وام سلمة عند عبدالرزاق وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب وأخرجه أيضا عنها ابن أبي شيبة وأحمد والدرامي وعبد بن حميد والترمذي وحسنه ( أنها سالت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعض نساء الأنصار عن التحبية فتلا عليها الآية وقال صماما واحدا ) والصمام السبيل وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي والضياء في المختارة وغيرهم عن ابن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك قال حولت رحلي الليلة فلم يرد عليه شيئا فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية ( نساؤكم حرث لكم ) يقول أقبل وأدبر وأتق الدبر والحيضة وأخرج أحمد عن ابن عباس مرفوعا ان هذه الآية نزلت في اناس من الأنصار أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فسالوه فقال أئتها على كل حال إذا كان في الفرج وأخرج الدارمى وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيقهي في سننه عنه قال ابن عمر والله يغفر له أولهم وأنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بفعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يفعل بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك والا فاجتنبني فسرى أمرهما فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فانزل الله الآية 0 نساؤكم حرث لكم ) يقول مقبلات ومدبرات بعد أن يكون في الفرج وإن كان من قبل دبرها في قبلها زاد الطبراني قال ابن عباس قال ابن عمر في دبرها فأوهم والله يغفرله وإنما كان هذا الحديث على هذا وأخرج سعيد ابن منصور وعبد بن حميد والدرامى والبيهقي عن ابن مسعود انه قال محاش النساء عليكم حرام وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن المنذر والبيقهي في سننه من طريق خزيمة بن ثابت ( ان سائلا سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أتيان النساء في أدبارهن فقال حلال أولا باس فلما ولى دعاه فقال كيف قلت أمن دبرها في قبلها فنعم أم من دبرها في دبرها فلا أن الله لايستحيي من الحق لا تأتوا النساء في ادبارهن ) وأخرج ابن عدي والدارقطني عن جابر بن عبدالله نحوه وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 0 لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في الدبر ) وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن ابن عمرو ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى ) وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ملعون من أتى امرأته في دبرها ) وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي عنه قال إتيان الرجال النساء في ادبارهن كفر وقد رواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعا قال ابن كثير والموقوف أصح وقد ورد النهي عن ذلك من طرق منها عند البزار عن عمر مرفوعا وعند النسائي عنه موقوفا وهو أصح وعند ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود مرفوعا وعند ابن عدي أيضا عن عقبة بن عامر مرفوعا وعند أحمد عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق مرفوعا و عند ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه عن على بن طلق مرفوعا وقد ثبت نحو ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين مرفوعا وموقوفا وأخرج البخاري وغيره عن نافع قال قرأت ذات يوم ( نساؤكم حرث لكم ) فقال ابن عمر أتدري فيم أنزلت هذه الآية قلت


"""""" صفحة رقم 229 """"""
لا قال نزلت في إتيان النساء من ادبارهن وأخرج البخاري عن ابن عمر انه قال ( فأتوا حرثكم اني شئتم ) قال في الدبر وقد روى هذا عن ابن عمر من طرق كثيرة وفي رواية عند الدارقطني انه قال له نافع من دبرها في قبلها فقال لآ إلا في دبرها وأخرج بن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي وابن مردويه بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري ان رجلا أصاب إمرأته في دبرها فانكر الناس عليه ذلك فنزلت الآية واخرج البيهقي في سننه عن محمد بن على قال كتب عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال ما تقول في إتيان المرأة في دبرها فقال هذا شيخ من قريش فسله يعني عبدالله بن على بن السائب فقال قذر ولو كان حلالا وقد روى القول بحل ذلك عن محمد بن المنكدر عند ابن جرير وعن بن أبي مليكة عند ابن جرير أيضا وعن مالك ابن نس عند ابن جرير والخطيب وغيرهما وعن الشافعي عند الطحاوي والحاكم والخطيب وقد قدمنا مثل هذا وليس في أقوال هؤلاء حجة ألبتة ولا يجوز لأحد أن يعمل على أقوالهم فإنهم لم يأتوا بدليل يدل على الجواز فمن زعم منهم انه فهم ذلك من الآية فقد أخطأ في فهمه وقد فسرها لنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأكابر أصحابه بخلاف ما قاله هذا المخطئ في فهمه كائنا من كان ومن زعم منهم ان سبب نزول الآية ان رجلا أتى امرأته في دبرها فليس في هذا ما يدل على ان الآية أحلت ذلك ومن زعم ذلك فقد أخطا بل الذي تدل عليه الآية أن ذلك حرام فكون ذلك هو السبب لا يستلزم ان تكون الآية نازلة في تحليله فإن الآيات النازلة على أسباب تاتي تارة بتحليل هذا وتارة بتحريمه وقد روى عن ابن عباس انه فسر هذه الآية بغير ما تقدم فقال معناها إن شئتم فاعزلوا وان شئتم فلا تعزلوا روى ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والضياء في المختارة وروى نحو ذلك عن ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وعن سعيد بن المسيب أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير
البقرة 224 225
البقرة : ( 224 ) ولا تجعلوا الله . . . . .
العرضة النصبة قاله الجوهري يقال جعلت فلانا عرضة لكذا أي نصبة وقيل العرضة من الشدة والقوة ومنه قولهم للمرأة عرضة للنكاح إذا صلحت له وقويت عليه ولفلان عرضة أي قوة ومنه قول كعب بن زهير من كل نضاخة الدفرى إذا عرقت
عرضتها طامس الأعلام مجهول
ومثله قول أوس بن حجر وأدماء مثل العجل يوما عرضتها
لرحلى وفيها هزة وتقاذف
ويطلق العرضة على الهمة ومنه قول الشاعر هم الأنصار عرضتها اللقاء اي همتها ويقال فلان عرضة للناس لا يزالون يقعون فيه فعلى المعنى الذي ذكره الجوهري ان العرضة النصبة كالقبضة والغرفة يكون ذلك اسما لما تعرضه دون الشيء أي تجعله حاجزا له ومانعا منه أي لا تجعلوا الله حاجزا ومانعا لما حلفتم عليه وذلك لأن الرجل كان يحلف على بعض الخير من صلة رحم أو إحسان إلى الغير أو إصلاح


"""""" صفحة رقم 230 """"""
بين الناس بأن لا يفعل ذلك ثم يمتنع من فعله معللا لذلك الامتناع بأنه قد حلف أن لا يفعله وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير الآية ينهاهم الله أن يجعلوه عرضة لايمانهم أي حاجزا لما حلفوا عليه ومانعا منه وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين وعلى هذا يكونه قوله ( أن تبروا ) عطف بيان لأيمانكم أي لا تجعلوا الله مانعا للأيمان التي هي بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ويتعلق قوله ( لأيمانكم ) بقوله ( لا تجعلوا ) أي لا تجعلوا الله لأيمانكم مانعا وحاجزا ويجوز ان يتعلق بعرضة أي لا تجعلوه شيئا معترضا بينكم وبين البر وما بعده وعلى المعنى الثاني وهو ان العرضة الشدة والقوة يكون معنى الآية لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم وعدة في الامتناع من الخير ولا يصح تفسير الآية على المعنى الثالث وهو تفسير العرضة بالهمة وأما على المعنى الرابع وهو من قولهم فلان لا يزال عرضة للناس أي يقعون فيه فيكون معنى الآية عليه ولا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبتذلونه بكثرة الحلف به ومنه ) واحفظوا أيمانكم ( وقد ذم الله المكثرين للحلف فقال ) ولا تطع كل حلاف مهين ( وقد كانت العرب تتمادح بقلة الأيمان حتى قال قائلهم قليل الألايا حافظ ليمينه
وإن ندرت منه الألية برت
وعلى هذا فيكون قوله ( أن تبروا ) علة للنهى أي لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن من يكثر الحلف بالله يجترئ على الحنث ويفجر في يمينه وقد قيل في تفسير الآية أقوال هي راجعة إلى هذه الوجوه التي ذكرناها فمن ذلك قول الزجاج معنى الآية ان يكون الرجل إذا طلب منه الفعل الذي فيه خيرا اعتل بالله فقال على يمين وهو لم يحلف وقيل معناها لا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والاصلاح وقيل معناها إذا حلفتم على أن لا تصلوا ارحامكم ولا تتصدقوا ولا تصلحوا وعلى أشباه ذلك من أبواب البر فكفروا عن اليمين وقد قيل إن قوله ( أن تبروا ) مبتدأ خبره محذوف أي البر والتقوى والإصلاح أولى قاله الزجاج وقيل إنه منصوب أي لا تمنعكم اليمين بالله البر والتقوى والإصلاح وروى ذلك عن الزجاج أيضا وقيل معناه أن لاتبروا فحذف لا كقوله يبين الله لكم ان تضلوا أي لا تضلوا قاله ابن جرير الطبري وقيل هو في موضع جر على قول الخليل والكسائي والتقدير في أن ) تبروا ( وقوله ) سميع ( أي لأقوال العباد ) عليم ( بما يصدر منهم
البقرة : ( 225 ) لا يؤاخذكم الله . . . . .
واللغو مصدر لغا يلغو لغوا ولغى يلغى لغيا إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام أو بما لا خير فيه وهو الساقط الذي لا يعتد به فاللغو من اليمين هو الساقط الذي لا يعتد به ومنه اللغو في الدية وهو الساقط الذي لا يعتد به من أولاد الإبل قال جرير ويذهب بينها والمري لغوا كما
ألغيت في الدية الحوارا
وقال آخر ورب أسراب حجيج كظم
عن اللغا ورفث التكلم
أي لا يتكلمن بالساقط والرفث ومعنى الآية لا يعاقبكم الله بالساقط من أيمانكم ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم أي اقترفته بالقصد إليه وهي اليمين المعقودة ومثله قوله تعالى ) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ( ومثله قول الشاعر ولست بمأخوذ بلغو يقوله
إذا لم تعمد عاقدات العزائم
وقد اختلف أهل العلم في تفسير اللغو فذهب ابن عباس وعائشة وجمهور العلماء أيضا أنه قول الرجل لا والله وبلى والله في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين ولا مريد لها قال المروزي هذا معنى لغو اليمين الذي


"""""" صفحة رقم 231 """"""
اتفق عليه عامة العلماء وقال أبو هريرة وجماعة من السلف هو أن يحلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه إياه فإذا ليس هو ما ظنه وإلى هذا ذهب الحنفية والزيدية وبه قال مالك في الموطأ وروى عن ابن عباس أنه قال لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان وبه قال طاوس ومكحول وروى عن مالك وقيل إن اللغو هو يمين المعصية قاله سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبدالرحمن وعبدالله بن الزبير وأخوه عروة كالذي يقسم ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم وقيل لغو اليمين هو دعاء الرجل على نفسه كأن يقول اعمى الله بصره أذهب الله ماله هو يهودي هو مشرك قاله زيد بن أسلم وقال مجاهد لغو اليمين أن يتبايع الرجلان فيقول أحدهما والله لا أبيعك بكذا ويقول الآخر والله لا أشتريه بكذا وقال الضحاك لغو اليمين هي المكفرة أي إذا كفرت سقطت وصارت لغوا والراجح القول الأول لمطابقته للعنى اللغوى ولدلالة الأدلة عليه كما سيأتي وقوله ) والله غفور حليم ( أي حيث لم يؤاخذكم بما تقولونه بألسنتكم من دون عمد وقصد وآخذكم بما تعمدته قلوبكم وتكلمت به ألسنتكم وتلك هي اليمين المعقودة المقصودة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ( يقول لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عنه هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته أو لا يتصدق ويكون بين رجلين مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول قد حلفت قال يكفر عن يمينه وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال جاء رجل إلى عائشة فقال إني نذرت إن كلمت فلانا فإن كل مملوك لي عتيق وكل مال لي ستر للبيت فقالت لا تجعل مملوكيك عتقاء ولا تجعل مالك سترا للبيت فإن الله يقول ) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ( فكفر عن يمينك وقد ورد أن هذه الآية نزلت في أبي بكر في شأن مسطح رواه ابن جرير عن ابن جريج والقصة مشهورة وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ) وثبت أيضا في الصحيحين وغيرهما أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فارى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني ) وأخرج ابن ماجة وابن جرير عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه ) وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة رحم ) وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن عمر مرفوعا مثله وأخرج النسائي وابن ماجه عن مالك الجشمي قال قلت يا رسول الله يأتيني ابن عمي فأحلف أن لا أعطيه ولا أصله فقل كفر عن يمينك وأخرج مالك في الموطأ وعبدالرزاق وعبد بن حميد والبخاري وغيرهم عن عائشة قالت أنزلت هذه الآية ) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ( في قول الرجل لا والله وبلى والله وكلا والله وأخرج أبو داود وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن اللغو في اليمين فقال قالت عائشة إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله ) وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عائشة أنها قالت في تفسيره الآية إن اللغو هو القوم يتدارون في الأمر يقول هذا لا والله ويقول هذا كلا والله يتدارون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عائشة أنها قالت هو اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل لا والله وبلى والله فذاك لا كفارة فيه


"""""" صفحة رقم 232 """"""
وإنما الكفارة فيما عقد قلبه عليه أن يفعله ثم لا يفعله وأخرج ابن جرير عن الحسن قال ( مر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوم ينتضلون ومع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رجل من أصحابه فرمى رجل من القوم فقال أصبت والله وأخطأت والله فقال الذي مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حنث الرجل يا رسول الله فقال كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة وقد روى أبو الشيخ عن عائشة وابن عباس وابن عمر وابن عمرو أن اللغو لا والله وبلى والله أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه قال لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فإذا هو غير ذلك وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن عائشة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنها أن يحلف الرجل على تحريم ما أحل الله له وأخرج عبدالرزاق وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال هو الرجل يحلف على المعصية وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن النخعي هو أن يحلف الرجل على الشيء ثم ينسى وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) والله غفور ( يعني إذ تجاوز عن اليمين التي حلف عليها ) حليم ( إذ لم يجعل فيها الكفارة
البقرة 226 227
البقرة : ( 226 ) للذين يؤلون من . . . . .
قوله ) يؤلون ( أي يحلفون والمصدر إيلا وألية وألوة وقرأ ابن عباس الذين آلوا ) يقال آلى يؤالي إيلا ويأتلي بالتاء ائتلاء أي حلف ومنه ) ولا يأتل أولوا الفضل منكم ( ومنه قليل الألايا حافظ ليمينه
البيت وقد اختلف أهل العلم في الإيلاء فقال الجمهور إن الإيلاء هو أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر فإن حلف على أربعة أشهر فما دونها لم يكن موليا وكانت عندهم يمينا محضا وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وقال الثوري والكوفيون الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا وهو قول عطاء وروى عن ابن عباس أنه لا يكون موليا حتى يحلف أن لا يمسها أبدا وقالت طائفة إذا حلف أن لا يقرب إمرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء وبه قال ابن مسعود والنخعي وابن أبي ليلى والحكم وحماد بن أبي سليمان وقتادة وإسحاق قال ابن المنذر وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم قوله ) من نسائهم ( يشمل الحرائر والإماء إذا كن زوجات وكذلك يدخل تحت قوله ) للذين يؤلون ( العبد إذا حلف من زوجته وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور قالوا وإيلاؤه كالحر وقال مالك والزهري وعطاء وأبو حنيفة وإسحاق إن أجله شهران وقال الشعبي إيلاء الأمة نصف ايلاء الحرة والتربص التأني والتأخر قال الشاعر
تربض بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو بموت حليلها
وقت الله سبحانه بهذه المدة دفعا للضرار عن الزوجة وقد كان أهل الجاهلية يؤلون السنة والسنتين وأكثر من ذلك يقصدون بذلك ضرار النساء وقد قيل إن الأربعة الأشهر هي التي لا تطيق المرأة الصبر عن زوجها زيادة عليها قوله ? فإن فاءوا ? أي رجعوا ومنه ) حتى تفيء إلى أمر الله ( أي ترجع ومنه قيل للظل بعد الزوال فيء لأنه رجع عن جانب المشرق إلى جانب المغرب يقال فاء يفيء فئة وفيوءا وإنه لسريع الفيئة أي الرجعة ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 233 """"""
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له
ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا
قال ابن المنذر واجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الفيء الجماع لمن لا عذر له فإن كان له عذر مرض أو سجن فهي إمرأته فإذا زال العذر فأبى الوطء فرق بينهما إن كانت المدة قد انقضت قاله مالك وقالت طائفة إذا اشهد على فيئه بقلبه في حال العذر أجزأه وبه قال الحسن وعكرمة والنخعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل وقد أوجب الجمهور على المولى إذا فاء بجماع إمرأته الكفارة وقال الحسن والنخعي لا كفارة عليه
البقرة : ( 227 ) وإن عزموا الطلاق . . . . .
قوله ) وإن عزموا الطلاق ( العزم العقد على الشيء ويقال عزم يعزم عزما وعزيمة وعزمانا واعتزم اعتزاما فمعنى عزموا الطلاق عقدوا عليه قلوبهم والطلاق من طلقت المرأة تطلق كنصر ينصر طلاقا فهي طالق وطالقة أيضا ويجوز طلقت بضم اللام مثل عظم يعظم وأنكره الأخفش والطلاق حل عقد النكاح وفي ذلك دليل على أنها لا تطلق بمضي أربعة آشهر كما قال مالك ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة وأيضا فإنه قال ( سميع ) وسميع يقتضي مسموعا بعد المضي وقال أبو حنيفة ( سميع ) لإيلائه ( عليم ) بعزمه الذي دل عليه مضي أربعة أشهر واعلم أن أهل كل مذهب قد فسروا هذه الآية بما يطابق مذهبهم وتكلفوا بما لم يدل عليه اللفظ ولا دليل آخر ومعناها ظاهر واضح وهو أن الله جعل الأجل لمن يولي أي يحلف من امرأته أربعة أشهر ثم قال مخبر لعباده بحكم هذا المولى بعد هذه المدة ) فإن فاؤوا ( رجعوا إلى بقاء الزوجية واستدامة النكاح ) فإن الله غفور رحيم ( أي لا يؤاخذهم بتلك اليمين بل يغفر لهم ويرحمهم ) وإن عزموا الطلاق ( أي وقع العزم منهم عليه والقصد له ) فإن الله سميع ( لذلك منهم ) عليم ( به فهذا معنى الآية الذي لا شك فيه ولا شبهة فمن حلف أن لا يطأ إمرأته ولم يقيد بمدة أو قيد بزيادة على أربعة أشهر كان علينا إمهاله أربعة أشهر فإذا مضت فهو بالخيار إما رجع إلى نكاح إمرأته وكانت زوجته بعد مضي المدة كما كانت زوجته قبلها أو طلقها وكان له حكم المطلق لامرأته ابتداء وأما إذا وقت بدون أربعة اشهر فإن أراد أن يبر في يمينه اعتزل إمرأته التي حلف منها حتى تنقضي المدة كما فعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين آلى من نسائه شهرا فإنه اعتزلهن حتى مضى الشهر وإن أراد أن يطأ إمرأته قبل مضي تلك المدة التي هي دون أربعة أشهر حنث في يمينه ولزمته كفارة وكان ممتثلا لما صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله ( من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير منه وليكفر عن يمينه )
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الشافعي وعبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال الإيلاء أن يحلف أنه لا يجامعها أبدا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه في قوله ) للذين يؤلون من نسائهم ( قال هو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها فتتربص أربعة أشهر فإن هو نكحها كفر عن يمينه فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيره السلطان إما أن يفيء وإما أن يعزم فيطلق كما قال الله سبحانه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي عنه قال كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك فوقت الله لهم أربعة أشهر فإن كان إيلاؤه اقل من اربعة أشهر فليس بإيلاء وأخرج عبد بن حميد عن علي قال الإيلاء إيلاءان إيلاء في الغضب وإيلاء في الرضا فأما الإيلاء في الغضب فإذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه وأما ما كان في الرضا فلا يؤاخذ به وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لا إيلاء إلا بغضب وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ ( فإن فاءوا فيهن فإن الله غفرو رحيم ) وأخرج عبد بن حميد عن علي قال الفيء الجماع وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 234 """"""
وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس مثله وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن المنذر عن علي قال الفيء الرضا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود مثله وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال الفيء الإشهاد وأخرج عبدالرزاق عنه قال الفيء الجماع فإن كان له عذر أجزأه أن يفيء بلسانه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال إذا حال بينه وبينها مرض أو سفر أو حبس أو شيء يعذر به فإشهاده فيء وللسلف في الفيء أقوال مختلفة فينبغي الرجوع إلى معنى الفيء لغة وقد بيناه وأخرج ابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه قال في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر لا شيء عليه حتى يوقف فيطلق أو يمسك وأخرج الشافعي وابن جرير والبيهقي عن عثمان بن عفان نحوه وأخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن علي نحوه وأخرج البخاري وعبد بن حميد عن ابن عمر نحوه أيضا وأخرج ابن جرير والبيهقي عن عائشة نحوه وأخرج ابن جرير والدارقطني والبيهقي من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال سألت اثنى عشر رجلا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الرجل يولي من امرأته فكلهم يقول ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة الأشهر فتوقف فإن فاء وإلا طلق وأخرج البيهقي عن ثابت بن عبيدة مولى زيد بن ثابت عن اثنى عشر رجلا من الصحابة نحوه وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عمر وابن عباس قالوا الإيلاء تطليقة بائنة إذا مرت أربعة أشهر قبل أن يفيء فهي أملك بنفسها وللصحابة والتابعين في هذا أقوال مختلفة متناقضة والمتعين الرجوع إلى ما في الآية الكريمة وهو ما عرفناك فاشدد عليه يديك وأخرج عبدالرزاق عن عمر قال إيلاء العبد شهران وأخرج مالك عن ابن شهاب قال إيلاء العبد نحو إيلاء الحر
البقرة 228
البقرة : ( 228 ) والمطلقات يتربصن بأنفسهن . . . . .
قوله ( المطلقات ) يدخل تحت عمومه المطلقة قبل الدخول ثم خصص بقوله تعالى ) فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ( فوجب بناء العام على الخاص وخرجت من هذا العموم المطلقة قبل الدخول وكذلك خرجت الحامل بقوله تعالى ) وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ( وكذلك خرجت الآيسة بقوله تعالى ) فعدتهن ثلاثة أشهر ( والتربص الانتظار قيل هو خبر في معنى الأمر أي ليتربصن قصد بإخراجه مخرج الخبر تأكيد وقوعه وزاده تأكيدا وقوعه خبرا للمبتدإ قال ابن العربي وهذا باطل وإنما هو خبر عن حكم الشرع فإن وجدت مطلقة لا تتربص فليس ذلك من الشرع ولا يلزم من ذلك وقوع خبر الله سبحانه على خلاف مخبره والقروء جمع قرء وروى عن نافع أنه قرأ ) قروء ( بتشديد الواو وقرأه الجمهور بالهمز وقرأ الحسن بفتح القاف وسكون الراء والتنوين قال الأصمعي الواحد قرء بضم القاف وقال أبو زيد بالفتح وكلاهما قال أقرأت المرأة حاضت وأقرأت طهرت وقال الأخفش أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض فإذا حاضت قلت قرأت بلا ألف وقال أبو عمرو بن العلاء من العرب من يسمى الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم


"""""" صفحة رقم 235 """"""
من يجمعهما جميعا فيسمي الحيض مع الطهر قرءا وينبغي أن يعلم أن القرء في الأصل الوقت يقال هبت الرياح لقرئها ولقارئها أي لوقتها ومنه قول الشاعر كرهت العقر عقر بني شليل
إذا هبت لقارئها الرياح
فيقال للحيض قرء وللطهر قرء لأن كل واحد منهما له وقت معلوم وقد أطلقته العرب تارة على الأطهار وتارة على الحيض فمن إطلاقه على الأطهار قول الأعشي أفي كل عام أنت جاشم غزوة
تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الحي رفعة
لما ضاع فيها من قروء نسائكا
أي أطهارهن ومن إطلاقه على الحيض قول الشاعر يا رب ذي حنق علي قارض
له قرو كقرو الحائض
يعني أنه طعنه فكان له دم كدم الحائض وقال قوم هو مأخوذ من قرى الماء في الحوض وهو جمعه ومنه القرآن لاجتماع المعاني فيه قال عمرو بن كلثوم ذراعي عيطل أدماء بكر
هجان اللون لم تقرا جنينا
أي لم تجمعه في بطنها والحاصل أن القروء في لغة العرب مشترك بين الحيض والطهر ولأجل هذا الاشتراك اختلف أهل العلم في تعيين ما هو المراد بالقروء المذكورة في الآية فقال أهل الكوفة هي الحيض وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وأبي موسى ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة والسدي وأحمد بن حنبل وقال أهل الحجاز هي الأطهار وهو قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثمان والشافعي واعلم أنه قد وقع الاتفاق بينهم على أن القرء الوقت فصار معنى الآية عند الجميع والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة أوقات فهي على هذا مفسرة في العدد مجملة في المعدود فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها فأهل القول الأول استدلوا على ان المراد في هذه الآية الحيض بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( دعي الصلاة أيام أقرائك ) وبقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ) وبأن المقصود من العدة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر واستدل أهل القول الثاني بقوله تعالى ) فطلقوهن لعدتهن ( ولا خلاف أنه يؤمر بالطلاق وقت الطهر ولقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لعمر ( مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء وذلك لأن زمن الطهر هو الذي تطلق فيه النساء قال أبو بكر بن عبدالرحمن ما أدركنا أحدا من فقهائنا إلا يقول بأن الاقراء هي الأطهار فإذا طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة ولو لحظة ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة خرجت من العدة انتهى وعندي أن لا حجة في بعض ما احتج به أهل القولين جميعا أما قول الأولين أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( دعي الصلاة أيام أقرائك ) فغاية ما في هذا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أطلق الأقراء على الحيض ولا نزاع في جواز ذلك كما هو شأن اللفظ المشترك فإنه يطلق تارة على هذا وتارة على هذا وإنما النزاع في الأقراء المذكورة في هذه الآية وأما قوله ( صلى الله عليه وسلم ) في الأمة ( وعدتها حيضتان ) فهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارقطني والحاكم وصححه من حديث عائشة مرفوعا وأخرجه ابن ماجة والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا أيضا ودلالته على ما قاله الأولون قوية وأما قولهم إن المقصود من


"""""" صفحة رقم 236 """"""
العدة استبراء الرحم وهو يحصل بالحيض لا بالطهر فيجاب عنه بأنه إنما يتم لو لم يكن في هذه العدة شئ من الحيض على فرض تفسير الأقراء بالأطهار وليس كذلك بل هي مشتملة على الحيض كما هي مشتملة على الأطهار وأما استدلال أهل القول الثاني بقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن فيجاب عنه بأن التنازع في اللام في قوله لعدتهن يصير ذلك محتملا ولا تقوم الحجة بمحتمل وأما استدلالهم بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لعمر ( مره فليراجعها ) الحديث فهو في الصحيح ودلالته قوية على ما ذهبوا إليه ويمكن أن يقال إنها تنقضي العدة بثلاثة أطهار أو بثلاث حيض ولا مانع من ذلك فقد جوز جمع من أهل العلم حمل المشترك على معنييه وبذلك يجمع بين الادلة ويرتفع الخلاف ويندفع النزاع وقد استكشل الزمخشري تمييز الثلاثة بقوله قروء وهي جمع كثرة دون أقراء التي هي من جموع القلة وأجاب بأنهم يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية قوله ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ) قيل المراد به الحيض وقيل الحمل وقيل كلاهما ووجه النهي عن الكتمان ما فيه في بعض الأحوال من الاضرار بالزوج وإذهاب حقه فإذا قالت المرأة حضت وهي لم تحض ذهبت بحقه من الارتجاع وإذا قالت لم تحض وهي قد حاضت ألزمته من النفقة ما لم يلزمه فاضرت به وكذلك الحمل ربما تكتمه التقطع حقه من الارتجاع وربما تدعيه لتوجب عليه النفقة ونحو ذلك من المقاصد المستلزمة للاضرار بالزوج وقد اختلفت الأقوال في المدة التي تصدق فيها المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها وقوله ( إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ) فيه وعيد شديد للكاتمات وبيان أن من كتمت ذلك منهن لم تستحق اسم الإيمان والبعولة جمع بعل وهو الزوج سمى بعلا لعلوه على الزوجة لأنهم يطلقونه على الرب ومنه قوله تعالى أتدعون بعلا أي ربا ويقال بعول وبعولة كما يقال في جمع الذكر ذكور وذكورة وهذه التاء لتأنيث الجمع وهو شاذ لا يقاس عليه بل يعتبر فيه السماع والبعولة أيضا تكون مصدرا من بعل الرجل يبعل مثل منع يمنع أي صار بعلا وقوله ( أحق بردهن ) أي برجعتهن وذلك يختص بمن كان يجوز للزوج مراجعتها فيكون في حكم التخصيص لعموم قوله ( والمطلقات يتربصن بانفسهن ) لأنه يعم المثلثات وغيرهن وقوله ( في ذلك ) يعني في مدة التربص فإن إنقضت مدة التربص فهي أحق بنفسها ولا تحل له إلا بنكاح مستأنف بولى وشهود ومهر جديد ولا خلاف في لك والرجعة تكون باللفظ وتكون بالوطء ولا يلزم المراجع شئ من أحكام النكاح بلا خلاف وقوله ( إن أرادوا إصلاحا ) أي بالمراجعة أي إصلاح حاله معها وحالها معه فإن قصد الاضرار بها فهي محرمهة لقوله تعالى ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) قيل وإذا قصد بالرجعة الضرار فهي صحيحة وإن ارتكب بذلك محرما وظلم نفسه وعلى هذا فيكون الشرط المذكور في الآية للحث للأزواج على قصد الصلاح والزجر لهم عن قصد الضرار وليس المراد به جعل قصد الإصلاح شرطا لصحة الرجعة قوله ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) أي لهن من حقوق الزوجية على الرجال بمثل ما للرجال عليهن فيحسن عشرتها بما هو معروف من عادة الناس أنهم يفعلونه لنسائهم وهي كذلك تحسن عشرة زوجها بما هو معروف من عادة النساء أنهن يفعلنه لأزواجهن من طاعة وتزين وتحبب ونحو ذلك قوله ( وللرجال عليهن درجة ) أي منزلة ليست لهن وهو قيامه عليها في الانفاق وكونه من أهل الجهاد والعقل والقوة وله من الميراث أكثر مما لها وكونه يجب عليها امتثال أمره والوقوف عند رضاه ولو لم يكن من فضيلة الرجال على النساء إلا كونهن خلقن من الرجال لما ثبت أن حواء خلقت من ضلع آدم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو داود وابن حاتم والبيقهي في سننه عن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت طلقت


"""""" صفحة رقم 237 """"""
على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يكن للمطلقة عدة فأنزل الله حين طلقت العدة للطلاق فقال ( والمطلقات يتربصن ) الآية وأخرج أبو داود والنسائي وابن المنذر عن ابن عباس ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) ثم قال واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن اريتم فعدتهن ثلاثة أشهر فنسخ وقال ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي من طرق عن عائشة أنها قالت الأقراء الأطهار وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر والبيقهي عن ابن عمر وزيد بن ثابت مثله وأخرج المذكورون عن عمرو بن دينار قال الأقراء الحيض عن أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج البيهقي وأبن جرير عن ابن عباس في قوله ( ثلاثة قروء ) قال ثلاث حيض وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله تعالى ( ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ) قال كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر فنهاهن الله عن ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر في الآية قال الحمل والحيض وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيقهي عن ابن عباس في قوله تعالى ( وبعولتهن أحق بردهن ) يقول إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو تطليقتين وهي حامل فهو أحق برجعتها ما لم تضع حملها وهو قوله 0 ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير والبيقهي عن مجاهد في قوله ( وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ) قال في العدة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وزاد ما لم يطلقها ثلاثا وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ( ولهن مثل الذي عليهن ) قال إذا أطعن الله واطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته وقد أخرج أهل السنن عن عمرو بن الأحوص أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ألا أن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا أما حقكم على نسائكم أن لا يو طئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) وصححه الترمذي وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية بن حيدة القشيري ( أنه سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما حق المرأة على الزوج قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تهجر إلا في البيت ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ( وللرجال عليهن درجة ) قال فضل ما فضله الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها وأخرج عبد بن حميد وابن حاتم عن أبي مالك في الآية قال يطلقها وليس لها من الأمر شيء وأخرجا عن زيد بن أسلم قال الإمارة
البقرة آية ( 229 )


"""""" صفحة رقم 238 """"""
البقرة آية ( 230 )
البقرة : ( 229 ) الطلاق مرتان فإمساك . . . . .
المراد بالطلاق المذكور هو الرجعي بدليل ما تقدم في الآية الأولى أي الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة للأزواج هو مرتان أي الطلقة الأولى والثانية إذلارجعة بعد الثالثة وإنما قال سبحانه ( مرتان ) ولم يقل طلقتان إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة بعد مرة لا طلقتان دفعة واحدة كذا قال جماعة من المفسرين ولما لم يكن بعد الطلقة الثانية إلا أحد أمرين إما إيقاع الثالثة التي بها تبين الزوجة أو الإمساك لها واستدامة نكاحها وعدم إيقاع الثالثة عليها قال سبحانه ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) أي فأمساك بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين بمعروف أي بما هو معروف عند الناس من حسن العشرة ( أو تسريح بإحسان ) أي بإيقاع طلقة ثالثة عليها من دون ضرار لها وقيل المراد ( فإمساك بمعروف ) أي برجعة بعد الطلقة الثانية ( أو تسريح بإحسان ) أي بترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدتها والأول أظهر وقوله ( الطلاق ) مبتدأ بتقدير مضاف أي عدد الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة مرتان وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثلاث دفعة واحدة هل يقع ثلاثا أو واحدة فقط فذهب إلى الأول الجمهور وذهب إلى الثاني من عداهم وهو الحق وقد قررته في مؤلفاتي تقريرا بالغا وأفردته برسالة مستقلة قوله ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) الخطاب للأزواج أي لا يحل للأزواج أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئا على وجه المضارة لهن وتنكير ( ( شيئا ) ) للتحقير أي شيئا نزرا فضلا عن الكثير وخص ما دفعوه إليهن بعدم حل الأخذ منه مع كونه لا يحل للأزواج أن يأخذوا شيئا من أموالهن التي يملكنها من غير المهر لكون ذلك هو الذي تتعلق به نفس الزوج وتتطلع لأخذه دون ما عداه مما هو في ملكها على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحل له كان ما عداه ممنوعا منه بالأولى وقيل الخطاب في قوله ( ولا يحل لكم ) للأئمة والحكام ليطابق قوله ( فإن خفتم ) فإن الخطاب فيه للأئمة والحكام وعلى هذا يكون إسناد الأخذ إليهم لكونهم الآمرين بذلك والأول أولى لقوله ( مما آتيتموهن ) فإن إسناده إلى غير الأزواج بعيد جدا لأن إيتاء الأزواج لم يكن عن أمرهم وقيل إن الثاني أولى لئلا يتشوش النظم قوله ( إلا أن يخافا ) أي لا يجوز لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ( ان لا يقيما حدود الله ) اي عدم إقامة حدود الله التي حدها للزوجين وأوجب عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة فإن خافا ذلك 0 فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) أي لا جناح على الرجل في الأخذ وعلى المرأة في الإعطاء بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شئ من المال يرضي به الزوج فيطلقها لأجله وهذا هو الخلع وقد ذهب الجمهور إلى جواز ذلك للزوج وانه يحل له الأخذ مع ذلك الخوف وهو الذي صرح به القرآن وحكى ابن المنذر عن بعض أهل العلم انه لا يحل له ما أخذ ولا يجبر على رده وهذا في غاية السقوط وقرأ حمزة ( إلا أن يخافا ) على البناء للمجهول والفاعل محذوف وهو الأئمة والحكام واختاره أبو عبيد قال لقوله ( فإن خفتم ) فجعل الخوف لغير الزوجين وقد احتج بذلك من جعل الخلع إلى السلطان وهو سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين وقد ضعف النحاس اختيار أبي عبيد المذكور وقوله ( فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله ) أي إذا خاف الأئمة والحكام أو المتوسطون بين الزوجين وإن لم يكونوا أئمة وحكاما عدم إقامة حدود الله من الزوجين وهي ما أوجبه عليهما كما سلف وقد حكى عن بكر بن عبدالله المدني أن هذه الآية منسوجة بقوله تعالى في سورة النساء وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه


"""""" صفحة رقم 239 """"""
شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وهو قول خارج عن الإجماع ولا تنافي بين الإثنين وقد اختلف أهل العلم إذا طلب الزوج من المرأة زيادة على ما دفعه إليها من المهر وما يتبعه ورضيت بذلك المرأة هل يجوز أم لا وظاهر القرآن الجواز لعدم تقييده بمقدار معين وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وروى مثل ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وقال طاوس وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق إنه لا يجوز وسيأتي ما ورد في ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله تعالى ( تلك حدود الله ) أي أحكام النكاح والفراق المذكورة هي حدود الله التي أمرتم بامتثالها فلا تعتدوها بالمخالفة لها فتستحقوا ما ذكره الله من التسجيل على فاعل ذلك بأنه ظالم
البقرة : ( 230 ) فإن طلقها فلا . . . . .
قوله تعالى ( فإن طلقها ) أي الطلقة الثالثة التي ذكرها سبحانه بقوله ( اوتسريح بإحسان ) أي فإن وقع منه ذلك فقد حرمت عليه بالتثليث ( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) أي حتى تتزوج بزوج آخر وقد أخذ بظاهر الآية سعيد ابن المسيب ومن وافقه قالوا يكفي مجرد العقد لأنه المراد بقوله ( حتى تنكح زوجا غيره ) وذهب الجمهور من السلف والخلف إلى انه لا بد مع العقد من الوطء لما ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من اعتبار ذلك وهو زيادة يتعين قبولها ولعله لم يبلغ سعيد بن المسيب ومن تابعه وفي الآية دليل على انه لابد من ان يكون ذلك نكاحا شرعيا مقصودا لذاته لا نكاحا غير مقصود لذاته بل حيلة للتحليل وذريعة إلى ردها إلى زوج الأول فإن ذلك حرام للأدلة الواردة في ذمه وذم فاعله وانه التيس المستعار الذي لعنه الشارع ولعن من اتخذه لذلك قوله ( فإن طلقها ) أي الزوج الثاني ( فلا جناح عليهما ) أي الزوج الأول والمرأة ( أن يتراجعا ) أي يرجع كل واحد منهما لصاحبة قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على ان الحر إذا طلق زوجته ثلاثا ثم انقضت عدتها ونكحت زوجا ودخل بها ثم فارقها وانقضت عدتها ثم نكحها الزوج الأول انها تكون عنده على ثلاث تطليقات قوله ( إن ظنا ان يقيما حدود الله ) أي حقوق الزوجية الواجبة لكل منهما على الآخر وأما إذا لم يحصل ظن ذلك بأن يعلما أو أحدهما عدم الإقامة لحدود الله أو ترددا أو أحدهما ولم يحصل لهما الظن فلا يجوز الدخول في هذا النكاح لأنه مظنة للمعصية لله والوقوع فيما حرمه على الزوجين وقوله ( وتلك حدود الله ) إشارة إلى الأحكام المذكورة كما سلف وخص الذين يعلمون مع عموم الدعوة للعالم وغيره ووجوب التبليغ لكل فرد لأنهم المنتفعون بالبيان المذكور
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا مادنا وقت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها ثم قال والله لا آويك إلى ولا تحلين أبدا فأنزل الله ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق ومن لم يطلق وأخرج نحوه الترمذي وابن مردويه والحاكم وصححه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وأخرج البخاري عنها انها أتتها امرأة فسألتها عن شئ من الطلاق قالت فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ( الطلاق مرتان ) وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي رزين الأسدي قال قال رجل 0 يا رسول الله أرايت قول الله الطلاق مرتان فأين الثالثة قال التسريح بإحسان الثالثة ) وأخرج نحوه ابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد انه قال قال الله للثالثة ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي حبيب قال التسريح في كتاب الله الطلاق


"""""" صفحة رقم 240 """"""
وأخرج البيهقي من طريق السدى عن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ( الطلاق مرتان ) قالوا وهو الميقات الذي تكون فيه الرجعة فإذا طلق واحدة أو أثنتين فإما أن يمسك ويراجع بمعروف وإما أن يسكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية نحوه وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الرجل يأكل من مال امرأته الذي نحلها وغيره لا يرى ان عليه جناحا فأنزل الله ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) فلم يصح لهم بعد هذه الآية أخذ شئ من أموالهن إلا بحقها ثم قال ( إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ) وقال ) فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ) قال إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتدعوك إلى ان تفتدي منك فلا جناح عليك فيما افتدت به وأخرج مالك والشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي من طريق عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن حبيبة بنت سهل الأنصاري ( انها كانت تحب ثابت بن قيس وان رسول الله خرج إلى الصبح فوجدها عند بابه في الغلس فقال من هذه قالت أنا حبيبة بنت سهل فقال ما شأنك قالت لا أنا ولا بأنت فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله ان تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عنده فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها ) وأخرج ابن جرير عن ابن جريع قال نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة وكانت اشتكته إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تردين عليه حديقته قالت نعم فدعاه فذكر ذلك له فقال ويطيب لي ذلك قال نعم قال ثابت قد فعلت فنزلت ) ولا يحل لكم أن تأخذوا ( الآية ) وأخرج عبدالرزاق وأبو داود وابن جرير والبيهقي من طريق عمرة عن عائشة نحوه وأخرج البخاري والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس ان جميلة بنت عبد الله بن سلول امرأة ثابت بن قيس بن شماس ( اتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكن لاأطيقه بغضا وأكره الكفر في الإسلام قال أتردين عليه حديقته قالت نعم قال أقبل الحديقة وطلقها تطليقة ) ولفظ ابن ماجه ( فأمره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد ) وأخرج البيهقي من طريق عطاء قال ( أتت امرأة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقالت أني أبغض زوجي وأحب فراقه قال أتردين عليه حديقته التي أصدقك قالت نعم وزيادة فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أما الزيادة من مالك فلا ) وأخرج البيهقي عن أبي الزبير ان ثابت بن قيس فذكر القصة وفيه ( أما الزيادة فلا ) وأخرج ابن مردويه بإسناد جيد عن ابن عباس وفيه ( انه أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثابتا ان يأخذ ما ساق ولا يزداد ) وأخرج البيهقي عن أبي سعيد وذكر القصة وفيها ( فردت عليه حديقته وزادت ) وأخرج ابن جرير عن عمر انه قال في بعض المختلعات ( اخلعها ولو من قرطها ) وفي لفظ أخرجه عبد الرزاق عنه انه قال للزوج ( خذ ولو عقاصها 9 قال البخاري أجاز عثمان الخلع دون عقاصها وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن عطاء ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كره ان يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها وقد ورد في ذم المختلعات أحاديث منها عن ثوبان عند أحمد وأبي داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة وقال


"""""" صفحة رقم 241 """"""
المختلعات هن المنافقات ) ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لاتسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد مسيرة أربعين عاما ) ومنها عن أبي مريرة عند أحمد والنسائي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) ومنها عن عقبة عند ابن جرير مرفوعا مثل حديث أبي هريرة
وقد اختلف أهل العلم في عدة المختلعة والراجح انها تعتد بحيضة لما أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس ( ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر امرأة ثابت بن قيس ان تعتد بحيضة ) ولما أخرجه الترمذي عن الربيع بنت معوذ بن عفراء ( انها اختلعت على عهد رسول الله فأمرها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن تعتد بحيضة أو أمرت أن تعتد بحيضة قال الترمذي الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة وأخرج النسائي وابن ماجة عنها أنها قالت اختلعت من زوجي فجئت عثمان فسألته ماذا على من العدة فقال لا عدة عليك إلا ان يكون حديث عهد بك فتمكثين حتى تحيضى حيضة قالت غنما أتبع في ذلك قضاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مريم المغالية وكانت تحب ثابت بن قيس فاختلعت منه وأخرج النسائي عن الربيع بنت معوذ ( ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر امرأة ثابت بن قيس ان تتربص حيضة واحدة فتلحق بأهلها ) ولم يرد ما يعارض هذا من المرفوع بل ورد عن جماعة من الصحابة والتابعين ان عدة المختلعة كعدة الطلاق وبه قال الجمهور قال الترمذي وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم واستدلوا على ذلك بأن المختلعة من جملة المطلقات فهى داخلة تحت عموم القرآن والحق ما ذكرناه لأن ما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخصص عموم القرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ( فإن طلقها فلا تحل له ) يقول فإن طلقها ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وأخرج ابن المنذر عن على نحوه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي عن عائشة قالت ( جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت اني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجني عبدالرحمن بن الزبير وما معه إلا مثل هدبة الثوب فتبسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) وقد روى نحو هذا عنها من طرق وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن جرير والبيهقي عن عمر مرفوعا نحوه وأخرج أحمد وابن جرير والبيهقي عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ولم يسم هؤلاء الثلاثة الصحابة صاحبة القصة وأخرج أحمد والنسائي عن ابن عباس ( ان العميصاء أو الرميصاء اتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وفي آخره ( فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليس ذلك لك حتى يذوق عسيلتك رجل غيره ) وقد ثبت لعن المحلل في أحاديث منها عن ابن مسعود عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي والبيهقي في سننه قال لعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المحلل والمحلل له ومنها عن علي عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه والبيقهقي مرفوعا مثل حديث ابن مسعود ومنها عن جابر مرفوعا عند الترمذي مثله ومنها عن ابن عباس مرفوعا عند ابن ماجه مثله ومنها عن عقبة بن عامر عند ابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي مرفوعا مثله ومنها عن أبي هريرة مرفوعا عند أحد وابن أبي شيبة والبيهقي مثله وفي الباب أحاديث في ذم التحليل وفاعله وأخرج ابن جرير وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 242 """"""
وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ( فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) يقول إذا تزوجت بعد الأول فدخل بها الآخر فلا حرج على الأول أن يتزوجها إذا طلقها الآخر أو مات عنها فقد حلت له وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله ( ان يقيما حدود الله ) قال أمر الله وطاعته
البقرة 231
البقرة : ( 231 ) وإذا طلقتم النساء . . . . .
البلوغ إلى الشئ معناه الحقيقي الوصول إليه ولا يستعمل البلوغ بمعنى المقاربة إلا مجازا لعلاقة مع قرينة كما هنا فإنه لا يصح إرادة المعنى الحقيقي لأن المرأة إذا قد بلغت آخر جزء من مدة العدة وجاوزته إلى الجزء الذي هو الأجل للأنقضاء فقد خرجت من العدة ولم يبق للزوج عليها سبيل قال القرطبي في تفسيره إن معنى ( بلغن ) هنا قاربن بإجماع العلماء قال ولأن المعنى يضطر إلى ذلك لأنه بعد بلوغ الأجل لاخيار له في الإمساك والإمساك بمعروف هو القيام بحقوق الزوجية أي إذا طلقتم النساء فقاربن آخر العدة فلا تضاروهن بالمراجعة من غير قصد لاستمرار الزوجية واستدامتها بل اختاروا أحد أمرين إما الإمساك بمعروف من غير قصد لضرار أو التسريح بإحسان أي تركها حتى تنقضى عدتها من غير مراجعة ضرار ولا تمسكوهن ضرارا كما كانت تفعل الجاهلية من طلاق المرأة حتى يقرب انقضاء عدتها ثم مراجتها لا عن حاجة ولا لمحبة ولكن لقصد تطويل العدة وتوسيع مدة الانتظار ( ضرارا ) لقصد الاعتداء منكم عليهن والظلم لهن ( ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ) لأنه عرضها لعقاب الله وسخطه قال الزجاج يعني عرض نفسه للعذاب لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرض لعذاب الله ( ولا تتخذوا آيات الله هزؤا ) أي لا تأخذوا أحكام الله على طريقة الهزؤ فإنها جد كلها فمن هزل فيها فقد لزمته نهاهم سبحانه ان يفعلوا كما كانت الجاهلية تفعل فإنه كان يطلق الرجل منهم أو يعتق أو يتزوج ويقول كنت لاعبا قال القرطبي ولا خلاف بين العلماء ان من طلق هازلا ان الطلاق يلزمه قوله ( واذكروا نعمت الله عليكم ) أي النعمة التي صرتم فيها بالإسلام وشرائعه بعد أن كنتم في جاهلية جهلاء وظلمات بعضها فوق بعض والكتاب هو القرآن والحكمة قال المفسرون هي السنة التي سنها لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يعظكم به ) أي يخوفكم بما أنزل عليكم أفرد الكتاب والحكة بالذكر مع دخولهما في النعمة دخولا أوليا تنبيها على خطرهما وعظم شأنهما
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها فيفعل بها ذلك يضارها ويعطلها فأنزل الله ( وإذا طلقتم النساء ) الآية وأخرج نحوه مالك وابن جرير وابن المنذر عن ثور بن يزيد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن الحسن في قوله ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ) قال هو الرجل يطلق امرأته فإذا أرادت أن تنقضي عدتها أشهد على رجعتها يريد أن يطول عليها وأخرج ابن ماجه وابن جرير والبيهقي عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 243 """"""
وسلم ( مابال أقوام يلعبون بحدود الله يقول قد طلقتك قد راجعتك قد طلقتك قد راجعتك ليس هذا طلاق المسلمين طلقوا المرأة في قبل عدتها ) وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبادة بن الصامت قال كان الرجل على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول للرجل زوجتك ابنتي ثم يقول كنت لاعبا ويقول قد أعتقت ويقول كنت لاعبا فأنزل الله سبحانه ) ولا تتخذوا آيات الله هزوا ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ثلاث من قالهن لاعبا أو غير لاعب فهن جائزات عليه الطلاق والنكاح والعتاق ) وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال كان الرجل يطلق ثم يقول لعبت ويعتق ثم يقول لعبت فانزل الله ) ولا تتخذوا آيات الله هزوا ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من طلق أو أعتق فقال لعبت فليس قوله بشيء يقع عليه فيلزمه ) وأخرج ابن مردويه أيضا عن ابن عباس قال طلق رجل امرأته وهو يلعب لا يريد الطلاق فأنزل الله ) ولا تتخذوا آيات الله هزوا ( فالزمه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الطلاق وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن مرفوعا نحو حديث عبادة وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة )
البقرة 232
البقرة : ( 232 ) وإذا طلقتم النساء . . . . .
الخطاب في هذه الآية بقول ) وإذا طلقتم ( وبقوله ) فلا تعضلوهن ( إما أن يكون للأزواج ويكون معنى العضل منهم أن يمنعوهن من أن يتزوجن من اردن من الأزواج بعد انقضاء عدتهن لحمية الجاهلية كما يقع كثيرا من الخلفاء والسلاطين غيرة على من كن تحتهم من النساء أن يصرن تحت غيرهم لأنهم لما نالوه من رياسة الدنيا وما صاروا فيه من النخوة والكبرياء يتخيلون أنهم قد خرجوا من جنس بني آدم إلا من عصمه الله منهم بالورع والتواضع وإما أن يكون الخطاب للأولياء ويكون معنى إسناد الطلاق إليهم أنهم سبب له لكونهم المزوجين للنساء المطلقات من الأزواج المطلقين لهن وبلوغ الأجل المذكور هنا المراد به المعنى الحقيقي أي نهايته لا كما سبق في الآية الأولى والعضل الحبس وحكى الخليل دجاجة معضلة قد احتبس بيضها وقيل العضل التضييق والمنع وهو راجع إلى معنى الحبس يقال أردت أمرا فعضلتني عنه أي منعتني وضيقت علي وأعضل الأمر إذا ضاقت عليك فيه الحيل وقال الأزهري أصل العضل من قولهم عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه وعضلت الدجاجة نشب بيضها وكل مشكل عند العرب معضل ومنه قول الشافعي رحمه الله إذا المعضلات نصدين لي
كشفت خفاء لها بالنظر
ويقال أعضل الأمر إذا اشتد وداء عضال أي شديد عسير البرء أعيا الأطباء وعضل فلان آيمه أي منعها يعضلها بالضم والكسر لغتان قوله ) أن ينكحن ( أي من أن ينكحن فمحله الجر عند الخليل والنصب


"""""" صفحة رقم 244 """"""
عند سيبويه والفراء وقيل هو بدل اشتمال من الضمير المنصوب في قوله ) فلا تعضلوهن ( وقوله ) أزواجهن ( إن أريد به المطلقون لهن فو مجاز باعتبار ما كان وإن أريد به من يردن أن يتزوجنه فهو مجاز باعتبار ما سيكون وقوله ) ذلك ( إشارة إلى ما فصل من الأحكام وإنما أفرد مع كون المذكور قبله جمعا جملا على معنى الجمع بتأويله بالفريق ونحوه وقوله ) ذلكم ( محمول على لفظ الجمع خالف سبحانه ما البيهقي الإشارتين افتنانا وقوله ) أزكى ( أي أنمى وأنفع ) وأطهر ( من الأدناس ) والله يعلم ( ما لكم فيه الصلاح ) وأنتم لا تعلمون ( ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن معقل بن يسار قال كانت لي أخت فأتاني ابن عم فأنكحتها إياه فكانت عنده ما كانت ثم طلقها تطليقة لم يراجعها حتى انقضت العدة فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب فقلت له يا لكع أكرمتك وزوجتكها فطلقتها ثم جئت تخطبها والله لا ترجع إليك أبدا وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها فأنزل الله ) وإذا طلقتم النساء ( الآية قال ففي نزلت هذه الآية فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في الرجل يطلق إمرأته طلقة أو طلقتين فتنقضي عدتها ثم يبدو له تزويجها وأن يراجعها وتريد المرأة ذلك فمنعها وليها من ذلك فنهى الله أن يمنعوها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي قال نزلت هذه الآية في جابر بن عبدالله الأنصاري كانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطليقة وانقضت عدتها فاراد مراجعتها فأبى جابر فقال طلقت بنت عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانية وكانت المرأة تريد زوجها فأنزل الله ) وإذا طلقتم النساء ( وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ) إذا تراضوا بينهم بالمعروف ( يعني بمهر وبينة ونكاح مؤتنف وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أنكحوا الأيامى فقال رجل يا رسول الله ما العلائق بينهم قال ما تراضي عليه أهلهن ) وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال ) والله يعلم وأنتم لا تعلمون ( قال الله يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه ما لا تعلم أنت أيها الولي
البقرة 233
البقرة : ( 233 ) والوالدات يرضعن أولادهن . . . . .
لما ذكر الله سبحانه النكاح والطلاق ذكر الرضاع لأن الزوجين قد يفترقان وبينهما ولد ولهذا قيل إن هذا خاص بالمطلقات وقيل هو عام وقوله ) يرضعن ( قيل هو خبر في معنى الأمر للدلالة على تحقق مضمونه وقيل هو خبر على بابه ليس هو في معنى الأمر على حسب ما سلف في قوله ) يتربصن ( وقوله ) كاملين ( تأكيد


"""""" صفحة رقم 245 """"""
للدلالة على أن هذا التقدير لا تقريبي وقوله ) لمن أراد أن يتم الرضاعة ( أي ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتما بل هو التمام ويجوز الاقتصار على ما دونه وقرأ مجاهد وابن محيصن ( لمن أراد أن تتم ) بفتح التاء ورفع الرضاعة على إسناد الفعل إليها وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة والجارود ابن أبي سبرة بكسر الراء من الرضاعة وهي لغة وروى عن مجاهد أنه قرأ الرضعة وقرأ ابن عباس ( لمن أراد أن يكمل الرضاعة ) قال النحاس لا يعرف البصريون الرضاعة إلا بفتح الراء وحكى الكوفيون جواز الكسر والآية تدل على وجوب الرضاع على الأم لولدها وقد حمل ذلك على ما إذا لم يقبل الرضيع غيرها قوله ) وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ( أي على الأب الذي يولد له وآثر هذا اللفظ دون قوله وعلى الوالد للدلالة على أن الأولاد للآباء لا للأمهات ولهذا ينسبون إليهم دونهن كأنهن إنما ولدن لهم فقط ذكر معناه في الكشاف والمراد بالرزق هنا الطعام الكافي المتعارف به بين الناس والمراد بالكسوة ما يتعارفون به أيضا وفي ذلك دليل على وجوب ذلك على الاباء للأمهات المرضعات وهذا في المطلقات وأما غير المطلقات فنفقتهن وكسوتهن واجبة على الأزواج من غير إرضاعهن لأولادهن وقوله ) لا تكلف نفس إلا وسعها ( هو تقييد لقوله ) بالمعروف ( أي هذه النفقة والكسوة الواجبتان على الأب بما يتعارفه الناس لا يكلف منها إلا ما يدخل تحت وسعه وطاقته لا ما يشق عليه ويعجز عنه وقيل المراد لا تكلف المرأة الصبر على التقتير في الاجرة ولا يكلف الزوج ما هو إسراف بل يراعى القصد قوله ) لا تضار ( قرأ أبو عمرو وابن كثير وجماعة ورواه أبان عن عاصم بالرفع على الخبر وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في المشهور عنه ( تضار ) بفتح الراء المشددة على النهي وأصله لا تضارر أو لا تضارر على البناء للفاعل أو المفعول أي لا تضارر الأب بسبب الولد بأن تطلب منه ما لا يقدر عليه من الرزق والكسوة أو بأن تفرط في حفظ الولد والقيام بما يحتاج إليه أو لا تضارر من زوجها بأن يقصر عليها في شيء مما يجب عليه أو ينتزع ولدها منها بلا سبب وهكذا قراءة الرفع تحتمل الوجهين وقرأ عمر ابن الخطاب ( لا تضارر ) على الأصل بفتح الراء الأولى وقرأ أبو جعفر بن القعقاع ( لا تضار ) بإسكان الراء وتخفيفها وروى عنه الاسكان والتشديد وقرأ الحسن وابن عباس ( لا تضارر ) بكسر الراء الأولى ويجوز أن تكون الباء في قوله بولده صلة لقوله تضار على أنه بمعنى تضر أي لا تضر والدة بولدها فتسيء تربيته أو تقصر في غذائه واضيف الولد تارة إلى الأب وتارة إلى الأم لأن كل واحد منهما يستحق أن ينسب إليه مع ما في ذلك من الاستعطاف وهذه الجملة تفصيل للجملة التي قبلها وتقرير لها أي لا يكلف كل واحد منهما الآخر ما لا يطيقه فلا تضاره بسبب ولده قوله ) وعلى الوارث ( هو معطوف على قوله ) وعلى المولود له ( وما بينهما تفسير للمعروف أو تعليل له معترض بين المعطوف والمعطوف عليه واختلف أهل العلم في معنى قوله ) وعلى الوارث مثل ذلك ( فقيل هو وارث الصبي أي إذا مات المولود له كان على وارث هذا الصبي المولود إرضاعه كما كان يلزم أباه ذلك قاله عمر بن الخطاب وقتادة والسدي والحسن ومجاهد وعطاء وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وابن أبي ليلى على خلاف بينهم هل يكون الوجوب على من يأخذ نصيبا من الميراث أو على الذكور فقط أو على كل ذي رحم له وإن لم يكن وارثا منه وقيل المراد بالوارث وارث الأب تجب عليه نفقه المرضعة وكسوتها بالمعروف قاله الضحاك وقال مالك في تفسير هذه الآية بمثل ما قاله الضحاك ولكنه قال إنها منسوخة وإنها لا تلزم الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة ولا ذي رحم منه وشرطه الضحاك بأن لا يكون للصبي مال فإن كان له مال أخذت أجرة رضاعه من ماله وقيل المراد بالوارث المذكور في الآية هو الصبي نفسه أي عليه من ماله


"""""" صفحة رقم 246 """"""
إرضاع نفسه إذا ما أبوه وورث من ماله قاله قبيصة بن ذؤيب وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبدالعزيز وروى عن الشافعي وقيل هو الباقي من والدي المولود بعد موت الآخر منهما فإذا مات الأب كان على الأم كفاية الطفل إذا لم يكن له مال قاله سفيان الثوري وقيل إن معنى قوله تعالى ) وعلى الوارث مثل ذلك ( أي وارث المرضعة يجب عليه أن يصنع بالمولود كما كانت الأم تصنعه به من الرضاع والخدمة والتربية وقيل إن معنى قوله تعالى ) وعلى الوارث مثل ذلك ( أنه يحرم عليه الإضرار بالأم كما يحرم على الأب وبه قالت طائفة من أهل العلم قالوا وهذا هو الأصل فمن ادعى أنه يرجع فيه العطف إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل قال القرطبي وهو الصحيح إذ لو أراد الجميع الذي هو الرضاع والإنفاق وعدم الضرر يقال وعلى الوارث مثل هؤلاء فدل على أنه معطوف على المنع من المضارة وعلى ذلك تأوله كافة المفسرين فيما حكى القاضي عبدالوهاب قال ابن عطية وقال مالك وجميع أصحابه والشعبي والزهري والضحاك وجماعة من العلماء المراد بقوله مثل ذلك أن لا تضار وأما الرزق والكسوة فلا يجب شيء منه وحكى ابن القاسم عن مالك مثل ما قدمنا عنه في تفسير هذه الآية ودعوى النسخ ولا يخفى عليك ضعف ما ذهبت اليه هذه الطائفة فإن ما خصصوا به معنى قوله ) وعلى الوارث مثل ذلك ( من ذلك المعنى أي عدم الإضرار بالمرضعة قد افاده قوله ) لا تضار والدة بولدها ( لصدق ذلك على كل مضارة ترد عليها من المولود له أو غيره وأما قول القرطبي لو أراد الجميع لقال مثل هؤلاء فلا يخفى ما فيه من الضعف البين فإن اسم الاشارة يصلح للمتعدد كما يصلح للواحد بتأويل المذكور أو نحوه وأما ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن المراد بالوارث وارث الصبي فيقال عليه إن لم يكن وارثا حقيقة مع وجود الصبي حيا بل هو وارث مجازا باعتبار ما يئول إليه وأما ما ذهب إليه أهل القول الثاني فهو وإن كان فيه حمل الوارث على معناه الحقيقي لكن في إيجاب النفقة عليه مع غنى الصبي ما فيه ولهذا قيده القائل به بأن يكون الصبي فقيرا ووجه الاختلاف في تفسير الوارث ما تقدم من ذكر الوالدات والمولود له والولد فاحتمل أن يضاف الوارث إلى كل منهم قوله ) فإن أرادا فصالا ( الضمير للوالدين والفصال الفطام عن الرضاع أي التفريق بين الصبي والثدي ومنه سمي الفصيل لأنه مفصول عن أمه وقوله ) عن تراض منهما ( أي صادرا عن تراض من الأبوين إذا كان الفصال قبل الحولين ) فلا جناح عليهما ( في ذلك الفصال سبحانه لما بين أن مدة الرضاع حولين كاملين قيد ذلك بقوله ) لمن أراد أن يتم الرضاعة ( وظاهره أن الأب وحده إذا أراد أن يفصل الصبي قبل الحولين كان ذلك جائزا له وهنا اعتبر سبحانه تراضى الأبوين وتشاورهما فلا بد من الجمع بين الامرين بأن يقال إن الإرادة المذكورة في قوله ) لمن أراد أن يتم الرضاعة ( لابد أن تكون منهما أو يقال إن تلك الإرادة إذا لم يكن الأبوان للصبي حيين بأن كان الموجود أحدها أو كانت المرضعة للصبي ظئرا غير أمه والتشاور استخراج الرأي يقال شرت العسل استخرجته وشرت الدابة أجريتها لاستخراج جريها فلا بد لأحد الأبوين إذا أراد فصال الرضيع أن يراضى الآخر ويشاوره حتى يحصل الاتفاق بينهما على ذلك قوله ) وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم ( قال الزجاج التقدير أن تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة وعن سبيويه أنه حذف اللام لأنه يتعدى إلى مفعولين والمفعول الأول محذوف والمعنى أن تسترضعوا المراضع أولادكم ) إذا سلمتم ما آتيتم ( بالمد أي أعطيتم وهي قراءة الجماعة إلا ابن كثير فإنه قرأ بالقصر أي فعلتم ومنه قول زهير وما كان من خير أتوه فإنما
توارثه آباء آبائهم قبل


"""""" صفحة رقم 247 """"""
والمعنى أنه لا بأس عليكم أن تسترضعوا أولادكم غير أمهاتهم إذا سلمتم إلى الأمهات أجرهن بحساب ما قد أرضعن لكم إلى وقت إرادة الاسترضاع قاله سفيان الثوري ومجاهد وقال قتادة والزهري إن معنى الآية إذا سلمتم ما آتيتم من إرادة الاسترضاع أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي وكان ذلك عن اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر وعلى هذا فيكون قوله ) سلمتم ( عاما للرجال والنساء تغليبا وعلى القول الأول الخطاب للرجال فقط وقيل المعنى إذا سلمتم لمن أردتم استرضاعها أجرها فيكون المعنى إذا سلمتم ما أردتم إيتاءه أي إعطاءه إلى المرضعات بالمعروف أي بما يتعارفه الناس من أجر المرضعات من دون مماطلة لهن أو حط بعض ما هو لهن من ذلك فان عدم توفير أجرهن يبعثهن على التساهل بأمر الصبي والتفريط في شأنه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله ) والوالدات يرضعن أولادهن ( قال المطلقات ) حولين ( قال سنتين ) لا تضار والدة بولدها ( يقول لا تأتي أن ترضعه ضرارا لتشق على أبيه ) ولا مولود له بولده ( يقول ولا يضار الوالد بولده فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك ) وعلى الوارث ( قال يعني الولي من كان ) مثل ذلك ( قال النفقة بالمعروف وكفالته ورضاعه إن لم يكن للمولود مال وأن لا تضار امه ) فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور ( قال غير مسيئين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيهما فلا جناح عليهما ) وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم ( قال خيفة الضيعة على الصبي ) فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف ( قال حساب ما أرضع به الصبي وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في تفسير هذه الآية أنه قال المراد بقوله ) والوالدات يرضعن أولادهن ( هي في الرجل يطلق امرأته وله منها الولد وقال في قوله ) إذا سلمتم ما آتيتم ( قال ما أعطيتم الظئر من فضل على أجرها وأخرج أبو داود في ناسخه عن زيد بن أسلم في قوله ) والوالدات يرضعن أولادهن ( قال إنها المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في التي تضع لستة أشهر أنها ترضع حولين كاملين وإذا وضعت لسبعة أشهر ارضعت ثلاثة وعشرين شهرا لتمام ثلاثين شهرا وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا ثم تلا ) وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ( وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ( قال على قدر الميسرة وأخرج أبو داود في ناسخة وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله ) لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده ( ليس لها أن تلقي ولدها عليه ولا يجد من يرضعه وليس له أن يضارها فينتزع منها ولدها وهي تحب أن ترضعه ) وعلى الوارث ( قال هو ولي الميت وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء وإبراهيم والشعبي في قوله ) وعلى الوارث ( قال هو وارث الصبي ينفق عليه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة نحوه وزاد إذا كان المولود لا مال له مثل الذي على والده من أجر الرضاع وأخرج عبد بن حميد عن الحسن نحوه وأخرج عبدالرزاق وعبد ابن حميد عن ابن سيرين نحوه أيضا واخرج ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب في قوله ) وعلى الوارث مثل ذلك ( قال هو الصبي وأخرج وكيع عن عبدالله بن مغفل نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) وعلى الوارث مثل ذلك ( قال لا يضار وأخرج ابن جرير عن الضحاك ) فإن أرادا فصالا ( قال الفطان وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال التشاور فيما دون الحولين ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى وأخرجوا أيضا عن عطاء في قوله تعالى ) وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم (


"""""" صفحة رقم 248 """"""
قال أمه أو غيرها ) فلا جناح عليكم إذا سلمتم ( قال إذا سلمت لها أجرها ) ما آتيتم ( ما أعطيتم
البقرة 234
البقرة : ( 234 ) والذين يتوفون منكم . . . . .
لما ذكر سبحانه عدة الطلاق واتصل بذكر ذكر الإرضاع عقب ذلك بذكر عدة الوفاة لئلا يتوهم أن عدة الوفاة مثل عدة الطلاق قال الزجاج ومعنى الآية والرجال الذين يتوفون منكم ويذون أزواجا أي ولهم زوجات فالزوجات يتربصن وقال أبو علي الفارسي تقديره والذي يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بعدهم وهو كقولك السمن منوان بدرهم أي منه وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون وقيل التقدير وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن ذكره صاحب الكشاف وفيه أن قوله ) ويذرون أزواجا ( لا يلائم ذلك التقدير لأن الظاهر من النكرة المعادة المغايرة وقال بعض النحاة من الكوفيين إن الخبر عن الذين متروك والقصد الإخبار عن أزواجهم بأنهن يتربصن ووجه الحكمة في جعل العدة للوفاة هذا المقدار أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر والأثنى لأربعة فزاد الله سبحانه على ذلك عشرا لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلا ولا تتأخر عن هذا الأجل وظاهر هذه الآية العموم وأن كل من مات عنها زوجها تكون عدتها هذه العدة ولكنه قد خصص هذا العموم قوله تعالى ) وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ( وإلى هذا ذهب الجمهور وروى عن بعض الصحابة وجماعة من أهل العلم أن الحامل تعتد بآخر الأجلين جمعا بين العام والخاص وإعمالا لهما والحق ما قاله الجمهور والجمع بين العام والخاص على هذه الصفة لا يناسب قوانين اللغة ولا قواعد الشرع ولا معنى لإخراج الخاص من بين أفراد العام إلا بيان أن حكمه مغاير لحكم العام ومخالف له وقد صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه أذن لسبيعة الأسلمية أن تتزوج بعد الوضع والتربص الثاني والتصبر عن النكاح وظاهر الآية عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة والحرة والأمة وذات الحيض والآيسة وأن عدتهن جميعا للوفاة أربعة أشهر وعشر وقيل إن عدة الأمة نصف عدة الحرة شهران وخمسة أيام قال ابن العربي إجماعا إلا ما يحكى عن الأصم فإنه سوى بين الحرة والامة وقال الباجي ولا نعلم في ذلك خلافا إلا ما يروي عن ابن سيرين أنه قال عدتها عدة الحرة وليس بالثابت عنه ووجه ما ذهب إليه الأصم وابن سيرين ما في هذه الآية من العموم ووجه ما ذهب إليه من عداهما قياس عدة الوفاة على الحد فإنه ينصف للأمة بقوله سبحانه ) فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( وقد تقدم حديث ( طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان ) وهو صالح للاحتجاج به وليس المراد منه إلا جعل طلاقها على النصف من طلاق الحرة وعدتها على النصف من عدتها ولكنه لما لم يمكن أن يقال طلاقها تطليقة ونصف وعدتها حيضة ونصف لكون ذلك لا يعقل كانت عدتها وطلاقها ذلك القدر المذكور في الحديث جبرا للكسر ولكن ها هنا أمر يمنع من هذا القياس الذي عمل به الجمهور وهو أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر


"""""" صفحة رقم 249 """"""
وعشرا هو ما قدمنا من معرفة خلوها من الحمل ولا يعرف إلا بتلك المدة ولا فرق بين الحرة والأمة في مثل ذلك بخلاف كون عدتها في غير الوفاة حيضتين فإن ذلك يعرف به خلو الرحم ويؤيد عدم الفرق ما سيأتي في عدة أم الولد واختلف أهل العلم في عدة أم الولد لموت سيدها فقال سعيد بن المسيب ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وابن سيرين والزهري وعمر بن عبدالعزيز والأوزاعي وإسحاق وابن راهويه وأحمد بن حنبل في رواية عنه أنها تعتد بأربعة أشهر وعشر لحديث عمرو بن العاص قال لا تلبسوا علينا سنة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ( عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها أربعة أشهر وعشر ) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه وضعفه أحمد وأبو عبيد وقال الدارقطني الصواب أنه موقوف وقال طاوس وقتادة عدتها شهران وخمس ليال وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن صالح تعتد بثلاث حيض وهو قول علي وابن مسعود وعطاء وإبراهيم النخعي وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه عدتها حيضة وغير الحائض شهر وبه يقول ابن عمر والشعبي ومكحول والليث وأبو عبيد وأبو ثور والجمهور قوله ) فإذا بلغن أجلهن ( المراد بالبلوغ هنا انقضاء العدة ) فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن ( من التزين والتعرض للخطاب ) بالمعروف ( الذي لا يخالف شرعا ولا عادة مستحسنة وقد استدل بذلك على وجوب الإحداد على المعتدة عدة الوفاة وقد ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من غير وجه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( لا يحل لامراة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج اربعة أشهر وعشرا ) وكذلك ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيحين وغيرهما النهي عن الكحل لمن هي في عدة الوفاة والإحداد ترك الزينة من الطيب ولبس الثياب الجيدة والحلي وغير ذلك ولا خلاف في وجوب ذلك في عدة الوفاة ولا خلاف في عدم وجوبه في عدة الرجعية واختلفوا في عدة البائنة على قولين ومحل ذلك كتب الفروع
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) والذين يتوفون منكم ( قال كان الرجل إذا مات وترك إمرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ثم أنزل الله ) والذين يتوفون منكم ( الآية فهذه عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها وقال في ميراثها ) ولهن الربع مما تركتم ( فبين ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة ) فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم ( يقول إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها فإذا انقضت عدتها فلا جناج عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج فذلك المعروف وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي العالية قال ضمت هذه الأيام العشر إلى الأربعة أشهر لأن في العشر ينفخ فيه الروح وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) فإذا بلغن أجلهن ( يقول إذا انقضت عدتها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله ) فلا جناح عليكم ( يعني أولياءها وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس أنه كره للمتوفى عنها زوجها الطيب والزينة وأخرج مالك وعبدالرزاق وأهل السنن وصححه الترمذي والحاكم عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أنها جاءت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تسال أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب أعبد لها أبقوا حتى إذا تطرف القدوم لحقهم فقتلوه قالت فسألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نعم فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد فدعاني أو أمر البيهقي فدعيت فقال كيف قلت قالت


"""""" صفحة رقم 250 """"""
فرددت إليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت قلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به
البقرة 235
البقرة : ( 235 ) ولا جناح عليكم . . . . .
الجناح الإثم أي لا إثم عليكم والتعريض ضد التصريح وهو من عرض الشيء أي جانبه كأنه يحوم به حول الشيء و لا يظهره وقيل هو من قولك عرضت الرجل أي أهديت له ومنه أن ركبا من المسلمين عرضوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبا بكر ثيابا بيضا أي أهدوا لهما فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاما يفهم معناه وقال في الكشاف الفرق بين الكناية والتعريض أن الكناية أن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له والتعريض أن يذكر شيئا يدل به على شيء لم يذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك ولأنظرالى وجهك الكريم ولذلك قالوا وحسبك بالتسليم مني تقاضيا
وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده انتهى والخطبة بالكسر ما يفعله الطالب من الطلب والإستلطاف بالقول والفعل يقال خطبها يخطبها خطبة وخطبا وأما الخطبة بضم الخاء فهي الكلام الذي يقوم به الرجل خطابا وقوله ) أكننتم ( معناه سترتم وأضمرتم من التزويج بعد إنقضاء العدة والإكنان التستر والإخفاء يقال أكننته وكننته بمعنى واحد ومنه بيض مكنون ودر مكنون ومنه أيضا أكن البيت صاحبه أي ستره و وقوله ) علم الله أنكم ستذكرونهن ( أي علم إله أنكم لا تصبرون عن النطق لهن برغبتكم فيهن فرخص لكم في التعريض دون التصريح وقال في الكشاف إن فيه طرفا من التوبيخ كقوله ) علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ( وقوله ) ولكن لا تواعدوهن سرا ( معناه على سر فحذف الحرف لأن الفعل لا يتعدى إلى المفعولين وقد اختلف العلماء في معنى السر فقيل معناه نكاحا أي لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني بل يعرض تعريضا وقد ذهب إلى أن معنى الآية هذا جمهور العلماء وقيل السر الزنا أي لا يكن منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزويج بعدها قاله جابر بن زيد وأبو مجلز والحسن وقتادة والضحاك والنخعي واختاره ابن جرير الطبري ومنه قول الحطيئة
ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع
وقيل السر الجماع أي لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع ترغيبا لهن في النكاح وإلى هذا ذهب الشافعي في معنى الآية ومنه قول امرئ القيس
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وأن لا يحسن السر أمثالي
ومثله قول الأعشى
فلن تطلبوا سرها للغنى ولن تسلموها لأزهادها


"""""" صفحة رقم 251 """"""
أراد تطلبون نكاحها لكثرة مالها ولن تسلموها لقلة مالها والاستدراك بقوله ) لكن ( من مقدر محذوف دل عليه ) ستذكرونهن ( أي فاذكروهن ) ولكن لا تواعدوهن سرا ( قال ابن عطية أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز وقال أيضا أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها وللأب في ابنته البكر وللسيد في أمته قوله ) إلا أن تقولوا قولا معروفا ( قيل هو استثناء منقطع بمعنى لكن والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض ومنع صاحب الكشاف أن يكون منقطعا وقال هو مستثنى من قوله ) لا تواعدوهن ( أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة فجعله على هذا استثناء مفرغا ووجه منع كونه منقطعا أنه يؤدي إلى جعل التعريض موعودا وليس كذلك لأن التعريض طريق المواعدة لا أنه الموعود في نفسه قوله ) ولا تعزموا عقدة النكاح ( قد تقدم الكلام في معنى العزم يقال عزم الشيء وعزم عليه والمعنى هنا لا تعزموا على عقدة النكاح ثم حذف على قال سيبويه والحذف في هذه الآية لا يقاس عليه وقال النحاس يجوز أن يكون المعنى ولا تعقدوا عقدة النكاح لأن معنى تعزموا وتعقدوا واحد وقيل إن العزم على الفعل يتقدمه فيكون في هذا النهي مبالغة لأنه إذا نهى عن المتقدم على الشيء كان النهي عن ذلك الشيء بالأولى قوله ) حتى يبلغ الكتاب أجله ( يريد حتى تنقضي العدة والكتاب هنا هو الحد والقدر الذي رسم من المدة سماه كتابا لكونه محدودا ومفروضا كقوله تعالى ) إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( وهذا الحكم أعني تحريم عقد النكاح في العدة مجمع عليه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ( قال التعريض أن تقول إني أريد التزويج وإني لأحب المرأة من أمرها وأمرها وإن من شأني النساء ولوددت أن الله يسر لي إمرأة صالحة وأخرج ابن جرير عنه أنه يقول لها إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك ولوددت أن الله قد هيأ بيني وبينك ونحو هذا من الكلام وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال يقول إني فيك لراغب ولوددت أني تزوجتك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) أو أكننتم ( قال أسررتم وأخرج عبدالرزاق عن الضحاك مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) علم الله أنكم ستذكرونهن ( قال بالخطيئة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد قال ذكره إياها في نفسه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولكن لا تواعدوهن سرا ( قال يقول لها إني عاشق وعاهديني أن لا تتزوجي غيري ونحو هذا ) إلا أن تقولوا قولا معروفا ( وهو قوله إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك وأخرج ابن جرير عنه في السر أنه الزنا كان الرجل يدخل من أجل الزنا وهو يعرض بالنكاح وأخرج عبدالرزاق وابن المنذر عنه في قوله ) إلا أن تقولوا قولا معروفا ( قال يقول إنك لجميلة وإنك إلي خير وإن النساء من حاجتي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولا تعزموا عقدة النكاح ( قال لا تنكحوا ) حتى يبلغ الكتاب أجله ( قال حتى تنقضي العدة
البقرة 236 237


"""""" صفحة رقم 252 """"""
البقرة : ( 236 ) لا جناح عليكم . . . . .
المراد بالجناح هنا التبعة من المهر ونحوه فرفعه رفع لذلك أي لا تبعة عليكم بالمهر ونحوه إن طلقتم النساء على الصفة المذكورة و ( ما ) في قوله ) ما لم تمسوهن ( هي مصدرية ظرفية بتقدير المضاف أي مدة عدم مسيسكم ونقل أبو البقاء أنها شرطية من باب اعتراض الشرط على الشرط ليكون الثاني قيدا للأول كما في قولك إن تأتني أن تحسن إلي أكرمك أي إن تأتني محسنا إلي والمعنى إن طلقتموهن غير ماسين لهن وقيل إنها موصولة أي إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن وهكذا اختلفوا في قوله ) أو تفرضوا ( فقيل أو بمعنى إلا أي إلا أن تفرضوا وقيل بمعنى حتى أي حتى تفرضوا وقيل بمعنى الواو أي وتفرضوا ولست أرى لهذا التطويل وجها ومعنى الآية اوضح من أن يلتبس فإن الله سبحانه رفع الجناح عن المطلقين ما لم يقع أحد الأمرين أي مدة انتفاء ذلك الأحد ولا ينتفي الأحد المبهم إلا بإنتفاء الأمرين معا فإن وجد المسيس وجب المسمى أو مهر المثل وإن وجد الفرض وجب نصفه مع عدم المسيس وكل واحد منها جناح أي المسمى أو نصفه أو مهر المثل واعلم أن المطلقات أربع مطلقة مدخول بها مفروض لها وهي التي تقدم ذكرها قبل هذه الآية وفيها نهى الأزواج عن أن يأخذوا مما آتوهن شيئا وأن عدتهن ثلاثة قروء ومطلقة غير مفروض لها ولا مدخول بها وهي المذكورة هنا فلا مهر لها بل المتعة وبين في سورة الأحزاب أن غير المدخول بها إذا طلقت فلا عدة عليها ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها وهي المذكورة بقوله سبحانه هنا ) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة ( ومطلقة مدخول بها غير مفرض لها وهي المذكورة في قوله تعالى ) فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ( والمراد بقوله ) ما لم تمسوهن ( ما لم تجامعوهن وقرأ ابن مسعود ( من قبل أن تجامعوهن أخرجه عنه ابن جرير وقرأ نافع وابن الكثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ) ما لم تمسوهن ( وقرأه حمزة والكسائي ) تمسوهن ( من المفاعلة والمراد بالفريضة هنا تسمية المهر قوله ) ومتعوهن ( أي أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن وظاهر الأمر الوجوب وبه قال علي وابن عمر والحسن البصري وسعيد بن جبير وابو قلابة والزهري وقتادة والضحاك ومن أدلة الوجوب قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ( وقال مالك وأبو عبيد والقاضي شريح وغيرهم إن المتعة للمطلقة المذكورة مندوبة لا واجبة لقوله تعالى ) حقا على المحسنين ( ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين ويجاب عنه بأن ذلك لا ينافي لوجوب بل هو تأكيد له كما في قوله في الآية الأخرى ) حقا على المتقين ( أي أن الوفاء بذلك والقيام به شأن أهل التقوى وكل مسلم يجب عليه أن يتقي الله سبحانه وقد وقع الخلاف أيضا هل المتعة مشروعة لغير هذه المطلقة قبل المسيس والفرض أم ليست بمشروعة إلا لها فقط فقيل إنها مشروعة لكل مطلقة واليه ذهب ابن عباس وابن عمر وعطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وأبو العالية والحسن البصري والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق ولكنهم اختلفوا هل هي واجبة في غير المطلقة قبل البناء والفرض أم مندوبة فقط واستدلوا بقوله تعالى ) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( وبقوله


"""""" صفحة رقم 253 """"""
تعالى ) يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ( والآية الأولى عامة لكل مطلقة والثانية في أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد كن مفروضا لهن مدخولا بهن وقال سعيد بن المسيب إنها تجب للمطلقة إذا طلقت قبل المسيس وإن كانت مفروضا لها لقوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن ( قال هذه الآية التي في الأحزاب نسخت التي في البقرة وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المتعة مختصة بالمطلقة قبل البناء والتسمية لأن المدخول بها تستحق جميع المسمى أو مهر المثل وغير المدخولة التي قد فرض لها زوجها فريضة أي سمى لها مهرا وطلقها قبل الدخول تستحق نصف المسمى ومن القائلين بهذا ابن عمر ومجاهد وقد وقع الإجما على أن المطلقة قبل الدخول والفرض لا تستحق إلا المتعة إذا كانت حرة وأما إذا كانت أمة فذهب الجمهور إلى أن لها المتعة وقال الأوزاعي والثوري لا متعة لها لأنها تكون لسيدها وهو لا يستحق مالا في مقابل تأذى مملوكته لأن الله سبحانه إنما شرع المتعة للمطلقة قبل الدخول والفرض لكونها تتأذى بالطلاق قبل ذلك وقد اختلفوا في المتعة المشروعة هل هي مقدرة بقدر أم لا فقال مالك والشافعي في الجديد لا حد لها معروف بل ما يقع عليه اسم المتعة وقال أبو حنيفة إنه إذا تنازع الزوجان في قدر المتعة وجب لها نصف مهر مثلها ولا ينقص من خمسة دراهم لأن أقل المهر عشرة دراهم وللسلف فيها أقوال سيأتي ذكرها إن شاء الله وقوله ) على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ( يدل على أن الإعتبار في ذلك بحال الزوج فالمتعة من الغني فوق المتعة من الفقير وقرأ الجمهور على الموسع بسكون الواو وكسر السين وهو الذي اتسعت حاله وقرأ أبو حيوة بفتح الواو وتشديد السين وفتحها وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر قدره بسكون الدال فيهما وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص بفتج الدال فيهما قال الأخفش وغيره هما لغتان فصيحتان وهكذا يقرأ في قوله تعالى ) فسالت أودية بقدرها ( وقوله ) وما قدروا الله حق قدره ( والمقتر المقل ومتاعا مصدر مؤكد لقوله ) ومتعوهن ( والمعروف ما عرف في الشرع والعادة الموافقة له وقوله ) حقا ( وصف لقوله ) متاعا ( أو مصدر لفعل محذوف أي حق ذلك حقا يقال حققت عليه القضاء وأحققت أي أوجبت
البقرة : ( 237 ) وإن طلقتموهن من . . . . .
قوله ) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ( الآية فيه دليل على أن المتعة لا تجب لهذه المطلقة لوقوعها في مقابلة المطلقة قبل البناء والفرض التي تستحق المتعة وقوله ) فنصف ما فرضتم ( أي فالواجب عليكم نصف ما سميتم لهن من المهر وهذا مجمع عليه وقرأ الجمهور ) فنصف ( بالرفع وقرأ من عدا الجمهور بالنصب أبي فادفعوا نصف ما فرضتم وقرئ أيضا بضم النون وكسرها وهما لغتان وقد وقع الاتفاق أيضا على أن المرأة التي يدخل بها زوجها ومات وقد فرض لها مهرا تستحقه كاملا بالموت ولها الميراث وعليها العدة واختلفوا في الخلوة هل تقوم مقام الدخول وتستحق المرأة بها كمال المهر كما تستحقه بالدخول أم لا فذهب إلى الأول مالك والشافعي في القديم والكوفيون والخلفاء الراشدون وجمهور أهل العلم وتجب عندهم أيضا العدة وقال الشافعي في الجديد لا يجب إلا نصف المهر وهو ظاهر الآية لما تقدم من أن المسيس هو الجماع ولا تجب عنده العدة وإليه ذهب جماعة من السلف قوله ) إلا أن يعفون ( أي المطلقات ومعناه يتركن ويصفحن ووزنه يفعلن وهو استثناء مفرغ من أعم العام وقيل منقطع ومعناه يتركن النصف الذي يجب لهن على الأزواج ولم تسقط النون مع إن لأن جمع المؤنث في المضارع على حالة واحدة في الرفع والنصب والجزم لكون النون ضميرا وليست بعلامة إعراب كما في قولك الرجال يعفون وهذا عليه جمهور المفسرين وروى عن محمد بن كعب القرظي أنه قال


"""""" صفحة رقم 254 """"""
) إلا أن يعفون ( يعني الرجال وهو ضعيف لفظا ومعنى قوله ) أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( معطوف على محل قوله ) إلا أن يعفون ( لأن الأول مبني وهذا معرب وقيل هو الزوج وبه قال جبير بن مطعم وسعيد بن المسيب وشريح وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وعكرمة ونافع وابن سيرين والضحاك ومحمد بن كعب القرظي وجابر بن زيد وأبو مجلز والربيع بن أنس وإياس بن معاوية ومكحول ومقاتل بن حيان وهو الجديد من قولي الشافعي وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن شبرمة والأوزاعي ورجحه ابن جرير وفي هذا القول قوة وضعف أما قوته فلكون الذي بيده عقدة النكاح حقيقة هو الزوج لأنه هو الذي إليه رفعه بالطلاق وأما ضعفه فلكون العفو منه غير معقول وما قالوا به من أن المراد بعفوه أن يعطيها المهر كاملا غير ظاهر لأن العفو لا يطلق على الزيادة وقيل المراج بقوله ) أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( هو الولي وبه قال النخعي وعلقمة والحسن وطاوس وعطاء وأبو الزناد وزيد بن أسلم وربيعة والزهري والأسود بن يزيد والشعبي وقتادة ومالك والشافعي في قوله القديم وفيه قوة وضعف أما قوته فلكون معنى العفو فيه معقولا وأما ضعفه فلكون عقدة النكاح بيد الزوج لا بيده ومما يزيد هذا القول ضعفا أنه ليس للولي أن يعفو عن الزوج مما لا يملكه وقد حكى القرطبي الإجماع على أن الولي لا يملك شيا من مالها والمهر مالها فالراجح ما قاله الأولون لوجهين الأول أن الزوج هو الذي بيده عقدة النكاح حقيقة الثاني أن عفوه بإكمال المهر هو صادر عن المالك مطلق التصرف بخلاف الولي وتسمية الزيادة عفوا وإن كان خلاف الظاهر لكن لما كان الغالب أنهم يسوقون المهر كاملا عند العقد كان العفو معقولا لأنه تركه لها ولم يسترجع النصف منه ولا يحتاج في هذا إلى أن يقال إنه من باب المشاكلة كما في الكشاف لأنه عفو حقيقي أي ترك لما يستحق المطالبة به إلا أن يقال إنه مشاكلة أو يطيب في توفية المهر قبل أن يسوقه الزوج قوله ) وأن تعفوا أقرب للتقوى ( قيل هو خطاب للرجال والنساء تغليبا وقرأه الجمهور بالتاء الفوقية وقرأ أبو نهيك والشعبي بالياء التحتية فيكون الخطاب مع الرجال وفي هذا دليل على ما رجحناه من أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج لأن عفو الولي عن شيء لا يملكه ليس هو أقرب إلى التقوى بل أقرب إلى الظلم والجور قوله ) ولا تنسوا الفضل بينكم ( قرأه الجمهور بضم الواو وقرأ يحيى بن معمر بكسرها وقرأ علي ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة ) تنسوا ( والمعنى أن الزوجين لا ينسيان التفضل من كل واحد منهما على الآخر ومن جملة ذلك أن تتفضل المرأة بالعفو عن النصف ويتفضل الرجل عليها بإكمال المهر وهو إرشاد للرحال والنساء من الأزواج إلى ترك التقصي على بعضهم بعضا والمسامحة فيما يستغرقه أحدهما على الآخر للوصلة التي وقعت سهما من إفضاء البعض إلى البعض وهي وصلة لا يشبهها وصلة فمن رعاية حقها ومعرفتها حق معرفتها الحرص منهما على التسامح وقوله ) إن الله بما تعملون بصير ( فيه من ترغيب المحسن وترهيب غيره ما لا يخفى
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ( قال المس النكاح والفريضة الصداق ) متعوهن ( قال هو على الرجل يتزوج المرأة ولم يسم لها صداق ثم يطلقها قبل أن يدخل بها فأمره الله أن يمتعها على قدر عسره ويسره فإن كان موسرا متعها بخادم وإن كان معسرا متعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال متعة الطلاق أعلاها الخادم ودون ذلك الورق ودون ذلك الكسوة وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن ابن عمر قال أدنى ما يكون من المتعة ثلاثون درهما وروى القرطبي في تفسيره عن الحسن بن علي أنه


"""""" صفحة رقم 255 """"""
متع بعشرين ألفا ورقاق من عسل وعن شريح أنه متع بخمسمائة درهم وأخرج الدارقطني عن الحسن بن على أنه متع بعشرة آلاف وأخرج عبدالرزاق عن ابن سيرين أنه كان يمتع بالخادم والنفقة أو بالكسوة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) من قبل أن تمسوهن ( قال المس الجماع فلها نصف صداقها وليس لها أكثر من ذلك إلا أن يعفون وهي المرأة الثيب والبكر يزوجها غير أبيها فجعل الله العفو لهن إن شئن عفون بتركهن وإن شئن أخذن نصف الصداق ) أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ( وهو أبو الجارية البكر جعل العفو إليه ليس لها معه أمر إذا طلقت ما كانت في حجره وأخرج الشافعي وسيعد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها ليس لها إلا نصف الصداق لأن الله يقول ) وإن طلقتموهن ( الآية وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال لها نصف الصداق وإن جلس بين رجليها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( الذي بيده عقدة النكاح الزوج ) وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن علي من قوله وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال هو أبوها وأخوها ومن لا تنكح إلا بإذنه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ولا تنسوا الفضل بينكم ( قال في هذا أو غيره وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه البيهقي أن قوما أتوا ابن مسعود فقالوا إن رجلا تزوج منا إمرأة ولم يفرض لها صداقا ولم يجمعها إليه حتى مات فقال أرى أن أجعل لها صداقا كصداق نسائها لاوكس ولا شطط ولها الميراث وعليها العدة أربعة أشهر وعشر فسمع بذلك ناس من أشجع منهم مغفل بن سنان فقالوا نشهد أنك قضيت مثل الذي قضى به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في إمرأة منا يقال لها يروع بنت واشق وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن علي أنه قال في المتوفى عنها زوجها ولم يفرض لها صداقا لها الميراث وعليها العدة ولا صداق لها وقال لا يقبل قول أعرابي من أشجع على كتاب الله وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس قال في المرأة التي يموت عنها زوجها وقد فرض لها صداقا لها الصداق والميراث وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر بن الخطاب أنه قضى في المرأة يتزوجها الرجل أنه إذا ارخيت الستور فقد وجب الصداق وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر وعلي قال إذا ارخى سترا وأغلق بابا فلها الصداق كاملا وعليها العدة وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبيهقي عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون أنه من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب الصداق والعدة وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن ثابت نحوه وأخرج البيهقي عن محمد بن ثوبان أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من كشف إمرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق
البقرة 238 239
البقرة : ( 238 ) حافظوا على الصلوات . . . . .
المحافظة على الشيء المداومة والمواظبة عليه والوسطى تأنيث الأوسط وأوسط الشيء ووسطه خياره ومنه قوله تعالى ) وكذلك جعلناكم أمة وسطا ( ومنه قول بعض العرب يمدح النبي ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 256 """"""
يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم
وأكرم الناس أما برة أبا
ووسط فلان القوم يسطهم أي صار في وسطهم وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر بعد دخولها في عموم الصلوات تشريفا لها وقرأ أبو جعفر ( والصلاة الوسطى ) بالنصب على الاغراء وكذلك قرأ الحلواني وقرأ قالون عن نافع الوصطى بالصاد لمجاورة الطاء وهما لغتان كالسراط والصراط وقد اختلف أهل العلم في تعيينها على ثمانية عشر قولا أوردتها في شرحى للمنتقي وذكرت ما تمسكت به كل طائفة وأرجح الأقوال وأصحها ما ذهب إليه الجمهور من أنها العصر لما ثبت عند البخاري وأهل السنن وغيرهم من حديث علي قال كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول يوم الأحزاب ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا ) وأخرج مسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث ابن مسعود مرفوعا مثله وأخرجه أيضا ابن جرير وابن المنذر والطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا وأخرجه البزار بإسناد صحيح من حديث جابر مرفوعا وأخرجه أيضا البزار بإسناد صحيح من حديث حذيفة مرفوعا أخرجه الطبراني بإسناد ضعيف من حديث أم سلمة مرفوعا وورد في تعيين انها العصر من غير ذكر يوم الآحزاب أحاديث مرفوعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منها عن ابن عمر عند ابن منده ومنها عن سمرة عند أحمد وابن جرير والطبراني ومنها عنه أيضا عند ابن شيية وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه ابن جرير والطبراني و البيهقي وعن أبي هريرة عند ابن جرير والبيهقي والطحاوي وأجرجه عنه أيضا ابن سعيد والبزار وابن جرير و الطبراني وعن ابن عباس عند البزار بأسانيد صحيحة وعن أبي مالك الأشعري عند ابن جرير والطبراني فهذه أحاديث مرفوعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مصرحة بأنها العصر وقد روى عنه الصحابة في تعيين انها العصر آثار كبيرة وفي الثابت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما لايحتاج معه إلى غيره وأما روى عن على وابن عباس أنهما قالا انها صلاة الصبح كما أخرجه مالك في المؤطأ عنهما وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس وكذلك أخرجه عنه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وكذلك أخرجه ابن جرير وابن حاتم عن ابن عمر كذلك أخرجه ابن جرير عن جابر وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة وكل ذلك من أقوالهم وليس فيها شئ من المرفوع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا تقوم بمثل ذلك حجة لاسيما إذا عارض ما قد ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ثبوتا يمكن ان يدعى فيه التواتر وإذا لم تقم الحجة بأقوال الصحابة لم تقم بأقوال من بعدهم من التابعين وتابعهم بالأولى وهكذا لا تقوم الحجة بما أخرجه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس انه قال صلاة الوسطى المغرب هكذا لا اعتبار بما ورد من قول جماعة من الصحابة انها الظهر أو غيرها من الصلوات ولكن المحتاج إلى امعان نظر وفكر ما ورد مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مما فيه دلالة على أنها الظهر كما أخرجه ابن جرير عن زيد بن ثابت مرفوعا ( إن الصلاة الوسطى صلاة الظهر ) ولا يصح رفعه بل المروى عن زيد بن ثابت ذلك من قوله واستدل على ذلك بأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصلى بالهاجرة وكانت أثقل الصلاة على أصحابه وأين يقع هذا الاستدلال من تلك الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهكذا الإعتبار بما روى عن ابن عمر من قوله إنها الظهر وكذلك ما روى عن عائشة وأبي سعيد الخدري وغيرهم فلا حجة في قول أحد مع قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأما ما رواه عبد الرزاق وابن جرير وغيرهما ان حفصة قالت لأبي رافع مولاها وقد أمرته ان يكتب لها مصحفا إذا أتيت على هذه الآية ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فتعال حتى أمليها عليك فلما بلغ ذلك أمرته ان يكتب حافظوا على الصلوات والصلاة


"""""" صفحة رقم 257 """"""
الوسطى وصلاة العصر ) وأخرجه أيضا عنها مالك وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في سننه وزادوا وقالت أشهد اني سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج مالك وأحمد و عبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي يونس مولى عائشة انها امرته ان يكتب لها مصحفا وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) قال فلما بلغتها آدنتها فاملت على ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) قالت عائشة سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أم سلمة انها أمرت من يكتب لها مصحفا وقالت له كما قالت حفصة وعائشة فغاية ما في هذه الروايات عن أمهات المؤمنين الثلاث رضي الله عنهن أنهن يروين هذا الحرف هكذا عن رسول الله صلى الله علي وآله وسلم وليس فيه ما يدل على تعيين الصلاة الوسطى انها الظهر أو غيرها بل غاية ما تدل عليه عطف صلاة العصر على صلاة الوسطى انها غيرها لأن المعطوف غير المعطوف عليه وهذا الآستدلال لا يعارض ما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ثبوتا لا يدفع انها العصر كما قدمنا بيانه فالحصل ان هذه القراءة التي نقلتها أمهات المؤمنين الثلاث بإثبات قوله ( وصلاة العصر ) معارضة بما أخرجه ابن جرير عن عروة قال كان في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ) وأخرج وكيع عن حميدة قالت قرأت في مصحف عائشة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) وأخرج ابن أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب مثله وأخرجه سعيد بن منصور وأبو عبيد عن زياد بن أبي مريم ان عائشة أمرت بمصحف لها ان يكتب وقالت إذا بلغتم ( حافظوا على الصلوات ) فلا تكتبوها حتى تؤذنوني فلما أخبروها أنهم قد بلغوا قالت اكتبوها صلاة الوسطى صلاة العصر وأخرج ابن جرير والطحاوي والبيهقي عن عمرو بن رافع قال كان مكتوبا في مصحف حفصة ( حفظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر ) وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن المنذر عن أبي بن كعب انه كان يقرؤها ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير والطحاوي عن ابن عباس انه كان ليقرؤها ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر ) وأخرج المحاملي عن السائب بن يزيد انه تلاها كذلك فهذه الروايات تعارض تلك الروايات باعتبار التلاوة ونقل القراءة ويبقى ما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من التعيين صافيا عن شوب كدر المعارضة على انه قد ورد ما يدل على نسخ تلك القراءة التي نقلتها حفصة وعائشة وام سلمة فأخرج عبد بن حميد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي عن البراء بن عازب قال نزلت حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما شاء الله ثم نسخها الله فأنزل ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فقيل له هي إذن صلاة العصر قال قد حدثتك كيف نزلت وكيف نسخها الله والله أعلم واخرج البيهقي عنه من وجه آخر نحوه وإذا تقرر لك هذا وعرفت ما سقناه تبين لك انه لم يرد ما يعارض ان الصلاة الوسطى صلاة العصر وأما حجج بقية الأقوال فليس فيها شئ مما ينبغي الاشتغال به لأنه لم يثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك شئ وبعض القائلين عول على أمر لا يعول عليه فقال إنها صلاة كذا لأنها وسطى بالنسبة إلى ان قبلها كذا من الصلوات وبعدها كذا من الصلوات وهذا الرأي المحض والتخمين البحت لا ينبغي ان تسند إليه الأحكام الشرعية على فرض عدم وجود ما يعارضه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فكيف مع وجود ما هو في أعلا درجات الصحة والقوة والثبوت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبالله العجب من قوم لم يكتفوا بتقصيرهم في علم السنة وإعراضهم


"""""" صفحة رقم 258 """"""
عن خير العلوم وأنفعها حتى كلفوا أنفسهم التكلم على أحكام الله والتجري على تفسير كتاب الله بغير علم ولا هدى فجاءوا بما يضحك منه تارة تارة ويبكي منه أخرى قوله ) وقوموا لله قانتين ( القنوت قيل هو الطاعة أي قوموا لله في صلاتكم طائعين قاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير والضحاك والشافعي وقيل هو الخشوع قاله أبن عمر ومجاهد ومنه قول الشاعر قانتا لله يدعو ربه
وعلى عمد من الناس اعتزل
وقيل هو الدعاء وبه قال ابن عباس وفي الحديث أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وقال قوم إن القنوت طول القيام وقيل معناه ساكتين قاله السدى ويدل عليه حديث زيد ابن أرقم في الصحيحين وغيرهما قال كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه الآية ) وقوموا لله قانتين ( فأمرنا بالسكوت وقيل أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء فكل معنى يناسب الدوام يصح إطلاق القنوت عليه وقد ذكر أهل العلم أن القنوت ثلاثة عشر معنى وقد ذكرنا ذلك في شرح المنتقى والمتعين ها هنا حمل القنوت على السكوت للحديث المذكور
البقرة : ( 239 ) فإن خفتم فرجالا . . . . .
قوله ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( الخوف هو الفزع والرجال جمع رجل أو راجل من قولهم رجل الإنسان يرجل راجلا إذا عدم المركوب ومشى على قدميه فهو رجل وراجل يقول أهل الحجاز مشى فلان إلى بيت الله حافيا رجلا حكاه ابن جرير الطبري وغيره لما ذكر الله سبحانه الأمر بالمحافظة على الصلوات ذكر حالة الخوف أنهم يضيعون فيها ما يمكنهم ويدخل تحت طوقهم من المحافظة على الصلاة بفعلها حال الترجل وحال الركوب وابام لهم أن هذه العبادة لازمة في كل الأحوال بحسب الإمكان وقد اختلف أهل العلم في حد الخوف المبيح لذلك والبحث مستوفى في كتب الفروع قوله ) فإذا أمنتم ( أي إذا زال خوفكم فارجعوا إلى ما أمرتم به من إتمام الصلاة مستقبلين القبلة قائمين بجميع شروطها وأركانها وهو قوله ) فاذكروا الله كما علمكم ( وقيل معنى الآية خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة وهو خلاف معنى الآية وقوله ) كما علمكم ( أي مثل ما علمكم من الشرائع ) ما لم تكونوا تعلمون ( والكاف صفة لمصدر محذوف أي ذكرا كائنا كتعليمه إياكم أو مثل تعليمه إياكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب قال كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مختلفين في الصلاة الوسطى هكذا وشبك بين أصابعه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال هي فيهن فحافظوا عليهن وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت أنه سأله رجل عن الصلاة الوسطى فقال حافظ على الصلوات تدركها وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الربيع بن خيثم أن سائلا سأله عن الصلاة الوسطى قال حافظ عليهن فإنك إن فعلت أصبتها إنما هي واحدة منهن وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال سئل شريح عن الصلاة الوسطى فقال حافظوا عليها تصيبوها وقد قدمنا ما روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعن أصحابه رضي الله عنهم في تعيينها وأخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى ) وقوموا لله قانتين ( مثل ما قدمنا عن زيد بن أرقم وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه وأخرج سعيد بن منصور وعبد ابن حميد عن محمد بن كعب نحوه أيضا وارج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة نحوه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وقوموا لله قانتين ( قال مصلين وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال كل أهل دين يقومون فيها عاصين قوموا أنتم مطيعين وأخرج


"""""" صفحة رقم 259 """"""
ابن أبي شيبة عن الضحاك مثله وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) وقوموا لله قانتين ( قال من القنوت الركوع والخشوع وطول الركوع يعني طول القيام وغض البصر وخفض الجناح والرهبة لله وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال إن في الصلاة لشغلا وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) وقد اختلفت الأحاديث في القنوت المصطلح عليه هل هو قبل الركوع أو بعده وهل هو في جميع الصلوات أو بعضها وهل هو مختص بالنوازل أم لا والراجح اختصاصه بالنوازل وقد أوضحنا ذلك في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( قال يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه ) فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ( يعني كما علمكم أن يصلي الراكب على دابته والراجل على رجليه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن جابر بن عبدالله قال إذا كانت المسابقة فليوم برأسه حيث كان وجهه فذلك قوله ) فرجالا أو ركبانا ( وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( قال ركعة ركعة وأخرج وكيع وابن جرير عن مجاهد ) فإذا أمنتم ( قال خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة
البقرة 240 242
البقرة : ( 240 ) والذين يتوفون منكم . . . . .
هذا عود إلى بقية الأحكام المفصلة فيما سلف وقد اختلف السلف ومن تبعهم من المفسرين في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة فذهب الجمهور إلى أنها منسوخة بالأربعة الأشهر والعشر كما تقدم وأن الوصية المذكورة فيها منسوخة بما فرض الله لهن من الميراث وحكى ابن جرير عن مجاهد أن هذه الآية محكمة لا نسخ فيها وأن العدة أربعة أشهر وعشر ثم جعل الله لهن وصية منه سكنى سبعة أشهر وعشرين ليلة فإن شاءت المرأة سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وقد حكى ابن عطية والقاضي عياض أن الإجماع منعقد على أن الحول منسوخ وأن عدتها أربعة أشهر وعشر وقد أخرج عن مجاهد ما أخرجه ابن جرير عنه البخاري في صحيحة وقوله ) وصية ( قرأنا نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي بالرفع على أن ذلك مبتدأ لخبر محذوف يقدر مقدما أي عليهم وصية وقيل إن الخبر قوله ) لأزواجهم ( وقيل إنه خبر مبتدأ محذوف أي وصية الذين يتوفون وصية أو حكم الذين يتوفون وصية وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر بالنصب على تقدير فعل محذوف أي فليوصوا وصية أو أوصى الله وصية أو كتب الله عليهم وصية وقوله ) متاعا ( منصوب بوصية أو بفعل محذوف أي متعوهن متاعا أو جعل الله لهن ذلك متاعا ويجوز أن يكون منتصبا على الحال والمتاع هنا نفقة السنة وقوله ) غير إخراج ( صفة لقوله ) متاعا ( وقال الأخفش إنه مصدر كأنه قال لا إخراجا وقيل إنه حال أي متعوهن غير مخرجات وقيل منصوب بنزع الخافض أي من غير إخراج والمعنى أنه يجب على الذين يتوفون أن


"""""" صفحة رقم 260 """"""
يوصوا قبل نزول الموت بهم لأزواجهم أن يمتعن بعدهم حولا كاملا بالنفقة والسكنى من تركتهم ولا يخرجن من مساكنهن وقوله ) فإن خرجن ( يعني باختيارهن قبل الحول ) فلا جناح عليكم ( أي لا حرج على الولي والحاكم وغيرهما ) فيما فعلن في أنفسهن ( من التعرض للخطاب والتزين لهم وقوله ) من معروف ( أي بما هو معروف في الشرع غير منكر وفيه دليل على أن النساء كن مخيرات في سكنى الحول وليس ذلك بحتم عليهن وقيل المعنى لا جناح عليكم في قطع النفقة عنهن وهو ضعيف لأن متعلق الجناح هو مذكور في الآية بقوله ) فيما فعلن )
البقرة : ( 241 ) وللمطلقات متاع بالمعروف . . . . .
وقوله ) وللمطلقات متاع ( قد اختلف المفسرون في هذه الآية فقيل هي المتعة وأنها واجبة لكل مطلقة وقيل إن هذه الآية خاصة بالثيبات اللواتي قد جومعن لأنه قد تقدم قبل هذه الآية ذكر المتعة للواتي لم يدخل بهن الأزواج وقد قدمنا الكلام على هذه المتعة والخلاف في كونها خاصة بمن طلقت قبل البناء والفرض أو عامة للمطلقات وقيل إن هذه الآية شاملة للمتعة الواجبة وهي متعة المطلقة قبل البناء والفرض وغير الواجبة وهي متعة سائر المطلقات فإنها مستحبة فقط وقيل المراد بالمتعة هنا النفقة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن الزبير قال قلت لعثمان بن عفان ) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ( قد نسختها الآية الآخرى فلم تكتبها أو لم تدعها قال با ابن أخي لا اغير شيئا منه من مكانه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال كان للمتوفى عنها زوجها نفقتها وسكانها في الدار سنة فنسختها آية المواريث فجعل لهن الربع والثمن مما ترك الزوج وأخرج ابن جرير نحوه عن عطاء وأخرج نحوه أيضا أبو داود والنسائي عن ابن عباس من وجه آخر وأخرج الشافعي وعبدالرزاق عن جابر بن عبدالله قال ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث وأخرج أبو داود في ناسخه والنسائي عن عكرمة قال نسختها ) والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ( وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن أسلم نحوه وأخرج أيضا عن قتادة نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف ( قال النكاح الحلال الطيب وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال لما نزل قوله ) متاعا بالمعروف حقا على المحسنين ( قال رجل إن أحسنت فعلت وإن لم ارد ذلك لم أفعل فأنزل الله ) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال نسخت هذه الآية بقوله ) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ( وأخرج أيضا عن عتاب بن خصيف في قوله ) وللمطلقات متاع ( قال كان ذلك قبل الفرائض وأخرج مالك وعبدالرزاق والشافعي وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن ابن عمر قال لكل مطلقة متعة إلا التي تطلقها ولم تدخل بها وقد فرض لها كفى بالنصف متاعا وأخرج ابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال لكل مؤمنة طلقت حرة أو أمة متعة وقرأ ) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ( وأخرج البيهقي عن جابر بن عبدالله قال ( لما طلق حفص بن المغيرة إمرأته فاطمة أتت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لزوجها متعها قال لا أجد ما أمتعها قال فإنه لا بد من المتاع متعها ولو نصف صاع من تمر ) وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية في الآية قال لكل مطلقة متعة
البقرة 243 245


"""""" صفحة رقم 261 """"""
البقرة : ( 243 ) ألم تر إلى . . . . .
الاستفهام هنا للتقدير والرؤية المذكورة هي رؤية القلب لا رؤية البصر والمعنى عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين خرجوا ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين كذا قيل وحاصله أن الرؤية هنا التي بمعنى الإدراك مضمنة معنى التنبيه ويجوز أن تكون مضمنة معنى الانتهاء أي ألم ينته علمك إليهم أو معنى الوصول أي الم يصل علمك إليهم ويجوز أن تكون بمعنى الرؤية البصرية أي ألم تنظر إلى الذين خرجوا جعل الله سبحانه قصة هؤلاء لما كانت بمكان من الشيوع والشهرة يحمل كل أحد على الإقرار بها بمنزلة المعلومة لكل فرد أو المبصرة لكل مبصر لأن أهل الكتاب قد أخبروا بها ودونوها وأشهروا أمرها والخطاب هنا لكل من يصلح له والكلام جار مجرى المثل في مقام التعجيب ادعاء لظهوره وجلائه بحيث يستوي في إدراكه الشاهد والغائب وقوله ) وهم ألوف ( في محل نصب على الحال من ضمير خرجوا وألوف من جموع الكثرة فدل على أنها ألوف كثيرة وقوله ) حذر الموت ( مفعول له وقوله ) فقال لهم الله موتوا ( هو أمر تكوين عبارة عن تعلق إرادته بموتهم دفعة أو تمثيل لإماتته سبحانه إياهم ميتة نفس واحدة كأنهم أمروا فأطاعوا قوله ) ثم أحياهم ( هو معطوف على مقدر يقتضيه المقام أي قال الله لهم موتوا فماتوا ثم أحياهم أو على قال لما كان عبارة عن الإماتة وقوله ) إن الله لذو فضل على الناس ( التنكير في قوله فضل للتعظيم أي لذو فضل عظيم على الناس جميعا أما هؤلاء الذين خرجوا فلكونه أحياهم ليعتبروا وأما المخاطبون فلكونه قد أرشدهم إلى الإعتبار والاستبصار بقصة هؤلاء
البقرة : ( 244 ) وقاتلوا في سبيل . . . . .
قوله ) وقاتلوا في سبيل الله ( هو معطوف على مقدر كأنه قيل اشكروا فضله بالإعتبار بما قص عليكم وقاتلوا هذا إذا كان الخطاب بقوله ) وقاتلوا ( راجعا إلى المخاطبين بقوله ) ألم تر إلى الذين خرجوا ( كما قاله جمهور المفسرين وعلى هذا يكون إيراد هذه القصة لتشجيع المسلمين على الجهاد وقيل إن الخطاب للذين أحيوا من بني إسرائيل فيكون عطفا على قوله ) موتوا ( وفي الكلام محذوف تقديره وقال لهم قاتلوا وقال ابن جرير لا وجه لقول من قال إن الأمر بالقتال للذين أحيوا
البقرة : ( 245 ) من ذا الذي . . . . .
وقوله ) من ذا الذي يقرض الله ( لما أمر سبحانه بالقتال والجهاد أمر بالإنفاق في ذلك و ( من ) استفهامية مرفوعة المحل بالابتداء و ( ذا ) خبره و ( الذي ) وصلته وصف له أو بدل منه وإقراض الله مثل لتقديم العمل الصالح الذي يستحق به فاعله الثواب وأصل القرض اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء يقال أقرض فلان فلانا أي أعطاه ما يتجازاه قال الشاعر وإذا جوزيت قرضا فاجزه
وقال الزجاج القرض في اللغة البلاء الحسن والبلاء السيء قال أمية
كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا أو سيئا ومدينا مثل ما دانا
وقال آخر
فجازى القروض بأمثالها فبالخير خيرا وبالشر شرا
وقال الكسائي القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيء واصل الكلمة القطع ومنه المقراض واستدعاء


"""""" صفحة رقم 262 """"""
القرض في الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه والله هو الغني الحميد شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء وقوله ) حسنا ( أي طيبة به نفسه من دون من ولا أذى وقوله ) فيضاعفه ( قرأ عاصم وغيره بالألف ونصب الفاء وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي بإثبات الألف ورفع الفاء وقرأ ابن عامر ويعقوب فيضعفه بإسقاط الألف مع تشديد العين ونصب الفاء وقرأ ابن كثير وأبو جعفر بالتشيد ورفع الفاء فمن نصب فعلى أنه جواب الاستفهام ومن رفع فعلى تقدير مبتدا أي هو يضاعفه وقد اختلف في تقدير هذا التضعيف على أقوال وقيل لا يعلمه إلا الله وحده وقوله ) والله يقبض ويبسط ( هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط والقبض التقتير والبسط التوسيع وفيه وعيد بأن من بخل من البسط يوشك أن يبدل بالقبض ولهذا قال ) وإليه ترجعون ( أي هو يجازيكم بما قدمتم عند الرجوع إليه وإذا أنفقتم مما وسع به عليكم أحسن اليكم وإن بخلتم عاقبكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم عن ابن عباس في قوله ) ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ( قال كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا نأتي أرضا ليس بها موت حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال لهم الله موتوا فماتوا فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أن القرية التي خرجوا منها داوردان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم هذه القصة مطولة عن أبي مالك وفيها أنهم بضعة وثلاثون ألفا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن عبدالعزيز أن ديارهم هي أذرعات وأخرج أيضا عن أبي صالح قال كانوا تسعة آلاف وأخرج جماعة من محدثي المفسرين هذه القصة على أنحاء ولا يأتي الإستكثار من طرقها بفائدة وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) النهي عن الفرارا من الطاعون وعن دخول الأرض التي هو بها من حديث عبدالرحمن بن عوف وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال ( لما نزلت ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( قال أبو الدحداح الأنصاري يا رسول الله إن الله ليريد منا القرض قال نعم يا أبا الدحداح قال ارني يدك يا رسول الله فناوله يده قال فإني قد أقرضت ربي حائطي وله فيه ستمائة نخلة ) وقد أخرج هذه القصة عبدالرزاق وابن جرير من طريق زيد بن أسلم زاد الطبراني عن أبيه عن عمر بن الخطاب وابن مردويه عن أبي هريرة وابن إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) أضعافا كثيرة ( قال هذا التضعيف لا يعلم أحد ما هو وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عثمان النهدي قال بلغني عن أبي هريرة حديث أنه قال ( إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ) فحججت ذلك العام ولم أكن أرد أن أحج إلا لألقاه في هذا الحديث فلقيت أبا هريرة فقلت له فقال ليس هذا قلت ولم يحفظ هذا الحديث الذي حدثك إنما قلت ( إن الله ليعطي العبد المؤمن بالحسنة الواحدة الفي ألف حسنة ) ثم قال أبو هريرة أوليس تجدون هذا في كتاب الله ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( فالكثيرة عند الله أكثر من الفي ألف وألفي ألف والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( إن الله يضاعف الحسنة الفي ألف حسنة ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر قال ( لما نزلت ) مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ( إلى آخره قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رب زد أمتي فنزلت ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( قال رب زد أمتي


"""""" صفحة رقم 263 """"""
فنزلت ) إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ( ) وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال ( لما نزلت ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( قال رب زد أمتي فنزلت ) من ذا الذي يقرض الله ( قال رب زد أمتي فنزلت ) مثل الذين ينفقون أموالهم ( قال رب زد أمتي فنزلت ) إنما يوفى الصابرون ( ) وفي الباب أحاديث هذه أحسنها وستاتي عند تفسير قوله تعالى ) كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ( فابحثها وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والله يقبض ويبسط ( قال يقبض الصدقة ويبسط قال يخلف ) وإليه ترجعون ( قال من التراب وإلى التراب تعودون وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال علم الله أن فيمن يقاتل في سبيل الله من لا يجد قوة وفيمن لا يقاتل في سبيل الله من يجد غني فندب هؤلاء إلى القرض فقال ) من ذا الذي يقرض الله ( قال يبسط عليك وأنت ثقيل عن الخروج لا تريده ويقبض عن هذا وهو يطيب نفسا بالخروج ويخف له فقوه مما بيدك يكن لك الحظ
البقرة 246 252


"""""" صفحة رقم 264 """"""
البقرة : ( 246 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الملإ ( الكلام فيه كالكلام في قوله ) ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ( وقد قدمناه والملأ الأشراف من الناس كأنهم ملئوا شرفا وقال الزجاج سموا بذلك لأنهم ملئون بما يحتاج إليه منهم وهو اسم جمع كالقوم والرهط ذكر الله سبحانه في التحريض على القتال قصة أخرى جرت في بني إسرائيل بعد القصة المتقدمة وقوله ) من بعد موسى ( من ابتدائية وعاملها مقدر أي كائنين من بعد موسى أي بعد وفاته وقوله ) لنبي لهم ( قيل هو شمويل بن يار بن علقمة ويعرف بابن العجوز ويقال فيه شمعون وهو من ولد يعقوب وقيل من نسل هارون وقيل هو يوشع بن نون وهذا ضعيف جدا لأن يوشع هو فتى موسى ولم يوجد داود إلا بعد ذلك بدهر طويل وقيل اسمه إسماعيل وقوله ) ابعث لنا ملكا ( أي أميرا نرجع إليه ونعمل على رايه وقوله ) نقاتل ( بالنون والجزم على جواب الأمر وبه قرأ الجمهور وقرأ الضحاك وابن أبي عبلة بالياء ورفع الفعل على أنه صفة للملك وقرئ بالنون والرفع على أنه حال أو كلام مستأنف وقوله ) هل عسيتم ( بالفتح للسين وبالكسر لغتان وبالثانية قرأ نافع وبالأولى قرأ الباقون قال في الكشاف وقراءة الكسر ضعيفة وقال أبو حاتم ليس للكسر وجه انتهى وقال أبو علي وجه الكسر قول العرب هو عس بذلك مثل حر وشج وقد جاء فعل وفعل في نحو نقم ونقم فكذلك عسيت وعسيت وكذا قال مكي وقد قرأ بالكسر أيضا الحسن وطلحة فلا وجه لتضعيف ذلك وهو من أفعال المقاربة أي هل قاربتم أن لا تقاتلوا وإدخال حرف الاستفهام على فعل القاربة لتقرير ما هو متوقع عنده والإشعار بأنه كائن وفصل بين عسى وخبرها بالشرط للدلالة على الاعتناء به قال الزجاج أن لا تقاتلوا في موضع نصب أي هل عسيتم مقاتلة قال الأخفش ( أن ) في قوله ( وما لنا ألا نقاتل ) زائدة وقال الفراء هو محمول على المعنى أي وما منعنا كما تقول مالك ألا تصلي وقيل المعنى واي شيء لنا في أن لا نقاتل قال النحس وهذا أجودها وقوله ) وقد أخرجنا ( تعليل والجملة حالية وإفراد الأولاد بالذكر لأنهم الذين وقع عليهم السبي أو لأنهم بمكان فوق مكان سائر القرابة ) فلما كتب ( أي فرض أخبر سبحانه أنهم تولوا لاضطراب نياتهم وفتور عزائمهم واختلف في عدد القليل الذين استثناهم الله سبحانه وهم الذي اكتفوا بالغرفة
البقرة : ( 247 ) وقال لهم نبيهم . . . . .
وقوله ) وقال لهم نبيهم ( شروع في تفصيل ما جرى بينهم وبين نبيهم من الأقوال والأفعال وطالوت اسم أعجمي وكان سقاء وقيل دباغا وقيل مكاريا ولم يكن من سبط النبوة وهم بنو لاوى ولا من سبط الملك وهم بنو يهوذا فلذلك ) قالوا أنى يكون له الملك علينا ( أي كيف ذلك ولم يكن من بيت الملك ولا هو ممن أوتى سعة من المال حتى نتبعه لشرفه أو لماله وهذه الجملة أعني قوله ) ونحن أحق ( حالية وكذلك الجملة المعطوفة عليها وقوله ) اصطفاه عليكم ( أي اختاره واختيار الله هو الحجة القاطعة ثم بين لهم مع ذلك وجه الاصطفاء بأن الله زاده بسطة في العلم الذي هو ملاك الإنسان ورأس الفضائل وأعظم وجوه الترجيح وزاده بسطة في الجسم الذي يظهر به الأثر في الحروب ونحوها فكان قويا في دينه وبدنه وذلك هو المعتبر لا شرف النسب فإن فضائل النفس مقدمة عليه ) والله يؤتي ملكه من يشاء ( فالملك ملكه والعبيد عبيده فما لكم والاعتارض على شيء ليس هو لكم ولا أمره إليكم وقد ذهب المفسرين إلى أن قوله ) والله يؤتي ملكه من يشاء (


"""""" صفحة رقم 265 """"""
من قول نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو من قول نبيهم وهو الظاهر وقوله ) واسع ( أي واسع الفضل يوسع على من يشاء من عباده ) عليم ( بمن يستحق الملك ويصلح له
البقرة : ( 248 ) وقال لهم نبيهم . . . . .
والتابوت فعلوت من التوب وهو الرجوع لأنهم يرجعون إليه أي علامة ملكه إتيان التابوت الذي أخذ منهم أي رجوعه إليكم وهو صندوق التوراة والسكينة فعيلة مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة أي فيه سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت قال ابن عطية الصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتتقوى وقد اختلف في السكينة على أقوال سيأتي بيان بعضها وكذلك اختلف في البقية فقيل هي عصا موسى ورضاض الألواح وقيل غير ذلك قيل والمراد بآل موسى وهارون هما أنفسهما أي مما ترك هارون وموسى ولفظ آل مقحمة لتفخيم شأنهما وقيل المراد الأنبياء من بني يعقوب لأنهما من ذرية يعقوب فسائر قرابته ومن تناسل منه آل لهما
البقرة : ( 249 ) فلما فصل طالوت . . . . .
وفصل معناه خرج بهم فصلت الشيء فانفصل أي قطعته فانقطع وأصله متعد يقال فصل نفسه ثم استعمل استعمال اللازم كانفصل وقيل إن فصل يستعمل لازما ومتعديا يقال فصل عن البلد فصولا وفصل نفسه فصلا والابتلاء الاختبار والنهر قيل هو بين الأردن وفلسطين وقرأه الجمهور بنهر بفتح الهاء وقرأ حميد ومجاهد والأعرج بسكون الهاء والمراد بهذا الإبتلاء اختبار طاعتهم فمن أطاع في ذلك الماء أطاع فيما عداه ومن عصى في هذا وغلبته نفسه فهو بالعصيان في سائر الشدائد أحرى ورخص لهم في الغرفة ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الإرتفاع وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال وفيه أن الغرفة تكف سورة العطش عند الصابرين على شظف العيش الدافعين أنفسهم عن الرفاهية فالمراد بقوله ) فمن شرب منه ( أي كرع ولم يقتصر على الغرفة ( ومن ) ابتدائية ومعنى قوله ) فليس مني ( أي ليس من اصحابي من قولهم فلان من فلان كأنه بعضه لاختلاطهما وطول صحبتهما وهذا مهيع في كلام العرب معروف ومنه قول الشاعر إذا حاولت في أسد فجورا
فإني لست منك ولست مني
وقوله ) ومن لم يطعمه ( يقال طعمت الشيء أي ذقته وأطعمته الماء أي أذقته وفيه دليل على أن الماء يقال له طعام والاعتراف الأخذ من الشيء باليد أو بآلة والغرف مثل الاغتراف والغرفة المرة الواحدة وقد قرئ بفتح الغين وضمها فالفتح للمرة والضم اسم للشيء المغترف وقيل بالفتح الغرفة بالكف الواحدة وبالضم الغرفة بالكفين وقيل هما لغتان بمعنى واحد ومنه قول الشاعر لا يدلفون إلى ماء بآنية
الا اغترافا من الغدران بالراح
قوله ) إلا قليلا ( سيأتي بيان عددهم وقرئ ) إلا قليل ( ولا وجه له إلا ما قيل من أنه من هجر اللفظ إلى جانب المعنى أي لم يعطه إلا قليل وهو تعسف قوله ) فلما جاوزه ( أي جاوز النهر طالوت ) والذين آمنوا معه ( وهم القليل الذين أطاعوه ولكنهم اختلفوا في قوة اليقين فبعضهم قال ) لا طاقة لنا ( و ) قال الذين يظنون ( أي يتيقنون ) أنهم ملاقوا الله ( والفئة الجماعة والقطعة منهم من فأوت رأسه بالسيف أي قطعته
البقرة : ( 250 ) ولما برزوا لجالوت . . . . .
وقوله ) برزوا ( أي صاروا في البراز وهو المتسع من الأرض وجالوت أمير العمالقة قالوا أي جميع من معه من المؤمنين والإفراغ يفيد معنى الكثرة وقوله ) وثبت أقدامنا ( هذا عبارة عن القوة وعدم الفشل يقال ثبت قدم فلان على كذا إذا استقر له ولم يزل عنه وثبت قدمه في الحرب إذا كان الغلب له والنصر معه


"""""" صفحة رقم 266 """"""
قوله ) وانصرنا على القوم الكافرين ( هم جالوت وجنوده ووضع الظاهر موضع المضمر إظهارا لما هو العلة الموجبة للنصر عليهم وهي كفرهم وذكر النصر بعد سؤال تثبيت الأقدام لكون الثاني هو غاية الأول
البقرة : ( 251 ) فهزموهم بإذن الله . . . . .
قوله ) فهزموهم بإذن الله ( الهزم الكسر ومنه سقاء منهزم أي انثنى بعضه على بعض مع الجفاف ومنه ما قيل في زمزم إنها هزمة جبريل أي هزمها برجله فخرج الماء والهزم ما يكسر من يابس الحطب وتقدير الكلام فأنزل الله عليهم النصر ) فهزموهم بإذن الله ( أي بأمره وإرادته قوله ) وقتل داود جالوت ( هو داود بن إيشا بكسر الهمزة ثم تحتية ساكنة بعدها معجمة ويقال داود بن زكريا بن بشوى من سبط يهوذا بن يعقوب جمع الله له بين النبوة والملك بعد أن كان راعيا وكان أصغر إخوته اختاره طالوت لمقاتله جالوت فقتله والمراد بالحكمة هنا النبوة وقيل هي تعليمه صنعة الدروع ومنطق الطير وقيل هي إعطاؤه السلسلة التي كانوا يتحاكمون إليها قوله ) وعلمه مما يشاء ( قيل إن المضارع هنا موضوع موضع الماضي وفاعل هذا الفعل هو الله تعالى وقيل داود وظاهر هذا التركيب أن الله سبحانه علمه مما قضت به مشيئته وتعلقت به إرادته وقد قيل إن من ذلك ما قدمنا من تعليمه صنعة الدروع وما بعده قوله ) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ( قرأه الجماعة ) ولولا دفع الله ( وقرأ نافع ? دفاع ? وهما مصدران لدفع كذا قال سيبويه وقال أبو حاتم دافع ودفع واحد مثل طرقت نعلي وطارقته واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور وأنكر قراءة دفاع قال لأن الله عز وجل لا يغالبه أحد قال مكي يوهم أبو عبيدة أن هذا من باب المفاعلة وليس به وعلى القراءتين فالمصدر مضاف إلى الفاعل أي ) ولولا دفع الله الناس ( وبعهضم بدل من الناس وهم الذين يباشرون أسباب الشر والفساد ببعض آخر منهم وهم الذين يكفونهم عن ذلك ويردونهم عنه ) لفسدت الأرض ( لتغلب أهل الفساد عليها وإحداثهم للشرور التي تهلك الحرث والنسل وتنكير فضل للتعظيم
البقرة : ( 252 ) تلك آيات الله . . . . .
وآيات الله هي ما اشتملت عليه هذه القصة من الأمور المذكورة والمراد ) بالحق ( هنا الخبر الصحيح الذي لا ريب فيه عند أهل الكتاب والمطلعين على أخبار العالم وقوله ) إنك لمن المرسلين ( إخبار من الله سبحانه بأنه من جملة رسل الله سبحانه تقوية لقلبه وتثبيتا لجنانه وتشييدا لأمره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل ( قال هذا حين رفعت النبوة واستخرج أهل الإيمان وكانت الجبابرة قد أخرجتهم من ديارهم وأبنائهم ) فلما كتب عليهم القتال ( وذلك حين أتاهم التابوت قال وكان من إسرائيل سبطان سبط نبوة وسبط خلافة فلا تكون الخلافة إلا في سبط الخلافة ولا تكون النبوة إلا في سبط النبوة ) وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ( وليس من أحد السبطين لا من سبط النبوة ولا من سبط الخلافة ) قال إن الله اصطفاه عليكم ( فأبوا أن يسلموا له الرياسة حتى قال لهم ) إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية ( وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها وجمع ما بقي فجعله في التابوت وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحاء فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فلما رأوا ذلك قالوا نعم فسلموا له وملكوه وكانت الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين أيديهم ويقولون إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن وبعضى موسى من الجنة وبلغني أن التابوت وعصى موسى في بحيرة طبرية وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة وقد ورد هذا المعنى مختصرا ومطولا عن جماعة من السلف فلا يأتي التطويل بذكر ذلك بفائدة يعتد بها وأخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس ) وزاده بسطة ( يقول فضيلة ) في العلم والجسم (


"""""" صفحة رقم 267 """"""
يقول كان عظيما جسيما يفضل بني إسرائيل بعنقه وأخرج أيضا عن وهب بن منبه ) وزاده بسطة في العلم ( قال العلم بالحرب وأخرج ابن المنذر عنه أنه سئل أنبيا كان طالوت قال لا لم يأته وحي وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه سئل عن تابوت موسى ما سعته قال نحو من ثلاثة أذرع في ذراعين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال السكينة الرحمة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال السكينة الطمأنينة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال السكينة دابة قدر الهر لها هينان لهما شعاع وكان إذا التقى الجمعان أخرجت يديها ونظرت إليهم فيهزم الجيش من الرعب وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن علي قال السكينة ريح خجوج ولها رأسان وأخرج عبدالرزاق وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن علي قال السكينة لها وجه كوجه الإنسان ثم هي بعد ريح هفافة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد قال السكينة من الله كهيئة الريح لها وجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذنب الهر وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس قال ) فيه سكينة من ربكم ( قال طست من ذهب من الجنة كان يغسل بها قلوب الأنبياء ألقى الألواح فيها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه قال هي روح من الله لا تتكلم إذا اختلفوا في شيء تكلم فأخبرهم ببيان ما يريدون وأخرج ابن أبي حاتم عن الحس قال هي شيء تسكن إليه قلوبهم وأخرج عبدالرزاق عن قتادة قال فيه سكينة أي وقار
واقول هذه التفاسير المتناقضة لعلها وصلت إلى هؤلاء الأعلام من جهة اليهود أقماهم الله فجاءوا بهذه الأمور لقصد التلاعب بالمسلمين رضي الله عنهم والتشكيك عليهم وانظر إلى جعلهم لها تارة جيوانا وتارة جمادا وتارة شيئا لا يعقل كقول مجاهد كهيئة الريح لها وجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذنب الهر وهكذا كل منقول عن بني إسرائيل يتناقض ويشتمل على ما لا يعقل في الغالب ولا يصح أن يكون مثل هذه التفاسير المتناقضة مرويا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا رايا رآه قائله فهم اجل قدرا من التفسير بالرأي وبما لا مجال للإجتهاد فيه إذا تقرر لك هذا عرفت أن الواجب الرجوع في مثل ذلك إلى معنى السكينة لغة وهو معروف ولا حاجة إلى ركوب هذه الأمور المتعسفة المتناقضة فقد جعل الله عنها سعة ولو ثبت لنا في السكينة تفسير عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لوجب علينا المصير إليه والقول به ولكنه لم يثبت من وجه صحيح بل ثبت أنها تنزلت على بعض الصحابة عند تلاوته للقرآن كما في صحيح مسلم عن البراء قال كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس مربوط فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها فلما أصبح أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك له فقال تلك السكينة نزلت للقرآن وليس في هذا إلا أن هذه التي سماها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سكينة سحابة دارت على ذلك القارئ فالله أعلم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وبقية مما ترك آل موسى ( قال عصاه ورضاض الألواح وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال كان في التابوت عصى موسى وعصى هارون وثياب موسى وثياب هارون ولوحان من التوراة والمن وكلمة الفرج ( لا إله إلا الله الحليم الكريم وسبحانه الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين ) وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله ) تحمله الملائكة ( قال أقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في بيت طالوت فأصبح في داره وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) إن في ذلك لآية ( قال علامة وأخرج أبي أبي حاتم عن ابن عباس ) إن الله مبتليكم بنهر ( يقول


"""""" صفحة رقم 268 """"""
بالعطش فلما انتهى ألي النهر وهو نهر الأردن كرع فيه عامة الناس فشربوا منه فلم يزد من شرب منه إلا عطشا وأجزا من اغترف غرفة بيده وانقطع الظمأ عنه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) فشربوا منه إلا قليلا منهم ( قال القليل ثلثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن البراء قال كنا أصحاب محمد نتحدث أن أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر ولم يجاوز معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلثمائة وقد أخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لأصحابه يوم بدر ( أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت ) واخرج ابن عساكر من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال كانوا ثلثمائة ألف وثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثة عشر فشربوا منه كلهم إلا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر فردهم طالوت ومضى ثلثمائة وثلاثة عشر وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) الذين يظنون ( قال الذين يستيقنون وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كان طالوت أميرا على الجيش فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته فقال داود لطالوت ماذا لي واقبل جالوت فقال لك ثلث ملكي وأنكحك ابنتي فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات ثم سمى إبراهيم وإسحاق ويعقوب ثم أدخل يده فقال بسم الله إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فخرج على إبراهيم فجعله في مرحمته فرمى بها جالوت فخرق ثلاثة وثلاثين بيضة عن رأسه وقتلت ما وراءة ثلاثين ألفا وذكر المفسرون أقاصيص كثيرة من هذا الجنس والله أعلم وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ( قال يدفع الله بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يحج عمن لا يحج وبمن يزكي عمن لا يزكي وأخرج ابن عدي وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن إله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ ابن عمر ) ولولا دفع الله الناس ( الآية وفي إسناده يحيى بن سعيد العطار الحمصي وهو ضعيف جدا
البقرة 253
البقرة : ( 253 ) تلك الرسل فضلنا . . . . .
قوله ) تلك الرسل ( قيل هو اشارة إلى جميع الرسل فتكون الالف واللام للإستغراق وقيل هو إشارة إلى الأنبياء المذكورين في هذه السورة وقيل إلى الأنبياء الذين بلغ علمهم إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بتفضيل بعضهم على بعض أن الله سبحانه جعل لبعضهم من مزايا الكمال فوق ما جعله للآخر فكان الأكثر مزايا فاضلا والآخر مفضولا وكما دلت هذه الآية على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض كذلك دلت الآية الأخرى وهي قوله تعالى ) ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا ( وقد استشكل جماعة من أهل العلم الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ ( لا تفضلوني على الأنبياء )


"""""" صفحة رقم 269 """"""
وفي لفظ آخر ( لا تفضلوا بين الأنبياء ) وفي لفظ ( لا تخيروا بين الانبياء ) فقال قوم إن هذا القول منه ( صلى الله عليه وسلم ) كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل وقيل إنه قال ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك على سبيل التواضع كما قال ( لا يقل أحدكم أنا خير من يونس بن متى ) تواضعا مع علمه أنه أفضل الأنبياء كما يدل عليه قوله ( أنا سيد ولد آدم ) وقيل إنما نهى ذلك قطعا للجدال والخصام في الأنبياء فيكون مخصوصا بمثل ذلك لا إذا كان صدور ذلك مأمونا وقيل إن النهي إنما هو من جهة النبوة فقط لأنها خصلة واحدة لا تفاضل فيها ولا نهي عن التفاضل بزيادة الخصوصيات والكرامات وقيل إن المراد النهي عن التفضيل لمجرد الأهواء والعصبية وفي جميع هذه الأقوال ضعف وعندي أنه لا تعارض بين القرآن والسنة فإن القرآن دل على أن الله فضل بعض أنبيائه على بعض وذلك لا يستلزم أنه يجوز لنا أن نفضل بعضهم على بعض فإن المزايا التي هي مناط التفضيل معلومة عند الله لا تخفى عليه منا خافية وليست بمعلومة عند البشر فقد يجهل اتباع نبي من الأنبياء بعض مزاياه وخصوصياته فضلا عن مزايا غيره والتفضيل لا يجوز إلا بعد العلم بجميع الأسباب التي يكون بها هذا فاضلا وهذا مفضولا لا قبل العلم ببعضها أو بأكثرها أو باقلها فإن ذلك تفضيل بالجهل وإقدام على أمر لا يعلمه الفاعل له وهو ممنوع منه فلو فرضنا أنه لم يرد إلا القرآن في الإخبار لنا بأن الله فضل بعض انبيائه على بعض لم يكن فيه دليل على أنه يجوز للبشر أن يفضلوا بين الأنيباء فكيف وقد وردت السنة الصحيحة بالنهي عن ذلك وإذا عرفت هذا علمت أنه لا تعارض بين القرآن والسنة بوجه من الوجوه فالقرآن فيه الإخبار من الله بأنه فضل بعض أنبيائه على بعض والسنة فيها النهي لعباده أن يفضلوا بين أنبيائه فمن تعرض للجمع بينهما زاعما أنهما متعارضان فقد غلط غلطا بينا قوله ) منهم من كلم الله ( وهو موسى ونبينا سلام الله عليهما وقد روى عن النبي أنه قال في آدم ( إنه نبي مكلم ) وقد ثبت ما يفيد ذلك في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر قوله ) ورفع بعضهم درجات ( هذا البعض يحتمل أن يراد به من عظمت منزلته عند الله سبحانه من الأنبياء ويحتمل أن يراد به نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) لكثرة مزاياه المقتضية لتفضيله ويحتمل أن يراد به إدريس لأن الله سبحانه أخبرنا بأنه رفعه مكانا عليا وقيل إنهم أولوا العزم وقيل إبراهيم ولا يخفاك أن الله سبحانه أبهم هذا البعض المرفوع فلا يجوز لنا التعرض للبيان له إلا ببرهان من الله سبحانه وتعالى أو من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ولم يرد ما يرشد إلى ذلك فالتعرض لبيانه هو من تفسير القرآن الكريم بمحض الرأي وقد عرفت ما فيه من الوعيد الشديد مع كون ذلك ذريعة إلى التفضيل بين الأنبياء وقد نهينا عنه وقد جزم كثير من أئمة التفسير انه نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وأطالوا في ذلك واستدلوا بما خصه الله به من المعجزات ومزايا الكمال وخصال الفضل وهم بهذا الجزم بدليل لا يدل على المطلوب قد وقعوا في خطرين وارتكبوا نهيين وهما تفسير القرآن بالرأي والدخول في ذرائع التفضيل بين الأنبياء وإن لم يكن ذلك تفضيلا صريحا فهو ذريعة إليه بلا شك ولا شبهة لأن من جزم بأن هذا البعض المرفوع درجات هو النبي الفلاني انتقل من ذلك إلى التفضيل المنهي عنه وقد أغنى الله نبينا المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك بما لا يحتاج معه إلى غيره من الفضائل والفواضل فإياك أن تتقرب إليه ( صلى الله عليه وسلم ) بالدخول في أبواب نهاك عن دخولها فتعصيه وتسيء وأنت تظن أنك مطيع محسن قوله ) وآتينا عيسى ابن مريم البينات ( أي الآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة من إحياء الأموات وإبراء المرضى وغير ذلك قوله ) وأيدناه بروح القدس ( هو جبريل وقد تقدم الكلام على هذا قوله ) ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم ( أي من بعد الرسل وقيل من بعد موسى وعيسى ومحمد لأن الثاني مذكور صريحا والأول


"""""" صفحة رقم 270 """"""
والثالث وقعت الإشارة إليهما بقوله ) منهم من كلم الله ( أي لو شاء الله عدم اقتتالهم ما اقتتلوا فمفعول المشيئة محذوف على القاعدة ) ولكن اختلفوا ( استثناء من الجملة الشرطية أي ولكن الاقتتال ناشيء عن اختلافهم اختلافا عظيما حتى صاروا مللا مختلفة ) فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ( عدم اقتتالهم بعد هذا الاختلاف ) ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ( لا راد لحكمه ولا مبدل لقضائه فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله تعالى ) فضلنا بعضهم على بعض ( قال اتخذ الله إبراهيم خليلا وكلم موسى تكليما وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون وهو عبدالله وكلمته وروحه وآتى داود زبورا وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وغفر لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد في قوله ) منهم من كلم الله ( قال كلم الله موسى وأرسل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الناس كافة وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي في قوله ) ورفع بعضهم درجات ( قال محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم ( يقول من بعد موسى وعيسى وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال كنت عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية إذ أقبل علي فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لمعاوية ( أتحب عليا قال نعم قال إنها ستكون بينكم فتنة هنيهة قال معاوية فما بعد ذلك يا رسول الله قال عفو الله ورضوانه قال رضينا بقضاء الله فعند ذلك نزلت هذه الآية ) ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ( قال السيوطي وسنده واه
البقرة 254
البقرة : ( 254 ) يا أيها الذين . . . . .
ظاهر الأمر في قوله ) أنفقوا ( الوجوب وقد حمله جماعة على صدقة الفرض لذلك ولما في آخر الآية من الوعيد الشديد وقيل إن هذه الآية تجمع زكاة الفرض والتطوع قال ابن عطية وهذا صحيح ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين يترجح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله قال القرطبي وعلى هذا التأويل يكون إنفاق المال مرة واجبا ومرة ندبا بحسب تعين الجهاد وعدم تعينه قوله ) من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ( أي أنفقوا ما دمتم قادرين ) من قبل أن يأتي ( ما لا يمكنكم الانفاق فيه وهو ) يوم لا بيع فيه ( أي لا يتبايع الناس فيه والخلة خالص المودة مأخوذة من تخلل السرار بين الصديقين أخبر سبحانه أنه لا خلة في يوم القيامة نافعة ولا شفاعة مؤثرة إلا لمن أذن الله له وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بنصب لا بيع ولا خلة ولا شفاعة من غير تنوين وقرأ الباقون برفعها منونة وهما لغتان مشهورتان للعرب ووجهان معروفان عند النحاة فمن الأول قول حسان ألا طعان ألا فرسان عادية
ألا يحشئوكم حول التنانير
ومن الثاني قول الراعي وما صرمتك حتى قلت معلنة
لا ناقة لي في هذا ولا جمل
ويجوز في غير القرآن التغاير برفع البعض ونصب البعض كما هو مقرر في علم الإعراب قوله ) والكافرون هم الظالمون (


"""""" صفحة رقم 271 """"""
فيه دليل على أن كل كافر ظالم لنفسه ومن جملة من يدخل تحت هذا العموم مانع الزكاة منعا يوجب كفره لوقوع ذلك في سياق الأمر بالإنفاق
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من ما رزقناكم ( قال من الزكاة والتطوع وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال يقال نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ونسخ شهر رمضان كل صوم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال قد علم الله أن ناسا يتخاللون في الدنيا ويشفع بعضهم لبعض فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء قال الحمد لله الذي قال ) والكافرون هم الظالمون ( ولم يقل والظالمون هم الكافرون
البقرة 255
البقرة : ( 255 ) الله لا إله . . . . .
قوله ) لا إله إلا هو ( أي لا معبود بحق إلا هو وهذه الجملة خبر المبتدإ والحي الباقي وقيل الذي لا يزول ولا يحول وقيل المصرف للأمور والمقدر للأشياء قال الطبري عن قوم إنه يقال حي كما وصف نفسه ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه وهو خبر ثان أو مبتدأ خبره محذوف والقيوم القائم على كل نفس بما كسبت وقيل القائم بذاته المقيم لغيره وقيل القائم بتدبير الخلق وحفظه وقيل هو الذي لا ينام وقيل الذي لا بديل له وأصل قيوم قيووم اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء وقرأ ابن مسعود وعلقمة والنخعي والأعمش ( الحي القيام ) بالألف وروى ذلك عن عمر ولا خلاف بين أهل اللغة أن القيوم أعرف عند العرب واصح بناء وأثبت علة والسنة النعاس في قول الجمهور والنعاس ما يتقدم النوم من الفتور وانطباق العينين فإذا صار في القلب صار نوما وفرق المفصل بين السنة والنعاس والنوم فقال السنة من الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب انتهى والذي ينبغي التعويل عليه في الفرق بين السنة والنوم أن السنة لا يفقد معها العقل بخلاف النوم فإنه استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الأبخرة حتى يفقد معه العقل بل وجميع الإدراكات بسائر المشاعر والمراد أنه لا يعتريه سبحانه شيء منهما وقدم السنة على النوم لكونها تتقدمه في الوجود قال الرازي في تفسيره إن السنة ما تتقدم النوم فإذا كانت عبارة عن مقدمة النوم فإذا قيل لا تأخذه سنة دل على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى فكان ذكر النوم تكرارا قلنا تقدير الآية لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه نوم والله أعلم بمراده انتهى وأقول إن هذه الأولوية التي ذكرها غير مسلمة فإن النوم قد يرد ابتداء من دون ما ذكر من النعاس وإذا ورد على القلب والعين دفعه واحدة فإنه يقال له نوم ولا يقال له سنة لا يستلزم نفي السنة نفي النوم وقد ورد عن العرب نفيهما جميعا ومنه قول زهير ولا سنة طوال الدهر تأخذه
ولا ينام وما في أمره فند


"""""" صفحة رقم 272 """"""
فلم يكتف بنفي السنة وأيضا فإن الإنسان يقدر على أن يدفع عن نفسه السنة ولا يقدر على أن يدفع عن نفسه النوم فقد يأخذه النوم ولا تأخذه السنة فلو وقع الاقتصار في النظم القرآني على نفي السنة لم يفد ذلك نفي النوم وهكذا لو وقع الاقتصار على نفي النوم لم يفد نفي السنة فكم من ذي سنة غير نائم وكرر حرف النفي للتنصيص على شمول النفي لكل واحد منهما قوله ) من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( في هذا الاستفهام من الإنكار على من يزعم أن أحدا من عباده يقدر على أن ينفع أحدا منهم بشفاعة أو غيرها والتقريع والتوبيخ له ما لا مزيد عليه وفيه من الدفع في صدور عباد القبور والصد في وجوههم والفت في أعضادهم مالا يقادر قدره ولا يبلغ مداه والذي يستفاد منه فوق ما يستفاد من قوله تعالى ) ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( وقوله تعالى ) وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ( وقوله تعالى ) لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ( بدرجات كثيرة وقد بينت الأحاديث الصحيحة الثابتة في دواوين الإسلام صفة الشفاعة ولمن هي ومن يقوم بها قوله ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ( الضميران لما في السموات والأرض بتغليب العقلاء على غيرهم وما بين أيديهم وما خلفهم عبارة عن المتقدم عليهم والمتأخر عنهم أو عن الدنيا والآخرة وما فيهما قوله ) ولا يحيطون بشيء من علمه ( قد تقدم معنى الإحاطة والعلم هنا بمعنى المعلوم أي لا يحيطون بشيء من معلوماته قوله ) وسع كرسيه ( الكرسي الظاهر أنه الجسم الذي وردت الآثار بصفته كما سيأتي بيان ذلك وقد نفى وجوده جماعة من المعتزلة وأخطئوا في ذلك خطأ بينا وغلطوا غلطا فاحشا وقال بعض السلف إن الكرسي هنا عبارة عن العلم قالوا ومنه قيل للعلماء الكراسي ومنه الكراسة التي يجمع فيها العلم ومنه قول الشاعر تحف بهم بيض الوجوه وعصبة
كراسي بالأخبار حين تنوب
ورجح هذا القول ابن جرير الطبري وقيل كرسيه قدرته التي يمسك بها السموات والأرض كما يقال اجعل لهذا الحائط كرسيا أي ما يعمده وقيل إن الكرسي هو العرش وقيل هو تصوير لعظمته ولا حقيقة له وقيل هو عبارة عن الملك والحق القول الأول ولا وجه للعدول عن المعنى الحقيقي إلا مجرد خيالات تسببت عن جهالات وضلالات والمراد بكونه وسع السموات والأرض أنها صارت فيه وأنه وسعها ولم يضق عنها لكونه بسيطا واسعا وقوله ) ولا يؤوده حفظهما ( معناه لا يثقله ثقالة أدنى الشيء بمعنى أثقلني وتحملت منه مشقة وقال الزجاج يجوز أن يكون الضمير في قوله ) يؤوده ( لله سبحانه ويجوز أن يكون للكرسي لأنه من أمر الله ) العلي ( يراد به علو القدرة والمنزلة وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا هو العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه قال ابن عطية وهذه أقوال جهلة مجسمين وكان الواجب أن لا تحكي انتهى والخلاف في إثبات الجهة معروف في السلف والخلف والنزاع فيه كائن بينهم والأدلة من الكتاب والسنة معروفة ولكن الناشئ على مذهب يرى غيره خارجا عن الشرع ولا ينظر في أدلته ولا يلتفت إليها والكتاب والسنة هما المعيار الذي يعرف به الحق من الباطل ويتبين به الصحيح من الفاسد ) ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ( ولا شك أن هذا اللفظ يطلق على الظاهر الغالب كما في قوله ) إن فرعون علا في الأرض ( وقال الشاعر فلما علونا واستوينا عليهم
تركناهم صرعى لنسر وكاسر
والعظيم بمعنى عظم شأنه وخطره قال في الكشاف إن الجملة الأولى بيان لقيامة بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه والثانية بيان لكونه مالكا لما يدبره والجملة الثالثة بيان لكبرياء شأنه والجملة الرابعة بيان


"""""" صفحة رقم 273 """"""
لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة وغير المرتضى والجملة الخامسة بيان لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها أو لجلاله وعظم قدره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) الحي ( أي حي لا يموت ) القيوم ( القائم الذي لا بديل له واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد في قوله ) القيوم ( قال القائم على كل شيء وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال القيوم الذي لا زوال له وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) لا تأخذه سنة ولا نوم ( قال السنة النعاس والنوم هو النوم واخرجوا إلا البيهقي عن السدي قال السنة ريح النوم الذي تأخذه في الوجه فينعس الإنسان وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) يعلم ما بين أيديهم ( قال ما مضى من الدنيا ) وما خلفهم ( من الآخرة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ما بين أيديهم ( ما قدموا من أعمالهم ) وما خلفهم ( ما أضاعوا من أعمالهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفاء عن ابن عباس في قوله ) وسع كرسيه ( قال علمه ألا ترى إلى قوله ) ولا يؤوده حفظهما ( وأخرج الدارقطني في الصفات والخطيب في تاريخه عنه قال ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قول الله ( وسع كرسيه ) قال كرسيه موضع قدمه والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل ) وأخرجه الحاكم وصححه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي موسى الأشعري مثله موقوفا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لو أن السموات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعته يعني الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر الغفاري أنه سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الكرسي فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( والذي نفسي بيده ما السموات السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة ) وأخرج عبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وأبو الشيخ والطبراني والضياء المقدسي في المختارة عن عمر قال ( أتت إمرأة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقالت ادع الله أن يدخلني الجنة فعظم الرب سبحانه وقال إن كرسيه وسع السموات والأرض وإن له أطيطا كأطيط المرجل الحديد من ثقله وفي إسناده عبدالله ابن خليفة وليس بالمشهور وفي سماعه من عمر نظر ومنهم من يرويه عن عمر موقوفا وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا أنه موضع القدمين وفي إسناده الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك وقد ورد عن جماعة من السلف من الصحابة وغيرهم في وصف الكرسي آثار لا حاجة في بسطها وقد روى أبو داود في كتاب السنة من سننه من حديث جبير بن مطعم حديثا في صفته وكذلك أورد ابن مردويه عن بريدة وجابر وغيرهما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يؤوده حفظهما ( قال لا يثقل عليه وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) ولا يؤوده ( قال ولا يكثره وأخرج ابن جرير عنه قال العظيم الذي قد كمل في عظمته
واعلم أنه قد ورد في فضل هذه الآية أحاديث فأخرج أحمد ومسلم واللفظ له عن أبي عن كعب ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سأله أي آية من كتاب الله أعظم قال آية الكرسي قال ليهنك العلم أبا المنذر ) وأخرج النسائي وأبو يعلى وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والحاكم وصححه عن أبي بن كعب أنه كان له جرن فيه تمر فكان يتعاهده فوجده ينقص فحرصه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم قال


"""""" صفحة رقم 274 """"""
فسلمت فرد السلام فقلت ما أنت جني أم إنسي قال جني قلت ناولني يدك فناولني فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب فقلت هكذا خلق الجن قال لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني قلت ما حملك على ما صنعت قال بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك فقال له أبي فما الذي يجيرنا منكم قال هذه الآية آية الكرسي التي في سورة البقرة ( من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي فلما أصبح أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فقال صدق الخبيث ) وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني وأبو نعيم في المعرفة بسند رجاله ثقات عن ابن الأسقع البكري ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جاءهم في صفة المهاجرين فسأله إنسان أي آية في القرآن أعظم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ( حتى انقضت الآية ) وأخرج أحمد من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه عن أنس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج الدارمي عن أنفع بن عبدالله الكلاعي نحوه وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال ( وكلني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو وذكر قصة وفي آخرها أنه قال له دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت ما هي قال إذا أويت إلى فراشك فاقرا آية الكرسي فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فأخبر أبو هريرة بذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أما إنه صدقك وهو كذوب تعلم تخاطب يا أبا هريرة قال لا قال ذلك شيطان كذا ) وأخرج نحو ذلك أحمد عن أبي أيوب وأخرج الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أعظم آية في كتاب الله ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( وأخرج نحوه أحمد والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر مرفوعا وأخرج نحوه أيضا أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعا وأخرج سعيد بن منصور والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه آية الكرسي ) قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأخرج الحاكم من حديث زائدة مرفوعا ( لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن آية الكرسي ) وقال غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير وقد تكلم فيه شعبة وضعفه وكذا ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغير واحد وتركه ابن مهدي وكذبه السعدي وأخرج أبو داود والترمذي وصححه من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول في هاتين الآيتين ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( والم الله لا إله إلا هو إن فيهما اسم الله الأعظم وقد وردت أحاديث في فضلها غير هذه وورد أيضا في فضل قراءتها دبر الصلوات وفي غير ذلك وورد أيضا في فضلها مع مشاركة غيرها لها أحاديث وورد عن السلف في ذلك شيء كثير
البقرة 256 257


"""""" صفحة رقم 275 """"""
البقرة : ( 256 ) لا إكراه في . . . . .
قد اختلف أهل العلم في قوله ) لا إكراه في الدين ( على أقوال الأول أنها منسوخة لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد أكره العرب على دين الإسلام وقاتلهم ولم يرض منهم إلا بالإسلام والناسخ لها قوله تعالى ) يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ( وقال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ( وقال ) ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ( وقد ذهب إلى هذا كثير من المفسرين القول الثاني أنها ليست بمنسوخة وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا أدوا الجزية بل الذين يكرهون هم أهل الأوثان فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وإلى هذا ذهب الشعبي والحسن وقتادة والضحاك القول الثالث أن هذه الآية في الأنصار خاصة وسيأتي بيان ما ورد في ذلك القول الرابع أن معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف إنه مكره فلا إكراه في الدين القول الخامس أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا على الإسلام وقال ابن كثير في تفسيره أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين وضح جلي دلائله وبراهينه لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا وهذا يصلح أن يكون قولا سادسا وقال في الكشاف في تفسيره هذه الاية أي لم يجر الله أمر الإيمان على الاجبار والقسر ولكن على التمكين والاختيار ونحوه قوله ) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( أي لو شاء لقسرهم على الإيمان ولكن لم يفعل وبنى الأمر على الاختيار وهذا يصلح أن يكون قولا سابعا والذي ينبغي إعتماده ويتعين الوقوف عنده أنها في السبب الذي نزلت لأجله محكمة غير منسوخة وهو أن المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت يهود بني نضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا فنزلت أخرجه أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والبيهقي في السنن والضياء في المختارة عن ابن عباس وقد وردت هذه القصة من وجوه حاصلها ما ذكره ابن عباس مع زيادات تتضمن أن الأنصار قالوا إنما جعلناهم على دينهم أي دين اليهود ونحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا وأن الله جاء بالإسلام فلنكرهنهم فلما نزلت خير الأبناء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يكرههم على الإسلام وهذا يقتضي أن أهل الكتاب لا يكرهون على الإسلام إذا اختاروا البقاء على دينهم وأدوا الجزية وأما أهل الحرب فالاية وإن كانت تعمهم لأن النكرة في سياق النفي وتعريف الدين يفيدان ذلك والإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لكن قد خص هذا العموم بما ورد من آيات في إكراه أهل الحرب من الكفار على الإسلام قوله ) قد تبين الرشد من الغي ( الرشد هنا الإيمان والغي الكفر أي قد تميز أحدهما من الآخر وهذا استئناف يتضمن التعليل لما قبله والطاغوت فعلوت من طغى يطغى ويطغو إذا جاوز الحد قال سيبويه هو اسم مذكر مفرد أي اسم جنس يشمل القليل والكثير وقال أبو علي الفارسي إنه مصدر كرهبوت وجبروت يوصف به الواحد والجمع وقلبت لامه إلى موضع العين وعينه إلى موضع اللام كجبذ وجذب ثم تقلب الواو ألفا لتحركها وتحرك ما قبلها فقيل طاغوت واختار هذا القول النحاس وقيل أصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق كما قيل لآلئ من اللؤلؤ وقال المبرد هو جمع قال ابن عطية وذلك مردود قال الجوهري والطاغوت الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال وقد يكون واحدا قال الله تعالى ) يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ( وقد


"""""" صفحة رقم 276 """"""
يكون جمعا قال الله تعالى ) أولياؤهم الطاغوت ( والجمع الطواغيب أي فمن يكفر بالشيطان أو الأصنام أو أهل الكهانة ورءوس الضلالة أو بالجميع ) ويؤمن بالله ( عز وجل بعد ما تميز له الرشد من الغي فقد فاز وتمسك بالحبل الوثيق أي المحكم والوثقى فعلى من الوثاقة وجمعها وثق مثل الفضلى والفضل وقد اختلف المفسرون في تفسير العروة الوثقى بعد اتفاقهم على أن ذلك من باب التشبيه والتمثيل لما هو معلوم بالدليل بما هو مدرك بالحاسة فقيل المراد بالعروة الإيمان وقيل الإسلام وقيل لا إله إلا الله ولا ماتن من الحمل على الجميع والإنفصام الإنكسار من غير بينونة قال الجوهري فصم الشيء كسره من غير أن يبين وأما القصم بالقاف فهو الكسر مع البينونة وفسر صاحب الكشاف الانفصام بالانقطاع
البقرة : ( 257 ) الله ولي الذين . . . . .
قوله ) الله ولي الذين آمنوا ( الولي فعيل بمعنى فاعل وهو الناصر وقوله ) يخرجهم ( تفسير للولاية أو حال من الضمير في ولي وهذا يدل على أن المراد بقوله ) الذين آمنوا ( الذين ارادوا الإيمان لأن من قد وقع منه الإيمان قد خرج من الظلمات إلى النور إلا أن يراد بالإخراج إخراجهم من الشبه التي تعرض للمؤمنين فلا يحتاج إلا تقدير الارادة والمراد بالنور في قوله ) يخرجونهم من النور إلى الظلمات ( ما جاء به انبياء الله من الدعوة إلى الدين فإن ذلك نور للكفار أخرجهم أولياؤهم عنه إلى ظلمة الكفر أي قررهم أولياؤهم على ما هم عليه من الكفر بسبب صرفهم عن إجابة الداعي إلى الله من الأنبياء وقيل المراد بالذين كفروا هنا الذين ثبت في علمه تعالى كفرهم يخرجهم أولياؤهم من الشياطين ورؤوس الضلال من النور الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى ظلمات الكفر التي وقعوا فيها بسبب ذلك الإخراج
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن سعيد بن جبير نحو ما تقدم عن ابن عباس من ذكر سبب نزول قوله تعالى ) لا إكراه في الدين ( وزاد أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خير الأبناء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي نحوه أيضا وقال فلحق بهم أي ببني النضير من لم يسلم وبقي من أسلم وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كان ناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة فثبتوا على دينهم فلما جاء الإسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) لا إكراه في الدين ( قال نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين كان له ابنان نصرانيان وكان هو رجلا مسلما فقال للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية فنزلت وأخرج عبد بن حميد عن عبدالله بن عبيدة نحوه وكذلك أخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة قال كانت العرب ليس لها دين فأكرهوا على الدين بالسيف قال ولا تكرهوا اليهود ولا النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن نحوه وأخرج البخاري عن أسلم سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية أسلمي تسلمي فأبت فقال اللهم اشهد ثم تلا ) لا إكراه في الدين ( وروى عنه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم أنه قال لزنبق الرومي غلامه لو أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين فأبى فقال ) لا إكراه في الدين ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى في قوله ) لا إكراه في الدين ( قال نسختها ) جاهد الكفار والمنافقين (
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال الطاغوت الشيطان واخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال الطاغوت الكاهن وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال الطاغوت الساحر وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال الطاغوت


"""""" صفحة رقم 277 """"""
ما يعبد من دون الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال العروة الوثقى لا إله إلا الله وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أنس بن مالك أنها القرآن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أنها الإيمان وعن سفيان أنها كلمة الإخلاص وقد ثبت في الصحيحين تفسير العروة الوثقى في غير هذه الآية بالإسلام مرفوعا في تعبيره ( صلى الله عليه وسلم ) لرؤيا عبدالله بن سلام وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود فمن تمسك بهما فقد تمسك بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها ) وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال إذا وحد الله وآمن بالقدر فهي العروة الوثقي وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاذ أنه سئل عن قوله ) لا انفصام لها ( قال لا انقطاع لها دون دخول الجنة وأخرج ابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله ( الله ولي الذين آمنوا ) الآية قال هم قوم كانوا كفروا بعيسى فآمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت ) الآية قال هم قوم آمنوا بعيسى فلما بعث محمد كفروا به وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال الظلمات الكفر والنور الإيمان وأخرج أبو الشيخ عن السدي مثله
البقرة 258
البقرة : ( 258 ) ألم تر إلى . . . . .
في هذه الآية استشهاد على ما تقدم ذكره من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت وهمزة الاستفهام لإنكار النفي والتقرير المنفي أي ألم ينته علمك أو نظرك إلى هذا الذي صدرت منه المحاجة قال الفراء ألم تر بمعنى هل رأيت أي هل رأيت الذي حاج إبراهيم وهو النمروذ بن كوس بن كنعان بن سلم بن نوح وقيل إنه النمروذ بن فالخ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام وقوله ( أن آتاه الله الملك ) أي لأن آتاه الله أو من أجل أن آتاه الله على معنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتو فحاج لذلك أو على أنه وضع المحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه من الشكر كما يقال عاديتنى لأني أحسنت إليك أو وقت أن آتاه الله الملك وقوله ) إذ قال إبراهيم ( هو ظرف لحاج وقيل بدل من قوله ) أن آتاه الله الملك ( على الوجه الأخير وهو بعيد قوله ) ربي الذي يحيي ويميت ( بفتح ياء ربي وقرىء بحذفها قوله ) أنا أحيي ( قرأ جمهور القراء أنا أحيي بطرح الألف التي بعد النون من أنا في الوصل وأثبتها نافع وابن أبي أويس كما في قول الشاعر أنا شيخ العشيرة فاعرفوني
حميدا قد تذربت السناما
أراد إبراهيم عليه السلام أن الله هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد وأراد الكافر أنه يقدر أن يعفو عن القتل فيكون ذلك إحياء وعلى أن يقتل فيكون ذلك إماتة فكان هذا جوابا أحمق لا يصح نصبه في مقابلة حجة إبراهيم لأنه أراد غير ما أراده الكافر فلو قال له ربه الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد فهل تقدر على ذلك لبهت الذي كفر بادئ بدء وفي أول وهلة ولكنه انتقل معه إلى حجة أخرى تنفيسا لخناقه وإرسالا لعنان المناظرة فقال ) فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ( لكون لهذه الحجة لا تجري فيها المغالطة لا يتيسر للكافر أن يخرج عنها بمخرج مكابرة ومشاغبة قوله ) فبهت الذي كفر ( بهت الرجل وبهت وبهت


"""""" صفحة رقم 278 """"""
إذا انقطع وسكت متحيرا قال ابن جرير وحكى عن بعض العرب في هذا المعنى بهت بفتح الباء والهاء قال ابن جني قرأ أبو حيوة فبهت بفتح الباء وضم الهاء وهي لغة في بهت بكسر الهاء قال وقرأ ابن السميفع فبهت بفتح الباء والهاء على معنى فبهت إبراهيم الذي كفر فالذي في موضع نصب قال وقد يجوز أن يكون بهت بفتحهما لغة في بهت وحكى أبو الحسن الأخفش قراءة ) فبهت ( بكسر الهاء قال والأكثر بالفتح في الهاء قال ابن عطية وقد تأول قوم في قراءة من قرأ فبهت بفتحهما أنه بمعنى سب وقذف وأن النمروذ هو الذي سب حين انقطع ولم يكن له حيلة انتهى وقال سبحانه ) فبهت الذي كفر ( ولم يقل فبهت الذي حاج إشعار بأن تلك المحاجة كفر وقوله ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( تذييل مقرر لمضمون الجملة التي قبله
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب أن الذي حاج إبراهيم في ربه هو نمروذ بن كنعان وأخرجه ابن جرير عن مجاهد وقتادة والربيع والسدي وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم أن أول جبار كان في الأرض نمروذ وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام فخرج إبراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار فإذا مر به ناس قال من ربكم قالوا أنت حتى مر به إبراهيم فقال من ربك قال الذي يحيى ويميت قال أنا أحيي وأميت قال فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر فرده بغير طعام فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب من رمل أصفر فقال ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم فأخذ منه فأتى أهله فوضع متاعة ثم نام فقامت إمرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هي بأجود طعام رآه آخذ فصنعت له منه فقربته إليه وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام فقال من أين هذا قالت من الطعام الذي جئت به فعرف أن الله رزقه فحمد الله ثم بعث الله إلى الجبار ملكا أن آمن وأتركك على ملكك قال فهل رب غيري فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه ثم أتاه الثالثة فأبى عليه فقال له الملك فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام فجمع الجبار جموعه فأمر الله الملك ففتح عليه بابا من البعوض وطلعت الشمس فلم يروها من كثرتها فبعثها الله عليهم فأكلت شحومهم وشربت دماءهم فلم يبق إلا العظام والملك كما هو لا يصيبه من ذلك شيء فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه وكان جبارا أربعمائة سنة فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه ثم أماته الله وهو الذي كان بني صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال هو نمروذ بن كنعان يزعمون أنه أول من ملك في الأرض أتى برجلين قتل أحدهما وترك الآخر فقال ) أنا أحيي وأميت ( وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( قال إلى الإيمان
البقرة 259


"""""" صفحة رقم 279 """"""
البقرة : ( 259 ) أو كالذي مر . . . . .
قوله ) أو كالذي ( أو للعطف حملا على المعنى والتقدير هل رأيت كالذي حاج أو كالذي مر على قرية قاله الكسائي والفراء وقال المبرد إن المعنى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ألم تر من هو كالذي مر على قرية فحذف قوله من هو وقد اختار جماعة أن الكاف زائدة واختار آخرون أنها اسمية والمشهور أن القرية هي بيت المقدس بعد تخريب بخنصر لها وقيل المراد بالقرية أهلها وقوله ) خاوية على عروشها ( أي ساقطة على عروشها أي سقط السقف ثم سقطت الحيطان عليه قاله السدي واختاره ابن جرير وقيل معناه خالية من الناس والبيوت قائمة وأصل الخواء الخلو يقال خوت الدار وخويت تخوى خواء ممدود وخويا وخويا أقفرت والخواء أيضا الجوع لخلو البطن عن الغذاء والظاهر القول الأول بدلالة قوله ) على عروشها ( من خوى البيت إذا سقط أو من خوت الأرض إذا تهدمت وهذه الجملة حالية أي من حال كونها كذلك وقوله ) أنى يحيي هذه الله ( أي متى يحيي أو كيف يحيي وهو استبعاد لإحيائها وهي على تلك الحالة المشابهة لحالة الأموات المباينة لحالة الأحياء وتقديم المفعول لكون الاستبعاد ناشئا من جهته لا من جهة الفاعل فلما قال المار هذه المقالة مستبعدا لإحياء القرية المذكورة بالعمارة لها والسكون فيها ضرب الله له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه ) فأماته الله مائة عام ثم بعثه ( وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال كان هذا القول شكا في قدرة الله على الإحياء فلذلك ضرب له المثل في نفسه قال ابن عطية ليس يدخل شك في قدرة الله سبحانه على إحياء قرية بجلب العمارة اليها وإنما يتصور الشك إذا كان سؤاله عن إحياء موتاها وقوله ) مائة عام ( منصوب على الظرفية والعام السنة أصله مصدر كالعوم سمي به هذا القدر من الزمان وقوله ) بعثه ( معناه أحياه قوله ) قال كم لبثت ( هو استئناف كأن سائلا سأله ماذا قال له بعد بعثه واختلف في فاعل قال فقيل هو الله عز وجل وقيل ناداه بذلك ملك من السماء قيل هو جبريل وقيل غيره وقيل إنه نبي من الأنبياء قيل رجل من المؤمنين من قومه شاهده عند أن أماته الله وعمر إلى عند بعثه والأول أولى لقوله فيما بعد ) وانظر إلى العظام كيف ننشزها ( وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة إلا عاصما ? كم لبت ? بإدغام الثاء في التاء لتقاربهما في المخرج وقرأ غيرهم بالإظهار وهو أحسن لبعد مخرج الثاء من مخرج التاء و ( كم ) في موضع نصب على الظرفية وإنما قال ( يوما أو بعض يوم ) بناء على ما عنده وفي ظنه فلا يكون كاذبا ومثله قول أصحاب الكهف ) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ( ومثله قوله ( صلى الله عليه وسلم ) في قصة ذي اليدين لم تقصر ولم أنس وهذا مما يؤيد قول من قال إن الصدق ما طابق الإعتقاد والكذب ما خالفه وقوله ) قال بل لبثت مائة عام ( هو استئناف أيضا كما سلف أي ما لبثت يوما أو بعض يوم بل لبثت مائة عام وقوله ) فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ( أمره سبحانه أن ينظر إلى هذا الأثر العظيم من آثار القدرة وهو عدم تغير طعامه وشرابه مع طول تلك المدة وقرأ ابن مسعود ( وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه ) وقرأ طلحة بن مصرف ( وانظر لطعامك وشرابك لمائة سنة ) وروى عن طلحة أيضا أنه قرأ ( لم يسن ) بإدغام التاء في السين وحذف الهاء وقرأه الجمهور بإثبات الهاء في الوصل والتسنه مأخوذ من السنة أي لم تغيره السنون واصلها سنهة أو سنوة من سنهت النخلة وتسنهت إذا أتت عليها السنون ونخلة سنا أي تحمل سنة ولا تحمل أخرى وأسنهت عند بني فلان أقمت عندهم وأصله يتسنا سقطت الألف للجزم والهاء للسكت وقيل هو من أسن الماء إذا تغير وكان يجب على هذا أن يقال يتأسن من قوله ) حمإ مسنون ( قاله أبو عمرو الشيباني وقال الزجاج ليس كذلك لأن قوله ) مسنون ( ليس معناه متغير وأنما معناه مصبوب على سنة الأرض وقوله ) وانظر إلى حمارك ( اختلف المفسرون في معناه فذهب الاكثر إلى ان معناه انظر إليه كيف


"""""" صفحة رقم 280 """"""
تفرقت أجزاؤه ونخرت عظامه ثم أحياه الله وعاد كما كان وقال الضحاك ووهب بن منبه انظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شئ بعد ان مضت عليه مائة عام ويؤيد القول الأول قوله تعالى ( وانظر إلى العظام كيف ينشزها ) ويؤيد القول الثاني مناسبته لقوله ( فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ) وإنما ذكر سبحانه عدم تغير طعامه وشرابه بعد إخباره انه لبث مائة عام مع ان عدم تغير ذلك الطعام والشراب لا يصلح ان يكون دليلا على تلك المدة الطويلة بل على ما قاله من لبثه يوما أو بعض يوم لزيادة استعظام ذلك الذي أماته الله تلك المدة فإنه إذا رأى طعامه وشرابه لم يتغير مع كونه قد ظن انه لم يلبث إلا يوما أو بعض يوم زادت الحيرة وقويت عليه الشبهة فإذا نظر إلى حماره عظاما نخرة تقرر لديه ان ذلك صنع من تأتى قدرته بما لا تحيط به العقول فإن الطعام والشراب سريع التغير وقد بقي هذه المدة الطويلة غير متغير والحمار يعيش المدة الطويلة وقد صار كذلك فتبارك الله أحسن الخالقين قوله ( ولنجعلك آية للناس ) قال الفراء إنه أدخل الواو في قوله ( ولنجعلك ) دلالة على انها شرط لفعل بعدها معناه ولنجعلك آية الناس ودلالة على البعث بعد الموت جعلنا ذلك وإن شئت جعلت الواو مقحما زائدة قال الأعمش موضع كونه آية هو انه جاء شبابا على حاله يوم مات فوجد الأبناء والحفدة شيوخا قوله ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) قرأ الكوفيون وابن عامر بالزاي والباقون بالراء وروى أبان عن عاصم ( ننشرها بفتح النون الأولى وسكون الثانية وضم الشين والراء
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الحاكم وصححه عن زيد بن ثابت ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ( كيف ننشزها ) بالزاي فمعنى القراءة بالزاي نرفعها ومنه النشر وهو المرتفع من الأرض اي يرفع بعضها إلى بعض وأما معنى القراءة بالراء المهملة فواضحة من أنشر الله الموتى أي أحياها وقوله ( ثم نكسوها لحما ) أي نسترها به كما نستر الجسد باللباس فاستعار اللباس لذلك كما استعاره النابغة للإسلام فقال الحمد لله إذ لم ياتني أجلي
حتى اكتسيت من الإسلام سربالا
قوله ( فلما تبين له ) أي ما تقدم ذكره من الآيات التي أراه الله سبحانه وأمره بالنظر إليها والتفكير فيه ( قال أعلم ان الله على كل شئ قدير ) لا يستعصى عليه شئ من الأشياء قال ابن جرير المعنى في قوله ( فلما تبين له أي لما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه ( قال أعلم ) وقال أبو علي الفارسي معناه أعلم أن هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته وقرأ حمزة والكسائي ( قال أعلم ) على لفظ الأمر خطابا لنفسه على طريق التجريد وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن على في قوله ( أو كالذي مر على قرية ) قال خرج عزيز نبي الله من مدينته وهو شاب فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها فقال ( أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) فأول ما خلق الله عيناه فجعل ينظر إلى عظامه ينضم بعضها إلى بعض ثم كسيت لحما ثم نفخ فيه الروح فقيل له ( كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام ) فأتى مدينته وقد ترك جارا له إسكافا شابا فجاء وهو شيخ كبير وقد ورد عن جماعة من السلف ان الذي أماته الله عزير منهم ابن عباس عند ابن جرير وابن عساكر ومنهم عبدالله بن سلام عند الخطيب وابن عساكر ومنهم عكرمة وقتادة وسليمان وبريدة والضحاك والسدى عند ابن جرير ورود عن جماعة آخرين ان الذي أماته الله هو نبي اسمه أرمياء فمنهم عبدالله بن عبيد بن عمير عند عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ومنهم وهب ابن منبه عند عبدالرزاق وابن جرير وأبي الشيخ وأخرج ابن إسحاق عنه أيضا انه الخضر وأخرج ابن أبي حاتم عن رجل من أهل الشام انه حزقيل وروى ابن كثير عن مجاهد انه رجل من بني إسرائيل والمشهور القول الأول


"""""" صفحة رقم 281 """"""
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( خاوية ) قال خراب وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال ( خاوية ) ليس فيها أحد وأخرج أيضا عن الضحاك قال ( على عروشها ) سقوفها وأخرج ابن جرير عن السدى قال ساقطة على سقوفها وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال ( لبثت يوما ) ثم إلتفت فرأى الشمس فقال ( أو بعض يوم ) وأخرج عنه أيضا قال كان طعامه الذي معه سلة من تين وشرابه زق من عصير وأخرج أيضا عن مجاهد نحوه واخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( لم يتسنه ) قال لم يتغير وأخرج عبد بن حميد وابن جرير قال ( لم يتسنه ) لم ينتن وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ( ولنجعلك آية للناس ) مثل ما تقدم عن الأعمش وكذلك أخرج مثله أيضا عن عكرمة وأخرج ابن جرير وابن امنذر عن ابن عباس في قوله ( كيف ننشزها ) قال نخرجها وأخرج ابن جرير عن زيد بن ثابت قال نحييها
البقرة 260
البقرة : ( 260 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
قوله ( وإذ ) ظرف منصوب بفعل محذوف أي اذكر وقت قول إبراهيم وأنما كان الأمر بالذكر موجها إلى الوقت دون ما وقع فيه مع كونه المقصود لقصد المبالغة لأن طلب وقت الشيء يستلزم طلبه بالأولى وهكذا يقال في سائر المواضع الواردة في الكتاب العزيز بمثل هذا الظرف وقوله ) رب ( آثره على غيره لما فيه من الاستعطاف الموجب لقبول ما يرد بعده من الدعاء وقوله ) أرني ( قال الأخفش لم يرد رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين وكذا قال غيره ولا يصح أن يراد الرؤية القلبية هنا لأن مقصود إبراهيم أن يشاهد الإحياء لتحصل له الطمأنينة والهمزة الداخلة على الفعل لقصد تعديته إلى المفعول الثاني وهو الجملة أعني قوله ) كيف تحيي الموتى ( وكيف في محل نصب على التشبيه بالظرف أو بالحال والعامل فيها الفعل الذي بعدها وقوله ) أو لم تؤمن ( عطف على مقدر أي ألم تعلم ولم تؤمن بأني قادر على الإحياء حتى تسألني إراءته ) قال بلى ( علمت وآمنت بأنك قادر على ذلك ولكن سالت ليطمئن قلبي باجتماع دليل العيان إلى دلائل الإيمان وقد ذهب الجمهور إلى أن إبراهيم لم يكن شاكا في إحياء الموتى قط وإنما طلب المعاينة لما جبلت عليه النفوس البشرية من رؤية ما أخبرت عنه ولهذا قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ليس الخبر كالمعاينة ) وحكى ابن جرير عن طائفة من أهل العلم أنه سأل ذلك لأنه شك في قدرة الله واستدلوا بما صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيحين وغيرهما من قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم ) وبما روى عن ابن عباس أنه قال ( ما في القرآن عندي آية أرجي منها ) أخرجه عنه عبدالرزاق وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه ورجح هذا ابن جرير بعد حكايته له قال ابن عطية وهو عندي مردود يعني قول هذه الطائفة ثم قال وأما قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( نحن أحق بالشك من إبراهيم ) فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك فإبراهيم أحرى أن لا يشك فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم وأما قول ابن عباس هي أرجى آية فمن حيث أن فيها الإدلال على الله وسؤال الإحياء في الدنيا وليست مظنة ذلك ويجوز أن نقول هي أرجى آية لقوله ) أو لم تؤمن ( أي أن الإيمان كاف لا يحتاج


"""""" صفحة رقم 282 """"""
معه إلى تنقير وبحث قال فالشك يبعد على من ثبت قدمه في الإيمان فقط فكيف بمرتبة النبوة والخلة والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا وإذا تأملت سؤاله عليه السلام وسائر الألفاظ للآية لم تعط شكا وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤل نحو قولك كيف علم زيد وكيف نسج الثوب ونحو هذا ومتى قلت كيف ثوبك وكيف زيد فإنما السؤال عن حال من أحواله وقد تكون كيف خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف نحو قولك كيف شئت فكن ونحو قول البخاري كيف كان بدء الوحي وهي في هذه الآية استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر ولكن لما وجدنا بعض المنكرين لوجود شيء قد يعبرون عن إنكاره بالإستفهام عن حالة لذلك الشيء يعلم أنها لا تصح فيلزم من ذلك أن الشيء في نفسه لا يصح مثال ذلك أن يقول مدع أنا أرفع هذا الجبل فيقول المكذب له ارني كيف ترفعه فهذه طريقة مجاز في العبارة ومعناها تسليم جدل كأنه يقول افرض أنك ترفعه فلما كان في عبارة الخليل هذا الاشتراك المجازي خلص الله له ذلك وحمله على أن بين له الحقيقة فقال له ) أو لم تؤمن قال بلى ( فكمل الأمر وتخلص من كل شيء ثم علل عليه السلام سؤاله بالطمأنينة قال القرطبي هذا ما ذكره ابن عطية وهو بالغ ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث وقد أخبر الله سبحانه أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ( وقال اللعين ) إلا عبادك منهم المخلصين ( وإذا لم يكن له عليهم سلطنة فكيف يشككهم وإنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها واتصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها فأراد أن يرقى من علم اليقين إلى عين اليقين فقوله ) أرني كيف ( طلب مشاهدة الكيفية قال الماوردي وليست الألف في قوله ) أو لم تؤمن ( ألف الاستفهام وإنما هي ألف إيجاب وتقرير كما قال جرير ألستم خير من ركب المطايا
وأندي العالمين بطون راح
والواو واو الحال و ( تؤمن ) معناه إيمانا مطلقا دخل فيه فضل إحياء الموتى والطمأنينة اعتدال وسكون وقال ابن جرير معنى ) ليطمئن قلبي ( ليوقن قوله ) فخذ أربعة من الطير ( الفاء جواب شرط محذوف أي إن أردت ذلك فخذ والطير اسم جمع لطائر كركب لراكب أو جمع أو مصدر وخص الطير بذلك قيل لأنه أقرب أنواع الحيوان إلى الإنسان وقيل إن الطير همته الطيران في السماء والخليل كانت همته العلو وقيل غير ذلك من الأسباب الموجبة لتخصيص الطير وكل هذه لا تثمن ولا تغني من جوع وليست إلا خواطر أفهام وبوادر أذهان لا ينبغي أن تجعل وجوها لكلام الله وعللا لما يرد في كلامه وهكذا قيل ما وجه تخصيص هذا العدد فإن الطمأنينة تحصل بإحياء واحد فقيل إن الخليل إنما سأل واحدا على عدد العبودية فأعطى أربعا على قدر الربوبية وقيل إن الطيور الأربعة إشارة إلى الأركان الأربعة التي منها تتركب اركان الحيوان ونحو ذلك من الهذيان قوله ) فصرهن إليك ( قرئ بضم الصاد وكسرها أي اضممهن إليك وأملهن واجمعهن يقال رجل أصور إذا كان مائل العنق ويقال صار الشيء يصوره أماله قال الشاعر الله يعلم أنا في تلفتنا
يوم الفراق إلى جيراننا صور
وقيل معناه قطعهن يقال صار الشيء يصوره أي قطعه ومنه قول توبة بن الحمير فأدنت لي الأسباب حتى بلغتها
بنهضي وقد كان اجتماعي بصورها
أي بقطعها وعلى هذا يكون قوله ) إليك ( متعلقا بقوله ) خذ ( وقوله ) ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا (


"""""" صفحة رقم 283 """"""
فيه ألأمر بالتجزئة لأن جعل كل جزء على جبل تستلزم تقدم التجزئة قال الزجاج المعنى ثم اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا والجزء النصيب وقوله ) يأتينك ( في محل جزم على أنه جواب الأمر ولكنه بني لأجل نون الجمع المؤنث قوله ) سعيا ( المراد به الإسراع في الطيران أو المشي
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال إن إبراهيم مر برجل ميت زعموا أنه حبشي على ساحل البحر فرأى دواب البحر تخرج فتأكل منه وسباع الأرض تأتيه فتأكل منه والطير يقع عليه فيأكل منه فقال إبراهيم عند ذلك رب هذه دواب البحر تأكل من هذا وسباع الأرض والطير ثم تميت هذه فتبلى ثم تحييها فأرني كيف تحيي الموتى ) قال أو لم تؤمن ( يا إبراهيم أني أحيي الموتى ) قال بلى ( يا رب ) ولكن ليطمئن قلبي ( يقول لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني فقال الله خذ أربعا من الطير واصنع ما صنع والطير الذي أخذ وز ورأل وديك وطاوس وأحد نصفين مختلفين ثم أتى أربعة أجبل فجعل على كل جبل نصفين مختلفين وهو قوله ) ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ( ثم تنحى ورءوسها تحت قدميه فدعا باسم الله الأعظم فرجع كل نصف إلى نصف وكل ريش إلى طائره ثم أقبلت تطير بغير رءوس إلى قدميه تريد رءوسها بأعناقها فرفع قدميه فوضع كل طائر منها عنقه في رأسه فعادت كما كانت وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج أيضا عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أنها كانت جيفة حمار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) ولكن ليطمئن قلبي ( يقول أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سالتك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فخذ أربعة من الطير ( قال الغرنوق والطاوس والديك والحمامة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال الأربعة من الطير الديك والطاوس والغراب والحمام وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس ) فصرهن ( قال قطعهن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال هي بالنبطية شققهن وأخرجا عنه أنه قال ) فصرهن ( أوثقهن وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال على سبعة أجبل وأخذ الرءوس بيده فجعل ينظر إلى القطرة تلقى القطرة والريشة تلقى الريشة حتى صرن أحياء ليس لهن رءوس فجئن إلى رءوسهن فدخلن فيها
البقرة 261 265


"""""" صفحة رقم 284 """"""
البقرة : ( 261 ) مثل الذين ينفقون . . . . .
قوله ) كمثل حبة ( لا يصح جعل هذا خبرا عن قوله ) مثل الذين ينفقون ( لاختلافهما فلا بد من تقدير محذوف إما في الأول أي مثل نفقة الذين ينفقون أو في الثاني أي كمثل زارع حبة والمراد بالسبع السنابل هي التي تخرج في ساق واحد يتشعب منه سبع شعب في كل شعبة سنبلة والحبة اسم لكل ما يزدرعه ابن آدم ومنه قول المتلمس آليت حب العراق الدهر أطعمه
والحب يأكله في القرية السوس
قيل المراد بالسنابل هنا سنابل الدخن فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد وقال القرطبي إن سنبل الدخن يجيء في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين وأكثر على ما شاهدنا قال ابن عطية وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة وأما في سائر الحبوب فأكثر ولكن المثال وقع بهذا القدر وقال الطبري إن قوله ) في كل سنبلة مائة حبة ( معناه إن وجد ذلك وإلا فعلى أن تفرضه قوله ) والله يضاعف لمن يشاء ( يحتمل أن يكون المراد يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء أو يضاعف هذا العدد فيزيد عليه أضعافه لمن يشاء وهذا هو الراجح لما سيأتي وقد ورد القرآن بأن الحسنة بعشر أمثالها واقتضت هذه الآية بأن نفقة الجهاد حسنتها بسبعمائة ضعف فيبني العام على الخاص وهذا بناء على ان سبيل الله هو الجهاد فقط وأما إذا كان المراد به وجوه الخير فيخص هذا التضعيف إلى سبعمائة بثواب النفقات وتكون العشرة الأمثال فيما عدا ذلك
البقرة : ( 262 ) الذين ينفقون أموالهم . . . . .
قوله ) الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ( هذه الجملة متضمنة لبيان كيفية الإنفاق الذي تقدم أي هو إنفاق الذين ينفقون ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى والمن هو ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها وقيل المن التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه والمن من الكبائر كما ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم والأذى السب والتطاول والتشكي قال في الكشاف ومعنى ( ثم ) إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى وإن تركهما خير من نفس الإنفاق كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله ) ثم استقاموا ( انتهى وقدم المن على الأذى لكثرة وقوعه ووسط كلمة ( لا ) للدلالة على شمول النفي وقوله ( عند ربهم ) فيه تأكيد وتشريف وقوله ولا خوف عليهم عليهم ظاهرة نفي الخوف عنهم في الدارين لما تفيده النكرة الواقعة في ساق النفي من الشمول وكذلك ) ولا هم يحزنون ( يفيد دوام انتفاء الحزن عنهم
البقرة : ( 263 ) قول معروف ومغفرة . . . . .
قوله ) قول معروف ومغفرة ( قيل الخبر محذوف أي أولى وأمثل ذكره النحاس قال ويجوز أن يكون خبرا عن مبتدأ محذوف أي الذي أمرتم به قول معروف وقوله ) ومغفرة ( مبتدأ أيضا وخبره قوله ) خير من صدقة ( وقيل إن قوله ) خير ( خبر عن قوله ) قول معروف ( وعن قوله ) ومغفرة ( وجاز الابتداء بالنكرتين لأن الأولى تخصصت بالوصف والثانية بالعطف والمعنى أن القول المعروف من المسئول للسائل وهو التأنيس والترجية بما عند الله والرد الجميل خير من الصدقة التي يتبعها أذى وقد ثبت في صحيح مسلم عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ( الكلمة الطيبة صدقة وإن من المعروف أن تلفى أخاك بوجه طلق ) وما أحسن ما قاله ابن دريد


"""""" صفحة رقم 285 """"""
لا تدخلنك ضجرة من سائل
فلخير دهرك أن ترى مسئولا
لا تجبهن بالرد وجه مؤمل
فبقاء عزك أن ترى مأمولا
والمراد بالمغفرة الستر للخلة وسوء حالة المحتاج والعفو عن السائل إذا صدر منه من الإلحاح ما يكدر صدر المسئول وقيل المراد أن العفو من جهة السائل لأنه إذا رده ردا جميلا عذره وقيل المراد فعل يؤدى إلى المغفرة خير من صدقة أي غفران الله خير من صدقتكم وهذه الجملة مستأنفة مقررة لترك اتباع المن والأذى للصدقة
البقرة : ( 264 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ( الإبطال للصدقات إذهاب أثرها وإفساد منفعتها أي لا تبطلوها بالمن والأذى أو بأحدهما قوله ) كالذي ( أي إبطالا كإبطال الذي على أنه نعت لمصدر محذوف ويجوز أن يكون حالا أي لا تبطلوا مشابهين للذي ينفق ماله رئاء الناس وانتصاب رئاء على أنه علة لقوله ) ينفق ( أي لأجل الرياء أو حال أي ينفق مرائيا لا يقصد بذلك وجه الله وثواب الآخرة بل يفعل ذلك رياء للناس استجلابا لثنائهم عليه ومدحهم له قيل والمراد به المنافق بدليل قوله ) ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ( قوله ) فمثله كمثل صفوان ( الصفوان الحجر الكبير الأملس وقال الأخفش صفوان جمع صفوانة وقال الكسائي صفوان واحد وجمعه صفي وأصفى وأنكره المبرد وقال النحاس يجوز أن يكون جمعا ويجوز أن يكون واحدا وهو أولى لقوله ) عليه تراب فأصابه وابل ( والوابل المطر الشديد مثل الله سبحانه هذا المنفق بصفوان عليه تراب يظنه الظان أرضا منبتة طيبة فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا أي أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه فكذلك هذا المرائي فإن نفقته لا تنفعه كما لا ينفع المطر الواقع على الصفوان الذي عليه تراب قوله ) لا يقدرون على شيء مما كسبوا ( أي لا ينتفعون بما فعلوه رياء ولا يجدون له ثوابا والجملة مستأنفة كأنه قيل ماذا يكون حالهم حينئذ فقيل لا يقدرون إلخ والضميران للموصول أي كالذي باعتبار المعنى كما في قوله تعالى ) وخضتم كالذي خاضوا ( أي الجنس أو الجمع أو الفريق
البقرة : ( 265 ) ومثل الذين ينفقون . . . . .
قوله ) ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم ( قيل إن قوله ) ابتغاء مرضات الله ( مفعول له وتثبيتا معطوف عليه وهو أيضا مفعول له أي الإنفاق لأجل الإبتغاء والتثبيت كذا قال مكي في المشكل قال ابن عطية وهو مردود لا يصح في تثبيتا أنه مفعول من أجله لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت قال وابتغاء نصب على المصدر في موضع الحال وكان يتوجه فيه النصب على المفعول من أجله لكن النصب على المصدر هو الصواب من جهة عطف المصدر الذي هو تثبيتا عليه وابتغاء معناه طلب ومرضات مصدر رضي يرضى وتثبيتا معناه أنهم يتثبتون من أنفسهم ببذل أموالهم على الإيمان وسائر العبادات رياضة لها وتدريبا وتمرينا أو يكون التثبيت بمعنى التصديق أي تصديقا للإسلام ناشئا من جهة أنفسهم وقد اختلف السلف في معنى هذا الحرف فقال الحسن ومجاهد معناه أنهم يتثبتون أنهم يضعوا صدقاتهم وقيل معناه تصديقا ويقينا روى ذلك عن ابن عباس وقيل معناه احتسابا من أنفسهم قاله قتادة وقيل معناه أن أنفسهم لها بصائر فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتا قاله الشعبي والسدي وابن زيد وأبو صالح وهذا أرجح مما قبله يقال ثبت فلانا في هذا الأمر أثبته تثبيتا أي صححت عزمه قوله ) كمثل جنة بربوة أصابها وابل ( الجنة البستان وهي أرض تنبت فيها الأشجار حتى تغطيها مأخوذة من لفظ الجن والجنين لاستتارها والربوة المكان المرتفع ارتفاعا يسيرا وهي مثلثة الراء وبها قرئ وإنما خص الربوة لأن نباتها يكون أحسن من غيره مع كونه لا يصطلمه البرد في الغالب للطاقة هوائه بهبوب الرياح الملطفة له قال الطبري وهي رياض الحزم التي تستكثر العرب من ذكرها واعترضه ابن عطية فقال إن رياض الحزن


"""""" صفحة رقم 286 """"""
منسوبة إلى نجد لأنها خير من رياض تهامة ونبات نجد أعطر ونسيمه أبرد وأرق ونجد يقال لها حزن وليست هذه المذكورة هنا من ذاك ولفظ الربوة مأخوذ من ربا يربو إذا زاد وقال الخليل الربوة أرض مرتفعة طيبة والوابل المطر الشديد كما تقدم يقال وبلت السماء تبل والأرض موبولة قال الاخفش ومنه قوله تعالى ) أخذا وبيلا ( أي شديدا وضرب وبيل وعذاب وبيل ) فآتت أكلها ( بضم الهمزة الثمر الذي يؤكل كقوله تعالى ) تؤتي أكلها كل حين ( وإضافته إلى الجنة إضافة أختصاص كسرج الفرس وباب الدار قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو أكلها بضم الهمزة وسكون الكاف تخفيفا وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بتحريك الكاف بالضم وقوله ) ضعفين ( أي مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل فالمراد بالضعف المثل وقيل أربعة أمثال ونصبه على الحال من أكلها أي مضاعفا قوله ) فإن لم يصبها وابل فطل ( أي فإن الطل يكفيها وهو المطر الضعيف المستدق القطر قال المبرد وغيره وتقديره فطل يكفيها وقال الزجاج تقديره فالذي يصيبها طل والمراد أن الطل ينوب مناب الوابل في إخراج الثمرة ضعفين وقال قوم الطل الندى وفي الصحاح الطل أضعف المطر والجمع أطلال قال الماوردي وزرع الطل أضعف من زرع المطر والمعنى أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله لا تضيع بحال وإن كانت متفاوتة ويجوز أن يعتبر التمثيل ما بين حالهم باعتبار ما صدر عنهم من النفقة الكثيرة والقليلة وبين الجنة المعهودة باعتبار ما أصابها من المطر الكثير والقليل فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكلها فكذلك نفقتهم جلت أو قلت بعد أن يطلب بها وجه الله زاكية زائدة في أجورهم وقوله ) الله بما تعملون بصير ( قرأ الزهري بالتاء التحتية وقرأ الجمهور بالفوقية وفي هذا ترغيب لهم في الإخلاص مع ترهيب من الرياء ونحوه فهو وعد ووعيد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ( عن الربيع قال كان من ( بايع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على الهجرة ورابط معه بالمدينة ولم يذهب وجها إلا بإذنه كانت له الحسنة بسبعمائة ضعف ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها ) وأخرج مسلم وأحمد والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود أن رجلا تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة ) وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن خزيم بن فاتك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف ) وأخرجه البخاري في تاريخه من حديث أنس وأخرجه أحمد من حديث أبي عبيدة وزاد ( ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضا فالحسنة بعشر أمثالها ) وأخرج نحوه النسائي في الصوم وأخرج ابن ماجة وابن أبي حاتم من حديث عمران بن حصين وعلي وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة وعبدالله ابن عمرو وجابر كلهم يحدث عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم ثم تلا هذه الآية ) والله يضاعف لمن يشاء ( ) وأخرجه أيضا ابن ماجة من حديث الحسن بن علي
وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله يقول الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) وأخرجه أيضا مسلم وأخرج الطبراني من حديث معاذ بن جبل أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله فإن له بكل كلمة سبعين ألف حسنة كل حسنة منها عشرة أضعاف ) وقد


"""""" صفحة رقم 287 """"""
تقدم ذكر طرف من أحاديث التضعيف للحسنات عند قوله تعالى ) من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ( وقد وردت الأحاديث الصحيحة في أجر من جهز غازيا وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن سهل بن معاذ عن أبيه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الصلاة والصوم والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله سبعمائة ضعف ) وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه عن بريدة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف ) وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال في تفسير قوله تعالى ) ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى ( إن أقواما يبعثون الرجل منهم في سبيل الله أو ينفق على الرجل أو يعطيه النفقة ثم يمن عليه ويؤذيه يعني أن هذا سبب النزول وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وقد وردت الأحاديث الصحيحة في النهي عن المن والأذى وفي فضل الإنفاق في سبيل الله وعلى الأقارب وفي وجوه الخير ولا حاجة إلى التطويل بذكرها فهي معروفة في مواطنها وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار قال بلغنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ما من صدقة أحب إلى الله من قول الحق ألم تسمع قول الله تعالى ) قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى ( ) وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله ) قول معروف ( قال رد جميل تقول يرحمك الله يرزقك الله ولا تنهره ولا تغلظ له القول وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( لا يدخل الجنة منان وذلك في كتاب الله ) لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) صفوان ( يقول الحجر ) فتركه صلدا ( يقول ليس عليه شيء وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال الوابل المطر وأخرجا عن قتادة قال الوابل المطر الشديد قال وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة ) لا يقدرون على شيء مما كسبوا ( يومئذ كما ترك هذا المطر هذا الحجر ليس عليه شيء أنقى مما كان وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فتركه صلدا ( قال يابسا جاثيا لا ينبت شيئا وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ) ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله ( قال هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي في قوله ) وتثبيتا من أنفسهم ( قال تصديقا ويقينا وأخرج ابن جرير عن أبي صالح نحوه وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير قال يتثبتون أين يضعون أموالهم وأخرجا عن الحسن قال كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت فإن كان الله أمضاه وإن خالطه شيء من الرياء أمسك وأخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله ) تثبيتا ( قال النية وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال الربوة النشز من الأرض وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال الربوة الأرض المستوية المرتفعة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال هي المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار وأخرج ابن جرير عنه في قوله تعالى ) فطل ( قال الندى أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال الطل الرذاذ من المطر يعني اللين منه وأخرجا عن قتادة قال هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان إن أصابها وابل وإن أصابها طل
البقرة 266


"""""" صفحة رقم 288 """"""
البقرة : ( 266 ) أيود أحدكم أن . . . . .
الود الحب للشيء مع تمنيه والهمزة الداخلة على الفعل لإنكار الوقوع والجنة تطلق على الشجر الملتف وعلى الأرض التي فيها الشجر والأول أولى هنا لقوله ) تجري من تحتها الأنهار ( بإرجاع الضمير إلى الشجر من دون حاجة إلى مضاف محذوف وأما على الوجه الثاني فلا بد من تقديره أي من تحت أشجارها وهكذا قوله ) فاحترقت ( لا يحتاج إلى تقدير مضاف على الوجه الأول وأما على الثاني فيحتاج إلى تقديره أي فاحترقت أشجارها وخص النخيل والأعناب بالذكر مع قوله ) له فيها من كل الثمرات ( لكونهما أكرم الشجر وهذه الجمل صفات للجنة والواو في قوله ) وأصابه الكبر ( قبل عاطفه على قوله ) تكون ( ماض على مستقبل وقيل على قوله ) يود ( وقيل إنه محمول على المعنى إذ تكون في معنى كانت وقيل إنها واو الحال أي وقد أصابه الكبر وهذا ارجح وكبر السن هو مظنة شدة الحاجة لما يلحق صاحبه من العجز عن تعاطى الأسباب وقوله ) وله ذرية ضعفاء ( حال من الضمير في أصابه أي والحال أن له ذرية ضعفاء فإن من جمع بين كبر السن وضعف الذرية كان تحسره على تلك الجنة في غاية الشدة والإعصار الريح الشديدة التي تهب من الأرض إلى السماء كالعمود وهي التي يقال لها الزوبعة قاله الزجاج قال الجوهري الزوبعة رئيس من رؤساء الجن ومنه سمي الإعصار زوبعة ويقال أم زوبعة وهي ريح يثير الغبار ويرتفع إلى السماء كانه عمود وقيل هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق وقوله ) فاحترقت ( عطف على قوله ) فأصابها ( وهذه الآية تمثيل من يعمل خيرا ويضم إليه ما يحبطه فيجده يوم القيامة عند شدة حاجته إليه لا يسمن ولا يغني من جوع بحال من له هذه الجنة الموصوفة وهو متصف بتلك الصفة
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال قال عمر يوما لأصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيم ترون هذه الآية نزلت ) أيود أحدكم أن تكون له جنة ( قالوا الله أعلم قال قولوا نعلم أو لا نعلم قال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين فقال عمر يا بن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس ضربت مثلا لعمل قال عمر أي عمل قال ابن عباس لرجل عني يعمل لطاعة الله ثم بعث الله به الشيطان فعمل في المعاصي حتى أغرق عمله وأخرج ابن جرير عن عمر قال هذا مثل ضرب لإنسان يعمل عملا صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله ) إعصار فيه نار ( قال ريح فيها سموم شديدة
البقرة 267 271


"""""" صفحة رقم 289 """"""
البقرة : ( 267 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) من طيبات ما كسبتم ( أي من جيد ما كسبتم ومختاره كذا قال الجمهور قال جماعة إن معنى الطيبات هنا الحلال ولا مانع من اعتبار الأمرين جميعا لأن جيد الكسب ومختارة إنما يطلق على الحلال عند أهل الشرع وإن أطلقه أهل اللغة على ما هو جيد في نفسه حلالا كان أو حراما فالحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية وقوله ) ومما أخرجنا لكم من الأرض ( أي ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض وحذف لدلالة ما قبله عليه وهي النباتات والمعادن والركاز قوله ) ولا تيمموا الخبيث ( أي لا تقصدوا المال الرديء وقرأه الجمهور بفتح حرف المضارعة وتخفيف الياء وقرأ ابن كثير بتشديدها وقرأ ابن مسعود ( ولا تأمموا ) وهي لغة وقرأ أبو مسلم بن خباب بضم الفوقية وكسر الميم وحكى أبو عمرو أن ابن مسعود قرأ ( تئمموا ) بهمزة بعد المضمومة وفي الآية الأمر بإنفاق الطيب والنهي عن إنفاق الخبيث وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الآية في الصدقة المفروضة وذهب آخرون إلى أنها تعم صدقة الفرض والتطوع وهو الظاهر وسيأتي من الأدلة ما يؤيد هذا وتقديم الظرف في قوله ) منه تنفقون ( يفيد التخصيص أي لا تخصوا الخبيث بالإنفاق والجملة في محل نصب على الحال أي لا تقصدوا المال الخبيث مخصصين الإنفاق به قاصرين له عليه قوله ) ولستم بآخذيه ( أي والحال أنكم لا تأخذونه في معاملاتكم في وقت من الأوقات هكذا بين معناه الجمهور وقيل معناه ولستم بآخذيه لو وجدتموه في السوق يباع وقوله ) إلا أن تغمضوا فيه ( هو من أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل ورضي ببعض حقه وتجاوز وغض بصره عنه ومنه قول الشاعر إلى كم وكم أشياء منك تريبني
أغمض عنها لست عنها بذي عمى
وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففا وروى عنه أنه قرأ بضم التاء وفتح الغين وكسسر الميم مشددة وكذلك قرأ قتادة والمعنى على القراءة الأولى من هاتي القراءتين إلا أن تهضموا سومها من البائع منكم وعلى الثانية إلا أن تأخذوا بنقصان قال ابن عطية وقراءة الجمهور تخرج على التجاوز أو على تغميض العين لأن أغمض بمنزلة غمض وعلى أنها بمعنى حتى أي حتى تأتوا غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك
البقرة : ( 268 ) الشيطان يعدكم الفقر . . . . .
قوله ) الشيطان يعدكم الفقر ( قد تقدم معنى الشيطان واشتقاقه ويعدكم معناه يخوفكم الفقر أي بالفقر لئلا تنفقوا فهذه الآية متصلة بما قبلها وقرئ ( الفقر ) بضم الفاء وهي لغة قال الجوهري والفقر لغة في الفقر مثل الضعف والضعف والفحشاء الخصلة الفحشاء وهي المعاصي والإنفاق فيها والبخل عن الإنفاق في الطاعات قال في الكشاف والفاحش عند العرب البخيل انتهى ومنه قول طرفة بن العبد أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي
عقيلة مال الفاحش المتشدد
ولكن العرب وإن أطلقته على البخيل فذلك لا ينافي إطلاقهم له على غيره من المعاصي وقد وقع كثيرا في كلامهم وقوله ) والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ( الوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير وإذا قيد فقد يقيد تارة بالخير وتارة بالشر ومنه قوله تعالى ) النار وعدها الله الذين كفروا ( ومنه أيضا ما في هذه الآية من تقييد وعد الشيطان بالفقر وتقييد وعد الله سبحانه بالمغفرة والفضل والمغفرة الستر على عباده في الدنيا والآخرة لذنوبهم وكفارتها والفضل أن يخلف عليهم أفضل مما أنفقوا فيوسع لهم في أرزاقهم وينعم عليهم في الآخرة بما هو أفضل وأكثر واجل وأجمل
البقرة : ( 269 ) يؤتي الحكمة من . . . . .
قوله ) يؤتي الحكمة ( هي العلم وقيل الفهم وقيل الإصابة في القول ولا مانع من الحمل على الجميع شمولا أو بدلا وقيل إنها النبوة وقيل العقل وقيل الخشية وقيل الورع وأصل الحكمة ما يمنع من السفه وهو كل قبيح والمعنى أن من أعطاه الله الحكمة فقد أعطاه خيرا كثيرا أي عظيما


"""""" صفحة رقم 290 """"""
قدره جليلا خطره وقرأ الزهري ويعقوب ) ومن يؤت الحكمة ( على البناء للفاعل وقرأه الجمهور على البناء للمفعول والألباب العقول واحدها لب وقد تقدم الكلام فيه
البقرة : ( 270 ) وما أنفقتم من . . . . .
قوله ) وما أنفقتم من نفقة ( ما شرطية ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف أي الذي أنفقتموه وهذا بيان لحكم عام يشمل كل صدقة مقبولة وغير مقبولة وكل نذر مقبول أو غير مقبول وقوله ) فإن الله يعلمه ( فيه معنى الوعد لمن أنفق ونذر على الوجه المقبول والوعيد لمن جاء بعكس ذلك ووحد الضمير مع كون مرجعه شيئين هما النفقة والنذر لأن التقدير وما أنفقتم من نفقة فإن الله يعلمها أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه ثم حذف أحدهما استغناء بالآخر قاله النحاس وقيل إن ما كان العطف فيه بكلمة ( أو ) كنا في قولك زيد أو عمرو فإنه يقال أكرمته ولا يقال أكرمتهما والأولى أن يقال إن العطف بأو يجوز فيه الأمران توحيد الضمير كما في هذه الآية وفي قوله تعالى ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( وقوله ) ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا ( وتثنيته كما في قوله تعالى ) إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ( ومن الأول في العطف بالواو قول امرئ القيس فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجته من جنوب وشمال
ومنه قول الشاعر نحن ما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
ومنه ) والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ( وقيل إنه إذا وحد الضمير بعد ذكر شيئين أو أشياء فهو بتأويل المذكور أي فإن الله يعلم المذكور وبه جزم ابن عطية ورجحه القرطبي وذكر معناه كثير من النحاة في مؤلفاتهم قوله ) وما للظالمين من أنصار ( اي ما الظالمين أنفسهم بما وقعوا فيه من الإثم لمخالفة ما أمر الله به من الإنفاق في وجوه الخير من أنصار ينصرونهم يمنعونهم من عقاب الله بما ظلموا به أنفسهم والأولى الحمل على العموم من غير تخصيص لما يفيده السياق أي ما الظالمين بأي مظلمة كانت من أنصار
البقرة : ( 271 ) إن تبدوا الصدقات . . . . .
قوله ) إن تبدوا الصدقات فنعما هي ( قرئ بفتح النون وكسر العين وبكسرهما وبكسر النون وسكون العين وبكسر النون وإخفاء حركة العين وقد حكى النحويون في ( نعم ) أربع لغات وهي هذه التي قريء بها وفي هذا نوع تفصيل لما أجمل في الشرطية المتقدمة أي إن تظهروا الصدقات فنعم شيئا إظهارها وإن تخفوها وتصيبوا بها مصارفها من الفقراء فالإخفاء خير لكم وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية في صدقة التطوع لا في صدقة الفرض قال فضيلة للإخفاء فيها بل قد قيل إن الإطهار فيها أفضل وقالت طائفة إن الإخفاء أفضل في الفرض والتطوع قوله ) ويكفر عنكم من سيئاتكم ( قرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وقتادة وابن إسحاق نكفر بالنون والرفع وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالياء والرفع وقرأ الأعمش ونافع وحمزة والكسائي بالنون والجزم وقرأ ابن عباس بالتاء الفوقية وفتح الفاء والجزم وقرأ الحسين بن علي الجعفي بالنون ونصب الراء فمن قرأ بالرفع فهو معطوف على محل الجملة الواقعة جوابا بعد الفاء أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ومن قرأ بالجزم فهو معطوف على الفاء وما بعدها ومن قرأ بالنصب فعلى تقدير أن قال سيبويه والرفع ها هنا الوجه الجيد وأجاز الجزم بتأويل وإن تخفوها يكن الإخفاء خيرا لكم ويكفر وبمثل قول سيبويه الخليل ومن في قوله ) من سيئاتكم ( للتبعيض أي شيئا من سيئاتكم وحكى الطبري عن فرقة أنها زائدة وذلك على رأي الاخفش قال ابن عطية وذلك منهم خطأ
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم (


"""""" صفحة رقم 291 """"""
قال من الذهب والفضة ) ومما أخرجنا لكم من الأرض ( يعني من الحب والثمر وكل شيء عليه زكاة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله ) أنفقوا من طيبات ما كسبتم ( قال من التجارة ومما أخرجنا لكم من الأرض قال من الثمار وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب في قوله ) ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ( قال نزلت فينا معشر الأنصار كنا أصحاب نخل وكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط البسر والتمر فيأكل وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه ( قال لو أن أحدكم أهدى إليه مثل ما أعطى لم يأخذه إلا على إغماض وحياء قال فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده واخدر عبد بن حميد عن قتادة قال ذكر لنا أن الرجل كان يكون له الحائطان فينظر إلى اردئهما تمرا فيتصدق به ويخلط به الحشف فنزلت الآية فعاب الله ذلك عليهم ونهاهم عنه وأخرج عبد بن حميد عن جعفر بن محمد عن أبيه قال لما أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بصدقة الفطر فجاء رجل بتمر رديء فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الذي يخرص النخل أن لا يجيز فأنزل الله تعالى الآية هذه وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن سهل بن حنيف قال أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالصدقة فجاء رجل بكبائس من هذا السخل يعني الشيص فوضعه فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال من جاء بهذا وكان كل من جاء بشيء نسب إليه فنزلت ) ولا تيمموا الخبيث ( الآية ونهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن لونين من التمر أن يوجدا في الصدقة الجعرور ولون الحبيق وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يشترون الطعام الرخيص ويتصدقون فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا ( الآية وأخرج ابن جرير عن عبيدة السلماني قال سألت علي ابن أبي طالب عن قول الله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أنفقوا ( الآية فقال نزلت هذه الآية في الزكاة المفروضة كان الرجل يعمد إلى التمر فيصرمه فيعزل الجيد ناحية فإذا جاء صاحب الصدقة أعطاه من الرديء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يؤتي الحكمة من يشاء ( قال المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه محكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله وأخرج ابن مردويه عنه أنها القرآن يعني تفسيره وأخرج ابن المنذر عنه أنها النبوة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال إنها الفقه في القرآن وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء ) يؤتي الحكمة ( قال قراءة القرآن والفكرة فيه وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال هي الكتاب والفهم به وأخرج أيضا عن النخعي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال هي الكتاب يؤتي إصابته من يشاء وأخرج عبد بن حميد عنه قال هي الإصابة في القول وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال هي الخشية لله وأخرج أيضا عن مطر الوراق مثله وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فإن الله يعلمه ( قال يحصيه وقد ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في نذر الطاعة والمعصية في الصحيح وغيره ما هو معروف كقوله صلى الله


"""""" صفحة رقم 292 """"""
عليه وآله وسلم ( لا نذر في معصية الله ) وقوله ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ) وقوله ( النذر ما ابتغى به وجه الله ) وثبت عنه في كفارة النذر ما هو معروف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن تبدوا الصدقات فنعما هي ( الآية قال فجعل السر في التطوع يفضل علانيتها سبعين ضعفا وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا كذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن تبدوا الصدقات ( الآية قال كان هذا يعمل قبل أن تنزل براءة فلما نزلت براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها انتهت الصدقات إليها وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) إن تبدوا الصدقات ( الآية قال هذا منسوخ وقوله ) في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ( قال منسوخ نسخ كل صدقة في القرآن الآية التي في سورة التوبة ) إنما الصدقات للفقراء ( وقد ورد في فضل صدقة السر أحاديث صحيحة مرفوعة
البقرة 272 274
البقرة : ( 272 ) ليس عليك هداهم . . . . .
قوله ) ليس عليك هداهم ( أي ليس بواجب عليك أن تجعلهم مهديين قابلين لما أمروا به ونهوا عنه ) ولكن الله يهدي من يشاء ( هداية توصله إلى المطلوب وهذه الجملة معترضة وفيها الالتفات وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله والمراد بقوله ) من خير ( كل ما يصدق عليه اسم الخير كائنا ما كان وهو متعلق بمحذوف أي أي شيء تنفقون كائنا من خير ثم بين أن النفقة المعتد بها المقبولة إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله سبحانه أي لابتغاء وجه الله وقوله ) يوف إليكم ( أي أجره وثوابه على الوجه الذي تقدم ذكره من التضعيف
البقرة : ( 273 ) للفقراء الذين أحصروا . . . . .
قوله ) للفقراء ( متعلق بقوله ) وما تنفقوا من خير ( أو بمحذوف أي اجعلوا ذلك للفقراء أو خبر مبتدأ محذوف أي إنفاقكم للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله بالغزو أو الجهاد وقيل منعوا عن التكسب لما هم فيه من الضعف ) لا يستطيعون ضربا في الأرض ( للتكسب بالتجارة والزراعة ونحو ذلك بسبب ضعفهم قيل هم فقراء الصفة وقيل كل من يتصف بالفقر وما ذكر معه ثم ذكر سبحانه من أحوال أولئك الفقراء ما يوجب الحنو عليهم والشفقة بهم وهو كونهم متعففين عن المسئلة وإطهار المسكنة بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء والتعفف تفعل وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه وفي ( يحسبهم ) لغتان فتح السين وكسرها قال أبو علي الفارسي والفتح أقيس لأن العين من الماضي مكسورة فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة فالقراءة بالكسر على هذا حسنة وإن كانت شاذة و ( من ) في قوله ( من التعفف ) لابتداء الغاية وقيل لبيان


"""""" صفحة رقم 293 """"""
الجنس قوله ( تعرفهم بسيماهم ) أي برثاثة ثيابهم وضعف أبدانهم وكل ما يشعر بالفقر والحاجة والخطاب إما لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح للمخاطبة والسيما مقصورة العلامة وقد تمد والالحاف الإلحاح في المسئلة وهو مشتق من اللحاف وسمى بذلك لا شتماله على وجوه الطلب في المسئلة كاشتمال اللحاف على التغطية ومعنى قوله ( لايسألون الناس إلحافا ) أنهم لا يسألونهم ألبته لاسؤال الحاح ولا سؤال غير الحاح وبه قال الطبري والزجاج وإليه ذهب جمهور المفسرين ووجهه أن التعفف صفة ثابتة لهم لاتفارقهم ومجرد السؤال ينافيها وقيل المراد أنهم إذا سالوا سألوا بتلطف ولا يلحفون في سؤالهم وهذا وإن كان هو الظاهر من توجه النفي إلى القيد دون المقيد لكن صفة التعفف تنافيه وأيضا كون الجاهل بهم يحسبهم أغنياء لا يكون إلا مع عدم السؤال ألبتة
البقرة : ( 274 ) الذين ينفقون أموالهم . . . . .
وقوله ( بالليل والنهار ) يفيد زيادة رغبتهم في الإنفاق وشدة حرصهم عليه حتى أنهم لا يتركون ذلك ليلا ولا نهارا ويفعلونه سرا وجهرا عند أن تنزل بهم حجة المحتاجين ويظهر لديهم فاقة المفتاقين في جميع الأزمنة على جميع الأحوال ودخول الفاء في خبر الموصول أعنى قوله ( فلهم أجرهم ) لدلالة على سببية ما قبلها لما بعدها وقيل هي للعطف والخبر للموصول محذوف أي ومنهم الذين ينفقون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال كانوا يكرهون ان يرضخوا لأنسابهم من المشركين فنزلت هذه الآية ) ليس عليك هداهم ( إلى قوله ) وأنتم لا تظلمون ( فرخص لهم وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء عنه قال إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يأمرنا أن لا نتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية فأمر بالصدقة بعدها على كل من سالك من كل دين وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد ابن جبير نحوه وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنيفة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان أناس من الأنصار لهم نسب وقرابة من قريظة والنضير وكان يتقون أن لا يتصدقوا عليهم ويريدونهم أن يسلموا فنزلت ) ليس عليك هداهم ( الآية وأخرج ابن المنذر عن عمرو الهلالى قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنتصدق على فقراء أهل الكتاب فأنزل الله ) ليس عليك هداهم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني قال في قوله ) وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله ( قال إذا أعطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله وأخرج ابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ) للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله ( قال هم أصحاب الصفة وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال هم مهاجرو قريش بالمدينة مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمروا بالصدقة عليهم وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله ) الذين أحصروا في سبيل الله ( قال حصروا أنفسهم في سبيل الله الغزو فلا يستطيعون تجارة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال هم قوم أصابتهم الجرحات في سبيل الله فصاروا زمنى نفجعل لهم في أموال المسلمين حقا وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة في قوله ) لا يستطيعون ضربا في الأرض ( قال لا يستطيعون تجارة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) يحسبهم الجاهل أغنياء ( قال دل الله المؤمنين عليهم وجعل نفقاتهم لهم وأمرهم أن يضعوا نفقاتهم فيهم ورضى عنهم وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) تعرفهم بسيماهم ( قال التخشع وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن البيع أن معناه تعرف في وجوههم الجهد من الحاجة وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ) تعرفهم بسيماهم ( قال رثاثة


"""""" صفحة رقم 294 """"""
ثيابهم وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف واقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا ) ) وقد ورد في تحريم المسئلة أحاديث كثيرة إلا لذي سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا وأخرج ابن سعد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والطبراني وأبو الشيخ عن يزيد بن عبد الله بن غريب المليكي عن أبيه عن جده عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ( أنزلت هذه الآية ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار ) في أصحاب الخيل ) ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي نحوه قال فيمن لا يربطها خيلاء ولا رياء ولا سمعة وأخرج ابن جرير عن أبي الدرداء نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حنش الصنعاني أنه سمع ابن عباس يقول في هذه الآية هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر من طريق عبدالوهاب ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في هذه الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما ودرهما سرا ودرهما علانية وعبد الوهاب ضعيف ولكن قد رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في هذه الآية قال هؤلاء قوم أنفقوا في سبيل الله الذي افترض عليهم في غير سرف ولاإملاق ولاتبذير ولافساد وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان في نفقتهم في جيش العسرة
البقرة 275 27
البقرة : ( 275 ) الذين يأكلون الربا . . . . .
الربا في الغة الزيادة مطلقا يقال ربا الشئ يربو إذا زاد وفي الشرع يطلق على شيئين على ربا الفضل وربا النسيئة حسبما هو مفصل في كتب الفروع وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا حل أجل الدين قال من هو له لمن هو عليه أتقضى أم تربي فإذا لم يقض زاد مقدارا في المال الذي عليه وأخر له الأجل إلى حين وهذا حرام بالاتفاق وقياس كتابة الربا بالياء للكسرة في أوله وقد كتبوه في المصحف بالواو قال في الكشاف على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع انتهى قلت وهذا مجرد اصطلاح لا يلزم المشي عليه فإن هذه النقوش الكتابية أمور اصطلاحية لايشاحح في مثلها إلا فيما كان يدل به منها على الحرف الذي كان في أصل الكلمة ونحوه كما هو مقرر في مباحث الخط من علم الصرف


"""""" صفحة رقم 295 """"""
وعلى كل حال فرسم الكلمة وجعل نقشها الكتابي على ما يقتضيه اللفظ بها هو الأولى فما كان في النطق ألفا كالصلاة والزكاة ونحوهما كان الأولى في رسمه أن يكون كذلك وكون أصل هذا الألف واوا أو ياء لايخفي على من يعرف علم الصرف وهذه النقوش ليست إلا لفهم اللفظ الذي يدل بها عليه كيف هو في نطق من ينطق به لا لتفهيم أن أصل الكلمة كذا مما لايجري به النطق فاعرف هذا ولا تشتغل بما يعتبره كثير من أهل العلم في هذه النقوش ويلزمون به أنفسهم ويعيبون من خالفه فإن ذلك من المشاححة في الأمور الاصطلاحية التي لا تلزم أحدا أن يتقيد بها فعليك بأن ترسم هذه النقوش على ما يلفظ به اللافظ عند قراءتها فإنه الأمر المطلوب من وضعها والتواضع عليها وليس الأمر المطلوب منها أن تكون دالة على ما هو أصل الكلمة التي يتلفظ بها المتلفظ مما لا يجري في لفظه الآن فلا تغتر بما يروي عن سيبويه ونحاة البصرة أن يكتب الربا بالواو لأنه يقول في تثنيته ربوان وقال الكوفيون يكتب بالياء وتثنية ربيان قال الزجاج ما رأيت خطأ أقبح من هذا ولا أشنع لايكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئوا في التثنية وهم يقرءون وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو وليس المراد بقوله هنا ( الذين يأكلون الربا ) اختصاص هذا الوعيد بمن يأكله بل هو عام لكل من يعامل بالربا فيأخذه ويعيطه وإنما خص الآكل لزيادة التشنيع على فاعله ولكونه هو الغرض الأهم فإن آخذ الربا إنما أخذه للأكل قوله ( لايقومون ) أي يوم القيامة كما يدل عليه قراءة ابن مسعود ( لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس يوم القيامة ) أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وبهذا فسره جمهور المفسرين قالوا إنه يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند أهل المحشر وقيل إن المراد تشبيه من يحرص في تجارته فيجمع ماله من الربا بقيام المجنون لأن الحرص والطمع والرغبة في الجمع قد استفزته حتى صار شبيها في حركته بالمجنون كما يقال لمن يسرع في مشيه ويضطرب في حركاته إنه قد جن ومنه قول الأعشى في ناقته وتصبح من غب السرى وكأنها
ألم بها من طائف الجن أولق
فجعلها بسرعة مشيها ونشاطها كالمجنون قوله ( إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) أي إلا قياما كقيام الذي يتخبطه والخبط الضرب بغير استواء كخبط العشواء وهو المصروع والمس الجنون والأمس المجنون وكذلك الأولق وهو متعلق بقوله ( يقومون ) أي لا يقومون من المس الذي بهم ( إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان ) أو متعلق بيقوم وفي الآية دليل على فساد قول من قال إن الصرع لا يكون من جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وقال إن الآية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من أن الشيطان يصرع الإنسان وليس بصحيح وإن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون منه مس وقد استعاذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من أن يتخبطه الشيطان كما أخرجه النسائي وغيره قوله ) ذلك ( إشارة إلى ما ذكر من حالهم وعقوبتهم وبسبب قولهم ) إنما البيع مثل الربا ( أي أنهم جعلوا البيع والربا شيئا واحدا وإنما شبهوا البيع بالربا مبالغة بجعلهم الربا أصلا والبيع فرعا أي إنما البيع بلا زيادة عند حلول الأجل كالبيع بزيادة عند حلوله فإن العرب كانت لا تعرف ربا إلا ذلك فرد الله سبحانه عليهم بقوله ) وأحل الله البيع وحرم الربا ( أي أن الله أحل البيع وحرم نوعا من أنواعه وهو البيع المشتمل على الربا والبيع مصدر باع يبيع أي دفع عوضا وأخذ معوضا والجملة بيانية لا محل لها من الإعراب قوله ) فمن جاءه موعظة من ربه ( أي من بلغته موعظة من الله من المواعظ التي تشتمل عليها الأوامر والنواهي ومنها ما وقع هنا من النهي عن الربا ) فانتهى ( أي فامتثل النهي الذي جاءه وانزجر عن المنهي عنه وهو معطوف أي قوله ) فانتهى ( على قوله ) جاءه ( وقوله ) من ربه (


"""""" صفحة رقم 296 """"""
متعلق بقوله ( جاءه ) أو بمحذوف وقع صفة لموعظة أي كائنة من ( من ربه فله ما سلف ) أي ما تقدم منه من الربا لايؤاخذ به لأنه فعله قبل أن يبلغه تحريم الربا أو قبل أن تنزل آية تحريم الربا وقوله ( فأمره إلى الله ) قيل الضمير عائد إلى الربا أي وأمر الربا إلى الله في تحريمه على عباده واستمرار ذلك التحريم وقيل الضمير عائد إلى ما سلف أي أمره إلى الله في العفو عنه وإسقاط التبعة فيه وقيل الضمير يرجع إلى المربى أي أمر من عامل بالربا إلى الله في تثبيته على الانتهاء أو الرجوع إلى المعصية ( ومن عاد ) إلى أكل الربا والمعاملة به ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) والإشارة إلى من عاد وجمع أصحاب باعتبار معنى من وقيل إن معنى من عاد هو أن يعود إلى القول ( إنما البيع مثل الربا ) وأنه يكفر بذلك فيستحق الخلود وعلى التقدير الأول يكون الخلود مستعارا على معنى المبالغة كما تقول العرب ملك خالد أي طويل البقاء والمصير إلى هذا التأويل واجب للأحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحدين من النار
البقرة : ( 276 ) يمحق الله الربا . . . . .
قوله ( يمحق الله الربا ) أي يذهب بركته في الدنيا وإن كان كثيرا فلا يبقى بيد صاحبه وقيل يمحق بركته في الآخرة قوله ( ويربي الصدقات ) أي يزيد في المال الذي أخرجت صدقته وقيل يبارك في ثواب الصدقة ويضاعفه ويزيد في أجر المتصدق ولا مانع من حمل ذلك على الأمرين جميعا قوله ( والله لا يحب كل كفار أثيم ) أي لايرضى لأن الحب مختص بالتوابين وفيه تشديد وتغليظ عظيم على من أربي حيث حكم عليه بالكفر ووصفه بأثيم للمبالغة وقيل لإزالة الاشتراك إذ قد يقع على الزراع ويحتمل أن المراد بقوله كل كفار من صدرت منه خصلة توجب الكفر ووجه التصاقه بالمقام أن الذين قالوا إنما البيع مثل الربا كفار
البقرة : ( 277 ) إن الذين آمنوا . . . . .
وقد تقدم تفسير قوله ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) إلى آخر الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو يعلى من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ( الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) قال يعرفون يوم القيامة بذلك لا يستطيعون القيام إلا كما يقوم المتخبط المنخنق ( ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ) وكذبوا على الله ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) ومن عاد فأكل الربا ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عنه أيضا في قوله ( لا يقومون ) قال ذلك حين يبعث من قبره وأخرج الأصبهاني في ترغيبه عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يأتي آكل الربا يوم القيامة مختبلا يجر شفتيه ثم قرأ ( لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) وقد وردت أحاديث كثيرة في تعظيم ذنب الربا منها من حديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم وصححة والبيهقى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه وإن أربي الربا عرض الرجل المسلم ) ومن حديث أبي هريرة مرفوعا عند ابن ماجه والبيهقى بلفظ ( سبعون بابا ) وورد هذا المعنى مع اختلاف العدد عن عبدالله بن سلام وكعب وابن عباس وأنس وأخرج ابن جرير عن الربيع في الآية قال يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان وهي في بعض القراءات ( لايقومون يوم القيامة ) يعني قراءة ابن مسعود المتقدم ذكرها وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة قالت لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا ( خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المسجد فقرأهن على الناس ثم حرم التجارة في الخمر ) وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن الخطاب أنه خطب فقال إن من آخر القرآن نزولا آية الربا وإنه قد مات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يبينه لنا فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس انه قال آخر آية أنزلها الله على رسوله آية الربا وأخرج البيهقي


"""""" صفحة رقم 297 """"""
في الدلائل عن عمر مثله وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الربا الذي نهى الله عنه قال كان أهل الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه وأخرج أيضا عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه أيضا وزاد في قوله ) فمن جاءه موعظة من ربه ( قال يعني البيان الذي في القرآن في تحريم الربا فانتهى عنه ) فله ما سلف ( يعني فله ما كان أكل من الربا قبل التحريم ) وأمره إلى الله ( يعني بعد التحريم وبعد تركه إن شاء عصمه منه وإن شاء لم يفعل ) ومن عاد ( يعني في الربا بعد التحريم فاستحله بقوله ) إنما البيع مثل الربا ( يعني لا يموتون وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله ) يمحق الله الربا ( قال ينقص الربا ) ويربي الصدقات ( قال يزيد فيها وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا ( من نصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل ) وأخرج البزار وابن جرير وابن حبان والطبراني من حديث عائشة نحوه وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عمر مرفوعا نحوه أيضا وفي حديث عائشة وابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ بعد أن ساق الحديث ) يمحق الله الربا ويربي الصدقات ( وأخرج الطبراني عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن العبد ليتصدق بالكسرة تربو عند الله حتى تكون مثل أحد ) وهذه الأحاديث تبين معنى الآية
البقرة 278 281
البقرة : ( 278 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) اتقوا الله ( أي قوا أنفسكم من عقابه واتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا وظاهره أنه أبطل من الربا ما لم يكن مقبوضا قوله ) إن كنتم مؤمنين ( قيل هو شرط مجازي على جهة المبالغة وقيل إن ) إن ( في هذه الآية بمعنى إذ قال ابن عطية وهو مردود لا يعرف في اللغة والظاهر أن المعنى إن كنتم مؤمنين على الحقيقة فإن ذلك يستلزم امتثال أوامر الله ونواهيه
البقرة : ( 279 ) فإن لم تفعلوا . . . . .
قوله ) فإن لم تفعلوا ( يعني ما أمرتم به من الاتقاء وترك ما بقي من الربا ) فأذنوا بحرب من الله ورسوله ( أي فاعلموا بها من أذن بالشيء إذا علم به قيل هو من الإذن بالشيء وهو الاستماع لأنه من طرق العلم وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة ) فأذنوا ( على معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهم وقد دلت هذه على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر ولا خلاف في ذلك وتنكير الحرب للتعظيم وزادها تعظيما نسبتها إلى اسم الله الأعظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته قوله ) فإن تبتم ( أي من الربا ) فلكم رؤوس أموالكم ( تأخذونها ) لا تظلمون ( غرماءكم بأخذ الزيادة ) ولا تظلمون ( أنتم من قبلهم بالمطل والنقص والجملة حالية أو استئنافية وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم التوبة حلال لمن أخذها من الأئمة ونحوهم ممن ينوب عنهم


"""""" صفحة رقم 298 """"""
البقرة : ( 280 ) وإن كان ذو . . . . .
قوله ) وإن كان ذو عسرة ( لما حكم سبحانه لأهل الربا برءوس اموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظرة إلى يسار والعسرة ضيق الحال من جهة عدم المال ومنه جيش العسرة والنظرة التأخير والميسرة مصدر بمعنى اليسر وارتفع ( ذو ) بكان التامة التي بمعنى وجد وهذا قول سيبويه وأبي علي الفارسي وغيرهما وأنشد سيبويه فدى لبني ذهل بن شيبان يا فتى
إذا كان يوم ذو كواكب أشهب
وفي مصحف أبي ( وإن كان ذا عسرة ) على معنى وإن كان المطلوب ذا عسرة وقرأ الأعمش ( وإن كان معسرا ) قال أبو عمرو الداني عن أحمد بن موسى وكذلك في مصحف أبي بن كعب وروى المعتمر عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان ( وإن كان ذا عسرة ) قال النحاس ومكي والنقاش وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا وعلى من قرأ ( ذو ) فهي عامة في جميع من عليه دين واليه ذهب الجمهور وقرأ الجماعة ( فنظرة ) بكسر الظاء وقرأ مجاهد وأبو رجاء والحسن بسكونها وهي لغة تميم وقرأ نافع وحده ( ميسرة ) بضم السين والجمهور بفتحها وهي اليسار قوله ( وأن تصدقوا ) بحذف إحدى التاءين وقرئ بتشديد الصاد أي وأن تصدقوا على معسري غرمائكم بالإبراء خير لكم وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برءوس أموالهم على من أعسر وجعل ذلك خيرا من إنظاره قاله السدي وابن زيد والضحاك قال الطبري وقال آخرون معنى الآية وأن تصدقوا على الغني والفقير خير لكم والصحيح الأول وليس في الآية مدخل للغني قوله ( وإن كنتم تعلمون ) جوابه محذوف أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به
البقرة : ( 281 ) واتقوا يوما ترجعون . . . . .
قوله ( واتقوا يوما ) هو يوم القيامة وتنكيره للتهويل وهو منصوب على أنه مفعول به لا ظرف وقوله ( ترجعون فيه إلى الله ) وصف له وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم والباقون بضم التاء وفتح الجيم وذهب قوم إلى أن هذا اليوم المذكور هو يوم الموت وذهب الجمهور إلى أنه يوم القيامة كما تقدم وقوله ) إلى الله ( فيه مضاف محذوف تقديره إلى حكم الله ( ثم توفي كل نفس ) من النفوس المكلفة ( ما كسبت ) أي جزاء ما عملت من خير أو شر وجملة ( وهم لا يظلمون ) حالية وجمع الضمير لأنه أنسب بحال الجزاء كما أن الإفراد أنسب بحال الكسب وهذه الآية فيها الموعظة الحسنة لجميع الناس
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( قال نزلت في العباس بن عبدالمطلب ورجل من بني المغيرة كانا شريكين في الجاهلية يسلفان الربا إلى ناس من ثقيف فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله هذه الآية وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال كانت ثقيف قد صالحت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على أن ما لهم من ربا على الناس وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع فلما كان الفتح استعمل عتاب بن أسيد على مكة وكانت بنو عمرو ابن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد فكتب عتاب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( فكتب بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى عتاب وقال إن رضوا وإلا فاذنهم بحرب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فأذنوا بحرب ( قال من كان مقيما على الربا لا ينزع منه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلا ضرب عنقه وأخرجوا أيضا عنه في قوله ) فأذنوا بحرب ( قال استيقنوا بحرب وأخرج أهل السنن وغيرهم عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله


"""""" صفحة رقم 299 """"""
عليه وآله وسلم فقال ( ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وأول ربا موضوع ربا العباس ) وأخرج ابن منده عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في ربيعة بن عمرو وأصحابه ) وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإن كان ذو عسرة ( قال نزلت في الربا وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد عن شريح نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك في الآية قال وكذلك كل دين على مسلم وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وقد وردت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما في الترغيب لمن له دين على معسر أن ينظره وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال آخر آية نزلت من القرآن على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ( وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي وعطية العوفي مثله وأخرج ابن الأنباري عن أبي صالح وسعيد بن جبير مثله أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنها آخر آية نزلت وكان بين نزولها وبين موت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إحدى وثمانون يوما وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير أنه عاش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد نزولها تسع ليال ثم مات
البقرة 282 283
البقرة : ( 282 ) يا أيها الذين . . . . .
هذا شروع في بيان حال المداينة الواقعة بين الناس بعد بيان حال الربا أي إذا داين بعضكم بعضا وعامله


"""""" صفحة رقم 300 """"""
بذلك وذكر الدين بعد ذكر ما يغني عنه من المداينة لقصد التأكيد مثل قوله ) ولا طائر يطير بجناحيه ( وقيل إنه ذكر ليرجع إليه الضمير من قوله ) فاكتبوه ( ولو قال فاكتبوا الدين لم يكن فيه من الحسن ما في قوله ) إذا تداينتم بدين ( والدين عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة فإن العين عند العرب ما كان حاضرا والدين ما كان غائبا قال الشاعر وعدتنا بدرهمينا طلاء
وسواء معجلا غير دين
وقال الآخر إذا ما أوقدوا نارا وحطبا
فذاك الموت نقدا غير دين
وقد بين الله سبحانه هذا المعنى بقوله ) إلى أجل مسمى ( وقد استدل به على أن الاجل المجهول لا يجوز وخصوصا أجل السلم وقد ثبت في الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم ) وقد قال بذلك الجمهور واشترطوا توقيته بالأيام أو الأشهر أو السنين قالوا ولا يجوز إلى الحصاد أو الدياس أو رجوع القافلة أو نحو ذلك وجوزه مالك قوله ) فاكتبوه ( أي الدين بأجله لأنه أدفع للنزاع وأقطع للخلاف قوله ) وليكتب بينكم كاتب ( هو بيان لكيفية الكتابة المأمور بها وظاهر الأمر الوجوب وبه قال عطاء والشعبي وغيرهما فأوجبوا على الكاتب أن يكتب إذا طلب منه ذلك ولم يوجد كاتب سواه وقيل الأمر للندب وقوله ) بالعدل ( متعلق بمحذوف صفة لكاتب أي كاتب كائن بالعدل أي يكتب بالسوية لا يزيد ولا ينقص ولا يميل إلى أحد الجانبين وهو أمر للمتداينين باختيار كاتب متصف بهذه الصفة لا يكون في قلبه ولا قلمه هوادة لأحدهما على الآخر بل يتحرى الحق بينهم والمعدلة فيهم قوله ) ولا يأب كاتب ( النكرة في سياق النفي مشعرة بالعموم أي لا يمتنع أحد من الكتاب أن يكتب كتاب التداين كما علمه الله أي على الطريقة التي علمه الله من الكتابة أو كما علمه الله بقوله ) بالعدل ( قوله ) وليملل الذي عليه الحق ( الإملال والإملاء لغتان الأولى لغة أهل الحجاز وبني أسد والثانية لغة بني تميم فهذه الآية جاءت على اللغة الأولى وجاء على اللغة الثانية قوله تعالى ) فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( ) الذي عليه الحق ( هو من عليه الدين أمره الله تعالى بالإملاء لأن الشهادة إنما تكون على إقراره بثبوت الدين في ذمته وأمره الله بالتقوى فيما يمليه على الكتاب بالغ في ذلك بالجمع بين الإسم والوصف في قوله ) وليتق الله ربه ( ونهاه عن البخس وهو النقص وقيل إنه نهى للكاتب والأول أولى لأن من عليه الحق هو الذي يتوقع منه النقص ولو كان نهيا للكاتب لم يقتصر في نهيه على النقص لأنه يتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه النقص والسفيه هو الذي لا رأى له في حسن التصرف فلا يحسن الأخذ ولا الإعطاء شبه بالثوب السفيه وهو الخفيف النسج والعرب تطلق السفه على ضعف العقل تارة وعلى ضعف البدن أخرى فمن الأول قول الشاعر نخاف أن تسفه أحلامنا
ونجهل الدهر مع الجاهل
ومن الثاني قول ذي الرمة مشين كما اهتزت رماح تسفهت
أعاليها مر الرياح النواسم
أي استضعفها واستلانها بحركتها وبالجملة فالسفيه هو المبذر إما لجهله بالصرف أو لتلاعبه بالمال عبثا مع كونه لا يجهل الصواب والضعيف هو الشيخ الكبير أو الصبي قال أهل اللغة الضعف بضم الضاد في البدن وبفتحها في الرأي والذي لا يستطيع أن يمل هو الأخرس أو العيي الذي لا يقدر على التعبير كما ينبغي وقيل إن الضعيف هو المذهول العقل الناقص الفطنة العاجز عن الإملاء والذي لا يستطيع أن يمل هو الصغير قوله


"""""" صفحة رقم 301 """"""
) فليملل وليه بالعدل ( الضمير عائد إلى الذي عليه الحق فيمل عن السفيه وليه المنصوب عنه بعد حجره عن التصرف في ماله ويمل عن الصبي وصيه أو وليه وكذلك يمل عن العاجز الذي لا يستطيع الإملال لضعف وليه لأنه في حكم الصبي أو المنصوب عنه من الإمام أو القاضي ويمل عن الذي لا يستطيع وكيله إذا كان صحيح العقل وعرضت له آفة في لسانه أو لم تعرض ولكنه جاهل لا يقدر على التعبير كما ينبغي وقال الطبري إن الضمير في قوله ) وليه ( يعود إلى الحق وهو ضعيف جدا قال القرطبي في تفسيره وتصرف السفيه المحجور عليه دون وليه فاسد إجماعا مفسوخ أبدا لا يوجب حكما ولا يؤثر شيئا فإن تصرف سفيه ولا حجر عليه ففيه خلاف انتهى قوله ) واستشهدوا شهيدين من رجالكم ( الاستشهاد طلب الشهادة وسماهما شهيدين قبل الشهادة من مجاز الأول أي باعتبار ما يئول إليه أمرهما من الشهادة و ( من رجالكم ) متعلق بقوله ) واستشهدوا ( أو بمحذوف هو صفة لشهيدين أي كائنين من رجالكم أي من المسلمين فيخرج الكفار ولا وجه لخروج العبيد من هذه الآية فهم إذا كانوا مسلمين من رجال المسلمين وبه قال شريح وعثمان البتى وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمهور العلماء لا تجوز شهادة العبد لما يلحقه من نقص الرق وقال الشعبي والنخعي يصح في الشيء اليسير دون الكثير واستدل الجمهور على عدم جواز شهادة العبد بأن الخطاب في هذه الآية مع الذين يتعاملون بالمداينة والعبيد لا يملكون شيئا تجري فيه المعاملة ويجاب عن هذا بأن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأيضا العبد تصح منه المداينة وسائر المعاملات إذا أذن له مالكه بذلك وقد اختلف الناس هل الإشهاد واجب أو مندوب فقال أبو موسى الأشعري وابن عمر والضحاك وعطاء وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وداود بن علي الظاهري وابنه إنه واجب ورجحه ابن جرير الطبري وذهب الشعبي والحسن ومالك الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه مندوب وهذا الخلاف بين هؤلاء هو في وجوب الإشهاد على البيع واستدل الموجبون بقوله تعالى ) وأشهدوا إذا تبايعتم ( ولا فرق بين هذا الأمر وبين قوله ) واستشهدوا ( فيلزم القائلين بوجوب الإشهاد في البيع أن يقولوا بوجوبه في المداينة قوله ) فإن لم يكونا ( أي الشهيدان ) رجلين فرجل وامرأتان ( أي فليشهد رجل وامرأتان أو فرجل وامرأتان يكفون وقوله ) ممن ترضون من الشهداء ( متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان أي كائنون ممن ترضون حال كونهم من الشهداء والمراد ممن ترضون دينهم وعدالتهم وفيه أن المرأتين في الشهادة برجل وأنها لا تجوز شهادة النساء إلا مع الرجل إلا وحدهن إلا فيما لا يطلع عليه غيرهن للضرورة واختلفوا هل يجوز الحكم بشهادة امرأتين مع يمين المدعي كما جاز الحكم برجل مع يمين المدعي فذهب مالك والشافعي إلى أنه يجوز ذلك لأن الله سبحانه قد جعل المرأتين كالرجل في هذه الآية وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا يجوز ذلك وهذا يرجع إلى الخلاف في الحكم بشاهد مع يمين المدعي والحق أنه جائز لورود الدليل عليه وهو زيادة لم تخالف ما في الكتاب العزيز فيتعين قبولها وقد أوضحنا ذلك في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا ومعلوم عند كل من يفهم أنه ليس في هذه الآية ما يرد به قضاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالشاهد واليمين ولم يدفعوا هذا إلا بقاعدة مبنية على شفا جرف هار هي قولهم إن الزيادة على النص نسخ وذه دعوى باطلة بل الزيادة على النص شريعة ثابتة جاءنا بها من جاءنا بالنص المتقدم عليها وأيضا كان يلزمهم أن لا يحكموا بنكول المطلوب ولا بيمين الرد على الطالب وقد حكموا بهما والجواب الجوب قوله ) أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ( قال أبو عبيد معنى تضل تنسى والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء وقرأ حمزة ( إن تضل ) بكسر الهمزة وقوله ( فتذكر ) جوابه على


"""""" صفحة رقم 302 """"""
هذه القراءة وعلى قراءة الجمهور هو منصوب بالعطف على تضل ومن رفعه فعلى الاستئناف وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ( فتذكر ) بتخفيف الذال والكاف ومعناه تزيدها ذكرا وقراءة الجماعة بالتشديد أي تنبيهها إذا غفلت ونسيت وهذه الآية تعليل لاعتبار العدد في النساء أي فليشهد رجل وتشهد امرأتان عوضا عن الرجل الآخر لأجل تذكير إحداهما للاخرى إذا ضلت وعلى هذا فيكون في الكلام حذف وهو سؤال سائل عن وجه اعتبار امرأتين عوضا عن الرجل الواحد فقيل وجهه أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى والعلة في الحقيقة هي التذكير ولكن الضلال لما كان سببا له نزل منزلته وأبهم الفاعل في تضل وتذكر لأن كلا منهما يجوز عليه الوصفان فالمعنى إن ضلت هذه ذكرتها هذه وإن ضلت هذه ذكرتها هذه لا على التعيين أي إن ضلت إحدى المرأتين ذكرتها المرأة الأخرى وإنما اعتبر فيهما هذا التذكير لما يلحقهما من ضعف النساء بخلاف الرجال وقد يكون الوجه في الإبهام أن ذلك يعني الضلال والتذكير يقع بينهما متناوبا حتى ربما ضلت هذه عن وجه وضلت تلك عن وجه آخر فذكرت كل واحدة منهما صاحبتها وقال سفيان بن عيينة معنى قوله ) فتذكر إحداهما الأخرى ( تصيرها ذكرا يعني أن مجموع شهادة المرأتين مثل شهادة الرجل الواحد وروى نحوه عن أبي عمرو بن العلاء ولا شك أن هذا باطل لا يدل عليه شرع ولا لغة ولا عقل قوله ) ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ( أي لأداء الشهادة التي قد تحملوها من قبل وقيل إذا ما دعوا لتحمل الشهادة وتسميتهم شهداء مجاز كما تقدم وحملها الحسن على المعنيين وظاهر هذا النهي أن الامتناع من أداء الشهادة حرام قوله ) ولا تسأموا أن تكتبوه ( معنى تسأموا تملوا قال الأخفش يقال سئمت أسأم سآمة وسئاما ومنه قول الشاعر سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
اي لا تملوا أن تكتبوه أي الدين الذي تداينتم به وقيل الحق وقيل الشاهد وقيل الكتاب نهاهم الله سبحانه عن ذلك لأنهم ربما ملوا من كثرة المداينة أن يكتبوا ثم بالغ في ذلك فقال ) صغيرا أو كبيرا ( أي حال كون ذلك المكتوب صغيرا أو كبيرا أي لا تملوا في حال من الأحوال سواء كان الدين كثيرا أو قليلا وقيل إنه كنى بالسآمة عن الكسل والأول أولى وقدم الصغير هنا على الكبير للاهتمام به لدفع ما عساه أن يقال إن هذا مال صغير أي قليل لا احتياج إلى كتبه والإشارة في قوله ) ذلكم ( إلى المكتوب المذكور في ضمير قوله ) أن تكتبوه ( و ) أقسط ( معناه أعدل أي أصح وأحفظ ) وأقوم للشهادة ( أي أعون على إقامة الشهادة واثبت لها وهو مبني من أقام وكذلك أقسط مبني من فعله أي أقسط وقد صرح سيبويه بأنه قياسي أي بني افعل التفضيل ومعنى قوله ) وأدنى ألا ترتابوا ( أقرب لنفي الريب في معاملاتكم أي الشك ولذلك أن الكتاب الذي يكتبونه يدفع ما يعرض لهم من الريب كائنا ما كان قوله ) إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم ( أن في موضع نصب على الاستنثاء قاله الأخفش وكان تامة أي إلا أن تقع أو توجد تجارة والاستثناء منقطع أي لكن وقت تبايعكم وتجارتكم حاضرة بحضور البدلين ) تديرونها بينكم ( تتعاطونها يدا بيد فالإدارة التعاطي والتقابض فالمرد التبايع الناجز يدا بيد فلا حرج عليكم إن تركتم كتابته وقرئ بنصب تجارة على أن كان ناقصة أي إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة قوله ) وأشهدوا إذا تبايعتم ( قيل معناه وأشهدوا إذا تبايعتم هذا التبايع المذكور هذا وهو التجارة الحاضرة على أن الإشهاد فيها يكفي وقيل معناه إذا تبايعتم أي تبايع كان حضارا أو كالئا لأن ذلك أدفع لمادة الخلاف وأقطع لمنشأ الشجار وقد تقدم قريبا ذكر الخلاف في كون هذا الإشهاد واجبا أو مندوبا قوله ) ولا يضار كاتب ولا شهيد ( يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أو للمفعول فعلى الأول معناه


"""""" صفحة رقم 303 """"""
لا يضارر كاتب ولا شهيد من طلب ذلك منهما إما بعدم الإجابة أو بالتحريف والتبديل والزيادة والنقصان في كتابته ويدل على هذا قراءة عمر بن الخطاب وابن عباس وابن أبي إسحاق ( ولا يضارر ) بكسر الراء الأولى وعلى الثاني لا يضارر كاتب ولا شهيد بأن يدعيا إلى ذلك وهما مشغولان بمهم لهما ويضيق عليهما في الإجابة ويؤذيا إن حصل منهما التراخي أو يطلب منهما الحضور من مكان بعيد ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود ) ولا يضار ( بفتح الراء الأولى وصيغة المفاعلة تدل على اعتبار الأمرين جميعا وقد تقدم في نفسير قوله تعالى ) لا تضار والدة بولدها ( ما إذا راجعته زادك بصيرة إن شاء الله قوله ) وإن تفعلوا ( أي ما نهيتم عنه من المضارة ) فإنه ( أي فعلكم هذا ) فسوق بكم ( أي خروج عن الطاعة إلى المعصية ملتبس بكم ) واتقوا الله ( في فعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه ) ويعلمكم الله ( ما تحتاجون إليه من العلم وفيه الوعد لمن اتقاه أن يعلمه ومنه قوله تعالى ) إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا )
البقرة : ( 283 ) وإن كنتم على . . . . .
قوله ) وإن كنتم على سفر ( لما ذكر سبحانه مشروعية الكتابة والإشهاد لحفظ الأموال ودفع الريب عقب ذلك بذكر حالة العذر عن وجود الكاتب ونص على حالة السفر فإنها من جملة أحوال العذر ويلحق بذلك كل عذر يقوم مقام السفر وجعل الرهان المقبوضة قائمة مقام الكتابة أي فإن كنتم مسافرين ) ولم تجدوا كاتبا ( في سفركم ) فرهان مقبوضة ( قال أهل العلم الرهن في السفر ثابت ينص التنزيل وفي الحضر بفعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما ثبت في الصحيحين ( أنه ( صلى الله عليه وسلم ) رهن درعا له من يهودي ) وقرأ الجمهور ( كاتبا ) أي رجلا يكتب لكم وقرأ ابن عباس وأبي ومجاهد والضحاك وعكرمة وأبو العالية ( كتابا ) قال ابن الأنباري فسره مجاهد فقال معناه فإن لم تجدوا مدادا يعني في الأسفار وقرأ أبو عمرو وابن كثير ( فرهن ) بضم الراء والهاء وروى عنهما تخفيف الهاء جمع رهان قاله الفراء والزجاج وابن جرير الطبري وقرأ عاصم بن أبي النجود فرهن بفتح الراء وإسكان الهاء وقراءة الجمهور رهان قال الزجاج يقال في الرهن رهنت وأرهنت وكذا قال ابن الأعرابي والأخفش وقال أبو علي الفارسي يقال أرهنت في المعاملات وأما في القرض والبيع فرهنت وقال ثعلب الرواة كلهم في قول الشاعر فلما خشيت أظافيرهم
نجوت وأرهنتهم مالكا
على أرهنتهم على أنه يجوز رهنته وأرهنته إلا الأصمعي فإنه رواه وأرهنهم على أنه عطف لفعل مستقبل على فعل ماض وشبهه بقوله قمت وأصك وجهه وقال ابن السكيت أرهنت فيهما بمعنى أسلفت والمرتهن الذي يأخذ الرهن والشيء مرهون ورهين وراهنت فلانا على كذا مراهنة خاطرته وقد ذهب الجمهور إلى اعتبار القبض كما صرح به القرآن وذهب مالك إلى أنه يصح الارتهان بالإيجاب والقبول من دون قبض قوله ) فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ( أي إن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق لحسن ظنه به وأمانته لديه واستغنى بأمانته عن الارتهان ) فليؤد الذي اؤتمن ( وهو المديون ) أمانته ( أي الدين الذي عليه والأمانة مصدر سمي به الذي في الذمة واضافها إلى الذي عليه الدين من حيث أن لها إليه نسبة وقرى ( ايتمن ) بقلب الهمزة ياء وقرئ بإدغام الياء في التاء وهو خطأ لأن المنقلبة من الهمزة لا تدغم لأنها في حكمها ) وليتق الله ربه ( في أن لا يكتم من الحق شيئا قوله ) ولا تكتموا الشهادة ( نهى للشهود أن يكتموا ما تحملوه من الشهادة وهو في حكم التفسير لقوله ) ولا يضار كاتب ( أي لا يضارر بكسر الراء الأولى على أحد التفسيرين المتقدمين قوله ) ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ( خص القلب بالذكر لأن الكتم من أفعاله ولكونه رئيس الأعضاء وهو المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد كله وارتفاع القلب على أنه فاعل أو مبتدأ وآثم خبره على ما تقرر


"""""" صفحة رقم 304 """"""
في علم النحو ويجوز أن يكون قلبه بدلا من آثم بدل البعض من الكل ويجوز أن يكون أيضا بدلا من الضمير الذي في آثم الراجع إلى من وقرئ ( قلبه ) بالنصب كما في قوله ) إلا من سفه نفسه (
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين ( قال نزلت في السلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم وأخرج الشافعي وعبدالرزاق وعبد بن حميد والبخاري وغيرهم عنه قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله أجله وقرأ هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال أمر بالشهادة عند المداينة لكيلا يدخل في ذلك جحود ولا نسيان فمن لم يشهد على ذلك فقد عصى ( ولا يأب الشهداء ) يعني من احتيج إليه من المسلمين ليشهد على شهادة أو كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يابى إذا ما دعي ثم قال بعد هذا ) ولا يضار كاتب ولا شهيد ( والضرار أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غني إن الله قد أمرك ان لا تأبى إذا دعيت فبضاره بذلك وهو مكتف بغيره فنهاه الله عن ذلك وقال ( وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم ) يعني معصية قال ومن الكبائر كتمان الشهادة لأن الله تعالى يقول ( ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) ولا يأب كاتب ( قال واجب على الكاتب أن يكتب وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كانت الكتابة عزيمة فنسخها ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال ( فإن كان الذي عليه الحق سفيها ) قال هو الجاهل ( أو ضعيفا ) قال هو الأحمق وأخرج ابن جرير عن الضحاك والسدي في قوله ) سفيها ( قالا هو الصبي الصغير وأخرج ابن جرير من طريق عطية العوفي عن ابن عباس ) فليملل وليه ( قال صاحب الدين وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الحسن قال ولي اليتيم وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال ولي السفيه أو الضعيف وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد في قوله ) من رجالكم ( قال من الأحرار وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله ) ممن ترضون من الشهداء ( قال عدول وأخرج الشافعي والبيهقي عن مجاهد قال عدلان حران مسلمان وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) أن تضل إحداهما ( يقول ان تنسى إحدى المرأتين الشهادة ) فتذكر إحداهما الأخرى ( يعني تذكرها التي حبطت شهادتها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يأب الشهداء ( قال إذا كانت عندهم شهادة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال كان الرجل يطوف في القوم الكثير يدعوهم يشهدون فلا يتبعه أحد منهم فأنزل الله ) ولا يأب الشهداء ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن المنذر عن عائشة في قوله ) أقسط عند الله ( قالت أعدل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) قال يأتي الرجل الرجلين فيدعوهما إلى الكتابة والشهادة فيقولان إنا على حاجة فيقول إنكما قد أمرتما أن تجيبا فليس له أن يضارهما وأخرج ابن جرير عن طاوس ( لا يضار كاتب ) فيكتب ما لم يمل عليه ولا شهيد فيشهد بما لم يستشهد وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) وإن كنتم على سفر ( الآية قال من كان على سفر فبايع بيعا إلى أجل فلم يجد كاتبا فرخص له في الرهان المقبوضة وليس له إن وجد كاتبا أن يرتهن وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد لا يكون الرهن إلا في السفر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال لا يكون الرهن إلا مقبوضا وأخرج البخاري في تاريخه وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن ماجة وأبو نعيم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين ( حتى بلغ


"""""" صفحة رقم 305 """"""
) فإن أمن بعضكم بعضا ( قال هذه نسخت ما قبلها وأقول رضي الله عن هذا الصحابي الجليل ليس هذا من باب النسخ فهذا مقيد بالائتمان وما قبله ثابت محكم لم ينسخ وهو مع عدم الائتمان وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) آثم قلبه ( قال فاجر قلبه وأخرج ابن جرير بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين وأخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن شهاب قال آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين
البقرة 284
البقرة : ( 284 ) لله ما في . . . . .
قوله ) لله ما في السماوات وما في الأرض ( قد تقدم تفسيره قوله ) وإن تبدوا ما في أنفسكم ( إلى آخر الآية ظاهره أن الله يحاسب العباد على ما أضمرته أنفسهم أو أظهرته من الأمور التي يحاسب عليها فيغفر لمن يشاء منهم ما يغفره منها ويعذب من يشاء منهم بما أسر أو أظهر منها هذا معنى الآية على مقتضى اللغة العربية وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية على أقوال الأول أنها وإن كانت عامة فهي مخصوصة بكتمان الشهادة وأن الكاتم للشهادة يحاسب على كتمه سواء أظهر للناس أنه كاتم للشهادة أو لم يظهر وقد روى هذا عن ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد وهو مردود بما في الآية من عموم اللفظ ولا يصلح ما تقدم قبل هذه الآية من النهي عن كتم الشهادة أن تكون مختصة به والقول الثاني أن ما في الآية مختص بما في يطرأ على النفوس من الأمور التي هي بين الشك واليقين قاله مجاهد وهو ايضا تخصيص بلا مخصص والقول الثالث أنها محكمة عامة ولكن العذاب على ما في النفس يختص بالكفار والمنافقين حكاه الطبري عن قوم وهو أيضا تخصيص بلا مخصص فإن قوله ) يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( لا يختص ببعض معين إلا بدليل والقول الرابع أن هذه الآية منسوخة قاله ابن مسعود وعائشة وابو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة وهو مروي عن ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين وهذا هو الحق لما سيأتي من التصريح بنسخها و لما ثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ) قوله ) يحاسبكم به الله ( قدم الجار والمجرور على الفاعل لإظهار العناية به وقدم الإبداء على الإخفاء لأن الأصل في الأمور التي يحاسب عليها هو الأعمال البادية وأما تقديم الإخفاء في قوله سبحانه ) قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ( فلكون العلم يتعلق بالأعمال الخافية والبادية على السوية وقدم المغفرة على التعذيب لكون رحمته سبقت غضبه وجملة قوله ) فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( مستأنفة أي فهو يغفر وهي متضمنة لتفصيل ما أجمل في قوله ) يحاسبكم به الله ( وهذا على قراءة ابن عامر وعاصم وأما على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي بجزم الراء والباء فالفاء عاطفة لما بعدها على المجزوم قبلها وهو جواب الشرط أعني قوله ) يحاسبكم به الله ( وقرأ ابن عباس والأعرج وأبو العالية وعاصم الجحدري بنصب الراء والباء في قوله ) فيغفر ( ويعذب على إضمار أن عطفا على المعنى وقرأ طلحة بن مصرف يغفر بغير فاء على البدل وبه قرأ الجعفي وخلاد
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال لما نزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم ( الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم جثوا على الركب فقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزل الله عليك


"""""" صفحة رقم 306 """"""
هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا ( سمعنا وأطعنا غفرانك وإليك المصير ) فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) الآية فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) إلى آخرها وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن ابن عباس مرفوعا نحوه وزاد فأنزل الله ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) قال قد فعلت ( ربنا ولا تحمل علينا إصركما حملته على الذين من قبلنا ) قال قد فعلت ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) قال قد فعلت ( واعف عنا وأغفر لنا وارحمنا ) الآية قال قد فعلت وقد رويت هذه القصة عن ابن عباس من طرق وأخرج البخاري والبيهقي عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أحسبه ابن عمر ( إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ) قال نسختها الآية التي بعدها وأخرج عبد بن حميد والترمذي عن على نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن جرير عن عائشة نحوه أيضا وبمجموع ما تقد محمد يظهر لك ما أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية انه قال نزلت في كتمان الشهادة فإنها لو كانت كذلك لم يشتد الأمر على الصحابة وعلى كل حال فبعد هذه الأحاديث المصرحة بالنسخ والناسخ لم يبق مجال لمخالفتها ومما يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين والسنن الأربع من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله تجاوز لى عن أمتي ما حدثت به انفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ) وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت كل عبد هم بسوء ومعصية وحدث نفسه به حاسبه الله الدنيا يخاف ويحزن ويشتد همه لا يناله من ذلك شئ كما هم بسوء ولم يعمل منه بشئ وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عنها نحوه والأحاديث المتقدمة المصرحة بالنسخ تدفعه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال إن الله يقول يوم القيامة إن كتابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها فأما ما أسررتم في أنفسكم فأنا أحاسبكم به اليوم فأغفر لمن شئت واعذب من شئت وهو مدفوع بما تقدم
البقرة 285 286
البقرة : ( 285 ) آمن الرسول بما . . . . .
قوله ( بما أنزل إليه من ربه ) أي بجميع ما أنزل الله ( والمؤمنين ) عطف على الرسول وقوله ( كل أي من الرسول والمؤمنين ( آمن الله ) ويجوز ان يكون قوله ( والمؤمنون ) مبتدأ وقوله كل مبتدأ ثان وقوله آمن بالله خبر المبتدأ الثاني وهو وخبره خبر المبتدأ الأول وأفرد الضمير في قوله ( آمن بالله ) مع رجوعه إلى كل المؤمنين لما أن المراد بيان إيمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع كما اعتبر ذلك في قوله تعالى ) وكل أتوه داخرين (


"""""" صفحة رقم 307 """"""
قال الزجاج لما ذكر الله سبحانه في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة وبين أحكام الحج وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وأقاصيص الأنبياء وبين حكم الربا ذكر تعظيمه سبحانه بقوله ( لله ما في السموات وما في الأرض ) ثم ذكر تصديق نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهم صدقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله وقيل سبب نزولها الآية التي قبلها وقد تقدم بيان ذلك قوله ( وملا ئكته ) أي من حيث كونهم عباده المكرمين المتوسطين بينه وبين أنبيائه في أنزال كتبه وقوله ( وكتبه لأنها المشتملة على الشرائع التي تعبد بها عباده وقوله ( ورسله ) لأنهم المبلغون لعباده ما نزل إليهم وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وكتبه بالجمع وقرءوا في التحريم وكتابه وقرأ ابن عباس هنا وكتابه وكذلك قرأ حمزة والكسائي وروى عنه انه قال الكتاب أكثر من الكتب وبينه صاحب الكشاف فقال لأنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحدان الجنس كلها لم يخرج منه شئ وأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع انتهى ومن أراد تحقيق المقام فليرجع إلى شرح التلخيص المطول عند قول صاحب التلخيص ( واستغراق المفرد أشمل ) وقرأ الجمهور ورسله بضم السين وقرأ أبو عمرو بتخفبف السين وقرأ الجمهور ( لانفرق ) بالنون والمعنى يقولون لا نفرق وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة وابن عمر وابن جرير ويعقوب ( لا يفرق ) بالياء التحتيه وقوله ( بين أحد ) ولم يقل بين آحاد لأن الأحد يتناول الواحد والجمع كما في قوله تعالى ) فما منكم من أحد عنه حاجزين ( فوصفه بقوله حاجزين لكونه في معنى الجمع وهذه الجملة يجوز ان تكون في محل نصب على الحال وان تكون خبرا آخر لقوله ( كل ) وقوله ( من رسله ) أظهر في محل الإضمار للاحتراز عن توهم اندراج الملائكة في الحكم أو الأشعار بعلة عدم التفريق بينهم وقوله ( وقالوا سمعنا وأطعنا ) هو معطوف على قوله ( آمن ) وهو وإن كان للفرد وهذا للجماعة فهو جائز نظرا إلى جانب المعنى أي أدركناه بأسماعنا وفهمناه وأطعنا ما فيه و قيل معنى سمعنا أحنبا دعوتك قوله ( غفرانك ) مصدر منصوب بفعل مقدر أي اغفر غفرانك قاله الزجاج وغيره وقدم السمع والطاعة على طلب المغفرة لكون الوسيلة تتقدم على المتوسل إليه
البقرة : ( 286 ) لا يكلف الله . . . . .
قوله ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) التكليف هو الأمر بما فيه مشقة وكلفة والوسع الطاقة والوسع ما يسع الأنسان ولا يضيق عليه وهذه جملة مستقلة جاءت عقب قوله سبحانه ( وإن تبدوا ما في انفسكم ) الآية لكشف كربة المسلمين ودفع المشقة عليهم في التكليف بما في الأنفس وهي كقوله سبحانه ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( قوله ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) فيه ترغيب وترهيب أي لها ثواب ما كسبت من الخير وعليها وزر ما اكتسبت من الشر وتقدم لها وعليها على الفعلين ليفيد ان ذلك لها لا لغيرها وعليها لا على غيرها وهذا مبنى على أن كسب للخير فقط واكتسب للشر فقط كما قاله صاحب الكشاف وغيره وقيل كل واحد من الفعلين يصدق على الأمرين وإنما كرر الفعل وخالف بين التصريفين تحسينا للنظم كما في قوله تعالى ) فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ( قوله ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) أي لا تؤاخذنا بإثم ما يصدر منا من هذين الأمرين وقد استشكل هذا الدعاء جماعة من المفسرين وغيرهم قائلين إن الخطأ والنسيان مغفوران غير مؤاخذ بهما فما معنى الدعاء بذلك فإنه من تحصيل الحاصل واجيب عن ذلك بأن المراد طلب المؤاخذة بما صدر عنهم من الأسباب المؤدية إلى النسيان والخطأ من التفريط وعدم المبالاة لا من نفس النسيان والخطأ فإنه لا مؤاخذة بهما كما يفيد ذلك قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( رفع عن أمتى الخطأ والنسيان )


"""""" صفحة رقم 308 """"""
وسياتي مخرجه وقيل إنه يجوز للإنسان أن يدعو بحصول ما هو حاصل له قبل الدعاء لقصد استدامته وقيل إنه وإن ثبت شرعا أنه لا مؤاخذة بهما فلا امتناع في المؤاخذة بهما عقلا وقيل لأنهم كانوا على جانب عظيم من التقوى بحيث لا يصدر عنهم الذنب تعمدا وإنما يصدر عنهم خطأ أو نسيانا فكأنه وصفهم بالدعاء بذلك إيذانا بنزاهة ساحتهم عما يؤخذان به كأنه قيل إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به فما منهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان قال القرطبي وهذا لم يختلف فيه ان الإثم مرفوع وإنما اختلف فيما يتعلق على ذلك من الأحكام هل ذلك مرفوع ولا يلزم منه شئ أو يلزم أحكام ذلك كله اختلف فيه والصحيح ان ذلك يختلف بحسب الوقائع فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديانات والصلوات المفروضات وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر و قسم ثالث مختلف فيه كمن أكل ناسيا في رمضان أو حنث ساهيا وما كان مثله مما يقع خطأ ونسيانا ويعرف ذلك في الفروع انتهى قوله ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) عطف على الجملة التي قبله وتكرير النداء للأيذان بمزيد التضرع واللجأ إلى الله سبحانه والإصر العبء الثقيل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه مكانه لا يستقل به لثقله والمراد به هنا التكليف الشاق والأمر الغليظ الصعب وقيل الإصر شدة العمل وما غلظ على بنى إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة ومنه قول النابغة يا مانع الضيم تغشي سراتهم
والحامل الإصر عنهم بعد ما غرقوا
وقيل الأصر المسخ قردة وخنازير وقيل العهد ومنه قوله تعالى وأخذتم على ذلكم إصرى وهذا الخلاف يرجع إلى بيان ما هو الإصر الذي كان على من قبلنا لا إلى معنى الإصر في لغة العرب فإنه ما تقدم ذكره بلا نزاع والإصار الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها يقال أصر يأصر إصرا حبس والإصر بكسر الهمزة من ذلك قال الجوهري والموضع مأصر والجمع مآصر والعامة تقول معاصر ومعنى الآية أنهم طلبوا من الله سبحانه أن لا يحملهم من ثقل التكاليف ما حمل الأمم قبلهم قوله ( كما حملته ) صفة مصدر محذوف أي حملا مثل حملك إياه على من قبلنا أو صفة لإصرا أي إصرا مثل الإصر الذي حملته على من قبلنا قوله ( ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) هو أيضا عطف على ما قبله وتكرير النداء للنكتة المذكورة قبل هذا والمعنى لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق وقيل هو عبارة عن إنزال العقوبات كأنه قال لا تنزل علينا العقوبات بتفريطنا في المحافظة على تلك التكاليف الشاقة التي كلفت بها من قبلنا وقيل والمراد به الشاق الذي لايكاد يستطاع من التكاليف قال في الكشاف وهذا تقرير لقوله ولاتحمل علينا إصرا ) قوله ( واعف عنا ) أي عن ذنوبنا يقال عفوت عن ذنبه إذا تركته ولم تعاقبه عليه ( واغفر لنا ) أي استر على ذنوبنا والغفر الستر ( وارحمنا ) أي تفضل برحمة منك علينا ( أنت مولانا ) أي ولينا وناصرنا وخرج هذا مخرج التعليم كيف يدعون وقيل معناه أنت سيدنا ونحن عبيدك ( فانصرنا على القوم الكافرين ) فإن من حق المولى أن ينصر عبيده والمراد عامة الكفرة وفيه إشارة إلى إعلاء كلمة الله في الجهاد في سبيله وقد قدمنا في شرح الآية التي قبل هذه أعنى قوله ( ان تبدو ما في انفسكم ) الخ أنه ثبت في الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن الله تعالى قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات قد فعلت فكان ذلك دليلا على انه سبحانه لم يؤاخذهم بشئ من الخطأ والنسيان ولا حمل عليهم شيئا من الإصر الذي حمله على من قبلهم ولا حملهم ما لا طاقة لهم به وعفا عنهم وغفر لهم ورحمهم و نصرهم على القوم الكافرين والحمد الله رب العالمين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان ( لا نفرق بين أحد من رسله ) لا نكفر بما جاءت به الرسل ولا


"""""" صفحة رقم 309 """"""
نفرق بين أحد منهم ولا نكذب به ( وقالوا سمعنا ) للقرآن الذي جاء من الله ( وأطعنا ) وأقروا لله ان يطيعوه في أمره ونهيه وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( غفرانك ربنا ) قال قد غفرت لكم ( وإليك المصير ) قال إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن حكيم بن جابر قال لما نزلت ( آمن الرسول ) الآية قال جبريل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فقال ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) حتى ختم السورة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( لايكلف الله نفسا إلا وسعها ) قال هم المؤمنون وسع الله عليهم أمر دينهم فقال ما جعل عليكم في الدين من حرج وقال ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( وقال ) فاتقوا الله ما استطعتم ( وأخرج ابن أبي حاتم عنه قوله ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) قال من العمل وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ( إلا وسعها ) قال إلا طاقتها وأخرج ابن المنذر عن الضحاك نحوه وقد أخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن حبان في صحيحه والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي ذر مرفوعا والطبراني من حديث ثوبان ومن حديث ابن عمر ومن حديث عقبة بن عامر وأخرجه البيهقي أيضا من حديثه وأخرجه ابن عدي في الكامل وأبو نعيم من حديث أبي بكرة وأخرجه ابن أبي حاتم من حديث أم الدرداء وأخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد من حديث الحسن مرسلا وأخرجه عبد بن حميد من حديث الشعبي مرسلا وفي أسانيد هذه الأحاديث مقال ولكنها يقوى بعضها بعضا فلا تقصر عن رتبة الحسن لغيره وقد تقدم حديث ( إن الله قال قد فعلت ) وهو في الصحيح وهو يشهد لهذه الأحاديث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( إصرا ) قال عهدا وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله وأخرج أيضا عن عطاء بن أبي رباح في قوله ) ولا تحمل علينا إصرا ( قال لا تمسخنا قردة وخنازير وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية أن الأصر الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل في الآية قال كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب قيل له توبتك أن تقتل نفسك فيقتل نفسه فوضعت الآصار عن هذه الأمة وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال لما نزلت هذه الآيات ( ربنا لا تؤاخذنا ) الخ كلما قالها جبريل للنبي صلى الله عليه و آله وسلم قال النبي آمين رب العالمين وأخرج أبو عبيد عن ميسرة ان جبريل لقن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاتمة البقرة آمين وأخرج أبو عبيد وابن أبي شبية وابن جرير وابن المنذر عن معاذ بن جبل أنه كان إذا فرغ من قراءة هذه السورة قال آمين واخرج أبو عبيد عن جبير بن نفير انه كان يقول آمين آمين وأخرج عبد بن حميد عن أبي ذر قال هي للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وأخرج ابن جرير عن الضحاك في هذه الآية قال سألها نبي الله ربه فأعطاه إياها فكانت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة
فضل خواتيم سورة البقرة
وقد ثبت عند الشيخين وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ) وأخرج أبو عبيد والدرارمى والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن النعمان بن بشير ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله كتب كتابا قبل ان يخلق السموات والأرض بالفي عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان ) وأخر ج أحمد والنسائي والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن حذيفة ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول ( أعطيت هذه


"""""" صفحة رقم 310 """"""
الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي وأخرج أحمد أحمد والبيهقي عن أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج أبو عبيد وأحمد ومحمد بن نصر عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( اقرءوا هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة ( آمن الرسول ) إلى خاتمتها فإن الله اصطفى بها محمدا ) وإسناده حسن وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال لما أسرى برسول ( صلى الله عليه وسلم ) انتهى إلى سدرة المنتهى وأعطى ثلاثا اعطى الصلوات الخمس وأعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهما وعملوهما نساءكم وأبناءكم فإنهما صلاة وقرآن ودعاء ) وأخرج الديلمى عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اثنان هما قرآن وهما يشفيان وهما مما يحبهما الله الآيتان من آخر البقرة ) وأخرج الطبراني بسند جيد عن شداد بن أوس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الله كتب كتابا قبل ان يخلق السموات والأرض بألفي عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان ) وأخرج ابن عدي عن ابن مسعود الأنصاري ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( انزل الله آيتين من كنوز الجنة كتبهما الرحمن بيده قبل ان يخلق الخلق بألفي سنة من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل ) وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ آخر سورة البقرة أو آية الكرسي ضحك وقال إنهما من كنز تحت العرش وأخرج ابن مردويه عن معقل بن يسار قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش ) وأخرج مسلم والنسائي واللفظ له عن ابن عباس قال بينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده جبريل إذ سمع نقيضا فرفع جبريل بصره فقال هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط قال فنزل منه ملك فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته فهذه ثلاثة عشر حديثا في فضل هاتين الآيتين مرفوعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد روى في فضلهما من غير المرفوع عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي مسعود وكعب الأحبار والحسن وابى قلابة وفي قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما يغنى عن غيره


"""""" صفحة رقم 311 """"""

سورة آل عمران
فضل سورة آل عمران
هي مدنية قال القرطبي بالإجماع ومما يدل على ذلك أن صدرها إلى ثلاث وثمانين آية نزل في وفد نجران وكان قدومهم في سنة تسع من الهجرة وقد أخرج البيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال نزلت سورة آل عمران بالمدينة وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ما هو مشترك بينها وبين هذه السورة من الأحاديث الدالة على فصلهما وكذلك تقدم ما ورد في السبع الطوال وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه وملائكته حتى تغيب الشمس ) وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب قال من قرأ البقرة وآل عمران والنساء كتب عند الله من الحكماء وأخرج الديلمي ومحمد بن نصر والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود من قرأ أل عمران فهو غني وأخرج الدارمي وعبد بن حميد والبيهقي عنه قال نعم كنز الصعلوك آل عمران يقوم بها الرجل من آخر الليل وأخرج سعيد بن منصور عن أبي عطاف قال اسم آل عمران في التوراة طيبة وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالملك بن عمير قال قرأ رجل البقرة وآل عمران فقال كعب قد قرأ الورتين إن فيهما الإسم الذي إذا دعي به أجاب
بسم الله الرحمن الرحيم
آل عمران 1 6
آل عمران : ( 1 ) الم
قرأ الحسن وعمرو بن عبيد وعاصم بن أبي النجود وأبو جعفر الرواسي ) الم الله ( بقطع ألف الوصل على تقدير الوقف على ) الم ( كما يقدرون الوقف على أسماء الأعداد نحو واحد اثنان ثلاثة أربعة مع وصلهم قال الاخفش ويجوز ) الم الله ( بكسر الهمزة لالتقاء الساكنين قال الزجاج هذا خطأ ولا تقوله العرب لثقله وقد ذكر سيبويه في الكتاب أن فواتح السور التي لم تكن موازنة لمفرد طريق التلفظ بها الحكاية فقط ساكنة الأعجاز على الوقف سواء جعلت أسماء اومسرودة على نمط التعديد وإن لزمها التقاء الساكنين لما أنه مغتفر في باب الوقف فحق هذه


"""""" صفحة رقم 312 """"""
الفاتحة أن يوقف عليها ثم يبدأ بما بعدها كما فعله الحسن ومن معه في قراءتهم المحكية سابقا وأما فتح الميم على القراءة المشهورة فوجهه ما روى عن سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين وقال الكسائي حروف التهجي إذا لقيتها ألف وصل فحذف الألف وحركت الميم بحركة الألف وكذا قال الفراء وهذه الفواتح إن جعلت مسرودة على نمط التعديد فلا محل لها من الإعراب وإن جعلت أسماء للسورة فمحلها إما الرفع على أنها أخبار لمبتدآت مقدرة قبلها أو النصب على تقدير أفعال يقتضيها المقام كاذكر أو اقرأ أو نحوهما وقد تقدم في أوائل سورة البقرة ما يغني عن الاعادة
آل عمران : ( 2 ) الله لا إله . . . . .
وقوله ) الله لا إله إلا هو ( مبتدأ وخبر والجملة مستأنفة أي هو المستحق للعبودية والحي القيوم خبران آخران للاسم الشريف أو خبران لمبتدأ محذوف أي هو الحي القيوم وقيل إنهما صفتان للمبتدإ الأول أو بدلان منه أو من الخبر وقد تقدم تفسير الحي والقيوم وقرأ جماعة من الصحابة القيام عمر وأبي ابن كعب وابن مسعود
آل عمران : ( 3 ) نزل عليك الكتاب . . . . .
قوله ) نزل عليك الكتاب ( أي القرآن وقد الظرف على المفعول به للاعتناء بالمنزل عليه ( صلى الله عليه وسلم ) وهي إما جملة مستأنفة أو خبر آخر للمبتدإ الأول قوله ) بالحق ( أي بالصدق وقيل بالحجة الغالبة وهو في محل نصب على الحال وقوله ) مصدقا ( حال آخر من الكتاب مؤكدة لأنه لا يكون إلا مصدقا فلا تكون الحال منتقلة أصلا وبهذا قال الجمهور وجوز بعضهم الانتقال على معنى أنه مصدق لنفسه ولغيره وقوله ) لما بين يديه ( أي من الكتب المنزلة وهو متعلق بقوله مصدقا واللام للتقوية قوله ) وأنزل التوراة والإنجيل ( هذه الجملة في حكم البيان لقوله لما بين يديه وإنما قال هنا أنزل وفيما تقدم نزل لأن القرآن نزل منجما والكتابان نزلا دفعة واحدة ولم يذكر في الكتابين من أنزلا عليه وذكر فيما تقدم أن الكتاب نزل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأن القصد هنا ليس إلا إلى ذكر الكتابين لا ذكر من نزلا عليه
آل عمران : ( 4 ) من قبل هدى . . . . .
وقوله ) من قبل ( أي أنزل التوراة والإنجيل من قبل تنزيل الكتاب وقوله ) هدى للناس ( إما حال من الكتابين أو علة للإنزال والمراد بالناس أهل الكتابين أو ما هو أعم لأن هذه الأمة متعبدة بما لم ينسخ من الشرائع قال ابن فورك هدى للناس المتقين كما قال في البقرة هدى للمتقين قوله ) وأنزل الفرقان ( أي الفارق بين الحق والباطل وهو القرآن وكرر ذكره تشريفا له مع ما يشتمل عليه هذا الذكر الآخر من الوصف له بأنه يفرق بين الحق والباطل وذكر التنزيل أولا والإنزال ثانيا لكونه جامعا بين الوصفين فإنه أنزل إلى سماء الدنيا جملة ثم نزل منها إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مفرقا منجما على حسب الحوادث كما سبق وقيل أراد بالفرقان جميع الكتب المنزلة من الله تعالى على رسله وقيل أراد الزبور لاشتماله على المواعظ الحسنة وقوله ) إن الذين كفروا بآيات الله ( أي بما يصدق عليه أنه آية من الكتب المنزلة وغيرها أو بما في الكتب المنزلة المذكورة على وضع آيات الله موضع الضمير العائد إليها وفيه بيان الأمر الذي استحقوا به الكفر ) لهم ( بسبب هذا الكفر ) عذاب شديد ( أي عظيم ) والله عزيز ( لا يغالبه مغالب ) ذو انتقام ( عظيم والنقمة السطوة يقال انتقم منه إذا عاقبه بسبب قد تقدم منه
آل عمران : ( 5 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( هذه الجملة استئنافية لبيان سعة علمه وإحاطته بالمعلومات وعبر عن معلوماته بما في الأرض والسماء مع كونها أوسع من ذلك لقصور عباده عن العلم بما سواهما من أمكنة مخلوقاته وسائر معلوماته ومن جملة ما لا يخفى عليه إيمان من آمن من خلقه وكفر من كفر
آل عمران : ( 6 ) هو الذي يصوركم . . . . .
قوله ) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( أصل اشتقاق الصورة من صاره إلى كذا أي أماله إليه فالصورة مائلة إلى شبه وهيئة وأصل الرحم من الرحمة لأنه مما يتراحم به وهذه الجملة مستأنفة مشتملة على بيان إحاطه علمه وأن من جملة معلوماته ما لا يدخل تحت الوجود وهو تصوير عباده في أرحام


"""""" صفحة رقم 313 """"""
أمهاتهم من نطف آبائهم كيف يشاء من حسن وقبيح وأسود وأبيض وطويل وقصير وكيف معمول يشاء والجملة حالية
سبب النزول والآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن جعفر بن محمد بن الزبير قال ( قدم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفد نجران ستون راكبا فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم فكلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب وعبد المسيح والسيد وهو الأيهم ثم ذكروا القصة في الكلام الذي دار بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأن الله أنزل في ذلك صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع فذكر وفد نجران ومخاصمتهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في عيسى عليه السلام وأن الله أنزل ) الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) مصدقا لما بين يديه ( قال لما قبله من كتاب أو رسول وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وقال في قوله ) وأنزل الفرقان ( هو القرآن فرق بين الحق والباطل فأحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه وشرع فيه شرائعه وحد فيه حدوده وفرض فيه فرائضه وبين فيه بيانه وأمر بطاعته ونهى عن معصيته وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله ) وأنزل الفرقان ( أي الفصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره وفي قوله ) إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ( أي إن الله ينتقم ممن كفر بآياته بعد علمه بها ومعرفته بما جاء منه فيها وفي قوله ) إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( أي قد علم ما يريدون وما يكيدون وما يضاهون بقولهم في عيسى إذ جعلوه ربا وإلها وعندهم من علمه غير ذلك غرة بالله وكفرا به ) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( قد كان عيسى ممن صور في الأرحام لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه كما صوره غيره من بني آدم فكيف يكون إلها وقد كان بذلك المنزل وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله ) يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( قال ذكورا وإناثا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( قال إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوما ثم تكون علقة أربعين يوما ثم تكون مضغة أربعين يوما فإذا بلغ أن يخلق بعث الله ملكا يصورها فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه فيخلط منه المضغة ثم يعجنه بها ثم يصور كما يؤمر فيقول أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد وما رزقه وما عمره وما أثره وما مصائبه فيقول الله ويكتب الملك فإذا مات ذلك الجسد دفن حيث أخذ ذلك التراب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) يصوركم في الأرحام كيف يشاء ( قال من ذكر وأنثى وأحمر وأسود وتام الخلق وغير تام الخلق
آل عمران 7 9


"""""" صفحة رقم 314 """"""
آل عمران : ( 7 ) هو الذي أنزل . . . . .
الكتاب هو القرآن فاللام للعهد وقدم الظرف وهو عليك لما يفيده من الاختصاص وقوله ) منه آيات محكمات ( الموافق لقواعد العربية أن يكون الظرف خبرا مقدما والأولى بالمعنى أن يكون مبتدأ تقديره من الكتاب آيات بينات على نحو ما تقدم في قوله ) ومن الناس من يقول ( وإنما كان أولى لأن المقصود إنقسام الكتاب إلى القسمين المذكورين لا مجرد الإخبار عنهما بأنهما من الكتاب والجملة حالية في محل نصب أو مستأنفة لا محل لها وقد اختلف العلماء في تفسير المحكمات والمتشابهات على أقوال فقيل إن المحكم ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل ومن القائلين بهذا جابر بن عبدالله والشعبي وسفيان الثوري قالوا وذلك بجر الحروف المقطعة في أوائل السور وقيل المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا والمتشابه ما يحتمل وجوها فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقي صار المتشابه محكما وقيل إن المحكم ناسخه وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه والمتشابه منسوخه وأمثاله واقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به روى هذا عن ابن عباس وقيل المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ روى عن ابن مسعود وقتادة والربيع والضحاك وقيل المحكم الذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له والمتشابه ما فيه تصريف وتحريف وتأويل قاله مجاهد وابن إسحاق قال ابن عطية وهذا أحسن الأقوال وقيل المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى أن يرجع فيه إلى غيره والمتشابه ما يرجع فيه إلى غيره قال النحاس وهذا أحسن ما قيل في المحكمات والمتشابهات قال القرطبي ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية وهو الجاري على وضع اللسان وذلك أن المحكم اسم مفعول من أحكم والإحكام الإتقان ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تردد إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها ومتى اختل أحد الامرين جاء التشابه والإشكال وقال ابن خويز منداد للمتشابه وجوه ما اختلف فيه العلماء أي الآيتين نسخت الأخرى كما في الحامل المتوفى عنها زوجها فإن من الصحابة من قال إن آية وضع الحمل نسخت آية الأربعة الأشهر والعشر ومنهم من قال بالعكس وكاختلافهم في الوصية للوارث وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن يقدم إذا لم يعرف النسخ ولم توجد شرائطه وكتعارض الأخبار وتعارض الأقيسة هذا معنى كلامه
والأولى أن يقال إن المحكم هو الواضح المعنى الظاهر الدلالة إما باعتبار نفسه أو باعتبار غيره والمتشابه مالا يتضح معناه أو لا تظهر دلالته لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره وإذا عرفت هذا عرفت أن هذا الاختلاف الذي قدمناه ليس كما ينبغي وذلك لأن أهل كل قول عرفوا المحكم ببعض صفاته وعرفوا المتشابه بما يقابلها وبيان ذلك أن أهل القول الأول جعلوا المحكم ما وجد إلى علمه سبيل والمتشابه ما لا سبيل إلى علمه ولا شك أن مفهوم المحكم والمتشابه أوسع دائرة مما ذكروه فإن مجرد الخفاء أو عدم الظهور أو الاحتمال أو التردد يوجب التشابه وأهل القول الثاني خصوا المحكم بما ليس فيه احتمال والمتشابه بما فيه احتمال ولا شك أن هذا بعض أوصاف المحكم والمتشابه لا كلها وهكذا أهل القول الثالث فإنهم خصوا كل واحد من القسمين بتلك الأوصاف المعينة دون غيرها وأهل القول الرابع خصوا كل واحد منهما ببعض الأوصاف التي ذكرها أهل القول الثالث والأمر أوسع مما قالوه جميعا وأهل القول الخامس خصوا المحكم بوصف عدم التصريف والتحريف وجعلوا المتشابه مقابلة وأهملوا ما هو أهم من ذلك مما لا سبيل إلى علمه من دون تصريف وتحريف كفواتح السور


"""""" صفحة رقم 315 """"""
المقطعة وأهل القول السادس خصوا المحكم بما يقوم بنفسه والمتشابه بما لا يقوم بها وأن هذا هو بعض أوصافهما وصاحب القول السابع وهو ابن خويز منداد عمد إلى صورة الوفاق فجعلها محكما وإلى صورة الخلاف والتعارض فجعلها متشابها فأهمل ما هو أخص أوصاف كل واحد منهما من كونه باعتبار نفسه مفهوم المعنى أو غير مفهوم قوله ) هن أم الكتاب ( أي أصله الذي يعتمد عليه ويرد ما خالفه إليه وهذه الجملة صفة لما قبلها قوله ) وأخر متشابهات ( وصف لمحذوف مقدر أي وآيات أخر متشابهات وهي جمع أخرى وإنما لم ينصرف لأنه عدل بها عن الآخر لأن أصلها أن يكون كذلك وقال أبو عبيد لم ينصرف لأن واحدها لا ينصرف في معرفة ولا نكرة وأنكر ذلك المبرد وقال الكسائي لم تنصرف لأنها صفة وأنكره أيضا المبرد وقال سيبويه لا يجوز أن يكون أخر معدولة عن الألف واللام لأنها لو كانت معدولة عنها لكان معرفة ألا ترى أن سحر معرفة في جميع الأقاويل لما كانت معدولة قوله ) فأما الذين في قلوبهم زيغ ( الزيغ الميل ومنه زاغت الشمس وزاغت الأبصار ويقال زاغ يزيغ زيغا إذا ترك القصد ومنه قوله تعالى ) فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( وهذه الآية تعم كل طائفة من الطوائف الخارجة عن الحق وسبب النزول نصارى نجران كما تقدم وسيأتي قوله ) فيتبعون ما تشابه منه ( أي يتعلقون بالمتشابه من الكتاب فيشككون به على المؤمنين ويجعلونه دليلا على ما هم فيه من البدعة المائلة عن الحق كما تجده في كل طائفة من طوائف البدعة فإنهم يتلاعبون بكتاب الله تلاعبا شديدا ويوردون منه لتنفيق جهلهم ما ليس من الدلالة في شيء قوله ) ابتغاء الفتنة ( أي طلبا منهم لفتنة الناس في دينهم والتلبيس عليهم وإفساد ذات بينهم ) وابتغاء تأويله ( أي طلبا لتأويله على الوجه الذي يريدونه ويوافق مذاهبهم الفاسدة قال الزجاج معنى ابتغائهم تأويله أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم فأعلم الله عز وجل أن تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلا الله قال والدليل على ذلك قوله ) هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله ( أي يوم يرون ما يوعدون من البعث والنشور والعذاب ) يقول الذين نسوه ( أي تركوه ) قد جاءت رسل ربنا بالحق ( أي قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل قوله ) وما يعلم تأويله إلا الله ( التأويل يكون بمعنى التفسير كقولهم تأويل هذه الكلمة على كذا أي تفسيرها ويكون بمعنى ما يئول الأمر إليه واشتقاقه من آل الأمر إلى كذا يئول إليه أي صار وأولته تأويلا أي صيرته وهذه الجملة حالية أي يتبعون المتشابه لابتغاء تأويله والحال أن ما يعلم تأويله إلا الله وقد اختلف أهل العلم في قوله ) والراسخون في العلم ( هل هو كلام مقطوع عما قبله أو معطوف على ما قبله فتكون الواو للجمع فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع عما قبله وأن الكلام تم عند قوله ) إلا الله ( هذا قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة ابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم وهو مذهب الكسائي والفراء والأخفش وأبي عبيد وحكاه ابن جرير الطبري عن مالك واختاره وحكاه الخطابي عن ابن مسعود وأبي بن كعب قال وإنما روى عن مجاهد أنه نسق الراسخين على ما قبله وزعم أنهم يعلمونه قال واحتج له بعض أهل اللغة فقال معناه والراسخون في العلم يعلمونه قائلين ) آمنا به ( وزعم أن موضع ) يقولون ( نصب على الحال وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا ولا تذكر حالا الا مع ظهور الفعل فإذا لم يظهر فعل لم يكن حالا ولو جاز ذلك لجاز أن يقال عبدالله راكبا يعني أقبل عبدالله راكبا وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله عبدالله يتكلم يصلح بين الناس فكان يصلح حالا كقول الشاعر أنشدنيه أبو عمرو قال أنشدنا أبو العباس ثعلب أرسلت فيها رجلا لكالكا
يقصر يمشي ويطول باركا


"""""" صفحة رقم 316 """"""
فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده وأيضا فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه شيئا عن الخلق وينسبه لنفسه فيكون له في ذلك شريك إلا ترى قوله عز وجل ) قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ( وقوله ) لا يجليها لوقتها إلا هو ( وقوله ) كل شيء هالك إلا وجهه ( فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه به لا يشركه فيه غيره وكذلك قوله تعالى ) وما يعلم تأويله إلا الله ( ولو كانت الواو في قوله ) والراسخون ( للنسق لم يكن لقوله ) كل من عند ربنا ( فائدة انتهى قال القرطبي ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره فقد روى عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل وأنهم داخلون في علم المتشابه وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم و ( يقولون ) على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخون كما قال الريح يبكي شجوه
والبرق يلمع في الغمامة
وهذا البيت يحتمل المعنيين فيجوز أن يكون والبرق مبتدأ والخبر يلمع على التأويل الأول فيكون مقطوعا مما قبله ويجوز أن يكون معطوفا على الريح ويلمع في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعا انتهى ولا يخفاك أن ما قاله الخطابي في وجه امتناع كون قوله ) يقولون آمنا به ( حالا من أن العرب لا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل إلى آخر كلامه لا يتم إلا على فرض أنه لا فعل هنا وليس الأمر كذلك فالفعل مذكور وهو قوله ) وما يعلم تأويله ( ولكنه جاء الحال من المعطوف وهو قوله ) والراسخون ( دون المعطوف عليه وهو قوله ) إلا الله ( وذلك جائز في اللغة العربية وقد جاء مثله في الكتاب العزيز ومنه قوله تعالى ) للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ( إلى قوله ) والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ( الآية وكقوله ) وجاء ربك والملك صفا صفا ( أي وجاءت الملائكة صفا صفا ولكن ها هنا مانع آخر من جعل ذلك حالا وهو أن تقييد علمهم بتأويله بحال كونهم قائلين آمنا به ليس بصحيح فإن الراسخين في العلم على القول بصحة العطف على الإسم الشريف يعلمونه في كل حال من الأحوال لا في هذه الحالة الخاصة فاقتضى هذا أن جعل قوله ) يقولون آمنا به ( حالا غير صحيح فتعين المصير إلى الاستئناف والجزم بأن قوله ) والراسخون في العلم ( مبتدأ خبره ) يقولون ( ومن جملة ما استدل به القائلون بالعطف أن الله سبحانه مدحهم بالرسوخ في العلم فكيف يمدحهم وهم لا يعلمون ذلك ويجاب عن هذا بأن تركهم لطلب علم ما لم يأذن الله به ولاجعل لخلقه إلى علمه سبيلا هو من رسوخهم لأنهم علموا أن ذلك مما استأثر الله بعلمه وأن الذين يتبعونه هم الذين في قلوبهم زيغ وناهيك بهذا من رسوخ وأصل الرسوخ في لغة العرب الثبوت في الشيء وكل ثابت راسخ وأصله في الأجرام أن ترسخ الخيل أو الشجر في الأرض ومنه قول الشاعر لقد رسخت في الصدر مني مودة
لليلى أبت آياتها أن تغيرا
فهؤلاء ثبتوا في امتثال ما جاءهم عن الله من ترك اتباع المتشابه وإرجاع علمه إلى الله سبحانه ومن أهل العلم من توسط بين المقامين فقال التأويل يطلق ويراد به في القرآن شيئان أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يئول أمره إليه ومنه قوله ) هذا تأويل رؤياي ( وقوله ) هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله ( أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعادن فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه إلا الله عز وجل ويكون قوله ) والراسخون في العلم ( مبتدأ و ) يقولون آمنا به ( خبره وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله ) نبئنا بتأويله ( أي بتفسيره فالوقف على ) والراسخون في العلم ( لأنهم


"""""" صفحة رقم 317 """"""
يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الإعتبار وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه وعلى هذا فيكون ) يقولون آمنا به ( حالا منهم ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون تأويله وأطنب في ذلك وهكذا جماعة من محققي المفسرين رجحوا ذلك قال القرطبي قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر وهو الصحيح فإن تسميتهم راسخين تقضي بأنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع لكن المتشابه يتنوع فمنه ما لا يعلم ألبتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بعلمه وهذا لا يتعاطى علمه أحد فمن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة فيتأول ويعلم تأويله المستقيم ويزال ما فيه من تأويل غير مستقيم انتهى
المحكم والمتشابه
واعلم أن هذا الاضطراب الواقع في مقالات أهل العلم أسبابه اختلاف أقوالهم في تحقيق معنى المحكم والمتشابه وقد قدمنا لك ما هو الصواب في تحقيقهما ونزيدك ها هنا إيضاحا وبيانا فنقول إن من جملة ما يصدق عليه تفسير المتشابه الذي قدمناه فواتح السور فإنها غير متضحة المعنى ولا ظاهرة الدلالة لا بالنسبة إلى أنفسها لأنه لا يدرى من يعلم بلغة العرب ويعرف عرف الشرع ما معنى الم المر حم طس طسم ونحوها لأنه لا يجد بيانها في شيء من كلام العرب ولا من كلام الشرع فهي غير متضحة المعنى لا باعتبارها نفسها ولا باعتبار أمر آخر يفسرها ويوضحها ومثل ذلك الألفاظ المنقولة عن لغة العجم والألفاظ الغربية التي لا يوجد في لغة العرب ولا في عرف الشرع ما يوضحها وهكذا ما استأثر الله بعلمه كالروح وما في قوله ) إن الله عنده علم الساعة ( إلى الآخر الآية ونحو ذلك وهكذا ما كانت دلالته غير ظاهرة لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره كورود الشيء محتملا لأمرين احتمالا لا يترجح أحدهما على الآخر باعتبار ذلك الشيء في نفسه وذلك كالألفاظ المشتركة مع عدم ورود ما يبين المراد من معنى ذلك المشترك من الأمور الخارجة وكذلك ورود دليلين متعارضين تعارضا كليا بحيث لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر لا باعتبار نفسه ولا باعتبار أمر آخر يرجحه وأما ما كان واضح المعنى باعتبار نفسه بأن يكون معروفا في لغة العرب أو في عرف الشرع أو باعتبار غيره وذلك كالأمور المجملة التي ورد بيانها في موضع آخر من الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة أو الأمور التي تعارضت دلالتها ثم ورد ما يبين راجحها من مرجوحها في موضع آخر من الكتاب أو السنة أو سائر المرجحات المعروفة عند أهل الأصول المقبولة عند أهل الإنصاف فلا شك ولا ريب أن هذه من المحكم لا من المتشابه ومن زعم أنها من المتشابه فقد اشتبه عليه الصواب فاشدد يديك على هذا فإنك تنجو به من مضايق ومزالق وقعت للناس في هذا المقام حتى صارت كل طائفة تسمى ما دل لما ذهب إليه محكما وما دل على ما يذهب إليه من يخالفها متشابها سيما أهل علم الكلام ومن أنكر هذا فعليه بمؤلفاتهم
واعلم أنه قد ورد في الكتاب العزيز ما يدل على أنه جميعه محكم ولكن لا بهذا المعنى الوارد في هذه الآية بل بمعنى آخر ومن ذلك قوله تعالى ) كتاب أحكمت آياته ( وقوله ) تلك آيات الكتاب الحكيم ( والمراد بالمحكم بهذا المعنى أنه صحيح الألفاظ قويم المعاني فائق في البلاغة والفصاحة على كل كلام وورد أيضا ما يدل على أنه جميعه متشابه لكن لا بهذا المعنى الوارد في هذه الآية التي نحن بصدد تفسيرها بل بمعنى آخر ومنه قوله تعالى ) كتابا متشابها ( والمراد بالمتشابه بهذا المعنى أنه يشبه بعضه بضعا في الصحة والفصاحة والحسن والبلاغة وقد ذكر أهل العلم لورود المتشابه في القرآن فوائد منها أنه يكون في الوصول إلى الحق مع وجودها فيه مزيد صعوبة ومشقة وذلك يوجب


"""""" صفحة رقم 318 """"""
مزيد الثواب للمستخرجين للحق وهم الأئمة المجتهدون وقد ذكر الزمخشري والرازي وغيرهما وجوها هذا أحسنها وبقيتها لا تستحق الذكر ها هنا قوله ) كل من عند ربنا ( فيه ضمير مقدر عائد على قسمي المحكم والمتشابه أي كله أو المحذوف غير ضمير أي كل واحد منهما وهذا من تمام المقول المذكور قبله وقوله ) وما يذكر إلا أولوا الألباب ( أي العقول الخالصة وهم الراسخون في العلم الواقفون عند متشابهه العالمون بمحكمه العاملون بما أرشدهم الله إليه في هذه الآية
آل عمران : ( 8 ) ربنا لا تزغ . . . . .
وقوله ) ربنا لا تزغ ( إلخ من تمام ما يقوله الراسخون أي يقولون آمنا به كل من عند ربنا ويقولون ) ربنا لا تزغ قلوبنا ( قال ابن كيسان سألوا ألا يزيغوا فتزيغ قلوبهم نحو قوله تعالى ) فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( كأنهم لما سمعوا قوله سبحانه ) فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ( قالوا ) ربنا لا تزغ قلوبنا ( باتباع المتشابه ) بعد إذ هديتنا ( إلى الحق بما أذنت لنا من العمل بالآيات المحكمات والظرف وهو قوله ( بعد ) منتصب بقوله لا تزغ قوله ) وهب لنا من لدنك رحمة ( أي كائنة من عندك ومن لابتداء الغاية ولدن بفتح اللام وضم الدال وسكون النون وفيه لغات أخر هذه افصحها وهو ظرف مكان وقد يضاف إلى الزمان وتنكير رحمة للتعظيم أي رحمة عظيمة واسعة وقوله ) إنك أنت الوهاب ( تعليل للسؤال أو لإعطاء المسئول وقوله ) ربنا إنك جامع الناس ( أي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم ( ليوم ) هو يوم القيامة أي لحساب يوم أو لجزاء يوم على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامة قوله ) لا ريب فيه ( أي في وقوعه ووقوع ما فيه من الحساب والجزاء وقد تقدم تفسير الريب وجملة قوله ) إن الله لا يخلف الميعاد ( للتعليل لمضمون ما قبلها أي أن الوفاء بالوعد شأن الإله سبحانه وخلفه يخالف الألوهية كما أنها تنافيه وتباينه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه وما نؤمن به ونعمل به والمتشابهات منسوخه ومقدمه ومؤخره وأمثاله واقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال في قوله ) منه آيات محكمات ( قال الثلاث آيات من آخر سورة الأنعام محكمات ) قل تعالوا ( والآيتان بعدها وفي رواية عنه أخرجها عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله ) آيات محكمات ( قال من هنا ) قل تعالوا ( إلى ثلاث آيات ومن هنا ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ( إلى ثلاث آيات بعدها وأقول رحم الله ابن عباس ما أقل جدوى هذا الكلام المنقول عنه فإن تعيين ثلاث آيات أو عشر أو مائة من جميع آيات القرآن ووصفها بأنها محكمة ليس تحته من الفائدة شيء فالمحكمات هي أكثر القرآن على جميع الأقوال حتى على قوله المنقول عنه قريبا من أن المحكمات ناسخه وحلاله إلخ فما معنى تعيين تلك الآيات من آخر سورة الأنعام وأخرج عبد بن حميد عنه قال المحكمات الحلال والحرام وللسلف أقوال كثيرة هي راجعة إلى ما قدمنا في أول هذا البحث وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ) فأما الذين في قلوبهم زيغ ( يعني أهل الشك فيحملون المحكم على المتشابه والمتشابه على المحكم ويلبسون فلبس الله عليهم ) وما يعلم تأويله إلا الله ( قال تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلا الله وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود ) زيغ ( قال شك وفي الصحيحين وغيرهما عن عائشة قالت ( تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) هو الذي أنزل عليك الكتاب ( إلى قوله ) فأما الذين في قلوبهم زيغ ( إلى قوله ) أولوا الألباب ( قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عني فاحذروهم ) وفي لفظ ( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذي سماهم الله فاحذروهم ) هذا لفظ البخاري ولفظ ابن جرير وغيره ( فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عني الله فلا


"""""" صفحة رقم 319 """"""
تجالسوهم ) وأخرج عبد بن حميد وعبدالرزاق وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي أمامة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ( قال هم الخوارج وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا آمنا به كل من عند ربنا ) وأخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود موقوفا وأخرج الطبراني عن عمر بن أبي سلمة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لعبدالله بن مسعود فذكر نحوه وأخرج البخاري في التاريخ عن علي مرفوعا بإسناد ضعيف نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي داود في المصاحف عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن جرير وأبو يعلى عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( نزل القرآن على سبعة أحرف والمراء في القرآن كفر ما عرفتم فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ) وإسناده صحيح وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة مرفوعا وفيه ( واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه ) وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن طاوس قال كان ابن عباس يقرؤها وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال في قراءة عبدالله وإن حقيقة تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي الشعثاء وأبي نهيك قال إنكم تصلون هذه الآية وهي مقطوعة ) وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ( فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا وأخرج ابن جرير عن عروة قال الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله ولكنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن عمر بن عبدالعزيز نحوه واخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي قال كتاب الله ما استبان فاعمل به وما اشتبه عليك فآمن به وكله إلى عالمه وأخرج أيضا عن ابن مسعود قال إن للقرآن منارا كمنار الطريق فما عرفتم فتمسكوا به وما اشتبه عليكم فذروه وأخرج أيضا عن معاذ نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال تفسير القرآن على أربعة وجوه تفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعذر الناس بجهالته من حلال أو حرام وتفسير تعرفه العرب بلغتها وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله من ادعى علمه فهو كذاب وأخرج ابن جرير عنه قال أنزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به وتفسير تفسره العرب وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال أنا ممن يعلم تأويله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عطية العوفي عنه في قوله ) يقولون آمنا به ( نؤمن بالمحكم وندين به ونؤمن بالمتشابه ولا ندين به وهو من عندالله كله وأخرج الدارمي في مسند ونصر المقدسي في الحجة عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال من أنت فقال أنا عبدالله صبيع فقال وأنا عبدالله عمر فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى دمى رأسه فقال يا أمي المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد قال رأسي وأخرج الدارمي أيضا من وجه آخر وفيه أنه ضرب ثلاث مرات يتركه في كل مرة حتى يبرأ ثم يضربه وأخرج أصل القصة ابن عساكر في تاريخه عن أنس وأخرج الدارمي وابن عساكر أن عمر كتب إلى أهل البصرة أن لا يجالسوا صبيغا وقد أخرج هذه القصة جماعة وأخرج ابن جرير


"""""" صفحة رقم 320 """"""
وابن أبي حاتم والطبراني عن أنس وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأبي الدرداء ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن الراسخين في العلم من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه ومن عف بطنه وفرجه فذلك من الراسخين في العلم ) وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن يزيد الأزدي عن أنس مرفوعا نحوه وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الجدال في القرآن كفر ) وأخرج نصر المقدسي في الحجة عن ابن عمر قال ( خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن وراء حجرته قوم يتجادلون بالقرآن فخرج محمرة وجنتان كأنما يقطران دما فقال يا قوم لاتجادلوا بالقرآن فإنما ضل من كان قبلكم بجدالهم إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا ولكن نزل ليصدق بعضه بعضا فما كان من محكمه فاعملوا به وما كان من متشابهه فآمنوا به ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أم سلمة ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ثم قرأ ( ربنا لاتزع قلوبنا بعد إذ هديتنا ) الآية ) وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن جرير والطبراني وابن مردويه عنها مرفوعا نحوه بأطول منه وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة مرفوعا نحوه وقد ورد نحوه من طرق أخر وأخرج ابن النجار في تاريخه في قوله ) ربنا إنك جامع الناس ليوم ) الآية عن جعفر بن محمد الخلدى قال روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( أن من قرأ هذه الآية على شيء ضاع منه رده الله عليه ويقول بعد قراءتها يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه أجمع بينى وبين مالى إنك على كل شيء قدير )
آل عمران 10 13
آل عمران : ( 10 ) إن الذين كفروا . . . . .
المراد بالذين كفروا جنس الكفرة وقيل وفد نجران وقيل قريظة وقيل النضير وقيل مشركو العرب وقرأ السلمى ( لن يغني بالتحتية وقرأ الحسن بكون الياء الآخرة تخفيفا قوله ( من الله شيئا اي من عذابه شيئا من الإغناء وقيل إن كلمة من بمعنى عند أي لا تغني عند الله شيئا قاله أبو عبيد وقيل هي بمعنى بدل والمعنى بدل رحمة الله وهو بعيد قوله ( وأولئك هم وقود النار ) الوقود اسم للحطب وقد تقدم الكلام عليه في سورة البقرة أي هم حطب جهنم الذي تسعر به وهم مبتدأ ووقود خبره والجملة خبرأولئك أو هم ضمير فصل وعلى التقديرين فالجملة مستأنفة مقررة لقوله ( لن تغنى عنهم أموالهم ) الآية وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف ( وقود ) بضم الواو وهو مصدر وكذلك الوقود بفتح الواو في قراءة الجمهور يحتمل أن يكون اسما للحطب كما تقدم فلا يحتاج إلى تقدير ويحتمل أن يكون مصدرا لأنه من المصادر التي تأتى على وزن الفعول فتحتاج إلى تقدير


"""""" صفحة رقم 321 """"""
أي هم أهل وقود النار
آل عمران : ( 11 ) كدأب آل فرعون . . . . .
قوله ( كدأب آل فرعون ) الدأب الاجتهاد يقال دأب الرجل في عمله يدأب دأبا ودءوبا إذا جد واجتهد والدائبان الليل والنهار والدأب العادة والشأن ومنه قول امرئ القيس كدأبك من أم الحويرث قبلها
وجارتها أم الرباب بمأسل
والمراد هنا كعادة آل فرعون وشأنهم وحالهم واختلفوا في الكاف فقيل هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون مع موسى وقال الفراء إن المعنى كفرت العرب ككفر آل فرعون قال النحاس لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا لأن كفروا داخله في الصلة وقيل هي متعلقة بأخذهم الله أي أخذهم أخذة كما أخذ آل فرعون وقيل هي متعلقة بلن تغنى أي لم تغن عنهم غناء كما لم تغن عن آل فرعون وقيل إن العامل فعل مقدر من لفظ الوقود ويكون التشبيه في نفس الإحراق قالوا ويؤيده قوله تعالى ) أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ( ) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ( والقول الأول هو الذي قاله جمهور المحققين ومنهم الأزهري قوله ( والذين من قبلهم ) أي من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة أي وكدأب الذين من قبلهم قوله ( كذبوا بآياتنا فأخذهم الله ) يحتمل أن يريد الآيات المتلوة ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية الوحدانية ويصح إرادة الجميع والجملة بيان وتفسير لدأبهم ويجوز أن تكون في محل نصب على الخال من آل فرعون والذين من قبلهم على إضمار قد أي دأب هؤلاء كدأب أولئك قد كذبوا إلخ وقوله ( بذنوبهم ) أي بسائر ذنوبهم التي من جملتها تكذيبهم
آل عمران : ( 12 ) قل للذين كفروا . . . . .
قوله ( قل للذين كفروا ) قيل هم اليهود وقيل هم مشركو مكة وسيأتي بيان سبب نزول الآية وقوله ( ستغلبون ) قرئ بالفوقية والتحتية وكذلك ( تحشرون ) وقد صدق الله وعده بقتل بني قريظة وإجلاء بني النضير وفتح خيبر وضرب الجزية على سائر اليهود ولله الحمد قوله ( وبئس المهاد ) يحتمل أن يكون من تمام القول الذي أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ان يقوله لهم ويحتمل ان تكون الجملة مستأنفة تهويلا وتفظيعا
آل عمران : ( 13 ) قد كان لكم . . . . .
قوله ( قد كان لكم آية ) أي علامة عظيمة دالة على صدق ما أقول لكم وهذه الجملة جواب قسم محذوف وهي من تمام القول المأمور به لتقرير مضمون ما قبله ولم يقل كانت لأن التأنيث غير حقيقي وقال الفراء انه ذكر الفعل لأجل الفصل بينه وبين الإسم بقوله ( لكم ) والمراد بالفئتين المسلمون والمشركون لما اتقوا يوم بدر قوله ( فئة تقاتل في سبيل الله ) قراءة الجمهور برفع فئة وقرأ الحسن ومجاهد ( فئة ) و ( كافرة ) بالخفض فالرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أي إحداهما فئة وقوله ( تقاتل ) في محل رفع على الصفة والجر على البدل من قوله ( فئتين ) وقوله ( وأخرى ) أي وفئة أخرى كافرة وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب فيهما قال ثعلب هو على الحال أي التقتا مختلفتين مؤمنة وكافرة وقال الزجاج النصب بتقدير أعنى وسميت الجماعة من الناس فئة لأنه يفاء إليها أي يرجع في وقت الشدة وقال الزجاج الفئة الفرقة مأخوذ من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته ولا خلاف ان المراد بالفئتين هما المقتتلتان في يوم بدر وإنما وقع الخلاف في المخاطب بهذا الخطاب فقيل المخاطب بها المؤمنون وقيل اليهود وفائدة الخطاب للمؤمنين تثبيت نفوسهم وتشجيعها وفائدته إذا كان مع اليهود عكس الفائدة المقصود بخطاب المسلمين قوله ( ترونهم مثليهم ) قال أبو علي الفارسي الرؤية في هذه الآية رؤية العين وذلك تعدت إلى مفعول واحد ويدل عليه قوله ( رأى العين ) والمراد أنه يرى المشركون المسلمين مثلى عدد المشركين أو مثلى عدد المسلمين وهذا على قراءة الجمهور بالياء التحتية وقرأ نافع بالفوقية وقوله ( مثليهم ) منتصب على الحال وقد ذهب الجمهور إلى أن فاعل ترون هم المؤمنون


"""""" صفحة رقم 322 """"""
والمفعول هم الكفار والضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمشركين أي ترون أيها المسلمون المشركون مثلى ما هم عليه من العدد وفيه بعد ان يكثر الله المشركين في أعين المؤمنين وقد أخبرنا أنه قللهم في أعين المؤمنين فيكون المعنى ترون أيها المسلمون المشركين مثليكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم فقلل الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مثلى عدتهم لتقوى أنفسهم وقد كانوا أعلموا ان المائة منهم تغلب المائتين من الكفار ويحتمل ان يكون الضمير في مثليهم للمسلمين أي ترون أيها المسلمون انفسكم مثلى ما أنتم عليه من العدد لتقوى لذلك أنفسكم وقد قال من ذهب إلى التفسير الأول أعني ان فاعل الرؤية المشركون وأنهم رأوا المسلمين مثلى عددهم انه لا يناقض هذا ما في سورة الأنفال من قوله تعالى ويقللكم في أعينهم بل قللوا أولا في أعينهم ليلاقوهم ويجترئوا عليهم فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا قوله ( رأى العين ) مصدر مؤكد لقوله ( ترونهم ) أي رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها ( والله يؤيد بنصره من يشاء ( أي يقوى من يشاء ان يقويه ومن جمله ذلك تأييد أهل بدر بتلك الرؤية ( إن في ذلك ) أي في رؤية القليل كثيرا ( لعبرة ) فعلة من العبور كالجلسة من الجلوس والمراد الاتعاظ والتنكير للتعظيم أي عبرة عظيمة وموعظة حسيمة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( كذأب آل فرعون ) قال كصنيع آل فرعون وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه قال كفعل وأخرج مثله أبو الشيخ عن مجاهد وأخرج ابن جرير عن الربيع قال كسنتهم وأخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس ( ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع قال يا معشر يهود أسلموا قبل ان يصيبكم الله بما أصاب قريشا قالوا يا محمد لا يغرنك من نفسك ان قتلت نفرا كانوا غمارا لا يعرفون القتال إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا فأنزل الله ( قل للذين كفروا ستغلبون ) إلى قوله ( أولى الابصار ) وأخرج ابن جرير وابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عاصم بن عمر بن قتادة مثله وأخرج وابن جرير بن المنذر عن عكرمة قال قال فنحاص اليهودي وذكر نحوه وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ( قد كان لكم آية ) عبرة وتفكر وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله 0 قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله ) أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ببدر ( وأخرى كافرة ) فئة قريش الكفار وأخرج عبدالرزاق ان هذه الآية نزلت في أهل بدر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ( قد كان لكم آية ) يقول قد كان لكم في هؤلاء عبرة ومتفكر أيدهم الله ونصرهم على عدوهم يوم بدر كان المشركون تسعمائة وخمسين رجلا وكان أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في الآية قال هذا يوم بدر نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال أنزلت في التخفيف يوم بدر على المؤمنين كانوا يومئذ ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا وكان المشركون مثليهم ستمائة وستة وعشرين فايد الله المؤمنين
آل عمران 14 17


"""""" صفحة رقم 323 """"""
آل عمران : ( 14 ) زين للناس حب . . . . .
قوله ( زين للناس ) إلخ كلام مستأنف لبيان حقارة ما تستلذه الأنفس في هذه الدار والمزين قيل هو الله سبحانه وبه قال عمر كما حكاه عنه البخاري وغيره ويؤيد قوله تعالى ) إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ( وقيل المزين هو الشيطان وبه قال الحسن حكاه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عنه وقرأ الضحاك ( زين ) على البناء للفاعل وقرأه الجمهور على البناء للمفعول والمراد بالناس الجنس و الشهوات جمع شهوة وهي نزوع النفس إلى ما تريده والمراد هنا المشتهيات عبر عنا بالشهوات مبالغة في كونها مرغوبا فيها أو تحقيرا لها لكونها مسترذلة عند العقلاء من صفات الطبائع البهيمية ووجه تزيين الله سبحانه لها ابتلاء عبادة كا صرح به في الآية الأخرى وقوله ( من النساء والبنين ) في محل الحال أي زين للناس حب الشهوات حال كونها من النساء والبنين إلخ وبدأ بالنساء لكثرة تشوق النفوس إليهن لأنهن حبائل الشيطان وخص البنين دون البنات لعدم الاطراد في محبتهن والقناطير جمع قنطار وهو اسم للكثير من المال قال الزجاج القنطار مأخوذ من عقد الشئ وإحكامه تقول العرب قنطرت الشئ إذا أحكمته ومنه سميت القنطرة لإحكامها وقد اختلف في تقديره على أقوال للسلف ستأتي إن شاء الله واختلفوا في معنى المقنطرة فقال ابن جرير الطبري معناها المضعفة وقال القناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة وقال الفراء القناطير جمع القنطار والمقنطرة جمع الجمع فتكون تسع قناطير وقيل المقنطرة المضروبة وقيل المكملة كما يقال بدرة مبدرة وألوف مؤلفة وبه قال مكى وحكاه الهروي وقال ابن كيسان لا تكون المقنطرة أقل من سبع قناطير وقوله ( من الذهب والفضة ) بيان للقناطير أو حال ( والخيل المسومه ) قيل هي المرعية في المروج والمسارح يقال سامت الدابة والشاة إذا سرحت وقيل هي المعدة للجهاد وقيل هي الحسان وقيل المعلمة من السومة وهي العلامة أي التي يجعل عليها علامة لتتميز عن غيرها وقال ابن فارس في المجمل المسومة المرسلة وعليها ركبانها وقال ابن كيسان البلق والانعام هي الإبل والبقر والغنم فإذا قلت نعم فهي الإبل خاصة قاله الفراء وابن كيسان ومنه قوله حسان وكانت لا يزال بها أنيس
خلال مروجها نعم وشاء
والحرث اسم لكل ما يحرث وهو مصدر سمى به المحروث يقول حرث الرجل حرثا إذا أثار الأرض فيقع على الأرض والزرع قال ابن الأعرابي الحرث التفتيش قوله ( ذلك متاع الحياة الدنيا ) أي ذلك المذكور ما يتمتع به ثم يذهب ولا يبقي وفيه تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة والمآب المرجع آب يئوب إيابا إذا رجع ومنه قول امرئ القيس لقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
آل عمران : ( 15 ) قل أؤنبئكم بخير . . . . .
قوله ( قل اؤنبئكم بخير من ذلكم ) أي هل أخبركم بما هو خير لكم من تلك المستلذات وإبهام الخير للتفخيم ثم


"""""" صفحة رقم 324 """"""
بينه بقوله ) للذين اتقوا عند ربهم جنات ( وعند في محل نصب على الحال من جنات وهي مبتدأ وخبرها للذين اتقوا ويجوز أن تتعلق اللام بخير وجنات خبر مبتدأ مقدر أي هو جنات وخص المتقين لأنهم المنتفعون بذلك وقد تقدم تفسير قوله ) تجري من تحتها الأنهار ( وما بعده
آل عمران : ( 16 ) الذين يقولون ربنا . . . . .
قوله ) الذين يقولون ( بدل من قوله ) للذين اتقوا ( أو خبر مبتدا محذوف أي هم الذين أو منصوب على المدح والصابرين وما بعده نعت للموصول على تقدير كونه بدلا أو منصوبا على المدح وعلى تقدير كونه خبرا يكون الصابرين وما بعده منصوبة على المدح
آل عمران : ( 17 ) الصابرين والصادقين والقانتين . . . . .
وقد تقدم تفسير الصبر والصدق والقنوت قوله ) والمستغفرين بالأسحار ( هم السائلون للمغفرة بالأسحار وقيل المصلون والأسحار جمع سحر بفتح الحاء وسكونها قال الزجاج هو من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر وخص الأسحار لأنها من أوقات الإجابة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب لما نزلت ) زين للناس حب الشهوات ( قال الآن يا رب حين زينتها لنا فنزلت ) قل أؤنبئكم ( وأخرجه ابن المنذر عنه بلفظ خير انتهى إلى قوله ) قل أؤنبئكم بخير ( فبكى وقال بعد ماذا بعد ماذا بعد ما زينتها وأخرج أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( القنطار اثنا عشر ألف أوقية ) رواه أحمد من حديث عبدالصمد بن عبدالوارث عن حماد عن عاصم عن أبي صالح عنه ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عبدالصمد به وقد رواه ابن جرير موقوفا على أبي هريرة قال ابن كثير وهذا أصح وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن القناطير المقنطرة فقال ( القنطار ألف أوقية ) ورواه ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه مرفوعا بلفظ ألف دينار وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية ) وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقى من قول معاذ بن جبل وأخرجه ابن جرير من قول ابن عمر وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي من قول أبي هريرة وأخرجه ابن جرير والبيهقي من قول ابن عباس وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال القنطار ملء مسك جلد الثور ذهبا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه قال القنطار سبعون ألفا وأخرجه عبد بن حميد عن مجاهد وأخرج أيضا عن سعيد بن المسيب قال القنطار ثمانون ألفا وأخرج ابضا عن أبي صالح قال القنطار مائة رطل وأخرجه أيضا عن قتادة وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال القنطار خمسة عشر ألف مثقال والمثقال أربعة وعشرون قيراطا وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال هو المال الكثير من الذهب والفضة وأخرجه أيضا عن الربيع وأخرج عن السدي أن المقنطرة المضروبة وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس ( والخيل المسومة ) قال الراعية وأخرج ابن المنذر عنه من طريق مجاهد وأخرج ابن جرير عنه قال هي الراعية والمطهمة الحسان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال هي المطهمة الحسان واخرجا عن عكرمة قال تسويمها حسنها وأخرج ابن أبي حاتم قال ( الخيل المسومة ) الغرة والتحجيل وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله الصابرين قال قوم صبروا على طاعة الله وصبروا عن محارمه والصادقون قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم وصدقوا في السر والعلانية والقانتون هم المطيعون والمستغفرون بالأسحار أهل الصلاة وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبي شيبة قال هم الذين يشهدون صلاة الصبح وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس قال أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن نستغفر بالأسحار سبعين مرة وأخرج ابن جرير وأحمد في الزهد عن سعيد الجريري قال بلغنا أن داود عليه


"""""" صفحة رقم 325 """"""
السلام سأل جبريل فقال يا جبريل أي الليل أفضل قال يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر فيقول هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له )
آل عمران 18 20
آل عمران : ( 18 ) شهد الله أنه . . . . .
قوله ) شهد الله ( أي بين وأعلم قال الزجاج الشاهد هو الذي يعلم الشيء ويبينه فقد دلنا الله على وحدانيته بما خلق وبين وقال أبو عبيدة شهد الله بمعنى قضى أي أعلم قال ابن عطية وهذا مردود من جهات وقيل إنها شبهت دلالته على وحدانيته بأفعاله ووحيه بشهادة الشاهد في كونها مبنية وقوله أنه بفتح الهمزة قال المبرد أي بأنه ثم حذفت الباء كما في أمرتك الخير أي بالخير وقرأ ابن عباس ( إنه ) بكسر الهمزة بتضمين شهد معنى قال وقرأ أبو المهلب ( شهداء لله ) بالنصب على أنه حال من الصابرين وما بعده أو على المدح ) والملائكة ( عطف على الإسم الشريف وشهادتهم إقرارهم بأنه لا إله إلا الله وقوله ) وأولو العلم ( معطوف أيضا على ما قبله وشهادتهم بمعنى الإيمان منهم وما يقع من البيان للناس على ألسنتهم وعلى هذا لا بد من حمل الشهادة على معنى يشمل شهادة الله وشهادة الملائكة وأولي العلم وقد اختلف في أولي العلم هؤلاء من هم فقيل هم الأنبياء وقيل المهاجرون والأنصار قاله ابن كيسان وقيل مؤمنو أهل الكتاب قاله مقاتل وقيل المؤمنون كلهم قاله السدي والكلبي وهو الحق إذ لا وجه للتخصيص وفي ذلك فضيلة لأهل العلم جليلة ومنقبة نبيلة لقربهم باسمه واسم ملائكته والمراد بأولي العلم هنا علماء الكتاب والسنة وما يتوصل به إلى معرفتهما إذ لا اعتداد بعلم لا مدخل له في العلم الذي اشتمل عليه الكتاب العزيز والسنة المطهرة وقوله ) قائما بالقسط ( أي العدل أي قائما بالعدل في جميع أموره أو مقيما له وانتصاب قائما على الحال من الإسم الشريف قال في الكشاف إنها حال مؤكدة كقوله ) وهو الحق مصدقا ( وجاز إفراده سبحانه بذلك دون ما هو معطوف عليه من الملائكة وأولي العلم لعدم اللبس وقيل إنه منصوب على المدح وقيل إنه صفة لقوله ) إله ( أي لا إله قائما بالقسط إلا هو أو هو حال من قوله ( إلا هو ) والعامل فيه معنى الجملة وقال الفراء هو منصوب على القطع لأن أصله الألف واللام فلما قطعت نصب كقوله ) وله الدين واصبا ( ويدل عليه قراءة عبدالله بن مسعود القائم بالقسط وقوله ) لا إله إلا هو ( تكرير لقصد التأكيد وقيل إن قوله ) أنه لا إله إلا هو ( كالدعوى والأخيرة كالحكم وقال جعفر الصادق الأولى وصف وتوحيد والثانية رسم وتعليم
آل عمران : ( 19 ) إن الدين عند . . . . .
وقوله ) العزيز الحكيم ( مرتفعان على البدلية من الضمير أو الوصفية لفاعل شهد لتقرير معنى الوحدانية قوله ) إن الدين عند الله الإسلام ( قرأه الجمهور بكسر إن على أن الجملة


"""""" صفحة رقم 326 """"""
مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى وقرئ بفتح أن قال الكسائي أنصبهما جميعا يعني قوله ) شهد الله أنه ( وقوله ) إن الدين عند الله الإسلام ( بمعنى شهد الله أنه كذا وأن الدين عند الله الإسلام قال ابن كيسان إن الثانية بدل من الأولى وقد ذهب الجمهور إلى أن الإسلام هنا بمعنى الإيمان وإن كانا في الأصل متغايرين كما في حديث جبريل الذي بين فيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) معنى الإسلام ومعنى الإيمان وصدقه جبريل وهو في الصحيحين وغيرهما ولكنه قد يسمى كل واحد منهما باسم الآخر وقد ورد ذلك في الكتاب والسنة قوله ) وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ( فيه الإخبار بأن اختلاف اليهود والنصارى كان لمجرد البغي بعد أن علموا بأنه يجب عليهم الدخول في دين الإسلام بما تضمنته كتبهم المنزلة إليهم قال الأخفش وفي الكلام تقديم وتأخير والمعنى ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو خلافهم في كون نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) نبيا أم لا وقيل اختلافهم في نبوة عيسى وقيل اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء قوله ) ومن يكفر بآيات الله ( أي بالآيات الدالة على أن الدين عند الله الإسلام ( فان الله سريع الحساب ) فيجازيه ويعاقبه على كفره بآياته والإظهار في قوله فإن الله مع كونه مقام الإضمار للتهويل عليهم والتهديد لهم
آل عمران : ( 20 ) فإن حاجوك فقل . . . . .
قوله ) فإن حاجوك ( أي جادلوك بالشبه الباطلة والأقوال المحرفة ) فقل أسلمت وجهي لله ( أي أخلصت ذاتي لله وعبر بالوجه عن سائر الذات لكونه أشرف أعضاء الإنسان وأجمعها للحواس وقيل الوجه هنا بمعنى القصد وقوله ) ومن اتبعن ( عطف على فاعل أسلمت وجاز للفصل وأثبت نافع وأبو عمرو ويعقوب الياء في اتبعن على الأصل وحذفها الآخرون اتباعا لرسم المصحف ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع والمراد بالأميين هنا مشركو العرب وقوله ) أأسلمتم ( استفهام تقريري يتضمن الأمر أي أسلموا كذا قاله ابن جرير وغيره وقال الزجاج ) أأسلمتم ( تهديد والمعنى أنه قد أتاكم من البراهين ما يوجب الإسلام فهل علمتم بموجب ذلك أم لا تبكيتا لهم وتصغيرا لشأنهم في الإنصاف وقبول الحق وقوله ) فقد اهتدوا ( أي ظفروا بالهداية التي هي الحظ الأكبر وفازوا بخير الدنيا والآخرة ) وإن تولوا ( أي أعرضوا عن قبول الحجة ولم يعملوا بموجبها ) فإنما عليك البلاغ ( أي فإنما عليك أن تبلغهم ما أنزل إليك ولست عليهم بمسيطر فلا تذهب نفسك عليهم حسرات والبلاغ مصدر وقوله ) والله بصير بالعباد ( فيه وعد ووعيد لتضمنه أنه عالم بجميع أحوالهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) قائما بالقسط ( قال بالعدل وأخرج أيضا عن ابن عباس مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إن الدين عند الله الإسلام ( قال الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء به من عند الله وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ودل عليه أولياءه لا يقبل غيره وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال لم يبعث الله رسولا إلا بالإسلام وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال كان حول البيت ستون وثلثمائة صنم لكل قبيلة من قبائل العرب صنم أو صنمان فأنزل الله ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( الآية فأصبحت الأصنام كلها قد خرت سجدا للكعبة وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة وأبو منصور الشحامي في الأربعين عن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران ) شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام ( ) قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ( إلى قوله ) بغير حساب ( هن معلقات بالعرش ما بينهن وبين الله حجاب


"""""" صفحة رقم 327 """"""
يقلن يا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك قال الله إني حلفت لا يقرؤكن أحد من عبادي دبر كل صلاة إلا جعلت الجنة مأواه على ما كان منه وإلا أسكنته حظيره القدس وإلا نظرت إليه بعيني المكنونة كل يوم سبعين نظرة وإلا قضيت له كل يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة وإلا أعذته من كل عدو ونصرته منه ) وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا نحوه وفيه ( لا يتلوكن عبد دبر كل صلاة مكتوبة إلا غفرت له ما كان منه وأسكنته جنة الفردوس ونظرت إليه كل يوم سبعين مرة وقضيت له سبعين حاجة أدناها المغفرة ) وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن السني عن الزبير بن العوام قال ( سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بعرفة يقرأ هذه الآية ) شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ( فقال وأنا على ذلك من الشاهدين ) ولفظ الطبراني ( وأنا أشهد أن لا إله إلا أنت العزيز الحكيم ) وأخرج ابن عدي والطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الايمان وضعفه والخطيب في تاريخه وابن النجار عن غالب القطان قال أتيت الكوفة في تجارة فنزلت قريبا من الأعمش فلما كان ليلة اردت أن أنحدر قام فتهجد من الليل فمر بهذه الآية ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( إلى قوله ) إن الدين عند الله الإسلام ( فقال وأنا أشهد بما شهد به الله واستودع الله هذه الشهادة وهي لي وديعة عند الله قالها مرارا فقلت لقد سمع فيها شيئا فسألته فقال حدثني أبو وائل عن عبدالله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة ) وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وما اختلف الذين أوتوا الكتاب ( قال بنو إسرائيل وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله ( بغيا بينهم ) يقول بغيا على الدنيا وطلب ملكها وسلطانها فقتل بعضهم بعضا على الدنيا من بعد ما كانوا علماء الناس وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) فإن حاجوك ( قال إن حاجك اليهود والنصارى وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وقل للذين أوتوا الكتاب ( قال اليهود والنصارى ) والأميين ( قال هم الذين لا يكتبون
آل عمران 21 25
آل عمران : ( 21 ) إن الذين يكفرون . . . . .
قوله ) بآيات الله ( ظاهره عدم الفرق بين آية وآية ) ويقتلون النبيين بغير الحق ( يعني اليهود قتلوا الأنبياء ) ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ( أي بالعدل وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر قال المبرد كان ناس من بني إسرائيل جاءهم النبيون فدعوهم إلى الله فقتلوهم فقام أناس من بعدهم من المؤمنين فأمروهم


"""""" صفحة رقم 328 """"""
بالإسلام فقتلوهم ففيهم نزلت الآية وقوله ) فبشرهم بعذاب أليم ( خبر ) إن الذين كفروا ( إلخ ودخلته الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط وذهب بعض أهل النحو إلى أن الخبر
آل عمران : ( 22 ) أولئك الذين حبطت . . . . .
قوله ) أولئك الذين حبطت أعمالهم ( وقالوا إن ألفاء لا تدخل في خبر إن وإن تضمن اسمها معنى الشرط لأنه قد نسخ بدخول إن عليه ومنهم سيبويه والأخفش وذهب غيرهما إلى أن ما يتضمنه المبتدأ من معنى الشرط لا ينسخ بدخول إن عليه ومثل المكسورة المفتوحة ومنه قوله تعالى ) واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ( وقوله ) حبطت أعمالهم ( قد تقدم تفسير الإحباط ومعنى كونها حبطت في الدنيا والآخرة أنه لم يبق لحسناتهم أثر في الدنيا حتى يعاملوا فيها معاملة أهل الحسنات بل عوملوا معاملة أهل السيئات فلعنوا وحل بهم الخزي والصغار ولهم في الآخرة عذاب النار
آل عمران : ( 23 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( فيه تعجيب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكل من تصح منه الرؤية من حال هؤلاء وهم أحبار اليهود والكتاب التوراة وتنكير النصيب للتعظيم أي نصيبا عظيما كما يفيده مقام المبالغة ومن قال إن التنكير للتحقير فلم يصب فلم ينتفعوا بذلك وذلك بأنهم يدعون إلى كتاب الله الذي أوتوا نصيبا منه وهو التوراة ) ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم ( والحال أنهم معرضون عن الإجابة إلى ما دعوا إليه مع علمهم به واعترافهم بوجوب الإجابة إليه
آل عمران : ( 24 ) ذلك بأنهم قالوا . . . . .
و ( ذلك ) إشارة إلى ما مر من التولي والإعراض بسبب ) بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ( وهي مقدار عبادتهم العجل وقد تقدم تفسير ذلك ) وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ( من الأكاذيب التي من جملتها هذا القول
آل عمران : ( 25 ) فكيف إذا جمعناهم . . . . .
قوله ) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ( هو رد عليهم وإبطال لما غرهم من الأكاذيب أي فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه وهو يوم الجزاء الذي لا يرتاب مرتاب في وقوعه فإنهم يقعون لا محالة ويعجزون عن دفعه بالحيل والأكاذيب ) ووفيت كل نفس ما كسبت ( أي جزاء ما كسبت على حذف المضاف ) وهم لا يظلمون ( بزيادة ولا نقص والمراد كل الناس المدلول عليهم بكل نفس قال الكسائي اللام في قوله ) ليوم ( بمعنى في وقال البصريون المعنى لحساب يوم وقال ابن جرير الطبري المعنى لما يحدث في يوم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح قلت يا رسول الله أي الناس أشد عذابا يوم القيامة قال رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ثم قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ( ( إلى قوله ) وما لهم من ناصرين ( ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا أول النهار في ساعة واحة فقام مائة رجل وسبعون رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال بعث عيسى يحيى بن زكريا في اثنى عشر رجلا من الحوارين يعلمون الناس فكان ينهى عن نكاح بنت الأخ وكان ملك له بنت أخ تعجبه فارادها وجعل يقضي لها كل يوم حاجة فقالت لها أمها إذا سألك عن حاجة فقولي حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا فقال سلي غير هذا فقالت لا أسألك غير هذا فلما أبت أمر به فذبح في طست فبدرت قطرة من دمه فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر فدلت عجوز عليه فألقى في نفسه أن لا يزال يقتل حتى يسكن هذا الدم فقتل في يوم واحد من ضرب واحد وسن واحد سبعين ألفا فسكن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن معقل بن أبي مسكين في الآية قال كان الوحي يأتي بني إسرائيل فيذكرون قومهم ولم يكن يأتيهم كتاب فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم فيقتلون


"""""" صفحة رقم 329 """"""
فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال الذين يأمرون بالقسط من الناس ولاة العدل وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو والحارث بن زيد على أي دين أتيت يا محمد قال على ملة إبراهيم ودينه قال فإن إبراهيم كان يهوديا قال لهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهلما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ( الآية ) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) نصيبا ( قال حظا ) من الكتاب ( قال التوراة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قول ) قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ( قال يعنون الأيام التي خلق الله فيها آدم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ( حين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) ووفيت كل نفس ( يعني توفي كل نفس بر أو فاجر ) ما كسبت ( ما عملت من خير أو شر ) وهم لا يظلمون ( يعني من أعمالهم
آل عمران 26 27
آل عمران : ( 26 ) قل اللهم مالك . . . . .
قوله ) قل اللهم ( قال الخليل وسيبويه وجميع البصرين إن أصل اللهم يا ألله فلما استعملت الكلمة دون حرف الندا الذي هو ( يا ) جعلوا بدله هذه الميم المشددة فجاءوا بحرفين وهما الميمان عوضا من حرفين وهما الباء والألف والضمة في الهاء هي ضمة الإسم المنادى المفرد وذهب الفراء والكوفيون إلى أن الأصل في اللهم يا ألله أمنا بخير فحذف وخلط الكلمتان والضمة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمنا لما حذفتا الهمزة انتقلت الحركة قال النحاس هذا عند البصريين من الخطأ العظيم والقول في هذا ما قاله الخليل وسيبويه قال الكوفيون قد يدخل حرف النداء على اللهم وأنشدوا في ذلك قول الراجز غفرت أو عذبت يا اللهما
وقول الآخر
وما عليك أن تقول كلما سبحت أو هللت يا للهما
وقول الآخر
إني إذا ما حدث ألما أقول ياللهم ياللهما
قالوا ولو كان الميم عوضا من حرف النداء لما اجتمعتا قال الزجاج وهذا شاذ لا يعرف قائله قال النضر بن شميل من قال اللهم فقد دعا الله بجميع أسمائه قوله ) مالك الملك ( أي مالك جنس الملك على الإطلاق ومالك منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان أي يا مالك الملك ولا يجوز عنده أن يكون وصفا لقوله ) اللهم ( لأن الميم عنده تمنع الوصفية وقال محمد بن يزيد المبرد وإبراهيم بن السري الزجاج إنه صفة لاسم الله تعالى وكذلك قوله تعلى ) قل اللهم فاطر السماوات والأرض ( قال أبو علي الفارسي وهو مذهب المبرد وما قاله سيبويه أصوب وابين وذلك لأنه اسم مفرد ضم إليه صوت والأصوات لا توصف نحو غاق وما أشبهه قال الزجاج والمعنى مالك


"""""" صفحة رقم 330 """"""
العباد وما ملكوا وقيل المعنى مالك الدنيا والآخرة وقيل الملك هنا النبوة وقيل الغلبة وقيل المال والعبيد والظاهر شموله لما يصدق عليه اسم الملك من غير تخصيص ) تؤتي الملك من تشاء ( أي من تشاء إيتاءه إياه ) وتنزع الملك ممن تشاء ( نزعه منه والمراد بما يؤتيه من الملك وينزعه هو نوع من أنواع ذلك الملك العام قوله ) وتعز من تشاء ( أي في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما يقال عز إذا غلب ومنه ) وعزني في الخطاب ( وقوله ) وتذل من تشاء ( أي في الدنيا وفي الآخرة أو فيهما يقال ذل يذل ذلا إذا غلب وقهر قوله ) بيدك الخير ( تقديم الخبر للتخصيص أي بيدك الخير لا بيد غيرك وذكر الخير دون الشر لأنه الخير بفضل محض بخلاف الشر فإنه يكون جزاء لعمل وصل إليه وقيل لأن كل شر من حيث كونه من قضائه سبحانه هو متضمن للخير فأفعاله كلها خير وقيل إنه حذف كما حذف في قوله ) سرابيل تقيكم الحر ( وأصله بيدك الخير والشر وقيل خص الخير لأن المقام مقام دعاء قوله ) إنك على كل شيء قدير ( تعليل لما سبق وتحقيق له
آل عمران : ( 27 ) تولج الليل في . . . . .
قوله ) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ( أي تدخل ما نقص من أحدهما في الآخر وقيل المعنى تعاقب بينهما ويكون زوال أحدهما ولوجا في الآخر قوله ) وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ( قيل المراد إخراج الحيوان وهو حي من النطفة وهي ميتة واخراج النطفة وهي ميتة من الحيوان وهو حي وقيل المراد إخراج الطائر وهو حي من البيضة وهي ميتة وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية وقيل المراد إخراج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن قوله ) بغير حساب ( أي بغير تضييق ولا تقتير كما تقول فلان يعطي بغير حساب والباء متعلقة بمحذوف وقع حالا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فنزلت الآية وأخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال اسم الله الأعظم ) قل اللهم مالك الملك ( إلى قوله ) بغير حساب ( وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني عن معاذ ( أنه شكا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دينا عليه فعلمه أن يتلو هذه الآية ثم يقول الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطي من تشاء منهما وتمنع من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك اللهم أغنني من الفقر واقض عني الدين ) وأخرج الطبراني في الصغير من حديث أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لمعاذ ( ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك ) فذكره وإسناده جيد وقد تقدم عند تفسير قوله تعالى ) شهد الله أنه لا إله إلا هو ( بعض فضائل هذه الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) تؤتي الملك من تشاء ( قال النبوة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله ) تولج الليل في النهار ( الآية قال تأخذ الصيف من الشتاء وتاخذ الشتاء من الصيف ) وتخرج الحي من الميت ( تخرج الرجل الحي من النطفة الميتة ) وتخرج الميت من الحي ( تخرج النطفة الميتة من الرجل الحي وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) تولج الليل في النهار ( قال ما نقص من النهار تجعله في الليل وما نقص من الليل تجعله في النار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك نحوه أيضا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وتخرج الحي من الميت ( قال تخرج النطفة الميتة من الحي ثم تخرج من النطفة بشرا حيا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة ) وتخرج الحي من الميت ( قال هي البيضة تخرج من


"""""" صفحة رقم 331 """"""
الحي وهي ميتة ثم يخرج منها الحي وأخرج ابن جرير عنه قال النخلة من النواة والنواة من النخلة والحبة من السنبلة والسنبلة من الحبة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك مثله وأخرج ابن جرير وابو الشيخ عن الحسن قال المؤمن من الكافر والكفار من المؤمن والمؤمن عبد حي الفؤاد والكافر عبد ميت الفؤاد وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن سلمان الفارسي نحوه وأخرج ابن مردويه عنه مرفوعا نحوه وأخرجه أيضا عنه أو عن ابن مسعود مرفوعا وأخرج عبدالرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبيد الله بن عبدالله ( أن خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث دخلت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال من هذه قيل خالدة بنت الأسود قال سبحان الذي يخرج الحي من الميت ) وكان إمرأة صالحة وكان أبوها كافرا وأخرج ابن سعد عن عائشة مثله
آل عمران 28 30
آل عمران : ( 28 ) لا يتخذ المؤمنون . . . . .
قوله ) لا يتخذ ( فيه النهي للمؤمنين عن موالاة الكفار لسبب من الأسباب ومثله قوله تعالى ) لا تتخذوا بطانة من دونكم ( الآية وقوله ) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( وقوله ) لا تجد قوما يؤمنون بالله ( الآية وقوله لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء وقوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( وقوله ) من دون المؤمنين ( في محل الحال أي متجاوزين المؤمنين إلى الكافرين استقلالا أو إشتراكا والإشارة بقوله ) ومن يفعل ذلك ( إلى الاتحاد المدلول عليه بقوله ) لا يتخذ ( ومعنى قوله ) فليس من الله في شيء ( أي من ولايته في شيء من الأشياء بل هو منسلخ عنه بكل حال قوله ) إلا أن تتقوا منهم تقاة ( على صيغة الخطاب بطريق الالتفات أي إلا أن تخافوا منهم أمرا يجب اتقاؤه وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال وتقاة مصدر واقع موقع المفعول وأصلها وقية على وزن فعلة قلبت الواو تاء والياء ألفا وقرأ رجاء وقتادة تقية وفي ذلك دليل على جواز الموالاة لهم مع الخوف منهم ولكنها تكون ظاهرا لا باطنا وخالف في ذلك قوم من السلف فقالوا لا تقية بعد أن أعز الله الإسلام قوله ) ويحذركم الله نفسه ( أي ذاته المقدسة وإطلاق ذلك عليه سبحانه جائز في المشاكلة كقوله ) تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( وفي غيرها وذهب بعض المتأخرين إلى منع ذلك إلا مشاكلة وقال الزجاج معناه ويحذركم الله إياه ثم استغنوا عن ذلك بهذا وصار المستعمل قال وأما قوله ) تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( فمعناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك وقال بعض أهل العلم معناه ويحذركم الله عقابه مثل ) واسأل القرية ( فجعلت النفس في موضع الإضمار وفي هذه الآية تهديد شديد وتخويف عظيم لعباده أن يتعرضوا لعقابه بموالاة أعدائه
آل عمران : ( 29 ) قل إن تخفوا . . . . .
قوله ) قل إن تخفوا ما في صدوركم ( الآية


"""""" صفحة رقم 332 """"""
فيه أن كل ما يضمره العبد ويخفيه أو يظهره ويبديه فهو معلوم لله سبحانه لا يخفى عليه منه شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة ) ويعلم ما في السماوات وما في الأرض ( مما هو أعم من الأمور التي يخفونها أو يبدونها فلا يخفى عليه ما هو أخص من ذلك
آل عمران : ( 30 ) يوم تجد كل . . . . .
قوله ) يوم تجد ( منصوب بقوله ) ويحذركم الله نفسه ( وقيل بمحذوف أي اذكر ) محضرا ( حال وقوله ) وما عملت من سوء ( معطوف على ما الأولى أي وتجد ما عملت من سوء محضرا تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا فحذف محضرا لدلالة الأول عليه وهذا إذا كان ( تجد ) من وجدان الضالة وأما إذا كان من وجد بمعنى علم كان محضرا هو المفعول الثاني ويحوز أن يكون قوله ) وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ( جملة مستأنفة ويكون ( ما ) في ما عملت مبتدأ ويود خبره والأمد الغاية وجمعه آماد أي تود لو أن بينها وبين ما عملت من السوء أمدا بعيدا وقيل إن قوله ) يوم تجد ( منصوب بقوله ) تود ( والضمير في قوله ) وبينه ( لليوم وفيه بعد وكرر قوله ) ويحذركم الله نفسه ( للتأكيد وللاستحضار ليكون هذا التهديد العظيم على ذكر منهم وفي قوله ) والله رؤوف بالعباد ( دليل على أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه بعباده لطفا بهم وما أحسن ما يحكى عن بعض العرب أنه قيل له إنك تموت وتبعث وترجع إلى الله فقال أتهددونني بمن لم أر الخير قط إلا منه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الحجاج بن عمرو حليف كعب ابن الأشرف وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فقال رفاعة بن المنذر وعبدالله بن جبير وسعد بن خثمة لأولئك النفر اجتنبوا هؤلاء النفر من يهود واحذروا مباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم فابى أولئك النفر فانزل الله فيهم ) لا يتخذ المؤمنون الكافرين ( إلى قوله ) والله على كل شيء قدير ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه قال نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف ويخالفونهم في الدين وذلك قوله تعالى ) إلا أن تتقوا منهم تقاة ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ) ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ( فقد برئ الله منه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) إلا أن تتقوا منهم تقاة ( قال التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية الله فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك لا يضره إنما التقية باللسان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عنه في الآية قال التقاة التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان ولا يبسط يده فيقتل ولا إلى إثم فإنه لا عذر له وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال التقية باللسان وليس بالعمل وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة ) إلا أن تتقوا منهم تقاة ( قال إلا أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك وأخرج عبد بن حميد والبخاري عن الحسن قال التقية جائزة إلى يوم القيامة وحكى البخاري عن أبي الدرداء أنه قال إنا نبش في وجوه اقوام وقلوبنا تلعنهم ويدل على جواز التقية قوله تعالى ) إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ( ومن القائلين بجواز التقية باللسان أبو الشعثاء والضحاك والربيع بن أنس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) قل إن تخفوا ( الآية قال أخبرهم أنه يعلم ما أسروا وما أعلنوا وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله محضرا يقول موفرا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال يسر أحدكم أن لا يلقى عمله ذلك أبدا يكون ذلك مناه وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها وأخرجا أيضا عن السدي ) أمدا بعيدا (


"""""" صفحة رقم 333 """"""
قال مكانا بعيدا وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أمدا قال أجلا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد ( قال من رأفته بهم حذرهم نفسه
آل عمران 31 34
آل عمران : ( 31 ) قل إن كنتم . . . . .
الحب والمحبة ميل النفس إلى الشيء يقال أحبه فهو محب وحبه يحبه بالكسر فهو محبوب قال الجوهري وهذا شاذ لأنه لا يأتي في المضاعف يفعل بالكسر قال ابن الدهان في حب لغتان حب وأحب وأصل حب في هذا الباب حبب كطرق وقد فسرت المحبة لله سبحانه بإرادة طاعته قال الأزهري محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران وقرأ أبو رجاء العطاردي ( فاتبعوني ) بفتح الباء وروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه أدغم الراء من يغفر في اللام قال النحاس لا يجيز الخليل وسيبويه إدغام الراء في اللام وأبو عمرو أجل من أن يغلط في هذا ولعله كان يخفى الحركة كما يفعل في أشياء كثيرة
آل عمران : ( 32 ) قل أطيعوا الله . . . . .
قوله ) قل أطيعوا الله والرسول ( حذف المتعلق مشعر بالتعميم أي في جميع الأوامر والنواهي قوله ) فإن تولوا ( يحتمل أن يكون من تمام مقول القول فيكون مضارعا حذفت فيه إحدى التاءين أي تتولوا ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى فيكون ماضيا وقوله ) فإن الله لا يحب الكافرين ( نفى المحبة كناية عن البغض والسخط ووجه الإظهاء في قوله ) فإن الله ( مع كون المقام مقام إضمار لقصد التعظيم أو التعميم قوله ) إن الله اصطفى آدم ( إلخ لما فرغ سبحانه من بيان أن الدين المرضي هو الإسلام وأن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) هو الرسول الذي لا يصح لأحد أن يحب الله إلا باتباعه وأن اختلاف أهل الكتابين فيه إنما هو لمجرد البغي عليه والحسد له شرع في تقرير رسالة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبين أنه من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة
آل عمران : ( 33 ) إن الله اصطفى . . . . .
والاصطفاء الاختيار قال الزجاج اختارهم بالنبوة على عالمي زمانهم وقيل إن الكلام على تقدير مضاف أي اصطفى دين آدم إلخ وقد تقدم الكلام على تفسير العالمين وتخصيص آدم بالذكر لأنه أبو البشر وكذلك نوح فإنه آدم الثاني وأما آل إبراهيم فلكون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهم مع كثرة الأنبياء منهم وأما آل عمران فهم وإن كانوا من آل إبراهيم فلما كان عيسى عليه السلام منهم كان لتخصيصهم بالذكر وجه وقيل المراد بآل إبراهيم إبراهيم نفسه وبآل عمران عمران نفسه
آل عمران : ( 34 ) ذرية بعضها من . . . . .
قوله ) ذرية بعضها من بعض ( نصب ذرية على البدلية مما قبله قاله الزجاج أو على الحالية قاله الاخفش وقد تقدم تفسير الذرية وبعضها من بعض في محل نصب على صفة الذرية ومعناه متناسلة متشعبة أو متناصرة متعاضدة في الدين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن من طرق قال قال أقوام على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والله يا محمد إنا لنحب ربنا فأنزل الله ) قل إن كنتم تحبون الله ( الآية وأخرج الحكيم الترمذي عن يحيى بن كثير نحوه وأخرج أيضا ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن جرير


"""""" صفحة رقم 334 """"""
عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله ) قل إن كنتم تحبون الله ( أي إن كان هذا من قولكم في عيسى حبا لله وتعظيما له ) فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ( أي ما مضى من كفركم ) والله غفور رحيم ( وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء في قوله ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ( قال على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس وأخرجه أيضا الحكيم الترمذي وأبو نعيم والديلمي وابن عساكر عنه أخرج ابن عساكر مثله عن عائشة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والحاكم عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء وأدناه أن يحب على شيء من الجور ويبغض على شيء من العدل وهل الدين إلا الحب والبغض في الله ) قال الله تعالى ) قل إن كنتم تحبون الله ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وآل إبراهيم وآل عمران ( قال هم المؤمنون من آل إبراهيم وال عمران وآل ياسين وآل محمد واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ذرية بعضها من بعض ( قال في النية والعمل والإخلاص والتوحيد
آل عمران 35 37
آل عمران : ( 35 ) إذ قالت امرأة . . . . .
قوله ) إذ قالت ( قال أبو عمرو ( إذ ) زائدة وقال محمد بن يزيد إنه متعلق بمحذوف تقديره اذكر إذ قالت وقال الزجاج هو متعلق بقوله ) اصطفى ( وقيل متعلق بقوله ) سميع عليم ( وامرأة عمران اسمها حنة بالحاء المهملة والنون بنت فاقود بن قبيل أم مريم فهي جدة عيسى وعمران هو ابن ماثان جد عيسى قوله ) رب إني نذرت لك ما في بطني ( تقديم الجار والمجرور لكمال العناية وهذا النذر كان جائزا في شريعتهم ومعنى ) لك ( أي لعبادتك ومحررا منصوب على الحال أي عتيقا خالصا لله خادما للكنيسة والمراد هنا الحرية التي هي ضد العبودية وقيل المراد بالمحرر هنا الخالص لله سبحانه الذي لا يشوبه شيء من أمر الدنيا ورجح هذا بأنه لا خلاف أن عمران وامرأته حران قوله ) فتقبل مني ( التقبل أخذ الشيء على وجه الرضا أي تقبل مني نذري بما في بطني
آل عمران : ( 36 ) فلما وضعتها قالت . . . . .
قوله ) فلما وضعتها ( التأنيث باعتبار ما علم من المقام أن الذي في بطنها أنثى أو لكونه أنثى في علم الله أو بتأويل ما في بطنها بالنفس أو النسمة أو نحو ذلك قوله ) قالت رب إني وضعتها أنثى ( إنما قالت هذه المقالة لأنه لم يكن يقبل في النذر إلا الذكر دون الأنثى فكأنما تحسرت وتحزنت لما فاتها من ذلك الذي كانت ترجوه وتقدره وأنثى حال مؤكدة من الضمير أو بدل منه قوله ) والله أعلم بما وضعت ( قرأ أبو بكر وابن عامر بضم التاء فيكون من جملة كلامها ويكون متصلا بما قبله وفيه معنى التسليم لله والخضوع والتنزيه له أن يخفى عليه شيء وقرأ الجمهور


"""""" صفحة رقم 335 """"""
وضعت فيكون من كلام الله سبحانه على جهة التعظيم لما وضعته والتفخيم لشأنه والتجليل لها حيث وقع منها التحسر والتحزن مع أن هذه الأنثى التي وضعتها سيجعلها الله وابنها آية للعالمين وعبرة للمعتبرين ويختصها بما لم يختص به أحدا وقرأ ابن عباس ( بما وضعت ) بكسر التاء على أنه خطاب من الله سبحانه لها أي إنك لا تعلمين قدر هذا الموهوب وما علم الله فيه من الأمور التي تتقاصر عنها الافهام وتتضافر عندها العقول قوله ) وليس الذكر كالأنثى ( أي وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وضعت فإن غاية ما أرادت من كونه ذكرا أن يكون نذرا خادما للكنيسة وأمر هذه الأنثى عظيم وشأنها فخيم وهذه الجملة اعتراضية مبينة لما في الجملة الأولى من تعظيم الموضوع ورفع شأنه وعلو منزلته واللام في الذكر والأنثى للعهد هذا على قراءة الجمهور وعلى قراءة ابن عباس وأما على قراءة أبي بكر وابن عامر فيكون قوله ) وليس الذكر كالأنثى ( من جملة كلامها ومن تمام تحسرها وتحزنها أي ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادما ويصلح للنذر كالأنثى التي لا تصلح لذلك وكأنها أعذرت إلى ربها من وجودها لها على خلاف ما قصدت قوله ) وإني سميتها مريم ( عطف على ) إني وضعتها أنثى ( ومقصودها من هذا الإخبار بالتسمية التقرب إلى الله سبحانه وأن يكون فعلها مطابقا لمعنى اسمها فإن معنى مريم خادم الرب بلغتهم فهي وإن لم تكن صالحة لخدمة الكنيسة فذلك لا يمنع أن تكون من العابدات قوله ) وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ( عطف على قوله ) وإني سميتها مريم ( والرجيم المطرود وأصله المرمى بالحجارة وطلبت الإعاذة لها ولولدها من الشيطان وأعوانه
آل عمران : ( 37 ) فتقبلها ربها بقبول . . . . .
قوله ) فتقبلها ربها بقبول حسن ( أي رضي بها في النذر وسلك بها مسلك السعداء وقال قوم معنى التقبل التكفل والتربية والقيام بشأنها والقبول مصدر مؤكد للفعل السابق والباء زائدة والأهل تقبلا وكذلك قوله ) وأنبتها نباتا حسنا ( وأصله إنباتا فحذف الحرف الزائد وقيل هو مصدر لفعل محذوف أي فنبتت نباتا حسنا والمعنى أنه سوى خلقها من غير زيادة ولا نقصان قيل إنها كانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام وقيل هو مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها قوله ) وكفلها زكريا ( أي ضمها إليه وقال أبو عبيدة ضمن القيام بها وقرأ الكوفيون ( وكفلها ) بالتشديد أي جعله الله كافلا لها وملتزما بمصالحها وفي معناه ما في مصحف أبي وأكفلها وقرأ الباقون بالتخفيف على إسناد الفعل إلى زكريا ومعناه ما تقدم من كونه ضمها إليه وضمن القيام بها وروى عمرو بن موسى عن عبدالله بن كثير وأبي عبدالله المزني وكفلها بالكسر الفاء قال الأخفش لم أسمع كفل وقرأ مجاهد ) فتقبلها ( بإسكان اللام على المسألة والطلب ونصب ربها على أنه منادى مضاف وقرأ أيضا ( وأنبتها ) بإسكان التاء ( وكفلها ) بتشديد الفاء المكسورة وإسكان اللام ونصب ( زكريا ) مع المد وقرأ حفص وحمزة والكسائي ( زكريا ) بغير مد ومده الباقون وقال الفراء أهل الحجاز يمدون زكريا ويقصرونه قال الأخفش فيه لغات المد والقصر وزكريا بتشديد الياء وهو ممتنع على جميع التقادير للعجمة والتعريف مع ألف التأنيث قوله ) كلما دخل عليها زكريا المحراب ( قدم الظرف للاهتمام به وكلمة كل ظرف والزمان محذوف وما مصدرية أو نكرة موصوفة والعامل في ذلك قوله ) وجد ( أي كل زمان دخوله عليها وجد عندها رزقا أي نوعا من أنواع الرزق والمحراب في اللغة أكرم موضع في المجلس قاله القرطبي وهو منصوب على التوسع قيل إن زكريا جعل لها محرابا لا يرتقي إليه إلا بسلم وكان يطلق عليها حتى كبرت وكان إذا دخل عليها وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فقال ) يا مريم أنى لك هذا ( أي من أين يجيء لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا ) قالت هو من عند الله ( فليس ذلك بعجيب ولا مستنكر وجملة قوله ) إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ( تعليلية لما قبلها وهو من تمام كلامها ومن قال إنه من كلام زكريا فتكون الجملة مستأنفة


"""""" صفحة رقم 336 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إني نذرت لك ما في بطني محررا ( قال كانت نذرت أن تجعله في الكنيسة يتعبد بها وكانت ترجو أن يكون ذكرا وأخرج ابن المنذر عنه قال نذرت أن تجعله محررا للعبادة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) محررا ( قال خادما للبيعة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال محررا خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم ( وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) وللحديث ألفاظ عن أبي هريرة هذا أحدها وروى من حديث غيره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه فقال أني لك هذا قالت هو من عند الله قال إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدا ) هنالك دعا زكريا ربه ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتاده قال كانت مريم أبنة سيدهم وإمامهم فتشاح عليها أحبارهم فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها وكان زكريا زوج أختها فكفلها وكانت عنده وحضنها وأخرج البيهقي في سننة عن أبن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) وكفلها زكريا ( قال جعلها معه في محرابه
آل عمران 38 44
آل عمران : ( 38 ) هنالك دعا زكريا . . . . .
قوله ) هنالك ( طرف يستعمل للزمان والمكان وأصله للمكان وقيل إنه للزمان خاصة وهناك للمكان وقيل يجوز استعمال كل واحد منهما مكان الآخر واللام للدلالة على البعد والكاف للخطاب والمعنى أنه دعا في ذلك المكان الذي هو قائم فيه عند مريم أو في ذلك الزمان أن يهب الله له ذرية طيبة والذي بعثه على ذلك


"""""" صفحة رقم 337 """"""
ما رآه من ولادة حنة لمريم وقد كانت عاقرا فحصل له رجاء الولد وإن كان كبيرا وامرأته عاقرا أو بعثه على ذلك ما رآه من فاكهة الشتاء في الصيف والصيف في الشتاء عند مريم لأن من أوجد ذلك في غير وقته يقدر على إيجاد الولد من العاقر وعلى هذا يكون هذا الكلام قصة مستأنفة سيقت في غضون قصة مريم لما بينهما من الارتباط والذرية النسل يكون للواحد ويكون للجمع ويدل على أنها هنا للواحد قوله ) فهب لي من لدنك وليا ( ولم يقل أولياء وتأنيث طيبة لكون لفظ الذرية مؤنثا
آل عمران : ( 39 ) فنادته الملائكة وهو . . . . .
قوله ) فنادته الملائكة ( قرأ حمزة والكسائي ? فناداه ? وبذلك قرأ ابن عباس وابن مسعود وقرأ الباقون ) فنادته الملائكة ( قيل المراد هنا جبريل والتعبير بلفظ الجمع عن الواحد جائز في العربية ومنه ) الذين قال لهم الناس ( وقيل ناداه جميع الملائكة وهو الظاهر من إسناد الفعل إلى الجمع والمعنى الحقيقي مقدم فلا يصار إلى المجاز إلا لقرينة قوله ) وهو قائم ( جملة حالية و ) يصلي في المحراب ( صفة لقوله ) قائم ( أو خبر ثان لقوله ) وهو ( قوله ) أن الله يبشرك ( قرىء بفتح أن والتقدير بأن الله وقرىء بكسرها على تقدير القول وقرأ أهل المدينة يبشرك بالتشديد وقرأ حمزة بالتخفيف وقرأ حميد بن قيس المكي بكسر الشين وضم حرف المضارعة قال الأخفش هي ثلاث لغات بمعنى واحد والقراءة الأولى هي التي وردت كثيرا في القرآن ومنه فبشر عبادى ) فبشره بمغفرة ( ) فبشرناها بإسحاق ( قالوا بشرناك بالحق وهي قراءة الجمهور والثانية لغة أهل تهامة وبها قرأ أيضا عبدالله بن مسعود والثالثة من أبشر يبشر إبشارا ويحيى ممتنع إما لكونه أعجميا أو لكون فيه وزن الفعل كيعمر مع العلمية قال القرطبي حاكيا عن النقاش كان اسمه في الكتاب الأول حنا انتهى والذي رأيناه في مواضع من الانجيل أنه يوحنا قيل سمى بذلك لأن الله أحياه بالإيمان والنبوة وقيل لأن الله أحيا به الناس بالهدى والمراد هنا التبشير بولادته أي يبشرك بولادة يحيى وقوله ) مصدقا بكلمة من الله ( أي بعيسى علية سلام وسمى كلمة الله لأنه كان بقوله سبحانه كن وقيل سمى كلمة الله لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بكلام الله وقال أبو عبيد معنى ) بكلمة من الله ( بكتاب من الله قال والعرب تقول أنشدني كلمته أي قصيدته كما روى أن الحويدرة ذكر لحسان فقال لعن الله كلمته يعني قصيدته أنتهى ويحيى أول من آمن بعيسى وصدق وكان أكبر من عيسى بثلاث سنين وقيل بست أشهر والسيد الذي يسود قومه قال الزجاج السيد الذي يفوق أقرانه في كل شيء من الخير والحصور أصله من الحصر وهو الحبس يقال حصرني الشيء وأحصرني إذا حبسني ومنه قوله الشاعر وما هجر ليلى أن تكون تباعدت
عليك ولا أن أحصرتك شغول
2
والحصور الذي لايأتي النساء كأنه يحجم عنهن كما يقال رجل حصور وحصير إذا حبس رفده ولم يخرجه فيحيى عليه السلام كان حصورا عن إتيان النساء أي محصورا إلا يأتيهن كغيرة من الرجال إما لعدم القدرة على ذلك أو لكونه يكف عنهن منعا لنفسه عن الشهوة مع القدرة وقد رجح الثاني بأن المقام مقام مدح وهو لا يكون إلا على أمر مكتسب يقدر فاعله على خلافه لا على ما كان من أصل الحلقة وفي نفس الجبلة وقوله ) من الصالحين ( أي ناشئا من الصالحين لكونه من نسل الأنبياء أو كائنا من جملة الصالحين كما في
آل عمران : ( 40 ) قال رب أنى . . . . .
قوله ) وإنه في الآخرة لمن الصالحين ( قال الزجاج الصالح الذي يؤدي لله ما افترض عليه وإلى الناس حقوقهم قوله ) قال رب أنى يكون لي غلام ( ظاهر هذا أن الخطاب منه لله سبحانه وإن كان الخطاب الواصل إليه هو بواسطة الملائكة وذلك لمزيد التضرع والجد في طلب الجواب عن سؤاله وقيل إنه أراد بالرب جبريل أي يا سيدي قيل وفي معنى هذا الاستفهام وجهان أحدهما أنه سأل هل يرزق هذا الولد من امرأته العاقر أو من


"""""" صفحة رقم 338 """"""
غيرها وقيل معناه بأي سبب استوجب هذا وأنا وامرأتي على هذه الحال والحاصل أنه استبعد حدوث الولد منهما مع كون العادة قاضية بأنه لا يحدث من مثلهما لأنه كان يوم التبشير كبيرا قيل في تسعين سنة وقيل ابن عشرين ومائة سنة وكانت إمرأته في ثمان وتسعين سنة ولذلك قال ) وقد بلغني الكبر ( أي والحال ذلك جعل الكبر كالطالب له لكونه طليعة من طلائع الموت فأسند الفعل إليه والعاقر التي لا تلد أي ذات عقر على النسب ولو كان على الفعل لقال عقيرة أي بها عقر يمنعها من الولد وإنما وقع منه هذا الاستفهام بعد دعائه بأن يهب الله له ذرية طيبة ومشاهدته لتلك الآية الكبرى في مريم استعظاما لقدرة الله سبحانه لا لمحض الاستبعاد وقيل إنه قد مر بعد دعائه إلى وقت يشاء ربه أربعون سنة وقيل عشرون سنة فكان الاستبعاد من هذه الحيثية قوله ) كذلك الله يفعل ما يشاء ( أي يفعل الله ما يشاء من الافعال العجيبة مثل ذلك الفعل وهو ايجاد الولد من الشيخ الكبير والمرأة العاقر والكاف في محل نصب نعتا لمصدر محذوف والاشارة إلى مصدر يفعل أو الكاف في محل رفع على أنها خبر أي على هذا الشأن العجيب شأن الله ويكون قوله ) يفعل ما يشاء ( بيانا له أو الكاف في محل نصب على الحال يفعل الله الفعل كائنا مثل ذلك
آل عمران : ( 41 ) قال رب اجعل . . . . .
قوله ) قال رب اجعل لي آية ( أي علامة أعرف بها صحة الحبل فأتلقى هذه النعمة بالشكر ) قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ( أي علامتك أن تحبس لسانك عن تكليم الناس ثلاثة أيام لا عن غيره من الأذكار ووجه جعل الآية هذا لتخلص تلك الأيام لذكر الله سبحانه شكرا على ما أنعم به عليه وقيل بأن ذلك عقوبة من الله سبحانه له بسبب سؤاله الآية بعد مشافهة الملائكة إياه حكاه القرطبي عن أكثر المفسرين والرمز في اللغة الإيماء بالشفتين أو العينين أو الحاجبين أو اليدين وأصله الحركة وهو استثناء منقطع لكون الرمز من غير جنس الكلام وقيل هو متصل على معنى أن الكلام ما حصل به الأفهام من لفظ أو إشارة أو كتابة وهو بعيد والصواب الأول وبه قال الأخفش والكسائي قوله ) وسبح ( أي سبحه ) بالعشي ( وهو جمع عشية وقيل هو واحد وهو من حين تزول الشمس إلى أن تغيب وقيل من العصر إلى ذهاب صدر الليل وهو ضعيف جدا و ) والابكار ( من طلوع الفجر إلى وقت الضحى وقيل المراد بالتسبيح الصلاة
آل عمران : ( 43 ) يا مريم اقنتي . . . . .
قوله ) إذ قالت الملائكة يا مريم ( الظرف متعلق بمحذوف كالظرف الأول ) إن الله اصطفاك ( اختارك ) وطهرك ( من الكفر أو من الأدناس على عمومها ) واصطفاك على نساء العالمين ( قيل هذا الاصطفاء الآخر غير الاصطفاء الأول فالأول هو حيث تقبلها بقبول حسن والآخر لولادة عيسى والمراد بالعالمين هنا قيل نساء عالم زمانها وهو الحو وقيل نساء جميع العالم إلى يوم القيامة واختاره الزجاج وقيل الاصطفاء الآخر تأكيد للاصطفاء الأول والمراد بهما جميعا واحد قوله ) يا مريم اقنتي لربك ( أي أطيلي القيام في الصلاة أو أديمي وقد تقدم الكلام على معاني القنوت وقدم السجود على الركوع لكونه أفضل أو لكون صلاتهم لا ترتيب فيها مع كون الواو مجرد الجمع بلا ترتيب وقوله ) واركعي مع الراكعين ( ظاهره ركوعها يكون مع ركوعهم فيدل على مشروعية صلاة الجماعة وقيل المعنى أنها تفعل مثل فعلهم وإن لم تصل معهم
آل عمران : ( 44 ) ذلك من أنباء . . . . .
والإشارة بقوله ? ذل ? إلى ما سبق من الأمور التي أخبره الله بها والوحي في اللغة الإعلام في خفاء يقال وحي وأوحى بمعنى قال ابن فارس الوحي الإشارة والكتابة والرسالة وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى تعلمه قوله ) وما كنت لديهم ( تحضرنهم يعني المتنازعين في تربية مريم وإنما نفي حضوره عندهم مع كونه معلوما لأنهم أنكروا الوحي ولما كان ذلك الإنكار صحيحا لم يبق طريق للعلم به إلا المشاهدة والحضور وهم لا يدعون ذلك فثبت كونه وحيا مع تسليمهم أنه ليس ممن يقرأ التوراة ولا ممن يلابس أهلها والأقلام جمع قلم من قلمه إذا قطعه أي أقلامهم


"""""" صفحة رقم 339 """"""
يكتبون بها وقيل قداحهم ) أيهم يكفل مريم ( أي يحضنها أي يلقون أقلامهم ليعلموا أيهم يكفلها وذلك عند اختصامهم في كفالتها فقال زكريا هو أحق بها لكون خالتها عنده وهي أشيع أخت حنة أم مريم وقال بنو إسرائيل نحن أحق بها لكونها بنت عالمنا فاقترعوا وجعلوا أقلامهم في الماء الجاري على أن من وقف قلمه ولم يجر مع الماء فهو صاحبها فجرت أقلامهم ووقف قلم زكريا وقد استدل بهذا من أثبت القرعة والخلاف في ذلك معروف وقد ثبتت أحاديث صحيحة في اعتبارها
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما رأى زكريا ذلك يعني فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف عند مريم قال إن الذي أتى بهذا مريم في غير زمانه قادر أن يرزقني ولدا فذلك حين دعا ربه وأخرج ابن عساكر عن الحسن نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ) ذرية طيبة ( يقول مباركة وأخرج ابن جرير عن عبدالرحمن بن أبي حماد قال في قراءة ابن مسعود فناداه جبريل وهو قائم يصلي في المحراب وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنه قال ) فنادته الملائكة ( أي جبريل وأخرج ابن المنذر عن السدي قال المحراب المصلي وقد أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن موسى الجهني قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا تزال أمتي بخير ما لم يتخذوا في مساجدهم مذابح كمذابح النصارى وقد رويت كراهة ذلك عن جماعة من الصحابة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال إنما سمي يحيى لأن الله أحياه بالإيمان وأخرجوا عن ابن عباس قال ) مصدقا بكلمة من الله ( قال عيسى ابن مريم هو الكلمة وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عنه قال كان يحيى وعيسى ابني الخالة وكانت أم يحيى تقول لمريم إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه بعيسى سجوده في بطن أمه وهو أول من صدق بعيسى وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وسيدا ( قال حليما تقيا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال السيد الكريم على الله وأخرج ابن جرير عن ابن المسيب قال السيد الفقيه العالم وأخرج عبدالرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وسيدا وحصورا ( قال السيد الحليم والحصور الذي لا يأتي النساء وأخرج أحمد في الزهد عن سعيد بن جبير في الحصور مثله وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الحصور الذي لا ينزل الماء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبدالله بن عمرو عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( كان ذكره مثل هدبة الثوب ) وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد من وجه آخر عن ابن عمرو موقوفا وهو أقوى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال اسم أم يحيى أشيع وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) اجعل لي آية ( قال بالحمل به وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ( قال إنما عوقب بذلك لأن الملائكة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بيحيى فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه فأخذ عليه بلسانه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا رمزا ( قال الرمز بالشفتين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال الرمز الإشارة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وسبح بالعشي والإبكار ( قال العشي ميل الشمس إلى أن تغيب والإبكار أول الفجر وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 340 """"""
وآله وسلم يقول ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفضل نساء العالمين خديجة وفاطمة ومريم وآسية إمرأة فرعون ) وأخرج ابن مردويه عن أنس مرفوعا نحوه وأخرج نحوه أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن حبان والحاكم من حديثه مرفوعا وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي موسى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كمل من الرجال كثير ولم يكتمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام ) وفي المعنى أحاديث كثيرة وكلها تفيد أن مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها لا نساء جميع العالم ويؤيده ماأخرجه ابن عساكر عن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أربع نسوة سادات نساء عالمهن مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وأفضلهن عالما فاطمة ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ( يا مريم اقنتى لربك ) قال أطيلى الركود يعنى القيام وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ) اقنتي لربك ( قال أخلصى وأخرج عن قتادة قال أطيعى ربك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم ) قال إن مريم لما وضعت في المسجد اقترع عليها أهل المصلى وهو يكتبون الوحي فاقترعوا بأقلامهم أيهم يكفلها قال الله لمحمد ( وما كنت لديهم ) الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة قال ألقوا أقلامهم في الماء فذهبت مع الجرية وصعد قلم زكريا فكفلها زكريا وأخرج ابن جرير عن الربيع نحوه وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وكذلك أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج ان الاقلام هي التي يكتبون بها التوراة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء أنها القداح
آل عمرآن 45 51


"""""" صفحة رقم 341 """"""
آل عمران : ( 45 ) إذ قالت الملائكة . . . . .
قوله ( إذ قالت ) بدل من قوله ( وإذ قالت ) المذكور قبله وما بينهما اعتراض وقيل بدل من ( إذ يختصمون ) وقيل منصوب بفعل مقدر وقيل بقوله ( يختصمون ) وقيل بقوله ( وما كنت لديهم ) والمسيح اختلف فيه مماذا أخذ فقيل من المسح لأنه مسح الأرض أي ذهب فيها فلم يستكن بكن وقيل إنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا بريء فسمى مسيحا فهو على هذين فعيل بمعنى فاعل وقيل لأنه كان يمسح بالدهن الذي كانت الأنبياء تمسح به وقيل لأنه كان ممسوح الأخمصين وقيل لأن الجمال مسحه وقيل لأنه مسح بالتطهير من الذنوب وهو على هذه الأربعة الأقوال فعيل بمعنى مفعول وقال أبو الهيثم المسيح ضد المسيخ بالخاء المعجمة وقال ابن الأعرابي المسيح الصديق وقال أبو عبيد أصله بالعبرانية مشيخا بالمعجمتين فعرب كما عرب موشى بموسى وأما الدجال فسمى مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين وقيل لأنه يمسح الأرض أي يطوف بلدانها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس وقوله ( عيسى ) عطف بيان أو بدل وهو اسم أعجمي وقيل هو عربي مشتق من عاسه يعوسه إذا ساسه قال في الكشاف هو معرب من أيشوع انتهى والذي رأيناه في الأنجيل في مواضع أن اسمه يشوع بدون همزة وإنما قيل ابن مريم مع كون الخطاب معها تنبيها على انه يولد من غير أب فنسب إلى أمه والوجيه ذو الوجاهة وهي القوة والمنعة ووجاهته في الدنيا النبوه وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة وهو منتصب على الحال من كلمة وإن كانت نكرة فهي موصوفة وكذلك قوله ( ومن المقربين ) في محل نصب على الحال قال الأخفش هو معطوف على وجيها
آل عمران : ( 46 ) ويكلم الناس في . . . . .
والمهد مضجع الصبي في رضاعه ومهدت الأمر هيأته ووطأته والكهل هو من كان بين سن الشباب والشيخوخة أي يكلم الناس حال كونه رضيعا في المهد وحال كونه كهلا بالوحي والرسالة قاله الزجاج وقال الأخفش والفراء إن كهلا معطوف على وجيها قال الأخفش ( ومن الصالحين ) عطف على وجيها أي هو من العباد الصالحين
آل عمران : ( 47 ) قالت رب أنى . . . . .
وقوله ( أني يكون لي ولد ) أي كيف يكون على طريقة الاستبعاد العادي ( ولم يمسسنى بشر ) جملة حالية أي والحال انه على حالة منافية للحالة المعتادة من كون له أب ( قال كذلك الله يخلق ما يشاء ) هو من كلام الله سبحانه وأصل القضاء الأحكام وقد تقدم وهو هنا الارادة أي إذا أرادا أمرا من الأمور ( فإنما يقول له كن فيكون ) من غير عمل ولا مزاولة وهو تمثيل لكمال قدرته
آل عمران : ( 48 ) ويعلمه الكتاب والحكمة . . . . .
قوله ( ويعلمه الكتاب ) قيل هو معطوف على يبشرك ) أي ان الله يبشرك وان الله يعلمه وقيل على ( يخلق ) أي وكذلك يعلمه الله أو كلام مبتدأ سيق تطييبا لقلبها والكتاب الكتابة والحكمة العلم وقيل تهذيب الأخلاق وانتصاب رسولا على تقدير ويجعله رسولا أو ويكلمهم رسولا أو وأرسلت رسولا وقيل هو معطوف على قوله ( وجيها ) فيكون حالا لأن فيه معنى النطق أي وناطقا
آل عمران : ( 49 ) ورسولا إلى بني . . . . .
قال الأخفش ان شئت جعلت الواو في قوله ورسولا مقحمة والرسول حالا وقوله ( اني قد جئتكم ) معمول لرسول لأن فيه معنى النطق كما مر وقيل أصله بأني قد جئتكم فحذف الجار وقيل منصوب بمضمر أي تقول اني قد جئتكم وقيل معطوف على الأحوال السابقة وقوله ( بآية ) في محل نصب على الحال أي متلبسا بعلامة كائنة ( من ربكم ) وقوله ( اني أخلق ) أي أصور وأقدر ( لكم من الطين كهيئة الطير ) وهذه الجملة بدل من الجملة الأولى وهي ( أني قد جئتكم ) أو بدل من آية أو خبر مبتدأ محذوف أي هي أني وقرىء بكسر الهمزة على الاستئناف وقرأ الأعرج وأبو جعفر كهيئة الطير بالتشديد والكاف في قوله ( كهيئة الطير ) نعت مصدر محذوف أي أخلق لكم خلقا أو شيئا مثل هيئة الطير وقوله ( فأنفخ فيه ) أي في ذلك الخلق أو ذلك الشيء فالضمير راجع إلى الكاف في قوله كهيئة الطير وقيل الضمير راجع إلى الطير أي الواحد منه وقيل إلى


"""""" صفحة رقم 342 """"""
الطين وقرىء فيكون طائرا وطيرا مثل تاجر وتجر وقيل انه لم يخلق غير الخفاش لما فيه من عجائب الصنعة فإن له ثديا وأسنانا وأذنا ويحيض ويطهر وقيل إنهم طلبوا خلق الخفاش لما فيه من العجائب المذكورة ولكونه يطير بغير ريش ويلد كما يلد سائر الحيوانات مع كونه من الطير ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل وإنما يرى في ساعتين بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة وهو يضحك كما يضحك الإنسان وقيل إن سؤالهم له كان على وجه التعنت قيل كان يطير ما دام الناس ينظرونه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الله من فعل غيره وقوله ( بإذن الله ) فيه دليل على انه لولا الإذن من الله عز وجل لم يقدر على ذلك وان خلق ذلك كان بفعل الله سبحانه أجراه على يد عيسى عليه السلام قيل كانت تسوية الطين والنفخ من عيسى والخلق من الله عز وجل قوله ( وأبرىء الاكمه ) الأكمه الذي يولد أعمى كذا قال أبو عبيدة وقال ابن فارس الكمه العمى يولد به الإنسان وقد يعرض يقال كمه يكمه كمها إذا عمى وكمهت عينه إذا أعميتها وقيل الأكمه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل وقيل هو الممسوح العين والبرص معروف وهو بياض يظهر في الجلد وقد كان عيسى عليه السلام يبرئ من أمراض عدة كما اشتمل عليه الإنجيل وإنما خص الله سبحانه هذين المرضين بالذكر لأنهما لا يبرآن في الغالب بالمداواة وكذلك إحياء الموتى قد اشتمل الأنجيل على قصص من ذلك قوله ( وأنبئكم بما تأكلون ) أي أخبركم بالذي تأكلونه وبالذي تدخرونه
آل عمران : ( 50 ) ومصدقا لما بين . . . . .
قوله ( ومصدقا ) عطف على قوله ورسولا وقيل المعنى وجئتكم مصدقا قوله ( ولأحل ) أي ولأجل ان أحل أي جئتكم بآية من ربكم وجئتكم لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم من الأطعمة في التوراة كالشحوم وكل ذي ظفر وقيل إنما أحل لهم ما حرمته عليهم الأحبار ولم تحرمه التوراة وقال أبو عبيدة يجوز أن يكون بعض بمعنى كل وأنشد تراك أمكنة إذا لم أرضها
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
قال القرطبي وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة لأن البعض والجزء لا يكونان بمعنى الكل ولأن عيسى لم يحلل لهم جميع ما حرمته عليهم التوراة فإنه لم يحلل القتل ولا السرق ولا الفاحشة وغير ذلك من المحرمات الثابتة في الإنجيل مع كونها ثابتة في التوراة وهي كثيرة يعرف ذلك من يعرف الكتابين ولكنه قد يقع البعض موقع الكل مع القرينة كقول الشاعر أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
حنانيك بعض الشر أهون من بعض
أي بعض الشر أهون من كله قوله ( بآية من ربكم ) هي قوله ( إن الله ربي وربكم ) وإنما كان ذلك آية لأن من قبله من الرسل كانوا يقولون ذلك فمجيئه بما جاءت به الرسل يكون علامة على نبوته ويحتمل ان تكون هذه الآية هي الآية المتقدمة فتكون تكريرا لقوله ( أني قد جئتكم بآية من ربكم اني أخلق لكم من الطين ) الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
و قد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( بكلمة ) قال عيسى هو الكلمة من الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المهد مضجع الصبي في رضاعه وقد ثبت في الصحيح انه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة عيسى وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلى فجاءته أمه فدعته فقال أجيبها أو أصلى فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات وكان جريج في صومعة فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى فأتت راعيا فأمكنته من نفسها فولدت غلاما فقالت من جريج فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام قال الراعي قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين وكانت امرأة من بني إسرائيل ترضع ابنا لها فمر بها رجل


"""""" صفحة رقم 343 """"""
راكب ذو شارة فقالت اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديها يمصه ثم مر بأمة تجرجر ويلعب بها فقالت اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها فقال اللهم اجعلني مثلها فقالت لم ذاك فقال الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأمة يقولون لها زنيت وتقول حسبي الله ونعم الوكيل ويقولون سرقت وتقول حسبي الله وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لم يتكلم في المهد إلا عيسى وشاهد يوسف وصاحب جريج وابن ماشطة فرعون ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ويكلم الناس في المهد وكهلا ( قال يكلمهم صغيرا وكبيرا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الكهل هو من في سن الكهولة وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال الكهل الحليم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ويعلمه الكتاب ( قال الخط بالقلم وأخرج ابن جرير عن ابن جرير نحوه وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال إنما خلق عيسى طائرا واحدا وهو الخفاش وأخرج ابن جريج وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال الأكمه الذي يولد أعمى وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال الأكمه الأعمى الممسوح العينين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عن مجاهد قال الأكمه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل وأخرجوا عن عكرمة قالوا الأكمه الأعمش وأخرج أحمد في الزهد عن خالد الحذاء قال كان عيسى ابن مريم إذا سرح رسله يحيون الموتى يقول لهم قولوا كذا فإذا وجدتم قشعريرة ودمعة فادعوا عند ذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وأنبئكم بما تأكلون ( قال بما أكلتم البارحة من طعام وما خبأتم منه وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمار بن ياسر قال ) وأنبئكم بما تأكلون ( من المائدة ) وما تدخرون ( منها وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا فأكلوا وادخروا وخانوا فجعلوا قردة وخنازير وأخرج ابن جرير عن وهب أن عيسى كان على شريعة موسى وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس وقال لبني إسرائيل إني لمن أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلا لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وأضع عنكم من الآصار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى وكان قد حرم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والثروب فأحلها لهم على لسان عيسى وحرم عليهم الشحوم فأحلت لهم فيما جاء به عيسى وفي أشياء من السمك وفي أشياء من الطير وفي أشياء أخر حرمها عليهم وشدد عليهم فيها فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وجئتكم بآية من ربكم ( قال ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها وما أعطاه ربه
آل عمران 52 58


"""""" صفحة رقم 344 """"""
آل عمران : ( 52 ) فلما أحس عيسى . . . . .
قوله ) فلما أحس ( أي علم ووجد قاله الزجاج وقال أبو عبيدة معنى أحس عرف وأصل ذلك وجود الشيء بالحاسة والإحساس العلم بالشيء قال الله تعالى ) هل تحس منهم من أحد ( والمراد بالإحساس هنا الإدراك القوي الجاري مجرى المشاهدة وبالكفر إصرارهم عليه وقيل سمع منهم كلمة الكفر وقال الفراء أرادوا قتله وعلى هذا فمعنى الآية فلما أدرك منهم عيسى إرادة قتله التي هي كفر قال من أنصاري إلى الله الأنصار جمع نصير وقوله ) إلى الله ( متعلق محذوف وقع حالا أي متوجها إلى الله أو ملتجئا إليه أو ذاهبا إليه وقيل إلى بمعنى مع كقوله تعالى ) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( وقيل المعنى من أنصاري في السبيل إلى الله وقيل المعنى من يضم نصرته إلى نصرة الله والحواريون جمع حواري وحواري الرجل صفوته وخلاصته وهو مأخذو من الحور وهو البياض عند أهل اللغة حورت الثياب بيضتها والحواري من الطعام ما حور أي بيض والحواري أيضا الناصر ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لكل نبي حواري وحواريي الزبير ) وهو في البخاري وغيره وقد اختلف في سبب تسميتهم بذلك فقيل لبياض ثيابهم وقيل لخلوص نياتهم وقيل لأنهم خاصة الأنبياء وكانوا اثنى عشر رجلا ومعنى أنصار الله أنصار دينه ورسله وقوله ) آمنا بالله ( استئناف جار مجرى العلة لما قبله فإن الإيمان يبعث على النصرة قوله ) واشهد بأنا مسلمون ( أي اشهد لنا يوم القيامة بأنا مخلصون لإيماننا منقادون لما تريد منا
آل عمران : ( 53 ) ربنا آمنا بما . . . . .
ومعنى ) بما أنزلت ( ما أنزله الله سبحانه في كتبه والرسول عيسى وحذف المتعلق مشعر بالتعميم أي اتبعناه في كل ما يأتي به فاكتبنا مع الشاهدين لك بالوحدانية ولرسولك بالرسالة أو اكتبنا مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم وقيل مع أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
آل عمران : ( 54 ) ومكروا ومكر الله . . . . .
قوله ) مكروا ( أي الذين أحس عيسى منهم الكفر وهم كفار بني إسرائيل ومكر الله استدراجه للعباد من حيث لا يعلمون قاله الفراء وغيره وقال الزجاج مكر الله مجازاتهم على مكرهم فسمى الجزاء باسم الابتداء كقوله تعالى ) الله يستهزئ بهم ( ) وهو خادعهم ( واصل المكر في اللغة الاغتيال والخدع حكاه ابن فارس وعلى هذا فلا يسند إلى الله سبحانه إلا على طريق المشاكلة وقيل مكر الله هنا إلقاء شبه عيسى على غيره ورفع عيسى إليه ) والله خير الماكرين ( أي أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقواهم على إيصال الضرر بمن يريد إيصاله به من حيث لا يحتسب
آل عمران : ( 55 ) إذ قال الله . . . . .
قوله ) إذ قال الله يا عيسى ( العامل في إذ مكروا أو قوله ) خير الماكرين ( أو فعل مضمر تقديره وقع ذلك وقال الفراء إن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره إني رافعك ومطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالك من السماء وقال أبو زيد متوفيك قابضك وقال في الكشاف مستوفى أجلك ومعناه إني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخر أجلك إلى أجل كتبته لك ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم وإنما إحتاج المفسرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر لأن الصحيح أن الله رفعه إلى السماء من غير وفاة كما رجحه كثير من المفسرين واختاره ابن جرير الطبري ووجه ذلك أنه قد صح في الأخبار عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نزوله وقتله الدجال


"""""" صفحة رقم 345 """"""
وقيل إن الله سبحانه توفاه ثلاث ساعات من نهار ثم رفعه إلى السماء وفيه ضعف وقيل المراد بالوفاة هنا النوم ومثله ) وهو الذي يتوفاكم بالليل ( أي ينيمكم وبه قال كثيرون قوله ) ومطهرك من الذين كفروا ( أي من حيث جوازهم برفعه إلى السماء وبعده عنهم قوله ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ( أي الذين اتبعوا ما جئت به وهم خلص أصحابه الذين لم يبلغوا في الغلو فيه إلى ما بلغ من جعله إلها ومنهم المسلمون فإنهم اتبعوا ما جاء به عيسى عليه السلام ووصفوه بما يستحقه من دون غلو فلم يفرطوا في وصفه كما فرطت اليهود ولا أفرطوا كما أفرطت النصارى وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم وقيل المراد بالآية أن النصارى الذين هم أتباع عيسى لا يزالون ظاهرين على اليهود غالبين لهم قاهرين لمن وجد منهم فيكون المراد بالذين كفروا هم اليهود خاصة وقيل هم الروم لا يزالون ظاهرين على من خالفهم من الكافرين وقيل هم الحواريون لا يزالون ظاهرين على من كفر بالمسيح وعلى كل حال فغلبة النصارى لطائفة من الكفار أو لكل طوائف الكفار لا ينافي كونهم مقهورين مغلوبين بطوائف المسلمين كما تفيده الآيات الكثيرة بأن هذه الملة الإسلامية ظاهرة على كل الملل قاهرة لها مستعلية عليها وقد أفردت هذه الآية بمؤلف سميته ( وبل الغمامة في تفسير ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ( ) فمن رام استيفاء ما في المقام فليرجع إلى ذلك والفوقية هنا هي أعم من أن تكون بالسيف أو بالحجة وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويحكم بين العباد بالشريعة المحمدية ويكون المسلمون أنصاره وأتباعه إذ ذاك فلا يبعد أن يكون في هذه الآية إشارة إلى هذه الحالة قوله ) ثم إلي مرجعكم ( أي رجوعكم وتقديم الظرف للقصر ) فأحكم بينكم ( يومئذ ) فيما كنتم فيه تختلفون ( من أمور الدين
آل عمران : ( 56 ) فأما الذين كفروا . . . . .
وقوله ) فأما الذين كفروا ( إلى قوله ) والله لا يحب الظالمين ( تفسير للحكم قوله ) في الدنيا والآخرة ( متعلق بقوله فأعذبهم أما تعذيبهم في الدنيا فبالقتل والسبي والجزية والصغار وأما في الآخرة فبعذاب النار
آل عمران : ( 57 ) وأما الذين آمنوا . . . . .
قوله ) فيوفيهم أجورهم ( أي نعطيهم إياها كاملة موفرة قرىء بالتحتية وبالنون وقوله ) لا يحب الظالمين ( كناية عن بغضهم وهي جملة تذييلية مقررة لما قبلها
آل عمران : ( 58 ) ذلك نتلوه عليك . . . . .
قوله ) ذلك ( إشارة إلى ما سلف من نبأ عيسى وغيره وهو مبتدأ خبره ما بعده و ) من الآيات ( حال أو خبر بعد خبر والحكيم المشتمل على الحكم أو المحكم الذي لا خلل فيه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي جريج في قوله ) فلما أحس عيسى منهم الكفر ( قال كفروا وأرادوا قتله فذلك حين استنصر قومه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إنما سموا الحواريين لبياض ثيابهم كانوا صيادين وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال الحواريون قصارون مر بهم عيسى فأمنوا به واخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال هم أصفياء الأنبياء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن حاتم عن قتادة قال الحواريون هم الذين تصلح لهم الخلافة وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال هم أصفياء الأنبياء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك مثله وأخرج عبدالرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة قال الحواري الوزير وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال الحواري الناصر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) فاكتبنا مع الشاهدين ( قال مع محمد وأمته أنهم شهدوا له أنه قد بلغ وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه قال ) مع الشاهدين ( مع أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن السدي قال إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلا من الحواريين في بيت فقال عيسى لأصحابه من يأخذ


"""""" صفحة رقم 346 """"""
صورتي فيقتل وله الجنة فأخذها رجل منهم وصعد بعيسى إلى السماء فذلك قوله ) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إني متوفيك ( يقول مميتك وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال متوفيك من الأرض وأخرج الآخران عنه قال وفاة المنام وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال هذا من المقدم والمؤخر أي رافعك إلي ومتوفيك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مطر الوراق قال متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب قال توفى الله عيسى ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه إليه وأخرج ابن عساكر عنه قال أماته ثلاثة أيام ثم بعثه ورفعه وأخرج الحاكم عنه قال توفي الله عيسى سبع ساعات وأخرج ابن سعد وأحمد في الزهد والحاكم عن سعيد بن المسيب قال رفع عيسى وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وأخرج ابن عساكر عن وهب مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله تعالى ) ومطهرك من الذين كفروا ( قال طهره من اليهود والنصارى والمجوس ومن كفار قومه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا ( قال هم أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته وأخرج ابن جرير عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه أيضا وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن النعمان ابن بشير سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يبالون بمن خالفهم حتى يأتي أمر الله ) قال النعمان من قال إني أقول على رسول الله ما لم يقل فإن تصديق ذلك في كتاب الله قال الله ) وجاعل الذين اتبعوك ( الآية وأخرج ابن عساكر عن معاوية مرفوعا نحوه ثم قرأ معاوية الآية وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال النصارى فوق اليهود إلى يوم القيامة وليس بلد فيه أحد من النصارى إلا وهم فوق اليهود في شرق ولا غرب هم في البلدان كلها مستذلون
آل عمران 59 63
آل عمران : ( 59 ) إن مثل عيسى . . . . .
تشبيه عيسى بآدم في كونه مخلوقا من غير أب كآدم ولا يقدح في التشبيه اشتمال المشبه به على زيادة وهو كونه لا أم له كما أنه لا أب له فذلك أمر خارج عن الأمر المراد بالتشبيه وإن كان المشبه به أشد غرابة من المشبه وأعظم عجبا وأغرب أسلوبا وقوله ) خلقه من تراب ( جملة مفسرة لما أبهم في المثل أي أن آدم لم يكن له أب ولا أم بل خلقه الله من تراب وفي ذلك دفع لإنكار من أنكر خلق عيسى من غير أب مع اعترافه بأن آدم خلق من غير أب ولا أم قوله ) ثم قال له كن فيكون ( أي كن بشرا فكان بشرا وقوله ) فيكون ( حكاية حال ماضية وقد تقدم تفسير هذا
آل عمران : ( 60 ) الحق من ربك . . . . .
وقوله ) الحق من ربك ( قال الفراء هو مرفوع بإضمار هو وقال أبو عبيدة هو استئناف كلام وخبره قوله ) من ربك ( وقيل هو فاعل فعل محذوف أي جاءك الحق من ربك قوله ) فلا تكونن من الممترين (


"""""" صفحة رقم 347 """"""
الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس أي لا يمكن أحد منكم ممتريا أو للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ويكون النهي له لزيادة التثبيت لأنه لا يكون منه شك في ذلك
آل عمران : ( 61 ) فمن حاجك فيه . . . . .
قوله ) فمن حاجك فيه ( هذا وإن كان عاما فالمراد به الخاص وهم النصارى الذين وفدوا إليه ( صلى الله عليه وسلم ) من نجران كما سيأتي بيانه ويمكن أن يقال هو على عمومه وإن كان السبب خاصا فيدل على جواز المباهلة منه ( صلى الله عليه وسلم ) لكل من حاجة في عيسى عليه السلام وأمته أسوته وضمير فيه لعيسى والمراد بمجيء العلم هنا مجيء سببه وهو الآيات البينات والمحاجة المخاصمة والمجادلة وقوله ) تعالوا ( أي هلموا وأقبلوا وأصله الطلب لإقبال الذوات ويستعمل في الرأي إذا كان المخاطب حاضرا كما تقول لمن هو حاضر عندك تعال ننظر في هذا الأمر قوله ) ندع أبناءنا ( إلخ اكتفى بذكر البنين عن البنات إما لدخولهن في النساء أو لكونهم الذين يحضرون مواقف الخصام دونهن ومعنى الآية ليدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة وفيه دليل على أن أبناء البنات يسمون أبناء لكونه ( صلى الله عليه وسلم ) أراد بالأبناء الحسنين كما سيأتي قوله ) نبتهل ( أصل الابتهال الاجتهاد في الدعاء باللعن وغيره يقال بهله الله أي لعنه والبهل اللعن قال أبو عبيد والكسائي نبتهل نلتعن ويطلق على الاجتهاد في الهلاك ومنه قول لبيد في كهول سادة من قومه
نظر الدهر إليهم فابتهل
أي فاجتهد في هلاكهم قال في الكشاف ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا قوله ) فنجعل لعنة الله على الكاذبين ( عطف على نبتهل مبين لمعناه
آل عمران : ( 62 ) إن هذا لهو . . . . .
قوله ) إن هذا ( أي الذي قصه الله على رسوله من نبأ عيسى ) لهو القصص الحق ( القصص التتابع يقال فلان يقص أثر فلان أي يتبعه فأطلق على الكلام الذي يتبع بعضه بعضا وضمير الفصل للحصر ودخول اللام عليه لزيادة تأكيده ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده خبره وزيادة من في قوله ) من إله ( لتأكيد العموم وهو رد على من قال بالتثليث من النصارى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث حذيفة أن العاقب والسيد أتيا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه لا نلاعنه فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح أبدا نحن ولا عقبنا من بعدنا فقالوا له نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا فقال قم يا أبا عبيدة فلما قام قال هذا أمين هذه الأمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أن رهطا من أهل نجران قدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا ما شأنك تذكر صاحبنا قال من هو قالوا عيسى تزعم أنه عبدالله قالوا فهل رأيت مثل عيسى وأنبئت به ثم خرجوا من عنده فجاء جبريل فقال قل لهم إذا أتوك ) إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ( إلى آخر الآية وقد رويت هذه القصة على وجوه عن جماعة من التابعين وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال قدم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) العاقب والسيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا أسلمنا يا محمد فقال كذبتما إن شئتما أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام قالا فهات قال حب الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير قال جابر فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على الغد فغدا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له فقال والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا قال جابر فيهم نزلت ) تعالوا ندع أبناءنا ( الآية قال جابر ) وأنفسنا وأنفسكم ( رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلي وأبناءنا الحسن والحسين ونساءنا فاطمة ورواه أيضا الحاكم من وجه آخر


"""""" صفحة رقم 348 """"""
عن جابر وصححه وفيه أنهم قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) هل لك أن نلاعنك وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص قال لما نزلت هذه الآية ) قل تعالوا ( دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه ) تعالوا ندع أبناءنا ( الآية قال فجاء بأبي بكر وولده وبعمر وولده وبعثمان وولده وبعلي وولده وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن ابن عباس ) ثم نبتهل ( نجتهد وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال هذا الإخلاص يشير بأصبعه التي تلي الإبهام وهذا الدعاء فرفع يديه حذو منكبيه وهذا الابتهال فرفع يديه مدا
آل عمران 64
آل عمران : ( 64 ) قل يا أهل . . . . .
قيل الخطاب لأهل نجران بدليل ما تقدم قبل هذه الآية وقيل ليهود المدينة وقيل لليهود والنصارى جميعا وهو ظاهر النظم القرآني ولا وجه لتخصيصه بالبعض لأن هذه دعوة عامة لا تختص بأولئك الذين حاجوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والسواء العدل قال الفراء يقال في المعنى العدل سوى وسواء فإذا فتحت السين مددت وإذا ضممت أو كسرت قصرت قال زهير أروى خطة لا ضيم فيها
يروى نبتها فيها السواء
وفي قراءة ابن مسعود ( إلى كلمة عدل بيننا وبينكم فالمعنى أقبلوا إلى ما دعيتم إليه وهي الكلمة العادلة المستقيمة التي ليس فيها ميل عن الحق وقد فسرها بقوله ) ألا نعبد إلا الله ( وهو في موضع خفض على البدل من كلمة أو رفع على إضمار مبتدإ أي هي لا نعبد ويجوز أن تكون أن مفسرة لا موضع للجملة التي دخلت عليها وفي قوله ) ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا ( تبكيت لمن اعتقد ربوبية المسيح وعزير وإشارة إلى أن هؤلاء من جنس البشر وبعض منهم وإزراء على من قلد الرجال في دين الله فحلل ما حللوه له وحرم ما حرموه عليه فإن من فعل ذلك فقد اتخذ من قلده ربا ومنه ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( وقد جوز الكسائي والفراء الجزم في ( ولا نشرك ) و ( ولا يتخذ ) على التوهم قوله ) فإن تولوا ( أي أعرضوا عما دعوا إليه ) فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( أي منقادون لأحكامه مرتضون به معترفون بما أنعم الله به علينا من هذا الدين القويم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس قال حدثني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأه فإذا فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلى قوله بأنا مسلمون ) وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الكفار ( تعالوا إلى كلمة ) الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال بلغني أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعا يهود المدينة إلى ما في هذه الآية فأبوا عليه فجاهدهم حتى أقروا بالجزية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء وأخرج ابن جرير عن


"""""" صفحة رقم 349 """"""
الربيع نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) إلى كلمة سواء ( قال عدل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا ( قال لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله ويقال إن تلك الربوبية أن يطيع الناس سادتهم وقادتهم في غير عبادة وإن لم يصلوا لهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا ( قال سجود بعضنا لبعض
آل عمران 65 68
آل عمران : ( 65 ) يا أهل الكتاب . . . . .
لما ادعت كل واحدة من طائفتي اليهود والنصارى أن إبراهيم عليه السلام كان على دينهم رد الله سبحانه ذلك عليهم وأبان بأن الملة اليهودية والملة النصرانية إنما كانتا من بعده قال الزجاج هذه الآية أبين حجة على اليهود والنصارى أن التوراة والإنجيل نزلا من بعده وليس فيهما اسم لواحد من الأديان واسم الإسلام في كل كتاب انتهى وفيه نظر فإن الإنجيل مشحون بالآيات من التوراة وذكر شريعة موسى والاحتجاج بها على اليهود وكذلك الزبور فيه في مواضع ذكر شريعة موسى وفي أوائله التبشير بعيسى ثم في التوراة ذكر كثير من الشرائع المتقدمة يعرف هذا كل من عرف هذه الكتب المنزلة وقد اختلف في قدر المدة التي بين إبراهيم وموسى والمدة التي بين موسى وعيسى قال القرطبي يقال كان بين إبراهيم وموسى ألف سنة وبين موسى وعيسى ألفا سنة وكذا في الكشاف قوله ) أفلا تعقلون ( أي تتفكرون في دحوض حجتكم وبطلان قولكم
آل عمران : ( 66 ) ها أنتم هؤلاء . . . . .
قوله ) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ( الأصل في ها أنتم أأنتم أبدلت الهمزة الأولى هاء لأنها أختها كذا قال أبو عمرو بن العلاء والأخفش قال النحاس وهذا قول حسن وقرأ قنبل ? هانتم ? وقيل الهاء للتنبيه دخلت على الجملة التي بعدها أي ها أنتم هؤلاء الرجال الحمقى حاججتم وفي هؤلاء لغتان المد والقصر والمراد بما لهم به علم هو ما كان في التوراة وإن خالفوا مقتضاه وجادلوا فيه بالباطل والذي لا علم لهم به هو زعمهم أن إبراهيم كان على دينهم لجهلهم بالزمن الذي كان فيه وفي الآية دليل على منع الجدال بالباطل بل ورد الترغيب في ترك الجدال من المحق كما في حديث من ترك المراء ولو محقا فأنا ضمينه على الله ببيت في ربض الجنة ) وقد ورد تسويغ الجدال بالتي هي أحسن لقوله تعالى ) وجادلهم بالتي هي أحسن ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ونحو ذلك فينبغي أن يقصر جوازه على المواطن التي تكون المصلحة في فعله أكثر من المفسدة أو على المواطن التي المجادلة فيها بالمحاسنة لا بالمخاشنة قوله ) والله يعلم ( أي كل شيء فيدخل في ذلك ما حاججوا به
آل عمران : ( 67 ) ما كان إبراهيم . . . . .
وقد تقدم تفسير الحنيف
آل عمران : ( 68 ) إن أولى الناس . . . . .
قوله ) إن أولى الناس ( أي أحقهم به وأخصهم للذين اتبعوا ملته واقتدوا بدينه ) وهذا النبي ( يعني محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أفرده بالذكر تعظيما له وتشريفا وأولويته ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 350 """"""
بإبراهيم من جهة كونه من ذريته ومن جهى موافقته لدينه في كثير من الشريعة المحمدية ) والذين آمنوا ( من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتنازعوا عنده فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى ما كان إبراهيم إلا نصرانيا فنزل فيهم ) يا أهل الكتاب لم تحاجون ( الآية وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية ) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ( يقول فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم ) فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ( يقول فيما لم تشهدوا ولم تروا ولم تعاينوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال أما الذي لهم به علم فما حرم عليهم وما أمروا به وأما الذي ليس لهم به علم فشأن إبراهيم وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال يعذر من حاج بعلم ولا يعذر من حاج بالجهل وأخرج ابن جرير عنه عن الشعبي في قوله ) ما كان إبراهيم ( قال أكناهم الله وأدحض حجتهم وأخرج أيضا عن الربيع مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان نحوه وأخرج عبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب حدثني ابن غنم أنه لما خرج أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى النجاشي فذكر قصتهم معه وما قالوه له لما قال له عمرو بن العاص إنهم يشتمون عيسى وهي قصة مشهورة ثم قال فأنزلت ذلك اليوم خصومتهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بالمدينة ) إن أولى الناس بإبراهيم ( الآية وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي خليل ربي ثم قرأ ) إن أولى الناس ( الآية ) وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم بن ميناء أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يا معشر قريش إن أولى الناس بالنبي المتقون فكونوا أنتم سبيل ذلك فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال وتلقوني بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي ثم قرأ عليهم ) إن أولى الناس بإبراهيم ( الآية ) وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال كل مؤمن ولي إبراهيم ممن مضى وممن بقي
آل عمران 69 74


"""""" صفحة رقم 351 """"""
آل عمران : ( 69 ) ودت طائفة من . . . . .
الطائفة من أهل الكتاب هم يهود بني النضير وقريظة وبني قينقاع حين دعوا جماعة من المسلمين إلى دينهم وسيأتي وقيل هم جميع أهل الكتاب فتكون ( من ) لبيان الجنس وقوله ) وما يضلون إلا أنفسهم ( جملة حالية للدلالة على ثبوت قدم المؤمنين في الإيمان فلا يعود وبال من أراد فتنتهم إلا عليه
آل عمران : ( 70 ) يا أهل الكتاب . . . . .
والمراد بآيات الله ما في كتبهم من دلائل نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( وأنتم تشهدون ما في كتبكم في ذلك أو تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء الذين تقرون بنبوتهم أو المراد كتم كل الآيات عنادا وأنتم تعلمون أنها حق
آل عمران : ( 71 ) يا أهل الكتاب . . . . .
ولبس الحق بالباطل خلطه بما يتعمدونه من التحريف ) وأنتم تعلمون ( جملة حالية
آل عمران : ( 72 ) وقالت طائفة من . . . . .
قوله ) وقالت طائفة من أهل الكتاب ( هم رؤساؤهم وأشرافهم قالوا للسفلة من قومهم هذه المقالة ووجه النهار أوله وسمي وجها لأنه أحسنه قال وتضيء في وجه النهار منيرة
كجمانة البحري سل نظامها
وهو منصوب على الظرف أمروهم بذلك لإدخال الشك على المؤمنين لكونهم يعتقدون أن أهل الكتاب لديهم علم فإذا كفروا بعد الإيمان وقع الريب لغيرهم واعتراه الشك وهم لا يعلمون أن الله قد ثبت قلوب المؤمنين ومكن أقدامهم فلا تزلزلهم أراجيف أعداء الله ولا تحركهم ريح المعاندين
آل عمران : ( 73 ) ولا تؤمنوا إلا . . . . .
قوله ) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ( هذا من كلام اليهود بعضهم لبعض أي قال ذلك الرؤساء للسفلة لا تصدقوا تصديقا صحيحا إلا لمن تبع دينكم من أهل الملة التي أنتم عليها وأما غيرهم ممن قد أسلم فأظهروا لهم ذلك خداعا ) وجه النهار واكفروا آخره ( ليفتتنوا ويكون قوله ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( على هذا متعلقا بمحذوف أي فعلتم ذلك لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يعني أن ما بكم من الحسد والبغي أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم وقوله ) أو يحاجوكم ( معطوف على أن يؤتى أي لا تؤمنوا إيمانا صحيحا وتقروا بما في صدوركم إقرارا صادقا لغير من تبع دينكم فعلتم ذلك ودبرتموه أن المسلمين يحاجوكم يوم القيامة عند الله بالحق وقوله ) إن الهدى هدى الله ( جملة اعتراضية وقال الأخفش المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولا تصدقوا أن يحاجوكم فذهب إلى أنه معطوف وقيل المراد لا تؤمنوا وجه النهار وتكفروا آخره إلا لمن تبع دينكم أي لمن دخل في الإسلام وكان من أهل دينكم قبل إسلامه لأن إسلام من كان منهم هو الذي قتلهم غيظا وأماتهم حسرة وأسفا ويكون قوله ) أن يؤتى ( على هذا متعلقا محذوف كالأول وقيل إن قوله ) أن يؤتى ( متعلق بقوله ) لا تؤمنوا ( أي لا تظهروا إيمانكم ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( أي أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا لأتباع دينكم وقيل المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بالمد على الاستفهام تأكيدا للإنكار الذي قالوه أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتوا فتكون على هذا أن وما بعدها في محل رفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره تصدقون بذلك ويجوز أن تكون في محل نصب على إضمار فعل تقديره تقرون أن يؤتى وقد قرأ ( آن يؤتى ) بالمد ابن كثير وابن محيصن وحميد وقال الخليل أن في موضع خفض والخافض محذوف وقال ابن جريج المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى وقيل المعنى لا نخبروا بما في كتابكم صفة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلا من تبع دينكم لئلا يكون ذلك سببا لإيمان غيرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال الفراء يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله ) إلا لمن تبع دينكم ( ثم قال لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) قل إن الهدى هدى الله ( أي إن البيان الحق بيان الله أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم على تقدير لا كقوله تعالى ) يبين الله لكم أن تضلوا ( أي لئلا تضلوا و ( أو ) في قوله ) أو يحاجوكم ( بمعنى حتى وكذلك قال الكسائي وهي عند الأخفش عاطفة كما


"""""" صفحة رقم 352 """"""
تقدم وقيل إن هدى الله بدل من الهدى وأن يؤتى خبر إن على معنى قل إن هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وقد قيل إن هذه الآية أعظم آي هذه السورة إشكالا وذلك صحيح وقرأ الحسن يؤتي بكسر التاء الفوقية وقرأ سعيد ابن جبير إن يؤتى بكسر الهمزة على أنها النافية
آل عمران : ( 74 ) يختص برحمته من . . . . .
وقوله ) يختص برحمته من يشاء ( قيل هي النبوة وقيل أعم منها وهو رد عليهم ودفع لما قالوه ودبروه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سفيان قال كل شيء في آل عمران من ذكر أهل الكتاب فهو في النصارى ويدفع هذا أن كثيرا من خطابات أهل الكتاب المذكورة في هذه السورة لا يصح حملها على النصارى ألبتة ومن ذلك هذه الآيات التي نحن بصدد تفسيرها فإن الطائفة التي ودت إضلال المسلمين وكذلك الطائفة القائلة ) آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ( هي من اليهود خاصة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ( قال تشهدون أن نعت نبي الله محمد في كتابكم ثم تكفرون به وتنكرونه ولا تؤمنون به وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل النبي الأمي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع مثله وأخرجا أيضا عن السدي نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج ) وأنتم تشهدون ( على أن الدين عند الله الإسلام ليس لله دين غيره وأخرجا عن الربيع في قوله ) لم تلبسون الحق بالباطل ( يقول لم تخلطون اليهودية والنصرانية بالإسلام وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره الإسلام ) وتكتمون الحق ( يقول تكتمون شأن محمد وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال عبدالله بن الصيف وعدي بن زيد والحارث بن عوف بعضهم لبعض تعالوا نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدوة ونكفر به عشية حتى نلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع فيرجعون عن دينهم فأنزل الله فيهم ) يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل ( إلى قوله ) والله واسع عليم ( وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله ) وقالت طائفة ( الآية قال كانوا يكونون معهم أول النهار ويجالسونهم ويكلمونهم فإذا أمسوا وحضرت الصلاة كفروا به وتركوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ( قال هذا قول بعضهم لبعض وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج أيضا عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( حسدا من يهود أن تكون النبوة في غيرهم وإرادة أن يتابعوا على دينهم وأخرج عبد بن حميد وابن لمنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك وسعيد بن جبير ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( قال أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( يا أمة محمد ) أو يحاجوكم عند ربكم ( يقول اليهود فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة حتى أنزل علينا المن والسلوى فإن الذي أعطيتكم أفضل فقولوا ) قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( يقول لما أنزل الله كتابا مثل كتابكم وبعث نبيا كنبيكم حسدتموه على ذلك ) قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ( وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ) قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( يقول هذا الأمر الذي أنعم الله عليه ) أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم ( قال قال بعضهم لبعض لا تخبروهم بما بين الله لكم في كتابه ) ليحاجوكم ( قال


"""""" صفحة رقم 353 """"""
ليخاصموكم ) به عند ربكم ( فتكون لهم حجة عليكم ) قل إن الفضل بيد الله ( قال الإسلام ) يختص برحمته من يشاء ( قال القرآن والإسلام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) يختص برحمته من يشاء ( قال النبوة وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال رحمته الإسلام يختص بها من يشاء
آل عمران 75 77
آل عمران : ( 75 ) ومن أهل الكتاب . . . . .
هذا شروع في بيان خيانة اليهود في المال بعد بيان خيانتهم في الدين والجار والمجرور في قوله ) ومن أهل الكتاب ( في محل رفع على الابتداء على ما مر في قوله ) ومن الناس من يقول ( وقد تقدم تفسير القنطار وقوله ) تأمنه ( هذه قراءة الجمهور وقرأ ابن وثاب والأشهب العقيلي ? تيمنه ? بكسر التاء الفوقية على لغة بكر وتميم ومثله قراءة من قرأ ) نستعين ( بكسر النون وقرأ نافع والكسائي ) يؤده ( بكسر الهاء في الدرج قال أبو عبيد واتفق أبو عمرو والأعمش وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر على إسكان الهاء قال النحاس إسكان الهاء لا يجوز إلا في الشعر عند بعض النحويين وبعضهم لا يجيزه ألبتة ويرى أنه غلط من قرأ به ويوهم أن الجزم يقع على الهاء وأبو عمرو أجل من أن يجوز عليه شيء من هذا والصحيح عنه أنه كان يكسر الهاء وقال الفراء مذهب بعض العرب يسكنون الهاء إذا تحرك ما قبلها فيقولون ضربنه ضربا شديدا كما يسكنون ميم أنتم وقمتم وأنشد لما رأى أن لادعه ولا شبع
مال إلى أرضاه حقف فاضطجع
اه
وقرأ أبو المنذر سلام والزهري ) يؤده ( بضم الهاء بغير واو وقرأ قتادة وحمزة ومجاهد ? يؤدهو ? بواو في الإدراج ومعنى الآية أن أهل الكتاب فيهم الأمين الذي يؤدي أمانته وإن كانت كثيرة وفيهم الخائن الذي لا يؤدي أمانته وإن كانت حقيرة ومن كان أمينا في الكثير فهو في القليل أمين بالأولى ومن كان خائنا في القليل فهو في الكثير خائن بالأولى وقوله ) إلا ما دمت عليه قائما ( استثناء مفرغ أي لا يؤده إليك في حال من الأحوال إلا ما دمت عليه قائما مطالبا له مضيقا عليه متقاضيا لرده والإشارة بقوله ذلك إلى ترك الأداء المدلول عليه بقوله ) لا يؤده ( والأميون هم العرب الذي ليسوا أهل كتاب أي ليس علينا في ظلمهم حرج لمخالفتهم لنا في ديننا وادعوا لعنهم الله أن ذلك في كتابهم فرد الله سبحانه عليهم بقوله ) ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون
آل عمران : ( 76 ) بلى من أوفى . . . . .
بلى ( أي بلى عليهم سبيل لكذبهم واستحلالهم أموال العرب فقوله ) بلى ( إثبات لما نفوه من السبيل قال الزجاج تم الكلام بقوله ) بلى ( ثم قال ) من أوفى بعهده واتقى ( وهذه جملة مستأنفة أي من أوفى بعهده واتقى فليس من الكاذبين أو فإن الله يحبه والضمير في قوله ) بعهده ( راجع إلى من أو إلى الله تعالى وعموم المتقين قائم مقام العائد إلى من أي فإن الله يحبه
آل عمران : ( 77 ) إن الذين يشترون . . . . .
قوله ) إن الذين يشترون بعهد الله ( أي يستبدلون كما تقدم


"""""" صفحة رقم 354 """"""
تحقيقه غير مرة وعهد الله هو ما عاهدوه عليه من الإيمان بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأيمان هي التي كانوا يحلفون أنهم يؤمنون به وينصرونه وسيأتي بيان سبب نزول الآية ) أولئك ( أي الموصوفون بهذه الصفة ) لا خلاق لهم في الآخرة ( أي لا نصيب ) ولا يكلمهم الله ( بشيء أصلا كما يفيده حذف المتعلق من التعميم أو لا يكلمهم بما يسرهم ) ولا ينظر إليهم يوم القيامة ( نظر رحمة بل يسخط عليهم ويعذبهم بذنوبهم كما يفيده قوله ) ولهم عذاب أليم )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله ) ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ( قال هذا من النصارى ) ومنهم من إن تأمنه بدينار ( قال هذا من اليهود ) إلا ما دمت عليه قائما ( قال إلا ما طلبته واتبعته وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ( قال قالت اليهود ليس علينا فيما أصبنا من مال العرب سبيل وأخرج ابن جرير عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ( قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن صعصعة أنه سأل ابن عباس فقال إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة قال ابن عباس فتقولون ماذا قال نقول ليس علينا في ذلك من بأس قال هذا كما قال أهل الكتاب ) ليس علينا في الأميين سبيل ( إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب نفوسهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) بلى من أوفى بعهده واتقى ( يقول اتقى الشرك ) فإن الله يحب المتقين ( يقول الذين يتقون الشرك وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فقال الأشعث بن قيس في والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ألك بينة قلت لا قال لليهودي احلف فقلت يا رسول الله إذن يحلف فيذهب مالي فأنزل الله ) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( إلى آخر الآية ) وقد روى أن سبب نزول الآية أن رجلا كان يحلف بالسوق لقد أعطى بسلعته ما لم يعط بها أخرجه البخاري وغيره وروى أن سبب نزولها مخاصمة كانت بين الأشعث وامرئ القيس ورجل من حضرموت وأخرجه النسائي وغيره
آل عمران 78
آل عمران : ( 78 ) وإن منهم لفريقا . . . . .
أي طائفة من اليهود يلوون أي يحرفون ويعدلون به عن القصد وأصل اللي الميل يقول لوى برأسه إذا أماله وقرئ ) يلوون ( بالتشديد و ( يلون ) بقلب الواو همزة ثم تخفيفها بالحذف والضمير في قوله ) لتحسبوه ( يعود إلى ما دل عليه ) يلوون ( وهو المحرف الذي جاؤوا به قوله ) وما هو من الكتاب ( جملة حالية وكذلك قوله ) وما هو من عند الله ( وكذلك قوله ) وهم يعلمون ( أي أنهم كاذبون مفترون
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم (


"""""" صفحة رقم 355 """"""
قال هم اليهود كانوا يزيدون في الكتاب ما لم ينزل الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال يحرفونه
آل عمران 79 80
آل عمران : ( 79 ) ما كان لبشر . . . . .
أي ما كان ينبغي ولا يستقيم لبشر أن يقول هذه المقالة وهو متصف بتلك الصفة وفيه بيان من الله سبحانه لعباده أن النصارى افتروا على عيسى عليه السلام ما لم يصح عنه ولا ينبغي أن يقوله والحكم الفهم والعلم قوله ) ولكن كانوا ( أي ولكن يقول النبي كونوا ربانيين والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة كما يقال لعظيم اللحية لحياني ولعيظم الجمة جماني ولغليظ الرقبة رقباني قيل الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره فكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور وقال المبرد الربانيون أرباب العلم واحدهم رباني من قوله ربه يربه فهو ربان إذا دبره وأصلحه والياء للنسب فمعنى الرباني العالم بدين الرب القوي التمسك بطاعة الله وقيل العالم الحكيم قوله ) بما كنتم تعلمون ( أي بسبب كونكم عالمين أي كونوا ربانيين بهذا السبب فإن حصول العلم للإنسان والدراسة له يتسبب عنهما الربانية التي هي التعليم للعلم وقوة التمسك بطاعة الله وقرأ ابن عباس وأهل الكوفة ( بما كنتم تعلمون بالتشديد وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتخفيف واختار القراءة الأولى أبو عبيد قال لأنها لجمع المعنيين قال مكي التشديد أبلغ لأن العالم قد يكون عالما غير معلم فالتشديد يدل على العلم والتعليم والتخفيف إنما يدل على العلم فقط واختار القراءة الثانية أبو حاتم قال أبو عمرو وتصديقها تدرسون بالتخفيف دون التشديد انتهى والحاصل أن من قرأ بالتشديد لزمه أن يحمل الرباني على أمر زائد على العلم والتعليم وهو أن يكون مع ذلك مخلصا أو حكيما أو حليما حتى تظهر السببية ومن قرأ بالتخفيف جاز له أن يحمل الرباني على العالم الذي يعلم الناس فيكون المعنى كونوا معلمين بسبب كونكم علماء وبسبب كونكم تدرسون العلم وفي هذه الآية أعظم باعث لمن علم على أن يعمل وإن من أعظم العمل بالعلم تعليمه والإخلاص لله سبحانه
آل عمران : ( 80 ) ولا يأمركم أن . . . . .
قوله ) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ( بالنصب عطفا على ( ثم يقول ) ( ولا ) مزيدة لتأكيد النفي أي ليس له أن يأمر بعبادة نفسه ولا يأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أربابا بل ينتهي عنه ويجوز عطفه على أن يؤتيه أي ما كان لبشر أن يأمركم بأن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا وبالنصب قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف والقطع من الكلام الأول أي ولا يأمركم الله أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ويؤيده أن في مصحف ابن مسعود ولن يأمركم والهمز في قوله ) أيأمركم ( لإنكار ما نفى عن البشر وقوله ) بعد إذ أنتم مسلمون ( استدل به من قال إن سبب نزول الآية استئذان من استأذن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من المسلمين في أن يسجدوا له
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال قال القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 356 """"""
ودعاهم إلى الإسلام أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني فأنزل الله في ذلك ) ما كان لبشر ( الآية ) وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال بلغني أن رجلا قال يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك قال لا ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله فإنه لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله فأنزل الله ) ما كان لبشر ( الآية ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ربانيين ( قال فقهاء علماء وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال حكماء علماء حلماء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال علماء فقهاء وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود قال حكماء علماء واخرج ابن أبي حاتم عن أبي رزين في قوله ) وبما كنتم تدرسون ( قال مذاكرة الفقه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) ولا يأمركم أن تتخذوا ( قال ولا يأمرهم النبي
آل عمران 81 82
آل عمران : ( 81 ) وإذ أخذ الله . . . . .
قد اختلف في تفسير قوله تعالى ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ( فقال سعيد بن جبير وقتادة وطاوس والحسن والسدي إنه أخذ الله ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا بالإيمان ويأمر بعضهم بعضا بذلك فهذا معنى النصر له والإيمان به وهو ظاهر الآية فحاصله أن الله أخذ ميثاق الأول من الأنبياء أن يؤمن بما جاء به الآخر وينصر وقال الكسائي يجوز أن يكون معنى ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ( بمعنى وإذ أخذ الله ميثاق الذين مع النبيين ويؤيده قراءه ابن مسعود ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) وقيل في الكلام حذف والمعنى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتعلمن الناس لما جاءكم من كتاب وحكمة ولتأخذن على الناس أن يؤمنوا ودل على هذا الحذف قوله ) وأخذتم على ذلكم إصري ( و ( ما ) في قوله ) لما آتيتكم ( بمعنى الذي قال سيبويه سألت الخليل عن قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم ( فقال ( ما ) بمعنى الذي قال النحاس التقدير في قول الخليل الذي آتيتكموه ثم حذفت الهاء لطول الإسم واللام لام الابتداء وبهذا قال الأخفش وتكون ما في محل رفع على الابتداء وخبرها من كتاب وحكمة وقوله ) ثم جاءكم ( وما بعده جملة معطوفة على الصلة والعائد محذوف أي مصدق به وقال المبرد والزجاج والكسائي ( ما ) شرطية دخلت عليها لام التحقيق كما تدخل على إن ( ولتؤمنن به ) جواب القسم الذي هو أخذ الميثاق إذ هو بمنزلة الاستحلاف كما تقول أخذت ميثاقك لتفعلن كذا وهو ساد مسد الجزاء وقال الكسائي إن الجزاء قوله ) فمن تولى ( وقال في الكشاف إن اللام في قوله ) لما آتيتكم ( لام التوطئة واللام في قوله ) لتؤمنن ( جواب القسم وما يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط ولتؤمنن ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا وأن تكون موصولة بمعنى للذي آتيتكموه لتؤمنن به انتهى وقرأ حمزة ( لما آتيتكم ) بكسر اللام وما بمعنى الذي وهي متعلقة بأخذ وقرأ أهل المدينة ( آتيناكم ) على التعظيم وقرأ الباقون ( آتيتكم ) على التوحيد وقيل إن ( ما ) في قراءة من قرأ بكسر اللام مصدرية ومعناه لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم واللام لام التعليل أي لأجل ذلك أخذ


"""""" صفحة رقم 357 """"""
الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتؤمنن به قوله ) أقررتم ( هو من الإقرار والإصر في اللغة الثقل سمي العهد إصرا لما فيه من التشديد والمعنى وأخذتم على ذلك عهدي قوله ) قالوا أقررنا ( جملة استئنافية كأنه قيل ماذا قالوا عند ذلك فقيل قالوا أقررنا وإنما لم يذكر أحدهم الإصر اكتفاء بذلك قوله ) قال فاشهدوا ( أي قال الله سبحانه فاشهدوا أي ليشهد بعضهم على بعض ) وأنا معكم من الشاهدين ( أي وأنا على إقراركم وشهادة بعضكم على بعض من الشاهدين
آل عمران : ( 82 ) فمن تولى بعد . . . . .
قوله ) فمن تولى ( أي أعرض عما ذكر بعد ذلك الميثاق ) فأولئك هم الفاسقون ( أي الخارجون على الطاعة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن أصحاب عبدالله يقرءون ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ( ونحن نقرأ ميثاق النبيين فقال ابن عباس إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن طاوس في الآية قال ) أخذ الله ميثاق النبيين ( أن يصدق بعضهم بعضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ( قال هي خطأ من الكتاب وهي في قراءة ابن مسعود ) ميثاق الذين أوتوا الكتاب ( وأخرج ابن جرير عن علي قال لم يبعث الله نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه ثم تلا ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه في قوله ) إصري ( قال عهدي وأخرج ابن جرير عن علي في قوله ) قال فاشهدوا ( يقول فاشهدوا على أممكم بذلك ) وأنا معكم من الشاهدين ( عليكم وعليهم ) فمن تولى ( عنك يا محمد بعد هذا العهد من جميع الأمم ) فأولئك هم الفاسقون ( هم العاصون في الكفر
آل عمران 83 85
آل عمران : ( 83 ) أفغير دين الله . . . . .
قوله ) أفغير ( عطف على مقدر أي أتتولون فتبغون غير دين الله وتقديم المفعول لأنه المقصود بالإنكار وقرأ أبو عمرو وحده ( يبغون ) بالتحتية و ( ترجعون ) بالفوقية قال لأن الأول خاص والثاني عام ففرق بينهما لافتراقهما في المعنى وقرأ حفص بالتحتية في الموضعين وقرأ الباقون بالفوقية فيهما وانتصب طوعا وكرها على الحال أي طائعين ومكرهين والطوع الانقياد والاتباع بسهولة والكره ما فيه مشقة وهو من أسلم مخافة القتل وإسلامه استسلام منه
آل عمران : ( 84 ) قل آمنا بالله . . . . .
قوله ) آمنا ( إخبار منه ( صلى الله عليه وسلم ) عن نفسه وعن أمته ) لا نفرق بين أحد منهم ( كما فرقت اليهود والنصارى فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وقد تقدم تفسير هذه الآية ) ونحن له مسلمون (


"""""" صفحة رقم 358 """"""
أي منقادون مخلصون
آل عمران : ( 84 ) قل آمنا بالله . . . . .
قوله ) دينا ( مفعول للفعل أي يبتغ دينا حال كونه غير الإسلام ويجوز أن ينتصب غير الإسلام على أنه مفعول الفعل ودينا إما تمييز أو حال إذا أول بالمشتق أو بدل من غير قوله ) وهو في الآخرة من الخاسرين ( إما في محل نصب على الحال أو جملة مستأنفة أي من الواقعين في الخسران يوم القيامة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الطبراني بسند ضعيف عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) وله أسلم من في السماوات والأرض ( قال أما من في السموات فالملائكة وأما من في الأرض فمن ولد على الإسلام وأما كرها فمن أتى به من سبايا الأمم في السلاسل والأغلال يقادون إلى الجنة وهم كارهون وأخرج الديلمي عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الآية ( الملائكة أطاعوه في السماء والأنصار وعبدالقيس أطاعوه في الأرض ) وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال في الآية ( اسلم من في السموات والأرض ) حين أخذ عليهم الميثاق وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) وله أسلم ( قال المعرفة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال أما المؤمن فأسلم طائعا فنفعه ذلك وقبل منه وأما الكافر فأسلم حين رأى بأس الله فلم ينفعه ذلك ولم يقبل منه ) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فاقرءوا في أذنه ) أفغير دين الله يبغون ( ) وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة عن يونس بن عبيد قال ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقرأ في أذنها ) أفغير دين الله يبغون ( الآية إلا ذلت بإذن الله عز وجل وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول يا رب أنا الصلاة فيقول إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول يا رب أنا الصدقة فيقول إنك على خير ويجيء الصيام فيقول أنا الصيام فيقول إنك على خير ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله إنك على خير ثم يجيء الإسلام فيقول يا رب أنت السلام وأنا الإسلام فيقول إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي قال الله تعالى في كتابه ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (
آل عمران 86 91
آل عمران : ( 86 ) كيف يهدي الله . . . . .
قوله ) كيف يهدي الله قوما ( هذا الاستفهام معناه الجحد أي لا يهدي الله ونظيره قوله تعالى ) كيف يكون للمشركين عهد عند الله ( أي لا عهد لهم ومثله قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 359 """"""
كيف نومي على الفراش ولما
تشمل الشام غارة شعواء
أي لا نوم لي ومعنى الآية لا يهدي الله قوما إلى الحق كفروا بعد إيمانهم وبعد ما شهدوا أن الرسول حق وبعد ما جاءتهم البينات من كتاب الله سبحانه ومعجزات رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) والله لا يهدي القوم الظالمين ( جملة حالية أي كيف يهدي المرتدين والحال أنه لا يهدي من حصل منهم مجرد الظلم لأنفسهم ومنهم الباقون على الكفر ولا ريب أن ذنب المرتد أشد من ذنب من هو باق على الكفر لأن المرتد قد عرف الحق ثم أعرض عنادا وتمردا
آل عمران : ( 87 ) أولئك جزاؤهم أن . . . . .
قوله ) أولئك ( إشارة إلى القوم المتصفين بتلك الصفات السابقة وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده وقد تقدم تفسير اللعن
آل عمران : ( 88 ) خالدين فيها لا . . . . .
وقوله ) ولا هم ينظرون ( معناه يؤخرون ويمهلون
آل عمران : ( 89 ) إلا الذين تابوا . . . . .
ثم استثنى التائبين فقال ) إلا الذين تابوا من بعد ذلك ( أي من بعد الارتداد ) وأصلحوا ( بالإسلام ما كان قد أفسدوه من دينهم بالردة وفيه دليل على قبول توبة المرتد إذا رجع إلى الإسلام مخلصا ولا خلاف في ذلك فيما أحفظ
آل عمران : ( 90 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ) ثم ازدادوا كفرا ( قال قتادة وعطاء الخراساني والحسن نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) بعد إيمانهم بنعته وصفته ) ثم ازدادوا كفرا ( بإقامتهم على كفرهم وقيل ازدادوا كفرا بالذنوب التي اكتسبوها ورجحه ابن جرير الطبري وجعلها في اليهود خاصة وقد استشكل جماعة من المفسرين قوله تعالى ) لن تقبل توبتهم ( مع كون التوبة مقبولة كما في الآية الأولى وكما في قوله تعالى ) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( وغير ذلك فقيل المعنى لن تقبل توبتهم عند الموت قال النحاس وهذا قول حسن كما قال تعالى ) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ( وبه قال الحسن وقتادة وعطاء ومنه الحديث إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر وقيل المعنى لمن تقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا لأن الكفر أحبط وقيل لمن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر والأولى أن يحمل عدم قبولهم التوبة في هذه الآية على من مات كافرا غير تائب فكأنه عبر عن الموت على الكفر بعدم قبول التوبة
آل عمران : ( 91 ) إن الذين كفروا . . . . .
وتكون الآية المذكورة بعد هذه الآية وهي قوله ) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ( في حكم البيان لها قوله ) ملء الأرض ذهبا ( الملء بالكسر مقدارا ما يملأ الشيء والملء بالفتح مصدر ملأت الشيء وذهبا تمييز قاله الفراء وغيره وقال الكسائي نصب على إضمار من ذهب كقوله ) أو عدل ذلك صياما ( أي من صيام وقرأ الأعمش ( ذهب ) بالرفع على انه بدل من ملء والواو في قوله ( ولو افتدى به ) قيل هي مقحمة زائدة والمعنى لو افتدى به وقيل فيه حمل على الغنى كأنه قيل فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا وقيل هو عطف على مقدر أي لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو تصدق به في الدنيا ولو افتدى به من العذاب أي بمثله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين ثم ندم فارسل إلى قومه ارسلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هل لي من توبة فنزلت ) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ( إلى قوله ) غفور رحيم ( فأرسل إليه قومه فأسلم وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وقال هو الحارث بن سويد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن السدي نحوه وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر عن ابن عباس نحوه أيضا وقد روى عن جماعة نحوه أيضا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم ( قال هم أهل الكتاب من اليهود عرفوا محمدا ثم كفروا به


"""""" صفحة رقم 360 """"""
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى وذكر نحو ما تقدم عنه وأخرج البزار عن ابن عباس أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم فذكروا ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية ) إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا ( قال السيوطي هذا خطأ من البزار وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال اليهود والنصارى لن تقبل توبتهم عند الموت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هم اليهود كفروا بالإنجيل وعيسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والقرآن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال إنما نزلت في اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا بذنوب أذنبوها ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم ولو كانوا على الهدى قبلت توبتهم ولكنهم على الضلالة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ثم ازدادوا كفرا ( قال نموا على كفرهم وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله ) ثم ازدادوا كفرا ( قال ماتوا وهم كفار ) لن تقبل توبتهم ( قال إذا تاب عند موته لم تقبل توبته وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) لن تقبل توبتهم ( قال تابوا من الذنوب ولم يتوبوا من الأصل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) وماتوا وهم كفار ( قال هو كل كافر وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت مفتديا به فيقول نعم فيقال له لقد سئلت ما هو أيسر من ذلك فذلك قوله تعالى ) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار ( الآية )
آل عمران 92
آل عمران : ( 92 ) لن تنالوا البر . . . . .
هذا كلام مستأنف خطاب للمؤمنين عقب ذكر ما لا ينفع الكفار قوله ) لن تنالوا البر ( يقال نالني من فلان معروف ينالني أي وصل إلي والنوال العطاء من قولك نولته تنويلا أعطيته والبر العمل الصالح وقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء ومجاهد وعمرو بن ميمون والسدي هو الجنة فمعنى الآية لن تنالوا العمل الصالح أو الجنة أي تصلوا إلى ذلك وتبلغوا إليه حتى تنفقوا مما تحبون أي حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها و ( من ) تبعيضية ويؤيده قراءة ابن مسعود ( حتى تنفقوا بعض ما تحبون ) وقيل بيانية ( وما ) موصولة أو موصوفة والمراد النفقة في سبيل الخير من صدقة أو غيرها من الطاعات وقيل المراد الزكاة المفروضة وقوله ) من شيء ( بيان لقوله ) وما تنفقوا ( أي ما تنفقوا من أي شيء سواء كان طيبا أو خبيثا ) فإن الله به عليم ( وما شرطية جازمة وقوله ) فإن الله به عليم ( تعليل لجواب الشرط واقع موقعه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس ( أن أبا طلحة لما نزلت هذه الآية أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله إن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة ) الحديث وقد روى بألفاظ وأخرج عبد بن حميد والبزار عن ابن عمر قال حضرتني هذه الآية ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( فذكرت ما أعطاني الله فلم أجد شيئا أحب إلي من مرجانة جارية لي رومية فقلت هي حرة لوجه الله فلو أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها فأنكحتها نافعا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء فدعا بها عمر فقال إن الله يقول ) لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( فأعتقها عمر وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم إنها لما نزلت الآية جاء زيد بن حارثة بفرس


"""""" صفحة رقم 361 """"""
له يقال لها سبل لم يكن له مال أحب إليه منها فقال هي صدقة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله تعالى ) لن تنالوا البر ( قال الجنة وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون والسدي مثله وأخرج ابن المنذر عن مسروق مثله
آل عمران 93 95
آل عمران : ( 93 ) كل الطعام كان . . . . .
قوله ) كل الطعام ( أي المطعوم والحل مصدر يستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث وهو الحلال وإسرائيل هو يعقوب كما تقدم تحقيقه ومعنى الآية أن كل المطعومات كانت حلالا لبني يعقوب لم يحرم عليهم شيء منها إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وسيأتي بيان ما هو الذي حرمه على نفسه وهذا الاستثناء متصل من اسم كان وقوله ) من قبل أن تنزل التوراة ( متعلق بقوله ) كان حلا ( أي أن كل المطعومات كانت حلالا ) من قبل أن تنزل التوراة ( أي كان ما عدا المستثنى حلالا لهم ) من قبل أن تنزل التوراة ( مشتملة على تحريم ما حرمه عليهم لظلمهم وفيه رد على اليهود لما أنكروا ما قصه الله سبحانه على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) من أن سبب ما حرمه الله عليهم هو ظلمهم وبغيهم كما في قوله ) فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ( الآية وقوله ) وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ( إلى قوله ) ذلك جزيناهم ببغيهم ( وقالوا إنها محرمة على من قبلهم من الأنبياء يريدون بذلك تكذيب ما قصه الله على نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) في كتابه العزيز ثم أمره الله سبحانه بأن يحاجهم بكتابهم ويجعل بينه وبينهم حكما ما أنزله الله عليهم لا ما أنزله عليه فقال ) قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( حتى تعلموا صدق ما قصه الله في القرآن من أنه لم يحرم على بني إسرائيل شيء من قبل نزول التوراة إلا ما حرمه يعقوب على نفسه وفي هذا من الإنصاف للخصوم ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه
آل عمران : ( 94 ) فمن افترى على . . . . .
ثم قال ) فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك ( أي من بعد إحضار التوراة وتلاوتها ) فأولئك هم الظالمون ( أي المفرطون في الظلم المتبالغون فيه فإنه لا أظلم ممن حوكم إلى كتابه وما يعتقده شرعا صحيحا ثم جادل من بعد ذلك مفتريا على الله الكذب
آل عمران : ( 95 ) قل صدق الله . . . . .
ثم لما كان ما يفترونه من الكذب بعد قيام الحجة عليهم بكتابهم باطلا مدفوعا وكان ما قصه الله سبحانه في القرآن وصدقته التوراة صحيحا صادقا وكان ثبوت هذا الصدق بالبرهان الذي لا يستطيع الخصم دفعه أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بأن ينادى بصدق الله بعد أن سجل عليهم الكذب فقال ) قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم ( أي ملة الإسلام التي أنا عليها وقد تقدم بيان معنى الحنيف وكأنه قال لهم إذا تبين لكم صدقي وصدق ما جئت به فادخلوا في ديني فإن من جملة ما أنزله الله علي ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس أن اليهود قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه قال كان يسكن البدو فاشتكى عرق النساء فلم يجد شيئا يلائمه إلا تحريم الإبل وألبانها فلذلك


"""""" صفحة رقم 362 """"""
حرمها قالوا صدقت ) وذكر الحديث وأخرجه أيضا أحمد والنسائي وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في الآية قال العرق أجده عرق النساء فكان يبيت له زق يعني صياح فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل لحما فيه عرق فحرمته اليهود وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبن عباس من قوله ما أخرجه الترمذي سابقا عنه مرفوعا وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول الذي حرم إسرائيل على نفسه زائداتا الكبد والكليتان والشحم إلا ما كان على الظهر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال قالت اليهود للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) نزلت التوراة بتحريم الذي حرم إسرائيل فقال الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ) وكذبوا ليس في التوراة
آل عمران 96 97
آل عمران : ( 96 ) إن أول بيت . . . . .
هذا شروع في بيان شيء آخر مما جادلت فيه اليهود بالباطل وذلك أنهم قالوا إن بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة لكونه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة فرد الله ذلك عليهم بقوله ( إن أول بيت وضع للناس ) الآية فقوله ( وضع ) صفة لبيت وخبر إن قوله ( للذي ببكة ) فنبه تعالى بكونه أول متعبد على أنه أفضل من غيره وقد اختلف في الباني له في الابتداء فقيل الملائكة وقيل آدم وقيل إبراهيم ويجمع بين ذلك بأول من بناه الملائكة ثم جدده آدم ثم إبراهيم وبكة علم للبلد الحرام وكذا مكة وهما لغتان وقيل إن بكة اسم لموضع البيت ومكة اسم للبلد الحرام وقيل بكة للمسجد ومكة للحرم كله قيل سميت بكة لازدحام الناس في الطواف يقال بك القوم ازدحموا وقيل البك دق العنق سميت بذلك لأنها كانت تدق أعناق الجبابرة وأما تسميتها بمكة فقيل سميت بذلك لقلة ما بها وقيل لأنها تمك المخ من العظم بما ينال ساكنها من المشقة ومنه مككت العظم إذا أخرجت ما فيه ومك الفصيل ضرع أمه وامتكه إذا امتصه وقيل سميت بذلك لأنها تمك من ظلم فيها أي تهلكه قوله ) مباركا ( حال من الضمير في وضع أو من متعلق الظرف لأن التقدير للذي استقر ببكة مباركا والبركة كثرة الخير الحاصل لمن يستقر فيه أو يقصده أي الثواب المتضاعف
آل عمران : ( 97 ) فيه آيات بينات . . . . .
والآيات البينات الواضحات منها الصفا والمروة ومنها أثر القدم في الصخرة الصماء ومنها أن الغيث إذا كان بناحية الركن اليماني كان الخصب في اليمن وإن كان بناحية الشامي كان الخصب بالشام وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان ومنها انحراف الطيور عن أن تمر على هوائه في جميع الأزمان ومنها هلاك من يقصده من الجبابرة وغير ذلك وقوله ) مقام إبراهيم ( بدل من آيات قاله محمد بن يزيد المبرد وقال في الكشاف إنه عطف بيان وقال الأخفش إنه مبتدأ وخبره محذوف والتقدير منها مقام إبراهيم وقيل هو خبر مبتدأ محذوف أي هي مقام إبراهيم وقد استشكل صاحب الكشاف بيان الآيات وهي جمع بالمقام وهو فرد وأجاب بأن المقام جعل وحده بمنزلة آيات لقوة شأنه أو بأنه مشتمل على آيات قال ويجوز أن يراد فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله لأن الإثنين نوع من الجمع قوله ) ومن دخله كان آمنا ( جملة مستأنفة لبيان حكم من أحكام الحرم وهو أن من دخله كان آمنا وبه استدل من قال إن من لجأ إلى الحرم وقد وجب عليه حد من الحدود فإنه لا يقام عليه الحد حتى يخرج


"""""" صفحة رقم 363 """"""
منه وهو قول أبي حنيفة ومن تابعه وخالفه الجمهور فقالوا تقام عليه الحدود في الحرم وقد قال جماعة إن الآية خبر في معنى الأمر أي ومن دخله فأمنوه كقوله ) فلا رفث ولا فسوق ولا جدال ( أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا قوله ) ولله على الناس حج البيت ( اللام في قوله ) لله ( هي التي يقال لها لام الإيحاب والإلزام ثم زاد هذا المعنى تأكيدا حرف ) على ( فإنه من أوضح الدلالات على الوجوب عند العرب كما إذا قال القائل لفلان علي كذا فذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ما يدل على الوجوب تأكيدا لحقه وتعظيما لحرمته وهذا الخطاب شامل لجميع الناس لا يخرج عنه إلا من خصصه الدليل كالصبي والعبد وقوله ) من استطاع إليه سبيلا ( في محل جر على أنه بدل بعض من الناس وبه قال أكثر النحويين وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بحج والتقدير أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلا وقيل إن من حرف شرط والجزاء محذوف أي من استطاع إليه سبيلا فعليه الحج وقد اختلف أهل العلم في الإستطاعة ماذا هي فقيل الزاد والراحلة وإليه ذهب جماعة من الصحابة وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وهو الحق قال مالك إن الرجل إذا وثق بقوته لزمه الحج وإن لم يكن له زاد وراحلة إذا كان يقدر على التكسب وبه قال عبدالله بن الزبير والشعبي وعكرمة وقال الضحاك إن كان شابا قويا صحيحا وليس له مال فعليه أن يؤاجر نفسه حتى يقضي حجه ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة دخولا أوليا أن تكون الطريق إلى الحج آمنة بحيث يأمن الحاج على نفسه وماله الذي لا يجد زادا غيره أما لو كانت غير آمنة فلا استطاعة لأن الله سبحانه يقول ) من استطاع إليه سبيلا ( وهذا الخائف على نفسه أو ماله لم يستطع إليه سبيلا بلا شك ولا شبهة وقد اختلف أهل العلم إذا كان في الطريق من الظلمة من يأخذ بعض الأموال على وجه لا يجحف بزاد الحاج فقال الشافعي لا يعطى حبة ويسقط عنه فرض الحج ووافقه جماعة وخالفه آخرون والظاهر أن من تمكن من الزاد والراحلة وكانت الطريق آمنة بحيث يتمكن من مرورها ولو بمصانعة بعض الظلمة لدفع شيء من المال يتمكن منه الحاج ولا ينقص من زاده ولا يجحف به فالحج غير ساقط عنه بل واجب عليه لأنه قد استطاع السبيل بدفع شيء من المال ولكنه يكون هذا المال المدفوع في الطريق من جملة ما تتوقف عليه الاستطاعة فلو وجد الرجل زادا وراحلة ولم يجد ما يدفعه لمن يأخذ المكس في الطريق لم يجب عليه الحج لأنه لم يستطع إليه سبيلا وهذا لا بد منه ولا ينافي تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة فإنه قد تعذر المرور في طريق الحج لمن وجد الزاد والراحلة إلا بذلك القدر الذي يأخذه المكاسون ولعل وجه قول الشافعي إنه سقط الحج أن أخذ هذا المكس منكر فلا يجب على الحاج أن يدخل في منكر وأنه بذلك غير مستطيع ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة أن يكون الحاج صحيح البدن على وجه يمكنه الركوب فلو كان زمنا بحيث لا يقدر على المشي ولا على الركوب فهذا وإن وجد الزاد والراحلة فهو لم يستطع السبيل قوله ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( قيل إنه عبر بلفظ الكفر عن ترك الحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا على تاركه وقيل المعنى ومن كفر بفرض الحج ولم يره واجبا وقيل إن من ترك الحج وهو قادر عليه فهو كافر وفي قوله ) فإن الله غني عن العالمين ( من الدلالة على مقت تارك الحج مع الاستطاعة وخذلانه وبعده من الله سبحانه ما يتعاظمه سامعه ويرجف له قلبه فإن الله سبحانه إنما شرع لعباده هذه الشرائع لنفعهم ومصلحتهم وهو تعالى شأنه وتقدس سلطانه غنى لا تعود إليه طاعات عبادة بأسرها بنفع
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله ) إن أول بيت ( الآية قال كانت البيوت قبله ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذر قال ( قلت


"""""" صفحة رقم 364 """"""
يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون سنة ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال ( خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة وكان إذ كان عرشه على الماء زبدة بيضاء وكانت الأرض تحته كأنها حشفة فدحيت الأرض من تحته ) وأخرج نحوه ابن المنذر عن أبي هريرة وأخرج ابن المنذر والأزرقي عن ابن جريج قال بلغنا أن اليهود قالت بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء ولأنه في الأرض المقدسة فقال المسلمون بل الكعبة أعظم فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) إن أول بيت ( الآية إلى قوله ) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ( وليس ذلك في بيت المقدس ) ومن دخله كان آمنا ( وليس ذلك في بيت المقدس ) ولله على الناس حج البيت ( وليس ذلك في بيت المقدس وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن عبدالله ابن الزبير قال إنما سميت بكة لأن الناس يجيئون إليها من كل جانب حجاجا وروى سعيد بن منصور وابن جرير والبيهقي عن مجاهد إنما سميت بكة لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ابن حبان في قوله ) مباركا ( قال جعل فيه الخير والبركة ) وهدى للعالمين ( يعني بالهدى قبلتهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ) فيه آيات بينات ( فمنهن مقام إبراهيم والمشعر وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير عن الحسن في قوله ) فيه آيات بينات ( قال مقام إبراهيم ) ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت ( وأخرج الأزرقي عن زيد بن أسلم نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ومن دخله كان آمنا ( قال كان هذا في الجاهلية كان الرجل لو جر كل جريرة على نفسه ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يطلب فأما في الإسلام فإنه لا يمنع من حدود الله من سرق فيه قطع ومن زنى فيه أقيم عليه الحد ومن قتل فيه قتل وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والأزرقي عن عمر بن الخطاب قال لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ومن دخله كان آمنا ( قال من عاذ بالبيت أعاذه البيت ولكن لا يؤوي ولا يطعم ولا يسقى فإذا خرج أخذ بذنبه وقد روى عنه هذا المعنى من طرق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه قال لو وجدت قاتل أبي في الحرم لم أعرض له وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال لو وجدت قاتل أبي في الحرم ما هجته وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي شريح العدوي قال قام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الغد من يوم الفتح فقال ( إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لامريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص لقتال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقولوا إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها أمس ) وأخرج الدارقطني والحاكم وصححه عن أنس ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن قوله ) من استطاع إليه سبيلا ( فقيل ما السبيل قال الزاد والراحلة ) وأخرج الشافعي وعبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر مرفوعا أنه قام رجل فقال ما السبيل فقال الزاد والراحلة وأخرج الدارقطني والبيهقي في سننهما من طريق الحسن عن أمه عن عائشة قالت ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما السبيل إلى الحج قال الزاد والراحلة ) وأخرج الدارقطني في سننه عن ابن مسعود مرفوعا مثله وأخرج الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا مثله وأخرج الدارقطني عن جابر مرفوعا مثله وقد روى هذا الحديث من طرق أقل أحواله أن يكون حسنا لغيره فلا يضره ما وقع من الكلام على بعض طرقه كما هو


"""""" صفحة رقم 365 """"""
معروف وأخرج الدارقطني عن علي مرفوعا في الآية ( أنه سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال تجد ظهر بعير ) وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عمر بن الخطاب في قوله ) من استطاع إليه سبيلا ( قال الزاد والراحلة وأخرجا عن ابن عباس مثله وأخرجه عنه مرفوعا ابن ماجة والطبراني وابن مردويه وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عنه قال السبيل أن يصح بدن العبد ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عنه قال ) سبيلا ( من وجد إليه سعة ولم يحل بينه وبينه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبدالله بن الزبير قال الاستطاعة القوة وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن النخعي قال إن المحرم للمرأة من السبيل الذي قال الله وقد ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) النهي للمرأة أن تسافر بغير ذي محرم واختلفت الأحاديث في قدر المدة ففي لفظ ثلاثة وأيام وفي لفظ يوم وليلة وفي لفظ بريد
تشديد الوعيد على من يحج وهو مستطيع
وقد وردت أحاديث في تشديد الوعيد على من ملك زادا وراحلة ولم يحج فأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج بيت الله فلا عليه بأن يموت يهوديا أو نصرانيا ) وذلك بأن الله يقول ) ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( وفي إسناده هلال الخراساني أبو هاشم قال البخاري منكر الحديث وقيل مجهول وقال ابن عدي هذا الحديث ليس بمحفوظ وفي إسناده أيضا الحارث الأعور وفيه ضعف وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في كتاب الإيمان وأبو يعلى والبيهقي عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس أو سلطان جائر أو حاجة ظاهرة فليمت على أي حال شاء يهوديا أو نصرانيا ) وأخرج ابن أبي شيبة عن عبدالرحمن بن سابط مرفوعا مرسلا مثله وأخرج سعيد بن منصور قال السيوطي بسند صحيح عن عمر بن الخطاب قال لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فلينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين وأخرج الإسماعيلي عنه يقول ( من أطاق الحج ولم يحج فسواء عليه يهوديا مات أو نصرانيا ) قال ابن كثير بعد أن ساق إسناده وهذا إسناد صحيح وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عنه نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر ( من مات وهو موسر ولم يحج جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب كافر ) وأخرج سعيد بن منصور عنه ( من وجد إلى الحج سبيلا سنة ثم سنة ثم سنة ثم مات ولم يحج لم يصل عليه ولا يدري مات يهوديا أو نصرانيا ) وأخرج سعيد بن منصور عن عمر بن الخطاب قال لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه كما نقاتلهم على الصلاة والزكاة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ومن كفر فإن الله غني ( قال من زعم أنه ليس بفرض عليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال من كفر بالحج فلم ير حجه برا ولا تركه مأثما وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن عكرمة قال لما نزلت ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا ( قالت اليهود فنحن مسلمون فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله فرض على المسلمين حج البيت فقالوا لم يكتب علينا وأبوا أن يحجوا قال الله ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( )
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك قال ( لما نزلت آية الحج ) ولله على الناس حج البيت ( الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 366 """"""
وسلم أهل الملل مشركي العرب والنصارى واليهود والمجوس والصابئين فقال إن الله فرض عليكم الحج فحجوا البيت فلم يقبله إلا المسلمون وكفرت به خمس ملل قالوا لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نستقبله فأنزل الله ) ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( ) وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في سننه عن مجاهد نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي داود نفيع قال ( قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولله على الناس حج البيت ( الآية فقام رجل من هذيل فقال يا رسول الله من تركه كفر فقال من تركه لا يخاف عقوبته ومن حج لا يرجو ثوابه فهو ذاك ) وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح في الآية قال من كفر بالبيت وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله الله ) ومن كفر ( قال من كفر بالله واليوم الآخر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد مثله من قوله وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه سئل عن ذلك فقرأ ) إن أول بيت وضع للناس ( إلى قوله ) سبيلا ( ثم قال ) ومن كفر ( بهذه الآيات وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في الآية قال ) ومن كفر ( فلم يؤمن به فهو الكافر
آل عمران 98 103
آل عمران : ( 98 ) قل يا أهل . . . . .
قوله ) قل يا أهل الكتاب ( خطاب لليهود والنصارى والاستفهام في قوله ) لم تكفرون ( للإنكار والتوبيخ وقوله ) والله شهيد على ما تعملون ( جملة حالية مؤكدة للتوبيخ والإنكار وهكذا المجيء بصيغة المبالغة في شهيد يفيد مزيد التشديد والتهويل
آل عمران : ( 99 ) قل يا أهل . . . . .
والاستفهام في قوله ) لم تصدون ( يفيد ما افاده الاستفهام الأول وقرأ الحسن ( تصدون ) من أصد وهما لغتان مثل صد اللحم وأصد إذا تغير وأنتن وسبيل الله دينه الذي ارتضاه لعباده وهو دين الإسلام والعوج الميل والزيغ يقال عوج بالكسر إذا كان في الدين والقول والعمل وبالفتح في الأجسام كالجدار ونحوه روى ذلك عن أبي عبيدة وغيره ومحل قوله ) تبغونها عوجا ( النصب على الحال والمعنى تطلبون لها اعوجاجا وميلا عن القصد والاستقامة بإبهامكم على الناس بأنها كذلك تثقيفا لتحريفكم وتقويما لدعاويكم


"""""" صفحة رقم 367 """"""
الباطلة وقوله ) وأنتم شهداء ( جملة حالية أي كيف تطلبون ذلك بملة الإسلام والحال أنكم تشهدون أنها دين الله الذي لا يقبل غيره كما عرفتم ذلك من كتبكم المنزلة على أنبيائكم قيل إن في التوراة أن دين الله الذي لا يقبل غيره الإسلام وأن فيه نعت محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد ) وأنتم شهداء ( أي عقلاء وقيل المعنى وأنتم شهداء بين أهل دينكم مقبولون عندهم فكيف تأتون بالباطل الذي يخالف ما أنتم عليه بين أهل دينكم ثم توعدهم سبحانه بقوله ) وما الله بغافل عما تعملون )
آل عمران : ( 100 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم خاطب سبحانه المؤمنين محذرا لهم عن طاعة اليهود والنصارى مبينا لهم أن تلك الطاعة تفضي إلى أن يردونهم بعد إيمانهم كافرين وسيأتي بيان سبب نزول الآية
آل عمران : ( 101 ) وكيف تكفرون وأنتم . . . . .
والاستفهام في قوله ) وكيف تكفرون ( للإنكار أي من أين يأتيكم ذلك ولديكم ما يمنع منه ويقطع أثره وهو تلاوة آيات الله عليكم وكون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أظهركم ومحل قوله ) وأنتم ( وما بعده النصب على الحال ثم أرشدهم إلى الاعتصام بالله ليحصل لهم بذلك الهداية إلى الصراط المستقيم الذي هو الإسلام وفي وصف الصراط الاستقامة رد على ما ادعوه من العوج قال الزجاج يجوز أن يكون هذا الخطاب لأصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان فيهم وهم يشاهدونه ويجوز أن يكون هذا الخطاب لجميع الأمة لأن آثاره وعلامته والقرآن الذي أوتيه فينا فكأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فينا وإن لم نشاهده انتهى ومعنى الاعتصام بالله التمسك بدينه وطاعته وقيل بالقرآن يقال اعتصم به واستعصم وتمسك واستمسك إذا امتنع به من غيره وعصمه الطعام منع الجوع منه
آل عمران : ( 102 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) اتقوا الله حق تقاته ( أي التقوى التي تحق له وهي أن لا يترك العبد شيئا مما يلزمه فعله ولا يفعل شيئا مما يلزمه تركه ويبذل في ذلك جهده ومستطاعه قال القرطبي ذكر المفسرون أنها لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله من يقوى على هذا وشق عليهم ذلك فأنزل الله ) فاتقوا الله ما استطعتم ( فنسخت هذه الآية روى ذلك عن قتادة وعن الربيع وابن زيد قال مقاتل وليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذا وقيل إن قوله ) اتقوا الله حق تقاته ( مبين بقوله ) فاتقوا الله ما استطعتم ( والمعنى اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم قال وهذا أصوب لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع والجمع ممكن فهو أولى قوله ) ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( أي لا تكونن على حال سوى حال الإسلام فالاستثناء مفرغ ومحل الجملة أعني قوله ) وأنتم مسلمون ( النصب على الحال وقد تقدم في البقرة تفسير مثل هذه الآية
آل عمران : ( 103 ) واعتصموا بحبل الله . . . . .
قوله ) واعتصموا بحبل الله جميعا ( الحبل لفظ مشترك وأصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية وهو إما تمثيل أو استعارة أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن ونهاهم عن التفرق الناشيء عن الاختلاف في الدين ثم أمرهم بأن يذكروا نعمة الله عليهم وبين لهم من هذه النعمة ما يناسب المقام وهو أنهم كانوا أعداء مختلفين يقتل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا فأصبحوا بسبب هذه النعمة إخوانا وكانوا على شفا حفرة من النار بما كانوا عليه من الكفر فأنقذهم الله من هذه الحفرة بالإسلام ومعنى قوله ) فأصبحتم ( صرتم وليس المراد به معناه الأصلي وهو الدخول في وقت الصباح وشفا كل شيء حرفه وكذلك شفيره وأشفى على الشيء أشرف عليه وهو تمثيل للحالة التي كانوا عليها في الجاهلية وقوله ) كذلك ( إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده أي مثل ذلك البيان البليغ يبين الله لكم وقوله ) لعلكم تهتدون ( إرشاد لهم إلى الثبات على الهدى والازدياد منه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال مر شاس بن قيس وكان شيخا قد عسى في الجاهلية عظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من


"""""" صفحة رقم 368 """"""
أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية فقال قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار فأمر فتى شابا معه من يهود فقال اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قبله وأنشدهم بعض ما كانوا يتقاولون فيه من الأشعار وكان يوم بعاث يوما اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ففعل فتكلم القوم عند ذلك وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظى أحد بني حارثة من الأوس وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم والله رددناها الآن جذعة وغضب الفريقان جميعا وقالوا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة والظاهرة الحرة فخرجوا إليها وانضمت الأوس بعضها إلى بعض والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع به عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم لهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق الرجال بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس وأنزل الله في شأن شاس بن قيس وما صنع ) قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون ( إلى قوله ) وما الله بغافل عما تعملون ( وأنزل في أوس بن قيظى وجبار بن صخر ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا ) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب ( إلى قوله ) وأولئك لهم عذاب عظيم ( وقد رويت هذه القصة مختصرة ومطولة من طرق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) لم تصدون عن سبيل الله ( قال كانوا إذا سألهم أحد تجدون محمدا قالوا لا قال فصدوا الناس عنه وبغوا محمدا عوجا هلاكا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة لم تصدون عن الإسلام وعن نبي الله من آمن بالله وأنتم شهداء فيما تقرءون من كتاب الله أن محمدا رسول الله وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره ولا يجزي إلا به يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) ومن يعتصم بالله ( قال يؤمن به وأخرجوا عن أبي العالية قال الاعتصام الثقة بالله وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ) اتقوا الله حق تقاته ( قال أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر وقد رواه الحاكم وصححه وابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعا بدون قوله ويشكر فلا يكفر وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال حق تقاته أن يطاع فلا يعصى فلن تستطيعوا فأنزل الله بعد ذلك ) فاتقوا الله ما استطعتم ( وأخرج عبد بن حميد عنه نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) حق تقاته ( قال لم تنسخ ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا يأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني قال السيوطي بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله ) واعتصموا بحبل الله ( قال حبل الله القرآن وقد وردت أحاديث أن كتاب الله


"""""" صفحة رقم 369 """"""
هو حبل الله الممدود وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال ) واعتصموا بحبل الله ( بالإخلاص لله وحده وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال بطاعته وأخرج أيضا عن قتادة قال بعهده وأمره وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال بالإسلام وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) إذ كنتم أعداء ( قال ما كان بين الأوس والخزرج في شأن عائشة وأخرج ابن إسحاق قال كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة حتى قام الإسلام فأطفأ الله ذلك وألف بينهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وكنتم على شفا حفرة من النار ( يقول كنتم على طرف النار من مات منكم وقع في النار فبعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) واستنقذكم به من تلك الحفرة
آل عمران 104 109
آل عمران : ( 104 ) ولتكن منكم أمة . . . . .
قوله ) ولتكن ( قرأه الجمهور بإسكان اللام وقريء بكسر اللام على الأصل ومن في قوله ) منكم ( للتبعيض وقيل لبيان الجنس ورجح الأول بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات يختص بأهل العلم الذين يعرفون كون ما يأمرون به معروفا وينهون عنه منكرا قال القرطبي الأول أصح فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية وقد عينهم الله سبحانه بقوله ) الذين إن مكناهم في الأرض ( الآية وقرأ ابن الزبير ) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( ويستعينون بالله على ما أصابهم قال أبو بكر بن الأنباري وهذه الزيادة تفسير من ابن الزبير وكلام من كلامه غلط فيه بعض الناقلين فألحقه بألفاظ القرآن وقد روى أن عثمان قرأها كذلك ولكن لم يكتبها في مصحفه فدل على أنها ليست بقرآن وفي الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة وأصل عظيم من أصولها وركن مشيد من أركانها وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها وقوله ) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( من باب عطف الخاص على العام إظهار لشرفهما وأنهما الفردان الكاملان من الخير الذي أمر الله عبادة بالدعاء إليه كما قيل في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة وحذف متعلق الأفعال الثلاثة أي يدعون ويأمرون وينهون لقصد التعميم أي كل من وقع منه سبب يقتضي ذلك والإشارة في قوله ) وأولئك ( ترجع إلى الأمة باعتبار إتصافها بما ذكر بعدها ) هم المفلحون ( أي المختصون بالفلاح وتعريف المفلحين للعهد أو للحقيقة التي يعرفها كل أحد
آل عمران : ( 105 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
قوله ) ولا تكونوا كالذين تفرقوا ( هم اليهود والنصارى عند جمهور المفسرين وقيل هم المبتدعة من هذه الأمة وقيل الحرورية والظاهر


"""""" صفحة رقم 370 """"""
الأول والبينات الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة لعدم الاختلاف قيل وهذا النهى عن التفرق والاختلاف يختص بالمسائل الأصولية وأما المسائل الفروعية الاجتهادية فالاختلاف فيها جائز وما زال الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم مختلفين في أحكام الحوادث وفيه نظر فإنه ما زال في تلك العصور المنكر للاختلاف موجودا وتخصيص بعض مسائل الدين بجواز الاختلاف فيها دون البعض الآخر ليس بصواب فالمسائل الشرعية المساوية الأقدام في انتسابها إلى الشرع
آل عمران : ( 106 ) يوم تبيض وجوه . . . . .
وقوله ( يوم تبيض وجوه ) منتصب بفعل مضمر أي اذكر وقيل بما يدل عليه قوله ( لهم عذاب عظيم ) فإن تقديره استقر لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه أي يوم القيامة حين يبعثون من قبورهم تكون وجوه المؤمنين مبيضة ووجوه الكافرين مسودة ويقال إن ذلك عند قراة الكتاب إذا قرأ المؤمن كتابه رأى حسناته فاستبشروا بيض وجهه وإذا قرأ الكافر كتابه رأى سيئاته فحزن واسود وجهه والتنكير في وجوه للتكثير أي وجوه كثيرة وقرأ يحيى بن وثاب تبيض وتسود بكسر التاءين وقرأ الزهري تبياض وتسواد قوله ( أكفرتم ) أي فيقال لهم أكفرتم والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم وهذا تفصيل لأحوال الفريقين بعد الإجمال وقدم بيان حال الكافرين لكون المقام تحذير وترهيب قيل هم أهل الكتاب وقيل المرتدون وقيل المنافقون وقيل المبتدعون
آل عمران : ( 107 ) وأما الذين ابيضت . . . . .
قوله ( ففى رحمة الله ) أي في جنته ودار كرامته عبر عن ذلك بالرحمة إشارة إلى أن العمل لا يستقل بدخول صاحبه الجنة بل لا بد من الرحمة ومنه حديث ( لن يدخل أحد الجنة بعمله ) وهو في الصحيح وقوله ( هم فيها خالدون ) جملة استئنافية جواب سؤال مقدر
آل عمران : ( 108 ) تلك آيات الله . . . . .
وتلك إشارة إلى ما تقدم من تعذيب الكافرين وتنعيم المؤمنين وقوله ( نتلوها عليك بالحق ) جملة حالية وبالحق متعلق بمحذوف أي متلبسة بالحق وهو العدل وقوله ( وما الله يريد ظلما للعالمين ) جملة تذييلية مقررة لمضمون ما قبلها وفي توجه النفي إلى الإرادة الواقعة على النكرة دليل على أنه سبحانه لا يريد فردا من أفراد الظلم الواقعة على فرد من أفراد العالم
آل عمران : ( 109 ) ولله ما في . . . . .
والمراد بما في السموات وما في الأرض مخلوقاته سبحانه أي له ذلك يتصرف فيه كيف يشاء وعلى ما يريد وعبر بما تغليبا لغير العقلاء على العقلاء لكثرتهم أو لتنزيل العقلاء منزلة غيرهم قال المهدوى وحه اتصال هذا بما قبله أنه لما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين وأنه لا يريد ظلما للعالمين وصله بذكر اتساع قدرته وغناه عن الظلم لكون ما في السموات وما في الأرض في قبضته وقيل هو ابتداء كلام يتضمن البيان لعباده بأن جميع ما في السموات وما في الأرض له حتى يسألوه ويعبدوه ولايعبدوا غيره وقوله ( وإلى الله ترجع الأمور ) أي لا إلى غيره لا شركة ولا استقلالا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي جعفر الباقر قال ( قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) قال الخير اتباع القرآن وسنتى ) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال كل آية ذكرها الله في القرآن في الأمر بالمعروف فهو الإسلام والنهى عن المنكر فهو عبادة الأوثان والشيطان انتهى وهو تخصيص بغير مخصص فليس في في لغة العرب ولا في عرف الشرع ما يدل على ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال ( يدعون إلى الخير ) أي الإسلام ( ويأمرون بالمعروف ) بطاعة ربهم ( وينهون عن المنكر ) عن معصية ربهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال هم أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وهم الرواة انتهى ولا أدري ما وجه هذا التخصيص فالخطاب في هذه الآية كالخطاب بسائر الأمور التى شرعها الله لعباده وكلفهم بها وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت


"""""" صفحة رقم 371 """"""
النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ) وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاوية مرفوعا نحوه وزاد ( كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وأخرج الحاكم عن عبدالله بن عمرو مرفوعا نحوه أيضا وزاد كلها في النار إلاملة واحدة فقيل له ما الواحدة قال ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) وأخرج ابن ماجه عن عوف بن مالك مرفوعا نحوه وفيه ( فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار ) قيل يا رسول الله من هم قال الجماعة ) وأخرجه أحمد من حديث أنس وفيه ( قيل يا رسول الله من تلك الفرقة قال الجماعة ) وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفي الأمر بالكون في الجماعة والنهى عن الفرقة وأخرج ابن أبي حاتم والخطيب عن ابن عباس في قوله ( يوم تبيض وجوه ) قال تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدع والضلالة وأخرجه الخطيب والديلمى عن ابن عمر مرفوعا وأخرجه أيضا مرفوعا أبو نصر السجزى في الإبانة عن أبي سعيد وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في الآية قال صاروا فرقتين يوم القيامة يقال لمن أسود وجهه أكفرتم بعد إيمانكم فهو الإيمان الذي كان في صلب آدم حيث كانوا أمة واحدة وأما الذين ابيضت وجوههم فهم الذين استقاموا على إيمانهم وأخلصوا له الدين فبيض الله وجوههم وأدخلوهم في رضوانه وجنته وقد روى غير ذلك
آل عمران 110 112
آل عمران : ( 110 ) كنتم خير أمة . . . . .
قوله ( كنتم خير أمة ) هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هذه الأمة في الفضل على غيرها من الأمم وكان قيل هي التامة أي وجدتم وخلقتم خير أمة ومثله ما أنشده سيبويه وجيران لنا كانوا كرام
ومنه قوله تعالى ) كيف نكلم من كان في المهد صبيا ( وقوله واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وقال الأخفش يريد أهل أمة أي خير أهل دين وأنشد
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
قيل معناه كنتم في اللوح المحفوظ وقيل كنتم منذ آمنتم وفيه دليل على أن هذه الأمة الإسلامية خير الأمم على الإطلاق وأن هذه الخيرية مشتركة ما بين أول هذه الأمة وآخرها بالنسبة إلى غيرها من الأمم وإن كانت متفاضلة في ذات بينها كما ورد في فضل الصحابة على غيرهم قوله ( أخرجت للناس ) أي أظهرت لهم وقوله ( تأمرون بالمعروف ) إلخ كلام مستأنف يتضمن بيان كونهم خير أمة مع ما يشتمل عليه من أنهم خير أمة ما أقاموا على ذلك واتصفوا به فإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر زال عنهم ذلك ولهذا قال مجاهد إنهم خير أمة على الشرائط المذكورة في الآية وهذا يقتضى أن يكون تأمرون وما بعد في محل نصب على الحال أي كنتم خير أمة حال كونكم آمرين ناهين مؤمنين بالله وبما يجب عليكم الإيمان به من كتابه ورسوله وما شرعه


"""""" صفحة رقم 372 """"""
لعباده فإنه لا يتم الإيمان بالله سبحانه إلا بالإيمان بهذه الأمور قوله ( ولو آمن أهل الكتاب ) أي اليهود إيمانا كإيمان المسلمين بالله ورسله وكتبه ( لكان خيرا لهم ) ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل قالوا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ثم بين حال أهل الكتاب بقوله ( منهم المؤمنون ) وهم الذين آمنوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهم فإنهم آمنوا بما أنزل عليه وما أنزل من قبله ( وأكثرهم الفاسقون ) أي الخارجون عن طريق الحق المتمردون في باطلهم المكذبون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولما جاء به فيكون هذا التفصيل على هذا كلاما مستأنفا جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل هل منهم من آمن فاستحق ما وعده الله
آل عمران : ( 111 ) لن يضروكم إلا . . . . .
قوله ( لن يضروكم إلا أذى ) أي لن يضروكم بنوع من أنواع الضرر إلا بنوع الأذى وهو الكذب والتحريف والبهت ولا يقدرون على الضرر الذي هو الضرر في الحقيقة بالحرب والنهب ونحوهما فالاستثناء مفرغ وهذا وعد من الله لرسوله وللمؤمنين أن أهل الكتاب لا يغلبونهم وأنهم منصورون عليهم وقيل الاستثناء منقطع والمعنى لن يضروكم ألبتة لكن يؤذونكم ثم بين سبحانه ما نفاه من الضرر بقوله ( وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ) أي ينهزمون ولا يقدرون على مقاومتكم فضلا عن أن يضروكم وقوله ) ثم لا ينصرون ( عطف على الجملة الشرطية أي ثم لا يوجد لهم نصر ولايثبت لهم غلب في حال من الأحوال بل شأنهم الخذلان ما داموا وقد وجدنا ما وعدنا سبحانه حقا فإن اليهود لم تخفق لهم راية نصر ولا اجتمع لهم جيش غلب بعد نزول هذه الآية فهى من معجزات النبوة
آل عمران : ( 112 ) ضربت عليهم الذلة . . . . .
قوله ( ضربت عليهم الذلة ) قد تقدم في البقرة معنى هذا التركيب والمعنى صارت الذلة محيطة بهم في كل حال وعلى كل تقدير في أي مكان وجدوا ( إلا بحبل من الله ) أي إلا ان يعتصموا بحبل من الله قاله الفراء أي بذمة الله أو بكتابه ( وحبل من الناس ) أي بذمة من الناس وهم المسلمون وقيل المراد بالناس النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( وباءوا ) أي رجعوا ( بغضب من الله ) وقيل احتملوا وأصل معناه في اللغة اللزوم والاستحقاق أي لزمهم غضب من الله هم مستحقون له ومعنى ضرب المسكنة إحاطتها بهم من جميع الجوانب وهكذا حال اليهود فإنهم تحت الفقر المدقع والمسكنة الشديدة إلا النادر الشاذ منهم والإشارة بقوله ذلك إلى ما تقدم من ضرب الذلة والمسكنة والغضب أي وقع عليهم ذلك بسبب أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق والإشارة بقوله ذلك إلى الكفر وقتل الأنبياء بسبب عصيانهم لله واعتدائهم لحدوده ومعنى الآية أن الله ضرب عليهم الذلة والمسكنة والبواء بالغضب منه لكونهم كفروا بآياته وقتلوا أنبياءه بسبب عصيانهم واعتدائهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ( كنتم خير أمة ) قال هم الذين هاجروا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في الآية قال قال عمر بن الخطاب لو شاء الله لقال أنتم فكنا كلنا ولكن قال كنتم في خاصة أصحاب محمد ومن صنعهم مثل صنعهم كانوا خير أمة أخرجت للناس وفي لفظ عنه أنه قال يكون لأولنا ولا يكون لآخرنا وأخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية ثم قال يا أيها الناس من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله منها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في الآية قال نزلت في ابن مسعود وعمار بن ياسر وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة في الآية قال خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حمد وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن معاوية بن حيدة أنه سمع النبي صلى الله


"""""" صفحة رقم 373 """"""
عليه وآله وسلم يقول في الآية إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها وروى من حديث معاذ وأبي سعيد نحوه وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما أنه يدخل من هذه الأمة الجنة سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب وهذا من فوائد كونها خير الأمم وأخرج ابن جرير عن الحسن ( لن يضروكم إلا أذى ) قال تسمعون منهم كذبا على الله يدعونكم إلى الضلالة وأخرج أيضا عن ابن جريج قال إشراكهم في عزير وعيسى والصليب وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن وقتادة ( ضربت عليهم الذلة ) قالا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وروى ابن المنذر عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( إلا بحبل من الله وحبل من الناس ) قال بعهد من الله وعهد من الناس
آل عمران 113 11
آل عمران : ( 113 ) ليسوا سواء من . . . . .
قوله ) ليسوا سواء ( أي أهل الكتاب غير مستوين بل مختلفين والجملة مستأنفة سبقت لبيان التفاوت بين أهل الكتاب وقوله ) أمة قائمة ( هو استئناف أيضا يتضمن بيان الجهة التي تفاوتوا فيها من كون بعضهم أمة قائمة إلى قوله ) من الصالحين ( قال الأخفش التقدير من أهل الكتاب ذو أمة أي ذو طريقة حسنة وأنشد وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
وقيل في الكلام حذف والتقدير من أهل الكتاب أمة قائمة واخرى غير قائمة فترك الأخرى اكتفاء بالأولى كقول أبي ذؤيب
عصيت إليها القلب اني لأمرها مطيع فما أدري أرشد طلابها
أراد أرشد أم غي قال الفراء أمة رفع بسواء والتقدير ليس يستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة قال النحاس وهذا القول خطأ من جهات أحدها أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شيء ويرفع بما ليس جاريا على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرة فليس لإضمار هذا وجه وقال أبو عبيدة هذا مثل قولهم أكلوني البراغيث وذهبوا أصحابك قال النحاس وهذا غلط لأنه قد تقدم ذكرهم وأكلوني البراغيث لم يتقدم لهم ذكر انتهى
وعندي أن ما قاله الفراء قوي قويم وحاصله أن معنى الآية لا يستوي أمة من أهل الكتاب شأنها كذا وأمة أخرى شأنها كذا وليس تقدير هذا المحذوف من باب تقدير ما لا حاجة إليه كما قال النحاس فإن تقدم ذكر الكافرة لا يفيد مفاد تقدير ذكرها هنا وأما قوله إنه لا يعود على اسم ليس شيء فيرده أن تقدير العائد شائع


"""""" صفحة رقم 374 """"""
مشتهر عند أهل الفن وأما قوله ويرفع بما ليس جاريا على الفعل فغير مسلم والقائمة المستقيمة العادلة من قولهم أقمت العود فقام أي استقام وقوله ) يتلون ( في محل رفع على أنه صفة ثانية لأمة ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال ) آناء الليل ( ساعاته وهو منصوب على الظرفية وقوله ) وهم يسجدون ( ظاهره أن التلاوة كائنة منهم في حال السجود ولا يصح ذلك إذا كان المراد بهذه الأمة الموصوفة في الآية هم من قد أسلم من أهل الكتاب لأنه قد صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) النهي عن قراءة القرآن في السجود فلا بد من تأويل هذا الظاهر بأن المراد بقوله ) وهم يسجدون ( وهم يصلون كما قاله الفراء والزجاج وإنما عبر بالسجود عن مجموع الصلاة لما فيه من الخضوع والتذلل وظاهر هذا أنهم يتلون آيات الله في صلاتهم من غير تخصيص لتلك الصلاة بصلاة معينة وقيل المراد بها الصلاة بين العشاءين وقيل صلاة الليل مطلقا
آل عمران : ( 114 ) يؤمنون بالله واليوم . . . . .
وقوله ) يؤمنون بالله ( صفة أخرى لأمة أي يؤمنون بالله وكتبه ورسله ورأس ذلك الإيمان بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله ) ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ( صفتان أيضا لأمة أي أن هذا من شأنهم وصفتهم وظاهره يفيد أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على العموم وقيل المراد بالأمر بالمعروف هنا أمرهم باتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبالنهي عن المنكر نهيهم عن مخالفته وقوله ) ويسارعون في الخيرات ( من جملة الصفات أيضا أي يبادرون بها غير متثاقلين عن تأديتها لمعرفتهم بقدر ثوابها وقوله ) وأولئك من الصالحين ( أي من جملتهم وقيل من بمعنى مع أي مع الصالحين وهم الصحابة رضي الله عنهم والظاهر أن المراد كل صالح والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الأمة الموصوفة بتلك الصفات
آل عمران : ( 115 ) وما يفعلوا من . . . . .
قوله ) وما تفعلوا من خير ( أي خير كان ) فلن يكفروه ( أي لن تعدموا ثوابه وعداه إلى المفعولين وهو لا يتعدى إلا إلى واحد لأنه ضمنه معنى الحرمان كأنه قيل فلن تحرموه كما قاله صاحب الكشاف قرأ الأعمش وابن وثاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف بالياء التحتية في الفعلين وهي قراءة ابن عباس واختارها أبو عبيد وقرأ الباقون بالمثناة من فوق فيهما وكان أبو عمرو يرى القراءتين جميعا والمراد بالمتقين كل من ثبتت له صفة التقوى وقيل المراد من تقدم ذكره وهم الأمة الموصوفة بتلك الصفة ووضع الظاهر موضع المضمر مدحا لهم ورفعا من شأنهم
آل عمران : ( 116 ) إن الذين كفروا . . . . .
وقوله ) إن الذين كفروا ( قيل هم بنو قريظة والنضير قال مقاتل لما ذكر تعالى مؤمني أهل الكتاب ذكر كفارهم في هذه الآية والظاهر أن المراد بذلك كل من كفر بما يجب الإيمان به ومعنى ) لن تغني ( لن تدفع وخص الأولاد لأنهم أحب القرابة وارجاهم لدفع ما ينوبه
آل عمران : ( 117 ) مثل ما ينفقون . . . . .
وقوله ) مثل ما ينفقون ( بيان لعدم إغناء أموالهم التي كانوا يعولون عليها والصر البرد الشديد أصله من الصرير الذي هو الصوت فهو صوت الريح الشديد وقال الزجاج صوت لهب النار التي في تلك الريح ومعنى الآية مثل نفقة الكافرين في بطلانها وذهابها وعدم منفعتها كمثل زرع أصابه ريح باردة أو نار فأحرقته أو أهلكته فلم ينتفع أصحابه بشيء منه بعد أن كانوا على طمع من نفعه وفائدته وعلى هذا فلا بد من تقدير في جانب المشبه به فيقال كمثل زرع أصابته ريح فيها صر أو مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم ) وما ظلمهم الله ( أي المنفقين من الكافرين ) ولكن أنفسهم يظلمون ( بالكفر المانع من قبول النفقة التي أنفقوها وتقديم المفعول لرعاية الفواصل لا للتخصيص لأن الكلام في الفعل باعتبار تعلقه بالفاعل لا بالمفعول
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس قال لما أسلم عبدالله بن سلام وثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد ومن


"""""" صفحة رقم 375 """"""
أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار يهود وأهل الكفر منهم ما آمن بمحمد وتبعه إلا شرارنا ولو كانوا خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره فأنزل الله ) ليسوا سواء ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) أمة قائمة ( يقول مهتدية قائمة على أمر الله لم تنزع عنه ولم تتركه كما تركه الآخرون وضيعوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم قال ) أمة قائمة ( عادلة وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) آناء الليل ( قال جوف الليل وأخرج ابن جرير عن الربيع قال ساعات الليل وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله ) ليسوا سواء ( قال لا يستوي أهل الكتاب وأمة محمد ) يتلون آيات الله آناء الليل ( قال صلاة العتمة هم يصلونها ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصلونها وأخرج أحمد والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني قال السيوطي بسند حسن عن ابن مسعود قال أخر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صلاة العشاء ليلة ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم ولفظ ابن جرير والطبراني فقال إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب قال وأنزلت هذه الآية ) ليسوا سواء ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن منصور قال بلغني أنها نزلت هذه الآية ) يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ( فيما بين المغرب والعشاء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) فلن يكفروه ( قال لن يضل عنكم وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن ) فلن يكفروه ( قال لن تظلموه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول ) مثل ما ينفقون ( أي المشركون ولا يتقبل منهم كمثل هذا الزرع إذا زرعه القوم الظالمون فأصابه ريح فيها صر فأهلكته فكذلك أنفقوا فأهلكهم شركهم وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فيها صر ( قال برد شديد
آل عمران 118 120
آل عمران : ( 118 ) يا أيها الذين . . . . .
البطانة مصدر يسمى به الواحد والجمع وبطانة الرجل خاصته الذين يستنبطون أمره وأصله البطن الذي هو خلاف الظهر وبطن فلان بفلان يبطن بطونا وبطانة إذا كان خاصا به ومنه قول الشاعر وهم خلصائي كلهم وبطانتي
وهم عيبتي من دون كل قريب
قوله ) من دونكم ( أي من سواكم قاله الفراء أي من دون المسلمين وهم الكفار أي بطانة كائنة من


"""""" صفحة رقم 376 """"""
دونكم ويجوز أن يتعلق بقوله ) لا تتخذوا ( وقوله ) لا يألونكم خبالا ( في محل نصب صفة لبطانة يقال لا ألوك جهدا أي لا اقصر قال أمرؤ القيس وما المرء ما دامت حشاشة نفسه
بمدرك أطراف الخطوب ولا آل
والمراد لا يقصرون فيما فيه الفساد عليكم وإنما عدى إلى مفعولين لكونه مضمنا معنى المنع أي لا يمنعونكم خبالا والخبال والخبل الفساد في الأفعال والأبدان والعقول قال أوس أبني لبني لستم بيد
إلا يد مخبولة العضد
أي فاسدة العضد قوله ) ودوا ما عنتم ( ما مصدرية أي ودوا عنتكم والعنت المشقة وشدة الضرر والجملة مستأنفة مؤكدة للنهي قوله ) قد بدت البغضاء ( هي شدة البغض كالضراء لشدة الضر والأفواه جمع فم والمعنى أنها قد ظهرت البغضاء في كلامهم لأنهم لما خامرهم من شدة البغض والحسد أظهرت ألسنتهم ما في صدورهم فتركوا التقية وصرحوا بالتكذيب أما اليهود فالأمر في ذلك واضح وأما المنافقون فكان يظهر من فلتات ألسنتهم ما يكشف عن خبث طويتهم وهذه الجملة مستأنفة لبيان حالهم ) وما تخفي صدورهم أكبر ( لأن فلتات اللسان أقل مما تجنه الصدور بل تلك الفلتات بالنسبة إلى ما في الصدور قليلة جدا ثم إنه سبحانه امتن عليهم ببيان الآيات الدالة على وجوب الإخلاص إن كانوا من أهل العقول المدركة لذلك البيان
آل عمران : ( 119 ) ها أنتم أولاء . . . . .
قوله ) ها أنتم أولاء ( جملة مصدرة بحرف التنبيه أي أنتم أولاء الخاطئون في موالاتهم ثم بين خطأهم بتلك الموالاة بهذه الجملة التذييلية فقال ) تحبونهم ولا يحبونكم ( وقيل إن قوله ) تحبونهم ( خبر ثان لقول أنتم وقيل إن اولاء موصول وتحبونهم صلته أن تحبونهم لما أظهروا لكم الإيمان أو لما بينكم وبينهم من القرابة ) ولا يحبونكم ( لما قد استحكم في صدورهم من الغيظ والحسد قوله ) وتؤمنون بالكتاب كله ( أي بجنس الكتاب جميعا ومحل الجملة النصب على الحال أي لا يحبونكم والحال أنكم مؤمنون بكتب الله سبحانه التي من جملتها كتابهم فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ لهم شديد لأن من بيده الحق أحق بالصلابة والشدة ممن هو على الباطل ) وإذا لقوكم قالوا آمنا ( نفاقا وتقية ) وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ( تأسفا وتحسرا حيث عجزوا عن الانتقام منكم والعرب تصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل والبنان ثم أمره الله سبحانه بأن يدعو عليهم فقال ) قل موتوا بغيظكم ( وهو يتضمن استمرار غيظهم ما داموا في الحياة حتى يأتيهم الموت وهم عليه ثم قال ) إن الله عليم بذات الصدور ( فهو يعلم ما في صدوركم وصدورهم والمراد بذات الصدور الخواطر القائمة بها وهو كلام داخل تحت قوله ) قل ( فهو من جملة المقول
آل عمران : ( 120 ) إن تمسسكم حسنة . . . . .
قوله ) إن تمسسكم حسنة تسؤهم ( هذه الجملة مستأنفة لبيان تناهي عداوتهم وحسنة وسيئة يعمان كل ما يحسن وما يسوء وعبر بالمس في الحسنة وبالإصابة في السيئة للدلالة على أن مجرد مس الحسنة يحصل به المساءة ولا يفرحون إلا بإصابة السيئة وقيل إن المس مستعار لمعنى الإصابة ومعنى الآية أن من كانت هذه حالته لم يكن أهلا لأن يتخذ بطانة ) وإن تصبروا ( على عداوتهم أو على التكاليف الشاقة ) وتتقوا ( موالاتهم أو ما حرمه الله عليكم ) لا يضركم كيدهم شيئا ( يقال ضاره يضوره ويضيره ضيرا وضيورا بمعنى ضره يضره وبه قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وقرأ الكوفيون وابن عامر لا يضركم بضم الراء وتشديدها من ضر يضر فهو على القراءة الأولى مجزوم على أنه جواب الشرط وعلى القراءة الثانية مرفوع على تقدير إضمار الفاء كما في قول الشاعر من يفعل الحسنان الله يشكرها
قاله الكسائي والفراء وقال سيبويه إنه مرفوع على نية التقديم أي لا يضركم أن تصبروا وحكى أبو زيد عن المفضل عن عاصم ) لا يضركم ( بفتح الراء وشيئا صفة مصدر محذوف


"""""" صفحة رقم 377 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان رجال من المسلمين يواصلون رجالا من يهود لما كان بينهم من الجوار والحلف في الجاهلية فأنزل الله فيهم ينهاهم عن مباطنتهم لخوف الفتنة عليهم منهم ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال هم المنافقون وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال هم الخوارج قال السيوطي وسنده جيد وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وتؤمنون بالكتاب كله ( أي بكتابكم وبكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك وهم يكفرون بكتابكم فأنتم أحق بالغضاء لهم منهم لكم وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ) إن تمسسكم حسنة ( يعني النصر على العدو والرزق والخير ) تسؤهم وإن تصبكم سيئة ( يعني القتل والهزيمة والجهد
آل عمران 121 129
آل عمران : ( 121 ) وإذ غدوت من . . . . .
العامل في ( إذ ) فعل محذوف أي واذكر إذ غدوت من منزل أهلك أي من المنزل الذي فيه أهلك وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية نزلت في غزوة أحد وقال الحسن في يوم بدر وقال مجاهد ومقاتل والكلبي في غزوة الخندق قوله ) تبوئ ( أي تتخذ لهم مقاعد للقتال وأصل التبوء اتخاذ المنزل يقال بوأته منزلا إذا أسكنته إياه والفعل في محل نصب على الحال ومعنى الآية واذكر إذ خرجت من منزل أهلك تتخذ للمؤمنين مقاعد للقتال أي أماكن يقعدون فيها وعبر عن الخروج بالغدو الذي هو الخروج غدوة مع كونه ( صلى الله عليه وسلم ) خرج بعد صلاة الجمعة كما سيأتي لأنه قد يعبر بالغدو والرواح عن الخروج والدخول من غير اعتبار أصل معناهما كما يقال أضحى وإن لم يكن في وقت الضحى
آل عمران : ( 122 ) إذ همت طائفتان . . . . .
قوله ) إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ( هو بدل من إذ غدوت أو متعلق بقوله تبويء أو بقوله سميع عليم والطائفتان بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وكانا جناحي العسكر يوم أحد والفشل الجبن والهم من الطائفتين كان بعد الخروج لما رجع عبدالله ابن أبي بمن معه من المنافقين فحفظ الله قلوب المؤمنين فلم يرجعوا وذلك قوله ) والله وليهما )
آل عمران : ( 123 ) ولقد نصركم الله . . . . .
قوله ) ولقد نصركم الله ببدر (


"""""" صفحة رقم 378 """"""
جملة مستأنفة سيقت لتصبيرهم بتذكير ما يترتب على الصبر من النصر وبدر اسم لماء كان في موضع الوقعة وقيل هو اسم الموضع نفسه وسيأتي سياق قصة بدر في الأنفال إن شاء الله وأذلة جمع قلة ومعناه أنهم كانوا بسبب قلتهم أذلة وهو جمع ذليل استعير للقلة إذ لم يكونوا في أنفسهم أذلة بل كانوا أعزة والنصر العون وقد شرح أهل التواريخ والسير غزوة بدر وأحد بأتم شرح فلا حاجة لنا في سياق ذلك ها هنا
آل عمران : ( 124 ) إذ تقول للمؤمنين . . . . .
قوله ) إذ تقول ( متعلق بقوله ) نصركم ( والهمزة في قوله ) ألن يكفيكم ( للإنكار منه ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم عدم اكتفائهم بذلك المدد من الملائكة ومعنى الكفاية سد الخلة والقيام بالأمر والإمداد في الأصل إعطاء الشيء حالا بعد حال والمجيء بلن لتأكيد النفي
آل عمران : ( 125 ) بلى إن تصبروا . . . . .
واصل الفور القصد إلى الشيء والأخذ فيه بجد وهو من قولهم فارت القدر تفور فورا وفورانا إذا غلت والفور الغليان وفار غضبه إذا جاش وفعله من فوره أي قبل أن يسكن والفوارة ما يفور من القدر استعير للسرعة أي إن يأتوكم من ساعتهم هذه يمددكم ربكم بالملائكة في حال إتيانهم لا يتأخر عن ذلك قوله ) مسومين ( بفتح الواو اسم مفعول وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي ونافع أي معلمين بعلامات وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم ( مسؤمين ) بكسر الواو اسم فاعل أي معلمين أنفسهم بعلامة ورجح ابن جرير هذه القراءة والتسويم إظهار سيما الشيء قال كثير من المفسرين ( مسومين ) أي مرسلين خيلهم في الغارة وقيل إن الملائكة اعتمت بعمائم بيض وقيل حمر وقيل خضر وقيل صفر فهذه هي العلامة التي علموا بها أنفسهم حكى ذلك عن الزجاج وقيل كانوا على خيل بلق وقيل غير ذلك
آل عمران : ( 126 ) وما جعله الله . . . . .
قوله ) وما جعله الله إلا بشرى لكم ( كلام مبتدأ غير داخل في مقول القول والضمير في قوله جعله للإمداد المدلول عليه بالفعل أو للتسويم أو للإنزال ورجح الأول الزجاج وصاحب الكشاف وقوله ) إلا بشرى ( استثناء مفرغ من أعم العام والبشرى اسم من البشارة أي إلا لتبشروا بأنكم تنصرون ولتطمئن قلوبكم به أي بالإمداد واللام لام كي جعل الله ذلك الإمداد بشرى بالنصر وطمأنينة للقلوب وفي قصر الإمداد عليهما إشارة إلى عدم مباشرة الملائكة للقتال يومئذ ) وما النصر إلا من عند الله ( لا من عند غيره فلا تنفع كثرة المقاتلة ووجود العدة
آل عمران : ( 127 ) ليقطع طرفا من . . . . .
قوله ) ليقطع طرفا من الذين كفروا ( متعلق بقوله ) ولقد نصركم الله ببدر ( وقيل متعلق بقوله ) وما النصر إلا من عند الله ( وقيل متعلق بقوله ) يمددكم ( والطرف الطائفة والمعنى نصركم الله ببدر ليقطع طائفة من الكفار وهم الذين قتلوا يوم بدر أو وما النصر إلا من عند الله ليقطع تلك الطائفة أو يمددكم ليقطع ومعنى يكبتهم يحزنهم والمكبوت المحزون وقال بعض أهل اللغة معناه يكيدهم أي يصيبهم بالحزن والغيظ في أكبادهم وهو غير صحيح فإن معنى كبت أحزن وأغاظ وأذل ومعنى كبد أصاب الكبد ) فينقلبوا خائبين ( أي غير ظافرين بمطلبهم
آل عمران : ( 128 ) ليس لك من . . . . .
قوله ) ليس لك من الأمر شيء ( جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه أي أن الله مالك أمرهم يصنع بهم ما يشاء من الإهلاك أو الهزيمة أو التوبة إن أسلموا أو العذاب فقوله ) أو يتوب عليهم أو يعذبهم ( عطف على قوله أو يكبتهم وقال الفراء إن أو بمعنى إلا أن بمعنى ليس لك من الأمر شيء إلا أن يتوب عليهم فتفترح بذلك أو يعذبهم فتشفي بهم
آل عمران : ( 129 ) ولله ما في . . . . .
قوله ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( كلام مستأنف لبيان سعة ملكه ) يغفر لمن يشاء ( أن يغفر له ) ويعذب من يشاء ( أن يعذبه يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد ) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ( وفي قوله ) والله غفور رحيم ( إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه وتبشير لعباده بأنه المتصف بالمغفرة والرحمة على وجه المبالغة وما أوقع هذا التذييل الجليل وأحبه إلى قلوب العارفين بأسرار التنزيل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن يحيى بن حبان


"""""" صفحة رقم 379 """"""
والحصين بن عبدالرحمن بن أسعد بن معاذ قالوا كان يوم أحد يوم بلاء وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحق به المنافقين ممن كان يظهر الإسلام بلسانه وهو مستخف بالكفر ويوم أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته وكان مما نزل من القرآن في يوم أحد ستون آية من آل عمران فيها صفة ما كان في يومه ذلك ومعاتبة من عاتب منهم يقول الله لنبيه ) وإذ غدوت من أهلك ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ) وإذ غدوت من أهلك ( الآية قال يوم أحد وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) تبوئ المؤمنين ( قال توطن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أن الآية في يوم الأحزاب وقد ورد في كتب السير والتاريخ كيفية الاختلاف في المشورة على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في يوم أحد فمن قائل نخرج إليهم ومن قائل نبقى في المدينة فخرج وكان من جملة المشيرين عبدالله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين كان رأيه البقاء في المدينة والمقاتلة فيها ثم لما خولف في رأيه انخزل بمن معه من المنافقين وهم قدر الثلث من القوم الذين خرج بهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر قال فينا نزلت في بني حارثة وبني سلمة ) إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ( وما يسرني أنها لم تنزل لقوله ) والله وليهما ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إذ همت طائفتان ( قال ذلك يوم أحد وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال هم بنو حارثة وبنو سلمة وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد ) ولقد نصركم الله ببدر ( إلى ) بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ( في قصة بدر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) وأنتم أذلة ( يقول وأنتم قليل وهم يومئذ بضعة عشر وثلاثمائة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يمد المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله ) ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف ( إلى قوله ) مسومين ( قال فبلغت كرزا فلم يمد المشركين ولم يمد المسلمين بالخمسة وأخرج ابن جرير عن الشعبي لما كان يوم بدر بلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ذكر نحوه إلا أنه قال ) ويأتوكم من فورهم هذا ( يعني كرزا وأصحابه ) يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ( فبلغ كرزا وأصحابه الهزيمة فلم يمدهم ولم ينزل الخمسة وأمدوا بعد ذلك بألف فهم أربعة آلاف واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال أمدوا بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف وذلك يوم بدر وأخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله ) بلى إن تصبروا وتتقوا ( الآية قال هذا يوم أحد فلم يصبروا ولم يتقوا فلم يمدوا يوم أحد ولو أمدوا لم ينهزموا يومئذ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ويأتوكم من فورهم هذا ( يقول من سفرهم هذا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة من فورهم قال من وجههم وأخرج ابن جرير عن الحسن والربيع وقتادة والسدي مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد من فورهم قال من غضبهم واخرجا عن أبي صالح مولى أم هانيء مثله وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) مسومين ( قال معلمين وكان سيما الملائكة يوم بدر عمائم سوداء ويوم أحد عمائم حمراء وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبدالله بن الزبير أن الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجرا بها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر وأخرج ابن إسحاق والطبراني عن ابن عباس قال كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمراء ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر وكانوا


"""""" صفحة رقم 380 """"""
يكونون عددا ومددا لا يضربون وفي بيان التسويم عن السلف اختلاف كثير لا يتعلق به كثير فائدة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ليقطع طرفا من الذين كفروا ( قال قطع الله يوم بدر طرفا من الكفار وقتل صناديدهم ورءوسهم وقادتهم في الشر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) ليقطع طرفا ( قال هذا يوم بدر قطع الله طائفة منهم وبقيت طائفة وأخرج ابن جرير عن السدي قال ذكر الله قتلى المشركين بأحد وكانوا ثمانية عشر رجلا فقال ) ليقطع طرفا من الذين كفروا ( ثم ذكر الله الشهداء فقال ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ( و أخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله ) أو يكبتهم ( قال يحزنهم وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع مثله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كسرت رباعيته يوم أحد وشج في وجهه حتى سال الدم فقال كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله ) ليس لك من الأمر شيء ( الآية وقد روى هذا المعنى في روايات كثيرة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد ( اللهم إلعن أبا سفيان اللهم إلعن الحارث بن هشام اللهم إلعن سهيل بن عمرو اللهم إلعن صفوان ابن أمية فنزلت هذه الآية ) ليس لك من الأمر شيء ( وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أيضا من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف يجهر بذلك وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر اللهم إلعن فلانا وفلانا لأحياء من أحياء العرب حتى أنزل الله ) ليس لك من الأمر شيء ( وفي لفظ اللهم إلعن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزل قوله ) ليس لك من الأمر شيء ( الآية
آل عمران 130 136
آل عمران : ( 130 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( قيل هو كلام مبتدأ للترهيب والترغيب فيما ذكر وقيل هو اعتراض بين أثناء قصة أحد وقوله ) أضعافا مضاعفة ( ليس لتقييد النهي لما هو معلوم من تحريم الربا على كل حال ولكنه جيء به


"""""" صفحة رقم 381 """"""
باعتبار ما كانوا عليه من العادة التي يعتادونها في الربا فإنهم كانوا يربون إلى أجل فإذا حل الأجل زادوا في المال مقدارا يتراضون عليه ثم يزيدون في أجل الدين فكانوا يفعلون ذلك مرة بعد مرة حتى يأخذوا المربى أضعاف دينه الذي كان له في الابتداء وأضعافا حال ومضاعفة نعت له وفيه إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام والمبالغة في هذه العبارة تفيد تأكيد التوبيخ
آل عمران : ( 131 ) واتقوا النار التي . . . . .
قوله ) واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( فيه الإرشاد إلى تجنب ما يفعله الكفار في معاملاتهم قال كثير من المفسرين وفيه أنه يكفر من استحل الربا وقيل معناه اتقوا الربا الذي ينزع منكم الإيمان فتستوجبون النار وإنما خص الربا في هذه الآية لأنه الذي توعد الله عليه بالحرب منه لفاعله
آل عمران : ( 132 ) وأطيعوا الله والرسول . . . . .
وقوله ) وأطيعوا الله والرسول ( حذف المتعلق مشعر بالتعميم أي في كل أمر ونهى ) لعلكم ترحمون ( أي راجلين الرحمة من الله عز وجل
آل عمران : ( 133 ) وسارعوا إلى مغفرة . . . . .
وقوله ) وسارعوا ( عطف على أطيعوا وقرأ نافع وابن عامر ? سارعوا ? بغير واو وكذلك في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام وقرأ الباقون بالواو قال أبو علي كلا الأمرين سائغ مستقيم والمسارعة المبادرة وفي الآية حذف أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة من الطاعات وقوله ) عرضها السماوات والأرض ( أي عرضها كعرض السموات والأرض ومثله الآية الأخرى ) عرضها كعرض السماء والأرض ( وقد اختلف في معنى ذلك فذهب الجمهور إلى أنها تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ويوصل بعضها ببعض فذلك عرض الجنة ونبه بالعرض على الطول لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض وقيل إن هذا الكلام جاء على نهج كلام العرب من الاستعارة دون الحقيقة وذلك أنها ما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسن التعبير عنها بعرض السموات والأرض مبالغة لأنهما أوسع مخلوقات الله سبحانه فيما يعلمه عباده ولم يقصد بذلك التحديد
آل عمران : ( 134 ) الذين ينفقون في . . . . .
والسراء اليسر والضراء العسر وقد تقدم تفسيرهما وقيل السراء الرخاء والضراء الشدة وهو مثل الأول وقيل السراء في الحياة والضراء بعد الموت قوله ) والكاظمين الغيظ ( يقال كظم غيظه أي سكت عليه ولم يظهره ومنه كظمت السقاء أي ملأته والكظامة ما يسد به مجرى الماء وكظم البعير جرته إذا ردها في جوفه وهو عطف على الموصول الذي قبله قوله ) والعافين عن الناس ( أي التاركين عقوبة من أذنب إليهم واستحق المؤاخذة وذلك من أجل ضروب الخير وظاهره العفو عن الناس سواء كانوا من المماليك أم لا وقال الزجاج وغيره المراد بهم المماليك واللام في المحسنين يجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه كل محسن من هؤلاء وغيرهم ويجوز أن تكون للعهد فيختص بهؤلاء والأول أولى اعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السياق فيدخل تحته كل من صدر منه مسمى الإحسان أي إحسان كان
آل عمران : ( 135 ) والذين إذا فعلوا . . . . .
قوله ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( هذا مبتدأ وخبره ) أولئك ( وقيل معطوف على المتقي والأول أولى وهؤلاء هم صنف دون الصنف الأول ملحقين بهم وهم التوابون وسيأتي ذكر سبب نزولها والفاحشة وصف لموصوف محذوف أي فعلة فاحشة وهي تطلق على كل معصية وقد كثر اختصاصها بالزنا وقوله ) أو ظلموا أنفسهم ( أي باقتراف ذنب من الذنوب وقيل أو بمعنى الواو والمراد ما ذكر وقيل الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة وقيل غير ذلك قوله ) ذكروا الله ( أي بألسنتهم أو أخطروه في قلوبهم أو ذكروا وعده ووعيده ) فاستغفروا لذنوبهم ( أي طلبوا المغفرة لها من الله سبحانه وتفسيره بالتوبة خلاف معناه لغة وفي الاستفهام بقوله ) ومن يغفر الذنوب إلا الله ( من الإنكار مع ما يتضمنه من الدلالة على أنه المختص بذلك سبحانه دون غيره أي لا يغفر جنس الذنوب أحد إلا الله وفيه ترغيب لطلب المغفرة منه سبحانه وتنشيط للمذنبين أن يقفوا في مواقف الخضوع والتذلل وهذه الجملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه وقوله ) ولم يصروا على ما فعلوا (


"""""" صفحة رقم 382 """"""
عطف على فاستغفروا أي لم يقيموا على قبيح فعلهم وقد تقدم تفسير الإصرار والمراد به هنا العزم على معاودة الذنب وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه وقوله ) وهم يعلمون ( جملة حالية أي لم يصروا على فعلهم عالمين بقبحه
آل عمران : ( 136 ) أولئك جزاؤهم مغفرة . . . . .
قوله ) أولئك جزاؤهم ( الإشارة إلى المذكورين بقوله ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( وقوله ) جزاؤهم ( بدل اشتمال من اسم الإشارة وقوله ) مغفرة ( خبر ) من ربهم ( متعلق بمحذوف وقع صفة لمغفرة أي كائنة من ربهم وقوله ) ونعم أجر العاملين ( المخصوص بالمدح محذوف أي أجرهم أو ذلك المذكور وقد تقدم تفسير الجنات وكيفية جري الأنهار من تحتها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كانوا يتبايعون إلى الأجل فإذا جاء الأجل زادوا عليهم وزادوا في الأجل فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطاء قال كانت ثقيف تدين بني المغيرة لإفي الجاهلية وذكر نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاوية بن قرة قال كان الناس يتأولون هذه الآية ) واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( اتقوا لا أعذبكم بذنوبكم في النار التي أعددتها للكافرين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عطاء بن أبي رباح قال قال المسلمون يا رسول الله أبنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا كانوا إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجدع أنفك اجدع أذنك افعل كذا وكذا فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) وسارعوا ( الآية وأخرج ابن المنذر عن أنس بن مالك في تفسير ) وسارعوا ( قال التكبيرة الأولى وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس في قوله ) عرضها السماوات والأرض ( مثل ما ذكرناه سابقا عن الجمهور وأخرج نحوه عنه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق كريب واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) الذين ينفقون في السراء والضراء ( يقول في اليسر والعسر ) والكاظمين الغيظ ( يقول كاظمين على الغيظ وقد وردت أحاديث كثيرة في ثواب من كظم الغيظ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن النخعي في الآية قال الظلم من الفاحشة والفاحشة من الظلم وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والطبراني وابن أبي الدنيا وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما فاستغفر الله إلا غفر له ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( الآية وقوله ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( الآية وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ثابت البناني قال بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية بكى ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( الآية وأخرج الحكيم الترمذي عن عطاف بن خالد قال بلغني أنه لما نزل قوله تعالى ) ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا ( صاح إبليس بجنوده وحثا على رأسه التراب ودعا بالويل والثبور حتى جاءته جنوده من كل بر وبحر فقالوا مالك يا سيدنا قال آية نزلت في كتاب الله لا يضر بعدها أحد من بني آدم ذنب قالوا وما هي فأخبرهم قالوا نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ولا يستغفرون ولا يرون إلا أنهم على الحق فرضي منهم بذلك وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والحميدي وعبد بن حميد وأهل السنن الأربع وحسنه النسائي وابن حبان والدارقطني في الإفراد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن السني والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة عن أبي بكر الصديق سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم عند ذكر ذنبه فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله من ذنبه ذلك إلا غفر الله له ثم قرأ هذه الآية ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( الآية ) وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن مرفوعا نحوه ولكنه قال ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى


"""""" صفحة رقم 383 """"""
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة )
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) ولم يصروا ( فيسكتون ولا يستغفرون
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ) ونعم أجر العاملين ( قال أجر العاملين بطاعة الله الجنة
آل عمران 137 148
آل عمران : ( 137 ) قد خلت من . . . . .
قوله ) قد خلت من قبلكم سنن ( هذا رجوع إلى وصف باقي القصة والمراد بالسنن ما سنه الله في الأمم من وقائعه أي قد خلت من قبل زمانكم وقائع سنها الله في الأمم المكذبة واصل السنن جمع سنة وهي الطريقة المستقيمة ومنه قول الهذلي فلا تجزعن من سنة أنت سرتها
فأول راض سنة من يسيرها


"""""" صفحة رقم 384 """"""
والسنة الإمام المتبع المؤتم به ومنه قول لبيد من مشعر سنت لهم آباؤهم
ولكل قوم سنة وإمام
والسنة الأمة والسنن الأمم قاله المفضل الضبي وقال الزجاج المعني في الآية أهل سنن فحذف المضاف والفاء في قوله ) فسيروا ( سببية وقيل شرطية أي إن شككتم فسيروا والعاقبة آخر الأمر والمعنى سيروا فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين فإنهم خالفوا رسلهم بالحرص على الدنيا ثم انقرضوا فلم يبق من دنياهم التي آثروها أثر هذا قول أكثر المفسرين والمطلوب من هذا السير المأمور به هو حصول المعرفة بذلك فإن حصلت بدونه فقد حصل المقصود وإن كان لمشاهدة الآثار زيادة غير حاصلة لمن لم يشاهدها
آل عمران : ( 138 ) هذا بيان للناس . . . . .
والإشارة بقوله ) هذا ( إلى قوله ) قد خلت ( وقال الحسن إلى القرآن ) بيان للناس ( أي تبيين لهم وتعريف الناس للعهد وهم المكذبون أو للجنس أي للمكذبين وغيرهم وفيه حث على النظر في سوء عاقبة المكذبين وما انتهى إليه أمرهم قوله ) وهدى وموعظة ( أي هذا النظر مع كونه بيانا فيه هدى وموعظة للمتقين من المؤمنين فعطف الهدى والموعظة على البيان يدل على التغاير ولو باعتبار المتعلق وبيانه أن اللام في الناس إن كانت للعهد فالبيان للمكذبين والهدى والموعظة للمؤمنين وإن كانت للجنس فالبيان لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم والهدى والموعظة للمتقين وحدهم
آل عمران : ( 139 ) ولا تهنوا ولا . . . . .
قوله ) ولا تهنوا ولا تحزنوا ( عزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز والفشل ثم بين لهم أنهم الأعلون على عدوهم بالنصر والظفر وهي جملة حالية أي والحال أنكم الأعلون عليهم وعلى غيرهم بعد هذه الوقعة وقد صدق الله وعده فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد وقعة أحد ظفر بعدوه في جميع وقعاته وقيل المعنى وأنتم الأعلون عليهم بما أصبتم منهم في يوم بدر فإنه أكثر مما اصابوا منكم اليوم وقوله ) إن كنتم مؤمنين ( متعلق بقوله ) ولا تهنوا ( وما بعده أو بقوله ) وأنتم الأعلون ( أي إن كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا أو إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلون
آل عمران : ( 140 ) إن يمسسكم قرح . . . . .
والقرح بالضم والفتح الجرح وهما لغتان فيه قاله الكسائي والأخفش وقال الفراء هو بالفتح الجرح وبالضم ألمه وقرأ محمد بن السميفع ( قرح ) بفتح القاف والراء على المصدر والمعنى في الآية إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر فلا تهنوا لما أصابكم في هذا اليوم فإنهم لم يهنوا لما أصابهم في ذلك اليوم وأنتم أولى بالصبر منهم وقيل إن المراد بما أصاب المؤمنين والكافرين في هذا اليوم فإن المسلمين انتصروا عليهم في الابتداء فأصابوا منهم جماعة ثم انتصر الكفار عليهم فأصابوا منهم والأول الأولى لأن ما أصابه المسلمون من الكفار في هذا اليوم لم يكن مثل ما أصابوه منهم فيه وقوله ) وتلك الأيام ( أي الكائنة بين الأمم في حروبها والآتية فيما بعد كالأيام الكائنة في زمن النبوة تارة تغلب هذه الطائفة وتارة تغلب الأخرى كما وقع لكم أيها المسلمون في يوم بدر وأحد وهو معنى قوله ) نداولها بين الناس ( فقوله ) تلك ( مبتدأ والأيام صفته والخبر نداولها وأصل المداولة المعاورة داولته بينهم عاورته والدولة الكرة ويجوز أن تكون الأيام خبرا ونداولها حالا والأول أولى وقوله ) وليعلم الله ( معطوف على علة مقدرة كأنه قال نداولها بين الناس ليظهر أمركم وليعلم أو يكون المعلل محذوفا أي ليعلم الله الذي اتقوا فعلنا ذلك وهو من باب التمثيل أي فعلنا فعل من يريد أن يعلم لأنه سبحانه لم يزل عالما أو ليعلم الله الذي آمنوا بصبرهم علما يقع عليه الجزاء كما علمه علما أزليا ) ويتخذ منكم شهداء ( أي يكرمهم بالشهادة والشهداء جمع شهيد سمى بذلك لكونه مشهودا له بالجنة أو جمع شاهد لكونه كالمشاهد للجنة ومن للتبعيض وهم شهداء أحد وقوله ) والله لا يحب الظالمين ( جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لتقرير مضمون ما قبله
آل عمران : ( 141 ) وليمحص الله الذين . . . . .
وقوله ) وليمحص الله الذين آمنوا (


"""""" صفحة رقم 385 """"""
من جملة العلل معطوف على ما قبله والتمحيص الاختبار وقيل التطهير على حذف مضاف أي ليمحص ذنوب الذين آمنوا قاله الفراء وقيل يمحص يخلص قاله الخليل والزجاج أي ليخلص المؤمنين من ذنوبهم وقوله ) ويمحق الكافرين ( أي يستأصلهم بالهلاك واصل التمحيق محو الآثار والمحق نقصها
آل عمران : ( 142 ) أم حسبتم أن . . . . .
قوله ) أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ( كلام مستأنف لبيان ما ذكر من التمييز وأم هي المنقطعة والهمزة للإنكار أي بل أحسبتم والواو في قوله ) ولما يعلم الله ( واو الحال والجملة حالية وفيه تمثيل كالأول أو علم يقع عليه الجزاء وقوله ) ويعلم الصابرين ( ) وليعلم الذين ( منصوب بإضمار أن كما قال الخليل وغيره على أن الواو للجمع وقال الزجاج الواو بمعنى حتى وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر ( ويعلم الصابرين ) بالجزم عطفا على ( ولما يعلم ) وقريء بالرفع على القطع وقيل إن قوله ) ولما يعلم ( كناية عن نفي المعلوم وهو الجهاد والمعنى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة والحال أنه لم يتحقق منكم الجهاد والصبر أي الجمع بينهما ومعنى ( لما ) معنى ( لم ) عند الجمهور وفرق سيبويه بينهما فجعل لم لنفي الماضي ولما لنفي الماضي والمتوقع
آل عمران : ( 143 ) ولقد كنتم تمنون . . . . .
قوله ) ولقد كنتم تمنون الموت ( هو خطاب لمن كان يتمنى القتال والشهادة في سبيل الله ممن لم يحضر يوم بدر فإنهم كانوا يتمنون يوما يكون فيه قتال فلما كان يوم أحد انهزموا مع أنهم الذي ألحوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالخروج ولم يصبر منهم إلا نفر يسير مثل أنس بن النضر عم أنس بن مالك وقوله ) من قبل أن تلقوه ( أي القتال أو الشهادة التي هي سبب الموت وقرأ الأعمش ( من قبل أن تلاقوه ) وقد ورد النهي عن تمني الموت فلا بد من حمله هنا على الشهادة قال القرطبي وتمني الموت من المسلمين يرجع إلى تمني الشهادة المبنية على الثبات والصبر على الجهاد لا إلى قتل الكفار لهم لأنه معصية وكفر ولا يجوز إرادة المعصية وعلى هذا يحمل سؤال المسلمين من الله أن يرزقهم الشهادة فيسألون الصبر على الجهاد وإن أدى إلى القتل قوله ) فقد رأيتموه ( أي القتال أو ما هو سبب للموت ومحل قوله ) وأنتم تنظرون ( النصب على الحال وقيد الرؤية بالنظر مع اتحاد معناهما للمبالغة أي قد رأيتموه معاينين له حين قتل من قتل منكم قال الأخفش إن التكرير بمعنى التأكيد مثل قوله ) ولا طائر يطير بجناحيه ( وقيل معناه بصراء ليس في أعينكم علل وقيل معناه وأنتم تنظرون إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم )
آل عمران : ( 144 ) وما محمد إلا . . . . .
وقوله ) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( سبب نزول هذه ما سيأتي من أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما أصيب في يوم أحد صاح الشيطان قائلا قد قتل محمد ففشل بعض المسلمين حتى قال قائل قد أصيب محمد فأعطوا بأيديكم فإنما هم إخوانكم وقال آخر لو كان رسولا ما قتل فرد الله عليهم ذلك واخبرهم بأنه رسول قد خلت من قبله الرسل وسيخلو كما خلوا فجملة قوله ) قد خلت من قبله الرسل ( صفة لرسول والقصر قصر إفراد كأنهم استبعدوا هلاكه فأثبتوا له صفتين الرسالة وكونه لا يهلك فرد الله عليهم ذلك بأنه رسول لا يتجاوز ذلك إلى صفة عدم الهلاك وقيل هو قصر قلب وقرأ ابن عباس ( قد خلت من قبل رسل ) ثم أنكر الله عليهم بقوله ) أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ( أي كيف ترتدون وتتركون دينه إذا مات أو قتل مع علمكم أن الرسل تخلو ويتمسك أتباعهم بدينهم وإن فقدوا بموت أو قتل وقيل الإنكار لجعلهم خلو الرسل قبله سببا لانقلابهم بموته أو قتله وإنما ذكر القتل مع علمه سبحانه أنه لا يقتل لكونه مجوزا عند المخاطبين قوله ) ومن ينقلب على عقبيه ( أي بإدباره عن القتال أو بارتداده عن الإسلام ) فلن يضر الله شيئا ( من الضرر وإنما يضر نفسه ) وسيجزي الله الشاكرين ( أي الذين صبروا وقاتلوا واستشهدوا لأنهم بذلك شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام ومن امتثل ما أمر به فقد شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه
آل عمران : ( 145 ) وما كان لنفس . . . . .
قوله ) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ( هذا كلام مستأنف


"""""" صفحة رقم 386 """"""
يتضمن الحث عه الجهاد والاعلام بان الموت لابد منه ومعنى ( بإذن الله ) بقضاء الله وقدره وقيل إن هذه الجملة متضمنة للإنكار على من فشل بسبب ذلك الإرجاف بقتله ( صلى الله عليه وسلم ) فبين لهم ان الموت بالقتل أو بغيره منوط بإذن الله وإسناده إلى النفس مع كونها غير محتارة له للإيذان بأنه لا ينبغي لأحد ان بقدم عليه إلا بإذن الله وقوله ( كتابا ) مصدر مؤكد لما قبله لأن معناه كتب الله الموت كتابا والمؤجل المؤقت الذي لا يتقدم على أجله ولا يتأخر قوله ( ومن يرد ) أي بعمله ( ثواب الدنيا ) كالغنيمة ونحوها واللفظ يعم كل ما يسمى ثواب الدنيا وإن كان السبب خاصا ( نؤته منها ) أي من ثوابها على حذف المضاف ( ومن يرد ) بعمله ( ثواب الآخرة ) وهو الجنة نؤته من ثوابها ونضاعف له الحسنات أضعافا كثيرة ( وسنجزي الشاكرين ) بامتثال ما أمرناهم به كالقتال ونهيانهم عنه كالفرار وقبول الإرجاف
آل عمران : ( 146 ) وكأين من نبي . . . . .
وقوله ( وكأين ) قال الخليل وسيبويه هي أي دخلت عليها كاف التشبيه وثبتت معها فصارت بعد التركيب بمعنى كم وصورت في المصحف نونا لأنها كلمة نقلت عن أصلها فغير لفظها لتغيير معناها ثم كثر استعمالها فتصرفت فيها العرب بالقلب والحذف فصار فيها أربع لغات قريء بها أحدها كائن مثل كاعن وبها قرأ ابن كثير ومثله قوله الشاعر وكائن بالأباطح من صديق
تراه لو اصبت هو المصابا
وقال آخر وكائن رددنا عنكم من مدجج
بحي أمام الركب يردى مقنعا
وقال زهير وكائن ترى من معجب لك شخصه
زيادته أو نقصه في التكلم
وكأين بالتشديد مثل كعين وبه قر أ الباقون وهو الأصل والثالثة كأين مثل كعين مخففا والرابعة كيئن بياء بعدها همزة مكسورة ووقف أبو عمرو بغير نون فقال كأي لأنه تنوين ووقف الباقون بالنون والمعنى كثير من الأنبياء قتل معه ربيون قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب قتل على البناء للمجهول وهي قراءة ابن عباس واختارها أبو حاتم وفيه وجهان أحدهما ان يكون في ( قتل ) ضمير يعود إلى النبي وحينئذ يكون قوله ( معه ربيون ) جملة حالية كما يقال قتل الأمير معه جيش أي ومعه جيش والوجه الثاني ان يكون القتل واقعا على ربيون فلا يكون في قتل ضمير والمعنى قتل بعض أصحابه وهم الربيون وقرأ الكوفيون وابن عامر ( قاتل ) وهي قراءة ابن مسعود واختارها أبو عبيد وقال ان الله إذا حمد من قاتل كان من قتل داخلا فيه وإذا حمد من قتل لم يدخل فيه من قاتل ولم يقتل فقاتل أعم وأمدح ويرجح هذه القراءة الأخرى والوجه الثاني من القراءة الأولى قول الحسن ما قتل نبي في حرب قط وكذا قال سعيد بن جبير والربيون بكسر الراء قراءة الجمهور وقرأ على بضمها وابن عباس بفتحها وواحده ربي بالفتح منسوب إلى الرب والربي بضم الراء وكسرها منسوب إلى الربة بكسر الراء وضمها وهي الجماعة ولهذا فسرهم جماعة من السلف بالجماعات الكثيرة وقيل هم الاتباع وقيل هم العلماء قال الخليل الربي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء وهم الربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية وقال الزجاج الربيون بالضم الجماعات قوله ( فما وهنوا ) عطف على قاتل أو قتل والوهن انكسار الجد بالخوف وقرأ الحسن ( وهنوا ) بكسر الهاء وضمها قال أبو زيد لغتان وهن الشيء يهن وهنا ضعف أي ما وهنوا لقتل نبيهم أو لقتل من قتل منهم ( وما ضعفوا ) أي عن عدوهم ( وما استكانوا ) لما اصابهم في الجهاد والاستكانة الذلة والخضوع وقريء ( وما وهنوا وما ضعفوا ) بإسكان الهاء والعين وحكى الكسائي ضعفوا بفتح العين وفي هذا توبيخ لمن انهزم يوم أحد وذل واستكان وضعف بسبب ذلك الإرجاف الواقع من الشيطان ولم يصنع كما صنع أصحاب من خلا من قبلهم من الرسل
آل عمران : ( 147 ) وما كان قولهم . . . . .
قوله ( وما كان


"""""" صفحة رقم 387 """"""
قولهم ) أي قول أولئك الذين كانوا مع الأنبياء إلا هذا القول وقولهم منصوب على انه خبر كان وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية عنهما برفع قولهم وقوله ( إلا ان قالوا ) استثناء مفرغ أي ما كان قولهم عند ان قتل منهم ربانيون أو قتل نبيهم ( إلا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا ) قيل هي الصغائر وقوله ( وإسرافنا في أمرنا ) قيل هي الكبائر الظاهر ان الذنوب تعم كل ما يسمى ذنبا من صغيرة أو كبيرة والإسراف ما فيه مجاوزة للحد فهو من عطف الخاص على العام قالوا ذلك مع كونهم ربانيين هضما لأنفسهم ( وثبت اقدامنا ) في مواطن القتال
آل عمران : ( 148 ) فآتاهم الله ثواب . . . . .
( فآتاهم الله ) بسبب ذلك ( ثواب الدنيا ) من النصر والغنيمة والعزة ونحوها ( وحسن ثواب الآخرة ) من إضافة الصفة إلى الموصوف أي ثواب الآخرة الحسن وهو نعيم الجنة جعلنا الله من أهلها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ( قد خلت من قبلكم سنن ) قال تداول من الكفار والمؤمنين في الخير والشر وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب المصاحف عن سعيد بن جبير قال أول ما نزل من آل عمران ( هذا بيان للناس ) ثم انزل بقيتها يوم أحد وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ( هذا بيان ) يعني القرآن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال أقبل خالد بن الوليد يريد ان يعلو عليهم الجبل فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( اللهم لا يعلون علينا ) فأنزل الله ( ولاتهنوا ولا تحزنوا ) الآية وأخرج أبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال انهزم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الشعب يوم أحد فسألوا ما فعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وما فعل فلان فنعى بعضهم لبعض وتحدثوا ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد قتل فكانوا في هم وحزن فبينما هم كذلك علا خالد بن الوليد بخيل المشركين فوقهم على الجبل وكانوا على أحد مجنبتي المشركين وهم أسفل من الشعب فلما رأوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فرحوا فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم لا قوة لنا إلا بك وليس أحد يعبدك بهذا البلد غير هؤلاء النفر فلا تهلكهم ) وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا فرموا خيل المشركين حتى هزمهم الله وعلا المسلمين الجبل فذلك قوله ( وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ( وأنتم الأعلون ) قال وأنتم الغالبون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ( إن يمسسكم قرح ) قال جراح وقتل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ) قال إن يقتل منكم يوم أحد فقد قتل منهم يوم بدر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عابس في قوله ( وتلك الأيام نداولها بين الناس 9 قال كان يوم أحد بيوم بدر وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله ) وتلك الأيام ( الآية قال أدال المشركين على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد وبلغني أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد بضعة وسبعين ألفا عدد الأسارى الذين أسروا يوم بدر من المشركين وكان عدد الأسارى يوم بدر ثلاثة وسبعين رجلا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ( ويتخذ منكم شهداء ) قال ان المسلمين كانوا يسألون ربهم اللهم ربنا ارنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبليك فيه خيرا ونلتمس فيه الشهادة فلقوا المشركين يوم أحد فاتخذ منهم شهداء وأخرجا عنه في قوله ( وليمحص الله الذين آمنوا ) قال يبتليهم ( ويمحق الكافرين ) قال ينقصهم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عنه أن رجالا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا يقولون ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبلى فيه خيرا ونلتمس الشهادة والجنة والحياة والرزق فأشهدهم


"""""" صفحة رقم 388 """"""
الله أحدا فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم فقال الله ( ولقد كنتم تمنون الموت ) الآية وأخرج أبن المنذر عن كليب قال خطبنا عمر بن الخطاب فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول غنها أحدية ثم قال تفرقنا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم أحد فصعدت الجبل فسمعت يهوديا يقول قتل محمد فقلت لا اسمع أحدا يقول قتل محمد إلا ضربت عنقه فنظرت فإذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والناس يتراجعون إليه فنزلت هذه الآية ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال نادى مناد يوم أحد ألا إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول فأنزل الله ( وما محمد إلا رسول ) وأخرج أيضا عن مجاهد نحوه وأخرج أيضا عن على في قوله ) وسيجزي الله الشاكرين ( قال الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه فكان على يقول كان أبو بكر أمير الشاكرين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم عنه انه كان يقول في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ) والله لا ننقلب على اعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قتل عليه حتى اموت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله ( ربيون ) قال ألوف وأخرج سعيد بن منصور عن الضحاك قال الربة الواحدة ألف و أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( ربيون ) قال جموع وأخرج ابن جرير عنه قال علماء كثير وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ( وما استكانوا ) قال تخشعوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ( وإسرافنا في أمرنا ) قال خطايانا
آل عمران 149 153
آل عمران : ( 149 ) يا أيها الذين . . . . .
لما أمر الله سبحانه بالاقتداء بمن تقدم من أنصار الأنبياء حذر عن طاعة الكفار وهم مشركو العرب وقيل اليهود والنصارى وقيل المنافقون في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة ارجعوا إلى دين آبائكم وقوله ( يردوكم على أعقابكم ) أي يخرجوكم من دين الإسلام إلى الكفر ( فتنقلبوا خاسرين ) أي ترجعوا مغبونين
آل عمران : ( 150 ) بل الله مولاكم . . . . .
وقوله ( بل الله مولاكم ) إضراب عن مفهوم الجملة الأولى أي تطيعوا الكافرين يخذلوكم ولا ينصروكم بل الله ناصركم


"""""" صفحة رقم 389 """"""
لا غيره وقريء ( بل الله ) بالنصب على تقدير بل أطيعوا الله
آل عمران : ( 151 ) سنلقي في قلوب . . . . .
قوله ( سنلقي ) قرأ السختياني بالياء التحتية وقرأ الباقون بالنون وقرأ ابن عامر والكسائي ( الرعب ) بضم العين وقرأ الباقون بالسكون وهما لغتان يقال رعبته رعبا ورعبا فهو مرعوب ويجوز ان يكون مصدرا والرعب بالضم الإسم وأصله المليء يقال سيل راعب أي يملأ الوادي ورعبت الحوض ملأته فالمعنى سنملأ قلوب الكافرين رعبا أي خوفا وفزعا والإلقاء يستعمل حقيقة في الاجسام ومجازا في غيرها كهذه الآية وذلك ان المشركين بعد وقعة أحد ندموا ان لا يكونوا استأصلوا المسلمين وقالوا بئسما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به ( بما اشركوا بالله ) متعلق بقوله ( سنلقى ) وما مصدرية أي بسبب إشراكهم ( ما لم ينزل به سلطانا ) أي ما لم ينزل الله بجعله شريكا له حجة وبيانا وبرهانا والنفي يتوجه إلى القيد والمقيد أي لا حجة ولا إنزال والمعنى ان الإشراك بالله لم يثبت في شيء من الملل والمثوى المكان الذي يقام فيه يقال ثوى يثوى ثواء
آل عمران : ( 152 ) ولقد صدقكم الله . . . . .
قوله ( ولقد صدقكم الله وعده ) نزلت لما قال بعض المسلمين من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر وذلك انه كان الظفر لهم في الابتداء حتى قتلوا صاحب لواء المشركين وتسعة نفر بعده فلما اشتغلوا بالغنيمة وترك الرماة مركزهم طلبا للغنيمة كان ذلك سبب الهزيمة والحس الاستئصال بالقتل قاله أبو عبيد يقال جراد محسوس إذا قتله البرد وسنة حسوس أي جدبة تأكل كل شئ قيل وأصله من الحس الذي هو الادراك بالحاسة فمعنى حسه أذهب حسه بالقتل وتحسونهم تقتلونهم وتستأصلونهم قال الشاعر حسسناهم بالسيف حسا فأصبحت
بقيتهم قد شردوا وتبددوا
وقال جرير تحسهم السيوف كما تسامى
حريق النار في الأجم الحصيد
( بإذنه ) أي بعلمه أو بقضائه ( حتى إذا فشلتم ) أي جبنتم وضعفتم قيل جواب حتى محذوف تقديره امتحنتم وقال الفراء جواب حتى قوله ( وتنازعتم ) والواو مقحمة زائدة كقوله ) فلما أسلما وتله للجبين ( وقال أبو علي يجوز ان يكون الجواب صرفكم عنهم وقيل فيه تقديم وتأخير أي حتى إذا نازعتم وعصيتم فشلتم وقيل إن الجواب عصيتم والواو مقحمة وقد جوز الأخفش مثله في قوله تعالى ) حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم ( وقيل حتى بمعنى إلى وحينئذ لا جواب لها والتنازع المذكور وهو ما وقع من الرماة حين قال بعضهم نلحق الغنائم وقال بعضهم نثبت في مكاننا كما أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) و معنى قوله ( من بعد ما أراكم ما تحبون ) ما وقع لهم من النصر في الابتداء في يوم أحد كما تقدم ( منكم من يريد الدنيا ) يعني الغنيمة 0 ( ومنكم من يريد الآخرة ) أي الأجر بالبقاء في مراكزهم امتثالا لأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) أي ردكم الله عنهم بالانهزام بعد ان استوليتم عليهم ليمتحنكم ( ولقد عفا عنكم ) لما علم من ندمكم فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة والخطاب لجميع المنهزمين وقيل للرماة فقط
آل عمران : ( 153 ) إذ تصعدون ولا . . . . .
قوله ( إذ تصمدون ) متعلق بقوله صرفكم ) أو بقوله ( ولقد عفا عنكم ) أو بقوله ( ليبتليكم ) وقرأه الجمهور بضم التاء وكسر العين وقرأ أبو رجاء العطاردي وأبو عبدالرحمن السلمى والحسن وقتادة بفتح التاء والعين وقرأ ابن محيصن وقنبل ( تصعدون بالتحتية وقال أبو حاتم أصعدت إذا مضيت حيال وجهك وصعدت إذا ارتقيت في جبل فالإصعاد السير في مستوى الأرض وبطون الأودية والصعود الإرتفاع على الجبال والسطوح والسلالم والدرج فيحتمل ان يكون صعودهم في الجبل بعد إصعادهم في الوادي فيصح المعنى على القراءتين وقال القتيبى أصعد إذا أبعد في الذهاب وأمعن فيه ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 390 """"""
ألا أيها ذا السائلى أين أصعدت
فإن لها من بطن يثرب موعدا
وقال الفراء الإصعاد الابتداء في السفر والانحدار الرجوع منه يقال اصعدنا من بغداد إلى مكة وإلى خراسان وأشباه ذلك إذا خرجنا إليها وأخذنا في السفر وانحدرنا إذا رجعنا وقال المفضل صعد وأصعد بمعنى واحد ومعنى ( تلوون ) تعرجون وتقيمون أي لا يلتفت بعضكم إلى بعض هربا فإن المعرج إلى الشيء يلوى إليه عنقه أو عنق دابته ( على أحد ) أي على أحد ممن معكم وقيل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقرأ الحسن ( تلون ) بواو واحدة وقرأ عاصم في رواية عنه بضم التاء وهي لغة قوله ( والرسول يدعوكم في أخراكم ) أي في الطائفة المتأخرة منكم يقال جاء فلان في آخر الناس وآخرة الناس وأخرى الناس وأخريات الناس وكان دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي عباد الله ارجعوا قوله ( فأثابكم ) عطف على صرفكم أي فجازاكم الله غما حين صرفكم عنه بسبب غم أذقتموه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعصيانكم أو غما موصولا بغم بسبب ذلك الإرجاف والجرح والقتل وظفر المشركين والغم في الأصل التغطية غميت الشيء غطيته ويوم غم وليلة غمة إذا كانا مظلمين ومنه غم الهلال وقيل الغم الأول الهزيمة والثاني إشراف أبي هريرة وخالد بن الوليد عليهم في الجبل قوله ) لكيلا تحزنوا ( اللام متعلقة بقوله ( فأثابكم ) أي هذا الغم بعد الغم لكيلا تحزنوا على ما فات من الغنيمة ولا ما أصابكم من الهزيمة تمرينا لكم على المصائب وتدريبا لاحتمال الشدائد وقال المفضل معنى ( ليكلا تحزنوا ) لكى تحزنوا ولا زائدة كقوله تعالى ما منعك ان لا تسجد أي ان تسجد وقوله لئلا يعلم أهل الكتاب أي ليعلم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا ( قال لا تنتصحوا اليهود والنصارى على دينكم ولا تصدقوهم بشيء في دينكم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى يقول إن تطيعوا أبا سفيان بن حرب يردكم كفارا وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ( نحو ما قدمناه في سبب نزول الآية وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة في قوله ( ولقد صدقكم الله وعده ) قال كان الله وعدهم على الصبر والتقوى ان يمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وكان قد فعل فلما عصوا أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتركوا مصافهم وتركت الرماة عهد الرسول إليهم ان لا يبرحوا منازلهم وأرادوا الدنيا رفع عنهم مدد الملائكة وقصة أحد مستوفاة في السير والتواريخ فلا حاجة إلى إطالة الشرح هنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عبد الرحمن بن عوف في قوله ( إذ تحسونهم ) قال الحس القتل وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال الفشل الجبن وأخرج ابن المنذر عن البراء بن عازب في قوله ( من بعد ما أراكم ما تحبون ) قال الغنائم وهزيمة القوم وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ) ولقد عفا عنكم ( قال يقول الله قد عفوت عنكم أن لا أكون أستأصلكم وأخرج أيضا عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ( إذا تصعدون ) قال اصعدوا في أحد فرارا والرسول يدعوهم في اخراهم ( إلى عباد الله ارجعوا إلى عباد الله ارجعوا ) وأخرج ابن مردويه عن عبدالرحمن بن عوف ( فأثابكم غما بغم ) قال الغم الأول بسبب الهزيمة والثاني حين قيل قتل محمد وكان ذلك عندهم أعظم من الهزيمة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ( غما بغم ) قال فرة بعد الفرة الأولى حين سمعوا الصوت ان محمدا قد قتل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم قال الغم الأول الجراح والقتل و الغم الآخر حين سمعوا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد قتل وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله


"""""" صفحة رقم 391 """"""
آل عمران 154 155
آل عمران : ( 154 ) ثم أنزل عليكم . . . . .
الأمنة والأمن سواء وقيل الأمنة إنما تكون مع أسباب الخوف والأمن مع عدمه وهي منصوبة بأنزل ونعاسا بدل منها أو عطف بيان أو مفعول له وأما ما قيل من أن أمنة حال من نعاسا مقدمة عليه أو حال من المخاطبين أو مفعول له فبعيد وقرأ ابن محيصن ) أمنة ( بسكون الميم قوله ) يغشى ( قريء بالتحتية على أن الضمير للنعاس وبالفوقية على أن الضمير لأمنة والطائفة تطلق على الواحد والجماعة والطائفة الأولى هم المؤمنون الذين خرجوا للقتال طلبا للأجر والطائفة الأخرى هم متعب بن قشير وأصحابه وكانوا خرجوا طمعا في الغنيمة وجعلوا يناشدون على الحضور ويقولون الأقاوئل ومعنى ) أهمتهم أنفسهم ( حملتهم على الهم أهمني الأمر أقلقني والواو في قوله ) وطائفة ( للحال وجاز الابتداء بالنكرة لاعتمادها على واو الحال وقيل إن معنى ) أهمتهم أنفسهم ( صارت همهم لا هم لهم غيرها ) يظنون بالله غير الحق ( هذه الجملة في محل نصب على الحال أي يظنون بالله غير الحق الذي يجب أن يظن به وظن الجاهلية بدل منه وهو الظن المختص بملة الجاهلية أو ظن أهل الجاهلية وهو ظنهم أن أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) باطل وأنه لا ينصر ولا يتم ما دعا إليه من دين الحق وقوله ) يقولون ( بدل من ( يظنون ) أي يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( هل لنا من الأمر من شيء ) أي هل لنا من أمر الله نصيب وهذا الاستفهام معناه الجحد أي ما لنا شيء من الأمر وهو النصر والاستظهار على العدو وقيل هو الخروج أي إنما خرجنا مكرهين فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله ) قل إن الأمر كله لله ( وليس لكم ولا لعدوكم منه شيء فالنصر بيده والظفر منه وقوله ) يخفون في أنفسهم ( أي يضمرون في أنفسهم النفاق ولا يبدون لك ذلك بل يسألونك سؤال المسترشدين وقوله ) يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ( استئناف كأنه قيل ما هو الأمر الذي يخفون في أنفسهم فقيل يقولون فيما بينهم أو في أنفسهم ) لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ( أي ما قتل من قتل منا في هذه المعركة فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله ) قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ( أي لو كنتم قاعدين في بيوتكم لم يكن بد من خروج من كتب عليه القتل إلى هذه المصارع التي صرعوا فيها فإن قضاء الله لا يرد وقوله ) وليبتلي الله ما في صدوركم ( علة لفعل مقدر قبلها معطوفة على علل له أخرى مطوية للإيذان بكثرتها كأنه قيل لعل ما فعل لمصالح جمة ) وليبتلي ( إلخ وقيل إنه معطوف على علة مطوية لبرز والمعنى ليمتحن ما في صدوركم


"""""" صفحة رقم 392 """"""
من الإخلاص وليمحص ما في قلوبكم من وساوس الشيطان
آل عمران : ( 155 ) إن الذين تولوا . . . . .
قوله ) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ( أي انهزموا يوم أحد وقيل المعنى إن الذين تولوا المشركين يوم أحد ) إنما استزلهم الشيطان ( استدعى زللهم بسبب بعض ما كسبوا من الذنوب التي منها مخالفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولقد عفا الله عنهم ( لتوبتهم واعتذارهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال أمنهم الله يومئذ بنعاس غشاهم وإنما ينعس من يأمن وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن أبا طلحة قال غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه فذلك قوله ) ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا ( الآية وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن الزبير بن العوام قال رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت جحفته من النعاس وتلا هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال إن المنافقين قالوا لعبدالله بن أبي وكان سيد المنافقين قتل اليوم بنو الخزرج فقال وهل لنا من الأمر شيء أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله ) ظن الجاهلية ( قال ظن أهل الشرك وأخرج أين إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال معتب هو الذي قال يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أن الذي قال ذلك عبدالله بن أبي وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبدالرحمن بن عوف في قوله ) إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان ( قال هم ثلاثة واحد من المهاجرين واثنان من الأنصار وأخرج ابن منده وابن عساكر عن ابن عباس في الآية قال نزلت في عثمان ورافع بن المعلى وخارجة بن زيد وقد روى في تعيين ( من ) في الآية روايات كثيرة
آل عمران 156 164


"""""" صفحة رقم 393 """"""
آل عمران : ( 156 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) لا تكونوا كالذين كفروا ( هم المنافقون الذين قالوا لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا قوله ) وقالوا لإخوانهم ( في النفاق أو في النسب أي قالوا لأجلهم ) إذا ضربوا في الأرض ( إذا ساروا فيها للتجارة أو نحوها قيل إن إذا هنا المفيدة لمعنى الاستقبال بمعنى إذ المفيدة لمعنى المضي وقيل هي على معناها والمراد هنا حكاية الحال الماضية وقال الزجاج إذا هنا تنوب عن ما مضي من الزمان وما يستقبل ) أو كانوا غزى ( جمع غاز كراكع وركع وغائب وغيب قال الشاعر قل للقوافل والغزى إذا غزوا
) ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ( اللام متعلقة بقوله ) قالوا ( أي قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم والمراد أنه صار ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا حسرة أو متعلقة بقوله ) لا تكونوا ( أي لا تكونوا مثلهم في إعتقاد ذلك ليجعله الله حسرة في قلوبهم فقط دون قلوبكم وقيل المعنى لا تلتفتوا إليهم ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة في قلوبهم وقيل المراد حسرة في قلوبهم يوم القيامة لما فيه من الخزي والندامة ) والله يحيي ويميت ( فيه رد على قولهم أي ذلك بيد الله سبحانه يصنع ما يشاء ويحكم ما يريد فيحيى من يريد ويميت من يريد من غير أن يكون للسفر أو الغزو أثر في ذلك
آل عمران : ( 157 ) ولئن قتلتم في . . . . .
واللام في قوله ) ولئن قتلتم ( موطئة وقوله ) لمغفرة ( جواب القسم ساد مسد جواب الشرط والمعنى أن السفر والغزو ليسا مما يجلب الموت ولئن وقع ذلك بأمر الله سبحانه ) لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ( أي الكفرة من منافع الدنيا وطيباتها مدة أعمارهم على قراءة من قرأ بالياء التحتية أو خير مما تجمعون أيها المسلمون من الدنيا ومنافعها على قراءة من قرأ بالفوقية والمقصود في الآية بيان مزية القتل أو الموت في سبيل الله وزيادة تأثيرهما في استجلاب المغفرة والرحمة
آل عمران : ( 158 ) ولئن متم أو . . . . .
قوله ) ولئن متم أو قتلتم ( على أي وجه حسب تعلق الإرادة الإلهية ) لإلى الله تحشرون ( هو جواب القسم المدلول عليه باللام الموطئة ساد مسد جواب الشرط كما تقدم في الجملة الأولى أي إلى الرب الواسع المغفرة تحشرون لا إلى غيره كما يفيده تقديم الظرف على الفعل مع ما في تخصيص اسم الله سبحانه بالذكر من الدلالة على كمال اللطف والقهر
آل عمران : ( 159 ) فبما رحمة من . . . . .
( وما ) في قوله ) فبما رحمة من الله ( مزيدة للتأكيد قاله سيبويه وغيره وقال ابن كيسان إنها نكرة في موضع جر بالباء ورحمة بدل منها والأول اولي بقواعد العربية ومثله قوله تعالى ) فبما نقضهم ميثاقهم ( والجار والمجرور متعلق بقوله ) لنت لهم ( وقدم عليه لإفادة القصر وتنوين رحمة للتعظيم والمعنى أن لينه لهم ما كان إلا بسبب الرحمة العظيمة منه وقيل إن ما استفهامية والمعنى فباي رحمة من الله لنت لهم وفيه معنى التعجيب وهو بعيد ولو كان كذلك لحذف الألف من ما وقيل فبم رحمة من الله والفظ الغليظ الجافي وقال الراغب الفظ هو الكريه الخلق وأصله فظظ كحذر وغلظ القلب قساوته وقلة إشفاقه وعدم إنفعاله للخير والانفضاض التفرق يقال فضضتهم فانفضوا أي فرقتهم فتفرقوا والمعنى لو كنت فظا غليظ القلب لا ترفق بهم لتفرقوا من حولك هيبة لك واحتشاما منك بسبب ما كان من توليهم وإذا كان الأمر كما ذكر ) فاعف عنهم ( فيما يتعلق بك من الحقوق ) واستغفر لهم ( الله سبحانه فيما هو إلى الله سبحانه ) وشاورهم في الأمر ( أي الذي يرد عليك أي أمر كان مما يشاور في مثله أو في أمر الحرب خاصة كما يفيده السياق لما في ذلك من تطييب خواطرهم واستجلاب مودتهم ولتعريف الأمة بمشروعية ذلك حتى لا يأنف منه أحد بعدك والمراد هنا المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها قال أهل اللغة الاستشارة مأخوذة من قول


"""""" صفحة رقم 394 """"""
العرب شرت الدابة وشورتها إذا علمت خبرها وقيل من قولهم شرت العسل إذا أخذته من موضعه قال ابن خوزمنداد واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ووجوه الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها وحكى القرطبي عن ابن عطية أنه لا خلاف في وجوب عزل من لا يستشير أهل العلم والدين قوله ) فإذا عزمت فتوكل على الله ( أي إذا عزمت عقب المشاورة على شيء واطمأنت به نفسك فتوكل على الله في فعل ذلك أي اعتمد عليه وفوض إليه وقيل إن المعنى فإذا عزمت على أمر أن تمضي فيه فتوكل على الله لا على المشاورة والعزم في الأصل قصد الإمضاء أي فإذا قصدت إمضاء أمر فتوكل على الله وقرأ جعفر الصادق وجابر بن زيد ) فإذا عزمت ( بضم التاء بنسبة العزم إلى الله تعالى أي فإذا عزمت لك على شيء وأرشدتك إليه فتوكل على الله
آل عمران : ( 160 ) إن ينصركم الله . . . . .
وقوله ) إن ينصركم الله فلا غالب لكم ( جملة مستأنفة لتأكيد التوكل والحث عليه والخذلان ترك العون أي وإن يترك الله عونكم ) فمن ذا الذي ينصركم من بعده ( وهذا الاستفهام إنكاري والضمير في قوله ) من بعده ( راجع إلى الخذلان المدلول عليه بقوله ) وإن يخذلكم ( أو إلى الله ومن علم أنه لا ناصر له إلا الله سبحانه وأن من نصره الله لا غالب له ومن خذله لا ناصر له فوض أموره إليه وتوكل عليه ولم يشتغل بغيره وتقديم الجار والمجرور على الفعل في قوله ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( لإفادة قصره عليه
آل عمران : ( 161 ) وما كان لنبي . . . . .
قوله ) وما كان لنبي أن يغل ( أي ما صح له ذلك لتنافي الغلول والنبوة قال أبو عبيد الغلول من المغنم خاصة ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغل يغل ومن الحقد غل يغل بالكسر ومن الغلول غل يغل بالضم يقال غل المغنم غلولا أي خان بأن يأخذ لنفسه شيئا يستره على أصحابه فمعنى الآية على القراءة بالبناء للفاعل ما صح لنبي أن يخون شيئا من المغنم فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول ومعناها على القراءة بالبناء للمفعول ما صح لنبي أن يغله أحد من أصحابه أي يخونه في الغنيمة وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم وإنما خص خيانة الأنبياء مع كون خيانة غيرهم من الأئمة والسلاطين والأمراء حراما لأن خيانة الأنبياء أشد ذنبا وأعظم وزرا ) ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ( أي يأت به حاملا له على ظهره كما صح ذلك عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيفضحه بين الخلائق وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رءوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملا له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب عليه قوله ) ثم توفى كل نفس ما كسبت ( أي تعطي جزاء ما كسبت وافيا من خير وشر وهذه الآية تعم كل من كسب خيرا أو شرا ويدخل تحتها الغال دخولا أوليا لكون السياق فيه
آل عمران : ( 162 ) أفمن اتبع رضوان . . . . .
قوله ) أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ( الاستفهام للإنكار أي ليس من اتبع رضوان الله في أوامره ونواهيه فعمل بأمره واجتنب نهيه كمن باء أي رجع بسخط عظيم كائن من الله بسبب مخالفته لما أمر به ونهى عنه ويدخل تحت ذلك من اتبع رضوان الله بترك الغلول واجتنابه ومن باء بسخط من الله بسبب إقدامه على الغلول
آل عمران : ( 163 ) هم درجات عند . . . . .
ثم أوضح ما بين الطائفتين من التفاوت فقال ) هم درجات عند الله ( أي متفاوتون في الدرجات والمعنى هم ذوو درجات أو لهم درجات فدرجات من اتبع رضوان الله ليست كدرجات من باء بسخط من الله فإن الأولين في أرفع الدرجات والآخرين في اسفلها
آل عمران : ( 164 ) لقد من الله . . . . .
قوله ) لقد من الله على المؤمنين ( جواب قسم محذوف وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثته ومعنى ) من أنفسهم ( أنه عربي مثلهم وقيل بشر مثلهم ووجه المنة على الأول أنهم يفقهون عنه ويفهمون كلامه ولا يحتاجون إلى ترجمان


"""""" صفحة رقم 395 """"""
ومعناها على الثاني أنهم يأنسون به بجامع البشرية ولو كان ملكا لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية وقريء ) من أنفسهم ( بفتح الفاء أي من أشرفهم لأنه من بني هاشم وبنو هاشم أفضل قريش وقريش أفضل العرب والعرب أفضل من غيرهم ولعل وجه الامتنان على هذه القراءة أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له وأقرب إلى تصديقه ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأول وأما على الوجه الثاني فلا حاجة إلى هذا التخصيص وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص لأن بني هاشم هم أنفس العرب والعجم في شرف الأصل وكرم النجار ورفاعة المحتد ويدل على الوجه الأول قوله تعالى ) هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ( وقوله ) وإنه لذكر لك ولقومك ( قوله ) يتلو عليهم آياته ( هذه منة ثانية أي يتلو عليهم القرآن بعد أن كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئا من الشرائع ) ويزكيهم ( أي يطهرهم من نجاسة الكفر وهذه الجملة معطوفة على الجملة الأولى وهما في محل نصب على الحال أو صفة لرسول وهكذا قوله ) ويعلمهم الكتاب ( والمراد بالكتاب هنا القرآن والحكمة السنة وقد تقدم في البقرة تفسير ذلك ) وإن كانوا من قبل ( أي من قبل محمد أو من قبل بعثته ) لفي ضلال مبين ( أي واضح لا ريب فيه واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة وبين النافية فهي تدخل في خبر المخففة لا النافية واسمها ضمير الشأن أي وإن الشأن والحديث وقيل إنها النافية واللام بمعنى إلا أي وما كانوا من قبل إلا في ضلال مبين وبه قال الكوفيون والجملة على التقديرين في محل نصب على الحال
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله تعالى ) وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض ( الآية قال هذا قول عبدالله بن أبي ابن سلول والمنافقين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم ( قال يحزنهم قولهم ولا ينفعهم شيئا وأخرجوا عن قتادة في قوله ) فبما رحمة من الله ( يقول فبرحمة من الله ) لنت لهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) لانفضوا من حولك ( قال لانصرفوا عنك وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند حسن عن ابن عباس قال لما نزلت ) وشاورهم في الأمر ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أما إن الله ورسوله لغنيان عنها ولكن الله جعلها رحمة لأمتي فمن استشار منهم لم يعدم رشدا ومن تركها لم يعدم غيا ) وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس ) وشاورهم في الأمر ( قال أبو بكر وعمر وأخرج ابن مردويه عن علي قال ( سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن العزم فقال مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم ) وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية ) وما كان لنبي أن يغل ( في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر فقال بعض الناس لعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخذها فنزلت وأخرج البزار وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس ) وما كان لنبي أن يغل ( قال ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه وقد ورد في تحريم الغلول أحاديث كثيرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس ) هم درجات عند الله ( يقول بأعمالهم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة في قوله ) لقد من الله على المؤمنين ( الآية قالت هذه للعرب خاصة
آل عمران 165 168


"""""" صفحة رقم 396 """"""
آل عمران : ( 165 ) أو لما أصابتكم . . . . .
قوله ) أو لما أصابتكم مصيبة ( الألف للاستفهام بقصد التقريع والواو للعطف والمصيبة الغلبة والقتل الذي أصيبوا به يوم أحد ) قد أصبتم مثليها ( يوم بدر وذلك أن الذين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعون وقد كانوا قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين فكان مجموع القتلى والأسرى يوم بدر مثلى القتلى من المسلمين يوم أحد والمعنى أحين أصابكم من المشركين نصف ما اصابهم منكم قبل ذلك جزعتم وقلتم من أين أصابنا هذا وقد وعدنا بالنصر وقوله ) أنى هذا ( أي من أين أصابنا هذا الانهزام واقتل ونحن نقاتل في سبيل الله ومعنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد وعدنا الله بالنصر عليهم وقوله ) قل هو من عند أنفسكم ( أمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يجيب عن سؤالهم بهذا الجواب أي هذا الذي سألتم عنه هو من عند أنفسكم بسبب مخالفة الرماة لما أمرهم به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من لزوم المكان الذي عينه لهم وعدم مفارقتهم له على كل حال وقيل إن المراد بقوله ) هو من عند أنفسكم ( خروجهم من المدينة ويرده أن الوعد بالنصر إنما كان بعد ذلك وقيل هو اختيارهم الفداء يوم بدر على القتل
آل عمران : ( 166 ) وما أصابكم يوم . . . . .
و ) يوم التقى الجمعان ( يوم أحد أي ما أصابكم يوم أحد من القتل والجرح والهزيمة ) فبإذن الله ( فبعلمه وقيل بقضائه وقدره وقيل بتخليته بينكم وبينهم والفاء دخلت في جواب الموصول لكونه يشبه الشرط كما قال سيبويه وقوله ) وليعلم المؤمنين ( عطف على قوله ) فبإذن الله ( عطف سبب على سبب
آل عمران : ( 167 ) وليعلم الذين نافقوا . . . . .
وقوله ) وليعلم الذين نافقوا ( عطف على ما قبله قيل أعاد الفعل لقصد تشريف المؤمنين على أن يكون الفعل المسند إليهم وإلى المنافقين واحدا والمراد بالعلم هنا التمييز والإظهار لأن علمه تعالى ثابت قبل ذلك والمراد بالمنافقين هنا عبدالله بن أبي وأصحابه قوله ) وقيل لهم ( هو معطوف على قوله ) نافقوا ( أي ليعلم الله الذين نافقوا والذين قيل لهم وقيل هو كلام مبتدأ أي قيل لعبدالله بن أبي وأصحابه ) تعالوا قاتلوا في سبيل الله ( إن كنتم ممن يؤمن بالله واليوم الاخر ) أو ادفعوا ( عن أنفسكم إن كنتم لا تؤمنون بالله واليوم الآخر فأبوا جميع ذلك وقالوا لو نعلم أنه سيكون قتالا لا تبعناكم وقاتلنا معكم ولكنه لا قتال هنالك وقيل المعنى لو كنا نقدر على القتال ونحسنه لاتبعناكم ولكنا لا نقدر على ذلك ولا نحسنه وعبر عن نفي القدر على القتال بنفي العلم به لكونها مستلزمة له وفيه بعد لا ملجيء إليه وقيل معناه لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالا لاتبعناكم ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتال ولكنه إلقاء بالنفس إلى التهلكة لعدم القدرة منا ومنكم على دفع ما ورد من الجيش بالبروز إليهم والخروج من المدينة وهذا أيضا فيه بعد دون بعد ما قبله وقيل معنى الدفع هنا تكثير سواد المسلمين وقيل معناه رابطوا والقائل للمنافقين هذه المقالة التي حكاها الله سبحانه هو عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري والد جابر بن عبدالله قوله ) هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ( أي هم في هذا


"""""" صفحة رقم 397 """"""
اليوم الذي انخذلوا فيه عن المؤمنين إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان عند من كان يظن أنهم مسلمون لأنهم قد بينوا حالهم وهتكوا أستارهم وكشفوا عن نفاقهم إذ ذاك وقيل المعنى أنهم لأهل الكفر يومئذ أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان قوله ) يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ( جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما تقدمها أي أنهم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر وذكر الأفواه للتأكيد مثل قوله ) يطير بجناحيه )
آل عمران : ( 168 ) الذين قالوا لإخوانهم . . . . .
قوله ) الذين قالوا لإخوانهم ( إلخ أي هم الذين قالوا لإخوانهم على أنه خبر مبتدإ محذوف ويجوز أن يكون بدلا من واو يكتمون أو منصوبا على الذم أو وصف للذين نافقوا وقد تقدم معنى ) قالوا لإخوانهم ( أي قالوا لهم ذلك والحال أن هؤلاء القائلين قد قعدوا عن القتال ) لو أطاعونا ( بترك الخروج من المدينة ما قتلوا فرد الله ذلك عليهم بقوله ) قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ( والدرء الدفع أي لا ينفع الحذر من القدر فإن المقتول يقتل بأجله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أو لما أصابتكم مصيبة ( الآية يقول إنكم قد أصبتم من المشركين يوم بدر مثلي ما أصابوا منكم يوم أحد وقد بين هذا عكرمة فأخرج ابن جرير عنه قال قتل المسلمون من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين وقتل مشركون يوم أحد من المسلمين سبعين وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال لما رأوا من قتل منهم يوم أحد قالوا من أين هذا ما كان للكفار أن يقتلوا منا فلما رأى الله ما قالوا من ذلك قال الله هم بالأسرى الذين أخذتم يوم بدر فردهم الله بذلك وعجل لهم عقوبة ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن مردويه عن علي قال جاء جبريل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى وقد أمرك أن تخيرهم بين أمرين إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن تقبل منهم عدتهم فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الناس فذكر ذلك لهم فقالوا يا رسول الله عشائرنا وإخواننا لا بل نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم فليس في ذلك ما نكره فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا عدة أسارى أهل بدر وهذا الحديث في سنن الترمذي والنسائي هو من طريق أبي داود الحفري عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن سفيان بن سعيد عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي قال الترمذي بعد إخراجه حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة وروى أبو أسامة عن هشام نحوه وروى عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مرسلا وإسناد ابن جرير لهذا الحديث هكذا حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن عون ح قال سنيد وهو حسين وحدثني حجاج عن جرير عن محمد عن عبيدة عن علي فذكره وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا قراد بن نوح حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا سماك الحنفي أبو زميل حدثني ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عنه وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله عز وجل ) أو لما أصابتكم مصيبة ( الآية وأخرجه الإمام أحمد من طريق عبدالرحمن بن غزوان وهو قراد بن نوح به ولكن بأطول منه ولكنه يشكل على حديث التخيير السابق ما نزل من المعاتبة منه سبحانه وتعالى لمن أخذ الفداء بقوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) وما روى من بكائه ( صلى الله عليه وسلم ) هو وأبو بكر ندما على أخذ الفداء ولو كان أخذ ذلك


"""""" صفحة رقم 398 """"""
بعد التخيير لهم من الله سبحانه لم يعاتبهم عليه ولا حصل ما حصل من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه من الندم والحزن ولا صوب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رأى عمر رضي الله عنه حيث أشار بقتل الأسرى وقال ما معناه لو نزلت عقوبة لم ينج منها إلا عمر والجميع في كتب الحديث والسير وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ) قلتم أنى هذا ( ونحن مسلمون نقاتل غضبا لله وهؤلاء مشركون فقال ) قل هو من عند أنفسكم ( عقوبة لكم بمعصيتكم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال لا تتبعوهم وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ) أو ادفعوا ( قال كثروا بأنفسكم وإن لم تقاتلوا وأخرج أيضا عن الضحاك نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عون الأنصاري في قوله ) أو ادفعوا ( قال رباطوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وعن ابن شهاب وغيره قال خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أحد في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة انخزل عنهم عبدالله بن أبي بثلث الناس وقال أطاعهم وعصاني والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا ههنا فرجع بمن اتبعه من أهل النفاق وأهل الريب واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام من بني سلمة يقول يا قوم أذكركم الله ان تخذلوا نبيكم وقومكم عند ما حضرهم عدوهم قالوا لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولا نرى أن يكون قتال وأخرجه ابن إسحاق قال حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم ابن عمر بن قتادة والحسين بن عبدالرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا فذكره وزاد أنهم لما استعصوا عليه وأبو إلا الإنصراف قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغني الله عنكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) لو نعلم قتالا لاتبعناكم ( قال لو نعلم أنا واجدون معكم مكان قتال لاتبعناكم
آل عمران 169 175
آل عمران : ( 169 ) ولا تحسبن الذين . . . . .
لما بين الله سبحانه أن ما جرى على المؤمنين يوم أحد كان امتحانا ليتميز المؤمن من المنافق والكاذب من الصادق بين ههنا أن من لم ينهزم وقتل فله هذه الكرامة والنعمة وأن مثل هذا مما يتنافس فيه المتنافسون لا مما يخاف ويحذر كما قالوا من حكى الله عنهم ) لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ( وقالوا ) لو أطاعونا ما قتلوا ( فهذه


"""""" صفحة رقم 399 """"""
الجملة مستأنفة لبيان هذا المعنى والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل أحد وقريء بالياء التحتية أي لا يحسبن حاسب
وقد اختلف أهل العلم في الشهداء المذكورين في هذه الآية من هم فقيل في شهداء أحد وقيل في شهداء بدر وقيل في شهداء بئر معونة وعلى فرض أنها نزلت في سبب خاص فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومعنى الآية عند الجمهور أنهم أحياء حياة محققة ثم اختلفوا فمنهم من يقول أنها ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فيتنعمون وقال مجاهد يرزقون من ثمر الجنة أي يجدون ريحها وليسوا فيها وذهب من عدا الجمهور إلى أنها حياة مجازية والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للتنعم في الجنة والصحيح الأول ولا موجب للمصير إلى المجاز وقد وردت السنة المطهرة بأن أرواحهم في اجواف طيور خضر وأنهم في الجنة يرزقون ويأكلون ويتمتعون وقوله ) الذين قتلوا ( هو المفعول الأول والحاسب هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو كل أحد كما سبق وقيل يجوز أن يكون الموصول هو فاعل الفعل والمفعول الأول محذوف أي لا تحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتا وهذا تكليف لا حاجة إليه ومعنى النظم القرآني في غاية الوضوح والجلاء وقوله ) بل أحياء ( خبر مبتدا محذوف أي بل هم أحياء وقريء بالنصب على تقدير الفعل أي بل أحسبهم أحياء وقوله ) عند ربهم ( إما خبر ثان أو صفة لأحياء أو في محل نصب على الحال وقيل في الكلام حذف والتقدير عند كرامة ربهم قال سيبويه هذه عندية الكرامة لا عندية القرب وقوله ) يرزقون ( يحتمل في إعرابه الوجوه التي ذكرناها في قوله ) عند ربهم ( والمراد بالرزق هنا هو الرزق المعروف في العادات على ما ذهب إليه الجمهور كما سلف وعند من عدا الجمهور المراد به الثناء الجميل ولا وجه يقتضي تحريق الكلمات العربية في كتاب الله تعالى وحملها على مجازات بعيدة لا لسبب يقتضي ذلك
آل عمران : ( 170 ) فرحين بما آتاهم . . . . .
وقوله ) فرحين ( حال من الضمير في يرزقون وبما آتاهم الله من فضله متعلق به وقرأ ابن السميفع ) فرحين ( وهما لغتان كالفره والفاره والحذر والحاذر والمراد ) بما آتاهم الله ( ما ساقه الله إليهم من الكرامة بالشهادة وما صاروا فيه من الحياة وما يصل إليهم من رزق الله سبحانه
آل عمران : ( 171 ) يستبشرون بنعمة من . . . . .
و) يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ( من إخوانهم المجاهدين الذي لم يقتلوا إذ ذاك فالمراد باللحوق هنا أنهم لم يلحقوا بهم في القتل والشهادة بل سيلحقون بهم من بعد وقيل المراد لم يلحقوا بهم في الفضل وإن كانوا أهل فضل في الجملة والواو في ) ويستبشرون ( عاطفة على ) يرزقون ( أي يرزقون ويستبشرون وقيل المراد بإخوانهم هنا جميع المسلمين الشهداء وغيرهم لأنهم لما عاينوا ثواب الله وحصل لهم اليقين بحقية دين الإسلام استبشروا بذلك لجميع أهل الإسلام الذين هم أحياء لم يموتوا وهذا أقوى لأن معناه أوسع وفائدته أكثر واللفظ يحتمله بل هو الظاهر وبه قال الزجاج وابن فورك وقوله ) ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( بدل من الذين أي يستبشرون بهذه الحالة الحاصلة لإخوانهم من انه لا خوف عليهم ولا حزن وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف وكرر قوله ) يستبشرون ( لتأكيد الأول ولبيان أن الاستبشار ليس لمجرد عدم الخوف والحزن بل به وبنعمة الله وفضله والنعمة ما ينعم الله به على عباده والفضل ما يتفضل به عليهم وقيل النعمة الثواب والفضل الزائد وقيل النعمة الجنة والفضل داخل في النعمة ذكر بعدها لتأكيدها وقيل إن الاستبشار الأول متعلق بحال إخوانهم والاستبشار الثاني بحال أنفسهم قوله ) وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ( قرأ الكسائي بكسر الهمزة من أن وقرأ الباقون بفتحها فعلى القراءة الأولى هو مستأنف اعتراض وفيه دلالة على أن الله لا يضيع أجر شيء من أعمال المؤمنين ويؤيده قراءة ابن مسعود والله لا يضيع أجر المؤمنين وعلى القراءة الثانية الجملة عطف على فضل داخلة في جملة ما يستبشرون به
آل عمران : ( 172 ) الذين استجابوا لله . . . . .
وقوله ) الذين استجابوا ( صفة للمؤمنين أو بدل منهم أو من الذين لم


"""""" صفحة رقم 400 """"""
يلحقوا بهم أو هو مبتدأ خبره ) للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ( بجملته أو منصوب على المدح وقد تقدم تفسير القرح
آل عمران : ( 173 ) الذين قال لهم . . . . .
قوله ) الذين قال لهم الناس ( المراد بالناس هنا نعيم بن مسعود كما سيأتي بيانه وجاز إطلاق لفظ الناس عليه لكونه من جنسهم وقيل المراد بالناس ركب عبد القيس الذين مروا بأبي سفيان وقيل هم المنافقون والمراد بقوله ) إن الناس قد جمعوا لكم ( أبو سفيان وأصحابه والضمير في قوله ) فزادهم ( راجع إلى القول المدلول عليه بقال أو إلى المقول وهو ) إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ( أو إلى القائل والمعنى أنهم لم يفشلوا لما سمعوا ذلك ولا التفتوا إليه بل أخلصوا لله وازدادوا طمأنينة ويقينا وفيه دليل على أن الإيمان يزيد وينقص قوله ) وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ( حسب مصدر حسبه أي كفاه وهو بمعنى الفاعل أي محسب بمعنى كافي قال في الكشاف والدليل على أنه بمعنى المحسب أنك تقول هذا رجل حسبك فتصف به النكرة لأن إضافته لكونه بمعنى اسم الفاعل غير حقيقة انتهى والوكيل هو من توكل إليه الامور أي نعم الموكول إليه أمرنا أو الكافي أو الكافل والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم الوكيل الله سبحانه
آل عمران : ( 174 ) فانقلبوا بنعمة من . . . . .
قوله ) فانقلبوا ( هو معطوف على محذوف أي فخرجوا إليهم فانقلبوا بنعمة هو متعلق بمحذوف وقع حالا والتنوين للتعظيم أي رجعوا متلبسين ) بنعمة ( عظيمة وهي السلامة من عدوهم وعافية ) وفضل ( أي أجر تفضل الله به عليهم وقيل ربح في التجارة وقيل النعمة خاصة بمنافع الدنيا والفضل بمنافع الآخرة وقد تقدم تفسيرهما قريبا بما يناسب ذلك المقام لكون الكلام فيه مع الشهداء الذين قد صاروا في الدار الآخرة والكلام هنا مع الأحياء قوله ) لم يمسسهم سوء ( في محل نصب على الحال أي سالمين عن سوء لم يصبهم قتل ولا جرح ولا ما يخافونه ) واتبعوا رضوان الله ( في ما يأتون ويذرون ومن ذلك خروجهم لهذه الغزوة ) والله ذو فضل عظيم ( لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه ومن تفضله عليهم تثبيتهم وخروجهم للقاء عدوهم وإرشادهم إلى أن يقولوا هذه المقالة التي هي جالبة لكل خير ودافعة لكل شر
آل عمران : ( 175 ) إنما ذلكم الشيطان . . . . .
قوله ) إنما ذلكم ( أي المثبط لكم أيها المؤمنون ) الشيطان ( هو خبر اسم الإشارة ويجوز أن يكون الشيطان صفة لاسم الإشارة والخبر قوله ) يخوف أولياءه ( فعلى الأول يكون قوله ) يخوف أولياءه ( جملة مستأنفة أو حالية والظاهر أن المراد هنا الشيطان نفسه باعتبار ما يصدر منه من الوسوسة المقتضية للتثبيط وقيل المراد به نعيم بن مسعود لما قال لهم تلك المقالة وقيل أبو سفيان لما صدر منه الوعيد لهم والمعنى أن الشيطان يخوف المؤمنين أولياءه وهم الكافرون وقيل إن قوله ) أولياءه ( منصوب بنزع الحافض أن يخوفكم بأوليائه أو من أوليائه قاله الفراء والزجاج وأبو علي الفارسي ورده ابن الأنباري بأن التخويف قد يتعدى بنفسه إلى مفعولين فلا ضرورة إلى إضمار حرف الجر وعلى قول الفراء ومن معه يكون مفعول يخوف محذوفا أي يخوفكم وعلى الأول يكون المفعول الأول محذوفا والثاني مذكورا ويجوز أن يكون المراد أن الشيطان يخوف أولياءه وهم القاعدون من المنافقين فلا حذف قوله ) فلا تخافوهم ( أي أولياءه الذين يخوفكم بهم الشيطان أو فلا تخافوا الناس المذكورين في قوله ) إن الناس قد جمعوا لكم ( نهاهم سبحانه عن أن يخافوهم فيجبنوا عن اللقاء ويفشلوا عن الخروج وأمرهم بأن يخافوه سبحانه فقال ) وخافون ( فافعلوا ما آمركم به واتركوا ما أنهاكم عنه لأني الحقيق بالخوف مني والمراقبة لأمري ونهيي لكون الخير والشر بيدي وقيده بقوله ) إن كنتم مؤمنين ( لأن الإيمان يقتضي ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ( في حمزة وأصحابه وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي الضحى أنها نزلت في قتلى أحد وحمزة منهم


"""""" صفحة رقم 401 """"""
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا ) وفي لفظ ( قالوا من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله أنا ابلغهم عنكم فأنزل الله هؤلاء الآيات ) ولا تحسبن الذين قتلوا ( الآية وما بعدها ) وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجة وابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبدالله أن أباه سأل الله سبحانه أن يبلغ من وراءه ما هو فيه فنزلت هذه الآية وهو من قتلى أحد وقد روى من وجوه كثيرة أن سبب نزول الآية قتلى أحد وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أنس أن سبب نزول هذه الآية قتلى بئر معونة وعلى كل حال فالآية باعتبار عموم لفظها يدخل تحتها كل شهيد وقد ثبت في أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره أن ارواح الشهداء في أجواف طيور خضر وثبت في فضل الشهداء ما يطول تعداده ويكثر إيراده مما هو معروف في كتب الحديث وأخرج النسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس قال لما رجع المشركون عن أحد قالوا لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتم ارجعوا فسمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد أو بئر أبي عتبة شك سفيان فقال المشركون يرجع من قابل فرجع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكانت تعد غزوة فأنزل الله سبحانه ) الذين استجابوا لله والرسول ( الآية وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة في قوله تعالى ) الذين استجابوا لله والرسول ( الآية أنها قالت لعروة بن الزبير يابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما أصاب يوم أحد انصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال من يرجع في أثرهم فانتدب منهم سبعون فيهم أبو بكر والزبير وأخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحمراء الأسد وقد أجمع أبو سفيان بالرجعة إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه وقالوا رجعنا قبل أن نستأصلهم لنكرن على بقيتهم فبلغه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خرج في أصحابه يطلبهم فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه ومر ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان بلغوا محمدا أنا قد أجمعنا الرجعة على أصحابه لنستأصلهم فلما مر الركب برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بحمراء الأسد أخبروه بالذي قال أبو سفيان فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمسلمون معه حسبنا الله ونعم الوكيل فأنزل الله في ذلك ) الذين استجابوا لله والرسول ( الآيات وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرا فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس فمشوا في الناس يخوفونهم وقالوا إنا قد أخبرنا أن قد جمعوا لكم من الناس مثل الليل يرجون أن يواقعوكم والروايات في هذا الباب كثيرة قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال القرح الجراحات واخرج ابن جرير عن السدي أن أبا سفيان وأصحابه لقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا على أن يخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه أنهم قد جمعوا لهم فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فقال هو والصحابة حسبنا الله ونعم الوكيل ثم رجعوا من حمراء الأسد فأنزل الله فيهم وفي الأعرابي ) الذين قال لهم الناس ( الآية وأخرج ابن مردويه عن أبي رافع أن هذا الأعرابي من خزاعة


"""""" صفحة رقم 402 """"""
وقد ورد في فضل هذه الكملة أعني ) حسبنا الله ونعم الوكيل ( أحاديث منها ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) قال ابن كثير بعد إخراجه هذا حديث غريب من هذا الوجه وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( حسبي إله ونعم الوكيل أمان كل خائف ) وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن عائشة ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال حسبي الله ونعم الوكيل ) وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قالوا ) إن الناس قد جمعوا لكم ( وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عوف بن مالك أنه حدثهم ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قضى بين رجلين فقال المقضى عليه لما أدبر حسبي الله ونعم الوكيل فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ردوا على الرجل فقال ما قلت قال قلت حسبي الله ونعم الوكيل فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل ) وأخرج أحمد عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كيف أنعم وصاحب القرن قد إلتقم القرن وحنى جبهته يسمع متى يؤمر فينفخ ثم أمر أصحابه أن يقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا ) وهو حديث جيد وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ( قال النعمة أنهم سلموا والفضل أن عيرا مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فربح مالا فقسمه بين أصحابه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر وأخرج ابن جرير عن السدي قال أما النعمة فهي العافية وأما الفضل فالتجارة والسوء القتل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) لم يمسسهم سوء ( قال لم يؤذهم أحد ) واتبعوا رضوان الله ( قال أطاعوا الله ورسوله وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه في قوله ) إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ( قال يقول الشيطان يخوف بأوليائه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال يعظم أولياءه في أعينكم وأخرج ابن المنذر عن عكرمة مثل قول ابن عباس وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن إنما كان ذلك تخويف الشيطان ولا يخاف الشيطان إلا ولي الشيطان
آل عمران 176 180


"""""" صفحة رقم 403 """"""
آل عمران : ( 176 ) ولا يحزنك الذين . . . . .
قوله ) ولا يحزنك ( قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي وقرأ ابن محيصن بضم الياء والزاي وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي وهما لغتان يقال حزنني الأمر وأحزنني والأولى أفصح وقرأ طلحة ? يسرعون ? قيل هم قوم ارتدوا فاغتم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لذلك فسلاه الله سبحانه ونهاه عن الحزن وعلل ذلك بأنهم لن يضروا الله شيئا وانما ضروا أنفسهم بأن لا حظ لهم في الآخرة ولهم عذاب عظيم وقيل هم كفار قريش وقيل هم المنافقون وقيل هو عام في جميع الكفار قال القشيري والحزن على كفر الكافر طاعة ولكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يفرط في الحزن فنهي عن ذلك كما قال الله تعالى ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( ) فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ( وعدى السارعون بفي دون إلى للدلالة على أنهم مستقرون فيه مديمون لملابسته ومثله يسارعون في الخيرات وقوله ) إنهم لن يضروا الله شيئا ( تعليل للنهي والمعنى أن كفرهم لا ينقص من ملك الله سبحانه شيئا وقيل المراد لن يضروا أولياءه ويحتمل أن يراد لن يضروا دينه الذي شرعه لعباده وشيئا منصوب على المصدرية أي شيئا من الضرر وقيل منصوب بنزع الخافض أي بشيء والحظ النصيب قال أبو زيد يقال رجل حظيظ إذا كان ذا حظ من الرزق والمعنى أن الله يريد أن لا يجعل لهم نصيبا في الجنة أو نصيبا من الثواب وصيغة الاستقبال للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها ) ولهم عذاب عظيم ( بسبب مسارعتهم في الكفر فكان ضرر كفرهم عائدا عليهم جالبا لهم عدم الحظ في الآخرة ومصيرهم في العذاب العظيم
آل عمران : ( 177 ) إن الذين اشتروا . . . . .
قوله ) إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ( أي استبدلوا الكفر بالإيمان وقد تقدم تحقيق هذه الاستعارة ) لن يضروا الله شيئا ( معناه كالأول وهو للتأكيد لما تقدمه وقيل إن الأول خاص بالمنافقين والثاني يعم جميع الكفار والأول أولى
آل عمران : ( 178 ) ولا يحسبن الذين . . . . .
قوله ) ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم ( قرأ ابن عامر وعاصم وغيرهما ) يحسبن ( بالياء التحتية وقرأ حمزة بالفوقية والمعنى على الأولى لا يحسبن الكافرون أنما نملي لهم بطول العمر ورغد العيش أو بما أصابوا من الظفر يوم أحد ) خير لأنفسهم ( فليس الأمر كذلك بل إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين وعلى القراءة الثانية لا تحسبن يا محمد أن الإملاء للذين كفروا بما ذكر خير لأنفسهم بل هو شر واقع عليهم ونازل بهم وهو أن الإملاء الذي نمليه لهم ليزدادوا إثما فالموصول على القراءة الأولى فاعل الفعل وأنما نملي وما بعده ساد مسد مفعولي الحسبان عند سيبويه أو ساد مسد أحدهما والآخر محذوف عند الأخفش وأما على القراءة الثانية فقال الزجاج إن الموصول هو المفعول الأول وأنما وما بعدها بدل من الموصول ساد مسد المفعولين ولا يصح أن يكون أنما وما بعده هو المفعول الثاني لأن المفعول الثاني في هذا الباب هو الأول في المعنى وقال أبو علي الفارسي لو صح هذا لكان خيرا بالنصب لأنه يصير بدلا من الذين كفروا فكأنه قال لا تحسبن املاء الذين كفروا خيرا وقال الكسائي والفراء إنه يقدر تكرير الفعل كأنه قال ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن أنما نملي لهم فسدت مسد المفعولين وقال في الكشاف فإن قلت كيف صح مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد قلت صح ذلك من حيث أن التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحي ألا تراك تقول جعلت متاعك بعضه فوق


"""""" صفحة رقم 404 """"""
بعض مع امتناع سكوتك على متاعك انتهى وقرأ يحيى بن وثاب ( إنما نملي ) بكسر إن فيهما وهي قراءة ضعيفة باعتبار العربية وقوله ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( جملة مستأنفة مبينة لوجه الإملاء للكافرين وقد احتج الجمهور بهذه الآية على بطلان ما تقوله المعتزلة لأنه سبحانه أخبر بأنه يطيل أعمار الكفار ويجعل عيشهم رغدا ليزدادوا إثما قال أبو حاتم وسمعت الأخفش يذكر كسر ( إنما نملي ) الأولى وفتح الثانية ويحتج بذلك لأهل القدر لأنه منهم ويجعله على هذا التقدير ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم خير لأنفسهم وقال في الكشاف إن ازدياد الإثم علة وما كل علة بعرض ألا تراك تقول قعدت عن الغزو للعجز والفاقة وخرجت من البلد لمخافة الشر وليس شئ يعرض لك وإنما هي علل واسباب
آل عمران : ( 179 ) ما كان الله . . . . .
قوله ( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه ) كلام مستأنف والخطاب عند جمهور المفسرين للكفار والمنافقين أي ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر والنفاق ( حتى يميز الخبيث من الطيب ) وقيل الخطاب للمؤمنين والمنافقين أي ما كان الله ليترككم على الحال التي أنتم عليه من الاختلاط حتى يميز بعضكم من بعض وقيل الخطاب للمشركين والمراد بالمؤمنين من في الأصلاب والأرحام أي ما كان الله ليذر أولادكم على ما أنتم عليه حتى يفرق بينكم وبينهم وقيل الخطاب للمؤمنين أي ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من الاختلاط بالمنافقين حتى يميز بينكم وعلى هذا الوجه والوجه الثاني يكون في الكلام التفات وقرئ ( يميز ) بالتشديد للمخفف من ماز الشيء يميزه ميزا إذا فرق بين شيئين فإن كانت أشياء قيل ميزه تمييزا ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) حتى تميزوا بين الطيب والخبيث فإنه المستأثر بعلم الغيب لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول من رسله يجتبيه فيطلعه على شئ من غيبه فيميز بينكم كما وقع من نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) من تعيين كثير من المنافقين فإن ذلك كان بتعليم الله له لابكونه يعلم الغيب وقيل المعنى وما كان الله ليطلعكم على الغيب في من يستحق النبوة حتى يكون الوحي باختياركم ( ولكن الله يجتبى ) أي يختار ( من رسله من يشاء ) قوله ( فآمنوا بالله ورسله ) أي افعلوا الأيمان المطلوب منكم ودعوا الاشتغال بما ليس من شأنكم من التطلع لعلم الله سبحانه ( وإن تؤمنوا ) بما ذكر ( وتتقوا فلكم ) عوضا عن ذلك ( أجر عظيم ) لا يعرف قدره ولا يبلغ كنهه
آل عمران : ( 180 ) ولا يحسبن الذين . . . . .
قوله ) ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ( الموصول في محل رفع على انه فاعل الفعل على قراءة من قرأ بالياء التحتية والمفعول الأول محذوف أي لا يحسبن الباخلون البخل خيرا لهم قاله الخليل وسيبويه والفراء قالوا وإنما حذف لدلالة يبخلون عليه ومن ذلك قول الشاعر إذا نهى السفيه جرى إليه
وخالف والسفيه إلى خلاف
أي جرى إلى السفه فالسفيه دل على السفه وأما على قراءة من قرأ بالفوقية فالفعل مسند إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمفعول الأول محذوف أي لا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون خيرا لهم قال الزجاج هو مثل واسأل القرية والضمير المذكور هو ضمير الفصل قال المبرد والسين في قوله ( سيطوقون ما بخلوا به ) سين الوعيد وهذه الجملة مبينة لمعنى قوله ( بل هو شر لهم ) قيل ومعنى التطويق هنا انه يكون ما بخلوا من المال طوقا من نار في أعناقهم وقيل معناه انه سيحملون عقاب مابخلوا به فهو من الطاقة وليس من التطويق وقيل المعنى أنهم يلزمون أعمالهم كما يلزم الطوق العنق يقال طوق فلان عمله طوق الحمامة أي ألزم محمد جزاء عمله وقيل إن مالم تؤد زكاته من المال يمثل له شجاعا أقرع حتى يطوق به في عنقه كما ورد ذلك مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال القرطبي والبخل في اللغة أن يمنع الإنسان الحق الواجب فأما من منع مالا يجب عليه فليس ببخيل قوله ( ولله ميراث السموات والأرض ) أي له وحده لغيره كما يفيد التقديم والمعنى أن له ما فيهما مما


"""""" صفحة رقم 405 """"""
يتوارثه أهلها فما بالهم يبخلون بذلك ولا ينفقونه وهو لله سبحانه لا لهم وإنما كان عندهم عارية مستردة ومثل هذه الآية قوله تعالى إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وقوله ) وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ( والميراث في الأصل هو ما يخرج من مالك إلى آخر ولم يكن مملوكا لذلك الآخر قبل انتقاله إليه بالميراث ومعلوم إن الله سبحانه هو المالك بالحقيقة لجميع مخلوقاته
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
و قد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ( إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان ) قال هم المنافقون وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها من الحياة إن كان برا فقد قال الله ) وما عند الله خير للأبرار ( وإن كان فاجرا فقد قال ( ولا يحسبن الذين كفروا ) الآية وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي الدرداء نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن محمد بن كعب نحوه وأخرج عبد بن حميد عن أبي برزة أيضا نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال قالوا إن كان محمد صادقا فليخبرنا بمن يؤمن به منا ومن يكفر فأنزل الله ) ما كان الله ليذر المؤمنين ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال يميز أهل السعادة من أهل الشقاوة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال يميز بينهم في الجهاد والهجرة وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ) قال ولا يطلع على الغيب إلا رسول وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ( ولكن الله يجتبى ) قال يختص وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك قال يستخلص وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( ولا يحسبن الذين يبخلون ) قال هم أهل الكتاب بخلوا إن يبينوه للناس وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال هم يهود وأخرج ابن جرير عن السدى قال بخلوا إن ينفقوها في سبيل الله لم يؤدوا زكاتها وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاع اقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمته يعني بشدقه فيقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هذه الآية ) وقد ورد هذا المعنى في أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة يرفعونها
آل عمران 181 184
آل عمران : ( 181 ) لقد سمع الله . . . . .
قال أهل التفسير لما أنزل الله من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال قوم من اليهود هذه المقالة تمويها على ضعفائهم لا أنهم يعتقدون ذلك لأنهم أهل الكتاب بل ارادوا انه تعالى إن صح ما طلبه منا القرض على لسان


"""""" صفحة رقم 406 """"""
محمد فهو فقير ليشككوا على اخوانهم في دين الإسلام وقوله ( سنكتب ما قالوا ) سنكتبه في صحف الملائكة أو سنحفظه أو سنجازيهم عليه والمراد الوعيد لهم وان ذلك لا يفوت على الله بل هو معد لهم يوم الجزاء و جملة سنكتب على هذا مستأنفة جوابا لسؤال مقدر كانه قيل ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع فقال قال لهم ( سنكتب ماقالوا ) وقرأ الأعمش وحمزة ( سيكتب ) بالمثناة التحتية مبني للمفعول وقرأ برفع اللام من ( قتلهم ) ويقول بالياء المثناة تحت قوله ( وقتلهم الأنبياء ) عطف على ماقالوا أي ونكتب قتلهم الأنبياء أي قتل أسلافهم للأنبياء وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم راضوا به جعل ذلك القول قرينا لقتل الأنبياء تنبيها على انه من العظم والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء قوله ( ونقول ) معطوف على ( سنكتب ) أي ننتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار أو عند الموت أو عند الحساب والحريق اسم للنار الملتهبة وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة وقرأ ابن مسعود ( ويقال ذوقوا
آل عمران : ( 182 ) ذلك بما قدمت . . . . .
والإشارة بقوله ( ذلك ) إلى العذاب المذكور قبله وأشار إلى القريب بالصيغة التي يشار بها إلى البعيد للدلالة على بعد منزلته في الفظاعة وذكر الأيدي لكونها المباشرة لغالب المعاصي وقوله ( وان الله ليس بظلام للعبيد ) معطوف على ( ماقدمت أيديكم ) ووجه انه سبحانه عذبهم بما أصابوا من الذنب وجازاهم على فعلهم فلم يكن ذلك ظلما أو بمعنى انه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء وليس بظالم لمن عذبه بذنبه وقيل إن وجهه إن نفى الظلم مستلزم للعدل المقتضى لإثابة المحسن ومعاقبة المسئ ورد بأن ترك التعذيب مع وجود سببه ليس بظلم عقلا ولا شرعا قيل إن جملة قوله ( وأن الله ليس بظلام للعبيد ) في محل رفع على انها خبر مبتدأ محذوف أي والأمر أن الله ليس بظلام للعبيد والتعبير بذلك عن نفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم عند أهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا لبيان تنزهه عن ذلك ونفي ظلام المشعر بالكثرة يفيد ثبوت أصل الظلم وأجيب عن ذلك بأن الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلما لكان عظيما فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتا
آل عمران : ( 183 ) الذين قالوا إن . . . . .
قوله ( والذين قالوا ) هو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين قالوا وقيل نعت للعبيد وقيل منصوب على الذم وقيل هو في محل جر بدل من ( لقد سمع الله قول الذين قالوا ) وهو ضعيف لأن البدل هو المقصود دون المبدل منه وليس الأمر كذلك هنا والقائلون هؤلاء هم جماعة من اليهود كما سيأتي وهذا المقول وهو أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا لرسول حتى يأتيهم بالقربان هو من جملة دعاويهم الباطلة وقد كان دأب بني إسرائيل أنهم كانوا يقربون القربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرقه ولم يتعبد الله بذلك كل انبيائه ولا جعله دليلا على صدق دعوى النبوة ولهذا رد الله عليهم فقال ( قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ) من القربان ( فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) كيحيى بن زكريا وشعياء وسائر لا من قتلوا من الأنبياء والقربان ما يتقرب به إلى الله من نسيكة وصدقة وعمل صالح وهو فعلان من القربة
آل عمران : ( 184 ) فإن كذبوك فقد . . . . .
ثم سلى الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا ) بمثل ما جئت به من البينات والزبر جمع زبور وهوالكتاب وقد تقدم تفسيره ( والكتاب المنير ) الواضح الجلى المضئ يقال نار الشيء وأنار ونوره واستناره بمعنى
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال دخل أبو بكر بيت المدراس فوجد يهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص وكان من علمائهم وأحبارهم فقال أبو بكر ويحك يافنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فقال فنحاص


"""""" صفحة رقم 407 """"""
والله با أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر وانه إلينا لفقير وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا وإنا عنه لأغنياء ولو كان غنيا عنا ما ستقرض منا كما يزعم صاحبكم ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا عنا ما اعطانا الربا فغضب أبو بكر فضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا محمد انظر ما صنع صاحبك بي فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي بكر ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله قال قولا عظيما يزعم أن الله فقير وانهم عنه أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال فضربت وجهه فجحد فنحاص فقال ما قلت ذلك فأنزل الله فيما قال فنحاص تصديقا لأبي بكر ) لقد سمع الله قول الذين قالوا ( الآية ونزل في أبي بكر وما بلغه في ذلك من الغضب ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا الآية وقد أخرج هذه القصة ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وأخرجها ابن جرير عن السدى بأخصر من ذلك وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أتت اليهود محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) حين أنزل الله ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) فقالوا يا محمد أفقير ربك يسأل عباده القرض فأنزل الله الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة إن القائل لهذه المقالة حيى بن أخطب وأنها نزلت فيه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن العلاء بن بدر انه سئل عن قوله 0 وقتلهم الأنبياء بغير حق ) وهم لم يدركوا ذلك قال بموالاتهم من قتل الأنبياء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله 0 وان الله ليس بظلام للعبيد ) قال ما أنا بمعذب من لم يجترم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) الذين قالوا إن الله عهد إلينا ( قال هم اليهود وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ( حتى يأتينا بقربان تأكله النار ) قال يتصدق الرجل منا فإذا تقبل منه انزلت عليه النار من السماء فأكلته وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ( الذين قالوا إن الله عهد إلينا ) قال كذبوا على الله وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ( بالبينات ) قال الحلال والحرام ( والزبر ) قال كتب الأنبياء ( والكتاب المنير ) قال هو القرآن
آل عمران 185 189


"""""" صفحة رقم 408 """"""
آل عمران : ( 185 ) كل نفس ذائقة . . . . .
قوله ( ذائقة ) من الذوق ومنه قوله أمية بن أبي الصلت من لم يمت غبطة يمت هرما
الموت كأس والمرء ذائقها
وهذه الآية تتضمن الوعد والوعيد للمصدق والمكذب بعد إخباره عن الباخلين القائلين ( إن الله فقير ونحن أغنياء ) وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وابن أبي إسحاق ( ذائقة الموت ) بالتنوين ونصب الموت وقرأ الجمهور بالإضافة قوله ( وأنما توفون اجوركم يوم القيامة ) أجر المؤمن الثواب واجر الكافر العقاب أي إن توفية الاجور وتكميلها إنما تكون في ذلك اليوم ومايقع من الاجور في الدنيا أو في البرزخ فإنما هو بعض الاجور والزحزحة التنحية والابعاد تكرير الزح وهوالجذب بعجلة قاله في الكشاف وقد سبق الكلام عليه أي فمن بعد النار يؤمئذ ونحى فقد فاز أي ظفر بما يريد ونجا مما يخاف وهذا هو الفوز الحقيقي الذي لافوز يقاربه فإن كل فوز وإن كان بجميع المطالب دون الجنة ليس بشئ بالنسبة إليها اللهم لافوز إلا فوز الآخرة ولا عيش إلا عيشها ولانعيم إلا نعيمها فاغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وارض عنا رضا لاسخط بعده واجمع لنا بين الرضا منك علينا والجنة والمتاع ما يتمتع به الإنسان وينتفع به ثم يزول ولا يبقى كذا قال أكثر المفسرين الغرور الشيطان يغر الناس بالأماني الباطلة والمواعيد الكاذبة شبه سبحانه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على من يريده وله ظاهر محبوب وباطن مكروه
آل عمران : ( 186 ) لتبلون في أموالكم . . . . .
قوله ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ) هذا الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأمته تسلية لهم عما سيلقونه من الكفرة والفسقة ليوطنوا أنفسهم على الثبات والصبر على المكاره والابتلاء الإمتحان والاختبار والمعنى لتمتحنن ولتختبرن في أموالكم بالمصائب والانفاقات الواجبة وسائر التكاليف الشرعية المتعلقة بالأموال والابتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفقد الاحباب والقتل في سبيل الله وهذه الجملة جواب قسم محذوف دلت عليه اللام الموطئة ( ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ) وهم اليهود والنصارى ( ومن الذين أشركوا ) وهم سائر الطوائف الكفرية من غير أهل الكتاب ( أذى كثيرا ) من الطعن في دينكم وأعراضكم والاشارة بقوله ( فإن ذلك ) إلى الصبر والتقوى المدلول عليهما بالفعلين وعزم الأمور معزوماتها أي مما يجب عليكم إن تعزموا عليه لكونه عزمة من عزمات الله التي أوجب عليهم القيام بها يقال عزم الأمر أي شده وأصلحه
آل عمران : ( 187 ) وإذ أخذ الله . . . . .
قوله ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) هذه الآية توبيخ لأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى أو اليهود فقط على الخلاف في ذلك والظاهر أن المراد بأهل الكتاب كل من آتاه الله علم شئ من الكتاب أي كتاب كان كما يفيده التعريف الجنسى في الكتاب قال الحسن وقتادة إن الآية عامة لكل عالم وكذا قال محمد بن كعب ويدل على ذلك قول أبي هريرة لولا ماأخذ الله على أهل الكتاب ما حدثكم بشيء ثم تلا هذه الآية والضمير في قوله ( لتبيننه ) راجع إلى الكتاب وقيل راجع إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإن لم يتقدم له ذكر لأن الله أخذ على اليهود والنصارى أن يبينوا نبوته للناس ولا يكتموها ( فنبذوه وراء ظهورهم ) وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وأهل المدينة ( ليبيننه ) بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة الفوقية وقرأ ابن عباس ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتبيننه ) ويشكل على هذه القراءة قوله ( فنبذوه ) فان بد من إن يكون فاعله الناس وفي قراءة ابن مسعود ( لتبينونه ) والنبذ الطرح وقد تقدم في البقرة وقوله ( وراء ظهورهم ) مبالغة في النبذ والطرح وقد تقدم أيضا معنى قوله ( واشتروا به ثمنا قليلا ) والضمير عائد إلى الكتاب


"""""" صفحة رقم 409 """"""
الذي أمروا ببيانه ونهوا عن كتمانه وقوله ) ثمنا قليلا ( أي حقيرا يسيرا من حطام الدنيا وأعراضها قوله ) فبئس ما يشترون ( ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس ويشترون صفة والمخصوص بالذم محذوف أي بئس شيئا يشترونه بذلك الثمن
آل عمران : ( 188 ) لا تحسبن الذين . . . . .
قوله ) لا تحسبن الذين يفرحون ( قرأ الكوفيون بالتاء الفوقية والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له وقوله ) بما أتوا ( أي بما فعلوا وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي والظاهر شمولها لكل من حصل منه ما تضمنته عملا بعموم الفظ وهو المعتبر دون خصوص السبب فمن فرح بما فعل وأحب أن يحمده الناس بما لم يفعل فلا تحسبنه بمفازة من العذاب وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو ولا يحسبن ) بالياء التحتية أي لا يحسبن الفارحون فرحهم منجيا لهم من العذاب فالمفعول الأول محذوف وهو فرحهم والمفعول الثاني بمفازة من العذاب وقوله ) فلا تحسبنهم ( تأكيد للفعل الأول على القراءتين والمفازة المنجاة مفعلة من فاز يفوز إذا نجا أي ليسوا بفائزين سمي موضع الخوف مفازة على جهة التفاؤل قاله الأصمعي وقيل لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك تقول العرب فوز الرجل إذا مات قال ثعلب حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال أخطأ قال لي أبو المكارم إنما سميت مفازة لأن من قطعها فاز وقال ابن الأعرابي بل لأنه مستسلم لما أصابه وقيل المعنى لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب لأن الفوز التباعد عن المكروه وقرأ مروان بن الحكم والأعمش وإبراهيم النخعي ( آتوا ) بالمد أي يفرحون بما أعطو وقرأ جمهور القراء السبعة وغيرهم ( أتوا ) بالقصر
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج بن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن حبان وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرءوا إن شئتم ) فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ( ) وأخرج ابن مردويه عن سهل بن سعد مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري في قوله ) ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( قال هو كعب بن الأشرف وكان يحرض المشركين على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه في شعره وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال يعني اليهود والنصارى فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم ) عزير ابن الله ( ومن النصارى قولهم ) المسيح ابن الله ( ) وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ( قال من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ( قال فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ( قال كان الله أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال في التوراة والإنجيل أن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده وأن محمدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل فنبذوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال هم اليهود ( لتبيننه للناس ) قال محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن السدي مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هذا ميثاق أخذه الله على اهل العلم فمن علم علما فليعلمه الناس وإياكم وكتمان العلم فإن كتمان العلم هلكة وأخرج ابن سعد عن الحسن قال لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه وأخرج البخاري ومسلم


"""""" صفحة رقم 410 """"""
وغيرهما أن مروان قال لبوابه اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت في أهل الكتاب ثم تلا ) وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ( الآية قال ابن عباس سألهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الغزو وتخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعولوا فنزلت وقد روى أنها نزلت في فنحاص وأشيع وأشباههما وروى أنها نزلت في اليهود وأخرج مالك وابن سعد والطبراني والبيهقي في الدلائل عن محمد بن ثابت أن ثابت بن قيس قال يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت قال لم قال قد نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل وأجدني أحب الحمد ونهانا عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال ونهانا أن نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا رجل جهير الصوت فقال يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة فعاش حميدا وقتل شهيدا يوم مسيلمة الكذاب وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله ) بمفازة ( قال بمنجاة وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله
آل عمران 190 194
آل عمران : ( 190 ) إن في خلق . . . . .
قوله ) إن في خلق السماوات ( هذه جملة مستأنفة لتقرير اختصاصه سبحانه بما ذكره فيها والمراد ذات السموات والأرض وصفاتهما واختلاف الليل والنهار أي تعاقبهما وكون كل واحد منهما يخلف الآخر وكون زيادة أحدهما في نقصان الآخر وتفاوتهما طولا وقصرا وحرا وبردا وغير ذلك ) لآيات ( أي دلالات واضحة وبراهين بينة تدل على الخالق سبحانه وقد تقدم تفسير بعض ما هنا في سورة البقرة والمراد بأولي الألباب أهل العقول الصحيحة الخالصة عن شوائب النقص فإن مجرد التفكر فيما قصه الله في هذه الآية يكفي العاقل ويوصله إلى الإيمان الذي لا تزلزله الشبه ولا تدفعه التشكيكات
آل عمران : ( 191 ) الذين يذكرون الله . . . . .
قوله ) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ( الموصول نعت لأولي الألباب وقيل هو مفصول عنه خبر مبتدأ محذوف أو منصوب على المدح والمراد بالذكر هنا ذكره سبحانه في هذه الأحوال من غير فرق بين حال الصلاة وغيرها وذهب جماعة من المفسرين إلى أن الذكر


"""""" صفحة رقم 411 """"""
هنا عبارة عن الصلاة أي لا يضيعونها في حال من الأحوال فيصلونها قياما مع عدم العذر وقعودا وعلى جنوبهم مع العذر قوله ) ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ( معطوف على قوله ) يذكرون ( وقيل إنه معطوف على الحال أعني ) قياما وقعودا ( وقيل إنه منقطع عن الأول والمعنى أنهم يتفكرون في بديع صنعتهما وإتقانهما مع عظم أجرامها فإن هذا الفكر إذا كان صادقا أوصلهم إلى الإيمان بالله سبحانه قوله ) ربنا ما خلقت هذا باطلا ( هو على تقدير القول أي يقولون ما خلقت هذا عبثا ولهوا بل خلقته دليلا على حكمتك وقدرتك والباطل الزائل الذاهب ومنه قول لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وهو منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف أي خلقا باطلا وقيل منصوب بنزع الخافض وقيل هو مفعول ثان وخلق بمعنى جعل أو منصوب على الحال والإشارة بقوله ) هذا ( إلى السموات والأرض أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق قوله ) سبحانك ( أي تنزيها لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها أن يكون خلقك لهذه المخلوقات باطلا وقوله ) فقنا عذاب النار ( الفاء لترتيب هذا الدعاء على ما قبله
آل عمران : ( 192 ) ربنا إنك من . . . . .
وقوله ) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته ( تأكيد لما تقدمه من استدعاء الوقاية من النار منه سبحانه وبيان للسبب الذي لأجله دعاه عباده بأن يقيهم عذاب النار وهو أن من أدخله النار فقد أخزاه أي أذله وأهانه وقال المفضل معنى أخزيته أهلكته وأنشد
أخزى الإله بني الصيب عنيزة واللابسين ملابس الرهبان
وقيل معناه فضحته وأبعدته يقال أخزاه الله أبعده ومقته والاسم الخزي قال ابن السكيت خزى يخزى خزيا إذا وقع في بلية
آل عمران : ( 193 ) ربنا إننا سمعنا . . . . .
قوله ) ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ( المنادي عند أكثر المفسرين هو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل هو القرآن وأوقع السماع على المنادي مع كون المسموع هو النداء لأنه قد وصف المنادي بما يسمع وهو قوله ) ينادي للإيمان أن آمنوا ( وقال أبو علي الفارسي إن ( ينادي ) هو المفعول الثاني وذكر ينادي مع أنه قد فهم من قوله ) مناديا ( لقصد التأكيد والتفخيم لشأن هذا المنادى به واللام في قوله ) للإيمان ( بمعنى إلى وقيل إن ينادي يتعدى باللام وبإلى يقال ينادي لكذا وينادي إلى كذا وقيل اللام للعلة أي لأجل الإيمان قوله ) أن آمنوا ( هي إما تفسيرية أو مصدرية واصلها بأن آمنوا فحذف حرف الجر قوله ) فآمنا ( أي امتثلنا ما يأمر به هذا المنادي من الإيمان فآمنا وتكرير النداء في قوله ) ربنا ( لإظهار التضرع والخضوع قيل المراد بالذنوب هنا الكبائر وبالسيئات الصغائر والظاهر عدم اختصت أحد اللفظين بأحد الامرين والآخر بالآخر بل يكون المعنى في الذنوب والسيئات واحدا والتكرير للمبالغة والتأكيد كما أن معنى الغفر والكفر الستر والأبرار جمع بار أو بر وأصله من الاتساع فكأن البار متسع في طاعة الله ومتسعة له رحمته قيل هم الأنبياء ومعنى اللفظ أوسع من ذلك
آل عمران : ( 194 ) ربنا وآتنا ما . . . . .
قوله ) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ( هذا دعاء آخر والنكتة في تكرير النداء ما تقدم والموعود به على ألسن الرسل هو الثواب الذي وعد الله به أهل طاعته ففي الكلام حذف وهو لفظ الألسن كقوله ) واسأل القرية ( وقيل المحذوف التصديق أي ما وعدتنا على تصديق رسلك وقيل ما وعدتنا منزلا على رسلك أو محمولا على رسلك والأول أولى وصدور هذا الدعاء منهم مع علمهم أن ما وعدهم الله به على ألسن رسله كائن لا محاله إما لقصد التعجيل أو للخضوع بالدعاء لكونه مخ العبادة وفي قولهم ) إنك لا تخلف الميعاد ( دليل على أنهم لم يخافوا خلف الوعد وأن الحامل لهم على الدعاء هو ما ذكرنا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال أتت قريش اليهود فقالوا ما جاءكم به موسى من الآيات قالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا كيف كان عيسى


"""""" صفحة رقم 412 """"""
فيكم قالوا كان يبريء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فأتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربه فنزلت ) إن في خلق السماوات والأرض ( الآية وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فنام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران حتى ختم وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني والحاكم في الكنى والبغوي في معجم الصحابة عن صفوان بن المعطل قال كنت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في سفر فذكر نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود في قوله ) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ( الآية قال إنما هذه في الصلاة إذا لم يستطع قائما فقاعدا وإن لم يستطع قاعدا فعلى جنبه وقد ثبت في البخاري من حديث عمران بن حصين قال ( كانت بي بواسير فسألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الصلاة فقال صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ) وثبت فيه عنه قال ( سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن صلاة الرجل وهو قاعد فقال من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هذه حالاتك كلها يابن آدم اذكر الله وأنت قائم فإن لم تستطع فاذكره جالسا فإن لم تستطع جالسا فاذكره وأنت على جنبك يسر من الله وتخفيف
وأقول هذا التقييد الذي ذكره بعدم الاستطاعة مع تعميم الذكر لا وجه له لا من الآية ولا من غيرها فإنه لم يرد في شيء من الكتاب والسنة ما يدل على أنه لا يجوز الذكر من القعود إلا مع عدم استطاعة الذكر من قيام ولا يجوز على جنب إلا مع عدم الاستطاعة من قعود وإنما يصلح هذا التقييد لمن جعل المراد بالذكر هنا الصلاة كما سبق عن ابن مسعود وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن حبان في صحيحه وابن مردويه عن عائشة مرفوعا ويل لمن قرأ هذه الآية ولم يتفكر فيها وأخرج ابن أبي الدنيا في التفكر عن سفيان رفعه ( من قرأ آخر سورة آل عمران فلم يتفكر فيها ويله فعد أصابعه عشرا قيل للأوزاعي ما غاية التفكر فيهن قال يقرؤهن وهو يعقلهن وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في استحباب التفكر مطلقا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس في قوله ) من تدخل النار فقد أخزيته ( قال من تخلد وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن المسيب في الآية قال هذه خاصة بمن لا يخرج منها وأخرج ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال قدم علينا جابر بن عبدالله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت ) وما هم بخارجين من النار ( قال أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنهم الكفار قلت لجابر فقوله ) إنك من تدخل النار فقد أخزيته ( قال وما أخزاه حين أحرقه بالنار وإن دون ذلك خزيا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) مناديا ينادي للإيمان ( قال هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال هو القرآن ليس كل أحد سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ( قال يستنجزون موعد الله على رسله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تخزنا يوم القيامة ( قال لا تفضحنا


"""""" صفحة رقم 413 """"""
آل عمران 195
آل عمران : ( 195 ) فاستجاب لهم ربهم . . . . .
قوله ) فاستجاب ( الاستجابة بمعنى الإجابة وقيل الإجابة عامة والاستجابة خاصة بإعطاء المسئول وهذا الفعل يتعدى بنفسه وباللام يقال استجابه واستجاب له والفاء للعطف وقيل على مقدر أي دعوا بهذه الأدعية فاستجاب لهم وقيل على قوله ) ويتفكرون ( وإنما ذكر سبحانه الاستجابة وما بعدها في جملة ما لهم من الأوصاف الحسنة لأنها منه إذ من أجيبت دعوته فقد رفعت درجته قوله ) أني لا أضيع عمل عامل منكم ( أي بأني وقرأ عيسى بن عمرو بكسر الهمزة على تقدير القول وقرأ أبي بثبوت الباء وهي للسببية أي فاستجاب لهم ربهم بسبب أنه لا يضيع عمل عامل منهم والمراد بالإضاعة ترك الإثابة قوله ) من ذكر أو أنثى ( من بيانية ومؤكدة لما تقتضيه النكرة الواقعة في سياق النفي من العموم قوله ) بعضكم من بعض ( أي رجالكم مثل نسائكم في الطاعة ونساؤكم مثل رجالكم فيها والجملة معترضة لبيان كون كل منهما من الآخر باعتبار تشعبهما من أصل واحد قوله ) فالذين هاجروا ( الآية هذه الجملة تتضمن تفصيل ما أجمل في قوله ) أني لا أضيع عمل عامل ( أي فالذين هاجروا من أوطانهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأخرجوا من ديارهم ( في طاعة الله عز وجل ) وقاتلوا ( أعداء الله ) وقتلوا ( في سبيل الله وقرأ ابن كثير وابن عامر ( وقتلوا ) على التكثير وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ( وقتلوا وقاتلوا ) وهو مثل قول الشاعر تصابى وأمسى علاه الكبر
أي قد علاه الكبر وأصل الواو لمطلق الجمع بلا ترتيب كما قال به الجمهور والمراد هنا أنهم قاتلوا وقتل بعضهم كما قال امرؤ القيس
فإن تقتلونا نقتلكمو
وقرأ عمر بن عبدالعزيز ? وقتلوا وقتلوا ? ومعنى قوله ) وأوذوا في سبيلي ( أي بسببه والسبيل الدين الحق والمراد هنا ما نالهم من الأذية من المشركين بسبب إيمانهم بالله وعملهم بما شرعه الله لعباده وقوله ) لأكفرن ( جواب قسم محذوف وقوله ) ثوابا من عند الله ( مصدر مؤكد عند البصريين لأن معنى قوله ) ولأدخلنهم جنات ( لأثيبنهم ثوابا أي إثابة أو تثويبا كائنا من عند الله وقال الكسائي إنه منتصب على الحال وقال الفراء على التفسير ) والله عنده حسن الثواب ( أي حسن الجزاء وهو ما يرجع على العامل من جزاء عمله من ثاب يثوب إذا رجع
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبدالرزاق والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أم سلمة قالت يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله ) فاستجاب لهم ( إلى آخر الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال ( ما من عبد يقول يا رب يا رب يا رب ثلاث مرات إلا نظر الله إليه ) فذكر للحسن فقال أما تقرأ القرآن ) ربنا إننا سمعنا مناديا ( إلى قوله ) فاستجاب لهم ربهم ( وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت آخر آية نزلت هذه الآية ) فاستجاب لهم ربهم ( إلى آخرها وقد ورد في فضل الهجرة أحاديث كثيرة


"""""" صفحة رقم 414 """"""
آل عمران 196 200
آل عمران : ( 196 ) لا يغرنك تقلب . . . . .
قوله ( لايغرنك ) خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد تثبيته على ما هو عليه كقوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا ( أو خطاب لكل أحد وهذه الآية متضمنة لقبح حال الكفار بعد ذكر حسن حال المؤمنين والمعنى لا يغرنك ما هم فيه من تقلبهم في البلاد بالأسفار للتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم فهو متاع قليل يتمتعون به في هذه الدار ثم مصيرهم إلى جهنم
آل عمران : ( 197 ) متاع قليل ثم . . . . .
فقوله ( متاع ) خبر مبتدأ محذوف أي هو متاع قليل لا اعتداد به بالنسبة إلى ثواب الله سبحانه ( ومأواهم ) أي ما يأوون إليه والتقلب في البلاد اضطراب في الاسفار إلى الأمكنة ومثله قوله تعالى ) فلا يغررك تقلبهم في البلاد ( والمتاع ما يعجل الانتفاع به وسماه قليلا لأنه فان وكل فان وإن كان كثيرا فهو قليل وقوله ( وبئس المهاد ) ما مهدوا لأنفسهم في جهنم بكفرهم أو ما مهد الله لهم من النار فالمخصوص بالذم محذوف وهو هذا المقدر
آل عمران : ( 198 ) لكن الذين اتقوا . . . . .
قوله ) لكن الذين اتقوا ربهم ( هو استدراك مما تقدمه لأن معناه معنى النفى كأنه قال ليس لهم في تقلبهم في البلاد كثير انتفاع ( لكن الذين اتقوا ) لهم الانتفاع الكثير والخلد الدائم وقرأ يزيد بن القعقاع لكن بتشديد النون قوله ( نزلا ) مصدر مؤكد عند البصريين كما تقدم في ثوابا وعند الكسائي والفراء مثل ما قالا في ثوابا النزل ما يهيأ للنزيل والجمع أنزال قال الهروي ( نزلا من عند الله ) أي ثوابا من عند الله ( وما عند الله ) مما أعده لمن اطاعه ( خير للأبرار ) مما يحصل للكفار من الربح في الاسفار فإنه متاع قليل عن قريب يزول
آل عمران : ( 199 ) وإن من أهل . . . . .
وقوله ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله ) هذه الجملة سيقت لبيان إن بعض أهل الكتاب لهم حظ من الدين وليسوا كسائرهم في فضائحهم التي حكاها الله عنهم فيما سبق وفيما سيأتي فإن هذه البعض يجمعون بين الإيمان بالله وبما أنزل الله على نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما انزله على انبيائهم حال كونهم ( خاشعين لله لا يشترون ) أي يستبدلون ( بآيات الله ثمنا قليلا ) بالتحريف والتبديل كما يفعله سائرهم بل يحكون كتب الله سبحانه كما هي والاشارة بقوله ( أولئك ) إلى هذه الطائفة الصالحة من أهل الكتاب من حيث اتصافهم بهذه الصفات الحميدة ( لهم أجرهم ) الذي وعد الله سبحانه به بقوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين وتقديم الخبر يفيد اختصاص ذلك الأجر بهم وقوله ( عند ربهم ) في محل نصب على الحال
آل عمران : ( 200 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا ) الخ هذه الآية العاشرة من قوله سبحانه ( إن في خلق السموات ) ختم بها هذه السورة لما اشتملت عليه من الوصايا التي جمعت خير الدنيا والآخرة فحض على الصبر على الطاعات والشهوات والصبر الحبس وقد تقدم تحقيق معناه والمصابرة مصابرة الأعداء قاله الجمهور أي غالبوهم في الصبر على الشدائد الحرب وخص المصابرة بالذكر بعد إن ذكر الصبر لكونها أشد منه وأشق وقيل المعنى صابروا على الصلوات وقيل


"""""" صفحة رقم 415 """"""
صابروا الأنفس عن شهواتها وقيل صابروا الوعد الذي وعدتم ولا تيأسوا والقول الأول هو المعنى العربي ومنه قول عنترة فلم أر حيا صابروا مثل صبرنا
ولا كافحوا مثل الذين نكافح
أي صابروا العدو في الحرب قوله ( ورابطوا ) أي اقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها كما يربطها اعداؤكم وهذا قول جمهور المفسرين وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ولم يكن في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غزو يرابط فيه وسيأتي ذكر من خرج عنه هذا والرباط اللغوي هو الأول ولا ينافيه تسميته ( صلى الله عليه وسلم ) لغيره رباطا كما سيأتي ويمكن إطلاق الرباط على المعنى الأول وعلى انتظار الصلاة قال الخليل الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة هكذا قال وهو من أئمة اللغة وحكى ابن فارس عن الشيباني انه قال يقال ماء مترابط دائم لا يبرح وهو يقتضي تعدية الرباط إلى غير ارتباط الخيل في الثغور قوله ( واتقوا الله ) فلا تخالفوا ما شرعه لكم ) لعلكم تفلحون ( أي تكونون من جملة الفائزين بكل مطلوب وهم المفلحون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله ( لايغرنك تقلب الذين كفروا ) تقلب ليلهم ونهارهم وما يجري عليهم من النعم قال عكرمة قال ابن عباس وبئس المهاد أي بئس المنزل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في قوله ( تقلبهم في البلاد ) قال ضربهم في البلاد وأخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله ( وما عند الله خير للابرار ) قال إنما سماهم الله أبرارا لأنهم بروا الآباء والأبناء كما إن لوالدك عليك حقا كذلك لولدك عليك حقا وأخرجه ابن مردوية عنه مرفوعا والأول أصح قال السيوطي وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ( خير للأبرار ) لمن يطيع الله واخرج النسائي والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال لما مات النجاشي قال ( صلى الله عليه وسلم ) صلوا عليه قالوا يا رسول الله نصلي على عبد حبشي فأنزل الله ) وإن من أهل الكتاب ( الآية وأخرج ابن جرير عن جابر مرفوعا إن المنافقين قالوا انظروا إلى هذا يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصلي على علج نصراني فنزلت وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير أنها نزلت في النجاشي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال هم مسلمة أهل الكتاب من اليهود والنصارى وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد والذين اتبعوا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن المبارك وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي سلمة بن عبدالرحمن ما قدمنا ذكره وأخرج ابن مردويه عنه عن أبي هريرة قال اما انه لم يكن في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلوات في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها وقد ثبت في الصحيح وغيره من قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم ورابطوا عدوى وعدوكم وقد روى من تفاسير السلف غير هذا في سر الصبر على نوع من انوع الطاعات والمصابرة على نوع آخر ولا تقوم بذلك حجة فالواجب الرجوع إلى المدلول اللغوي وقد قدمناه وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الرباط وفيها التصريح بأنه الرباط في سبيل الله وهو يرد ما قاله أبو سلمة بن


"""""" صفحة رقم 416 """"""
عبد الرحمن فإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد ندب إلى الرباط في سبيل الله هو الجهاد فيحمل ما في الآية عليه وقد ورد عنه ( صلى الله عليه وسلم ) انه سمى حراسة جيش المسلمين رباطا فأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن أنس قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أجر المرابط فقال من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى وقد ورد في فضل هذه العشر الآيات التي في آخر هذه السورة مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما أخرجه ابن السنى وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة ) وفي إسناده مظاهر بن أسلم وهو ضعيف وقد تقدم من حديث ابن عباس في الصحيحين إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ هذه العشر الآيات لما استيقظ وكذلك تقدم في غير الصحيحين من رواية صفوان بن المعطل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج الدارمى عن عثمان بن عفان قال ( من قرأ آخر آل عمران في ليلة كتب له قيام ليلة )
سورة النساء
سورة النساء مدنية إلا آية واحدة
هي مدنية كلها قال القرطبي إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله تعالى ) إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ( على ما سيأتي إن شاء الله قال النقاش وقيل نزلت عند هجرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة إلى المدينة وعلى ما تقدم عن بعض أهل أعلم إن قوله تعالى ( يا أيها الناس ) حيثما وقع فإنه مكي يلزم إن يكون صدر هذه السورة مكيا وبه قال علقمة وغيره وقال النحاس هذه الآية مكية قال القرطبي والصحيح الأول فإن في صحيح البخاري عن عائشة انها قالت ما نزل سورة النساء إلا وأنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعني قد بنى بها ولا خلاف بين العلماء إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنما بنى بعائشة بالمدينة ومن تبين أحكامها علم انها مدنية لا شك فيها قال وأما من قال ) يا أيها الناس ( مكي حيث وقع فليس بصحيح فإن البقرة مدنية وفيها ) يا أيها الناس ( في موضعين وقد أخرج ابن الضريس في فضائله والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال نزلت سورة النساء بالمدينة وفي إسناده العوفي وهو ضعيف وكذا أخرجه ابن مردويه عن عبدالله بن الزبير وزيد ابن ثابت وأخرجه ابن المنذر عن قتادة
فضل سورة النساء
وقد ورد في فضل هذه السورة ما أخرجه الحاكم في مستدركه عن عبدالله بن مسعود قال إن في سورة النساء لخمس آيات ما يسرني إن لي بها الدنيا وما فيها ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( الآية و ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ( الآية و ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ( الآية ثم قال هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من أبيه وقد اختلف في ذلك وأخرجه عبدالرزاق عن معمر عن رجل عن ابن مسعود قال خمس آيات من النساء هن أحب إلى الدنيا جميعا ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ( الآية ) وإن تك حسنة يضاعفها ( الآية ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه (


"""""" صفحة رقم 417 """"""
الآية ) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ( الآية ورواه ابن جرير ثم روى من طريق صالح المرى عن قتادة عن ابن عباس قال ثمان آيات نزلت في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت وذكر ما ذكره ابن مسعود وزاد ) يريد الله ليبين لكم ( الآية ) والله يريد أن يتوب عليكم ( الآية ) يريد الله أن يخفف عنكم ( الآية وأخرج أحمد وابن الضريس ومحمد بن نصر والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( من أخذ السبع فهو حبر ) وأخرج البيهقي في الشعب عن واثلة بن الاسقع قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اعطيت مكان التوراة السبع الطوال والمئين كل سورة بلغت مائة فصاعدا ) والمثاني كل سورة دون المئين وفوق المفصل وأخرج أبو يعلى وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أنس قال ( وجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذات ليلة شيئا فلما أصبح قيل يا رسول الله إن أثر الوجع عليك لبين قال اما إني على ما ترون بحمد الله قد قرأت السبع الطوال ) وأخرج أحمد بن حذيفة قال ( قمت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات ) وأخرج عبدالزاق عن بعض أهل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصلى ( ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ بالسبع الطوال في ركعة واحدة ) وأخرج الحاكم عن ابن عباس انه قال ( سلوني عن سورة النساء فإني قرأت القرآن وأنا صغير قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عنه قال ( من قرأ سورة النساء فعلم ما يحجب مما لا يحجب علم الفرائض )
ع4
النساء 1 4
النساء : ( 1 ) يا أيها الناس . . . . .
المراد بالناس الموجودون عند الخطاب من بني آدم ويدخل من سيوجد بدليل خارجي وهو الإجماع على أنهم مكلفون بما كلف به الموجودون أو تغليب الموجودين على من لم يوجد كما غلب الذكور على الإناث في قوله ( اتقوا ربكم ) لاختصاص ذلك بجمع المذكر والمراد بالنفس الواحدة هنا آدم وقرأ ابن أبي علبة واحد بغير هاء على مراعاة المعنى فالتأنيث باعتبار اللفظ والتذكير باعتبار المعنى قوله ( وخلق منها زوجها ) قيل هو معطوف على مقدر يدل عليه الكلام أي خلقكم من نفس واحدة خلقها أولا وخلق منها زوجها وقيل على خلقكم


"""""" صفحة رقم 418 """"""
فيكون الفعل الثاني داخلا مع الأول في حيز الصلة والمعنى وخلق من تلك النفس التي هي عبارة عن آدم زوجها وهي حواء وقد تقدم في البقرة معنى التقوى والرب والزوج والبث والضمير في قوله ( منها ) راجع إلى آدم وحواء المعبر عنهما بالنفس والزوج وقوله 0 كثيرا ) وصف مؤكد لما تفيده صيغة الجمع لكونها من جموع الكثرة وقيل هو نعت لمصدر محذوف أي بثا كثيرا وقوله ( ونساء ) أي كثيرة وترك التصريح به استغناء بالوصف الأول قوله ) واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ( قرأ أهل الكوفة بحذف التاء الثانية وأصله تتساءلون تخفيفا لأجتماع المثلين وقرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بإدغام التاء في السين والمعنى يسأل بعضكم بعضا بالله والرحم فإنهم كانوا يقرنون بينهما في السؤال والمناشدة فيقولون أسألك بالله والرحم وأنشدك الله والرحم وقرأ النخعى وقتادة والأعمش وحمزة ( والارحام ) بالجر وقرأ الباقون بالنصب وقد اختلف أئمة النحو في توجيه قراءة الجر فأما البصريون فقالوا هي لحن لاتجوز القراءة بها وأما الكوفيون فقالوا هي قراءة قبيحة قال سيبويه في توجيه هذا القبح إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين والتنوين لا يعطف عليه وقال الزجاج وجماعة بقبح عطف الإسم الظاهر على المضمر في الخفض إلا بإعادة الخافض كقوله تعالى فخسفنا به وبداره الأرض وجوز سيبويه ذلك في ضرورة الشعر وأنشد فاليوم قربت تهجونا وتمدحنا
فاذهب فما بك والأيام من عجب
ومثله قول الآخر تعلق في مثل السواري سيوفنا
وما بينها والكعب بهو نفانف
بعطف الكعب على الضمير في بينها وحكى أبو علي الفارسي إن المبرد قال لو صليت خلف إمام يقرا ( واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) بالجر لأخذت نعلى ومضيت وقد رد الإمام أبو نصر القشيرى ما قاله القادحون في قراء الجر فقال ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تواترا ولا يخفي عليك إن دعوى التواتر باطلة يعرف ذلك من يعرف الأسانيد التي رووها بها ولكن ينبغي إن يحتج للجواز بورود ذلك في اشعار العرب كما تقدم وكما في قول بعضهم وحسبك والضحاك سيف مهند
وقول الآخر
وقد رام آفاق السماء فلم يجد له مصعدا فيها ولا الأرض مقعدا
وقول الآخر
ما إن بها والأمور من تلف
وقول الآخر
أكر على الكتيبة لست أدري
أحتفى كان فيها أم سواها
فسواها في موضع جر عطفا على الضمير في فيها ومنه قوله تعالى وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين وأما قراءة النصب فمعناها واضح جلى لأنه عطف الرحم على الإسم الشريف أي اتقوا الله واتقوا الأرحام فلا تقطعوها فإنها مما أمر الله به أن يوصل وقيل إنه عطف على محل الجار والمجرور في قوله ( به ) كقولك مررت بزيد وعمرا أي اتقوا الله الذي تساءلون به وتتساءلون بالارحام والأول أولى وقرأ عبد الله ابن يزيد والأرحام بالرفع على الابتداء والخبر مقدر أي والاحام صلوها أو والأرحام أهل ان توصل وقيل إن الرفع على الإغراء عند من يرفع به ومنه قول الشاعر
إن قوما منهم عمير واشبا
ه عمير ومنهم السفاح
لجديرون باللقاء إذا قا
ل أخ النجدة السلاح السلاح


"""""" صفحة رقم 419 """"""
والأرحام اسم لجميع الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره لا خلاف في هذا بين أهل الشرع ولا بين أهل اللغة وقد خصص أبو حنيفة وبعض الزيدية الرحم بالمحرم في منع الرجوع في الهبة مع موافقتهم على ان معناها أعم ولا وجه لهذا التخصيص قال القرطبي اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة انتهى وقد وردت بذلك الأحاديث الكثير الصحيحة والرقيب المراقب وهي صيغة مبالغة يقال رقبت أرقب رقبة ورقبانا إذا انتظرت
النساء : ( 2 ) وآتوا اليتامى أموالهم . . . . .
قوله ( وآتوا اليتامى أموالهم ) خطاب للأولياء والأصياء والإيتاء الإعطاء واليتيم من لا أب له وقد خصصه الشرع بمن لم يبلغ الحلم وقد تقدم تفسير معناه في البقرة مستوفى وأطلق اسم اليتيم عليهم عند إعطائهم أموالهم مع أنهم لا يعطونها إلا بعد ارتفاع اسم اليتم بالبلوغ مجازا باعتبار ما كانوا عليه ويجوز ان يراد باليتامى المعنى الحقيقي وبالإيتاء ما يدفعه الأولياء والأوصياء إليهم من النفقة والكسوة لا دفعها جميعها وهذه الآية مقيدة بالآية الأخرى وهي قوله تعالى ) فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ( فلا يكون مجرد ارتفاع اليتم بالبلوغ مسوغا لدفع أموالهم إليهم حتى يؤنس منهم الرشد قوله ( ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ) نهى لهم عن ان يصنعوا صنع الجاهلية في أموال اليتامى فأنهم كانوا يأخذون الطيب من أموال اليتامى ويعوضونه بالردى من أموالهم ولا يرون بذلك بأسا وقيل المعنى لا تأكلوا أموال اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب من أموالكم وقيل المراد لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله والأول أولى فإن تبدل الشيء بالشئ في اللغة أخذه مكانه وكذلك استبداله ومنه قوله تعالى ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل وقوله أتستبدون الذي هو ادنى بالذي هو خير وأما التبديل فقد يستعمل كذلك كما في قوله ) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ( أخرى بالعكس كما في قولك بدلت الحلقة بالخاتم إذا أذبتها وجعلتها خاتما ونص عليه الأزهرى قوله ( ولا تاكلوا أموالهم إلى اموالكم ) ذهب جماعة من المفسرين إلى ان المنهى عنه في هذه الآية هو الخلط فيكون الفعل مضمنا معنى الضم أي لا تأكلوا أموالهم مضمونة إلى أموالكم ثم نسخ هذا بقوله تعالى ) وإن تخالطوهم فإخوانكم ( وقيل ان إلى بمعنى مع كقوله تعالى ) من أنصاري إلى الله ( والأول أولى والحوب الإثم يقال حاب الرجل يحوب حوبا إذا أثم وأصله الزجر للإبل فسمى الإثم حوبا لأنه يزجر عنه والحوبة الحاجة والحوب أيضا الوحشة وفيه ثلاث لغات ضم الحاء وهي قراءة الجمهور وفتح الحاء وهي قراءة الحسن قال الأخفش وهي لغة تميم والثالثة الحاب وقرأ أبي بن كعب حابا على المصدر كقال قالا والتحوب التحزن ومنه قول طفيل فذوقوا كما ذقنا عداه يحجر
من الغيظ في أكبادنا والتحوب
النساء : ( 3 ) وإن خفتم ألا . . . . .
قوله ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ) وجه ارتباط الجزاء بالشرط ان الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه وليا لها ويريد ان يتزوجها فلا يقسط لها في مهرها أي يعدل فيه ويعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج فنهاهم الله ان ينكحوهن إلا ان يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى ما هو لهن من الصداق وأمروا ان ينكحوا ما طاب لهن من النساء سواهن فهذا سبب نزول الآية كما سيأتي فهو نهى يخص هذه الصورة وقال جماعة من السلف إن هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أول الإسلام من ان للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء فقصرهم بهذه الآية على أربع فيكون وجه ارتباط الجزاء بالشرط أنهم إذا خافوا ألا يقسطوا في اليتامى فكذلك يخافون إلا يقسطوا في النساء لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء والخوف من الاضداد فإن االمخوف قد يكون معلوما وقد يكون مظنونا ولهذا اختلف الأئمة في معناه في الآية فقال أبو عبيدة ( خفتم )


"""""" صفحة رقم 420 """"""
بمعنى أيقنتم وقال آخرون ( خفتم ) بمعنى ظننتم قال ابن عطية وهو الذي اختاره الحذاق وانه على بابه من الظن لامن اليقين حدثنا والمعنى من غلب على ظنه التقصير في العدل لليتيمة فليتركها وينكح غيرها وقرأ النخعى وابن وثاب 0 ( تقسطوا ) بفتح التاء من قسط إذ جار فتكون هذه القراءة على تقدير زيادة لا كأنه قال وإن خفتم ان تقسطوا وحكى الزجاج ان أقسط يستعمل استعمال قسط والمعروف عند أهل اللغة أن اقسط بمعنى عدل وقسط بمعنى جار و ( ما ) في قوله ( ما طاب ) موصولة وجاء بما مكان من لأنهما قد يتعاقبان فيقع كل واحد منهما مكان الآخر كما في قوله ) والسماء وما بناها ( فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشى على أربع وقال البصريون إن ( ما ) تقع للنعوت كما تقع لما لا يعقل يقال ما عندك فيقال ظريف وكريم فالمعنى فانكحوا الطيب من النساء أي الحلال وما حرمه الله فليس بطيب وقيل إن ( ما ) هنا مدية أي ما دمتم مستحسنين للنكاح وضعفه ابن عطية وقال الفراء إن ( ما ) ها هنا مصدرية قال النحاس وهذا بعيد جدا وقرأ ابن أبي عبلة ( فانكحوا من طاب ) وقد اتفق أهل العلم على ان هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له ما انه يجوز لمن لم يخف ان يقسط في اليتامى ان ينكح أكثر من واحدة و ( من ) في قوله ( من النساء ) إما بيانية أو تبعيضية لأن المراد غير اليتائم قوله ( مثنى وثلاث ورباع ) في محل نصب على البدل من ( ما ) كما قاله أبو علي الفارسي و قيل على الحال وهذه الألفاظ لا تتصرف للعدل والوصفية كما هو مبين في علم النحو والأصل انكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين وثلاثا ثلاثا واربعا أربعا وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة وأن كل ناكح له ان يختار ما اراد من هذا العدد كما يقال للجماعة اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم أو هذا المال الذي في البدرة درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة واربعة أربعة وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته أو عين مكانه اما لو كان مطلقا كما يقال اقتسموا الدراهم ويراد به ما كسبوه فليس المعنى هكذا والآية من الباب الآخر لا من الباب الأول على ان من قال لقوم يقتسمون مالا معينا كثيرا اقتسموه مثنى وثلاث ورباع فقسموا بعضه بينهم درهمين درهمين وبعضه ثلاثة ثلاثة وبعضه اربعه اربعه كان هذا هو المعنى العربي ومعلوم انه إذا قال القائل جائني القوم مثنى وهم مائة ألف كان المعنى أنهم جاءوه اثنين اثنين وهكذا جاء في القوم ثلاث ورباع والخطاب للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد كما في قوله تعالى ) فاقتلوا المشركين ( اقيموا الصلاة آتوا الزكاة ونحوها فقوله ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) معناه لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا هذا ما تقتضيه لغة العرب فالآية تدل على خلاف ما استدلوا بها عليه ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية ) فان حفتم الا تعدلوا فواحدة ( فإنه وإن كان خطابا للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد فالأولى ان يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن وأما استدلال من استدل بالاية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة فكأنه قال انكحوا مجموع هذا العدد المذكور فهذا جهل بالمعنى العربي ولو قال انكحوا ثنتين وثلاثا واربعا كان هذا القول له وجه وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون أو لأن التخيير يشعر بانه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره وذلك ليس بمراد من النظم القرآنى وقرأ النخعى ويحيى بن وثاب ثلث وربع بغير ألف قوله 0 فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) فانكحوا واحدة كما يدل على ذلك قوله ( فانكحوا ما طاب ) وقيل التقدير فالزموا أو فاختاروا واحدة والأول أولى والمعنى فإن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجات في القسم ونحوه فانكحوا واحدة وفيه المنع من الزيادة على الواحدة لمن خاف ذلك وقرئ بالرفع على انه مبتدأ والخبر محذوف قال


"""""" صفحة رقم 421 """"""
الكسائي أي فواحدة تقنع وقيل التقدير فواحدة فيها كفاية ويجوز أن تكون واحدة على قراءة الرفع خبر مبتدأ محذوف أي فالمقنع واحدة قوله ) أو ما ملكت أيمانكم ( معطوف على واحدة أي فانكحوا واحدة أو أنكحوا ما ملكت أيمانكم من السراري وإن كثر عددهن كما يفيده الموصول والمراد نكاحهن بطريق الملك لا بطريق النكاح وفيه دليل على أنه لا حق للمملوكات في القسم كما يدل على ذلك جعله قسيما للواحدة في الأمن من عدم العدل وإسناد الملك إلى اليمين لكونها المباشرة لقبض الأموال وإقباضها ولسائر الأمور التي تنسب إلى الشخص في الغالب ومنه إذا ما راية نصبت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
قوله ) ذلك أدنى ألا تعولوا ( أي ذلك أقرب إلى ألا تعولوا أي تجوروا من عال الرجل يعول إذا مال وجار ومنه قولهم عال السهم عن الهدف مال عنه وعال الميزان إذا مال ومنه قالوا اتبعنا رسول الله واطرحوا
قول الرسول وعالوا في الموازين
ومنه قول أبي طالب بميزان صدق لا يغل شعيرة
له شاهد من نفسه غير عائل
ومنه أيضا فنحن ثلاثة وثلاث ذود
لقد عال الزمان على عيال
والمعنى إن خفتم عدم العدل بين الزوجات فهذه التي أمرتم بها أقرب إلى عدم الجور ويقال عال الرجل يعيل إذا افتقر وصار عالة ومنه قوله تعالى ) وإن خفتم عيلة ( ومنه قول الشاعر وما يدري الفقير متى غناه
وما يدري الغني متى يعيل
وقال الشافعي ) ألا تعولوا ( ألا تكثر عيالكم قال الثعلبي وما قال هذا غيره وإنما يقال أعال يعيل إذا كثر عاله وذكر ابن العربي أن عال تأتي لسبعة معان الأول عال مال الثاني زاد الثالث جار الرابع افتقر الخامس أثقل السادس قام بمؤونة العيال ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) وابدأ بمن تعول السابع عال غلب ومنه عيل صبري قال ويقال أعال الرجل كثر عياله وأما عال بمعنى كثر عياله فلا يصح ويجاب عن إنكار الثعلبي لما قاله الشافعي وكذلك إنكار ابن العربي لذلك بأنه قد سبق الشافعي إلى القول به زيد بن أسلم وجابر بن زيد وهما إمامان من أئمة المسلمين لا يفسران القرآن هما والامام الشافعي بما لا وجه له في العربية وقد أخرج ذلك عنهما الدارقطني في سننه وقد حكاه القرطبي عن الكسائي وأبي عمر الدوري وابن الأعرابي وقال أبو حاتم كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا لعله لغة وقال الثعلبي قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب سألت أبا عمر الدوري عن هذا وكان إماما في اللغة غير مدافع فقال هي لغة حمير وأنشد وإن الموت يأخذ كل حي
بلا شك وإن أمشي وعالا
أي وإن كثرت ماشيته وعياله وقرأ طلحة بن مصرف ? أن لا تعيلوا ? قال ابن عطية وقدح الزجاج في تأويل عال من العيال بأن الله سبحانه قد أباح كثرة السراري وفي ذلك تكثير العيال فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثروا وهذا القدح غير صحيح لأن السراري إنما هي مال يتصرف فيه بالبيع وإنما العيال الحرائر ذوات الحقوق الواجبة وقد حكى ابن الأعرابي أن العرب تقول عال الرجل إذا كثر عياله وكفى بهذا
وقد ورد عال لمعان غير السبعة التي ذكرها ابن العربي منها عال اشتد وتفاقم حكاه الجوهري وعال الرجل في الأرض إذا ضرب فيها حكاه الهروي وعال إذا أعجز حكاه الأحمر فهذه ثلاثة معان غير


"""""" صفحة رقم 422 """"""
السبعة والرابع عال كثر عياله فجملة معاني عال أحد عشر معنى
النساء : ( 4 ) وآتوا النساء صدقاتهن . . . . .
قوله ) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ( الخطاب للأزواج وقيل للأولياء والصدقات بضم الدال جمع صدقة كثمرة قال الأخفش وبنو تميم يقولون صدقة والجمع صدقات وإن شئت فتحت وإن شئت أسكنت والنحلة بكسر النون وضمها لغتان وأصلها العطاء نحلت فلانا أعطيته وعلى هذا فهي منصوبة على المصدرية لأن الإيتاء بمعنى الإعطاء وقيل النحلة التدين فمعنى نحلة تدينا قاله الزجاج وعلى هذا فهي منصوبة على المفعول له وقال قتادة النحلة الفريضة وعلى هذا فهي منصوبة على الحال وقيل النحلة طيبة النفس قال أبو عبيد ولا تكون النحلة إلا عن طيبة نفس ومعنى الآية على كون الخطاب للأزواج أعطوا النساء اللاتي نكحتموهن مهورهن التي لهن عليكم عطية أو ديانة منكم أو فريضة عليكم أو طيبة من أنفسكم ومعناها على كون الخطاب للأولياء أعطوا النساء من قراباتكم التي قبضتم مهورهن من أزواجهن تلك المهور وقد كان الولي يأخذ مهر قريبته في الجاهلية ولا يعطيها شيئا حكى ذلك عن أبي صالح والكلبي والأول أولى لأن الضمائر من أول السياق للأزواج وفي الآية دليل على أن الصداق واجب على الأزواج للنساء وهو مجمع عليه كما قال القرطبي قال وأجمع العلماء أنه لا حد لكثيره واختلفوا في قليله وقرأ قتادة ( صدقاتهن ) بضم الصاد وسكون الدال وقرأ النخعي وابن وثاب بضمهما وقرأ الجمهور بفتح الصاد وضم الدال قوله ) فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ( الضمير في منه راجع إلى الصداق الذي هو واحد الصدقات أو إلى المذكور وهو الصدقات أو هو بمنزلة اسم الإشارة كأنه قال من ذلك ونفسا تمييز وقال أصحاب سيبويه منصوب بإضمار فعل لا تمييز أي أعني نفسا والأول أولى وبه قال الجمهور والمعنى فإن طبن أي النساء لكم أيها الأزواج أو الأولياء عن شيء من المهر ) فكلوه هنيئا مريئا ( وفي قوله ) طبن ( دليل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم إنما هو طيبة النفس لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس فإذا ظهر منها ما يدل على عدم طيبة نفسها لم يحل للزوج ولا للولي وإن كانت قد تلفظت بالهبة أو النذر أو نحوهما وما أقوى دلالة هذه الآية على عدم اعتبار ما يصدر من النساء من الألفاظ المفيدة للتمليك بمجردها لنقصان عقولهن وضعف إدراكهن وسرعة انخداعهن وانجذابهن إلى ما يراد منهن بأيسر ترغيب أو ترهيب وقوله ) هنيئا مريئا ( منصوبان على أنهما صفتان لمصدر محذوف أي أكلا هنيئا مريئا أو قائمان مقام المصدر أو على الحال يقال هناه الطعام الشراب يهنيه ومرأه وأمرأه من الهنيء والمريء والفعل هنأ ومرأ أي أتى من غير مشقة ولا غيظ وقيل هو الطيب الذي لا تنغيص فيه وقيل المحمود العاقبة الطيب الهضم وقيل ما لا إثم فيه والمقصود هنا أنه حلال لهم خالص عن الشوائب وخص الأكل لأنه معظم ما يراد بالمال وإن كان سائر الانتفاعات به جائزة كالأكل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) خلقكم من نفس واحدة ( قال آدم ) وخلق منها زوجها ( قال حواء من قصيرى آدم أي قصيري اضلاعه وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر قال خلقت حواء من خلف آدم الأيسر وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال من ضلع الخلف وهو من أسفل الأضلاع وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) واتقوا الله الذي تساءلون به ( قال تعاطون به وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع قال تعاقدون وتعاهدون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال يقول أسألك بالله والرحم وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال اتقوا الله


"""""" صفحة رقم 423 """"""
الذي تساءلون به واتقوا الأرحام وصلوها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) إن الله كان عليكم رقيبا ( قال حفيظا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال إن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عمه فخاصمه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) وآتوا اليتامى أموالهم ( يعني الأوصياء يقول أعطوا اليتامى أموالهم ) ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ( يقول لا تستبدلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم يقول لا تذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد قال لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدر لك ) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ( قال مع أموالكم تخلطونها فتأكلونها جميعا ) إنه كان حوبا ( إثما وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا يورثون الصغار يأخذه الأكبر فنصيبه من الميراث طيب وهذا الذي يأخذ خبيث وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال مع أموالكم وأخرج ابن جرير عن الحسن قال لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم وجعل ولي اليتيم يعزل مال اليتيم عن ماله فشكوا ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ( قال فخالطوهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أن عروة سأل عائشة عن قول الله عز وجل ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( قالت يابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في مالها ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سننهن في الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن وأن الناس قد استفتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد هذه الآية فأنزل الله ) ويستفتونك في النساء ( قالت عائشة وقول الله في الآية الأخرى ) وترغبون أن تنكحوهن ( رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من باقي النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال وأخرج البخاري عن عائشة أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق فكان يمسكها عليه ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله وقد روى هذا المعنى من طرق وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال كان الرجل يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى فنهى الله عن ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال قصر الرجال على أربع نسوة من أجل أموال اليتامى وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( قال كان الرجل يتزوج ما شاء فقال كما تخافون ألا تعدلوا في اليتامى فخافوا ألا تعدلوا فيهن فقصرهم على الأربع وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال كانوا في الجاهلية ينكحون عشرا من النساء الأيامى وكانوا يعظمون شأن اليتيم فتفقدوا من دينهم شأن اليتامى وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال كما خفتم ألا تعدلوا في اليتامى فخافوا ألا تعدلوا في النساء إذا جمعتموهن عندكم وأخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن أبي موسى الأشعري عنه قال فإن خفتم الزنا فانكحوهن يقول كما خفتم في أموال اليتامى ألا تقسطوا فيها فكذلك فخافوا على أنفسكم ما لم تنكحوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك ) ما طاب لكم ( قال ما أحل لكم


"""""" صفحة رقم 424 """"""
وأخرج ابن جرير عن الحسن وسعيد بن جبير مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عائشة نحوه وأخرج الشافعي وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وابن ماجة والنحاس في ناسخه والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر ( أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اختر منهن ) وفي لفظ ( أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن ) هذا الحديث أخرجه هؤلاء المذكورين من طرق عن إسماعيل بن علية وغندر وزيد ابن زريع وسعيد بن أبي عروبة وسفيان الثوري وعيسى بن يونس وعبدالرحمن بن محمد المحاربي والفضل بن موسى وغيرهم من الحفاظ عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه فذكره وقد علل البخاري هذا الحديث فحكى عنه الترمذي أنه قال هذا حديث غير محفوظ والصحيح ما روى عن شعيب وغيره عن الزهري حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة فذكره وأما حديث الزهري عن أبيه أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال وقد رواه معمر عن الزهري مرسلا وهكذا رواه مالك عن الزهري مرسلا قال أبو زرعة وهو أصح ورواه عقيل عن الزهري بلغنا عن عثمان بن محمد بن أبي سويد قال أبو حاتم وهذا وهم إنما هو الزهري عن عثمان بن أبي سويد وقد سامه أحمد برجال الصحيح فقال حدثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا حدثنا معمر عن الزهري قال أبو جعفر في حديثه أخبرنا ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن غيلان فذكره وقد روى من غير طريق معمر والزهري فأخرجه البيهقي عن أيوب عن نافع وسالم عن ابن عمر أن غيلان فذكره وأخرج أبو داود وابن ماجة في سننهما عن عمير الأسدي قال أسلمت وعندي ثمان نسوة فذكرت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال اختر منهن أربعا قال ابن كثير إن إسناده حسن وأخرج الشافعي في مسنده عن نوفل بن معاوية الديلي قال أسلمت وعندي خمس نسوة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أمسك أربعا وفارق الأخرى ) وأخرج ابن ماجة والنحاس في ناسخه عن قيس بن الحارث الأسدي قال ( أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبرته فقال اختر منهن أربعا وخل سائرهن ففعلت ) وهذه شواهد للحديث الأول كما قال البيهقي وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن الحكم قال أجمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أن المملوك لا يجمع من النساء فوق اثنتين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية يقول إن خفت ألا تعدل في أربع فثلاث وإلا فثنتين وإلا فواحدة فإن خفت ألا تعدل في واحدة فما ملكت يمينك وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج أيضا عن الضحاك ) فإن خفتم ألا تعدلوا ( قال في المجامعة والحب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ) أو ما ملكت أيمانكم ( قال السراري وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ذلك أدنى ألا تعولوا ( قال ألا تجوروا قال ابن أبي حاتم قال أبي هذا حديث خطأ والصحيح عن عائشة موقوف وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ) ألا تعولوا ( قال ألا تميلوا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال ألا تميلوا ثم قال أما سمعت قول أبي طالب بميزان قسط لا يخيس شعيرة
ووازن صدق وزنه غير عائل
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال ألا تميلوا وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين وأبي مالك والضحاك مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال ذلك أدنى


"""""" صفحة رقم 425 """"""
ألا يكثر من تعولوا وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال ألا تفتقروا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال كان الرجل إذا زوج ايمة أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزلت ) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) نحلة ( قال يعني بالنحلة المهر وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة ) نحلة ( قالت واجبة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج ) وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ( قال فريضة مسماة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) فإن طبن لكم ( قال هي للازواج وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة ) فإن طبن لكم عن شيء منه ( قال من الصداق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس ) فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ( يقول إذا كان من غير ضرار ولا خديعة فهو هنيء مرئ كما قال الله
النساء 5 6
النساء : ( 5 ) ولا تؤتوا السفهاء . . . . .
هذا رجوع إلى بقية الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى وقد تقدم الأمر بدفع أموالهم إليهم في قوله تعالى ) وآتوا اليتامى أموالهم ( فبين سبحانه ها هنا أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه وقد تقدم في البقرة معنى السفيه لغة واختلف أهل العلم في هؤلاء السفهاء من هم فقال سعيد بن جبير هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم قال النحاس وهذا من أحسن ما قيل في الآية وقال مالك هم الأولاد الصغار لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها وتبقوا بلا شيء وقال مجاهد هم النساء قال النحاس وغيره وهذا القول لا يصح إنما تقول العرب سفائه أو سفيهات واختلفوا في وجه إضافة الأموال إلى المخاطبين وهي للسفهاء فقيل أضافها إليهم لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها كقوله ) فسلموا على أنفسكم ( وقوله ) فاقتلوا أنفسكم ( أي ليسلم بعضكم على بعض وليقتل بعضكم بعضا وقيل أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق في الأصل وقيل المراد أموال المخاطبين حقيقة وبه قال أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة والمراد النهي عن دفعها إلى من لا يحسن تدبيرها كالنساء والصبيان ومن هو ضعيف الإدراك لا يهتدي إلى وجوه النفع التي تصلح المال ولا يتجنب وجوه الضرر التي تهلكه وتذهب به قوله ) التي جعل الله لكم قياما ( المفعول الأول محذوف والتقدير التي جعلها الله لكم ( وقياما ) قراءة أهل المدينة وأبي عامر وقرأ غيرهم ( قياما ) وقرأ عبدالله بن عمر ( قواما ) والقيام والقوام ما يقيمك يقال فلان قيام أهله وقوام بيته وهو الذي يقيم شأنه أي يصلحه ولما انكسرت القاف في قوام أبدلوا الواو ياء قال الكسائي والفراء قيما وقواما بمعنى قياما وهو منصوب على المصدر أي لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم فتقومون بها قياما وقال الأخفش المعنى قائمة بأموركم فذهب


"""""" صفحة رقم 426 """"""
إلى أنها جمع وقال البصريون قيما جمع قيمة كديمة وديم أي جعلها الله قيمة للأشياء وخطأ أبو علي الفارسي هذا القول وقال هي مصدر كقيام وقوام والمعنى أنها صلاح للحال وثبات له فأما على قول من قال إن المراد أموالهم على ما يقتضيه ظاهر الإضافة فالمعنى واضح وأما على قول من قال إنها أموال اليتامى فالمعنى أنها من جنس ما تقوم به معايشكم ويصلح به حالكم من الأموال وقرأ الحسن والنخعي ( اللاتي جعل ) قال الفراء الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي والأموال التي وكذلك غير الأموال ذكره النحاس قوله ) وارزقوهم فيها واكسوهم ( أي اجعلوا لهم فيها رزقا أو افرضوا لهم وهذا فيمن تلزم نفقته وكسوته من الزوجات والأولاد ونحوهم وأما على قول من قال إن الأموال هي أموال اليتامى فالمعنى اتجروا فيها حتى تربحوا وتنفقوهم من الأرباح أو اجعلوا لهم من أموالهم رزقا ينفقونه على أنفسهم ويكتسون به وقد استدل بهذه الآية على جواز الحجر على السفهاء وبه قال الجمهور وقال أبو حنيفة لا يحجر على من بلغ عاقلا واستدل بها أيضا على وجوب نفقة القرابة والخلاف في ذلك معروف في مواطنه قوله ) وقولوا لهم قولا معروفا ( قيل ادعوا لهم بارك الله فيكم وحاطكم وصنع لكم وقيل معناه عدوهم وعدا حسنا قولوا لهم إن رشدتم دفعنا إليكم أموالكم ويقول الأب لابنه مالي سيصير إليك وأنت إن شاء الله صاحبه ونحو ذلك والظاهر من الآية ما يصدق عليه مسمى القول الجميل ففيه إرشاد إلى حسن الخلق مع الأهل والأولاد أو مع الأيتام المكفولين وقد قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيما صح عنه ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي
النساء : ( 6 ) وابتلوا اليتامى حتى . . . . .
قوله ) وابتلوا اليتامى ( الإبتلاء الاختبار وقد تقدم تحقيقه وقد اختلفوا في معنى الاختبار فقيل هو أن يتأمل الوصي أخلاق يتيمه ليعلم بنجابته وحسن تصرفه فيدفع إليه ماله إذا بلغ النكاح وآنس منه الرشد وقيل معنى الاختبار أن يدفع إليه شيئا من ماله ويأمره بالتصرف فيه حتى يعلم حقيقة حاله وقيل معنى الاختبار أن يرد النظر إليه في نفقة الدار ليعرف كيف تدبيره وإن كانت جارية رد إليها ما يرد إلى ربة البيت من تدبير بيتها والمراد ببلوغ النكاح بلوغ الحلم لقوله تعالى ) وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم ( ومن علامات البلوغ الإنبات وبلوغ خمس عشرة سنة وقال مالك وأبو حنيفة وغيرهما لا يحكم لمن لم يحتلم بالبلوغ إلا بعد مضي سبع عشرة سنة وهذه العلامات تعم الذكر والأنثى وتختص الأنثى بالحبل والحيض قوله ) فإن آنستم ( أي أبصرتم ورأيتم ومنه قوله ) آنس من جانب الطور نارا ( قال الزهري تقول العرب اذهب فاستأنس هل ترى أحدا معناه تبصر وقيل هو هنا بمعنى وجد وعلم أي فإن وجدتم وعلمتم منهم رشدا وقراءة الجمهور ( رشدا ) بضم الراء وسكون الشين وقرأ ابن مسعود والسلمي وعيسى الثقفي بفتح الراء والشين قيل هما لغتان وقيل هو بالضم مصدر رشد بالفتح مصدر رشد
واختلف أهل العلم في معنى الرشد ها هنا فقيل الصلاح في العقل والدين وقيل في العقل خاصة قال سعيد بن جبير والشعبي إنه لا يدفع إلى اليتيم ماله إذا لم يؤنس رشده وإن كان شيخا قال الضحاك وإن بلغ مائة سنة وجمهور العلماء على أن الرشد لا يكون إلا بعد البلوغ وعلى أنه إن لم يرشد بعد بلوغ الحلم لا يزول عن الحجر وقال أبو حنيفة لا يحجر على الحر البالغ وإن كان أفسق الناس وأشدهم تبذيرا وبه قال النخعي وزفر وظاهر النظم القرآني أنها لا تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ غاية هي بلوغ النكاح مقيدة هذه الغاية بإيناس الرشد فلا بد من مجموع الأمرين فلا تدفع إلى اليتامى أموالهم قبل البلوغ وإن كانوا معروفين بالرشد ولا بعد البلوغ إلا بعد إيناس الرشد منهم والمراد بالرشد نوعه وهو المتعلق بحسن التصرف في أمواله وعدم التبذير بها ووضعها في مواضعها قوله ) ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ( الإسراف في الغة الإفراط ومجاوزة الحد وقال


"""""" صفحة رقم 427 """"""
النضر بن شميل السرف التبذير والبدار المبادرة و ) أن يكبروا ( في موضع نصب بقوله ) وبدارا ( أي لا تأكلوا أموال اليتامى أكل إسراف وأكل مبادرة لكبرهم أو لا تأكلوا لأجل السرف ولأجل المبادرة أولا تأكلوها مسرفين ومبادرين لكبرهم وتقولوا ننفق أموال اليتامى فيما نشتهي قبل أن يبلغوا فينتزعوها من أيدينا قوله ) ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( بين سبحانه ما يحل لهم من أموال اليتامى فأمر الغني بالاستعفاف وتوفير مال الصبي عليه وعدم تناوله منه وسوغ للفقير أن يأكل بالمعروف
واختلف أهل العلم في الأكل بالمعروف ما هو فقال قوم هو القرض إذا احتاج إليه ويقضي متى أيسر الله عليه وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعبيدة السلماني وابن جبير والشعبي ومجاهد وأبو العالية والأوزاعي وقال النخعي وعطاء والحسن وقتادة لا قضاء على الفقير فيما يأكل بالمعروف وبه قال جمهور الفقهاء وهذا بالنظم القرآني ألصق فإن إباحة الأكل للفقير مشعرة بجواز ذلك له من غير قرض والمراد بالمعروف المتعارف به بين الناس فلا يترفه بأموال اليتامى ويبالغ في التنعم بالمأكول والمشروب والملبوس ولا يدع نفسه عن سد الفاقة وستر العورة والخطاب في هذه الآية لأولياء الأيتام القائمين بما يصلحهم كالأب والجد ووصيهما وقال بعض أهل العلم المراد بالآية اليتيم إن كان غنيا وسع عليه وعف من ماله وإن كان فقيرا كان الإنفاق عليه بقدر ما يحصل له وهذا القول في غاية السقوط قوله ) فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ( أي إذا حصل مقتضى الدفع فدفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم أنهم قد قبضوها منكم لتندفع عنكم التهم وتأمنوا عاقبة الدعاوى الصادرة منهم وقيل إن الإشهاد المشروع هو ما أنفقه عليهم الأولياء قبل رشدهم وقيل هو على رد ما استقرضه إلى أموالهم وظاهر النظم القرآني مشروعية الإشهاد على ما دفع إليهم من أموالهم وهو يعم الإنفاق قبل الرشد والدفع للجميع إليهم بعد الرشد ) وكفى بالله حسيبا ( أي حاسبا لأعمالكم شاهدا عليكم في كل شيء تعملونه ومن جملة ذلك معاملتكم لليتامى في أموالهم وفيه وعيد عظيم والباء زائدة أي كفى الله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( يقول لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة فتعطيه امرأتك أو بنتك ثم تضطر إلى ما في أيديهم ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم ومؤونتهم قال وقوله ) قواما ( يعني قوامكم من معايشكم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من طريق العوفي في الآية يقول لا تسلط السفيه من ولدك على مالك وأمره أن يرزقه منه ويكسوه وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال هم بنوك والنساء وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن النساء السفهاء إلا التي أطاعت قيمها ) وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال هم الخدم وهم شياطين الإنس وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال هم النساء والصبيان وأخرج ابن جرير عن حضرمي أن رجلا عمد فدفع ماله إلى إمرأته فوضعته في غير الحق فقال الله ) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال هم اليتامى والنساء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال هو مال اليتيم يكون عندك يقول لا تؤته إياه وأنفق عليه حتى يبلغ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وارزقوهم ( يقول أنفقوا عليهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) وقولوا لهم قولا معروفا ( قال أمروا أن يقولوا لهم قولا معروفا في البر والصلة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج ) وقولوا لهم قولا معروفا ( قال عدة تعدونهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) وابتلوا اليتامى ( يعني اختبروا اليتامى


"""""" صفحة رقم 428 """"""
عند الحلم ) فإن آنستم ( عرفتم ) منهم رشدا ( في حالهم والإصلاح في أموالهم ) فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا ( يعني تأكل مال اليتيم ببادرة قبل أن يبلغ فتحول بينه وبين ماله وأخرج البخاري وغيره عن عائشة قالت أنزلت هذه الآية في ولي اليتيم ) ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( بقدر قيامه عليه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس ) ومن كان غنيا فليستعفف ( قال بغناه ) ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( قال يأكل من ماله يقوت على نفسه حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم وأخرج ابن جرير عنه قال هو القرض وأخرج عبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس قال إن كان فقيرا أخذ من فضل اللبن وأخذ من فضل القوت ولا يجاوزه وما يستر عورته من الثياب فإن أيسر قضاه وإن اعسر فهو في حل وأخرج عبدالرزاق وابن سعد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه من طرق عن عمر بن الخطاب قال إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة ولي اليتيم إن استغنيت استعففت وإن احتجت أخذت منه بالمعروف فإذا أيسرت قضيت وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم عن ابن عمر ( أن رجلا سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ليس لي مال ولي يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالا ومن غير أن تقي مالك بماله وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ( قال نسختها ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ( الآية
النساء 7 10
النساء : ( 7 ) للرجال نصيب مما . . . . .
لما ذكر سبحانه حكم أموال اليتامى وصله بأحكام المواريث وكيفية قسمتها بين الورثة وأفرد سبحانه ذكر النساء بعد ذكر الرجال ولم يقل للرجال والنساء نصيب للإيذان بأصالتهن في هذا الحكم ودفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء وفي ذكر القرابة بيان لعلة الميراث مع التعميم لما يصدق عليه مسمى القرابة من دون تخصيص وقوله ) مما قل منه أو كثر ( بدل من قوله ) مما ترك ( بإعادة الجار والضمير في قوله ) منه ( راجع إلى المبدل منه وقوله ) نصيبا ( منتصب على الحال أو على المصدرية أو على الاختصاص وسيأتي ذكر السبب في نزول هذه الآية إن شاء الله وقد أجمل الله سبحانه في هذه المواضع قدر النصيب المفروض ثم انزل قوله ) يوصيكم الله في أولادكم ( فتبين ميراث كل فرد
النساء : ( 8 ) وإذا حضر القسمة . . . . .
قوله ) وإذا حضر القسمة أولوا القربى ( المراد بالقرابة هنا غير الوارثين وكذا اليتامى والمساكين شرع الله سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منها رزق فيرضخ لهم المتقاسمون شيئا منها وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة وأن الأمر للندب وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى ) يوصيكم الله في أولادكم ( والأول أرجح لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس


"""""" صفحة رقم 429 """"""
هو من جملة الميراث حتى يقال إنها منسوخة بآية المواريث إلا أن يقولوا إن أولي القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه وقالت طائفة إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة وهو معنى الأمر الحقيقي فلا يصار إلى الندب إلا لقرينة والضمير في قوله ) منه ( راجع إلى المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة وقيل راجع إلى ما ترك والقول المعروف هو القول الجميل الذي ليس فيه من بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى
النساء : ( 9 ) وليخش الذين لو . . . . .
قوله ) وليخش الذين لو تركوا ( هم الأوصياء كما ذهب إليه طائفة من المفسرين وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذين في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم وقالت طائفة المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم وقال آخرون إن المراد بهم من يحضر الميت عند موته وأمروا بتقوى الله وبأن يقولوا للمحتضر قولا سديدا من إرشادهم إلى التخلص عن حقوق الله وحقوق بني آدم وإلى الوصية بالقرب المقربة إلى الله سبحانه وإلى ترك التبذير بما له وإحرام ورثته كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم فقراء عالة يتكففون الناس وقال ابن عطية الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ويحمل على أن يقدم لنفسه وإذا ترك ورثة ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإن اجره في قصد ذلك كأجره في المساكين قال القرطبي وهذا التفصيل صحيح قوله ) لو تركوا ( صلة الموصول والفاء في قوله ) فليتقوا ( لترتيب ما بعدها على ما قبلها والمعنى وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافا وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم ثم أمرهم بتقوى الله والقول السديد للمحتضرين أو لأولادهم من بعدهم على ما سبق
النساء : ( 10 ) إن الذين يأكلون . . . . .
قوله ) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ( استئناف يتضمن النهي عن ظلم الأيتام من الأولياء والأوصياء وانتصاب قوله ) ظلما ( على المصدرية أي أكل ظلم أو على الحالية أي ظالمين لهم وقوله ) إنما يأكلون في بطونهم نارا ( أي ما يكون سببا للنار تعبيرا بالمسبب عن السبب وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية وقوله ) وسيصلون ( قراءة عاصم وابن عامر بضم الياء على ما لم يسم فاعله وقرأ أبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية بكثرة الفعل مرة بعد أخرى وقرأ الباقون بفتح الياء من صلى النار يصلاها و والصلي هو التسخن بقرب النار أو مباشرتها ومنه قوله الحارث بن عباد ولم أكن من جناتها علم الله
هو وإني لحرها اليوم صالي
والسعير الجمر المشتعل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصغار حتى يدركوا فمات رجل من الأنصار يقال له أوس بن ثابت وترك ابنتين وابنا صغيرا فجاء أبنا عمه وهما عصبته إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخذا ميراثه كله فجاءت إمرأته إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت الآية فأرسل إليهما رسول الله فقال لا تحركا من الميراث شيئا فإنه قد أنزل علي شيء احترت فيه إن للذكر والأنثى نصيبا ثم نزل بعد ذلك ) ويستفتونك في النساء ( ثم نزل ) يوصيكم الله في أولادكم ( فدعا بالميراث فأعطى المرأة الثمن وقسم ما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال نزلت في أم كلثوم ابنة أم كحلة أو أم كحة وثعلبة بن أوس وسويد وهم من الأنصار كان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها فقالت يا رسول الله توفي زوجي وتركني وابنته فلم نورث من ماله فقال عم ولدها يا رسول الله لا يركب فرسا ولا ينكى عدوا ويكسب عليها ولا يكتسب فنزلت وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله تعالى ) وإذا حضر القسمة ( قال هي محكمة وليست بمنسوخة وأخرج ابن أبي


"""""" صفحة رقم 430 """"""
شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن خطاب بن عبدالله في هذه الآية قال قضى بها أبو موسى وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة عن الحسن والزهري قالا هي محكمة ما طابت به أنفسهم وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير والحاكم وصححه عن ابن عباس قال يرضخ لهم فإن كان في ماله تقصير اعتذر إليهم فهو قولا معروفا وأخرج ابن المنذر عن عائشة انها لم تنسخ وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن أبي حاتم ان هذه الآية منسوخة بآية الميراث وأخرج أبو داود في ناسخه وعبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال هي منسوخة وأخرج ابن جرير عن سعيد ابن جبير قال إن كانوا كبارا يرضخوا وإن كانوا صغارا اعتذروا إليهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه في قوله ( وليخش الذين لو تركوا ) قال هذا في الرجل يحضر الرجل عند موته فيسمعه يوصى وصية تضر بورثته فأمر الله الذي يسمعه ان يتقى الله ويوفقه ويسدده للصواب ولينظر لورثته كما يحب ان يصنع لورثته إذا خشى عليهم الضيعة وقد روى نحو هذا من طرق وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم عن أبي برزة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا فقيل يا رسول الله من هم قال ألم تر أن الله يقول ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدرى قال حدثنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن ليلة أسري به قال 0 نظرت فإذا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار فيقذف في في أحدهم حتى يخرج من أسافلهم ولهم جؤار وصراخ فقلت يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء ) الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ( وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال هذه الآية لأهل الشرك حين كانوا لا يورثونهم ويأكلون أموالهم
النساء 11 14


"""""" صفحة رقم 431 """"""
النساء : ( 11 ) يوصيكم الله في . . . . .
هذا تفصيل لما أجمل في قوله تعالى ) للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون ( الآية وقد استدل بذلك على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة وهذه الآية ركن من أركان الدين وعمدة من عمد الأحكام وأم من أمهات الآيات لاشتمالها على ما يهم من علم الفرائض وقد كان هذا العلم من أجل علوم الصحابة وأكثر مناظراتهم فيه وسيأتي بعد كمال تفسير ما اشتمل عليه كلام الله من الفرائض ذكر بعض فضائل هذا العلم إن شاء الله قوله ( يوصيكم الله في أولادكم ) أي في بيان ميراثهم وقد اختلفوا هل يدخل أولاد الأولاد أم لا فقالت الشافعية إنهم يدخلون مجازا لا حقيقة وقالت الحنفية انه يتناولهم لفظ الأولاد حقيقة إذا لم لم يوجد أولاد الصلب ولا خلاف أن بني البنين كالبنين في الميراث مع عدمهم وإنما هذا الخلاف في دلالة لفظ الأولاد على أولادهم مع عدمهم ويدخل في لفظ الأولاد من كان منهم كافرا ويخرج بالسنة كذلك يدخل القاتل عمدا ويخرج أيضا بالسنة والإجماع ويدخل فيه الخنثى قال القرطبي أجمع العلماء انه يورث من حيث يبول فإن بال منهما فمن حيث سبق فإن خرج البول منهما من غير سبق أحدهما فله نصف نصيب الذكر ونصف نصيب الأنثى وقيل يعطي أقل النصيبين وهو نصيب الأنثى قاله يحيى بن آدم وهو قول الشافعي وهذه الآية ناسخة لما كان في صدر الإسلام من الموارثة بالحلف والهجرة والمعاقدة وقد أجمع العلماء على أنه إذا كان مع الأولاد من له فرض مسمى أعطيه وكان ما بقى من المال للذكر مثل حظ الأنثيين للحديث الثابث في الصحيحين وغيرهما بلفظ ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ) إلا إذا كان ساقطا معهم كالأخوة لأم وقوله ) للذكر مثل حظ الأنثيين ( جملة مستأنفة لبيان الوصية في الأولاد فلا بد من تقدير ضمير يرجع إليهم 0 ويوصيكم الله في أولادكم للذكر منهم مثل حظ الأنثيين والمراد حال اجتماع الذكور والإناث وأما حال الأنفراد فللذكر جميع الميراث وللأنثى النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان قوله ) فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ( أي فإن كن الأولاد والتأنيث باعتبار الخبر أو البنات أو المولودات نساء ليس معهن ذكر فوق اثنتين أي زائدات على اثنتين على أن فوق صفة لنساء أو يكون خبرا ثانيا لكان ( فلهن ثلثا ما ترك ) الميت المدلول عليه بقرينة المقام وظاهر النظم القرآني أن الثلثين فريضة الثلاث من البنات فصاعدا ولم يسم للاثنتين فريضة ولهذا أختلف أهل العلم في فريضتهما فذهب الجمهور إلى أن لهما إذا انفردتا عن البنين الثلثين وذهب ابن عباس إلى ان فريضتهما النصف احتج الجمهور بالقياس على الأختين فإن الله سبحانه قال في شأنهما ) فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان ( فألحقوا البنتين بالأختين في استحقاقهما الثلثين كما ألحقوا الأخوات إذا زدن على اثنتين بالبنات في الاشتراك في الثلثين وقيل في الآية ما يدل على ان للبنتين الثلثين وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث


"""""" صفحة رقم 432 """"""
كان للإبنتين إذا انفردتا الثلثان هكذا احتج بهذه الحجة إسماعيل بن عياش والمبرد قال النحاس وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط لأن الاختلاف في البنتين إذا انفردتا عن البنين وأيضا للمخالف ان يقول إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف فهذا دليل على ان هذا فرضهما ويكمن تأييد ما احتج به الجمهور بأن الله سبحانه لما فرض للبنت الواحدة إذا انفردت النصف بقوله تعالى ( وإن كانت واحدة فلها النصف ) كان فرض البنتين إذا انفردتا فوق فرض الواحدة وأوجب القياس على الأختين الاقتصار للبنتين على الثلثين وقيل إن فوق زائدة والمعنى إن كن نساء اثنتين كقوله تعالى ) فاضربوا فوق الأعناق ( أي الأعناق ورد هذا النحاس وابن عطية فقالا هو خطأ لأن الظروف وجميع الأسماء لا تجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى قال ابن عطية ولان قوله فوق الأعناق هو الفصيح وليست فوق زائدة بل هي محكمة المعنى لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ كما قال دريد بن الصمة اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال انتهى وأيضا لو كان لفظ فوق زائدا كما قالوا لقال فلهما ثلثا ما ترك ولم يقل فلهن ثلثا ما ترك واوضح ما يحتج به للجمهور ما أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم والبيهقي في سننه عن جابر قال جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال فقال يقضى الله في ذلك فنزلت آية الميراث ) يوصيكم الله في أولادكم ( الآية فأرسل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى عمهما فقال أعط ابنتى سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك أخرجوه من طرق عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر قال الترمذي ولا يعرف إلا من حديثه قوله ( وإن كانت واحدة فلها النصف ) قرأ نافع وأهل المدينة 0 ( واحدة ) بالرفع على ان كان تامة بمعنى فإن وجدت واحدة أو حدثت واحدة وقرأ الباقون بالنصب قال النحاس وهذه قراءة حسنة أي وإن كانت المتروكة أو المولودة واحدة قوله ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس ) أي لأبوى الميت وهو كناية عن غير مذكور جاز ذلك لدلالة الكلام عليه و ( لكل واحد منهما السدس ) بدل من قوله ( ولأبويه ) بتكرير العامل للتأكيد والتفصيل وقرأ الحسن ونعيم بن ميسرة ( السدس ) بسكون الدال وكذلك قرأ الثلث والربع إلى العشر بالسكون وهي لغة بني تميم وربيعة وقرأ الجمهور بالتحريك ضما وهي لغة أهل الحجاز وبنى أسد في جميعها والمراد بالأبوين الأب والأم والتثنية على لفظ الأب للتغليب وقد اختلف العلماء في الجد هل هو بمنزلة الأب فتسقط به الأخوة أم لا فذهب أبو بكر الصديق إلى انه بمنزلة الأب ولم يخالفه أحد من الصحابة أيام خلافته واختلفوا في ذلك بعد وفاته فقال بقول أبي بكر ابن عباس وعبدالله بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبي كعب وأبو الدرداء وأبو هريرة وعطاء وطاوس والحسن وقتادة وأبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق واحتجوا بمثل قوله تعالى ملة ابيكم إبراهيم وقوله يا بني آدم وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ارموا يا بني إسماعيل ) وذهب على ابن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريث الجد مع الأخوة لأبوين أولأب ولا ينقص معهم من الثلث ولا ينقص مع ذوي الفروض من السدس في قوله زيد ومالك والاوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي وقيل يشرك بين الجد والإخوة إلى السدس ولا ينقصه من السدس شيئا مع ذوى الفروض وغيرهم وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة وذهب الجمهور إلى ان الجد يسقط بني الإخوة وروى الشعبي عن على انه أجرى بني الإخوة في القاسمة مجرى الإخوة وأجمع العلماء على ان


"""""" صفحة رقم 433 """"""
الجد لا يرث مع الأب شيئا وأجمع العلماء على ان للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم واجمعوا على أنهما ساقطة مع وجود الأمم واجمعوا على ان الأب لا يسقط الجدة أم الأم
واختلفوا في توريث الجدة وابنها حى فروى عن زيد بن ثابت وعثمان وعلى انها لا ترث وابنها حي وبه قال مالك والثوري والاوزاعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وروى عن عمر وابن مسعود وأبي موسى انها ترث معه وروى أيضا عن علي وعثمان وبه قال شريح وجابر بن زيد وعبيد الله بن الحسن وشريك وأحمد وإسحاق وابن المنذر قوله ( إن كان له ولد ) الولد يقع على الذكر والأنثى لكنه إذا كان الموجود الذكر من الأولاد وحده أو مع الأنثى منهم فليس للجد إلا السدس وإن كان الموجود أنثى كان للجد السدس بالفرض وهو عصبة فيما عدا السدس و أولاد ابن الميت كاولاد الميت قوله ) فإن لم يكن له ولد ( أي ولا ولد ابن لما تقدم من الإجماع ( وورثه ابواه ) منفردين عن سائر الورثة كما ذهب إليه الجمهور من ان الأم لا تأخذ ثلث التركة إلا إذا لم يكن للميت وارث غير الأبوين اما لو كان معهما أحد الزوجين فليس للأم إلا ثلث الباقي بعد الموجود من الزوجين وروى عن ابن عباس أن للأم ثلث الأصل مع أحد الزوجين وهو يستلزم تفضيل الأم على الأب في مسئلة زوج وأبوين مع الاتفاق على انه أفضل منها عند انفرادها عن أحد الزوجين قوله ( فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) إطلاق الإخوة يدل على انه لا فرق بين الإخوة لأبوين أو لأحدهما وقد أجمع أهل العلم على ان الإثنين من الإخوة يقومون مقام الثلاثة فصاعدا في حجب الأم إلى السدس إلا ما يروى عن ابن عباس انه جعل الأثنين كالواحد في عدم الحجب واجمعوا أيضا على ان الأختين فصاعدا كالأخوين في حجب الأم قوله ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم ( يوصى ) بفتح الصاد وقرأ الباقون بكسرها واختار الكسر أبو عبيد وأبو حاتم لأنه جرى ذكر الميت قبل هذا قال الأخفش وتصديق ذلك قوله 0 ( يوصين وتوصون ) واختلف في وجه تقديم الوصية على الدين مع كونه مقدما عليها بالإجماع فقيل المقصود تقديم الأمرين على الميراث من غير قصد إلى الترتيب بينهما وقيل لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمت أهتماما بها وقيل قدمت لكثرة وقوعها فصارت كالأمر اللازم لكل ميت وقيل قدمت لكونها حظ المساكين والفقراء وأخر الدين لكونه حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وقيل لما كانت الوصية ناشئة من جهة الميت قدمت بخلاف الدين فإنه ثابت مؤدى ذكر أو لم يذكر وقيل قدمت لكونها تشبه الميراث في كونها مأخوذة من غير عوض فربما يشق على الورثة إخراجها بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة بأدائه وهذه الوصية مقيدة بقوله تعالى ) غير مضار ( كما سيأتي إن شاء الله قوله ) آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ( قيل خبر قوله ( اباؤكم وأبناؤكم ) مقدر أي هم المقسوم عليهم وقيل إن الخبر قوله ( لا تدرون ) وما بعده ( وأقرب ) خبر قوله ( أيهم ) و ( نفعا ) تمييز أي لا تدرون أيهم قريب لكم نفعه في الدعاء لكم والصدقة عنكم كما في الحديث الصحيح ( أو ولد صالح يدعو له ) وقال ابن عباس والحسن قد يكون الابن أفضل فيشفع في أبيه وقال بعض المفسرين ان الابن إذا كان ارفع درجة من أبيه في الآخرة سأل الله أن يرفع إليه أباه وإذا كان الأب ارفع درجة من ابنه سأل الله ان يرفع ابنه إليه وقيل المراد النفع في الدنيا والآخرة قاله ابن زيد وقيل المعنى إنكم لا تدرون من انفع لكم من آبائكم وأبنائكم أمن أوصى منهم فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته فهو أقرب لكم نفعا أو من ترك الوصية ووفر عليكم عرض الدنيا وقوى هذا صاحب الكشاف قال لأن الجملة اعتراضية ومن حق


"""""" صفحة رقم 434 """"""
الاعتراض ان يؤكد ما اعترض بينه ويناسبه قوله ) فريضة من الله ( نصب على المصدر المؤكد إذ معنى ( يوصيكم ) يفرض عليكم وقال مكى وغيره هي حال مؤكدة والعامل يوصيكم والأول أولى ) إن الله كان عليما ( بقسمة المواريث ( حكيما ) حكم بقسمتها وبينها لأهلها وقال الزجاج 0 ( عليما ) بالأشياء قبل خلقها ( حكيما ) فيما يقدره ويمضيه منها
النساء : ( 12 ) ولكم نصف ما . . . . .
قوله ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ) الخطاب هنا للرجال والمراد بالولد ولد الصلب أو ولد الولد لما قدمنا من الإجماع ( فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن ) وهذا مجمع عليه لم يختلف أهل العلم في ان للزوج مع عدم الولد النصف ومع وجوده وإن سفل الربع وقوله ( من بعد وصية ) إلخ الكلام فيه كما تقدم قوله ( ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم ) هذا النصيب مع الولد والنصيب مع عدمه تنفرد به الواحدة من الزوجات ويشترك فيه الأكثر من واحدة لا خلاف في ذلك والكلام في الوصية والدين كما تقدم قوله ( وإن كان رجل يورث كلالة ) المراد بالرجل الميت و ( يورث ) على البناء للمفعول من ورث لا من أورث وهو خبر كان و ( كلالة ) حال من ضمير ( يورث ) أي يورث حال كونه ذا كلالة أو على ان الخبر كلالة ويورث صفة لرجل أي ان كان رجل يورث ذا كلالة ليس له ولد ولا والد وقرئ ) يورث ( مخففا ومشددا فيكون كلالة مفعولا أو حالا والمفعول محذوف أي يورث واريد حال كونه ذا كلالة أو يكون مفعولا له أي لأجل الكلالة والكلالة مصدر من تكلله النسب أي احاط به وبه سمى الاكليل لإحاطته بالرأس وهو الميت الذي لا ولد له ولا والد هذا قول أبي بكر الصديق وعمر وعلي وجمهور أهل العلم وبه قال صاحب كتاب العين وأبي منصور اللغوي وابن عرفة والقتيبى وأبو عبيد وابن الأنباري وقد قيل انه إجماع قال ابن كثير وبه يقول أهل المدينة والكوفة والبصرة وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور الخلف والسلف بل جميعهم وقد حكى الإجماع غير واحد وورد فيه حديث مرفوع انتهى وروى أبو حاتم والأثرم عن أبي عبيدة أنه قال الكلالة كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة قال أبو عمر ابن عبد البر ذكر أبي عبيدة الأخ هنا مع الأب والابن في شرط الكلالة غلط لا وجه له ولم يذكره في شرط الكلالة غيره وما يروى عن أبي بكر وعمر من ان الكلالة من لا ولد له خاصة فقد رجعا عنه وقال ابن زيد الكلالة الحي و الميت جميعا وإنما سموا القرابة كلالة لأنهم أطافوا بالميت من جوانبه وليسوا منه ولا هو منهم بخلاف الابن والأب فإنهما طرفان له فإذا ذهبا تكلله النسب وقيل إن الكلالة مأخوذة من الكلال وهو الإعياء فكأنه يصير الميراث إلى الوارث عن بعد وإعياء وقال ابن الأعرابي إن الكلالة بنو العن الأباعد وبالجملة فمن قرأ ( يورث كلالة ) بكسر الراء مشددة وهو بعض الكوفيين أو مخففة وهو الحسن وأيوب جعل الكلالة القرابة ومن قرأ ( يورث ) بفتح الراء وهم الجمهور احتمل ان يكون الكلالة الميت واحتمل ان يكون القرابة وقد روى عن على وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس والشعبي ان الكلالة ما كان سوى الولد والوالد من الورثة قال الطبري الصواب ان الكلالة هم الذين يرثون الميت من عدا ولده ووالده لصحة خبر جابر ( فقلت يا رسول الله إنما يرثني كلالة أفأوصى بمالي كله قال لا ) انتهى وروى عن عطاء انه قال الكلالة المال قال ابن العربي وهذا قول ضعيف لا وجه له وقال صاحب الكشاف إن الكلالة تنطلق على ثلاثة على من لم يخلف ولدا ولا والدا وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين وعلى القرابة من غير جهة الولد والوالد انتهى قوله ( أو امرأة ) معطوف على رجل مقيدة بما قيد به أي أو امرأة تورث كلالة قوله ( 0 وله أخ أو أخت ) قرأ سعد بن أبي وقاص من أم وسيأتي ذكر من أخرج ذلك عنه قال القرطبي أجمع العلماء أن الإخوة ها هنا هم الإخوة لأم قال


"""""" صفحة رقم 435 """"""
ولا خلاف بين أهل العلم ان الأخوة للأب والأم والأب ليس ميراثهم هكذا فدل إجماعهم على ان الأخوة المذكورين في قوله تعالى ) وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ( هم الإخوة لأبوين أو لأب وأفرد الضمير في قوله ( وله أخ أو أخت ) لأن المراد كل واحد منهما كما جرت بذلك عادة العرب إذا ذكروا اسمين مستويين في الحكم فإنهم قد يذكرون الضمير الراجع إليهما مفردا كما في قوله تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة وقوله ) يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله ( وقد يذكرونه مثنى كما في قوله أن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما وقد قدمنا في هذا كلاما أطول من المذكور هنا قوله ) فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ( الإشارة بقوله ( من ذلك ) إلى قوله ( وله أخ أو أخت ) أي أكثر من الأخ المنفرد أو الأخت المنفردة بواحد وذلك بأن يكون الموجود اثنين فصاعدا ذكرين أو انثيين أو ذكرا أو انثى وقد استدل بذلك على ان الذكر كالأنثى من الإخوة لأم نلأن الله شرك بينهم في الثلث ولم يذكر فضل الذكر على الأنثى كما ذكره في البنين والإخوة لأبوين أو لأب قال القرطبي وهذا إجماع ودلت الآية على أن الإخوة لأم إذا استكملت بهم المسئلة كانوا أقدم من الإخوة لأبوين أو لأب وذلك في المسئلة المسماة بالحمارية وهي إذا تركت الميتة زوجا وأما واخوين لأم وإخوة لأبوين فإن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين لأم الثلث ولا شيء للأخوة لأبوين ووجه ذلك انه قد وجد الشرط الذي يرث عنده الإخوة من الأم وهو كون الميت كلالة ويؤيد هذا الحديث ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر ) وهو في الصحيحين وغيرها وقد قررنا دلالة الآية والحديث على ذلك في الرسالة التي سميناها ( المباحث الدرية في المسألة الحمارية ) وفي هذه المسئلة خلاف بين الصحابة فمن بعدهم معروف قوله ( من بعد وصية يوصى بها أو دين ) الكلام فيه كما تقدم قوله ( غير مضار ) أي يوصى حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار كأن يقر بشئ ليس عليه أو يوصى بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة أو يوصى لوارث مطلقا أو لغيره بزيادة على الثلث ولم تجزه الورثة وهذا القيد أعني قوله ( غير مضار ) راجع إلى الوصية والدين المذكورين فهو قيد لهما فما صدر من الإقرارات بالديون أو الوصايا المنهى عنها له أو التي لا مقصد لصاحبها إلا المضارة لورثته فهو باطل مردود لا ينفد منه شئ لا الثلث ولا دونه قال القرطبي وأجمع العلماء على ان الوصية للوارث لا تجوز انتهى وهذا القيد اعنى عدم الضرار هو قيد لجميع ما تقدم من الوصية والدين قال أبو مسعود في تفسيره وتخصيص القيد بهذا المقام لما ان الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم قوله ( وصية من الله ) نصب على المصدر أي يوصيكم بذلك وصية من الله كقوله ) فريضة من الله ( قال ابن عطية ويصح ان يعمل فيها مضار والمعنى ان يقع الضرر بها أو بسببها فأوقع عليها تجوزا فتكون وصية على هذا مفعولا بها لأن الأسم الفاعل قد اعتمد على ذي الحال أو لكونه منفيا معنى قرأ الحسن 0 وصية من الله ) بالجر على اضافة اسم الفاعل إليها كقوله يا سارق الليلة أهل الدار وفي كون هذه الوصية من الله سبحانه دليل على انه قد وصى عباده بهذه التفاصيل المذكورة الفرائض وان كل وصية من عباده تخالفها فهي مسبوقة بوصية الله و ذلك كالوصايا المتضمنة لتفضيل بعض الورثة على بعض أو المشتملة على الضرار بوجه من الوجوه
النساء : ( 13 ) تلك حدود الله . . . . .
والإشارة بقوله ( تلك ) إلى الأحكام المتقدمة وسماها حدودا لكونها لا تجوز مجاوزتها ولا يحل تعديها ) ومن يطع الله ورسوله ( في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام ا لشرعية كما يفيده عموم اللفظ ( ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار
النساء : ( 14 ) ومن يعص الله . . . . .
وهكذا قوله ( ومن يعص الله ورسوله ) قرأ نافع وابن عامر ( ندخله ) بالنون وقرا الباقون بالياء التحتية قوله ( وله عذاب مهين ) أي وله بعد إدخاله النار عذاب


"""""" صفحة رقم 436 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر قال عادنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت ما تأمرني ان أصنع في مالي يا رسول الله فنزلت وقد قدمنا أن سبب النزول سؤال امرأة سعد بن الربيع وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال فمات عبدالرحمن أخو حسان الشاعر وترك إمرأة يقال لها أم كحة وترك خمس جوار فأخذ الورثة ماله فشكت ذلك أم كحة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله هذه الآية ) فإن كن نساء فوق اثنتين ( ثم قال في أم كحة ) ولهن الربع مما تركتم ( وأخرج سعيد بن منصور والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود قال كان عمر بن الخطاب إذا سلك بنا طريقا فاتبعناه وجدناه سهلا وأنه سئل عن إمرأة وأبوين فقال للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي وما بقي فللأب وأخرج عبدالرزاق والبيهقي عن زيد بن ثابت نحوه وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث قال الله ) فإن كان له إخوة ( والأخوان ليسا بلسان قومك إخوة فقال عثمان لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس وأخرج الحاكم والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت أنه قال إن العرب تسمى الأخوين إخوة وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن الجارود والدارقطني والبيهقي في سننه عن علي قال إنكم تقرءون هذه الآية ) من بعد وصية يوصي بها أو دين ( وإن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قضى بالدين قبل الوصية وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ( يقول أطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة عند الله يوم القيامة لأن الله سبحانه شفع المؤمنين بعضهم في بعض وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) أقرب لكم نفعا ( قال في الدنيا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والدارمي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقرأ ? وله أخ أو أخت من أم ? وأخرج البيهقي عن الشعبي قال ما ورث أحد من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأخوة من الأم مع الجد شيئا قط وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال قضى عمر أن ميراث الأخوة لأم بينهم للذكر مثل الأنثى قال ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علمه من رسول الله ولهذه الآية التي قال الله ) فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبدالرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال الإضرار في الوصية من الكبائر ثم قرأ ) غير مضار ( وقد رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عنه مرفوعا وفي إسناده عمر بن المغيرة أبو حفص المصيصي قال أبو القاسم بن عساكر ويعرف بمفتي المساكين وروى عنه غير واحد من الأئمة قال فيه أبو حاتم الرازي هو شيخ قال وعلي ابن المديني هو مجهول لا أعرفه قال ابن جرير والصحيح الموقوف انتهى ورجال إسناد هذا الموقوف رجال الصحيح فإن النسائي رواه في سننه عن علي بن حجر عن علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عنه وأخرج أحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة واللفظ له والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا اوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة ) ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم ) تلك حدود الله ( إلى قوله ) عذاب مهين ( وفي إسناده


"""""" صفحة رقم 437 """"""
شهر بن حوشب وفيه مقال معروف وأخرج ابن ماجة عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قطع ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة ) وأخرجه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة مرفوعا وأخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور عن سليمان بن موسى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أتاه يعوده في مرضه فقال إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بالثلثين فقال لا قال فالشطر قال لا قال فالثلث قال الثلث والثلث كثير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ) وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم يعني الوصية وفي الصحيحن عن ابن عباس قال وددت أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( الثلث كثير ) وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال ذكر عند عمر الثلث في الوصية فقال الثلث وسط لا بخس ولا شطط وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصى بالثلث ومن أوصى بالثلث لم يترك
فائدة ورد في الترغيب في تعلم الفرائض وتعليمها ما أخرجه الحاكم والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإن امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يقضى بها ) وأخرجاه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم وإنه ينسى وهو أول ما ينزع من أمتي ) وقد روى عن عمر وابن مسعود وأنس آثار في الترغيب في الفرائض وكذلك روى عن جماعة من التابعين ومن بعدهم
النساء 15 18
النساء : ( 15 ) واللاتي يأتين الفاحشة . . . . .
لما ذكر سبحانه في هذه السورة الإحسان إلى النساء وإيصال صدقاتهن إليهن وميراثهن مع الرجال ذكر التغليظ عليهن فيما يأتين به من الفاحشة لئلا يتوهمن أنه يسوغ لهن ترك التعفف ) واللاتي ( جمع التي بحسب المعنى


"""""" صفحة رقم 438 """"""
دون اللفظ وفيه لغات اللاتي بإثبات التاء والياء واللات بحذف الياء وإبقاء الكسرة لتدل عليها واللائي بالهمزة والياء واللاء بكسر الهمزة وحذف الياء ويقال في جمع الجمع اللواتي واللوائي واللوات واللواء والفاحشة الفعلة القبيحة وهي مصدر كالعافية والعاقبة وقرأ ابن مسعود ) بالفاحشة ( والمراد بها هنا الزنا خاصة وإتيانها فعلها ومباشرتها والمراد بقوله ) من نسائكم ( المسلمات وكذا ) منكم ( المراد به المسلمون قوله ) فأمسكوهن في البيوت ( كان هذا في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى ) الزانية والزاني فاجلدوا ( وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحبس المذكور وكذلك الأذى باقيان مع الجلد لأنه لا تعارض بينها بل الجمع ممكن قوله ) أو يجعل الله لهن سبيلا ( هو ما في حديث عبادة الصحيح من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ) الحديث
النساء : ( 16 ) واللذان يأتيانها منكم . . . . .
قوله ) واللذان يأتيانها منكم ( اللذان تثنية الذي وكان القياس أن يقال اللذيان كرحيان قال سيبويه حذفت الياء ليفرق بين الأسماء الممكنة وبين الأسماء المبهمة وقال أبو علي حذفت الياء تخفيفا وقرأ ابن كثير ( اللذان ) بتشديد النون وهي لغة قريش وفيه لغة أخرى وهي ? اللذا ? بحذف النون وقرأ الباقون بتخفيف النون قال سيبويه المعنى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها أي الفاحشة منكم ودخلت الفاء في الجواب لأن في الكلام معنى الشرط والمراد باللذان هنا الزاني والزانية تغليبا وقيل الآية الأولى في النساء خاصة محصنات وغير محصنات والثانية في الرجال خاصة وجاء بلفظ التثنية لبيان صنفي الرجال من أحصن ومن لم يحصن فعقوبة النساء الحبس وعقوبة الرجال الأذى واختار هذا النحاس ورواه عن ابن عباس ورواه القرطبي عن مجاهد وغيره واستحسنه وقال السدي وقتادة وغيرهما الآية الأولى في النساء المحصنات ويدخل معهن الرجال المحصنون والآية الثانية في الرجل والمرأة البكرين ورجحه الطبري وضعفه النحاس وقال تغليب المؤنث على المذكر بعيد وقال ابن عطية إن معنى هذا القول تام إلا أن لفظ الآية يقلق عنه وقيل كان الإمساك للمرأة الزانية دون الرجل فخصت المرأة بالذكر في الإمساك ثم جمعا في الإيذاء قال قتادة كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعا واختلف المفسرون في تفسير الأذى فقيل التوبيخ والتعيير وقيل السب والجفاء من دون تعيير وقيل النيل باللسان والضرب بالنعال وقد ذهب قوم إلى أن الأذى منسوخ كالحبس وقيل ليس بمنسوخ كما تقدم في الحبس قوله ) فإن تابا ( أي من الفاحشة ) وأصلحا ( العمل فيما بعد ) فأعرضوا عنهما ( أي اتركوهما وكفوا عنهما الأذى وهذا كان قبل نزول الحدود على ما تقدم من الخلاف قوله ) إنما التوبة على الله ( استئناف لبيان أن التوبة ليست بمقبولة على الإطلاق كما ينبئ عنه قوله ) توابا رحيما ( بل إنما تقبل من البعض دون البعض كما بينه النظم القرآني ها هنا
النساء : ( 17 ) إنما التوبة على . . . . .
فقوله ) إنما التوبة ( مبتدأ خبره قوله ) للذين يعملون السوء بجهالة ( وقوله ) على الله ( متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار أو متعلق بمحذوف وقع حالا عند من يجوز تقديم الحال التي هي ظرف على عاملها المعنوي وقيل المعنى إنما التوبة على فضل الله ورحمته بعباده وقيل المعنى إنما التوبة واجبة على الله وهذا على مذهب المعتزلة لأنهم يوجبون على الله عز وجل واجبات من جملتها قبول توبة التائبين وقيل على هنا بمعنى عند وقيل بمعنى من
وقد اتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين لقوله تعالى ) وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون ( وذهب الجمهور إلى أنها تصح من ذنب دون ذنب خلافا للمعتزلة وقيل إن قوله ) على الله ( هو الخبر وقوله ) للذين يعملون ( متعلق بما تعلق به الخبر أو بمخذوف وقع حالا والسوء هنا العمل السيء وقوله ) بجهالة ( متعلق بمحذوف وقع صفة أو حالا أي يعملونها متصفين بالجهالة أو جاهلين وقد حكى القرطبي عن قتادة أنه قال


"""""" صفحة رقم 439 """"""
أجمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا وحكى عن الضحاك ومجاهد أن الجهالة هنا العمد وقال عكرمة أمور الدنيا كلها جهالة ومنه قوله تعالى ) إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ( وقال الزجاج معناه بجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية وقيل معناه أنهم لا يعلمون كنه العقوبة ذكره ابن فورك وضعفه ابن عطية قوله ) ثم يتوبون من قريب ( معناه قبل أن يحضرهم الموت كما يدل عليه قوله ) حتى إذا حضر أحدهم الموت ( وبه قال أبو مجلز والضحاك وعكرمة وغيرهم والمراد قبل المعاينة للملائكة وغلبة المرء على نفسه و ( من ) في قوله ( من قريب ) للتبعيض أي يتوبون بعض زمان قريب وهو ما عدا وقت ضمور الموت وقيل معناه قبل المرض وهو ضعيف بل باطل لما قدمنا ولما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) وقيل معناه يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار قوله ) فأولئك يتوب الله عليهم ( هو وعد منه سبحانه بأنه يتوب عليهم بعد بيانه أن التوبة لهم مقصورة علهيم
النساء : ( 18 ) وليست التوبة للذين . . . . .
وقوله ) وليست التوبة للذين يعملون السيئات ( تصريح بما فهم من حصر التوبة فيما سبق على من عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب قوله ) حتى إذا حضر أحدهم الموت ( حتى حرف ابتداء والجملة المذكورة بعدها غاية لما قبلها وحضور الموت حضور علاماته وبلوغ المريض إلى حالة السياق ومصيره مغلوبا على نفسه مشغولا بخروجها من بدنه وهو وقت الغرغرة المذكورة في الحديث السابق وهي بلوغ روحه حلقومه قاله الهروي وقوله ) قال إني تبت الآن ( أي وقت حضور الموت قوله ) ولا الذين يموتون وهم كفار ( معطوف على الموصول في قوله ) للذين يعملون السيئات ( أي ليس التوبة لأولئك ولا للذين يموتون وهم كفار مع أنه لا توبة لهم رأسا وإنما ذكروا مبالغة في بيان عدم قبول توبة من حضرهم الموت وأن وجودها كعدمها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في قوله ) واللاتي يأتين الفاحشة ( قال كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيوت فإن ماتت ماتت وإن عاشت عاشت حتى نزلت الآية في سورة النور ) الزانية والزاني فاجلدوا ( فجعل الله لهن سبيلا فمن عمل شيئا جلد وأرسل وقد روى هذا عنه من وجوه وأخرج أبو داود في سننه عنه والبيهقي في قوله ) واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ( إلى قوله ) سبيلا ( ثم جمعهما جميعا فقال ) واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ( ثم نسخ ذلك بآية الجلد وقد قال بالنسخ جماعة من التابعين أخرجه أبو داود والبيهقى عن مجاهد وأخرجه عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن قتادة وأخرجه البيهقي في سننه عن الحسن وأخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير وأخرجه ابن جرير عن السدي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) واللذان يأتيانها منكم ( قال كان الرجل إذا زنا أوذي بالتعيير وضرب بالنعال فأنزل الله بعد هذه الآية ) الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ( فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) واللذان يأتيانها منكم ( قال الرجلان الفاعلان وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) واللذان يأتيانها منكم ( يعني البكرين وأخرج ابن جرير عن عطاء قال الرجل والمرأة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) إنما التوبة على الله ( الآية قال هذه للمؤمنين وفي قوله ) وليست التوبة للذين يعملون السيئات ( قال هذه لأهل النفاق ) ولا الذين يموتون وهم كفار ( قال هذه لأهل الشرك وأخرج ابن جرير عن الربيع مثله وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن قتادة قال اجتمع


"""""" صفحة رقم 440 """"""
أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فرأوا أن كل شيء عصى به فهو جهالة عمدا كان أو غيره وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي العالية أن أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا يقولون كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة وأخرج ابن جرير من طريق الكلبي عن أبي عن صالح عن ابن عباس في قوله ) إنما التوبة على الله ( الآية قال من عمل السوء فهو جاهل من جهالته عمل السوء ) ثم يتوبون من قريب ( قال في الحياة والصحة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال القريب ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في الشعب عن الضحاك قال كل شيء قبل الموت فهو قريب له التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت فليس له ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال القريب ما لم يغرغر وقد وردت أحاديث كثيرة في قبول توبة العبد ما لم يغرغر ذكرها ابن كثير في تفسيره ومنها الحديث الذي قدمنا ذكره
النساء 19 22
النساء : ( 19 ) يا أيها الذين . . . . .
هذا متصل بما تقدم من ذكر الزوجات والمقصود نفى الظلم عنهن والخطاب للأولياء ومعنى الآية يتضح بمعرفة سبب نزولها وهو ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( قال كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها فهم أحق بها من أهلها فنزلت وفي لفظ لأبي داود عنه في هذه الآية كان الرجل يرث إمرأة ذي قرابته فيعضلها حتى يموت أو ترد إليه صداقها وفي لفظ لابن جرير وابن أبي حاتم عنه فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها وقد روى هذا السبب بألفاظ فمعنى قوله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( أي لا يحل لكم أن تأخذوهن بطريق الإرث فتزعمون أنكم أحق بهن من غيركم وتحبسونهن لأنفسكم ) ولا ( يحل لكم أن ) تعضلوهن ( عن أن يتزوجن غيركم لتأخذوا ميراثهن إذا متن أو ليدفعن إليكم صداقهن إذا أذنتم لهن بالنكاح قال الزهري وأبو مجلز كان من عاداتهم إذا مات الرجل وله زوجة ألقى ابنه من غيرها أو أقرب عصبته ثوبه على المرأة فيصير أحق بها من نفسها ومن أوليائها فإن شاء تزوجها بغير صداق إلا الصداق الذي أصدقها الميت وإن شاء زوجها من غيره وأخذ صداقها ولم يعطها شيئا وإن شاء عضلها لتفتدي منه بما ورثت من الميت أو تموت فيرثها فنزلت الآية وقيل الخطاب لأزواج النساء إذا حبسوهن مع سوء العشرة طمعا في إرثهن أو يفتدين ببعض مهورهن واختاره ابن عطية قال ودليل ذلك قوله ) إلا أن يأتين بفاحشة (


"""""" صفحة رقم 441 """"""
إذا أتت بفاشحة فليس للولي حبسها حتى تذهب بمالها إجماعا من الأمة وإنما ذلك للزوج قال الحسن إذا زنت البكر فإنها تجلد مائة وتنفى وترد إلى زوجها ما أخذت منه وقال أبو قلابة إذا زنت إمرأة الرجل فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تفتدي منه وقال السدي إذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن وقال قوم الفاحشة البذاءة باللسان وسوء العشرة قولا وفعلا وقال مالك وجماعة من أهل العلم للزوج أن يأخذ من الناشز جميع ما تملك هذا كله على أن الخطاب في قوله ) ولا تعضلوهن ( للأزواج وقد عرفت مما قدمنا في سبب النزول أن الخطاب في قوله ) ولا تعضلوهن ( لمن خوطب بقوله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( فيكون المعنى ولا يحل لكم أن تمنعوهن من الزواج ) لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ( أي ما آتاهن من ترثونه ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( جاز لكم حبسهن عن الأزواج ولا يخفى ما في هذا من التعسف مع عدم جواز حبس من أتت بفاحشة عن أن تتزوج وتستعف من الزنا وكما أن جعل قوله ) ولا تعضلوهن ( خطابا للأولياء فيه هذا التعسف كذلك جعل قوله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( خطابا للازواج فيه تعسف ظاهر مع مخالفته لسبب نزول الآية الذي ذكرناه والأولى أن يقال إن الخطاب في قوله ) لا يحل لكم ( للمسلمين أي لا يحل لكم معاشر المسلمين أن ترثوا النساء كرها كما كانت تفعله الجاهلية ولا يحل لكم معاشر المسلمين أن تعضلوا أزواجكم أي تحبسوهن عندكم مع عدم رغوبكم فيهن بل لقصد أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهن من المهر يفتدين به من الحبس والبقاء تحتكم وفي عقدتكم مع كراهتكم لهن ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( جاز لكم مخالعتهن ببعض ما آتيتموهن قوله ) مبينة ( قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بكسر الياء وقرأ الباقون بفتحها وقرأ ابن عباس ) مبينة ( بكسر الباء وسكون الياء من أبان الشيء فهو مبين قوله ) وعاشروهن بالمعروف ( أي بما هو معروف في هذه الشريعة وبين أهلها من حسن المعاشرة وهو خطاب للأزواج أو لما هم أعم وذلك يختلف باختلاف الأزواج في الغنى والفقر والرفاعة والوضاعة ) فإن كرهتموهن ( لسبب من الأسباب من غير ارتكاب فاحشة ولا نشوز ) فعسى ( أن يئول الأمر إلى ما تحبونه من ذهاب الكراهة وتبدلها بالمحبة فيكون في ذلك خير كثير من استدامة الصحبة وحصول الأولاد فيكون الجزاء على هذا محذوفا مدلولا عليه بعلته أي فإن كرهتموهن فاصبروا ) فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )
النساء : ( 20 ) وإن أردتم استبدال . . . . .
قوله ) وآتيتم إحداهن قنطارا ( قد تقدم بيانه في آل عمران والمراد به هنا المال الكثير فلا تأخذوا منه شيئا قيل هي محكمة وقيل هي منسوخة بقوله تعالى في سورة البقرة ) ) حل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود ( ( والأولى أن الكل محكم والمراد هنا غير المختلعة لا يحل لزوجها أن يأخذ مما آتاها شيئا قوله ) أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ( الاستفهام للإنكار والتقريع والجملة مقررة للجملة الأولى المشتملة على النهي
النساء : ( 21 ) وكيف تأخذونه وقد . . . . .
وقوله ) وكيف تأخذونه ( إنكار بعد إنكار مشتمل على العلة التي تقتضي منع الأخذ وهي الإفضاء قال الهروي وهو إذا كانا في لحاف واحد جامع أو لم يجامع وقال الفراء الإفضاء أن يخلو الرجل والمرأة وإن لم يجامعها وقال ابن عباس ومجاهد والسدي الإفضاء في هذه الآية الجماع واصل الإفضاء في اللغة المخالطة يقال للشيء المختلط فضاء ويقال القوم فوضي وفضاء أي مختلطون لا أمير عليهم قوله ) وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( معطوف على الجملة التي قبله أي والحال أن قد أفضى بعضكم إلى بعض وقد أخذن منكم ميثاقا غليظا وهو عقد النكاح ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ) وقيل هو قوله تعالى ) فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ( وقيل هو الأولاد
النساء : ( 22 ) ولا تنكحوا ما . . . . .
قوله ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( نهى عما كانت عليه الجاهلية من نكاح نساء آبائهم إذا ماتوا وهو شروع في بيان من


"""""" صفحة رقم 442 """"""
يحرم نكاحه من النساء ومن لا يحرم ثم بين سبحانه وجه النهي عنه فقال ) إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ( هذه الصفات الثلاث تدل على أنه من أشد المحرمات وأقبحها وقد كانت الجاهلية تسميه نكاح المقت قال ثعلب سألت ابن الأعرابي عن نكاح المقت فقال هو أن يتزوج الرجل إمرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها ويقال لهذا الضيزم وأصل المقت البغض ومن مقته يمقته مقتا فهو ممقوت ومقيت قوله ) إلا ما قد سلف ( هو استثناء منقطع أي لكن ما قد سلف فاجتنبوه ودعوه وقيل إلا بمعنى بعد أي بعد ما سلف وقيل المعنى ولا ما سلف وقيل هو استنثاء متصل من قوله ) ما نكح آباؤكم ( يفيد المبالغة في التحريم بإخراج الكلام مخرج التعلق بالمحال يعني إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوا فلا يحل لكم غيره قوله ) وساء سبيلا ( هي جارية مجرى بئس في الذم والعمل والمخصوص بالذم محذوف أي ساء سبيلا سبيل ذلك النكاح وقيل إنها جارية مجرى سائر الأفعال وفيها ضمير يعود إلى ما قبلها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته وقد كان لهم ذلك في الجاهلية فأنزل الله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال نزلت هذه الآية في كبيشة بنت معمر بن معن بن عاصم من الأوس كانت عند أبي قيس بن الأسلت فتوفى عنها فجنح عليها ابنه فجاءت إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فانكح فنزلت هذه الآية وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن عبدالرحمن بن البيلماني في قوله ) لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن ( قال نزلت هاتان الآيتان إحداهما في أمر الجاهلية والآخرى في أمر الإسلام قال ابن المبارك ) أن ترثوا النساء كرها ( في الجاهلية ولا تعضلوهن في الإسلام وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) ولا تعضلوهن ( قال لا تضر بامرأتك لتفتدي منك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ) ولا تعضلوهن ( يعني أن ينكحن الرجل المرأة الشريفة فلعلها لا توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد فإذا خطبها خاطب فإن أعطته وارضته أذن لها وإلا عضلها وقد قدمنا عن ابن عباس في بيان السبب ما عرفت وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( قال البغض والنشوز فإذا فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير عن الضحاك نحوه أيضا وأخرج ابن جرير عن الحسن قال الفاحشة هنا الزنا وأخرج ابن جرير عن أبي قلابة وابن سيرين نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وعاشروهن بالمعروف ( قال خالطوهن قال ابن جرير صحفه بعض الرواة وإنما هو خالقوهن وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال حقها عليك الصحبة الحسنة والكسوة والرزق المعروف وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ) وعاشروهن بالمعروف ( يعني صحبتهن بالمعروف ) فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ( فيطلقها فتتزوج من بعده رجلا فيجعل الله له منها ولدا ويجعل الله في تزويجها خيرا كثيرا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الخير الكثير أن يعطف عليها فترزق ولدها ويجعل الله في ولدها خيرا كثيرا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد عن الحسن نحو ما قال مقاتل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإن أردتم استبدال زوج ( الآية قال إن كرهت امرأتك وأعجبك غيرها فطلقت هذه وتزوجت تلك فأعط هذه مهرها وإن كان قنطارا وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى قال السيوطي بسند


"""""" صفحة رقم 443 """"""
جيد أن عمر نهى الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فاعترضت له إمرأة من قريش فقالت اما سمعت ما أنزل الله يقول ) وآتيتم إحداهن قنطارا ( فقال اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر فركب المنبر فقال يا أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب قال أبو يعلى وأظنه قال فمن طابت نفسه فليفعل قال ابن كثير إسناده جيد قوي وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة هذا أحدها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الإفضاء هو الجماع ولكن الله يكني وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( قال الغليظ إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه وقال وقد كان ذلك يؤخذ عند عقد النكاح آلله عليك لتمكسن بمعروف أو لتسرحن بإحسان وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن أبي مليكة أن ابن عمر كان إذا نكح قال أنكحتك على ما أمر الله به إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك نحوه وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة ومجاهد في قوله ) وأخذن منكم ميثاقا غليظا ( قال أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هو قول الرجل ملكت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كلمة النكاح التي تستحل بها فروجهن وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في سننه في قوله تعالى ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( أنها نزلت لما أراد ابن أبي قيس بن الأسلت أن يتزوج إمرأة أبيه بعد موته و أخرج ابن المنذر عن الضحاك ) إلا ما قد سلف ( إلا ما كان في الجاهلية وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن البراء قال لقيت خالي ومعه الراية قلت أين تريد قال بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى رجل تزوج إمرأة أبيه من بعده فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله
النساء 23 28


"""""" صفحة رقم 444 """"""
25 - 28
النساء : ( 23 ) حرمت عليكم أمهاتكم . . . . .
قوله ) حرمت عليكم أمهاتكم ( أي نكاحهن وقد بين الله سبحانه في هذه الآية ما يحل وما يحرم من النساء فحرم سبعا من النسب وستا من الرضاع والصهر وألحقت السنة المتواترة تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها ووقع عليه الإجماع فالسبع المحرمات من النسب الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت والمحرمات بالصهر والرضاع الأمهات من الرضاعة والأخوات من الرضاعة وأمهات النساء والربائب وحلائل الأبناء والجمع بين الأختين فهؤلاء ست والسابعة منكوحات الآباء والثامنة الجمع بين المرأة وعمتها قال الطحاوي وكل هذا من المحكم المتفق عليه وغير جائز نكاح واحدة منهن بالإجماع إلا أمهات النساء اللواتي لم يدخل بهن أزواجهن فإن جمهور السلف ذهبوا إلى أن الأم تحرم بالعقد على الابنة ولا تحرم الإبنة إلا بالدخول بالأم وقال بعض السلف الأم والربيبة سواء لا تحرم منهما واحدة إلا بالدخول بالأخرى قالوا ومعنى قوله ) وأمهات نسائكم ( أي اللاتي دخلتم بهن وزعموا أن قيد الدخول راجع إلى الأمهات والربائب جميعا رواه خلاس عن علي بن أبي طالب وروى عن ابن عباس وجابر وزيد بن ثابت وابن الزبير ومجاهد قال القرطبي ورواية خلاس عن علي لا تقوم بها حجة ولا تصح روايته عند أهل الحديث والصحيح عنه مثل قول الجماعة وقد أجيب عن قولهم إن قيد الدخول راجع إلى الأمهات والربائب بان ذلك لا يجوز من جهة الإعراب وبيانه أن الخبرين إذا اختلفا في العامل لم يكن نعتهما واحدا فلا يجوز عند النحويين مررت بنسائك وهويت نساء زيد الظريفات على أن يكون الظريفات نعتا للجميع فكذلك في الآية لا يجوز أن يكون اللاتي دخلتم بهن نعتا لهما جميعا لأن الخبرين مختلفان قال ابن المنذر والصحيح قول الجمهور لدخول جميع أمهات النساء في قوله ) وأمهات نسائكم ( ومما يدل على ما ذهب إليه الجمهور ما أخرجه عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالإبنة أو لم يدخل وإذا تزوج الأم فلم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج الإبنة ) قال ابن كثير في تفسيره مستدلا للجمهور وقد روى في ذلك خبر غير أن في إسناده نظرا فذكر هذا الحديث ثم قال وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه فإن إجماع الحجة على صحة القول به يغني عن الاستشهاد على صحته بغيره قال في الكشاف وقد اتفقوا على أن تحريم أمهات النساء مبهم دون تحريم الربائب على ما عليه ظاهر كلام الله تعالى انتهى ودعوى الإجماع مدفوعة بخلاف من تقدم


"""""" صفحة رقم 445 """"""
واعلم أنه يدخل في لفظ الأمهات أمهاتهن وجداتهن وأم الأب وجداته وإن علون لأن كلهن أمهات لمن ولده من ولدته وإن سفل ويدخل في لفظ البنات بنات الأولاد وإن سفلن والأخوات تصدق على الأخت لأبوين أو لأحدهما والعمة اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدك في أصليه أو أحدهما وقد تكون العمة من جهة الأم وهي أخت أب الأم والخالة اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو في أحدهما وقد تكون الخالة من جهة الأب وهي أخت أم أبيك وبنت الأخ اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة بواسطة ومباشرة وإن بعدت وكذلك بنت الأخت قوله ) وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ( هذا مطلق مقيد بما ورد في السنة من كون الرضاع في الحولين إلا في مثل قصة إرضاع سالم مولى أبي حذيفة وظاهر النظم القرآني أنه يثبت حكم الرضاع بما يصدق عليه مسمى الرضاع لغة وشرعا ولكنه قد ورد تقييده بخمس رضعات في أحاديث صحيحة والبحث عن تقرير ذلك وتحقيقه يطول وقد استوفيناه في مصنفاتنا وقررنا ما هو الحق في كثير من مباحث الرضاع قوله ) وأخواتكم من الرضاعة ( الأخت من الرضاع هي التي أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أو مع من قبلك أو بعدك من الإخوة والأخوات والأخت من الأم هي التي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر قوله ) وأمهات نسائكم ( قد تقدم الكلام على اعتبار الدخول وعدمه والمحرمات بالمصاهرة أربع أم المرأة وابنتها وزوجة الأب وزوجة الإبن قوله ) وربائبكم ( الربيبة بنت إمرأة الرجل من غيره سميت بذلك لأنه يربيها في حجره فهي مربوبة فعيلة بمعنى مفعولة
قال القرطبي واتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها إذا دخل بالأم وإن لم تكن الربيبة في حجره وشذ بعض المتقدمين وأهل الظاهر فقالوا لا تحرم الربيبة إلا أن تكون في حجر المتزوج فلو كانت في بلد آخر وفارق الأم فله أن يتزوج بها وقد روى ذلك عن علي قال ابن المنذر والطحاوي لم يثبت ذلك عن علي لأن راويه إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس بن الحدثان عن علي و إبراهيم هذا لا يعرف وقال ابن كثير في تفسيره بعد اخراج هذا عن علي وهذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم والحجور جمع حجر والمراد أنهن في حضانة أمهاتهن تحت حماية أزواجهن كما هو الغالب وقيل المراد بالحجور البيوت أي في بيوتكم حكاه الأثرم عن أبي عبيدة قوله ) فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم ( أي في نكاح الربائب وهو تصريح بما دل عليه مفهوم ما قبله
أقوال العلماء في بعض الأحكام الواردة في الآيات
وقد اختلف أهل العلم في معنى الدخول الموجب لتحريم الربائب فروى عن ابن عباس أنه قال الدخول الجماع وهو قول طاوس وعمرو بن دينار وغيرهما وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي والليث والزيدية إن الزوج إذا لمس الأم لشهوة حرمت عليه ابنتها وهو أحد قولي الشافعي قال ابن جرير الطبري وفي إجماع الجميع أن خلوة الرجل بإمرأته لا تحرم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها وقبل النظر إلى فرجها لشهوة ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع انتهى وهكذا حكى الإجماع القرطبي فقال وأجمع العلماء على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حل له نكاح ابنتها واختلفوا في النظر فقال مالك إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شيء من محاسنها للذة حرمت عليه أمها وابنتها وقال الكوفيون إذا نظر إلى فرجها للشهوة كان بمنزلة اللمس للشهوة وكذا قال الثوري ولم يذكر الشهوة وقال ابن أبي ليلى لا تحرم بالنظر حتى يلمس وهو قول الشافعي والذي ينبغي التعويل عليه في مثل هذا الخلاف هو النظر في معنى الدخول شرعا أو لغة فإن كان خاصا بالجماع فلا وجه لإلحاق غيره به من لمس أو نظر أو غيرهما وإن كان معناه أوسع من الجماع بحيث يصدق على ما حصل فيه نوع استمتاع كان مناط التحريم هو ذلك وأما الربيبة في ملك اليمين فقد


"""""" صفحة رقم 446 """"""
روى عن عمر بن الخطاب أنه كره ذلك وقال ابن عباس أحلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله وقال ابن عبدالبر لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ إمرأة وابنتها من ملك اليمين لأن الله حرم ذلك في النكاح قال ) وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم ( وملك اليمين عندهم تبع للنكاح إلا ما روى عن عمر وابن عباس وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم انتهى قوله ) وحلائل أبنائكم ( الحلائل جمع حليلة وهي الزوجة سميت بذلك لأنها تحل مع الزوج حيث حل فهي فعيلة بمعنى فاعلة وذهب الزجاج وقوم إلى أنها من لفظة الحلال فهي حليلة بمعنى محللة وقيل لأن كل واحد منهما يحل إزار صاحبه وقد أجمع العلماء على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء وما عقد عليه الأبناء على الآباء سواء كان مع العقد وطء أو لم يكن لقوله تعالى ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( وقوله ) وحلائل أبنائكم (
واختلف الفقهاء في العقد إذا كان فاسدا هل يقتضي التحريم أو لا كما هو مبين في كتب الفروع قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه العلم من علماء الأمصار أن الرجل إذا وطئ إمرأة بنكاح فاسد أنها تحرم على أبيه وابنه وعلى أجداده واجمع العلماء على أن عقد الشراء على الجارية لا يحرمها على أبيه وابنه فإذا اشترى جارية فلمس أو قبل حرمت على أبيه وابنه لا أعلمهم يختلفون فيه فوجب تحريم ذلك تسليما لهم ولما اختلفوا في تحريمها بالنظر دون اللمس لم يجز ذلك لاختلافهم قال ولا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خلاف ما قلناه قوله ) الذين من أصلابكم ( وصف للأبناء أي دون من تبنيتم من أولاد غيركم كما كانوا يفعلونه في الجاهلية ومنه قوله تعالى ) فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ( ومنه قوله تعالى ) وما جعل أدعياءكم أبناءكم ( ومنه ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( وأما زوجة الإبن من الرضاع فقد ذهب الجمهور إلى أنها تحرم على أبيه وقد قيل إنه إجماع مع أن الإبن من الرضاع ليس من أولاد الصلب ووجهه ما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) ولا خلاف أن أولاد الأولاد وإن سفلوا بمنزلة أولاد الصلب في تحريم نكاح نسائهم على آبائهم
وقد اختلف أهل العلم في وطء الزنا هل يقتضي التحريم أم لا فقال أكثر أهل العلم إذا أصاب الرجل إمرأة بزنا لم يحرم عليه نكاحها بذلك وكذلك لا تحرم عليه إمرأته إذا زنا بأمها أو بابنتها وحسبه ان يقام عليه الحد وكذلك يجوز له عندهم أن يتزوج بأم من زنى بها وبابنتها وقالت طائفة من أهل العلم إن الزنا يقتضي التحريم حكى ذلك عن عمران بن حصين والشعبي وعطاء والحسن وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وحكى ذلك عن مالك والصحيح عنه كقول الجمهور احتج الجمهور بقوله تعالى ) وأمهات نسائكم ( وبقوله ) وحلائل أبنائكم ( والموطوءة بالزنا لا يصدق عليها أنها من نسائهم ولا من حلائل أبنائهم
وقد أخرج الدارقطني عن عائشة قالت سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها فقال لا يحرم الحرام الحلال ) واحتج المحرمون بما روى في قصة جريج الثابتة في الصحيح أنه قال يا غلام من أبوك فقال فلان الراعي فنسب الإبن نفسه إلى أبيه من الزنا وهذا احتجاج ساقط واحتجوا أيضا بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج إمرأة وابنتها ولم يفصل بين الحلال والحرام ) ويجاب عنه بأن هذا مطلق مقيد بما ورد من الأدلة الدالة على أن الحرام لا يحرم الحلال
واختلفوا في اللواط هل يقتضي التحريم أم لا فقال الثوري إذا لاط بالصبي حرمت عليه أمه وهو قول أحمد بن حنبل قال إذا تلوط بابن إمرأته أو أبيها أو أخيها حرمت عليه إمرأته وقال الأوزاعي إذا لاط بغلام


"""""" صفحة رقم 447 """"""
وولد للمفجور به بنت لم يجز للفاجر أن يتزوجها لأنها بنت من قد دخل به ولا يخفى ما في قول هؤلاء من الضعف والسقوط النازل عن قول القائلين بأن وطء الحرام يقتضي التحريم بدرجات لعدم صلاحية ما تمسك به أولئك من الشبه على ما زعمه هؤلاء من اقتضاء اللواط للتحريم قوله ) وأن تجمعوا بين الأختين ( أي وحرم عليكم أن تجمعوا بين الأختين فهو في محل رفع عطفا على المحرمات السابقة وهو يشمل الجمع بينهما بالنكاح والوطء بملك اليمين وقيل إن الآية خاصة بالجمع في النكاح لا في ملك اليمين وأما في الوطء بالملك فلاحق بالنكاح وقد أجمعت الأمة على منع جمعهما في عقد النكاح
واختلفوا في الأختين بملك اليمين فذهب كافة العلماء إلى أنه لا يجوز الجمع بينهما في الوطء بالملك وأجمعوا على أنه يجوز الجمع بينهما في الملك فقط وقد توقف بعض السلف في الجمع بين الأختين في الوطء بالملك وسيأتي بيان ذلك واختلفوا في جواز عقد النكاح على أخت الجارية التي توطأ بالملك فقال الأوزاعي إذا وطيء جارية له بملك اليمين لم يجز له أن يتزوج أختها وقال الشافعي ملك اليمين لا يمنع نكاح الأخت وقد ذهبت الظاهرية إلى جواز الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما يجوز الجمع بينهما في الملك قال ابن عبدالبر بعد أن ذكر ما روى عن عثمان بن عفان من جواز الجمع بين الأختين في الوطء بالملك وقد روى مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس ولكنهم اختلف عليهم ولم يلتفت إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز ولا بالعراق ولا ما وراءها من المشرق ولا بالشام ولا المغرب إلا من شذ عن جماعتهم باتباع الظاهر ونفي القياس وقد ترك من تعمد ذلك وجماعة الفقهاء متفقون على أنه لا يحل الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء كما لا يحل ذلك في النكاح وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله ) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ( إلى آخر الآية أن النكاح بملك اليمين في هؤلاء كلهن سواء فكذلك يجب أن يكون قياسا ونظرا الجمع بين الأختين وأمهات النساء والربائب وكذا هو عند جمهورهم وهي الحجة المحجوج بها من خالفها وشذ عنها والله المحمود انتهى
وأقول ها هنا إشكال وهو أنه قد تقرر أن النكاح يقال على العقد فقط وعلى الوطء فقط والخلاف في كون أحدهما حقيقة والآخر مجازا أو كونهما حقيقتين معروف فإن حملنا هذا التحريم المذكور في هذه الآية وهي قوله ) حرمت عليكم أمهاتكم ( إلى آخرها على أن المراد تحريم العقد عليهن لم يكن في قوله تعالى ) وأن تجمعوا بين الأختين ( دلالة على تحريم الجمع بين المملوكتين في الوطء بالملك وما وقع من إجماع المسلمين على أن قوله ) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ( إلى آخره يستوي فيه الحرائر والإماء والعقد والملك لا يستلزم أن يكون محل الخلاف وهو الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين مثل محل الإجماع ومجرد القياس في مثل هذا الموطن لا تقوم به الحجة لما يرد عليه من النقوض وإن حملنا التحريم المذكور في الآية على الوطء فقط لم يصح ذلك للإجماع على تحريم عقد النكاح على جميع المذكورات من أول الآية إلى آخرها فلم يبق إلا حمل التحريم في الآية على تحريم عقد النكاح فيحتاج القائل بتحريم الجمع بين الأختين في الوطء بالملك إلى دليل ولا ينفعه أن ذلك قول الجمهور فالحق لا يعرف بالرجال فإن جاء به خالصا عن شوب الكدر فبها ونعمت وإلا كان الأصل الحل ولا يصح حمل النكاح في الآية على معنييه جميعا أعني العقد والوطء لأنه من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو ممنوع أو من باب الجمع بين معنيي المشترك وفيه الخلاف المعروف في الأصول فتدبر هذا
وقد اختلف أهل العلم إذا كان الرجل يطأ مملوكته بالملك ثم أراد أن يطأ أختها بالملك فقال علي وابن عمر والحسن البصري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق لا يجوز له وطء الثانية حتى يحرم فرج الأخرى بإخراجها من ملكه ببيع أو عتق أو بأن يزوجها قال ابن المنذر وفيه قول ثان لقتادة وهو أن ينوي تحريم الأولى على


"""""" صفحة رقم 448 """"""
نفسه وإن لا يقربها ثم يمسك عنهما حتى تستبرئ المحرمة ثم يغشى الثانية وفيه قول ثالث وهو انه لا يقرب واحدة منهما هكذا قال الحكم وحماد وروى معنى ذلك عن النخعى وقال مالك إذا كان عنده اختان بملك فله أن يطأ أيتها شاء والكف عن الأخرى موكول إلى أمانته فإن أراد وطء الأخرى فليزمه ان يحرم على نفسه فرج الأولى بفعل يفعله من إخراج عن الملك أو تزويج أو بيع أو عتق أو كتابة أو إخدام طويل فإن كان يطأ إحداهما ثم وثب على الأخرى دون أن يحرم الأولى وقف عنهما ولم يجز له قرب إحداهما حتى يحرم الأخرى ولم يوكل ذلك إلى أمانته لأنه متهم قال القرطبي وقد أجمع العلماء على ان الرجل إذا طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها انه ليس له ان ينكح أختها حتى تنقضي عدة المطلقة واختلفوا إذا طلقها طلاقا لا يملك رجعتها فقالت طائفة ليس له أن ينكح أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدة التي طلق روى ذلك عن على وزيد بن ثابت ومجاهد وعطاء والنخعي والثوري وأحمد بن حنبل وأصحاب الرأي وقالت طائفة له ان ينكح أختها وينكح الرابعة لمن كان تحته أربع وطلق واحدة منهن طلاقا بائنا روى ذلك عن سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وعروة بن الزبير وابن أبي ليلى والشافعي وأبي ثور وأبي عبيد قال ابن المنذر ولا احسبه إلا قول مالك وهو أيضا إحدى الروايتين عن زيد بن ثابت وعطاء قوله 0 إلا ما قد سلف ) يحتمل ان يكون معناه معنى ما تقدم من قوله تعالى ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ( ويحتمل معنى آخر وهو جواز ما سلف وانه إذا جرى الجمع في الجاهلية كان النكاح صحيحا وإذا جرى في الإسلام خير بين الأختين والصواب الاحتمال الأول
النساء : ( 24 ) والمحصنات من النساء . . . . .
قوله ( والمحصنات من النساء ) عطف على المحرمات المذكورات وأصل التحصين التمنع ومنه قوله تعالى لتحصنكم من بأسكم أي لتمنعكم ومنه الحصان بكسر الحاء للفرس لأنه يمنع صاحبه من الهلاك والحصان بفتح الحاء المرأة العفيفة لمنعها نفسها ومنه قول حسان حصان رزان ما تزن بريبة
وتصبح غرثي من لحوم الغوافل
والمصدر الحصانة بفتح الحاء والمراد بالمحصنات هنا ذوات الأزواج وقد ورد الإحصان في القرآن لمعان هذا أحدها والثاني يراد به الحرة ومنه قوله تعالى ) ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات ( وقوله والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أو الكتاب من قبلكم والثالث يراد به العفيفة ومنه قوله تعالى ) محصنات غير مسافحات ( محصنين غير مسافحين والرابع المسلمة ومنه قوله تعالى فإذا أحصن
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية أعني قوله ) والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ( فقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قلابة ومكحول والزهري المراد بالمحصنات هنا المسبيات ذوات الأزواج خاصة أي هن محرمات عليكم إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من أرض الحرب فإن تلك حلال وإن كان لها زوج وهو قول الشافعي أي أن السباء يقطع العصمة وبه قال ابن وهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور واختلفوا في استبرائها بماذا يكون كما هو مدون في كتب الفروع وقالت طائفة المحصنات في هذه الآية العفائف وبه قال أبو العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد ابن جبير وعطاء ورواه عبيدة عن عمر ومعنى الآية عندهم كل النساء حرام إلا ما ملكت أيمانكم أي تملكون عصمتهن بالنكاح وتملكون الرقبة بالشراء وحكى ابن جرير الطبري أن رجلا قال لسعيد بن جبير أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئا فقال كان ابن عباس لا يعلمها وروى ابن جرير أيضا عن مجاهد أنه قال لو أعلم من يفسر لى هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل انتهى ومعنى الآية والله أعلم واضح لا سترة به أي وحرمت عليكم المحصنات من النساء أي المزوجات أعم من أن يكن مسلمات أو كافرات إلا


"""""" صفحة رقم 449 """"""
ما ملكت أيمانكم منهن أما بسبي فإنها تحل ولو كانت ذات زوج أو بشراء فإنها تحل ولو كانت مزوجة وينفسخ النكاح الذي كان عليها بخروجها عن ملك سيدها الذي زوجها وسيأتي ذكر سبب نزول الآية إن شاء الله والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقد قرئ ) المحصنات ( بفتح الصاد وكسرها فالفتح على أن الأزواج أحصنوهن والكسر على أنهن أحصن فروجهن عن غير أزواجهن أو أحصن أزواجهن قوله ) كتاب الله عليكم ( منصوب على المصدرية أي كتب الله ذلك عليكم كتابا وقال الزجاج والكوفيون إنه منصوب على الإغراء أي إلزموا كتاب الله أو عليكم كتاب الله واعترضه أبو علي الفارسي بأن الاغراء لا يجوز فيه تقديم المنصوب وهذا الاعتراض إنما يتوجه على قول من قال إنه منصوب بعليكم المذكور في الآية وروى عن عبيدة السلماني أنه قال إن قوله ) كتاب الله عليكم ( إشارة إلى قوله تعالى ) مثنى وثلاث ورباع ( وهو بعيد بل هو غشارة إلى التحريم المذكور في قوله ) حرمت عليكم ( إلى آخر الآية قوله ) وأحل لكم ما وراء ذلكم ( قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وأحل على الباء للمجهول وقرأ الباقون على البناء للمعلوم عطفا على الفعل المقدر في قوله ) كتاب الله عليكم ( وقيل على قوله ) حرمت عليكم ( ولا يقدح في ذلك اختلاف الفعلين وفيه دلالة على أنه يحل لهم نكاح ما سوى المذكورات وهذا عام مخصوص بما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وقد أبعد من قال إن تحريم الجمع بين المذكورات مأخوذ من الآية هذه لأنه حرم الجمع بين الأختين فيكون ما في معناه في حكمة وهو الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وكذلك تحريم نكاح الأمة لمن يستطيع نكاح حرة كما سيأتي فإنه يخصص هذا العموم قوله ) أن تبتغوا بأموالكم ( في محل نصب على العلة أي حرم عليكم ما حرم وأحل لكم ما أحل لأجل أن تبتغوا بأموالكم النساء اللاتي أحلهن الله لكم ولا تبتغوا بها الحرام فتذهب حال كونكم ) محصنين ( أي متعففين عن الزنا ) غير مسافحين ( أي غير زانين والسفاح الزنا وهو مأخوذ من سفح الماء أي صبه وسيلانه فكأنه سبحانه أمرهم بان يطلبوا بأموالهم النساء على وجه النكاح لا على وجه السفاح وقيل إن قوله ) أن تبتغوا بأموالكم ( بدل من ( ما ) في قوله ) ما وراء ذلكم ( أي وأحل لكم الابتغاء بأموالكم والأول أولى وأراد سبحانه بالأموال المذكورة ما يدفعونه في مهور الحرائر وأثمان الإماء قوله ) فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ( ما موصولة فيها معنى الشرط والفاء في قوله ) فأتوهن ( لتضمن الموصول معنى الشرط والعائد محذوف أي فآتوهن أجورهن عليه
وقد اختلف أهل العلم في معنى الآية فقال الحسن ومجاهد وغيرهما المعنى فيما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الشرعي ) فآتوهن أجورهن ( أي مهورهن وقال الجمهور إن المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ويؤيد ذلك قراءة أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير ? فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن ? ثم نهى عنها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما صح ذلك من حديث علي قال نهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر وهو في الصحيحين وغيرهما وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال يوم فتح مكة ( يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الإستمتاع من النساء والله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) وفي لفظ لمسلم أن ذلك كان في حجة الوداع فهذا هو الناسخ وقال سعيد بن جبير نسختها آيات الميراث إذ المتعة لا ميراث فيها وقالت عائشة والقاسم بن محمد


"""""" صفحة رقم 450 """"""
تحريمها ونسخها في القرآن وذلك قوله تعالى ) والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ( وليست المنكوحة بالمتعة من أزواجهم ولا مما ملكت أيمانكم فإن من شأن الزوجة أن ترث وتورث وليست المستمتع بها كذلك وقد روى عن ابن عباس أنه قال بجواز المتعة وأنها باقية لم تنسخ وروى عنه أنه رجع عن ذلك عند أن بلغه الناسخ وقد قال بجوازها من الروافض ولا اعتبار بأقوالهم وقد أتعب نفسه بعض المتأخرين بتكثير الكلام على هذه المسألة وتقوية ما قاله المجوزون لها وليس هذا المقام مقام بيان بطلان كلامه
وقد طولنا البحث ودفعنا الشبه الباطلة التي تمسك بها المجوزون لها في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه قوله ) فريضة ( منتصب على المصدرية المؤكدة أو على الحال أي مفروضة قوله ) ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ( أي من زيادة أو نقصان في المهر فإن ذلك سائغ عند التراضي هذا عند من قال بأن الآية في النكاح الشرعي وأما عند الجمهور القائلين بأنها في المتعة فالمعنى التراضي في زيادة مدة المتعة أو نقصانها أو في زيادة ما دفعه إليها إلى مقابل الإستمتاع بها أو نقصانه
النساء : ( 25 ) ومن لم يستطع . . . . .
قوله ) ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ( الطول الغنى والسعة قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجمهور أهل العلم ومعنى الآية فمن لم يستطع منكم غنى وسعة في ماله يقدر بها على نكاح المحصنات المؤمنات فلينكح من فتياتكم المؤمنات يقال طال يطول طولا في الإفضال والقدرة وفلان ذو طول أي ذو قدرة في ماله والطول بالضم ضد القصر وقال قتادة والنخعي وعطاء والثوري إن الطول الصبر ومعنى الآية عندهم أن من كان يهوى أمة حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها فإن له أن يتزوجها إذا لم يملك نفسه وخاف أن يبغي بها وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة وقال أبو حنيفة وهو مروي عن مالك إن الطول المرأة الحرة فمن كان تحته حرة لم يحل له أن ينكح الأمة ومن لم يكن تحته حرة جاز له أن يتزوج أمة ولو كان غنيا وبه قال أبو يوسف واختاره ابن جرير واحتج له والقول الأول هو المطابق لمعنى الآية ولا يخلو ما عداه عن تكلف فلا يجوز للرجل أن يتزوج بالأمة إلا إذا كان لا يقدر على أن يتزوج بالحرة لعدم وجود ما يحتاج إليه في نكاحها من مهر وغيره وقد استدل بقوله ) من فتياتكم المؤمنات ( على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية وبه قال أهل الحجاز وجوزه أهل العراق ودخلت الفاء في قوله ) أو ما ملكت أيمانكم ( لتضمن المبتدأ معنى الشرط وقوله ) من فتياتكم المؤمنات ( في محل نصب على الحال فقد عرفت أنه لا يجوز للرجل الحر أن يتزوج بالمملوكة إلا بشرط عدم القدرة على الحرة والشرط الثاني ما سيذكره الله سبحانه آخر الآية من قوله ) ذلك لمن خشي العنت منكم ( فلا يحل للفقير أن يتزوج بالمملوكة إلا إذا كان يخشى على نفسه العنت والمراد هنا الأمة المملوكة للغير وأما أمة الإنسان نفسه فقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز له أن يتزوجها وهي تحت ملكه لتعارض الحقوق واختلافها والفتيات جمع فتاة والعرب تقول للمملوك فتى وللمملوكة فتاة وفي الحديث الصحيح ( لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولكن ليقل فتاي وفتاتي ) قوله ) والله أعلم بإيمانكم ( فيه تسلية لمن ينكح الأمة إذا اجتمع فيه الشرطان المذكوران أي كلكم بنو آدم وأكرمكم عند الله أتقاكم فلا تستنكفوا من الزواج بالإيماء عند الضرورة فربما كان إيمان بعض الإماء أفضل من إيمان بعض الحرائر والجملة اعتراضية وقوله ) بعضكم من بعض ( مبتدأ وخبر ومعناه أنهم متصلون في الأنساب لأنهم جميعا بنو آدم أو متصلون في الدين لأنهم جميعا أهل ملة واحدة وكتابهم واحد ونبيهم واحد والمراد بهذا توطئة نفوس العرب لأنهم كانوا يستهجنون أولاد الإماء ويستصغرونهم ويغضون


"""""" صفحة رقم 451 """"""
منهم ) فانكحوهن بإذن أهلهن ( أي بإذن المالكين لهن لأن منافعهن لهم لا يجوز لغيرهم أن ينتفع بشيء منها إلا بإذن من هي له قوله ) وآتوهن أجورهن بالمعروف ( أي أدوا إليهن مهورهن بما هو بالمعروف في الشرع وقد استدل بهذا من قال إن الأمة أحق بمهرها من سيدها واليه ذهب مالك وذهب الجمهور إلى أن المهر للسيد وإنما أضافها إليهن لأن التأدية إليهن تأدية إلى سيدهن لكونهن ماله قوله ) محصنات ( أي عفائف وقرأ الكسائي محصنات بكسر الصاد في جميع القرآن إلا في قوله ) والمحصنات من النساء ( وقرأ الباقون بالفتح في جميع القرآن قوله ) غير مسافحات ( أي غير معلنات بالزنا والأخدان الأخلاء والخدن والخدين المخادن أي المصاحب وقيل ذات الخدن هي التي تزني سرا فهو مقابل للمسافحة وهي التي تجاهر بالزنا وقيل المسافحة المبذولة وذات الخدن التي تزني بواحد وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنا ولا تعيب اتخاذ الأخدان ثم رفع الإسلام جميع ذلك قال الله ) ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( قوله ) فإذا أحصن ( قرأ عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة وقرأ الباقون بضمها والمراد بالإحصان هنا الإسلام روى ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وأنس والأسود بن يزيد وزر بن حبيش وسعيد بن جبير وعطاء وإبراهيم النخعي والشعبي والسدي وروى عن عمر بن الخطاب بإسناد منقطع وهو الذي نص عليه الشافعي وبه قال الجمهور وقال ابن عباس وأبو الدرداء ومجاهد وعكرمة وطاوس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم إنه التزويج وروى عن الشافعي فعلى القول الأول لا حد على الأمة الكافرة وعلى القول الثاني لاحد على الأمة التي لم تتزوج وقال القاسم وسالم إحصانها إسلامها وعفافها وقال ابن جرير إن معنى القراءتين مختلف فمن قرأ أحصن بضم الهمزة فمعناه التزويج ومن قرأ بفتح الهمزة فمعناه الإسلام وقال قوم إن الإحصان المذكور في الآية هو التزوج ولكن الحد واجب على الأمة المسلمة إذا زنت قبل أن تتزوج بالسنة وبه قال الزهري قال ابن عبدالبر ظاهر قول الله عز وجل يقتضي أنه لا حد على الأمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن وكان ذلك زيادة بيان قال القرطبي ظهر المسلم حمى لا يستباح إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف لولا ما جاء في صحيح السنة من الجلد قال ابن كثير في تفسيره والأظهر والله أعلم أن المراد بالإحصان هنا التزويج لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه ) ومن لم يستطع منكم طولا ( إلى قوله ) فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( فالسياق كله في الفتيات المؤمنات فتعين أن المراد بقوله ) فإذا أحصن ( أي تزوجن كما فسر به ابن عباس ومن تبعه قال وعلى كل من القولين إشكال على مذهب الجمهور لأنهم يقولون إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة سواء كانت مسملة أو كافرة مزوجة أو بكرا مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة من الإماء وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك ثم ذكر أن منهم من أجاب وهم الجمهور بتقديم منطوق الأحاديث على هذا المفهوم ومنهم من عمل على مفهوم الآية وقال إذا زنت ولم تحصن فلا حد عليها وإنما تضرب تأديبا قال وهو المحكي عن ابن عباس واليه ذهب طاوس وسعيد بن جبير وأبو عبيد وداود الظاهري في رواية عنه فهؤلاء قدموا مفوم الآية على العموم وأجابوا عن مثل حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في الصحيحين وغيرهما ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال إن زنت فاجلودها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير ) بأن المراد بالجلد هنا التأديب وهو تعسف وأيضا قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ) الحديث ولمسلم من حديث علي


"""""" صفحة رقم 452 """"""
قال ( يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن ومن لم يحصن فإن أمة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زنت فأمرني أن أجلدها ) الحديث وأما ما أخرجه سعيد بن منصور وابن خزيمة والبيهقي عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ليس على الأمة حد حتى تحصن بزوج فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات من العذاب ) فقد قال ابن خزيمة والبيهقي إن رفعه خطأ والصواب وقفه قوله ) فإن أتين بفاحشة ( الفاحشة هنا الزنا ) فعليهن نصف ما على المحصنات ( أي الحرائر الأبكار لأن الثيب عليها الرجم وهو لا يتبعض وقيل المراد بالمحصنات هنا المزوجات لأن عليهن الجلد والرجم والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف ما عليهن من الجلد والمراد بالعذاب هنا الجلد وإنما نقص حد الإماء عن حد الحرائر لأنهن أضعف وقيل لأنهن لا يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر وقيل لأن العقوبة تجب على قدر النعمة كما في قوله تعالى ) يضاعف لها العذاب ضعفين ( ولم يذكر الله سبحانه في هذه الآية العبيد وهم لاحقون بالإيماء بطريق القياس وكما يكون على الإماء والعبيد نصف الحد في الزنا كذلك يكون عليهم نصف الحد في القذف والشرب والإشارة بقوله ) ذلك لمن خشي العنت منكم ( إلى نكاح الإماء والعنت الوقوع في الإثم وأصله في اللغة انكسار العظم بعد الجبر ثم استعير لكل مشقة ) وإن تصبروا ( عن نكاح الإماء ) خير لكم ( من نكاحهن أي صبركم خير لكم لأن نكاحهن يفضي إلى إرقاق الولد والغض من النفس
النساء : ( 26 ) يريد الله ليبين . . . . .
قوله ) يريد الله ليبين لكم ( اللام هنا هي لام كي التي تعاقب ( أن ) قال الفراء العرب تعاقب بين لام كي وأن فتأتي باللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت فيقولون أردت أن تفعل وأردت لتفعل ومنه ) يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ( ) وأمرت لأعدل بينكم ( ) وأمرنا لنسلم لرب العالمين ( ومنه اريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل
وحكى الزجاج هذا القول وقال لو كانت اللام بمعنى أن لدخلت عليها لام أخرى كما تقول جئت كي تكرمني ثم تقول جئت لكي تكرمني وأنشد أردت لكيما يعلم الناس أنها
سراويل قيس والوفود شهود
وقيل اللام زائدة لتأكيد معنى الاستقبال أو لتأكيد إرادة التبيين ومفعول يبين محذوف أي ليبين لكم ما خفى عليكم من الخير وقيل مفعول يريد محذوف أي يريد الله هذا ليبين لكم وبه قال البصريون وهو مروي عن سيبويه وقيل اللام بنفسها ناصبة للفعل من غير إضمار أن وهي وما بعدها مفعول للفعل المتقدم وهو مثل قول الفراء السابق وقال بعض البصريين إن قوله ) يريد ( مؤول بالمصدر مرفوع بالابتداء مثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ومعنى الآية يريد الله ليبين لكم مصالح دينكم وما يحل لكم وما يحرم عليكم ) ويهديكم سنن الذين من قبلكم ( أي طرقهم وهم الأنبياء وأتباعهم لتقتدوا بهم ) ويتوب عليكم ( أي ويريد أن يتوب عليكم فتوبوا إليه وتلاقوا ما فرط منكم بالتوبة يغفر لكم ذنوبكم
النساء : ( 27 ) والله يريد أن . . . . .
) والله يريد أن يتوب عليكم ( هذا تأكيد لما قد فهم من قوله ) ويتوب عليكم ( المتقدم وقيل الأول معناه للإرشاد إلى الطاعات والثاني فعل أسبابها وقيل إن الثاني لبيان كمال منفعة إرادته سبحانه وكمال ضرر ما يريده الذين يتبعون الشهوات وليس المراد به مجرد إرادة التوبة حتى يكون من باب التكرير للتأكيد قيل هذه الإرادة منه سبحانه في جميع أحكام الشرع وقيل في نكاح الأمة فقط
واختلف في تعيين المتبعين للشهوات فقيل هم الزناة وقيل اليهود والنصارى وقيل اليهود خاصة


"""""" صفحة رقم 453 """"""
وقيل هم المجوس لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب والأول أولى والميل العدول عن طريق الاستواء والمراد بالشهوات هنا ما حرمه الشرع دون ما أحله ووصف الميل بالعظم بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة نادرا
النساء : ( 28 ) يريد الله أن . . . . .
قوله ) يريد الله أن يخفف عنكم ( بما مر من الترخيص لكم أو بكل ما فيه تخفيف عليكم ) وخلق الإنسان ضعيفا ( عاجزا غير قادرا على ملك نفسه ودفعها عن شهواتها وفاء بحق التكليف فهو محتاج من هذه الحيثية إلى التخفيف فلهذا أراد الله سبحانه التخفيف عنه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع ثم قرأ ) حرمت عليكم أمهاتكم ( إلى قوله ) وبنات الأخت ( هذا من النسب وباقي الآية من الصهر والسابعة ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن عمران بن حصين في قوله ) وأمهات نسائكم ( قال هي مبهمة وأخرج هؤلاء عن ابن عباس قال هي مبهمة إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها وأخرج هؤلاء إلا البيهقي عن علي في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها هل تحل له أمها قال هي بمنزلة الربيبة وأخرج هؤلاء عن زيد بن ثابت أنه كان يقول إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال في قوله ) وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم ( أريد بهما الدخول جميعا وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبدالله بن الزبير قال الربيبة والأم سواء لا بأس بهما إذا لم يدخل بالمرأة وأخرج عبدالرزاق وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان قال كانت عندي امرأة فتوفيت وقد ولدت لي فوجدت عليها فلقينى علي ابن أبي طالب فقال ما لك فقلت توفيت المرأة فقال علي لها ابنة قلت نعم وهي بالطائف قال كانت في حجرك قلت لا قال فانكحها قلت فأين قول الله ( وربائكم اللاتي في حجوركم ) قال إنها لم تكن في حجرك
وقد قدمنا قول من قال إنه إسناد ثابت على شرط مسلم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال الدخول الجماع وأخرج عبدالرزاق في المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء قال كنا نتحدث أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) لما نكح امرأة زيد قال المشركون بمكة في ذلك فأنزل الله ) وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ( ونزلت ) وما جعل أدعياءكم أبناءكم ( ونزلت ) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وأن تجمعوا بين الأختين ( قال يعنى في النكاح وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال ذلك في الحرائر فإما المماليك فلا بأس وأخرج ابن المنذر عنه نحوه من طريق أخرى وأخرج مالك والشافعي وعبدالرزاق وابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عثمان بن عفان أن رجلا سأله عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما قال أحلتهما آية وحرمتهما آية وما كنت لأصنع ذلك فخرج من عنده فلقي رجلا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أراه علي بن أبي طالب فسأله عن ذلك فقال لو كان لي من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي عن علي أنه سئل عن رجل له أمتان أختان وطيء إحداهما وأراد أن يطأ الأخرى فقال لا حتى يخرجها من ملكه وقيل فإن زوجها عبده قال لا حتى يخرجها من ملكه وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن


"""""" صفحة رقم 454 """"""
مسعود انه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين الأمتين فكرهه فقيل يقول الله ) إلا ما ملكت أيمانكم ( فقال وبعيرك أيضا مما ملكت يمينك وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق أبي صالح عن علي بن أبي طالب قال في الأختين المملوكتين احلتهما آية وحرمتهما آية ولا آمر ولا انهى ولا أحل ولا أحرم ولا أفعل انا وأهل بيتي وأخرج أحمد عن قيس قال قلت لابن عباس ايقع الرجل على المرأة وابنتها مملوكتين له فقال احلتهما آية وحرمتهما آية ولم أكن لأفعله واخرج عبدالرزاق و البيهقي عنه في الأختين من ملك اليمين احلتهما آية وحرمتهما آية وأخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و البيهقي عن ابن عمر قال إذا كان للرجل جاريتان اختان فغشى إحداهما فلا يقرب الأخرى حتى يخرج التي غشى من ملكه واخرج البيهقي عن مقاتل ابن سليمان قال إنما قال الله في نساء الآباء ) إلا ما قد سلف ( لأن العرب كانوا ينكحون نساء الآباء ثم حرم النسب والصهر فلم يقل إلا ما قد سلف لأن العرب كانت لاتنكح النسب والصهر وقال في الأختين ( إلا ما قد سلف ) لأنهم كانوا يجمعو بينهما فحرم جمعها جميعا إلا ما قد سلف قبل التحريم ) إن الله كان غفورا رحيما ( لما كان من جماع الأختين قبل التحريم وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث يوم حنين جيشا إلى اوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله في ذلك ) والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ( يقول إلا ما أفاء الله عليكم وأخرج الطبرانى عن ابن عباس أن ذلك سبب نزول الآية وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد ابن جبير مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقى عن ابن عباس في قوله ) والمحصنات من النساء ( قال كل ذات زوج إتيانها زنا إلا ما سبيت وأخرج الفريابى وابن أبي شيبة والطبرانى عن علي وابن مسعود في قوله ) والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ( قال على المشركات إذا سبين حلت له وقال ابن مسعود المشركات والمسلمات وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( والمحصنات من النساء ) قال ذوات الأزواج وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أنس بن مالك مثله وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله والمحصنات قال العفيفة العاقلة من مسلمة أو من أهل الكتاب وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه في الآية قال لا يحل له أن يتزوج فوق الأربع فما زاد فهو عليه حرام كأمه وأخته وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله ) والمحصنات من النساء ( قال يقول انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ثم حرم ما حرم من النسب والصهر ثم قال ( والمحصنات من النساء ) فرجع إلى أول السورة فقال هن حرام أيضا إلا لمن نكح بصداق وسنة وشهود وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير عن عبيدة قل أحل الله لك أربعا في أول السورة وحرم نكاح كل محصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) 0 الإ حصان إحصانان إحصان نكاح وإحصان عفاف ) فمن قرأها والمحصنات بكسر الصاد فهن العفائف ومن قرأها والمحصنات بالفتح فهن المتزوجات قال ابن أبي حاتم قال أبي هذا حديث منكر وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وأحل لكم ما وراء ذلكم ( قال ما وراء هذا النسب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى قال


"""""" صفحة رقم 455 """"""
مادون الأربع وأخرج ابن جرير عن عطاء قال ما وراء ذات القراب وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ( واحل لكم ما وراء ذلكم ) قال ما ملكت أيمانكم وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة السلماني نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ( محصنين غير مسافحين ) قال غير زانين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ( فآتوهن أجورهن ) يقول إذا تزوج الرجل منكم المرأة ثم نكحها مرة واحدة فقد وجب صداقها كله والاستمتاع هو النكاح وهو قوله وآتوا النساء صدقاتهن وأخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كانت المتعة في أول الإسلام وكانوا يقرءون هذه الآية ? فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ? الآية فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى انه يفرغ من حاجته ليحفظ متاعه ويصلح شأنه حتى نزلت هذه الآية 0 حرمت عليكم أمهاتكم ) فنسخت الأولى فحرمت المتعة وتصديقها من القرآن إلا على أزواجهم أو ملكت أيمانهم وما سوى هذا الفرج فهو حرام وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنبارى في المصاحف والحاكم وصححه ان ابن عباس قرأ ( فما استمعتم به منهن إلى أجل مسمى ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي بن كعب انه قرأها كذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ان هذه الآية في نكاح المتعة وكذلك أخرج ابن جرير عن السدى والأحاديث في تحليل المتعة ثم تحريمها وهل كان نسخها مرة أو مرتين مذكورة في كتب الحديث وقد أخرج ابن جرير في تهذيبه وابن المنذر والطبراني والبيهقي عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ماذا صنعت ذهبت الركاب بفتياك وقالت فيها الشعراء قال وماقالوا قلت قالوا أقول للشيخ لما طال مجلسه
يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس
هل لك في رحضة الأعطاف آنسة
تكون مثواك حتى مصدر الناس
فقال إنا لله وإنا إليه راجعون لا والله ما بهذا أفتيت ولا هذا اردت ولا أحللتها إلا للمضطر في لفظ ولا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة والدم ولحم الخنزير وأخرج ابن جرير عن حضرمي ان رجالا كانوا يفرضون المهر ثم عسى ان تدرك أحدهم العسرة فقال الله ) ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حام عن ابن عباس في قوله ) ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به ( قال الراضى ان يوفي لها صداقها ثم يخيرها وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال ان وضعت لك منه شيئا فهو سائغ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس 0 ومن لم يستطع منكم طولا ) يقول من لم يكن له وسعة ) أن ينكح المحصنات ( يقول الحرائر فمما ملكت أيمانكم من فتيانكم المؤمنات فلينكح من إماء المؤمنين محصنات غير مسافحات يعني عفائف غير زواني في سر ولا علانية ( ولا متخذات أخذان ) يعنى أخلاء ( فإذا أحصن ) ثم إذا تزوجت حرا ثم زنت ) فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ( قال من الجلد ( ذلك لمن خشى العنت منكم ) هو الزنا فليس لأحد من الأحرار ان ينكح أمة إلا ان لا يقدر على حرة وهو يخشى العنت ( وأن تصبروا ) عن نكاح الإماء ( فهو خير لكم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر و البيهقي عن مجاهد ( ومن لم يستطع منكم طولا ) يعني من لا يجد منكم غنى ( أن ينكح المحصنات ) يعني الحرائر فلينكح الأمة المؤمنة ( وان تصبروا ) عن نكاح الإماء ( خير لكم ) وهو حلال وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه قال مما وسع الله به على هذه الأمة نكاح الأمة النصرانية واليهودية وإن كان موسرا وأخرج


"""""" صفحة رقم 456 """"""
عبد الرزاق وسعيد بن المنصور وابن أبي شيبة و البيهقي عنه قال لا يصلح نكاح إماء أهل الكتاب لأن الله يقول ) من فتياتكم المؤمنات ( وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن الحسن ( ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نهى ان تنكح الأمة على الحرة والحرة على الأمة ومن وجد طولا لحرة فلا ينكح أمة ) وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن ابن عباس قال لا يتزوج الحر من الإماء إلا واحدة وأخرج ابن أبي شيبة عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في وقوله ( والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض ) يقول أنتم إخوة بعضكم من بعض وأخرج ابن المنذر عن السدى ( فانكحوهن بإذن أهلهن ) قال بإذن مواليهن ( وأتوهن أجورهن ) قال مهورهن وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال المسافحات المعلنات بالزنا والمتخذات أخذان ذات الخليل الواحد قال كان أهل الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفى فانزل الله ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن و أخرج ابن أبي حاتم عن على قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فإذا أحصن ) قال إحصانها أسلامها وقال على اجلدوهن قال ابن أبي حاتم حديث منكر وقال ابن كثير في إسناده ضعيف ومبهم لم يسم ومثله لا تقوم به حجة وأخرج عبدالرزاق وابن المنذر عن ابن عباس قال حد العبد يفتري على الحر أربعون وأخرج ابن جرير عنه قال العنت الزنا وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ( ويريد الذين يتبعون الشهوات ) قال الزنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ( يريد الله ان يخفف عنكم ) يقول في نكاح الأمة وفي كل شيء فيه يسر وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ( يريد الله ان يخفف عنكم ) قال رخص لكم في نكاح الإماء ( وخلق الإنسان ضعيفا 9 قال لو لم يرخص له فيها وأخرج ابن جرير و البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال ثماني آيات نزلت في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت أولهن ) يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ( والثانية 0 والله يريد ان يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما ) والثالثة ( يريد الله ان يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ) والرابعة ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ( والخامسة ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( الآية والسادسة ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله ( الآية والسابعة ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية والثامنة ) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله ( للذين عملوا من الذنوب ) غفورا رحيما (
النساء 29 31
النساء : ( 29 ) يا أيها الذين . . . . .
الباطل ما ليس بحق ووجوه ذلك كثيرة ومن الباطل البيوعات التي نهى عنها الشرع والتجارة في اللغة عن المعارضة وهذا الاستثناء منقطع أي لكن تجارة عن تراض منكم جائزة بينكم أو لكن


"""""" صفحة رقم 457 """"""
كون تجارة عن تراض منكم حلالا لكم وقوله 0 عن تراض ) صفة لتجارة أي كائنة عن تراض وإنما نص الله سبحانه على التجارة دون سائر أنواع المعاوضات لكونها أكثرها وأغلبها وتطلق التجارة على جزاء الأعمال من الله على وجه المجاز ومنه قوله تعالى ) هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ( وقوله ) يرجون تجارة لن تبور ( واختلف العلماء في التراضي فقالت طائفة تمامه وجوبه بافتراق الأبدان بعد عقد البيع أو بان يقول أحدهما لصاحبه اختر ) كما في الحديث الصحيح البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وإليه ذهب جماعة من الصحابة والتابعين وبه قال الشافعي الثوري والأوزاعي والليث وابن عيينة وإسحاق وغيرهم وقال مالك وأبو حنيفة تمام البيع هو ان يعقد البيع بالألسنة فيرتفع بذلك الخيار واجابوا عن الحديث بما لا طائل تحته وقد قرئ تجارة بالرفع على ان كان تامة وتجارة بالنصب على انها ناقصة قوله ( ولا تقتلوا انفسكم ) أي لا يقتل بعضكم أيها المسلمون بعضا إلا بسبب أثبته الشرع أو لا تقتلوا أنفسكم باقتراف المعاصي أو المراد النهى عن ان يقتل الإنسان نفسه حقيقة ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني ومما يدل على ذلك احتجاج عمرو بن العاص بها حين لم يغتسل بالماء المارد حين اجنب في غزاة ذات السلاسل فقرر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) احتجاجه وهو في مسند أحمد وسنن أبي داود وغيرهما
النساء : ( 30 ) ومن يفعل ذلك . . . . .
قوله ( ومن يفعل ذلك ) أي القتل خاصة أو أكل أموال الناس ظلما والقتل عدوانا وظلما وقيل هو إشارة إلى كل ما نهى عنه في هذه السورة وقال ابن جرير انه عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد وهو قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ( لأن كل ما نهى عنه من أول السورة قرن به وعيد إلا من قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم ( فإنه لا وعيد بعده إلا قوله ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ) والعدوان تجاوز الحد والظلم وضع الشيء في غير موضعه وقيل ان معنى العدوان والظلم واحد وتكريره لقصد التأكيد كما في قول الشاعر وألفى قولها كذبا ومينا
وخرج بقيد العدوان والظلم ما كان من القتل بحق كالقصاص وقتل المرتد وسائر الحدود الشرعية وكذلك قتل الخطأ قوله ( فسوف نصليه ) جواب الشرط أي ندخله نارا عظيمة ( وكان ذلك ) أي إصلاؤه النار ( على الله يسيرا ) لأنه لا يعجزه بشيء وقريء ( نصليه ) بفتح النون روى ذلك عن الأعمش والنخعى وهو على هذه القراءة منقول من صلى ومنه شاة مصلية
النساء : ( 31 ) إن تجتنبوا كبائر . . . . .
قوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) أي إن تجتنبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها ( نكفر عنكم سيئاتكم ) أي ذنوبكم التي هي صغائر وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها وجعل اجتنابها شرطا لتكفير السيئات وقد اختلف أهل الأصول في تحيق معنى الكبائر ثم في عددها فأما في تحقيقها فقيل إن الذنوب كلها كبائر وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما أكبر منها كما يقال الزنا صغيرة بالإضافة إلى الكفر والقبلة المحرمة صغيرة بالإضافة إلى الزنا وقد روى نحو هذا عن الاسفراينى والجوينى والقشيرى وغيرهم قالوا والمراد بالكبائر التي يكون اجتنابها سببا لتكفير السئيات هي الشرك واستدلوا على ذلك بقراءة من قرأ ( ان تجتنبوا كبير ما تنهون عنه ) وعلى قراءة الجمع فالمراد أجناس الكفر واستدلوا على ما قالوه بقوله تعالى ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( قالوا فهذه الآية مقيدة لقوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) وقال ابن عباس الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب وقال ابن مسعود الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آية وقال سعيد بن جبير كل ذنب نسبه الله إلى النار


"""""" صفحة رقم 458 """"""
فهو كبيرة وقال جماعة من أهل الأصول الكبائر كل ذنب رتب الله عليه الحد أو صرح بالوعيد فيه وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره وأما الاختلاف في عددها فقيل انها سبع وقيل سبعون وقيل سبعمائة وقيل غير منحصرة ولكن بعضها أكبر من بعض وسيأتي ما ورد في ذلك إن شاء الله قوله ( وندخلكم مدخلا ) أي مكان دخول وهو الجنة ( كريما ) أي حسنا مرضيا وقد قرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر والكوفيون ( مدخلا ) بضم الميم وقرأ أهل المدينة بفتح الميم وكلاهما أسم مكان ويجوز ان يكون مصدرا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني قال السيوطي بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( قال انها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن في الآية قال كان الرجل يتحرج ان يأكل عند أحد الناس بعد ما نزلت هذه الآية فنسخ ذلك الآية التي في النور ولا على أنفسكم ان تأكلوا من بيوتكم الآية وأخرج ابن ماجه وابن المنذر عن أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 0 إنما البيع عن تراض ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح وعكرمة في قوله تعالى ) ولا تقتلوا أنفسكم ( قالا نهاهم عن قتل بعضهم بعضا وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدى ( ولاتقتلوا أنفسكم ) قال أهل دينكم وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ) يعنى متعمدا اعتداء بغير حق ( وكان ذلك على الله يسيرا ) يقول كان عذابه على الله هينا وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال قلت لعطاء ارأيت قوله تعالى ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ) في كل ذلك أم في قوله ( ولا تقتلوا أنفسكم ) قال بل في قوله ( ولا تقتلوا أنفسكم ) وأخرج عبد بن حميد عن أنس بن مالك قال هان ما سألكم ربكم ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبرانى والبيهقى في الشعب عن ابن عباس قال كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة وقد ذكرت الطرفة يعني النظرة وأخرج اب 4 ن جرير عنه قال كل شيء عصى الله فيه فهو كبيرة وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كل ما وعد الله عليه النار كبيرة واخرج ابن جرير و البيهقي في الشعب عنه قال الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ما قدمنا عنه وأخرج عبدالرزاق وعبد بن جميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي في الشعب عن ابن عباس انه سئل عن الكبائر اسبع هي قال هي إلى السبعين أقرب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أن رجلا سأله كم الكبائر أسبع هي قال هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع غير انه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع اصرار وأخرج البيهقي في الشعب عنه كل ذنب أصر عليه العبد كبيرة وليس بكبيرة ما تاب عنه العبد وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 0 اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وما هي يا رسول الله قال الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكرة قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الاشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) وأخرج


"""""" صفحة رقم 459 """"""
البخاري وغيره عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس ( شك شعبة ) واليمين الغموس ) وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمرو قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) 0 إن من أكبر الكبائر ان يلعن الرجل والديه قالوا كيف يعلن الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) والأحاديث في تعداد الكبائر وتعيينها كثيرة جدا فمن رام الوقوف على ما ورد في ذلك فعليه بكتاب الزواجر في الكبائر فإنه قد جمع فأوعى
فائدة
واعلم انه لا بد من تقييد ما في هذه الآية من تكفير السيئات بمجرد اجتناب الكبائر بما أخرجه النسائي وابن ماجه وابن جرير وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة وأبي سعيد ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جلس على المنبر ثم قال ( والذي نفسي بيده ما من عبد بن حميد يصلى الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويؤدى الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى إنها لتصفق ثم تلا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم و البيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال ان في سورة النساء خمس آيات ما يسرني ان لي بها الدنيا وما فيها ولقد علمت ان العلماء إذا مروا بها يعرفونها قوله تعالى ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ( الآية وقوله ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( الآية وقوله ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية وقوله ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك ( الآية وقوله ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( الآية
النساء 32 34
النساء : ( 32 ) ولا تتمنوا ما . . . . .
قوله ( ولا تتمنوا ) التمنى نوع من الإرادة يتعلق بالمستقبل كالتلهف نوع منها يتعلق بالماضي وفيه النهى عن ان يتمنى الإنسان ما فضل الله به غيره من الناس عليه فإن ذلك نوع من عدم الرضا بالقسمة التي قسمها الله بين عباده على مقتضى إرادته وحكمته البالغة وفيه أيضا نوع من الحسد المنهى عنه إذا صحبه إرادة زوال تلك النعمة عن الغير وقد اختلف العلماء في الغبطة هل تجوز أم لا وهي ان يتمنى ان يكون به حال مثل حال صاحبه من دون ان يتمنى زوال ذلك الحال عن صاحبه فذهب الجمهور إلى جواز ذلك واستدلوا بالحديث الصحيح ( لا حسد


"""""" صفحة رقم 460 """"""
إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ) وقد بوب عليه البخاري ( باب الآغتباط في العلم والحكم ) وعموم لفظ الآية يقتضي تحريم تمني ما وقع به التفضيل سواء كان مصحوبا بما يصير به من جنس الحسد أم لا وما ورد في السنة من جواز ذلك في أمور معينة يكون مخصصا لهذا العموم وسيأتي ذكر سبب نزول الآية ولكن الإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقوله ) للرجال نصيب ( إلخ فيه تخصيص بعد التعميم ورجوع إلى ما يتضمنه سبب نزول الآية من أن أم سلمة قالت يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزى ولا نقاتل فنستشهد وإنما لنا نصف الميراث فنزلت أخرجه عبدالرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي وقد روى نحو هذا السبب من طرق بألفاظ مختلفة والمعنى في الآية أن الله جعل لكل من الفريقين نصيبا على حسب ما تقتضيه إرادته وحكمته وعبر عن ذلك المجعول لكل فريق من فريقي النساء والرجال بالنصيب مما اكتسبوا من الثواب والعقاب وللنساء كذلك وقال ابن عباس المراد بذلك الميراث والاكتساب على هذا القول بمعنى ما ذكرنا قوله ) واسألوا الله من فضله ( عطف على قوله ) ولا تتمنوا ( وتوسيط التعليل بقوله ) للرجال نصيب ( إلخ بين المعطوف والمعطوف عليه لتقرير ما تضمنه النهي وهذا الأمر يدل على وجوب سؤال الله سبحانه من فضله كما قال جماعة من أهل العلم
النساء : ( 33 ) ولكل جعلنا موالي . . . . .
قوله ) ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ( أي جعلنا لكل إنسان ورثة موالي يلون ميراثه فلكل مفعول ثان قدم على الفعل لتأكيد الشمول وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها أي ليتبع كل أحد ما قسم الله له من الميراث ولا يتمن ما فضل الله به غيره عليه وقد قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله بعدها ) والذين عقدت أيمانكم ( وقيل العكس كما روى ذلك ابن جرير وذهب الجمهور إلى أن الناسخ لقوله ) والذين عقدت أيمانكم ( جرير وذهب الجمهور إلى أن الناسخ لقوله قوله تعالى ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( والموالي جمع مولى وهو يطلق على المعتق والمعتق والناصر وابن العم والجار قيل والمراد هنا العصبة أي ولكل جعلنا عصبة يرثون ما أبقت الفرائض قوله ) والذين عقدت أيمانكم ( المراد بهم موالي الموالاة كان الرجل من أهل الجاهلية يعاقد الرجل أي يحالفه فيستحق من ميراثه نصيبا ثم ثبت في صدر الإسلام بهذه الآية ثم نسخ بقوله وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض وقراءة الجمهور عاقدت وروى عن حمزة أنه قرأ ( عقدت ) بتشديد القاف على التكثير أي والذين عقدت لهم أيمانكم الحلف أو عقدت عهودهم أيمانكم والتقدير على قراءة الجمهور والذين عقادتهم أيمانكم فآتوهم نصيبهم أي ما جعلتموه لهم بعقد الحلف
النساء : ( 34 ) الرجال قوامون على . . . . .
قوله ) الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ( هذه الجملة مستأنفة مشتملة على بيان العلة التي استحق بها الرجال الزيادة كأنه قيل كيف استحق الرجال ما استحقوا مما لم تشاركهم فيه النساء فقال ) الرجال قوامون ( إلخ والمراد أنهم يقومون بالذب عنهن كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعاية وهم أيضا يقومون بما يحتجن إليه من النفقة والكسوة والمسكن وجاء بصيغة المبالغة في قوله ) قوامون ( ليدل على أصالتهم في هذا الأمر والباء في قوله بما فضل الله للسببية والضمير في قوله ) بعضهم على بعض ( للرجال والنساء أي إنما استحقوا هذه المزية لتفضيل الله للرجال على النساء بما فضلهم به من كون فيهم الخلفاء والسلاطين والحكام والأمراء والغزاة وغير ذلك من الأمور قوله ) وبما أنفقوا ( أي وبسبب ما أنفقوا من أموالهم وما مصدرية أو موصولة وكذلك هي في قوله ) بما فضل الله ( ومن تبعيضية والمراد ما أنفقوه في الإنفاق على النساء وبما دفعوه في مهروهن من أموالهم وكذلك ما ينفقونه في الجهاد وما يلزمهم في العقل


"""""" صفحة رقم 461 """"""
وقد استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على جواز فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن نفقة زوجته وكسوتها وبه قال مالك والشافعي وغيرهما قوله ) فالصالحات ( أي من النساء ) قانتات ( أي مطيعات لله قائمات بما يجب عليهن من حقوق الله وحقوق أزواجهن ) حافظات للغيب ( أي لما يجب حفظه عند غيبة أزواجهن عنهن من حفظ نفوسهن وحفظ أموالهم ) وما ( في قوله ) بما حفظ الله ( مصدرية أي بحفظ الله والمعنى أنهن حافظات لغيب أزواجهن بحفظ الله لهن ومعونته وتسديده أو حافظات له بما استحفظهن من أداء الأمانة إلى أزواجهن على الوجه الذي أمر الله به أو حافظات له بحفظ الله لهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حسن العشرة ويجوز أن تكون ) ما ( موصولة والعائد محذوف وقرأ أبو جعفر ) بما حفظ الله ( بنصب الإسم الشريف والمعنى بما حفظن الله أي حفظن أمره أو حفظن دينه فحذف الضمير الراجع إليهن للعلم به ) وما ( على هذه القراءة مصدرية مصدرية أو موصولة كالقراءة الأولى أي بحفظهن الله أو بالذي حفظن الله به قوله ) واللاتي تخافون نشوزهن ( هذا خطاب للأزواج قيل الخوف هنا على بابه وهو حالة تحدث في القلب عند حدوث أمر مكروه أو عند ظن حدوثه وقيل المراد بالخوف هنا العلم والنشوز العصيان وقد تقدم بيان أصل معناه في اللغة قال ابن فارس يقال نشزت المرأة استعصت على بعلها ونشز بعلها عليها إذا ضربها وجفاها ) فعظوهن ( أي ذكروهن بما أوجبه الله عليهن من الطاعة وحسن العشرة ورغبوهن ورهبوهن ) واهجروهن في المضاجع ( يقال هجره أي تباعد منه والمضاجع جمع مضجع وهو محل الإضطجاع أي تباعدوا عن مضاجعتهن ولا تدخلوهن تحت ما تجعلونه عليكم حال الإضطجاع من الثياب وقيل هو أنه يوليها ظهره عند الإضطجاع وقيل هو كناية عن ترك جماعها وقيل لا تبيت معه في البيت الذي يضطجع فيه ) واضربوهن ( أي ضربا غير مبرح وظاهر النظم القرآني أنه يجوز للزوج أن يفعل جميع هذه الأمور عند مخافة النشوز وقيل إنه لا يهجرها إلا بعد عدم تأثير الوعظ فإن أثر الوعظ لم ينتقل إلى الهجر وإن كفاه الهجر لم ينتقل إلى الضرب ) فإن أطعنكم ( كما يجب وتركن النشوز ) فلا تبغوا عليهن سبيلا ( أي لا تتعرضوا لهن بشيء مما يكرهن لا بقول ولا بفعل وقيل المعنى لا تكلفوهن الحب لكم فإنه لا يدخل تحت اختيارهن ) إن الله كان عليا كبيرا ( إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب أي وإن كنتم تقدرون عليهن فاذكروا قدرة الله عليكم فإنها فوق كل قدرة والله بالمرصاد لكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ( يقول لا يتمنى الرجل فيقول ليت أن لي مال فلان وأهله فنهى الله سبحانه عن ذلك ولكن يسأل الله من فضله ) للرجال نصيب مما اكتسبوا ( يعني مما ترك الوالدان والأقربون للذكر مثل حظ الأنثيين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أن سبب نزول الآية أن النساء قلن لو جعل أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجاء وقال الرجال إنا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث وقد تقدم ذكر سبب النزول وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) واسألوا الله من فضله ( قال ليس بعرض الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) واسألوا الله من فضله ( قال العبادة ليس من أمر الدنيا وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل ) قال الترمذي كذا رواه حماد بن واقد وليس بالحافظ ورواه أبو نعيم عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح وكذا رواه ابن جرير وابن مردويه ورواه أيضا ابن مروديه من حديث ابن عباس وأخرج البخاري وابن داود


"""""" صفحة رقم 462 """"""
والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم و البيهقي في سننه عن ابن عباس ) ولكل جعلنا موالي ( قال كان ورثة ) والذين عقدت أيمانكم ( قال كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بينهم فلما نزلت ) ولكل جعلنا موالي ( نسخت ثم قال ) والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ( من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ) ولكل جعلنا موالي ( قال عصبة ) والذين عقدت أيمانكم ( قال كان الرجلان أيهما مات ورثه الآخر فأنزل الله ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ( يقول إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية فهو لهم جائز من ثلث مال الميت وهو المعروف وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل يقول ترثني وأرثك وكان الأحياء يتحالفون فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كل حلف كان في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام فلا يزيده الإسلام إلا شدة ولا عقد ولا حلف في الإسلام فنسختها هذه الآية ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( وأخرج أبو داود وابن جرير وابن مردويه والبيهقي عنه في الآية قال كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك في الأنفال ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن أن رجلا من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بينهما القصاص فنزل ) ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ( فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونزل القرآن ) الرجال قوامون على النساء ( الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أردنا أمرا وأراد الله غيره ) وأخرج ابن مردويه عن علي نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ( الرجال قوامون على النساء ) يعني أمراء عليهن أن تطيعه فيما أمرها الله به من طاعته وطاعته أن تكون محسنة إلى أهله حافظة لماله ) بما فضل الله ( فضله عليها بنفقته وسعيه ) فالصالحات قانتات ( قال مطيعات ) حافظات للغيب ( يعني إذا كنى كذا فأحسنوا إليهن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) حافظات للغيب ( قال حافظات للغيب بما استودعهن الله من حقه وحافظات لغيب أزواجهن وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال ) حافظات للغيب ( للأزواج وأخرج ابن جرير عن السدى قال تحفظ على زوجها ماله وفرجها حتى يرجع كما أمرها الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس ) واللاتي تخافون نشوزهن ( قال تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره فأمره الله أن يعظها ويذكرها بالله ويعظم حقه عليها فإن قبلت وإلا هجرها في المضجع ولا يكلمها من غير أن يذر نكاحها وذلك عليها تشديد فإن رجعت وإلاضربها ضربا غير مبرح ولا يكسر لها عظما ولا يجرح بها جرحا ) فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( يقول إذا أطاعتك فلا تتجنى عليها العلل وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) واهجروهن في المضاجع ( قال لا يجامعها وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عنه قال يهجرها بلسانه ويغلظ لها بالقول ولا يدع الجماع وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج ابن جرير عن عطاء أنه سأل ابن عباس عن الضرب غير المبرح فقال بالسواك ونحوه وقد أخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن الأحوص أنه شهد خطبة الوداع مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفيها أنه قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوار عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا


"""""" صفحة رقم 463 """"""
غير مبرح ) فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبدالله بن زمعة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم )
النساء 35
النساء : ( 35 ) وإن خفتم شقاق . . . . .
قد تقدم معنى الشقاق في البقرة وأصله أن كل واحد منهم يأخذ شقا غير شق صاحبه أي ناحية غير ناحيته وأضيف الشقاق إلى الظرف لإجرائه مجرى المفعول به كقول تعالى ) بل مكر الليل والنهار ( وقوله يا سارق الليلة أهل الدار
والخطاب للأمراء والحكام والضمير في قوله ( بينهما ) للزوجين لأنه قد تقدم ذكر ما يدل عليهما وهو ذكر الرجال والنساء ( فابعثوا ) إلى الزوجين ( حكما ) يحكم بينهما ممن يصلح لذلك عقلا ودينا وأنصافا وإنما نص الله سبحانه على أن الحكمين يكونان من أهل الزوجين لأنهما أقعد بمعرفة أحوالهما وإذا لم يوجد من أهل الزوجين من يصلح للحكم بينهما كان الحكمان من غيرهم وهذا إذا أشكل أمرهما ولم يتبين من هو المسيء منهما فأما إذا عرف المسيء فإنه يؤخذ لصاحبه الحق منه وعلى الحكمين أن يسعيا في إصلاح ذات البين جهدهما فإن قدرا على ذلك عملا عليه وإن أعياهما إصلاح حالهما ورأيا التفريق بينهما جاز لهما ذلك من دون أمر من الحاكم في البلد ولا توكيل بالفرقة من الزوجين وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق وهو مروي عن عثمان وعلي وابن عباس والشعبي والنخعي والشافعي وحكاه ابن كثير عن الجمهور قالوا لأن الله قال ) فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ( وهذا النص من الله سبحانه أنهما قاضيان لا وكيلان ولا شاهدان وقال الكوفيون وعطاء وابن زيد والحسن وهو أحد قولي الشافعي إن التفريق هو إلى الإمام أو الحاكم في البلد لا إليهما ما لم يوكلهما الزوجان أو يأمرهما الإمام والحاكم لأنهما رسولان شاهدان فليس إليهما التفريق ويرشد إلى هذا قوله ) إن يريدا ( أي الحكمان ) إصلاحا ( بين الزوجين ) يوفق الله بينهما ( لاقتصاره على ذكر الإصلاح دون التفريق ومعنى ) إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ( أي قوع الموافقة بين الزوجين حتى يعودا إلى الألفة وحسن العشرة ومعنى الإرادة خلوص نيتهما لصلاح الحال بين الزوجين وقيل إن الضمير في قوله ) يوفق الله بينهما ( للحكمين كما في قوله ) إن يريدا إصلاحا ( أي يوفق بين الحكمين في اتحاد كلمتهما وحصول مقصودهما وقيل كلا الضميرين للزوجين أي إن يريدا إصلاح ما بينهما من الشقاق أوقع الله بينهما الألفة والوفاق وإذا اختلف الحكمان لم ينفذ حكمهما ولا يلزم قبول قولهما بلا خلاف
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) وإن خفتم شقاق بينهما ( قال هذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما أمر الله أن تبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ورجلا مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا إمرأته عنه وقسروه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قسروها على زوجها ومنعوها النفقة فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز فإن رأيا أن يجمعا فرضى أحد الزوجين وكره الآخر ذلك ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي كره ولا يرث الكاره الراضي ) إن يريدا إصلاحا ( قال هما الحكمان ) يوفق الله بينهما ( وكذلك كل مصلح يوفقه للحق والصواب وأخرج الشافعي في الأم وعبدالرزاق في المصنف وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن


"""""" صفحة رقم 464 """"""
أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عبيدة السلماني في هذه الآية قال جاء رجل وامرأة إلى علي ومعهما فئام من الناس فأمرهم علي فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ثم قال للحكمين تدريان ما عليكما عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا قالت المرأة رضيت بكتاب الله بما علي فيه ولي وقال الرجل أما الفرقة فلا فقال كذبت والله حتى تقر مثل الذي أقرت به وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال بعثت أنا ومعاوية حكمين فقيل لنا إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما والذي بعثهما عثمان وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن قال إنما يبعث الحكمان ليصلحا ويشهدا على الظالم بظلمه فأما الفرقة فليست بأيديهما وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه وأخرج البيهقي عن علي قال إذا حكم أحد الحكمين ولم يحكم الآخر فليس حكمه بشيء حتى يجتمعا
النساء 36
النساء : ( 36 ) واعبدوا الله ولا . . . . .
قد تقدم بيان معنى العبادة وشيئا إما مفعول له أي لا تشركوا به شيئا من الأشياء من غير فرق بين حي وميت وجماد وحيوان وإما مصدر أي لا تشركوا به شيئا من الإشراك من غير فرق بين الشرك الأكبر والأصغر والواضح والخفي وقوله ) إحسانا ( مصدر لفعل محذوف أي أحسنوا بالوالدين إحسانا وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع وقد دل ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد الأمر بعبادة الله والنهي عن الإشراك به علي عظم حقهما ومثله ) أن اشكر لي ولوالديك ( فأمر سبحانه بأن يشكرا معه قوله ) وبذي القربى ( أي صاحب القرابة وهو من يصح إطلاق اسم القربى عليه وإن كان بعيدا ) واليتامى والمساكين ( قد تقدم تفسيرهم والمعنى وأحسنوا بذي القربى إلى آخر ما هو مذكور في هذه الآية ) والجار ذي القربى ( أي القريب جواره وقيل هو من له مع الجوار في الدار قرب في النسب ) والجار الجنب ( المجانب وهو مقابل للجار ذي القربى والمراد من يصدق عليه مسمى الجوار مع كون داره بعيدة وفي ذلك دليل على تعميم الجيران بالإحسان إليهم سواء كانت الديار متقاربة أو متباعدة وعلى أن الجوار حرمة مرعية مأمور بها وفيه رد من على يظن أن الجار مختص بالملاصق دون من بينه وبينه حائل أو مختص بالقريب دون البعيد وقيل إن المراد بالجار الجنب هنا هو الغريب وقيل هو الأجنبي الذي لا قرابة بينه وبين المجاور له وقرأ الأعمش والمفضل ) والجار الجنب ( بفتح الجيم وسكون النون أي ذي الجنب وهو الناحية وأنشد الأخفش
والناس جنب والامير جنب
وقيل المراد بالجار ذي القربي المسلم وبالجار الجنب اليهودي والنصراني
وقد اختلف أهل العلم في المقدار الذي يصدق عليه مسمى الجوار ويثبت لصاحبه الحق فروى عن الأوزاعي والحسن أنه إلى حد أربعين دارا من كل ناحية وورى عن الزهري نحوه وقيل من سمع إقامة الصلاة وقيل إذا جمعتهما محلة وقيل من سمع النداء والأولى أن يرجع في معنى الجار إلى الشرع فإن وجد فيه ما يقتضي بيانه وأنه يكون جارا إلى حد كذا من الدور أو من مسافة الأرض كان العمل عليه متعينا وإن لم يوجد رجع إلى معناه لغة أو عرفا ولم يأت في الشرع ما يفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره مقدارا كذا ولا ورد في لغة العرب أيضا


"""""" صفحة رقم 465 """"""
ما يفيد ذلك بل المراد بالجار في اللغة المجاور ويطلق على معادن قال في القاموس والجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم والمجير والمستجير والشريك في التجارة وزوج المرأة وهي جارته وفرج المرأة وما قرب من المنازل والأست كالجارة والقاسم والحليف والناصر انتهى قال القرطبي في تفسيره وروى أن رجلا جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني نزلت محلة قوم وإن أقربهم إلي جوارا أشدهم لي أذى فبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبا بكر وعمر وعليا يصيحون على أبواب المساجد ألا إن أربعين دارا جار ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) انتهى ولو ثبت هذا لكان مغنيا عن غيره ولكنه رواه كما ترى من غير عزو له إلى أحد كتب الحديث المعروفة وهو وإن كان إماما في علم الرواية فلا تقوم الحجة بما يرويه بغير سند مذكور ولا نقل عن كتاب مشهور ولا سيما وهو يذكر الواهيات كثيرا كما يفعل في تذكرته وقد ورد في القرآن ما يدل على أن المساكنة في مدينة مجاورة قال الله تعالى ) لئن لم ينته المنافقون ( إلى قوله ) ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ( فجعل اجتماعهم في المدينة جوارا وأما الأعراف في مسمى الجوار فهي تختلف باختلاف أهلها ولا يصح حمل القرآن على أعراف متعارفة واصطلاحات متواضعة قوله ) والصاحب بالجنب ( قيل هو الرفيق في السفر قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي ليلى هو الزوجة وقال ابن جريج هو الذي يصحبك ويلزمك رجاء نفعك ولا يبعد أن تتناول الآية جميع ما في هذه الأقوال مع زيادة عليها وهو كل من صدق عليه أنه صاحب بالجنب أي بجنبك كمن يقف بجنبك في تحصيل علم أو تعلم صناعة أو مباشرة تجارة أو نحو ذلك قوله ) وابن السبيل ( قال مجاهد هو الذي يجتاز بك مارا والسبيل الطريق فنسب المسافر إليه لمروره عليه ولزومه إياه فالأولى تفسيره بمن هو على سفر فإن على المقيم أن يحسن إليه وقيل هو المنقطع به وقيل هوالضيف قوله ) وما ملكت أيمانكم ( أي وأحسنوا إلى ما ملكت أيمانكم إحسانا وهم العبيد والإماء وقد أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأنهم يطعمون مما يطعم مالكهم ويلبسون مما يلبس والمختال ذو الخيلاء وهو الكبر والتيه أي لا يحب من كان متكبرا تائها على الناس مفتخرا عليهم والفخر المدح للنفس والتطاول لعديد المناقب وخص هاتين الصفتين لأنهما يحملان صاحبهما على الأنفة مما ندب الله إليه في هذه الآية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان من طرق عن ابن عباس في قوله ) والجار ذي القربى ( يعني الذي بينك وبينه قرابة ) والجار الجنب ( يعني الذي ليس بينك وبينه قرابة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن نوف البكالي قال الجار ذي القربى المسلم والجار الجنب اليهودي والنصراني وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) والصاحب بالجنب ( قال الرفيق في السفر وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ومجاهد مثله وأخرج الحكيم والترمذي في نوادر الأصول وابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم ) والصاحب بالجنب ( قال هو جليسك في الحضر ورفيقك في السفر وامرأتك التي تضاجعك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي قال هو المرأة وأخرج هؤلاء والطبراني عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وما ملكت أيمانكم ( قال مما خولك الله فأحسن صحبته كل هذا أوصى الله به وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل نحوه وقد ورد مرفوعا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بر الوالدين وفي صلة القرابة وفي الإحسان إلى اليتامى وفي الإحسان إلى الجار وفي القيام بما يحتاجه المماليك أحاديث كثيرة


"""""" صفحة رقم 466 """"""
قد اشتملت عليها كتب السنة لا حاجة بنا إلى بسطها هنا وهكذا ورد في ذم الكبر والاختيال والفخر ما هو معروف
النساء 37 42
النساء : ( 37 ) الذين يبخلون ويأمرون . . . . .
قوله ) الذين يبخلون ( هم في محل نصب بدلا من قوله ) من كان مختالا ( أو على الذم أو في محل رفع على الابتداء والخبر مقدر أي لهم كذا وكذا من العذاب ويجوز أن يكون مرفوعا بدلا من الضمير المستتر في قوله ) مختالا فخورا ( ويجوز أن يكون منصوبا على تقدير أعني أو مرفوعا على الخبر والمبتدأ مقدر أي هم الذين يبخلون والجملة في محل نصب على البدل والبخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله وهؤلاء المذكورون في هذه الآية ضموا إلى ما وقعوا فيه من البخل الذي هو أشر خضال البشر ما هو أقبح منه وأدل على سقوط نفس فاعله وبلوغه في الرذالة إلى غايتها وهو أنهم مع بخلهم بأموالهم وكتمهم لما أنعم الله به عليهم من فضله ) ويأمرون الناس بالبخل ( كأنهم يجدون في صدورهم من جود غيرهم بماله حرجا ومضاضة فلأكثر في عباده من أمثالكم هذه أموالكم قد بخلتم بها لكونكم تظنون أنتقاصها بإخراج بعضها في مواضعه فما بالكم بخلتم بأموال غيركم مع أنه لا يلحقكم في ذلك ضرر وهل هذا إلا غاية اللوم ونهاية الحمق والرفاعة وقبح الطباع وسوء الاختيار وقد تقدم اختلاف القراءات في البخل وقد قيل إن المراد بهذه الآية اليهود فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال وكتمان ما أنزل الله في التوراة وقيل المراد بها المنافقون ولا يخفى أن اللفظ أوسع من ذلك وأكثر شمولا وأعم فائدة
النساء : ( 38 ) والذين ينفقون أموالهم . . . . .
قوله ) والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ( عطف على قوله ) الذين يبخلون ( ووجه ذلك أن الأولين قد فرطوا بالبخل وبأمر الناس به وبكتم ما آتاهم الله من فضله وهؤلاء أفرطوا ببذل أموالهم في غير مواضعها لمجرد الرياء والسمعة كما يفعله من يريد أن يتسامع الناس بأنه كريم ويتطاول على غيره بذلك ويشمخ بأنفه عليه مع ما ضم إلى هذا الإنفاق الذي يعود عليه بالضرر من عدم الإيمان بالله وباليوم الآخر قوله ) ومن يكن الشيطان له قرينا ( في الكلام إضمار والتقدير ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فقرينهم الشيطان ) ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ( والقرين المقارن والصاحب والخليل والمعنى من قبل من الشيطان في الدنيا فقد قارنه فيها أو فهو قرينه في النار فساء الشيطان قرينا
النساء : ( 39 ) وماذا عليهم لو . . . . .
) وماذا عليهم ( أي على هذه الطوائف ) لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا من ما رزقهم ( ابتغاء لوجهه وامتثالا لأمره أي وماذا يكون عليهم من ضرر لو فعلوا ذلك


"""""" صفحة رقم 467 """"""
النساء : ( 40 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( المثقال مفعال من الثقل كالمقدار من القدر وهو منتصب على أنه نعت لمفعول محذوف أي لا يظلم شيئا مثقال ذرة والذرة واحدة الذر وهي النمل الصغار وقيل رأس النملة وقيل الذرة الخردلة وقيل كل جزء من أجزاء الهباء الذي يظهر فيما يدخل من الشمس من كوة أو غيرها ذرة والأول هو المعنى اللغوي الذي يجب حمل القرآن عليه والمراد من الكلام أن الله لا يظلم كثيرا ولا قليلا أي لا يبخسهم من ثواب أعمالهم ولا يزيد في عقاب ذنوبهم وزن ذرة فضلا عما فوقها قوله ) وإن تك حسنة يضاعفها ( قرأ أهل الحجاز حسنة ) بالرفع وقرأ من عداهم بالنصب والمعنى على القراءة الأولى إن توجد حسنة على أن ( كان ) هي التامة لا الناقصة وعلى القراءة الثانية إن تك فعلته حسنة فيضاعفها وقيل إن التقدير إن تك مثقال الذرة حسنة وأنث ضمير المثقال لكونه مضافا إلى المؤنث والأول أولى وقرأ الحسن ( نضاعفها ) بالنون وقرأ الباقون بالياء وهي الأرجح لقوله ) ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( وقد تقدم الكلام في المضاعفة والمراد مضاعفة ثواب الحسنة
النساء : ( 41 ) فكيف إذا جئنا . . . . .
قوله ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( كيف منصوبة بفعل مضمر كما هو رأي سيبويه أو محلها رفع على الابتداء كما هو رأي غيره والإشارة بقوله ) هؤلاء ( إلى الكفار وقيل إلى كفار قريش خاصة والمعنى فيكف يكون حال هؤلاء الكفار يوم القيامة إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وهذا الاستفهام مهناه التوبيخ والتقريع
النساء : ( 42 ) يومئذ يود الذين . . . . .
) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ( قرأ نافع وابن عامر ) تسوى ( بفتح التاء وتشديد السين وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء وتخفيف السين وقرأ الباقون بضم التاء وتخفيف السين والمعنى على القراءة الأولى والثانية أن الأرض هي التي تسوى بهم أي أنهم تمنوا لو انفتحت الأرض فساخوا فيها وقيل الباء قوله ) بهم ( بمعنى على أي تسوى عليهم الأرض وعلى القراءة الثالثة الفعل مبني للمفعول أي لو سوى الله بهم الأرض فيجعلهم والأرض سواء حتى لا يبعثوا قوله ) ولا يكتمون الله حديثا ( عطف على ) يود ( أي يومئذ يود الذين كفروا ويومئذ لا يكتمون الله حديثا ولا يقدرون على ذلك قال الزجاج قال بعضهم ) ولا يكتمون الله حديثا ( مستأنف لأن ما عملوه ظاهر عند الله لا يقدرون على كتمانه وقال بعضهم هو معطوف والمعنى يودون أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا لأنه ظهر كذبهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان كردم بن يزيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار يتنصحون لهم فيقولون لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم الفقر في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله فيهم ) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ( إلى قوله ) وكان الله بهم عليما ( وقد خرج ابن أبي حاتم عنه أنها نزلت في اليهود وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وأخرجه ابن جرير عن سعيد بن جبير وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( قال رأس نملة حمراء وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) وإن تك حسنة ( وزن ذرة زادت في سياته ) يضاعفها ( فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبدا وأخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( اقرا علي قلت يا رسول الله آقرأ عليك وعليك أنزل قال نعم إني أحب أن اسمعه من غيري فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( قال حسبك الآن فإذا عيناه تذرفان ) وأخرجه الحاكم وصححه من حديث عمرو بن حريث


"""""" صفحة رقم 468 """"""
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) لو تسوى بهم الأرض ( يعني أن تسوى الأرض بالجبال والأرض عليهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية يقول ودوا لو انخرقت بهم الأرض فساخوا فيها وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يكتمون الله حديثا ( قال بجوارحهم
النساء 43
النساء : ( 43 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( جعل الخطاب خاصا بالمؤمنين لأنهم كانوا يقربون الصلاة حال السكر وأما الكفار فهم لا يقربونها سكارى ولا غير سكارى قوله ( لا تقربوا ) قال أهل اللغة إذا قيل لا تقرب بفتح الراء معناه لا تتلبس بالفعل وإذا كان بضم الراء كان معناه لا تدن منه والمراد هنا النهى عن التلبس بالصلاة وغشيانها وبه قال جماعة من المفسرين وإليه ذهب أبو حنيفة وقال آخرون المراد مواضع الصلاة وبه قال الشافعي وعلى هذا فلا بد من تقدير مضاف ويقوى هذا قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( وقالت طائفة المراد الصلاة ومواضعها معا لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة ولا يصلون إلا مجتمعين فكانا متلازمين قوله ) وأنتم سكارى ( الجملة في محل نصب على الحال وسكارى جمع سكرا مثل كسالي جمع كسلان وقرأ النخعي ( سكرى ) بفتح السين وهو تكسير سكران وقرأ الأعمش ( سكرى ) كحبلى صفة مفردة وقد ذهب العلماء كافة إلى أن المراد بالسكر هنا سكر الخمر إلا الضحاك فإنه قال المراد سكر النوم وسيأتي بيان سبب نزول الآية وبه يندفع ما يخالف الصواب من هذه الأقوال قوله ( حتى تعلموا ما تقولون ) هذا غاية النهى عن قربان الصلاة في حال السكر أي حتى يزول عنكم أثر السكر وتعلموا ما تقولونه فإن السكران لا يعلم ما يقوله وقد تمسك بهذا من قال إن طلاق السكران لا يقع لأنه إذا لم يعلم ما يقوله انتفى القصد وبه قال عثمان بن عفان وابن عباس وطاوس وعطاء والقاسم وربيعة وهو قول الليث بن سعد وإسحاق وأبي ثور والمزنى واختاره الطحاوى وقال أجمع العلماء على أن طلاق المعتوه لا يجوز والسكران معتوه كالموسوس وأجازت طائفة وقوع طلاقه وهو محكى عن عمر بن الخطاب ومعاوية وجماعة من التابعين وهو قول أبي حنيفة والثورى والأوزاعى واختلف قول الشافعى في ذلك وقال مالك يلزمه الطلاق والقود في الجراح والقتل ولا يلزمه النكاح والبيع قوله ( ولا جنبا ) عطف على محل الجملة الحالية وهي قوله ( وأنتم سكارى ) والجنب لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع لأنه ملحق بالمصدر كالبعد والقرب قال الفراء يقال جنب الرجل وأجنب من الجنابة وقيل يجمع الجنب في لغة على أجناب مثل عنق وأعناق وطنب وأطناب وقوله ( إلا عابرى سبيل ) استثناء مفرغ أي لا تقربوها في حال من الأحوال إلا في حال عبور السبيل المراد به هنا السفر ويكون محل هذا الأستثناء المفرغ النصب على الحال من ضمير لا تقربوا بعد تقييده بالحال الثانية وهي قوله ( وجنبا ) لا بالحال الأولى وهي قوله ( وأنتم سكارى ) فيصير المعنى


"""""" صفحة رقم 469 """"""
لاتقربوا الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال السفر فإنه يجوز لكم أن تصلوا بالتيمم وهذا قول على وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم وقالوا لا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال إلا المسافر فإنه يتيمم لأن الماء قد يعدم في السفر لا في الحضر فإن الغالب أنه لا يعدم وقال ابن مسعود وعكرمة والنخعي وعمرو بن دينار ومالك والشافعي عابر السبيل هو المجتاز في المسجد وهو مروي عن ابن عباس فيكون معنى الآية على هذا لا تقربوا مواضع الصلاة وهى المساجد في حال الجنابة إلا أن تكون مجتازين فيها من جانب إلى جانب وفي القول الأول قوة من جهة كون الصلاة فيه باقية على معنها الحقيقي وضعف من جهة ما في حمل عابر السبيل على المسافر وإن معناه أنه يقرب الصلاة عند عدم الماء بالتيمم فإن هذا الحكم يكون في الحاضر إذا عدم الماء كما يكون في المسافر وفي القول الثاني قوة من جهة عدم التكلف في معنى قوله ) إلا عابري سبيل ( وضعف من جهة حمل الصلاة على مواضعها وبالجملة فالحال الأولى أعنى قوله ) وأنتم سكارى ( تقوى بقاء الصلاة على معناها الحقيقي من دون تقدير مضاف وكذلك ما سيأتي من سبب نزول الآية يقوى ذلك وقوله ) إلا عابري سبيل ( يقوى تقدير المضاف أي لا تقربوا مواضع الصلاة ويمكن أن يقال إن بعض قيود النهى أعنى ) لا تقربوا ( وهو قوله ) وأنتم سكارى ( يدل على ان المراد بالصلاة معناها الحقيقي وبعض قيود النهي وهو قوله ) إلا عابري سبيل ( يدل على ان المراد مواضع الصلاة ولا مانع من اعتبار كل واحد منهما مع قيده الدال عليه ويكون ذلك بمنزلة نهيين مقيد كل واحد منهما بقيد وهما لا تقربوا الصلاة التي هي ذات الأذكار والأركان وأنتم سكارى ولا تقربوا موضع الصلاة حال كونكم جنبا إلا حال عبوركم في المسجد من جانب إلى جانب وغايه ما يقال في هذا انه من الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو جائز بتأويل مشهور وقال ابن جرير بعد حكايته للقولين والأولى قول من قال ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( إلا مجتازي طريق فيه وذلك انه قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله ) وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ( فكان معلوما بذلك أي ان قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ( لو كان معنيا به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله ) وإن كنتم مرضى أو على سفر ( معنى مفهوم وقد مضى ذكر حكمه قبل ذلك فإن كان ذلك كذلك فتأويل الآية يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا المساجد للصلاة مصلين فيها وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا تقربوها أيضا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل قال و العابر السبيل المجتاز مرا وقطعا يقال منه عبرت هذا الطريق فأنا اعبره عبرا وعبورا ومنه قيل عبر فلان النهر إذا قطعه وجاوزه ومنه قيل للناقة القوية هي عبر اسفار لقوتها على قطع الأسفار قال ابن كثير وهذا الذي نصره يعني ابن جرير هو قول الجمهور وهو الظاهر من الآية انتهى قوله ) حتى تغتسلوا ( غاية للنهى عن قربان الصلاة أو مواضعها حال الجناية والمعنى لاتقربوا حال الجناية حتى تغتسلوا إلا حال عبوركم السبيل قوله ) وإن كنتم مرضى ( المرض عبارة عن خروج البدن عن حد الاعتدال والاعتياد إلى الاعوجاج والشذوذ وهو على ضربين كثير ويسير والمراد هنا ان يخاف على نفسه التلف أو الضرر باستعمال الماء أو كان ضعيفا في بدنه لا يقدر على الوصول إلى موضع الماء وروى عن الحسن انه يتطهر وإن مات وهذا باطل يدفعه قوله تعالى ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( قوله ) ولا تقتلوا أنفسكم ( وقوله ) يريد الله بكم اليسر ( قوله ) أو على سفر ( فيه جواز التيمم لمن صدق عليه اسم المسافر والخلاف مبسوط في كتب الفقه وقد ذهب الجمهور إلى انه لا يشترط ان يكون سفر قصر وقال قوم لا بد من ذلك وقد أجمع العلماء على جواز التيمم للمسافر واختلفوا


"""""" صفحة رقم 470 """"""
في الحاضر فذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفه ومحمد إلى انه يجوز في الحضر والسفر وقال الشافعي لا يجوز للحاضر الصحيح ان يتيمم إلا ان يخاف التلف قوله ) أو جاء أحد منكم من الغائط ( هو المكان المنخفض والمجيء منه كناية عن الحدث والجمع الغيطان والأغواط وكانت العرب تقصد هذا الصنف من المواضع لقضاء الحاجة تسترا عن أعين الناس ثم سمى الحدث الخارج من الإنسان غائطا توسعا ويدخل في الغائط جميع الأحداث الناقضة للوضوء قوله ) أو لامستم النساء ( قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر ) لامستم ( وقرأ حمزة والكسائي ? لمستم ? قيل المراد بها بما في القراءتين الجماع وقيل المراد به مطلق المباشرة وقيل انه يجمع الأمرين جميعا وقال محمد بن يزيد المبرد الأول في اللغة أن يكون ) لامستم ( بمعن قبلتم ونحوه و ? لمستم ? بمعنى غشيتم واختلف العلماء في معنى ذلك على أقوال فقالت فرقة الملامسة هنا مختصة باليد دون الجماع قالوا والجنب لا سبيل له إلى التيمم بل يغتسل أو يدع الصلاة حتى يجد الماء وقد روى هذا عن عمر بن الخطاب وابن مسعود قال ابن عبد البر لم يقل بقولهما في هذه المسئلة أحد من فقهاء الأمصار من أهل الرأي وحملة الآثار انتهى وأيضا الأحاديث الصحيحة تدفعه وتبطله كحديث عمار وعمران بن حصين وأبي ذر في تيمم الجنب وقالت طائفة هو الجماع كما في قوله ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقوله وإ ن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وهو مروى عن علي وأبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حبان وابي حنيفة وقال مالك الملامس بالجماع يتيمم والملامس باليد يتيمم إذا التذ فإن لمسها بغير شهوة فلا وضوء وبه قال أحمد وإسحاق وقال الشافعي إذا افضى الرجل بشيء من بدنه إلى بدن المرأة سواء كان باليد أو غيرها من أعضاء الجسد انتقضت به الطهارة وإلا فلا وحكاه القرطبي عن ابن مسعود وابن عمر والزهري وربيعة وقال الأوزاعي إذا كان اللمس باليد نقض الطهر وإن كان بغير اليد لم ينقضه لقوله تعالى ) فلمسوه بأيديهم ( وقد احتجوا بحجج تزعم كل طائفة ان حجتها تدل على ان الملامسة المذكورة في ألاية هي ما ذهبت إليه وليس الأمر كذلك فقد اختلف الصحابة ومن بعدهم في معنى الملامسة المذكورة في الآية و على فرض انها ظاهرة في الجماع فقد ثبتت القراءة المروية عن حمزة والكسائي بلفظ ? أو لمستم ? وهي محتملة بلا شك ولا شبهة ومع الاحتمال فلا تقوم الحجة بالمحتمل وهذا الحكم تعم به البلوى ويثبت به التكليف العام فلا يحل إثباته بمحتمل قد وقد وقع النزاع في مفهومه وإذا عرفت هذا فقد ثبتت السنة الصحيحة بوجوب التيمم على من اجتنب ولم يجد الماء فكان الجنب داخلا في الآية بهذا الدليل وعلى فرض عدم دخوله فالسنة تكفي في ذلك وأما وجوب الوضوء أو التيمم على من لمس المرأة بيده أو بشيء من بدنه فلا يصح القول به استدلالا بهذه الآية لما عرفت من الاحتمال وأما ما استدلوا به من انه ( صلى الله عليه وسلم ) أتاه رجل فقال يا رسول الله ما تقول في رجل لقي امرأة لا يعرفها وليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها غير انه لم يجامعها فأنزل الله اقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين أخرجه أحمد والترمذي والنسائي من حديث معاذ قالوا فأمره بالوضوء لأنه لمس المرأة ولم يجامعها ولا يخفاك انه لا دلالة بهذا الحديث على محل النزاع فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنما أمره بالوضوء ليأتي بالصلاة التي ذكرها الله سبحانه وفي هذه الآية إذ لا صلاة إلا بوضوء وأيضا فالحديث منقطع لأنه من رواية ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يلقه وإذا عرفت هذا فالأصل البراءة عن هذا الحكم فلا يثبت إلا بدليل خالص عن الشوائب الموجبة لقصوره عن الحجة وأيضا قد ثبت عن عائشة من طرق انها قالت ( كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتوضأ ثم يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ ) وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة رواه أحمد وابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن ماجه


"""""" صفحة رقم 471 """"""
وما قيل من انه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة ولم يسمع من عروة فقد رواه أحمد في مسنده من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ورواه ابن جرير من حديث ليث عن عطاء عن عائشة ورواه أحمد أيضا وأبو داود والنسائي من حديث أبي روق المهداني عن إبراهيم التيمي عن عائشة ورواه أيضا ابن جرير من حديث أم سلمة ورواه أيضا من حديث زينب السهمية ولفظ حديث أم سلمة ( ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقبلها وهو صائم ولا يفطر ولا يحدث وضوءا ) ولفظ حديث زينب السهمية ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقبل ثم يصلي ولا يتوضأ ) ورواه أحمد عن زينب السهمية عن عائشة قوله ( فلم تجدوا ماء ) هذا القيد إن كان راجعا إلى جميع ما تقدم مما هو مذكور بعد الشرط وهو المرض والسفر والمجيء من الغائط وملامسة النساء كان فيه دليل على ان المرض والسفر بمجردهما لا يسوغان التيمم بل لابد مع وجود أحد السببين من عدم الماء فلا يجوز للمريض أن يتيمم إلا إذا لم يجد الماء ولا يجوز للمسافر ان يتيمم إلا إذا لم يجد ماء ولكنه يشكل على هذا ان الصحيح كالمريض إذا لم يجد الماء تيمم وكذلك المقيم كالمسافر إذا لم يجد الماء تيمم فلا بد من فائدة في التنصيص على المرض والسفر فقيل وجه التنصيص عليهما أن المرض مظنة للعجز عن الوصول إلى الماء وكذلك المسافر عدم الماء في حقه غالب وإن كان راجعا إلى الصورتين الأخيرتين اعني قوله ( أو جاء أحد منكم من الغائظ أو لامستم النساء ) كما قال بعض المفسرين كان فيه إشكال وهو ان من صدق عليه اسم المريض أو المسافر جاز له التيمم وان كان واجدا للماء قادرا على استعماله وقد قيل انه رجع هذا القيد إلى الآخرين مع كونه معتبرا في الأولين لندرة وقوعه فيهما وانت خبير بأن هذا كلام ساقط وتوجيه بارد وقال مالك ومن تابعه ذكر الله المرض والسفر في شرط التيمم اعتبارا بالأغلب في من لم يجد الماء بخلاف الحاضر فإن الغالب وجوده فلذلك لم ينص الله سبحانه عليه انتهى والظاهر ان المرض بمجرده مسوغ للتيمم ان كان الماء موجودا إذا كان يتضرر باستعماله في الحال أو في المآل ولا يعتبر خشية التلف فالله سبحانه يقول يريد الله بكم اليسر ويقول وما جعل عليكم في الدين من حرج والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( الدين يسر ) ويقول ( يسروا ولا تعسروا وقال ( قتلوه قتلهم الله ) ويقول ( أمرت بالشريعة السمحة ) فإذا قلنا ان قيد عدم وجود الماء راجع إلى الجميع كان وجه التنصيص على المرض هو انه يجوز له التيمم والماء حاضر موجود إذا كان استعماله يضره فيكون اعتبار ذلك القيد في حقه إذا كان استعماله لا يضره فإن في مجرد المرض مع عدم الضرر باستعمال الماء ما يكون مظنة لعجزه عن الطلب لأنه يلحقه بالمرض نوع ضعف وأما وجه التنصيص على المسافر فلا شك ان الضرب في الأرض مظنة لإعواز الماء في بعض البقاع دون بعض قوله ( فتيمموا ) التيمم لغة القصد يقال تيممت الشي قصدته وتيممت الصعيد تعمدته وتيممته بسهمى ورمحى قصدته دون من سواه وأنشد الخليل يممته الرمح شزرا ثم قلت له
هذي البسالة لا لعب الزحاليق
وقال امرؤ القيس تيممتها من اذرعات وأهلها
بيثرب ادنى دارها نطر عالى
وقال تيممت العين التي عند ضارج
يفئ عليها الظل عرمضها ظامي
قال ابن السكيت قوله ( فتيمموا ) أي اقصدوا ثم كثر استعمال هذه الكلمة حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب وقال ابن الأنباري في قولهم قد تيمم الرجل معناه قد مسح التراب على الوجهه وهذا خلط منهما للمعنى اللغوي بالمعنى الشرعي فإن العرب لا تعرف التيمم بمعنى مسح الوجه واليدين وإنما هو معنى شرعي


"""""" صفحة رقم 472 """"""
فقط وظاهر الأمر الوجوب وهو مجمع على ذلك والأحاديث في هذا الباب كثيرة وتفاصيل التيمم وصفاته مبينة في السنة المطهرة ومقالات أهل العلم مدونه في كتب الفقه قوله ( صعيدا ) الصعيد وجه الأرض سواء كان عليه تراب أو لم يكن قاله الخليل وابن الأعرابي والزجاج قال الزجاج لا أعلم فيه خلافا بين أهل اللغة قال الله تعالى وأنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا أي أرضا غليظة لا تنبت شيئا وقال تعالى ) فتصبح صعيدا زلقا ( وقال ذو الرمة انه بالضحى يرمي الصعيد به
ونابه في عظام الرأس خرطوم
وإنما سمى صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض وجمع الصعيد صعدات
وقد اختلف أهل أعلم فيما يجزئ التيمم به فقال مالك وأبو حنيفة والثوري والطبري انه يجزئ بوجه الأرض كله ترابا كان أو رملا أو حجارة وحملوا قوله 0 طيبا ) على الطاهر الذي ليس بنجس وقال الشافعي وأحمد وأصحابهما انه لا يجزئ التيمم إلا بالتراب واستدلوا بقوله تعالى ) صعيدا زلقا ( أي ترابا املس طيبا وكذلك استدلوا بقوله 0 طيبا ) قالوا والطيب التراب الذ ينبت وقد تنوزع في معنى الطيب فقيل الطاهر كما تقدم وقيل المنبت كما هنا وقيل الحلال والمحتمل لا تقوم به حجة ولو لم يوجد في الشيء الذي يتيمم به إلا ما في الكتاب العزيز لكان الحق ما قاله الأولون لكن ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( فضلنا الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا ا لارض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا ظهورا إذا لم نجد الماء ) وفي لفظ ( وجعل ترابها لنا ظهورا ) فهذا مبين لمعنى الصعيد المذكور في الآية أو مخصص لعمومه أو مقيد لإطلاقه ويؤيد هذا ما حكاه ابن فارس عن كتاب الخليل تيمم بالصعيد أي أخذ من غباره انتهى والحجر الصلد لا غبار له قوله ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) هذا المسح مطلق يتناول المسح بضربة أو بضربتين ويتناول المسح إلى المرفقين أو إلى الرسغين وقد بينته السنة بيانا شافيا وقد جمعنا بين ما ورد في المسح بضربة وبضربتين وما ورد في المسح إلى الرسغ وإلى المرفقين في شرحنا للمنتقي وغيره من مؤلفاتنا بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره قوله ) إن الله كان عفوا غفورا ( أي عفا عنكم وغفر لكم تقصيركم ورحمكم بالترخيص لكم والتوسعة عليكم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن علي بن أبي طالب قال صنع لنا عبدالرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ان الذي صلى بهم عبدالرحمن وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبدالرحمن بن عوف وسعد صنع لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا ثم صلى بهم المغرب فقرأ ) قل يا أيها الكافرون ( حتى ختمها فقال ليس لي دين وليس لكم دين فنزلت وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي و البيهقي في سننه عن ابن عباس في هذه الآية قال نسختها ) إنما الخمر والميسر ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال لم يعن بها الخمر إنما عنى بها سكر النوم وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ) وأنتم سكارى ( قال النعاس وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة في المصنف وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن علي قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( قال نزلت في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي وفي لفظ قال لا يقرب الصلاة إلا أن يكون


"""""" صفحة رقم 473 """"""
مسافرا تصيبه الجنابة فلا يجد الماء فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في الآية يقول لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إذا وجدتم الماء فإن لم تجدوا الماء فقد أحللت ان تمسحوا بالأرض وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال لا يمر الجنب ولا الحائض في المسجد إنما أنزلت ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( للمسافر يتيمم ثم يصلي وأخرج الدارقطني والطبراني وابو نعيم في المعرفة وابن مردويه وبي في سننه والضياء في المختارة عن الأسلع بن شريك قال كنت ارحل ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأصابتني جنابة في ليلة باردة وأراد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الرحلة فكرهت ان أرحل ناقة وأنا جنب وخشيت ان ا غتسل بالماء البارد فأموت أو أمرض فامرت رجلا من الأنصار فرحلها ثم رضفت احجارا فاسخنت بها ماء فاغتسلت ثم لحقت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه فقال يا اسلع ما لى أرى راحلتك تغيرت قلت يارسول الله لم ارحلها رحلها رجل من الأنصار قال ولم قلت اني اصابتني جنابة فخشيت القر على نفسي فامرته ان يرحلها ورضفت احجارا فأسخنت بها ماء فاغتسلت به فانزل الله ) يا أيها الذين آمنوا ( إلى قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( وأخرج ابن سعد و عبد بن حميد وابن جرير والطبراني والبيهقي من وجه آخر عن اسلع قال كنت أخدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأرحل له ققال لي فات ليلة يا أسلع قم فارحل لي قلت يا رسول الله أصابتني جنابة فسكت عني ساعة حتى جاء جبريل بآية الصعيد فقال قم يا اسلع فتيمم ) الحديث وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء الخرساني عن ابن عباس ( لا تقربوا الصلاة ) قال المساجد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق عطاء الخرساني عنه ( ولا جنبا إلاعابري سبيل قال لا تدخلوا المسجد وأنتم جنبا إلا عابري سبيل قال تمر به مرا ولا تجلس وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود نحوه وأخرج عبدالرزاق و البيهقي في سننه عنه انه كان يرخص للجنب ان يمر في المسجد ولا يجلس فيه ثم قرأ قوله ) ولا جنبا إلا عابري سبيل ( وأخرج البيهقي عن أنس نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير و البيهقي عن جابر قال كان أحدنا يمر في المسجد وهو جنب مجتازا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن كنتم مرضى ( قال نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا فلم يستطع ان يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم فيناوله فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك له فأنزل الله هذه الآية وأخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي عن ابن عباس في قوله ) وإن كنتم مرضى ( قال هو الرجل المجدور أو به الجراح أو القرح يجنب فيخاف إن اغتسل ان يموت فيتيمم وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال نال أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جراح ففشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) وإن كنتم مرضى ( الآية وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي من طرق عن ابن مسعود في قوله ) أو لامستم النساء ( قال اللمس ما دون الجماع والقبلة منه وفيه الوضوء وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عمر انه كان يتوضأ من قبلة المرأة ويقول هي اللماس وأخرج الدارقطني والبيهقي والحاكم عن عمر قال ان القبلة من اللمس فتوضا منها وأخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن على قال اللمس هو الجماع ولكن الله كنى عنه وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن جرير وابن المذر عن سعيد بن جبير قال كنا في حجرة ابن عباس ومعنا عطاء بن أبي رباح ونفر من الموالي وعبيد بن عمير ونفر من العرب فتذاكرنا اللماس فقلت أنا وعطاء والموالي اللمس باليد وقال


"""""" صفحة رقم 474 """"""
عبيد بن عمير والعرب هو الجماع فدخلت على ابن عباس فأخبرته فقال غلبت الموالي واصابت العرب ثم قال إن اللمس والمس والمباشرة إلى الجماع ما هو ولكن الله يكنى ما شاء بما شاء وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي في سننه عن ابن عباس قال إن أطيب الصعيد أرض الحرث
النساء 44 - 48 48
النساء : ( 44 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( كلام مستأنف والخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية من المسلمسن والنصيب الحظ والمراد اليهود أوتوا نصيا من التوراة وقوله ( يشترون ) جملة حالية والمراد بالإشتراء الاستبدال وقد تقدم تحقيق معناه والمعنى ان اليهود استبدلوا الضلالة وهي البقاء على اليهودية بعد وضوح الحجة على صحة نبوة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) ويريدون أن تضلوا السبيل ( عطف على قوله ) يشترون ( مشارك له بيان سوء صنيعهم وضعف اختيارهم أي لم يكتفوا بما جنوه على أنفسهم من استبدال الضلالة بالهدي بل ارادوا مع ضلالهم ان يتوصلوا بكتمهم وجحدهم إلى ان تضلوا أنتم أيها المؤمنون السبيل المستقيم الذي هو سبيل الحق
النساء : ( 45 ) والله أعلم بأعدائكم . . . . .
) والله أعلم بأعدائكم ( أيها المؤمنون وما يريدونه بكم من الاضلال والجملة اعتراضيه ) وكفى بالله وليا ( لكم ) وكفى بالله نصيرا ( ينصركم في مواطن الحرب فاكتفوا بولايته ونصره ولا تتولوا غيره ولا تستنصروه والباء في قوله ) بالله ( في الموضعين زائدة
النساء : ( 46 ) من الذين هادوا . . . . .
قوله ) من الذين هادوا ( قال الزجاج ان جعلت متعلقة بما قبل فلا يوقف على قوله ) نصيرا ( وإن جعلت منقطعة فيجوز الوقف على ) نصيرا ( والتقدير من الذين هادوا قوم يحرفون ثم حذف وهذا مذهب سيبويه ومثله قوله الشاعر لو قلت ما في قومها لم أيثم
يفضلها في حسب وميسم
قالوا المعنى لو قلت ما في قومها أحد فضلها ثم حذف و قال الفراء المحذف لفظ من أي من الذين هادوا من يحرفون الكلم كقوله ) وما منا إلا له مقام معلوم ( أي من له ومنه قول ذي الرمة فظلوا ومنهم دمعه سابق له
أي من دمعه وأنكره المبرد والزجاج لأن حذف الموصول كحذف بعض الكلمة وقيل ان قوله ) من الذين هادوا ( بيان لقوله ) الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( والتحريف الإمالة


"""""" صفحة رقم 475 """"""
والإزالة أي يميلونه ويزيلونه عن مواضعه ويجعلون مكانه غيره أو المراد أنهم يتأولونه على غير تأويله وذمهم الله عز وجل بذلك لأنهم يفعلونه عنادا وبغيا وتأثيرا لغرض الدنيا قوله ) ويقولون سمعنا وعصينا ( أي سمعنا قولك وعصينا أمرك ) واسمع غير مسمع ( أي اسمع حال كونك غير مسمع وهو يحتمل ان يكون دعاء على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى اسمع لا سمعت ويحتمل ان يكون المعنى اسمع غير مسمع مكروها أو اسمع غير مسمع جوابا وقد تقدم الكلام في راعنا ومعنى ) ليا بألسنتهم ( أنهم يلوونها عن الحق أي يميلونها إلى ما في قلوبهم واصل اللى الفتل وهو منتصب على المصدر ويجوز ان يكون مفعولا لأجله قوله ) وطعنا في الدين ( معطوف على ليا أي يطعنون في الدين بقولهم لو كان نبيا لعلم أنا نسبه فأطلع الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) على ذلك ) ولو أنهم قالوا سمعنا ( قولك ) وأطعنا ( أمرك ) واسمع ( ما نقول ) وانظرنا ( أي لو قالوا هذا مكان قولهم راعنا ) لكان خيرا لهم ( مما قالوا ) وأقوم ( أي اعدل وأولى من قولهم الأول وهو قولهم ) سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ( لما في هذا من المخالفة وسوء الأدب واحتمال الذم في راعنا ) ولكن ( لم يسلكوا المسلك الحسن ويأتوا بما هو خير لهم وأقوم ولهذا ) لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ( أي إلا إيمانا قليلا وهو الإيمان ببعض الكتب دون بعض وببعض الرسل دون بعض
النساء : ( 47 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين أوتوا الكتاب ( ذكر سبحانه أولا أنهم أوتوا نصيبا من الكتاب وهنا ذكر أنهم أوتوا الكتاب والمراد أنهم أوتوا نصيبا منه لأنهم لم يعملوا بجميع ما فيه بل حرفوا وبدلوا وقوله ) مصدقا ( منتصب على الحال والطمس استئصال اثر الشيء ومنه وإذا النجوم طمست يقال نطمس بكسر الميم وضمها لغتان في المستقبل ويقال طمس الثر أي محاه كله ومنه ربا اطمس على أموالهم أي اهلكها ويقال هو مطموس البصر ومنه ولو نشاء لطمسنا على اعينهم أي اعميناهم و اختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين أو ذلك عبارة عن الضلالة في قلوبهم وسلبهم التوفيق فذهب إلى الأول طائفة وذهب إلى الآخر آخرون وعلى الأول فالمراد بقوله ) فنردها على أدبارها ( نجعلها قفا أي نذهب بآثار الوجه وتخطيطه حتى يصير على هيئة القفا وقيل انه بعد الطمس يردها إلى موضع القفا والقفا إلى مواضعها وهذا هو ألصق بالمعنى الذي يفيده قوله ) فنردها على أدبارها ( فإن قيل كيف جاز ان يهددهم بطمس الوجوه إن لم يؤمنوا ولم يفعل ذلك بهم فقيل انه لما آمن هؤلاء ومن اتبعهم رفع الوعيد عن الباقين وقال المبرد الوعيد باق منتظر وقال لا بد من طمس في اليهود ونسخ قبل يوم القيامة قوله ) أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ( الضمير عائد إلى أصحاب الوجوه قيل المراد باللعن هنا المسخ لأجل تشبيه بلعن أصحاب السبت وكان لعن السبت مسخهم قردة وخنازير وقيل المراد نفس اللعنة وهم ملعونه بكل لسان والمراد وقوع أحد الأمرين إما الطمس أو اللعن وقد وقع اللعن ولكنه يقوى الأول تشبيه هذا اللعن بلعن أهل السبت قوله ) وكان أمر الله مفعولا ( أي كائنا موجودا لا محالة أو يراد بالأمر المأمور والمعنى انه متى أراده كان كقوله أنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
النساء : ( 48 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( هذا الحكم يشمل جميع طوائف الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ولا يختص بكفار أهل الحرب لأن اليهود قالوا عزير ابن الله وقالت النصاري المسيح ابن الله وقالوا ثالث ثلاثة ولا خلاف بين المسلمين ان المشرك إذا مات على شركه لم يكن من أهل المغفرة التي تفضل الله بها على غير أهل الشرك حسبما تقتضيه مشيئته وأما غير أهل الشرك من عصاة المسلمين فداخلون تحت المشيئة يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء قال ابن جرير قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة في مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ما لم تكن كبيرته شركا بالله عز وجل وظاهره ان المغفرة منه سبحانه تكون


"""""" صفحة رقم 476 """"""
لمن اقتضته مشيئة تفضلا منه رحمة وإن لم يقع من ذلك المذنب توبة وقيد ذلك المعتزلة بالتوبة وقد تقدم قوله تعالى لا إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وهي تدل على ان الله سبحانه يغفر سيئات من اجتنب الكبائر فيكون مجتنب الكبائر ممن قد شاء الله غفران سيئاته
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء اليهود وإذا كلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لوى لسانه وقال ارعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ثم طعن في الإسلام وعابه فانزل الله فيه ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) يحرفون الكلم عن مواضعه ( يعني يحرفون حدود الله في التوراة
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) يحرفون الكلم عن مواضعه ( قال تبديل اليهود التوراة ) ويقولون سمعنا وعصينا ( قالوا سمعنا ما تقول ولا نطيعك ) واسمع غير مسمع ( قال غير مقبول ما تقول ) ليا بألسنتهم ( قال خلافا يلوون به السنتهم ) واسمع وانظرنا ( قال أفهمنا لا تعجل علينا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن بن عباس في قوله ) واسمع غير مسمع ( قال يقولون اسمع لا سمعت وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم و البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال كلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رؤساء من أحبار اليهود منهم عبدالله بن صوريا وكعب بن أسد فقال لهم يا معشر اليهود اتقوا الله اسلموا فو الله إنكم لتعلمون ان الذي جئتكم به لحق فقالوا ما نعرف ذلك يا محمد وأنزل الله فيهم ) يا أيها الذين أوتوا الكتاب ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في وقوله ) من قبل أن نطمس وجوها ( قال طمسها ان تعمى ) فنردها على أدبارها ( يقول نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى ونجعل لأحدهم عينين في قفاه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) من قبل أن نطمس وجوها ( يقول عن صراط الحق ) فنردها على أدبارها ( قال في الضلالة وأخرج عبد الرزاق وابن أبي جرير وابن أبي حاتم عن الحسن مثله وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أيوب النصاري قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام قال وما دينه قال يصلى ويوحد الله قال استوهب منه دينه فإن أبى فابتعه منه فطلب الرجل منه ذلك فأبى عليه فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فقال وجدته شحيحا على دينه فنزلت ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية وأخرج ابن الضريس وأبو يعلى وابن المنذر وابن عدي بسند صحيح عن ابن عمر قال كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ( أن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء و قال إني ادخرت دعوتي وشفاعتي لأهل الكبائر من امتى فأمسكنا عن كثير مما كان في انفسنا ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر قال لما نزلت ) يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ( الآية قام رجل فقال والشرك يا نبي الله فكره ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية وأخرج ابن المنذر عن أبي مجلز ان سؤال هذا الرجل هو سبب نزول ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( وأخرج أبو داود في ناسخة وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في هذه الآية إن الله حرم المغفرة على من مات وهو كافر وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته فلم يؤيسهم من المغفرة وأخرج الترمذي وحسنه عن علي قال أحب آية إلي في القرآن ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية


"""""" صفحة رقم 477 """"""
النساء 49 - 55
النساء : ( 49 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ( تعجيب من حالهم وقد اتفق المفسرون على أن المراد اليهود وأختلفوا في المعنى الذي زكوا به أنفسهم فقال الحسن وقتادة هو قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه وقولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقال الضحاك هو قولهم لا ذنوب لنا ونحن كالأطفال وقيل قولهم إن آباءهم يشفعون لهم وقيل ثناء بعضهم على بعض ومعنى التزكية التطهير ولتنزيه فلا يبعد صدقها على جميع هذه التفاسير وعلى غيرها واللفظ يتناول كل من زكى نفسه بحق أو بباطل من اليهود وغيرهم ويدخل في هذا التلقب بالألقاب المتضمنة للتزكية كمحي الدين وعز الدين ونحوهما قوله ) بل الله يزكي من يشاء ( أي لك إليه سبحانه فهو العالم بمن يستحق التزكية من عباده ومن لا يستحقها فليدع العباد تزكية أنفسهم ويفوضوا أمر ذلك إلى الله سبحانه فإن تزكيتهم لأنفسهم مجرد دعاوى فاسدة تحمل عليها محبة النفس وطلب العلو والترفع والتفاخر ومثل هذه الآية قوله تعالى ) فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ( قوله ) ولا تظلمون ( أي هؤلاء المزكون لأنفسهم ) فتيلا ( وهو الخيط الذي في نواة التمر وقيل القشرة التي حول النواة وقيل هو ما يخرج بين اصبعيك أو كفيك من الوسخ إذا فتلتهما فهو فتيل بمعنى مفتول والمراد هنا الكناية عن الشيء الحقير ومثله ) ولا يظلمون نقيرا ( وهو النكتة التي في ظهر النواة والمعنى ان هؤلاء الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم لأنفسهم بقدر هذا الذنب ولا يظلمون بالزيادة على ما يستحقون ويجوز أن يعود الضمير إلى ) من يشاء ( أي لا يظلم هؤلاء الذين يزكيهم الله فتيلا مما يستحقونه من الثواب
النساء : ( 50 ) انظر كيف يفترون . . . . .
ثم عجب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من تزكيتهم لأنفسهم فقال ) انظر كيف يفترون على الله الكذب ( في قولهم ذلك والافتراء الاختلاق ومنه افترى فلان على فلان أي رماه بما ليس فيه وفريت الشيء قطعته وفي قوله ) وكفى به إثما مبينا ( من تعظيم الذنب وتهويله ما لا يخفى
النساء : ( 51 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ( هذا تعجيب من حالهم بعد التعجيب الأول وهم اليهود واختلف المفسرون في معنى الجبت فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية الجبت الساحر بلسان الحبشة والطاغوت الكاهن وروى عن عمر بن الخطاب ان الجبت السحر والطاغوت الشيطان وروى عن ابن مسعود ان الجبت والطاغوت ها هنا كعب بن الأشرف وقال قتادة الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن و روى عن مالك ان الطاغوت ما عبد دون الله والجبت الشيطان وقيل هما كل معبود من دون الله أو مطاع في معصية الله وأصل الجبت الجبس وهو الذي لا سير فيه فأبدلت التاء من السين قاله قطرب وقيل الجبت إبليس والطاغوت أولياؤه قوله ) ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (


"""""" صفحة رقم 478 """"""
أي يقول اليهود لكفار قريش أنتم أهدى من الذين آمنوا بمحمد سبيلا أي أقوم دنيا وأرشد طريقا
النساء : ( 52 ) أولئك الذين لعنهم . . . . .
وقوله ) أولئك ( إشارة إلى القائلين ) الذين لعنهم الله ( أي طردهم وأبعدهم من رحمته ) ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا ( يدفع عنه ما نزل به من عذاب الله وسخطه
النساء : ( 53 ) أم لهم نصيب . . . . .
قوله ) أم لهم نصيب من الملك ( أم منقطعة والاستفهام للإنكار ويعني ليس لهم نصيب من الملك ) فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ( والفاء للسببية الجزائية لشرط محذوف أي ان جعل لهم نصيب من الملك فإذن لا يعطون الناس نقيرا منه لشدة بخلهم وقوة حسدهم وقيل المعنى بل لهم نصيب من الملك على ان معنى أم الإضراب عن الأول والاستئناف للثاني وقيل هي عاطفة على محذوف والتقدير أهم أولى بالنبوة ممن ارسلته أم لهم نصيب من الملك فإذن لا يؤتون الناس نقيرا والنقير النقرة في ظهر النواة وقيل ما نقر الرجل بإصبعه كما ينقر الأرض والنقير أيضا خشبة تنقر وينبذ فيها وقد نهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن النقير كما ثبت في الصحيحين وغيرهما والنقير الأصل يقال فلان كريم النقير أي كريم الأصل والمراد هنا المعنى الأول والمقصود به المبالغة في الحقارة كالقطمير والفتيل وإذن هنا ملغاة غير عاملة لدخول فاء العطف عليها ولو نصب لجاز قال سيبويه إذن في عوامل الأفعال بمنزلة أظن في عوامل الأسماء التي تلغى إذا لم يكن الكلام معتمدا عليها فإن كانت في أول الكلام وكان الذي بعدها مستقبلا نصبت
النساء : ( 54 ) أم يحسدون الناس . . . . .
قوله ) أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ( أم منقطعة مفيدة للانتقال عن توبيخهم بأمر إلى توبيخهم بآخر أي بل يحسدون الناس يعني اليهود يحسدون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقط أو يحسدونه هو وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله من النبوة والنصر وقهر الأعداء قوله ) فقد آتينا آل إبراهيم ( هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه أي ليس ما آتينا محمدا وأصحابه من فضلنا ببدع حتى يحسدهم اليهود على ذلك فهم يعلمون بما آتينا إبراهيم وهم اسلاف محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقد تقدم تفسير الكتاب والحكمة والملك العظيم قيل هو ملك سليمان واختاره ابن جرير
النساء : ( 55 ) فمنهم من آمن . . . . .
) فمنهم ( أي اليهود ) من آمن به ( أي بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ومنهم من صد عنه ( أي اعرض عنه وقيل الضمير في به راجع إلى ما ذكر من حديث آل إبراهيم وقيل الضمير راجع إلى إبراهيم والمعنى فمن آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ومنهم من صد عنه و قيل الضمير يرجع إلى الكتاب والأول أولى ) وكفى بجهنم سعيرا ( أي نارا مسعرة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال ان اليهود قالوا إن آباءنا قد توفوا وهم لنا قربة عند الله وسيشفعون لنا ويزكوننا فقال الله لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ( وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم يزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب وكذبوا قال الله إنى لا أظهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له ثم أنزل الله ) ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ( وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن أن التزكية قولهم ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( ) وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ( وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله في قوله ) ولا يظلمون فتيلا ( قال الفتيل ما خرج من بين الأصبعين وفي لفظ آخر عنه هو أن تدلك بين أصبعيك فما خرج منهما فهو ذلك وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عنه قال النقير النقرة تكون في النواة التي نبتت منها النخلة والفتيل الذي يكون على شق النواة والقطمير القشر الذي يكون على النواة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال الفتيل الذي في الشق الذي في بطن النواة وأخرج الطبراني والبيهقي في الدلائل عنه قال قدم حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف مكة على قريش


"""""" صفحة رقم 479 """"""
فخالفوهم على قتال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا لهم أنتم أهل العلم القديم وأهل الكتاب فأخبرونا عنا وعن محمد قالوا ما أنتم وما محمد قالوا ننحر الكوماء ونسقي اللبن على الماء ونفك العناة ونسقي الحجيج ونصل الأرحام قالوا فما محمد قالوا صنبور أي فرد ضعيف قطع أرحامنا واتبعه سراق الحجيج بنو غفار فقالوا لا بل أنتم خير منه وأهدى سبيلا فأنزل الله ) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ( الآية وأخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة مرسلا وقد روى عن ابن عباس وعن عكرمة بلفظ آخر وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير عن السدي عن أبي مالك وأخرج نحوه أيضا البيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن جابر بن عبدالله وأخرج عبدالرزاق وابن جرير عن عكرمة قال الجبت والطاغوت صنمان وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمر في تفسير الجبت والطاغوت ما قدمناه عنه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الجبت الأصنام والطاغوت الذي يكون بين يدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس و أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الجبت اسم الشيطان بالحبشية والطاغوت كهان العرب وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) أم لهم نصيب من الملك ( قال فليس لهم نصيب ولو كان لهم نصيب لم يؤتوا الناس نقيرا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال النقير النقطة التي في ظهر النواة وأخرج ابن جرير وبن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال قال أهل الكتاب زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس له همة إلا النكاح فأي ملك أفضل من هذا فانزل الله هذه الآية ) أم يحسدون الناس ( إلى قوله ) ملكا عظيما ( يعني ملك سليمان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال الناس في هذا الموضع النبي خاصة وأخرج ابن جرير عن قتادة قال هم هذا الحي من العرب
النساء 56 - 57
النساء : ( 56 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ) بآياتنا ( الظاهر عدم تخصيص بعض الآيات دون بعض و ) سوف ( كلمة تذكر للتهديد قاله سيبويه وينوب عنها السين وقد تقدم معنى نصلي في أول السورة والمراد سوف ندخلهم نارا عظيمة وقرأ حميد بن قيس ) نصليهم ( بفتح النون قوله ) كلما نضجت جلودهم ( يقال نضج الشيء نضجا ونضاجا ونضج اللحم وفلان نضج الرأي أي محكمه والمعنى أنها كلما اخترقت جلودهم بدلهم الله جلودا غيرها أي أعطاهم مكان كل جلد محترق جلدا آخر غير محترق فإن ذلك ابلغ في العذاب للشخص لأن إحساسه لعمل النار في الجلد الذي لم يحترق أبلغ من إحساسه لعملها في الجلد المحترق وقيل المراد بالجلود السرابيل التي ذكرها في قوله ) سرابيلهم من قطران ( ولا موجب لترك المعنى الحقيقي ها هنا وإن جاز إطلاق الجلود على السرابيل مجازا كما في قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 480 """"""
كسا اللوم تيما خضرة في جلودها
فويل لتيم من سرابيلها الخضر
وقيل المعنى أعدنا الجلد الأول جديدا ويأبى ذلك معنى التبديل قوله ) ليذوقوا العذاب ( أي ليحصل لهم الذوف الكامل بذلك التبديل وقيل معناه ليدوم لهم العذاب ولا ينقطع ثم أتبع وصف حال الكفار بوصف حال المؤمنين
النساء : ( 57 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
وقد تقدم تفسير الجنات التي تجري من تحتها الأنهار قوله ) لهم فيها أزواج مطهرة ( أي من الأدناس التي تكون في نساء الدنيا والظل الظليل الكثيف الذي لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحر والسموم ونحو ذلك وقيل هو مجموع ظل الأشجار والقصور وقيل الظل الظليل هو الدائم الذي لا يزول واشتقاق الصفة من لفظ الموصوف للمبالغة كما يقال ليل أليل
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله ) كلما نضجت جلودهم ( قال إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلودا بيضاء أمثال القراطيس وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عنه بسند ضعيف قال قريء عند عمر ) كلما نضجت جلودهم ( الآية فقال معاذ عندي تفسيرها تبدل في ساعة مائة مرة فقال عمر هكذا سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرجه أبو نعيم في الحلية وابن مردويه أن القائل كعب وأنه قال تبدل في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا واخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله ) ظلا ظليلا ( قال هو ظل العرش الذي لا يزول
النساء 58
النساء : ( 57 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس في جميع الأمانات وقد روى عن علي وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب أنها خطاب لولاة المسلمين والأول أظهر وورودها على سبب كما سيأتي لا ينافي ما فيها من العموم فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول وتدخل الولاة في هذا الخطاب دخولا أوليا فيجب عليهم تأدية ما لديهم من الأمانات ورد الظلامات وتحري العدل في أحكامهم ويدخل غيرهم من الناس في الخطاب فيجب عليهم رد ما لديهم من الأمانات والتحري في الشهادات والأخبار وممن قال بعموم هذا الخطاب البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب واختاره جمهور المفسرين ومنهم ابن جرير وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها الأبرار منهم والفجار كما قال ابن المنذر والأمانات جمع أمانة وهي مصدر بمعنى المفعول قوله ) وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ( أي وإن الله يأمركم إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل والعدل هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) لا الحكم بالرأي المجرد فإن ذلك ليس من الحق في شيء إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنة رسوله فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم بحكم الله سبحانه وبما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص وأما الحاكم الذي لا يدري بحكم الله ورسوله ولا بما هو أقرب إليهما فهو لا يدري ما هو العدل لأنه لا يعقل الحجة إذا جاءته فضلا عن أن يحكم بها بين عباد الله قوله ) نعما ( ما موصوفة أو موصولة وقد قدمنا البحث في مثل ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما فتح مكة وقبض مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة فنزل جبريل عليه السلام برد المفتاح فدعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عثمان بن طلحة


"""""" صفحة رقم 481 """"""
ورده إليه وقرأ هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن ابن جريج أن هذه الآية نزلت في عثمان بن طلحة لما قبض منه ( صلى الله عليه وسلم ) مفتاح الكعبة فدعاه ودفعه إليه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة عن علي قال حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك ) وقد ثبت في الصحيح أن من خان إذا أؤتمن ففيه خصلة من خصال النفاق
النساء 59
النساء : ( 59 ) يا أيها الذين . . . . .
لما أمر سبحانه القضاة والولاة إذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالحق أمر الناس بطاعتهم ها هنا وطاعة الله عز وجل هي امتثال أوامره ونواهيه وطاعة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) هي فيما أمر به ونهى عنه وأولي الأمر هم الأئمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية والمراد طاعتهم فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم تكن معصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الله كما ثبت ذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال جابر بن عبدالله ومجاهد إن أولى الأمر هم أهل القرآن والعلم وبه قال مالك والضحاك وروى عن مجاهد أنهم أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال ابن كيسان هم أهل العقل والرأي والراجح القول الأول قوله ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( المنازعة المجاذبة والنزع الجذب كأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويجذبها والمراد الاختلاف والمجادلة وظاهر قوله ) في شيء ( يتناول أمور الدين والدنيا ولكنه لما قال ) فردوه إلى الله والرسول ( تبين به أن الشيء المتنازع فيه يختص بأمور الدين دون أمور الدنيا والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه العزيز والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته المطهرة بعد موته وأما في حياته فالرد إليه سؤاله هذا معنى الرد إليهما وقيل معنى الرد أن يقولوا الله أعلم وهو قول ساقط وتفسير بارد وليس الرد في هذه الآية إلا الرد المذكور في قوله تعالى ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( قوله ) إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ( فيه دليل على أن هذا الرد متحتم على المتنازعين وإنه شأن من يؤمن بالله واليوم الآخر والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الرد المأمور به ) خير ( لكم ) وأحسن تأويلا ( أي مرجعا من الأول آل يؤول إلى كذا أي صار إليه والمعنى أن ذلك الرد خير لكم وأحسن مرجعا ترجعون إليه ويجوز أن يكون المعنى أن الرد أحسن تأويلا من تأويلكم الذي صرتم إليه عند التنازع
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس في قوله ) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( قال نزلت في عبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في سرية وقصته معروفة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء في الآية قال طاعة الله والرسول اتباع الكتاب والسنة ) وأولي الأمر ( قال أولي الفقه والعلم وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال ) وأولي الأمر منكم ( هم الأمراء وفي لفظ هم أمراء السرايا وأخرج


"""""" صفحة رقم 482 """"""
ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جابر بن عبدالله في قوله ) وأولي الأمر منكم ( قال أهل العلم وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي العالية نحوه أيضا واخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( قال إلى كتاب الله وسنة رسوله ثم قرأ ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ميمون بن مهران في الآية قال الرد إلى الله الرد إلى كتابه والرد إلى رسوله ما دام حيا فإذا قبض فإلى سنته وأخرج ابن جرير عن قتادة والسدي مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ذلك خير وأحسن تأويلا ( يقول ذلك أحسن ثوابا وخير عاقبة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وأحسن تأويلا ( قال وأحسن جزاء وقد وردت أحاديث كثيرة في طاعة الأمراء ثابتة في الصحيحين وغيرهما مقيدة بأن يكون ذلك في المعروف وأنه لا طاعة في معصية الله
النساء 60 65
النساء : ( 60 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين يزعمون ( فيه تعجيب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من حال هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم أنهم قد جمعوا بين الإيمان بما أنزل على رسول الله وهو القرآن وما أنزل على من قبله من الأنبياء فجاءوا بما ينقض عليهم هذه الدعوى ويبطلها من أصلها ويوضح أنهم ليسوا على شيء من ذلك أصلا وهو إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت وقد أمروا فيما أنزل على رسول الله وعلى من قبله أن يكفروا به وسيأتي بيان سبب نزول الآية وبه يتضح معناها وقد تقدم تفسير الطاغوت والاختلاف في معناه قوله ) ويريد الشيطان ( معطوف على قوله ) يريدون ( والجملتان مسوقتان لبيان محل التعجب كأنه قيل ماذا يفعلون فقيل يريدون كذا ويريد الشيطان كذا وقوه ) ضلالا ( مصدر للفعل المذكور بحذف الزوائد كقوله ) والله أنبتكم من الأرض نباتا ( أو مصدر


"""""" صفحة رقم 483 """"""
لفعل محذوف دل عليه الفعل المذكور والتقدير ويريد الشيطان أن يضلهم فيضلون ضلالا
النساء : ( 61 ) وإذا قيل لهم . . . . .
والصدود اسم للمصدر وهو الصد عند الخليل وعند الكوفيين أنهما مصدران أي يعرضون عنك إعراضا
النساء : ( 62 ) فكيف إذا أصابتهم . . . . .
قوله ) فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ( بيان لعاقبة أمرهم وما صار إليه حالهم أي كيف يكون حالهم ) إذا أصابتهم مصيبة ( أي وقت إصابتهم فإنهم يعجزون عند ذلك ولا يقدرون على الدفع والمراد ) بما قدمت أيديهم ( ما فعلوه من المعاصي التي من جملتها التحاكم إلى الطاغوت ) ثم جاؤوك ( يعتذرون عن فعلهم وهو عطف على ) أصابتهم ( وقوله ) يحلفون ( حال أي جاءوك حال كونهم حالفين ) إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ( أي ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان لا الإساءة والتوفيق بين الخصمين لا المخالفة لك وقال ابن كيسان معناه ما أردنا إلا عدلا وحقا مثل قوله ) وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى )
النساء : ( 63 ) أولئك الذين يعلم . . . . .
فكذبهم الله بقوله ) أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ( من النفاق والعدواة للحق قال الزجاج معناه قد علم الله أنهم منافقون ) فأعرض عنهم ( أي عن عقابهم وقيل عن قبول اعتذارهم ) وعظهم ( أي خوفهم من النفاق ) وقل لهم في أنفسهم ( أي في حق أنفسهم وقيل معناه قل لهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم ) قولا بليغا ( أي بالغا في وعظهم إلى المقصود مؤثرا فيهم وذلك بأن توعدهم بسفك دمائهم وسبي نسائهم وسلب أموالهم
النساء : ( 64 ) وما أرسلنا من . . . . .
) وما أرسلنا من رسول ( من زائدة للتوكيد ) إلا ليطاع ( فيما أمر به ونهى عنه ) بإذن الله ( بعلمه وقيل بتوفيقه ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ( بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك ) جاؤوك ( متوسلين إليك منتصلين عن جناياتهم ومخالفتهم ) فاستغفروا الله ( لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعا لهم فاستغفرت لهم وإنما قال ) واستغفر لهم الرسول ( على طريقة الالتفات لقصد التفخيم لشأن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ) لوجدوا الله توابا رحيما ( أي كثير التوبة عليهم والرحمة لهم
النساء : ( 65 ) فلا وربك لا . . . . .
قوله ) فلا وربك ( قال ابن جرير قوله ) فلا ( رد على ما تقدم ذكره تقديره فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ثم استأنف القسم بقوله ) وربك لا يؤمنون ( وقيل إنه قدم ) لا ( على القسم اهتماما بالنفي وإظهارا لقوته ثم كرره بعد القسم تأكيدا وقيل لا مزيدة لتأكيد معنى القسم لا لتأكيد معنى النفي والتقدير فوربك لا يؤمنون كما في قوله ) فلا أقسم بمواقع النجوم ( ) حتى يحكموك ( أي يجعلوك حكما بينهم في جميع أمورهم لا يحكمون أحدا غيرك وقيل معناه يتحاكمون إليك ولا ملجيء لذلك ) فيما شجر بينهم ( أي اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لاختلاف أغصانه ومنه قول طرفة وهم الحكام أرباب الهدى
وسعاة الناس في الأمر الشجر
أي المختلف ومنه تشاجر الرماح أي اختلافها ) ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ( قيل هو معطوف على مقدر ينساق إليه الكلام أي فتقضي بينهم ثم لا يجدوا والحرج الضيق وقيل الشك ومنه قيل للشجر الملتف حرج وحرجة وجمعها حراج وقيل الحرج الإثم أي لا يجدون في أنفسهم إثما بإنكارهم ما قضيت ) ويسلموا تسليما ( أي ينقادوا لأمرك وقضائك انقيادا لا يخالفونه في شيء قال الزجاج ) تسليما ( مصدر مؤكد أي ويسلمون لحكمك تسليما لا يدخلون على أنفسهم شكا ولا شبهة فيه والظاهر أن هذا شامل لكل فرد في كل حكم كما يؤيد ذلك قوله ) وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ( فلا يختص بالمقصودين بقوله ) يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ( وهذا في حياته ( صلى الله عليه وسلم ) وأما بعد موته فتحكيم الكتاب والسنة وتحكيم الحاكم بما فيهما من الأئمة والقضاة إذا كان لا يحكم بالرأي المجرد مع وجود الدليل في الكتاب والسنة أو في أحدهما وكان يعقل ما يرد عليه من حجج الكتاب والسنة بأن يكون عالما باللغة العربية وما يتعلق بها من نحوه وتصريف ومعاني وبيان


"""""" صفحة رقم 484 """"""
عارفا بما يحتاج إليه من علم الأصول بصيرا بالسنة المطهرة مميزا بين الصحيح وما يلحق به والضعيف وما يلحق به منصفا غير متعصب لمذهب من المذاهب ولا لنحلة من النحل ورعا لا يحيف ولا يميل في حكمه فمن كان هكذا فهو قائم في مقام النبوة مترجم عنها حاكم بأحكامها وفي هذا الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود وترجف له الأفئدة فإنه أولا اقسم سبحانه بنفسه مؤكدا لهذا القسم بحرف النفي بأنهم لا يؤمنون فنفى عنهم الإيمان الذي هو رأس مال صالحي عباد الله حتى تحصل لهم غاية هي تحكيم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم لم يكتف سبحانه بذلك حتى قال ) ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ( فضم إلى التحكيم أمرا آخر هو عدم وجود حرج أي حرج في صدورهم فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان كافيا حتى يكون من صميم القلب عن رضا واطمئنان وانثلاج قلب وطيب نفس ثم لم يكتف بهذا كله بل ضم إليه قوله ) ويسلموا ( أي يذعنوا وينقادوا ظاهرا وباطنا ثم لم يكتف بذلك بل ضم إليه المصدر المؤكد فقال ) تسليما ( فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه هذا التحكيم ولا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه ويسلم لحكم الله وشرعه تسليما لا يخالطه رد ولا تشوبه مخالفة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني بسند قال السيوطي صحيح عن ابن عباس قال كان برزة الأسلمي كاهنا يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه فتنافر إليه ناس من المسلمين فأنزل الله ) ألم تر إلى الذين يزعمون ( الآية وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال كان الجلاس بن الصامت قبل توبته ومعقب بن قشير ورافع بن زيد كانوا يدعون الإسلام فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية فنزلت الآية المذكورة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ( قال الطاغوت رجل من اليهود كان يقال له كعب بن الأشرف وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم قالوا بل نحاكمكم إلى كعب فنزلت الآية وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن عبدالله بن الزبير أن الزبير خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في شراج من الحرة وكانا يسقيان به كلاهما النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري وقال يا رسول الله آن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك واستوعى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للزبير حقه وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري فلما أحفظ رسول الله الأنصاري استوعى للزبير حقه في صريح الحكم فقال الزبير ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك ) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق ابن لهيعة عن الأسود أن سبب نزول الآية أنه اختصم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجلان فقضى بينهما فقال المقضي عليه ردنا إلى عمر فردهما فقتل عمر الذي قال ردنا ونزلت الآية فأهدر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دم المقتول وأخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن مكحول فذكر نحوه وبين أن الذي قتله عمر كان منافقا وهما مرسلان والقصة غريبة وابن لهيعة فيه ضعف
النساء 66 - 70


"""""" صفحة رقم 485 """"""
النساء : ( 66 ) ولو أنا كتبنا . . . . .
( لو ) حرف امتناع وأن مصدرية أو تفسيرية لأن ( كتبنا ) في معنى أمرنا والمعنى أن الله سبحانه لو كتب القتل والخروج من الديار على هؤلاء الموجودين من اليهود ما فعله إلا القليل منهم أو لو كتب ذلك على المسلمين ما فعله إلا القليل منهم والضمير في قوله ) فعلوه ( راجع إلى المكتوب الذي دل عليه كتبنا أو إلى القتل والخروج المدلول عليهما بالفعلين وتوحيد الضمير في مثل هذا قد قدمنا وجهه قوله ) إلا قليل ( قرأه الجمهور بالرفع على البدل وقرأ عبدالله بن عامر وعيسى بن عمر ) إلا قليلا ( بالنصب على الاستثناء وكذا هو في مصاحف أهل الشام والرفع أجود عند النحاة قوله ) ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به ( من اتباع الشرع والانقياد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لكان ( ذلك ) خيرا لهم ( في الدنيا والآخرة ) وأشد تثبيتا ( لأقدامهم على الحق فلا يضطربون في أمر دينهم
النساء : ( 67 ) وإذا لآتيناهم من . . . . .
) وأذن ( أي وقت فعلهم لما يوعظون به ) لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما
النساء : ( 68 ) ولهديناهم صراطا مستقيما
ولهديناهم صراطا مستقيما ( لا عوج فيه ليصلوا إلى الخير الذي يناله من امتثل ما أمر به وانقاد لمن يدعوه إلى الحق
النساء : ( 69 ) ومن يطع الله . . . . .
قوله ) ومن يطع الله والرسول ( كلام مستأنف لبيان فضل طاعة الله والرسول والإشارة بقوله ) فأولئك ( إلى المطيعين كما تفيده من ) مع الذين أنعم الله عليهم ( بدخول الجنة والوصول إلى ما أعد الله لهم والصديق المبالغ في الصدق كما تفيده الصيغة وقيل هم فضلاء أتباع الأنبياء والشهداء من ثبتت لهم الشهادة والصالحين أهل الأعمال الصالحة والرفيق مأخوذ من الرفق وهو لين الجانب والمراد به المصاحب لارتفاقك بصحبته ومنه الرفقة لارتفاق بعضهم ببعض وهو منتصب على التمييز أو الحال كما قال الأخفش
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ( هم يهود كما أمر أصحاب موسى أن يقتل بعضهم بعضا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سفيان أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وقد روى من طرق أن جماعة من الصحابة قالوا لما نزلت الآية لو فعل ربنا لفعلنا أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وأخرجه ابن أبي حاتم عن عامر بن عبدالله بن الزبير وأخرجه أيضا عن شريح بن عبيد وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والضياء المقدسي في صفة الجنة وحسنه عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى نزل جبريل بهذه الآية ) ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم ( الآية وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس نحوه
النساء 71 - 76


"""""" صفحة رقم 486 """"""
النساء : ( 71 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( هذا خطاب لخلص المؤمنين وأمر لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل الله والحذر والحذر لغتان كالمثل والمثل قال الفراء أكثر الكلام الحذر والحذر مسموع أيضا يقال خذ حذرك أي إحذر وقيل معنى الآية الأمر لهم بأخذ السلاح حذرا لأن به الحذر قوله ( فأنفروا ) نفر ينفر بكسر الفاء نفيرا ونفرت الدابة تنفر بضم الفاء نفورا والمعنى انهضوا لقتال العدو أو النفير اسم للقوم الذين ينفرون وأصله من النفار والنفور وهو الفزع ومنه قوله تعالى ) ولوا على أدبارهم نفورا ( أي نافرين قوله ) ثبات ( جمع ثبة أي جماعة والمعنى انفروا جماعات متفرقات قوله ) أو انفروا جميعا ( أي مجتمعين جيشا واحدا ومعنى الآية الأمر لهم بأن ينفروا على أحد الوصفين ليكون ذلك أشد على عدوهم وليأمنوا من أن يتخطفهم الأعداء إذا نفر كل واحد منهم وحده أو نحو ذلك وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى ) انفروا خفافا وثقالا ( وبقوله إن لاتنفروا يعذبكم والصحيح أن الآيتين جميعا محكمتان أحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى نفور الجميع والأخرى عند الاكتفاء بنفور البعض دون البعض
النساء : ( 72 ) وإن منكم لمن . . . . .
قوله ) وإن منكم لمن ليبطئن ( التبطئة والإبطاء التأخر والمراد المنافقون كانوا يقعدون عن الخروج ويقعدون غيرهم والمعنى أن من دخلائكم وجنسكم ومن أظهر إيمانه لكم نفاقا من يبطيء المؤمنين ويثبطهم واللام في قوله ) لمن ( لام توكيد وفي قوله ) ليبطئن ( لام جواب القسم و ( من ) في موضع نصب وصلتها الجملة وقرأ مجاهد والنخعي والكلبي ) ليبطئن ( بالتخفيف ) فإن أصابتكم مصيبة ( من قتل أو هزيمة أو ذهاب مال قال هذا المنافق قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم حتى يصيبني ما اصابهم
النساء : ( 73 ) ولئن أصابكم فضل . . . . .
) ولئن أصابكم فضل من ( غنيمة أو فتح ) ليقولن ( هذا المنافق قول نادم حاسد ) يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ( قوله ) كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ( جملة معترضة بين الفعل الذي هو ليقولون وبين مفعوله وهو ) يا ليتني ( وقيل في الكلام تقديما وتأخيرا وقيل المعنى ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة أي كأن لم يعاقدكم على الجهاد وقيل هو موضع نصب على الحال وقرأ الحسن ) ليقولن ( بضم اللام على معنى من وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ) كأن لم تكن ( بالتاء على الفظ المودة قوله ) فأفوز ( بالنصب على


"""""" صفحة رقم 487 """"""
جواب التمنى قرأ الحسن ) فأفوز ( بالرفع
النساء : ( 74 ) فليقاتل في سبيل . . . . .
قوله ) فليقاتل في سبيل الله ( هذا أمر للمؤمنين وقدم الظرف على الفاعل للاهتمام به و ) الذين يشرون ( معناه يبيعون وهم المؤمنون والفاء في قوله ) فليقاتل ( جواب الشرط مقدر أي إن لم يقاتل هؤلاء المذكورون سابقا الموصوفون بأن منهم لمن ليبطئن فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم البائعون للحياة الدنيا بالآخرة ثم وعد المقاتلين في سبيل الله بأنه سيؤتيهم أجرا عظيما لا يقادر قدره وذلك أنه إذا قتل فاز بالشهادة التي هي أعلى درجات الأجور وإن غلب وظفر كان له أجر من قاتل في سبيل الله مع ما قد ناله من العلو في الدنيا والغنيمة وظاهر هذا يقتضي التسوية بين من قتل شهيدا أو انقلب غانما وربما يقال إن التسوية بينهما إنما هي في إيتاء الأجر العظيم ولا يلزم أن يكون أجرهما مستويا فإن كون الشيء عظيما هو من الأمور النسبية التي يكون بعضهما عظيما بالنسبة إلى ما هو دونه وحقيرا بالنسبة إلى ما هو فرقه
النساء : ( 75 ) وما لكم لا . . . . .
قوله ) وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ( خطاب للمؤمنين المأمورين بالقتال على طريق الالتفات قوله ) المستضعفين ( مجرور عطفا على الإسم الشريف أي ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله وسبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد ويجوز أن يكون منصوبا على الاختصاص أي وأخص المستضعفين فإنهم من أعظم ما يصدق عليه سبيل الله واختار الأول الزجاج والأزهري وقال محمد بن يزيد أختار أن يكون المعنى وفي المستضعفين فيكون عطفا على السبيل والمراد بالمستضعفين هنا من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال الكفار وهم الذين كان يدعو لهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيقول ( اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين ) كما في الصحيح ولا يبعد أن يقال إن لفظ الآية أوسع والإعتبار بعموم اللفظ لولا تقييده بقوله ) الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ( فإنه يشعر باختصاص ذلك بالمستضعفين الكائنين في مكة لأنه قد أجمع المفسرون على ان المراد بالقرية الظالم أهلها مكة قوله ) من الرجال والنساء والولدان ( بيان للمستضعفين
النساء : ( 76 ) الذين آمنوا يقاتلون . . . . .
قوله ) الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله ( هذا ترغيب للمؤمنين وتنشيط لهم بأن قتالهم لهذا المقصد لا لغيره ) والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ( أي سبيل الشيطان أو الكهان أو الأصنام وتفسير الطاغوت هنا الشيطان أولى لقوله ) فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( أي مكره ومكر من اتبعه من الكفار
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فانفروا ثبات ( قال عصبا يعني سرايا متفرقين ) أو انفروا جميعا ( يعني كلكم وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه قال في سورة النساء ) خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ( نسختها ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ثبات ( أي فرقا قليلا وأخرج عن قتادة في قوله ) أو انفروا جميعا ( أي إذا نفر نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) فليس لأحد أن يتخلف عنه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن منكم لمن ليبطئن ( إلى قوله ) فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( ما بين ذلك في المنافقين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في الآية قال هو فيما بلغنا عبدالله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) فليقاتل ( يعني يقاتل المشركين ) في سبيل الله ( في طاعة الله ) ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل ( يعني يقتله العدو ) أو يغلب ( يعني يغلب العدو من المشركين ) فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( يعني جزاء وافرا في الجنة فجعل القاتل والمقتول من المسلمين في جهاد المشركين شريكين في الأجر وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) في سبيل الله والمستضعفين ( قال وفي المستضعفين وأخرج ابن جرير عن الزهري قال وسبيل المستضعفين


"""""" صفحة رقم 488 """"""
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه من طريق العوفي قال المستضعفون أناس مسلمون كانوا بمكة لا يستطيعون أن يخرجوا منها وأخرج البخاري عنه قال ( أنا وأمي من المستضعفين ) وأخرج ابن جرير عنه قال القرية الظالم أهلها مكة وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إذا رأيتم الشيطان فلا تخافوه واحملوا عليه ) إن كيد الشيطان كان ضعيفا ( قال مجاهد كان الشيطان يتراءى لي في الصلاة فكنت أذكر قول ابن عباس فأحمل عليه فيذهب عني
النساء 77 - 81 81
النساء : ( 77 ) ألم تر إلى . . . . .
قوله ) ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ( الآية قيل هم جماعة من الصحابة أمروا بترك القتال في مكة بعد أن تسرعوا إليه فلما كتب عليهم بالمدينة تثبطوا عن القتال من غير شك في الدين بل خوفا من الموت وفرقا من هول القتل وقيل إنها نزلت في اليهود وقيل في المنافقين أسلموا قبل فرض القتال فلما فرض كرهوه وهذا أشبه بالسياق لقوله ) وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ( وقوله ) وإن تصبهم حسنة ( الآية ويبعد صدور مثل هذا من الصحابة قوله ) كخشية الله ( صفة مصدر محذوف أي خشية كخشية الله أو حال أي تخشونهم مشبهين أهل خشية الله والمصدر مضاف إلى المفعول أي كخشيتهم الله وقوله ) أو أشد خشية ( معطوف على كخشية الله في محل جر أو معطوف على الجار والمجرور جميعا فيكون في محل الحال كالمعطوف عليه وأو للتنويع على معنى أن خشية بعضهم كخشية الله وخشية بعضهم أشد منها قوله ) وقالوا ( عطف على ما يدل عليه قوله ) إذا فريق منهم ( أي فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس ) وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا ( أي هلا أخرتنا يريدون المهلة إلى وقت آخر قريب من الوقت الذي فرض عليهم فيه القتال فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم فقال ) قل متاع الدنيا قليل ( سريع الفناء لا يدوم لصاحبه وثواب الآخرة خير لكم من المتاع القليل ) لمن اتقى ( منكم ورغب في الثواب الدائم ) ولا تظلمون فتيلا ( أي شيئا حقيرا يسيرا وقد تقدم تفسير الفتيل قريبا وإذا كنتم توفرون أجوركم ولا تنقصون شيئا منها فكيف ترغبون عن ذلك وتشتغلون بمتاع


"""""" صفحة رقم 489 """"""
الدنيا مع قلته وانقطاعه
النساء : ( 78 ) أينما تكونوا يدرككم . . . . .
وقوله ) أينما تكونوا يدرككم الموت ( كلام مبتدأ وفيه حث لمن قعد عن القتال خشية الموت وبيان لفساد ما خالطه من الجبن وخامره من الخشية فإن الموت إذا كان كائنا لا محالة فمن لم يمت بالسيف مات بغيره
والبروج جمع برج وهو البناء المرتفع والمشيدة المرفعة من شاد القصر إذا رفعه وطلاه بالشيد وهو الجص وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه
وقد اختلف في هذه البروج ما هي فقيل الحصون التي في الأرض وقيل هي القصور قال الزجاج والقتيبي ومعنى مشيدة مطولة وقيل معناه مطلية بالشيد وهو الجص وقيل المراد بالبروج بروج في سماء الدنيا مبنية حكاه مكي عن مالك وقال ألا ترى إلى قوله ) والسماء ذات البروج ( ) جعل في السماء بروجا ( ) ولقد جعلنا في السماء بروجا ( وقيل إن المراد بالبروج المشيدة هنا قصور من حديد وقرأ طلحة بن سليمان ) يدرككم الموت ( بالرفع على تقدير الفاء كما في قوله
وقال رائدهم ارسوا نزاولها
قوله ) وإن تصبهم حسنة ( هذا وما بعده مختص بالمنافقين أي إن تصبهم نعمة نسبوها إلى الله تعالى وإن تصبهم بلية ونقمة نسبوها إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرد الله ذلك عليهم بقوله ) قل كل من عند الله ( ليس كما تزعمون ثم نسبهم إلى الجهل وعدم الفهم فقال ) فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ( أي ما بالهم هكذا
النساء : ( 79 ) ما أصابك من . . . . .
قوله ) ما أصابك من حسنة فمن الله ( هذا الخطاب إما لكل من يصلح له من الناس أو لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعريضا لأمته أي ما أصابك من خصب ورخاء وصحة وسلامة فمن الله بفضله ورحمته وما أصابك من جهد وبلاء وشدة فمن نفسك بذنب أتيته فعوقبت عليه وقيل إن هذا من كلام الذين لا يفقهون حديثا أي فيقولون ما أصابك من حسنة فمن الله وقيل إن ألف الاستفهام مضمرة أي أفمن نفسك ومثله قوله تعالى ) وتلك نعمة تمنها علي ( والمعنى اوتلك نعمة ومثله قوله ) فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي ( أي أهذا ربي ومنه قول أبي خراش الهذلي
رموني وقالوا يا خويلد لم ترع
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أي أهم هم وهذا خلاف الظاهر وقد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد هذه الآية كقوله تعالى ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ( وقوله ) أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ( وقد يظن أن قوله ) وما أصابك من سيئة فمن نفسك ( مناف لقوله ) قل كل من عند الله ( ولقوله ) وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله ( وقوله ) ونبلوكم بالشر والخير فتنة ( وقوله ) وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ( وليس الأمر كذلك فالجمع ممكن كما هو مقرر في مواطنه قوله ) وأرسلناك للناس رسولا ( فيه البيان لعموم رسالته ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الجميع كما يفيده التأكيد بالمصدر والعموم في الناس ومثله قوله ) وما أرسلناك إلا كافة للناس ( وقوله ) يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( ) وكفى بالله شهيدا ( على ذلك
النساء : ( 80 ) من يطع الرسول . . . . .
قوله ) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( فيه أن طاعة الرسول طاعة الله وفي هذا من النداء بشرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلو شأنه وارتفاع مرتبته ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه ووجهه أن الرسول لا يأمر إلا بما أمر الله به ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه ) ومن تولى ( أي أعرض ) فما أرسلناك عليهم حفيظا ( أي حافظا لأعمالهم إنما عليك البلاغ وقد نسخ هذا بآية السيف
النساء : ( 81 ) ويقولون طاعة فإذا . . . . .
) ويقولون طاعة ( بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي أمرنا طاعة أو شأننا طاعة وقرأ الحسن والجحدري ونصر بن عاصم بالنصب على المصدر أي نطيع طاعة وهذه في المنافقين في قول أكثر المفسرين أي يقولون إذا كانوا عندك طاعة ) فإذا برزوا من عندك ( أي خرجوا من عندك ) بيت طائفة منهم ( أي زورت طائفة من هؤلاء القائلين غير الذي تقول


"""""" صفحة رقم 490 """"""
لهم أنت وتأمرهم به أو غير الذي تقول لك هي من الطاعة لك وقيل معناه غيروا وبدلوا وحرفوا قولك فيما عهدت إليهم والتبييت التبديل ومنه قول الشاعر أتوني فلم أرض ما بيتوا
وكانوا أتوني بأمر نكر
يقال بيت الرجل الأمر إذا دبره ليلا ومنه قوله تعالى ) إذ يبيتون ما لا يرضى من القول ( ) والله يكتب ما يبيتون ( أي يثبته في صحائف أعمالهم ليجازيهم عليه وقال الزجاج المعنى ينزله عليك في الكتاب قوله ) فأعرض عنهم ( أي دعهم وشأنهم حتى يمكن الانتقام منهم وقيل معناه لا تخبر بأسمائهم وقيل معناه لا تعاقبهم ثم أمره بالتوكل عليه والثقة به في النصر على عدوه قيل وهذا منسوخ بآية السيف
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه و البيهقي في سننه عن ابن عباس ان عبدالرحمن ابن عوف وأصحابا له أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا نبي الله كنا في عزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة فقال اني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا فأنزل الله ) ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في تفسير الآية نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أنها نزلت في اليهود وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) فلما كتب عليهم القتال إذا فريق ( الآية قال نهى الله هذه الأمة أن يصنعوا صنيعهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في قوله ) إلى أجل قريب ( قال هو الموت وأخرجا نحوه عن ابن جريج واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) في بروج مشيدة ( قال في قصور محصنة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة نحوه واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال هي قصور في السماء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سفيان نحوه واخرج عبدالرزاق وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وإن تصبهم حسنة ( يقول نعمة ) وإن تصبهم سيئة ( قال مصيبة ) قل كل من عند الله ( قال النعم والمصائب واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) وإن تصبهم حسنة ( قال هذه في السراء والضراء وفي قوله ) ما أصابك من حسنة ( قال هذه في الحسنات والسيئات وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) قل كل من عند الله ( يقول الحسنة والسيئة من عند الله أما الحسنة فأنعم بها عليك وأما السيئة فابتلاك بها وفي قوله ) وما أصابك من سيئة ( قال ما أصابه يوم أحد ان شج وجهه وكسرت رباعيته وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عنه في قوله ) وما أصابك من سيئة فمن نفسك ( قال هذا يوم أحد يقول ما كانت من نكبة فبذنبك وأنا قدرت ذلك وأخرج ابن المنذر من طريق مجاهد أن عباس كان يقرا وما اصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك قال مجاهد وكذلك قراءة أبي وابن مسعود وأخرج نحو قول مجاهد هذا ابن الأنباري في المصاحف وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) ويقولون طاعة ( قال هم أناس كانوا يقولون عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آمنا بالله ورسوله ليأمنوا على دمائهم وأموالهم ) فإذا برزوا ( من عند رسول الله ) بيت طائفة منهم ( يقول خالفوا إلى غير ما قالوا عنده فعابهم الله وأخرج ابن جرير عنه قال غير أولئك ما قاله النبي ( صلى الله عليه وسلم )
النساء 82


"""""" صفحة رقم 491 """"""
النساء 83
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
الهمزة في قوله ) أفلا يتدبرون ( للإنكار والفاء للعطف على مقدر أي أيعرضون عن القرآن فلا يتدبرونه يقال تدبرت الشيء تفكرت في عاقبته وتأملته ثم استعمل في كل تأمل والتدبير أن يدبر الإنسان أمره كأنه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته ودلت هذه الآية وقوله تعالى ) أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ( على وجوب التدبر للقرآن ليعرف معناه والمعنى أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفا غير مختلف صحيح المعاني قوي المباني بالغا في البلاغة إلى أعلى درجاتها ) ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( أي تفاوتا وتناقضا ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات والسور لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت وعدم المطابقة للواقع وهذا شأن كلام البشر لا سيما إذا طال وتعرض قائله للإخبار بالغيب فإنه لا يوجد منه صحيحا مطابقا للواقع إلا القليل النادر
النساء : ( 83 ) وإذا جاءهم أمر . . . . .
قوله ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ( يقال أذاع الشيء وأذاع به إذا أفشاه وأظهره وهؤلاء هم جماعة من ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا شيئا من أمر المسلمين فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم أو فيه خوف نحو هزيمة المسلمين وقتلهم أفشوه وهم يظنون انه لا شيء عليهم في ذلك قوله ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ( وهم أهل العلم والعقول الراجحة الذين يرجعون إليهم في أمورهم أو هم الولاة عليهم ) لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( أي يستخرجونه بتدبيرهم وصحة عقولهم والمعنى أنهم لو تركوا الإذاعة للأخبار حتى يكون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو الذي يذيعها أو يكون أولى الأمر منهم هم الذين يتولون ذلك لأنهم يعلمون ما ينبغي أن يفشي وما ينبغي أن يكتم والاستنباط مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته والنبط الماء المستنبط أول ما يخرج من ماء البئر عند حفرها وقيل إن هؤلاء الضعفة كانوا يسمعون إرجافات المنافقين على المسلمين فيذيعونها فتحصل بذلك المفسدة قوله ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ( أي لولا ما تفضل الله به عليكم من إرسال رسوله وإنزال كتابه لا تبعتم الشيطان فبقيتم على كفركم إلا قليلا منكم أو إلا اتباعا قليلا منكم وقيل المعنى أذاعوا به إلا قليلا منهم فإنه لم يذع ولم يفش قاله الكسائي والأخفش والفراء وأبو عبيدة وأبو حاتم وابن جرير وقيل المعنى لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا منهم قاله الزجاج
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ) ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( يقول إن قول الله لا يختلف وهو حق ليس فيه باطل وإن قول الناس يختلف وأخرج عبد ابن حميد ومسلم وابن أبي حاتم من طريق ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال لما اعتزل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نساءه دخلت المسجد فوجدت الناس ينكتون بالحصا ويقولون طلق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نساءه فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه ونزلت هذه الآية ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال هذا في الإخبار إذا غزت


"""""" صفحة رقم 492 """"""
سرية من المسلمين أخبر الناس عنها فقالوا أصاب المسلمين من عدوهم كذا وكذا وأصاب العدو من المسلمين كذا وكذا فأفشوه بينهم من غير أن يكون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو يخبرهم به وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ) وإذا جاءهم ( قال هم أهل النفاق واخرج ابن جرير عن أبي معاذ مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان ( قال فانقطع الكلام وقوله ) إلا قليلا ( فهو في أول الآية يخبر عن المنافقين قال ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ( يعني بالقليل المؤمنين
النساء 84 - 8
النساء : ( 84 ) فقاتل في سبيل . . . . .
الفاء في قوله ) فقاتل ( قيل هي متعلقة بقوله ) ومن يقاتل في سبيل الله ( الخ أي من أجل هذا فقاتل وقيل متعلقة بقوله ) وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ( فقاتل وقيل هي جواب شرط محذوف يدل عليه السياق تقديره إذا كان الأمر ما ذكر من عدم طاعة المنافقين فقاتل أو إذا أفردوك وتركوك فقاتل قال الزجاج أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالجهاد وإن قاتل وحده لأنه قد ضمن له النصر قال ابن عطية هذا ظاهر اللفظ إلا أنه لم يجيء في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة فالمعنى والله أعلم انه خطاب له في اللفظ وفي المعنى له ولأمته أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك يقال له ) فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك ( أي لا تكلف غير نفسك ولا تلزم فعل غيرك وهو استئناف مقرر لما قبله لأن اختصاص تكليفه بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده وقريء لاتكلف بالجزم على النهي وقرئ بالنون قوله ) وحرض المؤمنين ( أي حضهم على القتال والجهاد يقال حرضت فلانا على كذا إذا أمرته به وحارض فلان على الأمر وأكب عليه وواظب عليه بمعنى واحد قوله ) عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا ( فيه إطماع للمؤمنين بكف بأس الذين كفروا عنهم والاطماع من الله عز وجل واجب فهو وعد منه سبحانه ووعده كائن لا محالة ) والله أشد بأسا ( أي أشد صولة وأعظم سلطانا ) وأشد تنكيلا ( أي عقوبة يقال نكلت بالرجل تنكيلا من النكال وهو العذاب والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان
النساء : ( 85 ) من يشفع شفاعة . . . . .
) من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ( أصل الشفاعة والشفعة ونحوهما من الشفع وهو الزوج ومنه الشفيع لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعا ومنه ناقة شفوع إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة وناقة شفيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها والشفع ضم واحد إلى واحد والشفعة ضم ملك الشريك إلى ملكك فالشفاعة كضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وأتصال منفعة إلى المشفوع له والشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة والشفاعة السيئة في المعاصي فمن شفع في الخير لينفع فله نصيب منها أي من أجرها ومن شفع في الشر كمن يسعى بالنميمة والغيبة كان له كفل منها أي


"""""" صفحة رقم 493 """"""
نصيب من وزرها و الكفل الوزر والإثم واشتقاقه من الكساء الذي يجعله الراكب على سنام البعير لئلا يسقط يقال اكتفلت البعير إذا ادرت على سنامه كساء وركبت عليه لأنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيبا منه ويستعمل في النصيب من الخير والشر ومن استعماله في الخير قوله تعالى ) يؤتكم كفلين من رحمته ( ) وكان الله على كل شيء مقيتا ( أي مقتدرا قاله الكسائي وقال الفراء المقيت الذي يعطي كل أنسان قوته يقال قته أقوته قوتا وأقته أقيته إقاتة فأنا قائت ومقيت وحكى الكسائي أقات يقيت وقال أبو عبيدة المقيت الحافظ قال النحاس وقول أبي عبيدة أولى لأنه مشتق من القوت والقوت معناه مقدار ما يحفظ الإنسان وقال ابن فارس في المجمل المقيت المقتدر والمقيت الحافظ والشاهد وأما قول الشاعر ألي الفضل أم على إذا حو
سبت إني على الحساب مقيت
فقال ابن جرير الطبري إنه من غير هذا المعنى
النساء : ( 86 ) وإذا حييتم بتحية . . . . .
قوله ) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( التحية تفعلة من حييت والأصل تحيية مثل ترضية وتسمية فأدغموا الياء في الياء وأصلها الدعاء بالحياة والتحية السلام وهذا المعنى هو المراد هنا ومثله قوله تعالى ) وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ( وإلى هذا ذهب جماعة المفسرين وروى عن مالك أن المراد بالتحية هنا تشميت العاطس وقال أصحاب أبي حنيفة التحية هنا الهدية لقوله ) أو ردوها ( ولا يمكن رد السلام بعينه وهذا فاسد لا ينبغي الإلتفات إليه والمراد بقوله ) فحيوا بأحسن منها ( أن يزيد في الجواب على ما قاله المبتدئ بالتحية فإذا قال المبتديء السلام عليكم قال المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وإذا زاد المبتديء لفظا زاد المجيب على الجملة ما جاء به المبتديء لفظا أو ألفاظا نحو وبركاته ومرضاته وتحياته قال القرطبي أجمع العلماء على ان الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها ورده فريضة لقوله ) فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( واختلفوا إذا رد واحد من جماعة هل يجزيء أو لا فذهب مالك والشافعي إلى الاجزاء وذهب الكوفيون إلى انه لا يجزيء عن غيره ويرد عليهم حديث على عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يجزيء عن الجماعة إذا مروا إن يسلم أحدهم ويجزيء عن الجلوس أن يرد أحدهم أخرجه أبو داود وفي إسناده سعيد بن خالد الخزاعي المدني وليس به بأس وقد ضعفه بعضهم وقد حسن الحديث ابن عبد البر ومعنى قوله ) أو ردوها ( الاقتصار على مثل اللفظ الذي جاء به المبتديء فإذا قال السلام عليكم قال المجيب وعليكم السلام وقد ورد في السنة المطهرة في تعيين من يبتديء بالسلام ومن يستحق التحية ومن لا يستحقها ما يغنى عن البسط ها هنا قوله ) إن الله كان على كل شيء حسيبا ( يحاسبكم على كل شيء وقيل معناه حفيظا وقيل كافيا من قولهم أحسبني كذا أي كفاني ومثله ) حسبك الله )
النساء : ( 87 ) الله لا إله . . . . .
قوله ) الله لا إله إلا هو ( مبتدأ وخبر واللام في قوله ) ليجمعنكم ( جواب قسم محذوف أي والله ليجمعنكم الله بالحشر إلى يوم القيامة أي إلى حساب يوم القيامة وقيل إلى بمعنى في وقيل إنها زائدة والمعنى ليجمعنكم يوم القيامة و ) يوم القيامة ( يوم القيام من القبور ) لا ريب فيه ( أي في يوم القيامة أو في الجمع أي جمعا لاريب فيه ) ومن أصدق من الله حديثا ( إنكار لأن يكون أحد أصدق منه سبحانه وقرأ حمزة والكسائي ومن ? أزدق ? بالزاي وقرأ الباقون بالصاد والصاد الأصل وقد تبدل زايا لقرب مخرجها منها
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي سنان في قوله ) وحرض المؤمنين ( قال عظهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) من يشفع شفاعة حسنة ( الآية قال


"""""" صفحة رقم 494 """"""
شفاعة الناس بعضهم لبعض وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) يكن له نصيب منها ( قال حظ منها وقوله ) كفل منها ( قال الكفل هو الإثم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال الكفل الحظ وأخرج ابن جرير والمنذر وابن أبي حاتم والبيهقى عن ابن عباس في قوله ) وكان الله على كل شيء مقيتا ( قال حفيظا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبدالله بن رواحة أنه سأله رجل عن قول الله ) وكان الله على كل شيء مقيتا ( قال يقيت كل إنسان بقدر عمله وفي إسناده رجل مجهول وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) مقيتا ( قال شهيدا وأخرج ابن جرير عنه ) مقيتا ( قال شهيدا حسيبا حفيظا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) مقيتا ( قال قادرا وأخرج ابن جرير عن السدي قال المقيت القدير وأخرج أيضا عن ابن زيد مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال المقيت الرزاق وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ذلك بأن الله يقول ) وإذا حييتم بتحية ( الآية وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند حسن عن سلمان الفارسي قال ( جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال السلام عليك يا رسول الله فقال وعليك ورحمة الله ثم أتى آخر فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله فقال وعليك ورحمة الله وبركاته ثم جاء آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال له وعليك فقال له الرجل يا نبي الله بأبي أنت وأمي أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي فقال إنك لم تدع لنا شيئا قال الله ) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( فرددناها عليك ) وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة ( أن رجلا مر على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في مجلس فقال سلام عليكم فقال عشر حسنات فمر رجل آخر فقال السلام عليكم وحمة الله فقال عشرون حسنة فمر رجل آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال ثلاثون حسنة ) وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر مرفوعا نحوه وأخرج البيهقي عن سهل بن حنيف مرفوعا نحوه أيضا وأخرج أحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والبيهقي عن عمران بن حصين مرفوعا نحوه أيضا وزاد بعد كل مرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رد عليه ثم قال عشر إلى آخره وأخرج أبو داود والبيهقي عن معاذ بن أنس الجهني مرفوعا نحوه وزاد بعد قوله وبركاته ومغفرته فقال أربعون يعني حسنة
النساء 88 - 91 91


"""""" صفحة رقم 495 """"""
النساء : ( 88 ) فما لكم في . . . . .
الاستفهام في قوله ) ما لكم ( للإنكار واسم الاستفهام مبتدأ وما بعده خبره والمعنى أي شيء كائن لكم ) في المنافقين ( أي في أمرهم وشأنهم حال كونكم ) فئتين ( في ذلك وحاصله الإنكار على المخاطبين أن يكون لهم شيء يوجب اختلافهم في شأن المنافقين وقد اختلف النحويون في انتصاب فئتين فقال الأخفش والبصريون على الحال كقولك مالك قائما وقال الكوفيون انتصابه على أنه خبر لكان وهي مضمرة والتقدير فما لكم في المنافقين كنتم فئتين وسبب نزول الآية ما سيأتي وبه يتضح المعنى وقوله ) والله أركسهم ( معناه ردهم إلى الكفر ) بما كسبوا ( وحكى الفراء والنضر بن شميل والكسائي اركسهم وركسهم أي ردهم إلى الكفر ونكسهم فالركس والنكس قلب الشيء على رأسه أو رد أوله إلى آخره والمنكوس المركوس وفي قراءة عبدالله بن مسعود وأبي ? والله ركسهم ? ومنه قول عبدالله بن رواحة اركسوا في فئة مظلمة
كسواد الليل يتلوها فتن
والباء في قوله ? بما كسبوه ? سببية أي أركسهم بسبب كسبهم وهو لحوقهم بدار الكفر والاستفهام في قوله ) أتريدون أن تهدوا من أضل الله ( للتقريع والتوبيخ وفيه دليل على أن من أضله الله لا تنجع فيه هداية البشر ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ( قوله ) ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ( أي طريقا إلى الهداية
النساء : ( 89 ) ودوا لو تكفرون . . . . .
قوله ) ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء ( هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هؤلاء المنافقين وإيضاح أنهم يودون أن يكفر المؤمنون كما كفروا ويتمنوا ذلك عنادا و غلوا في الكفر وتماديا في الضلال فالكاف في قوله ) كما ( نعت مصدر محذوف أي كفرا مثل كفرهم أو حال كما روى عن سيبويه قوله ) فتكونون سواء ( عطف على قوله ) تكفرون ( داخل في حكمه أي ودوا كفركم ككفرهم وودوا مساواتكم لهم قوله ) فلا تتخذوا منهم أولياء ( جواب شرط محذوف أي إذا كان حالهم ما ذكر فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا ويحققوا إيمانهم بالهجرة ) فإن تولوا ( عن ذلك ) فخذوهم ( إذا قدرتم عليهم ) واقتلوهم حيث وجدتموهم ( في الحل والحرم ) ولا تتخذوا منهم وليا ( توالونه ) ولا نصيرا ( تستنصرون به
النساء : ( 90 ) إلا الذين يصلون . . . . .
قوله ) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ( هو مستثنى من قوله ) فخذوهم واقتلوهم ( أي إلا الذين يتصلون ويدخلون في قوم بينكم وبينهم ميثاق بالجوار والحلف فلا تقتلوهم لما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد وميثاق فإن العهد يشملهم هذا أصح ما قيل في معنى الآية وقيل الاتصال هنا هو اتصال النسب والمعنى إلا الذين ينتسبون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق قاله أبو عبيدة


"""""" صفحة رقم 496 """"""
وقد أنكر ذلك أهل العلم عليه لأن النسب لا يمنع من القتال بالإجماع فقد كان بين المسلمين وبين المشركين أنساب ولم يمنع ذلك من القتال وقد اختلف في هؤلاء القوم الذين كان بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ميثاق فقيل هم قريش كان بينهم وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ميثاق ) والذين يصلون ( إلى قريش هم بنو مدلج وقيل نزلت في هلال بن عويمر وسراقة بن جعشم وخزيمة بن عامر بن عبد مناف كان بينهم وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عهد وقيل خزاعة وقيل بنو بكر بن زيد قوله ) أو جاؤوكم حصرت صدورهم ( عطف على قوله ) يصلون ( داخل في حكم الاستثناء أي لا الذين يصلون والذين جاءوكم ويجوز أن يكون عطفا على صفة قوم أي إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق والذين يصلون إلى قوم جاءوكم حصرت صدورهم أي ضاقت صدورهم عن القتال فأمسكوا عنه والحصر الضيق والإنقباض قال الفراء وهو أي حصرت صدورهم حال من المضمر المرفوع في جاءوكم كما تقول جاء فلان ذهب عقله أي قد ذهب عقله وقال الزجاج هو خبر بعد خبر أي جاءوكم ثم أخبر فقال ) حصرت صدورهم ( فعلى هذا يكون حصرت بدلا من جاءوكم وقيل حصرت في موضع خفض على النعت لقوم وقيل التقدير أو جاءوكم رجال أو قوم حصرت صدروهم وقرأ الحسن ) أو جاؤوكم حصرت صدورهم ( نصبا على الحال وقريء حصرات وحاصرات وقال محمد بن يزيد المبرد حصرت صدورهم هو دعاء عليهم كما تقول لعن الله الكافر وضعفه بعض المفسرين وقيل أو بمعنى الواو وقوله ) أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ( هو متعلق بقوله ) حصرت صدورهم ( أي حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم لقومهم فضاقت صدورهم عن قتال الطائفتين وكرهوا ذلك ) ولو شاء الله لسلطهم عليكم ( ابتلاء منه لكم واختبارا كما قال سبحانه ) ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ( أو تمحيصا لكم أو عقوبة بذنوبكم ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك واللام في قوله ) فلقاتلوكم ( جواب لو على تكرير الجواب أي لو شاء الله لسلطهم ولقاتلوكم والفاء للتعقيب ) فإن اعتزلوكم ( ولم يتعرضوا لقتالكم ) وألقوا إليكم السلم ( أي استسلموا لكم وانقادوا ) فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ( أي طريقا فلا يحل لكم قتلهم ولا أسرهم ولا نهب أموالهم فهذا الاستسلام يمنع من ذلك ويحرمه
النساء : ( 91 ) ستجدون آخرين يريدون . . . . .
) ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم ( فيظهرون لكم الإسلام ويظهرون لقومهم الكفر ليأمنوا من كلا الطائفتين وهم قوم من أهل تهامة طلبوا الأمان من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليأمنوا عنده وعند قومهم وقيل هي في قوم من أهل مكة وقيل في نعيم بن مسعود فإنه كان يأمن المسلمين والمشركين وقيل في قوم من المنافقين وقيل في أسد وغطفان ) كل ما ردوا إلى الفتنة ( أي دعاهم قومهم إليها وطلبوا منهم قتال المسلمين ) أركسوا فيها ( أي قلبوا فيها فرجعوا إلى قومهم وقاتلوا المسلمين ومعنى الارتكاس الانتكاس ) فإن لم يعتزلوكم ( يعني هؤلاء الذي يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم ) ويلقوا إليكم السلم ( أي يستسلمون لكم ويدخلون في عهدكم وصلحكم وينسلخون عن قومهم ) ويكفوا أيديهم ( عن قتالكم ) فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم ( أي حيث وجدتموهم وتمكنتم منهم ) وأولئكم ( الموصوفون بتلك الصفات ) جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ( أي حجة واضحة تتسلطون بها عليهم وتقهرونهم بها بسبب ما في قلوبهم من المرض وما في صدورهم من الدغل وارتكاسهم في الفتنة بأيسر عمل وأقل سعي
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث زيد بن ثابت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم


"""""" صفحة رقم 497 """"""
وفرقة تقول لا فأنزل الله ) فما لكم في المنافقين فئتين ( الآية كلها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة هذا أصح ما روى في سبب نزول الآية وقد رويت أسباب غير ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) والله أركسهم ( يقول أوقعهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال ردهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ( قال نزلت في هلال بن عويمر وسراقة بن مالك المدلجي وفي بني خزيمة بن عامر ابن عبد مناف وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عنه في قوله ) إلا الذين يصلون ( الآية قال نسختها براءة ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي ) حصرت صدورهم ( يقول ضاقت صدورهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع ) وألقوا إليكم السلم ( قال الصلح وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فإن اعتزلوكم ( الآية قال نسختها ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن جرير عن الحسن وعكرمة في هذه الآية قال نسختها براءة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ستجدون آخرين ( الآية قال ناس من أهل مكة كانوا يأتون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيسلمون رياء ثم يرجعون إلى قومهم فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا ها هنا وهاهنا فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصالحوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة أنهم ناس كانوا بتهامة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في نعيم ابن مسعود
النساء 92 - 93
النساء : ( 92 ) وما كان لمؤمن . . . . .
قوله ) وما كان لمؤمن ( هذا النفي هو بمعنى النهي المقتضي للتحريم كقوله ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( ولو كان هذا النفي على معناه لكان خبرا وهو يستلزم صدقه فلا يوجد مؤمن قتل مؤمنا قط وقيل المعنى ما كان له ذلك في عهد الله وقيل ما كان له ذلك فيما سلف كما ليس له الآن ذلك بوجه ثم استثنى منه استثناء منقطعا فقال إلا خطأ أي ما كان له أن يقتله البتة لكن إن قتله خطأ فعليه كذا هذا قول سيبويه والزجاج وقيل هو استثناء متصل والمعنى وما ثبت ولا وجد ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطا إذ هو مغلوب حينئذ وقيل المعنى ولا خطأ قال النحاس ولا يعرف ذلك في كلام العرب ولا يصح في المعنى لأن الخطأ لا يحظر وقيل إن المعنى ما ينبغي أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده فيكون قوله خطأ منتصبا بأنه مفعول له


"""""" صفحة رقم 498 """"""
ويجوز أن ينتصب على الحال والتقدير لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف أي إلا قتلا خطأ ووجوه الخطأ كثيرة ويضبطها عدم القصد والخطأ الإسم من أخطأ خطأ إذا يتعمد قوله ) فتحرير رقبة مؤمنة ( أي فعليه تحرير رقبة مؤمنة يعتقها كفارة عن قتل الخطأ وعبر بالرقبة عن جميع الذات
واختلف العلماء في تفسير الرقبة المؤمنة فقيل هي التي صلت وعقلت الإيمان فلا تجزيء الصغيرة وبه قال ابن عباس والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وغيرهم وقال عطاء بن أبي رباح إنها تجزيء الصغيرة المولودة بين مسلمين وقال جماعة منهم مالك والشافعي يجزيء كل من حكم له بوجوب الصلاة عليه إن مات ولا يجزيء في قول جمهور العلماء أعمى ولا مقعد ولا أشل ويجزيء عند الأكثر الأعرج والأعور قال مالك إلا أن يكون عرجا شديدا ولا يجزيء عند أكثرهم المجنون وفي المقام تفاصيل طويلة مذكورة في علم الفروع قوله ) ودية مسلمة إلى أهله ( الدية ما تعطى عوضا عن دم المقتول إلى ورثته والمسلمة المدفوعة المؤداة والأهل المراد بهم الورثة وأجناس الدية وتفاصيلها قد بينتها السنة المطهرة قوله ) إلا أن يصدقوا ( أي إلا أن يتصدق أهل المقتول على القاتل بالدية سمي العفو عنها صدقة ترغيبا فيه وقرأ أبي إلا يتصدقوا وهذه الجملة المستثناة متعلقة بقوله ) فدية مسلمة ( أي فعليه دية مسلمة إلا أن يقع العفو من الورثة عنها قوله ) فإن كان من قوم عدو لكم ( أي فإن كان المقتول من قوم عدو لكم وهم الكفار الحربيون وهذه مسئلة المؤمن الذي يقتله المسلمون في بلاد الكفار الذين كان منهم ثم أسلم ولم يهاجر وهم يظنون أنه لم يسلم وأنه باق على دين قومه فلا دية على قاتله بل عليه تحرير رقبة مؤمنة واختلفوا في وجه سقوط الدية فقيل وجهه أن أولياء القتيل كفار لا حق لهم في الدية وقيل وجهه أن هذا الذي آمن ولم يهاجر حرمته قليلة لقول الله تعالى ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ( وقال بعض أهل العلم إن ديته واجبة لبيت المال قوله ) وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ( أي مؤقت أو مؤبد وقرأ الحسن ) وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ( أي فعلى قاتله دية مؤداة إلى أهله من أهل الإسلام وهم ورثته ) وتحرير رقبة مؤمنة ( كما تقدم ) فمن لم يجد ( أي الرقبة ولا اتسع ماله لشرائها ) فصيام شهرين متتابعين ( أي فعليه صيام شهرين متتابعين لم يفصل بين يومين من أيام صومهما إفطار في نهار فلو أفطر استأنف هذا قول الجمهور وأما الإفطار لعذر شرعي كالحيض ونحوه فلا يوجب الاستئناف واختلف في الإفطار لعرض المرض قوله ) توبة من الله ( منصوب على أنه مفعول له أي شرع ذلك لكم توبة أي قبولا لتوبتكم أو منصوب على المصدرية أي تاب عليكم توبة وقيل منصوب على الحال أي حال كونه ذا توبة كائنة من الله
النساء : ( 93 ) ومن يقتل مؤمنا . . . . .
قوله ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ( لما بين سبحانه حكم القاتل خطأ بين حكم القاتل عمدا
وقد اختلف العلماء في معنى العمد فقال عطاء والنخعي وغيرهما هو القتل بحديدة كالسيف والخنجر وسنان الرمح ونحو ذلك من المحدد أو بما يعلم أن فيه الموت من ثقال الحجارة ونحوها وقال الجمهور إنه كل قتل من قاتل قاصد للفعل بحديدة أو بحجر أو بعصى أو بغير ذلك وقيده بعض أهل العلم بأن يكون بما يقتل مثله في العادة وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن القتل ينقسم إلى ثلاثة أقسام عمد وشبه عمد وخطأ واستدلوا على ذلك بأدلة ليس هذا مقام بسطها وذهب آخرون إلى أن ينقسم إلى قسمين عمد وخطأ ولا ثالث لهما واستدلوا بأنه ليس في القرآن إلا القسمان ويجاب عن ذلك بأن اقتصار القرآن على القسمين لا ينفي ثبوت قسم ثالث بالسنة وقد ثبت ذلك في السنة وقد جاءت هذه الآية بتغليظ عقوبة القاتل عمدا فجمع الله له فيها بين كون جهنم جزاء


"""""" صفحة رقم 499 """"""
له أي يستحقها بسبب هذا الذنب وبين كونه خالدا فيها وبين غضب الله عليه ولعنته له وإعداده له عذابا عظيما وليس وراء هذا التشديد تشديد ولا مثل هذا الوعيد وعيد وانتصاب خالدا على الحال وقوله ) وغضب الله عليه ( معطوف على مقدر يدل عليه السياق أي جعل جزاءه جهنم أو حكم عليه أو جازاه وغضب عليه وأعد له
وقد اختلف العلماء هل لقاتل العمد من توبة أم لا توبة له فروى البخاري عن سعيد بن جبير قال اختلف فيها علماء أهل الكوفة فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها فقال نزلت هذه الآية ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( وهي آخر ما نزل وما نسختها شيء وقد روى النسائي عنه نحو هذا وروى النسائي عن زيد بن ثابت نحوه وممن ذهب إلى أنه لا توبة له من السلف أبو هريرة وعبدالله بن عمرو وأبو سلمة وعبيد بن عمير والحسن وقتادة والضحاك ابن مزاحم نقله ابن أبي حاتم عنهم وذهب الجمهور إلى أن التوبة منه مقبولة واستدلوا بمثل قوله تعالى ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( وقوله ) وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( وقوله ) ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( قالوا أيضا والجمع ممكن بين آية النساء هذه وآية الفرقان فيكون معناهما فجزاؤه جهنم إلا من تاب لا سيما وقد اتحد السبب وهو القتل والموجب وهو التوعد بالعقاب واستدلوا أيضا بالحديث المذكور في الصحيحين عن عبادة بن الصامت أنه ( صلى الله عليه وسلم ) ( قال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ثم قال فمن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ) وبحديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم في صحيحه وغيره في الذي قتل مائة نفس وذهب جماعة منهم أبو حنيفة وأصحابه والشافعي إلى أن القاتل عمدا داخل تحت المشيئة تاب أو لم يتب وقد أوضحت في شرحي على المنتقى متمسك كل فريق
والحق أن باب التوبة لم يغلق دون كل عاص بل هو مفتوح لكل من قصده ورام الدخول منه وإذا كان الشرك وهو أعظم الذنوب وأشدها تمحوه التوبة إلى الله ويقبل من صاحبه الخروج منه والدخول في باب التوبة فكيف بما دونه من المعاصي التي من جملتها القتل عمدا لكن لا بد في توبة قاتل العمد من الاعتراف بالقتل وتسليم نفسه للقصاص إن كان واجبا أو تسيم الدية إن لم يكن القصاص واجبا وكان القاتل غنيا متمكنا من تسليمها أو بعضها وأما مجرد التوبة من القاتل عمدا وعزمه على أن لا يعود إلى قتل أحد من دون اعتراف ولا تسليم نفس فنحن لا نقطع بقبولها والله أرحم الراحمين هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ( يقول ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه من عهد الله الذي عهد إليه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وما كان لمؤمن ( الآية قال إن عياش بن أبي ربيعة قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه هو وأبو جهل وهو أخوه لأمه في اتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعياش يحسب أن ذلك الرجل كافر
وأوضح من هذا السياق ما أخرجه ابن جرير عن عكرمة قال كان الحارث بن يزيد من بني عامر بن لؤي يعذب عياش بن أبي ربيعة مع أبي جهل ثم خرج مهاجرا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يعني الحارث فلقيه عياش بالحرة فعلاه بالسيف وهو يحسب أنه كافر ثم جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فنزلت ) وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ( الآية فقرأها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليه ثم قال له قم فحرر وأخرجه ابن جرير وابن المنذر عن السدي بأطول من هذا وقد روى من طرق غير هذه وأخرج ابن جرير عن


"""""" صفحة رقم 500 """"""
ابن زيد قال نزلت في رجل قتله أبو الدرداء كان في سرية فعدل أبو الدرداء إلى شعب يريد حاجة له فوجد رجلا من القوم في غنم فحمل عليه بالسيف فقال لا إله إلا الله فضربه وأخرج ابن منده وأبو نعيم نحو ذلك ولكن فيه أن الذي قتل المتعوذ بكلمة الشهادة هو بكر بن حارثة الجهنى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فتحرير رقبة مؤمنة ( قال يعنى بالمؤمنة من قد عقل الإيمان وصلى وكل رقبة في القرآن لم تسم مؤمنة فإنه يجوز المولود فما فوقه ممن ليس به زمانة وفي قوله ) ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا ( قال عليه الدية مسلمة إلا أن يتصدق بها عليه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال في حرف أبي فتحرير رقبة مؤمنة لا يجزىء فيها صبى وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والبيهقي عن أبي هريرة ( أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بجارية سوداء فقال يا رسول الله إن علي عتق رقبة مؤمنة فقال لها أين الله فأشارت إلى السماء بأصبعها فقال لها فمن أنا فأشارت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإلى السماء أي أنت رسول الله فقال أعتقها فإنها مؤمنة ) وقد روى من طرق وهو في صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي وقد وردت أحاديث في تقدير الدية وفي الفرق بين دية الخطأ ودية شبه العمد ودية المسلم ودية الكافر وهي معروفة فلا حاجة لنا في ذكرها في هذا الموضع وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن إبراهيم النخعى في قوله ) ودية مسلمة إلى أهله ( قال هذا المسلم الذي ورثته مسلمون ) فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ( قال هذا الرجل المسلم وقومه مشركون وليس بينهم وبين رسول الله عقد ) وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ( قال هذا الرجل المسلم وقومه مشركون وبينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عقد فيقتل فيكون ميراثه للمسلمين وتكون ديته لقومه لأنهم يعقلون عنه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ( يقول فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن فقتله خطأ فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين ولا دية عليه وفي قوله ) وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ( يقول إذا كان كافرا في ذمتكم فقتل فعلى قاتله الدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق عطاء بن السائب عن أبي عياض قال كان الرجل يجيء فيسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم فيهم فتغزوهم جيوش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيقتل الرجل فيمن يقتل فأنزل الله هذه الآية ) فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ( وليست له دية وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من طريق عطاء بن السائب عن أبي يحيى عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) توبة من الله ( يعني تجاوزا من الله لهذه الأمة حيث جعل في قتل الخطأ الكفارة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة أن رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس بن صبابة فأعطاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الدية فقبلها ثم وثب على قاتل أخيه وفيه نزلت الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وفيه أن مقيس بن صبابة لحق بمكة بعد ذلك وارتد عن الاسلام وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( بعد التي في سورة الفرقان بثمان سنين وهى قوله ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ( إلى قوله ) غفورا رحيما ( وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني عن زيد بن ثابت أن قوله ) ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( نزلت بعد قوله ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ( بستة أشهر وأخرج ابن المنذر عنه قال نزلت


"""""" صفحة رقم 501 """"""
هذه الآية في النساء يعد قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء بأربعة أشهر والآثار عن الصحابة في هذا كثيرة جدا والحق ما عرفناك
النساء 94
النساء : ( 94 ) يا أيها الذين . . . . .
هذا متصل بذكر الجهاد والضرب السير في الأرض تقول العرب ضربت في الأرض إذا سرت لتجار أو غزوة أو غيرهما وتقول ضربت الأرض بدون في إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا يخرج رجلان يضربان الغائط ) قوله ) فتبينوا ( من التبين وهو التأمل وهي قراءة الجماعة إلا حمزة فإنه قرأ ( فتثبتوا ) من التثبت واختار القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم قالا لأن من أمر بالتبين فقد أمر بالتثبت وإنما خص السفر بالأمر بالتبين مع أن التبين والتثبت في أمر القتل واجبان حضرا وسفرا بلا خلاف لأن الحادثة التي هي سبب نزول الآية كانت في السفر كما سيأتي قوله ) ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ( وقرىء السلام معناهما واحد واختار أبو عبيدة السلام وخالفه أهل النظر فقالوا السلم هنا أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسليم والمراد هنا لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمنا فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام وقيل هما بمعنى الإسلام أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم الإسلام أي كلمته وهى الشهادة لست مؤمنا وقيل هما بمعنى التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام أي لا تقولوا لمن القى إليكم التسليم فقال السلام عليكم لست مؤمنا والمراد نهى المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعودا وتقيمة وقرأ أبو جعفر ) لست مؤمنا ( من أمنه إذا أجرته فهو مؤمن
وقد استدل بهذه الآية على أن من قتل كافرا بعد أن قال لا إله إلا الله قتل به لأنه قد عصم بهذه الكلمة دمه وماله وأهله وإنما سقط القتل عمن وقع منه ذلك في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم تأولوا وظنوا أن من قالها خوفا من السلاح لا يكون مسلما ولا يصير بها دمه معصوما وأنه لا بد من أن يقول هذه الكلمة وهو مطئمن غير خائف وفي حكم التكلم بكلمة الإسلام إظهار الانقياد بأن يقول أنا مسلم أو أنا على دينكم لما عرفت أن معنى الآية الاستسلام والانقياد وهو يحصل بكل ما يشعر بالإسلام من قول أو فعل ومن جملة ذلك كلمة الشهادة وكلمة التسليم فالقولان الاخران في معنى الآية داخلان تحت القول الأول قوله ) تبتغون عرض الحياة الدنيا ( الجملة في محل نصب على الحال أي لا تقولوا تلك المقالة طالبين الغنيمة على أن يكون النهي راجعا إلى القيد والمقيد لا إلى القيد فقط وسمي متاع الدنيا عرضا لأنه عارض زائل غير ثابت قال أبو عبيدة يقال جميع متاع الدنيا عرض بفتح الراء وأما العرض بسكون الراء فهو ما سوى الدنانير والدراهم فكل عرض بالسكون عرض بالفتح وليس كل عرض بالفتح عرضا بالسكون وفي كتاب العين العرض ما نيل من الدنيا ومنه قوله تعالى ) تريدون عرض الدنيا ( وجمعه عروض وفي المجمل لابن فارس والعرض ما يعترض الأنسان من مرض ونحوه وعرض الدنيا ما كان فيها من مال قل أو كثر والعرض من اثاث ما كان غير نقد قوله ) فعند الله مغانم كثيرة ( هو تعليل للنهي أي عند الله مما هو حلال لكم من دون ارتكاب محظور مغانم كثيرة تغتنمونها وتستغنون


"""""" صفحة رقم 502 """"""
بها عن قتل من قد استسلم وانقاد واغتنام ماله ) كذلك كنتم من قبل ( أي كنتم كفارا محقنت دماؤكم لما تكلمتم بكلمة الشهادة أو كذلك كنتم من قبل تخفون إيمانكم عن قومكم خوفا على أنفسكم حتى من الله عليكم بإعزاز دينه فأظهرتم الإيمان وأعلنتم به وكرر الأمر بالتبين للتأكيد عليهم لكونه واجبا لا فسحة فيه ولا رخصة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال لحق ناس من المسلمين رجلا معه غنيمة له فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يسوق غنما له فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا فعدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ( وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي قال بعثنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى إضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحرث بن ربعي ومحلم بن جثمامة بن قيس الليثي فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له معه متيع ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام فامسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة لشيء كان بينه وبينه فقلته وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن ) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ( الآية وفي لفظ عند ابن إسحاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من حديث أبي حدرد هذا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لمحلم أقتلته بعد ما قال آمنت بالله فنزل القرآن وأخرج ابن جرير من حديث ابن عمر أن محلما جلس بين يدي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليستغفر له فقال لا غفر الله لك فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت به ساعة حتى مات ودفنوه فلفظته الأرض فجاءوا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكروا ذلك له فقال إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم ثم طرحوه في جبل والقوا عليه الحجارة فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم ( الآية وأخرج البزار والدارقطني في الإفراد والطبراني والضياء في المختارة عن ابن عباس أن سبب نزول الآية أن المقداد بن الأسود قتل رجلا بعد ما قال لا إله إلا الله وفي سبب النزول روايات كثيرة وهذا الذي ذكرناه أحسنها وأخرج عبدالرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) كذلك كنتم من قبل ( قال تستخفون بإيمانكم كما استخفى هذا الراعي بإيمانه يعني الذي قتلوه بعد أن ألقى إليهم السلام وفي لفظ تكتمون إيمانكم من المشركين ) فمن الله عليكم ( فأظهر الإسلام فأعلنتم إيمانكم ) فتبينوا ( قال وعيد من الله ثان وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) كذلك كنتم من قبل ( قال كنتم كفارا حتى من الله عليكم بالإسلام وهداكم له
النساء 95 - 96


"""""" صفحة رقم 503 """"""
النساء : ( 95 ) لا يستوي القاعدون . . . . .
التفاوت بين درجات من قعد عن الجهاد من غير عذر ودرجات من جاهد في سبيل الله بماله ونفسه وإن كان معلوما لكن أراد سبحانه بهذا الإخبار تنشيط المجاهدين ليرغبوا وتبكيت القاعدين ليأنفوا قوله ) غير أولي الضرر ( قرأ أهل الكوفة وأبو عمرو بالرفع على أنه وصف للقاعدين كما قال الأخفش لأنهم لا يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير وقرأ أبو حيوة بكسر الراء على أنه وصف للمؤمنين وقرأ أهل الحرمين بفتح الراء على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين أي إلا اولي الضرر فإنهم يستوون مع المجاهدين ويجوز أن يكون منتصبا على الحال من القاعدين أي لا يستوي القاعدون الأصحاء في حال صحتهم وجازت الحال منهم لأن لفظهم لفظ المعرفة قال العلماء أهل الضرر هم أهل الأعذار لأنها أضرت بهم حتى منعتهم عن الجهاد وظاهر النظم القرآني أن صاحب العذر يعطى مثل أجر المجاهد وقيل يعطى أجره من غير تضعيف فيفضله المجاهد بالتضعيف لأجل المباشرة قال القرطبي والأول أصح إن شاء الله للحديث الصحيح في ذلك ( إن بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سرتم مسيرا إلا كانوا معكم أولئك قوم حبسهم العذر ) قال وفي هذا المعنى ما ورد في الخبر ( إذا مرض العبد قال الله تعالى اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي ) قوله ) فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ( هذا بيان لما بين الفريقين من التفاضل المفهوم من ذكر عدم الاستواء إجمالا والمراد هنا غير اولي الضرر حملا للمطلق على المقيد وقال هنا ) درجة ( وقال فيما بعد ) درجات ( فقال قوم التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد وقال آخرون فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة واحدة وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضرر بدرجات قاله ابن جريج والسدي وغيرهما وقيل إن معنى درجة علوا أي اعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح ودرجة منتصبة على التمييز أو المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل أي فضل الله تفضيله أو على نزع الخافض أو على الحالية من المجاهدين أي ذوي درجة قوله ) وكلا ( مفعول أول لقوله ) وعد الله ( قدم عليه لإفادته القصر أي كل واحد من المجاهدين والقاعدين وعده الله الحسنى أي المثوبة وهي الجنة قوله ) أجرا ( هو منتصب على التمييز وقيل على المصدرية لأن فضل بمعنى آجر فالتقدير آجرهم أجرا وقيل مفعول ثان لفضل لتضمنه معنى الإعطاء وقيل منصوب بنزع الخافض وقيل على الحال من درجات مقدم عليها
النساء : ( 96 ) درجات منه ومغفرة . . . . .
وأما انتصاب درجات ومغفرة ورحمة فهي بدل من أجرا وقيل إن مغفرة ورحمة ناصبهما أفعال مقدرة أي غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن زيد بن ثابت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أملى عليه ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ) فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) وفخذه على فخذي ) غير أولي الضرر ( وقد أخرج هذا المعنى عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث البراء وأخرجه أيضا سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه من حديث خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي


"""""" صفحة رقم 504 """"""
في سننه عن ابن عباس قال ) لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ( عن بدر والخارجون إلى بدر وأخرجه عنه أيضا عبدالرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وأخرج عبد بن حميد والطبراني والبيهقي عنه قال نزلت في قوم كانت تشغلهم أمراض وأوجاع فأنزل الله عذرهم من السماء وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أنس بن مالك قال نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم ولقد رأيته في بعض مشاهد المسلمين معه اللواء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله ) فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ( قال على أهل الضرر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وكلا وعد الله الحسنى ( قال الجنة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال كان يقال الإسلام درجة والهجرة درجة في الإسلام والجهاد في الهجرة درجة والقتل في الجهاد درجة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن محيريز في قوله ) درجات ( قال الدرجات سبعون درجة ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين سنة وأخرج نحوه عبدالرزاق في المصنف عن أبي مجلز وأخرج البخاري والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلا الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة )
النساء 97 - 100
النساء : ( 97 ) إن الذين توفاهم . . . . .
قوله ) توفاهم ( يحتمل أن يكون فعلا ماضيا وحذفت منه علامة التأنيث لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي ويحتمل أن يكون مستقبلا والأصل تتوفاهم فحذفت إحدى التائين وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار وقيل تقبض أرواحهم وهو الأظهر والمراد بالملائكة ملائكة الموت لقوله تعالى ) قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ( وقوله ) ظالمي أنفسهم ( حال أي في حال ظلمهم أنفسهم وقول الملائكة فيم كنتم سؤال توبيخ أي في شيء كنتم من أمور دينكم وقيل المعنى أكنتم في أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أم كنتم مشركين وقيل إن معنى السؤال التقريع لهم بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين وقولهم ) كنا مستضعفين في الأرض ( يعني مكة لأن سبب النزول من أسلم بها ولم يهاجر كما سيأتي ثم أوقفتهم الملائكة على دينهم وألزمتهم الحجة وقطعت معذرتهم فقالوا ) ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ( قيل المراد بهذه الأرض المدينة والأولى العموم اعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو الحق فيراد بالأرض كل بقعة من بقاع الأرض تصلح


"""""" صفحة رقم 505 """"""
للهجرة إليها ويراد بالأرض الأولى كل أرض ينبغي الهجرة منها قوله ) مأواهم جهنم ( هذه الجملة خبر لأولئك والجملة خبر إن في قوله ) إن الذين توفاهم الملائكة ( ودخول الفاء لتضمن اسم إن معنى الشرط ) وساءت ( أي جهنم ) مصيرا ( أي مكانا يصيرون إليه
النساء : ( 98 ) إلا المستضعفين من . . . . .
قوله ) إلا المستضعفين ( هو استثناء من الضمير في مأواهم وقيل استنثاء منقطع لعدم دخول المستضعفين في الموصول وضميره وقوله ) من الرجال والنساء والولدان ( متعلق بمحذوف أي كائنين منهم والمراد بالمستضعفين من الرجال الزمني ونحوهم والولدان كعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام وإنما ذكر الولدان مع عدم التكليف لهم القصد المبالغة في أمر الهجرة وإيهام أنها تجب لو استطاعها غير المكلف فيكف من كان مكلفا وقيل أراد بالولدان المراهقين والمماليك قوله ) لا يستطيعون حيلة ( صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان أو حال من الضمير في المستضعفين وقيل الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص أي لا يجدون حيلة ولا طريقا إلى ذلك وقيل السبيل سبيل المدينة
النساء : ( 99 ) فأولئك عسى الله . . . . .
) فأولئك ( إشارة إلى المستضعفين الموصوفين بما ذكر ) عسى الله أن يعفو عنهم ( وجيء بكلمة الإطماع لتأكيد أمر الهجرة حتى يظن أن تركها ممن لا تجب عليه يكون ذنبا يجب طلب العفو عنه
النساء : ( 100 ) ومن يهاجر في . . . . .
قوله ) ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ( هذه الجملة متضمنة للترغيب في الهجرة والتنشيط إليها وقوله ) في سبيل الله ( فيه دليل على أن الهجرة لابد أن تكون بقصد صحيح ونية خالصة غير مشوبة بشيء من أمور الدنيا ومنه الحديث الصحيح ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إمرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه )
وقد اختلف في معنى قوله سبحانه ) يجد في الأرض مراغما ( فقال ابن عباس وجماعة من التابعين ومن بعدهم المراغم المتحول والمذهب وقال مجاهد المراغم المتزحزح وقال ابن زيد المراغم المهاجر وبه قال أبو عبيدة قال النحاس فهذه الأقوال متفقة المعاني فالمراغم المذهب والمتحول وهو الموضع الذي يراغم فيه وهو مشتق من الرغام وهو التراب ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب وراغمت فلانا هجرته وعاديته ولم ابال أن رغم أنفه وقيل إنما سمي مهاجرا ومراغما لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمى خروجه مراغما وسمي مسيره إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هجرة والحاصل في معنى الآية أن المهاجر يجد في الأرض مكانا يسكن فيه على رغم أنف قومه الذين هاجرهم أي على ذلهم وهوانهم قوله ) وسعة ( أي في البلاد وقيل في الرزق ولا مانع من حمل السعة على ما هو أعم من ذلك قوله ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ( قرئ يدركه بالجزم على أنه معطوف على فعل الشرط وبالرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف وبالنصب على إضمار أن والمعنى أن من أدركه الموت قبل أن يصل إلى مطلوبه وهو المكان الذي قصد الهجرة إليه أو الأمر الذي قصد الهجرة له ) فقد وقع أجره على الله ( أي ثبت ذلك عنده ثبوتا لا يتخلف ) وكان الله غفورا ( أي كثير المغفرة ) رحيما ( أي كثير الرحمة وقد استدل بهذه الآية على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهارا إذا كان قادرا على الهجرة ولم يكن من المستضعفين لما في هذه الآية الكريمة من العموم وإن كان السبب خاصا كما تقدم وظاهرها عدم الفرق بين مكان ومكان وزمان وزمان وقد ورد في الهجرة أحاديث وورد ما يدل على أنه لا هجرة بعد الفتح وقد أوضحنا ما هو الحق في شرحنا على المنتقي فليرجع إليه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كان قوم


"""""" صفحة رقم 506 """"""
من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم وقتل بعض فقال المسلمون قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت بهم هذه الآية ) إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ( قال فكتب إلى من بقي بمكة من المسلمين بهذه الآية وأنه لا عذر لهم فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة فنزلت فيهم هذه الآية ) ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله ( إلى آخر الآية فكتب المسلمون إليهم بذلك فحزنوا وأيسوا من كل خير فنزلت فيهم ) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ( فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجا فاخرجوا فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل وقد أخرجه البخاري وغيره عنه مقتصرا على أوله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) إن الذين توفاهم الملائكة ( إلى قوله ) وساءت مصيرا ( قال نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحارث بن ربيعة بن الأسود وقيس بن الوليد ابن المغيرة وأبي العاص بن منبه بن الحجاج وعلي بن أمية بن خلف قال لما خرج المشركون من قريش واتباعهم لمنع أبي سفيان بن حرب وعير قريش من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه وأن يطلبوا ما نيل منهم يوم نخلة خرجوا معهم بشباب كارهين كانوا قد أسلموا واجتعموا ببدر على غير موعد فقتلوا ببدر كفارا ورجعوا عن الإسلام وهم هؤلاء الذين سميناهم وأخرج نحوه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق وقد روى نحو هذا من طرق وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية ) إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ( فقال كنت أنا وأمي من المستضعفين أنا من الولدان وأمي من النساء وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) لا يستطيعون حيلة ( قال قوة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عكرمة في قوله لا يستطيعون حيلة قال نهوضا إلى المدينة ) ولا يهتدون سبيلا ( قال طريقا إلى المدينة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) مراغما كثيرا وسعة ( قال المراغم المتحول من أرض إلى أرض والسعة الرزق واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) مراغما ( قال متزحزحا عما يكره وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله ) وسعة ( قال ورخاء وأخرج أيضا عن مالك قال سعة البلاد وأخرج أبو يعلى وابن أبي حاتم والطبراني قال السيوطي بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا فقال لقومه احملوني فأخرجوني من أرض الشرك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزل الوحي ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من وجه آخر عنه نحوه وأخرج ابن سعد وأحمد والحاكم وصححه عن عبدالله بن عتيك قال سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ( من خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله وأين المجاهدون في سبيل الله فخر عن دابته فمات فقد وقع أجره على الله أو لدغته دابة فمات فقد وقع أجره على الله أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله يعني بحتف أنفه على فراشه والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومن قتل قعصاء فقد استوجب الجنة ) وأخرج أبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من خرج حاجا فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة ) قال ابن كثير وهذا حديث غريب من هذا الوجه


"""""" صفحة رقم 507 """"""
النساء 101 - 102
النساء : ( 101 ) وإذا ضربتم في . . . . .
قوله ) وإذا ضربتم ( قد تقدم تفسير الضرب في الأرض قريبا قوله ) فليس عليكم جناح ( فيه دليل على أن القصر ليس بواجب واليه ذهب الجمهور وذهب الأقلون إلى أنه واجب ومنهم عمر بن عبدالعزيز والكوفيون والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي سليمان وهو مروي عن مالك واستدلوا بحديث عائشة الثابت في الصحيح ( فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر ) ولا يقدح في ذلك مخالفتها لما روت فالعمل على الرواية الثابتة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومثله حديث يعلى بن أمية قال سألت عمر بن الخطاب قلت ) فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ( وقد أمن الناس فقال لي عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك فقال ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته أخرجه أحمد ومسلم وأهل السنن وظاهر قوله فاقبلوا صدقته أن القصر واجب قوله ) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ( ظاهر هذا الشرط أن القصر لا يجوز في السفر إلا مع خوف الفتنة من الكافرين لا مع الأمن ولكنه قد تقرر بالسنة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قصر مع الأمن كما عرفت فالقصر مع الخوف ثابت بالكتاب والقصر مع الأمن ثابت بالسنة ومفهوم الشرط لا يقوى على معارضته ما تواتر عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من القصر مع الأمن وقد قيل إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب لأن الغالب على المسلمين إذ ذاك القصر للخوف في الاسفار ولهذا قال يعلى بن أمية لعمر ما قال كما تقدم وفي قراءة أبي ( أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا بسقوط ) إن خفتم ( والمعنى على هذه القراءة كراهة أن يفتنكم الذين كفروا وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدو فمن كان آمنا فلا قصر له وذهب آخرون إلى أن قوله ) إن خفتم ( ليس متصلا بما قبله وأن الكلام تم عند قوله ) من الصلاة ( ثم افتتح فقال ) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ( فأقم لهم يا محمد صلاة الخوف وقوله ) إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ( معترض ذكر معنى هذا الجرجاني والمهدوي وغيرهما ورده القشيري والقاضي أبو بكر بن العربي وقد حكى القرطبي عن ابن عباس معنى ما ذكره الجرجاني ومن معه ومما يرد هذا ويدفعه الواو في قوله ) وإذا كنت فيهم ( وقد تكلف بعض المفسرين فقال إن الواو زائدة وإن الجواب للشرط المذكور أعني قوله ) إن خفتم ( هو قوله


"""""" صفحة رقم 508 """"""
) فلتقم طائفة ( وذهب قوم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة وهي حديث عمر الذي قدمنا ذكره وما ورد في معناه قوله ) أن يفتنكم الذين كفروا ( قال الفراء أهل الحجاز يقولون فتنت الرجل وربيعة وقيس وأسد وجميع أهل نجد يقولون أفتنت الرجل وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقالا فتنته جعلت فيه فتنة مثل كحلته وأفتنته جعلته مفتنا وزعم الأصمعي أنه لا يعرف أفتنته والمراد بالفتنة القتال والتعرض بما يكره قوله ) عدوا ( أي أعداء
النساء : ( 102 ) وإذا كنت فيهم . . . . .
قوله ) وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ( هذا خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولمن بعده من أهل الأمر حكمه كما هو معروف في الأصول ومثله قوله تعالى ) خذ من أموالهم صدقة ( ونحوه وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وشذ أبو يوسف وإسماعيل بن علية فقالا لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأن هذا الخطاب خاص برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالا ولا يلحق غيره به لما له ( صلى الله عليه وسلم ) من المزية العظمى وهذا مدفوع فقد أمرنا الله باتباع رسوله والتأسي به وقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) والصحابة رضي الله عنهم أعرف بمعاني القرآن وقد صلوها بعد موته في غير مرة كما ذلك معروف ومعنى ) فأقمت لهم الصلاة ( اردت الإقامة كقوله ) إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ( وقوله ) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ( قوله ) فلتقم طائفة منهم معك ( يعني بعد أن تجعلهم طائفتين طائفة تقف بإزاء العدو وطائفة تقوم منهم معك في الصلاة ) وليأخذوا أسلحتهم ( أي الطائفة التي تصلي معه وقيل الضمير راجع إلى الطائفة التي بإزاء العدو والأول أظهر لأن الطائفة القائمة بإزاء العدو لا بد أن تكون قائمة باسلحتها وإنما يحتاج إلى الأمر بذلك من كان في الصلاة لأنه يظن أن ذلك ممنوع منه حال الصلاة فأمره الله بأن يكون آخذا لسلاحه أي غير واضع له وليس المراد الأخذ باليد بل المراد أن يكونوا حاملين لسلاحهم ليتناولوه من قرب إذا احتاجوا إليه وليكون ذلك أقطع لرجاء عدوهم من إمكان فرصته فيهم وقد قال بإرجاع الضمير من قوله ) وليأخذوا أسلحتهم ( إلى الطائفة القائمة بإزاء العدو ابن عباس قال لأن المصلية لا تحارب وقال غيره إن الضمير راجع إلى المصلية وجوز الزاجاج والنحاس أن يكون ذلك أمرا للطائفتين جميعا لأنه أرهب للعدو وقد أوجب أخذ السلاح في هذه الصلاة أهل الظاهر حملا للأمر على الوجوب وذهب أبو حنيفة إلى أن المصلين لا يحملون السلاح وأن ذلك يبطل الصلاة وهو مدفوع بما في هذه الآية وبما في الأحاديث الصحيحة قوله ) فإذا سجدوا ( أي القائمون في الصلاة ) فليكونوا ( أي الطائفة القائمة بإزاء العدو ) من ورائكم ( أي من وراء المصلين ويحتمل أن يكون المعنى فإذا سجد المصلون معه أي أتموا الركعة تعبيرا بالسجود عن جميع الركعة أو عن جميع الصلاة ) فليكونوا من ورائكم ( أي فلينصرفوا بعد الفراغ إلى مقابلة العدو للحراسة ) ولتأت طائفة أخرى ( وهي القائمة في مقابلة العدو التي لم تصل ) فليصلوا معك ( على الصفة التي كانت عليها الطائفة الأولى ) وليأخذوا ( أي هذه الطائفة الأخرى ) حذرهم وأسلحتهم ( زيادة التوصية للطائفة الأخرى بأخذ الحذر مع أخذ السلاح قيل وجهه أن هذه المرة مظنة لوقوف الكفرة على كون الطائفة القائمة مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في شغل شاغل وأما في المرة الأولى فربما يظنونهم قائمين للحرب وقيل لأن العدو لا يؤخر قصده عن هذا الوقت لأنه آخر الصلاة والسلاح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب ولم يبين في الآية الكريمة كم تصلي كل طائفة من الطائفتين وقد وردت صلاة الخوف في السنة المطهرة على أنحاء مختلفة وصفات متعددة وكلها صحيحة مجزئة من فعل واحدة منها فقد فعل ما أمر به ومن ذهب من العلماء إلى اختيار صفة دون غيرها فقد أبعد عن الصواب وقد


"""""" صفحة رقم 509 """"""
وضحنا هذا في شرحنا للمنتقى وفي سائر مؤلفاتنا قوله ) ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ( هذه الجملة متضمنة للعلة التي لأجلها أمرهم الله بالحذر وأخذ السلاح أي ودوا غفلتكم عن أخذ السلاح وعن الحذر ليصلوا إلى مقصدوهم وينالوا فرصتهم فيشدون عليكم شدة واحدة والأمتعة ما يتمتع به في الحرب ومنه الزاد والراحلة قوله ) ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ( رخص لهم سبحانه في وضع السلاح إذا نالهم أذى من المطر وفي حال المرض لأنه يصعب مع هذين الأمرين حمل السلاح ثم أمرهم بأخذ الحذر لئلا يأتيهم العدو على غرة وهم غافلون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي حنظلة قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال ركعتان قلت فأين قوله تعالى ) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ( ونحن آمنون قال سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والبيهقي عن أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد أنه سأل ابن عمر ارأيت قصر الصلاة في السفر إنا لا نجدها في كتاب الله إنما نجد ذكر صلاة الخوف فقال ابن عمر يا بن أخي إن الله أرسل محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) ولا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يفعل وقصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي الصحيحين وغيرهما عن حارثة بن وهب الخزاعي قال صليت مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين واخرج ابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس قال صلينا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين مكة والمدينة ونحن آمنون لا نخاف شيئا ركعتين واخرج ابن جرير عن علي قال سأل قوم من التجار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا رسول الله إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي فأنزل الله ) وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ( ثم انقطع الوحي فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فصلى الظهر فقال المشركون قد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم فقال قائل منهم إن لهم أخرى مثلها في أثرها فأنزل الله بين الصلاتين ) إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا وإذا كنت فيهم ( إلى قوله ) إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ( فنزلت صلاة الخوف وأخرج عبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والحاكم وصححه عن أبي عياش الزرقي قال كنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الظهر فقالوا قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ثم قالوا تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم فنزل جبريل بهذه الآيات ) وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ( ثم ذكر صفة الصلاة التي صلوها مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأحاديث في صفة صلاة الخوف كثيرة وهي مستوفاة في مواطنها فلا نطول بذكرها ها هنا وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله ) إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى ( قال نزلت في عبدالرحمن بن عوف كان جريجا
النساء 103 - 104


"""""" صفحة رقم 510 """"""
النساء : ( 103 ) فإذا قضيتم الصلاة . . . . .
( قضيتم ) بمعنى فرغتم من صلاة الخوف وهو أحد معاني القضاء ومثله ) فإذا قضيتم مناسككم ( ) فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ( قوله ) فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ( أي في جميع الأحوال حتى حال القتال وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو أثر صلاة الخوف أي إذا فرغتم من الصلاة فاذكروا الله في هذه الأحوال وقيل معنى قوله ) فإذا قضيتم الصلاة ( إذا صليتم فصلوا قياما وقعودا أو على جنوبكم حسبما يقتضيه الحال عند ملاحمة القتال فهي مثل قوله ) فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( قوله ) فإذا اطمأننتم ( أي أمنتم وسكنت قلوبكم والطمأنينة سكون النفس من الخوف ) فأقيموا الصلاة ( أي فأتوا بالصلاة التي دخل وقتها على الصفة المشروعة من الأذكار والأركان ولا تفعلوا ما أمكن فإن ذلك إنما هو في حال الخوف وقيل المعنى في الآية أنهم يقضون ما صلوه في حال المسايفة لأنها حالة قلق وانزعاج وتقصير في الأذكار والأركان وهو مروي عن الشافعي والأول ارجح ) إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( أي محدودا معينا يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت والمعنى إن الله افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم أو سهو أو نحوهما
النساء : ( 104 ) ولا تهنوا في . . . . .
قوله ) ولا تهنوا في ابتغاء القوم ( أي لا تضعفوا في طلبهم وأظهروا القوة والجلد قوله ) إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ( تعليل للنهي المذكور قبله أي ليس ما تجدونه من ألم الجراح ومزاولة القتال مختصا بكم بل هو أمر مشترك بينكم وبينهم فليسوا بأولى منكم بالصبر على حر القتال ومرارة الحرب ومع ذلك فلكم عليهم مزية لا توجد فيهم وهي أنكم ترجون من الله من الأجر وعظيم الجزاء ما لا يرجونه لكفرهم وجحودهم فأنتم أحق بالصبر منهم وأولى بعدم الضعف منهم فإن أنفسكم قوية لأنها ترى الموت مغنما وهم يرونه مغرما ونظير هذه الآية قوله تعالى ) إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ( وقيل إن الرجاء هنا بمعنى الخوف لأن من رجا شيئا فهو غير قاطع بحصوله فلا يخلو من خوف ما يرجو وقال الفراء والزجاج لا يطلق الرجاء بمعنى الخوف إلا مع النفي كقوله تعالى ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( أي لا تخافون له عظمة وقرأ عبدالرحمن الأعرج ) إن تكونوا ( بفتح الهمزة أي لأن تكونوا وقرأ منصور بن المعتمر تيلمون بكسر التاء ولا يجوز عند البصريين كسر التاء لثقله
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ( قال بالليل والنهار في البر والبحر وفي السفر والحضر والغنى والفقر والسقم والصحة والسر والعلانية وعلى كل حال وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه بلغه أن قوما يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فقال إنما هذه إذا لم يستطيع الرجل أن يصلي قائما صلى قاعدا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) فإذا اطمأننتم ( قال إذا خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة ) فأقيموا الصلاة ( قال أتموها وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة نحوه وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه أيضا وأخرج ابن


"""""" صفحة رقم 511 """"""
أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( يعني مفروضا وأخرج ابن جرير عنه قال الموقوت الواجب وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولا تهنوا ( قال ولا تضعفوا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) تألمون ( قال توجعون ) وترجون من الله ما لا يرجون ( قال ترجون الخير
النساء 105 - 109
النساء : ( 105 ) إنا أنزلنا إليك . . . . .
قوله ) بما أراك الله ( إما بوحي أو بما هو جار على سنن ما قد أوحي الله به وليس المراد هنا رؤية العين لأن الحكم لا يرى بل المراد بما عرفة الله به وأرشده إليه قوله ) ولا تكن للخائنين ( أي لأجل الخائنين خصيما أي مخاصما عنهم مجادلا للمحقين بسببهم وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق
النساء : ( 106 ) واستغفر الله إن . . . . .
قوله ) واستغفر الله ( أمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالاستغفار قال ابن جرير إن المعنى استغفر الله من ذنبك في خصامك للخائنين وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله الآية وبه يتضح المراد وقيل المعنى واستغفر الله للمذنبين من أمتك والمخاصمين بالباطل
النساء : ( 107 ) ولا تجادل عن . . . . .
قوله ) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ( أي لا تحاجج عن الذين يخونون أنفسهم والمجادلة مأخوذة من الجدل وهو الفتل وقيل مأخوذة من الجدالة وهي وجه الأرض لأن كل واحد من الخصمين يريد أن يلقى صاحبه عليها وسمي ذلك خيانة لأنفسهم لأن ضرر معصيتهم راجع إليهم والخوان كثير الخيانة والأثيم كثير الإثم وعدم المحبة كناية عن البغض
النساء : ( 108 ) يستخفون من الناس . . . . .
قوله ) يستخفون من الناس ( أي يستترون منهم كقوله ) ومن هو مستخف بالليل ( أي مستتر وقيل معناه يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله أي لا يستترون منه أو لا يستحيون منه والحال أنه معهم في جميع أحوالهم عالم بما هم فيه فكيف يستخفون منه ) إذ يبيتون ( أي يديرون الرأي بينهم وسماه تبييتا لأن الغالب أن تكون إدارة الرأي بالليل ) ما لا يرضى من القول ( أي من الرأي الذي أداروه بينهم وسماه قولا لأنه لا يحصل إلا بعد المقاولة بينهم
النساء : ( 109 ) ها أنتم هؤلاء . . . . .
قوله ) ها أنتم هؤلاء ( يعني القوم الذين جادلوا عن صاحبهم السارق كما سيأتي والجملة مبتدأ وخبر قال الزجاج ) أولاء ( بمعنى الذين و ) جادلتم ( بمعنى حاججتم ) في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ( الاستفهام للإنكار والتوبيخ أي فمن يخاصم ويجادل الله عنهم يوم القيامة عند تعذيبهم بذنوبهم ) أم من يكون عليهم وكيلا ( أي مجادلا ومخاصما والوكيل في الأصل القائم بتدبير الأمور والمعنى من ذاك يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن قتادة بن النعمان قال


"""""" صفحة رقم 512 """"""
كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشر رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ينحله بعض العرب ثم يقول قال فلان كذا وكذا قال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك الشعر قالوا والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث فقال أو كلما قال الرجال قصيدة
أصموا فقالوا ابن الأبيرق قالها
اه
قال وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة أي حمولة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن رافع جملا من الدرمك فجعله في مشربة وفي المشربة سلاح له درعان وسيفاهما وما يصلحهما فعدى عليه من تحت الليل فنقبت المشربة أخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال يا ابن أخي تعلم أن قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا قال فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا قد رأينا بني أبيرق استوقدوا نارا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال وكان بنو أبيريق قالوا ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ثم أتى بني ابيرق وقال أنا أسرق فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالوا إليك عنا أيها الرجل فوالله ما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي يابن أخي لو أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت ذلك له قال قتادة فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له واخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سأنظر في ذلك فلما سمع ذلك بنو أبيرق اتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك واجتمع إليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكلمته فقال عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت قال قتادة فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال لي يا بن أخي ما صنعت فأخبرته بما قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال الله المستعان فلم نلبث أن نزل القرآن ) إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ( بني أبيرق ) واستغفر الله ( أي مما قلت لقتادة ) إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ( إلى قوله ) ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ( أي لو استغفروا الله لغفر لهم ) ومن يكسب إثما ( إلى قوله ) فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ( قولهم للبيد ) ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك ( يعني أسير بن عروة فلما نزل القرآن أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالسلاح فرده إلى رفاعة قال قتادة فلما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد غشي في الجاهلية أي كبر وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال يا ابن أخي هو في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد فأنزل الله ) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ( إلى قوله


"""""" صفحة رقم 513 """"""
) ضلالا بعيدا ( فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت فرمت به في الأبطح ثم قالت أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني ورواه يونس بن بكير وغير واحد عن محمد ابن إسحاق عن عاصم ابن عمر بن قتادة مرسلا لم يذكر فيه عن أبيه عن جده ورواه ابن أبي حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني عن محمد ابن سلمة به ببعضه ورواه ابن المنذر في تفسيره قال حدثنا محمد بن إسماعيل يعني الصانع حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا محمد بن سلمة فذكره بطوله ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره عن محمد بن العباس ابن أيوب والحسن بن يعقوب كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني عن محمد بن سلمة به ثم قال في آخره قال محمد بن سلمة سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن أبي إسرائيل وقد رواه الحاكم في المستدرك عن أبي العباس الأصم عن أحمد بن عبدالجبار العطاردي عن يونس بن بكير عن محمد ابن إسحاق بمعناه أثم منه ثم قال هذا صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه ابن سعد عن محمود بن لبيد قال غدا بشير فذكره مختصرا وقد رويت هذه القصة مختصرة ومطولة عن جماعة من التابعين
النساء 110 - 113
النساء : ( 110 ) ومن يعمل سوءا . . . . .
هذا من تمام القصة السابقة والمراد بالسوء القبيح الذي يسوء به ) أو يظلم نفسه ( بفعل معصية من المعاصي أو ذنب من الذنوب التي لا تتعدى إلى غيره ) ثم يستغفر الله ( يطلب منه أن يغفر له ما قارفه من الذنب ) يجد الله غفورا ( لذنبه ) رحيما ( به وفيه ترغيب لمن وقع منه السرق من بني أبيرق أن يتوب إلى الله ويستغفره وأنه غفور لمن يستغفره رحيم به وقال الضحاك إن هذه الآية نزلت في شأن وحشي قاتل حمزة أشرك بالله وقتل حمزة ثم جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال هل لي من توبة فنزلت وعلى كل حال فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فهي لكل عبد من عباد الله أذنب ذنبا ثم استغفر الله سبحانه
النساء : ( 111 ) ومن يكسب إثما . . . . .
قوله ) ومن يكسب إثما ( من الآثام بذنب يذنبه ) فإنما يكسبه على نفسه ( أي عاقبته عائدة عليه والكسب ما يجر به الإنسان إلى نفسه نفعا أو يدفع به ضررا ولهذا لا يسمى فعل الرب كسبا قاله القرطبي
النساء : ( 112 ) ومن يكسب خطيئة . . . . .
) ومن يكسب خطيئة أو إثما ( قيل هما بمعنى واحد كرر للتأكيد وقال الطبري إن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد والإثم لا يكون إلا عن عمد وقيل الخطيئة الصغيرة والاثم الكبيرة قوله ) ثم يرم به بريئا ( توحيد الضمير لكون العطف بأو أو لتغليب الإثم على الخطيئة وقيل إنه يرجع إلى الكسب قوله ) فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ( لما كانت الذنوب لازمة لفاعلها كانت كالثقل


"""""" صفحة رقم 514 """"""
الذي يحمل ومثله ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( والبهتان مأخوذ من البهت وهو الكذب على البريء بما ينبهت له ويتحير منه يقال بهته بهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يقل ويقال بهت الرجل بالكسر إذا دهش وتحير وبهت بالضم ومنه ) فبهت الذي كفر ( والإثم المبين الواضح
النساء : ( 113 ) ولولا فضل الله . . . . .
قوله ) ولولا فضل الله عليك ورحمته ( خطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بهذا الفضل والرحمة لرسول الله أنه نبهه على الحق في قصة بني أبيرق وقيل المراد بهما النبوة والعصمة ) لهمت طائفة منهم ( أي من الجماعة الذين عضدوا بني أبيرق كما تقدم ) أن يضلوك ( عن الحق ) وما يضلون إلا أنفسهم ( لأن وبال ذلك عائد عليهم ) وما يضرونك من شيء ( لأن الله سبحانه هو عاصمك من الناس ولأنك عملت بالظاهر ولا ضرر عليك في الحكم به قبل نزول الوحي والجار والمجرور في محل نصب على المصدرية أي وما يضرونك شيئا من الضرر قوله ) وأنزل الله عليك الكتاب ( قيل هذا ابتداء كلام وقيل الواو للحال أي وما يضرونك من شيء حال إنزال الله عليك الكتاب والحكمة أو مع إنزال الله ذلك عليك قوله ) وعلمك ما لم تكن تعلم ( معطوف على أنزل أي علمك بالوحي ما لم تكن تعلم من قبل ) وكان فضل الله عليك عظيما ( إذ لا فضل أعظم من النبوة ونزول للوحي
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( الآية قال أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته فمن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا ثم استغفر الله يجد الله غفورا رحيما ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر الله غفر له ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ( ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وعلمك ما لم تكن تعلم ( قال علمه الله بيان الدنيا والآخرة بين حلاله وحرامه ليحتج بذلك على خلقه وأخرج أيضا عن الضحاك قال علمه الخير والشر وقد ورد في قبول الاستغفار وأنه يمحو الذنب أحاديث كثيرة مدونة في كتب السنة
النساء 114 - 115
النساء : ( 114 ) لا خير في . . . . .
النجوى السر بين الإثنين أو الجماعة تقول ناجيت فلانا مناجاة ونجاء وهم ينتجون ويتناجون ونجوت فلانا أنجوه نجوى أي ناجيته فنجوى مشتقة من نجوت الشيء أنجوه أي خلصته وافردته والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله فالنجوى المسارة مصدر وقد تسمى به الجماعة كما يقال قوم عدل قال الله تعالى ) وإذ هم نجوى ( فعلى الأول يكون الاستثناء منقطعا أي لكن من أمر بصدقة أو متصلا على تقدير إلا نجوى من أمر بصدقة وعلى الثاني يكون الاستثناء متصلا في موضع خفض على البدل من كثير أي لا خير في كثير إلا فيمن أمر بصدقة وقد قال جماعة من المفسرين إن النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الإثنين سواء كان


"""""" صفحة رقم 515 """"""
ذلك سرا أو جهرا وبه قال الزجاج قوله ) بصدقة ( الظاهر انها صدقة التطوع وقيل إنها صدقة الفرض والمعروف صدقة التطوع والأول أولى والمعروف لفظ عام يشمل جميع أنواع البر وقال مقاتل المعروف هنا القرض والأول أولى ومنه قول الخطيئة من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
ومنه الناس الحديث كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وقيل المعروف إغاثة الملهوف والإصلاح بين الناس عام في الدماء والأعراض والأموال وفي كل شيء يقع التداعي فيه قوله ) ومن يفعل ذلك ( إشارة إلى الأمور المذكورة جعل مجرد الأمر بها خيرا ثم رغب في فعلها بقوله ) ومن يفعل ذلك ( لأن فعلها أقرب إلى الله من مجرد الأمر إذ خيرية الأمر بها إنما هي لكونه وسيلة إلى فعلها قوله ) ابتغاء مرضات الله ( علة للفعل لأن من فعلها لغير ذلك فهو غير مستحق لهذا المدح والجزاء بل قد يكون غير ناج من الوزر والأعمال بالنيات
النساء : ( 115 ) ومن يشاقق الرسول . . . . .
) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ( المشاققة المعاداة والمخالفة وتبين الهدى ظهوره بإن يعلم صحة الرسالة بالبراهين الدالة على ذلك ثم يفعل المشاققة ) ويتبع غير سبيل المؤمنين ( أي غير طريقهم وهو ما هم عليه من دين الإسلام والتمسك بأحكامه ) نوله ما تولى ( أي نجعله واليا لما توالاه من الضلال ) ونصله جهنم ( قرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو ) تولى ونصله ( بسكون الهاء في الموضعين وقرأ الباقون بكسرهما وهما لغتان وقريء ونصله بفتح النون من الصلاة وقد تقدم بيان ذلك وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على حجية الإجماع لقوله ) ويتبع غير سبيل المؤمنين ( ولا حجة في ذلك عندي لأن المراد بغير سبيل المؤمنين هنا هو الخروج من دين الإسلام إلى غيره كما يفيده اللفظ ويشهد به السبب فلا تصدق على عالم من علماء هذه الملة الإسلامية اجتهد في بعض مسائل دين الإسلام فأداه اجتهاده إلى مخالفة من بعصره من المجتهدين فإنه إنما رام السلوك في سبيل المؤمنين وهو الدين القويم والملة الحنيفية ولم يتبع غير سبيلهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن أم حبيبة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله عز وجل ) قال سفيان الثوري هذا في كتاب الله ) لا خير في كثير من نجواهم ( الآية وقوله ) يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ( وقوله ) والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( وقد وردت أحاديث صحيحة في الصمت والتحذير من آفات اللسان والترغيب في حفظه وفي الحث على الإصلاح بين الناس وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل ابن حيان في قوله ) ومن يفعل ذلك ( تصدق أو أقرض أو أصلح بين الناس وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة عن أنس قال جاء أعرابي إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله أنزل علي القرآن يا أعرابي ) لا خير في كثير من نجواهم ( إلى قوله ) فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( يا أعرابي الأجر العظيم الجنة قال الأعرابي الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأخرج الترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدا ويد الله على الجماعة فمن شذ شذ في النار ) وأخرجه الترمذي والبيهقي أيضا عن ابن عباس مرفوعا


"""""" صفحة رقم 516 """"""
النساء 116 - 122
النساء : ( 116 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( قد تقدم تفسير هذه الآية وتكريرها بلفظها للتأكيد وقيل كررت هنا لأجل قصة بني ابيرق وقيل إنها نزلت هنا لسبب غير قصة بني أبيرق وهو ما رواه الثعلبي والقرطبي في تفسيرهما على الضحاك أن شيخا من الأعراب جاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله أني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا إلا أني لم أشرك بالله شيئا مذ عرفته وآمنت به ولم أتخذ من دونه وليا ولم أوقع المعاصي جرأة على الله ولا مكابرة له وإني لنادم وتائب ومستغفر فما حالي عند الله فأنزل الله تعالى ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( الآية ) ومن يشرك بالله فقد ضل ( عن الحق ) ضلالا بعيدا ( لأن الشرك أعظم أنواع الضلال وأبعدها من الصواب
النساء : ( 117 ) إن يدعون من . . . . .
) إن يدعون من دونه إلا إناثا ( أي ما يدعون من دون الله إلا أصناما لها أسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة وقيل المراد بالإناث الموات التي لا روح لها كالخشبة والحجر وقيل المراد بالإناث الملائكة لقولهم الملائكة بنات الله وقريء ? وثنا ? بضم الواو والثاء جمع وثن روى هذه القراءة ابن الأنباري عن عائشة وقرأ ابن عباس ? إلا أثنا ? جمع وثن أيضا وأصله وثن فأبدلت الواو همزة وقرأ الحسن إلا أنثا بضم الهمزة والنون بعدها مثلثة جمع أنيث كغدير وغدر وحكى الطبري أنه جمع إناث كثمار وثمر وحكى هذه القراءة أبو عمرو الداني عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال وقرأ بها ابن عباس والحسن وأبو حيوة وعلى جميع هذه القراءات فهذا الكلام خارج مخرج التوبيخ للمشركين والإزراء عليهم والتضعيف لعقولهم لكونهم عبدوا من دون الله نوعا ضعيفا ) وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ( أي وما يدعون من دون الله إلا شيطانا مريدا وهو إبليس لعنه الله لأنهم إذا أطاعوه فيما سول لهم فقد عبدوه وقد تقدم اشتقاق لفظ الشيطان والمريد المتمرد العاتي من مرد إذا عتا قال الأزهري المريد الخارج عن الطاعة وقد مرد الرجل مرودا إذا عتا وخرج عن الطاعة فهو مارد ومريد ومتمرد وقال ابن عرفة هو الذي ظهر شره يقال شجرة مرداء إذا تساقط ورقها وظهرت عيدانها ومنه قيل للرجل أمرد أي ظاهر مكان الشعر من عارضيه
النساء : ( 118 ) لعنه الله وقال . . . . .
قوله ) لعنة الله ( أصل اللعن الطرد والإبعاد وقد تقدم وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط قوله ) وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ( معطوف على قوله ) لعنة الله (


"""""" صفحة رقم 517 """"""
والجملتان صفة لشيطان أي شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله له وبين هذا القول الشنيع والنصيب المفروض هو المقطوع المقدر أي لأجعلن قطعة مقدرة من عباد الله تحت غوايتي وفي جانب إضلالى حتى أخرجهم من عبادة الله إلى الكفر به
النساء : ( 119 ) ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم . . . . .
قوله ) ولأضلنهم ( اللام جواب قسم محذوف والإضلال الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية وهكذا اللام في قوله ) ولأمنينهم ولآمرنهم ( والمراد بالأماني التي يمنيهم بها الشيطان هي الأماني الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته قوله ) ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ( أي ولآمرنهم بتبتك آذان الأنعام أي تقطيعها فليبتكنها بموجب أمري والبتك القطع ومنه سيف باتك يقال بتكه وبتكه مخففا ومشددا ومنه قول زهير طارت وفي كفه من ريشها بتك
أي قطع وقد فعل الكفار ذلك امتثالا لأمر الشيطان واتباعا لرسمه فشقوا آذان البحائر والسوائب كما ذلك معروف قوله ) ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ( أي لآمرنهم بتغيير خلق الله فليغيرنه بموجب أمري لهم واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو فقالت طائفة هو الخصاء وفقء الأعين وقطع الآذان وقال آخرون إن المراد بهذا التغيير هو أن الله سبحانه خلق الشمس والقمر والأحجار والنار ونحوها من المخلوقات لما خلقها له فغيره الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة وبه قال الزجاج وقيل المراد بهذا التغيير تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور حملا شموليا أو بدليا
وقد رخص طائفة من العلماء في خصاء البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره وكره ذلك آخرون وأما خصاء بني آدم فحرام وقد كره قوم شراء الخصي قال القرطبي ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز وأنه مثلة وتغيير لخلق الله وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود قال أبو عمر ابن عبدالبر ) ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله ( باتباعه وامتثال ما يأمر به من دون اتباع لما أمر الله به ولا امثتال له ) فقد خسر خسرانا مبينا ( أي واضحا ظاهرا
النساء : ( 120 ) يعدهم ويمنيهم وما . . . . .
) يعدهم ( المواعيد الباطلة ) ويمنيهم ( الأماني العاطلة ) وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ( أي وما يعدهم الشيطان بما يوقعه في خواطرهم من الوساوس الفارغة ) إلا غرورا ( يغرهم به ويظهر لهم فيه النفع وهو ضرر محض وانتصاب غرورا على أنه نعت لمصدر محذوف أي وعدا غرورا أو على أنه مفعول ثان أو مصدر على غير لفظه قال ابن عرفة الغرور ما رأيت له ظاهرا تحبه وله باطن مكروه وهذه الجملة اعتراضية
النساء : ( 121 ) أولئك مأواهم جهنم . . . . .
قوله ) أولئك ( إشارة إلى أولياء الشيطان وهذا مبتدأ وخبره الجملة وهي قوله ) مأواهم جهنم ( قوله ) محيصا ( أي معدلا من حاص يحيص وقيل ملجأ ومخلصا والمحيص اسم مكان وقيل مصدر
النساء : ( 122 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
قوله ) والذين آمنوا ( إلخ جعل هذا الوعد للذين آمنوا مقترنا بالوعيد المتقدم للكافرين قوله ) وعد الله حقا ( قال في الكشاف مصدران الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره ووجهه أن الأول مؤكد لمضمون الجملة الاسمية ومضمونها وعد والثاني مؤكد لغيره أي حق ذلك حقا قوله ) ومن أصدق من الله قيلا ( هذه الجملة مؤكدة لما قبلها والقيل مصدر قال كالقول أي لا أجد اصدق قولا من الله عز وجل وقيل إن قيلا اسم لا مصدر وإنه منتصب على التمييز
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي من حديث علي أنه قال ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( قال الترمذي حسن غريب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك في قوله ) إن يدعون من دونه إلا إناثا ( قال اللات والعزة ومناة كلها مؤنثة وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد المسند وابن المنذر وابن أبي حاتم والضياء في المختارة عن أبي بن كعب في الآية قال مع كل صنم جنية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) إن يدعون من دونه إلا إناثا ( قال موتي وأخرج مثله عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن وأخرج مثله أيضا عبد بن حميد


"""""" صفحة رقم 518 """"""
وابن جرير عن قتادة وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال كان لكل حى من أحياء العرب صنم يعبدونها يسمونها أنثى بني فلان فأنزل الله ) إن يدعون من دونه إلا إناثا ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك قال المشركون إن الملائكة بنات الله وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى قال اتخذوهن أربابا وصوروهن صور الجواري فحلوا وقلدوا وقالوا هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله ) وقال لأتخذن من عبادك ( إلخ قال هذا إبليس يقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة وأخرج ابن المنذر عن الربيع بن أنس مثله وأخرج عبدالرزاق و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) فليبتكن آذان الأنعام ( قال التبتيك في البحيرة والسابئة يبتكون آذانها لطواغيتهم وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أنس أنه كره الإخصاء وقال فيه نزلت ) ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي شيبة و البيهقي عن ابن عمر قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن صبر الروح وإخصاء البهائم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ) ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ( قال دين الله وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال الوشم
النساء 123 - 126
النساء : ( 123 ) ليس بأمانيكم ولا . . . . .
قرأ أبو جعفر بتخفيف الياء من أماني في الموضعين واسم ليس محذوف أي ليس دخول الجنة أو الفضل أو القرب من الله بأمانيكم ولا اماني أهل الكتاب كما يدل على ذلك سبب نزول الآية الآتي وقيل ضمير يعود إلى وعد الله وهو بعيد ومن أماني أهل الكتاب قولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه وقولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قوله ) من يعمل سوءا يجز به ( قيل المراد بالسوء الشرك وظاهر الآية أعم من ذلك فكل من عمل سوءا أي سوء كان فهو مجزى به من غير فرق بين المسلم الكافر وفي هذه الجملة ما ترجف له القلوب من الوعيد الشديد وقد كان لها في صدور المسلمين عند نزولها موقع عظيم كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال لما نزلت ) من يعمل سوءا يجز به ( بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها قوله ولا يجد له قرأه الجماعة بالجزم


"""""" صفحة رقم 519 """"""
عطفا على الجزاء وروى ابن بكار عن ابن عامر ولايجد بالرفع استئنافا أي ليس لمن يعمل السوء من دون الله وليا يواليه ولا نصيرا ينصره
النساء : ( 124 ) ومن يعمل من . . . . .
) ومن يعمل من الصالحات ( أي بعضها حال كونه ) من ذكر أو أنثى ( وحال كونه مؤمنا والحال الأولى لبيان من يعمل والحال الأخرى لإفادة إشتراط الإيمان في كل عمل صالح ) فأولئك ( إشارة إلى العمل المتصف بالإيمان ) يدخلون الجنة ( قرأ أبو عمرو وابن كثير ) يدخلون ( بضم حرف المضارعة على البناء للمجهول وقرأ الباقون بفتحها على البناء للمعلوم ) ولا يظلمون نقيرا ( أي لا ينقصون شيئا حقيرا وقد تقدم تفسير النقير
النساء : ( 125 ) ومن أحسن دينا . . . . .
) ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ( أي أخلص نفسه له حال كونه محسنا أي عاملا للحسنات ) واتبع ملة إبراهيم ( أي دينه حال كون المتبع ) حنيفا ( أي مائلا عن الأديان الباطلة إلى دين الحق وهو الإسلام ) واتخذ الله إبراهيم خليلا ( أي جعله صفوة له وخصه بكراماته قال ثعلب إنما سمى الخيل خليلا لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خليلا إلا ملأته وأنشد قول بشار قد تخللت مسلك الروح منى
وبه سمى الخليل خليلا
وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم وقيل هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب وقد كان إبراهيم عليه السلام محبوبا لله ومحبا له وقيل الخليل من الاختصاص فالله سبحانه اختص إبراهيم برسالته في ذلك الوقت واختاره لها واختار هذا النحاس وقال الزجاج معنى الخيل الذي ليس في محبته خلل
النساء : ( 126 ) ولله ما في . . . . .
) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( فيه إشارة إلى انه سبحانه أتخذ إبراهيم خليلا لطاعته لا لحاجته ولا للتكثير به والاعتضاد بمخاللته ) وكان الله بكل شيء محيطا ( هذه الجملة مقررة لمعنى الجملة التي قبلها أي أحاط علمه بكل شيء لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال قالت العرب لا نعبث ولا نحاسب وقالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة فأنزل الله ) ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مسروق قال أحتج المسلمون وأهل الكتاب فقال المسلمين نحن أهدى منكم وقال أهل الكتاب نحن أهدى منكم فنزلت ففلج عليهم المسلمون بهذه الآية ) ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مسروق قال تفاخر النصارى وأهل الإسلام فقال هؤلاء نحن أفضل منكم وقال هؤلاء نحن أفضل منكم فنزلت وقد ورد معنى هذه الروايات من طرق كثيرة مختصرة ومطولة وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن المنذر عن أبي بكر الصديق ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له لما نزلت هذه الآية اما أنت وأصحابك يا أبا بكر فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب وأما الآخرون فيجمع لهم ذلك حتى يجزوا به يوم القيامة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما سمعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته وقد ورد في هذا المعنى أحاديث كثيرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ان ابن عمر لقيه فسأله عن هذه الآية ) ومن يعمل من الصالحات ( قال الفرائض وأخرج الحاكم وصححه عن جندب أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول قبل أن يتوفى إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وأخرج الحاكم أيضا وصححه عن ابن عباس قال أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 520 """"""
النساء 12
النساء : ( 127 ) ويستفتونك في النساء . . . . .
سبب نزول هذه الآية سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغيره فامر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقل لهم ) الله يفتيكم ( أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه وهذه الآية رجوع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها فسألوا فقيل لهم ) الله يفتيكم ( قوله ) وما يتلى عليكم ( معطوف على قوله ) الله يفتيكم ( والمعنى والقرآن الذي يتلى عليكم يفتيكم فيهن والمتلو في الكتاب في معنى اليتامى قوله تعالى ) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ( ويجوز أن يكون قوله ) وما يتلى ( معطوفا على الضمير في قوله ) يفتيكم ( الراجع إلى مبتدأ لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمفعول والجار والمجرور ويجوز ان يكون مبتدأ وفي الكتاب خبره على ان المراد به اللوح المحفوظ وقد قيل في إعرابه غير ما ذكرنا ولم نذكره لضعفه وقوله ) في يتامى النساء ( على الوجه الأول والثاني صلة لقوله ) يتلى ( وعلى الوجه الثالث بدل من قوله ) فيهن ( ) اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن ( أي ما فرض لهن من الميراث وغيره ) وترغبون ( معطوف على قوله ) تؤتونهن ( عطف جملة مثبتة على جملة منفية وقيل حال من فاعل ) تؤتونهن ( وقوله ) أن تنكحوهن ( يحتمل ان يكون التقدير في أن تنكحوهن أي ترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن ويحتمل ان يكون التقدير وترغبون عن ان تنكحوهن لعدم جمالهن قوله ) والمستضعفين من الولدان ( معطوف على يتامى النساء أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء وفي المستضعفين من الوالدان وهو قوله تعالى ) يوصيكم الله في أولادكم ( وقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا من كان مستضعفا من الوالدان كما سلف وإنما يورثون الرجال القائمين بالقتال وسائر الأمور قوله ) وأن تقوموا لليتامى بالقسط ( معطوف على قوله ) في يتامى النساء ( كالمستضعفين أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء وفي المستضعفين وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط أي العدل ويجوز ان يكون في محل نصب أي ويأمركم أن تقوموا ) وما تفعلوا من خير ( في حقوق المذكورين ) فإن الله كان به عليما ( يجازيكم بحسب فعلكم من خير وشر
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) ويستفتونك في النساء ( الآية قال كان أهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر ولا يورثون المرأة فلما كان الإسلام قال ) ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب ( في أول السورة في الفرائض وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان شيئا كانوا يقولون لا يغزون ولا يغنمون خيرا ففرض الله لهن الميراث حقا واجبا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه بأطول منه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن إبراهيم في الآية قال كانوا إذا كانت الجارية يتيمة دميمة لم يعطوها ميراثها وحبسوها من التزويج حتى تموت فيرثونها فأنزل الله هذا واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة في قوله ) ويستفتونك في النساء ( إلى قوله ) وترغبون أن تنكحوهن ( قالت هو الرجل تكون عنده اليتيمة هو وليها ووارثها قد شركته في ماله حتى في العذق فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلا فتشركه


"""""" صفحة رقم 521 """"""
في ماله بما شركته فيعضلها فنزلت هذه الآية وأخرج ابن المنذر من طريق ابن عون عن الحسن وابن سيرين في هذه الآية قال أحدهما ترغبون فيهن وقال الآخر ترغبون عنهن
النساء 128 - 130
النساء : ( 128 ) وإن امرأة خافت . . . . .
امرأة مرفوعة بفعل مقدر يفسره ما بعده أي وإن خافت امرأة خافت بمعنى توقعت ما تخاف من زوجها وقيل معناه تيقنت وهو خطأ قال الزجاج المعنى ) وإن امرأة خافت من بعلها ( دوام النشوز قال النحاس الفرق بين النشوز والاعراض ان النشوز التباعد والاعراض ان لا يكلمها ولا يأنس بها وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند مخافة أي نشوز أو أي اعراض والإعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي سيأتي وظاهرها انه يجوز التصالح بأي نوع من أنواعه إما بإسقاط النوبة أو بعضها أو بعض النفقة أو بعض المهر قوله ? أن يصالحا ? هكذا قرأ الجمهور وقرأ الكفيون ) أن يصلحا ( وقراءة الجمهور أولى لأن قاعدة العرب أن الفعل إذا كان بين أثنين فصاعدا قيل تصالح الرجلان أو القوم لاأصلح وقوله ) صلحا ( منصوب على انه اسم مصدر أو على انه مصدر محذوف الزوائد أو منصوب بفعل محذوف أي فيصلح حالهما صلحا وقيل هو منصوب على المفعولية وقوله ) بينهما ( ظرف للفعل أو في محل نصب على الحال قوله ) والصلح خير ( لفظ عام يقتضي أن الصلح الذي تسكن إليه النفوس ويزول به الخلاف خير على الإطلاق أو خير من الفرقة أو من الخصومة وهذه جملة اعتراضية قوله ) وأحضرت الأنفس الشح ( إخبار منه سبحانه بإن الشح في كل واحد منهما بل في كل الأنفس الإنسانية كائن وأنه جعل كأنه حاضر لها لا يغيب عنها بحال من الأحوال وأن ذلك بحكم الجبلة والطبيعة فالرجل يشح بما يلزمه للمرأة من حسن العشرة وحسن النفقة ونحوها والمرأة تشح على الرجل بحقوقها اللازمة للزوج فلا تترك له شيئا منها وشح الأنفس بخلها بما يلزمها أو يحسن فعله بوجه من الوجوه ومنه ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون قوله ) وإن تحسنوا وتتقوا ( أي تحسنوا عشرة النساء وتتقوا ما لا يجوز من النشوز والإعراض ) فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( فيجازيكم يا معشر الأزواج بما تستحقونه
النساء : ( 129 ) ولن تستطيعوا أن . . . . .
قوله ) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ( أخبر سبحانه بنفي استطاعتهم للعدل بين النساء على الوجه الذي لا ميل فيه ألبتة لما جبلت عليه الطباع البشرية من ميل النفس إلى هذه دون هذه وزيادة هذه في المحبة ونقصان هذه وذلك بحكم الخلقة بحيث لا يملكون قلوبهم ولا يستطيعون توقيف أنفسهم على التسوية ولهذا كان يقول الصادق المصدوق ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك ولما كانوا لا يستطيعون ذلك ولو حرصوا عليه وبالغوا فيه نهاهم عز وجل عن ان يميلوا كل الميل لأن تترك ذلك وتجنب الجور كل الجور في وسعهم وداخل تحت طاقتهم فلا يجوز لهم أن يميلوا عن إحداهن إلى الأخرى كل الميل حتى يذروا الأخرى كالمعلقة التي ليست ذات زوج ولا


"""""" صفحة رقم 522 """"""
مطلقة تشبيها بالشيء الذي هو معلق غير مستقر على شيء وفي قراءة أبي فتذروها كالمسجونة قوله ) وإن تصلحوا ( أي ما افسدتم من الأمور التي تركتم ما يجب عليكم فيها من عشرة النساء والعدل بينهن ) وتتقوا ( كل الميل الذي نهيتم عنه ) فإن الله كان غفورا رحيما ( لا يؤاخذكم بما فرط منكم
النساء : ( 130 ) وإن يتفرقا يغن . . . . .
قوله ) وإن يتفرقا ( أي لم يتصالحا بل فارق كل واحد منهما صاحبه ) يغن الله كلا ( منهما أي يجعله مستغنيا عن الآخر بأن يهييء للرجل امرأة توافقه وتقر بها عينه وللمرأة رجلا تغتبط بصحبته ويرزقهما ) من سعته ( رزقا يغنيهما به عن الحاجة ) وكان الله واسعا حكيما ( واسع الفضل صادرة أفعالة على جهة الإحكام والإتقان
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر والطبراني و البيهقي عن ابن عباس قال خشيت سودة أن يطلقها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت يا رسول الله لا تطلقني وأجعل يومي لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية ) وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا ( الآية قال ابن عباس فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز واخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة ان سبب نزول الآية هو قصة سودة المذكورة وأخرج البخاري وغيره عنها في الآية قالت الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها يريد أن يفارقها فتقول أجعلك من شأني في حل فنزلت هذه الآية وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور وبن أبي شيبة والبيهقي عن سعيد بن المسيب ان ابنة محمد بن سلمة كانت عند رافع بن خديج فكره منها أمرا إما كبرا أو غيره فأراد طلاقها فقالت لا تطلقني واقسم لي ما بدا لك فاصطلحا وجرت السنة بذلك ونزل القرآن ) وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا ( الآية وأخرج أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وابن راهويه و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر و البيهقي عن علي انه سئل عن هذه الآية فقال هو رجل عنده امرأتان فتكون إحدهما قد عجزت أو تكون دميمة فيريد فراقها فتصالحه على ان يكون عندها ليلة وعنده الأخرى ليالي ولا يفارقها فما طابت به نفسها فلا بأس به فإن رجعت سوى بينهما وقد ورد عن جماعة من الصحابة نحو هذا وثبت في الصحيحين من حديث عاشة قالت لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقسم لها بيوم سودة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) وأحضرت الأنفس الشح ( قال هواه في الشيء يحرص عليه وفي قوله ) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ( قال في الحب والجماع وفي قوله ) فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ( قال لا هي أيمة ولا ذات زوج وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن المنذر عن عائشة قالت ( كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) وإسناده صحيح وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد و عبد بن حميد وأهل السنن عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة واحد شقيه ساقط ) قال الترمذي إنما أسنده همام ورواه هشام الدستوائي عن قتادة قال كان يقال ولا يعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من حديث همام وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود في قوله ) ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ( قال الجماع وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال الحب


"""""" صفحة رقم 523 """"""
النساء 131 - 134
النساء : ( 131 ) ولله ما في . . . . .
قوله ) ولله ما في السماوات وما في الأرض ( هذه الجملة مستأنفة لتقرير كمال سعته سبحانه وشمول قدرته ) ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( أمرناهم فيما أنزلناه عليهم من الكتب واللام في الكتاب للجنس ) وإياكم ( عطف على الوصول ) أن اتقوا الله ( أي أمرناهم وأمرناكم بالتقوى وهو في موضع نصب بقوله ) وصينا ( أو منصوب بنزع الخافض قال الأخفش أي بأن اتقوا الله ويجوز ان تكون ان مفسره لأن التوصية في معنى القول قوله ) وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض ( معطوف على قوله ) أن اتقوا ( أي وصيناهم وإياكم بالتقوى وقلنا لهم ولكم إن تكفروا وفائدة هذا التكرير التأكيد ليتنبه العباد على سعة ملكه وينظروا في ذلك ويعلموا أنه غني عن خلقه
النساء : ( 133 ) إن يشأ يذهبكم . . . . .
) إن يشأ يذهبكم ( أي يفنكم ) ويأت بآخرين ( أي بقوم آخرين غيركم وهو كقوله تعالى ) وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم )
النساء : ( 134 ) من كان يريد . . . . .
) من كان يريد ثواب الدنيا ( وهو من يطلب بعمله شيئا من أمور الدنيا كالمجاهد يطلب الغنيمة دون الأجر ) فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ( فما باله يقتصر على أدنى الثوابين وأحقر الأجرين وهلا طلب بعمله ما عند الله سبحانه وهو ثواب الدنيا والآخرة فيحرزهما جميعا ويفوز بهما وظاهر الآية العموم وقال ابن جرير الطبري إنها خاصة بالمشركين والمنافقين ) وكان الله سميعا بصيرا ( يسمع ما يقولونه ويبصر ما يفعلونه
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وكان الله غنيا ( عن خلقه ) حميدا ( قال مستحمدا إليهم وأخرجا أيضا عن علي مثله وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) وكفى بالله وكيلا ( قال حفيظا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه في قوله ) إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ( قال قادر والله ربنا على ذلك أن يهلك من خلقه ما شاء وياتي بآخرين من بعدهم
النساء 135 - 136 136
النساء : ( 135 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) قوامين ( صيغة مبالغة أي ليتكرر منك القيام بالقسط وهو العدل في شهادتكم على أنفسكم وهو الإقرار بما عليكم من الحقوق وأما شهادته على والديه فبأن يشهد عليهما بحق للغير وكذلك الشهادة على الأقربين وذكر الأبوين لوجوب برهما وكونهما أحب الخلق إليه ثم ذكر القربين لأنهم مظنة المودة والتعصب


"""""" صفحة رقم 524 """"""
فإذا شهدوا على هؤلاء بما عليهم فالأجنبي من الناس أحرى أن يشهدوا عليه وقد قيل إن معنى الشهادة على النفس أن يشهد بحق على من يخشى لحوق ضرر منه على نفسه وهو بعيد وقوله ) شهداء لله ( خبر بعد خبر لكان أو حال ولم ينصرف لأن فيه ألف التأنيث وقال ابن عطية الحال فيه ضعيفة في المعنى لأنها تخصص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط وقوله ) لله ( أي لمرضاته وثوابه وقوله ) ولو على أنفسكم ( متعلق بشهداء هذا المعنى الظاهر من الآية وقيل معنى ) شهداء لله ( بالوحدانية فيتعلق قوله ) ولو على أنفسكم ( بقوامين والأول أولى قوله ) إن يكن غنيا أو فقيرا ( اسم كان مقدر أي إن يكن المشهود عليه غنيا فلا يراعي لأجل غناه استجلابا لنفعه أو استدفاعا لضره فيترك الشهادة عليه أو فقيرا فلا يراعي لأجل فقره رحمة له وإشفاقا عليه فيترك الشهادة عليه وإنما قال ) فالله أولى بهما ( ولم يقل به مع أن التخيير إنما يدل على الحصول لواحد لأن المعنى فالله أولى بكل واحد منهما وقال الأخفش تكون أو بمعنى الواو وقيل إنه يجوز ذلك مع تقدم ذكرهما كما في قوله ) وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ( وقد تقدم في مثل هذا ما هو أبسط مما هنا وقرأ أبي فالله أولى بهم وقرأ ابن مسعود ( إن يكن غني أو فقير ) على أن كان تامة ) فلا تتبعوا الهوى ( نهاهم عن اتباع الهوى وقوله ) أن تعدلوا ( في موضع نصب وهو إما من العدل كأنه قال فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس أو من العدول كأنه قال فلا تتبعوا الهوى مخافة أن تعدلوا عن الحق أو كراهة أن تعدلوا عن الحق قوله ) وإن تلووا ( من اللي يقال لويت فلانا حقه إذا دفعته عنه والمراد لي الشهادة ميلا إلى المشهود عليه وقرأ ابن عامر والكوفيون ( وإن تلوا ) من الولاية أي وإن تلوا الشهادة وتتركوا ما يجب عليكم من تأديتها على وجه الحق وقد قيل إن هذه القراءة تفيد معنيين الولاية والإعراض والقراءة الأولى تفيد معنى واحدا وهو الإعراض وزعم بعض النحويين أن القراءة الثانية غلط ولحن لأنه لا معنى للولاية ها هنا قال النحاس وغيره وليس يلزم هذا ولكن يكون تلوا بمعنى تلووا وذلك أن أصله تلووا فاستثقلت الضمة على الواو بعدها واو أخرى فألقيت الحركة على اللام وحذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين وذكر الزجاج نحوه وقوله ) أو تعرضوا ( أي عن تأدية الشهادة من الأصل ) فإن الله كان بما تعملون خبيرا ( أي بما تعملون من اللي والإعراض أو من كل عمل وفي هذا وعيد شديد لمن لم يأت بالشهادة كما تجب عليه وقد روى أن هذه الآية تعم القاضي والشهود أما الشهود فظاهر وأما القاضي فذلك بأن يعرض عن أحد الخصمين أو يلوي عن الكلام معه وقيل هي خاصة بالشهود
النساء : ( 136 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ( أي اثبتوا على إيمانكم ودوموا عليه والخطاب هنا للمؤمنين جميعا ) والكتاب الذي نزل على رسوله ( هو القرآن واللام للعهد ) والكتاب الذي أنزل من قبل ( هو كل كتاب واللام للجنس وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر نزل وأنزل بالضم وقرأ الباقون بالفتح فيهما وقيل إن الآية نزلت في المنافقين والمعنى يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله وقيل نزلت في المشركين والمعنى يا أيها الذين آمنوا باللات والعزى آمنوا بالله وهما ضعيفان قوله ) ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ( أي بشيء من ذلك ) فقد ضل ( عن القصد ) ضلالا بعيدا ( وذكر الرسول فيما سبق لذكر الكتاب الذي أنزل عليه وذكر الرسل هنا لذكر الكتب جملة فناسبه ذكر الرسل جملة وتقديم الملائكة على الرسل لأنهم الوسائط بين الله وبين رسله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ( الآية قال أمر الله المؤمنين أن يقولوا بالحق ولو على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم لا يحابون غنيا


"""""" صفحة رقم 525 """"""
لغناه ولا يرحمون مسكينا لمسكنته وفي قوله ) فلا تتبعوا الهوى ( فتذوا الحق فتجوروا ) وإن تلووا ( يعني بألسنتكم بالشهادة ) أو تعرضوا ( عنها وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عنه في معنى الآية قال الرجلان يجلسان عند القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحد الرجلين على الآخر
وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال لما قدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة كانت البقرة أول سورة نزلت ثم أردفها سورة النساء قال فكان الرجل تكون عنده الشهادة قبل ابن عمه أو ذوي رحمه فيلوي بها لسانه أو يكتمها مما يرى من عسرته حتى يوسر فيقضي حين يوسر فنزلت ) كونوا قوامين بالقسط ( الآية وأخرج ابن جرير عنه أيضا ) وإن تلووا أو تعرضوا ( يقول تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجة فلا تقيم الشهادة على وجهها والإعراض الترك وأخرج الثعلبي عن ابن عباس ( أن عبدالله بن سلام وأسدا وأسيدا ابني كعب وثعلبة بن قيس وسلاما ابن أخت عبدالله بن سلام وسلمة ابن أخيه ويامين بن يامين أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله فقالوا لا نفعل فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ( الآية ) وينبغي النظر في صحة هذا فالثعلبي رحمه الله ليس من رجال الرواية ولا يفرق بين الصحيح والموضوع وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في هذه الآية قال يعني بذلك أهل الكتاب كان الله قد أخذ ميثاقهم في التوراة والإنجيل وأقروا على أنفسهم أن يؤمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فلما بعث الله رسوله دعاهم إلى أن يؤمنوا بمحمد والقرآن وذكرهم الذي أخذ عليهم من الميثاق فمنهم من صدق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) واتبعه ومنهم من كفر
النساء 137 - 141
النساء : ( 137 ) إن الذين آمنوا . . . . .
أخبر الله سبحانه عن هذه الطائفة التي آمنت ثم كفرت ثم آمنت ثم كفرت ثم ازدادت كفرا بعد ذلك كله أنه لم يكن الله سبحانه ليغفر لهم ذنوبهم ولا ليهديهم سبيلا يتوصلون به إلى الحق ويسلوكنه إلى الخير لأنه يبعد منهم كل البعد أن يخلصوا لله ويؤمنوا إيمانا صحيحا فإن هذا الاضطراب منهم تارة يدعون أنهم مؤمنون وتارة يمرقون من الإيمان


"""""" صفحة رقم 526 """"""
ويرجعون إلى ما هو دأبهم وشأنهم من الكفر المستمر والجحود الدائم يدل أبلغ دلالة على أنهم متلاعبون بالدين ليست لهم نية صحيحة ولا قصد خالص قيل المراد بهؤلاء اليهود فإنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بعزير ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل آمنوا بموسى ثم كفروا به بعبادتهم العجل ثم آمنوا به عند عوده إليهم ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد بالآية أنهم ازدادوا كفرا واستمروا على ذلك كما هو الظاهر من حالهم وإلا فالكافر إذا آمن وأخلص إيمانه وأقلع عن الكفر فقد هداه الله السبيل الموجب للمغفرة والإسلام يجب ما قبله ولكن لما كان هذا مستبعدا منهم جدا كان غفران ذنوبهم وهدايتهم إلى سبيل الحق مستبعدا
النساء : ( 138 ) بشر المنافقين بأن . . . . .
قوله ) بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ( إطلاق البشارة على ما هو شر خالص لهم تهكم بهم وقد مر تحقيقه
النساء : ( 139 ) الذين يتخذون الكافرين . . . . .
وقوله ) الذين يتخذون الكافرين أولياء ( وصف للمنافقين أو منصوب على الذم أي يجعلون الكفار أولياء لهم يوالونهم على كفرهم ويمالئونهم على ضلالهم وقوله ) من دون المؤمنين ( في محل نصب على الحال أي يوالون الكافرين متجاوزين ولاية المؤمنين ) أيبتغون عندهم العزة ( هذا الاستفهام للتقريع والتوبيخ والجملة معترضة قوله ) فإن العزة لله جميعا ( هذه الجملة تعليل لما تقدم من توبيخهم بابتغاء العزة عند الكافرين وجميع أنواع العزة وأفرادها مختص بالله سبحانه وما كان منها مع غيره فهو من فيضه وتفضله كما في قوله ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( والعزة الغلبة يقال عزه يعزه عزا إذا غلبه
النساء : ( 140 ) وقد نزل عليكم . . . . .
) وقد نزل عليكم في الكتاب ( الخطاب لجميع من أظهر الإيمان من مؤمن ومنافق لأن من أظهر الإيمان فقد لزمه أن يمتثل ما أنزله الله وقيل إنه خطاب للمنافقين فقط كما يفيده التشديد والتوبيخ وقرأ عاصم ويعقوب ( نزل ) بفتح النون والزاي وتشديدها وفاعله ضمير راجع إلى اسم الله تعالى في قوله ) فإن العزة لله جميعا ( وقرأ حميد بتخفيف الزاي مفتوحة مع فتح النون وقرأ الباقون بضم النون مع كسر الزاي مشددة على البناء للمجهول وقوله ) أن إذا سمعتم آيات الله ( في محل نصب على القراءة الأولى على أنه مفعول نزل وفي محل رفع على القراءة الثانية إلى أنه فاعل وفي محل رفع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله على القراءة الثالثة وأن هي المخففة من الثقيلة والتقدير أنه إذا سمعتم آيات الله والكتاب هو القرآن وقوله ) يكفر بها ويستهزأ بها ( حالان أي إذا سمعتم الكفر والاستهزاء بآيات الله فأوقع السماع على الآيات والمراد سماع الكفر والاستهزاء وقوله ) فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ( أي أنزل عليكم في الكتاب أنكم عند هذا السماع للكفر والاستهزاء بآيات الله لا تقعدوا معهم ما داموا كذلك حتى يخوضوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بها والذي أنزله الله عليهم في الكتاب هو قوله تعالى ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ( وقد كان جماعة من الداخلين في الإسلام يقعدون مع المشركين واليهود حال سخريتهم بالقرآن واستهزائهم به فنهوا عن ذلك
وفي هذه الآية باعتبار عموم لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقص والاستهزاء للأدلة الشرعية كما يقع كثيرا من أسراء التقليد الذين استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة ولم يبق في أيديهم سوى قال إمام مذهبنا كذا وقال فلان من أتباعه بكذا وإذا سمعوا من يستدل على تلك المسألة بآية قرآنية أو بحديث نبوي سخروا منه ولم يرفعوا إلى ما قاله رأسا ولا بالوا به بالة وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع وخطب شنيع وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع بل بالغوا في ذلك حتى جعلوا رأيه الفائل واجتهاده الذي هو عن منهج الحق مائل مقدما على الله وعلى كتابه وعلى رسوله فإنا لله وإنا إليه راجعون ما صنعت هذه المذاهب بأهلها والأئمة الذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم برآء من فعلهم


"""""" صفحة رقم 527 """"""
فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة [ بالقول المفيد في حكم التقليد ] وفي مؤلفنا المسمى [ بأدب الطلب ومنتهى الأرب ] اللهم انفعنا بما علمتنا واجعلنا من المقتدين بالكتاب والسنة وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار يا مجيب السائلين
قوله ) إنكم إذا مثلهم ( تعليل للنهي أي إنكم إن فعلتم ذلك ولم تنتهوا فأنتم مثلهم في الكفر قيل وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر كما في قول القائل وكل قرين بالمقارن يقتدي
وهذه الآية محكمة عند جميع أهل العلم إلا ما يروى عن الكلبي فإنه قال هي منسوخة بقوله تعالى ) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ( وهو مردود فإن من التقوى اجتناب مجالس هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها قوله ) إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ( هذا تعليل لكونهم مثلهم في الكفر قيل وهم القاعدون والمقعود إليهم عند من جعل الخطاب موجها إلى المنافقين
النساء : ( 141 ) الذين يتربصون بكم . . . . .
قوله ) الذين يتربصون بكم ( أي ينتظرون بكم ما يتجدد ويحدث لكم من خير أو شر والموصول في محل نصب على أنه صفة للمنافقين أو بدل منهم فقط دون الكافرين لأن التربص المذكور هو من المنافقين دون الكافرين ويجوز أن يكون في محل نصب على الذم ) فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ( هذه الجملة والجملة التي بعدها حكاية لتربصهم أي إن حصل لكم فتح من الله بالنصر على من يخالفكم من الكفار ) قالوا ( لكم ) ألم نكن معكم ( في الاتصاف بظاهر الإسلام وإلتزام أحكامه والمظاهرة والتسويد وتكثير العدد ) وإن كان للكافرين نصيب ( من الغلب لكم والظفر بكم ) قالوا ( للكافرين ) ألم نستحوذ عليكم ( أي ألم تقهركم ونغلبكم ونتمكن منكم ولكن أبقينا عليكم وقيل المعنى إنهم قالوا للكفار الذين ظفروا بالمسلمين ألم نستحوذ عليكم حتى هابكم المسلمون وخذلناهم عنكم والأول أولى فإن معنى الاستحواذ الغلب يقال استحوذ على كذا أي غلب عليه ومنه قوله تعالى ) استحوذ عليهم الشيطان ( ولا يصح أن يقال ألم نغلبكم حتى هابكم المسلمون ولكن المعنى ألم نغلبكم يا معشر الكافرين ونتمكن منكم فتركناكم وأبقينا عليكم حتى حصل لكم هذا الظفر بالمسلمين ) ونمنعكم من المؤمنين ( بتخذيلهم وتثبيطهم عنكم حتى ضعفت قلوبهم عن الدفع لكم وعجزوا عن الانتصاف منكم والمراد أنهم يميلون مع من له الغلب والظفر من الطائفتين ويظهرون لهم أنهم كانوا معهم على الطائفة المغلوبة وهذا شأن المنافقين أبعدهم الله وشأن من حذا حذوهم من أهل الإسلام من التظهر لكل طائفة بأنه معها على الأخرى والميل إلى من معه الحظ من الدنيا في مال أو جاه فيلقاه بالتملق والتودد والخضوع والذلة ويلقى من لا حظ له من الدنيا بالشدة والغلظة وسوء الخلق ويزدري به ويكافحه بكل مكروه فقبح الله اخلاق أهل النفاق وأبعدها قوله ) فالله يحكم بينكم يوم القيامة ( بما انطوت عليه ضمائرهم من النفاق والبغض للحق وأهله ففي هذا اليوم تنكشف الحقائق وتظهر الضمائر وإن حقنوا في الدنيا دماءهم وحفظوا أموالهم بالتكلم بكلمة الإسلام نفاقا ) ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( هذا في يوم القيامة إذا كان المراد بالسبيل النصر والغلب أو في الدنيا إن كان المراد به الحجة قال ابن عطية قال جميع أهل التأويل إن المراد بذلك يوم القيامة قال ابن العربي وهذا ضعيف لعدم فائدة الخبر فيه وسببه توهم من توهم أن آخر الكلام يرجع إلى أوله يعني قوله ) فالله يحكم بينكم يوم القيامة ( وذلك يسقط فائدته إذ يكون تكرارا هذا معنى كلامه وقيل المعنى إن الله لا يجعل للكافرين سبيلا على المؤمنين يمحو به دولتهم ويذهب آثارهم ويستبيح بيضتهم كما يفيده الحديث الثابت في الصحيح ( وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ) وقيل إنه سبحانه لا يجعل للكافرين سبيلا


"""""" صفحة رقم 528 """"""
على المؤمنين ما داموا عاملين بالحق غير راضين بالباطل ولا تاركين للنهى عن المنكر كما قال تعالى ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( قال ابن العربي وهذا نفيس جدا وقيل أن الله لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعا فإن وجد فبخلاف الشرع هذا خلاصة ما قالة أهل العلم في هذه الآية وهي صالحة للاحتجاج بها على كثير من المسائل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله ) إن الذين آمنوا ثم كفروا ( الآية قال هم اليهود والنصاري آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت وآمنت النصارى بالإنجيل ثم كفرت وأخرج عبد الرزاق و عبد بن حميد وابن جرير عنه في الآية قال هؤلاء اليهود آمنوا بالتوراة ثم كفروا ثم ذكر النصارى فقال ) ثم آمنوا ثم كفروا ( يقول آمنوا بالانجيل ثم كفروا ) ثم ازدادوا كفرا ( بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال هؤلاء المنافقون آمنوا مرتين ثم كفروا مرتين ثم ازدادوا كفرا بعد ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ثم ازدادوا كفرا ( قال اتموا على كفرهم حتى ماتوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي وائل قال أن الرجل ليتكلم في المجلس بالكلمة من الكذب ليضحك بها جلساءه فيسخط الله عليهم جميعا فذكروا ذلك لإبراهيم النخعي فقال صدق أبو وائل أوليس ذلك في كتاب الله فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال أنزل في سورة الأنعام حتى يخوضوا في حديث غيره ثم نزل التشديد في سورة النساء ) إنكم إذا مثلهم ( وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير أن الله جامع المنافقين من أهل المدينة والكافرين من أهل مكة الذين خاضوا واستهزءوا بالقرآن في جهنم جميعا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) الذين يتربصون بكم ( قال هم المنافقون يتربصون بالمؤمنين ) فإن كان لكم فتح من الله ( إن أصاب المسلمين من عدوهم غنيمة قال المنافقون ) ألم نكن ( قد كنا ) معكم ( فأعطونا من الغنيمة مثل ما تأخذون ) وإن كان للكافرين نصيب ( يصيبونه من المسلمين قال المنافقون للكفار ) ألم نستحوذ عليكم ( ألم نبين لكم أنا على ما أنتم عليه قد كنا نثبطهم عنكم وأخرج ابن جرير عن السدى ) ألم نستحوذ عليكم ( قال نغلب عليكم وأخرج عبد الرزاق والفريابي و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب والحاكم وصححه عن علي أنه قيل له أرأيت هذه الآية ) ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( وهم يقاتلوننا فيظهرون ويقتلون فقال ادنه ادنه ثم قال ) فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال في الآخرة واخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي مالك نحوه أيضا واخرج ابن جرير عن السدى ) سبيلا ( قال حجة
النساء 142 - 145


"""""" صفحة رقم 529 """"""
النساء 146 14
النساء : ( 142 ) إن المنافقين يخادعون . . . . .
قوله ) إن المنافقين يخادعون الله ( هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض قبائح المنافقين وفضائحهم وقد تقدم معنى الخدع في البقرة ومخادعتهم لله هي أنهم يفعلون فعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر ومعنى كون الله خادعهم أنه صنع بهم صنع من يخادع من خادعه وذلك أنه تركهم على ما هم عليه من التظهر بالإسلام في الدنيا فعصم به أموالهم ودماءهم وأخر عقوبتهم إلى الدار الآخرة فجازاهم على خداعهم بالدرك الأسفل من النار قال في الكشاف والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه والكسالى بضم الكاف جمع كسلان وقريء بفتحها والمراد أنهم يصلون وهم متكاسلون متثاقلون لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا والرياء إظهار الجميل ليراه الناس لا لإتباع أمر الله وقد تقدم بيانه والمراءاة المفاعلة قوله ) ولا يذكرون الله إلا قليلا ( معطوف على يراءون أي لا يذكرونه سبحانه إلا ذكرا قليلا أو لا يصلون إلا صلاة قليلة ووصف الذكر بالقلة لعدم الإخلاص أو لكونه غير مقبول أو لكونه قليلا في نفسه لأن الذي يفعل الطاعة لقصد الرياء أنما يفعلها في المجامع ولا يفعلها خاليا كالمخلص
النساء : ( 143 ) مذبذبين بين ذلك . . . . .
قوله ) مذبذبين بين ذلك ( المذبذب المتردد بين أمرين والذبذبة الاضطراب يقال ذبذبه فتذبذب ومنه قول النابغة ألم تر أن الله أعطاك سورة
ترى كل ملك دونها يتذبذب
قال ابن جني المذبذب القلق الذي لا يثبت على حال فهؤلاء المنافقون ممترددون بين المؤمنين والمشركين لا مخلصين الإيمان ولا مصرحين بالكفر قال في الكشاف وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين أي يذاد ويدفع فلا يقر في جانب واحد كما يقال فلان يرمي به الرجوان إلاأن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب كأن المعنى كلما مال إلى جانب ذب عنه انتهى وقرأ الجمهور بضم الميم وفتح الذالين وقرأ ابن عباس بكسر الذال الثانية وفي حرف أبي متذبذبين وقرأ الحسن بفتح الميم والذالين وانتصاب مذبذبين إما على الحال أو على الذم والإشارة بقوله بين ذلك إلى الإيمان والكفر قوله ) لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ( أي لا منسوبين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين ومحل الجملة النصب على الحال أو على البدل من مذبذبين أو على التفسير له ) ومن يضلل الله ( أي يخذله ويسلبه التوفيق ) فلن تجد له سبيلا ( أي طريقا يوصله إلى الحق
النساء : ( 144 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ( أي لا تجعلونهم خاصة لكم وبطانة توالونهم من دون إخوانكم من المؤمنين كما فعل المنافقون من موالاتهم للكافرين ) أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ( الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي أتريدون أن تجعلوا لله عليكم حجة بينة يعذبكم بها بسبب ارتكابكم لما نهاكم عنه من موالاة الكافرين
النساء : ( 145 ) إن المنافقين في . . . . .
) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ( قرأ الكوفيون الدرك بسكون الراء وقرأ غيرهم بتحريكها قال أبو علي هما لغتان والجمع أدراك وقيل جمع المحرك أدراك مثل جمل وأجمال وجمع الساكن أدرك مثل فلس وأفلس قال النحاس والتحريك أفصح والدرك الطبقة والنار دركات سبع فالمنافق في الدرك الأسفل منها وهي الهاوية لغلظ كفره وكثرة غوائله وأعلى الدركات جهنم ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية وقد تسمى جميعها باسم الطبقة العليا أعاذنا الله من عذابها ) ولن تجد لهم نصيرا ( يخلصهم من ذلك الدرك


"""""" صفحة رقم 530 """"""
والخطاب لكل من يصلح له أو للنبي ( صلى الله عليه وسلم )
النساء : ( 146 ) إلا الذين تابوا . . . . .
) إلا الذين تابوا ( استثناء من المنافقين أي إلا الذين تابوا عن النفاق ) وأصلحوا ( ما أفسدوا من أحوالهم ) وأخلصوا دينهم لله ( أي جعلوه خالصا له غير مشوب بطاعة غيره والاعتصام بالله التمسك به والوثق بوعده والإشارة بقوله فأولئك إلى الذين تابوا واتصفوا بالصفات السابقة قوله ) مع المؤمنين ( قال الفراء أي من المؤمنين يعني الذين لم يصدر منهم نفاق أصلا قال القتيبي حاد عن كلامهم غضبا عليهم فقال ) فأولئك مع المؤمنين ( ولم يقل هم المؤمنون إنتهى والظاهر إن معنى مع معتبر هنا أي فاولئك مصاحبون للمومنين في أحجام الدنيا والآخرة ثم بين ما أعد الله للمؤمنين الذين هؤلاء معهم فقال ) وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ( وحذفت الياء من يؤت في الخط كما حذفت في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها ومثله يوم يدع الداع وسندع الزبانية ) يوم يناد المناد ( ونحوها فإن الحذف في الجميع لالتقاء الساكنين
النساء : ( 147 ) ما يفعل الله . . . . .
قوله ) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ( هذه الجملة متضمنة لبيان إنه لا غرض له سبحانه في التعذيب إلا مجرد المجازاة للعصاة والمعنى أي منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم فإن ذلك لا يزيد في ملكه كما إن ترك عذابكم لا ينقص من سلطانه ) وكان الله شاكرا عليما ( أي يشكر عباده على طاعته فيثيبهم عليها ويتقبلها منهم والشكر في اللغة الظهور يقال دابة شكور إذا ظهر من سمنها فوق ما تعطي من العلف
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله ) إن المنافقين يخادعون الله ( الآية قال يلقى على مؤمن ومنافق نور يمشون به يوم القيامة حتى إذاإنتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ومضى المؤمنين بنورهم فتلك خديعة الله إياهم وأخرج ابن جرير عن السدى نحوه وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وسعيد بن جبير نحوه أيضا ولا أدري من أين جاء لهم هذا التفسير فإن مثله لا ينقل إلا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال نزلت في عبد الله بن أبي وأبي عامر بن النعمان وقد ورد في الأحاديث الصحيحة وصف صلاة المنافق وانه يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا واخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) مذبذبين بين ذلك ( قال هم المنافقون ) لا إلى هؤلاء ( يقول لا إلى أصحاب محمد ) ولا إلى هؤلاء ( اليهود وثبت في الصحيح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ( إن مثل المنافق مثل الشاة الغائرة بين الغنمين تغير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة فلا تدري أيهما تتبع ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ( قال إن لله السلطان على خلقه ولكنه يقول عذا مبينا وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والفريابي و عبد بن حميد وابن المنذر وأبن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال ( كل سلطان في القرآن فهو حجة ) والله سبحانه أعلم وأخرج ابن أبي شيبة و عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن البي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله ) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ( قال في توابيت من حديد مقفلة عليهم وفي لفظ مبهمة عليهم أي مغلقة لا يهتدي لمكان فتحها وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة نحوه وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن مسعود نحوه أيضا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم ( الآية قال إن الله لا يعذب شاكرا ولا مؤمنا
النساء 148 149


"""""" صفحة رقم 531 """"""
النساء : ( 148 ) لا يحب الله . . . . .
نفي الحب كناية عن البغض وقراءة الجمهور ) إلا من ظلم ( على البناء للمجهول وقرأ زيد بن أسلم وابن أبي إسحاق والضحاك وابن أبي عباس وابن جبير وعطاء بن السائب ) إلا من ظلم ( على البناء للمعلوم وهو على القراءة الأولى استثناء متصل بتقدير مضاف محذوف أي إلا جهر من ظلم وقيل إنه على القراءة الأولى أيضا منقطع أي لكن من ظلم فله إن يقول ظلمني فلان واختلف أهل أعلم في كيفية الجهر بالسوء الذي يجوز لمن ظلم فقيل هو أن يدعو على من ظلمه وقيل لا بأس أن يجهر بالسوء من القول على من ظلمه بأن يقول فلان ظلمني أو هو ظالم أو نحو ذلك وقيل معناه إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول من كفر أو نحوه فهو مباح له والآية على هنا في الاكراه وكذا قال قطرب قال ويجوز أن يكون على البدل كأنه قال لا يحب الله إلا من ظلم أي لا يحب الظالم بل يحب المظلوم والظاهر من الآية أنه يجوز لمن ظلم أن يتكلم بالكلام الذي هو من السوء في جانب من ظلمة ويؤيده الحديث الثابت في الصحيح بلفظ لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته وأما على القراءة الثانية فالاستثناء منقطع أي إلا من ظلم في فعل أو قول فاجهروا له بالسوء من القول في معنى النهي عن فعله والتوبيخ له وقال قوم معنى الكلام لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول لكن من ظلم فإنه يجهر بالسوء ظلما وعدوانا وهو ظالم في ذلك وهذا شأن كثير من الظلمة فإنهم مع ظلمهم يستطيلون بألسنتهم على ظلموه وينالون من عرضه وقال الزجاج يجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم فقال سوءا فإنه ينبغي إن يأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الأول ) وكان الله سميعا عليما ( هذا تحذير للظالم بأن الله يسمع ما يصدر منه ويعلم به
النساء : ( 149 ) إن تبدوا خيرا . . . . .
ثم بعد أن أباح للمظلوم أن يجهر بالسوء ندب إلى ما هو الأولى والأفضل فقال ( إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء ) تصابون به ( فإن الله كان عفوا ) عن عباده ( قديرا ) على الانتقام منهم بما كسبت أيديهم فاقتدوا به سبحانه فإنه يعفو مع القدرة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبن عباس في قوله ) لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ( قال لا يحب الله ان يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه رخص له أن يدعو على من ظلمه وإن يصبر فهو خير له وأخرج عبدالرزاق و عبد بن حميد وابن جررير عن مجاهد في الآية قال نزلت في رجل ضاف رجلا بفلاة من الأرض فلم يضفه ثم ذكر أنه لم يضفه لم يزد على ذلك وأخرج ابن المنذر عن إسماعيل ( لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) قال كان الضحاك بن مزاحم يقول هذا على التقديم والتأخير ويقول الله ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم إلا من ظلم وكان يقرؤها كذلك ثم قال ) لا يحب الله الجهر بالسوء من القول ( أي كل حال هكذا قال وهو قريب من التحريف لمعنى الآية وقد أخرج ابن أبي شيبة والترمذي عن عائشة ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال من دعا على من ظلمه فقد انتصر وروى نحوه أبو داود عنها من وجه آخر وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( المتسابان ما قالاه فعلى البادىء منهما ما لم يعتد المظلوم )
النساء 150
النساء 151 152 ل
النساء : ( 150 ) إن الذين يكفرون . . . . .
ما فرغ من ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى لأنهم كفروا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكان ذلك كالكفر بجميع الرسل والكتب المنزلة والكفر بذلك كفر بالله وينبغي حمل قوله ) إن الذين يكفرون بالله ورسله (


"""""" صفحة رقم 532 """"""
على أنه استلزم ذلك كفرهم ببعض الكتب والرسل لا أنهم كفروا بالله ورسله جميعا فإن أهل الكتاب لم يكفروا بالله ولا بجميع رسله لكنهم لما كفروا بالبعض كان ذلك كفر بالله وبجميع الرسل ومعنى ) ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ( أنهم كفروا بالرسل بسبب كفرهم ببعضهم وآمنوا بالله فكان ذلك تفريقا بين الله وبين رسله ) ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ( هم اليهود آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد كذلك النصارى آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد ( ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا ) أي يتخذوا بين الإيمان والكفر دينا متوسطا بينهما فالاشارة بقوله ( ذلك ) إلى قوله نؤمن ونكفر
النساء : ( 151 ) أولئك هم الكافرون . . . . .
( أولئك هم الكافرون ) أي الكاملون في الكفر وقوله ( حقا ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي حق ذلك حقا أو هو صفه لمصدر الكافرين أي كفرا حقا
النساء : ( 152 ) والذين آمنوا بالله . . . . .
قوله ) ولم يفرقوا بين أحد منهم ( بأن يقولوا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ودخول بين على أحد لكونه عاما في المفرد مذكرا ومؤنثا ومثناهما وجمعهما وقد تقدم تحقيقه والإشارة بقوله ( أولئك ) إلى الذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال ( أولئك ) أعداء الله اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة وموسى وكفروا بالإنجيل وعيسى وآمنت النصارى بالإنجيل وعيسى وكفروا بالقرآن ومحمد اتخذوا اليهودية والنصرانية وهما بدعتان ليستا من الله وتركوا الإسلام وهو دين الله الذي بعث به رسله وأخرج ابن جرير عن السدى وابن جريج نحوه
النساء 153 156


"""""" صفحة رقم 533 """"""
النساء 157 159
النساء : ( 153 ) يسألك أهل الكتاب . . . . .
قوله ) يسألك أهل الكتاب ( هم اليهود سألوه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يرقى إلى السماء وهم يرونه فينزل عليهم كتابا مكتوبا فيما يدعيه يدل على صدقه دفعة واحدة كما اتى موسى التوراة تعنتا منهم ابعدهم الله فأخبره الله عز وجل بأنهم قد سألوا موسى سؤالا أكبر من هذا السؤال فقالوا ( أرنا إلله جهرة ) أي عيانا وقد تقدم معناه في البقرة وجهرة نعت لمصدر محذوف أي رؤية جهرة وقوله ) فقد سألوا ( جواب شرط مقدر أي إن استكبرت هذا السؤال منهم لك فقد سألوا موسى أكبر من ذلك قوله ) فأخذتهم الصاعقة ( هي النار التي نزلت عليهم من السماء فأهلكتهم والباء في قوله ) بظلمهم ( للسببية أي بسبب ظلمهم في سؤالهم الباطل لامتناع الرؤية عيانا في هذه الحالة وذلك لا يسلتزم امتناعها يوم القيامة فقد جاءت بذلك الأحاديث لمتواترة ومن استدل بهذه الآية على امتناع الرؤية يوم القيامة فقد غلط غلطا بينا ثم لم يكتفوا بهذا السؤال الباطل الذي نشأ منهم بسبب ظلمهم بعد ما رأوا المعجزات بل ضموا إليه ما هو أقبح منه وهو عبادة العجل وفي الكلام حذف والتقدير فأحييناهم فأتخذوا العجل والبينات البراهين والدلائل والمعجزات من اليد والعصا وفلق البحر وغيرها ( فعفونا عن ذلك ) أي عما كان منهم من التعنت وعبادة العجل ( وآتينا موسى سلطانا مبينا ) أي حجة بينة وهي الآيات التي جاء بها وسميت سلطانا لأن من جاء بها قهر خصمه ومن ذلك أمر الله سبحانه له بأن يأمرهم بقتل أنفسهم توبة عن معصيتهم فإنه من جملة السلطان الذي قهرهم به
النساء : ( 154 ) ورفعنا فوقهم الطور . . . . .
( ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم ) أي بسبب ميثاقهم ليعطوه لأنه روى أنهم امتنعوا من قبول شريعة موسى فرفع الله عليهم الطور فقبلوها وقيل إن المعنى بسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذ منهم وهو العمل بما في التوراة وقد تقدم رفع الجبل في البقرة وكذلك تفسير دخولهم الباب سجدا ( وقلنا لهم لا تعدوا في السبت ) فتأخذوا ما أمرتم بتركه فيه من الحيتان وقد تقدم تفسير ذلك وقرئ لا تعتدوا وتعدوا بفتح العين وتشديد الدال ) وأخذنا منهم ميثاقا ( غليظا مؤكذا وهو العهد الذي أخذه عليهم في التوراة وقيل إنه عهد مؤكدا باليمين فسمى غليظا لذلك
النساء : ( 155 ) فبما نقضهم ميثاقهم . . . . .
قوله ( فبما نقضهم ميثاقهم ) ما مزيدة للتوكيد أو نكرة ونقضهم بدل منها والباء متعلقة بمحذوف والتقدير فبنقضهم ميثاقهم ) لعناهم وقال الكسائي هو متعلق بما قبله والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم إلى قوله ) فبما نقضهم ميثاقهم ( قال ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة بسببه بما بعده من نقضهم ميثاقهم وقتلهم الأنبياء وما بعده وأنكر ذلك ابن جرير الطبري وغيره لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى والذين قتلوا الأنبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى بزمان فلم تأخذ الصاعقة الذين أخذتهم برمتهم بالبهتان قال المهدوي وغيره وهذا لايلزم لأنه يجوز أن يخبر عنهم والمراد آياءهم وقال الزجاج المعنى فبنقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم لأن هذه القصة ممتدة إلى قوله ) فبظلم من الذين هادوا حرمنا ( ونقضهم الميثاق انه أخذ عليهم ان يبينوا صفة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المعنى فبنقضهم ميثاقهم وفعلهم كذا طبع الله على قلوبهم وقيل المعنى فبنقضهم


"""""" صفحة رقم 534 """"""
لا يؤمنون إلا قليلا والفاء في قوله ) فلا يؤمنون ( مقحمة قوله ) وكفرهم بآيات الله ( معطوف على ما قبله وكذا قوله ) وقتلهم ( والمراد بآيات الله كتبهم التي حرفوها والمراد بالأنبياء الذين قتلوهم يحيى وزكرياء وغلف جمع أغلف وهو المغطى بالغلاف أي قلوبنا في أغطية فلا نفقه ما تقول وقيل إن غلف جمع غلاف والمعنى أن قلوبهم أوعية للعلم فلا حاجة لهم إلى علم غير ما قد حوته قلوبهم وهو كقولهم ) قلوبنا في أكنة ( وغرضهم بهذا رد حجة الرسل قوله ) بل طبع الله عليها بكفرهم ( هذه الجملة اعتراضية أي ليس عدم قبولهم لحق بسبب كونها غلفا بحسب مقصدهم الذي يريدونه بل بحسب الطبع من الله عليها والطبع الختم وقد تقدم إيضاح معناه في البقرة وقوله ) فلا يؤمنون إلا قليلا ( أي هي مطبوع عليها من الله بسبب كفرهم فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا أو إلا قليلا منهم كعبدالله بن سلام ومن أسلم معه منهم
النساء : ( 156 ) وبكفرهم وقولهم على . . . . .
وقوله ) بكفرهم ( معطوف على قولهم وإعادة الجار لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وهذا التكرير لإفادة أنهم كفروا كفرا بعد كفر وقيل إن المراد بهذا الكفر كفرهم بالمسيح فحذف لدلالة ما بعده عليه قوله ) وقولهم على مريم بهتانا عظيما ( هو رميها بيوسف النجار وكان من الصالحين والبهتان الكذب المفرط الذي يتعجب منه
النساء : ( 157 ) وقولهم إنا قتلنا . . . . .
قوله ) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ( معطوف على ما قبله وهو من جملة جناياتهم وذنوبهم لأنهم كذبوا بأنهم قتلوه وافتخروا بقتله وذكروه بالرسالة استهزاء لأنهم ينكرونها ولا يعترفون بأنه نبي وما ادعوه من أنهم قتلوه قد اشتمل على بيان صفته وإيضاح حقيقته الإنجيل وما فيه هو من تحريف النصارى أبعدهم الله فقد كذبوا وصدق الله القائل في كتابه العزيز ) وما قتلوه وما صلبوه ( والجملة حالية أي قالوا ذلك والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه ) ولكن شبه لهم ( أي ألقى شبهه على غيره وقيل لم يكونوا يعرفون شخصه وقتلوا الذين قتلوه وهم شاكون فيه ) وإن الذين اختلفوا فيه ( أي في شأن عيسى فقال بعضهم قتلناه وقال من عاين رفعه إلى السماء ما قتلناه وقيل إن الاختلاف بينهم هو أن النسطورية من النصارى قالوا صلب عيسى من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته وقالت الملكانية وقع القتل والصلب على المسيح بكماله ناسوته ولاهوته ولهم من جنس هذا الاختلاف كلام طويل لا أصل له ولهذا قال الله ) وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ( أي في ترد لا يخرج إلى حيز الصحة ولا إلى حيز البطلان في اعتقادهم بل هم مترددون مرتابون في شكهم يعهمون وفي جهلهم يتحيرون و ) ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ( من زائدة لتوكيد نفي العلم والاستثناء منقطع أي لكنهم يتبعون الظن وقيل هو بدل بما قبله والأول أولى لا يقال إن اتباع الظن ينافي الشك الذي أخبر الله عنهم بأنهم فيه لأن المراد هنا بالشك التردد كما قدمنا والظن نوع منه وليس المراد به هنا ترجح أحد الجانبين قوله ) وما قتلوه يقينا ( أي قتلا يقينا على أنه صفة مصدر محذوف أو متيقنين على أنه حال وهذا على أن الضمير في قتلوه لعيسى وقيل إنه يعود إلى الظن والمعنى ما قتلوا ظنهم يقينا كقولك قتلته علما إذا علمته علما تاما قال أبو عبيدة ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينا لقال وما قتلوه فقط وقيل المعنى وما قتلوا الذي شبه لهم وقيل المعنى بل رفعه الله إليه يقينا وهو خطأ لأنه لا يعمل ما بعد بل فيما قبلها وأجاز ابن الأنباري نصب يقينا بفعل مضمر هو جواب قسم ويكون ) بل رفعه الله إليه ( كلاما مستأنفا ولا وجه لهذه الأقوال والضمائر قبل قتلوه وبعده لعيسى وذكر اليقين هنا لقصد التهكم بهم لإشعاره بعلمهم في الجملة
النساء : ( 158 ) بل رفعه الله . . . . .
قوله ) بل رفعه الله إليه ( رد عليهم وإثبات لما هو الصحيح وقد تقدم ذكر رفعه عليه السلام في آل عمران
النساء : ( 159 ) وإن من أهل . . . . .
قوله ) وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ( المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى والمعنى وما من أهل الكتاب أحد إلا والله


"""""" صفحة رقم 535 """"""
ليؤمنين به قبل موته والضمير في به راجع إلى عيسى والضمير في موته راجع إلى ما دل عليه الكلام وهو لفظ أحد المقدر أو الكتابي المدلول عليه بأهل الكتاب وفيه دليل على انه لا يموت يهودي أو نصراني إلا وقد آمن بالمسيح وقيل كلا الضميرين لعيسى والمعنى أنه لا يموت عيسى حتى يؤمن به كل كتابي في عصره وقيل الضمير الأول لله وقيل إلى محمد وقد اختار كون الضميرين لعيسى ابن جرير وقال به جماعة من السلف وهو الظاهر والمراد الإيمان به عند نزوله في آخر الزمان كما وردت بذلك الأحاديث المتواترة ) ويوم القيامة يكون ( عيسى على أهل الكتاب ( شهيدا ) يشهد على اليهود بالتكذيب له وعلى النصاري بالغلو فيه حتى قالوا هو ابن الله
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال جاء ناس من اليهود إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إن موسى جاء بالألواح من عند الله فأتنا بالألواح من عند الله حتى نصدقك فأنزل الله ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) إلى ) وقولهم على مريم بهتانا عظيما ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال إن والنصارى قالوا لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) لن نبايعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله إلى فلان إنك رسول الله وإلى فلان أنك رسول الله فأنزل الله ( يسألك أهل الكتاب ) الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) أرنا الله جهرة ( قال أنهم إذا رأوه فقد رأوه وإنما قالوا جهرة ارنا الله قال هو مقدم ومؤخر وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ورفعنا فوقهم الطور ( قال جبل كانوا في أصله فرفعه الله فجعله فوقهم كانه ظلة فقال لتأخذن أمري أو لأرمينكم به فقالوا نأخذه فامسكه الله عنهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وقولهم على مريم بهتانا عظيما ( قال رموها بالزنا وأخرج سعيد بن منصور والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وفي البيت اثنا عشر رجلا من الحواريين فخرج عليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء فقال إن منكم من يكفر لي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي ثم قال أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معى في درجتي فقام شاب من أحدثهم سنا فقال له اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال اجلس ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا فقال أنت ذاك فالقى عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة في البيت إلى السماء قال وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق فقالت طائفة كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء فهؤلاء اليعقوبية وقالت فرقة كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفعه الله إليه وهؤلاء النسطورية وقالت فرقة كان فينا عبد الله ورسوله وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعث الله محمدا فأنزل الله عليه ) فآمنت طائفة من بني إسرائيل ( يعني الطائفة التي آمنت في زمن عيسى وكفرت طائفة يعني التي كفرت في زمن عيسى فأيدنا الذين آمنوا في زمن عيسى بإظهار محمد دينهم على دين الكافرين قال ابن كثير بعد أن ساقه بهذا اللفظ عن ابن أبي حاتم قال حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكره وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وصدق ابن كثير فهؤلاء كلهم من رجال الصحيح وأخرجه النسائي من حديث أبي كريب عن أبي معاوية بنحوه وقد رويت قصته عليه السلام من طرق بالفاظ مختلفة وساقها عبد بن حميد وابن جرير عن وهب ابن منبه على صفة قريبة مما في الإنجيل وكذلك ساقها ابن المنذر عنه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 536 """"""
في قوله ) وما قتلوه يقينا ( قال لم يقتلوا ظنهم يقينا وأخرج ابن المنذر عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير عن ابن جويبر والسدى مثله أيضا وأخرج الفريابي و عبد بن حميد والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ( قال خروج عيسى ابن مريم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عنه في الآية قال قبل موت عيسى وأخرجا عنه أيضا قال قبل موت اليهودي وأخرج ابن جرير عنه قال إنه سيدرك أناس من أهل الكتاب عيسى حين يبعث سيؤمنون به وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عنه قال ( ليس يهودي يموت أبدا حتى يؤمن بعيسى قيل لإبن عباس أرأيت إن خر من فوق بيت قال يتكلم به في الهواء فقيل أرأيت إن ضرب عنق أحدهم قال يتلجلج بها لسانه ) وقد روى نحو هذا عنه من طرق وقال به جماعة من التابعين وذهب كثير من التابعين فمن بعدهم إلى أن المراد قبل الموت عيسى كما روى عن ابن عباس قبل هذا وقيده كثير منهم بأنه يؤمن به من ادركه عند نزوله إلى الأرض وقد تواترت الأحاديث بنزول عيسى حسبما أوضحنا ذلك في مؤلف مستقل يتضمن ذكر ما ورد في المنتظر والدجال والمسيح
النساء 160 165
النساء : ( 160 ) فبظلم من الذين . . . . .
الباء في قوله ( فبظلم ) للسببية والتنكير والتنوين للتعظيم أي فبسبب ظلم عظيم حرمنا علهم طيبات أحلت لهم لا بسبب شيء آخر كما زعموا أنها كانت محرمة من قبلهم قال الزجاج هذا بدل من قوله ) فبما نقضهم ( والطيبات المذكورة هي ما نصه الله سبحانه وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية ) وبصدهم ( أنفسهم وغيرهم ) عن سبيل الله ( وهو اتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وتحريفهم وقتلهم الأنبياء وما صدر منهم الذنوب المعروفة وقوله ) كثيرا ( مفعول للفعل المذكور أي بصدهم ناسا كثيرا أو صفة مصدر محذوف أي صدا كثيرا
النساء : ( 161 ) وأخذهم الربا وقد . . . . .
) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه ( أي معاملتهم فيما بينهم بالربا وأكلهم له وهو محرم عليهم ) وأكلهم أموال الناس بالباطل ( كالرشوة والسحت الذي كانوا يأخذونه
النساء : ( 162 ) لكن الراسخون في . . . . .
قوله ) لكن الراسخون في العلم منهم (


"""""" صفحة رقم 537 """"""
استدراك من قوله ) وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما ( أو من الذين هادوا وذلك ان اليهود أنكروا وقالوا إن هذه الأشياء كانت حراما في الأصل وأنت تحلها فنزل ) لكن الراسخون ( والراسخ هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه والرسوخ الثبوت وقد تقدم الكلام عليه في آل عمران و المراد عبدالله بن سلام وكعب الأحبار ونحوهما والراسخون مبتدأ ويؤمنون خبره والمؤمنون معطوف على الراسخون و المراد بالمؤمنين إما من آ آمن من أهل الكتاب أو المهاجرين والأنصار أو من الجميع قوله ) والمقيمين الصلاة ( قرأ الحسن ومالك بن دينار وجماعة ) والمقيمين الصلاة ( على العطف على ما قبله وكذا هو في مصحف ابن مسعود وأختلف في وجه نصبه على قراءة الجمهور على أقوال الأول قول سيبويه انه نصب على المدح أي وأعني المقيمين قال سيبويه هذا باب ما ينتصب على التعظيم ومن ذلك ) والمقيمين الصلاة ( وأنشد وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم
إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
الطاعنين ولما يطعنوا أحدا
والقائلون لمن دار نخليها
وأنشد لايبعدن قومي الذين هم
سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك
والطيبون معاقد الأزر
قال النحاس وهذا أصح ما قيل في المقيمين وقال الكسائي والخليل هو معطوف على قوله ) بما أنزل إليك ( قال الأخفش وهذا بعيد لأن المعنى يكون هكذا ويؤمنون بالمقيمين ووجهه محمد بن يزيد المبرد بأن المقيمين هنا هم الملائكة فيكون المعنى يؤمنون بما أنزل إليك وبما أنزل من قبلك وبالملائكة واختار هذا وحكى ان النصب على المدح بعيد لأن المدح إنما يأتي بعد تمام الخبر وخبر الراسخون هو قوله ) أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ( وقيل إن المقيمين معطوف على الضمير في قوله ) منهم ( وفيه انه عطف على مضمر بدونه إعادة الخافض وحكى عن عائشة أنا سئلت عن المقيمين في هذه الآية وعن قوله تعالى ) إن هذان لساحران ( وعن قوله ) والصابئون ( في المائدة فقالت يا ابن أخي الكتاب أخطئوا أخرجه عنها أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير و ابن المنذر وقال أبان بن عثمان كان الكاتب يملى عليه فيكتب فكتب ( لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون ) ثم قال ما أكتب فقيل له أكتب ( والمقيمين الصلاة ) فمن ثم وقع هذا وأخرجه عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر قال القشيري وهذا باطل لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة فلا يضن بهم ذلك ويجاب عن القشيري بأنه قد روى عن عثمان بن عفان انه لما فرغ من المصحف وأتى به إليه قال أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها أخرجه عنه ابن أبي داود من طرق وقد رجح قول سيبويه كثير من أئمة النحو والتفسير ورجح قول الخليل والكسائي ابن جرير الطبري والقفال وعلى قول سيبوبه تكون الجملة معترضة بين المبتدأ والخبر على قول من قال إن خبر الراسخون هو قوله ) أولئك سنؤتيهم ( أو بين المعطوف والمعطوف عليه إن جعلنا خبر الراسخون هو يؤمنون وجعلنا قوله ) والمؤتون الزكاة ( عطفا على المؤمنون لا على قول سيبويه أن المؤتون الزكاة مرفوع على الابتداء أو على تقدير مبتدأ محذوف أي هم المؤتون الزكاة قوله ) والمؤمنون بالله واليوم الآخر ( هم مؤمنو أهل الكتاب وصفوا أولا بالرسوخ في العلم ثم بالإيمان بكتب الله وأنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة يؤمنون بالله واليوم الآخر وقيل المراد بهم المؤمنون من المهاجرين والأنصار كما سلف وأنهم جامعون بين هذه الأوصاف والإشارة بقوله ) أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما ( إلى الراسخون وما عطف عليه
النساء : ( 163 ) إنا أوحينا إليك . . . . .
قوله ) إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ( هذا متصل بقوله ) يسألك أهل الكتاب (


"""""" صفحة رقم 538 """"""
والمعنى أن أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كأمر من تقدمه من الأنبياء فما بالكم تطلبون منه ما لم يطلبه أحد من المعاصرين للرسل والوحي إعلام في خفاء يقال وحي إليه بالكلام وحيا وأوحى يوحى إيحاء وخص نوحا لكونه أول نبى شرعت على لسانه الشرائع وقيل غير ذلك والكاف في قوله ) كما ( نعت مصدر محذوف أي إيحاء مثل إيحائنا إلى نوح أو حال أي أوحينا إليك هذا الإيحاء حال كونه مشبها بإيحائنا إلى نوح قوله ) وأوحينا إلى إبراهيم ( معطوف على ) أوحينا إلى نوح ( ) وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ( وهم أولاد يعقوب كما تقدم ( وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ) خص هؤلاء بالذكر بعد دخولهم في لفظ النبيين تشريفا لهم كقوله ) وملائكته ورسله وجبريل ( وقدم عيسى على أيوب ومن بعده مع كونهم في زمان قبل زمانه ردا على اليهود الذي كفروا به وأيضا فالواو ليست إلا لمطلق الجمع قوله ) وآتينا داود زبورا ( معطوف على أوحينا والزبور كتاب داود قال القرطبي وهو مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام وإنما هي حكم ومواعظ انتهى قلت هو مائة وخمسون مزمورا والمزمور فصل يشتمل على كلام لداود يستغيث بالله من خصومه ويدعو الله عليهم ويستنصره وتارة يأتي بمواعظ وكان يقول ذلك في الغالب في الكنيسة ويستعمل مع تكلمه بذلك شيئا من الآلات التي لها نغمات حسنة كما هو مصرح بذلك في كثير من تللك المزمورات والزبر الكتابة والزبور بمعنى المزبور أي المكتوب كالرسول والحلوب والركوب وقرأ حمزة ( زبورا ) بضم الزاي جمع زبر كفلس وفلوس والزبر بمعنى المزبور والأصل في الكلمة التوثيق يقال بئر مزبورة أي مطوية بالحجارة والكتاب سمى زبورا لقوة الوثيقة به
النساء : ( 164 ) ورسلا قد قصصناهم . . . . .
قوله ( ورسلا ) منصوب بفعل مضمر يدل عليه ( أوحينا ) أي وارسلنا رسلا ( قد قصصناهم عليك من قبل ) وقيل هو منصوب بفعل دل عليه ( قصصناهم ) أي وقصصنا رسلا ومثله ما أنشده سيبويه أصبحت لاأحمل السلاح ولا
أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به
وحدي وأخشى الرياح والمطرا
أي وأخشى الذئب وقرأ أبي ( رسل ) بالرفع على تقدير ومنهم رسل ومعنى ( من قبل ) أنه قصهم عليه من قبل هذه السورة أو من قبل هذا اليوم قيل إنه لما قص الله في كتابه بعض أسماء أنبيائه ولم يذكر أسماء بعض قالت اليهود ذكر محمد الأنبياء ولم يذكر موسى فنزل ) وكلم الله موسى تكليما ( وقراءة الجمهور برفع الإسم الشريف على ان الله هو الذي كلم موسى وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب بنصب الإسم الشريف على ان موسى هو الذي كلم الله سبحانه و ( تكليما ) مصدر مؤكد وفائدة التأكيد دفع توهم كون التكليم مجازا كما قال الفراء إن العرب تسمى ما وصل إلى الإنسان كلاما باي طريق وقيل ما لم يؤكد بالمصدر فإذا أكد لم يكن إلا حقيقة الكلام قال النحاس وأجمع النحويون على إنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا
النساء : ( 165 ) رسلا مبشرين ومنذرين . . . . .
قوله ) رسلا مبشرين ومنذرين ( بدل من رسلا الأول أو منصوب بفعل مقدر أي وارسلنا أو على الحال بأن يكون رسلا موطئا لما بعده أو على المدح أي مبشرين لأهل الطاعات ومنذرين لأهل المعاصي قوله ) لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ( أي معذرة يعتذرون بها كما في قول تعالى ) ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ( وسميت المعذرة حجة مع انه لم يكن لأحد من العباد على الله حجة تنبيها على أن هذه المعذرة مقبولة لديه تفضلا منه رحمة ومعنى قوله ) بعد الرسل ( بعد إرسال ( وكان الله عزيزا ) لا يغالبه مغالب ) حكيما ( في أفعاله التي من جملتها إرسال الرسل


"""""" صفحة رقم 539 """"""
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد ) وبصدهم عن سبيل الله كثيرا ( قال أنفسهم وغيرهم عن الحق وأخرج ابن إسحاق في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) لكن الراسخون في العلم منهم ( قال نزلت في عبدالله بن سلام وأسيد بن شعبة وثعلبة بن شعبة حين فارقوا اليهود وأسلموا وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر و البيهقي في الدلائل عنه ان بعض اليهود قال يا محمد ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى فأنزل الله ) إنا أوحينا إليك ( الآية وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن حبان في صحيحه والحاكم وابن عساكر عن أبي ذر قال ( قلت يا رسول الله كم الأنبياء قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قلت قلت كم الرسل منهم قال ثلثمائة وثلاثة عشر جم غفير وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة مرفوعا إلا انه قال والرسل ثلثمائة وخمسة عشر ) وأخرج أبو يعلى والحاكم بسند ضعيف عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي ثم كان عيسى ثم كنت أنا بعده ) وأخرج الحاكم عن أنس بسند ضعيف نحوه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لاأحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه ولا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين )
النساء 166 171
النساء : ( 166 ) لكن الله يشهد . . . . .
قوله ) لكن الله يشهد ( الإسم الشريف مبتدأ والفعل خبره ومع تشديد النون هو منصوب على انه اسم لكن والاستدراك من محذوف مقدر كانهم قالوا ما نشهد لك يا محمد بهذا أي الوحي والنبوة فنزل ( لكن الله يشهد ) وقوله ) والملائكة يشهدون ( جملة معطوفة على الجملة الأولى أو جملة حالية وكذلك قوله ) أنزله بعلمه ( جملة حالية أي متلبسا بعلمه الذي لا يعلمه غيره من كونك أهلا لما اصطفاك الله له من النبوة وأنزله عليك من القرآن ) وكفى بالله شهيدا ( أي كفى الله شاهدا والباء زائدة وشهادة الله سبحانه هي ما يصنعه من المعجزات الدالة على


"""""" صفحة رقم 540 """"""
صحة النبوة فإن وجود هذه المعجزات شهادة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بصدق ما أخبر به من هذا وغيره
النساء : ( 167 ) إن الذين كفروا . . . . .
) إن الذين كفروا ( بكل ما يجب الإيمان به أو بهذا الأمر الخاص وهو ما في هذا المقام ( وصدوا عن سبيل الله ) وهو دين الإسلام بإنكارهم نبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبقولهم ما نجد صفته في كتابنا وإنما النبوة في ولد هرون وداود وبقولهم إن شرع موسى لا ينسخ ( قد ضلوا ضلاضلا بعيدا ) عن الحق بما فعلوا لأنهم مع كفرهم منعوا غيرهم عن الحق
النساء : ( 168 ) إن الذين كفروا . . . . .
( إن الذين كفروا ) بجحدهم ( وظلموا ) غيرهم بصدهم عن السبيل أو ظلموا محمدا بكتمانهم نبوته أو ظلموا أنفسهم بكفرهم ويجوز الحمل على جميع هذه المعني ( لم يكن الله ليغفر لهم ) إذا استمروا على كفرهم وماتوا كافرين ( ولا ليهديهم طريقا
النساء : ( 169 ) إلا طريق جهنم . . . . .
( إلا طريق جهنم ) لكونهم اقترفوا ما يوجب لهم ذلك بسوء اختيارهم وفرط شقائهم وجحدوا الواضح وعاندوا البين ( خالدين فيها أبدا ) أي يدخلهم جهنم خالدين فيها وهي حال مقدرة وقوله ( أبدا ) منصوب على الظرفية وهو لدفع أحتمال أن الخلود هنا يراد به المكث الطويل ( وكان ذلك ) أي تخليدهم في جهنم أو ترك المغفرة لهم والهداية مع الخلود في جهنم ( على الله يسيرا ) لأنه سبحانه لا يصعب عليه شئ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
النساء : ( 170 ) يا أيها الناس . . . . .
( فآمنوا خيرا لكم ) اختلف أئمة النحو في انتصاب خيرا على ماذا فقال سيبويه والخليل بفعل مقدر أي وأقصدوا أو أتوا خيرا لكم وقال الفراء هو نعت لمصدر محذوف أي فآمنوا إيمانا خيرا لكم وذهب أبو عبيدة والكسائي إلى انه خبر لكان مقدرة أي فآمنوا يكن الإيمان خيرا لكم وأقوى هذه الأقوال الثالث ثم الأول ثم الثاني على ضعف فيه ( وإن تكفروا ) أي وإن تستمروا على كفركم ( فإن لله ما في السموات والأرض ) من مخلوقاته وأنتم من جملتهم ومن كان خالقا لكم لها ولها فهو قادر على مجازاتكم بقبيح أفعالكم ففي هذه الجملة وعيد لهم مع إيضاح وجه البرهان وإماطة الستر عن الدليل بما يوجب عليهم القبول والإذعان لأنهم يعترفون بأن الله خالقهم ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن الله
النساء : ( 171 ) يا أهل الكتاب . . . . .
قوله ) يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ( الغلو هو التجاوز في الحد ومنه غلا السعر يغلو غلاء وغلا الرجل في الأمر غلوا وغلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها والمراد بالآية النهي لهم عن الإفراط تارة والتفريط أخرى فمن الإفراط غلو النصارى في عيسى حتى جعلوه ربا ومن التفريط غلو اليهود فيه عليه السلام حتى جعلوه لغير رشدة وما أحسن قول الشاعر ولا تغل في شئ من الأمر واقتصد
كلا طرفي قصد الأمور ذميم
) ولا تقولوا على الله إلا الحق ( وهو ما وصف به نفسه ووصفته به رسله ولا تقولوا الباطل كقول اليهود عزير ابن الله وقول النصارى المسيح ابن الله ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ) المسيح مبتدأ وعيسى بدل منه وابن مريم صفة لعيسى ورسول الله الخبر ويجوز أن يكون عيسى ابن مريم عطف بيان و الجملة تعليل للنهي وقد تقدم الكلام على المسيح في آل عمران قوله ) وكلمته ( عطف على رسول الله و ) ألقاها إلى مريم ( حال أي كونه بقوله كن فكان بشرا من غير أب وقيل ? كلمته ? بشارة الله مريم ورسالته إليها على لسان جبريل بقوله إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه وقيل الكلمة ها هنا بمعنى الآية ومنه وصدقت بكلمات ربها وقوله ) ما نفدت كلمات الله ( قوله ) وروح منه ( أي أرسل جبريل فنفخ في درع مريم فحملت بإذن الله وهذه الإضافة للتفضيل وإن كان جميع الأرواح من خلقه تعالى وقيل قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحا ويضاف إلى الله فيقال هذا روح من الله اي من خلقه كما يقال في النعمة إنها من الله وقيل ) وروح منه ( أي من خلقه كما قال تعالى ) وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ( أي من خلقه


"""""" صفحة رقم 541 """"""
وقيل ) وروح منه ( أي رحمة منه وقيل ) وروح منه ( أي برهان منه وكان عيسى برهانا وحجة على قومه وقوله ) منه ( متعلق بمحذوف وقع صفة لروح أي كائنة منه وجعلت الروح منه سبحانه وإن كانت بنفخ جبريل لكونه تعالى الآمر لجبريل بالنفخ ) فآمنوا بالله ورسله ( أي بأنه سبحانه إله وأحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وبأن رسله صادقون مبلغون عن الله ما أمرهم بتبليغه ولا تكذبوهم ولا تغلوا فيهم فتجعلوا بعضهم آلهة 0 قوله ) ولا تقولوا ثلاثة ( ارتفاع ثلاثة على انه خبر مبتدأ محذوف قال الزجاج أي لا تقولوا آلهتنا ثلاثة وقال الفراء وأبو عبيد أي لا تقولوا هم ثلاثة كقوله سيقولون ثلاثة وقال أبو علي الفارسي لا تقولوا هو ثالث ثلاثة فحذف المبتدأ والمضاف والنصارى مع تفرق مذاهبهم متفقون على التثلث ويعنون بالثلاثة الثلاثة الأقانيم فيجعلونه سبحانه جوهرا واحدا وله ثلاثة أقانيم ويعنون بالأقانيم أقنوم الوجود وأقنوم الحياة وأقنوم العلم وربما يعبرون عن الاقانيم بالأب والابن وروح القدس فيعنون بالأب الوجود وبالروح الحياة وبالابن المسيح وقيل المراد بالآلهة الثلاثة الله سبحانه وتعالى ومريم والمسيح وقد اختبط النصارى في هذا اختباطا طويلا ووقفنا في الأناجيل الأربعة التي يطلق عليها عندهم اسم الإنجيل على اختلاف كثير عيسى كفتارة يوصف بأنه ابن الإنسان وتارة يوصف بأنه ابن الله وتارة يوصف بأنه ابن الرب وهذا تناقض ظاهر وتلاعب بالدين والحق ما أخبرنا الله به في القرآن وما خالفه في التوراة أو النجيل أو الزبور فهو من تحريف المحرفين وتلاعب المتلاعبين ومن أعجب ما رايناه أن الأناجيل الأربعة كل واحد منها منسوب إلى واحد من أصحاب عيسى عليه السلام وحاصل ما فيها جميعا أن كل واحد من هؤلاء الأربعة ذكر سيرة عيسى من عند أن بعثه الله إلى أن رفعه إليه وذكر ما جرى له من المعجزات والمراجعات لليهود ونحوهم فاختلفت ألفاظهم وأتفقت معانهيا وقد يزيد بعضهم على بعض بحسب ما يقتضيه الحفظ والضبط وذكر ما قاله عيسى وما قيل له وليس فيها من كلام الله سبحانه شيء ولا أنزل على عيسى من عنده كتابا بل كان عيسى عليه السلام يحتج عليهم بما في التوراة ويذكر انه لم يأت بما يخالفها وهكذا الزبور فإنه من أوله إلى آخره من كلام داود عليه السلام وكلام الله أصدق وكتابه أحق وقد أخبرنا ان الأنجيل كتابه أنزله على عبده ورسوله عيسى ابن مريم وان الزبور كتابه آتاه داود وأنزله عليه قوله ) انتهوا خيرا لكم ( أي انتهوا عن التثليث تن وانتصاب ( خيرا ) هنا فيه الوجوه الثلاثة التي تقدمت في قوله ) فآمنوا خيرا لكم ( ) إنما الله إله واحد ( لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ) سبحانه أن يكون له ولد ( أي اسبحه تسبيحا عن ان يكون له ولد ) له ما في السماوات وما في الأرض ( وما جعلتموه له شريك أو ولدا هو من جملة ذلك والمملوك المخلوق لا يكون شريكا ولا ولدا ) وكفى بالله وكيلا ( نكل الخلق أمورهم إليه ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر و البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال دخل جماعة من اليهود على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لهم ( إني والله أعلم أنكم تعلمون أني رسول الله قالوا ما نعلم ذلك فأنزل الله ) لكن الله يشهد ( الآية ) وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه و البيهقي في الدلائل عن أبي موسى ان النجاشي قال لجعفر ما يقول صاحبك في ابن مريم قال يقول فيه قول الله هو روح الله وكلمته أخرجه من البتول العذراء لم يقربها بشر فتناول عودا من الأرض فرفعه فقال يا معشر القسيسين والرهبان ما يزيد هؤلاء على ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه وأخرجه البيهقي في الدلائل عن ابن مسعود بأطول من هذا


"""""" صفحة رقم 542 """"""
وأخرجه البخاري عن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( لاتطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله )
النساء 172 175
النساء : ( 172 ) لن يستنكف المسيح . . . . .
أصل يستنكف نكف وباقي الحروف زائدة يقال نكفت من الشيء واستنكفت منه وأنكفته أي نزهته عما يستنكف منه قال الزجاج استنكف أي انف مأخوذ من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك عن خديك وقيل هو من النكف وهو العيب يقال ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف أي عيب ومعنى الأول لن يأنف عن العبودية ولن يتنزه عنها ومعنى الثاني لن يعيب العبودية ولن ينقطع عنها ) ولا الملائكة المقربون ( عطف على المسيح أي ولن يستنكف الملائكة المقربون عن ان يكونوا عباد الله
وقد استدل بهذا القائلون بتفضيل الملائكة على الأنبياء وقرر صاحب الكشاف وجه الدلالة بما لا يسمن ولا يغنى من جوع وأدعى أن الذوق قاض بذلك ونعم الذوق العربي إذا خالطه محبة المذهب وشابه شوائب الجمود كان هكذا وكل من يفهم لغة العرب يعلم أن من قال لا يأنف من هذه المقاله إمام ولا مأموم أولا كبير ولا صغير أو لا جليل ولا حقير ثم يدل هذا على ان المعطوف أعظم شأنا من المعطوف عليه وعلى كل حال فما أردأ الاشتغال بهذه المسألة وما أقل فائدتها وما أبعدها عن ان تكون مركزا من المراكز الشرعية الدينية وجسرا من الجسور ( ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر ) أي يأنف تكبرا ويعد نفسه كبيرا عن العبادة ) فسيحشرهم إليه جميعا ( المستنكف وغيره فيجازي كلا بعلمه وترك ذكر غير المستنكف هنا لدلالة أول الكلام عليه ولكون الحشر لكلا الطائفتين
النساء : ( 173 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ( من غير أن يفوتهم منها شيء ) وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ( بسبب استنكافهم واستكبارهم ) ولا يجدون لهم من دون الله وليا ( يواليهم ) ولا نصيرا ( ينصرهم
النساء : ( 174 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله ) يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم ( بما أنزله عليكم من كتبه وبمن ارسله إليكم من رسله وما نصبه لهم من المعجزات و البرهان ما يبرهن به على المطلوب ) وأنزلنا إليكم نورا مبينا ( وهو القرآن وسماه نورا لأنه يهتدى به من ظلمة الضلال
النساء : ( 175 ) فأما الذين آمنوا . . . . .
) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به ( أي بالله وقيل بالنور المذكور ) فسيدخلهم في رحمة منه ( يرحمهم بها ) وفضل ( يتفضل به عليهم ) ويهديهم إليه ( أي إلى امتثال ما أمر به واجتناب ما نهى عنه أو إليه سبحانه وتعالى باعتبار مصيرهم إلى جزائه وتفضله ) صراطا مستقيما ( أي طريقا يسلكونه إليه مستقيما لا عوج فيه وهو التمسكك بدين الإسلام وترك غيره من الأديان قال أبو علي الفارسي الهاء في قوله ) إليه ( راجعة إلى


"""""" صفحة رقم 543 """"""
ما تقدم من اسم الله وقيل راجعة إلى القرآن وقيل إلى الفضل وقيل إلى الرحمة والفضل لأنهما بمعنى الثواب وانتصاب صراطا على انه مفعول ثان للفعل المذكور وقيل على الحال
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ( لن يستنكف المسيح ) لن يستكبر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والإسماعيلي في معجمه بسند ضعيف عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ( قال أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا وقد ساقه ابن كثير في تفسيره فقال وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبدالله الكندي عن الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود فذكره وقال هذا إسناد لا يثبت إذا روى عن ابن مسعود موقوفا فهو جيد وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة ) قد جاءكم برهان ( أي بينة ) وأنزلنا إليكم نورا مبينا ( قال هذا القرآن وأخرجا أيضا عن مجاهد قال برهان حجة واخرجا أيضا عن ابن جريج في قوله ) واعتصموا به ( قال القرآن
النساء 176
النساء : ( 176 ) يستفتونك قل الله . . . . .
قد تقدم الكلام في الكلالة في أول هذه السورة وسيأتي ذكر المستفتى المقصود بقوله ) يستفتونك ( قوله ) إن امرؤ هلك ( أي إن هلك امرؤ هلك كما تقدم في قوله ) وإن امرأة خافت ( وقوله ) ليس له ولد ( إما صفة لامرؤ أو حال ولا وجه للمنع كونه حالا والوالد يطلق على الذكر والأنثى واقتصر على عدم الولد هنا مع ان عدم الوالد معتبر في الكلالة اتكالا على ظهور ذلك قيل والمراد بالولد هنا الإبن وهو أحد معني المشترك لأن البنت لا تسقط الأخت وقوله ) وله أخت ( عطف على قوله ) ليس له ولد ( والمراد بالأخت هنا هي الأخت لأبوين أو لأب لا لأم فإن فرضها السدس كما ذكر سابقا وقد ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى ان الأخوات لأبوين أو لأب عصبة للبنات وإن لم يكن معهم أخ وذهب ابن عباس إلى أن الأخوات لا يعصبن البنات وإليه ذهب داود الظاهري وطائفة وقالوا إنه لا ميراث للأخت لأبوين أو لأب مع البنت واحتجوا بظاهر هذه الآية فأنه جعل عدم الولد المتناول للذكر والأنثى قيدا في ميراث الأخت وهذا استدلال صحيح لو لم يرد في السنة ما يدل على ثبوت ميراث الأخت مع البنت وهو ما ثبت في الصحيح أن معاذا قضى على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بنت وأخت فجعل للبنت النصف وللأخت النصف وثبت في الصحيح أيضا ( أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قضى في بنت وبنت ابن وأخت فجعل للبنت النصف ولبنت الإبن السدس وللأخت الباقي ) فكانت هذه السن مقتضية لتفسير الوالد بالابن دون البنت قوله ) وهو يرثها ( أي المرء يرثها أي يرث الأخت ) إن لم يكن لها ولد ( ذكر إن كان المراد بإرثه لها حيازته لجميع ما تركته وإن كان المراد ثبوت ميراثه لها في الجملة أعم من أن يكون كلا أو بعضا صح تفسير الولد مما يتناول الذكر و الأنثى واقتصر سبحانه في هذا الآية على نفي الود مع كونه الأب يسقط الأخ كما يسقطه الولد


"""""" صفحة رقم 544 """"""
الذكر لأن المراد بيان حقوق الأخ مع الولد فقط هنا وأما سقوطه مع الأب فقد تبين بالسنة كما ثبت في الصحيح من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر ) والأب أولى من الأخ ( فإن كانتا اثنتين ) أي فإن كان من يرث بالأخوة اثنتين والعطف على الشرطية السابقة والتأنيث والتثنية وكذلك الجمع في قوله ) وإن كانوا إخوة ( باعتبار الخبر ) فلهما الثلثان مما ترك ( المرء إن لم يكن ولد كما سلف وما فوق الأثنين من الأخوات يكون لهن الثلثان بالأولى ) وإن كانوا ( أي من يرث بالأخوة ) إخوة رجالا ونساء ( أي مختلطين ذكورا وإناثا ) فللذكر ( منهم ) مثل حظ الأنثيين ( تعصيبا ) يبين الله لكم أن تضلوا ( أي يبيين لكم حكم الكلالة وسائر الأحكام كراهة ان تضلوا هكذا حكاه القرطبي عن البصريين وقال الكسائي المعنى لئلا تضلوا ووافقه الفراء وغيره من الكوفيين ) والله بكل شيء ( من الأشياء التي هذه الأحكام المذكورة منها ) عليم ( أي كثير العلم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن جابر بن عبدالله قال ( دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا مريض لا أعقل فتوضأ ثم صب علي فعقلت فقلت إنه لا يرثى إلا كلالة فكيف الميراث فنزلت آية الفرائض ) وأخرجه عنه ابن سعد وابن أبي حاتم بلفظ أنزلت في ) يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( وأخرج ابن راهويه وابن مردويه عن عمر انه سأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كيف تورث الكلالة فأنزل الله ) يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( الآية وأخرج مالك ومسلم وابن جرير و البيهقي عن عمر قال ما سالت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن شئ أكثر ما سألته في الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال ما تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء واخرج أحمد وأبو داود والترمذي و البيهقي عن البراء بن عازب قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فساله عن الكلالة فقال تكفيك آية الصيف واخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر قال ثلاث وددت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان عهد إلينا فيهن عهدا ننتهى إليه الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء بن عازب قال آخر سورة نزلت كاملة براءة وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء ) يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( وأخرج عبدالرزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن سيرين قال كان عمر بن الخطاب إذا قرأ ( يبين الله لكم أن تضلوا ) قال اللهم من بينت له الكلالة فلم تبين لي وقد أوضحنا الكلام خلافا واستدلالا وترجيحا في شأن الكلالة في أوائل هذه السورة فلا نعيده وإلى هنا انتهى الجزء الأول من التفسير المبارك المسمى ( فتح القدير ) الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير بقلم مؤلفه الراجي من ربه سبحانه أن يعينه على تمامه وينفع به من شاء من عباده ويجعله ذخيرة له عند وفوده إلى دار الآخرة ( محمد بن علي بن محمد الشوكاني ) غفر الله لهما وكان الانتهاء إلى هذا الموضع في يوم العيد الأكبر يوم النحر المبارك من سنة أربع وعشرين بعد مائتين وألف من الهجرة النبوية حامدا لله ومصليا ومسلما على رسوله وحبيبه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه اه الحمد له كمل سماعا والحمد لله في شهر القعدة من عام سنة 1232 يحيى بن علي الشوكاني


"""""" صفحة رقم 545 """"""
[ تنبيه ] وضعنا في هذه الصفحة تتمة المؤلف للجزء الأول بخط يده الشريفة تبركا به وليطلع القراء على أنموذج من النسخة الخطية الوحيدة التي كان الطبع عليها بحمد الله تم طبع الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله تفسير سور المائدة=

ج2. صفحة رقم 3 .
( كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ( قرآن كريم بسم الله الرحمن الرحيم
ع5
تفسير
سورة المائدة هي مائة وثلاث وعشرون آية
حول السورة
قال القرطبي هي مدنية بالإجماع وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال المائدة مدنية وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن جبير بن نفير قال حججت فدخلت على عائشة فقالت لي يا جبير تقرا المائدة فقلت نعم فقالت أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عبد الله بن عمرو قال آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح وأخرج أحمد عنه قال أنزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سورة المائدة وهو راكب على راحلته فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها قال ابن كثير تفرد به أحمد قلت وفى إسناده ابن لهيعة وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في شعب الإيمان عن أسماء بنت يزيد نحوه وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والبغوي في معجمه وابن مردويه والبيهقي في دلائل النبوة عن أم عمرو بنت عيسي عن عمها نحوه أيضا وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب القرظي نحوه وزاد أنها نزلت في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة
وهكذا أخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس بهذه الزيادة وأخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المائدة من آخر القرآن تنزيلا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها
وأخرج أبو داود والنحاس كلاهما في الناسخ عن أبي ميسرة عمر بن شرحبيل قال لم ينسخ من المائدة شئ وكذا أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر عنه وكذا أخرجه عبد بن الحميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي وكذا أخرجه عن عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر عن الحسن البصري وأخرج عبد بن حميد


"""""" صفحة رقم 4 """"""
وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي قال لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ( وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال نسخ من هذه السورة آيتان آية القلائد وقوله ) فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ( وأخرج عبد بن حميد في مسنده عن ابن عباس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ في خطبته سورة المائدة والتوبة وذكر النقاش عن أبي سلمة أنه قال لما رجع ( صلى الله عليه وسلم ) من الحديبية قال يا علي أشعرت أنها نزلت علي سورة المائدة ونعمت الفائدة قال ابن العربي هذا حديث موضوع لا يحل لمسلم اعتقاده وقال ابن عطية هذا عندي لا يشبه كلام النبي ( صلى الله عليه وسلم )
سورة المائدة
آية ( 1 )
المائدة : ( 1 ) يا أيها الذين . . . . .
هذه الآية التي افتتح الله بها هذه السورة إلى قوله ) إن الله يحكم ما يريد ( فيها من البلاغة ما تتقاصر عنده القوى البشرية مع شمولها لأحكام عدة منها الوفاء بالعقود ومنها تحليل بهيمة الأنعام ومنها استثناء ما سيتلى مما لا يحل ومنها تحريم الصيد على المحرم ومنها إباحة الصيد لمن ليس بمحرم وقد حكى النقاش أن أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا له أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن فقال نعم أعمل مثل بعضه فاحتجب أياما كثيرة ثم خرج فقال والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث وحلل تحليلا عاما ثم استثنى بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا قوله ) أوفوا بالعقود ( يقال أوفي ووفى لغتان وقد جمع بينهما الشاعر فقال أما ابن طوف فقد أوفى بذمته
كما وفى بقلاص النجم حاديها
والعقود العهود وأصل العقود الربوط واحدها عقد يقال عقدت الحبل والعهد فهو يستعمل في الأجسام والمعاني وإذا استعمل في المعاني كما هنا أفاد أنه شديد الإحكام قوى التوثيق قيل المراد بالعقود هي التي عقدها الله على عباده وألزمهم بها من الأحكام وقيل هي العقود التي يعقدونها بينهم من عقود المعاملات والأولى شمول الآية للأمرين جميعا ولا وجه لتخصيص بعضها دون بعض قال الزجاج المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض انتهى والعقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله وسنة رسول الله فإن


"""""" صفحة رقم 5 """"""
خالفهما فهو رد لا يجب الوفاء به ولا يحل قوله ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ( الخطاب للذين آمنوا والبهيمة اسم لكل ذي أربع سميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعقلها ومنه باب مبهم أي مغلق وليل بهيم وبهمة للشجاع الذي لا يدري من أين يؤتى وحلقة مبهمة لا يدري أين طرفاها والأنعام اسم للإبل والبقر والغنم سميت بذلك لما في مشيها من اللين وقيل بهيمة الأنعام وحشيها كالظباء وبقر الوحش والحمر الوحشية وغير ذلك حكاه ابن جرير الطبري عن قوم وحكاه غيره عن السدى والربيع وقتادة والضحاك
قال ابن عطية وهذا قول حسن وذلك أن الأنعام هي الثمانية الأزواج وما انضاف إليها من سائر الحيوانات يقال له أنعام مجموعة معها وكأن المفترس كالأسد وكل ذي ناب خارج عن حد الأنعام فبهيمة الأنعام هى الراعي من ذوات الأربع وقيل بهيمة الأنعام ما لم تكن صيدا لأن الصيد يسمى وحشا لا بهيمة وقيل بهيمة الأنعام الأجنة التى تخرج عند الذبح من بطون الأنعام فهي تؤكل من دون ذكاة وعلى القول الأول أعنى تخصيص الأنعام بالإبل والبقر والغنم تكون الإضافة بيانية ويلحق بها ما يحل مما هو خارج عنها بالقياس بل وبالنصوص التى في الكتاب والسنة كقوله تعالى ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ( الآية وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) يرحم كل ذي ناب من السبع ومخلب من الطير فإنه يدل بمفهومه على أن ما عداه حلال وكذلك سائر النصوص الخاصة بنوع كما في كتب السنة المطهرة قوله ) إلا ما يتلى عليكم ( استثناء من قوله ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ( أي إلا مدلول ما يتلى عليكم فإنه ليس بحلال والمتلو هو ما نص الله على تحريمه نحو قوله تعالى ) حرمت عليكم الميتة ( الآية ويلحق به ما صرحت السنة بتحريمه وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون المراد به إلا ما يتلى عليكم الآن ويحتمل أن يكون المراد به في مستقبل الزمان فيدل على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ويحتمل الأمرين جميعا قوله ) غير محلي الصيد ( ذهب البصريون إلى أن قوله ) إلا ما يتلى عليكم ( استثناء من بهيمة الأنعام وقوله ) غير محلي الصيد ( استثناء آخر منه أيضا فالاستثناءات أن جميعا من بهيمة الأنعام والتقدير ) أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم ( وقيل الاستثناء الأول من بهيمة الأنعام والاستثناء الثاني هو من الاستثناء الأول ورد بأن هذا يستلزم إباحة الصيد في حال الإحرام لأنه مستثنى من المحظور فيكون مباحا وأجاز الفراء أن يكون ) إلا ما يتلى ( في موضع رفع على البدل ولا يجيزه البصريون إلا في النكرة وما قاربها من الأجناس قال وانتصاب ) غير محلي الصيد ( على الحال من قوله ) أوفوا بالعقود ( وكذا قال الأخفش وقال غيرهما حال من الكاف والميم في لكم والتقدير ) أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد ( أي الاصطياد في البر وأكل صيده ومعنى عدم إحلالهم له تقرير حرمته عملا واعتقادا وهم حرم أي محرمون وجملة ) وأنتم حرم ( في محل نصب على الحال من الضمير في ) محلي ( ومعنى هذا التقييد ظاهر عند من يخص بهيمة الأنعام بالحيوانات الوحشية البرية التي يحل أكلها كأنه قال أحل لكم صيد البر إلا في حال الإحرام وأما على قول من يجعل الإضافة بيانية فالمعنى أحلت لكم بهيمة هي الأنعام حال تحريم الصيد عليكم بدخولكم في الإحرام لكونكم محتاجين إلى ذلك فيكون المراد بهذا التقييد الامتنان عليهم بتحليل ما عدا ما هو محرم عليهم في تلك الحال
والمراد بالحرم من هو محرم بالحج أو العمرة أو بهما وسمى محرما لكونه يحرم عليه الصيد والطيب والنساء وهكذا وجه تسمية الحرم حرما والإحرام إحراما وقرأ الحسن والنخعي ويحيى بن وثاب ) حرم ( بسكون الراء وهى لغة تميمية يقولون في رسل رسل وفى كتب كتب ونحو ذلك قوله ) إن الله يحكم ما يريد ( من الأحكام المخالفة لما كانت العرب تعتاده فهو مالك الكل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه
المائدة : ( 2 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله (


"""""" صفحة رقم 6 """"""
الشعائر جمع شعيرة على وزن فعيلة قال ابن فارس ويقال للواحدة شعارة وهو أحسن ومنه الإشعار للهدى والمشاعر المعالم وأحدها مشعر وهى المواضع التي أشعرت بالعلامات قيل المراد بها هنا جميع مناسك الحج وقيل الصفا والمروة والهدى والبدن والمعنى على هذين القولين لا تحلوا هذه الأمور بأن يقع منكم الإخلال بشيء منها أو بأن تحولوا بينها وبين من أراد فعلها ذكر سبحانه النهي عن أن يحلو شعائر الله عقب ذكره تحريم صيد المحرم وقيل المراد بالشعائر هنا فرائض الله ومنه ) ومن يعظم شعائر الله ( وقيل هى حرمات الله ولا مانع من حمل ذلك على الجميع اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولا بما يدل عليه السياق
قوله ) ولا الشهر الحرام ( المراد به الجنس فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم وهى أربعة ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب أي لا تحلوها بالقتال فيها وقيل المراد به هنا شهر الحج فقط قوله ) ولا الهدي ( هو ما يهدى إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة الواحدة هدية نهاهم سبحانه عن أن يحلوا حرمة الهدى بأن يأخذوه على صاحبه أو يحولوا بينه وبين المكان الذى يهدى إليه وعطف الهدى على الشعائر مع دخوله تحتها لقصد التنبيه على مزيد خصوصيته والتشديد في شأنه قوله ) ولا القلائد ( جمع قلادة وهى ما يقلد به الهدى من نعل أو نحوه
وإحلالها بأن تؤخذ غصبا وفي النهى عن إحلال القلائد تأكيد للنهى عن إحلال الهدى وقيل المراد بالقلائد المقلدات بها ويكون عطفه على الهدى لزيادة التوصية بالهدى والأول أولى وقيل المراد بالقلائد ما كان الناس يتقلدونه أمنة لهم فهو على حذف مضاف أي ولأصحاب القلائد قوله ) ولا آمين البيت الحرام ( أي قاصديه من قولهم أممت كذا أي قصدته وقرأ الأعمش ) ولا آمين البيت الحرام ( بالإضافة والمعنى لا تمنعوا من قصد البيت الحرام لحج أو عمرة أو ليسكن فيه وقيل إن سبب نزول هذه الآية أن المشركين كانوا يحجون ويعتمرون ويهدون فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنزل ) يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ( إلى آخر الآية فيكون ذلك منسوخا بقوله ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وقوله ) فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ( وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يحجن بعد العام مشرك وقال قوم الآية محكمة وهى في المسلمين قوله ) يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ( جملة حالية من الضمير المستتر في ) آمين ( قال جمهور المفسرين معناه يبتغون الفضل والأرباح في التجارة ويبتغون مع ذلك رضوان الله وقيل كان منهم من يطلب التجارة ومنهم من يبتغي بالحج رضوان الله ويكون هذا الابتغاء للرضوان بحسب اعتقادهم وفي ظنهم عند من جعل الآية في المشركين وقيل المراد بالفضل هنا الثواب لا الأرباح في التجارة قوله ) وإذا حللتم فاصطادوا ( هذا تصريح بما أفاده مفهوم ) وأنتم حرم ( أباح لهم الصيد بعد أن حظره عليهم لزوال السبب الذى حرم لأجله وهو الإحرام قوله ) ولا يجرمنكم شنآن قوم ( قال ابن فارس جرم وأجرم ولا جرم بمعنى قولك لا بد ولا محالة وأصلها من جرم أي كسب وقيل المعنى لا يحملنكم قاله الكسائي وثعلب وهو يتعدى إلى مفعولين يقال جرمني كذا على بغضك أي حملني عليه ومنه قول الشاعر ولقد طعنت أبا عيينة طعنة
جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي حملتهم على الغضب وقال أبو عبيدة والفراء معنى ) لا يجرمنكم ( لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا الحق إلى الباطل والعدل إلى الجور والجريمة والجارم بمعنى الكاسب ومنه قول الشاعر جريمة ناهض في رأس نيق
يرى لعظام ما جمعت صليبا
معناه كاسب قوت والصليب الودك ومنه قول الآخر يا أيها المشتكي عكلا وما جرمت
إلى القبائل من قتل وإيئاس


"""""" صفحة رقم 7 """"""
أي كسبت والمعنى في الآية لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء عليهم أولا يكسبنكم بغضهم اعتداءكم للحق إلى الباطل ويقال جرم يجرم جرما إذا قطع قال علي بن عيسى الرماني وهو الأصل فجرم بمعنى حمل على الشيء لقطعه من غيره وجرم بمعنى كسب لانقطاعه إلى الكسب ولا جرم بمعنى حق لأن الحق يقطع عليه قال الخليل معنى لا جرم أن لهم النار لقد حق ان لهم النار وقال الكسائي جرم وأجرم لغتان بمعنى واحد أي اكتسب وقرأ ابن مسعود ) لا يجرمنكم ( بضم الياء والمعنى لا يكسبنكم ولا يعرف البصريون أجرم وإنما يقولون جرم لا غير والشنآن البغض وقرئ بفتح النون وإسكانها يقال شنيت الرجل أشنوه شناء ومشنأة وشنآنا كل ذلك إذا أبغضته وشنآن هنا مضاف إلى المفعول أي بغض قوم منكم لا بغض قوم لكم قوله ) أن صدوكم ( بفتح الهمزة مفعول لأجله أي لأن صدوكم وقرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة على الشرطية وهو اختيار أبي عبيد وقرأ الأعمش ? إن يصدوكم ? والمعنى على قراءة الشرطية لا يحملنكم بغضهم إن وقع منهم الصد لكم عن المسجد الحرام على الاعتداء عليهم قال النحاس وأما إن صدوكم بكسر إن فالعلماء الجلة بالنحو والحديث والنظر يمنعون القراءة بها لأشياء منها أن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان وكان المشركون صدوا المؤمنين عام الحديبية سنة ست فالصد كان قبل الآية وإذا قرئ بالكسر لم يجز أن يكون إلا بعده كما تقول لا تعط فلانا شيئا إن قاتلك فهذا لا يكون إلا للمستقبل وإن فتحت كان للماضي وما أحسن هذا الكلام وقد أنكر أبو حاتم وأبو عبيدة شنآن بسكون النون لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة وخالفهما غيرهما فقال ليس هذا مصدرا ولكنه اسم فاعل على وزن كسلان وغضبان ولما نهاهم عن الاعتداء أمرهم بالتعاون على البر والتقوى أي ليعن بعضكم بعضا على ذلك وهو يشمل كل أمر يصدق عليه أنه من البر والتقوى كائنا ما كان قيل إن البر والتقوى لفظان لمعنى واحد وكرر للتأكيد وقال ابن عطية إن البر يتناول الواجب والمندوب والتقوى تختص بالواجب وقال الماوردي إن في البر رضا الناس وفي التقوى رضا الله فمن جمع بينهما فقد تمت سعادته ثم نهاهم سبحانه عن التعاون على الإثم والعدوان فالإثم كل فعل أو قول يوجب إثم فاعله أو قائله والعدوان التعدي على الناس بما فيه ظلم فلا يبقى نوع من أنواع الموجبات للإثم ولا نوع من أنواع الظلم للناس الذين من جملتهم النفس إلا وهو داخل تحت هذا النهي لصدق هذين النوعين على كل ما يوجد فيه معناهما ثم أمر عباده بالتقوى وتوعد من خالف ما أمر به فتركه أو خالف ما نهى عنه ففعله بقوله ) أن الله شديد العقاب )
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) أوفوا بالعقود ( قال ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله لا تغدروا ولا تنكثوا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال
هي عقود الجاهلية الحلف وروى عنه ابن جرير أنه قال ذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول وأوفوا بعقد الجاهلية ولا تحدثوا عقدا في الإسلام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ( قال الإبل والبقر والغنم وأخرج ابن جرير عن ابن عمر في قوله ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ( قال ما في بطونها قلت إن خرج ميتا آكله قال نعم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله ) إلا ما يتلى عليكم ( قال ) الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ( إلى آخر الآية فهذا ما حرم الله من بهيمة الأنعام وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لا تحلوا شعائر الله ( قال كان المشركون يحجون البيت الحرام ويهدون الهدايا ويعظمون حرمة المشاعر وينحرون في حجهم فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فقال الله ) (


"""""" صفحة رقم 8 """"""
وفي قوله ) ولا الشهر الحرام ( يعنى لا تستحلوا قتالا فيه ) ولا آمين البيت الحرام ( يعني من توجه قبل البيت الحرام فكان المؤمنون والمشركون يحجون جميعا فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا حج البيت أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر ثم أنزل الله بعد هذه الآية ) إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ( وفي قوله ) يبتغون فضلا ( يعني أنهم يرضون الله بحجهم ) ولا يجرمنكم ( يقول لا يحملنكم ) شنآن قوم ( يقول عداوة قوم ) وتعاونوا على البر والتقوى ( قال البر ما أمرت به والتقوى ما نهيت عنه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال شعائر الله ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم والهدى ما لم يقلد والقلائد مقلدات الهدى ) ولا آمين البيت الحرام ( يقول من توجه حاجا وأخرج ابن جرير عنه في قوله ) لا تحلوا شعائر الله ( قال مناسك الحج وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت وقد اشتد ذلك عليهم فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة فقال أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نصد هؤلاء كما صدنا أصحابنا فأنزل الله ) ولا يجرمنكم ( الآية وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه عن وابصة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي عن النواس بن سمعان قال سألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن البر والإثم فقال البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة أن رجلا سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الإثم فقال ما حاك في نفسك فدعه قال فما الإيمان قال من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن
سورة المائدة الآية ( 3 )
المائدة : ( 3 ) حرمت عليكم الميتة . . . . .
هذا شروع في المحرمات التي أشار إليها سبحانه بقوله ) إلا ما يتلى عليكم ( والميتة قد تقدم ذكرها في البقرة وكذلك الدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله وما هنا من تحريم مطلق الدم مقيد بكونه مسفوحا كما تقدم حملا للمطلق على المقيد وقد ورد في السنة تخصيص الميتة بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال أخرجه الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وفي إسناده يقال ويقويه حديث هو الطهور ماؤه والحل ميتته وهو عند أحمد وأهل السنن وغيرهم وصححه جماعة منهم ابن خزيمة وابن حبان وقد أطلنا الكلام عليه في شرحنا للمنتقى والإهلال رفع الصوت لغير الله كأن يقول بسم اللات والعزى ونحو ذلك ولا حاجة بنا هنا إلى تكرير ما قد أسلفناه ففيه ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره
) والمنخنقة ( هي التي تموت بالخنق وهو حبس النفس سواء كان ذلك بفعلها كأن تدخل رأسها في حبل أو بين


"""""" صفحة رقم 9 """"""
عودين أو بفعل آدمي أو غيره وقد كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة فإذا ماتت أكلوها ) والموقوذة ( هي التي تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية يقال وقذه يقذه وقذا فهو وقيذ والوقذ شدة الضرب وفلان وقيذ أي مثخن ضربا وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فيضربون الأنعام بالخشب لآلهتم حتى تموت ثم يأكلونها ومنه قول الفرزدق شغارة تقذ الفصيل برجلها
فطارة لقوادم الأظفار
قال ابن عبد البر واختلف العلماء قديما وحديثا في الصيد بالبندق والحجر والمعراض ويعني بالبندق قوس البندقة وبالمعراض السهم الذى لا ريش له أو العصا التي رأسها محدد قال فمن ذهب إلى أنه وقيذ لم يجزه إلا ما أدرك ذكاته على ما روى عن ابن عمر وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وخالفهم الشاميون في ذلك قال الأوزاعي في المعراض كله خرق أو لم يخرق فقد كان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأسا قال ابن عبد البر هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد الله بن عمر والمعروف عن ابن عمر ما ذكر مالك عن نافع قال والأصل في هذا الباب والذى عليه العمل وفيه الحجة حديث عدي بن حاتم وفيه ما أصاب بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ انتهى
قلت والحديث في الصحيحين وغيرهما عن عدي قال قلت يا رسول الله إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب فقال إذا رميت بالمعراض فخرق فكله وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله فقد اعتبر ( صلى الله عليه وسلم ) الخرق وعدمه فالحق أنه لا يحل إلا ما خرق لا ما صدم فلا بد من التذكية قبل الموت وإلا كان وقيذا
وأما البنادق المعروفة الآن وهى بنادق الحديد التي تجعل فيها البارود والرصاص ويرمى بها فلم يتكلم عليها أهل العلم لتأخر حدوثها فإنها لم تصل إلى الديار اليمنية إلا في المائة العاشرة من الهجرة وقد سألني جماعة من أهل العلم عن الصيد بها إذا مات ولم يتمكن الصائد من تذكيته حيا والذى يظهر لي أنه حلال أنها تخرق وتدخل في الغالب من جانب منه وتخرج من الجانب الآخر وقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديث الصحيح السابق إذا رميت بالمعراض فخرق فكله فاعتبر الخرق في تحليل الصيد قوله ) والمتردية ( هي التي تتردى من علو إلى أسفل فتموت من غير فرق بين أن تتردى من جبل أو بئر أو مدفن أو غيرها والتردي مأخوذ من الردى وهو الهلاك وسواء تردت بنفسها أو ردها غيرها قوله ) والنطيحة ( هي فعيلة بمعنى مفعولة وهى التي تنطحها أخرى فتموت من دون تذكية وقال قوم أيضا فعيلة بمعنى فاعلة لأن الدابتين تتناطحان فتموتان وقال نطيحة ولم يقل نطيح مع أنه قياس فعيل لأن لزوم الحذف مختص بما كان من هذا الباب صفة لموصوف مذكور فإن لم يذكر ثبتت التاء للنقل من الوصفية إلى الإسمية وقرأ أبو ميسرة ? والمنطوحة ? قوله ) وما أكل السبع ( أي ما افترسه ذو ناب كالأسد والنمر والذئب والضبع ونحوها والمراد هنا ما أكل منه السبع لأن ما أكله السبع كله قد فني ومن العرب من يخص اسم السبع بالأسد وكانت العرب إذا أكل السبع شاة ثم خلصوها منه أكلوها وإن ماتت ولم يذكوها وقرأ الحسن وأبو حيوة السبع بسكون الباء وهي لغة لأهل نجد ومنه قول حسان في عتبة بن أبي لهب من يرجع العام إلى أهله
فما أكيل السبع بالراجع
وقرأ ابن مسعود ? وأكيلة السبع ? وقرأ ابن عباس ? وأكيل السبع ? قوله ) إلا ما ذكيتم ( في محل نصب على الاستثناء المتصل عند الجمهور وهو راجع على ما أدركت ذكائه من المذكورات سابقا وفيه حياة وقال المدنيون وهو المشهور من مذهب مالك وهو أحد قولي الشافعي أنه إذا بلغ السبع منها إلى ما لا حياة معه فإنها


"""""" صفحة رقم 10 """"""
لا تؤكل وحكاه في الموطأ عن زيد بن ثابت وإليه ذهب إسماعيل القاضي فيكون الاستثناء على هذا القول منقطعا أي حرمت عليكم هذه الأشياء لكن ما ذكيتم فهو الذى يحل ولا يحرم والأول أولى والذكاة في كلام العرب الذبح قاله قطرب وغيره وأصل الذكاة في اللغة التمام أي تمام استكمال القوة والذكاء حدة القلب والذكاء سرعة الفطنة والذكوة ما تذكى منه النار ومنه أذكيت الحرب والنار أو قدتهما وذكاء اسم الشمس والمراد هنا إلا ما أدركتم ذكاته على التمام والتذكية في الشرع عبارة عن إنهار الدم وفري الأوداج في المذبوح والنحر في المنحور والعقر في غير المقدور مقرونا بالقصد لله وذكر اسمه عليه وأما الآلة التي تقع بها الذكاة فذهب الجمهور إلى أن كل من ما أنهر الدم وفرى الأوداج فهو آلة للذكاة ما خلا السن والعظم وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة وقوله ) وما ذبح على النصب ( قال ابن فارس النصب حجر كان ينصب فيعبد ويصب عليه دماء الذبائح والنصائب حجارة تنصب حوالي شفير البئر فتجعل عضائد وقيل النصب جمع واحده نصاب كحمار وحمر وقرأ طلحة بضم النون وسكون الصاد وروى عن أبي عمرو بفتح النون وسكون الصاد وقرأ الجحدري بفتح النون والصاد جعله اسما موحدا كالجبل والجمل والجمع أنصاب كالأجبال والأجمال قال مجاهد هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها قال ابن جريج كانت العرب تذبح بمكة وتنضح بالدم ما أقبل من البيت ويشرحون اللحم ويضعونه عن الحجارة فلما جاء الإسلام قال المسلمون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) نحن أحق أن نعظم هذا البيت بهذه الأفعال فأنزل الله ) وما ذبح على النصب ( والمعنى والنية بذلك تعظيم النصب لا أن الذبح عليها غير جائز ولهذا قيل إن على بمعنى اللام أي لأجلها قاله قطرب وهو على هذا داخل فيما أهل به لغير الله وخص بالذكر لتأكيد تحريمه ولدفع ما كانوا يظنونه من أن ذلك لتشريف البيت وتعظيمه قوله ) وأن تستقسموا بالأزلام ( معطوف على ما قبله أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام
والأزلام قداح الميسر وأحدها زلم قال الشاعر بات يقاسيها غلام كالزم
ليس براعي إبل ولا غنم
ولا بجزار على لحم وضم
وقال آخر
فلئن جذيمة قتلت ساداتها
فنساؤها يضربن بالأزلام
والأزلام للعرب ثلاثة أنواع أحدها مكتوب فيه افعل والآخر مكتوب فيه لا تفعل والثالث مهمل لا شئ عليه فيجعلها في خريطة معه فإذا أراد فعل شيء أدخل يده وهى متشابهة فأخرج واحدا منها فإن خرج الأول فعل ما عزم عليه وإن خرج الثاني تركه وإن خرج الثالث أعاد الضرب حتى يخرج واحد من الأولين وإنما قيل لهذا الفعل استقسام لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون فعله كما يقال استسقى أي استدعى السقي فالاستفهام طلب القسم والنصيب وجملة قداح الميسر عشرة وقد قدمنا بيانها وكانوا يضربون بها المقامرة وقيل إن الأزلام كعاب وفارس والروم التي يتقامرون بها وقيل هي الشطرنج وإنما حرم الله والاستقسام بالأزلام لأنه تعرض لدعوى علم الغيب وضرب من الكهانة قوله ) ذلكم فسق ( إشارة إلى الاستقسام بالألزام أو إلى جميع المحرمات المذكورة هنا والفسق الخروج عن الحد وقد تقدم بيان معناه وفى هذا وعيد شديد لأن الفسق هو أشد الكفر لا ما وقع عليه اصطلاح قوم من أنه منزلة متوسطة بين الإيمان والكفر قوله ) اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ( والمراد اليوم الذى نزلت فيه الآية وهو يوم فتح مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع وقيل سنة ثمان وقيل المراد باليوم الزمان الحاضر وما يتصل به ولم يرد يوما معينا وبئس فيه لغتان ييس بياءين يأسا وأيس يأيس إياسا وإياسة قاله النضر بن شميل أي حصل لهم اليأس من


"""""" صفحة رقم 11 """"""
إبطال دينكم وأن يردوكم إلى دينهم كما كانوا يزعمون ) فلا تخشوهم ( أي لا تخافوا منهم أن يغلبوكم أو يبطلوا دينكم ) واخشون ( فأنا القادر على كل شيء إن نصرتكم فلا غالب لكم وإن خذلتكم لم يستطع غيري أن ينصركم قوله ) اليوم أكملت لكم دينكم ( جعلته كاملا غير محتاج إلى إكمال لظهوره على الأديان كلها وغلبته لها ولكمال أحكامه التى يحتاج المسلمون إليها من الحلال والحرام والمشتبه ووفي ما تضمنه الكتاب والسنة من ذلك ولا يخفى ما يستفاد من تقديم قوله ) لكم ( قال الجمهور المراد بالإكمال هنا نزول معظم الفرائض والتحليل والتحريم قالوا وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية الربا وآية الكلالة ونحوهما والمراد باليوم المذكور هنا هو يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب وقيل إنها نزلت في يوم الحج الأكبر قوله ) وأتممت عليكم نعمتي ( بإكمال الدين المشتمل على الأحكام وبفتح مكة وقهر الكفار وإياسهم عن الظهور عليكم كما وعدتكم بقولي ) ولأتم نعمتي عليكم ( قوله ) ورضيت لكم الإسلام دينا ( أي أخبرتكم برضاي به لكم فإنه سبحانه لم يزل راضيا لأمة نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بالإسلام فلا يكون لاختصاص الرضا بهذا اليوم كثير فائدة إن حملناه على ظاهره ويحتمل أن يريد رضيت لكم الإسلام الذى أنتم عليه اليوم دينا باقيا إلى انقضاء أيام الدنيا ودينا منتصب على التمييز ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا قوله ) فمن اضطر في مخمصة ( هذا متصل بذكر المحرمات وما بينهما اعتراض أي من دعته الضرورة ) في مخمصة ( أي مجاعة إلى أكل الميتة وما بعدها من المحرمات والخمص ضمور البطن ورجل خميص وخمصان وامرأة خميصة وخمصانة ومنه أخمص القدم ويستعمل كثيرا في الجوع قال الأعشى تبيتون في المشتاء ملأى بطونكم
وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
قوله ) غير متجانف ( الجنف الميل والإثم الحرام أي حال كون المضطر في مخمصة غير مائل لإثم وهو بمعنى غير باغ ولا عاد وكل مائل فهو متجانف وجنف وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب والسلمي متجنف ) فإن الله غفور رحيم ( به لا يؤاخذه بما ألجأته إليه الضرورة في الجوع مع عدم ميله بأكل ما حرم عليه إلى الإثم بأن يكون باغيا على غيره أو متعديا لما دعت إليه الضرورة حسبما تقدم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه عن أبي أمامة قال بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله وأعرض عليهم شعائر الإسلام فبينما نحن كذلك إذ جاءوا بقصعة دم واجتمعوا عليها يأكلونها قالوا هلم يا صدى فكل قلت ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم لما أنزل الله عليه قالوا وما ذاك قال فتلوت عليهم هذه الآية ) حرمت عليكم الميتة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) وما أهل لغير الله به ( قال وما أهل للطواغيت به ) والمنخنقة ( قال التى تخنق فتموت ) والموقوذة ( قال التى تضرب بالخشبة فتموت ) والمتردية ( قال التى تتردى من الجبل فتموت ) والنطيحة ( قال الشاة التى تنطح الشاة ) وما أكل السبع ( يقول ما أخذ السبع ) إلا ما ذكيتم ( يقول ذبحتم من ذلك وبه روح فكلوه ) وما ذبح على النصب ( قال النصب أنصاب كانوا يذبحون ويهلون عليها ) وأن تستقسموا بالأزلام ( قال هى القداح كانوا يستقسمون بها في الأمور ) ذلكم فسق ( يعني من أكل ذلك كله فهو فسق وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال الرداة التى تتردى في البئر والمتردية التي تتردى من الجبل وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله ) وأن تستقسموا بالأزلام ( قال حصى بيض كانوا يضربون بها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن في الآية قال كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا


"""""" صفحة رقم 12 """"""
يعمدون إلى قداح ثلاثة يكتبون على واحد منها أمرني وعلى الآخر نهاني ويتركون الثالث مخللا بينهما ليس عليه شيء ثم يجيلونها فإن خرج الذى عليه أمرني مضوا لأمرهم وإن خرج الذى عليه نهاني كفوا وإن خرج الذى ليس عليه شيء أعادوها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ( قال يئسوا أن يرجعوا إلى دينهم أبدا وأخرج البيهقي عنه في الآية قال يقول يئس أهل مكة أن يرجعوا إلى دينهم أبدا وأخرج البيهقى عنه في الآية قال يقول يئس أهل مكة أن يرجعوا إلى دينهم عبادة الأوثان أبدا ) فلا تخشوهم ( في اتباع محمد ) واخشون ( في عبادة الأوثان وتكذيب محمد فلما كان واقفا بعرفات نزل عليه جبريل وهو رافع يديه والمسلمون يدعون الله ) اليوم أكملت لكم دينكم ( يقول حلالكم وحرامكم فلم ينزل بعد هذا حلال ولا حرام ) وأتممت عليكم نعمتي ( قال منتى فلم يحج معكم مشرك ) ورضيت ( يقول اخترت ) لكم الإسلام دينا ( فمكث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد نزول هذه الآية أحدا وثمانين يوما ثم قبضه الله إليه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا وقد أتمه فلا ينقص أبدا وقد رضيه فلا يسخطه أبدا وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن طارق بن شهاب قال قالت اليهود لعمر إنكم تقرءون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا قال وأي آية قالوا ) اليوم أكملت لكم دينكم ( قال عمر والله إني لأعلم اليوم الذى نزلت فيه على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والساعة التي نزلت فيها نزلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عشية عرفة في يوم جمعة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فمن اضطر ( يعني إلى ما حرم مما سمى في صدر هذه السورة ) في مخمصة ( يعني في مجاعة ) غير متجانف لإثم ( يقول غير معتمد لإثم
سورة المائدة الآية ( 4 5 )
المائدة : ( 4 ) يسألونك ماذا أحل . . . . .
هذا شروع في بيان ما أحله الله لهم بعد بيان ما حرمه الله عليهم وسيأتى ذكر سبب نزول الآية قوله ) ماذا أحل لهم ( أي شيء أحل لهم أو ما الذي أحل لهم من المطاعم إجمالا ومن الصيد ومن طعام أهل الكتاب ومن نسائهم قوله ) قل أحل لكم الطيبات ( هي ما يستلذه آكله ويستطيبه مما أحله الله لعباده وقيل هي الحلال وقد سبق الكلام في هذا وقيل الطيبات الذبائح لأنها طابت بالتذكية وهو تخصيص للعام بغير مخصص والسبب والسياق لا يصلحان لذلك قوله ) وما علمتم من الجوارح ( هو معطوف على الطيبات بتقدير مضاف لتصحيح المعنى أي أحل لكم الطيبات وأحل لكم صيد ما علمتم من الجوارح وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية ) علمتم (


"""""" صفحة رقم 13 """"""
بضم العين وكسر اللام أي علمتم من أمر الجوارح والصيد بها قال القرطبي وقد ذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن الآية تدل على أن الإباحة تناولت ما علمنا من الجوارح وهو يتضمن الكلب وسائر جوارح الطير وذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها بسائر وجوه المنافع إلا ما خصه الدليل وهو الأكل من الجوارح أي الكواسب من الكلاب وسباغ الطير قال أجمعت الأمة على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم ولم يأكل من صيده الذى صاده وأثر فيه بجرح أو تنييب وصاد به مسلم وذكر اسم الله عند إرساله أن صيده صحيح يؤكل بلا خلاف فإن انخرم شرط من هذه الشروط دخل الخلاف فإن كان الذى يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبهه وكالبازى والصقر ونحوهما من الطير فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد التعليم فهو جارح كاسب يقال جرح فلان واجترح إذا اكتسب ومنه الجارحة لأنه يكتسب بها ومنه اجتراح السيئات ومنه قوله تعالى ) ويعلم ما جرحتم بالنهار ( وقوله ) أم حسب الذين اجترحوا السيئات ( قوله ) مكلبين ( حال والمكلب معلم الكلاب لكيفية الاصطياد والأخص معلم الكلاب وأن كان معلم سائر الجوارح مثله لأن الاصطياد بالكلاب هو الغالب ولم يكتف بقوله ) وما علمتم من الجوارح ( مع ان التكليب هو التعليم لقصد التأكيد لمالا بد منه من التعليم وقيل إن السبع يسمى كلبا فيدخل كل سبع يصاد به وقيل إن هذه الآية خاصة بالكلاب وقد حكى ابن المنذر عن ابن عمر أنه قال ما يصاد بالبزاة وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فهو لك حلال وإلا فلا تطعمه قال ابن المنذر وسئل أبو جعفر البازى هل يحل صيده قال لا إلا أن تدرك ذكاته وقال الضحاك والسدى ) وما علمتم من الجوارح مكلبين ( هي الكلاب خاصة فإن كان الكلب الأسود بهيما فكره صيده الحسن وقتادة والنخعي وقال أحمد ما أعرف أحدا يرخص فيه إذا كان بهيما وبه قال ابن راهويه فأما عامة أهل العلم بالمدينة والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم واحتج من منع من صيد الكلب الأسود بقوله ( صلى الله عليه وسلم ) الكلب الأسود شيطان أخرجه مسلم وغيره والحق أنه يحل صيد كل ما يدخل تحت عموم الجوارح من غير فرق بين الكلب وغيره وبين الأسود من الكلاب وغيره وبين الطير وغيره ويؤيد هذا أن سبب نزول الآية سؤال عدي بن حاتم عن صيد البازي كما سيأتي قوله ) تعلمونهن مما علمكم الله ( الجملة في محل نصب على الحال أي مما علمكم الله مما أدركتموه بما خلقه فيكم من العقل الذى تهتدون به إلى تعليمها وتدريبها حتى تصير قابلة لإمساك الصيد عند إرسالكم لها قوله ) فكلوا مما أمسكن عليكم ( الفاء للتفريع والجملة متفرعة على ما تقدم من تحليل صيد ما علموه من الجوارح ومن في قوله ) مما أمسكن عليكم ( للتبعيض لأن بعض الصيد لا يؤكل كالجلد والعظم وما أكله الكلب ونحوه وفيه دليل على أنه لا بد أن يمسكه على صاحبه فإن أكل منه فإنما أمسكه على نفسه كما في الحديث الثابت في الصحيح وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يحل أكل الصيد الذى يقصده الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي وهو مروى عن سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وروى عن علي وابن عباس والحسن البصري والزهري وربيعة ومالك والشافعي في القديم أنه يؤكل صيده ويرد عليهم قوله تعالى ) مما أمسكن عليكم ( وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) لعدي بن حاتم إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك وهو في الصحيحين وغيرهما وفي لفظ لهما فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه وأما ما أخرجه أبو داود بإسناد جيد من حديث أبي ثعلبة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا ارسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل وإلا أكل منه وقد أخرجه أيضا بإسناد


"""""" صفحة رقم 14 """"""
جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأخرجه أيضا النسائي فقد جمع بعض الشافعية بين هذه الأحاديث بأنه إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم وإن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه الانتظار وجاع فأكل من الصيد لجوعه لا لكونه أمسكه على نفسه فإنه لا يؤثر ذلك ولا يحرم به الصيد وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني وحديث عمرو بن شعيب وهذا جمع حسن وقال آخرون إنه إذا أكل الكلب منه حرم لحديث عدي وإن أكل غيره لم يحرم للحديثين الآخرين وقيل يحمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا أمسكه وخلاه ثم عاد فأكل منه
وقد سلك كثير من أهل العلم طريق الترجيح ولم يسلكوا طريق الجمع لما فيها من البعد قالوا وحديث عدي ابن حاتم أرجح لكونه في الصحيحين وقد قررت هذا المسلك في شرحي للمنتقي بما يزيد الناظر فيه بصيرة قوله ) واذكروا اسم الله عليه ( الضمير في ) عليه ( يعود إلى ) وما علمتم ( أي سموا عليه عند إرساله أو لما أمسكن عليكم أي سموا عليه إذا أردتم ذكاته وقد ذهب الجمهور إلى وجوب التسمية عند إرسال الجارح واستدلوا بهذه الآية ويؤيده حديث عدي بن حاتم الثابت في الصحيحين وغيرهما بلفظ إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله وقال بعض أهل العلم إن المراد التسمية عند الأكل قال القرطبي وهو الأظهر واستدلوا بالأحاديث التي فيها الإرشاد إلى التسمية وهذا خطأ فإن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد وقت التسمية بإرسال الكلب وإرسال السهم ومشروعية التسمية عند الأكل حكم آخر ومسألة غير هذه المسألة فلا وجه لحمل ما ورد في الكتاب والسنة هنا على ما ورد في التسمية عند الأكل ولا ملجئ إلى ذلك وفى لفظ ف الصحيحين من حديث عدي إن أرسلت كلبك وسميت فأخذ فكل وقد ذهب جماعة إلى أن التسمية شرط وذهب آخرون إلى أنها سنة فقط وذهب جماعة إلى أنها شرط على الذاكر لا الناسي وهذا أقوى الأقوال وأرجحها قوله ) واتقوا الله إن الله سريع الحساب ( أي حسابه سبحانه سريع إتيانه وكل آت قريب
المائدة : ( 5 ) اليوم أحل لكم . . . . .
قوله ) اليوم أحل لكم الطيبات ( هذه الجملة مؤكدة للجملة الأولى وهى قوله ) أحل لكم الطيبات ( وقد تقدم بيان الطيبات قوله ) وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ( الطعام اسم لما يؤكل ومنه الذبائح وذهب أكثر أهل العلم إلى تخصيصه هنا بالذبائح وفى هذه الآية دليل على أن جميع طعام أهل الكتب من غير فرق بين اللحم وغيره حلال للمسلمين وإن كانوا لا يذكرون على ذبائحهم اسم الله وتكون هذه الآية مخصصة لعموم قوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وظاهر هذا أن ذبائح أهل الكتاب حلال وإن ذكر اليهودي على ذبيحته اسم عزير وذكر النصراني على ذبيحته اسم المسيح وإليه ذهب أبو الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس والزهري وربيعة والشعبي ومكحول وقال علي وعائشة وابن عمر إذا سمعت الكتابي يسمى غير الله فلا تأكل وهو قول طاوس والحسن وتمسكوا بقوله تعالى ) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( ويدل عليه أيضا قوله ) وما أهل لغير الله به ( وقال مالك إنه يكره ولا يحرم فهذا الخلاف إذا علمنا أن أهل الكتاب ذكروا على ذبائحهم اسم غير الله وأما مع عدم العلم فقد حكى الكيا الطبري وابن كثير الإجماع على حلها لهذه الآية ولما ورد في السنة من أكله ( صلى الله عليه وسلم ) من الشاة المصلية آلتي أهدتها إليه اليهودية وهو في الصحيح وكذلك الجراب الشحم الذى أخذه بعض الصحابة من خيبر وعلم بذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في الصحيح أيضا وغير ذلك والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود والنصارى وأما المجوس فذهب الجمهور إلى أنها لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساءهم لأنهم ليسوا بأهل الكتاب على المشهور عند أهل العلم وخالف في ذلك أبو ثور وأنكر عليه الفقهاء ذلك حتى قال أحمد


"""""" صفحة رقم 15 """"""
ابن حنبل أبو ثور كاسمه يعنى في هذه المسئلة وكأنه تمسك بما يروى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مرسلا أنه قال في المجوس سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولم يثبت بهذا اللفظ وعلى فرض أن له أصلا ففيه زيادة تدفع ما قاله وهى قوله غير آكلى ذبائحهم ولا ناكحى نسائهم وقد رواه بهذه الزيادة جماعة ممن لا خبرة له بفن الحديث من المفسرين والفقهاء ولم يثبت الأصل ولا الزيادة بل الذى ثبت في الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أخد الجزية من مجوس هجر وأما بنو تغلب فكان علي بن أبي طالب ينهى عن ذبائحهم لأنهم عرب وكان يقول إنهم لم يتمسكوا بشئ من النصرانية إلا بشرب الخمر وهكذا سائر العرب المتنصرة كتنوخ وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم قال ابن كثير وهو قول غير واحد من السلف والخلف وروى عن سعيد بن المسيب والحسن البصري أنهما كانا لا يريان بأسا بذبيحة نصارى بني تغلب وقال القرطبي وقال جمهور الأمة إن ذبيحة كل نصراني حلال سواء كان من بني تغلب أو من غيرهم وكذلك اليهود قال ولا خلاف بين العلماء أن مالا يحتاج إلى ذكاة كالطعام يجوز أكله قوله ) وطعامكم حل لهم ( أي وطعام المسلمين حلال لأهل الكتاب وفيه دليل على أنه يجوز للمسلمين أن يطعموا أهل الكتاب من ذبائحهم وهذا من باب المكافأة والمجازاة وإخبار المسلمين بأن ما يأخذونه منهم من أعراض الطعام حلال لهم بطريق الدلالة الالتزامية قوله ) والمحصنات من المؤمنات ( اختلف في تفسير المحصنات هنا فقيل العفائف وقيل الحرائر وقرأ الشعبي بكسر الصاد وبه قرأ الكسائي
وقد تقدم الكلام في هذا مستوفى في البقرة والنساء والمحصنات مبتدأ ومن المؤمنات وصف له والخبر محذوف أي حل لكم وذكرهن هنا توطئه وتمهيدا لقوله ) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( والمراد بهن الحرائر دون الإماء هكذا قال الجمهور وحكى ابن جرير عن طائفة من السلف أن هذه الآية تعم كل كتابيه حرة أو أمة وقيل المراد بأهل الكتاب هنا الإسرائيليات وبه قال الشافعي وهو تخصيص بغير مخصص وقال عبد الله بن عمر لا تحل النصرانية قال ولا أعلم شركا أكبر من أن تقول ربها عيسى وقد قال الله ) ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ( الآية ويجاب عنه بأن هذه الآية مخصصة للكتابيات من عموم المشركات فيبنى العام على الخاص وقد استدل من حرم نكاح الإماء الكتابيات بهذه الآية لأنه حملها على الحرائر وبقوله تعالى ) فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ( وقد ذهب إلى هذا كثير من أهل العلم وخالفهم من قال إن الآية تعم أو تخص العفائف كما تقدم والحاصل أنه يدخل تحت هذه الآية الحرة العفيفة من الكتابيات على جميع الأقوال إلا على قول ابن عمر في النصرانية ويدخل تحتها الحرة آلتي ليست بعفيفة والأمة العفيفة على قول من يقول إنه يجوز استعمال المشرك في كلا معنييه وأما من لم يجوز ذلك فإن حمل المحصنات هنا على الحرائر لم يقل بجواز نكاح الأمة عفيفة كانت أو غير عفيفة إلا بدليل آخر ويقول بجواز نكاح الحرة العفيفة كانت أو غير عفيفة وإن حمل المحصنات هنا على العفائف قال بجواز نكاح الحرة العفيفة والأمة العفيفة دون غير العفيفة منهما قوله ) إذا آتيتموهن أجورهن ( أي مهورهن وجواب إذا محذوف أي فهن حلال أو هي ظرف لخبر المحصنات المقدر أي حل لكم قوله ) محصنين ( منصوب على الحال أي حال كونكم أعضاء بالنكاح وكذا قوله ) غير مسافحين ( منصوب على الحال من الضمير في محصنين أو صفة لمحصنين والمعنى غير مجاهرين بالزنا قوله ) ولا متخذي أخدان ( معطوف على ) غير مسافحين ( أو على ) مسافحين ( ) ولا ( مزيدة للتأكيد والخدن يقع على الذكر والأنثى أي لم يتخذوا معشوقات فقد شرط الله في الرجال العفة وعدم المجاهرة بالزنا وعدم اتخاذ أخدان كما شرط في النساء أن يكن محصنات ) ومن يكفر بالإيمان ( أي بشرائع الإسلام ) فقد حبط عمله ( أي بطل ) وهو في الآخرة من الخاسرين ( وقرأ ابن السميفع ) فقد حبط ( بفتح الباء ا ه


"""""" صفحة رقم 16 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي رافع أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمره بقتل الكلاب في الناس فقالوا يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) يسألونك ماذا أحل لهم ( الآية وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه وأخرج أيضا عن محمد بن كعب القرظي نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالا يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فنزلت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي أن عدي بن حاتم الطائي أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسأله فذكر نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) وما علمتم من الجوارح مكلبين ( قال هي الكلاب المعلمة والبازي والجوارح يعني الكلاب والفهود والصقور وأشباهها وأخرج ابن جرير عنه قال آية المعلم أن يمسك صيده فلا يأكل منه حتى يأتي صاحبه وأخرج عنه أيضا قال إذا أكل الكلب فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه وأخرج عبد بن حميد عنه نحوه وزاد وإذا أكل الصقر فلا تأكل لأن الكلب تستطيع أن تضر به والصقر لا تستطيع وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه في قوله ) وطعام الذين أوتوا الكتاب ( قال ذبائحهم وفى قوله ) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ( قال حل لكم ) إذا آتيتموهن أجورهن ( يعنى مهورهن ) محصنين ( يعنى تنكحونهن بالمهر والبينة ) غير مسافحين ( غير متغالين بالزنا ) ولا متخذي أخدان ( يعنى يسرون بالزنا وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ( قال أحل الله لنا محصنتين محصنة مؤمنة ومحصنة من أهل الكتاب نساؤنا عليهم حرام ونساؤهم لنا حلال وأخرج ابن جرير عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا وأخرج عبد الرازق وابن جرير عن عمر بن الخطاب قال المسلم يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال إنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قوله ) والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ( قال الحرائر وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال العفائف
سورة المائدة آية ( 6 )
المائدة : ( 6 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) إذا قمتم ( إذا أردتم القيام تعبيرا بالمسبب عن السبب كما في قوله فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله وقد اختلف أهل العلم في هذا الأمر عند إرادة القيام إلى الصلاة فقالت طائفة هو عام في كل قيام إليها سواء كان القائم متطهرا أو محدثا فإنه ينبغى له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ وهو مروى عن على وعكرمة


"""""" صفحة رقم 17 """"""
وقال ابن سيرين كان الخلفاء يتوضئون لكل صلاة وقالت طائفة أخرى إن هذا الأمر خاص بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو ضعيف فإن الخطاب للمؤمنين والأمر لهم وقالت طائفة الأمر للندب طلبا للفضل وقال آخرون إن الوضوء لكل صلاة كان فرضا عليهم بهذه الآية ثم نسخ في فتح مكة وقال جماعة هذا الأمر خاص بمن كان محدثا وقال آخرون المراد إذا قمتم من النوم إلى الصلاة فيعم الخطاب كل قائم من نوم وقد أخرج مسلم وأحمد وأهل السنن عن بريدة قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتوضأ عن كل صلاة فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته يا عمر وهو مروى من طرق كثيرة بألفاظ متفقة في المعنى وأخرج البخاري وأحمد وأهل السنن عن عمرو بن عامر الأنصاري سمعت أنس بن مالك يقول كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتوضأ عند كل صلاة قال قلت فأنتم كيف كنتم تصنعون قال كنا نصلى الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث فتقرر بما ذكر أن الوضوء لا يجب إلا على المحدث به وبه قال جمهور أهل العلم وهو الحق قوله ) فاغسلوا وجوهكم ( الوجه في اللغة مأخوذ من المواجهة وهو عضو مشتمل على أعضاء وله طول وعرض فحده فى الطول من مبتدا سطح الجبهة إلى منتهى اللحيين وفى العرض من الأذن إلى الأذن وقد ورد الدليل بتخليل اللحية واختلف العلماء فى غسل ما استرسل والكلام فى ذلك مبسوط في مواطنه وقد اختلف أهل العلم أيضا هل يعتبر في الغسل الدلك باليد أم يكفى إمرار الماء والخلاف في ذلك معروف والمرجع اللغة العربية فإن ثبت فيها أن الدلك داخل في مسمى الغسل كان معتبرا وإلا فلا قال في شمس العلوم غسل الشيء غسلا إذا أجرى عليه الماء ودلكه انتهى وأما المضمضة والاستنشاق فإذا لم يكن لفظ الوجه يشمل باطن الفم والأنف فقد ثبت غسلها بالسنة الصحيحة والخلاف في الوجوب وعدمه معروف وقد أوضحنا ما هو الحق في مؤلفاتنا قوله ) وأيديكم إلى المرافق ( إلى للغاية وأما كون ما بعدها يدخل فيما قبلها فمحل خلاف وقد ذهب سيبويه وجماعة إلى أن ما بعدها إن كان من نوع ما قبلها دخل وإلا فلا وقيل إنها هنا بمعنى مع وذهب قوم إلى أنها تفيد الغاية مطلقا وأما الدخول وعدمه فأمر يدور مع الدليل وقد ذهب الجمهور إلى أن المرافق تغسل واستدلوا بما أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جده عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه ولكن القاسم هذا متروك وجده ضعيف قوله ) وامسحوا برؤوسكم ( قيل الباء زائدة والمعنى امسحوا رءوسكم وذلك يقتضى تعميم المسح لجميع الرأس وقيل هى للتبعيض وذلك يقتضى أنه يجزئ مسح بعضه واستدل القائلون بالتعميم بقوله تعالى في التيمم فامسحوا بوجوهكم ولا يجزيء مسح بعض الوجه اتفاقا وقيل أنها للإلصاق أي ألصقوا أيديكم برءوسكم وعلى كل حال فقد ورد في السنة المطهرة ما يفيد انه يكفي مسح بعض الرأس كما أوضحناه فى مؤلفاتنا فكان هذا دليلا على المطلوب غير محتمل كاحتمال الآية على فرض أنها محتملة ولا شك أن من أمر غيره بأن يمسح رأسه كان ممتثلا بفعل ما يصدق عليه مسمى المسح وليس فى لغة العرب ما يقتضى أنه لا بد فى مثل هذا الفعل من مسح جميع الرأس وهكذا سائر الأفعال المتعدية نحو اضرب زيدا أو اطعنه أو ارجمه فإنه يوجد المعنى العربي بوقوع الضرب أو الطعن أو الرجم على عضو من أعضائه ولا يقول قائل من أهل اللغة أو من هو عالم بها إنه لا يكون ضاربا إلا بإيقاع الضرب على كل جزء من أجزاء زيد وكذلك الطعن والرجم وسائر الأفعال فاعرف هذا حتى يتبين لك ما هو الصواب من الأقوال في مسح الرأس فإن قلت يلزم مثل هذا في غسل الوجه واليدين والرجلين قلت ملتزم


"""""" صفحة رقم 18 """"""
لولا البيان من السنة في الوجه والتحديد بالغاية في اليدين والرجلين بخلاف الرأس فإنه ورد في السنة مسح الكل ومسح البعض قوله ) وأرجلكم إلى الكعبين ( قرأ نافع بنصب الأرجل وهى قراءة الحسن البصري والأعمش وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة بالجر وقراءة النصب تدل على أنه يجب غسل الرجلين لأنها معطوفة على الوجه وإلى هنا ذهب جمهور العلماء وقراءة الجر تدل على أنه يجوز الاقتصار على مسح الرجلين لأنها معطوفة على الرأس وإليه ذهب ابن جرير الطبري وهو مروى عن ابن عباس قال ابن العربي اتفقت الأمة على وجوب غسلهما وما علمت من رد ذلك إلا الطبري من فقهاء المسلمين والرافضة من غيرهم وتعلق الطبري بقراءة الجر قال القرطبي قد روى عن ابن عباس أنه قال الوضوء غسلتان ومسحتان قال وكان عكرمة يمسح رجليه وقال ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح وقال عامر الشعبي نزل جبريل بالمسح قال وقال قتادة افترض الله مسحتين وغسلتين قال وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح وجعل القراءتين كالروايتين وقواه النحاس ولكنه قد ثبت في السنة المطهرة بالأحاديث الصحيحة من فعله ( صلى الله عليه وسلم ) وقوله غسل الرجلين فقط وثبت عنه أنه قال ويل للأعقاب من النار وهو في الصحيحين وغيرهما فأفاد وجوب غسل الرجلين وأنه لا يجزئ مسحهما لأن شأن المسح أن يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطأ فلو كان مجزئا لما قال ويل للأعقاب من النار وقد ثبت عنه أنه قال بعد أن توضأ وغسل رجليه هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رجلا توضأ فترك على قدمه مثل موضع الظفر فقال له ارجع فأحسن وضوءك وأما المسح على الخفين فهو ثابت بالأحاديث المتواترة وقوله ) إلى الكعبين ( الكلام فيه كالكلام في قوله ) إلى المرافق ( وقد قيل فى وجه جمع المرافق وتثنية الكعاب إنه لما كان في كل رجل كعبان ولم يكن فى كل يد إلا مرفق واحد ثنيت الكعاب تنبيها على ان لكل رجل كعبين بخلاف المرافق فإنها جمعت لأنه لما كان في كل يد مرفق واحد لم يتوهم وجود غيره ذكر معنى هذا ابن عطية وقال الكواشي ثنى الكعبين وجمع المرافق لنفى توهم أن من كل وحدة امن الرجلين كعبين وإنما فى كل واحدة كعب واحد له طرفان من جانبي الرجل بخلاف المرفق فهي أبعد عن الوهم انتهى
وبقى من فرائض الوضوء النية والتسمية ولم يذكر فى هذه الآية بل وردت بهما السنة وقيل إن فى هذه الآية ما يدل على النية لأنه لما قال ) إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ( كان تقدير الكلام فاغسلوا وجوهكم لها وذلك هو النية المعتبرة قوله ) وإن كنتم جنبا فاطهروا ( أي فاغتسلوا بالماء وقد ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود إلى أن الجنب لا يتيمم ألبتة بل يدع الصلاة حتى يجد الماء استدلالا بهذه الآية وذهب الجمهور إلى وجوب التيمم للجنابة مع عدم الماء وهذه الآية هي للواجد على أن التطهر هو أعم من الحاصل بالماء أو بما هو عوض عنه مع عدمه وهو التراب وقد صح عن عمر وابن مسعود الرجوع إلى ما قاله الجمهور للأحاديث الصحيحة الواردة في تيمم الجنب مع عدم الماء وقد تقدم تفسير الجنب في النساء قوله ) وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط ( قد تقدم تفسير هذا في سورة النساء مستوفى وكذلك تقدم الكلام على ملامسة النساء وعلى التيمم وعلى الصعيد ومن قوله ) منه ( لابتداء الغاية وقيل للتبعيض قيل ووجه تكرير هذا هنا لاستيفاء الكلام فى أنواع الطهارة ) ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ( أي ما يريد بأمركم بالطهارة بالماء أو بالتراب التضييق عليكم فى الدين ومنه قوله تعالى ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( ثم قال ) ولكن يريد ليطهركم ( من الذنوب وقيل من الحدث الأصغر والأكبر ) وليتم نعمته عليكم ( أي بالترخيص لكم فى التيمم


"""""" صفحة رقم 19 """"""
عند عدم الماء أو بما شرعه لكم من الشرائع التى عرضكم بها للثواب ) لعلكم تشكرون ( نعمته عليكم فتستحقون بالشكر ثواب الشاكرين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن زيد بن أسلم فى قوله ) إذا قمتم إلى الصلاة ( قال قمتم من المضاجع يعنى النوم وأخرج ابن جرير عن السدى مثله وأخرج ابن جرير أيضا عنه يقول إذا قمتم وأنتم على غير طهر وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن فى قوله ) فاغسلوا وجوهكم ( قال ذلك الغسل الدلك وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير عن أنس أنه قيل له إن الحجاج خطبنا فقال
اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم وانه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما قال أنس صدق الله وكذب الحجاج قال الله ) وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ( وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما وأخرج سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال اجتمع أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على غسل القدمين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) من حرج ( قال من ضيق وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير فى قوله ) وليتم نعمته عليكم ( قال تمام النعمة دخول الجنة لم يتم نعمته على عبد لم يدخل الجنة
سورة المائدة الآية ( 7 11 )
المائدة : ( 7 ) واذكروا نعمة الله . . . . .
) نعمة الله ( قيل هي الإسلام والميثاق العهد قيل المراد به هنا ما أخذه على بني آدم كما قال ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية قال مجاهد وغيره نحن وإن لم نذكره فقد أخبرنا الله به وقيل هو خطاب لليهود والعهد ما أخذه عليهم في التوراة وذهب جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم إلى أنه العهد الذى أخذه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة العقبة عليهم وهو السمع والطاعة في المنشط والمكره وأضافه تعالى إلى نفسه لأنه عن أمره وإذنه كما قال ) إنما يبايعون الله ( وبيعة العقبة مذكورة فى كتب السير وهذا متصل بقوله ) أوفوا بالعقود ( قوله ) إذ قلتم سمعنا وأطعنا ( أي وقت قولكم هذا القول وهذا متعلق بواثقكم أو بمحذوف وقع حالا أي كائنا هذا الوقت و ) بذات الصدور ( ما تخفيه الصدور لكونها مختصة بها لا يعلمها أحد ولهذا أطلق عليها ذات التى بمعنى الصاحب وإذا كان سبحانه عالما بها فكيف بما كان ظاهرا جليا
المائدة : ( 8 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ( قد تقدم تفسيرها في النساء وصيغة المبالغة فى ) قوامين ( تفيد أنهم مأمورون بأن يقوموا


"""""" صفحة رقم 20 """"""
بها أتم قيام لله أي لأجله تعظيما لأمره وطمعا في ثوابه والقسط العدل وقد تقدم الكلام على قوله ) يجرمنكم ( مستوفى أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل وكتم الشهادة ) اعدلوا هو ( أي العدل المدلول عليه بقوله اعدلوا ) أقرب للتقوى ( آلتي أمرتم بها غير مرة أي أقرب لأن تتقوا الله أو لأن تتقوا النار
المائدة : ( 9 ) وعد الله الذين . . . . .
قوله ) لهم مغفرة وأجر عظيم ( هذه الجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني لقوله ) وعد ( على معنى وعدهم أن لهم مغفرة أو وعدهم مغفرة فوقعت الجملة موقع المفرد فأغنت عنه ومثله قول الشاعر وجدنا الصالحين لهم جزاء
وجنات وعينا سلسبيلا
المائدة : ( 10 - 11 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
قوله ) أصحاب الجحيم ( أي ملابسوها قوله ) إذ هم قوم ( ظرف لقوله ) اذكروا ( أو للنعمة أو لمحذوف وقع حالا منها ) أن يبسطوا ( أي بأن يبسطوا وقوله ) فكف ( معطوف على قوله ) هم ( وسيأتى بيان سبب نزول هذه الآية وبه يتضح المعنى
وقد أخرج ابن جرير والطبراني في الكبير عن ابن عباس في قوله ) إذ قلتم سمعنا وأطعنا ( يعنى حين بعث الله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنزل عليه الكتاب قالوا آمنا بالنبي والكتاب وأقررنا بما فى التوراة فذكرهم الله ميثاقه الذى أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال النعم الآلاء وميثاقه الذى واثقهم به قال الذى واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه السلام وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله ) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ( الآية قال نزلت في يهود خيبر ذهب إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يستفتيهم في دية فهموا أن يقتلوه فذلك قوله ) ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا ( الآية وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نزل منزلا فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها فعلق النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله ثم أقبل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال من يمنعك مني قال الله قال الاعرابي مرتين أو ثلاثة من يمنعك مني والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول الله فشام الاعرابي السيف فدعا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه قال معمر وكان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأرسلوا هذا الأعرابي ويتأول ) اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ( الآية وأخرج الحاكم وصححه عنه بنحوه وذكر أن اسم الرجل غورث بن الحارث وأنه لما قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) الله ( سقط السيف من يده فأخذه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال من يمنعك منى قال كن خير آخذ قال فشهد أن لا إله إلا الله وأخرجه أيضا ابن إسحاق وأبو نعيم فى الدلائل عنه
وأخرج أبو نعيم فى الدلائل عن ابن عباس أن بني النضير هموا أن يطرحوا حجرا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه فجاء جبريل فأخبره بما هموا فقام ومن معه فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم ( الآية وروى نحو هذا من طرق عن غيره وقصة الأعرابي وهو غورث المذكور ثابتة في الصحيح


"""""" صفحة رقم 21 """"""
سورة المائدة الآية ( 12 14 )
المائدة : ( 12 ) ولقد أخذ الله . . . . .
قوله ) ولقد أخذ الله ( كلام مستأنف يتضمن ذكر بعض ما صدر من بنى إسرائيل من الخيانة وقد تقدم بيان الميثاق الذى أخذه الله عليهم واختلف المفسرون في كيفية بعث هؤلاء النقباء بعد الإجماع منهم على أن النقيب كبير القوم العالم بأمورهم الذى ينقب عنها وعن مصالحهم فيها والنقاب الرجل العظيم الذى هو في الناس على هذه الطريقة ويقال نقيب القوم لشاهدهم وضمينهم والنقيب الطريق في الجبل هذا أصله وسمى به نقيب القوم لأنه طريق إلى معرفة أمورهم والنقيب أعلى مكانا من العريف فقيل المراد ببعث هؤلاء النقباء أنهم بعثوا أمناء على الإطلاع على الجبارين والنظر في قوتهم ومنعتهم فساروا ليختبروا حال من بها ويخبروا بذلك فاطعلوا من الجبارين على قوة عظيمة وظنوا أنهم لا قبل لهم بها فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بنى إسرائيل وأن يعلموا به موسى فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فأخبروا قراباتهم ففشا الخبر حتى بطل أمر الغزو وقالوا اذهب أنت وربك فقاتلا وقيل إن هؤلاء النقباء كفل كل واحد منهم على سبطة بأن يؤمنوا ويتقوا الله وهذا معنى بعثهم وسيأتى ذكر بعض ما قاله جماعة من السلف في ذلك قوله ) وقال الله إني معكم ( أي قال ذلك لبني إسرائيل وقيل للنقباء والمعنى إنى معكم بالنصر والعون واللام في قوله ) لئن أقمتم الصلاة ( هي الموطئة للقسم المحذوف وجوابه ) لأكفرن ( وهو ساد مسد جواب الشرط والتعزير التعظيم والتوقير وأنشد أبو عبيدة وكم من ماجد لهم كريم
ومن ليث يعزر في الندى
أي يعظم ويوقر ويطلق التعزير على الضرب والرد يقال عزرت فلانا إذا أدبته ورددته عن القبيح فقوله ) وعزرتموهم ( أي عظمتموهم على المعنى الأول أو رددتم عنهم أعداءهم ومنعتموهم على الثاني قوله ) وأقرضتم الله قرضا حسنا ( أي أنفقتم في وجوه الخير و ) قرضا ( مصدر محذوف الزوائد كقوله تعالى ) وأنبتها نباتا حسنا ( أو مفعول ثان لأقرضتم والحسن قيل هو ما طابت به النفس وقيل ما ابتغى به وجه الله وقيل الحلال
قوله ) فمن كفر بعد ذلك ( أي بعد الميثاق أو بعد الشرط المذكور ) فقد ضل سواء السبيل ( أي أخطأ وسط الطريق
المائدة : ( 13 ) فبما نقضهم ميثاقهم . . . . .
وقوله (فيما نقضهم ميثاقهم ) الباء سببية وما زائدة أي فسبب تقضهم ميثاقهم لعناهم أي طردناهم وأبعدناهم
) وجعلنا قلوبهم قاسية ( أي صلبة لا تعى خيرا ولا تعقله وقرأ حمزة والكسائي قسية بتشديد الياء من غير ألف وهى قراءة ابن مسعود والنخعي ويحيى بن وثاب يقال درهم قسى مخفف السين مشدد الياء أي زائف ذكر ذلك أبو عبيد وقال الأصمعي وأبو عبيدة درهم قسى كأنه معرب قاس وقرأ الأعمش قسية بتخفيف الياء


"""""" صفحة رقم 22 """"""
وقرأ الباقون ) قاسية ( ) يحرفون الكلم عن مواضعه ( الجملة مستأنفة لبيان حالهم أو حالية أي يبدلونه بغيره أو يتأولونه على غير تأويله وقرأ السلمي والنخعي ? الكلام ? قوله ) ولا تزال تطلع على خائنة منهم ( أي لا تزال يا محمد تقف على خائنة منهم والخائنة الخيانة وقيل هو نعت لمحذوف والتقدير فرقة خائنة وقد تقع للمبالغة نحو علامة ونسابة إذا أردت المبالغة في وصفه بالخيانة وقيل خائنة معصية قوله ) إلا قليلا منهم ( استثناء من الضمير في منهم ) فاعف عنهم واصفح ( قيل هذا منسوخ بآية السيف وقيل خاص بالمعاهدين
المائدة : ( 14 ) ومن الذين قالوا . . . . .
قوله ) ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم ( الجار والمجرور متعلق بقوله ) أخذنا ( والتقديم للاهتمام والتقدير وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم أي في التوحيد والإيمان بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وبما جاء به قال الأخفش هو كقولك أخذت من زيد ثوبه ودرهمه فرتبه الذين بعد أخذنا وقال الكوفيون بخلافة وقيل إن الضمير في قوله ) ميثاقهم ( راجع إلى بنى إسرائيل أي أخذنا من النصارى مثل ميثاق المذكورين قبلهم من بنى إسرائيل وقال ) ومن الذين قالوا إنا نصارى ( ولم يقل ومن النصارى للإيذان بأنهم كاذبون في دعوى النصرانية وأنهم أنصار الله قوله ) فنسوا حظا مما ذكروا به ( أي نسوا من الميثاق المأخوذ عليهم نصيبا وافرا عقب أخذه عليهم ) فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء ( أي ألصقنا ذلك بهم مأخوذ من الغراء وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه يقال غرى بالشيء يغرى غريا بفتح الغين مقصورا وغراء بكسرها ممدودا أي أولع به حتى كأنه صار ملتصقا به ومثل الإغراء التحرش وأغريت الكلب أي أولعته بالصيد والمراد بقوله ) بينهم ( اليهود والنصارى لتقدم ذكرهم جميعا وقيل بين النصارى خاصة لأنهم أقرب مذكور وذلك لأنهم افترقوا إلى اليعقوبية والنسطورية والملكانية وكفر بعضهم بعضا وتظاهروا بالعداوة في ذات بينهم قال النحاس وما أحسن ما قيل فى معنى ) فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء ( إن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم فكل فرقة مأمورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها
قوله ) وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ( تهديد لهم أي سيلقون جزاء نقض الميثاق
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن أبي العالية فى قوله ) ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل ( قال أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره ) وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ( أي كفيلا كفلوا عليهم بالوفاء لله بما واثقوه عليه من العهود فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) اثني عشر نقيبا ( قال من كل سبط من بنى إسرائيل رجال أرسلهم موسى إلى الجبارين فوجدوهم يدخل فى كم أحدهم اثنان منهم ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس منهم في خشبة ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة فرجع النقباء كلهم ينهى سبطه عن قتالهم إلا يوشع بن نون وكالب بن يافنة فإنهما أمرا الأسباط بقتال الجبارين ومجاهدتهم فعصوهما وأطاعوا الآخرين فهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما فتاهت بنو إسرائيل أربعين سنة يصبحون حيث أمسوا ويمسون حيث أصبحوا فى تيههم ذلك فضرب موسى الحجر لكل سبط عينا حجرا لهم يحملونه معهم فقال لهم موسى اشربوا يا حمير فنهاه الله عن سبهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) اثني عشر نقيبا ( قال هم من بنى إسرائيل بعثهم موسى لينظروا إلى المدينة فجاءوا بحبه من فاكهتهم وقر رجل فقال اقدروا قوة قوم وبأسهم وهذه فاكهتهم فعند ذلك فتنوا فقالوا لا نستطيع القتال ) فاذهب أنت وربك فقاتلا ( وقد ذكر ابن إسحاق أسماء هؤلاء الأسباط وأسماؤهم مذكورة فى السفر الرابع من التوراة وفيه مخالفة لما ذكره ابن إسحاق وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وعزرتموهم ( قال أعنتموهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) وعزرتموهم (


"""""" صفحة رقم 23 """"""
قال نصرتموهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فبما نقضهم ميثاقهم ( قال هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) يحرفون الكلم عن مواضعه ( يعنى حدود الله يقولون إن أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه وإن خالفكم فاحذروا وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) ونسوا حظا مما ذكروا به ( قال نسوا الكتاب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) ولا تزال تطلع على خائنة منهم ( قال هم يهود مثل الذى هموا به من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم دخل عليهم حائطهم
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) ولا تزال تطلع على خائنة منهم ( قال كذب وفجور وفى قوله ) فاعف عنهم واصفح ( قال لم يؤمر يومئذ بقتالهم فأمره الله أن يعفو عنهم ويصفح ثم نسخ ذلك فى براءة فقال ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( الآية وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر عن إبراهيم النخعي فى قوله ) فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ( قال أغرى بعضهم ببعض بالخصومات والجدال فى الدين
سورة المائدة الآية ( 15 16 )
المائدة : ( 15 ) يا أهل الكتاب . . . . .
الألف واللام في الكتاب للجنس والخطاب لليهود والنصارى ) قد جاءكم رسولنا ( أي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حال كونه ) يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ( المنزل عليكم وهو التوراة والإنجيل كآية الرحيم وقصة أصحاب السبت الممسوخين قردة ) ويعفو عن كثير ( مما تخفونه فيترك بيانه لعدم اشتماله على ما يجب بيانه عليه من الأحكام الشرعية فإن ما لم يكن كذلك لا فائدة تتعلق ببيانه إلا مجرد افتضاحكم وقيل المعنى إنه يعفو عن كثير فيتجاوزه ولا يخبركم به وقيل يعفو عن كثير منكم فلا يؤاخذهم بما يصدر منهم والجملة في محل نصب عطفا على الجملة الحالية أعنى قوله ) يبين لكم ( قوله ) قد جاءكم من الله نور ( جملة مستأنفة مشتملة على بيان أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) قد تضمنت بعثته فوائد غير ما تقدم من مجرد البيان قال الزجاج النور محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل الإسلام والكتاب المبين القرآن فإنه المبين
المائدة : ( 16 ) يهدي به الله . . . . .
والضمير في قوله ) يهدي به ( راجع إلى الكتاب أو إليه وإلى النور لكونهما كالشيء الواحد ) من اتبع رضوانه ( أي ما رضيه الله و ) سبل السلام ( طرق السلامة من العذاب الموصلة إلى دار السلام المنزهة عن كل آفة وقيل المراد بالسلام الإسلام ) ويخرجهم من الظلمات ( الكفرية ) إلى النور ( الإسلامي ) ويهديهم إلى صراط مستقيم ( إلى طريق يتوصلون بها إلى الحق لا عوج فيها ولا مخافة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) رسولنا ( قال هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير أيضا عن عكرمة قال إن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) أتاه اليهود يسألونه عن الرجم فقال أيكم أعلم فأشاروا إلى ابن صوريا فناشده بالذى أنزل التوراة على موسى والذى رفع الطور بالمواثيق التى أخذت عليهم حتى أخذه أفكل فقال إنه لما كثر فينا جلدنا مائة جلده وحالقنا الرءوس فحكم عليهم بالرجم فنزلت هذه الآية وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) ويعفو عن كثير ( يقول


"""""" صفحة رقم 24 """"""
عن كثير من الذنوب وأخرج ابن جرير عن السدى قال ) سبل السلام ( هي سبيل الله الذى شرعه لعباده ودعاهم إليه وابتعث به رسله وهو الإسلام
سورة المائدة الآية ( 17 18 )
المائدة : ( 17 ) لقد كفر الذين . . . . .
ضمير الفصل في قوله ) هو المسيح ( يفيد الحصر قيل وقد قال بذلك بعض طوائف النصارى وقيل لم يقل به أحد منهم ولكن استلزم قولهم ) إن الله هو المسيح ( لا غيره وقد تقدم في آخر سورة النساء ما يكفى ويغنى عن التكرار قوله ) قل فمن يملك من الله شيئا ( الاستفهام للتوبيخ والتقريع والملك والملك الضبط والحفظ والقدرة من قولهم ملكت على فلان أمره أي قدرت عليه أي فمن يقدر أن يمنع ) إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ( وإذا لم يقدر أحد أن يمنع من ذلك فلا إله إلا الله ولا رب غيره ولا معبود بحق سواه ولو كان المسيح إلها كما تزعم النصارى لكان له من الأمر شيء ولقدر على أن يدفع عن نفسه أقل حال ولم يقدر على أن يدفع عن أمه الموت عند نزوله بها وتخصيصها بالذكر مع دخولها في عموم من فى الأرض لكون الدفع منه عنها أولى وأحق من غيرها فهو إذا لم يقدر على الدفع عنها أعجز عن أن يدفع عن غيرها وذكر من فى الأرض للدلالة على شمول قدرته وأنه إذا أراد شيئا كان لا معارض له في أمره ولا مشارك له في قضائه ) ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما ( أي ما بين النوعين من المخلوقات قوله ) يخلق ما يشاء ( جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنه سبحانه خالق الخلق بحسب مشيئته وأنه يقدر على كل شيء لا يستصعب عليه شيء
المائدة : ( 18 ) وقالت اليهود والنصارى . . . . .
قوله ) وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ( أثبتت اليهود لأنفسها ما أثبتته لعزير حيث قالوا عزير ابن الله وأثبتت النصارى لأنفسها ما أثبتته للمسيح حيث قالوا المسيح ابن الله وقيل هو على حذف مضاف أي نحن أتباع أبناء الله وهكذا أثبتوا لأنفسهم أنهم أحباء الله بمجرد الدعوى الباطلة والأمانى العاطلة فأمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يرد عليهم فقال ) قل فلم يعذبكم بذنوبكم ( أي إن كنتم كما تزعمون فما باله يعذبكم بما تقترفونه من الذنوب بالقتل والمسخ وبالنار في يوم القيامة كما تعترفون بذلك لقولكم ) لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ( فإن الابن من جنس أبيه لا يصدر عنه ما يستحيل على الأب وأنتم تذنبون والحبيب لا يعذب حبيبه وأنتم تعذبون فهذا يدل على أنكم كاذبون فى هذه الدعوى وهذا البرهان هو المسمى عند الجدليين ببرهان الخلف قوله ) بل أنتم بشر ممن خلق ( عطف على مقدر يدل عليه الكلام أي فلستم حينئذ كذلك ) بل أنتم بشر ممن خلق ( أي من جنس من خلقه الله تعالى يحاسبهم على الخير والشر ويجازى كل عامل بعمله ) يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما (


"""""" صفحة رقم 25 """"""
من الموجودات ) وإليه المصير ( أي تصيرون إليه عند انتقالكم من دار الدنيا إلى دار الآخرة
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقى في الدلائل عن ابن عباس قال أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نعمان بن أضاء وبحرى بن عمرو وشاس بن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوفنا يا محمد ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( كقول النصارى فأنزل الله فيهم ) وقالت اليهود والنصارى ( إلى آخر الآية وأخرج أحمد في مسنده عن أنس قال مر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في نفر من أصحابه وصبى في الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول ابنى ابنى فسعت فأخذته فقال القوم يا رسول الله ما كانت هذه لتلقى ابنها في النار فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا والله لا يلقى حبيبه في النار وإسناده في المسند هكذا حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس فذكره ومعنى الآية يشير إلى معنى هذا الحديث ولهذا قال بعض مشايخ الصوفية لبعض الفقهاء أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه فلم يرد عله فتلا الصوفي هذه الآية وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا والله لا يعذب الله حبيبه ولكن قد يبتليه في الدنيا وأخرج ابن جرير عن السدى في قوله ) يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ( يقول يهدى منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذبه
سورة المائدة الآية ( 19 )
المائدة : ( 19 ) يا أهل الكتاب . . . . .
المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى والرسول هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويبين لكم حال والمبين هو ما شرعه الله لعباده وحذف للعلم به لأن بعثة الرسل إنما هي بذلك والفترة أصلها السكون يقال فتر الشيء سكن وقيل هي الانقطاع قاله أبو علي الفارسي وغيره ومنه فتر الماء إذا انقطع عما كان عليه من البرد إلى السخونة وفتر الرجل عن عمله إذا انقطع عما كان عليه من الجد فيه وامرأة فاترة الطرف أي منقطعة عن حدة النظر والمعنى أنه انقطع الرسل قبل بعثه ( صلى الله عليه وسلم ) مدة من الزمان واختلف في قدر مدة تلك الفترة وسيأتى بيان ذلك قوله ) أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير ( تعليل لمجيء الرسول بالبيان على حين فترة أي كراهة أن تقولوا هذا القول معتذرين عن تفريطكم ومن في قوله ) من بشير ( زائدة للمبالغة في نفى المجئ والفاء في قوله ) فقد جاءكم ( هي الفصيحة مثل قول الشاعر فقد جئنا خراسانا
أي لا تعتذروا فقد جاءكم بشير ونذير وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) والله على كل شيء قدير ( ومن جملة مقدوراته إرسال رسوله على فترة من الرسل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يهود إلى الإسلام فرغبهم فيه وحذرهم فأبوا عليه فقال لهم معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب يا معشر يهود اتقوا الله فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته فقال رافع بن حرملة ووهب بن يهوذا ما قلنا لكم


"""""" صفحة رقم 26 """"""
هذا وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده فأنزل الله ) يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) جاء بالحق الذى فرق الله به بين الحق والباطل فيه بيان وموعظة ونور وهدى وعصمة لمن أخذ به قال وكانت الفترة بين عيسى ومحمد ستمائة سنة وما شاء الله من ذلك وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه قال كانت خمسمائة سنة وستين سنة وقال الكلبي خمسمائة سنة وأربعين سنة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال كانت خمسمائة سنة وأخرج ابن جرير عن الضحاك قالى كانت أربعمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة وأخرج ابن سعد في كتاب الطبقات عن ابن عباس قال كان بين موسى وعيسى ألف سنة وتسعمائة سنة ولم يكن بينهما فترة فإنه أرسل بينهما ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم وكان بين ميلاد عيسى ومحمد ( صلى الله عليه وسلم ) خمسائة سنة وتسع وستون سنة بعث في أولها ثلاثة أنبياء كما قال الله تعالى ) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ( والذى عزز به شمعون وكان من الحواريين وكانت الفترة التى لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة سنة وأربعة وثلاثين سنة وقد قيل غير ما ذكرناه
سورة المائدة الآية ( 20 26 )
المائدة : ( 20 ) وإذ قال موسى . . . . .
هذه الآيات متضمنة للبيان من الله سبحانه بأن أسلاف اليهود الموجودين في عصر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) تمردوا على موسى وعصوه كما تمرد هؤلاء على نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) وعصوه وفى ذلك تسلية له ( صلى الله عليه وسلم ) وروى عن عبد الله بن كثير أنه قرأ ) يا قوم اذكروا ( بضم الميم وكذا قرأ فيما أشبهه وتقديره ) يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء ( أي وقت هذا الجعل وإيقاع الذكر على الوقت مع كون المقصود ما وقع فيه من الحوادث للمبالغة لأن الأمر بذكر الوقت أمر بذكر ما وقع فيه بطريق الأولى وامتن عليهم سبحانه بجعل الأنبياء فيهم مع كونه قد جعل الأنبياء من غيرهم لكثرة من بعثه من الأنبياء منهم قوله ) وجعلكم ملوكا ( أي وجعل منكم ملوكا وإنما حذف حرف الجر لظهور أن معنى الكلام على تقديره


"""""" صفحة رقم 27 """"""
ويمكن أن يقال إن منصب النبوة لما كان لعظم قدره وجلالة خطره بحيث لا ينسب إلى غير من هو له قال فيه ) إذ جعل فيكم أنبياء ( ولما كان منصب الملك مما يجوز نسبته إلى غير من قال به كما تقول قرابة الملك نحن الملوك قال فيه ) وجعلكم ملوكا ( وقيل المراد بالملك أنهم ملكوا أمرهم بعد أن كانوا مملوكين لفرعون فهم جميعا ملوك بهذا المعنى وقيل معناه أنه جعلهم ذوي منازل لا يدخل عليهم غيرهم إلا بأذن وقيل غير ذلك والظاهر أن المراد من الآية الملك الحقيقي ولو كان بمعنى آخر لما كان للامتنان به كثير معنى فإن قلت قد جعل غيرهم ملوكا كما جعلهم قلت قد كثر الملوك فيهم كما كثر الأنبياء فهذا وجه الامتنان قوله ) وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( أي من المن والسلوى والحجر والغمام وكثرة الأنبياء وكثرة الملوك وغير ذلك والمراد عالمى زمانهم وقيل إن الخطاب هاهنا لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهو عدول عن الظاهر لغير موجب والصواب ما ذهب إليه جمهور المفسرين من أنه من كلام موسى لقومه وخاطبهم بهذا الخطاب توطئة وتمهيدا لما بعده من أمره لهم بدخول الأرض المقدسة
وقد اختلف في تعيينها فقال قتادة هي الشام وقال مجاهد الطور وما حوله وقال ابن عباس والسدى وغيرهما أريحاء وقال الزجاج دمشق وفلسطين وبعض الأردن وقول قتادة يجمع هذه الأقوال المذكورة بعده
المائدة : ( 21 ) يا قوم ادخلوا . . . . .
والمقدسة المطهرة وقيل المباركة ) التي كتب الله لكم ( أي قسمها وقدرها لهم في سابق علمه وجعلها مسكنا لكم ) ولا ترتدوا على أدباركم ( أي لا ترجعوا عن أمري وتتركوا طاعتي وما أوجبته عليكم من قتال الجبارين جبنا وفشلا ) فتنقلبوا ( بسبب ذلك ) خاسرين ( لخير الدنيا والآخرة
المائدة : ( 22 ) قالوا يا موسى . . . . .
) قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين ( قال الزجاج الجبار من الآدميين العاثي وهو الذى يجبر الناس على ما يريد وأصله على هذا من الإجبار وهو الإكراه فإنه يجبر غيره على ما يريده يقال أجبره إذا أكرهه وقيل هو مأخوذ من جبر العظم فأصل الجبار على هذا المصلح لأمر نفسه ثم استعمل في كل من جر إلى نفسه نفعا بحق أو باطل وقيل إن جبر العظم راجع إلى معنى الإكراه قال الفراء لم أسمع فعالا من أفعل إلا في حرفين جبار من أجبر ودراك من أدرك والمراد هنا أنهم قوم عظام الأجسام طوال متعاظمون قيل هم قوم من بقية قوم عاد وقيل هم من ولد عيص بن إسحاق وقيل هم من الروم ويقال إن منهم عوج بن عنق المشهور بالطول المفرط وعنق هي بنت آدم قيل كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة وثلاثة ذراعا وثلث ذراع قال ابن كثير وهذا شيء يستحيا من ذكره ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا ثم لم يزل الخلق ينقص ثم قد ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا وأنه كان ولد زنية وأنه امتنع من ركوب السفينه وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته وهذا كذب وافتراء فإن الله ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( وقال تعالى ) فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين ( وقال تعالى ) لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ( وإذا كان ابن نوح الكافر غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر ولد زنية هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع ثم فى وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر والله أعلم انتهى كلامه
قلت لم يأت فى أمر هذا الرجل ما يقتضى تطويل الكلام فى شأنه وما هذا بأول كذبة اشتهرت في الناس ولسنا بملزومين بدفع الأكاذيب التى وضعها القصاص ونفقت عند من لا يميز بين الصحيح والسقيم فكم في بطون دفاتر التفاسير من أكاذيب وبلايا وأقاصيص كلها حديث خرافة وما أحق من لا تمييز عنده لفن الرواية ولا معرفة به أن يدع التعرض لتفسير كتاب الله ويضع هذه الحماقات والأضحوكات في المواضع المناسبة لها من كتب


"""""" صفحة رقم 28 """"""
القصاص قوله ) فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ( هذا تصريح بما هو مفهوم من الجملة التى قبل هذه الجملة لبيان أن امتناعهم من الدخول ليس إلا لهذا السبب
المائدة : ( 23 ) قال رجلان من . . . . .
قوله ) قال رجلان ( هما يوشع وكالب بن يوفنا أو ابن فانيا وكانا من الاثنى عشر نقيبا كما مر بيان ذلك وقوله ) من الذين يخافون ( أي يخافون من الله عز وجل وقيل من الجبارين أي هذان الرجلان من جملة القوم الذين يخافون من الجبارين وقيل من الذين يخافون ضعف بنى إسرائيل وجبنهم وقيل إن الواو في ) يخافون ( لبنى إسرائيل أي من الذين يخافهم بنو إسرائيل وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير ) يخافون ( بضم الياء أي يخافهم غيرهم قوله ) أنعم الله عليهما ( في محل رفع على أنه صفة ثانية لرجلان بالإيمان واليقين بحصول ما وعدوا به من النصر والظفر ) ادخلوا عليهم الباب ( أي باب بلد الجبارين ) فإذا دخلتموه فإنكم غالبون ( قالا هذه المقالة لبنى إسرائيل والظاهر أنهما قد علما بذلك من خبر موسى أو قالاه ثقة بوعد الله أو كانا قد عرفا أن الجبارين قد ملئت قلوبهم خوفا ورعبا
المائدة : ( 24 ) قالوا يا موسى . . . . .
) قالوا ( أي بنوا إسرائيل لموسى ) إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها ( وكان هذا القول منهم فشلا وجبنا أو عنادا وجرءة على الله وعلى رسوله ) فاذهب أنت وربك فقاتلا ( قالوا هذا جهلا بالله عز وجل وبصفاته وكفرا بما يجب له أو استهانة بالله ورسوله وقيل أراد بالذهاب الإرادة والقصد وقيل أرادوا بالرب هارون وكان أكبر من موسى وكان موسى يطيعه ) ها هنا قاعدون ( أي لا نبرح هاهنا لا نتقدم معك ولا نتأخر عن هذا الموضع وقيل أرادوا بذلك عدم التقدم لا عدم التأخر
المائدة : ( 25 ) قال رب إني . . . . .
) قال ( موسى ) رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي ( يحتمل أن يعطف وأخي على نفسي وأن يعطف على الضمير في ) إني ( أي إني لا أملك إلا نفسي وأخي لا يملك إلا نفسه قال هذا تحسرا وتحزنا واستجلابا للنصر من الله عز وجل ) فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ( أي افصل بيننا يعنى نفسه وأخاه وبين القوم الفاسقين وميزنا عن جملتهم ولا تلحقنا بهم في العقوبة وقيل المعنى فاقض بيننا وبينهم وقيل إنما أراد في الآخرة وقرأ عبيد بن عمير ) فافرق ( بكسر الراء
المائدة : ( 26 ) قال فإنها محرمة . . . . .
) قال فإنها ( أي الأرض المقدسة ) محرمة عليهم ( أي على هؤلاء العصاة بسبب امتناعهم من قتال الجبارين ) أربعين سنة ( ظرف للتحريم أي أنه محرم عليهم دخولها هذه المدة لا زيادة عليها فلا يخالف هذا التحريم ما تقدم من قوله ) التي كتب الله لكم ( فإنها مكتوبة لمن بقى منهم بعد هذه المدة وقيل إنه لم يدخلها أحد ممن قال ) إنا لن ندخلها ( فيكون توقيت التحريم بهذه المدة باعتبار ذراريهم وقيل إن ) أربعين سنة ( ظرف لقوله ) يتيهون في الأرض ( أي يتيهون هذا المقدار فيكون التحريم مطلقا والموقت هو التيه وهو في اللغة الحيرة يقال منه تاه يتيه تيها أو توها إذا تحير فالمعنى يتحيرون في الأرض قيل إن هذه الأرض التى تاهوا فيها كانت صغيرة نحو ستة فراسخ كانوا يمسون حيث أصبحوا ويصبحون حيث أمسوا وكانوا سيارة مستمرين على ذلك لا قرار لهم
واختلف أهل العلم هل كان معهم موسى وهارون أم لا فقيل لم يكونا معهم لأن التيه عقوبة وقيل كانا معهم لكن سهل الله عليهما ذلك كما جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم وقد قيل كيف يقع هذا لجماعة من العقلاء في مثل هذه الأرض اليسيرة في هذه المدة الطويلة قال أبو علي يكون ذلك بأن يحول الله الأرض التى هم عليها إذا ناموا إلى المكان الذى ابتدءوا منه وقد يكون بغير ذلك من الأسباب المانعة من الخروج عنها على طريق المعجزة الخارقة للعادة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وجعلكم ملوكا ( قال ملكهم الخدم وكانوا أول من ملك الخدم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال كان الرجل من بنى إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار سمي ملكا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عنه


"""""" صفحة رقم 29 """"""
فى الآية قال الزوجة والخادم والبيت وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي فى شعب الإيمان عنه أيضا فى قوله ) وجعلكم ملوكا ( قال المرأة والخدم ) وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( قال الذين هم بين ظهرانيهم يومئذ وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال كانت بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم أو دابة وامرأة كتب ملكا وأخرج ابن جرير والزبير بن بكار فى الموقفيات عن زيد بن أسلم قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من كان له بيت وخادم فهو ملك وأخرج أبو داود فى مراسيله عن زيد بن أسلم فى الآية قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) زوجة ومسكن وخادم وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سأله رجل ألسنا من فقراء المهاجرين قال ألك امرأة تأوى إليها قال نعم قال ألك مسكن تسكنه قال نعم قال فأنت من الأغنياء قال إن لي خادما قال فأنت من الملوك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) وجعلكم ملوكا ( قال جعل لهم أزواجا وخدما وبيوتا ) وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ( قال المن والسلوى والحجر والغمام وأخرج ابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس في الآية قال المن والسلوى والحجر والغمام وقد ثبت في الحديث الصحيح من أصبح منكم معافى فى جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) ادخلوا الأرض المقدسة ( قال الطور وما حوله وأخرج عنه أيضا قال هى أريحاء وأخرج ابن عساكر عن معاذ بن جبل قال هى ما بين العريش إلى الفرات وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال هي الشام وأخرج ابن جرير عن السدى في قوله ) التي كتب الله لكم ( قال التى أمركم الله بها وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال أمر القوم بها كما أمرنا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين فسار بمن معه حتى نزل قريبا من المدينة وهى أريحاء فبعث إليهم اثنى عشر عينا من كل سبط منهم عين ليأتوه بخبر القوم فدخلوا المدينة فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجسمهم وعظمهم فدخلوا حائطا لبعضهم فجاء صاحب الحائط ليجتنى الثمار من حائطه فجعل يجتنى الثمار فنظر إلى آثارهم فتتبعهم فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة حتى التقط الاثنى عشر كلهم فجعلهم في كمه مع الفاكهة وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال الملك قد رأيتم شأننا وأمرنا اذهبوا فأخبروا صاحبكم قال فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم فقال اكتموا عنا فجعل الرجل يخبر أباه وصديقه ويقول اكتم عنى فأشبع ذلك في عسكرهم ولم يكتم منهم إلا رجلان يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وهما اللذان أنزل الله فيهما ) قال رجلان من الذين يخافون ( وقد روى نحو هذا مما يتضمن المبالغة في وصف هؤلاء وعظم أجسامهم ولا فائدة في بسط ذلك فغالبه من أكاذيب القصاص كما قدمنا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فافرق ( يقول اقض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه يقول افصل بيننا وبينهم وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله ) فإنها محرمة عليهم ( قال أبدا وفى قوله ) يتيهون في الأرض ( قال أربعين سنة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال تاهوا أربعين سنة فهلك موسى وهارون في التيه وكل من جاوز الأربعين سنة فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم يوشع بن نون وهو الذى قام بالأمر بعد موسى وهو الذى افتتحها وهو الذى قيل له اليوم يوم جمعة فهموا بافتتاحها فدنت الشمس للغروب فخشى إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا فنادى الشمس إنى مأمور وأنت مأمورة فوقفت حتى افتتحها فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط


"""""" صفحة رقم 30 """"""
فقربوه إلى النار فلم تأت فقال فيكم الغلول فدعا رءوس الأسباط وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم والتصقت يد رجل منهم بيده فقال الغلول عندك فأخرجه فأخرج رأس بقرة من ذهب لها عينان من ياقوت وأسنان من لؤلؤ فوضعه مع القربان فأتت النار فأكلتها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال خلق لهم في التيه ثياب لا تخلق ولا تدرن
سورة المائدة الآية ( 27 31 )
المائدة : ( 27 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
وجه اتصال هذا بما قبله التنبيه من الله على أن ظلم اليهود ونقضهم المواثيق والعهود هو كظلم ابن آدم لأخيه فالداء قديم والشر أصيل
وقد اختلف أهل العلم في ابنى آدم المذكورين هل هما لصلبه أم لا فذهب الجمهور إلى الأول وذهب الحسن والضحاك إلى الثاني وقالا إنهما كانا من بنى إسرائيل فضرب بهما المثل في إبانة حسد اليهود وكانت بينهما خصومة فتقربا بقربانين ولم تكن القرابين إلا في بنى إسرائيل قال ابن عطية وهذا وهم كيف يجهل صورة الدفن أحد من بنى إسرائيل حتى يقتدى بالغراب قال الجمهور من الصحابة فمن بعدهم واسمهما قابيل وهابيل وكان قربان قابيل حزمة من سنبل لأنه كان صاحب زرع واختارها من أردإ زرعه حتى إنه وجد فيها سنبلة طيبة ففركها وأكلها وكان قربان هابيل كبشا لأنه كان صاحب غنم أخذه من أجود غنمه فتقبل قربان هابيل فرفع إلى الجنة فلم يزل يرعى فيها إلى أن فدى به الذبيح عليه السلام كذا قال جماعة من السلف ولم يتقبل قربان قابيل فحسده وقال لأقتلنك وقيل سبب هذا القربان أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى إلا شيثا عليه السلام فإنها ولدته منفردا وكان آدم عليه السلام يزوج الذكر من هذا البطن بالأنثى من البطن الآخر ولا تحل له أخته التى ولدت معه فولدت مع قابيل أخت جميلة واسمها إقليما ومع هابيل أخت ليست كذلك واسمها ليوذا فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل أنا أحق بأختى فأمره آدم فلم يأتمر وزجره فلم ينزجر فاتفقوا على القربان وأنه يتزوجها من تقبل قربانه قوله ) بالحق ( متعلق بمحذوف وقع صفة لمصدر ) واتل ( أي تلاوة متلبسة بالحق أو صفة لنبأ أي نبأ متلبسا بالحق والمراد بأحدهما هابيل وبالآخر قابيل و ) قال لأقتلنك ( استئناف بياني كأنه فماذا قال الذى لم يتقبل قربانه وقوله ) قال إنما يتقبل الله من المتقين ( استئناف كالأول كأنه قيل فماذا قال الذى تقبل قربانه وإنما للحصر أي إنما يتقبل الله القربان من المتقين لا من غيرهم وكأنه يقول لأخيه إنما أتيت


"""""" صفحة رقم 31 """"""
من قبل نفسك لا من قبلي فإن عدم تقبل قربانك بسبب عدم تقواك
المائدة : ( 28 ) لئن بسطت إلي . . . . .
قوله ) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ( أي لأن قصدت قتلى واللام هي الموطئة و ) ما أنا بباسط ( جواب القسم ساد مسد جواب الشرط وهذا استسلام للقتل من هابيل كما ورد في الحديث إذا كانت الفتنة فكن كخير ابنى آدم وتلاالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية قال مجاهد كان الفرض عليهم حينئذ أن لا يسل أحد سيفا وأن لا يمتنع ممن يريد قتله قال القرطبي قال علماؤنا وذلك مما يجوز ورود التعبد به إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعا وفى وجوب ذلك عليه خلاف والأصح وجوب ذلك لما فيه من النهي عن المنكر وفى الحشوية قوم لا يجوزون للمصول عليه الدفع واحتجوا بحديث أبي ذر وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة وكف اليد عند الشبهة على ما بيناه فى كتاب التذكرة انتهى كلام القرطبي وحديث أبي ذر المشار إليه هو عند مسلم وأهل السنن إلا النسائي وفيه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال له يا أبا ذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا كيف تصنع قلت الله ورسوله أعلم قال اقعد فى بيتك وأغلق عليك بابك قال فإن لم أترك قال فأت من أنت منهم فكن فيهم قال فآخذ سلاحي قال إذن تشاركهم فيما هم فيه ولكن إن خشيت أن يردعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك وفى معناه أحاديث عن جماعة من الصحابة سعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وخباب بن الأرت وأبي بكر وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى
المائدة : ( 29 ) إني أريد أن . . . . .
قوله ) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار ( هذا تعليل لامتناعه من المقاتلة بعد التعليل الأول وهو ) إني أخاف الله رب العالمين (
اختلف المفسرون فى المعنى فقيل أراد هابيل إني أريد أن تبوء بالإثم الذى كان يلحقنى لو كنت حريصا على قتلك وبإثمك الذى تحملته بسبب قتلي وقيل المراد بإثمي الذى يختص بي بسبب سيأتي فيطرح عليك بسبب ظلمك لي وتبوء بإثمك فى قتلي وهذا يوافق معناه معنى ما ثبت فى صحيح مسلم من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) يؤتى يوم القيامة بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه ومثله قوله تعالى ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( وقيل المعنى إني أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك كما في قوله تعالى ) وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم ( أي أن لا تميد بكم وقوله ) يبين الله لكم أن تضلوا ( أي أن لا تضلوا وقال أكثر العلماء إن المعنى ) إني أريد أن تبوء بإثمي ( أي بإثم قتلك لي ) وإثمك ( الذى قد صار عليك بذنوبك من قبل قتلي قال الثعلبي هذا قول عامة المفسرين وقيل هو على وجه الإنكار أي أو إني أريد على وجه الإنكار كقوله تعالى ) وتلك نعمة ( أي أو تلك نعمة قاله القشيري ووجهه بأن إرادة القتل معصية وسئل أبو الحسن بن كيسان كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار فقال وقعت الإرادة بعد ما بسط يده إليه بالقتل وهذا بعيد جدا وكذلك الذى قبله وأصل باء رجع إلى المباءة وهى المنزل ) وباؤوا بغضب من الله ( أي رجعوا
المائدة : ( 30 ) فطوعت له نفسه . . . . .
قوله ) فطوعت له نفسه قتل أخيه ( أي سهلت نفسه عليه الأمر وشجعته وصورت له أن قتل أخيه طوع يده سهل عليه يقال تطوع الشيء أي سهل وانقاد وطوعه فلان له أي سهله قال الهروي طوعت وطاوعت واحد يقال طاع له كذا إذا أتاه طوعا وفى ذكر تطويع نفسه له بعد ما تقدم من قول قابيل ) لأقتلنك ( وقول هابيل ) لتقتلني ( دليل على أن التطويع لم يكن قد حصل له عند تلك المقاولة قوله ) فقتله ( قال ابن جرير ومجاهد وغيرهما روى أنه جهل كيف يقتل أخاه فجاءه أبليس بطائر أو حيوان غيره فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدى به قابيل ففعل وقيل غير ذلك مما يحتاج إلى تصحيح الرواية
المائدة : ( 31 ) فبعث الله غرابا . . . . .
قوله ) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه ( قيل إنه لما


"""""" صفحة رقم 32 """"""
قتل أخاه لم يدر كيف يواريه لكونه أول ميت مات من بني آدم فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثا عليه فما رآه قابيل قال ) يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي ( فواراه والضمير المستكن في ) ليريه ( للغراب وقيل لله سبحانه و ) كيف ( فى محل نصب على الحال من ضمير ) يواري ( والجملة ثاني مفعولي يريه والمراد بالسوءة هنا ذاته كلها لكونها ميتة ) وقال ( استئناف جواب سؤال مقدر من سوق الكلام كأنه قيل فماذا قال عند أن شاهد الغراب يفعل ذلك و ) يا ويلتى ( كلمة تحسر وتحزن والألف بدل ياء المتكلم كأنه دعا ويلته بأن تحضر فى ذلك الوقت والويلة الهلكة والكلام خارج مخرج التعجب منه من عدم اهتدائه لمواراة أخيه كما اهتدى الغراب إلى ذلك ) فأواري ( بالنصب على أنه جواب الاستفهام وقرئ بالسكون على تقدير فأنا أوارى ) فأصبح من النادمين ( على قتله وقيل لم يكن ندمه ندم توبة بل ندم لفقده لا على قتله وقيل غير ذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس قال نهي أن تنكح المرأة أخاها توءمها وأن ينكحها غيره من إخوتها وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة وولد له أخرى قبيحة دميمة فقال أخو الدميمة أنكحني أختك وأنكحك أختي فقال لا أنا أحق بأختي فقربا قربانا فجاء صاحب الغنم بكبش أعين أقرن أبيض وصاحب الحرث بصبرة من طعام فتقبل من صاحب الكبش ولم يتقبل من صاحب الزرع قال ابن كثير في تفسيره إسناده جيد وكذا قال السيوطي في الدر المنثور وأخرج ابن جرير عنه قال كان من شأن بني آدم أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه وإنما كان القربان يقر به الرجل فبينما ابنا آدم قاعدان إذ قالا لو قربنا قربانا ثم ذكرا ما قرباه وأخرج ابن جرير عن مجاهد فى قوله ) لئن بسطت إلي يدك ( قال كتب عليهم إذا أراد الرجل أن يقتل رجلا تركه ولا يمتنع منه
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ( يقول إني أريد أن تكون عليك خطيئتك ودمى فتبوء بهما جميعا وأخرج ابن جرير عنه ) بإثمي ( قال بقتلك إياي و ? إثمك ? قال بما كان منك قبل ذلك وأخرج عن قتادة والضحاك مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قي قوله ) فطوعت له نفسه قتل أخيه ( قال شجعته على قتل أخيه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى الآية قال زينت له نفسه وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله ) فطوعت له نفسه قتل أخيه ( فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رءوس الجبال فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له وهو نائم فرفع صخرة فشدخ به رأسه فمات فتركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثا عليه فلما رآه ) قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب ( وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل وقد روى في صفة قتله لأخيه روايات الله أعلم بصحتها
سورة المائدة الآية ( 32 34 )


"""""" صفحة رقم 33 """"""
المائدة : ( 32 ) من أجل ذلك . . . . .
قوله ) من أجل ذلك ( أي من أجل ذلك القاتل وجريرته وبسبب معصيته وقال الزجاج أي من جنايته قال يقال أجل الرجل على أهله شرا يأجل أجلا إذا جنى مثل أخذ يأخذ أخذا وقرأ أبو جعفر ) من أجل ( بكسر النون وحذف الهمزة وهي لغة قال في شرح الدرة قرأ أبو جعفر منفردا من أجل ذلك بكسر الهمزة مع نقل حركتها إلى النون قبلها وقيل يجوز أن يكون قوله ) من أجل ذلك ( متعلقا بقوله ) من النادمين ( فيكون الوقف على قوله ) من أجل ذلك ( والأولى ما قدمنا والمعنى أن نبأ ابني آدم هو الذى تسبب عنه الكتب المذكور على بني إسرائيل وعلى هذا جمهور المفسرين وخص بني إسرائيل بالذكر لأن السياق في تعداد جناياتهم ولأنهم أول أمة نزل الوعيد عليهم فى قتل الأنفس ووقع التغليظ فيهم إذ ذاك لكثرة سفكهم للدماء وقتلهم للأنبياء وتقديم الجار والمجرور على الفعل الذى هو متعلق به أعني كتبنا يفيد القصر أي من أجل ذلك لا من غيره ومن لابتداء الغاية ) أنه من قتل نفسا ( واحدة من هذه النفوس ) بغير نفس ( أي بغير نفس توجب القصاص فيخرج عن هذا من قتل نفسا بنفس قصاصا قوله ) أو فساد في الأرض ( قرأ الجمهور بالجر عطفا على نفس وقرأ الحسن بالنصب على تقدير فعل محذوف يدل عليه أول الكلام تقديره أو أحدث فسادا فى الأرض وفى هذا ضعف
ومعنى قراءة الجمهور أن من قتل نفسا بغير سبب من قصاص أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا وقد تقرر أن كل حكم مشروط يتحقق أحد شيئين فنقيضه مشروط بانتفائهما معا وكل حكم مشروط بتحققهما معا فنقيضه مشروط بانتفاء أحدهما ضرورة أن نقيض كل شيء مشروط بنقيض شرطه
وقد اختلف في هذا الفساد المذكور في هذه الآية ماذا هو فقيل هو الشرك وقيل قطع الطريق وظاهر النظم القرآني أنه ما يصدق عليه أنه فساد في الأرض فالشرك فساد في الأرض وقطع الطريق فساد في الأرض وسفك الدماء وهتك الحرم ونهب الأموال فساد في الأرض والبغي على عباد الله بغير حق فساد في الأرض وهدم البنيان وقطع الأشجار وتغوير الأنهار فساد في الأرض فعرفت بهذا أنه يصدق على هذه الأنواع أنها فساد في الأرض وهكذا الفساد الذى سيأتي في قوله ) ويسعون في الأرض فسادا ( يصدق على هذه الأنواع وسيأتي تمام الكلام على معنى الفساد قريبا قوله ) فكأنما قتل الناس جميعا ( اختلف المفسرون في تحقيق هذا التشبيه للقطع بأن عقاب من قتل الناس جميعا أشد من عقاب من قتل واحدا منهم فروى عن ابن عباس أنه قال
المعنى من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياه بأن شد عضده ونصره فكأنما أحيا الناس جميعا أخرج هذا عنه ابن جرير وروى عن مجاهد أنه قال
المعنى أن الذى يقتل النفس المؤمنة متعمدا جعل الله جزاءه جهنم وغضب


"""""" صفحة رقم 34 """"""
عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما فلو قتل الناس جميعا لم يزد على هذا قال ومن سلم من قتل فلم يقتل أحدا فكأنها أحيا الناس جميعا
وقد أخرج نحو هذا عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وروى عن ابن عباس أيضا أنه قال في تفسير هذه الآية أوبق نفسه كما لو قتل الناس جميعا أخرجه عنه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وروى عن الحسن أنه قال فكأنما قتل الناس جميعا في الوزر وكأنما أحيا الناس جميعا في الأجر وقال ابن زيد المعنى أن من قتل نفسا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من قتل الناس جميعا ) ومن أحياها ( أي من عفا عمن وجب قتله حكاه عنه القرطبي وحكى عن الحسن أنه العفو بعد القدرة يعنى أحياها وروى عن مجاهد أن إحياءها إنجاؤها من غرق أو حرق أو هدم أو هلكة حكاه عنه ابن جرير وابن المنذر وقيل المعنى أن من قتل نفسا فالمؤمنون كلهم خصماؤه لأنه قد وتر الجميع ) ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ( أي وجب على الكل شكره وقيل المعنى أن من استحل واحدا فقد استحل الجميع لأنه أنكر الشرع وعلى كل حال فالإحياء هنا عبارة عن الترك والإنقاذ من هلكة فهو مجاز إذ المعنى الحقيقي مختص بالله عز وجل والمراد بهذا التشبيه في جانب القتل تهويل أمر القتل وتعظيم أمره في النفوس حتى ينزجر عنه أهل الجرءة والجسارة وفى جانب الإحياء الترغيب إلى العفو عن الجناة واستنقاذ المتورطين في الهلكات قوله ) ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ( جملة مستقلة مؤكدة باللام الموطئة للقسم متضمنة للإخبار بأن الرسل عليهم الصلاة والسلام قد جاءوا العباد بما شرعه الله لهم من الأحكام التى من جملتها أمر القتل وثم في قوله ) ثم إن كثيرا منهم ( للتراخي الرتبي والاستبعاد العقلي والإشارة بقوله ذلك إلى ما ذكر مما كتبه الله على بنى إسرائيل أي إن كثيرا منهم بعد ذلك الكتب ) في الأرض لمسرفون ( فى القتل
المائدة : ( 33 ) إنما جزاء الذين . . . . .
قوله ) إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ( قد اختلف الناس فى سبب نزول هذه الآية فذهب الجمهور إلى أنها نزلت فى العرنيين
وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي لأنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع الطريق ويسعى في الأرض بالفساد قال ابن المنذر قول مالك صحيح قال أبو الثور محتجا لهذا القول إن قوله في هذه الآية ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ( يدل على أنها نزلت فى غير أهل الشرك لأنهم قد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم فدل ذلك على أن الآية نزلت فى أهل الإسلام انتهى وهكذا يدل على هذا قوله تعالى ) قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ( وقوله ( صلى الله عليه وسلم ) الإسلام يهدم ما قبله أخرجه مسلم وغيره وحكى ابن جرير الطبري في تفسيره عن بعض أهل العلم أن هذه الآية أعنى آية المحاربة نسخت فعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى العرنيين ووقف الأمر على هذه الحدود
وروى عن محمد بن سيرين أنه قال كان هذا قبل أن تنزل الحدود يعنى فعله ( صلى الله عليه وسلم ) بالعرنيين وبهذا قال جماعة من أهل العلم وذهب جماعة آخرون إلى أن فعله ( صلى الله عليه وسلم ) بالعرنيين منسوخ بنهى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن المثلة والقائل بهذا مطالب ببيان تأخر الناسخ وسيأتي سياق الروايات الواردة فى سبب النزول والحق أن هذه الآية تعم المشرك وغيره لمن ارتكب ما تضمنته ولا اعتبار بخصوص السبب بل الاعتبار بعموم اللفظ قال القرطبي فى تفسيره ولا خلاف بين أهل العلم في أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت فى المرتدين أو اليهود انتهى ومعنى قوله مترتب أي ثابت قيل المراد بمحاربة الله المذكورة فى الآية هي محاربة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومحاربة المسلمين في عصره ومن بعد عصره بطريق العبارة دون الدلالة ودون القياس لأن ورود النص ليس بطريق خطاب المشافهة حتى يختص حكمه


"""""" صفحة رقم 35 """"""
بالمكلفين عند النزول فيحتاج في تعميم الخطاب لغيرهم إلى دليل آخر وقيل إنها جعلت محاربة المسلمين محاربة لله ولرسوله إكبارا لحربهم وتعظيما لأذيتهم لأن الله سبحانه لا يحارب ولا يغالب والأولى أن تفسر محاربة الله سبحانه بمعاصيه ومخالفة شرائعه ومحاربة الرسول تحمل على معناها الحقيقي وحكم أمته حكمه وهم أسوته والسعي فى الأرض فسادا يطلق على أنواع من الشر كما قدمنا قريبا قال ابن كثير في تفسيره قال كثير من السلف منهم سعيد ابن المسيب إن قرض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض وقد قال تعالى ) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ( انتهى
إذا تقرر لك ما قررناه من عموم الآية ومن معنى المحاربة والسعي فى الأرض فسادا فاعلم أن ذلك يصدق على كل من وقع منه ذلك سواء كان مسلما أو كافرا في مصر وغير مصر فى كل قليل وكثير وجليل وحقير وأن حكم الله فى ذلك هو ما ورد فى هذه الآية من القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض ولكن لا يكون هذا حكم من فعل أي ذنب من الذنوب بل من كان ذنبه هو التعدي على دماء العباد وأموالهم فيما عدا ما قد ورد له حكم غير هذا الحكم فى كتاب الله أو سنة رسوله كالسرقة وما يجب فيه القصاص لأنا نعلم أنه قد كان فى زمنه ( صلى الله عليه وسلم ) من تقع منه ذنوب ومعاص غير ذلك ولا يجري عليه ( صلى الله عليه وسلم ) هذا الحكم المذكور فى هذه الآية وبهذا تعرف ضعف ما روى عن مجاهد فى تفسير المحاربة المذكورة فى هذه الآية أنها الزنا والسرقة ووجه ذلك أن هذين الذنبين قد ورد فى كتاب الله وفى سنة رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) لهما حكم غير هذا الحكم
وإذا عرفت ما هو الظاهر من معنى هذه الآية على مقتضى لغة العرب التى أمرنا بأن نفسر كتاب الله وسنة رسوله بها فإياك أن تغتر بشيء من التفاصيل المروية والمذاهب المحكية إلا أن يأتيك الدليل الموجب لتخصيص هذا العموم أو تقييد هذا المعنى المفهوم من لغة العرب فأنت وذاك اعمل به وضعه فى موضعه وأما ما عداه فدع عنك نهبا صيح في حجراته
وهات حديثا ما حديث الرواحل
على أنا سنذكر من هذه المذاهب ما تسمعه أعلم أنه قد اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة فقال ابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وأبو ثور إن من شهر السلاح فى قبة الإسلام وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله وبهذا قال مالك وصرح بأن المحارب عنده من حمل على الناس فى مصر أو فى برية أو كابرهم على أنفسهم وأموالهم دون نائرة ولا دخل ولا عداوة قال ابن المنذر اختلف عن مالك فى هذه المسألة فأثبت المحاربة فى المصر مرة ونفى ذلك مرة وروى عن ابن عباس غير ما تقدم فقال فى قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض وروى عن أبي مجلز وسعيد ابن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدى وعطاء على اختلاف فى الرواية عن بعضهم وحكاه ابن كثير عن الجمهور وقال أيضا وهكذا عن غير واحد من السلف والأئمة وقال أبو حنيفة إذا قتل قتل وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف وإذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه إن شاء قطع يديه ورجليه وإن شاء لم يقطع وقتله وصلبه وقال أبو يوسف القتل يأتي على كل شيء ونحوه قول الأوزاعي وقال الشافعي إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ثم قطعت رجله اليسرى وحسمت وخلى لأن هذه الجناية


"""""" صفحة رقم 36 """"""
زادت على السرقة بالحرابة وإذا قتل قتل وإذا أخذ المال وقتل قتل وصلب وروى عنه أنه قال يصلب ثلاثة أيام وقال أحمد إن قتل قتل وإن أخذ المال قطعت يده ورجله كقول الشافعي ولا أعلم لهذه التفاصيل دليلا لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله إلا ما رواه ابن جرير في تفسيره وتفرد بروايته فقال حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية فكتب إليه يخبره أن هذه الآية نزلت فى أولئك النفر العرنيين وهم من بجيلة قال أنس فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل وأخافوا السبيل وأصابوا الفرج الحرام قال أنس فسأل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جبريل عن القضاء فيمن حارب فقال من سرق وأخاف الطريق فاقطع يده لسرقته ورجله بإضافته ومن قتل فاقتله ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه وهذا مع ما فيه من النكارة الشديدة لا يدرى كيف صحته قال ابن كثير فى تفسيره بعد ذكره لشيء من هذه التفاصيل التى ذكرناها ما لفظه ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذى رواه ابن جرير في تفسيره إن صح سنده ثم ذكره قوله ) ويسعون في الأرض فسادا ( هو إما منتصب على المصدرية أو على أنه مفعول له أو على الحال بالتأويل أي مفسدين قوله ) أو يصلبوا ( ظاهره أنهم يصلبون أحياء حتى يموتوا لأنه أحد الأنواع التى خير الله بينها وقال قوم الصلب إنما يكون بعد القتل ولا يجوز أن يصلب قبل القتل فيحال بينه وبين الصلاة والأكل والشرب ويجاب بأن هذه عقوبة شرعها الله سبحانه في كتابه لعباده قوله ) أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ( ظاهرة قطع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف سواء كانت المقطوعة من اليدين هى اليمنى أو اليسرى وكذلك الرجلان ولا يعتبر إلا أن يكون القطع من خلاف إما يمنى اليدين مع يسرى الرجلين أو يسرى اليدين مع يمنى الرجلين وقيل المراد بهذا قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى فقط قوله ) أو ينفوا من الأرض ( اختلف المفسرون في معناه فقال السدى هو أن يطلب بالخيل والرجل حتى يؤخذ فيقام عليه الحد أو يخرج من دار الإسلام هربا وهو محكى عن ابن عباس وأنس ومالك والحسن البصري والسدى والضحاك وقتادة وسعيد بن جبير والربيع بن أنس والزهري حكاه الرماني فى كتابه عنهم وحكى عن الشافعي أنهم يخرجون من بلد إلى بلد ويطلبون لتقام عليهم الحدود وبه قال الليث بن سعد وروى عن مالك أنه ينفى من البلد الذى أحدث فيه إلى غيره ويحبس فيه كالزاني ورجحه ابن جرير والقرطبي وقال الكوفيون نفيهم سجنهم فينفى من سعة الدنيا إلى ضيقها والظاهر من الآية أنه يطرد من الأرض التى وقع منه فيها ما وقع من غير سجن ولا غيره والنفي قد يقع بمعنى الإهلاك وليس هو مرادا هنا قوله ) ذلك لهم خزي في الدنيا ( الإشارة إلى ما سبق ذكره من الأحكام والخزى الذل والفضيحة
المائدة : ( 34 ) إلا الذين تابوا . . . . .
قوله ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ( استثنى الله سبحانه التائبين قبل القدرة عليهم من عموم المعاقبين بالعقوبات السابقة والظاهر عدم الفرق بين الدماء والأموال وبين غيرها من الذنوب الموجبة للعقوبات المعينة المحدودة فلا يطالب التائب قبل القدرة بشيء من ذلك وعليه عمل الصحابة وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يسقط القصاص وسائر حقوق الآدميين بالتوبة قبل القدرة والحق الأول وأما التوبة بعد القدرة فلا تسقط بها العقوبة المذكورة فى الآية كما يدل عليه ذكر قيد ) قبل أن تقدروا عليهم ( قال القرطبي وأجمع أهل العلم على أن السلطان ولى من حارب فإن قتل محارب أخا امرئ وأتاه في حال المحاربة فليس إلى طالب الدم من أمر المحاربة شئ ولا يجوز عفو ولى الدم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن الضحاك فى قوله ) من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل ( يقول من أجل ابن آدم


"""""" صفحة رقم 37 """"""
الذى قتل أخاه ظلما وأخرج ابن جرير عن الحسن أنه قيل له في هذه الآية يعنى قوله ) فكأنما قتل الناس جميعا ( أهى لنا كما كانت لبنى إسرائيل فقال إي والذى لا إله غيره وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس فى قوله ) إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ( قال نزلت فى المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه سبيل وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد فى الأرض أو حارب الله ورسوله وأخرج ابن جرير والطبري فى الكبير عنه في هذه الآية قال كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد ميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخير الله نبيه فيهم إن شاء قتل وإن شاء صلب وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وأما النفى فهو الضرب في الأرض فإن جاء تائبا فدخل فى الإسلام قبل منه ولم يؤخذ بما سلف وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أن هذه الآية نزلت فى الحرورية وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأسلموا واجتووا المدينة فأمرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها فقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى طلبهم قافة فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ولم يحسمهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله ) إنما جزاء الذين يحاربون ( الآية وفى مسلم عن أنس أنه قال إنما سمل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة وأخرج الشافعي فى الأم وعبد الرزاق والفرياني وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال إذا خرج المحارب فأخذ المال ولم يقتل قطع مع خلاف وإذا خرج فقتل ولم يأخذ المال قتل وإذا خرج وأخذ المال وقتل قتل وصلب وإذا خرج فأخاف السبيل ولم يأخذ المال ولم يقتل نفى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال من شهر السلاح فى قبة الإسلام وأفسد السبيل فظهر عليه وقدر فإمام المسلمين مخير فيه إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله قال ) أو ينفوا من الأرض ( يهربوا ويخرجوا من دار الإسلام إلى دار الحرب وأخرج ابن جرير عنه قال نفيه أن يطلب وأخرج أيضا عن أنس نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي قال كان حارثة ابن بدر التيمي من أهل البصرة قد أفسد في الأرض وحارب فكلم رجالا من قريش أن يستأمنوا له عليا فأبوا فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأتى عليا فقال يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا قال ) أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ( ثم قال ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ( فقال سعيد وإن كان حارثة بن بدر قال وإن كان حارثة بن بدر قال هذا حارثة بن بدر قد جاء تائبا فهو آمن قال نعم فجاء به إليه فبايعه وقبل ذلك منه وكتب له أمانا
سورة المائدة الآية ( 35 37 )


"""""" صفحة رقم 38 """"""
المائدة : ( 35 ) يا أيها الذين . . . . .
) ابتغوا ( اطلبوا ) إليه ( لا إلى غيره و ) الوسيلة ( فعيلة من توسلت إليه إذا تقربت إليه قال عنترة إن الرجال لهم إليك وسيلة
إن يأخذوك تكحلى وتخضبى
وقال آخر إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا
وعاد النصابي بيننا والوسائل
فالوسيلة القربة التى ينبغى أن تطلب وبه قال أبو وائل والحسن ومجاهد وقتادة والسدى وابن زيد وروى عن ابن عباس وعطاء وعبد الله بن كثير قال ابن كثير في تفسيره وهذا الذى قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه والوسيلة أيضا درجة فى الجنة مختصة برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد ثبت فى صحيح البخاري من حديث جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
من قال حيث يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذى وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة وفى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة وفى الباب أحاديث وعطف ) وابتغوا إليه الوسيلة ( على ) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ( يفيد أن الوسيلة غير التقوى وقيل هى التقوى لأنها ملاك الأمر وكل الخير فتكون الجملة الثانية على هذا مفسرة للجملة الأولى والظاهر أن الوسيلة التى هي القربة تصدق على التقوى وعلى غيرها من خصال الخير التى يتقرب العباد بها إلى ربهم ) وجاهدوا في سبيله ( من لم يقبل دينه ) لعلكم تفلحون )
المائدة : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ) إن الذين كفروا ( كلام مبتدأ مسوق لزجر الكفار وترغيب المسلمين في امتثال أوامر الله سبحانه ) لو أن لهم ما في الأرض ( من أموالها ومنافعها وقيل المراد لكل واحد منهم ليكون أشد تهويلا وإن كان الظاهر من ضمير الجمع خلاف ذلك و ) جميعا ( تأكيد وقوله ) ومثله ( عطف على ما فى الأرض و ) معه ( فى محل نصب على الحال ) ليفتدوا به ( ليجعلوه فدية لأنفسهم وأفرد الضمير إما لكونه راجعا إلى المذكور أو لكونه بمنزلة اسم الإشارة أي ليفتدوا بذلك و ) من عذاب يوم القيامة ( متعلق بالفعل المذكور ) ما تقبل منهم ( ذلك وهذا هو جواب لو
المائدة : ( 37 ) يريدون أن يخرجوا . . . . .
قوله ) يريدون أن يخرجوا من النار ( هذا استئناف بياني كأنه قيل كيف حالهم فيما هم فيه من هذا العذاب الأليم فقيل يريدون أن يخرجوا من النار وقريء ) أن يخرجوا ( من أخرج ويضعف هذه القراءة ) وما هم بخارجين منها ( ومحل هذه الجملة أعنى قوله ) وما هم بخارجين منها ( النصب على الحال وقيل انها جملة اعتراضية
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وابتغوا إليه الوسيلة ( قال الوسيلة القربة وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وابتغوا إليه الوسيلة ( قال تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه وأخرج مسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة قال يريد الفقير فقلت لجابر يقول الله ) يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ( قال اتل أول الآية ) إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به ( ألا إنهم الذين كفروا وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس تزعم أن قوما يخرجون من النار


"""""" صفحة رقم 39 """"""
قد قال الله تعالى ) وما هم بخارجين منها ( فقال ابن عباس ويحك اقرأ ما فوقها هذه للكفار قال الزمخشري في الكشاف بعد ذكره لهذا إنه مما لفقته المجبرة ويا لله العجب من رجل لا يفرق بين أصح الصحيح وبين كذب الكذب على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتعرض للكلام على ما لا يعرفه ولا يدرى ما هو وقد واترت الأحاديث تواترا لا يخفى على من له أدنى إلمام بعلم الرواية بأن عصاة الموحدين يخرجون من النار فمن نكر هذا فليس بأهل للمناظرة لأنه أنكر ما هو من ضروريات الشريعة اللهم غفرا
سورة المائدة الآية ( 38 40 )
المائدة : ( 38 ) والسارق والسارقة فاقطعوا . . . . .
لما ذكر سبحانه حكم من يأخذ المال جهارا وهو المحارب عقبه بذكر من يأخذ المال خفية وهو السارق وذكر السارقة مع السارق لزيادة البيان لأن غالب القرآن الاقتصار على الرجال في تشريع الأحكام وقد اختلف أئمة النحو فى خبر السارق والسارقة هل هو مقدر أم هو فاقطعوا فذهب إلى الأول سيبويه وقال تقديره فيما فرض عليكم أو فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمهما وذهب المبرد والزجاج إلى الثاني ودخول الفاء لتضمن المبتدإ معنى الشرط إذ المعنى الذى سرق والتى سرقت وقرىء ) والسارق والسارقة ( بالنصب على تقدير اقطعوا ورجح هذه القراءة سيبويه قال الوجه في كلام العرب النصب كما تقول زيدا اضربه ولكن العامة أبت إلا الرفع يعنى عامة القراء والسرقة بكسر الراء اسم الشيء المسروق والمصدر من سرق يسرق سرقا قاله الجوهري وهو أخذ الشيء في خفية من الأعين ومنه استرق السمع وسارقة النظر قوله ) فاقطعوا ( القطع معناه الإبانة والإزالة وجمع الأيدى لكراهة الجمع بين تثنيتين وقد بينت السنة المطهرة أن موضع القطع الرسغ وقال قوم يقطع من المرفق وقال الخوارج من المنكب والسرقة لا بد أن تكون ربع دينار فصاعدا ولا بد أن تكون من حرز كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة وقد ذهب إلى اعتبار الربع الدينار الجمهور وذهب قوم إلى التقدير بعشرة دراهم وذهب الجمهور إلى اعتبار الحرز وقال الحسن البصري إذا جمع الثياب في البيت قطع وقد أطال الكلام في بحث السرقة أئمة الفقه وشراح الحديث بما لا يأتى التطويل به ها هنا بكثير فائدة قوله ) جزاء بما كسبا ( مفعول له أي فاقطعوا للجزاء أو مصدر مؤكد لفعل محذوف أي فجازوهما جزاء والباء سببية وما مصدرية أي بسبب كسبهما أو موصولة أي جزاء بالذى كسباه من السرقة وقوله ) نكالا ( بدل من جزاء وقيل هو علة للجزاء والجزاء علة للقطع يقال نكلت به إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل
المائدة : ( 39 ) فمن تاب من . . . . .
قوله ) فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح ( السياق يفيد أن المراد بالظلم هنا السرقة أي فمن تاب من بعد سرقته وأصلح أمره ) فإن الله يتوب عليه ( ولكن اللفظ عام فيشمل السارق وغيره من المذنبين والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وقد استدل بهذا عطاء وجماعة على أن القطع يسقط بالتوبة وليس هذا الاستدلال بصحيح لأن هذه الجملة الشرطية لا تفيد إلا مجرد قبول التوبة وإن الله يتوب على من تاب وليس فيها ما يفيد أنه لا قطع على التائب وقد كان في زمن النبوة يأتى إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من وجب


"""""" صفحة رقم 40 """"""
عليه حد تائبا عن الذنب الذى ارتكبه طالبا لتطهيره بالحد فيحده النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال
للسارق بعد قطعه تب إلى الله ثم قال تاب الله عليك أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة وأخرج أحمد وغيره أن هذه الآية نزلت فى المرأة التى كانت تسرق المتاع لما قالت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد قطعها هل لي من توبة وقد ورد في السنة ما يدل على أن الحدود إذا رفعت إلى الأئمة وجبت وامتنع إسقاطها
المائدة : ( 40 ) ألم تعلم أن . . . . .
قوله ) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ( هذا الاستفهام للإنكار مع تقرير العلم وهو كالعنوان لقوله ) يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء ( أي من كان له ملك السموات والأرض فهو قادر على هذا التعذيب الموكول إلى المشيئة والمغفرة الموكولة إليها
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) جزاء بما كسبا نكالا من الله ( قال لا ترثوا لهم فيه فإنه أمر الله الذى أمر به قال وذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول اشتدوا على الفساق واجعلوهم يدا يدا ورجلا رجلا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه ( يقول الحد كفارته والأحاديث فى قدر نصاب السرقة وفى سائر ما يتعلق بتفاصيل هذا الحد مذكورة فى كتب الحديث فلا نطيل بذلك
سورة المائدة الآية ( 41 44 )


"""""" صفحة رقم 41 """"""
المائدة : ( 41 ) يا أيها الرسول . . . . .
قوله ) لا يحزنك ( قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي والباقون بفتح الياء وضم الزاي والحزن والحزن خلاف السرور وحزن الرجل بالكسر فهو حزن وحزين وأحزنه غيره وحزنه قال اليزيدى حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما وفى الآية النهى له ( صلى الله عليه وسلم ) عن التأثر لمسارعة الكفرة فى كفرهم تأثرا بليغا لأن الله سبحانه قد وعده فى غير موطن بالنصر عليهم والمسارعة إلى الشيء الوقوع فيه بسرعة والمراد هنا وقوعهم فى الكفر بسرعة عند وجود فرصة وآثر لفظ فى على لفظ إلى للدلالة على استقرارهم فيه ومن فى قوله ) من الذين قالوا ( بيانية والجملة مبينة للمسارعين فى الكفر والباء فى ) بأفواههم ( متعلقه بقالوا لا بآمنا وهؤلاء الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم هم المنافقون ) ومن الذين هادوا ( يعنى اليهود وهو معطوف على ) من الذين قالوا آمنا ( وهو تمام الكلام والمعنى أن المسارعين في الكفر طائفة المنافقين وطائفة اليهود وقوله ) سماعون للكذب ( خبر مبتدأ محذوف أي هم سماعون للكذب فهو راجع إلى الفريقين أو إلى المسارعين واللام فى قوله ) للكذب ( للتقوية أو لتضمين السماع معنى القبول وقيل إن قوله ) سماعون ( مبتدأ خبره ) من الذين هادوا ( أي ومن الذين هادوا قوم ) سماعون للكذب ( أي قابلون لكذب رءوسائهم المحرفين للتوراة قوله ) سماعون لقوم آخرين ( خبر ثان واللام فيه كاللام في للكذب وقيل اللام للتعليل فى الموضعين أي سماعون لكلام رسول الله لأجل الكذب عليه وسماعون لأجل قوم آخرين وجهوهم عيونا لهم لأجل أن يبلغوهم ما سمعوا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) لم يأتوك ( صفة لقوم أي لم يحضروا مجلسك وهم طائفة من اليهود كانوا لا يحضرون مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تكبرا وتمردا وقيل هم جماعة من المنافقين كانوا يتجنبون مجالس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال الفراء ويجوز سماعين كما قال ) ملعونين أينما ثقفوا ( قوله ) يحرفون الكلم من بعد مواضعه ( من جملة صفات القوم المذكورين أي يميلونه عن مواضعه التى وضعه الله فيها ويتأولونه على غير تأويله والمحرفون هم اليهود وقيل إن هذه الجملة خبر مبتدأ محذوف وقيل في محل نصب على الحال من ) لم يأتوك ( وقيل مستأنفة لا محل لها من الإعراب لقصد تعداد معايبهم ومثالبهم ومعنى ) من بعد مواضعه ( من بعد كونه موضوعا في مواضعه أو من بعد وضعه في مواضعه التى وضعه الله فيها من حيث لفظه أو من حيث معناه قوله ) يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ( جملة حالية من ضمير يحرفون أو مستأنفة أو صفة لقوم أو خبر مبتدأ محذوف والإشارة بقولهم ) هذا ( إلى الكلام المحرف أي إن أوتيتم من جهة محمد هذا الكلام الذى حرفناه فخذوه واعملوا به وإن لم تؤتوه بل جاءكم بغيره فاحذروا من قبوله والعمل به قوله ) ومن يرد الله فتنته ( أي ضلالته ) فلن تملك له من الله شيئا ( أي فلا تستطيع دفع ذلك عنه ولا تقدر على نفعه وهدايته وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها وظاهرها العموم ويدخل فيها هؤلاء الذين سياق الكلام معهم دخولا أوليا والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى من تقدم من ذكرهم من الذين قالوا آمنا بأفواههم ومن الذين هادوا وهو مبتدأ وخبره الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم أي لم يرد تطهيرها من أرجاس الكفر والنفاق كما طهر قلوب المؤمنين ) لهم في الدنيا خزي ( بظهور نفاق المنافقين وبضرب الجزية على الكافرين وظهور تحريفهم وكتمهم لما أنزل الله في التوراة
المائدة : ( 42 ) سماعون للكذب أكالون . . . . .
قوله ) سماعون للكذب ( كرره تأكيدا لقبحه وليكون كالمقدمة لما بعده وهو أكالون للسحت وهما من جملة أخبار ذلك المبتدأ المقدر سابقا والسحت بضم السين وسكون الحاء المال الحرام وأصله الهلاك والشدة من سحته إذا هلكه ومنه ) فيسحتكم بعذاب ( ومنه قول الفرزدق وعض زمان يا ابن مروان لم يدع
من المال إلا مسحت أو محلق


"""""" صفحة رقم 42 """"""
ويقال للحالق اسحت أي استأصل وسمى الحرام سحتا لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها وقال الفراء أصله كلب الجوع وقيل هو الرشوة والأول أولى والرشوة تدخل في الحرام دخولا أوليا وقد فسره جماعة بنوع من أنواع الحرام خاص كالهدية لمن يقضى له حاجة وحلوان الكاهن والتعميم أولى بالصواب
قوله ) فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ( فيه تخيير لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبين الحكم بينهم والإعراض عنهم
وقد استدل به على أن حكام المسلمين مخيرون بين الأمرين وقد أجمع العلماء على أنه يجب على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم واختلفوا فى أهل الذمة إذا ترافعوا فيها بينهم فذهب قوم إلى التخيير وذهب آخرون إلى الوجوب وقالوا إن هذه الآية منسوخة بقوله ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ( وبه قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدى وهو الصحيح من قول الشافعي وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء قوله ) وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا ( أي إن اخترت الإعراض عن الحكم بينهم فلا سبيل لهم عليك لأن الله حافظك وناصرك عليهم وإن اخترت الحكم بينهم ) فاحكم بينهم بالقسط ( أي بالعدل الذى أمرك الله به وأنزله عليك
المائدة : ( 43 ) وكيف يحكمونك وعندهم . . . . .
قوله ) وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ( فيه تعجيب له ( صلى الله عليه وسلم ) من تحكيمهم إياه مع كونهم لا يؤمنون به ولا بما جاء به مع أن ما يحكمونه فيه هو موجود عندهم فى التوراة كالرجم ونحوه وإنما يأتون إليه ( صلى الله عليه وسلم ) ويحكمونه طمعا منهم في أن يوافق تحريفهم وما صنعوه بالتوراة من التغيير قوله ) ثم يتولون ( عطف على يحكمونك ) من بعد ذلك ( أي من بعد تحكيمهم لك وجملة قوله ) وما أولئك بالمؤمنين ( لتقرير مضمون ما قبلها
المائدة : ( 44 ) إنا أنزلنا التوراة . . . . .
وقوله ) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ( استئناف يتضمن تعظيم التوراة وتفخيم شأنها وأن فيها الهدى والنور وهو بيان الشرائع والتبشير بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وإيجاب اتباعه قوله ) يحكم بها النبيون ( هم أنبياء بنى إسرائيل والجملة إما مستأنفة أو حالية و ) الذين أسلموا ( صفة مادحة للنبيين وفيه إرغام لليهود المعاصرين له ( صلى الله عليه وسلم ) بأن أنبياءهم كانوا يدينون بدين الإسلام الذى دان به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد بالنبيين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وعبر عنه بلفظ الجمع تعظيما قوله ) للذين هادوا ( متعلق بيحكم والمعنى أنه يحكم بها النبيون للذين هادوا وعليهم والربانيون العلماء الحكماء وقد سبق تفسيره والأحبار العلماء مأخوذ من التحبير وهو التحسين فهم يحبرون العلم أي يحسنونه قال الجوهري الحبر واحد أحبار اليهود بالفتح وبالكسر والكسر أفصح وقال الفراء هو بالكسر وقال أبو عبيدة هو بالفتح قوله ) بما استحفظوا من كتاب الله ( الباء للسببية واستحفظوا أمروا بالحفظ أي أمرهم الأنبياء بحفظ التوراة عن التغيير والتبديل والجار والمجرور متعلق بيحكم أي يحكمون بها بسبب هذا الاستحفاظ قوله ) وكانوا عليه شهداء ( أي على كتاب الله والشهداء الرقباء فهم يحمونه عن التغيير والتبديل بهذه المراقبة والخطاب بقوله ) فلا تخشوا الناس ( لرؤساء اليهود وكذا في قوله ) ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ( والاشتراء والاستبدال وقد تقدم تحقيقه قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( لفظ من من صيغ العموم فيفيد أن هذا غير مختص بطائفة معينة بل بكل من ولى الحكم وقيل إنها مختصة بأهل الكتاب وقيل بالكفار مطلقا لأن المسلم لا يكفر بارتكاب الكبيرة وقيل هو محمول على أن الحكم بغير ما أنزل الله وقع استخفافا أو استحلالا أو جحدا والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى من والجمع باعتبار معناها وكذلك ضمير الجماعة في قوله ) هم الكافرون (


"""""" صفحة رقم 43 """"""
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر ( قال هم اليهود ) من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ( قال هم المنافقون وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال إن الله أنزل ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( الظالمون ) الفاسقون ( أنزلها الله في طائفتين من اليهود قهرت إحداهما الأخرى في الجاهلية حتى اصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يومئذ لم يظهر عليهم فقتلت الذليلة من العزيزة فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا إلينا بمائة وسق فقالت الذليلة وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحد ودية بعضهم نصف دية بعض إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم فأما إذ قدم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فلا نعطيكم ذلك فكانت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن جعلوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بينهما ففكرت العزيزة فقالت والله ما محمد يعطيكم منهم ضعف ما نعطيهم منكم ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا ضيما وقهرا لهم فدسوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من يخبر لكم رأيه فإن أعطاكم ما تريدون حكمتوه وإن لم يعطكم حذرتموه ولم تحكموه فدسوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ناسا من المنافقين يختبرون لهم رأيه فلما جاءوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا فأنزل الله ) يا أيها الرسول لا يحزنك ( إلى قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( ثم قال فيهم والله أنزلت وإياهم عنى وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى الدلائل عن أبي هريرة قال أول مرجوم رجمه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من اليهود زنى رجل منهم وامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبى بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا فتيا نبى من أنبيائك قال فأتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو جالس في المسجد وأصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما ترى فى رجل وامرأة منهم زنيا فلم يكلمهم حتى أتى بيت مدراسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بالله الذى أنزل التوراة على موسى ما تجدون فى التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا يحمم ونجبه ويجلد والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما وسكت شاب منهم فلما رآه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) سكت ألظ به النشدة فقال
اللهم إذ نشدتنا نجب فإنا نجد فى التوراة الرجم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم )
فما أول ما ارتخصتم أمر الله قال زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثم زنى رجل فى أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا والله لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإنى أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما قال الزهري فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم ) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا ( فكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) منهم وأخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي فى سننه من طريق أخرى عن أبي هريرة وذكر فيه أن الشاب المذكور هو عبد الله بن صوريا وأخرج نحو حديث أبي هريرة أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث البراء بن عازب وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر أن اليهود جاءوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله


"""""" صفحة رقم 44 """"""
وسلم ما تجدون فى التوراة قالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها آية الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا يده فإذا آية الرجم قالوا صدق فأمر بهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرجما
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله في قوله ) ومن الذين هادوا سماعون للكذب ( قال يهود المدينة ) سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ( قال يهود فدك ) يحرفون الكلم ( قال يهود فدك يقولون ليهود المدينة ) إن أوتيتم هذا ( الجلد ) فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ( الرجم وأخرج أبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عنه قال زنى رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا وذكر القصة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) أكالون للسحت ( قال أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال السحت الرشوة فى الدين قال سفيان يعنى فى الحكم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي فى شعب الإيمان عن ابن مسعود أيضا قال من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا فأهدى له هدية فقبلها فذلك السحت فقيل له يا أبا عبد الرحمن إنا كنا نعد السحت الرشوة فى الحكم فقال ذلك الكفر ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( وقد روى نحو هذا عنه من طرق وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال رشوة الحكام حرام وهى السحت الذى ذكره الله في كتابه
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن ثابت قال السحت الرشوة وأخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن السحت فقال الرشا فقيل له فى الحكم قال ذاك الكفر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عمر قال بابان من السحت يأكلهما الناس الرشاء فى الحكم ومهر الزانية وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى تحريم الرشوة ما هو معروف وأخرج أبو داود فى ناسخه وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال آيتان نسختا من سورة المائدة آية القلائد وقوله ) فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ( فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مخيرا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم فنزلت ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ( قال فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يحكم بينهم بما فى كتابنا وأخرج نحوه فى الآية الآخرة عنه أبو عبيدة وابن المنذر وابن مردويه وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة نحوه وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس أن الآيات من المائدة التى قال فيها ) فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ( إلى قوله ) المقسطين ( إنما نزلت فى الدية من بنى النضير وقريظة وذلك أن قتلى بنى النضير كان لهم شرف يودون الدية كاملة وأن بنى قريظة كانوا يودون نصف الدية فتحاكموا فى ذلك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ذلك فيهم فحملهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على الحق فى ذلك فجعل الدية سواء وأخرج نحوه عنه ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) وعندهم التوراة فيها حكم الله ( يعنى حدود الله فأخبره الله بحكمه في التوراة قال ) وكتبنا عليهم فيها ( إلى قوله ) والجروح قصاص ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن فى قوله ) يحكم بها النبيون الذين أسلموا ( يعنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) للذين هادوا ( يعنى اليهود وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال الذين أسلموا النبي ومن قبله من


"""""" صفحة رقم 45 """"""
الأنبياء يحكمون بما فيها من الحق وأخرج ابن جرير عن الحسن قال الربانيون والأحبار الفقهاء والعلماء وأخرج عن مجاهد قال الربانيون العلماء والفقهاء وهم فوق الأحبار وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال الربانيون العباد والأحبار العلماء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الربانيون الفقهاء والعلماء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال الربانيون هم المؤمنون والأحبار هم القراء وأخرج ابن جرير عن السدى ) فلا تخشوا الناس ( فتكتموا ما أنزلت ) ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ( على أن تكتموا ما أنزلت وأخرج ابن جرير عن ابن زيد ) ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ( قال لا تأكلوا السحت على كتابي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ومن لم يحكم ( يقول من جحد الحكم بما أنزل الله فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( قال إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه وإنه ليس كفر ينقل من الملة بل دون كفره وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء ابن أبي رباح في قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( هم الظالمون ) هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا ( هم الفاسقون قال كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق وأخرج سعيد بن منصور وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال إنما أنزل الله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( و الظالمون ) الفاسقون ( فى اليهود خاصة وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن حذيفة أن هذه الآيات ذكرت عنده ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ( والظالمون و الفاسقون فقال رجل إن هذا فى بنى إسرائيل فقال حذيفة نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة كلا والله لتسلكن طريقهم قد الشراك وأخرج ابن المنذر نحوه عن ابن عباس
سورة المائدة الآية ( 45 50 )
المائدة : ( 45 ) وكتبنا عليهم فيها . . . . .
قوله ) وكتبنا (


"""""" صفحة رقم 46 """"""
وكتبنا معطوف على أنزلنا التوراة ومعناها فرضنا بين الله سبحانه في هذه الآية ما فرضه على بني إسرائيل من القصاص في النفس والعين والأنف والأذن والسن والجروح وقد استدل أبو حنيفة وجماعة من أهل العلم بهذه الآية فقالوا إنه يقتل المسلم بالذمي لأنه نفس وقال الشافعي وجماعة من أهل العلم إن هذه الآية خبر عن شرع من قبلنا وليس بشرع لنا وقد قدمنا فى البقرة فى شرح قوله تعالى ) كتب عليكم القصاص في القتلى ( ما فيه كفاية
وقد اختلف أهل العلم فى شرع من قبلنا هل يلزمنا أم لا فذهب الجمهور إلى أنه يلزمنا إذا لم ينسخ وهو الحق وقد ذكر ابن الصباغ فى الشامل إجماع العلماء على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه قال ابن كثير في تفسيره وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة لعموم هذه الآية الكريمة انتهى
وقد أوضحنا ما هو الحق فى هذا فى شرحنا على المنتقى وفى هذه الآية توبيخ لليهود وتقريع لكونهم يخالفون ما كتبه الله عليهم فى التوراة كما حكاه هنا ويفاضلون بين الأنفس كما سبق بيانه وقد كانوا يقيدون بني النضير من بني قريظة ولا يقيدون بني قريظة من بني النضير قوله ) والعين بالعين ( قرأ نافع وعاصم والأعمش وحمزة بالنصب فى جميعها على العطف وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر بالنصب أيضا فى الكل إلا فى الجروح فبالرفع وقرأ الكسائي وأبو عبيد بالرفع فى الجميع عطفا على المحل لأن النفس قبل دخول الحرف الناصب عليها كانت مرفوعة على الابتداء وقال الزجاج يكون عطفا على المضمر فى النفس لأن التقدير إن النفس هي مأخوذة بالنفس فالأسماء معطوفة على هى قال ابن المنذر ومن قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام يتضمن بيان الحكم للمسلمين والظاهر من النظم القرآني أن العين إذا فقئت حتى لم يبق فيها مجال للإدراك أنها تفقأ عين الجاني بها والأنف إذا جدعت جميعها فإنها تجدع أنف الجاني بها والأذن إذا قطعت جميعها فإنها تقطع أذن الجاني بها وكذلك السن فأما لو كانت الجناية ذهبت ببعض إدراك العين أو ببعض الأنف أو ببعض الأذن أو ببعض السن فليس فى هذه الآية ما يدل على ثبوت القصاص
وقد اختلف أهل العلم فى ذلك إذا كان معلوم القدر يمكن الوقوف على حقيقته وكلامهم مدون فى كتب الفروع والظاهر من قوله ) والسن بالسن ( أنه لا فرق بين الثنايا والأنياب والأضراس والرباعيات وأنه يؤخذ بعضها ببعض ولا فضل لبعضها على بعض وإليه ذهب أكثر أهل العلم كما قال ابن المنذر وخالف فى ذلك عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومن تبعه وكلامهم مدون فى مواطنه ولكنه ينبغي أن يكون المأخوذ فى القصاص من الجاني هو المماثل للسن المأخوذة من المجني عليه فإن كانت ذاهبة فما يليها قوله ) والجروح قصاص ( أي ذوات قصاص وقد ذكر أهل العلم أنه لا قصاص فى الجروح التى يخاف منها التلف ولا فيما كان


"""""" صفحة رقم 47 """"""
لا يعرف مقداره عمقا أو طولا أو عرضا وقد قدر أئمة الفقه أرش كل جراحة بمقادير معلومة وليس هذا موضع بيان كلامهم ولا موضع استيفاء بيان ما ورد له أرش مقدر قوله ) فمن تصدق به فهو كفارة له ( أي من تصدق من المستحقين للقصاص بالقصاص بأن عفا عن الجاني فهو كفارة للمتصدق يكفر الله عنه بها ذنوبه
وقيل إن المعنى فهو كفارة للجارح فلا يؤاخذ بجنايته في الآخرة لأن العفو يقوم مقام أخذ الحق منه والأول أرجح لأن الضمير يعود على هذا التفسير الآخر إلى غير مذكور قوله ) ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ( ضمير الفصل مع اسم الإشارة وتعريف الخبر يستفاد منها أن هذا الظلم الصادر منهم ظلم عظيم بالغ إلى الغاية
المائدة : ( 46 ) وقفينا على آثارهم . . . . .
قوله ) وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم ( هذا شروع في بيان حكم الإنجيل بعد بيان حكم التوراة أي جعلنا عيسى ابن مريم يقفوا آثارهم أي آثار النبيين الذين أسلموا من بني إسرائيل يقال قفيته مثل عقبته إذا أتبعته ثم يقال قفيته بفلان وعقبته به فيتعدى إلى الثاني بالباء والمفعول الأول محذوف استغناء عنه بالظرف وهو على آثارهم لأنه إذا قفي به على أثره فقد قفي به إياه وانتصاب ) مصدقا ( على الحال من عيسى ) وآتيناه الإنجيل ( عطف على قفينا ومحل الجملة أعني ) فيه هدى ( النصب على الحال من الإنجيل ) ونور ( عطف على هدى
وقوله ) ومصدقا ( معطوف على محل ) فيه هدى ( أي أن الإنجيل أوتيه عيسى حال كونه مشتملا على الهدى والنور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وقيل إن مصدقا معطوف على مصدقا الأول فيكون حالا من عيسى مؤكدا للحال الأول ومقررا له والأول أولى لأنه التأسيس خير من التأكيد قوله ) وهدى وموعظة للمتقين ( عطف على مصدقا داخل تحت حكمه منضما إليه أي مصدقا وهاديا وواعظا للمتقين
المائدة : ( 47 ) وليحكم أهل الإنجيل . . . . .
قوله ) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ( هذا أمر لأهل الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل الله فيه فإنه قبل البعثة المحمدية حق وأما بعدها فقد أمروا فى غير موضع بأن يعملوا بما أنزل الله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فى القرآن الناسخ لكل الكتب المنزلة وقرأ الأعمش وحمزة بنصب الفعل من يحكم على أن اللام لام كي وقرأ الباقون بالجزم على أن اللام للأمر
فعلى القراءة الأولى تكون اللام متعلقة بقوله ) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ( وعلى القراءة الثانية هو كلام مستأنف قال مكي والاختيار الجزم لأن الجماعة عليه ولأن ما بعده من الوعيد والتهديد يدل على أنه إلزام من الله لأهل الإنجيل وقال النحاس والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان لأن الله سبحانه لم ينزل كتابا إلا ليعمل بما فيه
المائدة : ( 48 ) وأنزلنا إليك الكتاب . . . . .
قوله ) وأنزلنا إليك الكتاب ( خطاب لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) والكتاب القرآن والتعريف للعهد و ) بالحق ( متعلق بمحذوف وقع حالا أي متلبسا بالحق وقيل هو حال من فاعل أنزلنا وقيل من ضمير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) و ) مصدقا لما بين يديه ( حال من الكتاب والتعريف في الكتاب أعني قوله ) مصدقا لما بين يديه من الكتاب ( للجنس أي أنزلنا إليك يا محمد القرآن حال كونه متلبسا بالحق وحال كونه مصدقا لما بين يديه من كتب الله المنزلة لكونه مشتملا على الدعوة إلى الله والأمر بالخير والنهي عن الشر كما اشتمل عليه قوله ) ومهيمنا عليه ( عطف على مصدقا والضمير فى عليه عائد إلى الكتاب الذى صدقه القرآن وهيمن عليه والمهيمن الرقيب وقيل الغالب المرتفع وقيل الشاهد وقيل الحافظ وقيل المؤتمن قال المبرد أصله مؤيمن أبدل من الهمزة هاء كما قيل في أرقت الماء هرقت وبه قال الزجاج وأبو علي الفارسي وقال الجوهري هو من أمن غيره من الخوف وأصله أأمن فهو مؤأمن بهمزتين قلبت الثانية ياء كراهة لاجتماعهما فصار مؤيمن ثم صيرت الأولى هاء كما قالوا هراق الماء وأراقه يقال هيمن على الشيء يهيمن إذا كان له حافظا فهو له مهيمن كذا عن أبي عبيد وقرأ مجاهد وابن محيصن ? مهيمنا عليه ? بفتح الميم أي هيمن


"""""" صفحة رقم 48 """"""
عليه الله سبحانه والمعنى على قراءة الجمهور أن القرآن صار شاهدا بصحة الكتب المنزلة ومقررا لما فيها مما لم ينسخ وناسخا لما خالفه منها ورقيبا عليها وحافظا لما فيها من أصول الشرائع وغالبا لها لكونه المرجع فى المحكم منها والمنسوخ ومؤتمنا عليها لكونه مشتملا على ما هو معمول به منها وما هو متروك قوله ) فاحكم بينهم بما أنزل الله ( أي بما أنزله إليك فى القرآن لاشتماله على جميع ما شرعه الله لعباده فى جميع الكتب السابقة عليه ) ولا تتبع أهواءهم ( أي أهواء أهل الملل السابقة وقوله ) عما جاءك من الحق ( متعلق بلا تتبع على تضمينه معنى لا تعدل أو لا تنحرف ) عما جاءك من الحق ( متبعا لأهوائهم وقيل متعلق بمحذوف أي لا تتبع أهواءهم عادلا أو منحرفا عن الحق وفيه النهي له ( صلى الله عليه وسلم ) عن أن يتبع أهوية أهل الكتاب ويعدل عن الحق الذى أنزله الله عليه فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون الأمر على ما هم عليه وما أدركوا عليه سلفهم وإن كان باطلا منسوخا أو محرفا عن الحكم الذى أنزله الله على الأنبياء كما وقع فى الرجم ونحوه مما حرفوه من كتب الله قوله ) لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( الشرعة والشريعة فى الأصل الطريقة الظاهرة التى يتوصل بها إلى الماء ثم استعملت فيما شرعه الله لعباده من الدين والمنهاج الطريقة الواضحة البينة وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الشريعة ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستمر ومعنى الآية أنه جعل التوراة لأهلها والإنجيل لأهله والقرآن لأهله وهذا قبل نسخ الشرائع السابقة بالقرآن وأما بعده فلا شرعة ولا منهاج إلا ما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ( بشريعة واحدة وكتاب واحد ورسول واحد ) ولكن ليبلوكم ( أي ولكن لم يشأ ذلك الاتحاد بل شاء الابتلاء لكم باختلاف الشرائع فيكون ) ليبلوكم ( متعلقا بمحذوف دل عليه سياق الكلام وهو ما ذكرنا ومعنى ) في ما آتاكم ( فيما أنزله عليكم من الشرائع المختلفة باختلاف الأوقات والرسل هل تعملون بذلك وتذعنون له أو تتركونه وتخالفون ما اقتضته مشيئة الله وحكمته وتميلون إلى الهوى وتشترون الضلالة بالهدى وفيه دليل على أن اختلاف الشرائع هو لهذه العلة أعني الابتلاء والامتحان لا لكون مصالح العباد مختلفة باختلاف الأوقات والأشخاص قوله ) فاستبقوا الخيرات ( أي إذا كانت المشيئة قد قضت باختلاف الشرائع فاستبقوا إلى فعل ما أمرتم بفعله وترك ما أمرتم بتركه والاستباق المسارعة ) إلى الله مرجعكم جميعا ( لا إلى غيره وهذه الجملة كالعلة لما قبلها
المائدة : ( 49 ) وأن احكم بينهم . . . . .
قوله ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ( عطف على الكتاب أي أنزلنا عليك الكتاب والحكم بما فيه وقد استدل بهذا على نسخ التخيير المتقدم فى قوله ) أو أعرض عنهم ( وقد تقدم تفسير ) ولا تتبع أهواءهم ( قوله ) واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ( أي يضلوك عنه ويصرفوك بسبب أهوائهم التى يريدون منك أن تعمل عليها وتؤثرها ) فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ( أي إن أعرضوا عن قبول حكمك بما أنزل الله عليك فذلك لما أراده الله من تعذيبهم ببعض ذنوبهم وهو ذنب التولي عنك والإعراض عما جئت به ) وإن كثيرا من الناس لفاسقون ( متمردون عن قبول الحق خارجون عن الإنصاف
المائدة : ( 50 ) أفحكم الجاهلية يبغون . . . . .
قوله ) أفحكم الجاهلية يبغون ( الاستفهام للإنكار والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر كما فى نظائره والمعنى أيعرضون عن حكمك بما أنزل الله عليك ويتولون عنه ويبتغون حكم الجاهلية والاستفهام فى ) ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ( للإنكار أيضا أي لا أحسن من حكم الله عند أهل اليقين لا عند أهل الجهل والأهواء
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس كتبنا عليهم فيها فى التوراة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه قال كتب عليهم هذا فى التوراة وكانوا يقتلون الحر بالعبد فيقولون كتب علينا أن النفس بالنفس


"""""" صفحة رقم 49 """"""
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن ابن عمر فى قوله ) فمن تصدق به فهو كفارة له ( قال يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر ابن عبد الله ) فهو كفارة له ( قال للمجروح وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ما من مسلم يصاب بشئ فى جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس ) ومهيمنا عليه ( قال مؤتمنا عليه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال المهيمن الأمين والقرآن أمين على كل كتاب قبله وأخرج سعيد بن منصور وعبد به حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه فى قوله ) شرعة ومنهاجا ( قال سبيلا وسنة وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال قال كعب بن أسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك فأبى ذلك وأنزل الله فيهم ) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ( إلى قوله ) لقوم يوقنون ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) أفحكم الجاهلية يبغون ( قال يهود وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال هذا فى قتيل اليهود
سورة المائدة الآية ( 51 56 )
المائدة : ( 51 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا ( الظاهر أنه خطاب للمؤمنين حقيقة وقيل المراد بهم المنافقون ووصفهم بالإيمان باعتبار ما كانوا يظهرونه وقد كانوا يوالون اليهود والنصارى فنهوا عن ذلك والأولى أن يكون خطابا


"""""" صفحة رقم 50 """"""
لكل من يتصف بالايمان أعم من أن يكون ظاهرا وباطنا أو ظاهر فقط فيدخل المسلم والمنافق ويؤيد هذا قوله ) فترى الذين في قلوبهم مرض ( والاعتبار بعموم اللفظ وسيأتي فى بيان سبب نزول الآية ما يتضح به المراد
والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء أن يعاملوا معاملة الأولياء فى المصادفة والمعاشرة والمناصرة وقوله ) بعضهم أولياء بعض ( تعليل للنهي والمعنى أن بعض اليهود أولياء البعض الآخر منهم وبعض النصارى أولياء البعض الآخر منهم وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى وبالبعض الآخر الطائفة الأخرى للقطع بأنهم فى غاية من العداوة والشقاق وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وقيل المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالي الأخرى وتعاضدها وتناصرها على عداوة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعداوة ما جاء به وإن كانوا فى ذات بينهم متعادين متضادين ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أن هذه الموالاة هى شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم ولهذا عقب هذه الجملة التعليلة بما هو كالنتيجة لها فقال ) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( أي فإنه من جملتهم وفى عدادهم وهو وعيد شديد فإن المعصية الموجبة للكفر هى التى قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية وقوله ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( تعليل للجملة التى قبلها أي أن وقوعهم فى الكفر هو بسبب عدم هدايته سبحانه لمن ظلم نفسه بما يوجب الكفر كمن يوالي الكافرين
المائدة : ( 52 ) فترى الذين في . . . . .
قوله ) فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ( الفاء للسببية والخطاب إما للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له أي ما ارتكبوه من الموالاة ووقعوا فيه من الكفر هو بسبب ما فى قلوبهم من مرض النفاق وقوله ) يسارعون ( فى محل نصب إما على أنه المفعول الثاني إذا كانت الرؤية قلبية أو على أنه حال إذا كانت بصرية وجعل المسارعة فى موالاتهم مسارعة فيهم للمبالغة فى بيان رغوبهم فى ذلك حتى كأنهم مستقرون فيهم داخلون فى عدادهم وقد قرئ فيرى بالتحتية واختلف فى فاعله ما هم فقيل هو الله عز وجل وقيل هو كل ما تصح منه الرؤيا وقيل هو الموصول ومفعوله ) يسارعون فيهم ( على حذف أن المصدرية أي فيرى القوم الذين فى قلوبهم مرض أن يسارعوا فيهم فلما حذفت ارتفع الفعل كقوله ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغا
والمرض فى القلوب هو النفاق والشك فى الدين وقوله ) يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ( جملة مشتملة على تعليل المسارعة فى الموالاة أي أن هذه الخشية هى الحاملة لهم على المسارعة وقيل إن الجملة حال من ضمير يسارعون والدائرة ما تدور من مكاره الدهر أى نخشى أن تظفر الكفار بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) فتكون الدولة لهم وتبطل دولته فيصيبنا منهم مكروه ومنه قول الشاعر
يرد عنك القدر المقدورا ودائرات الدهر أن تدورا
أي دولات الدهر الدائرة من قوم إلى قوم وقوله ) فعسى الله أن يأتي بالفتح ( رد عليهم ودفع لما وقع لهم من الخشية وعسى فى كلام الله وعد صادق لا يتخلف والفتح ظهور النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على الكافرين ومنه ما وقع من قتل مقاتلة بني قريظة وسبي ذراريهم وإجلاء بني النضير وقيل هو فتح بلاد المشركين على المسلمين وقيل فتح مكة والمراد بالأمر من عنده سبحانه هو كل ما تندفع به صولة اليهود ومن معهم وتنكسر به شوكتهم وقيل هو إظهار أمر المنافقين وإخبار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بما أسروا فى أنفسهم وأمره بقتلهم وقيل هو الجزية التى جعلها الله عليهم وقيل الخصب والسعة للمسلمين فيصبح المنافقون ) على ما أسروا في أنفسهم ( من النفاق الحامل لهم على الموالاة ) نادمين ( على ذلك لبطلان الأسباب التى تخيلوها


"""""" صفحة رقم 51 """"""
وانكشاف خلافها
المائدة : ( 53 ) ويقول الذين آمنوا . . . . .
قوله ? يقول الذين آمنوا ? قرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق وأهل الكوفة بإثبات الواو وقرأ الباقون بحذفها فعلى القراءة الأولى مع رفع يقول يكون كلاما مبتدأ مسوقا لبيان ما وقع من هذه الطائفة وعلى قراءة النصب يكون عطفا على ) فيصبحوا ( وقيل على ) يأتي ( والأولى أولى لأن هذا القول إنما يصدر عن المؤمنين عند ظهور ندامة الكافرين لا عند إتيان الفتح وقيل هو معطوف على الفتح كقول الشاعر للبس عباءة وتقر عيني
وأما على قراءة حذف الواو فالجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر والإشارة بقوله ) أهؤلاء ( إلى المنافقين أي يقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين ) أهؤلاء ( ) الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم ( بالمناصرة والمعاضدة فى القتال أو يقول بعض المؤمنين لبعض مشيرين إلى المنافقين وهذه الجملة مفسرة للقول وجهد الأيمان أغلظها وهو منصوب على المصدر أو على الحال أي أقسموا بالله جاهدين قوله ) حبطت أعمالهم ( أي بطلت وهو من تمام قول المؤمنين أو جملة مستأنفة والقائل الله سبحانه والأعمال هى التى عملوها فى الموالاة أو كل عمل يعملونه
المائدة : ( 54 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ? يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم ? قرأ أهل المدينة والشام يرتدد بدالين بفك الإدغام وهى لغة تميم وقرأ غيرهم بالإدغام وهذا شروع فى بيان أحكام المرتدين بعد بيان أن موالاة الكافرين من المسلم كفر وذلك نوع من أنواع الردة والمراد بالقوم الذين وعد الله سبحانه بالإيتان بهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه وجيشه من الصحابة والتابعين الذين قاتل بهم أهل الردة ثم كل من جاء بعدهم من المقاتلين للمرتدين فى جميع الزمن ثم وصف سبحانه هؤلاء القوم بهذه الأوصاف العظيمة المشتملة على غاية المدح ونهاية الثناء من كونهم يحبون الله وهو يحبهم ومن كونهم ) أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ( والأذلة جمع ذليل لا ذلول والأعزة جمع عزيز أي يظهرون العطف والحنو والتواضع للمؤمنين ويظهرون الشدة والغلظة والترفع على الكافرين ويجمعون بين المجاهدة فى سبيل الله وعدم خوف الملامة فى الدين بل هم متصلبون لا يبالون بما يفعله أعداء الحق وحزب الشيطان من الإزراء بأهل الدين وقلب محاسنهم مساوى ومناقبهم مثالب حسدا وبغضا وكراهة للحق وأهله والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من الصفات التي أختصهم الله بها والفضل اللطف والإحسان
المائدة : ( 55 ) إنما وليكم الله . . . . .
قوله ) إنما وليكم الله ( لما فرغ سبحانه من بيان من لا تحل موالاته بين من هو الولي الذى تجب موالاته ومحل ) الذين يقيمون الصلاة ( الرفع على أنه صفة للذين آمنوا أو بدل منه أو النصب على المدح وقوله ) وهم راكعون ( جملة حالية من فاعل الفعلين اللذين قبله والمراد بالركوع الخشوع والخضوع أى يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو خاشعون خاضعون لا يتكبرون وقيل هو حال من فاعل الزكاة والمراد بالركوع هو المعنى المذكور أى يضعون الزكاة فى مواضعها غير متكبرين على الفقراء ولا مترفعين عليهم وقيل المراد بالركوع على المعنى الثاني ركوع الصلاة ويدفعه عدم جواز إخراج الزكاة فى تلك الحال
المائدة : ( 56 ) ومن يتول الله . . . . .
ثم وعد سبحانه من يتولى الله ورسوله والذين آمنوا بأنهم الغالبون لعدوهم وهو من وضع الظاهر موضع المضمر ووضع حزب الله موضع ضمير الموالين لله ولرسوله وللمؤمنين والحزب الصنف من الناس من قولهم حزبه كذا أى نابه فكأن المتحزبين مجتمعون كاجتماع أهل النائبة التى تنوب وحزب الرجل أصحابه والحزب الورد وفى الحديث
فمن فاته حزبه من الليل وتحزبوا اجتمعوا والأحزاب الطوائف وقد وقع ولله الحمد ما وعد الله به أولياءه وأولياء رسله وأولياء عباده المؤمنين من الغلب لعدوهم فإنهم غلبوا اليهود بالسبى والقتل والإجلاء وضرب


"""""" صفحة رقم 52 """"""
الجزية حتى صاروا لعنهم الله أذل الطوائف الكفرية وأقلها شوكة وما زالوا تحت كلكل المؤمنين يطحنونهم كيف شاءوا ويمتهنونهم كما يريدون من بعد البعثة الشريفة المحمدية إلى هذه الغاية
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل وابن عساكر عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي ابن سلول وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم وكان أحد بني عوف بن الخزرج وله من حلفهم مثل الذى كان لهم من عبد الله بن أبي ابن سلول فخلعهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم وفيه وفى عبد الله بن أبي نزلت الآيات فى المائدة ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ( إلى قوله ) فإن حزب الله هم الغالبون ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال أسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ثم قال إن بيني وبين قريظة والنضير حلفا وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا وقال عبادة من الصامت أتبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسوله فنزلت وأخرج ابن مردويه أيضا من طريق عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده نحو ذلك وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال جاء عبادة فذكر نحو ما تقدم وأخرج ابن جرير عن الزهري قال لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من يهود آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر فقال مالك بن الصيف غركم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال أما لو أصررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يدان بقتالنا فقال عبادة وذكر نحو ما تقدم عنه وعن عبد الله بن أبي وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا ( قال إنها فى الذبائح من دخل فى دين قوم فهو منهم وأخرج عبد ابن حميد عن حذيفة قال ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر وتلا ) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية ) فترى الذين في قلوبهم مرض ( كعبد الله بن أبي ) يسارعون فيهم ( فى ولايتهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي فى سننه وابن عساكر عن قتادة قال أنزل الله هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم ( وقد علم أنه سيرتد مرتدون من الناس فلما قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ارتد عامة العرب عن الإسلام إلا ثلاثة مساجد أهل المدينة وأهل مكة وأهل الجواثي من عبد القيس وقال الذين ارتدوا نصلي الصلاة ولا نزكي والله لا تغصب أموالنا فكلم أبا بكر فى ذلك ليتجاوز عنهم وقيل لهم إنهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة فقال والله لا أفرق بين شيء جمعه الله ولو منعوني عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه فبعث الله عصائب مع أبي بكر فقاتلوا حتى أقروا بالماعون وهو الزكاة قال قتادة فكنا نتحدث أن هذه الآية نزلت فى أبي بكر وأصحابه ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( إلى آخر الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن الحسن نحوه وأخرج ابن جرير عن شريح بن عبيد قال لما أنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ( ) عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه ( الآية قال عمر أنا وقومي يا رسول الله قال لا بل هذا وقومه يعني أبا موسى الأشعري وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة فى مسنده وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عياض الأشعري قال لما نزلت ) فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هم


"""""" صفحة رقم 53 """"""
قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الأشعري وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والحاكم فى جمعه لحديث شعبة والبيهقي وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري قال تليت عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) فسوف يأتي الله بقوم ( الآية فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قومك يا أبا موسى أهل اليمن وأخرج ابن أبي حاتم فى الكنى والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه بسند حسن عن جابر بن عبد الله قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله ) فسوف يأتي الله بقوم ( الآية فقال هؤلاء قوم من أهل اليمن ثم كندة ثم السكون ثم تجيب وأخرج البخاري فى تاريخه وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى الآية قال هم قوم من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون وأخرج ابن أبي شيبة عنه قال هم أهل القادسية وأخرج البخاري فى تاريخه عن القاسم بن مخيمرة قال أتيت ابن عمر فرحب بي ثم تلا ) من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم ( الآية ثم ضرب على منكبي وقال أحلف بالله إنهم لمنكم أهل اليمن ثلاثا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطية ابن سعد قال فى قوله ) إنما وليكم الله ورسوله ( إنها نزلت فى عبادة بن الصامت وأخرج الخطيب فى المتفق والمفترق عن ابن عباس قال تصدق علي بخاتم وهو راكع فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) للسائل من أعطاك هذا الخاتم قال ذاك الراكع فأنزل الله فيه ) إنما وليكم الله ورسوله ( وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت فى علي بن أبي طالب وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب نحوه وأخرج ابن مردويه عن عمار نحوه أيضا وأخرج الطبراني فى الأوسط بسند فيه مجاهيل عنه نحوه
سورة المائدة الآية ( 57 63 )


"""""" صفحة رقم 54 """"""
المائدة : ( 57 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ( هذا النهي عن موالاة المتخذين للدين هزؤا ولعبا يعم كل من حصل منه ذلك من المشركين وأهل الكتاب وأهل البدع المنتمين إلى الإسلام والبيان بقوله ) من الذين أوتوا الكتاب ( إلى آخره لا ينافي دخول غيرهم تحت النهي إذا وجدت فيه العلة المذكورة التى هي الباعثة على النهي قوله ) والكفار ( قرأ أبو عمرو والكسائي بالجر على تقدير من أي ومن الكفار قال الكسائي وفى حرف أبي ومن الكفار وقرأ من عداهما بالنصب قال النحاس وهو أوضح وأبين وقال مكي لولا اتفاق الجماعة على النصب لاخترت الخفض لقوته في الإعراب وفى المعنى والمراد بالكفار هنا المشركون وقيل المنافقون ) واتقوا الله ( بترك ما نهاكم عنه من هذا وغيره ) إن كنتم مؤمنين ( فإن الإيمان يقتضى ذلك
المائدة : ( 58 ) وإذا ناديتم إلى . . . . .
والنداء الدعاء يرفع الصوت وناداه مناداة ونداء صاح به وتنادوا أي نادى بعضهم بعضا وتنادوا أي جلسوا في النادي والضمير في ) اتخذوها ( للصلاة أي اتخذوا صلاتكم هزؤا ولعبا وقيل الضمير للمناداة المدلول عليها بناديتم قيل وليس في كتاب الله تعالى ذكر الأذان إلا في هذا الموضع وأما قوله تعالى فى الجمعة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فهو خاص بنداء الجمعة وقد اختلف أهل العلم فى كون الأذان واجبا أو غير واجب وفى ألفاظه وهو مبسوط في مواطنه قوله ) ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( أي ذلك بسبب أنهم قوم لا يعقلون لأن الهزؤ واللعب شأن أهل السفه والخفة والطيش
المائدة : ( 59 ) قل يا أهل . . . . .
قوله ) قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا ( يقال نقمت على الرجل بالكسر فأنا ناقم إذا عبت عليه قال الكسائى نقمت بالكسر لغة ونقمت الأمر أيضا ونقمت إذا كرهته وانتقم الله منه أى عاقبه والاسم منه النقمة والجمع نقمات مثل كلمة وكلمات وإن شئت سكنت القاف ونفلت حركتها إلى النون والجمع نقم مثل نعمة ونعم وقيل المعنى يسخطون وقيل ينكرون قال عبد الله بن قيس الرقيات ما نقموا من بنى أمية إلا
أنهم يحلمون إن غضبوا
وقال الله سبحانه ) وما نقموا منهم ( والمعنى فى الآية هل تعيبون أو تسخطون أو تنكرون أو تكرهون منا إلا إيماننا بالله وبكتبه المنزلة وقد علمتم بأنا على الحق ) وأن أكثركم فاسقون ( بترككم للإيمان والخروج عن امتثال أوامر الله وقوله ) وأن أكثركم فاسقون ( معطوف على ) أن آمنا ( أى ما تنقمون منا إلا الجمع بين إيماننا وبين تمردكم وخروجكم عن الإيمان وفيه أن المؤمنين لم يجمعوا بين الأمرين المذكورين فإن الإيمان من جهتهم والتمرد والخروج من جهة الناقمين وقيل هو على تقدير محذوف أى واعتقادنا ) وأن أكثركم فاسقون ( وقيل إن قوله ) أن آمنا ( هو منصوب على أنه مفعول له والمفعول محذوف فيكون ) وأن أكثركم فاسقون ( معطوفا عليه عطف العلة على العلة والتقدير وما تنقمون منا إلا لأن آمنا ولأن أكثركم فاسقون وقيل معطوف على علة محذوفة أى لقلة إنصافكم ولأن أكثركم فاسقون وقيل الواو فى قوله ) وأن أكثركم فاسقون ( هي التى بمعنى مع أى ما تنقمون منا إلا الإيمان مع أن أكثركم فاسقون وقيل هو منصوب بفعل محذوف يدل عليه هل تنقمون أى ولا تنقمون أن أكثركم فاسقون وقيل هو مرفوع على الابتداء والخبر محذوف أى وفسقكم معلوم فتكون الجملة حالية وقرئ بكسر إن من قوله ) وأن أكثركم فاسقون ( فتكون جملة مستأنفة
المائدة : ( 60 ) قل هل أنبئكم . . . . .
قوله ) قل هل أنبئكم بشر من ذلك ( بين الله سبحانه لرسوله أن فيهم من العيب ما هو أولى بالعيب وهو ما هم عليه من الكفر الموجب للعن الله وغضبه ومسخه والمعنى هل أنبئكم بشر من نقمكم علينا أو بشر مما تريدون لنا من المكروه أو بشر من أهل الكتاب أو بشر من دينهم وقوله ) مثوبة ( أى جزاء ثابتا وهى مختصة بالخير كما أن العقوبة مختصة بالشر ووضعت هنا موضع العقوبة على طريقة ) فبشرهم بعذاب أليم ( وهى منصوبة على التمييز


"""""" صفحة رقم 55 """"""
من بشر وقوله ) من لعنه الله ( خبر لمبتدإ محذوف مع تقدير مضاف محذوف أى هو لعن من لعنه الله أو هو دين من لعنه الله ويجوز أن يكون فى محل جر بدلا من شر قوله ) وجعل منهم القردة والخنازير ( أى مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير وهم اليهود فإن الله مسخ أصحاب السبت قردة وكفار مائدة عيسى منهم خنازير قوله ) وعبد الطاغوت ( قرأ حمزة بضم الباء من عبد وكسر التاء من ) الطاغوت ( أى جعل منهم عبد الطاغوت بإضافة عبد إلى الطاغوت والمعنى وجعل منهم من يبالغ فى عبادة الطاغوت لأن فعل من صيغ المبالغة كحذر وفطن للتبليغ فى الحذر والفطنة وقرأ الباقون بفتح الباء من ) عبد ( وفتح التاء من ) الطاغوت ( على أنه فعل ماض معطوف على فعل ماض وهو غضب ولعن كأنه قيل ومن عبد الطاغوت أو معطوف على القردة والخنازير أي جعل منهم القردة والخنازير وجعل منهم عبد الطاغوت حملا على لفظ من وقرأ أبي وابن مسعود ? وعبدوا الطاغوت ? حملا على معناها وقرأ ابن عباس ) وعبد ( بضم العين والباء كأنه جمع عبد كما يقال سقف وسقف
ويجوز أن يكون جمع عبيد كرغيف ورغف أو جمع عابد كبازل وبزل وقرأ أبو واقد ) وعباد ( جمع عابد للمبالغة كعامل وعمال وقرأ البصريون وعباد جمع عابد أيضا كقائم وقيام ويجوز أن يكون جمع عبد وقرأ أبو جعفر الرقاشي وعبد الطاغوت على البناء للمفعول والتقدير وعبد الطاغوت فيهم وقرأ عون العقيلي وابن بريدة وعابد الطاغوت على التوحيد وروى عن ابن مسعود وأبى أنهما قرآ ? وعبدة الطاغوت ? وقرأ عبيد بن عمير ? وأعبد الطاغوت ? مثل كلب وأكلب وقرىء ) وعبد الطاغوت ( عطفا على الموصول بناء على تقدير مضاف محذوف وهى قراءة ضعيفة جدا والطاغوت الشيطان أو الكهنة أو غيرهما مما قد تقدم مستوفى
قوله ) أولئك شر مكانا ( الإشارة إلى الموصوفين بالصفات المتقدمة وجعلت الشرارة للمكان وهى لأهله للمبالغة ويجوز أن يكون الإسناد مجازيا قوله ) وأضل عن سواء السبيل ( معطوف على شر أي هم أضل من غيرهم عن الطريق المستقيم والتفضيل في الموضعين للزيادة مطلقا أو لكونهم أشر وأضل مما يشاركهم فى أصل الشرارة والضلال
المائدة : ( 61 ) وإذا جاؤوكم قالوا . . . . .
قوله ) وإذا جاؤوكم قالوا آمنا ( أي إذا جاءوكم أظهروا الإسلام قوله ) وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به ( جملتان حاليتان أي جاءوكم حال كونهم قد دخلوا عندك متلبسين بالكفر وخرجوا من عندك متلبسين به لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك بل خرجوا كما دخلوا ) والله أعلم بما كانوا يكتمون ( عندك من الكفر وفيه وعيد شديد وهؤلاء هم المنافقون وقيل هم اليهود الذين قالوا ) آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره )
المائدة : ( 62 ) وترى كثيرا منهم . . . . .
قوله ) وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له والضمير في ) منهم ( عائد إلى المنافقين أو اليهود أو إلى الطائفتين جميعا ) يسارعون في الإثم ( في محل نصب على الحال على أن الرؤية بصرية أو هو مفعول ثان لترى على أنها قلبية والمسارعة المبادرة والإثم الكذب أو الشرك أو الحرام والعدوان الظلم المتعدى إلى الغير أو مجاوزة الحد في الذنوب والسحت الحرام فعلى قول من فسر الإثم بالحرام يكون تكريره للمبالغة
المائدة : ( 63 ) لولا ينهاهم الربانيون . . . . .
والربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود وقيل الكل من اليهود لأن هذه الآيات فيهم ثم وبخ علماءهم في تركهم لنبيهم فقال ) لبئس ما كانوا يصنعون ( وهذا فيه زيادة على قوله ) لبئس ما كانوا يعملون ( لأن العمل لا يبلغ درجة الصنع حتى يتدرب فيه صاحبه ولهذا تقول العرب سيف صنيع إذا جود عامله عمله فالصنع هو العمل الجيد لا مطلق العمل فوبخ سبحانه الخاصة وهم العلماء التاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو أغلظ وأشد من توبيخ فاعل المعاصي فليفتح العلماء لهذه الآية مسامعهم ويفرجوا لها عن قلوبهم فإنها قد جاءت بما


"""""" صفحة رقم 56 """"""
فيه البيان الشافي لهم بأن كفهم عن المعاصي مع ترك إنكارهم على أهلها لا يسمن ولا يغنى من جوع بل هم أشد حالا وأعظم وبالا من العصاة فرحم الله عالما قام بما أوجبه الله عليه من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أعظم ما افترضه الله عليه وأوجب ما أوجب عليه النهوض به اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر لا يخافون فيك لومة لائم وأعنا على ذلك وقونا عليه ويسره لنا وانصرنا على من تعدى حدودك وظلم عبادك إنه لا ناصر لنا سواك ولا مستعان غيرك يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ونافقا وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا ( إلى قوله ) والله أعلم بما كانوا يكتمون ( وأخرج البيهقي فى الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس فى قوله ) وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ( قال كان منادي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود والنصارى قد قاموا لا قاموا فإذا رأوهم ركعوا وسجدوا استهزءوا بهم وضحكوا منهم قال وكان رجل من اليهود تاجرا إذا سمع المنادى ينادى بالأذان قال أحرق الله الكاذب قال فبينما هو كذلك إذ دخلت جاريته بشعلة من نار فطارت شرارة منها في البيت فأحرقته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى قال كان رجل من النصارى فذكر نحو قصة الرجل اليهودي وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نفر من اليهود فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال أومن بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا لا نؤمن بعيسى ولا نؤمن بمن آمن به فأنزل الله فيهم ) قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا ( إلى قوله ) فاسقون ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وجعل منهم القردة والخنازير ( قال مسخت من يهود وأخرج أبو الشيخ عن أبي مالك أنه قيل له كانت القردة والخنازير قبل أن يمسخوا قال نعم وكانوا مما خلق من الأمم وأخرج مسلم وابن مردويه عن ابن مسعود قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن القردة والخنازير هما مما مسخ الله فقال إن الله لم يهلك قوما أو قال لم يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وإذا جاؤوكم قالوا آمنا ( الآية قال أناس من اليهود كانوا يدخلون على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به وهم متمسكون بضلالتهم وبالكفر فكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير عن السدى في الآية قال هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهودا يقول دخلوا كفارا وخرجوا كفارا
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان ( قال هؤلاء اليهود ) لبئس ما كانوا يعملون ( إلى قوله ) لبئس ما كانوا يصنعون ( قال يصنعون ويعملون واحد قال لهؤلاء حين لم ينتهوا كما قال لهؤلاء حين عملوا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ( قال فهل لا ينهاهم الربانيون والأحبار وهم الفقهاء والعلماء وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال ما فى القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية ) لولا ينهاهم الربانيون والأحبار (


"""""" صفحة رقم 57 """"""
وأخرج ابن المبارك فى الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الضحاك بن مزاحم نحوه وقد وردت أحاديث كثيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا حاجة لنا فى بسطها هنا
سورة المائدة الآية ( 64 66 )
المائدة : ( 64 ) وقالت اليهود يد . . . . .
قوله ) يد الله مغلولة ( اليد عند العرب تطلق على الجارحة ومنه قوله تعالى ) وخذ بيدك ضغثا ( وعلى النعمة يقولون كم يد لي عند فلان وعلى القدرة ومنه قوله تعالى ) قل إن الفضل بيد الله ( أو على التأييد ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) يد الله مع القاضي حين يقضى وتطلق على معان أخر وهذه الآية هى على طريق التمثيل كقوله تعالى ) ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ( والعرب تطلق غل اليد على البخل وبسطها على الجود مجازا ولا يريدون الجارحة كما يصفون البخيل بأنه جعد الأنامل ومقبوض الكف ومنه قول الشاعر كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها
وكل باب من الخيرات مفتوح
فاستبدلت بعده جعدا أنامله
كأنما وجهه بالخل منضوح
فمراد اليهود هنا عليهم لعائن الله أن الله بخيل فأجاب سبحانه عليهم بقوله ) غلت أيديهم ( دعاء عليهم بالبخل فيكون الجواب عليهم مطابقا لما أرادوه بقوله ) يد الله مغلولة ( ويجوز أن يراد غل أيديهم حقيقة بالأسر فى الدنيا أو بالعذاب فى الآخرة ويقوى المعنى الأول أن البخل قد لزم اليهود لزوم الظل للشمس فلا ترى يهوديا وإن كان ماله فى غاية الكثرة إلا وهو من أبخل خلق الله وأيضا المجاز أوفق بالمقام لمطابقته لما قبله قوله ) ولعنوا بما قالوا ( معطوف على ما قبله والباء سببية أي أبعدوا من رحمة الله بسبب قولهم ) يد الله مغلولة ( ثم رد سبحانه بقوله ) بل يداه مبسوطتان ( أي بل هو في غاية ما يكون من الجود وذكر اليدين مع كونهم لم يذكروا إلا اليد الواحدة مبالغة في الرد عليهم بإثبات ما يدل على غاية السخاء فإن نسبة الجود إلى اليدين أبلغ من نسبتة إلى اليد الواحدة وهذه الجملة الإضرابية معطوفة على جملة مقدرة يقتضيها المقام أي كلا ليس الأمر كذلك ) بل يداه مبسوطتان ( وقيل المراد بقوله ) بل يداه مبسوطتان ( نعمة الدنيا الظاهرة ونعمتها الباطنة وقيل نعمة المطر والنبات وقيل الثواب والعقاب وحكى الأخفش عن ابن مسعود أنه قرأ ) بل يداه مبسوطتان ( أي منطلقتان كيف يشاء قوله ) ينفق كيف يشاء ( جملة مستأنفة مؤكدة لكمال جوده سبحانه أي إنفاقه على ما تقتضيه مشيئته فإن شاء وسع وإن شاء قتر فهو الباسط القابض فإن قبض كان ذلك لما تقتضيه حكمته الباهرة لا لشيء آخر فإن


"""""" صفحة رقم 58 """"""
خزائن ملكه لا تفنى ومواد جوده لا تتناهى قوله ) وليزيدن كثيرا منهم ( الخ اللام هي لام القسم أي ليزيدن كثيرا من اليهود والنصارى ما أنزل الله إليك من القرآن المشتمل على هذه الأحكام الحسنة ) طغيانا وكفرا ( أي طغيانا إلى طغيانهم وكفرا إلى كفرهم قوله ) وألقينا بينهم ( أي بين اليهود ) العداوة والبغضاء ( أو بين اليهود والنصارى قوله ) كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ( أي كلما جمعوا للحرب جمعا وأعدوا له عدة شتت الله جمعهم وذهب بريحهم فلم يظفروا بطائل ولا عادوا بفائدة بل لا يحصلون من ذلك إلا على الغلب لهم وهكذا لا يزالون يهيجون الحروب ويجمعون عليها ثم يبطل الله ذلك والآية مشتملة عل استعارة بليغة وأسلوب بديع ) ويسعون في الأرض فسادا ( أي يجتهدون فى فعل ما فيه فساد ومن أعظمه ما يريدونه من إبطال الإسلام وكيد أهله وقيل المراد بالنار هنا الغضب أي كلما أثاروا فى أنفسهم غضبا أطفأه الله بما جعله من الرعب فى صدورهم والذلة والمسكنة المضروبتين عليهم قوله ) والله لا يحب المفسدين ( إن كانت اللام للجنس فهم داخلون فى ذلك دخولا أوليا وإن كانت للعهد فوضع الظاهر موضع المضمر لبيان شدة فسادهم وكونهم لا ينفكرون عنه
المائدة : ( 65 ) ولو أن أهل . . . . .
قوله ) ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ( أي لو أن المتمسكين بالكتاب وهم اليهود والنصارى على أن التعريف للجنس ) آمنوا ( الإيمان الذى طلبه الله منهم ومن أهمه الإيمان بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كما أمروا بذلك فى كتب الله المنزلة عليهم ) واتقوا ( المعاصي التى من أعظمها ما هم عليه من الشرك بالله والجحود لما جاء به رسول الله ) لكفرنا عنهم سيئاتهم ( التى اقترفوها وإن كانت كثيرة متنوعة وقيل المعنى لوسعنا عليهم في أرزاقهم
المائدة : ( 66 ) ولو أنهم أقاموا . . . . .
) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ( أي أقاموا ما فيهما من الأحكام التى من جملتها الإيمان بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) وما أنزل إليهم من ربهم ( من سائر كتب الله التى من جملتها القرآن فإنها كلها وإن نزلت على غيرهم فهي فى حكم المنزلة عليهم لكونهم متعبدين بما فيها ) لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ( ذكر فوق وتحت للمبالغة في تيسر أسباب الرزق لهم وكثرتها وتعدد أنواعها قوله ) منهم أمة مقتصدة ( جواب سؤال مقدر كأنه قيل هل جميعهم متصفون بالأوصاف السابقة أو البعض منهم دون البعض والمقتصدون منهم هم المؤمنون كعبد الله بن سلام ومن تبعه وطائفة من النصارى ) وكثير منهم ساء ما يعملون ( وهم المصرون على الكفر المتمردون عن إجابة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والإيمان بما جاء به
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق والطبراني في الكبير وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رجل من اليهود يقال له النباش بن قيس إن ربك بخيل لا ينفق فأنزل الله ) وقالت اليهود يد الله مغلولة ( الآية وأخرج أبو الشيخ عنه أنها نزلت فى فنحاص اليهودي وأخرج مثله ابن جرير عن عكرمة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وقالت اليهود يد الله مغلولة ( أي بخيلة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ( قال حملهم حسد محمد والعرب على أن تركوا القرآن وكفروا بمحمد ودينه وهم يجدونه مكتوبا عندهم
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) كلما أوقدوا نارا للحرب ( قال حرب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى فى الآية كلما أجمعوا أمرهم على شيء فرقه الله وأطفأ حدهم ونارهم وقذف فى قلوبهم الرعب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا ( قال آمنوا بما أنزل لله على محمد واتقوا ما حرم الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل (


"""""" صفحة رقم 59 """"""
قال العمل بهما وأما ما أنزل إليهم فمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وما أنزل عليه وأما ) لأكلوا من فوقهم ( فأرسلت عليهم مطرا وأما ) ومن تحت أرجلهم ( يقول أنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم ) منهم أمة مقتصدة ( وهم مسلمة وأهل الكتاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) لأكلوا من فوقهم ( يعنى لأرسل عليهم السماء مدرارا ) ومن تحت أرجلهم ( قال تخرج الأرض من بركتها وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال الأمة المقتصدة الذين لا هم فسقوا في الدين ولا هم غلوا قال والغلو الرغبة والفسق التقصير عنه وأخرج أبو الشيخ عن السدى ) أمة مقتصدة ( يقول مؤمنة وأخرج ابن مردويه قال حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا أحمد بن يونس الضبى حدثنا عاصم بن علي حدثنا أبو معشر عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر حديثا قال ثم حدثهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال تفرقت أمة موسى على اثنتين وسبعين ملة واحدة منها فى الجنة وإحدى وسبعون منها فى النار وتفرقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين ملة واحدة منها في الجنة وإحدى وسبعون منها في النار تعلو أمتي على الفريقين جميعا ملة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار قالوا من هم يا رسول الله قال الجماعات الجماعات قال يعقوب بن زيد كان علي بن أبي طالب إذا حدث بهذا الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تلا فيه قرآنا قال ) ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ( إلى قوله ) منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ( وتلا أيضا ) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( يعنى أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) قال ابن كثير فى تفسيره بعد ذكره لهذا الحديث ما لفظه وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين مروى من طرق عديدة قد ذكرناها فى موضع آخر انتهى قلت أما زيادة كونها فى النار إلا واحدة فقد ضعفها جماعة من المحدثين بل قال ابن حزم إنها موضوعة
سورة المائدة الآية ( 67
المائدة : ( 67 ) يا أيها الرسول . . . . .
العموم الكائن فى ما أنزل يفيد أنه يجب عليه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يبلغ جميع ما أنزله الله إليه لا يكتم منه شيئا وفيه دليل على أنه لم يسر أحد مما يتعلق بما أنزل الله إليه شيئا ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت من زعم أن محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) كتم شيئا من الوحي فقد كذب وفى صحيح البخاري من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال قلت لعلي بن أبي طالب رضى الله عنه هل عندكم شيء من الوحي مما ليس فى القرآن فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا فى القرآن وما فى هذه الصحيفة قلت وما فى هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر ) وإن لم تفعل ( ما أمرت به من تبليغ الجميع بل كتمت ولو بعضا من ذلك ) فما بلغت رسالته ( قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة إلا شعبة رسالته على التوحيد وقرأ أهل المدينة وأهل الشام رسالاته على الجمع قال النحاس والجمع أبين لأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان ينزل عليه الوحي شيئا فشيئا ثم يبينه انتهى وفيه نظر فإن نفى التبليغ عن الرسالة الواحدة أبلغ من نفيه عن الرسالات كما ذكره علماء البيان على


"""""" صفحة رقم 60 """"""
خلاف فى ذلك وقد بلغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأمته ما نزل إليهم وقال لهم فى غير موطن هل بلغت فيشهدون له بالبيان فجزاه الله عن أمته خيرا ثم إن الله سبحانه وعده بالعصمة من الناس دفعا لمن يظن أنه حامل على كتم البيان وهو خوف لحوق الضرر من الناس وقد كان ذلك بحمد الله فإنه بين لعباد الله ما نزل إليهم على وجه التمام ثم حمل من أبى من الدخول فى الدين على الدخول فيه طوعا أو كرها وقتل صناديد الشرك وفرق جموعهم وبدد شملهم وكانت كلمة الله هى العليا فأسلم كل من نازعه ممن لم يسبق فيه السيف العزل حتى قال يوم الفتح لصناديد قريش وأكابرهم ما تظنون أني فاعل بكم فقالوا أخ كريم وابن أخ كريم فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء وهكذا من سبقت له العناية من علماء هذه الأمة يعصمه الله من الناس إن قام ببيان حجج الله وإيضاح براهينه وصرخ بين ظهراني من ضاد الله وعانده ولم يمتثل لشرعه كطوائف المبتدعة وقد رأينا من هذا فى أنفسنا وسمعنا منه فى غيرنا ما يزيد المؤمن إيمانا وصلابة فى دين الله وشدة شكيمة فى القيام بحجة الله وكل ما يظنه متزلزلو الأقدام ومضطربو القلوب من نزول الضرر بهم وحصول المحن عليهم فهو خيالات مختلة وتوهمات باطلة فإن كل محنة فى الظاهر هى منحة فى الحقيقة لأنها لا تأتى إلا بخير فى الأولى والأخرى إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد قوله ) إن الله لا يهدي القوم الكافرين ( جملة متضمنة لتعليل ما سبق من العصمة أي إن الله لا يجعل لهم سبيلا إلى الإضرار بك فلا تخف وبلغ ما أمرت بتبليغه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال لما نزلت ) بلغ ما أنزل إليك من ربك ( قال يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع يجتمع علي الناس فنزلت ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ( وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله يعثني برسالته فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزلت ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ( يعنى إن كتمت آية مما أنزل إليك لم تبلغ رسالته وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ( على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم غدير خم فى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال كنا نقرأ على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ( وأخرج ابن أبي حاتم عن عنترة قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال إن ناسا يأتونا فيخبرونا أن عندكم شيئا لم يبده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للناس فقال ألم تعلم أن الله قال ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ( والله ما ورثنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سوداء فى بيضاء
وأخرج ابن مردويه والضياء فى المختارة عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل أي آية أنزلت من السماء أشد عليك فقال كنت بمنى أيام موسم فاجتمع مشركو العرب وأفناء الناس فى الموسم فأنزل علي جبريل فقال ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ( الآية قال
فقمت عند العقبه فناديت يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي وله الجنة أيها الناس قولوا لا إله إلا الله وأنا رسول الله إليكم تفلحوا وتنجحوا ولكم الجنة قال فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون بالتراب والحجارة ويبزقون فى وجهي ويقولون كذب صابئ فعرض علي عارض فقال يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم


"""""" صفحة رقم 61 """"""
كما دعا نوح على قومه بالهلاك فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه قال الأعمش فبذلك يفتخر بنو العباس ويقولون فيهم نزلت ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ( هوى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبا طالب وشاء الله عباس ابن عبد المطلب وأخرج عبد بن حميد الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي كلاهما فى الدلائل عن عائشة قالت كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يحرس حتى نزلت ) والله يعصمك من الناس ( فأخرج رأسه من القبة فقال أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله قال الحاكم فى المستدرك صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأخرج الطبراني وابن مردويه من حديث أبي سعيد وقد روى فى هذا المعنى أحاديث وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال لما غزا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بني أنمار نزل ذات الرقيع بأعلى نخل فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه فقال الوارث من بني النجار لأقتلن محمدا فقال له أصحابه كيف تقتله قال أقول له أعطني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به فأتاه فقال يا محمد أعطني سيفك أشمه فأعطاه إياه فرعدت يده حتى سقط السيف من يده فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حال الله بينك وبين ما تريد فأنزل الله سبحانه ) يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ( الآية قال ابن كثير وهذا حديث غريب من هذا الوجه وأخرج ابن حبان فى صحيحه وابن مردويه عن أبي هريرة نحو هذه القصة ولم يسم الرجل وأخرج ابن جرير من حديث محمد بن كعب القرظي نحوه وفى الباب روايات وقصة غورث بن الحارث ثابتة فى الصحيح وهى معروفة مشهورة
سورة المائدة الآية ( 68 75 )


"""""" صفحة رقم 62 """"""
المائدة : ( 68 ) قل يا أهل . . . . .
قوله ) على شيء ( فيه تحقير وتقليل لما هم عليه أي لستم على شيء يعتد به حتى تقيموا التوراة والإنجيل أي تعملوا بما فيهما من أوامر الله ونواهيه التى من جملتها أمركم باتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ونهيكم من مخالفته قال أبو علي الفارسي ويجوز أن يكون ذلك قبل النسخ لهما قوله ) وما أنزل إليكم من ربكم ( قيل هو القرآن فإن إقامة الكتابين لا تصح بغير إقامته ويجوز أن يكون المراد ما أنزل إليهم على لسان الأنبياء من غير الكتابين قوله ) وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ( أي كفرا إلى كفرهم وطغيانا إلى طغيانهم والمراد بالكثير منهم من لم يسلم واستمر على المعاندة وقيل المراد به العلماء منهم وتصدير هذه الجملة بالقسم لتأكيد مضمونها قوله ) فلا تأس على القوم الكافرين ( أي دع عنك التأسف عل هؤلاء فإن ضرر ذلك راجع إليهم ونازل بهم وفى المتبعين لك من المؤمنين غنى لك عنهم
المائدة : ( 69 ) إن الذين آمنوا . . . . .
قوله ) إن الذين آمنوا ( الخ جملة مستأنفة لترغيب من عداهم من المؤمنين والمراد بالمؤمنين هنا الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون ) والذين هادوا ( أي دخلوا في دين اليهود ? والصابون ? مرتفع على الابتداء وخبره محذوف والتقدير والصابون والنصارى كذلك قال الخليل وسيبويه والرفع محمول على التقديم والتأخير والتقدير إن الذين آمنوا هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابون والنصارى كذلك وأنشد سيبويه قول الشاعر
وإلا فاعلموا أنا وأنتم
بغاة ما بقينا في شقاق
أي وإلا فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك ومثله قوله قول ضابي البرجمي فمن يك أمسى بالمدينة رحله
فإنى وقيار بها لغريب
أي فإنى لغريب وقيار كذلك وقال الكسائي والأخفش إن الصابون معطوف على المضمر في هادوا قال النحاس سمعت الزجاج يقول وقد ذكر له قول الكسائي والأخفش هذا خطأ من وجهين أحدهما أن المضمر المرفوع لا يعطف عليه حتى يؤكد وثانيهما أن المعطوف شريك المعطوف عليه فيصير المعنى إن الصابئين قد دخلوا فى اليهودية وهذا محال وقال الفراء إنما جاز الرفع لأن إن ضعيفة فلا تؤثر إلا فى الاسم دون الخبر فعلى هذا هو عنده معطوف على محل اسم إن أو على مجموع إن واسمها وقيل إن خبر إن مقدر والجملة الآتية خبر الصابئون والنصارى كما فى قول الشاعر نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
وقيل إن إن هنا بمعنى نعم فالصابون مرتفع بالابتداء ومثله قول قيس بن الرقيات بكر العواذل فى الصباح
يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علاك
وقد كبرت فقلت إنه
قال الأخفش إنه بمعنى نعم والهاء للسكت وقد تقدم الكلام على الصابئين والنصارى في البقرة وقرئ الصابيون بياء صريحة للهمزة وقرئ الصابون بدون ياء وهو من صبا يصبو لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى وقرئ ) والصابئين ( عطفا على اسم إن قوله ) من آمن بالله ( مبتدأ خبره ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (


"""""" صفحة رقم 63 """"""
والمبتدأ وخبره خبر لإن ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والعائد إلى اسم إن محذوف أي من آمن منهم ويجوز أن يكون من آمن بدلا من اسم إن وما عطف عليه ويكون خبر إن ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( والمعنى على تقدير كون المراد بالذين آمنوا المنافقين كما قدمنا أن من آمن من هذه الطوائف إيمانا خالصا على الوجه المطلوب وعمل عملا صالحا فهو الذي لا خوف عليه ولا حزن وأما على تقدير كون المراد بالذين آمنوا جميع أهل الإسلام المخلص والمنافق فالمراد بمن آمن من اتصف بالإيمان الخالص واستمر عليه ومن أحدث إيمانا خالصا بعد نفاقه
المائدة : ( 70 ) لقد أخذنا ميثاق . . . . .
قوله ) لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل ( كلام مبتدأ لبيان بعض أفعالهم الخبيثة وقد تقدم فى البقرة بيان معنى الميثاق ) وأرسلنا إليهم رسلا ( ليعرفوهم بالشرائع وينذروهم ) كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم ( جملة شرطية وقعت جوابا لسؤال ناس من الأخبار بإرسال الرسل كأنه قيل ماذا فعلوا بالرسل وجواب الشرط محذوف أي عصوه وقوله ) فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ( جملة مستأنفة أيضا جواب عن سؤال ناس عن الجواب الأول كأنه قيل كيف فعلوا بهم فقيل فريقا منهم كذبوهم ولم يتعرضوا لهم بضرر وفريقا آخر منهم قتلوهم وإنما قال ) وفريقا يقتلون ( لمراعاة رءوس الآى فمن كذبوه عيسى وأمثاله من الأنبياء وممن قتلوه زكريا ويحيى
المائدة : ( 71 ) وحسبوا ألا تكون . . . . .
قوله ) وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا ( أي حسب هؤلاء الذين أخذ الله عليهم الميثاق أن لا يقع من الله عز وجل ابتلاء واختيار بالشدائد اعتزازا بقولهم ) نحن أبناء الله وأحباؤه ( قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي تكون بالرفع على أن أن هى المخففة من الثقيلة وحسب بمعنى علم لأن أن معناه التحقيق
وقرأ الباقون بالنصب على أن أن ناصبة للفعل وحسب بمعنى الظن قال النحاس والرفع عند النحويين في حسبت وأخواتها أجود ومثله ألا زعمت بسباسة اليوم أننى
كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي
قوله ) فعموا وصموا ( أي عموا عن أبصار الهدى وصموا عن استماع الحق وهذه إشارة إلى ما وقع من بنى إسرائيل في الابتداء من مخالفة أحكام التوراة وقتل شعيا ثم تاب الله عليهم حين تابوا فكشف عنهم القحط ) ثم عموا وصموا كثير منهم ( وهذا إشارة إلى ما وقع منهم بعد التوبة من قتل يحيى بن زكريا وقصدهم لقتل عيسى وارتفاع ) كثير ( على البدل من الضمير في الفعلين قال الأخفش كما تقول رأيت قومك ثلاثتهم وإن شئت كان على إضمار مبتدإ أي العمى والصم كثير منهم ويجوز أن يكون كثير مرتفعا على الفاعلية على لغة من قال أكلوني البراغيث ومنه قول الشاعر ولكن دفافي أبوه وأمه
بحوران يعصرن السليط أقاربه
وقرئ ) عموا وصموا ( بالبناء للمفعول أي أعماهم الله وأصمهم
المائدة : ( 72 ) لقد كفر الذين . . . . .
قوله ) لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ( هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض فضائح أهل الكتاب والقائلون بهذه المقالة هم فرقة منهم يقال لهم اليعقوبية وقيل هم الملكانية قالوا إن الله عز وجل حل فى ذات عيسى فرد الله عليهم بقوله ) وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ( أي والحال أنه قد قال المسيح هذه المقالة فكيف يدعون الإلهية لمن يعترف على نفسه بأنه عبد مثلهم قوله ) إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ( الضمير للشأن وهذا كلام مبتدأ يتضمن بيان أن الشرك يوجب تحريم دخول الجنة وقيل هو من قول عيسى ) وما للظالمين من أنصار ( ينصرونهم فيدخلونهم الجنة أو يخلصونهم من النار
المائدة : ( 73 ) لقد كفر الذين . . . . .
قوله ) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ( وهذا كلام أيضا مبتدأ لبيان بعض مخازيهم والمراد بثالث ثلاثة واحد من ثلاثة ولهذا يضاف إلى ما بعده ولا يجوز فيه


"""""" صفحة رقم 64 """"""
التنوين كما قال الزجاج وغيره وإنما ينون وينصب ما بعده إذا كان ما بعده دونه بمرتبة نحو ثالث اثنين ورابع ثلاثة والقائل بأنه سبحانه وتعالى ثالث ثلاثة هم النصارى والمراد بالثلاثة الله سبحانه وعيسى ومريم كما يدل عليه قوله أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين وهذا هو المراد بقوله ثلاثة أقانيم إقنيم الأب وإقنيم الابن وإقنيم روح القدس وقد تقدم فى سورة النساء كلام فى هذا ثم رد الله سبحانه عليهم هذه الدعوى الباطلة فقال ) وما من إله إلا إله واحد ( أي ليس في الوجود إلا الله سبحانه وهذه الجملة حالية والمعنى قالوا تلك المقالة والحال لأنه لا موجود إلا الله ومن في قوله ) من إله ( لتأكيد الاستغراق المستفاد من النفي ) وإن لم ينتهوا عما يقولون ( من الكفر ) ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ( جواب قسم محذوف ساد مسد جواب الشرط ومن فى ) منهم ( بيانية أو تبعيضية
المائدة : ( 74 ) أفلا يتوبون إلى . . . . .
) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ( الفاء للعطف على مقدر والهمزة للإنكار
المائدة : ( 75 ) ما المسيح ابن . . . . .
قوله ) ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( أي هو مقصور على الرسالة لا يجاوزها كما زعتم وجملة ) قد خلت من قبله الرسل ( صفة لرسول أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله وما وقع منه من المعجزات لا يوجب كونه إلها فقد كان لمن قبله من الرسل مثلها فإن الله أحيا العصا في يد موسى وخلق آدم من غير أب فكيف جعلتم إحياء عيسى للموتى ووجوده من غير أب يوجبان كونه إلها فإن كان كما تزعمون إلها لذلك فمن قبله من الرسل الذين جاءوا بمثل ما جاء به آلهة وأنتم لا تقولون بذلك قوله ) وأمه صديقة ( عطف على المسيح أي وما أمه إلا صديقة أي صادقة فيما تقوله أو مصدقة لما جاء به ولدها من الرسالة وذلك لا يستلزم الإلهيه لها بل هي كسائر من يتصف بهذا الوصف من النساء قوله ) كانا يأكلان الطعام ( استئناف يتضمن التقرير لما أشير إليه من أنهما كسائر أفراد البشر أى من كان يأكل الطعام كسائر المخلوقين فليس برب بل هو عبد مربوب ولدته النساء فمتى يصلح لأن يكون ربا أما قولكم إنه كان يأكل الطعام بناسوته لا بلاهوته فهو كلام باطل يستلزم اختلاط الإله بغير الإله واجتماع الناسوت واللاهوت ولو جاز اختلاط القديم بالحادث لجاز أن يكون القديم حادثا ولو صح هذا فى حق عيسى لصح فى حق غيره من العباد ) انظر كيف نبين لهم الآيات ( أى الدلالات وفيه تعجيب من حال هؤلاء الذين يجعلون تلك الأوصاف مستلزمة للإلهية ويغفلون عن كونها موجودة فى من لا يقولون بأنه إله ) ثم انظر أنى يؤفكون ( أى كيف يصرفون عن الحق بعد هذا البيان يقال أفكه يأفكه إذا صرفه وكرر الأمر بالنظر للمبالغة في التعجيب وجاء بثم لإظهار ما بين العجبين من التفاوت
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال جاء نافع ابن حارثة وسلام بن مشكم ومالك بن الصيف ورافع بن حرملة فقالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه وتؤمن بما عندنا من التوراة وتشهد أنها من الله حق فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بلى ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق وكفرتم منها بما أمرتم أن تبينوه للناس فبرئت من أحداثكم فقالوا فإنا نؤخذ بما فى أيدينا وإنا على الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا نتبعك فأنزل الله فيهم ) قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل ( إلى قوله ) القوم الكافرين ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن فى قوله ) وحسبوا ألا تكون فتنة ( ) وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا ( قال بلاء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة (


"""""" صفحة رقم 65 """"""
قال النصارى يقولون ) إن الله ثالث ثلاثة ( وكذبوا وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال تفرقت بنو إسرائيل ثلاث فرق فى عيسى فقالت فرقه هو الله وقالت فرقة هو ابن الله وقالت فرقة هو عبد الله وروحه وهى المقتصدة وهى مسلمة أهل الكتاب
سورة المائدة الآية ( 76 81 )
المائدة : ( 76 ) قل أتعبدون من . . . . .
أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم هذا القول إلزاما لهم وقطعا لشبهتهم أى أتعبدون من دون الله متجاوزين إياه ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا بل هو عبد مأمور وما جرى على يده من النفع أو دفع من الضر فهو بإقدار الله له وتمكينه منه وأما هو فهو يعجز عن أن يملك لنفسه شيئا من ذلك فضلا عن أن يملكه لغيره ومن كان لا ينفع ولا يضر فكيف تتخذونه إلها وتعبدونه وأى سبب يقتضي ذلك والمراد هنا المسيح عليه السلام وقدم سبحانه الضر على النفع لأن دفع المفاسد أهم من جلب المصالح ) والله هو السميع العليم ( أى كيف تعبدون ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والحال أن الله هو السميع العليم ومن كان كذلك فهو القادر على الضر والنفع لإحاطته بكل مسموع ومعلوم ومن جملة ذلك مضاركم ومنافعكم
المائدة : ( 77 ) قل يا أهل . . . . .
قوله ) تغلوا في دينكم ( لما أبطل سبحانه جميع ما تعلقوا به من الشبه الباطلة نهاهم عن اللغو فى دينهم وهو المجاوزة للحد كإثبات الإلهية لعيسى كما يقوله النصارى أو حطه عن مرتبته العلية كما يقوله اليهود فإن كل ذلك من الغلو المذموم وسلوك طريقة الإفراط أو التفريط واختيارهما على طريق الصواب ) وغير ( منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أى غلوا غير غلو الحق وأما الغلو فى الحق بإبلاغ كلية الجهد فى البحث عنه واستخراج حقائقه فليس بمذموم وقيل إن النصب على الاستثناء المتصل وقيل على المنقطع ) ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل ( وهم أسلاف أهل الكتاب من طائفتي اليهود والنصارى أى قبل البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ) وأضلوا كثيرا ( من الناس ) وضلوا عن سواء السبيل ( أى عن قصدهم طريق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بعد البعثة والمراد أن أسلافهم ضلوا من قبل البعثة وأضلوا كثيرا من الناس إذ ذاك وضلوا من بعد البعثة إما بأنفسهم أو جعل ضلال من أضلوه ضلالا لهم لكونهم سنوا لهم ذلك ونهجوه لهم وقيل المراد بالأول كفرهم بما


"""""" صفحة رقم 66 """"""
يقتضيه العقل وبالثاني كفرهم بما يقتضيه الشرع
المائدة : ( 78 ) لعن الذين كفروا . . . . .
قوله ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل ( أي لعنهم الله سبحانه ) على لسان داود وعيسى ابن مريم ( أي في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى بما فعلوه من المعاصي كاعتدائهم فى السبت وكفرهم بعيسى قوله ) ذلك بما عصوا ( جملة مستأنفة جواب عن سؤال مقدر والإشارة بذلك إلى اللعن أي ذلك اللعن بسبب المعصية والاعتداء لا بسبب آخر
المائدة : ( 79 ) كانوا لا يتناهون . . . . .
ثم بين سبحانه المعصية والاعتداء بقوله ) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ( فأسند الفعل إليهم لكون فاعله من جملتهم وإن لم يفعلوه جميعا والمعنى أنهم كانوا لا ينهون العاصي عن معاودة معصية قد فعلها أو تهيأ لفعلها ويحتمل أن يكون وصفهم بأنهم قد فعلوا المنكر باعتبار حالة النزول لا حالة ترك الإنكار وبيان العصيان والاعتداء بترك التناهي عن المنكر لأن من أخل بواجب النهي عن المنكر فقد عصى الله سبحانه وتعدى حدوده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم القواعد الإسلامية وأجل الفرائض الشرعية ولهذا كان تاركه شريكا لفاعل المعصية ومستحقا لغضب الله وانتقامه كما وقع لأهل السبت فإن الله سبحانه مسخ من لم يشاركهم في الفعل ولكن ترك الإنكار عليهم كما مسخ المعتدين فصاروا جميعا قردة وخنازير ) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ( ثم إن الله سبحانه قال مقبحا لعدم التناهي عن المنكر ) لبئس ما كانوا يفعلون ( أي من تركهم لإنكار ما يجب عليهم إنكاره
المائدة : ( 80 ) ترى كثيرا منهم . . . . .
) ترى كثيرا منهم ( أي من اليهود مثل كعب بن الأشرف وأصحابه ) يتولون الذين كفروا ( أي المشركين وليسوا على دينهم ) لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ( أي سولت وزينت أو ما قدموه لأنفسهم ليردوا عليه يوم القيامة والمخصوص بالذم هو ) أن سخط الله عليهم ( أي موجب سخط الله عليهم على حذف مضاف أو هو سخط الله عليهم على حذف المبتدإ وقيل هو أي أن سخط الله عليهم بدل من ما
المائدة : ( 81 ) ولو كانوا يؤمنون . . . . .
) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي ( أي نبيهم ) وما أنزل إليه ( من الكتاب ) ما اتخذوهم ( أي المشركين ) أولياء ( لأن الله سبحانه ورسوله المرسل إليهم وكتابه المنزل عليهم قد نهوهم عن ذلك ) ولكن كثيرا منهم فاسقون ( أي خارجون عن ولاية الله وعن الإيمان به وبرسوله وبكتابه
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) لا تغلوا في دينكم ( يقول لا تبتدعوا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال كانوا مما غلوا فيه أن دعوا لله صاحبة وولدا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وضلوا عن سواء السبيل ( قال يهود وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ( إلى قوله ) فاسقون ( ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا فلا نطول بذكرها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود ( يعني في الزبور ) وعيسى ابن مريم ( يعني في الإنجيل وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك الغفاري في الآية قال لعنوا على لسان داود فجعلوا قردة وعلى لسان عيسى فجعلوا خنازير وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج الديلمى في مسند الفردوس عن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا قتلت


"""""" صفحة رقم 67 """"""
بنوا إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار فقام مائة واثنا عشر رجلا من عبادهم فأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا في آخر النهار فهم الذين ذكر الله ) لعن الذين كفروا من بني إسرائيل ( الآيات وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ( قال ما أمرتهم وأخرج ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوى الأخلاق وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن حذيفة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يا معشر المسلمين إياكم والزنا فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما التى في الدنيا فذهاب البهاء ودوام الفقر وقصر العمر وأما التى في الآخرة فسخط الله وسوء الحساب والخلود في النار ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ( قال ابن كثير في تفسيره هذا الحديث ضعيف على كل حال وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ( قال المنافقون
سورة المائدة الآية ( 82 86 )
المائدة : ( 82 ) لتجدن أشد الناس . . . . .
قوله ) لتجدن ( الخ هذه جملة مستأنفة مقررة لما قبلها من تعداد مساوى اليهود وهناتهم ودخول لام القسم عليها يزيدها تأكيدا وتقريرا والخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له كما في غير هذا الموضع من الكتاب العزيز والمعنى في الآية أن اليهود والمشركين لعنهم الله أشد جميع الناس عداوة للمؤمنين وأصلبهم في ذلك وأن النصارى أقرب الناس مودة للمؤمنين واللام في ) للذين آمنوا ( في الموضعين متعلقة بمحذوف وقع صفة لعداوة ومودة وقيل هو متعلق بعداوة ومودة والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى كونهم أقرب مودة والباء في ) بأن منهم قسيسين ( للسببية أي ذلك بسبب أن منهم قسيسين وهو جمع قس وقسيس قاله قطرب والقسيس العالم وأصله من قس إذا تتبع الشيء وطلبه قال الراجز يصبحن عن قس الأذى غوافلا
وتقسست أصواتهم بالليل تسمعتها والقس النميمة والقس أيضا رئيس النصارى في الدين والعلم وجمعه قسوس أيضا وكذلك القسيس مثل الشر والشرير ويقال في جمع قسيس تكسيرا قساوسة بإبدال أحد لسينين واوا والأصل قساسة فالمراد بالقسيسين في الآية المتبعون للعلماء والعباد وهو إما عجمي خلطته العرب بكلامها أو عربي والرهبان جمع راهب كركبان وراكب


"""""" صفحة رقم 68 """"""
والفعل رهب الله يرهبه أي خافه والرهبانية والترهب التعبد في الصوامع قال أبو عبيد وقد يكون رهبان للواحد والجمع قال الفراء ويجمع رهبان إذا كان للمفرد رهبان ورهابين كقربان وقرابين وقد قال جرير في الجمع رهبان مدين لو رأوك ترهبوا
وقال الشاعر في استعمال رهبان مفردا
لو أبصرت رهبان دير في الجبل لانحدر الرهبان يسعى ونزل
ثم وصفهم الله سبحانه بأنهم لا يستكبرون عن قول الحق بل هم متواضعون بخلاف اليهود فإنهم على ضد ذلك وهذه الجملة معطوفة على الجملة التى قبلها
المائدة : ( 83 ) وإذا سمعوا ما . . . . .
) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ( معطوف على جملة ) وأنهم لا يستكبرون ( ) تفيض من الدمع ( أي تمتليء فتفيض لأن الفيض لا يكون إلا بعد الامتلاء جعل الأعين تفيض والفائض إنما هو الدمع قصد للمبالغة كقولهم دمعت عينه قال امرؤ القيس
ففاضت دموع العين مني صبابة على النحر حتى بل دمعي محملي
قوله ) مما عرفوا من الحق ( من الأولى لابتداء الغاية والثانية بيانية أي كان ابتداء الفيض ناشئا من معرفة الحق ويجوز أن تكون الثانية تبعيضيه وقرئ ) ترى أعينهم ( على البناء للمجهول وقوله ) يقولون ربنا آمنا ( استئناف مسوق لجواب سؤال مقدر كأنه قيل فما حالهم عند سماع القرآن فقال ) يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ( أي آمنا بهذا الكتاب النازل من عندك على محمد وبمن أنزلته عليه فاكتبنا مع الشاهدين على الناس يوم القيامة من أمة محمد أو مع الشاهدين بأنه حق أو مع الشاهدين بصدق محمد وأنه رسولك إلى الناس
المائدة : ( 84 ) وما لنا لا . . . . .
قوله ) وما لنا لا نؤمن بالله ( كلام مستأنف والاستفهام للاستبعاد ) ولنا ( متعلق بمحذوف و ) لا نؤمن ( في محل نصب في الحال والتقدير أي شيء حصل لنا حال كوننا لا نؤمن بالله وبما جاء من الحق والمعنى أنهم استبعدوا انتفاء الإيمان منهم مع وجود المقتضى له وهو الطمع في إنعام الله فالاستفهام والنفي متوجهان إلى القيد والمقيد جميعا كقوله تعالى ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( والواو في ) ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ( للحال أيضا بتقدير مبتدإ أي أي شيء حصل لنا غير مؤمنين ونحن نطمع في الدخول مع الصالحين فالحال الأولى والثانية صاحبهما الضمير في ) لنا ( وعاملهما الفعل المقدر أي حصل ويجوز أن تكون الحال الثانية من الضمير في ) نؤمن ( والتقدير وما لنا نجمع بين ترك الإيمان وبين الطمع في صحبة الصالحين
المائدة : ( 85 ) فأثابهم الله بما . . . . .
قوله ) فأثابهم الله بما قالوا ( الخ أثابهم على هذا القول مخلصين له معتقدين لمضمونه
المائدة : ( 86 ) والذين كفروا وكذبوا . . . . .
قوله ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( التكذيب بالآيات كفر فهو من باب عطف الخاص على العام والجحيم النار الشديدة الإيقاد ويقال جحم فلان النار إذا شدد إيقادها ويقال أيضا لعين الأسد جحمة لشدة اتقادها
قال الشاعر
والحرب لا تبقى لجاحمها التحيل والمزاح
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ولتجدن أقربهم مودة ( الآية قال هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما خلا يهودي بمسلم إلا هم بقتله وفى لفظ إلا حدث نفسه بقتله قال ابن كثير وهو غريب جدا وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال ما ذكر الله به النصارى من خير فإنما يراد به النجاشي وأصحابه وأخرج أبو الشيخ عنه قال هم ناس من الحبشة آمنوا إذا جاءتهم مهاجرة المؤمنين فذلك لهم وأخرج النسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن


"""""" صفحة رقم 69 """"""
عبد الله بن الزبير قال نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه ) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والواحدي من طريق ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعروة بن الزبير قالوا بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عمرو بن أمية الضمري وكتب معه كتابا إلى النجاشي فقدم عل النجاشي فقرأ كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين معه وأرسل النجاشي إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم ثم أمر جعفر بن أبي طالب أن يقرأ عليهم القرآن فقرأ عليهم سورة مريم فآمنوا بالقرآن وفاضت أعينهم من الدمع وهم الذين أنزل الله فيهم ) ولتجدن أقربهم مودة ( إلى قوله ) من الشاهدين (
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير في الآية قال هم رسل النجاشي بإسلامه وإسلام قومه كانوا سبعين رجلا يختارهم من قومه الخير فالخير في الفقه والسن وفى لفظ نعت من خيار أصحابه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثين رجلا فلما أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دخلوا عليه فقرأ عليهم سورة يس فبكوا حين سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق فأنزل الله فيهم ) ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ( الآية ونزلت هذه الآية فيهم أيضا ) الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ( إلى قوله ) أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ( وأخرج عبد بن حميد والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس نحوه بدون ذكر العدد وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال بعث النجاشي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اثنى عشر رجلا سبعة قسيسين وخمسة رهبانا ينظرون إليه ويسألونه فلما لقوه فقرأ عليهم ما أنزل الله بكوا وآمنوا فأنزل الله فيهم ) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ( الآية والروايات في هذا الباب كثيرة وهذا المقدار يكفى فليس المراد إلا بيان سبب نزول الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) قسيسين ( قال هم علماؤهم وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال القسيسون عبادهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله ) فاكتبنا مع الشاهدين ( قال أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم )
سورة المائدة الآية ( 87 88 )
المائدة : ( 87 ) يا أيها الذين . . . . .
الطيبات هي المستلذات لما أحله الله لعباده نهى الذين آمنوا عن أن يحرموا على أنفسهم شيئا منها إما لظنهم أن في ذلك طاعة لله وتقربا إليه وأنه من الزهد في الدنيا فرفع النفس عن شهواتها أو لقصد أن يحرموا على أنفسهم شيئا مما أحله لهم كما يقع من كثير من العوام من قولهم حرام علي وحرمته على نفسي ونحو ذلك من الألفاظ التي تدخل تحت هذا النهي القرآني قال ابن جرير الطبري لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من طيبات المطاعم والملابس والمناكح ولذلك رد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) التبتل على عثمان بن مظعون
فثبت أنه لا فضل في ترك شيء مما أحله الله لعباده وأن الفضل والبر إنما هو في فعل ما ندب الله عباده إليه وعمل به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسنه لأمته واتبعه على منهاجه الأئمة الراشدون إذ كان خير الهدى


"""""" صفحة رقم 70 """"""
هدى نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا كان ذلك كذلك تبين خطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان إذا قدر على لباس ذلك من حله وآثر أكل الخشن من الطعام وترك اللحم وغيره حذرا من عارض الحاجة إلى النساء قال فإن ظن ظان أن الفضل في غير الذى قلنا لما في لباس الخشن وأكله من المشقة على النفس وصرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة فقد ظن خطأ وذلك أن الأولى بالإنسان صلاح نفسه وعونه لها على طاعة ربها ولا شيء أضر للجسم من المطاعم الردية لأنها مفسدة لعقله ومضعفة لأدواته التى جعلها الله سببا إلى طاعته قوله ) ولا تعتدوا ( أي لا تعتدوا على الله بتحريم طيبات ما أحل الله لكم أو لا تعتدوا فتحلوا ما حرم الله عليكم أي تترخصوا فتحللوا حراما كما نهيتم عن التشديد على أنفسكم بتحريم الحلال وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن من حرم على نفسه شيئا مما أحله الله له فلا يحرم عليه ولا يلزمه كفارة وقال أبو حنيفة وأحمد ومن تابعهما إن من حرم شيئا صار محرما عليه وإذا تناوله لزمته الكفارة وهو خلاف ما في هذه الآية وخلاف ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ولعله يأتي في سورة التحريم ما هو أبسط من هذا إن شاء الله وقوله ) إن الله لا يحب المعتدين ( تعليل لما قبله وظاهره أن تحريم كل اعتداء أي مجاوزة لما شرعه الله في كل أمر من الأمور
المائدة : ( 88 ) وكلوا مما رزقكم . . . . .
) وكلوا مما رزقكم الله ( حال كونه ) حلالا طيبا ( أي غير محرم ولا مستقذر أو أكلا حلالا طيبا أو كلوا حلالا طيبا مما رزقكم الله ثم وصاهم الله سبحانه بالتقوى فقال ) واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون )
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله إني إذا أكلت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوة وإني حرمت علي اللحم فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( وقد روى من وجه آخر مرسلا وروى موقوفا على ابن عباس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال نزلت في رهط من الصحابة قالوا نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض كما يفعل الرهبان فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأرسل إليهم فذكر لهم ذلك فقالوا نعم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لكني أصوم وأفطر وأصلى وأنام وأنكح النساء فمن أخذ بسنتي فهو مني ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني وقد ثبت نحو هذا في الصحيحين وغيرهما من دون ذكر أن ذلك سبب نزول الآية وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في المراسيل وابن جرير عن أبي مالك أن هؤلاء الرهط هم عثمان بن مظعون وأصحابه وفى الباب روايات كثيرة بهذا المعنى وكثير منها مصرح بأن ذلك سبب نزول الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن عبد الله بن رواحة ضافه ضيف من أهله وهو عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم رجع إلى أهله فوجدهم لم يطعموا ضيفهم انتظارا له فقال لامرأته حبست ضيفي من أجلي هو حرام علي فقالت امرأته هو حرام علي فقال الضيف هو حرام علي فلما رأى ذلك وضع يده وقال كلوا بسم الله ثم ذهب إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأخبره فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد أصبت فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( وهذا أثر منقطع ولكن في صحيح البخاري في قصة الصديق مع أضيافه ما هو شبيه بهذا وأخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال كنا عند عبد الله فجيء بضرع فتنحى رجل فقال له عبد الله ادن فقال إني حرمت أن آكله فقال عبد الله ادن فاطعم وكفر عن يمينك وتلا هذه الآية وأخرجه أيضا الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه


"""""" صفحة رقم 71 """"""
سورة المائدة الآية ( 89 )
المائدة : ( 89 ) لا يؤاخذكم الله . . . . .
قد تقدم تفسير اللغو والخلاف فيه في سورة البقرة و ) في أيمانكم ( صلة ) يؤاخذكم ( قيل و ) في ( بمعنى من والإيمان جمع يمين وفى الآية دليل على أن أيمان اللغو لا يؤاخذ الله الحالف بها ولا تجب فيها الكفارة وقد ذهب الجمهور من الصحابة ومن بعدهم إلى أنها قول الرجل لا والله وبلى والله في كلامه غير معتقد لليمين وبه فسر الصحابة الآية وهم أعرف بمعاني القرآن قال الشافعي وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة قوله ) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ( قريء بتشديد ) عقدتم ( وبتخفيفه وقريء ? عاقدتم ? والعقد على ضربين حسى كعقد الحبل وحكمى كعقد البيع واليمين والعهد قال الشاعر قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم
شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
فاليمين المعقدة من عقد القلب ليفعلن أو لا يفعلن في المستقبل أي ولكن يؤاخذكم بأيمانكم المعقدة الموثقة بالقصد والنية إذا حنثتم فيها وأما اليمين الغموس فهي يمين مكر وخديعة وكذب قد باء الحالف بإثمها وليست بمعقودة ولا كفارة فيها كما ذهب إليه الجمهور وقال الشافعي هي يمين معقودة لأنها مكتسبة بالقلب معقودة بخبر مقرونة باسم الله والراجح الأول وجميع الأحاديث الواردة في تكفير اليمين متوجهة إلى المعقودة ولا يدل شيء منها على الغموس بل ما ورد في الغموس إلا الوعيد والترهيب وإنها من الكبائر بل من أكبر الكبائر وفيها نزل قوله تعالى ) إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ( الآية قوله ) فكفارته ( الكفارة هي مأخوذة من التكفير وهو التستير وكذلك الكفر هو الستر والكافر هو الساتر لأنها تستر الذنب وتغطيه والضمير في كفارته راجع إلى ما في قوله ) بما عقدتم ( ) إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم ( المراد بالوسط هنا المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه وظاهره أنه يجزئ إطعام عشرة حتى يشبعوا وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال لا يجزئ إطعام العشرة غداء دون عشاء حتى يغديهم ويعشيهم قال أبو عمر هو قول أئمة الفتوى بالأمصار وقال الحسن البصري وابن سيرين يكفيه أن يطعم عشرة مساكين أكلة واحدة خبزا وسمنا أو خبزا ولحما وقال عمر بن الخطاب وعائشة ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وميمون بن مهران وأبو مالك والضحاك والحكم ومكحول وأبو قلابة ومقاتل يدفع إلى كل واحد من العشرة نصف صاع من بر أو تمر وروي ذلك عن علي وقال أبو حنيفة نصف صاع بر وصاع مما عداه وقد أخرج ابن ماجه وابن مردويه عن ابن عباس قال كفر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بصاع من تمر وكفر الناس به ومن لم يجد فنصف صاع من بر وفى إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى الثقفي وهو مجمع على ضعفه وقال الدارقطني متروك قوله ) أو كسوتهم (


"""""" صفحة رقم 72 """"""
عطف على إطعام قرئ بضم الكاف وكسرها وهما لغتان مثل أسوة وإسوة وقرأ سعيد بن جبير ومحمد بن السميفع اليماني ? أو كأسوتهم ? يعني كأسوة أهليكم والكسوة في الرجال تصدق على ما يكسو البدن ولو كان ثوبا واحدا وهكذا في كسوة النساء وقيل الكسوة للنساء درع وخمار وقيل المراد بالكسوة ما تجزئ به الصلاة قوله ) أو تحرير رقبة ( أي إعتاق مملوك والتحرير الإخراج من الرق ويستعمل التحرير في فك الأسير وإعفاء المجهود بعمل عن عمله وترك إنزال الضرر به ومنه قول الفرزدق أبنى غدانة أنني حررتكم
فوهبتكم لعطية بن جعال
أي حررتكم من الهجاء الذى كان سيضع منكم ويضر بإحسابكم
ولأهل العلم أبحاث في الرقبة التي تجريء في الكفارة وظاهر هذه الآية أنها تجزئ كل رقبة على أي صفة كانت وذهب جماعة منهم الشافعي إلى اشتراط الإيمان فيها قياسا على كفارة القتل ) فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ( أي فمن لم يجد شيئا من الأمور المذكورة فكفارته صيام ثلاثة أيام وقرئ متتابعات حكى ذلك عن ابن مسعود وأبى فتكون هذه القراءة مقيدة لمطلق الصوم وبه قال أبو حنيفة والثوري وهو أحد قول الشافعي وقال مالك والشافعي في قوله الآخر يجزئ التفريق ) ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ( أي ذلك المذكور كفارة أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم ثم أمرهم بحفظ الأيمان وعدم المسارعة إليها أو إلى الحنث بها والإشارة بقوله ) كذلك ( إلى مصدر الفعل المذكور بعده أي مثل ذلك البيان ) يبين الله لكم ( وقد تكرر هذا في مواضع من الكتاب العزيز ) لعلكم تشكرون ( ما أنعم به عليكم من بيان شرائعه وإيضاح أحكامه
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما نزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ( في القوم الذين كانوا حرموا على أنفسهم النساء واللحم قالوا يا رسول الله كيف نصنع بأيماننا التى حلفنا عليها فأنزل الله ) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ( وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير في اللغو قال هو الرجل يحلف على الحلال وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال هما الرجلان يتبايعان يقول أحدهما والله لا أبيعك بكذا ويقول الآخر والله لا أشتريه بكذا وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن النخعي قال اللغو أن يصل كلامه بالحلف والله لتأكلن والله لتشربن ونحو هذا لا يريد به يمينا ولا يتعمد حلفا فهو لغو اليمين ليس عليه كفارة وقد تقدم الكلام في البقرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد ) ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ( قال بما تعمدتم وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقيم كفارة اليمين مدا من حنطة وفى إسناده النضر بن زرارة بن عبد الكريم الذهلي الكوفي قال أبو حاتم مجهول وذكره ابن حبان في الثقات وقد تقدم حديث ابن عباس وتضعيفه وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت أبي بكر قالت كنا نعطى في كفارة اليمين بالمد الذى نقتات به وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال إني أحلف لا أعطى أقواما ثم يبدو لي فأعطيهم فأطعم عشرة مساكين كل مسكين صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو نصف صاع من قمح وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس مثله وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق قال في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين


"""""" صفحة رقم 73 """"""
وأخرج هؤلاء إلا ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت مثله وأخرج هؤلاء أيضا عن ابن عمر مثله وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة مثله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال تغديهم وتعشيهم إن شئت خبزا ولحما أو خبزا وزيتا أو خبزا وسمنا أو خبزا وتمرا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) من أوسط ما تطعمون أهليكم ( قال من عسركم ويسركم وأخرج ابن ماجه عنه قال الرجل يقوت أهله قوتا فيه سعة وكان الرجل يقوت أهله قوتا فيه شدة فنزلت ) من أوسط ما تطعمون أهليكم ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه نحو ذلك وأخرج الطبراني وابن مردويه عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) أو كسوتهم ( قال عباءة لكل مسكين قال ابن كثير حديث غريب وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال قلت يا رسول الله ) أو كسوتهم ( ما هو قال عباءة عباءة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال عباءة لكل مسكين أو شملة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال الكسوة ثوب أو إزار وأخرج ابن جرير والبيهقي فى سننه عن ابن عباس قال في كفارة اليمين هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة الأول فالأول فإن لم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات
وأخرج ابن مردويه عنه نحوه
سورة المائدة الآية ( 90 93 )
المائدة : ( 90 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( خطاب لجميع المؤمنين وقد تقدم تفسير الميسر في سورة البقرة ) والأنصاب ( هي الأصنام المنصوبة للعبادة ) والأزلام ( قد تقدم تفسيرها في أول هذه السورة والرجس يطلق على العذرة والأقذار وهو خبر للخمر وخبر المعطوف عليه محذوف وقوله ) من عمل الشيطان ( صفة لرجس أي كائن من عمل الشيطان بسبب تحسينه لذلك وتزيينه له وقيل هو الذى كان عمل هذه الأمور بنفسه فاقتدى به بنو آدم والضمير في ) فاجتنبوه ( راجع إلى الرجس أو إلى المذكور وقوله ) لعلكم تفلحون ( علة لما قبله قال في الكشاف أكد تحريم الخمر والميسر وجوها من التأكيد منها تصدير الجملة بإنما ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) شارب الخمر كعابد الوثن ومنها أنه جعلهما رجسا كما قال ) فاجتنبوا الرجس من الأوثان ( ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت ومنها أنه أمر بالاجتناب ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح وإذا كان الاجتناب فلاحا كان الارتكاب خيبة ومحقة


"""""" صفحة رقم 74 """"""
ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال وهو وقوع التعادى والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله وعن مراعاة أوقات الصلوات انتهى
وفى هذه الآية دليل على تحريم الخمر لما تضمنه الأمر بالاجتناب من الوجوب وتحريم الصد ولما تقرر في الشريعة من تحريم قربان الرجس فضلا عن جعله شرابا يشرب قال أهل العلم من المفسرين وغيرهم كان تحريم الخمر بتدريج ونوازل كثيرة لأنهم كانوا قد ألفوا شربها وحببها الشيطان إلى قلوبهم فأول ما نزل في أمرها ) يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ( فترك عند ذلك بعض من المسلمين شربها ولم يتركه آخرون ثم نزل قوله تعالى ) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( فتركها البعض أيضا وقالوا لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة وشربها البعض في غير أوقات الصلاة حتى نزلت هذه الآية ) إنما الخمر والميسر ( فصارت حراما عليهم حتى كان يقول بعضهم ما حرم الله شيئا أشد من الخمر وذلك لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه الآية من الزواجر وفيما جاءت به الأحاديث الصحيحة من الوعيد لشاربها وأنها من كبائر الذنوب
وقد أجمع على ذلك المسلمون إجماعا لا شك فيه ولا شبهة وأجمعوا أيضا على تحريم بيعها والانتفاع بها ما دامت خمرا وكما دلت هذه الآية على تحريم الخمر دلت أيضا على تحريم الميسر والأنصاب والأزلام
المائدة : ( 91 ) إنما يريد الشيطان . . . . .
وقد أشارت هذه الآية إلى ما في الخمر والميسر من المفاسد الدنيوية بقوله ) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء ( ومن المفاسد الدينيه بقوله ) ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ( قوله ) فهل أنتم منتهون ( فيه زجر بليغ يفيده الاستفهام الدال على التقريع والتوبيخ ولهذا قال عمر رضي الله عنه لما سمع هذا انتهينا
المائدة : ( 92 ) وأطيعوا الله وأطيعوا . . . . .
ثم أكد الله سبحانه هذا التحريم بقوله ) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا ( أي مخالفتهما أي مخالفة الله ورسوله فإن هذا وإن كان أمرا مطلقا فالمجيء به في هذا الموضع يفيد ما ذكرناه من التأكيد وهكذا ما أفاده بقوله ) فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ( أي إن أعرضتم عن الامتثال فقد فعل الرسول ما هو الواجب عليه من البلاغ الذى فيه رشادكم وصلاحكم ولم تضروا بالمخالفة إلا أنفسكم وفى هذا من الزجر ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه
المائدة : ( 93 ) ليس على الذين . . . . .
قوله ) ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( أي من المطاعم التى يشتهونها والطعم وإن كان استعماله في الأكل أكثر لكنه يجوز استعماله في الشرب ومنه قوله تعالى ) ومن لم يطعمه فإنه مني ( أباح الله سبحانه لهم في هذه الآية جميع ما طعموا كائنا ما كان مقيدا بقوله ) إذا ما اتقوا ( أي اتقوا ما هو محرم عليهم كالخمر وغيره من الكبائر وجميع المعاصي ) وآمنوا ( بالله ) وعملوا الصالحات ( من الأعمال التى شرعها الله لهم أي استمروا على عملها قوله ) ثم اتقوا ( عطف على اتقوا الأول أي اتقوا ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه كان مباحا فيما سبق ) وآمنوا ( بتحريمه ) ثم اتقوا ( ما حرم عليهم بعد التحريم المذكور قبله مما كان مباحا من قبل ) وأحسنوا ( أي عملوا الأعمال الحسنة هذا معنى الآية وقيل التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة وقيل إن التكرير باعتبار المراتب الثلاثة المبدأ والوسط والمنتهى وقيل إن التكرار باعتبار ما يتقيه الإنسان فإنه ينبغى له أن يترك المحرمات توقيا من العذاب والشبهات توقيا من الوقوع في الحرام وبعض المباحات حفظا للنفس عن الخسة وقيل إنه لمجرد التأكيد كما في قوله تعالى ) كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون ( هذه الوجوه كلها مع قطع النظر عن سبب نزول الآية إما مع النظر إلى سبب نزولها وهو أنه لما نزل تحريم الخمر قال قوم من الصحابة كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر فنزلت فقد قيل إن المعنى


"""""" صفحة رقم 75 """"""
) اتقوا ( الشرك ) وآمنوا ( بالله ورسوله ) ثم اتقوا ( الكبائر ) وآمنوا ( أي ازدادوا إيمانا ) ثم اتقوا ( الصغائر ) وأحسنوا ( أي تنفلوا قال ابن جرير الطبري الاتقاء الأول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالإحسان والتقرب بالنوافل
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء ) يسألونك عن الخمر والميسر ( الآية فقيل حرمت الخمر فقيل يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية ) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ثم نزلت ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر ( الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حرمت الخمر وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال حرمت الخمر ثلاث مرات وذكر نحو حديث ابن عمر فقال الناس يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فراشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله ) ليس على الذين آمنوا ( الآية وقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال في نزل تحريم الخمر صنع رجل من الأنصار طعاما فدعا ناسا فأتوه فأكلوا وشربوا حتى انتشوا من الخمر وذلك قبل تحرم الخمر فتفاخروا فقالت الأنصار الأنصار خير من المهاجرين وقالت قريش قريش خير فأهوى رجل بلحي جمل فضرب على أنفي فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكرت ذلك له فنزلت هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ( الآية وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال أنزل تحريم الخمر في قبيلتين من الأنصار شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض فلما أن صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته فيقول صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن والله لو كان بي رءوفا رحيما ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ( إلى قوله ) فهل أنتم منتهون ( فقال ناس من المتكلفين هي رجس وهي في بطن فلان قتل يوم بدر وفلان قتل يوم أحد فأنزل الله هذه الآية ) ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ( الآية وقد رويت في سبب النزول روايات كثيرة موافقة لما قد ذكرناه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال الميسر هو القمار كله وأخرج ابن مردويه عن وهب بن كيسان قال قلت لجابر متى حرمت الخمر قال بعد أحد وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال نزل تحريم الخمر في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن عباس قال كل القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال النرد والشطرنج من الميسر وأخرج عبد بن حميد عن علي قال الشطرنج ميسر الأعاجم وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن محمد أنه سئل عن النرد أهي من الميسر قال كل من ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من ميسر وأخرج عبد ابن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي والبيهقي في الشعب عنه أيضا أنه قيل له هذه النرد تكرهونها فما بال الشطرنج قال كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر وأخرجوا أيضا عن ابن الزبير قال يا أهل مكة بلغني عن رجال يلعبون بلعبة يقال لها النردشير والله يقول في كتابه ) يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر (


"""""" صفحة رقم 76 """"""
إلى قوله ) فهل أنتم منتهون ( وإني أحلف بالله لا أوتى بأحد يلعب بها إلا عاقبته في شعره وبشره وأعطيت سلبه من أتاني به وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولى مال يتيم فأحرقها وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن عمير قال سئل ابن عمر عن الشطرنج فقال هي شر من النرد
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الملك بن عبيد قال رأى رجل من أهل الشام أنه يغفر لكل مؤمن في كل يوم اثنتى عشرة مرة إلا أصحاب الشاة يعني أصحاب الشطرنج وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي جعفر أنه سئل عن الشطرنج فقال تلك المجوسية فلا تلعبوا بها وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من لعب بالنردشير فقد عصى الله ورسوله وأخرج أحمد عن عبد الرحيم الخطمي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلى مثل الذى يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن عبد الله بن عمر قال اللاعب بالنرد قمارا كآكل لحم الخنزير واللاعب بها من غير قمار كالمدهن بودك الخنزير وأخرج ابن أبي الدنيا عن يحيى بن كثير قال مر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوم يلعبون بالنرد فقال قلوب لاهية وأيدى عليلة وألسنة لاغية وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن قتادة قال الميسر القمار وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا كل شيء فيه قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عن ابن سيرين قال القمار من الميسر وأخرج بن أبي الدنيا وأبو الشيخ عنه قال ما كان من لعب فيه قمار أو قيام أو صياح أو شر فهو من الميسر وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن شريح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ثلاث من الميسر الصفير بالحمام والقمار والضرب بالكعاب
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الأنصاب حجارة كانوا يذبحون لها والأزلام قداح كانوا يستقسمون بها الأمور وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال كانت لهم حصيات إذا أراد أحدهم أن يغزو أو يجلس استقسم بها وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الأزلام قال هي كعاب فارس التى يقتمرون بها وسهام العرب
وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم الخمر وشاربها والوعيد الشديد عليه وأن كل مسكر حرام وهي مدونة في كتب الحديث فلا نطول المقام بذكرها فلسنا بصدد ذلك بل نحن بصدد ما هو متعلق بالتفسير
سورة المائدة الآية ( 94 95 )


"""""" صفحة رقم 77 """"""
سورة المائدة الآية ( 96 99 )
المائدة : ( 94 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) ليبلونكم ( أي ليختبرنكم واللام جواب قسم محذوف كان الصيد أحد معايش العرب فابتلاهم الله بتحريمه مع الإحرام وفى الحرم كما ابتلى بني إسرائيل أن لا يعتدوا في السبت وكان نزول الآية في عام الحديبية أحرم بعضهم وبعضهم لم يحرم فكان إذا عرض صيد اختلفت فيه أحوالهم
وقد اختلف العلماء في المخاطبين بهذه الآية هل هم المحلون أو المحرمون فذهب إلى الأول مالك وإلى الثاني ابن عباس والراجح أن الخطاب للجميع ولا وجه لقصره على البعض دون البعض ومن في ) من الصيد ( للتبعيض وهو صيد البر قاله ابن جرير الطبري وغيره وقيل إن من بيانية أي شيء حقير من الصيد وتنكير شيء للتحقير قوله ) تناله أيديكم ورماحكم ( قرأ ابن وثاب ) يناله ( بالياء التحتية هذه الجملة تقتضى تعميم الصيد وأنه لا فرق بين ما يؤخذ باليد وهو ما لا يطيق الفرار كالصغار والبيض وبين ما تناله الرماح وهو ما يطيق الفرار وخص الأيدى بالذكر لأنها أكثر ما يتصرف به الصائد في أخذ الصيد وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم الآلات للصيد عند العرب قوله ) ليعلم الله من يخافه بالغيب ( أي ليتميز عند الله من يخافه منكم بسبب عقابه الأخروى فإنه غائب عنكم غير حاضر ) فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( أي بعد هذا البيان الذى امتحنكم الله به لأن الاعتداء بعد العلم بالتحريم معاندة لله سبحانه وتجرئة عليه
المائدة : ( 95 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( نهاهم عن قتل الصيد في حال الإحرام وفى معناه غير ) محلي الصيد وأنتم حرم ( وهذا النهي شامل لكل أحد من ذكور المسلمين وإناثهم لأنه يقال رجل حرام وامرأة حرام والجمع حرم وأحرم الرجل دخل في الحرم قوله ) ومن قتله منكم متعمدا ( المتعمد هو القاصد للشيء مع العلم بالإحرام والمخطيء هو الذى يقصد شيئا فيصيب صيدا والناسي هو الذى يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه وقد استدل ابن عباس وأحمد في رواية وداود عنه باقتصاره سبحانه على العامد بأنه لا كفارة على غيره بل لا تجب إلا عليه وحده وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو ثور وقيل إنها تلزم الكفارة المخطئ والناسى كما تلزم المتعمد وجعلوا قيد التعمد خارجا مخرج الغالب روى عن عمر والحسن والنخعي والزهري وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وروي عن ابن عباس وقيل إنه يجب التكفير على العامد الناسى لإحرامه وبه قال مجاهد قال فإن كان ذاكرا لإحرامه فقد حل ولا حج له لارتكابه محظور إحرامه فبطل عليه كما لو تكلم في الصلاة أو أحدث فيها قوله ) فجزاء مثل ما قتل من النعم ( أي فعليه جزاء مماثل لما قتله ومن النعم بيان للجزاء المماثل قيل المراد المماثلة في القيمة وقيل في الخلقة وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة وذهب إلى الثاني مالك والشافعي وأحمد والجمهور وهو الحق لأن البيان للماثل بالنعم يفيد ذلك وكذلك يفيده هديا بالغ الكعبة وروي عن أبي حنيفة أنه يجوز إخراج القيمة ولو وجد المثل وأن المحرم مخير وقرئ ) فجزاء مثل ما قتل ( وقرئ ) فجزاء مثل ( على إضافة جزاء إلى مثل


"""""" صفحة رقم 78 """"""
وقرئ ينصبهما على تقدير فليخرج جزاء مثل ما قتل وقرأ الحسن ) النعم ( بسكون العين تخفيفا ) يحكم به ( أي بالجزاء أو بمثل ما قتل ) ذوا عدل منكم ( أي رجلان معروفان بالعدالة بين المسلمين فإذا حكما بشئ لزم وإن اختلفا رجع إلى غيرهما ولا يجوز أن يكون الجاني أحد الحكمين وقيل يجوز وبالأول قال أبو حنيفة وبالثاني قال الشافعي في أحد قوليه وظاهر الآية تقتضى حكمين غير الجاني قوله ) هديا بالغ الكعبة ( نصب هديا على الحال أو البدل من مثل و ) بالغ الكعبة ( صفة لهديا لأن الإضافة غير حقيقية والمعنى أنهما إذا حكما بالجزاء فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من الإرسال إلى مكة والنحر هنالك والإشعار والتقليد ولم يرد الكعبة بعينها فإن الهدى لا يبلغها وإنما أراد الحرم ولا خلاف في هذا قوله ) أو كفارة ( معطوف على محل من النعم وهو الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف و ) طعام مساكين ( عطف بيان لكفارة أو بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف ) أو عدل ذلك ( معطوف على طعام وقيل هو معطوف على جزاء وفيه ضعف فالجاني مخير بين هذه الأنواع المذكورة وعدل الشيء ما عادله من غير جنسه و ) صياما ( منصوب على التمييز وقد قرر العلماء عدل كل صيد من الإطعام والصيام وقد ذهب إلى أن الجاني يخير بين الأنواع المذكورة جمهور العلماء وروي عن ابن عباس أنه لا يجزئ المحرم الإطعام والصوم إلا إذا لم يجد الهدى والعدل بفتح العين وكسرها لغتان وهم الميل قاله الكسائي وقال الفراء عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه وبفتح العين مثله من غير جنسه وبمثل قول الكسائي قال البصريون قوله ) ليذوق وبال أمره ( عليه لإيجاب الجزاء أي أوجبنا ذلك عليه ليذوق وبال أمره والذوق مستعار لإدراك المشقة ومثله ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( والوبال سوء العاقبة والمرعى الوبيل الذى يتأذى به بعد أكله وطعام وبيل إذا كان ثقيلا قوله ) عفا الله عما سلف ( يعنى في جاهليتكم من قتلكم للصيد وقيل عما سلف قبل نزول الكفارة ) ومن عاد ( إلى ما نهيتم عنه من قتل الصيد بعد هذا البيان ) فينتقم الله منه ( خبر مبتدأ محذوف أي فهو ينتقم الله منه قيل المعنى إن الله ينتقم منه في الآخرة فيعذبه بذنبه وقيل ينتقم منه بالكفارة قال شريح وسعيد بن جبير يحكم عليه في أول مرة فإذا عاد لم يحكم عليه بل يقال له اذهب ينتقم الله منك أي ذنبك أعظم من أن يكفر
المائدة : ( 96 ) أحل لكم صيد . . . . .
قوله ) أحل لكم صيد البحر ( الخطاب لكل مسلم أو للمحرمين خاصة وصيد البحر ما يصاد فيه والمراد بالبحر هنا كل ماء يوجد فيه صيد بحري وإن كان نهرا أو غديرا قوله ) وطعامه متاعا لكم وللسيارة ( الطعام لكل ما يطعم وقد تقدم وقد اختلف في المراد به هنا فقيل هو ما قذف به البحر وطفا عليه وبه قال كثير من الصحابة والتابعين وقيل طعامه ما ملح منه وبقى وبه قال جماعة وروي عن ابن عباس وقيل طعامه ملحه الذى ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات وغيره وبه قال قوم وقيل المراد به ما يطعم من الصيد أي ما يحل أكله وهو السمك فقط وبه قالت الحنفية والمعنى أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر وأحل لكم المأكول منه وهو السمك فيكون التخصيص بعد التعميم وهو تكلف لا وجه له ونصب ) متاعا ( على أنه مصدر أي متعمم به متاعا وقيل مفعول له مختص بالطعام أي أخل لكم طعام البحر متاعا وهو تكلف جاء به من قال بالقول الأخير بل إذا كان مفعولا له كان من الجميع أي أحل لكم مصيد البحر وطعامه تمتيعا لكم أي لمن كان مقيما منكم يأكله طريا ) وللسيارة ( أي المسافرين منكم يتزودونه ويجعلونه قديرا وقيل السيارة هم الذين يركبونه خاصة قوله ) وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ( أي حرم عليكم ما يصاد في البر ما دمتم محرمين وظاهرة تحريم صيده على المحرم ولو كان الصائد حلالا وإليه ذهب الجمهور إن كان حلالا صاده للمحرم لا إذا لم يصده لأجله وهو القول الراجح


"""""" صفحة رقم 79 """"""
وبه يجمع بين الأحاديث وقيل إنه يحل له مطلقا وإليه ذهب جماعة وقيل يحرم عليه مطلقا وإليه ذهب آخرون وقد بسطنا هذا في شرحنا للمنتقي قوله ) واتقوا الله الذي إليه تحشرون ( أي اتقوا الله فيما نهاكم عنه الذى إليه تحشرون لا إلى غيره وفيه تشديد ومبالغة في التحذير وقرىء ) وحرم عليكم صيد البر ( بالبناء للفاعل وقرىء ) ما دمتم ( بكسر الدال
المائدة : ( 97 ) جعل الله الكعبة . . . . .
قوله ) جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ( جعل هنا بمعنى خلق وسميت الكعبة كعبة لأنها مربعة والتكعيب التربيع وأكثر بيوت العرب مدورة لا مربعة وقيل سميت كعبة لنتوئها وبروزها وكل بارز كعب مستديرا كان أو غير مستدير ومنه كعب القدم وكعوب القنا وكعب ثدي المرأة و ) البيت الحرام ( عطف بيان وقيل مفعول ثان ولا وجه له وسمي بيتا لأن له سقوفا وجدرا وهي حقيقة البيت وإن لم يكن به ساكن وسمي حراما لتحريم الله سبحانه إياه وقوله ) قياما للناس ( كذا قرأ الجمهور وقرأ ابن عامر ) قيما ( وهو منصوب على أنه المفعول الثاني إن كان جعل هو المتعدي إلى مفعولين وإن كان بمعنى خلق كما تقدم فهو منتصب على الحال ومعنى كونه قياما أنه مدار لمعاشهم ودينهم أي يقومون فيه بما يصلح دينهم ودنياهم يأمن فيه خائفهم وينصر فيه ضعيفهم ويربح فيه تجارهم ويتعبد فيه متعبدهم قوله ) والشهر الحرام ( عطف على الكعبة وهو ذو الحجة وخصه من بين الأشهر الحرم لكونه زمان تأدية الحج وقيل هو اسم جنس والمراد به الأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب فإنهم كانوا لا يطلبون فيها دما ولا يقاتلون بها عدوا ولا يهتكون فيها حرمة فكانت من هذه الحيثية قياما للناس ) والهدي والقلائد ( أي وجعل الله الهدى والقلائد قياما للناس والمراد بالقلائد ذوات القلائد من الهدى ولا مانع من أن يراد بالقلائد أنفسها والإشارة بذلك إلى الجعل أي ذلك الجعل ) لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ( أي لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل أمر السموات والأرض ويعلم مصالحكم الدينية والدنيوية فإنها من جملة ما فيهما فكل ما شرعه لكم فهو جلب لمصالحكم ودفع لما يضركم ) وأن الله بكل شيء عليم ( هذا تعميم بعد التخصيص
المائدة : ( 98 ) اعلموا أن الله . . . . .
ثم أمرهم بأن يعلموا بأن الله لمن انتهك محارمه ولم يتب عن ذلك شديد العقاب وأنه لمن تاب وأناب غفور رحيم
المائدة : ( 99 ) ما على الرسول . . . . .
ثم أخبرهم أن ما على رسوله إلا البلاغ لهم فإن لم يمتثلوا ويطيعوا فما ضروا إلا أنفسهم وما جنوا إلا عليها وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد فعل ما يجب عليه وقام بما أمره الله به
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) ومن قتله منكم متعمدا ( قال إن قتله متعمدا أو ناسيا أو خطأ حكم عليه فإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة إلا أن يعفو الله عنه وفى قوله ) فجزاء مثل ما قتل من النعم ( قال إذا قتل المحرم شيئا من الصيد حكم عليه فيه فإن قتل ظبيا أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فإن قتل أيلا ونحوه فعليه بقرة فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينا فإن لم يجد صام عشرين يوما وإن قتل نعامه أو حمار وحش أو نحوه فعليه بدنة فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا فإن لم يجد صام ثلاثين يوما والطعام مد مد يشبعهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن الحكم أن عمر كتب أن يحكم عليه في الخطأ والعمد وأخرجا نحوه عن عطاء
وقد روى نحو هذا عن جماعات من السلف من غير فرق بين العامد والخاطيء والناسي وروي عن آخرين اختصاص ذلك بالعامد
وللسلف فى تقدير الجزاء المماثل وتقدير القيمة أقوال مبسوطة في مواطنها وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال في بيضة النعام
صيام يوم أو إطعام مسكين وأخرج ابن أبي شيبة عن


"""""" صفحة رقم 80 """"""
عبد الله بن ذكوان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مثله وأخرج أيضا عن عائشة عنه ( صلى الله عليه وسلم ) نحوه وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه من طريق أبي المهزم عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال في بيض النعام ثمنه وقد استثنى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من حيوانات الحرم الخمس الفواسق كما ورد ذلك في الأحاديث فإنه يجوز للمجرم أن يقتلها ولا شيء عليه وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله تعالى ) أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ( ما لفظه ميتا فهو طعامه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة موقوفا مثله وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر الصديق نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة أن أبا بكر الصديق قال في قوله ) أحل لكم صيد البحر وطعامه ( قال صيد البحر ما تصطاده أيدينا وطعامه مالاثه البحر وفى لفظ طعامه كل ما فيه وفى لفظ طعامه ميتته ويؤيد هذا ما في الصحيحين من حديث العنبرة التى ألقاها البحر فأكل الصحابة منها وقررهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ذلك وحديث هو الطهور ماؤه والحل ميتته
وحديث أحل لكم ميتتان ودمان وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ( قال قياما لدينهم ومعالم حجهم وأخرج ابن جرير عنه قال قيامها أن يأمن من توجه إليها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال جعل الله الكعبة البيت الحرام والشهر الحرام قياما للناس يأمنون به في الجاهلية الأولى لا يخاف بعضهم من بعض حين يلقونهم عند البيت أو في الحرم أو في الشهر الحرام وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ( قال حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية فكان الرجل لو جر كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يقرب وكان الرجل لو لقى قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل لو لقى الهدى مقلدا وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر فحمته ومنعته من الناس وكان إذا نفر تقلد قلادة من الاذخر أو من السمر فتمنعه من الناس حتى يأتى أهله حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم ) قياما للناس ( قال أمنا
سورة المائدة الآية ( 100 104 )


"""""" صفحة رقم 81 """"""
المائدة : ( 100 ) قل لا يستوي . . . . .
قيل المراد بالخبيث والطيب الحرام والحلال وقيل المؤمن والكافر وقيل العاصي والمطيع وقيل الرديء والجيد والأولى أن الاعتبار بعموم اللفظ فيشمل هذه المذكورات وغيرها مما يتصف بوصف الخبث والطيب من الأشخاص والأعمال والأقوال فالخبيث لا يساوي الطيب بحال من الأحوال قوله ) ولو أعجبك كثرة الخبيث ( قيل الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل لكل مخاطب يصلح لخطابه بهذا والمراد نفي الاستواء في كل الأحوال ولو في حال كون الخبيث معجبا للرائي للكثرة التي فيه فإن هذه الكثرة مع الخبيث في حكم العدم لأن خبث الشيء يبطل فائدته ويمحق بركته ويذهب بمنفعته والواو إما للحال أو للعطف على مقدر أي لا يستوي الخبيث والطيب لو لم تعجبك كثرة الخبيث ولو أعجبك كثرة الخبيث كقولك أحسن إلى فلان وإن أساء إليك أي أحسن إليه إن لم يسئ إليك وإن أساء إليك وجواب لو محذوف أي ولو أعجبك كثرة الخبيث فلا يستويان
المائدة : ( 101 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ( أي لا تسألوا عن أشياء لا حاجة لكم بالسؤال عنها ولا هي مما يعنيكم في أمر دينكم فقوله ) إن تبد لكم تسؤكم ( في محل جد صفة لأشياء أي لا تسألوا عن أشياء متصفة بهذه الصفة من كونها إذا بدت لكم أي ظهرت وكلفتم بها ساءتكم نهاهم الله عن كثرة مساءلتهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن السؤال عما لا يعنى ولا تدعو إليه حاجة قد يكون سببا لإيجابه على السائل وعلى غيره قوله ) وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ( هذه الجملة من جملة صفة أشياء
والمعنى لا تسألوا عن أشياء إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن وذلك مع وجود رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أظهركم ونزول الوحي عليه ) تبد لكم ( أي تظهر لكم بما يجيب عليكم به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو ينزل به الوحي فيكون ذلك سببا للتكاليف الشاقة وإيجاب ما لم يكن واجبا وتحريم ما لم يكن محرما بخلاف السؤال عنها بعد انقطاع الوحي بموت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه لا إيجاب ولا تحريم يتسبب عن السؤال
وقد ظن بعض أهل التفسير أن الشرطية الثانية فيها إباحة السؤال مع وجود رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونزول الوحي عليه فقال إن الشرطية الأولى أفادت عدم جواز السؤال والثانية أفادت جوازه فقال إن المعنى وإن تسألوا عن غيرها مما مست إليه الحاجة تبد لكم بجواب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عنها وجعل الضمير في ) عنها ( راجعا إلى أشياء غير الأشياء المذكورة وجعل ذلك كقوله ) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ( وهو آدم ثم قال ) ثم جعلناه نطفة ( أي ابن آدم قوله ) عفا الله عنها ( أي عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى ذلك وقيل المعنى إن تلك الأشياء التى سألتم عنها هى مما عفا عنه ولم يوجبه عليكم فكيف تتسببون بالسؤال لإيجاب ما هو عفو من الله غير لازم وضمير ) عنها ( عائد إلى المسألة الأولى وإلى أشياء على الثاني على أن تكون جملة ) عفا الله عنها ( صفة ثالثة لأشياء والأول أولى لأن الثاني يستلزم أن يكون ذلك المسئول عنه قد شرعه الله ثم عفا عنه ويمكن أن يقال إن العفو بمعنى الترك أي تركها الله ولم يذكرها بشيء فلا تبحثوا عنها وهذا معنى صحيح لا يستلزم ذلك اللازم الباطل ثم جاء سبحانه بصيغة المبالغة في كونه غفورا حليما ليدل بذلك على أنه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة لكثرة مغفرته وسعة حلمه
المائدة : ( 102 ) قد سألها قوم . . . . .
قوله ) قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين (


"""""" صفحة رقم 82 """"""
الضمير يرجع إلى المسألة المفهومة من ) لا تسألوا ( لكن ليست هذه المسألة بعينها بل مثلها في كونها مما لا حاجة إليه ولا توجبه الضرورة الدينية ثم لم يعملوا بها بل أصبحوا بها كافرين أي ساترين لها تاركين للعمل بها وذلك كسؤال قوم صالح الناقة وأصحاب عيسى المائدة ولا بد من تقييد النهي في هذه الآية بما لا تدعو إليه حاجة كما قدمنا لأن الأمر الذى تدعو الحاجة إليه في أمور الدين والدنيا قد أذن الله بالسؤال عنه فقال ) فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( وقال ( صلى الله عليه وسلم ) قاتلهم الله ألا سألوا فإنما شفاء العي السؤال
المائدة : ( 103 ) ما جعل الله . . . . .
قوله ) ما جعل الله من بحيرة ( هذا كلام مبتدأ يتضمن الرد على أهل الجاهلية فيما ابتدعوه وجعل ههنا بمعنى سمى كما قال ) إنا جعلناه قرآنا عربيا ( والبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة كالنطيحة والذبيحة وهي مأخوذة من البحر وهو شق الأذن قال ابن سيده البحيرة هى التى خليت بلا راع قيل هي التى تجعل درها للطواغيت فلا يحتلبها أحد من الناس وجعل شق أذنها علامة لذلك وقال الشافعي كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن إناثا بحرت أذنها فحرمت وقيل إن الناقة إذا نتجت خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا بحروا أذنه فأكله الرجال والنساء وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها وكانت حراما على النساء لحمها ولبنها وقيل إذا نتجت الناقة خمسة أبطن من غير تقييد بالإناث شقوا أذنها وحرموا ركوبها ودرها والسائبة الناقة تسبب أو البعير يسيب نذر على الرجل إن سلمه الله من مرض أو بلغه منزلة فلا يحبس عن رعى ولا ماء ولا يركبه أحد قال أبو عبيد قال الشاعر وسائبة لله تنمى تشكرا
إن الله عافا عامرا ومجاشعا
وقيل هي التى تسيب لله فلا قيد عليها ولا راعى لها ومنه قول الشاعر عقرتم ناقة كانت لربي
مسيبة فقوموا للعقاب
وقيل هى التى تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر فعند ذلك لا يركب ظهرها ولا يجز وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف وقيل كانوا يسيبون العبد فيذهب حيث يشاء لا يد عليه لأحد والوصيلة قيل هى الناقة إذا ولدت أنثى بعد أنثى وقيل هى الشاة كانت إذا ولدت أنثى فهي لهم وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم وقيل كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا فإن كان السابع ذكرا ذبح فأكل منه الرجال والنساء وإن كانت أنثى تركت في الغنم وإن كان ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبح لمكانها وكان لحمها حراما على النساء إلا أن يموت فيأكلها الرجال والنساء
والحام الفحل الحامي ظهره عن أن يركب وكانوا إذا ركب ولد الفحل قالوا حمى ظهره فلا يركب قال الشاعر حماها أبو قابوس في عز ملكه
كما قد حمى أولاد أولاده الفحل
وقيل هو الفحل إذا نتج من صلبه عشرة قالوا قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلأ ولا ماء ثم وصفهم الله سبحانه بأنهم ما قالوا ذلك إلا افتراء على الله وكذبا لا لشرع شرعه الله لهم ولا لعقل دلهم عليه وسبحان الله العظيم ما أرك عقول هؤلاء وأضعفها يفعلون هذه الأفاعيل التى هى محض الرقاعة ونفس الحمق
المائدة : ( 104 ) وإذا قيل لهم . . . . .
) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ( وهذه أفعال آبائهم وسننهم التى سنوها لهم وصدق الله سبحانه حيث يقول ) أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون ( أي ولو كانوا جهلة ضالين والواو للحال دخلت عليها همزة الاستفهام وقيل للعطف على جملة مقدرة أي أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم وقد تقدم الكلام على مثل هذه الآية في البقرة وقد صارت هذه المقالة التى قالتها الجاهلية نصب أعين


"""""" صفحة رقم 83 """"""
المقلدة وعصاهم التي يتوكئون عليها إن دعاهم داعي الحق وصرخ لهم صارخ الكتاب والسنة فاحتجاجهم بمن قلدوه ممن هو مثلهم في التعبد بشرع الله مع مخالفة قوله لكتاب الله أو لسنة رسوله هو كقول هؤلاء وليس الفرق إلا في مجرد العبارة اللفظية لا في المعنى الذى عليه تدور الإفادة والاستفادة اللهم غفرا
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال الخبيث هم المشركون والطيب هم المؤمنون وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال خطب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطبة ما سمعت مثلها قط فقال رجل من أبي فقال فلان فنزلت هذه الآية ) لا تسألوا عن أشياء ( وأخرج البخاري وغيره نحوه من حديث ابن عباس وقد بين هذا السائل في روايات أخر أنه عبد الله بن حذافة وأنه قال من أبي قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبوك حذافة وأخرج ابن حبان عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطب فقال يا أيها الناس إن الله قد افترض عليكم الحج فقام رجل فقال أكل عام يا رسول الله فسكت عنه فأعادها ثلاث مرات فقال لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما قمتم بها ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وذلك أن هذه الآية أعني ) لا تسألوا عن أشياء ( نزلت في ذلك وقد أخرج عنه نحو هذا ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة الباهلي نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبي مسعود نحوه أيضا وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس نحوه أيضا وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم وابن مردويه عن علي نحوه وكل هؤلاء صرحوا في أحاديثهم أن الآية نزلت في ذلك وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال كانوا يسألون عن الشيء وهو لهم حلال فما زالوا يسألون حتى يحرم عليهم وإذا حرم عليهم وقعوا فيه وأخرج ابن المنذر عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فيحرم من أجل مسألته وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض لكم فرائض فلا تضيعوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وترك أشياء في غير نسيان ولكن رحمة لكم فاقبلوها ولا تبحثوا عنها وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) لا تسألوا عن أشياء ( قال البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعيد بن المسيب قال البحيرة التى يمنع درها للطواغيت ولا يحلبها أحد من الناس والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحلمل عليها شيء والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر والحامي فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال البحيرة الناقة إذا نتجت خمسة أبطن نظروا إلى الخامس فإن كان ذكرا ونحوه فأكله الرجال دون النساء وإن كانت أنثى جدعوا آذانها فقالوا هذه بحيرة وأما السائبة فكانوا يسيبون من أنعامهم لآلهتهم لا يركبون لها ظهرا ولا يحلبون لها لبنا ولا يجزون لها وبرا ولا يحملون عليها شيئا وأما الوصيلة فالشاة إذا نتجت سبعة أبطن نظروا في السابع فإن كان ذكرا أو أنثى وهو ميت اشترك فيه الرجال دون النساء وإن كانت أنثى استحيوها وإن كان ذكرا أو أنثى في بطن استحيوهما وقالوا وصلته أخته فحرمته علينا وأما الحام فالفحل


"""""" صفحة رقم 84 """"""
من الأبل إذا ولد لولده قالوا حمى هذا ظهره فلا يحملون عليه شيئا ولا يجزون له وبرا ولا يمنعونه من حمى ولا من حوض يشرب منه وإن كان الحوض لغير صاحبه وأخرج نحوه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق العوفي
سورة المائدة الآية ( 105 )
المائدة : ( 105 ) يا أيها الذين . . . . .
أي الزموا أنفسكم أو احفظوها كما تقول عليك زيدا أي الزمه قرىء ) لا يضركم ( بالجزم على أنه جواب الأمر الذي يدل عليه اسم الفعل وقرأ نافع وغيره بالرفع على أنه مستأنف كقول الشاعر فقال رائدهم أرسوا نزاولها
أو علي أن ضم الراء للاتباع وقرئ ) لا يضركم ( بكسر الضاد وقرئ ? لا يضيركم ? والمعنى لا يضركم ضلال من ضل من الناس إذا اهتديتم للحق أنتم في أنفسكم وليس في الآية ما يدل على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن من تركه مع كونه من أعظم الفروض الدينية فليس بمهتد وقد قال الله سبحانه ) إذا اهتديتم ( وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث المتكاثرة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوبا مضيقا متحتما فتحمل هذه الآية على من لا يقدر على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو لا يظن التأثير بحال من الأحوال أو يخشى على نفسه أن يحل به ما يضره ضررا يسوغ له معه الترك ) إلى الله مرجعكم ( يوم القيامة ) فينبئكم بما كنتم تعملون ( في الدنيا فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والدارقطني والضياء في المختارة وغيرهم عن قيس بن أبي حازم قال قام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ( وإنكم تضعونها على غير مواضعها وإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أو شك أن يعمهم الله بعقاب وفى لفظ لابن جرير عنه والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله منه بعقاب وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجه وابن جرير والبغوي في معجمه وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي أمية الشعثاني قال أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له كيف تصنع في هذه الآية قال أية آية قلت قوله ) يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ( قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم وفى لفظ قيل يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم قال بل أجر خمسين منكم وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن عامر الأشعري أنه كان فيهم أعمى فاحتبس على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أتاه فقال ما حبسك قال يا رسول الله قرأت هذه الآية ) أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم (


"""""" صفحة رقم 85 """"""
قال فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أين ذهبتم إنما هي لا يضركم من الكفار إذا اهتديتم وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن الحسن أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله ) عليكم أنفسكم ( فقال يا أيها الناس إنا ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا أو قال فلا يقبل منكم فيحنئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد عنه في الآية قال مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما لم يكن من دون ذلك السوط والسيف فإذا كان كذلك فعليكم أنفسكم وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر أنه قال في هذه الآية إنها لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن رجل قال كنت في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة في حلقة فيهم أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا فيهم شيخ حسبت أنه قال أبي كعب فقرأ ) عليكم أنفسكم ( فقال إنما تأويلها فى آخر الزمان وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مازن قال انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة فإذا قوم جلوس فقرأ أحدهم ) عليكم أنفسكم ( فقال أكثرهم لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم وأخرج ابن جرير عن جبير بن نفير قال كنت في حلقة فيها أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإني لأصغر القوم فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقلت أليس الله يقول ) عليكم أنفسكم ( فأقبلوا علي بلسان واحد فقالوا تنزع آية من القرآن لا نعرفها ولا ندرى ما تأويلها حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت ثم أقبلوا يتحدثون فلما حضر قيامهم قالوا إنك غلام حدث السن وإنك نزعت آية لا ندري ما هي وعسى أن تدرك ذلك الزمان إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بنحو حديث أبي ثعلبة الخشني المتقدم وفى آخره كأجر خمسين رجلا منكم وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال ذكرت هذه الآية عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يجئ تأويلها لا يجيء تأويلها حتى يهبط عيسى ابن مريم عليه السلام والروايات في هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية ففيه ما يرشد إلى ما قدمناه من الجمع بين هذه الآية وبين الآيات والأحاديث الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


"""""" صفحة رقم 86 """"""
سورة المائدة الآية ( 106 108 )
هذه الآيات اصعب ما في القرآن إعرابا
قال مكي هذه الآيات الثلاث عند أهل المعاني من أشكل ما في القرآن إعرابا ومعنى وحكما قال ابن عطية هذا كلام من لم يقع له النتاج في تفسيرها وذلك بين من كتابه رحمه الله يعني من كتاب مكي قال القرطبي ما ذكره مكي ذكره أبو جعفر النحاس قبله أيضا قال السعد في حاشيته على الكشاف واتفقوا على أنها أصعب ما في القرآن إعرابا ونظما وحكما
المائدة : ( 106 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) شهادة بينكم ( أضاف الشهادة إلى البين توسعا لأنها جارية بينهم وقيل أصله شهادة ما بينكم فحذفت ما وأضيفت إلى الظرف كقوله تعالى ) بل مكر الليل والنهار ( ومنه قول الشاعر تصافح من لاقيت لي ذا عداوة
صفايا وعني بين عينيك منزوى
أراد ما بين عينيك ومثله قول الآخر ويوما شهدناه سليما وعامرا
أي شهدنا فيه ومنه قوله تعالى ) هذا فراق بيني وبينك ( قيل والشهادة هنا بمعنى الوصية وقيل بمعنى الحضور للوصية وقال ابن جرير الطبري هي هنا بمعنى اليمين فيكون المعنى يمين ما بينكم أن يحلف اثنان واستدل على ما قاله بأنه لا يعلم لله حكما يجب فيه على الشاهد يمين واختار هذا القول القفال وضعف ذلك ابن عطية واختار أن الشهادة هنا هي الشهادة التي تؤدى من الشهود قوله ) إذا حضر أحدكم الموت ( ظرف للشهادة والمراد إذا حضرت علاماته لأن من مات لا يمكنه الإشهاد وتقديم المفعول للاهتمام ولكمال تمكن الفاعل عند النفس وقوله ) حين الوصية ( ظرف لحضر أو للموت أو بدل من الظرف الأول وقوله ) اثنان ( خبر شهادة علي تقدير محذوف أي شهادة اثنين أو فاعل للشهادة على أن خبرها محذوف أي في فيما فرض عليكم شهادة بينكم اثنان على تقدير أن يشهد اثنان ذكر الوجهين أبو علي الفارسي قوله ) ذوا عدل منكم ( صفة للاثنان وكذا منكم أي كائنان منكم أي من أقاربكم ) أو آخران ( معطوف على ) اثنان ( و ) من غيركم ( صفة له أي كائنان من الأجانب وقيل إن الضمير في ) منكم ( للمسلمين وفى ) غيركم ( للكفار وهو الأنسب لسياق الآية وبه قال أبو موسى الأشعري وعبد الله ابن عباس وغيرهما فيكون في الآية دليل على جواز شهادة أهل الذمة على المسلمين في السفر في خصوص الوصايا كما يفيده النظم القرآني ويشهد له السبب للنزول وسيأتي فإذا لم يكن مع الموصى من يشهد على وصيته من المسلمين فليشهد رجلان من أهل الكفر فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا ولا بدلا وأن ما شهدا به حق فيحكم حينئذ بشهادتهما
المائدة : ( 107 ) فإن عثر على . . . . .
) فإن عثر ( بعد ذلك ) على أنهما ( كذبا أو خانا حلف رجلان من أولياء الموصي وغرم الشاهدان الكافران ما ظهر عليهما من خيانة أو نحوها هذا معنى الآية عند من تقدم ذكره وبه قال سعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر وسعيد بن جبير وأبو مجلز والنخعي وشريح وعبيدة السلماني وابن سيرين ومجاهد وقتادة والسدي والثوري وأبو عبيد وأحمد بن حنبل وذهب إلى الأول أعني تفسير ضمير ) منكم ( بالقرابة أو العشيرة وتفسير ) من غيركم ( بالأجانب الزهري والحسن وعكرمة وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم من الفقهاء أن الآية منسوخة واحتجوا بقوله ) ممن ترضون من الشهداء ( وقوله ) وأشهدوا ذوي عدل منكم ( والكفار ليسوا بمرضيين ولا عدول وخالفهم الجمهور فقال الآية محكمة وهو الحق لعدم وجود دليل صحيح يدل على النسخ وأما قوله تعالى ) ممن ترضون من الشهداء ( وقوله ) وأشهدوا ذوي عدل منكم ( فهما عامان في الأشخاص والأزمان والأحوال وهذه الآية خاصة بحالة الضرب في الأرض


"""""" صفحة رقم 87 """"""
وبالوصية وبحالة عدم الشهود المسلمين ولا تعارض بين عام وخاص قوله ) إن أنتم ( هو فاعل فعل محذوف يفسره ضربتم أو مبتدأ وما بعده خبره والأول مذهب الجمهور من النحاة والثاني مذهب الأخفش والكوفيين والضرب في الأرض هو السفر وقوله ) فأصابتكم مصيبة الموت ( معطوف على ما قبله وجوابه محذوف أي إن ضربتم في الأرض فنزل بكم الموت وأردتم الوصية ولم تجدوا شهودا عليها مسلمين ثم ذهبا إلا ورثتكم بوصيتكم وبما تركتم فارتابوا في أمرهما وادعوا عليهما خيانة فالحكم أن تحبسوهما ويجوز أن يكون استئنافا لجواب سؤال مقدر كأنهم قالوا فكيف نصنع إن ارتبنا في الشهادة فقال تحبسونهما من بعد الصلاة إن ارتبتم في شهادتهما
وخص بعد الصلاة أي صلاة العصر قاله الأكثر لكونه الوقت الذى يغضب الله على من حلف فيه فاجرا كما في الحديث الصحيح وقيل لكونه وقت اجتماع الناس وقعود الحكام للحكومة وقيل صلاة الظهر وقيل أي صلاة كانت قال أبو علي الفارسي ) تحبسونهما ( صفة لآخران واعترض بين الصفة والموصوف بقوله ) إن أنتم ضربتم في الأرض ( والمراد بالحبس توقيف الشاهدين في ذلك الوقت لتحلفيهما وفيه دليل على جواز الحبس بالمعنى العام وعلى جواز التغليظ على الحالف بالزمان والمكان ونحوهما قوله ) فيقسمان بالله ( معطوف على ) تحبسونهما ( أي يقسم بالله الشاهدان على الوصية أو الوصيان
وقد استدل بذلك ابن أبى ليلى على تحليف الشاهدين مطلقا إذا حصلت الريبة في شهادتهما وفيه نظر لأن تحليف الشاهدين هنا إنما هو لوقوع الدعوى عليهما بالخيانة أو نحوها قوله ) إن ارتبتم ( جواب هذا الشرط محذوف دل عليه ما تقدم كما سبق قوله ) لا نشتري به ثمنا ( جواب القسم والضمير في ) به ( راجع إلى الله تعالى والمعنى لا نبيع حظنا من الله تعالى بهذا العرض النزر فنحلف به كاذبين لأجل المال الذى ادعيتموه علينا وقيل يعود إلى القسم أي لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضا من أعراض الدنيا وقيل يعود إلى الشهادة وإنما ذكر الضمير لأنها بمعنى القول أي لا نستبدل بشاهدتنا ثمنا قال الكوفيون المعنى ذا ثمن فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وهذا مبنى على أن العروض لا تسمى ثمنا وعند الأكبر أنها تسمى ثمنا كما تسمى مبيعا قوله ) ولو كان ذا قربى ( أي ولو كان المقسم له أو المشهود له قريبا فإنا نؤثر الحق والصدق ولا نؤثر العرض الدنيوي ولا القرابة وجواب لو محذوف لدلالة ما قبله عليه أي ولو كان ذا قربى لا نشترى به ثمنا قوله ) ولا نكتم شهادة الله ( معطوف على ) لا نشتري ( داخل معه في حكم القسم وأضاف الشهادة إلى الله سبحانه لكونه الآمر باقامتها والناهي عن كتمها قوله ) فإن عثر على أنهما استحقا إثما ( عثر على كذا اطلع عليه يقال عثرت منه على خيانة أي اطلعت وأعثرت غيري عليه ومنه قوله تعالى ) وكذلك أعثرنا عليهم ( وأصل العثور الوقوع والسقوط على الشيء ومنه قول الأعشى بذات لوث عصرناه إذ عثرت
فالتعس أولى لها من أن أقول لعا
والمعنى أنه إذا اطلع بعد التحليف على أن الشاهدين أو الوصيين استحقا إثما أي استوجبا إثما إما بكذب في الشهادة أو اليمين أو بظهور خيانة قال أبو علي الفارسي الإثم هنا الشيء المأخوذ لأن آخذه يأثم بأخذه فسمي إثما كما سمى ما يؤخذ بغير حق مظلمة وقال سيبويه المظلمة اسم ما أخذ منك فكذلك سمى هذا المأخوذ باسم المصدر قوله ) فآخران يقومان مقامهما ( أي فشاهدان آخران أو فحالفان آخران يقومان مقام الذين عثر على أنهما استحقا إثما فيشهدان أو يحلفان على ما هو الحق وليس المراد أنهما يحومان مقامهما في أداء الشهادة التى شهدها المستحقان للإثم قوله ) من الذين استحق عليهم الأوليان ( استحق مبني للمفعول في قراءة


"""""" صفحة رقم 88 """"""
الجمهور وقرأ علي وأبي وابن عباس وحفص على البناء للفاعل و ) الأوليان ( على القراءة الأولى مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هما الأوليان كأنه قيل من هما فقيل هما الأوليان وقيل هو بدل من الضمير في يقومان أو من آخران وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والأولين جمع أول على أنه بدل من الذين أو من الهاء والميم في عليهم وقرأ الحسن الأولان والمعنى عل بناء الفعل للمفعول من الذين استحق عليهم الإثم أي جنى عليهم وهم أهل الميت وعشيرته فإنهم أحق بالشهادة أو اليمين من غيرهم فالأوليان تثنية أولى والمعنى على قراءة البناء للفاعل من الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين لكونهما الأقربين إلى الميت فالأوليان فاعل استحق ومفعوله أن يجردوهما للقيام بالشهادة وقيل المفعول محذوف والتقدير من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها قوله ) فيقسمان بالله ( عطف على ) يقومان ( أي فيحلفان بالله لشهادتنا أي يميننا فالمراد بالشهادة هنا اليمين كما في قوله تعالى فشهادة احدكم أربع شهادات بالله أي يحلفان لشهادتنا على أنهما كاذبان خائنان أحق من شهادتهما أي من يمينهما على أنهما صادقان أمينان ) وما اعتدينا ( أي تجاوزنا الحق فى يميننا ) إنا إذا لمن الظالمين ( إن كنا حلفنا على باطل
المائدة : ( 108 ) ذلك أدنى أن . . . . .
قوله ) ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ( أي ذلك البيان الذي قدمه الله سبحانه في هذه القصة وعرفنا كيف يصنع من أراد الوصية في السفر ولم يكن عنده أحد من أهله وعشيرته وعنده كفار أدنى أي أقرب إلى أن يؤدى الشهود المتحملون للشهادة على الوصية بالشهادة على وجهها فلا يحرفوا ولا يبدلوا ولا يخونوا وهذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر المنفعة والفائدة في هذا الحكم الذى شرعه الله في هذا الموضع من كتابه فالضمير في ) يأتوا ( عائد إلى شهود الوصية من الكفار وقيل إنه راجع إلى المسلمين المخاطبين بهذا الحكم والمراد تحذيرهم من الخيانة وأمرهم بان يشهدوا بالحق قوله ) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( أي ترد على الورثة فيحلفون على خلاف ما شهد به شهود الوصية فيفتضح حينئذ شهود الوصية وهو معطوف على قوله ) أن يأتوا ( فتكون الفائدة في شرع الله سبحانه لهذا الحكم هي أحد الأمرين إما احتراز شهود الوصية عن الكذب والخيانة فيأتون بالشهادة على وجهها أو يخافوا الافتضاح إذا ردت الأيمان على قرابة الميت فحلفوا بما يتضمن كذبهم أو خيانتهم فيكون ذلك سببا لتأدية شهادة شهود الوصية على وجهها من غير كذب ولا خيانة وقيل إن ) يخافوا ( معطوف على مقدر بعد الجملة الأولى والتقدير ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة عل وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب الكذب والخيانة أو يخافوا الافتضاح برد اليمين فأي الخوفين وقع حصل المقصود ) واتقوا الله ( في مخالفة أحكامه ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( الخارجين عن طاعته بأي ذنب ومنه الكذب في اليمين أو الشهادة
وحاصل ما تضمنه هذا المقام من الكتاب العزيز أن من حضرته علامات الموت أشهد على وصيته عدلين من عدول المسلمين فإن لم يجد شهودا مسلمين وكان في سفر ووجد كفارا جاز له أن يشهد رجلين منهم على وصيته فإن ارتاب بهما ورثة الموصى حلفا بالله على أنهما شهدا بالحق وما كتما من الشهادة شيئا ولا خانا مما تركه الميت شيئا فإن تبين بعد ذلك خلاف ما أقسما عليه من خلل في الشهادة أو ظهور شيء من تركة الميت زعما أنه قد صار في ملكهما بوجه من الوجوه حلف رجلان من الورثة وعمل بذلك
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الترمذي وضعفه وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في تاريخه وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة من طريق أبي النضر وهو الكلبي عن باذان مولى أم هانئ عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ( قال برئ الناس منها غيري وغير


"""""" صفحة رقم 89 """"""
عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشام لتجارتهما وقد م عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته فمرض فأوصى إليهما وأمرها أن يبلغا ما ترك أهله قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي ابن البداء فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا ما ترك غير هذا أو ما دفع إلينا غيره قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( إلى قوله ) أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء وفى إسناده أبو النضر وهو محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير قال الترمذي بركة أهل العلم بالحديث وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا بالذهب فأحلفهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالله ما كتمتماها ولا اطلعتما ثم وجدوا الجام بمكة فقيل اشتريناه من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم وأخذوا الجام قال وفيهم نزلت ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( الآية وفى إسناده محمد بن أبي القاسم الكوفي قال الترمذي قيل إنه صالح الحديث وقد روى ذلك أبو داود من طريقه وقد روى جماعة من التابعين أن هذه القصة هي سبب نزول الآية وذكرها المفسرون في تفاسيرهم وقال القرطبي إنه أجمع أهل التفسير على أن هذه القصة سبب نزول الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ) يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ( الآية قال هذا لمن مات وعنده المسلمون أمره الله أن يشهد على وصيته عدلين مسلمين ثم قال ) أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض ( فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين أمر الله بشهادة رجلين من غير ا لمسلمين فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بالله بعد ما الصلاة اشتريا بشهادتهما ثمنا قليلا فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما وثم رجلان من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة فذلك قوله ) فإن عثر على أنهما استحقا إثما ( يقول إن اطلع على أن الكافرين كذبا ) ذلك أدنى أن ( يأتى الكافران ) بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( فتترك شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء فليس على شهود المسلمين أقسام إنما الأقسام إذا كانا كافرين وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية فقال هذا رجل خرج مسافرا ومعه مال فأدركه قدره فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته وأشهد عليهما عدلين من المسلمين فإن لم يجد عدلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب فإن أدى فسبيل ما أدى وإن جحد استحلف بالله الذى لا إله إلا هو دبر صلاة إن هذا الذى دفع إلي وما غيبت منه شيئا فإذا حلف برئ فإذا أتى بعد ذلك صاحبا الكتاب فشهدا عليه ثم ادعى القوم عليه من تسميتهم ما لهم جعلت أيمان الورثة مع شهادتهم ثم اقتطعوا حقه فذلك الذي يقول الله ) اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله ) أو آخران من غيركم ( قال من


"""""" صفحة رقم 90 """"""
غير المسلمين من أهل الكتاب وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال هذه الآية منسوخة وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في الآية قال كان ذلك في رجل توفى وليس عنده أحد من أهل الإسلام وذلك في أول الإسلام والأرض حرب والناس كفار إلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه بالمدينة وكان الناس يتوارثون بالوصية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها وأخرج ابن جرير أيضا عن الزهري قال مضت السنة أن لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر إنما هي في المسلمين وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن أبي حاتم عن عبيدة في قوله ) تحبسونهما من بعد الصلاة ( قال صلاة العصر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) لا نشتري به ثمنا ( قال لا نأخذ به رشوة ) ولا نكتم شهادة الله ( وإن كان صاحبها بعيدا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن ا لمنذر عن قتادة في قوله ) فإن عثر على أنهما استحقا إثما ( أي اطلع منهما على خيانة على أنهما كذبا أو كتما وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) الأوليان ( قال بالميت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ( يقول ذلك أحرى أن يصدقوا في شهادتهم ) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( يقول وأن يخافوا العتب وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ( قال فيبطل أيمانهم ويؤخذ أيمان هؤلاء
سورة المائدة الآية ( 109 111 )
المائدة : ( 109 ) يوم يجمع الله . . . . .
قوله ) يوم يجمع الله الرسل ( العامل في الظرف فعل مقدر أي اسمعوا أو اذكروا أو احذروا وقال الزجاج هو منصوب بقوله ) واتقوا الله ( المذكور في الآية الأولى وقيل بدل من مفعول ) واتقوا ( بدل اشتمال وقيل ظرف لقوله ) لا يهدي ( المذكور قبله وقيل منصوب بفعل مقدر متأخر تقديره ) يوم يجمع الله الرسل ( يكون من الأحوال كذا وكذا قوله ) ماذا أجبتم ( أي أي إجابة أجابتكم به أممكم الذين بعثكم الله إليهم أو أي جواب أجابوكم به وعلى الوجهين تكون ما منصوبة بالفعل المذكور بعدها وتوجيه السؤال إلى الرسل لقصد توبيخ قومهم وجوابهم بقولهم ) لا علم لنا ( مع أنهم عالمون بما أجابوا به عليهم تفويض منهم وإظهار للعجز وعدم القدرة ولا سيما مع علمهم بأن السؤال سؤال توبيخ فإن تفويض الجواب إلى الله أبلغ في حصول ذلك وقيل المعنى لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا وقيل لا علم لنا بما اشتملت عليه بواطنهم وقيل المعنى لا علم لنا إلا


"""""" صفحة رقم 91 """"""
علم ما أنت أعلم به منا وقيل إنهم ذهلوا عما أجاب به قومهم لهول المحشر
المائدة : ( 110 ) إذ قال الله . . . . .
قوله ) إذ قال الله يا عيسى ابن مريم ( إذ بدل من يوم يجمع وهو تخصيص بعد التعميم وتخصيص عيسى عليه السلام من بين الرسل لاختلاف طائفتي اليهود والنصارى فيه إفراطا وتفريطا هذه تجعله إلها وهذه تجعله كاذبا وقيل هو منصوب بتقدير اذكر قوله ) اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ( ذكره سبحانه نعمته عليه وعلى أمه مع كونه ذاكرا لها عالما بتفضل الله سبحانه بها لقصد تعريف الأمم بما خصهما الله به من الكرامة وميزهما به من علو المقام أو لتأكيد الحجة وتبكيت الجاحد بأن منزلتهما عند الله هذه المنزلة وتوبيخ من اتخذهما إلهين ببيان أن ذلك الإنعام عليهما كله من عند الله سبحانه وأنهما عبدان من جملة عباده منعم عليهما بنعم الله سبحانه ليس لهما من الأمر شيء قوله ) إذ أيدتك بروح القدس ( إذ ظرف للنعمة لأنها بمعنى المصدر أي اذكر إنعامي عليك وقت تأييدي لك أو حال من النعمة أي كائنة ذلك الوقت ) أيدتك ( قويتك مأخوذ من الأيد وهو القوة وفى روح القدس وجهان أحدهما أنها الروح الطاهرة التي خصه الله بها وقيل إنه جبريل عليه السلام وقيل إنه الكلام الذي يحيى به الأرواح والقدس الطهر وإضافته إليه لكونه سببه وجملة ) تكلم الناس ( مبينة لمعنى التأييد و ) في المهد ( في محل نصب على الحال أي تكلم الناس حال كونك صبيا وكهلا لا يتفاوت كلامك في الحالتين مع أن غيرك يتفاوت كلامه فيهما تفاوتا بينا وقوله ) وإذ علمتك الكتاب ( معطوف على ) إذ أيدتك ( أي واذكر نعمتي عليك وقت تعليمي لك الكتاب أي جنس الكتاب أو المراد بالكتاب الخط وعلى الأول يكون ذكر التوراة والإنجيل من عطف الخاص على العام وتخصيصهما بالذكر لمزيد اختصاصه بهما أما التوراة فقد كان يحتج بها على اليهود في غالب ما يدور بينه وبينهم من الجدال كما هو مصرح بذلك في الإنجيل وأما الإنجيل فلكونه نازلا عليه من عند الله سبحانه والمراد بالحكمة جنس الحكمة وقيل هي الكلام المحكم ) وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ( أي تصور تصويرا مثل صورة الطير ) بإذني ( لك بذلك وتيسيري له ) فتنفخ ( في الهيئة المصورة ) فتكون ( هذه الهيئة طائرا متحركا حيا كسائر الطيور ) وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني ( لك وتسهيله عليك وتيسيره لك وقد تقدم تفسير هذا مطولا في البقرة فلا نعيده ) وإذ تخرج الموتى ( من قبورهم فيكون ذلك آية لك عظيمة ) بإذني ( وتكرير بإذني في المواضع الأربعة للاعتناء بأن ذلك كله من جهة الله ليس لعيسى عليه السلام فيه فعل إلا مجرد امتثاله لأمر الله سبحانه قوله ) وإذ كففت ( معطوف على ) وإذ تخرج ( كففت معناه دفعت وصرفت ) بني إسرائيل عنك ( حين هموا بقتلك ) إذ جئتهم بالبينات ( بالمعجزات الواضحات ) فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين ( أي ما هذا الذي جئت به إلا سحر بين لما عظم ذلك في صدرهم وانبهروا منه لم يقدروا على جحده بالكلية بل نسبوه إلى السحر
المائدة : ( 111 ) وإذ أوحيت إلى . . . . .
قوله ) وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ( هو معطوف على ما قبله وقد تقدم تفسير ذلك والوحي في كلام العرب معناه الإلهام أي ألهمت الحواريين وقذفت في قلوبهم وقيل معناه أمرتهم على ألسنة الرسل أن يؤمنوا بي بالتوحيد والإخلاص ويؤمنوا برسالة رسولي قوله ) قالوا آمنا ( جملة مستأنفة كأنه قيل ماذا قالوا فقال قالوا آمنا ) واشهد بأننا مسلمون ( أي مخلصون للإيمان أي واشهد يارب أو واشهد يا عيسى
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم ( فيفزعون فيقولون ) لا علم لنا ( فترد إليهم أفئدتهم فيعلمون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال ذلك أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول فلما سئلوا


"""""" صفحة رقم 92 """"""
قالوا لا علم لنا ثم نزلوا منزلا آخر فشهدوا على قومهم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال قالوا لا علم لنا فرقا يذهل عقولهم ثم يرد الله إليهم عقولهم فيكونون هم الذين يسألون بقول الله ) فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا كان يوم القيامة يدعى بالأنبياء وأممها ثم يدعى بعيسى فيذكره نعمته عليه فيقر بها فيقول يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك الآية ثم يقول ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله فينكر أن يكون قال ذلك فيؤتى بالنصارى فيسألون فيقولون نعم هو أمرنا بذلك فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي الله مقدار ألف عام حتى يوقع عليهم الحجة ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات ( أي بالآيات التى وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وإذ أوحيت إلى الحواريين ( يقول قذفت في قلوبهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه
سورة المائدة الآية ( 112 115 )
المائدة : ( 112 ) إذ قال الحواريون . . . . .
قوله ) إذ قال الحواريون ( الظرف منصوب بفعل مقدر أي اذكر أو نحوه كما تقدم قيل والخطاب لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ الكسائي ) هل يستطيع ( بالفوقية ونصب ربك وبه قرأ علي وابن عباس وسعيد ابن جبير ومجاهد وقرأ الباقون بالتحتية ورفع ربك واستشكلت القراءة الثانية بأنه قد وصف سبحانه الحواريين بأنهم قالوا ) آمنا واشهد بأننا مسلمون ( والسؤال عن استطاعته لذلك ينافي ما حكوه عن أنفسهم وأجيب بأن هذا كان في أول معرفتهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله ولهذا قال عيسى في الجواب عن هذا الاستفهام الصادر منهم ) اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( أي لا تشكوا في قدرة الله وقيل إنهم ادعوا الإيمان والإسلام دعوى باطلة ويرده أن الحواريين هم خلصاء عيسى وأنصاره كما قال ) من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ( وقيل إن ذلك صدر ممن كان معهم وقيل إنهم لم يشكوا في استطاعة الباري سبحانه فإنهم كانوا مؤمنين عارفين بذلك وإنما هو كقول الرجل هل يستطيع فلان أن يأتي مع علمه بأنه يستطيع ذلك ويقدر عليه فالمعنى هل يفعل ذلك وهل يجيب إليه وقيل إنهم طلبوا الطمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام ) رب أرني كيف تحيي الموتى (


"""""" صفحة رقم 93 """"""
الآية ويدل على هذا قولهم من بعد ) وتطمئن قلوبنا ( وأما على القراءة الأولى فالمعنى هل تستطيع أن تسأل ربك قال الزجاج المعنى هل تستدعى طاعة ربك فيما تسأله فهو من باب ) واسأل القرية ( والمائدة الخوان إذا كان عليه الطعام من ماده إذا أعطاه ورفده كأنها تميد من تقدم إليه قاله قطرب وغيره وقيل هي فاعلة بمعنى مفعولة كعيشة راضية قاله أبو عبيدة فأجابهم عيسى عليه السلام بقوله ) اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( أي اتقوه من هذا السؤال وأمثاله إن كنتم صادقين في إيمانكم فإن شأن المؤمن ترك الاقتراح على ربه على هذه الصفة وقيل إنه أمرهم بالتقوى ليكون ذلك ذريعة إلى حصول ما طلبوه
المائدة : ( 113 ) قالوا نريد أن . . . . .
قوله ) قالوا نريد أن نأكل منها ( بينوا به الغرض من سؤالهم نزول المائدة وكذا ما عطف عليه من قولهم ) وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ( والمعنى تطمئن قلوبنا بكمال قدرة الله أو بأنك مرسل إلينا من عنده أو بأن الله قد أجابنا إلى ما سألناه ونعلم علما يقينا بأنك قد صدقتنا في نبوتك ونكون عليها من الشاهدين عند من لم يحضرها من بني إسرائيل أو من سائر الناس أو من الشاهدين لله بالوحدانية أو من الشاهدين أي الحاضرين دون السامعين
المائدة : ( 114 ) قال عيسى ابن . . . . .
ولما رأي عيسى ما حكوه عن أنفسهم من الغرض بنزول المائدة قال ) اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء ( أي كائنة أو نازلة من السماء وأصل اللهم عند سيبويه وأتباعه يا الله فجعلت الميم بدلا من حرف النداء وربنا نداء ثان وليس بوصف و ) تكون لنا عيدا ( وصف لمائدة وقرأ الأعمش يكون لنا عيدا أي يكون يوم نزولها لنا عيدا وقد كان نزولها يوم الأحد وهو يوم عيد لهم والعيد واحد الأعياد وإنما جمع بالياء وأصله الواو للزومها في الواحد وقيل للفرق بينه وبين أعواد جمع عود ذكر معناه الجوهري وقيل أصله من عاد يعود أي رجع فهو عود بالواو وتقلب ياء لانكسار ما قبلها مثل الميزان والميقات والميعاد فقيل ليوم الفطر والأضحى عيدان لأنهما يعودان في كل سنة وقال الخليل العيد كل يوم جمع كأنهم عادوا إليه قوله ) لأولنا وآخرنا ( بدل من الضمير في لنا بتكرير العامل أي لمن في عصرنا ولم يأتي بعدنا من ذرارينا وغيرهم قوله ) وآية منك ( عطف على عيدا أي دلالة وحجة واضحة على كمال قدرتك وصحة إرسالك من أرسلته ) وارزقنا ( أي أعطنا هذه المائدة المطلوبة أو ارزقنا رزقا نستعين به على عبادتك ) وأنت خير الرازقين ( بل لا رازق في الحقيقة غيرك ولا معطى سواك فأجاب الله سبحانه سؤال عيسى عليه السلام فقال
المائدة : ( 115 ) قال الله إني . . . . .
) إني منزلها ( أي المائدة ) عليكم )
هل نزلت المائدة أم لا؟
وقد اختلف أهل العلم هل نزلت عليهم المائدة أم لا فذهب الجمهور إلى الأول وهو الحق لقوله سبحانه ) إني منزلها عليكم ( ووعده الحق وهو لا يخلف الميعاد وقال مجاهد ما نزلت وإنما هو ضرب مثل ضربه الله لخلقه نهيا لهم عن مسألة الآيات لأنبيائه وقال الحسن وعدهم بالإجابة فلما قال ) فمن يكفر بعد منكم ( استغفروا الله وقالوا لا نريدها قوله ) فمن يكفر بعد منكم ( أي بعد تنزيلها ) فإني أعذبه عذابا ( أي تعذيبا ) لا أعذبه ( صفة لعذابا والضمير عائد إلى العذاب بمعنى التعذيب أي لا أعذب مثل ذلك التعذيب ) أحدا من العالمين ( قيل المراد عالمي زمانهم وقيل جميع العالمين وفى هذا من التهديد والترهيب ما لا يقادر قدره
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قالت كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا ) هل يستطيع ربك ( إنما قالوا هل تستطيع أنت ربك أن تدعوه ويؤيد هذا ما أخرجه الحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه عن معاذ بن جبل أنه قال أقرأني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) هل يستطيع ربك ( بالتاء يعني الفوقية وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه قرأها كذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال المائدة الخوان وتطمئن توقن


"""""" صفحة رقم 94 """"""
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) تكون لنا عيدا ( يقول نتخذ اليوم الذى نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه كان يحدث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم فإن أجر العامل على من عمل له ففعلوا ثم قالوا يا معلم الخير قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا ) هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة ( إلى قوله ) أحدا من العالمين ( فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخافوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير وقد روى موقوفا على عمار قال الترمذي والوقف أصح وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المائدة سمكة وأريغفة وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه قال نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه سمك وخبز يأكلون منه أينما تولوا إذا شاءوا وأخرج ابن جرير نحوه عنه من طريق عكرمة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة والمنافقون وآل فرعون
سورة المائدة الآية ( 116 120 )
المائدة : ( 116 ) وإذ قال الله . . . . .
قوله ) وإذ قال الله ( معطوف على ما قبله في محل نصب بعامله أو بعامل مقدر هنا أي اذكر وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذا القول منه سبحانه هو يوم القيامة والنكتة توبيخ عباد المسيح وأمه من النصارى وقال السدي وقطرب إنه قال له هذا القول عند رفعه إلى السماء لما قالت النصارى فيه ما قالت والأول أولى قيل ) وإذ ( هنا بمعنى إذا كقوله تعالى ) ولو ترى إذ فزعوا ( أي إذا فزعوا وقول أبي النجم ثم جزاك الله عني إذ جزى
جنات عدن في السموات العلى
أي إذا جزى وقول الأسود بن جعفر الأسدي وفى الآن إذ هازلتهن فإنما
يقلن ألا لم يذهب الشيخ مذهبا


"""""" صفحة رقم 95 """"""
أي إذا هازلتهن تعبيرا عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه وقد قيل في توجيه هذا الاستفهام منه تعالى إنه لقصد التوبيخ كما سبق وقيل لقصد تعريف المسيح بأن قومه غيروا بعده وادعوا عليه ما لم يقله وقوله ) من دون الله ( متعلق بقوله ) اتخذوني ( على أنه حال أي متجاوزين الحد ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لإلهين أي كائنين من دون الله قوله ) سبحانك ( تنزيه له سبحانه أي أنزهك تنزيها ) ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ( أي ما ينبغى لي أن أدعى لنفسي ما ليس من حقها ) إن كنت قلته فقد علمته ( رد ذلك إلى علمه سبحانه وقد علم أنه لم يقله فثبت بذلك عدم القول منه قوله ) تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ( هذه الجملة في حكم التعليل لما قبلها أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك وهذا الكلام من باب المشاكلة كما هو معروف عند علماء المعاني والبيان وقيل المعنى تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك وقيل تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه وقيل تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد
المائدة : ( 117 ) ما قلت لهم . . . . .
قوله ) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ( هذه جملة مقررة لمضمون ما تقدم أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني ) أن اعبدوا الله ربي وربكم ( هذا تفسير لمعنى ) ما قلت لهم ( أي ما أمرتهم وقيل عطف بيان للمضمر في ) به ( وقيل بدل منه ) وكنت عليهم شهيدا ( أي حفيظا ورقيبا أرعى أحوالهم وأمنعهم عن مخالفة أمرك ) ما دمت فيهم ( أي مدة دوامي فيهم ) فلما توفيتني ( قيل هذا يدل على أن الله سبحانه توفاه قبل أن يرفعه وليس بشيء لأن الأخبار قد تظافرت بأنه لم يمت وأنه باق فى السماء على الحياة التى كان عليها فى الدنيا حتى ينزل إلى الأرض آخر الزمان وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء قيل الوفاة فى كتاب الله سبحانه جاءت على ثلاثة أوجه بمعنى الموت ومنه قوله تعالى ) الله يتوفى الأنفس حين موتها ( وبمعنى النوم ومنه قوله تعالى ) وهو الذي يتوفاكم بالليل ( أي ينيمكم وبمعنى الرفع ومنه ) فلما توفيتني ( وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ) كنت أنت الرقيب عليهم ( أصل المراقبة المراعاة أي كنت الحافظ لهم والعالم بهم والشاهد عليهم
المائدة : ( 118 ) إن تعذبهم فإنهم . . . . .
) إن تعذبهم فإنهم عبادك ( تصنع بهم ما شئت وتحكم فيهم بما تريد ) وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( أي القادر على ذلك الحكيم فى أفعاله قيل قاله على وجه الاستعطاف كما يستعطف السيد لعبده ولهذا لم يقل إن تعذبهم فإنهم عصوك وقيل قاله على وجه التسليم لأمر الله والانقياد له ولهذا عدل عن الغفور الرحيم إلى العزيز الحكيم
المائدة : ( 119 ) قال الله هذا . . . . .
قوله ) قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ( أي صدقهم في الدنيا وقيل في الآخرة والأول أولى قرأ نافع وابن محيصن ) يوم ( بالنصب وقرأ الباقون بالرفع فوجه النصب أنه ظرف للقول أي قال الله هذا القول يوم ينفع الصادقين ووجه الرفع أنه خبر للمبتدإ هو وما أضيف إليه وقال الكسائي نصب ) يوم ( ها هنا لأنه مضاف إلى الجملة وأنشد على حين عاتبت المشيب على الصبا
وقلت ألما أصح والشيب وازع
وبه قال الزجاج ولا يجيز البصريون ما قالاه إلا إذا أضيف الظرف إلى فعل ماض وقرأ الأعمش ) هذا يوم ينفع ( بتنوين يوم كما فى قوله ) واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ( فكلاهما مقطوع عن الإضافة بالتنوين وقد تقدم تفسير قوله ) لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ( قوله ) رضي الله عنهم ورضوا عنه ( أي رضي عنهم بما عملوه من الطاعات الخالصة له ورضوا عنه بما جازاهم به مما لا يخطر لهم على بال ولا تتصوره عقولهم والرضا منه سبحانه هو أرفع درجات النعيم وأعلى منازل الكرامة والإشارة بذلك إلى نيل ما نالوه من دخول الجنة والخلود فيها أبدا ورضوان الله عنهم والفوز الظفر بالمطلوب على أتم الأحوال
المائدة : ( 120 ) لله ملك السماوات . . . . .
قوله ) لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ( جاء سبحانه بهذه الخاتمة دفعا لما سبق من إثبات من


"""""" صفحة رقم 96 """"""
أثبت إلهية عيسى وأمه وأخبر بأن ملك السموات والأرض له دون عيسى وأمه ودون سائر مخلوقاته وأنه القادر على كل شيء دون غيره وقيل المعنى أن له ملك السموات والأرض يعطي الجنات للمطيعين جعلنا الله منهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال تلقى عيسى حجته والله لقاه فى قوله ) وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ( قال أبو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلقاه الله سبحانه ) ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ( الآية وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال يقول الله هذا يوم القيامة ألا ترى أنه يقول ) هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال قال الله ذلك لما رفع عيسى إليه وقالت النصارى ما قالت وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) أن اعبدوا الله ربي وربكم ( قال سيدي وسيدكم وأخرج ابن المنذر عنه في قوله ) كنت أنت الرقيب عليهم ( قال الحفيظ وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ( قال ما كنت فيهم وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) إن تعذبهم فإنهم عبادك ( يقول عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم ) وإن تغفر لهم ( أي من تركت منهم ومد في عمره حتى أهبط من السماء إلى الأرض لقتل الدجال فزالوا عن مقالتهم ووحدوك ) فإنك أنت العزيز الحكيم ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ( يقول هذا يوم ينفع الموحدين توحيدهم
S6
تفسير
سورة الأنعام
حول السورة
قال الثعلبي سورة الأنعام مكية إلا ست آيات نزلت بالمدينة وهي ) وما قدروا الله حق قدره ( إلى آخر ثلاث آيات و ) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ( إلى آخر ثلاث آيات قال ابن عطية وهي الآيات المحكمات يعني فى هذه السورة وقال القرطبي هي مكية إلا آيتين هما ) وما قدروا الله حق قدره ( نزلت في مالك بن الصيف وكعب بن الأشرف اليهوديين وقوله تعالى ) وهو الذي أنشأ جنات معروشات ( نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال أنزلت سورة الأنعام بمكة وأخرج أبو عبيد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عنه قال أنزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة وحولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفا من الملائكة وأخرج ابن مردويه عن أسماء قال نزلت سورة الأنعام على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في مسير في زجل من الملائكة وقد نظموا ما بين السماء والأرض وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد نحوه وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نزلت على سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد وهو من طريق إبراهيم بن نائلة شيخ الطبراني عن إسماعيل بن عمرو عن يوسف بن عطية بن عون عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وابن مردويه رواه عن الطبراني عن إسماعيل المذكور به وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 97 """"""
نزلت سورة الأنعام ومعها موكب من الملائكة يسد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والتقديس والأرض ترتج ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم وأخرج الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والإسماعيلي في معجمه والبيهقي عن جابر قال لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم قال لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق وأخرج البيهقي وضعفه والخطيب في تاريخه عن علي بن أبي طالب قال أنزل القرآن خمسا خمسا ومن حفظه خمسا خمسا لم ينسه إلا سورة الأنعام فإنها نزلت جملة يشيعها من كل سماء سبعون ملكا حتى أدوها إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما قرئت على عليل إلا شفاه الله وأخرج أبو الشيخ عن أبي بن كعب مرفوعا نحو حديث ابن عمر وأخرج النحاس في تاريخه عن ابن عباس قال سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة ) قل تعالوا أتل ما حرم ( إلى تمام الآيات الثلاث وأخرج الديلمي بسند ضعيف عن أنس مرفوعا ينادي مناد يا قارئ سورة الأنعام هلم إلى الجنة بحبك إياها وتلاوتها وأخرج ابن المنذر عن أبي جحيفة قال نزلت سورة الأنعام جميعا معها سبعون ألف ملك كلها مكية إلا ) ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ( فإنها مدنية
فضائل سورة الأنعام
وأخرج أبو عبيد في فضائله والدارمي في مسنده ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال الأنعام من نواجب القرآن وأخرج محمد بن نصر عن ابن مسعود مثله وأخرج السلفي بسند واه عن ابن عباس مرفوعا من قرأ إذا صلى الغداة ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى ) ويعلم ما تكسبون ( نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم ونزل إليه ملك من فوق سبع سموات ومعه مرزبة من حديد فإن أوحى الشيطان في قلبه شيئا من الشر ضربه ضربة حتى يكون بينه وبينه سبعون حجابا فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى أنا ربك وأنت عبدي امش في ظلي واشرب من الكوثر واغتسل من السلسبيل وادخل الجنة بغير حساب ولا عذاب وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من صلى الفجر في جماعة وقعد في مصلاه وقرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكل الله به سبعين ملكا يسبحون الله ويستغفرون له إلى يوم القيامة وفى فضائل هذه السورة روايات عن جماعة من التابعين مرفوعة وغير مرفوعة قال القرطبي قال العلماء هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور وهذا يقتضى إنزالها جملة واحدة لأنها في معنى واحد من الحجة وإن تصرف ذلك بوجوه كثيرة وعليها بنى المتكلمون أصول الدين
سورة الأنعام الآية ( 1 3 )


"""""" صفحة رقم 98 """"""
الأنعام : ( 1 ) الحمد لله الذي . . . . .
بدأ سبحانه هذه السورة بالحمد لله للدلالة على أن الحمد كله له ولإقامة الحجة على الذين هم بربهم يعدلون وقد تقدم في سورة الفاتحة ما يغنى عن الإعادة له هنا ثم وصف نفسه بأنه الذى خلق السموات والأرض إخبارا عن قدرته الكاملة الموجبة لاستحقاقه لجميع المحامد فإن من اخترع ذلك وأوجده هو الحقيق بإفراده بالثناء وتخصيصه بالحمد والخلق يكون بمعنى الاختراع وبمعنى التقدير وقد تقدم تحقيق ذلك وجمع السموات لتعدد طباقها وقدمها على الأرض لتقدمها في الوجود ) والأرض بعد ذلك دحاها ( قوله ) وجعل الظلمات والنور ( معطوف على خلق ذكر سبحانه خلق الجواهر بقوله ) خلق السماوات والأرض ( ثم ذكر خلق الأعراض بقوله ) وجعل الظلمات والنور ( لأن الجواهر لا تستغنى عن الأعراض
واختلف أهل العلم في المعنى المراد بالظلمات والنور فقال جمهور المفسرين المراد بالظلمات سواد الليل وبالنور ضياء النهار وقال الحسن الكفر والإيمان قال ابن عطية وهذا خروج عن الظاهر انتهى والأولى أن يقال إن الظلمات تشمل كل ما يطلق عليه اسم الظلمة والنور يشمل كل ما يطلق عليه اسم النور فيدخل تحت ذلك ظلمة الكفر ونور الإيمان ) أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ( وأفرد النور لأنه جنس يشمل جميع أنواعه وجمع الظلمات لكثرة أسبابها وتعدد أنواعها قال النحاس جعل هنا بمعنى خلق وإذا كانت بمعنى خلق لم تتعد إلا إلى مفعول واحد وقال القرطبي جعل هنا بمعنى خلق لا يجوز غيره قال ابن عطية وعليه يتفق اللفظ والمعنى في النسق فيكون الجمع معطوفا على الجمع والمفرد معطوفا على المفرد وتقديم الظلمات على النور لأنها الأصل ولهذا كان النهار مسلوخا من الليل قوله ) ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( معطوف على الحمد لله أو على خلق السموات والأرض وثم لاستبعاد ما صنعه الكفار من كونهم بربهم يعدلون مع ما تبين من أن الله سبحانه حقيق بالحمد على خلقه السموات والأرض والظلمات والنور فإن هذا يقتضى الإيمان به وصرف الثناء الحسن إليه لا الكفر به واتخاذ شريك له وتقديم المفعول للاهتمام ورعاية الفواصل وحذف المفعول لظهوره أي يعدلون به ما لا يقدر على شيء مما يقدر عليه وهذا نهاية الحمق وغاية الرقاعة حيث يكون منه سبحانه تلك النعم ويكون من الكفرة الكفر
الأنعام : ( 2 ) هو الذي خلقكم . . . . .
قوله ) هو الذي خلقكم من طين ( في معناه قولان أحدهما وهو الأشهر وبه قال الجمهور أن المراد آدم عليه السلام وأخرجه مخرج الخطاب للجميع لأنهم ولده ونسله الثاني أن يكون المراد جميع البشر باعتبار أن النطفة التي خلقوا منها مخلوقة من الطين ذكر الله سبحانه خلق آدم وبنيه بعد خلق السموات والأرض إتباعا للعالم الأصغر بالعالم الأكبر والمطلوب بذكر هذه الأمور دفع كفر الكافرين بالبعث ورد لجحودهم بما هو مشاهد لهم لا يمترون فيه قوله ) ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ( جاء بكلمة ) ثم ( لما بين خلقهم وبين موتهم من التفاوت
وقد اختلف السلف ومن بعدهم في تفسير الأجلين فقيل ) قضى أجلا ( يعنى الموت ) وأجل مسمى عنده ( يعنى القيامة وهو مروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك ومجاهد وعكرمة وزيد بن أسلم وعطية والسدي وخصيف ومقاتل وغيرهم وقيل الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت والثاني ما بين أن يموت إلى أن يبعث وهو قريب من الأول وقيل الأول مدة الدنيا والثاني عمر الإنسان إلى حين موته وهو مروى عن ابن عباس ومجاهد وقيل الأول قبض الأرواح في النوم والثاني قبض الروح عند الموت وقيل الأول ما يعرف من أوقات الأهلة والبروج وما يشبه ذلك والثاني أجل الموت وقيل الأول لمن مضى والثاني


"""""" صفحة رقم 99 """"""
لمن بقى ولمن يأتي وقيل إن الأول الأجل الذى هو محتوم والثاني الزيادة في العمر لمن وصل رحمه فإن كان برا تقيا وصولا لرحمه زيد في عمره وإن كان قاطعا للرحم لم يزد له ويرشد إلى هذا قوله تعالى ) وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ( وقد صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن صلة الرحم تزيد في العمر وورد عنه أن دخول البلاد التى قد فشا بها الطاعون والوباء من أسباب الموت وجاز الابتداء بالنكرة فى قوله ) وأجل مسمى عنده ( لأنها قد تخصصت بالصفة قوله ) ثم أنتم تمترون ( استبعاد لصدور الشك منهم مع وجود المقتضى لعدمه أي كيف تشكون فى البعث مع مشاهدتكم فى أنفسكم من الابتداء والانتهاء ما يذهب بذلك ويدفعه فإن من خلقكم من طين وصيركم أحياء تعلمون وتعقلون وخلق لكم هذه الحواس والأطراف ثم سلب ذلك عنكم فصرتم أمواتا وعدتم إلى ما كنتم عليه من الجماديه لا يعجزه أن يبعثكم ويعيد هذه الأجسام كما كانت ويرد إليها الأرواح التى فارقتها بقدرته وبديع حكمته
الأنعام : ( 3 ) وهو الله في . . . . .
قوله ) وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ( قيل إن فى السموات وفى الأرض متعلق باسم الله باعتبار ما يدل عليه من كونه معبودا ومتصرفا ومالكا أي هو المعبود أو المالك أو المتصرف فى السموات والأرض كما تقول زيد الخليفة فى الشرق والغرب أي حاكم أو متصرف فيهما وقيل المعنى وهو الله يعلم سركم وجهركم فى السموات وفى الأرض فلا تخفى عليه خافية فيكون العامل فيهما ما بعدهما قال النحاس وهذا من أحسن ما قيل فيه وقال ابن جرير هو الله فى السموات ويعلم سركم وجهركم فى الأرض والأول أولى ويكون يعلم سركم وجهركم جملة مقررة لمعنى الجملة الأولى لأن كونه سبحانه فى السماء والأرض يستلزم علمه بأسرار عباده وجهرهم وعلمه بما يكسبونه من الخير والشر وجلب النفع ودفع الضرر
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن علي أن هذه الآية أعني الحمد لله إلى قوله ) ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( نزلت في أهل الكتاب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال نزلت هذه الآية في الزنادقة قالوا إن الله لم يخلق الظلمة ولا الخنافس ولا العقارب ولا شيئا قبيحا وإنما يخلق النور وكل شيء حسن فأنزلت فيهم هذه الآية وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) وجعل الظلمات والنور ( قال الكفر والإيمان واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال إن الذين بربهم يعدلون هم أهل الشرك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي مثله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال ) يعدلون ( يشركون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( قال الآلهة التى عبدوها عدلوها بالله وليس لله عدل ولا ند وليس معه آلهة ولا اتخذ صاحبة ولا ولدا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) هو الذي خلقكم من طين ( يعنى آدم ) ثم قضى أجلا ( يعنى أجل الموت ) وأجل مسمى عنده ( أجل الساعة والوقوف عند الله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عنه فى قوله ) ثم قضى أجلا ( قال أجل الدنيا وفى لفظ أجل موته ) وأجل مسمى عنده ( قال الآخرة لا يعلمه إلا الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) قضى أجلا ( قال هو اليوم يقبض فيه الروح ثم يرجع إلى صاحبه من اليقظة ) وأجل مسمى عنده ( قال هو أجل موت الإنسان


"""""" صفحة رقم 100 """"""
سورة الأنعام الآية ( 4 11 )
الأنعام : ( 4 ) وما تأتيهم من . . . . .
قوله ) وما تأتيهم ( الخ كلام مبتدأ لبيان بعض أسباب كفرهم وتمردهم وهو الإعراض عن آيات الله التى تأتيهم كمعجزات الأنبياء وما يصدر عن قدرة الله الباهرة مما لا يشك من له عقل أنه فعل الله سبحانه والإعراض ترك النظر في الآيات التى يجب أن يستدلوا بها على توحيد الله و ) من ( في ) من آية ( مزيدة للاستغراق و ) من ( في ) من آيات ( تبعيضية أي وما تأتيهم آية من الآيات التى هى بعض آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين
الأنعام : ( 5 ) فقد كذبوا بالحق . . . . .
والفاء فى ) فقد كذبوا ( جواب شرط مقدر أي إن كانوا معرضين عنها فقد كذبوا بما هو أعظم من ذلك وهو الحق ) لما جاءهم ( قيل المراد بالحق هنا القرآن وقيل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ( أي أخبار الشيء الذى كانوا به يستهزءون وهو القرآن أو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عن أن ما عبارة عن ذلك تهويلا للأمر وتعظيما له أي سيعرفون أن هذا الشيء الذى استهزءوا به ليس بموضع للاستهزاء وذلك عند إرسال عذاب الله عليهم كما يقال اصبر فسوف يأتيك الخبر عند إرادة الوعيد والتهديد وفى لفظ الأنباء ما يرشد إلى ذلك فإنه لا يطلق إلا على خبر عظيم
الأنعام : ( 6 ) ألم يروا كم . . . . .
قوله ) ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن ( كلام مبتدأ لبيان ما تقدمه والهمزة للإنكار و ) كم ( يحتمل أن تكون الاستفهامية وأن تكون الخبرية وهى معلقة لفعل الرؤية عن العمل فيما بعده و ) من قرن ( تمييز والقرن يطلق على أهل كل عصر سموا بذلك لاقترانهم أي ألم يعرفوا بسماع الأخبار ومعاينة الآثار كم أهلكنا من قبلهم من الأمم الموجودة في عصر بعد عصر لتكذيبهم أنبياءهم وقيل القرن مدة من الزمان وهى ستون عاما أو سبعون أو ثمانون أو مائة على اختلاف الأقوال فيكون ما فى الآية على تقدير مضاف محذوف أي من أهل قرن قوله ) مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( مكن له فى الأرض جعل له مكانا فيها ومكنه فى الأرض أثبته فيها والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل كيف ذلك وقيل إن هذه الجملة صفة لقرن والأول أولى و ) ما ( في ) ما لم نمكن ( نكرة موصوفة بما بعدها أي مكناهم تمكينا لم نمكنه لكم والمعنى أنا أعطينا القرون الذين هم قبلكم ما لم نعطكم من الدنيا وطول الأعمار


"""""" صفحة رقم 101 """"""
وقوة الأبدان وقد أهلكناهم جميعا فإهلاككم وأنتم دونهم بالأولى قوله ) وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ( يريد المطر الكثير عبر عنه بالسماء لأنه ينزل من السماء ومنه قول الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم
والمدرار صيغة مبالغة تدل على الكثرة كمذكار للمرأة التى كثرت ولادتها للذكور وميناث التى تلد الإناث يقال در اللبن يدر إذا أقبل على الحالب بكثرة وانتصاب ) مدرارا ( على الحال وجريان الأنهار من تحتهم معناه من تحت أشجارهم ومنازلهم أي أن الله وسع عليهم النعم بعد التمكين لهم فى الأرض فكفروها فأهلكم الله بذنوبهم ) وأنشأنا من بعدهم ( أي من بعد إهلاكهم ) قرنا آخرين ( فصاروا بدلا من الهالكين وفى هذا بيان لكمال قدرته سبحانه وقوة سلطانه وأنه يهلك من يشاء ويوجد من يشاء
الأنعام : ( 7 ) ولو نزلنا عليك . . . . .
قوله ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( فى هذه الجملة بيان شدة صلابتهم فى الكفر وأنهم لا يؤمنون ولو أنزل الله على رسوله كتابا مكتوبا فى قرطاس بمرأى منهم ومشاهدة ) فلمسوه بأيديهم ( حتى يجتمع لهم إدراك الحاستين حاسة البصر وحاسة اللمس ) لقال الذين كفروا ( منهم ) إن هذا إلا سحر مبين ( ولم يعلموا بما شاهدوا ولمسوا وإذا كان هذا حالهم في المرئي المحسوس فكيف فيما هو مجرد وحي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بواسطة ملك لا يرونه ولا يحسونه والكتاب مصدر بمعنى الكتابة والقرطاس الصحيفة
الأنعام : ( 8 ) وقالوا لولا أنزل . . . . .
قوله ) وقالوا لولا أنزل عليه ملك ( هذه الجملة مشتملة على نوع آخر من أنواع جحدهم لنبوته ( صلى الله عليه وسلم ) وكفرهم بها أي قالوا هلا أنزل الله عليك ملكا نراه ويكلمنا أنه نبي حتى نؤمن به ونتبعه كقولهم ) لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ( ) ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ( أي لو أنزلنا ملكا على الصفة التى اقترحوها بحيث يشاهدونه ويخاطبونه ويخاطبهم ) لقضي الأمر ( أي لأهلكناهم إذ لم يؤمنوا عند نزوله ورؤيتهم له لأن مثل هذه الآية البينة وهي نزول الملك على تلك الصفة إذ لم يقع الإيمان بعدها فقد استحقوا الإهلاك والمعاجلة بالعقوبة ) ثم لا ينظرون ( أي لا يمهلون بعد نزوله ومشاهدتهم له وقيل إن المعنى إن الله سبحانه لو أنزل ملكا مشاهدا لم تطق قواهم البشرية أن يبقوا بعد مشاهدته أحياء بل تزهق أرواحهم عند ذلك فيبطل ما أرسل الله له رسله وأنزل به كتبه من هذا التكليف الذي كلف به عباده ) لنبلوهم أيهم أحسن عملا )
الأنعام : ( 9 ) ولو جعلناه ملكا . . . . .
قوله ) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ( أي لو جعلنا الرسول إلى النبي ملكا يشاهدونه ويخاطبونه لجعلنا ذلك الملك رجلا لأنهم لا يستطيعون أن يروا الملك على صورته التى خلقه الله عليها إلا بعد أن يتجسم بالأجسام الكثيفة المشابهة لأجسام بني آدم لأن كل جنس يأنس بجنسه فلو جعل الله سبحانه الرسول إلى البشر أو الرسول إلى رسوله ملك مشاهدا مخاطبا لنفروا منه ولم يأنسوا به ولداخلهم الرعب وحصل معهم من الخوف ما يمنعهم من كلامه ومشاهدته هذا أقل حال فلا تتم المصلحة من الإرسال وعند أن يجعله الله رجلا أي على صورة رجل من بني آدم ليسكنوا إليه ويأنسوا به سيقول الكافرون إنه ليس بملك وإنما هو بشر ويعودون إلى مثل ما كانوا عليه قوله ) وللبسنا عليهم ما يلبسون ( أي لخلطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم لأنهم إذا رأوه في صورة إنسان قالوا هذا إنسان وليس بملك فإن استدل لهم بأنه ملك كذبوه قال الزجاج المعنى للبسنا عليهم أي على رؤسائهم كما يلبسون على ضعفتهم وكانوا يقولون لهم إنما محمد بشر وليس بينه وبينكم فرق فيلبسون عليهم بهذا ويشككونهم فأعلم الله عز وجل أنه لو نزل ملكا فى صورة رجل لوجدوا سبيلا إلى اللبس كما يفعلون واللبس الخلط يقال لبست عليه الأمر ألبسه لبسا أي خلطته وأصله التستر بالثوب ونحوه ثم قال سبحانه مؤنسا لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ومسليا له
الأنعام : ( 10 ) ولقد استهزئ برسل . . . . .
) ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون ( يقال حاق الشيء يحيق حيقا وحيوقا وحيقانا


"""""" صفحة رقم 102 """"""
نزل أي فنزل ما كانوا به يستهزءون وأحاط بهم وهو الحق حيث أهلكوا من أجل الاستهزاء به
الأنعام : ( 11 ) قل سيروا في . . . . .
) قل سيروا في الأرض ( أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين سافروا في الأرض وانظروا آثار من كان قبلكم لتعرفوا ما حل بهم من العقوبات وكيف كانت عاقبتهم بعد ما كانوا فيه من النعيم العظيم الذي يفوق ما أنتم فيه فهذه ديارهم خاربة وجناتهم مغبرة وأراضيهم مكفهرة فإذا كانت عاقبتهم هذه العاقبة فأنتم بهم لاحقون وبعد هلاكهم هالكون
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ( يقول ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه وفى قوله ) فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون ( يقول سيأتيهم يوم القيامة أنباء ما استهزءوا به من كتاب الله عز وجل وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) من قرن ( قال أمة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( يقول أعطيناهم ما لم نعطكم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ( يقول يتبع بعضها بعضا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هارون التيمي في الآية قال المطر في إبانه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ( يقول لو أنزلنا من السماء صحفا فيها كتاب ) فلمسوه بأيديهم ( لزادهم ذلك تكذيبا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فلمسوه بأيديهم ( قال فمسوه ونظروا إليه لم يصدقوا به وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فيما بلغني فقال له زمعة بن الأسود بن المطلب والنضر بن الحارث بن كلدة وعبدة بن عبد يغوث وأبي بن خلف بن وهب والعاص بن وائل بن هشام لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك فأنزل الله ) وقالوا لولا أنزل عليه ملك ( الآية وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وقالوا لولا أنزل عليه ملك ( قال ملك في صورة رجل ) ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ( لقامت الساعة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) لقضي الأمر ( يقول لو أنزل الله ملكا ثم لم يؤمنوا لعجل لهم العذاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ولو أنزلنا ملكا ( قال ولو أتاهم ملك في صورته ) لقضي الأمر ( لأهلكناهم ) ثم لا ينظرون ( لا يؤخرون ) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ( يقول لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة ) وللبسنا عليهم ما يلبسون ( يقول لخلطنا عليهم ما يخلطون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله ) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ( قال في صورة رجل في خلق رجل وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ( يقول في صورة آدمي وأخرج ابن جرير عن ابن زيد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وللبسنا عليهم ( يقول شبهنا عليهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال شبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال مر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما بلغني بالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وأبي جهل بن هشام فهمزوه واستهزءوا به فغاظه ذلك فأنزل الله ) ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون (


"""""" صفحة رقم 103 """"""
سورة الأنعام الآية ( 12 21 )
الأنعام : ( 12 ) قل لمن ما . . . . .
قوله ) قل لمن ما في السماوات والأرض ( هذا احتجاج عليهم وتبكيت لهم والمعنى قل لهم هذا القول فإن قالوا فقل لله وإذا ثبت أن له ما في السموات والأرض إما باعترافهم أو بقيام الحجة عليهم فالله قادر على أن يعاجلهم بالعقاب ولكنه كتب على نفسه الرحمة أي وعد بها فضلا منه وتكرما وذكر النفس هنا عبارة عن تأكد وعده وارتفاع الوسائط دونه وفى الكلام ترغيب للمتولين عنه إلى الإقبال إليه وتسكين خواطرهم بأنه رحيم بعباده لا يعاجلهم بالعقوبة وأنه يقبل منهم الإنابة والتوبة ومن رحمته لهم إرسال الرسل وإنزال الكتب ونصب الأدلة قوله ) ليجمعنكم إلى يوم القيامة ( اللام جواب قسم محذوف قال الفراء وغيره يجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله ) الرحمة ( ويكون ما بعدها مستأنفا على جهة التبيين فيكون المعنى ) ليجمعنكم ( ليمهلنكم وليؤخرن جمعكم وقيل المعنى ليجمعنكم في القبور إلى اليوم الذي أنكرتموه وقيل ) إلى ( بمعنى في أي ليجمعنكم في يوم القيامة وقيل يجوز أن يكون موضع ) ليجمعنكم ( النصب على البدل من الرحمة فتكون اللام بمعنى أن والمعنى كتب ربكم على نفسه الرحمة أن يجمعنكم كما قالوا في قوله تعالى ) ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ( أي أن يسجنوه وقيل إن جملة ) ليجمعنكم ( مسوقة للترهيب بعد الترغيب وللوعيد بعد الوعد أي إن أمهلكم برحمته فهو مجازيكم بجمعكم ثم معاقبة من يستحق عقوبته من العصاة والضمير في ) لا ريب فيه ( لليوم أو للجمع قوله ) الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ( قال الزجاج إن الموصول مرتفع على الابتداء


"""""" صفحة رقم 104 """"""
وما بعده خبره كما تقول الذي يكرمني فله درهم فالفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط وقال الأخفش إن شئت كان ) الذين ( في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في ) ليجمعنكم ( أي ليجمعن المشركين الذين خسروا أنفسهم وأنكره المبرد وزعم أنه خطأ لأنه لا يبدل من المخاطب ولا من المخاطب لا يقال مررت بك زيد ولا مررت بي زيد وقيل يجوز أن يكون ) الذين ( مجرورا على البدل من المكذبين الذين تقدم ذكرهم أو على النعت لهم وقيل إنه منادى وحرف النداء مقدر
الأنعام : ( 13 ) وله ما سكن . . . . .
قوله ) وله ما سكن في الليل والنهار ( أي لله وخص الساكن بالذكر لأن ما يتصف بالسكون أكثر مما يتصف بالحركة وقيل المعنى ما سكن فيهما أو تحرك فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر وهذا من جملة الاحتجاج على الكفرة
الأنعام : ( 14 ) قل أغير الله . . . . .
قوله ) قل أغير الله أتخذ وليا ( الاستفهام للإنكار قال لهم ذلك لما دعوه إلى عبادة الأصنام ولما كان الإنكار لاتخاذ غير الله وليا لا لاتخاذ الولي مطلقا دخلت الهمزة على المفعول لا على الفعل والمراد بالولي هنا المعبود أي كيف أتخذ غير الله معبودا و ) فاطر السماوات والأرض ( مجرور على أنه نعت لاسم الله وأجاز الأخفش الرفع على إضمار مبتدأ وأجاز الزجاج النصب على المدح وأجاز أبو علي الفارسي نصبه بفعل مضمر كأنه قيل أترك فاطر السموات والأرض قوله ) وهو يطعم ولا يطعم ( قرأ الجمهور بضم الياء وكسر العين في الأول وضمها وفتح العين في الثاني أي يرزق ولا يرزق وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش بفتح الياء في الثاني وفتح العين وقرئ بفتح الياء والعين في الأول وضمها وكسر العين في الثاني على أن الضمير يعود إلى الولي المذكور وخص الإطعام دون غيره من ضروب الإنعام لأن الحاجة إليه أمس قوله ) قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ( أمره سبحانه بعد ما تقدم من اتخاذ غير الله وليا أن يقول لهم إنه مأمور بأن يكون أول من أسلم وجهه لله من قومه وأخلص من أمته وقيل معنى ) أسلم ( استسلم لأمر الله ثم نهاه الله عز وجل أن يكون من المشركين والمعنى أمرت بأن أكون أول من أسلم ونهيت عن الشرك أي يقول لهم هذا
الأنعام : ( 15 ) قل إني أخاف . . . . .
ثم أمره أن يقول ) إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( أي إن عصيته بعبادة غيره أو مخالفة أمره أو نهيه والخوف توقع المكروه وقيل هو هنا بمعنى العلم أي إني أعلم إن عصيت ربي أن لي عذابا عظيما
الأنعام : ( 16 ) من يصرف عنه . . . . .
قوله ) من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه ( قرأ أهل المدينة وأهل مكة وابن عامر على البناء للمفعول أي من يصرف عنه العذاب واختار هذه القراءة سيبويه وقرأ الكوفيون على البناء للفاعل وهو اختيار أبي حاتم فيكون الضمير على هذه القراءة لله ومعنى ) يومئذ ( يوم العذاب العظيم ) فقد رحمه ( الله أي نجاه وأنعم عليه وأدخله الجنة والإشارة بذلك إلى الصرف أو إلى الرحمة أي فذلك الصرف أو الرحمة ) الفوز المبين ( أي الظاهر الواضح وقرأ أبي ? من يصرف الله عنه ?
الأنعام : ( 17 ) وإن يمسسك الله . . . . .
قوله ) وإن يمسسك الله بضر ( أي إن ينزل الله بك ضرا من فقر أو مرض ) فلا كاشف له إلا هو ( أي لا قادر على كشفه سواه ) وإن يمسسك بخير ( من رخاء أو عافية ) فهو على كل شيء قدير ( ومن جملة ذلك المس بالشر والخير
الأنعام : ( 18 ) وهو القاهر فوق . . . . .
قوله ) وهو القاهر فوق عباده ( القهر الغلبة والقاهر الغالب وأقهر الرجل إذا صار مقهورا ذليلا ومنه قول الشاعر تمنى حصين أن يسود خزاعة
فأمسى حصين قد أذل وأقهرا
ومعنى ) فوق عباده ( فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم لا فوقية المكان كما تقول السلطان فوق رعيته أي بالمنزلة والرفعة وفى القهر معنى زائد ليس في القدرة وهو منع غيره عن بلوغ المراد ) وهو الحكيم ( في أمره ) الخبير ( بأفعال عباده
الأنعام : ( 19 ) قل أي شيء . . . . .
قوله ) قل أي شيء أكبر شهادة ( أي مبتدأ وأكبر خبره وشهادة تمييز والشيء يطلق على القديم والحادث والمحال والممكن والمعنى أي شهيد أكبر شهادة فوضع شيء موضع شهيد


"""""" صفحة رقم 105 """"""
وقيل إن ) شيء ( هنا موضوع موضع اسم الله تعالى والمعنى الله أكبر شهادة أي انفراده بالربوبية وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة وأعظم فهو شهيد بيني وبينكم وقيل إن قوله ) الله شهيد بيني وبينكم ( هو الجواب لأنه إذا كان الشهيد بينه وبينهم كان أكبر شهادة له ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل إنه قد تم الجواب عند قوله ) قل الله ( يعنى الله أكبر شهادة ثم ابتدأ فقال ) شهيد بيني وبينكم ( أي هو شهيد بيني وبينكم قوله ) وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ( أي أوحى الله إلى هذا القرآن الذي تلوته عليكم لأجل أن أنذركم به وأنذر به من بلغ إليه أي كل من بلغ إليه من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلة وفى هذه الآية من الدلالة على شمول أحكام القرآن لمن سيوجد كشمولها لمن قد كان موجودا وقت النزول ما لا يحتاج معه إلى تلك الخزعبلات المذكورة في علم أصول الفقه وقرأ أبو نهيك ) وأوحي ( على البناء للفاعل وقرأ ابن عداة على البناء للمفعول قوله ) أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى ( الاستفهام للتوبيخ والتقريع على قراءة من قرأ بهمزتين على الأصل أو بقلب الثانية وأما من قرأ على الخبر فقد حقق عليهم شركهم وإنما قال ) آلهة أخرى ( لأن الآلهة جمع والجمع يقع عليه التأنيث كذا قال الفراء ومثله قوله تعالى ) ولله الأسماء الحسنى ( وقال ) فما بال القرون الأولى ( ) قل لا أشهد ( أي فأنا لا أشهد معكم فحذف لدلالة الكلام عليه وذلك لكون هذه الشهادة باطلة ومثله ) فإن شهدوا فلا تشهد معهم ( وما في ) مما تشركون ( موصولة أو مصدرية أي من الأصنام التى تجعلونها آلهة أو من إشراككم بالله
الأنعام : ( 20 ) الذين آتيناهم الكتاب . . . . .
قوله ) الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ( الكتاب للجنس فيشمل التوراة والإنجيل وغيرهما أي يعرفون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال به جماعة من السلف وإليه ذهب الزجاج وقيل إن الضمير يرجع إلى الكتاب أي يعرفونه معرفة محققة بحيث لا يلتبس عليهم منه شيء و ) كما يعرفون أبناءهم ( بيان لتحقق تلك المعرفة وكمالها وعدم وجود شك فيها فإن معرفة الآباء للأبناء هي البالغة إلى غاية الإتقان إجمالا وتفصيلا قوله ) الذين خسروا أنفسهم ( في محل رفع على الابتدا وخبره ) فهم لا يؤمنون ( ودخول الفاء في الخبر لتضمن المبتدإ معنى الشرط وقيل إن الموصول خبر مبتدأ محذوف وقيل هو نعت للموصول الأول وعلى الوجهين الأخيرين يكون ) فهم لا يؤمنون ( معطوفا على جملة ) الذين آتيناهم الكتاب (
والمعنى على الوجه الأول أن الكفار الخاسرين لأنفسهم بعنادهم وتمردهم لا يؤمنون بما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى الوجهين الأخيرين أن أولئك الذين آتاهم الله الكتاب هم الذين خسروا أنفسهم بسبب ما وقعوا فيه من البعد عن الحق وعدم العمل بالمعرفة التى ثبتت لهم فهم لا يؤمنون
الأنعام : ( 21 ) ومن أظلم ممن . . . . .
قوله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( أي اختلق على الله الكذب فقال إن في التوراة أو الإنجيل ما لم يكن فيهما ) أو كذب بآياته ( التى يلزمه الإيمان بها من المعجزة الواضحة البينة فجمع بين كونه كاذبا على الله ومكذبا بما أمره الله بالإيمان به ومن كان هكذا فلا أحد من عباد الله أظلم منه والضمير في ) إنه لا يفلح الظالمون ( للشأن
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمان الفارسي قال إنا نجد في التوراة أن الله خلق السموات والأرض ثم جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة فبها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها يتباذلون وبها يتزاورون وبها تحن الناقة وبها تنتج البقرة وبها تيعر الشاة وبها تتابع الطير وبها تتابع الحيتان في البحر فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده ورحمته أفضل وأوسع وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما عن سلمان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال خلق الله يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة منها رحمة يتراحم بها الخلق


"""""" صفحة رقم 106 """"""
وتسعة وتسعون ليوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما قضى الله الخلق كتب كتابا فوضعه عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي وقد روى من طرق أخرى بنحو هذا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وله ما سكن في الليل والنهار ( يقول ما استقر في الليل والنهار وفى قوله ) قل أغير الله أتخذ وليا ( قال أما الولي فالذي تولاه ويقر له بالربوبية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) فاطر السماوات والأرض ( قال بديع السموات والأرض وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن جرير وابن الأنباري عنه قال كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعربيان يختصمان فى بئر فقال أحدهما أنا فطرتها يقول أنا ابتدأتها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وهو يطعم ولا يطعم ( قال يرزق ولا يرزق وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) من يصرف عنه ( قال من يصرف عنه العذاب وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وإن يمسسك بخير ( يقول بعافية وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال جاء النمام بن زيد وقردم بن كعب وبحرى بن عمرو فقالوا يا محمد ما تعلم مع الله إلها غيره فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا إله إلا الله بذلك بعثت وإلى ذلك أدعو فأنزل الله ) قل أي شيء أكبر شهادة ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد قال أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن يسأل قريشا أي شيء أكبر شهادة ثم أمره أن يخبرهم فيقول الله شهيد بيني وبينكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ) وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ( يعني أهل مكة ) ومن بلغ ( يعني من بلغه هذا القرآن من الناس فهو له نذير وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال لما نزلت هذه الآية ) وأوحي إلي هذا القرآن ( كتب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى كسرى وقيصر والنجاشي وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والخطيب وابن النجار عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بلغه القرآن فكأنما شافهته به ثم قرأ وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال من بلغه القرآن فكأنما رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفي لفظ من بلغه القرآن حتى تفهمه وتعقله كان كمن عاين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكلمه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله ) وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ( قال العرب ) ومن بلغ ( قال العجم وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال قال النضر وهو من بني عبد الدار إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فأنزل الله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( الآية
سورة الأنعام الآية ( 22 23 )


"""""" صفحة رقم 107 """"""
سورة الأنعام الآية ( 24 30 )
الأنعام : ( 22 ) ويوم نحشرهم جميعا . . . . .
قوله ) ويوم نحشرهم ( قرأ الجمهور بالنون في الفعلين وقرئ بالياء فيهما وناصب الظرف محذوف مقدر متأخرا أي يوم نحشرهم كان كيت وكيت والاستفهام في ) أين شركاؤكم ( للتقريع والتوبيخ للمشركين وأضاف الشركاء إليهم لأنها لم تكن شركاء لله فى الحقيقة بل لما سموها شركاء أضيفت إليهم وهى ما كانوا يعبدونه من دون الله أو يعبدونه مع الله قوله ) الذين كنتم تزعمون ( أي تزعمونها شركاء فحذف المفعولان معا ووجه التوبيخ بهذا الاستفهام أن معبوداتهم غابت عنهم في تلك الحال أو كانت حاضرة ولكن لا ينتفعون بها بوجه من الوجوه فكان وجودها كعدمها
الأنعام : ( 23 ) ثم لم تكن . . . . .
قوله ) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( قال الزجاج تأويل هذه الآية أن الله عز وجل أخبر بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حتى رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك ونظير هذا في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فتقول ما كانت محبتك إياه إلا أن تبرأت منه انتهى فالمراد بالفتنة على هذا كفرهم أي لم تكن عاقبة كفرهم الذي افتخروا به وقاتلوا عليه إلا ما وقع منهم من الجحود والحلف على نفيه بقولهم ) والله ربنا ما كنا مشركين ( وقيل المراد بالفتنة هنا جوابهم أي لم يكن جوابهم إلا الجحود والتبري فكان هذا الجواب فتنة لكونه كذبا وجملة ) ثم لم تكن فتنتهم ( معطوفة على عامل الظرف المقدر كما مر والاستثناء مفرغ وقرئ فتنتهم بالرفع وبالنصب ويكن وتكن والوجه ظاهر وقرئ ? وما كان فتنتهم ? وقرئ ) ربنا ( بالنصب على النداء
الأنعام : ( 24 ) انظر كيف كذبوا . . . . .
) انظر كيف كذبوا على أنفسهم ( بإنكار ما وقع منهم في الدنيا من الشرك ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي زال وذهب افتراؤهم وتلاشى وبطل ما كانوا يظنونه من أن الشركاء يقربونهم إلى الله هذا على أن ما مصدرية وقيل هي موصولة عبارة عن الآلهة أي فارقهم ما كانوا يعبدون من دون الله فلم يغن عنهم شيئا وهذا تعجيب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من حالهم المختلفة ودعواهم المتناقضة وقيل لا يجوز أن يقع منهم كذب في الآخرة لأنها دار لا يجرى فيها غير الصدق فمعنى ) والله ربنا ما كنا مشركين ( نفى شركهم عند أنفسهم وفى اعتقادهم ويؤيد هذا قوله تعالى ) ولا يكتمون الله حديثا )
الأنعام : ( 25 ) ومنهم من يستمع . . . . .
قوله ) ومنهم من يستمع إليك ( هذا كلام مبتدأ لبيان


"""""" صفحة رقم 108 """"""
ما كان يصنعه بعض المشركين في الدنيا والضمير عائد إلى الذين أشركوا أي وبعض الذين أشركوا يستمع إليك حين تتلو القرآن ) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( أي فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم والأكنة الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان كننت الشيء في كنه إذا جعلته فيه وأكننه أخفيته وجملة ) جعلنا على قلوبهم أكنة ( مستأنفة للإخبار بمضمونها أو في محل نصب على الحال أي وقد جعلنا على قلوبهم أغطية كراهة أن يفقهوا القرآن أو لئلا يفقهوه والوقر الصمم يقال وقرت أذنه تقر وقرا أي صمت وقرأ طلحة بن مصرف ) وقرا ( بكسر الواو أي جعل في آذانهم ما سدها عن استماع القول على التشبيه بوقر البعير وهو مقدار ما يطيق أن يحمله وذكر الأكنة والوقر تمثيل لفرط بعدهم عن فهم الحق وسماعه كأن قلوبهم لا تعقل وأسماعهم لا تدرك ) وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ( أي لا يؤمنوا بشيء من الآيات التى يرونها من المعجزات ونحوها لعنادهم وتمردهم قوله ) حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ( حتى هنا هى الابتدائية التى تقع بعدها الجمل وجملة يجادلونك في محل نصب على الحال والمعنى أنهم بلغوا من الكفر والعناد أنهم إذا جاءوك مجادلين لم يكتفوا بمجرد عدم الإيمان بل يقولون إن هذا إلا أساطير الأولين وقيل حتى هى الجارة وما بعدها في محل جر والمعنى حتى وقت مجيئهم مجادلين يقولون إن هذا إلا أساطير الأولين وهذا غاية التكذيب ونهاية العناد والأساطير قال الزجاج واحدها أسطار وقال الأخفش أسطورة وقال أبو عبيدة أسطاره وقال النحاس أسطور وقال القشيري اسطير وقيل هو جمع لا واحد له كعباديد وأبابيل والمعنى ما سطره الأولون في الكتب من القصص والأحاديث قال الجوهري الأساطير الأباطيل والترهات
الأنعام : ( 26 ) وهم ينهون عنه . . . . .
قوله ) وهم ينهون عنه وينأون عنه ( أي ينهى المشركون الناس عن الإيمان بالقرآن أو بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ويبعدون هم في أنفسهم عنه وقيل إنها نزلت في أبي طالب فإنه كان ينهى الكفار عن أذية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويبعد هو عن إجابته ) وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ( أي ما يهلكون بما يقع منهم من النهي والنأى إلا أنفسهم بتعريضها لعذاب الله وسخطه والحال أنهم ما يشعرون بهذا البلاء الذي جلبوه على أنفسهم
الأنعام : ( 27 ) ولو ترى إذ . . . . .
قوله ) ولو ترى إذ وقفوا على النار ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من تتأتى منه الرؤية وعبر عن المستقبل يوم القيامة بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه كما ذكره علماء المعاني و ) وقفوا ( معناه حبسوا يقال وقفته وقفا ووقف وقوفا وقيل معنى ) وقفوا على النار ( أدخلوها فتكون على بمعنى فى وقيل هى بمعنى الباء أي وقفوا بالنار أي بقربها معاينين لها ومفعول ترى محذوف وجواب لو محذوف ليذهب السامع كل مذهب والتقدير لو تراهم إذ وقفوا على النار لرأيت منظرا هائلا وحالا فظيعا ) فقالوا يا ليتنا نرد ( أي إلى الدنيا ) ولا نكذب بآيات ربنا ( أي التى جاءنا بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ونكون من المؤمنين ( بها العاملين بما فيها والأفعال الثلاثة داخلة تحت التمني أي تمنوا الرد وأن لا يكذبوا وأن يكونوا من المؤمنين برفع الأفعال الثلاثة هي قراءة الكسائي وأهل المدينة وشعبة وابن كثير وأبي عمرو وقرأ حفص وحمزة بنصب نكذب ونكون بإضمار أن بعد الواو على جواب التمني واختار سيبويه القطع في ) ولا نكذب ( فيكون غير داخل في التمني والتقدير ونحن لا نكذب على معنى الثبات على ترك التكذيب أي لا نكذب رددنا أو لم نرد قال وهو مثل دعني ولا أعود أي لا أعود على كل حال تركتني أو لم تتركني واستدل أبو عمرو بن العلاء على خروجه من التمني بقوله ) وإنهم لكاذبون ( لأن الكذب لا يكون في التمني وقرأ ابن عامر ) ونكون ( بالنصب وأدخل الفعلين الأولين في التمني وقرأ أبي ? ولا نكذب بآيات ربنا أبدا ? وقرأ هو وابن مسعود ? يا ليتنا نرد فلا نكذب ?


"""""" صفحة رقم 109 """"""
بالفاء والنصب والفاء ينصب بها في جواب التمني كما ينصب بالواو كما قال الزجاج وقال أكثر البصريين لا يجوز الجواب إلا بالفاء
الأنعام : ( 28 ) بل بدا لهم . . . . .
قوله ) بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ( هذا إضراب عما يدل عليه التمني من الوعد بالإيمان والتصديق أي لم يكن ذلك التمني منهم عن صدق نية وخلوص اعتقاد بل هو لسبب آخر
وهو أنه بدا لهم ما كانوا يخفون أي يجحدون من الشرك وعرفوا أنهم هالكون بشركهم فعدلوا إلى التمني والمواعيد الكاذبة وقيل بدا لهم ما كانوا يخفون من النفاق والكفر بشهادة جوارحهم عليهم وقيل بدا لهم ما كانوا يكتمون من أعمالهم القبيحة كما قال تعالى ) وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ( وقال المبرد بدا لهم جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه وهو مثل القول الأول وقيل المعنى أنه ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة ) ولو ردوا ( إلى الدنيا حسبما تمنوا ) لعادوا ( لفعل ما نهوا عنه
الأنعام : ( 29 ) وقالوا إن هي . . . . .
من القبائح التي رأسها الشرك كما عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند ) وإنهم لكاذبون ( أي متصفون بهذه الصفة لا ينفكون عنها بحال من الأحوال ولو شاهدوا ما شاهدوا وقيل المعنى وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من الصدق والإيمان وقرأ يحيى بن وثاب ) ولو ردوا ( بكسر الراء لأن الأصل رددوا فنقلت كسرة الدال إلى الراء وجملة ) وإنهم لكاذبون ( معترضة بين المعطوف وهو وقالوا وبين المعطوف عليه وهو لعادوا أي لعادوا إلى ما نهوا عنه ) وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا ( أي ما هي إلا حياتنا الدنيا ) وما نحن بمبعوثين ( بعد الموت وهذا من شدة تمردهم وعنادهم حيث يقولون هذه المقالة على تقدير أنهم رجوا إلى الدنيا بعد مشاهدتهم للبعث
الأنعام : ( 30 ) ولو ترى إذ . . . . .
قوله ) ولو ترى إذ وقفوا على ربهم ( قد تقدم تفسيره فى قوله ولو ترى إذ وقفوا على النار أي حبسوا على ما يكون من أمر ربهم فيهم وقيل على بمعنى عند وجواب لو محذوف أي لشاهدت أمرا عظيما والاستفهام فى ) أليس هذا بالحق ( للتقريع والتوبيخ أي أليس هذا البعث الذي ينكرونه كائنا موجودا وهذا الجزاء الذي يجحدونه حاضرا ) قالوا بلى وربنا ( اعترفوا بما أنكروا وأكدوا اعترافهم بالقسم ) قال فذوقوا العذاب ( الذي تشاهدونه وهو عذاب النار ) بما كنتم تكفرون ( أي بسبب كفركم به أو بكل شيء مما أمرتم بالإيمان به فى دار الدنيا
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ثم لم تكن فتنتهم ( قال معذرتهم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه ) ثم لم تكن فتنتهم ( قال حجتهم ) إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ( يعني المنافقين والمشركين قالوا وهم في النار هلم فلنكذب فلعله أن ينفعنا فقال الله ) انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ( فى القيامة ) ما كانوا يفترون ( يكذبون في الدنيا وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله ) والله ربنا ما كنا مشركين ( ثم قال ) ولا يكتمون الله حديثا ( قال بجوارحهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ) انظر كيف كذبوا على أنفسهم ( قال باعتذارهم الباطل ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( قال ما كانوا يشركون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ومنهم من يستمع إليك ( قال قريش وفى قوله ) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( قال كالجعبة للنبل وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ( قال يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئا كمثل البهيمة التي لا تسمع النداء ولا تدرى ما يقال لها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال الغطاء أكن قلوبهم أن يفقهوه والوقر الصمم و ) أساطير الأولين ( أساجيع الأولين وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال أساطير الأولين أحاديث الأولين وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال أساطير الأولين كذب الأولين وباطلهم


"""""" صفحة رقم 110 """"""
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) وهم ينهون عنه وينأون عنه ( قال نزلت فى أبي طالب كان ينهى المشركين أن يردوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويتباعد عما جاء به وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن القاسم بن مخيمرة نحوه وأخرج ابن جرير عن عطاء نحوه أيضا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال ينهون عنه الناس أن يؤمنوا به وينأون عنه يتباعدون وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عنه قال لا يلقونه ولا يدعون أحدا يأتيه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن الحنفية في الآية قال كفار مكة كانوا يدفعون الناس عنه ولا يجيبونه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال ينهون عن القرآن وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وينأون عنه يتباعدون عنه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال في الآية قال نزلت في عمومة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكانوا عشرة فكانوا أشد الناس معه في العلانية وأشد الناس عليه في السر وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ( قال من أعمالهم ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( يقول ولو وصل الله لهم دنيا كدنياهم التى كانوا فيها لعادوا إلى أعمالهم أعمال السوء التي كانوا نهوا عنها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى فقال ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( أي ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حيل بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا
سورة الأنعام الآية ( 31 36 )
الأنعام : ( 31 ) قد خسر الذين . . . . .
قوله ) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله ( هم الذين تقدم ذكرهم والمراد من تكذيبهم بلقاء الله تكذيبهم بالبعث وقيل تكذيبهم بالجزاء والأول أولى لأنهم الذين قالوا قريبا ) إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ( ) حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة (


"""""" صفحة رقم 111 """"""
أي القيامة وسميت ساعة لسرعة الحساب فيها ومعنى بغتة فجأة يقال بغتهم الأمر يبغتهم بغتا وبغتة قال سيبويه وهى مصدر في موضع الحال قال ولا يجوز أن يقاس عليه فلا يقال جاء فلان سرعة و ) حتى ( غاية للتكذيب لا للخسران فإنه لا غاية له ) قالوا يا حسرتنا ( هذا جواب إذا جاءتهم أوقعوا النداء على الحسرة وليست بمنادى في الحقيقة ليدل ذلك على كسرة تحسرهم والمعنى يا حسرتنا احضري فهذا أوانك كذا قال سيبويه في هذا النداء وأمثاله كقولهم يا للعجب ويا للرجل وقيل هو تنبيه للناس على عظم ما يحل بهم من الحسرة كأنهم قالوا يا أيها الناس تنبهوا على عظيم ما بنا من الحسرة والحسرة الندم الشديد ) على ما فرطنا فيها ( أي على تفريطنا في الساعة أي في الاعتداد لها والاحتفال بشأنها والتصديق بها ومعنى فرطنا ضيعنا وأصله التقدم يقال فرط فلان أي تقدم وسبق إلى الماء ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا فرطكم على الحوض ومنه الفارط أي المتقدم فكأنهم أرادوا بقولهم ) على ما فرطنا ( أي على ما قدمنا من عجزنا عن التصديق بالساعة والاعتداد لها وقال ابن جرير والطبري إن الضمير في فرطنا فيها يرجع إلى الصفقة وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الإيمان بالكفر والدنيا بالآخرة ) قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا ( في صفقتنا وإن لم تذكر في الكلام فهو دال عليها لأن الخسران لا يكون إلى في صفقة وقيل الضمير راجع إلى الحياة أي على ما فرطنا في حياتنا قوله ) وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ( هذه الجملة حالية أي يقولون تلك المقالة والحال أنهم ) يحملون أوزارهم على ظهورهم ( أي ذنوبهم جمع وزر يقال وزر يزر فهو وازر وموزور وأصله من الوزر قال أبو عبيدة يقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع احمل وزرك أي ثقلك ومنه الوزير لأنه يحمل أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية والمعنى أنها لزمتهم الآثام فصاروا مثقلين بها وجعلها محمولة على الظهور تمثيل ) ألا ساء ما يزرون ( أي بئس ما يحملون
الأنعام : ( 32 ) وما الحياة الدنيا . . . . .
قوله ) وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو ( أي وما متاع الدنيا إلا لعب ولهو على تقدير حذف مضاف أو ما الدنيا من حيث هي إلا لعب ولهو والقصد بالآية تكذيب الكفار في قولهم ) ما هي إلا حياتنا الدنيا ( واللعب معروف وكذلك اللهو وكل ما يشغلك فقد ألهاك وقيل أصله الصرف عن الشيء ورد بأن اللهو بمعنى الصرف لامه ياء يقال لهيت عنه ولام اللهو واو يقال لهوت بكذا ) وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ( سميت آخرة لتأخرها عن الدنيا أي هي خير الذين يتقون الشرك والمعاصي أفلا تعقلون ذلك قرأ ابن عامر ) ولدار الآخرة ( بلام واحدة وبالإضافة وقرأ الجمهور باللام التى للتعريف معها وجعل الآخرة نعتا لها والخبر خير وقرئ تعقلون بالفوقية والتحتية
الأنعام : ( 33 ) قد نعلم إنه . . . . .
قوله ) قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ( هذا اللام مبتدأ مسوق لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عما ناله من النعم والحزن بتكذيب الكفار له ودخول قد للتكثير فإنها قد تأتى لإفادته كما تأتي رب والضمير في ) أنه ( للشأن وقرئ بفتح الياء من يحزنك وضمها وقرئ ) يكذبونك ( مشددا ومخففا واختار أبو عبيد قراءة التخفيف قال النحاس وقد خولف أبو عبيد في هذا ومعنى ) يكذبونك ( على التشديد ينسبونك إلى الكذب ويردون عليك ما قلته ومعنى المخفف أنهم لا يجدونك كذابا يقال أكذبته وجدته كذابا وأبخلته وجدته بخيلا وحكى الكسائى عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب وكذبته أخبرت أنه كاذب وقال الزجاج كذبته إذا قلت له كذبت وأكذبته إذا أردت أن ما أتى به كذب والمعنى أن تكذيبهم ليس يرجع إليك فإنهم يعترفون لك بالصدق ولكن تكذيبهم راجع إلى ما جئت به ولهذا قال ) ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التوبيخ لهم والإزراء عليهم ووصفهم بالظلم


"""""" صفحة رقم 112 """"""
لبيان أن هذا الذي وقع منهم ظلم بين
الأنعام : ( 34 ) ولقد كذبت رسل . . . . .
قوله ) ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ( هذا من جملة التسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي أن هذا الذى وقع من هؤلاء إليك ليس هو بأول ما صنعه الكفار مع من أرسله الله إليهم بل قد وقع التكذيب لكثير من الرسل المرسلين من قبلك فاقتد بهم ولا تحزن واصبر كما صبروا على ما كذبوا به وأوذوا حتى يأتيك نصرنا كما أتاهم فإنا لا نخلف الميعاد و ) لكل أجل كتاب ( ) إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ( ) ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ( ) إنهم لهم المنصورون (
) وإن جندنا لهم الغالبون ( ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( ) ولا مبدل لكلمات الله ( بل وعده كائن وأنت منصور على المكذبين ظاهر عليهم وقد كان ذلك ولله الحمد ) ولقد جاءك من نبإ المرسلين ( ما جاءك من تجرى قومهم عليهم في الابتداء وتكذيبهم لهم ثم نصرهم عليهم في الانتهاء وأنت ستكون عاقبة هؤلاء المكذبين لك كعاقبة المكذبين للرسل فيرجعون إليك ويدخلون في الدين الذي تدعوهم إليه طوعا أو كرها
الأنعام : ( 35 ) وإن كان كبر . . . . .
قوله ) وإن كان كبر عليك إعراضهم ( كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يكبر عليه إعراض قومه ويتعاظمه ويحزن له فبين له الله سبحانه أن هذا الذى وقع منهم من توليهم عن الإجابة له والإعراض عما دعا إليه هو كائن لا محالة لما سبق في علم الله عز وجل وليس في استطاعته وقدرته إصلاحهم وإجابتهم قبل أن يأذن الله بذلك ثم علق ذلك بما هو محال فقال ) فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض ( فتأتيهم بآية منه ) أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ( منها فافعل ولكنك لا تستطيع ذلك فدع الحزن و ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( ) لست عليهم بمصيطر ( والنفق السرب والمنفذ ومنه النافقاء لجحر اليربوع ومنه المنافق وقد تقدم في البقرة ما يغنى عن الإعادة والسلم الدرج الذي يرتقى عليه وهو مذكر لا يؤنث وقال الفراء إنه يؤنث قال الزجاج وهو مشتق من السلامة لأنه يسلك به إلى موضع الأمن وقيل إن الخطاب وإن كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فالمراد به أمته لأنها كانت تضيق صدورهم بتمرد الكفرة وتصميمهم على كفرهم ولا يشعرون أن لله سبحانه في ذلك حكمة لا تبلغها العقول ولا تدركها الأفهام فإن الله سبحانه لو جاء لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بآية تضطرهم إلى الإيمان لم يبق للتكليف الذي هو الابتلاء والامتحان معنى ولهذا قال ) ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ( جمع إلجاء وقسر ولكنه لم يشأ ذلك ولله الحكمة البالغة ) فلا تكونن من الجاهلين ( فإن شدة الحرص والحزن لإعراض الكفار عن الإجابة قبل أن يأذن الله بذلك هو صنيع أهل الجهل ولست منهم فدع الأمور مفوضة إلى عالم الغيب والشهادة فهو أعلم بما فيه المصلحة ولا تحزن لعدم حصول ما يطلبونه من الآيات التى لو بدا لهم بعضها لكان إيمانهم بها اضطرارا
الأنعام : ( 36 ) إنما يستجيب الذين . . . . .
) إنما يستجيب الذين يسمعون ( أي إنما يستجيب لك إلى ما تدعو إليه الذين يسمعون سماع تفهم بما تقتضيه العقول وتوجبه الأفهام وهؤلاء ليس كذلك بل هو بمنزلة الموتى الذين لا يسمعون ولا يعقلون لما جعلنا على قلوبهم من الأكنة وفى آذانهم من الوقر ولهذا قال ) والموتى يبعثهم الله ( شبههم بالأموات بجامع أنهم جميعا لا يفهمون الصواب ولا يعقلون الحق أي أن هؤلاء لا يلجئهم الله إلى الإيمان وإن كان قادرا على ذلك كما يقدر على بعثة الموتى للحساب ) ثم إليه يرجعون ( إلى الجزاء فيجازى كلا بما يليق به كما تقتضيه حكمته البالغة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) قالوا يا حسرتنا ( قال الحسرة الندامة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) يا حسرتنا ( قال الحسرة أن يرى أهل النار منازلهم من الجنة فتلك الحسرة وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ألا ساء ما يزرون ( قال ما يعملون


"""""" صفحة رقم 113 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) لعب ولهو ( قال كل لعب لهو وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن علي بن أبي طالب قال قال أبو جهل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله ) فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي يزيد المدني أن أبا جهل قال والله إني لأعلم أنه صادق ولكن متى كنا تبعا لبني عبد مناف وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي مسيرة نحو رواية علي بن أبي طالب وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( قال يعلمون أنك رسول الله ويجحدون وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله ) ولقد كذبت رسل من قبلك ( قال يعزى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال ) فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض ( والنفق السرب فتذهب فيه فتأتيهم بآية أو تجعل لهم سلما في السماء فتصعد عليه ) فتأتيهم بآية ( أفضل مما أتيناهم به فافعل ) ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ( يقول سبحانه لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) نفقا في الأرض ( قال سربا ) أو سلما في السماء ( قال يعنى الدرج وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) إنما يستجيب الذين يسمعون ( قال المؤمنون ) والموتى ( قال الكفار وأخرج هؤلاء عن مجاهد مثله
سورة الإنعام الآية ( 37 39 )
الأنعام : ( 37 ) وقالوا لولا نزل . . . . .
هذا كان منهم تعنتا ومكابرة حيث لم يقتدوا بما قد أنزله الله على رسوله من الآيات البينات التى من جملتها القرآن وقد علموا أنهم قد عجزوا عن أن يأتوا بسورة مثله ومرادهم بالآية هنا هي التي تضطرهم إلى الإيمان كنزول الملائكة بمرأى منهم ومسمع أو نتق الجبل كما وقع لبني إسرائيل فأمره الله سبحانه أن يجيبهم بأن الله قادر على أن ينزل على رسوله آية تضطرهم إلى الإيمان ولكنه ترك ذلك لتظهر فائدة التكليف الذى هو الابتلاء والامتحان وأيضا لو أنزل آية كما طلبوا لم يمهلهم بعد نزولها بل سيعاجلهم بالعقوبة إذا لم يؤمنوا قال الزجاج طلبوا أن يجمعهم على الهدى يعني جمع إلجاء ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( أن الله قادر على ذلك وأنه تركه لحكمة بالغة لا تبلغها عقولهم
الأنعام : ( 38 ) وما من دابة . . . . .
قوله ) وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ( الدابة من دب يدب فهو داب إذا مشى مشيا فيه تقارب خطو وقد تقدم بيان ذلك في البقرة ) ولا طائر ( معطوف على ) دابة ( مجرور في قراءة الجمهور وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي إسحاق ) ولا طائر ( بالرفع عطفا على موضع من دابة على تقدير زيادة من و ) بجناحيه ( لدفع الإيهام لأن العرب تستعمل الطيران لغير الطير كقولهم طرفي حاجتي


"""""" صفحة رقم 114 """"""
أي أسرع وقيل إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران ومع عدم الاعتدال يميل فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين وقيل ذكر الجناحين للتأكيد كضرب بيده وأبصر بعينيه ونحو ذلك والجناح أحد ناحيتي الطير الذى يتمكن به من الطيران في الهواء وأصله الميل إلى ناحية من النواحي والمعنى ما من دابة من الدواب التي تدب في أي مكان من أمكنة الأرض ولا طائر يطير في أي ناحية من نواحيها ) إلا أمم أمثالكم ( أي جماعات مثلكم خلقهم الله كما خلقكم ورزقهم كما رزقكم داخلة تحت علمه وتقديره وإحاطته بكل شيء وقيل ? أمثالنا ? في ذكر الله والدلالة عليه وقيل ? أمثالنا ? في كونهم محشورين روى ذلك عن أبي هريرة وقال سفيان بن عيينة أي ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه فمنهم من يعدو كالأسد ومنهم من يشره كالخنزير ومنهم من يعوي كالكلب ومنهم من يزهو كالطاوس وقيل ) أمثالكم ( في أن لها أسماء تعرف بها وقال الزجاج ) أمثالكم ( في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص والأولى أن تحمل المماثلة على كل ما يمكن وجود شبه فيه كائنا ما كان قوله ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ( أي ما أغلقنا عنه ولا ضيعنا فيه من شيء والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ فإن الله أثبت فيه جميع الحوادث وقيل إن المراد به القرآن أي ما تركنا في القرآن من شيء من أمر الدين إما تفصيلا أو إجمالا ومثله قوله تعالى ) ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ( وقال ) وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ( ومن جملة ما أجمله في الكتاب العزيز قوله ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( فأمر من هذه الآية باتباع ما سنه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكل حكم سنه الرسول لأمته قد ذكره الله سبحانه في كتابه العزيز بهذه الآية وبنحو قوله تعالى ) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني ( وبقوله ) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ( و ) من ( في ) من شيء ( مزيدة للاستغراق قوله ) ثم إلى ربهم يحشرون ( يعنى الأمم المذكورة وفيه دلالة على أنها تحشر كما يحشر بنو آدم وقد ذهب إلى هذا جمع من العلماء ومنهم أبو ذر وأبو هريرة والحسن وغيرهم وذهب ابن عباس إلي أن حشرها موتها به قال الضحاك والأول أرجح للآية ولما صح في السنة المطهرة من أنه يقاد يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ولقول الله تعالى ) وإذا الوحوش حشرت ( وذهبت طائفة من العلماء إلى أن المراد بالحشر المذكور في الآية حشر الكفار وما تخلل كلام معترض قالوا وأما الحديث فالمقصود به التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص واستدلوا أيضا بأن في هذا الحديث خارج الصحيح عن بعض الرواة زيادة ولفظه حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء وللحجر لم ركب على الحجر والعود لم خدش العود قالوا والجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها
الأنعام : ( 39 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
قوله ) والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم ( أي لا يسمعون بأسماعهم ولا ينطقون بألسنتهم نزلهم منزلة من لا يسمع ولا ينطق لعدم قبولهم لما ينبغى قبوله من الحجج الواضحة والدلائل الصحيحة وقال أبو علي يجوز أن يكون صممهم وبكمهم في الآخرة قوله ) في الظلمات ( أي من ظلمات الكفر والجهل والحيرة لا يهتدون لشيء مما فيه صلاحهم والمعنى كائنين في الظلمات التي تمنع من إبصار المبصرات وضموا إلى الصمم والبكم عدم الانتفاع بالأبصار لتراكم الظلمة عليهم فكانت حواسهم كالمسلوبة التي لا ينتفع بها بحال وقد تقدم في البقرة تحقيق المقام بما يغنى عن الإعادة ثم بين سبحانه أن الأمر بيده ما شاء يفعل من شاء تعالى أن يضله أضله ومن شاء أن يهديه جملة على صراط مستقيم لا يذهب به إلى غير الحق ولا يمشي فيه إلا إلى صوب الاستقامة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في قوله ) إلا أمم أمثالكم (


"""""" صفحة رقم 115 """"""
قال أصنافا مصنفة تعرف بأسمائها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال الطير أمة والإنس أمة والجن أمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال خلق أمثالكم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريح في الآية قال الذرة فما فوقها من ألوان ما خلق الله من الدواب وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ( يعني ما تركنا شيئا إلا وقد كتبناه في أم الكتاب وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ثم إلى ربهم يحشرون ( قال موت البهائم حشرها وفى لفظ قال يعني بالحشر الموت وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال ما من دابة ولا طائر إلا سيحشر يوم القيامة ثم يقتص لبعضها من بعض حتى يقتص للجلحاء من ذات القرن ثم يقال لها كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر ) يا ليتني كنت ترابا ( وإن شئتم فاقرءوا ) وما من دابة في الأرض ( الآية وأخرج ابن جرير عن أبي ذر قال انتطحت شاتان عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال لي يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا قلت لا قال لكن الله يدري وسيقضى بينهما قال أبو ذر ولقد تركنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما يقلب طائر جناحيه في السماء ولا ذكرنا منه علما وأخرجه أيضا أحمد وفى صحيح مسلم أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء
سورة الأنعام الآية ( 40 45 )
الأنعام : ( 40 ) قل أرأيتكم إن . . . . .
قوله ) أرأيتكم ( الكاف والميم عند البصرين للخطاب ولا حظ لهما في الإعراب وهو اختيار الزجاج وقال الكسائي والفراء وغيرهما إن الكاف والميم في محل نصب بوقوع الرؤية عليهما والمعنى أرأيتم أنفسكم قال في الكشاف مرجحا للمذهب الأول إنه لا محل للضمير الثاني يعني الكاف من الإعراب لأنك تقول أرأيتك زيدا ما شأنه فلو جعلت للكاف محلا لكنت كأنك تقول أرأيت نفسك زيدا ما شأنه وهو خلف من القول انتهى والمعنى أخبروني ) إن أتاكم عذاب الله ( كما أتى غيركم من الأمم ) أو أتتكم الساعة ( أي القيامة ) أغير الله تدعون ( هذا على طريقة التبكيت والتوبيخ أي أتدعون غير الله في هذه الحالة من الأصنام التي تعبدونها أم تدعون الله سبحانه وقوله ) إن كنتم صادقين ( تأكيد لذلك التوبيخ أي أغير الله من الأصنام تدعون إن كنتم صادقين أن أصنامكم تضر وتنفع وأنها آلهة كما تزعمون
الأنعام : ( 41 ) بل إياه تدعون . . . . .
قوله ) بل إياه تدعون ( معطوف على منفى مقدر


"""""" صفحة رقم 116 """"""
أي لا تدعون غيره بل إياه تخصون بالدعاء ) فيكشف ما تدعون إليه ( أي فيكشف عنكم ما تدعونه إلى كشفه إن شاء أن يكشفه عنكم لا إذا لم يشأ ذلك قوله ) وتنسون ما تشركون ( أي وتنسون عند أن يأتيكم العذاب ما تشركون به تعالى أي ما تجعلونه شريكا له من الأصنام ونحوها فلا تدعونها ولا ترجون كشف ما بكم منها بل تعرضون عنها إعراض الناس وقال الزجاج يجوز أن يكون المعنى وتتركون ما تشركون
الأنعام : ( 42 ) ولقد أرسلنا إلى . . . . .
قوله ) ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك ( كلام مبتدأ مسوق لتسلية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي ولقد أرسلنا إلى أمم كائنة من قبلك رسلا فكذبوهم ) فأخذناهم بالبأساء والضراء ( أي البؤس والضر وقيل البأساء المصائب في الأموال والضراء المصائب في الأبدان وبه قال الأكثر ) لعلهم يتضرعون ( أي يدعون الله بضراعة مأخوذ من الضراعة وهي الذل يقال ضرع فهو ضارع ومنه قول الشاعر لبيك يزيد ضارع لخصومة
ومختبط مما تطيح الطوائح
الأنعام : ( 43 ) فلولا إذ جاءهم . . . . .
قوله ) فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ( أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا لكنهم لم يتضرعوا وهذا عتاب لهم على ترك الدعاء في كل الأحوال حتى عند نزول العذاب بهم لشدة تمردهم وغلوهم في الكفر ويجوز أن يكون المعنى أنهم تضرعوا عند أن نزل بهم العذاب وذلك تضرع ضروري لم يصدر عن إخلاص فهو غير نافع لصاحبه والأول أولى كما يدل عليه ) ولكن قست قلوبهم ( أي صلبت وغلظت ) وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ( أي أغواهم بالتصميم على الكفر والاستمرار على المعاصي
الأنعام : ( 44 ) فلما نسوا ما . . . . .
قوله ) فلما نسوا ما ذكروا به ( أي تركوا ما ذكروا به أو أعرضوا عما ذكروا به لأن النسيان لو كان على حقيقته لم يؤاخذوا به إذ ليس هو من فعلهم وبه قال ابن عباس وابن جريج وأبو علي الفارسي والمعنى أنهم لما تركوا الاتعاظ بما ذكروا به من البأساء والضراء وأعرضوا عن ذلك ) فتحنا عليهم أبواب كل شيء ( أي لما نسوا ما ذكروا به استدرجناهم بفتح أبواب كل نوع من أنواع الخير عليهم ) حتى إذا فرحوا بما أوتوا ( من الخير على أنواعه فرح بطر وأشر وأعجبوا بذلك وظنوا أنهم إنما أعطوه لكون كفرهم الذى هم عليه حقا وصوابا ) أخذناهم بغتة ( أي فجأة وهم غير مترقبين لذلك والبغتة الأخذ على غرة من غير تقدمة أمارة وهي مصدر في موضع الحال لا يقاس عليها عند سيبويه قوله ) فإذا هم مبلسون ( المبلس الحزين الآيس من الخير لشدة ما نزل به من سوء الحال ومن ذلك اشتق اسم إبليس يقال أبلس الرجل إذا سكت وأبلست الناقة إذا لم ترع قال العجاج صاح هل تعرف رسما مكرسا
قال نعم أعرفه وأبلسا
أي تحير لهول ما رأى والمعنى فإذا هم محزونون متحيرون آيسون من الفرح
الأنعام : ( 45 ) فقطع دابر القوم . . . . .
قوله ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا ( الدابر الآخر يقال دبر القوم يدبرهم دبرا إذا كان آخرهم في المجيء والمعنى أنه قطع آخرهم أي استؤصلوا جميعا حتى آخرهم قال قطرب يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا قال أمية بن أبي الصلت فأهلكوا بعذاب حص دابرهم
فما استطاعوا له صرفا ولا انتصروا
ومنه التدبير لأنه أحكام عواقب الأمور قوله ) والحمد لله رب العالمين ( أي على هلاكهم وفيه تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه سبحانه عند نزول النعم التي من أجلها هلاك الظلمة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فإنهم أشد على عباد الله من كل شديد اللهم أرح عبادك المؤمنين من ظلم الظالمين واقطع دابرهم وأبدلهم بالعدل الشامل لهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله ) فأخذناهم بالبأساء والضراء ( قال خوف السلطان وغلاء السعر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فلما نسوا ما ذكروا به ( قال


"""""" صفحة رقم 117 """"""
يعني تركوا ما ذكروا به وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج ) فلما نسوا ما ذكروا به ( قال ما دعاهم الله إليه ورسله أبوه وردوه عليهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فتحنا عليهم أبواب كل شيء ( قال رخاء الدنيا ويسرها وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) حتى إذا فرحوا بما أوتوا ( قال من الرزق ) أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ( قال مهلكون متغير حالهم ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا ( يقول فقطع أصل الذين ظلموا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن النضر الحارثي في قوله ) أخذناهم بغتة ( قال أمهلوا عشرين سنة ولا يخفى أن هذا مخالف لمعنى البغتة لغة ومحتاج إلى نقل عن الشارع وإلا فهو كلام لا طائل تحته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال المبلس المجهود المكروب الذى قد نزل به الشر الذي لا يدفعه والمبلس أشد من المستكين وفى قوله ) فقطع دابر القوم الذين ظلموا ( قال استؤصلوا
سورة الأنعام الآية ( 46 49 )
الأنعام : ( 46 ) قل أرأيتم إن . . . . .
هذا تكرير للتوبيخ لقصد تأكيد الحجة عليهم ووحد السمع لأنه مصدر يدل على الجمع بخلاف البصر ولهذا جمعه والختم الطبع وقد تقدم تحقيقه فى البقرة والمراد أخذ المعاني القائمة بهذه الجوارح أو أخذ الجوارح نفسها والاستفهام في ) من إله غير الله يأتيكم به ( للتوبيخ ) ومن ( مبتدأ و ) إله ( خبره و ) غير الله ( صفة للخبر ووحد الضمير في ) به ( مع أن المرجع متعدد على معنى فمن يأتيكم بذلك المأخوذ أو المذكور وقيل الضمير راجع إلى أحد هذه المذكورات وقيل إن الضمير بمنزلة اسم الإشارة أي يأتيكم بذلك المذكور ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالنظر في تصريف الآيات وعدم قبولهم لها تعجيبا له من ذلك والتصريف المجيء بها على جهات مختلفة تارة إنذار وتارة إعذار وتارة ترغيب وتارة ترهيب وقوله ) ثم هم يصدفون ( عطف على نصرف ومعنى يصدفون يعرضون يقال صدف عن الشيء إذا أعرض عنه صدفا وصدوفا
الأنعام : ( 47 ) قل أرأيتكم إن . . . . .
قوله ) قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله ( أي أخبروني عن ذلك وقد تقدم تفسير البغتة قريبا أنها الفجأة قال الكسائي بغتهم يبغتهم بغتا وبغتة إذا أتاهم فجأة أي من دون تقديم مقدمات تدل على العذاب والجهرة أن يأتي العذاب بعد ظهور مقدمات تدل عليه وقيل البغتة إتيان العذاب ليلا والجهرة إتيان العذاب نهارا كما في قوله تعالى ) بياتا أو نهارا ( ) هل يهلك إلا القوم الظالمون ( الاستفهام للتقرير أي ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا القوم الظالمون وقريء ) يهلك ( على البناء للفاعل قال الزجاج معناه هل يهلك إلا أنتم ومن أشبهكم انتهى
الأنعام : ( 48 ) وما نرسل المرسلين . . . . .
قوله ) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ( كلام مبتدأ لبيان الغرض من إرسال الرسل أي مبشرين لمن أطاعهم


"""""" صفحة رقم 118 """"""
بما أعد الله له من الجزاء العظيم ومنذرين لمن عصاهم بما له عند الله من العذاب الوبيل وقيل مبشرين في الدنيا بسعة الرزق وفى الآخرة بالثواب ومنذرين مخوفين بالعقاب وهما حالان مقدرتان أي ما نرسلهم إلا مقدرين تبشيرهم وإنذارهم ) فمن آمن وأصلح ( أي آمن بما جاءت به الرسل ) وأصلح ( حال نفسه بفعل ما يدعونه إليه ) فلا خوف عليهم ( بوجه من الوجوه ) ولا هم يحزنون ( بحال من الأحوال هذا حال من آمن وأصلح
الأنعام : ( 49 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
وأما حال المكذبين فهو أنه يمسهم العذاب بسبب فسقهم أي خروجهم عن التصديق والطاعة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) يصدفون ( قال يعدلون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) يصدفون ( قال يعرضون وقال في قوله ) قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة ( قال فجأة آمنين أو جهرة قال وهم ينظرون وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال كل فسق في القرآن فمعناه الكذب
سورة الأنعام الآية ( 50 55 )
الأنعام : ( 50 ) قل لا أقول . . . . .
أمره الله سبحانه بأن يخبرهم لما كثر اقتراحهم عليه وتعنتهم بإنزال الآيات التي تضطرهم إلى الإيمان أنه لم يكن عنده خزائن الله حتى يأتيهم بما اقترحوه من الآيات والمراد خزائن قدرته التى تشتمل على كل شيء من الأشياء ويقول لهم إنه لا يعلم الغيب حتى يخبرهم به ويعرفهم بما سيكون في مستقبل الدهر ) ولا أقول لكم إني ملك ( حتى تكلفوني من الأفعال الخارقة للعادة ما لا يطيقه البشر وليس في هذا ما يدل على أن الملائكة أفضل من الأنبياء وقد اشتغل بهذه المفاضلة قوم من أهل العلم ولا يترتب على ذلك فائدة دينية ولا دنيوية بل الكلام في مثل هذا من الاشتغال بما لا يعنى ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) إن أتبع إلا ما يوحى إلي ( أي ما أتبع إلا ما يوحيه الله إلي وقد تمسك بذلك من لم يثبت اجتهاد الأنبياء عملا بما يفيده القصر في هذه الآية والمسئلة مدونه في الأصول والأدلة عليها معروفة وقد صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال أوتيت القرآن ومثله معه


"""""" صفحة رقم 119 """"""
) قل هل يستوي الأعمى والبصير ( هذا الاستفهام للإنكار والمراد أنه لا يستوي الضال والمهتدي أو المسلم والكافر أو من اتبع ما أوحي إليه ومن لم يتبعه والكلام تمثيل ) أفلا تتفكرون ( في ذلك حتى تعرفوا عدم الاستواء بينهما فإنه بين لا يلتبس على من له أدنى عقل وأقل تفكر
الأنعام : ( 51 ) وأنذر به الذين . . . . .
قوله ) وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ( الإنذار الإعلام والضمير فى به راجع إلى ما يوحى وقيل إلى الله وقيل إلى اليوم الآخر وخص الذين يخافون أن يحشروا لأن الإنذار يؤثر فيهم لما حل بهم من الخوف بخلاف من لا يخاف الحشر من طوائف الكفر لجحوده به وإنكاره له فإنه لا يؤثر فيه ذلك قيل ومعنى يخافون يعلمون ويتيقنون أنهم محشورون فيشمل كل من آمن بالبعث من المسلمين وأهل الذمة وبعض المشركين وقيل معنى الخوف على حقيقته والمعنى أنه ينذر به من يظهر عليه الخوف من الحشر عند أن يسمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يذكره وإن لم يكن مصدقا به في الأصل لكنه يخاف أن يصح ما أخبر به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن من كان كذلك تكون الموعظة فيه أنجع والتذكير له أنفع قوله ) ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع ( الجملة في محل نصب على الحال أي أنذر به هؤلاء الذين يخافون الحشر حال كونهم لا ولي لهم يواليهم ولا نصير يناصرهم ولا شفيع يشفع لهم من دون الله وفيه رد على من زعم من الكفار المعترفين بالحشر أن أباءهم يشفعون لهم وهم أهل الكتاب أو أن أصنامهم تشفع لهم وهم المشركون
الأنعام : ( 52 ) ولا تطرد الذين . . . . .
قوله ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ( الدعاء العبادة مطلقا وقيل المحافظة على صلاة الجماعة وقيل الذكر وقراءة القرآن وقيل المراد الدعاء لله بجلب النفع ودفع الضرر قيل والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام على ذلك والاستمرار وقيل هو على ظاهره و ) يريدون وجهه ( في محل نصب على الحال والمعنى أنهم مخلصون في عبادتهم لا يريدون بذلك إلا وجه الله تعالى أي يتوجهون بذلك إليه لا إلى غيره قوله ) ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ( هذا كلام معترض بين النهي وجوابه متضمن لنفي الحامل على الطرد أي حساب هؤلاء الذين أردت أن تطردهم موافقة لمن طلب ذلك منك هو على أنفسهم ما عليك منه شيء وحسابك على نفسك ما عليهم منه شيء فعلام تطردهم هذا على فرض صحة وصف من وصفهم بقوله ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ( وطعن عندك في دينهم وحسبهم فكيف وقد زكاهم الله عز وجل بالعبادة والإخلاص وهذا هو مثل قوله تعالى ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( وقوله ) وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ( وقوله ) إن حسابهم إلا على ربي ( قوله ) فتطردهم ( جواب النفي في قوله ) ما عليك من حسابهم من شيء ( وهو من تمام الاعتراض أي إذا كان الأمر كذلك فأقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل ومن في ) ما عليك من حسابهم من شيء ( للتبعيض والثانية للتوكيد وكذا في ) وما من حسابك عليهم من شيء ( قوله ) فتكون من الظالمين ( جواب للنهي أعني ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم ( أي فإن فعلت ذلك كنت من الظالمين وحاشاه عن وقوع ذلك وإنما هو من باب التعريض لئلا يفعل ذلك غيره ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل الإسلام كقوله تعالى ) لئن أشركت ليحبطن عملك ( وقيل إن ) فتكون من الظالمين ( معطوف على ) فتطردهم ( على طريق التسبب والأول أولى
الأنعام : ( 53 ) وكذلك فتنا بعضهم . . . . .
قوله ) وكذلك فتنا بعضهم ببعض ( أي مثل ذلك الفتن العظيم فتنا بعض الناس ببعض والفتنة الاختبار أي عاملناهم معاملة المختبرين واللام في ) ليقولوا ( للعاقبة أي ليقول البعض الأول مشيرين إلى البعض الثاني ) أهؤلاء ( الذين ) من الله عليهم من بيننا ( أي أكرمهم بإصابة الحق دوننا قال النحاس وهذا من المشكل لأنه يقال كيف فتنوا ليقولوا هذا القول وهو إن كان على طريقة الإنكار كفر وأجاب بجوابين


"""""" صفحة رقم 120 """"""
الأول أن ذلك واقع منهم على طريقة الاستفهام لا على سبيل الإنكار والثاني أنهم لما اختبروا بهذا كان عاقبته هذا القول منهم كقوله ) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ( قوله ) أليس الله بأعلم بالشاكرين ( هذا الاستفهام للتقرير والمعنى أن مرجع الاستحقاق لنعم الله سبحانه هو الشكر وهو أعلم بالشاكرين له فما بالكم تعترضون بالجهل وتنكرون الفضل
الأنعام : ( 54 ) وإذا جاءك الذين . . . . .
قوله ) وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ( هم الذين نهاه الله عن طردهم وهم المستضعفون من المؤمنين كما سيأتي بيانه ) فقل سلام عليكم ( أمره الله بأن يقول لهم هذا القول تطييبا لخواطرهم وإكراما لهم والسلام والسلامة بمعنى واحد فمعنى سلام عليكم سلمكم الله وقد كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد نزول هذه الآية إذا رآهم بدأهم بالسلام وقيل إن هذا السلام هو من جهة الله أي أبلغهم منا السلام قوله ) كتب ربكم على نفسه الرحمة ( أي أوجب ذلك إيجاب فضل وإحسان وقيل كتب ذلك في اللوح المحفوظ قيل هذا من جملة ما أمره الله سبحانه بإبلاغه إلى أولئك الذين أمره بإبلاغ السلام إليهم تبشيرا بسعة مغفرة الله وعظيم رحمته قوله ) أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ( قرأ ابن عامر وعاصم ونافع بفتح أن من أنه وقرأ الباقون بكسرها فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة بدلا من الرحمة أي كتب ربكم على نفسه أنه من عمل إلى آخره وعلى القراءة الثانية تكون هذه الجملة مفسرة للرحمة بطريق الاستئناف وموضع بجهالة النصب على الحال أي عمله وهو جاهل قيل والمعنى أنه فعل فعل الجاهلين لأن من عمل ما يؤدى إلى الضرر في العاقبة مع علمه بذلك أو ظنه فقد فعل فعل أهل الجهل والسفه لا فعل أهل الحكمة والتدبير وقيل المعنى أنه عمل ذلك وهو جاهل لما يتعلق به من المضرة فتكون فائدة التقييد بالجهالة الإيذان بأن المؤمن لا يباشر ما يعلم أنه يؤدي إلى الضرر قوله ) ثم تاب من بعده ( أي من بعد عمله ) وأصلح ( ما أفسده بالمعصية فراجع الصواب وعمل الطاعة ) فأنه غفور رحيم ( قرأ ابن عامر وعاصم بفتح الهمزة من ) فإنه ( وقرأ الباقون بالكسر فعلى القراءة الأولى تكون أن وما بعدها خبر مبتدأ محذوف أي فأمره أن الله غفور رحيم وهذا اختيار سيبويه واختار أبو حاتم أن الجملة في محل رفع على الابتداء والخبر مضمر كأنه قيل فله ) فأنه غفور رحيم ( قال لأن المبتدأ هو ما بعد الفاء وأما على القراءة الثانية فالجملة مستأنفة
الأنعام : ( 55 ) وكذلك نفصل الآيات . . . . .
قوله ) وكذلك نفصل الآيات ( أي مثل ذلك التفصيل نفصلها والتفصيل التبيين والمعنى أن الله فصل لهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين وبين لهم حكم كل طائفة قوله ) ولتستبين سبيل المجرمين ( قال الكوفيون هو معطوف على مقدر أي وكذلك نفصل الآيات لنبين لكم ولتستبين قال النحاس وهذا الحذف لا يحتاج إليه وقيل إن دخول الواو للعطف على المعنى قرئ ? لتستبين ? بالفوقية والتحتية فالخطاب على الفوقية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي لتستبين يا محمد سبيل المجرمين وسبيل منصوب على قراءة نافع وأما على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحفص بالرفع فالفعل مسند إلى سبيل وأما عل التحتية فالفعل مسند إلى سبيل أيضا وهى قراءة حمزة والكسائي وشعبة بالرفع وإذا استبان سبيل المجرمين فقد استبان سبيل المؤمنين
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) قل هل يستوي الأعمى والبصير ( قال الأعمى الكافر الذى عمى عن حق الله وأمره ونعمه عليه والبصير العبد المؤمن الذى أبصر بصرا نافعا فوحد الله وحده وعمل بطاعة ربه وانتفع بما أتاه الله وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن مسعود قال مر الملأ من قريش على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين


"""""" صفحة رقم 121 """"""
فقالوا يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك ) أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ( أنحن نكون تبعا لهؤلاء اطردهم عنا فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فأنزل الله فيهم القرآن ) وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ( إلى قوله ) والله عليم بالظالمين ( وقد أخرج هذا السبب مطولا ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وفيه إن الذين جاءوا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل والحارث بن عامر بن نوفل ومطعم بن عدي بن الخيار بن نوفل في أشراف الكفار من عبد مناف وأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن خباب قال جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فذكر نحو حديث عبد الله بن مسعود مطولا قال ابن كثير هذا حديث غريب فإن هذه الآية مكية والأقرع وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن سعد بن أبي وقاص قال لقد نزلت هذه الآية في ستة أنا وعبد الله بن مسعود وبلال ورجل من هذيل ورجلان لست أسميهما فقال المشركين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا فوقع في نفس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله ) ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ( وقد روى في بيان السبب روايات موافقة لما ذكرنا في المعنى وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بالغداة والعشي ( قال يعنى الصلاة المكتوبة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال الصلاة المكتوبة الصبح والعصر وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي في الآية قال هم أهل الذكر لا تطردهم عن الذكر قال سفيان أي أهل الفقه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وكذلك فتنا بعضهم ببعض ( يعنى أنه جعل بعضهم أغنياء وبعضهم فقراء فقال الأغنياء للفقراء ) أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ( يعني أهؤلاء هداهم الله وإنما قالوا ذلك استهزاء وسخرية وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح ) أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ( أي لو كان لهم كرامة على الله ما أصابهم هذا الجهد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ماهان قال أتى قوم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا إنا أصبنا ذنوبا عظاما فما رد عليهم شيئا فانصرفوا فأنزل الله ) وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ( الآية فدعاهم فقرأها عليهم وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال أخبرت أن قوله ) سلام عليكم ( كانوا إذا دخلوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بدأهم بالسلام فقال ) سلام عليكم ( وإذا لقيهم فكذلك أيضا
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) وكذلك نفصل الآيات ( قال نبين الآيات وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ولتستبين سبيل المجرمين ( قال الذين يأمرونك بطرد هؤلاء
سورة الأنعام الآية ( 56 58 )


"""""" صفحة رقم 122 """"""
سورة الأنعام الآية ( 59 )
الأنعام : ( 56 ) قل إني نهيت . . . . .
قوله ) قل إني نهيت ( أمره الله سبحانه أن يعود إلى مخاطبة الكفار ويخبرهم بأنه نهى عن عبادة ما يدعونه ويعبدونه من دون الله أي نهاه الله عن ذلك وصرفه وزجره ثم أمره سبحانه بأن يقول لهم ) لا أتبع أهواءكم ( أي لا أسلك المسلك الذى سلكتموه في دينكم من اتباع الأهواء والمشى على ما توجبه المقاصد الفاسدة التى يتسبب عنها الوقوع في الضلال قوله ) قد ضللت إذا ( أي اتبعت أهواءكم فيما طلبتموه من عبادة معبوداتكم وطرد من أردتم طرده ) وما أنا من المهتدين ( إن فعلت ذلك وهذه الجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها والمجيء بها اسمية عقب تلك الفعلية للدلالة على الدوام والثبات وقرىء ) ضللت ( بفتح اللام وكسرها وهما لغتان قال أبو عمرو ضللت بكسر اللام لغة تميم وهى قراءة ابن وثاب وطلحة بن مصرف والأولى هى الأصح والأفصح لأنها لغة أهل الحجاز وهى قراءة الجمهور قال الجوهري والضلال والضلالة ضد الرشاد وقد ضللت أضل
قال الله تعالى ) قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ( قال فهذه يعني المفتوحة لغة نجد وهى الفصيحة وأهل العالية يقول ضللت بالكسر أضل انتهى
الأنعام : ( 57 ) قل إني على . . . . .
قوله ) قل إني على بينة من ربي ( البينة الحجة والبرهان أي إني على برهان من ربي ويقين لا على هوى وشك أمره الله سبحانه بأن يبين لهم أن ما هو عليه من عبادة ربه هو عن حجة برهانية يقينية لا كما هم عليه من اتباع الشبه الداحضة والشكوك الفاسدة التى لا مستند لها إلا مجرد الأهوية الباطلة قوله ) وكذبتم به ( أي بالرب أو بالعذاب أو بالقرآن أو بالبينة والتذكير للضمير باعتبار المعنى وهذه الجملة إما حالية بتقدير قد أي والحال أن قد كذبتم به أو جملة مستأنفة مبينة لما هم عليه من التكذيب بما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الحجج الواضحة والبراهين البينة قوله ) ما عندي ما تستعجلون به ( أخبرهم بأنه لم يكن عنده ما يتعجلونه من العذاب فإنهم كانوا لفرط تكذيبهم يستعجلون نزوله استهزاء نحو قوله ) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ( وقولهم ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ( وقولهم ) متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( وقيل ) ما عندي ما تستعجلون به ( من الآيات التى تقترحونها علي قوله ) إن الحكم إلا لله ( أي ما الحكم في كل شيء إلا لله سبحانه ومن جملة ذلك ما تستعجلون به من العذاب أو الآيات المقترحة والمراد الحكم الفاصل بين الحق والباطل قوله ) يقص الحق ( قرأ نافع وابن كثير وعاصم ) يقص ( بالقاف والصاد المهملة وقرأ الباقون ) يقضي ( بالضاد المعجمة والياء وكذا قرأ علي وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب وهو مكتوب في المصحف بغير ياء فعلى القراءة الأولى هو من القصص أي يقص القصص الحق أو من قص أثره أي يتبع الحق فيما يحكم به وعلى القراءة الثانية هو من القضاء أي يقضى القضاء بين عباده والحق منتصب على المفعولية أو على أنه صفة لمصدر محذوف أي يقضى القضاء الحق أو يقص القصص الحق ) وهو خير الفاصلين ( أي بين الحق والباطل بما يقتضى به بين عباده ويفصله لهم في كتابه
الأنعام : ( 58 ) قل لو أن . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم ) لو أن عندي ما تستعجلون به ( أي ما تطلبون تعجيله بأن يكون إنزاله بكم مقدورا لي وفى وسعي ) لقضي الأمر بيني وبينكم ( أي لقضى الله الأمر بيننا بأن ينزله الله سبحانه بكم بسؤالي له وطلبي ذلك أو المعنى لو كان العذاب الذى تطلبونه وتستعجلون به عندي وفى قبضتي لأنزلته بكم وعند ذلك يقضى الأمر بيني وبينكم ) والله أعلم بالظالمين ( وبالوقت الذى ينزل فيه عذابهم وبما تقتضيه


"""""" صفحة رقم 123 """"""
مشيئته من تأخيره استدراجا لهم وإعذارا إليهم
الأنعام : ( 59 ) وعنده مفاتح الغيب . . . . .
قوله ) وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ( المفاتح جمع مفتح بالفتح وهو المخزن أي عنده مخازن الغيب جعل للأمور الغيبية مخازن تخزن فيها على طريق الاستعارة أو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح جعل للأمور الغيبية مفاتح يتوصل بها إلى ما فى المخازن منها على طريق الاستعارة أيضا ويؤيد أنها جمع مفتح بالكسر قراءة ابن السميفع ) وعنده مفاتح الغيب ( فإن المفاتيح جمع مفتاح والمعنى إن عنده سبحانه خاصة مخازن الغيب أو المفاتح التى يتوصل بها إلى المخازن وقوله ) لا يعلمها إلا هو ( جملة مؤكدة لمضمون الجملة الأولى وأنه لا علم لأحد من خلقه بشيء من الأمور الغيبية التى استأثر الله بعلمها ويندرج تحت هذه الآية علم ما يستعجله الكفار من العذاب كما يرشد إليه السياق اندراجا أوليا وفى هذه الآية الشريفة ما يدفع أباطيل الكهان والمنجمين والرمليين وغيرهم من المدعين ما ليس من شأنهم ولا يدخل تحت قدرتهم ولا يحيط به علمهم ولقد ابتلى الإسلام وأهله بقوم سوء من هذه الأجناس الضالة والأنواع المخذولة ولم يربحوا من أكاذيبهم وأباطيلهم بغير خطة السوء المذكورة في قول الصادق المصدوق ( صلى الله عليه وسلم ) من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد قوله ) ويعلم ما في البر والبحر ( خصهما بالذكر لأنهما من أعظم مخلوقات الله أي يعلم ما فيهما من حيوان وجماد علما مفصلا لا يخفى عليه منه شيء أو خصهما لكونهما أكثر ما يشاهده الناس ويتطلعون لعلم ما فيهما ) وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ( أي من ورق الشجر وهو تخصيص بعد التعميم أي يعلمها ويعلم زمان سقوطها ومكانه وقيل المراد بالورقة ما يكتب فيه الآجال والأرزاق وحكى النقاش عن جعفر بن محمد أن الورقة يراد بها هنا السقط من أولاد بني آدم قال ابن عطية وهذا قول جار على طريقة الرموز ولا يصح عن جعفر بن محمد ولا ينبغى أن يلتفت إليه ) ولا حبة ( كائنة ) في ظلمات الأرض ( أي في الأمكنة المظلمة وقيل في بطن الأرض ) ولا رطب ولا يابس ( بالخفض عطفا على حبة وهى معطوفة على ورقة وقرأ ابن السميفع والحسن وغيرهما بالرفع عطفا على موضع من ورقة وقد شمل وصف الرطوبة واليبوسة جميع الموجودات قوله ) إلا في كتاب مبين ( هو اللوح المحفوظ فتكون هذه الجملة بدل اشتمال من ) إلا يعلمها ( وقيل هو عبارة عن علمه فتكون هذه الجملة بدل كل من تلك الجملة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني في قوله ) قل إني على بينة من ربي ( قال على ثقة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله ) لقضي الأمر بيني وبينكم ( قال لقامت الساعة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وعنده مفاتح الغيب ( قال يقول خزائن الغيب وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وعنده مفاتح الغيب ( قال هن خمس ) إن الله عنده علم الساعة ( إلى قوله ) عليم خبير ( وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ( قال ما من شجرة من بر ولا بحر إلا وبها ملك يكتب ما يسقط من ورقها وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن جحادة في قوله ) وما تسقط من ورقة ( قال لله تبارك وتعالى شجرة تحت العرش ليس مخلوق إلا له فيها ورقة فإذا سقطت ورقته خرجت روحه من جسده فذلك قوله ) وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ( وأخرج الخطيب في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله


"""""" صفحة رقم 124 """"""
( صلى الله عليه وسلم ) قال ما من زرع على الأرض ولا ثمار على أشجار إلا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم هذا رزق فلان بن فلان فذلك قوله تعالى ) وما تسقط من ( الآية وقد رواه يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية ) ولا رطب ولا يابس ( فقال الرطب واليابس من كل شيء
سورة الأنعام الآية ( 60 62 )
الأنعام : ( 60 ) وهو الذي يتوفاكم . . . . .
قوله ) يتوفاكم بالليل ( أي ينيمكم فيقبض فيه نفوسكم التى بها تميزون وليس ذلك موتا حقيقة فهو مثل قوله ) الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ( والتوفى استيفاء الشيء وتوفيت الشيء واستوفيته إذا أخذته أجمع قال الشاعر إن بنى الأدرم ليسوا من أحد
ولا توفاهم قريش في العدد
قيل الروح إذا خرجت من البدن في ا لمنام بقيت فيه الحياة وقيل لا تخرج منه الروح بل الذهن فقط والأولى أن هذا أمر لا يعرفه إلا الله سبحانه قوله ) ويعلم ما جرحتم بالنهار ( أي كسبتم بجوارحكم من الخير والشر قوله ) ثم يبعثكم فيه ( أي فى النهار يعني اليقظة وقيل يبعثكم من القبور فيه أي فى شأن ذلك الذي قطعتم فيه أعماركم من النوم بالليل والكسب بالنهار وقيل فى الكلام تقديم وتأخير والتقدير هو الذي يتوفاكم بالليل ثم يبعثكم بالنهار ويعلم ما جرحتم فيه وقيل ثم يبعثكم فيه أي فى المنام ومعنى الآية أن إمهاله تعالى للكفار ليس للغفلة عن كفرهم فإنه عالم بذلك ولكن ) ليقضى أجل مسمى ( أي معين لكل فرد من أفراد العباد من حياة ورزق ) ثم إليه مرجعكم ( أي رجوعكم بعد الموت ) ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ( فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته
الأنعام : ( 61 ) وهو القاهر فوق . . . . .
قوله ) وهو القاهر فوق عباده ( المراد فوقية القدرة والرتبة كما يقال السلطان فوق الرعية وقد تقدم بيانه في أول السورة قوله ) ويرسل عليكم حفظة ( أي ملائكة جعلهم الله حافظين لكم ومنه قوله ) وإن عليكم لحافظين ( والمعنى أنه يرسل عليكم من يحفظكم من الآفات ويحفظ أعمالكم والحفظة جمع حافظ مثل كتبة جمع كاتب ) وعليكم ( متعلق بيرسل لما فيه من معنى الاستيلاء وتقديمه على حفظة ليفيد العناية بشأنه وأنه أمر حقيق بذلك وقيل هو متعلق بحفظة قوله ) حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ( حتى يحتمل أن تكون هى الغائية أي ويرسل عليكم حفظة يحفظون ما أمروا بحفظه مما يتعلق بكم ) حتى إذا جاء أحدكم الموت ( ويحتمل أن تكون الابتدائية والمراد بمجىء الموت مجيء علاماته وقرأ حمزة ) توفته رسلنا ( وقرأ الأعمش ? تتوفاه ? والرسل هم أعوان ملك الموت ومعنى توفته استوفت روحه ) لا يفرطون ( أي لا يقصرون ويضيعون وأصله من التقدم وقال أبو عبيدة لا يتوانون وقرأ عبيد بن عمير ) لا يفرطون ( بالتخفيف أي لا يجاوزون الحد فيما أمروا به من الإكرام والإهانة
الأنعام : ( 62 ) ثم ردوا إلى . . . . .
قوله ) ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ( معطوف على توفته والضمير راجع إلى أحد لأنه فى معنى الكل


"""""" صفحة رقم 125 """"""
مع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة أي ردوا بعد الحشر إلى الله أي إلى حكمه وجزائه ) مولاهم ( مالكهم الذى يلي أمورهم ) الحق ( قرأ الجمهور بالجر صفة لاسم الله وقرأ الحسن ) الحق ( بالنصب على إضمار فعل أي أعني أو أمدح أو على المصدر ) وهو أسرع الحاسبين ( لكونه لا يحتاج إلى ما يحتاجون إليه من الكفر والروية والتدبر
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مع كل إنسان ملك إذا نام يأخذ نفسه فإذا أذن الله في قبض روحه قبضه وإلا ردها إليه فذلك قوله تعالى ) يتوفاكم بالليل ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال ما من ليلة إلا والله يقبض الأرواح كلها فيسأل كل نفس عما عمل صاحبها من النهار ثم يدعو ملك الموت فيقول اقبض روح هذا وما من يوم إلا وملك الموت ينظر في كتاب حياة الإنسان قائل يقول ثلاثا وقائل يقول خمسا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال أما وفاته إياهم بالليل فمنامهم وأما ) جرحتم بالنهار ( فيقول ما اكتسبتم بالنهار ) ثم يبعثكم فيه ( قال في النهار ) ليقضى أجل مسمى ( وهو الموت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ويعلم ما جرحتم ( قال ما كسبتم من الإثم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) ويرسل عليكم حفظة ( قال هم المعقبات من الملائكة يحفظونه ويحفظون عمله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى الآية قال أعوان ملك الموت من الملائكة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) وهم لا يفرطون ( يقول لا يضيعون
سورة الأنعام الآية ( 63 65 )
الأنعام : ( 63 ) قل من ينجيكم . . . . .
قيل المراد بظلمات البر والبحر شدائدهما قال النحاس والعرب تقول يوم مظلم إذا كان شديدا فإذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كوكب أي يحتاجون فيه لشدة ظلمته إلى كوكب وأنشد سيبويه بني أسد هل تعلمون بلاءنا
إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
والاستفهام للتقريع والتوبيخ أي من ينجيكم من شدائدهما العظيمة قرأ أبو بكر عن عاصم ? خفية ? بكسر الخاء وقرأ الباقون بضمها وهما لغتان وقرأ الأعمش ) وخيفة ( من الخوف وجملة ) تدعونه ( في محل نصب على الحال أي من ينجيكم من ذلك حال دعائكم له دعاء تضرع وخفية أو متضرعين ومخفين والمراد بالتضرع هنا دعاء الجهر قوله ) لئن أنجيتنا ( كذا قرأ أهل المدينة وأهل الشام وقرأ الكوفيون ) لئن أنجانا ( والجملة فى محل نصب على تقدير القول أي قائلين لئن أنجيتنا من هذه الشدة التى نزلت بنا وهى الظلمات المذكورة ) لنكونن من الشاكرين (


"""""" صفحة رقم 126 """"""
لك على ما أنعمت به علينا من تخليصنا من هذه الشدائد
الأنعام : ( 64 ) قل الله ينجيكم . . . . .
قوله ) قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ( قرأ الكوفيون وهشام ) ينجيكم ( بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف وقراءة التشديد تفيد التكثير وقيل معناهما واحد والضمير فى ) منها ( راجع إلى الظلمات والكرب الغم يأخذ بالنفس ومنه رجل مكروب قال عنترة ومكروب كشفت الكرب عنه
بطعنة فيصل لما دعاني
اه ) ثم أنتم تشركون ( بالله سبحانه بعد أن أحسن إليك بالخلوص من الشدائد وذهاب الكروب شركاء لا ينفعونكم ولا يضرونكم ولا يقدرون على تخليصكم من كل ما ينزل بكم فكيف وضعتم هذا الشرك موضع ما وعدتم به من أنفسكم من الشكر
الأنعام : ( 65 ) قل هو القادر . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم ) هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا ( أي الذى قدر على إنجائكم من تلك الشدائد ودفع عنكم تلك الكروب قادر على أن يعيدكم في شدة ومحنة وكرب يبعث عذابه عليكم من كل جانب فالعذاب المبعوث من جهة الفوق ما ينزل من السماء من المطر والصواعق والمبعوث من تحت الأرجل الخسف والزلازل والغرق وقيل ) من فوقكم ( يعني الأمراء الظلمة ) من تحت أرجلكم ( يعني السفلة وعبيد السوء قوله ) أو يلبسكم شيعا ( قرأ الجمهور بفتح التحتية من لبس الأمر إذا خلطه وقرأ أبو عبد الله المديني بضمها أي يجعل ذلك لباسا لكم قيل والأصل أو يلبس عليكم أمركم فحذف أحد المفعولين مع حرف الجر كما في قوله تعالى ) وإذا كالوهم أو وزنوهم ( والمعنى يجعلكم مختلطي الأهواء مختلفي النحل متفرقي الآراء وقيل يجعلكم فرقا يقاتل بعضكم بعضا والشيع الفرق أي يخلطكم فرقا قوله ) ويذيق بعضكم بأس بعض ( أي يصيب بعضكم بشدة بعض من قتل وأسر ونهب ) ويذيق ( معطوف على ) يبعث ( وقرئ نذيق بالنون ) انظر كيف نصرف الآيات ( نبين لهم الحجج والدلالات من وجوه مختلفة ) لعلهم يفقهون ( الحقيقة فيعودون إلى الحق الذى بيناه لهم بيانات متنوعة
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر ( يقول من كرب البر والبحر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم فى تفسير الآية عن ابن عباس قال يقول إذا أضل الرجل الطريق دعا الله لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ( قال يعني من أمرائكم ) أو من تحت أرجلكم ( يعني سفلتكم ) أو يلبسكم شيعا ( يعني بالشيع الأهواء المختلفة ) ويذيق بعضكم بأس بعض ( قال يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه من وجه آخر في تفسير الآية قال ) عذابا من فوقكم ( أئمة السوء ) أو من تحت أرجلكم ( قال خدم السوء وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا من وجه آخر قال ) من فوقكم ( من قبل أمرائكم وأشرافكم ) أو من تحت أرجلكم ( قال من قبل سفلتكم وعبيدكم وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مالك ) عذابا من فوقكم ( قال القذف ) أو من تحت أرجلكم ( قال الخسف وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد مثله وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد أيضا ) من فوقكم ( قال الصيحة والحجارة والريح ) أو من تحت أرجلكم ( قال الرجفة والخسف وهما عذاب أهل التكذيب ) ويذيق بعضكم بأس بعض ( قال عذاب أهل الإقرار وأخرج البخاري وغيره عن جابر ابن عبد الله قال لما نزلت هذه الآية ) قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ( قال رسول الله صلى


"""""" صفحة رقم 127 """"""
الله عليه وآله وسلم أعوذ بوجهك ) أو من تحت أرجلكم ( قال أعوذ بوجهك ) أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ( قال هذا أهون أو أيسر وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث طويل عن ثوبان وفيه وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها وأخرج مسلم وغيره من حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيهما وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وأخرج أحمد والحاكم وصححه من حديث جابر بن عتيك نحوه وأخرج نحوه أيضا ابن مردويه من حديث أبي هريرة وأخرج أيضا ابن أبي شيبة وابن مردويه من حديث حذيفة بن اليمان نحوه وأخرج أحمد والنسائي وابن مردويه عن أنس نحوه أيضا وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى هذه الآية ) قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم ( فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والضياء فى المختارة عن أبي بن كعب في هذه الآية قال هن أربع وكلهن عذاب وكلهن واقع لا محالة فمضت اثنتان بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بخمس وعشرين سنة فألبسوا شيعا وذاق بعضهم بأس بعض وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة الخسف والرجم والأحاديث فى هذا الباب كثيرة وفيما ذكرناه كفاية
سورة الأنعام الآية ( 66 71 )


"""""" صفحة رقم 128 """"""
سورة الأنعام الآية ( 72 73 )
الأنعام : ( 66 ) وكذب به قومك . . . . .
قوله ) وكذب به قومك ( الضمير راجع إلى القرآن أو إلى العذاب وقومه المكذبون هم قريش وقيل كل معاند وجملة ) وهو الحق ( فى محل نصب على الحال أي كذبوا بالقرآن أو العذاب والحال أنه حق وقرأ ابن أبي عبلة ? وكذبت ? بالتاء ) قل لست عليكم بوكيل ( أي لست بحفيظ على أعمالكم حتى أجازيكم عليها قيل وهذه الآية منسوخة بآية القتال وقيل ليست بمنسوخة إذ لم يكن إيمانهم فى وسعه
الأنعام : ( 67 ) لكل نبإ مستقر . . . . .
قوله ) لكل نبإ مستقر ( أي لكل شيء وقت يقع فيه والنبأ الشيء الذي ينبأ عنه وقيل المعنى لكل عمل جزاء قال الزجاج يجوز أن يكون وعيدا لهم بما ينزل بهم فى الدنيا وقال الحسن هذا وعيد من الله للكفار لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث ) وسوف تعلمون ( ذلك بحصوله ونزوله بهم كما علموا يوم بدر بحصول ما كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتوعدهم به
الأنعام : ( 68 ) وإذا رأيت الذين . . . . .
قوله ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ( الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له والخوض أصله في الماء ثم استعمل فى غمرات الأشياء التى هى مجاهل تشبيها بغمرات الماء فاستعير من المحسوس للمعقول وقيل هو مأخوذ من الخلط وكل شيء خضته فقد خلطته ومنه خاص الماء بالعسل خلطه والمعنى إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والرد والاستهزاء فدعهم ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التى يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هى الخوض في غير ذلك
وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم وذلك يسير عليه غير عسير وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة فيكون فى حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر
وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه وبلغت إليه طاقتنا ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما فى مجالسة من يعصى الله بفعل شيء من المحرمات ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدة عمره ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر قوله ) وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى ( إما هذه هي الشرطية وتلزمها غالبا نون التأكيد ولا تلزمها نادرا ومنه قول الشاعر إما يصبك عدو في منازله
يوما فقل كيف يستعلى وينتصر
وقرأ ابن عباس ينسيك بتشديد السين ومثله قول الشاعر وقد ينسيك بعض الحاجة الكسل
والمعنى إن أنساك الشيطان أن تقوم عنهم فلا تقعد بعد الذكرى إذا ذكرت ) مع القوم الظالمين ( أي الذين


"""""" صفحة رقم 129 """"""
ظلموا أنفسهم بالاستهزاء بالآيات والتكذيب بها قيل وهذا الخطاب وإن كان ظاهره للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فالمراد التعريض لأمته لتنزهه عن أن ينسيه الشيطان وقيل لا وجه لهذا فالنسيان جائز عليه كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ونحو ذلك
الأنعام : ( 69 ) وما على الذين . . . . .
قوله ) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ( أي ما على الذين يتقون مجالسة الكفار عند خوضهم في آيات الله من حساب الكفار من شيء وقيل المعنى ما على الذين يتقون ما يقع منهم من الخوض فى آيات الله فى مجالستهم لهم من شيء وعلى هذا التفسير ففي الآية الترخيص للمتقين من المؤمنين فى مجالسة الكفار إذا اضطروا إلى ذلك كما سيأتي عند ذكر السبب
قيل وهذا الترخيص كان في أول الإسلام وكان الوقت وقت تقية ثم نزل قوله تعالى ) وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ( فنسخ ذلك قوله ) ولكن ذكرى لعلهم ( ذكرى فى موضع نصب على المصدر أو رفع على أنها مبتدأ وخبرها محذوف أي ولكن عليهم ذكرى وقال الكسائي المعنى ولكن هذه ذكرى والمعنى على الاستدراك من النفي السابق أي ولكن عليهم الذكرى للكافرين بالموعظة والبيان لهم بأن ذلك لا يجوز أما على التفسير الأول فلأن مجرد اتقاء مجالس هؤلاء الذين يخوضون فى آيات الله لا يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأما على التفسير الثاني فالترخيص فى المجالسة لا يسقط التذكير ) لعلهم يتقون ( الخوض فى آيات الله إذا وقعت منكم الذكرى لهم وأما جعل الضمير للمتقين فبعيد جدا
الأنعام : ( 70 ) وذر الذين اتخذوا . . . . .
قوله ) وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ( أي اترك هؤلاء الذين اتخذوا الدين الذى كان يجب عليهم العمل به والدخول فيه لعبا ولهوا ولا تعلق قلبك بهم فإنهم أهل تعنت وإن كنت مأمورا بإبلاغهم الحجة وقيل هذه الآية منسوخة بآية القتال وقيل المعنى أنهم اتخذوا دينهم الذى هم عليه لعبا ولهوا كما فى فعلهم بالأنعام من تلك الجهالات والضلالات المتقدم ذكرها وقيل المراد بالدين هنا العيد أي اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا وجملة ) وغرتهم الحياة الدنيا ( معطوفة على ) اتخذوا ( أي غرتهم حتى آثروها على الآخرة وأنكروا البعث وقالوا ) إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ( قوله ) وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ( الضمير فى به للقرآن أو للحساب والإبسال تسليم المرء نفسه للهلاك ومنه أبسلت ولدي أي رهنته فى الدم لأن عاقبة ذلك الهلاك قال النابغة ونحن رهنا بالإفاقة عامرا
بما كان في الدرداء رهنا فأبسلا
أي فهلك والدرداء كتيبة كانت لهم معروفة بهذا الاسم فالمعنى وذكر به خشية أو مخافة أو كراهة أن تهلك نفس بما كسبت أي ترتهن وتسلم للهلكة وأصل الإبسال المنع ومنه شجاع باسل أي ممتنع من قرنه
قوله ) وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ( العدل هنا الفدية والمعنى وإن بذلت تلك النفس التى سلمت للهلاك كل فدية لا يؤخذ منها ذلك العدل حتى تنجو به من الهلاك وفاعل ) يؤخذ ( ضمير يرجع إلى العدل لأنه بمعنى المفدى به كما فى قوله ) ولا يؤخذ منها عدل ( وقيل فاعله منها لأن العدل هنا مصدر لا يسند إليه الفعل وكل عدل منصوب على المصدر أي عدلا كل عدل والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتخذين دينهم لعبا ولهوا خبره ) الذين أبسلوا بما كسبوا ( أي هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا هم الذين سلموا للهلاك بما كسبوا ) لهم شراب من حميم ( جواب سؤال مقدر كأنه قيل كيف حال هؤلاء فقيل لهم شراب من حميم وهو الماء الحار ومثله قوله تعالى ) يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( وهو هنا شراب يشربونه فيقطع أمعاءهم
الأنعام : ( 71 ) قل أندعو من . . . . .
قوله ) قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ( أمره الله سبحانه بأن يقول لهم هذه المقالة والاستفهام للتوبيخ أي


"""""" صفحة رقم 130 """"""
كيف ندعوا من دون الله أصناما لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن أردنا منها نفعا ولا نخشى ضرها بوجه من الوجوه ومن كان هكذا فلا يستحق العبادة ) ونرد على أعقابنا ( عطف على ) ندعوا ( والأعقاب جمع عقب أي كيف ندعوا من كان كذلك ونرجع إلى الضلالة التي أخرجنا الله منها قال أبو عبيدة يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه وقال المبرد تعقب بالشر بعد الخير
وأصله من المعاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشيء واجبا له أن يتبعه ومنه ) والعاقبة للمتقين ( ومنه عقب الرجل ومنه العقوبة لأنها تالية للذنب قوله ) كالذي استهوته الشياطين في الأرض ( هوى يهوى إلى الشيء أسرع إليه وقال الزجاج هو من هوى النفس أي زين له الشيطان هواه و ) استهوته الشياطين ( هوت به والكاف فى ) كالذي ( إما نعت مصدر محذوف أي نرد على أعقابنا ردا كالذى أو في محل نصب على الحال من فاعل نرد أي نرد حال كوننا مشبهين للذى استهوته الشياطين أي ذهبت به مردة الجن بعد أن كان بين الإنس قرأ الجمهور ) استهوته ( وقرأ حمزة استهواه على تذكير الجمع وقرأ ابن مسعود والحسن ? استهواه الشيطان ? وهو كذلك فى قراءة أبي و ) حيران ( حال أي حال كونه متحيرا تائها لا يدري كيف يصنع والحيران هو الذي لا يهتدى لجهة وقد حار يحار حيرة وحيرورة إذا تردد وبه سمى الماء المستنقع الذى لا منفذ له حائرا قوله ) له أصحاب يدعونه إلى الهدى ( صفة لحيران أو حالية أي له رفقة يدعونه إلى الهدى يقولون له ائتنا فلا يجيبهم ولا يهتدى بهديهم قوله ) قل إن هدى الله هو الهدى ( أمره الله سبحانه بأن يقول لهم ) إن هدى الله ( أي دينه الذى ارتضاه لعباده ) هو الهدى ( وما عداه باطل ) ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ( ) وأمرنا ( معطوف على الجملة الاسمية أي من جملة ما أمره الله بأن يقوله واللام في ) لنسلم ( هى لام العلة والمعلل هو الأمر أي أمرنا لأجل نسلم لرب العالمين وقال الفراء المعنى أمرنا بأن نسلم لأن العرب تقول أمرتك لتذهب وبأن تذهب بمعنى وقال النحاس سمعت ابن كيسان يقول هى لام الخفض
الأنعام : ( 72 ) وأن أقيموا الصلاة . . . . .
قوله ) وأن أقيموا الصلاة واتقوه ( معطوف على ) لنسلم ( على معنى وأمرنا أن نسلم وأن أقيموا ويجوز أن يكون عطفا على يدعونه على المعنى أي يدعونه إلى الهدى ويدعونه أن أقيموا ) وهو الذي إليه تحشرون ( فكيف تخالفون أمره
الأنعام : ( 73 ) وهو الذي خلق . . . . .
) وهو الذي خلق السماوات والأرض ( خلقا ) بالحق ( أو حال كون الخلق بالحق فكيف تعبدون الأصنام المخلوقة قوله ) ويوم يقول كن فيكون قوله الحق ( أي واذكر يوم يقول كن فيكون أو واتقوا يوم يقول كن فيكون وقيل هو عطف على الهاء فى ) واتقوه ( وقيل إن ) يوم ( ظرف لمضمون جملة ) قوله الحق ( والمعنى وأمره المتعلق بالأشياء الحق أي المشهود له بأنه حق وقيل قوله مبتدأ والحق صفة له ) ويوم يقول كن فيكون ( خبره مقدما عليه والمعنى قوله المتصف بالحق كائن يوم يقول كن فيكون وقيل إن قوله مرتفع بيكون والحق صفته أي يوم يقول كن فيكون قوله الحق وقرأ ابن عامر ) فنكون ( بالنون وهو إشارة إلى سرعة الحساب وقرأ الباقون بالياء التحتية وهو الصواب قوله ) وله الملك يوم ينفخ في الصور ( الظرف منصوب بما قبله أي له الملك فى هذا اليوم وقيل هو بدل من اليوم الأول والصور قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء والثانية للإنشاء وكذا قال الجوهري إن الصور القرن قال الراجز
لقد نطحناهم غداة الجمعين نطحا شديدا لا كنطح الصورين
والصور بضم الصاد وبكسرها لغة وحكى عن عمرو بن عبيد أنه قرأ ) يوم ينفخ في الصور ( بتحريك الواو جمع صورة والمراد الخلق قال أبو عبيدة وهذا وإن كان محتملا يرد بما في الكتاب والسنة وقال الفراء


"""""" صفحة رقم 131 """"""
كن فيكون يقال إنه للصور خاصة أي ويوم يقول للصور كن فيكون قوله ) عالم الغيب والشهادة ( رفع عالم على أنه صفة للذى خلق السموات والأرض ويجوز أن يرتفع على إضمار مبتدإ أي هو عالم الغيب والشهادة وروى عن بعضهم أنه قرأ ) ينفخ ( بالبناء للفاعل فيجوز على هذه القراءة أن يكون الفاعل ) عالم الغيب ( ويجوز أن يرتفع بفعل مقدر كما أنشد سيبويه لببك يزيد ضارع لخصومة
ومختبط مما تطيح الطوائح
أي يبكيه مختبط وقرأ الحسن والأعمش ) عالم ( بالخفض على البدل من الهاء فى ) له الملك ( ) وهو الحكيم ( في جميع ما يصدر عنه ) الخبير ( بكل شيء
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وكذب به قومك ( يقول كذبت قريش بالقرآن ) وهو الحق ( وأما الوكيل فالحفيظ وأما ) لكل نبإ مستقر ( فكان نبأ القوم استقر يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله ) وما أنا عليكم بوكيل ( قال نسخ هذه الآية آية السيف ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) لكل نبإ مستقر ( يقول حقيقة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال فى قوله ) لكل نبإ مستقر ( قال حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها أرسلت عقوبتها وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس فى قوله ) لكل نبإ مستقر ( قال فعل وحقيقة وما كان منه في الدنيا وما كان منه فى الآخرة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ( ونحو هذا فى القرآن قال أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ( قال يستهزئون بها نهى محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقعد معهم إلا أن ينسى فإذا ذكر فليقم وذلك قول الله ) فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ( وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن سيرين أنه كان يرى أن هذه الآية نزلت في أهل الأهواء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر قال لا تجالسوا أهل الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن علي قال إن أصحاب الأهواء من الذين يخوضون فى آيات الله وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال كان المشركون بمكة إذا سمعوا القرآن من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاضوا واستهزءوا فقال المسلمون لا تصلح لنا مجالستهم نخاف أن نخرج حين نسمع قولهم ونجالسهم فلا نعيب عليهم فأنزل الله هذه الآية وأخرج أبو الشيخ أيضا عن السدي أنه قال إن هذه الآية منسوخة بآية السيف وأخرج النحاس عن ابن عباس فى قوله ) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ( قال نسخت هذه الآية المكية بالآية المدنية وهى قوله ) وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ( الآية وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن مجاهد ) وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ( إن قعدوا ولكن لا يقعدوا وأخرج ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن عمر بن العزيز أنه أتى بقوم قعدوا على شراب معهم رجل صائم فضربه وقال لا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ( قال هو مثل قوله ) ذرني ومن خلقت وحيدا ( يعني أنه للتهديد وأخرج عبد بن حميد وأبو داود فى ناسخه عن قتادة فى هذه


"""""" صفحة رقم 132 """"""
الآية قال نسختها آية السف وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) لعبا ولهوا ( قال أكلا وشربا وأخرج ابن جرير والمنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أن تبسل ( قال أن تفضح وفى قوله ) أبسلوا ( قال فضحوا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) أن تبسل ( قال تسلم وفى قوله ) أبسلوا بما كسبوا ( قال أسلموا بجرائرهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) قل أندعو من دون الله ( قال هذا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الذين يدعون إلى الله وقوله ) كالذي استهوته الشياطين في الأرض ( يقول أضلته وهم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه وجده فيتبعها ويرى أنه فى شيء فيصبح وقد ألقته فى هلكة وربما أكلته أو تلقيه فى مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا فهذا مثل من أجاب الآلهة التى تعبد من دون الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا فى قوله ) كالذي استهوته الشياطين ( قال هو الرجل لا يستجيب لهدى الله وهو الرجل أطاع الشيطان وعمل فى الأرض بالمعصية وحاد عن الحق وضل عنه و ) له أصحاب يدعونه إلى الهدى ( ويزعمون أن الذى يأمرونه به هدى يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس يقول ) إن الهدى هدى الله ( والضلالة ما تدعو إليه الجن وأخرج ابن المبارك فى الزهد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى البعث عن عبد الله بن عمرو قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الصور فقال قرن ينفخ فيه والأحاديث الواردة فى كيفية النفخ ثابتة فى كتب الحديث لا حاجة لنا إلى إيرادها ها هنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) عالم الغيب والشهادة ( يعني أن عالم الغيب والشهادة هو الذى ينفخ في الصور
سورة الأنعام الآية ( 74 81 )


"""""" صفحة رقم 133 """"""
سورة الأنعام الآية ( 82 83
الأنعام : ( 74 ) وإذ قال إبراهيم . . . . .
قوله ) لأبيه آزر ( قال الجوهري آزر اسم أعجمي وهو مشتق من آزر فلان فلانا إذا عاونه فهو مؤازر قومه على عبادة الأصنام وقال ابن فارس إنه مشتق من القوة قال الجويني فى النكت من التفسير له ليس بين الناس اختلاف فى أن اسم والد إبراهيم تارخ والذى في القرآن يدل على أن اسمه آزر وقد تعقب في دعوى الاتفاق بما روى عن ابن إسحاق والضحاك والكلبي أنه كان له اسمان آزر وتارخ وقال مقاتل آزر لقب وتارخ اسم وقال سليمان التيمي إن آزر سب وعتب ومعناه في كلامهم المعوج وقال الضحاك معنى آزر الشيخ الهم بالفارسية وقال الفراء هي صفة ذم بلغتهم كأنه قال يا مخطئ وروى مثله عن الزجاج وقال مجاهد هو اسم صنم وعلى هذا إطلاق اسم الصنم على أبيه إما للتعبير له لكونه معبوده أو على حذف مضاف أي قال لأبيه عابد آزر أو أتعبد آزر على حذف الفعل وقرأ ابن عباس أإزر بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وروى عنه أنه قرأ بهمزتين مفتوحتين ومحل ) إذ قال ( النصب على تقدير واذكر إذ قال إبراهيم ويكون هذا المقدر معطوفا على ) قل أندعو من دون الله ( وقيل هو معطوف على ) وذكر به أن تبسل ( وآزر عطف بيان قوله ) أتتخذ أصناما آلهة ( الاستفهام للإنكار أي أتجعلها آلهة لك تعبدها ) إني أراك وقومك ( المتبعين لك فى عبادة الأصنام ) في ضلال ( عن طريق الحق ) مبين ( واضح )
الأنعام : ( 75 ) وكذلك نري إبراهيم . . . . .
وكذلك نري إبراهيم ( أي ومثل تلك الإراءة نرى إبراهيم والجملة معترضة و ) ملكوت السماوات والأرض ( ملكهما وزيدت التاء والواو للمبالغة في الصفة ومثله الرغبوت والرهبوت مبالغة في الرغبة والرهبة قيل أراد بملكوت السموات والأرض ما فيهما من الخلق وقيل كشف الله له عن ذلك حتى رأى إلى العرش وإلى أسفل الأرضين وقيل رأى من ملكوت السموات والأرض ما قصه الله فى هذه الآية وقيل المراد بملكوتهما الربوبية والإلهية أي نريه ذلك وتوفقه لمعرفته بطريق الاستدلال التى سلكها ومعنى ) نرى ( أريناه حكاية حال ماضية قوله ) وليكون من الموقنين ( متعلق بمقدر أي أريناه ذلك ) وليكون من الموقنين ( وقد كان آزر وقومه يعبدون الأصنام والكواكب والشمس والقمر فأراد أن ينبههم على الخطأ وقيل إنه ولد في سرب وجعل رزقه في أطراف أصابعه فكان يمصها وسبب جعله في السرب أن النمروذ رأى رؤيا أن ملكه يذهب على يد مولود فأمر بقتل كل مولود والله أعلم
الأنعام : ( 76 ) فلما جن عليه . . . . .
قوله ) فلما جن عليه الليل ( أي ستره بظلمته ومنه الجنة والمجن والجن كله من الستر قال الشاعر ولولا جنان الليل أدرك ركضنا
بذى الرمث والأرطي عياض بن ثابت
والفاء للعطف على ) قال إبراهيم ( أي واذكر إذ قال وإذ جن عليه الليل فهو قصة أخرى غير قصة عرض الملكوت عليه وجواب لما ) رأى كوكبا ( قيل رآه من شق الصخرة الموضوعة على رأس السرب الذى كان فيه وقيل رآه لما أخرجه أبوه من السرب وكان وقت غيبوبة الشمس قيل رأى المشتري وقيل الزهرة قوله ) هذا ربي ( جملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال عند رؤية الكوكب قيل وكان هذا منه عند قصور النظر لأنه في زمن الطفولية وقيل أراد قيام الحجة على قومه كالحاكي لما هو عندهم وما يعتقدونه لأجل إلزامهم وبالثاني قال الزجاج وقيل هو على حذف حرف الاستفهام أي أهذا ربي ومعناه إنكار أن يكون مثل هذا رب ومثله قوله تعالى ) أفإن مت فهم الخالدون ( أي أخهم الخالدون ومثله قول الهذلي


"""""" صفحة رقم 134 """"""
رقوني وقالوا يا خويلد لم ترع
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أي أهم هم وقول الآخر لعمرك ما أدري وإن كنت داريا
بسبع رمين الجمر أم بثمانيا
أي أبسبع وقيل المعنى وأنتم تقولون هذا ربي فأضمر القول وقيل المعنى على حذف مضاف أي هذا دليل ربي ) فلما أفل ( أي غرب ) قال ( إبراهيم ) لا أحب الآفلين ( أي الآلهة التى تغرب فإن الغروب تغير من حال إلى حال وهو دليل الحدوث
الأنعام : ( 77 ) فلما رأى القمر . . . . .
) فلما رأى القمر بازغا ( أي طالعا يقال بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع والبزغ الشق كان يشق بنوره الظلمة ) فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي ( أي لئن لم يثبتني على الهداية ويوفقني للحجة ) لأكونن من القوم الضالين ( الذين لا يهتدون للحق فيظلمون أنفسهم ويحرمونها حظها من الخير
الأنعام : ( 78 ) فلما رأى الشمس . . . . .
) فلما رأى الشمس بازغة ( بازغا وبازغة منصوبان على الحال لأن الرؤية بصرية وإنما ) قال هذا ربي ( مع كون الشمس مؤنثة لأن مراده هذا الطالع قاله الكسائي والأخفش وقيل هذا الضوء وقيل الشخص ) هذا أكبر ( أي بما تقدمه من الكوكب والقمر ) قال يا قوم إني بريء مما تشركون ( أي من الأشياء التي تجعلونها شركاء لله وتعبدونها وما موصولة أو مصدرية قال بهذا لما ظهر له أن هذه الأشياء مخلوقة لا تنفع ولا تضر مستدلا على ذلك بأفولها الذى هو دليل حدوثها
الأنعام : ( 79 ) إني وجهت وجهي . . . . .
) إني وجهت وجهي ( أي قصدت بعبادتي وتوحيدي الله عز وجل وذكر الوجه لأنه العضو الذى يعرف به الشخص أو لأنه يطلق على الشخص كله كما تقدم وقد تقدم معنى ) فطر السماوات والأرض حنيفا ( مائلا إلى الدين الحق
الأنعام : ( 80 ) وحاجه قومه قال . . . . .
قوله ) وحاجه قومه ( أي وقعت منهم المحاججة له فى التوحيد بما يدل على ما يدعونه من أن ما يشركون به ويعبدونه من الأصنام آلهة فأجاب إبراهيم عليه السلام بما حكاه الله عنه أنه قال ) أتحاجوني في الله ( أي في كونه لا شريك له ولا ند ولا ضد وقرأ نافع بتخفيف نون أتحاجوني وقرأ الباقون بتشديدها بإدغام نون الجمع فى نون الوقاية ونافع خفف فحذف إحدى النونين وقد أجاز ذلك سيبويه وحكى عن أبي عمرو بن العلاء أن قراءة نافع لحن وجملة ? وقد هداني ? في محل نصب على الحال أي هداني إلى توحيده وأنتم تريدون أن أكون مثلكم في الضلالة والجهالة وعدم الهداية قوله ) ولا أخاف ما تشركون به ( قال هذا لما خوفوه من آلهتهم بأنها ستغضب عليه وتصيبه بمكروه أي إني لا أخاف ما هو مخلوق من مخلوقات الله لا يضر ولا ينفع والضمير في به يجوز رجوعه إلى الله وإلى معبوداتهم المدلول عليها بما فى ) ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا ( أي إلا وقت مشيئته ربي بأن يلحقني شيئا من الضرر بذنب عملته فالأمر إليه وذلك منه لا من معبوداتكم الباطلة التى لا تضر ولا تنفع والمعنى على نفي حصول ضرر من معبوداتهم على كل حال وإثبات الضرر والنفع لله سبحانه وصدورهما حسب مشيئته ثم علل ذلك بقوله ) وسع ربي كل شيء علما ( أي إن علمه محيط بكل شيء فإذا شاء الخير كان حسب مشيئته وإذا شاء إنزال شر بي كان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
الأنعام : ( 81 ) وكيف أخاف ما . . . . .
ثم قال لهم مكملا للحجة عليهم دافعا لما خوفوه به ) وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ( أي كيف أخاف ما لا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يرزق والحال أنكم لا تخافون ما صدر منكم من الشرك بالله وهو الضار النافع الخالق الرازق أورد عليهم هذا الكلام الإلزامي الذى لا يجدون عنه مخلصا ولا متحولا والاستفهام للإنكار عليهم والتقريع لهم و ) ما ( فى ) ما لم ينزل به عليكم سلطانا ( مفعول أشركتم أي ولا تخافون أنكم جعلتم الأشياء التي لم ينزل بها عليكم سلطانا شركاء لله أو لمعنى أن الله سبحانه لم يأذن بجعلها شركاء له ولا نزل عليهم بإشراكها حجة يحتجون بها فكيف عبدوها واتخذوا آلهة وجعلوها شركاء لله سبحانه


"""""" صفحة رقم 135 """"""
قوله ) فأي الفريقين أحق بالأمن ( المراد بالفريقين فريق المؤمنين وفريق المشركين أي إذا كان الأمر على ما تقدم من أن معبودي هو الله المتصف بتلك الصفات ومعبودكم هى تلك المخلوقات فكيف تخوفوني بها وكيف أخافها وهى بهذه المنزلة ولا تخافون من إشراككم بالله سبحانه وبعد هذا فأخبروني أي الفريقين أحق بالأمن وعدم الخوف ) إن كنتم تعلمون ( بحقيقة الحال وتعرفون البراهين الصحيحة وتميزونها عن الشبه الباطلة
الأنعام : ( 82 ) الذين آمنوا ولم . . . . .
ثم قال الله سبحانه قاضيا بينهم ومبينا لهم ) الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( أي هم الأحق بالأمن من الذين أشركوا وقيل هو من تمام قول إبراهيم وقيل هو من قول قوم إبراهيم ومعنى ) ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( لم يخلطوه بظلم
والمراد بالظلم الشرك لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود قال لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقالوا أينا لم يظلم نفسه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان ) يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ( والعجب من صاحب الكشاف حيث يقول في تفسير هذه الآية وأبي تفسير الظلم بالكفر لفظ اللبس وهو لا يدري أن الصادق المصدوق قد فسرها بهذا وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصول المتصف بما سبق و ) لهم الأمن ( جملة وقعت خبرا عن اسم الإشارة هذا أوضح ما قيل مع احتمال غيره من الوجوه ) وهم مهتدون ( إلى الحق ثابتون عليه وغيرهم على ضلال وجهل
الأنعام : ( 83 ) وتلك حجتنا آتيناها . . . . .
والإشارة بقوله ) وتلك حجتنا ( إلى ما تقدم من الحجج التى أوردها إبراهيم عليهم أي تلك البراهين التى أوردها إبراهيم عليهم من قوله ) فلما جن عليه الليل ( إلى قوله ) وهم مهتدون ( ) حجتنا آتيناها إبراهيم ( أي أعطيناه إياها وأرشدناه إليها وجملة ) آتيناها إبراهيم ( فى محل نصب على الحال أو فى محل رفع على أنها خبر ثان لاسم الإشارة ) على قومه ( أي حجة على قومه ) نرفع درجات من نشاء ( بالهداية والإرشاد إلى الحق وتلقين الحجة أو بما هو أعم من ذلك ) إن ربك حكيم عليم ( أي حكيم فى كل ما يصدر عنه عليم بحال عباده وأن منهم من يستحق الرفع ومنهم من لا يستحقه
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال فى قوله تعالى ) وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ( قال الآزر الصنم وأبو إبراهيم اسمه يازر وأمه اسمها مثلى وامرأته اسمها سارة وسريته أم إسماعيل هاجر
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال آزر لم يكن بأبيه ولكنه اسم صنم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال اسم أبيه تارخ واسم الصنم آزر وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سليمان التيمي أنه قرأ ) وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر ( قال بلغني أنها أعوج وأنها أشد كلمة قالها إبراهيم لأبيه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن والد إبراهيم لم يكن اسمه آزر وإنما اسمه تارخ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه في قوله تعالى ) وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ( قال الشمس والقمر والنجوم
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال فى الآية كشف ما بين السموات حتى نظر إليهن على صخرة والصخرة على حوت وهو الحوت الذى منه طعام الناس والحوت فى سلسلة والسلسلة في خاتم العزة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى الآية قال سلطانهما وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس فى قوله ) وحاجه قومه ( يقول خاصموه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أتحاجوني ( قال أتخاصموني وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي بكر الصديق أنه فسر ) ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( بالشرك وكذلك أخرج أبو الشيخ عن عمر بن الخطاب


"""""" صفحة رقم 136 """"""
وكذلك أخرج ابن شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن حذيفة بن اليمان وكذلك أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سلمان الفارسي وكذلك أخرجا أيضا عن أبي بن كعب وكذلك أخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس وأخرج عنه من طريق أخرى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ مثله وقد روى عن جماعة من التابعين مثل ذلك ويغنى عن الجميع ما قدمنا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى تفسير الآية كما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله تعالى ) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ( قال خصمهم وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم فى قوله ) نرفع درجات من نشاء ( قال بالعلم وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال إن للعلماء درجات كدرجات الشهداء
سورة الأنعام الآية ( 84 90 )
الأنعام : ( 84 ) ووهبنا له إسحاق . . . . .
قوله ) ووهبنا له ( معطوف على جملة ) وتلك حجتنا ( عطف جملة فعلية على جملة اسمية وقيل معطوف على آتيناها والأول أولى والمعنى ووهبنا له ذلك جزاء له على الاحتجاج فى الدين وبذل النفس فيه و ) كلا هدينا ( انتصاب ) كلا ( على أنه مفعول لما بعده مقدم عليه للقصر أي كل واحد منهما هديناه وكذلك نوحا منصوب بهدينا الثاني أو بفعل مضمر يفسره ما بعده ) ومن ذريته ( أي من ذرية إبراهيم وقال الفراء من ذرية نوح
واختاره ابن جرير الطبري والقشيري وابن عطية واختار الأول الزجاج واعتراض عليه بأنه عد من هذه الذرية يونس ولوطا وما كانا من ذرية إبراهيم فإن لوطا هو ابن أخي إبراهيم وانتصب داود وسليمان بفعل مضمر أي وهدينا من ذريته داود وسليمان وكذلك ما بعدهما وإنما عد الله سبحانه هداية هؤلاء الأنبياء من النعم التى عددها على إبراهيم لأن شرف الأبناء متصل بالآباء ومعنى ) من قبل ( فى قوله ) ونوحا هدينا من قبل ( أي من قبل إبراهيم والإشارة بقوله ) وكذلك ( إلى مصدر الفعل المتأخر أي ومثل ذلك الجزاء ) نجزي المحسنين (
الأنعام : ( 85 ) وزكريا ويحيى وعيسى . . . . .
) وإلياس ( قال الضحاك هو من ولد إسماعيل وقال القتيبي هو من سبط يوشع بن نون وقرأ الأعرج والحسن وقتادة ) وإلياس ( بوصل الهمزة وقرأ أهل الجرمين وأبو عمرو وعاصم ) واليسع ( مخففا وقرأ الكوفيون إلا عاصما بلامين وكذا قرأ الكسائي ورد القراءة الأولى ولا وجه للرد فهو اسم أعجمي والعجمة لا تؤخذ بالقياس


"""""" صفحة رقم 137 """"""
بل تؤدى على حسب السماع ولا يمتنع أن يكون في الاسم لغتان للعجم أو تغيره العرب تغييرين قال المهدوي من قرأ بلام واحدة فالاسم يسع والألف واللام مزيدتان كما فى قول الشاعر رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
شديدا بأعباء الخلافة كاهلة
ومن قرأ بلامين فالاسم ليسع وقد توهم قوم أن اليسع هو إلياس وهو وهم فإن الله أفرد كل واحد منهما
وقال وهب اليسع صاحب إلياس وكانوا قبل يحيى وعيسى وزكريا وقيل إلياس هو إدريس وهذا غير صحيح لأن إدريس جد نوح وإلياس من ذريته وقيل إلياس هو الخضر وقيل لا بل اليسع هو الخضر
الأنعام : ( 86 ) وإسماعيل واليسع ويونس . . . . .
) وكلا فضلنا على العالمين ( أي كل واحد فضلناه بالنبوة على عالمي زمانه والجملة معترضة
الأنعام : ( 87 ) ومن آبائهم وذرياتهم . . . . .
قوله ) ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم ( أي هدينا ) ومن ( للتبعيض أي هدينا بعض آبائهم وذرياتهم وأزواجهم ) واجتبيناهم ( معطوف على فضلنا والاجتباء الاصطفاء أو التخليص أو الاختيار مشتق من جبيت الماء فى الحوض جمعته فالاجتباء ضم الذى تجتبيه إلى خاصيتك قال الكسائي جبيت الماء في الحوض جبى مقصور والجابية الحوض قال الشاعر كجابية الشيخ العراقي تفهق
الأنعام : ( 88 ) ذلك هدى الله . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك هدى الله ( إلى الهداية والتفضيل والاجتباء المفهومة من الأفعال السابقة ) يهدي به ( الله ) من يشاء من عباده ( وهم الذين وفقهم للخير واتباع الحق ) ولو أشركوا ( أي هؤلاء المذكورون بعبادة غير الله ) لحبط عنهم ( من حسناتهم ) ما كانوا يعملون ( والحبوط البطلان وقد تقدم تحقيقه فى البقرة
الأنعام : ( 89 ) أولئك الذين آتيناهم . . . . .
والإشارة بقوله ) أولئك الذين آتيناهم الكتاب ( إلى الأنبياء المذكورين سابقا أي جنس الكتاب ليصدق على كل ما أنزل على هؤلاء المذكورين ) والحكم ( العلم ) والنبوة ( الرسالة أو ما هو أعم من ذلك ) فإن يكفر بها هؤلاء ( الضمير فى بها للحكم والنبوة والكتاب أو للنبوة فقط والإشارة بهؤلاء إلى كفار قريش المعاندين لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فقد وكلنا بها قوما ( هذا جواب الشرط أي ألزمنا بالإيمان بها قوما ) ليسوا بها بكافرين ( وهم المهاجرون والأنصار أو الأنبياء المذكورون سابقا وهذا اولى لقوله فيما بعد
الأنعام : ( 90 ) أولئك الذين هدى . . . . .
(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) فإن الإشارة إلى الأنبياء المذكورين لا إلى المهاجرين والأنصار إذ لا يصح أن يؤمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالاقتداء بهداهم وتقديم بهداهم على الفعل يفيد تخصيص هداهم بالاقتداء والاقتداء طلب موافقة الغير في فعله وقيل المعنى اصبر كما صبروا وقيل اقتد بهم في التوحيد وإن كانت جزئيات الشرائع مختلفة وفيها دلالة على أنه ( صلى الله عليه وسلم ) مأمور بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء فيما لم يرد عليه فيه نص قوله ) قل لا أسألكم عليه أجرا ( أمره الله بأن يخبرهم بأنه لا يسألهم أجرا على القرآن وأن يقول لهم ما ) هو إلا ذكرى ( يعني القرآن ) للعالمين ( أي موعظة وتذكير للخلق كافة الموجودين عند نزوله ومن سيوجد من بعد
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال الخال والد والعم والد نسب الله عيسى إلى أخواله فقال ) ومن ذريته ( حتى بلغ إلى قوله ) وزكريا ويحيى وعيسى ( وأخرج أبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال دخل يحيى بن يعمر على الحجاج فذكر الحسين فقال الحجاج لم يكن من ذرية النبي فقال يحيى كذبت فقال لتأتيني على ما قلت ببينة فتلا ) ومن ذريته ( إلى قوله ) وعيسى ( فأخبر الله أن عيسى من ذرية آدم بأمه فقال صدقت وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي تجده فى كتاب الله وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده فذكر يحيى بن يعمر نحو ما تقدم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر


"""""" صفحة رقم 138 """"""
وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) واجتبيناهم ( قال أخلصناهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد فى قوله ) ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ( قال يريد هؤلاء الذين هديناهم وفعلنا بهم وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال الحكم اللب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فإن يكفر بها هؤلاء ( يعني أهل مكة يقول إن يكفروا بالقرآن ) فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ( يعنى أهل المدينة والأنصار وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) فقد وكلنا بها قوما ( قال هم الأنبياء الثمانية عشر الذين قال الله فيهم ) فبهداهم اقتده ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رجاء العطاردي قال فى الآية هم الملائكة وأخرج البخاري والنسائي وغيرهما عن ابن عباس فى قوله ) فبهداهم اقتده ( قال أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقتدى بهداهم وكان يسجد في ص ولفظ ابن أبي حاتم عن مجاهد سألت ابن عباس عن السجدة التى فى ص فقال هذه الآية وقال أمر نبيكم أن يقتدى بداود عليه السلام وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) قل لا أسألكم عليه أجرا ( قال قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه عرضا من عروض الدنيا
سورة الأنعام الآية ( 91 94 )
الأنعام : ( 91 ) وما قدروا الله . . . . .
قوله ) وما قدروا الله حق قدره ( قدرت الشيء وقدرته عرفت مقداره وأصله الستر ثم استعمل فى معرفة الشيء أي لم يعرفوه حق معرفته حيث أنكروا إرساله للرسل وإنزاله للكتب وقيل المعنى وما قدروا نعم الله حق تقديرها وقرأ أبو حيوة ) وما قدروا الله حق قدره ( بفتح الدال وهى لغة ولما وقع منهم هذا الإنكار


"""""" صفحة رقم 139 """"""
وهم من اليهود أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يورد عليهم حجة لا يطيقون دفعها فقال ) قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ( وهم يعترفون بذلك ويذعنون له فكان فى هذا من التبكيت لهم والتقريع ما لا يقادر قدره مع إلجائهم إلى الاعتراف بما أنكروه من وقوع إنزال الله على البشر وهم الأنبياء عليهم السلام فبطل جحدهم وتبين فساد إنكارهم وقيل إن القائلين بهذه المقالة هم كفار قريش فيكون إلزامهم بإنزال الله الكتاب على موسى من جهة أنهم يعترفون بذلك ويعلمونه بالأخبار من اليهود وقد كانوا يصدقونهم و ) نورا وهدى ( منتصبان على الحال و ) للناس ( متعلق بمحذوف هو صفة لهدى أي كائنا للناس قوله ) تجعلونه قراطيس ( أي تجعلون الكتاب الذى جاء به موسى في قراطيس تضعونه فيها ليتم لكم ما تريدونه من التحريف والتبديل وكتم صفة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المذكورة فيه وهذا ذم لهم والضمير في ) تبدونها ( راجع إلى القراطيس وفى ) تجعلونه ( راجع إلى الكتاب وجملة تجعلونه فى محل نصب على الحال وجملة تبدونها صفة لقراطيس ) وتخفون كثيرا ( معطوف على ) تبدونها ( أي وتخفون كثيرا منها والخطاب فى ) وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ( لليهود أي والحال أنكم قد علمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ويحتمل أن تكون هذه الجملة استئنافية مقررة لما قبلها والذى علموه هو الذى أخبرهم به نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) من الأمور التى أوحى الله إليه بها فإنها اشتملت على ما لم يعلموه من كتبهم ولا على لسان أنبيائهم ولا علمه آباؤهم ويجوز أن يكون ما فى ) ما لم تعلموا ( عبارة عما علموه من التوراة فيكون ذلك على وجه المن عليهم بإنزال التوراة وقيل الخطاب للمشركين من قريش وغيرهم فتكون ) ما ( عبارة عما علموه من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أمره الله رسوله بأن يجيب عن ذلك الإلزام الذى ألزمهم به حيث قال ) من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ( فقال ) قل الله ( أي أنزله الله ) ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ( أي ذرهم فى باطلهم حال كونهم يلعبون أي يصنعون صنع الصبيان الذين يلعبون
الأنعام : ( 92 ) وهذا كتاب أنزلناه . . . . .
قوله ) وهذا كتاب أنزلناه مبارك ( هذا من جملة الرد عليهم فى قوله ) ما أنزل الله على بشر من شيء ( أخبرهم بأن الله أنزل التوراة على موسى وعقبه بقوله ) وهذا كتاب أنزلناه ( يعني على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكيف تقولون ) ما أنزل الله على بشر من شيء ( ومبارك ومصدق صفتان لكتاب والمبارك كثير البركة والمصدق كثير التصديق والذى بين يديه ما أنزله الله من الكتب على الأنبياء من قبله كالتوراة والإنجيل فإنه يوافقها فى الدعوة إلى الله وإلى توحيده وإن خالفها فى بعض الأحكام قوله ) ولتنذر ( قيل هو معطوف على ما دل عليه مبارك كأنه قيل أنزلناه للبركات ولتنذر وخص أم القرى وهى مكة لكونها أعظم القرى شأنا ولكونها أول بيت وضع للناس ولكونها قبلة هذه الأمة ومحل حجهم فالإنذار لأهلها مستتبع لإنذار سائر أهل الأرض والمراد بمن حولها جميع أهل الأرض والمراد بأنذر أم القرى إنذار أهلها وأهل سائر الأرض فهو على تقدير مضاف محذوف كسؤال القرية ) والذين يؤمنون بالآخرة ( مبتدأ و ) يؤمنون به ( خبره والمعنى أن من حق من صدق بالدار الآخرة أن يؤمن بهذا الكتاب ويصدقه ويعمل بما فيه لأن التصديق بالآخرة يوجب قبول من دعا الناس إلى ما ينال به خيرها ويندفع به ضرها وجملة ) وهم على صلاتهم يحافظون ( فى محل نصب على الحال وخص المحافظة على الصلاة من بين سائر الواجبات لكونها عمادها وبمنزلة الرأس لها
الأنعام : ( 93 ) ومن أظلم ممن . . . . .
قوله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( هذه الجملة مقررة لمضمون ما تقدم من الاحتجاج عليهم بأن الله أنزل الكتب على رسله أي كيف تقولون ما أنزل الله على بشر من شيء وذلك يستلزم تكذيب الأنبياء عليهم السلام ولا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا فزعم أنه نبي وليس بنبي أو كذب على الله فى شيء من الأشياء ) أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء (


"""""" صفحة رقم 140 """"""
أي والحال أنه لم يوح إليه شيء وقد صان الله أنبياءه عما تزعمون عليهم وإنما هذا شأن الكذابين رءوس الإضلال كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح قوله ) ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ( معطوف على ) من افترى ( أي ومن أظلم ممن افترى أو ممن أوحى إلي ولم يوح إليه شيء أو ممن قال سأنزل مثل ما أنزل الله وهم القائلون ) لو نشاء لقلنا مثل هذا ( وقيل هو عبد الله بن أبي سرح فإنه كان يكتب الوحي لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأملى عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ثم أنشأناه خلقا آخر ( فقال عبد الله ) فتبارك الله أحسن الخالقين ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هكذا أنزلت فشك عبد الله حينئذ وقال لئن كان محمد صادقا لقد أوحى إلي كما أوحى إليه ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال ثم ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ثم أسلم يوم الفتح كما هو معروف قوله ) ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له والمراد كل ظالم ويدخل فيه الجاحدون لما أنزل الله والمدعون للنبوات افتراء على الله دخولا أوليا وجواب لو محذوف أي لرأيت أمرا عظيما والغمرات جمع غمرة وهى الشدة وأصلها الشيء الذى يغمر الأشياء فيغطيها ومنه غمرة الماء ثم استعملت فى الشدائد ومنه غمرة الحرب قال الجوهري والغمرة الشدة والجمع غمر مثل نوبة ونوب وجملة ) والملائكة باسطوا أيديهم ( فى محل نصب أي والحال أن الملائكة باسطوا أيديهم لقبض أرواح الكفار وقيل للعذاب وفي أيديهم مطارق الحديد ومثله قوله تعالى ) ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم (
قوله ) أخرجوا أنفسكم ( أي قائلين لهم أخرجوا أنفسكم من هذه الغمرات التى وقعتم فيها أو أخرجوا أنفسكم من أيدينا وخلصوها من العذاب أو أخرجوا أنفسكم من أجسادكم وسلموها إلينا لنقبضها ) اليوم تجزون عذاب الهون ( أي اليوم الذى تقبض فيه أرواحكم أو أرادوا باليوم الوقت الذى يعذبون فيه الذى مبدؤه عذاب القبر والهون والهوان بمعنى أي اليوم تجزون عذاب الهوان الذى تصيرون به في إهانة وذلة بعد ما كنتم فيه من الكبر والتعاظم والباء فى ) بما كنتم تقولون على الله غير الحق ( للسببية أي بسبب قولكم هذا من إنكار إنزال الله كتبه على رسله والإشراك به ) وكنتم عن آياته تستكبرون ( عن التصديق لها والعمل بها فكان ما جوزيتم به من عذاب الهون ) جزاء وفاقا )
الأنعام : ( 94 ) ولقد جئتمونا فرادى . . . . .
قوله ) ولقد جئتمونا فرادى ( قرأ أبو حيوة فرادى بالتنوين وهى لغة تميم وقرأ الباقون بألف التأنيث للجمع فلم ينصرف وحكى ثعلب ? فراد ? بلا تنوين مثل ثلاث ورباع وفرادى جمع فرد كسكارى جمع سكران وكسالى جمع كسلان والمعنى جئتمونا منفردين واحدا واحدا كل واحد منفرد عن أهله وماله وما كان يعبده من دون الله فلم ينتفع بشيء من ذلك ) كما خلقناكم أول مرة ( أي على الصفة التى كنتم عليها عند خروجكم من بطون أمهاتكم والكاف نعت مصدر محذوف أي جئتمونا مجيئا مثل مجيئكم عند خلقنا لكم أو حال من ضمير فرادى أي مشابهين ابتداء خلقنا لكم ) وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ( أي أعطيناكم والحول ما أعطاه الله للإنسان من متاع الدنيا أي تركتم ذلك خلفكم لم تأتونا بشيء منه ولا انتفعتم به بوجه من الوجوه ) وما نرى معكم شفعاءكم الذين ( عبدتموهم وقلتم ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( و ) زعمتم أنهم فيكم شركاء ( لله يستحقون منكم العبادة كما يستحقها قوله ) لقد تقطع بينكم ( قرأ نافع والكسائي وحفص بنصب بينكم على الظرفية وفاعل تقطع محذوف أي تقطع الوصل بينكم أنتم وشركاؤكم كما يدل عليه ) وما نرى معكم شفعاءكم ( وقرأ الباقون بالرفع على إسناد التقطع إلى البين أي وقع التقطع بينكم ويجوز أن يكون معنى قراءة النصب معنى قراءة الرفع فى إسناد الفعل إلى الظرف وإنما نصب لكثرة استعماله ظرفا وقرأ ابن مسعود


"""""" صفحة رقم 141 """"""
) لقد تقطع بينكم ( على إسناد الفعل إلى ما أي الذى بينكم ) وضل عنكم ما كنتم تزعمون ( من الشركاء والشرك وحيل بينكم وبينهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وما قدروا الله حق قدره ( قال هم الكفار لم يؤمنوا بقدرة الله فمن آمن أن الله على كل شيء قدير قد قدر الله حق قدره ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قالت اليهود يا محمد أنزل الله عليك كتابا قال نعم قالوا والله ما أنزل الله من السماء كتابا فأنزل الله ) قل ( يا محمد ) من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ( إلى آخر الآية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ( قالها مشركو قريش وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال قال فنحاص اليهودي ما أنزل الله على محمد من شيء فنزلت وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال نزلت في مالك بن الصيف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف فخاصم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنشدك بالذى أنزل التوراة على موسى هل تجد فى التوراة أن الله يبغض الحبر السمين وكان حبرا سمينا فغضب وقال والله ما أنزل الله على بشر من شيء فقال له أصحابه ويحك ولا على موسى قال ما أنزل الله على بشر من شيء فنزلت وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) تجعلونه قراطيس ( قال اليهود وقوله ) وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم ( قال هذه للمسلمين وأخرج عبد بن حميد وابن أبي جاتم عن قتادة فى قوله ) وعلمتم ما لم تعلموا ( قال هم اليهود آتاهم الله علما فلم يقتدوا به ولم يأخذوا به ولم يعملوا به فذمهم الله في علمهم ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وهذا كتاب أنزلناه مبارك ( قال هو القرآن الذى أنزل الله علي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد عنه قال ) مصدق الذي بين يديه ( أي من الكتب التى قد خلت قبله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) ولتنذر أم القرى ( قال مكة ومن حولها قال يعني ما حولها من القرى إلى المشرق والمغرب
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال إنما سميت أم القرى لأن أول بيت وضعت بها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) ولتنذر أم القرى ( قال هى مكة قال وبلغني أن الأرض دحيت من مكة وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن دينار نحوه وأخرج الحاكم فى المستدرك عن شرحبيل بن سعد قال نزلت فى عبد الله بن أبي سرح ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ( الآية فلما دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مكة فر إلى عثمان أخيه من الرضاعة فغيبه عنده حتى اطمأن أهل مكة ثم استأمن له وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي خلف الأعمى أنها نزلت فى عبد الله بن أبي سرح وكذلك روى ابن أبي حاتم عن السدي وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ( قال نزلت في مسيلمة الكذاب ونحوه ممن دعا إلى مثل ما دعا إليه ) ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ( قال نزلت فى عبد الله بن سعد بن أبي سرح وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة لما نزلت ) والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا ( قال النضر وهو من بني عبد الدار والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا قولا كثيرا فأنزل الله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى


"""""" صفحة رقم 142 """"""
قوله غمرات الموت قال سكرات الموت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال في قوله والملائكة باسطوا أيديهم هذا عند الموت والبسط الضرب يضربون وجوههم وأدبارهم وأخرج أبو الشيخ عنه قال في الآية هذا ملك الموت عليه السلام وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله والملائكة باسطوا أيديهم قال بالعذاب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله عذاب الهون قال الهوان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال قال النضر بن الحارث سوف تشفع لي اللات والعزى فنزلت ) ولقد جئتمونا فرادى ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله ) ولقد جئتمونا فرادى ( الآية قال كيوم ولد يرد عليه كل شيء نقص منه يوم ولد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وتركتم ما خولناكم ( قال من المال والخدم ) وراء ظهوركم ( قال في الدنيا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) لقد تقطع بينكم ( قال ما كان بينهم من الوصل وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله لقد تقطع بينكم قال تواصلكم في الدنيا
سورة الأنعام 95 99 ) إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون (
الأنعام : ( 95 ) إن الله فالق . . . . .
قوله إن الله فالق الحب والنوى هذا شروع في تعداد عجائب صنعه تعالى وذكر ما يعجز آلهتهم عن أدنى شيء منه والفلق الشق أي هو سبحانه فالق الحب فيخرج منه النبات وفالق النوى فيخرج منه الشجر وقيل معنى فالق الحب والنوى الشق الذي فيهما من أصل الخلقة وقيل معنى فالق خالق والنوى جمع نواة يطلق على كل ما فيه عجم كالتمر والمشمش والخوخ قوله يخرج الحي من الميت هذه الجملة خبر بعد خبر فهي في محل رفع وقيل هي جملة مفسرة لما قبلها لأن معناها معناه والأول أولى فإن معنى يخرج الحي من الميت يخرج الحيوان من مثل النطفة والبيضة وهي ميتة ومعنى ومخرج الميت من الحي مخرج النطفة والبيضة وهي ميتة من الحي وجملة ومخرج الميت من الحي معطوفة على يخرج الحي من الميت عطف جملة اسمية على جملة فعلية ولا ضير في ذلك وقيل معطوفة على فالق على تقدير أن جملة يخرج الحي من الميت مفسرة لما قبلها


"""""" صفحة رقم 143 """"""
والأول أولى والإشارة ? بذلكم ? إلى صانع ذلك الصنع العجيب المذكور سابقا و ) الله ( خبره والمعنى أن صانع هذا الصنع العجيب هو المستجمع لكل كمال والمفضل بكل إفضال والمستحق لكل حمد وإجلال ) فأنى تؤفكون ( فكيف تصرفون عن الحق مع ما ترون من بديع صنعه وكمال قدرته
الأنعام : ( 96 ) فالق الإصباح وجعل . . . . .
قوله ) فالق الإصباح ( مرتفع على أنه من جملة أخبار ) إن ( فى ) إن الله فالق الحب والنوى ( وقيل هو نعت للاسم الشريف فى ) ذلكم الله ( وقرأ الحسن وعيسى بن عمر ) فالق الإصباح ( بفتح الهمزة وقرأ الجمهور بكسرها وهو على قراءة الفتح جمع صبح وعلى قراءة الكسر مصدر أصبح والصبح والصباح أول النهار وكذا الإصباح وقرأ النخعي ) فالق الإصباح ( بفعل وهمزة مكسورة والمعنى فى ) فالق الإصباح ( أنه شاق الضياء عن الظلام وكاشفه أو يكون المعنى على حذف مضاف أي فالق ظلمة الإصباح وهى الغبش أو فالق عمود الفجر عن بياض النهار لأنه يبدو مختلطا بالظلمة ثم يصير أبيض خالصا وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وعاصم وحمزة والكسائي ) وجعل الليل سكنا ( حملا على معنى ) فالق ( عند حمزة والكسائي وأما عند الحسن وعيسى فعطفا على فلق وقرأ الجمهور وجاعل عطفا على فالق وقرئ فالق وجاعل بنصبهما على المدح وقرأ يعقوب ? وجاعل الليل ساكنا ? والسكن محل السكون من سكن إليه إذا اطمأن إليه لأنه يسكن فيه الناس عن الحركة فى معاشهم ويستريحون من التعب والنصب قوله ) والشمس والقمر حسبانا ( بالنصب على إضمار فعل أي وجعل الشمس والقمر وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره والشمس والقمر مجعولان حسبانا وبالجر عطفا على الليل على قراءة من قرأ وجاعل الليل قال الأخفش والحسبان جمع حساب مثل شهبان وشهاب وقال يعقوب حسبان مصدر حسبت الشيء أحسبه حسبا وحسبانا والحساب الاسم وقيل الحسبان بالضم مصدر حسب بالفتح والحسبان بالكسر مصدر حسب
والمعنى جعلهما محل حساب تتعلق به مصالح العباد وسيرهما على تقدير لا يزيد ولا ينقص ليدل عباده بذلك على عظيم قدرته وبديع صنعه وقيل الحسبان الضياء وفى لغة أن الحسبان النار ومنه قوله تعالى ) ويرسل عليها حسبانا من السماء ( والإشارة ب ) ذلك تقدير العزيز العليم ( إلى الجعل المدلول عليه بجاعل أو بجعل على القراءتين
والعزيز القاهر الغالب والعليم كثير العلم ومن جملة معلوماته تسييرهما على هذا التدبير المحكم
الأنعام : ( 97 ) وهو الذي جعل . . . . .
قوله ) وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها ( أي خلقها للاهتداء بها ) في ظلمات ( الليل عند المسير فى ) البر والبحر ( وإضافة الظلمات إلى البر والبحر لكونها ملابسة لهما أو المراد بالظلمات اشتباه طرقهما التى لا يهتدى فيها إلا بالنجوم وهذه إحدى منافع النجوم التى خلقها الله لها ومنها ما ذكره الله فى قوله ) وحفظا من كل شيطان مارد (
) وجعلناها رجوما للشياطين ( ومنها جعلها زينة للسماء ومن زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية ) قد فصلنا الآيات ( التى بيناها بيانا مفصلا لتكون أبلغ فى الاعتبار ) لقوم يعلمون ( بما فى هذه الآيات من الدلالة على قدرة الله وعظمته وبديع حكمته
الأنعام : ( 98 ) وهو الذي أنشأكم . . . . .
قوله ) وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ( أي آدم عليه السلام كما تقدم وهذا نوع آخر من بديع خلقه الدال على كمال قدرته ) فمستقر ومستودع ( قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج والنخعي بكسر القاف والباقون بفتحها وهما مرفوعان على أنهما مبتدآن وخبرهما محذوف والتقدير فمنكم مستقر أو فلكم مستقر التقدير الأول على القراءة الأولى والثاني على الثانية أي فمنكم مستقر على ظهر الأرض أو فلكم مستقر على ظهرها ومنكم مستودع فى الرحم أو فى باطن الأرض أو فى الصلب وقيل المستقر فى الرحم والمستودع فى الأرض وقيل المستقر فى القبر قال القرطبي وأكثر أهل


"""""" صفحة رقم 144 """"""
التفسير يقولون المستقر ما كان فى الرحم والمستودع ما كان فى الصلب وقيل المستقر من خلق والمستودع من لم يخلق وقيل الاستيداع إشارة إلى كونهم فى القبور إلى المبعث
ومما يدل على تفسير المستقر بالكون على الأرض قول الله تعالى ) ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( وذكر سبحانه هاهنا ) يفقهون ( وفيما قبله ) يعلمون ( لأن فى إنشاء الأنفس من نفس واحدة وجعل بعضها مستقرا وبعضها مستودعا من الغموض والدقة ما ليس فى خلق النجوم للاهتداء فناسبه ذكر الفقه لإشعاره بمزيد تدقيق وإمعان فكر
الأنعام : ( 99 ) وهو الذي أنزل . . . . .
قوله ) وهو الذي أنزل من السماء ماء ( هذا نوع آخر من عجائب مخلوقاته والماء هو ماء المطر وفي ) فأخرجنا به ( التفات من الغيبة إلى التكلم إظهار للعناية بشأن هذا المخلوق وما ترتب عليه والضمير فى ) به ( عائد إلى الماء و ) نبات كل شيء ( يعني كل صنف من أصناف النبات المختلفة وقيل المعنى رزق كل شيء والتفسير الأول أولى ثم فصل هذا الإجمال فقال ) فأخرجنا منه خضرا ( قال الأخفش أي أخضر والخضر رطب البقول وهو ما يتشعب من الأغصان الخارجة من الحبة وقيل يريد القمح والشعير والذرة والأرز وسائر الحبوب ) نخرج منه حبا ( هذه الجملة صفة لخضرا أي نخرج من الأغصان الخضر حبا متراكبا أي مركبا بعضه على بعضه كما فى السنابل ) ومن النخل ( خبر مقدم و ) من طلعها ( بدل منه وعلى قراءة من قرأ يخرج منه حب يكون ارتفاع قنوان على أنه معطوف على حب وأجاز الفراء فى غير القرآن قنوانا عطفا على حبا وتميم يقولون قنيان وقرأ بضم القاف وفتحها باعتبار اختلاف اللغتين لغة قيس ولغة أهل الحجاز والطلع الكفري قبل أن ينشق عن الإغريض والاغريض يسمى طلعا أيضا والقوان جمع قنو والفرق بين جمعه وتثنيته أن المثنى مكسور النون والجمع على ما يقتضيه الإعراب ومثله صنوان والقنو العذق والمعنى أن القنوان أصله مع الطلع والعذق هو عنقود النخل وقيل القنوان الجمار والدانية القريبة التى ينالها القائم والقاعد قال الزجاج المعنى منها دانية ومنها بعيدة فحذف ومثله ) سرابيل تقيكم الحر ( وخص الدانية بالذكر لأن الغرض من الآية بيان القدر والامتنان وذلك فيما يقرب تناوله أكثر قوله ) وجنات من أعناب ( قرأ محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش وعاصم فى قراءته الصحيحة عنه برفع جنات وقرأ الباقون بالنصب وأنكر القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم حتى قال أبو حاتم هى محال لأن الجنات لا تكون من النخل قال النحاس ليس تأويل الرفع عل هذا ولكنه رفع الابتداء والخبر محذوف أي ولهم جنات كما قرأ جماعة من القراء ) وحور عين ( وقد أجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء وأما على النصب فقيل هو معطوف على ) نبات كل شيء ( أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب أو النصب بفعل يقدر متأخرا أي وجنات من أعناب أخرجناها وهكذا القول في انتصاب الزيتون والرمان وقيل هما منصوبان على الاختصاص لكونهما عزيزين و ) مشتبها ( منتصب على الحال أي كل واحد منهما يشبه بعضه بعضا فى بعض أوصافه ولا يشبه بعضه بعضا فى البعض الآخر وقيل إن أحدهما يشبه الآخر فى الورق باعتبار اشتماله على جميع الغصن وباعتبار حجمه ولا يشبه أحدهما الآخر فى الطعم وقيل خص الزيتون والرمان لقرب منابتهما من العرب كما فى قوله الله سبحانه ) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( ثم أمرهم سبحانه بأن ينظروا نظر اعتبار إلى ثمره إذا أثمر وإلى ينعه إذا أينع والثمر فى اللغة جنى الشجر واليانع الناضج الذى قد أدرك وحان قطافه قال ابن الأنباري الينع جمع يانع كركب وراكب
وقال الفراء أينع احمر وقرأ حمزة والكسائي ) ثمرة ( بضم الثاء والميم وقرأ الباقون بفتحها إلا الأعمش فإنه قرأ ثمره بضم الثاء وسكون الميم تخفيفا وقرأ محمد بن السميفع وابن محيصن وابن أبي إسحاق ) وينعه ( بضم الياء التحتية


"""""" صفحة رقم 145 """"""
قال الفراء هي لغة بعض أهل نجد وقرأ الباقون بفتحها والإشارة بقوله ) إن في ذلكم ( إلى ما تقدم ذكره مجملا ومفصلا ) لآيات لقوم يؤمنون ( بالله استدلالا بما يشاهدونه من عجائب مخلوقاته التى قصها عليهم
الآثار الوارده في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله تعالى ) إن الله فالق الحب والنوى ( يقول خلق الحب والنوى وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال يفلق الحب والنوى عن النبات وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال الشقان اللذان فيهما وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن أبي مالك نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) يخرج الحي من الميت ( قال النخلة من النواة والسنبلة من الحبة ) ومخرج الميت من الحي ( قال النواة من النخلة والحبة من السنبلة وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد ) يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ( قال الناس الأحياء من النطف والنطفة ميتة تخرج من الناس الأحياء ومن الأنعام والنبات كذلك أيضا
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فأنى تؤفكون ( أي فكيف تكذبون وأخرج أيضا عن الحسن قال أنى تصرفون وأخرج أيضا عن ابن عباس فى ) فالق الإصباح ( قال خلق الليل والنهار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال يعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى ) فالق الإصباح ( قال إضاءة الفجر وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) فالق الإصباح ( قال فالق الصبح وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وجعل الليل سكنا ( قال سكن فيه كل طير ودابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) والشمس والقمر حسبانا ( يعني عدد الأيام والشهور والسنين
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ( قال يضل الرجل وهو فى الظلمة والجور عن الطريق وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والخطيب فى كتاب النجوم عن عمر بن الخطاب قال تعلموا من النجوم ما تهتدون به فى بركم وبحركم ثم أمسكوا فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن مردويه والخطيب عن ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تعلموا من النجوم ما تهتدون به فى ظلمات البر والبحر ثم انتهوا
وقد ورد فى استحباب مراعاة الشمس والقمر لذكر الله سبحانه لا لغير ذلك أحاديث منها عند الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله وأخرج ابن شاهين والطبراني والحاكم والخطيب عن عبد الله بن أبي أوفى قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه وأخرج أحمد فى الزهد والخطيب عن أبي الدرداء نحوه وأخرج الخطيب فى كتاب النجوم عن أبي هريرة نحو حديثه الأول مرفوعا وأخرج الحاكم فى تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله التاجر الأمين والإمام المقتصد وراعى الشمس بالنهار وأخرج عبد الله بن أحمد فى زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال سبعة فى ظل الله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم الرجل الذى يراعي الشمس لمواقيت الصلاة
فهذه الأحاديث مقيدة بكون المراعاة لذكر الله والصلاة لا لغير ذلك وقد جعل الله انقضاء وقت صلاة الفجر طلوع الشمس وأول صلاة الظهر زوالها ووقت العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية ووقت المغرب غروب


"""""" صفحة رقم 146 """"""
الشمس وورد فى صلاة العشاء أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصليها لوقت مغيب القمر ليلة ثالث الشهر وبها يعرف أوائل الشهور وأوساطها وأواخرها فمن راعى الشمس والقمر بهذه الأمور فهو الذى أراده ( صلى الله عليه وسلم ) ومن راعاها لغير ذلك فهو غير مراد بما ورد وهكذا النجوم ورد النهي عن النظر فيها كما أخرج ابن مردويه والخطيب عن علي قال نهاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن النظر فى النجوم
وأخرج ابن مردويه والمرهبي والخطيب عن أبي هريرة قال نهى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن النظر فى النجوم وأخرج الخطيب عن عائشة مرفوعا مثله وأخرج الطبراني وأبو نعيم فى الحلية والخطيب عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه عن ابن عباس قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد فهذه الأحاديث محمولة على النظر فيها لما عدا الاهتداء والتفكر والاعتبار وما ورد فى جواز النظر فى النجوم فهو مقيد بالاهتداء والتفكر والاعتبار كما يدل عليه حديث ابن عمر السابق وعليه يحمل ما روى عن عكرمة فيما أخرجه الخطيب عنه أنه سأل رجلا عن حساب النجوم فجعل الرجل يتحرج أن يخبره فقال عكرمة سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه ووددت أني علمته وقد أخرج أبو داود والخطيب عن سمرة بن جندب أنه خطب فذكر حديثا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال أما بعد فإن ناسا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض وإنهم قد كذبوا ولكنها آيات من آيات الله يعبر بها عباده لينظر ما يحدث لهم من توبة وقد ثبت فى الصحيحين وغيرهما فى كسوف الشمس والقمر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده
وأخرج ابن مردويه عن أبي أمامة مرفوعا إن الله نصب آدم بين يديه ثم ضرب كتفه اليسرى فخرجت ذريته من صلبه حتى ملئوا الأرض فهذا الحديث هو معنى ما فى الآية ) وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ( وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس فى قوله ) فمستقر ومستودع ( قال المستقر ما كان فى الرحم والمستودع ما استودع فى أصلاب الرجال والدواب وفى لفظ المستقر ما فى الرحم وعلى ظهر الأرض وبطنها مما هو حي ومما قد مات وفى لفظ المستقر ما كان فى الأرض والمستودع ما كان فى الصلب وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود فى الآية قال مستقرها فى الدنيا ومستودعها فى الآخرة وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال المستقر الرحم والمستودع المكان الذى يموت فيه
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن وقتادة فى الآية قالا مستقر فى القبر ومستودع فى الدنيا أوشك أن يلحق بصاحبه
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) نخرج منه حبا متراكبا ( قال هذا السنبل وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء بن عازب ) قنوان دانية ( قال قريبة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) قنوان دانية ( قال قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قنوان الكبائس والدانية المنصوبة وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا فى ) قنوان دانية ( قال تهدل العذوق من الطلع وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) مشتبها وغير متشابه ( قال متشابها ورقه مختلفا ثمره وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن


"""""" صفحة رقم 147 """"""
كعب القرظي فى قوله ) انظروا إلى ثمره إذا أثمر ( قال رطبه وعنبه وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء ) وينعه ( قال نضجه
سورة الأنعام الآية ( 100 103 )
الأنعام : ( 100 ) وجعلوا لله شركاء . . . . .
هذا الكلام يتضمن ذكر نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم قال النحاس الجن المفعول الأول وشركاء المفعول الثاني كقوله تعالى ) وجعلكم ملوكا ( ) وجعلت له مالا ممدودا ( وأجاز الفراء أن يكون الجن بدلا من شركاء ومفسرا له وأجاز الكسائي رفع الجن بمعنى هم الجن كأنه قيل من هم فقيل الجن وبالرفع قرأ يزيد بن أبي قطيب وأبو حيان وقريء بالجر على إضافة شركاء إلى الجن للبيان والمعنى أنهم جعلوا شركاء لله فعبدوهم كما عبدوه وعظموهم كما عظموه وقيل المراد بالجن هاهنا الملائكة لاجتنانهم أي استتارهم وهم الذين قالوا الملائكة بنات الله وقيل نزلت فى الزنادقة الذين قالوا إن الله تعالى وإبليس أخوان فالله خالق الناس والدواب وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب وروى ذلك عن الكلبي ويقرب من هذا قول المجوس فإنهم قالوا للعالم صانعان هما الرب سبحانه والشيطان وهكذا القائلون كل خير من النور وكل شر من الظلمة وهم المانوية قوله ) وخلقهم ( جملة حالية بتقدير قد أي وقد علموا أن الله خلقهم أو خلق ما جعلوه شريكا لله قوله ) وخرقوا له بنين وبنات ( قرأ نافع بالتشديد على التكثير لأن المشركين ادعوا أن الملائكة بنات الله والنصارى ادعو أن المسيح ابن الله واليهود ادعوا أن عزيرا ابن الله فكثر ذلك من كفرهم فشدد الفعل لمطابقة المعنى وقرأ الباقون بالتخفيف وقرئ ? حرفوا ? من التحريف أي زوروا قال أهل اللغة معنى خرقوا اختلقوا وافتعلوا وكذبوا يقال اختلق الإفك واخترقه وخرقه أو أصله من خرق الثوب إذا شقه أي اشتقوا له بنين وبنات قوله ) بغير علم ( متعلق بمحذوف هو حال أي كائنين بغير علم بل قالوا ذلك عن جهل خالص ثم بعد حكاية هذا الضلال البين والبهت الفظيع من جعل الجن شركاء لله وإثبات بنين وبنات له نزه الله نفسه فقال ) سبحانه وتعالى عما يصفون ( وقد تقدم الكلام فى معنى سبحانه ومعنى ) تعالى ( تباعد وارتفع عن قولهم الباطل الذى وصفوه به
الأنعام : ( 101 ) بديع السماوات والأرض . . . . .
قوله ) بديع السماوات والأرض ( أي مبدعهما فيكف يجوز أن ) يكون له ولد ( وقد جاء البديع بمعنى المبدع كالسميع بمعنى المسمع كثيرا ومنه قول عمرو بن معدي كرب أمن ريحانة الداعي السميع
يؤرقني وأصحابي هجوع
أي المسمع وقيل هو من إضافة الصفة المشبهة إلى الفاعل والأصل بديع سمواته وأرضه وأجاز الكسائي خفضه على النعت لله والظاهر أن رفعه على تقدير مبتدأ محذوف أو على أنه مبتدأ وخبره ) أنى يكون له ولد (


"""""" صفحة رقم 148 """"""
وقيل هو مرفوع على أنه فاعل ) تعالى ( وقرئ بالنصب على المدح والاستفهام فى ) أنى يكون له ولد ( للإنكار والاستبعاد أي من كان هذا وصفه وهو أنه خالق السموات والأرض وما فيهما كيف يكون له ولد وهو من جملة مخلوقاته وكيف يتخذ ما يخلقه ولدا ثم بالغ فى نفي الولد فقال ) ولم تكن له صاحبة ( أي كيف يكون له ولد والحال أنه لم تكن له صاحبة والصاحبة إذا لم توجد استحال وجود الولد وجملة ) وخلق كل شيء ( لتقرير ما قبلها لأن من كان خالقا كل شيء استحال منه أن يتخذ بعض مخلوقاته ولدا ) وهو بكل شيء عليم ( لا تخفى عليه من مخلوقاته خافية
الأنعام : ( 102 ) ذلكم الله ربكم . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى الأوصاف السابقة وهو فى موضع رفع على الابتداء وما بعده خبره وهو الاسم الشريف و ) ربكم ( خبر ثان و ) لا إله إلا هو ( خبر ثالث و ) خالق كل شيء ( خبر رابع ويجوز أن يكون ) الله ربكم ( بدلا من اسم الإشارة وكذلك ) لا إله إلا هو خالق كل شيء ( خبر المبتدأ ويجوز ارتفاع خالق على إضمار مبتدأ وأجاز الكسائي والفرا النصب فيه ) فاعبدوه ( أي من كانت هذه صفاته فهو الحقيق بالعبادة فاعبدوه ولا تعبدوا غيره ممن ليس له من هذه الصفات العظيمة شيء
الأنعام : ( 103 ) لا تدركه الأبصار . . . . .
قوله ) لا تدركه الأبصار ( الأبصار جمع بصر وهو الحاسة وإدراك الشيء عبارة عن الإحاطة به قال الزجاج أي لا تبلغ كنه حقيقته فالمنفى هو هذا الإدراك لا مجرد الرؤية فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواترا لا شك فيه ولا شبهة ولا يجهله إلا من يجهل السنة المطهرة جهلا عظيما وأيضا قد تقرر فى علم البيان والميزان أن رفع الإيجاب الكلي سلب جزئي فالمعنى لا تدركه بعض الأبصار وهي أبصار الكفار هذا على تسليم أن نفي الإدراك يستلزم نفي الرؤية فالمراد به هذه الرؤية الخاصة والآية من سلب العموم لا من عموم السلب والأول تخلفه الجزئية والتقدير لا تدركه كل الأبصار بل بعضها وهي أبصار المؤمنين والمصير إلى أحد الوجهين متعين لما عرفناك من تواتر الرؤية فى الآخرة واعتضادها بقوله تعالى ) وجوه يومئذ ناضرة ( الآية قوله ) وهو يدرك الأبصار ( أي يحيط بها ويبلغ كنهها لا تخفى عليه منها خافية وخص الأبصار ليجانس ما قبله وقال الزجاج فى هذا دليل على أن الخلق لا يدركون الأبصار أي لا يعرفون كيفية حقيقة البصر وما الشيء الذى صار به الإنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه انتهى ) وهو اللطيف ( أي الرفيق بعباده يقال لطف فلان بفلان أي رفق به واللطف فى العمل الرفق فيه واللطف من الله التوفيق والعصمة وألطفه بكذا إذا أبره والملاطفة المبارة هكذا قال الجوهري وابن فارس و ) الخبير ( المختبر بكل شيء بحيث لا يخفى عليه شيء
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم ( قال والله خلقهم ) وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ( قال تخرصوا وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى قوله ) وخرقوا ( قال جعلوا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال كذبوا وأخرج عبد ابن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والعقيلي وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) لا تدركه الأبصار ( قال لو أن الإنس والجن والملائكة والشياطين منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله أبدا قال الذهبي هذا حديث منكر انتهى وفي إسناده عطية العوفي وهو ضعيف وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال رأى محمد ربه قال عكرمة فقلت له أليس الله يقول ) لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ( قال لا أم لك ذاك نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء


"""""" صفحة رقم 149 """"""
وفى لفظ إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر وأخرج ابن جرير عنه قال لا يحيط بصر أحد بالله
وأخرج أبو الشيخ والبيهقي فى كتاب الرؤية عن الحسن فى قوله ) لا تدركه الأبصار ( قال فى الدنيا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية مثله
سورة الأنعام الآية ( 104 108 )
الأنعام : ( 104 ) قد جاءكم بصائر . . . . .
البصائر جمع بصيرة وهى فى الأصل نور القلب والمراد بها هنا الحجة البينة والبرهان الواضح وهذا الكلام وارد على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولهذا قال فى آخره ) وما أنا عليكم بحفيظ ( ووصف البصائر بالمجيء تفخيما لشأنها وجعلها بمنزلة الغائب المتوقع مجيئه كما يقال جاءت العافية وانصرف المرض وأقبلت السعود وأدبرت النحوس ) فمن أبصر فلنفسه ( أي فمن تعقل الحجة وعرفها وأذعن لها فنفع ذلك لنفسه لأنه ينجو بهذا الإبصار من عذاب النار ) ومن عمي ( عن الحجة ولم يتعقلها ولا أذعن لها فضرر ذلك على نفسه لأنه يتعرض لغضب الله فى الدنيا ويكون مصيره النار ) وما أنا عليكم بحفيظ ( برقيب أحصى عليكم أعمالكم وإنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم قال الزجاج نزل هذا قبل فرض القتال ثم أمر أن يمنعهم بالسيف من عبادة الأوثان
الأنعام : ( 105 ) وكذلك نصرف الآيات . . . . .
) وكذلك نصرف الآيات ( أي مثل ذلك التصريف البديع نصرفها فى الوعد والوعيد والوعظ والتنبيه قوله ) وليقولوا درست ( العطف على محذوف أي نصرف الآيات لتقوم الحجة وليقولوا درست أو علة لفعل محذوف يقدر متأخرا أي وليقولوا درست صرفناها وعلى هذا تكون اللام للعاقبة أو للصيرورة
والمعنى ومثل ذلك التصريف نصرف الآيات وليقولوا درست فإنه لا احتفال بقولهم ولا اعتداد بهم فيكون معناه الوعيد والتهديد لهم وعدم الاكتراث بقولهم وقد أشار إلى مثل هذا الزجاج وقال النحاس وفي المعنى قول آخر حسن وهو أن يكون معنى ) نصرف الآيات ( نأتي بها آية بعد آية ) وليقولوا درست ( علينا فيذكرون الأول بالآخر فهذا حقيقته والذى قاله أبو إسحاق يعني الزجاج مجاز وفى ) درست ( قراءات قرأ أبو عمرو وابن كثير دارست بألف بين الدال والراء كفاعلت وهى قراءة علي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأهل مكة وقرأ ابن عامر ) درست ( بفتح السكين وإسكان التاء من غير ألف كخرجت وهى قراءة الحسن وقرأ الباقون ) درست ( كضربت فعلى القراءة الأولى المعنى دارست أهل الكتاب ودارسوك أي ذاكرتهم وذاكروك ويدل على هذا ما وقع فى الكتاب العزيز من إخبار الله عنهم بقوله ) وأعانه عليه قوم آخرون ( أي أعان اليهود النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على القرآن ومثله قولهم ) أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (


"""""" صفحة رقم 150 """"""
وقولهم ) إنما يعلمه بشر ( والمعنى على القراءة الثانية قدمت هذه الآيات وعفت وانقطعت وهو كقولهم ) أساطير الأولين ( والمعنى على القراءة الثالثة مثل المعنى على القراءة الأولى قال الأخفش هى بمعنى دارست إلا أنه أبلغ وحكى عن المبرد أنه قرأ ) وليقولوا ( بإسكان اللام فيكون فيه معنى التهديد أي وليقولوا ما شاءوا فإن الحق بين وفى هذا اللفظ أصله درس يدرس دراسة فهو من الدرس وهو القراءة وقيل من درسته أي ذللته بكثرة القراءة وأصله درس الطعام أي داسه والدياس الدارس بلغة أهل الشام وقيل أصله من درست الثوب أدرسه درسا أي أخلقته ودرست المرأة درسا أي حاضت ويقال إن فرج المرأة يكنى أبا دراس وهو من الحيض والدرس أيضا الطريق الخفي وحكى الأصمعي بعير لم يدرس أي لم يركب وروى عن ابن عباس وأصحابه وأبي وابن مسعود والأعمش أنهم قرءوا درس أي درس محمد الآيات وقرئ ) درست ( وبه قرأ زيد بن ثابت أي الآيات على البناء للمفعول ودارست أي دارست اليهود محمدا واللام فى ? لنبينه ? لام كي أي نصرف الآيات لكي نبينه لقوم يعلمون والضمير راجع إلى الآيات لأنها فى معنى القرآن أو إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر لأنه معلوم من السياق أو إلى التبيين المدلول عليه بالفعل
الأنعام : ( 106 ) اتبع ما أوحي . . . . .
قوله ) اتبع ما أوحي إليك من ربك ( أمره الله باتباع ما أوحى إليه وأن لا يشغل خاطره بهم بل يشتغل باتباع ما أمره الله وجملة ) لا إله إلا هو ( معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لقصد تأكيد إيجاب الاتباع ) وأعرض ( معطوف على ) اتبع ( أمره الله بالإعراض عن المشركين بعدما أمره باتباع ما أوحى إليه وهذا قبل نزول آية السيف
الأنعام : ( 107 ) ولو شاء الله . . . . .
) لو شاء الله ما أشركنا ( أي لو شاء الله عدم إشراكهم ما أشركوا وفيه أن الشرك بمشيئة الله سبحانه والكلام فى تقرير هذا على الوجه الذى يتعارف به أهل علم الكلام والميزان معروف فلا نطيل بإيراده ) وما جعلناك عليهم حفيظا ( أي رقيبا ) وما أنت عليهم بوكيل ( أي قيم بما فيه نفعهم فتجلبه إليهم ليس عليك إلا إبلاغ الرسالة
الأنعام : ( 108 ) ولا تسبوا الذين . . . . .
قوله ) ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ( الموصول عبارة عن الآلهة التى كانت تعبدها الكفار والمعنى لا تسب يا محمد آلهة هؤلاء الكفار التى يدعونها من دون الله فيتسبب عن ذلك سبهم لله عدوانا وتجاوزا عن الحق وجهلا منهم
وفى هذه الآية دليل على أن الداعي إلى الحق والناهي عن الباطل إذا خشى أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حرم ومخالفة حق ووقوع فى باطل أشد كان الترك أولى به بل كان واجبا عليه وما أنفع هذه الآية وأجل فائدتها لمن كان من الحاملين لحجج الله المتصدين لبيانها للناس إذا كان بين قوم من الصم والبكم الذين إذا أمرهم بمعروف تركوه وتركوا غيره من المعروف وإذا نهاهم عن منكر فعلوه وفعلوا غيره من المنكرات عنادا للحق وبغضا لاتباع المحقين وجراءة على الله سبحانه سبحانه فإن هؤلاء لا يؤثر فيهم إلا السيف وهو الحكم العدل لمن عاند الشريعة المطهرة وجعل المخالفة لها والتجرؤ على أهلها ديدنه وهجيراه كما يشاهد ذلك فى أهل البدع الذين إذا دعوا إلى حق وقعوا فى كثير من الباطل وإذا أرشدوا إلى السنة قابلوها بما لديهم من البديعة فهؤلاء هم المتلاعبون بالدين المتهاونون بالشرائع وهم شر من الزنادقة لأنهم يحتجون بالباطل وينتمون إلى البدع ويتظهرون بذلك غير خائفين ولا وجلين والزنادقة قد ألجمتهم سيوف الإسلام وتحاماهم أهله وقد ينفق كيدهم ويتم باطلهم وكفرهم نادرا على ضعيف من ضعفاء المسلمين مع تكتم وتحرز وخيفة ووجل وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذه الآية محكمة ثابتة غير منسوخة وهى أصل أصيل فى سد الذرائع وقطع التطرق إلى الشبه وقرأ أهل مكة ) عدوا ( بضم العين والدال وتشديد الواو وهى قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وقرأ من


"""""" صفحة رقم 151 """"""
عداهم بفتح العين وضم الدال وتشديد الواو ومعنى القراءتين واحد أي ظلما وعدوانا وهو منتصب على الحال أو على المصدر أو على أنه مفعول له ) كذلك زينا لكل أمة عملهم ( أي مثل ذلك التزيين زينا لكل أمة من أمم الكفار عملهم من الخير والشر ) يضل من يشاء ويهدي من يشاء ( ) ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون ( فى الدنيا من المعاصى التى لم ينتهوا عنها ولا قبلوا من المرسلين ما أرسلهم الله به إليهم وما تضمنته كتبه المنزلة عليهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) قد جاءكم بصائر ( أي بينة ) فمن أبصر فلنفسه ( أي فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ) ومن عمي ( أي من ضل ) فعليها ( وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والضياء فى المختارة عن ابن عباس أنه كان يقرأ دارست وقال قرأت وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه ) درست ( قال قرأت وتعلمت وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه أيضا قال دارست خاصمت جادلت تلوت وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) وأعرض عن المشركين ( قال كف عنهم وهذا منسوخ نسخة القتال ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس فى قوله ) ولو شاء الله ما أشركوا ( يقول الله تبارك وتعالى لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وما أنت عليهم بوكيل ( أي بحفيظ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ( قال قالوا يا محمد لتنتهين عن سبك آلهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم ) فيسبوا الله عدوا بغير علم ( وقد ثبت فى الصحيح أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ملعون من سب والديه قالوا يا رسول الله وكيف يسب الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه
سورة الأنعام الآية ( 109 113 )
الأنعام : ( 109 ) وأقسموا بالله جهد . . . . .
قوله ) وأقسموا بالله ( أي الكفار مطلقا أو كفار قريش وجهد الأيمان أشدها أي أقسموا بالله أشد


"""""" صفحة رقم 152 """"""
أيمانهم التى بلغتها قدرتهم وقد كانوا يعتقدون أن الله هو الإله الأعظم فلهذا أقسموا به وانتصاب جهد على المصدرية وهو بفتح الجيم المشقة وبضمها الطاقة ومن أهل اللغة من يجعلهما لمعنى واحد والمعنى أنهم اقترحوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) آية من الآيات التى كانوا يقترحونها وأقسموا لئن جاءتهم هذه الآية التى اقترحوها ) ليؤمنن بها ( وليس غرضهم الإيمان بل معظم قصدهم التحكم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والتلاعب بآيات الله فأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بقوله ) إنما الآيات عند الله ( هذه الآية التى يقترحونها وغيرها وليس عندي من ذلك شيء فهو سبحانه إن أراد إنزالها أنزلها وإن أراد أن لا ينزلها لم ينزلها
قوله ) وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( قرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة من أنها وهى قراءة مجاهد ويؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود ) وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( قال مجاهد وابن زيد المخاطب بهذا المشركون أي وما يدريكم ثم حكم عليهم بقوله ) أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( وقال الفراء وغيره الخطاب للمؤمنين لأن المؤمنين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يا رسول الله لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون فقال الله تعالى ) وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( وقرأ أهل المدينة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم وابن عامر ) أنها إذا جاءت ( بفتح الهمزة قال الخليل أنها بمعنى لعلها وفى التنزيل ) وما يدريك لعله يزكى ( أي أنه يزكى وحكى عن العرب ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا أي لعلك ومنه قول الشاعر عدي بن زيد أعاذل ما يدريك أن منيتي
إلى ساعة فى اليوم أو فى ضحى الغد
أي لعل منيتي ومنه قول دريد بن الصمة أريني جوادا مات هزلا لأنني
أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
أي لعلني وقول أبي النجم قلت لشيبان ادن من لقائه
أني بعد اليوم من سوائه
أي لعلى وقول جرير هل أنتم عائجون بنا لأن
نرى العرصات أو أثر الخيام
أي لعلنا اه وقد وردت فى كلام العرب كثيرا بمعنى لعل وحكى الكسائي أنها كذلك فى مصحف أبي بن كعب وقال الكسائي أيضا والفراء إن ) لا ( زائدة والمعنى وما يشعركم أنها أي الآيات إذا جاءت يؤمنون فزيدت كما زيدت فى قوله تعالى ) وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ( وفى قوله ) ما منعك ألا تسجد ( وضعف الزجاج والنحاس وغيرهما زيادة لا وقالوا هو غلط وخطأ وذكر النحاس وغيره أن فى الكلام حذفا والتقدير أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ثم حذف هذا المقدر لعلم السامع
الأنعام : ( 110 ) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم . . . . .
قوله ) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ( معطوف على ) لا يؤمنون ( قيل والمعنى تقليب أفئدتهم وأبصارهم يوم القيامة على لهب النار وحر الجمر ) كما لم يؤمنوا ( فى الدنيا ) ونذرهم ( في الدنيا أي نمهلهم ولا نعاقبهم فعلى هذا بعض الآية في الآخرة وبعضها في الدنيا وقيل المعنى ونقلب أفئدتهم وأبصارهم فى الدنيا أي نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية كما حلنا بينهم وبين ما دعوتهم إليه أول مرة عند ظهور المعجزة وقيل في الكلام تقديم وتأخير والتقدير أنها إذا جاءت لا يؤمنون كما لم يؤمنوا ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ونذرهم فى طغيانهم يعمهون أي يتحيرون والكاف فى ) كما لم يؤمنوا ( نعت مصدر محذوف وما مصدرية و ) يعمهون ( فى محل نصب على الحال


"""""" صفحة رقم 153 """"""
الأنعام : ( 111 ) ولو أننا نزلنا . . . . .
قوله ) ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة ( أي لا يؤمنون ولو نزلنا إليهم الملائكة كما اقترحوه بقولهم ) لولا أنزل عليه ملك ( ) وكلمهم الموتى ( الذين يعرفونهم بعد إحيائنا لهم فقالوا لهم إن هذا النبي صادق مرسل من عند الله فآمنوا به لم يؤمنوا ) وحشرنا عليهم كل شيء ( مما سألوه من الآيات ) قبلا ( أي كفلا وضمنا بما جئناهم به من الآيات البينات هذا على قراءة من قرأ قبلا بضم القاف وهم الجمهور وقرأ نافع وابن عامر قبلا بكسرها أي مقابلة
وقال محمد بن يزيد المبرد قبلا بمعنى ناحية كما تقول لي قبل فلان مال فقبلا نصب على الظرف وعلى المعنى الأول ورد قوله تعالى ) أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( أي يضمنون كذا قال الفراء وقال الأخفش هو بمعنى قبيل قبيل أي جماعة جماعة وحكى أبو زيد لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا كله واحد بمعنى المواجهة فيكون على هذا الضم كالكسر وتستوى القراءتان والحشر الجمع ) ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ( إيمانهم فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن والاستثناء مفرغ ) ولكن أكثرهم يجهلون ( جهلا يحول بينهم وبين درك الحق والوصول إلى الصواب
الأنعام : ( 112 ) وكذلك جعلنا لكل . . . . .
قوله ) وكذلك جعلنا لكل نبي ( هذا الكلام لتسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ودفع ما حصل معه من الحزن بعدم إيمانهم أي مثل هذا الجعل ) جعلنا لكل نبي عدوا ( والمعنى كما ابتليناك بهؤلاء فقد ابتلينا الأنبياء من قبلك بقوم من الكفار فجعلنا لكل واحد منهم عدوا من كفار زمنهم و ) شياطين الإنس والجن ( بدل من عدوا وقيل هو المفعول الثاني لجعلنا وقرأ الأعمش الجن والإنس بتقديم الجن والمراد بالشياطين المردة من الفريقين والإضافة بيانية أو من إضافة الصفة إلى الموصوف والأصل الإنس والجن الشياطين وجملة ) يوحي بعضهم إلى بعض ( فى محل نصب على الحال أي حال كونه يوسوس بعضه لبعض وقيل إن الجملة مستأنفة لبيان حال العدو وسمى وحيا لأنه إنما يكون خفية بينهم وجعل تمويههم زخرف القول لتزيينهم إياه والمزخرف المزين وزخارف الماء طرائقه و ) غرورا ( منتصب على المصدر لأن معنى يوحى بعضهم إلى بعض يغرونهم بذلك غرورا ويجوز أن يكون فى موضع الحال ويجوز أن يكون مفعولا له والغرور الباطل قوله ) ولو شاء ربك ما فعلوه ( الضمير يرجع إلى ما ذكر سابقا من الأمور التى جرت من الكفار فى زمنه وزمن الأنبياء قبله أي لو شاء ربك عدم وقوع ما تقدم ذكره ما فعلوه وأوقعوه وقيل ما فعلوا الإيحاء المدلول عليه بالفعل ) فذرهم ( أي اتركهم وهذا الأمر للتهديد للكفار كقوله ) ذرني ومن خلقت وحيدا ( ) وما يفترون ( إن كانت ما مصدرية فالتقدير اتركهم وافتراءهم وإن كانت موصولة فالتقدير اتركهم والذى يفترونه
الأنعام : ( 113 ) ولتصغى إليه أفئدة . . . . .
قوله ) ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ( اللام فى لتصغى لام كي فتكون علة كقوله ) يوحى ( والتقدير يوحى بعضهم إلى بعض ليغروهم ولتصغى وقيل هو متعلق بمحذوف يقدر متأخرا أي لتصغى ) جعلنا لكل نبي عدوا ( وقيل إن اللام للأمر وهو غلط فإنها لو كانت لام الأمر جزمت الفعل والإصغاء الميل يقال صغوت أصغو صغوا وصغيت أصغى ويقال صغيت بالكسر ويقال أصغيت الإناء إذا أملته ليجتمع ما فيه وأصله الميل إلى الشيء لغرض من الأغراض ويقال صغت النجوم إذا مالت للغروب وأصغت الناقة إذا أمالت رأسها ومنه قول ذي الرمة تصغى إذا شدها بالكور جانحة
حتى إذا ما استوى فى غرزها وثبت
والضمير فى إليه لزخرف القول أو لما ذكر سابقا من زخرف القول وغيره أي أوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول ليغروهم ) ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ( من الكفار ) وليرضوه ( لأنفسهم بعد الإصغاء إليه ) وليقترفوا ما هم مقترفون ( من الآثام والاقتراف الاكتساب يقال خرج ليقترف لأهله أي


"""""" صفحة رقم 154 """"""
ليكتسب لهم وقارف فلان هذ ا الأمر إذا واقعه وقرفه إذا رماه بالريبة واقترف كذب وأصله اقتطاع قطعة من الشئ
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال نزلت ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( فى قريش ) وما يشعركم ( يا أيها المسلمون ) أنها إذا جاءت لا يؤمنون ( وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال كلم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قريشا فقالوا يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصى يضرب بها الحجر وأن عيسى كان يحيى الموتى وأن ثمود لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي شيء تحبون أن آتيكم به قالوا تجعل لنا الصفا ذهبا قال فإن فعلت تصدقوني قالوا نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يدعو فجاءه جبريل فقال له إن شئت أصبح ذهبا فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبنهم وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال بل يتوب تائبهم فأنزل الله ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( إلى قوله ) يجهلون ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ( قال لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء وردت عن كل أمر وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ) وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ( قال معاينة ) ما كانوا ليؤمنوا ( أي أهل الشقاء ) إلا أن يشاء الله ( أي أهل السعادة والذين سبق لهم فى علمه أن يدخلوا فى الإيمان وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة ) وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ( أي فعاينوا ذلك معاينة وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال أفواجا قبيلا
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن ( قال إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم فيلتقى شيطان الإنس وشيطان الجن فيقول هذا لهذا أضلله بكذا وأضلله بكذا فهو ) يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ( وقال ابن عباس الجن هم الجان وليسوا شياطين والشياطين ولد إبليس وهم لا يموتون إلا مع إبليس والجن يموتون فمنهم المؤمن ومنهم الكافر وأخرج أبو الشيخ عن ابن مسعود قال الكهنة هم شياطين الأنس وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) يوحي بعضهم إلى بعض ( قال شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس فإن الله يقول ) وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ( وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة فى الآية قال من الإنس شياطين ومن الجن شياطين يوحى بعضهم إلى بعض وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس زخرف القول قال يحسن بعضهم لبعض القول ليتبعوهم في قتنتهم وقد أخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا أيا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس قال يا نبي الله وهل للإنس شياطين قال نعم شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا
وأخرج أحمد وابن مردويه والبيهقي فى الشعب عن أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولتصغى ( لتميل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عنه ) ولتصغى ( تزيغ ) وليقترفوا ( يكتسبوا
سورة الأنعام الآية ( 114 117 )


"""""" صفحة رقم 155 """"""
الأنعام : ( 114 ) أفغير الله أبتغي . . . . .
قوله ) أفغير الله ( الاستفهام للإنكار والفاء للعطف على فعل مقدر والكلام هو على إرادة القول والتقدير قل لهم يا محمد كيف أضل وأبتغى غير الله حكما وغير مفعول لأبتغي مقدم عليه وحكما المفعول الثاني أو العكس
ويجوز أن ينتصب حكما على الحال والحكم أبلغ من الحاكم كما تقرر فى مثل هذه الصفة المشتقة أمره الله سبحانه وتعالى أن ينكر عليهم ما طلبوه منه من أن يجعل بينه وبينهم حكما فيما اختلفوا فيه وإن الله هو الحكم العدل بينه وبينهم وجملة ) وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ( فى محل نصب على الحال أي كيف أطلب حكما غير الله وهو الذى أنزل عليكم القرآن مفصلا مبينا واضحا مستوفيا لكل قضية على التفصيل ثم أخبر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بأن أهل الكتاب وإن أظهروا الجحود والمكابرة فإنهم يعلمون أن القرآن منزل من عند الله بما دلتهم عليه كتب الله المنزلة كالتوراة والإنجيل من أنه رسول الله وأنه خاتم الأنبياء و ) بالحق ( متعلق بمحذوف وقع حالا أي متلبسا بالحق الذى لا شك فيه ولا شبهة ثم نهاه الله عن أن يكون من الممترين فى أن أهل الكتاب يعلمون بأن القرآن منزل من عند الله بالحق أو نهاه عن مطلق الامتراء ويكون ذلك تعريضا لأمته عن أن يمترى أحد منهم أو الخطاب لكل من يصلح له أي فلا يكونن أحد من الناس من الممترين ولا يقدح فى ذلك كون الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن خطابه خطاب لأمته
الأنعام : ( 115 ) وتمت كلمة ربك . . . . .
قوله ) وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ( قرأ أهل الكوفة كلمة بالتوحيد وقرأ الباقون بالجمع والمراد بالكلمات العبارات أو متعلقاتها من الوعد والوعيد
والمعنى أن الله قد أتم وعده ووعيده فظهر الحق وانطمس الباطل وقيل المراد بالكلمة أو الكلمات القرآن و ) صدقا وعدلا ( منتصبان على التمييز أو الحال أو على أنهما نعت مصدر محذوف أي تمام صدق وعدل ) لا مبدل لكلماته ( لا خلف فيها ولا مغير لما حكم به والجملة المنفية فى محل نصب على الحال أو مستأنفة ) وهو السميع ( لكل مسموع ) العليم ( بكل معلوم
الأنعام : ( 116 ) وإن تطع أكثر . . . . .
قوله ) وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ( أخبره الله سبحانه بأنه إذا رام طاعة أكثر من فى الأرض أضلوه لأن الحق لا يكون إلا بيد الأقلين وهم الطائفة التى لا تزال على الحق ولا يضرها خلاف من يخالفها كما ثبت ذلك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المراد بالأكثر الكفار وقيل المراد بالأرض مكة أي أكثر أهل مكة ثم علل ذلك سبحانه بقوله ) إن يتبعون إلا الظن ( أي ما يتبعون إلا الظن الذى لا أصل له وهو ظنهم أن معبوداتهم تستحق العبادة وأنها تقربهم إلى الله ) وإن هم إلا يخرصون ( أي وما هم إلا يخرصون أي يحدسون ويقدرون وأصل الخرص القطع ومنه خرص النخل يخرص إذا حزره ليأخذ منه الزكاة فالخارص يقطع بما لا يجوز القطع به إذ لا يقين منه
الأنعام : ( 117 ) إن ربك هو . . . . .
وإذا كان هذا حال أكثر من فى الأرض فالعلم الحقيقي هو عند الله فاتبع ما أمرك به ودع عنك طاعة غيره وهو العالم بمن يضل عن سبيله ومن يهتدى إليه قال بعض أهل العلم إن ) أعلم ( فى الموضعين بمعنى يعلم قال ومنه قول حاتم الطائي فحالفت طي من دوننا حلفا
والله أعلم ما كنا لهم خولا


"""""" صفحة رقم 156 """"""
والوجه فى هذا التأويل أن أفعل التفضيل لا ينصب الاسم الظاهر فتكون من منصوبة بالفعل الذى جعل أفعل التفضيل نائبا عنه وقيل إن أفعل التفضيل على بابه والنصب بفعل مقدر وقيل إنها منصوبة بأفعل التفضيل أي إن ربك أعلم أي الناس يضل عن سبيله وقيل فى محل نصب بنزع الخافض أي بمن يضل قاله بعض البصريين وقيل فى محل جر بإضافة أفعل التفضيل إليها
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) مفصلا ( قال مبينا وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) صدقا وعدلا ( قال صدقا فيما وعد وعدلا فيما حكم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نصر السجزي فى الإبانة عن محمد بن كعب القرظي فى قوله ) لا مبدل لكلماته ( قال لا تبديل لشيء قاله فى الدنيا والآخرة لقوله ) ما يبدل القول لدي ( وأخرج ابن مردويه وابن النجار عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ( قال لا إله إلا الله وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي اليمان عامر بن عبد الله قال دخل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المسجد الحرام يوم فتح مكة ومعه مخصرة ولكل قوم صنم يعبدونه فجعل يأتيها صنما صنما ويطعن فى صدر الصنم بعصا ثم يعقره فكلما طعن صنما أتبعه ضربا بالقوس حتى يكسروه ويطرحوه خارجا من المسجد والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ) وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم )
سورة الأنعام الآية ( 118 120 )
الأنعام : ( 118 ) فكلوا مما ذكر . . . . .
لما تقدم ذكر ما يصنعه الكفار فى الأنعام من تلك السنن الجاهلية أمر الله المسلمين بأن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقيل إنها نزلت فى سبب خاص وسيأتي ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فكل ما ذكر الذابح عليه اسم الله حل إن كان مما أباح الله أكله وقال عطاء فى هذه الآية الأمر بذكر الله على الشراب والذبح وكل مطعوم والشرط فى ) إن كنتم بآياته مؤمنين ( للتهييج والإلهاب أي بأحكامه من الأوامر والنواهي التى من جملتها الأمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه
الأنعام : ( 119 ) وما لكم ألا . . . . .
والاستفهام فى ) وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( للإنكار أي ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه بعد أن أذن الله لكم بذلك ? و ? الحال أن ) وقد فصل لكم ما حرم عليكم ( أي بين لكم بيانا مفصلا يدفع الشك ويزيل الشبهة بقوله ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ( إلى آخر الآية ثم استثنى فقال ) إلا ما اضطررتم إليه ( أي من جميع ما حرمه عليكم فإن الضرورة تحلل الحرام وقد تقدم تحقيقه فى البقرة قرأ نافع ويعقوب ) وقد فصل لكم ما حرم عليكم ( بفتح الفعلين على البناء للفاعل وهو الله سبحانه وقرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالضم فيهما على النباء للمفعول وقرأ عطية العوفي ) فصل ( بالتخفيف أي أبان وأظهر قوله ) وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم ( هم الكفار الذين كانوا يحرمون البحيرة والسائبة ونحوهما فإنهم بهذه الأفعال المبنية على الجهل كانوا يضلون الناس فيتبعونهم ولا يعلمون أن ذلك جهل


"""""" صفحة رقم 157 """"""
وضلالة لا يرجع إلى شيء من العلم
الأنعام : ( 120 ) وذروا ظاهر الإثم . . . . .
ثم أمرهم الله أن يتركوا ظاهر الإثم وباطنه والظاهر ما كان يظهر كأفعال الجوارح والباطن ما كان لا يظهر كأفعال القلب وقيل ما أعلنتم وما أسررتم وقيل الزنا الظاهر والزنا المكتوم وأضاف الظاهر والباطن إلى الإثم لأنه يتسبب عنهما ثم توعد الكاسبين للإثم بالجزاء بسبب افترائهم على الله سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال جاءت اليهود إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قالوا إنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله فأنزل الله ) فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( إلى قوله ) وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ( وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير ) فكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( فإنه حلال ) إن كنتم بآياته ( يعني القرآن ) مؤمنين ( قال مصدقين ) وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ( يعني الذبائح ) وقد فصل لكم ما حرم عليكم ( يعني ما حرم عليكم من الميتة ) وإن كثيرا ( يعني من مشركي العرب ) ليضلون بأهوائهم بغير علم ( يعني في أمر الذبائح
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) إلا ما اضطررتم إليه ( أي من الميتة والدم ولحم الخنزير وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وذروا ظاهر الإثم ( قال هو نكاح الأمهات والبنات ) وباطنه ( قال هو الزنا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال الظاهر منه ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ( و ) حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم ( الآية والباطن الزنا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى الآية قال علانيته وسره
سورة الأنعام الآية ( 121 )
الأنعام : ( 121 ) ولا تأكلوا مما . . . . .
نهى الله سبحانه عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه بعد أن أمر بالأكل مما ذكر اسم الله عليه وفيه دليل على تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
وقد اختلف أهل العلم فى ذلك فذهب ابن عمر ونافع مولاه والشعبي وابن سيرين وهو رواية عن مالك وعن أحمد بن حنبل وبه قال أبو ثور وداود الظاهري أن ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح حرام من غير فرق بين العامد والناسي لهذه الآية ولقوله تعالى فى آية الصيد ) فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ( ويزيد هذا الاستدلال تأكيدا قوله سبحانه فى هذه الآية ) وإنه لفسق )
فوائد
وقد ثبت فى الأحاديث الصحيحة الأمر بالتسمية فى الصيد وغيره وذهب الشافعي وأصحابه وهو رواية عن مالك ورواية عن أحمد أن التسمية مستحبة لا واجبة وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء ابن أبي رباح وحمل الشافعي الآية على من ذبح لغير الله وهو تخصيص للآية بغير مخصص وقد روى أبو داود فى المرسل أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر وليس في هذا المرسل ما يصلح لتخصيص الآية نعم حديث عائشة أنها قالت للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن قوما يأتوننا بلحمان لا ندرى أذكر اسم الله عليه أم لا فقال سموا أنتم وكلوا يفيد أن التسمية عند الأكل تجزئ مع التباس وقوعها


"""""" صفحة رقم 158 """"""
عند الذبح وذهب مالك وأحمد في المشهور عنهما وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه أن التسميه إن تركت نسيانا لم تضر وإن تركت عمدا لم يحل أكل الذبيحة وهو مروي عن علي وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن البصري وأبي مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلي وجعفر بن محمد وربيعة بن أبي عبد الرحمن واستدلوا بما أخرجه البيهقي عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال المسلم إن نسى أن يسمى حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله وهذا الحديث رفعه خطأ وإنما هو من قول ابن عباس وكذا أخرجه من قوله عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر نعم يمكن الاستدلال لهذا المذهب بمثل قوله تعالى ) ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( كما سبق تقريره وبقوله ( صلى الله عليه وسلم ) رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وأما حديث أبي هريرة الذى أخرجه ابن عدي أن رجلا جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اسم الله على كل مسلم فهو حديث ضعيف قد ضعفه البيهقي وغيره قوله ) وإنه لفسق ( الضمير يرجع إلى ) ما ( بتقدير مضاف أي وإن أكل ما لم يذكر لفسق ويجوز أن يرجع إلى مصدر تأكلوا أي فإن الأكل لفسق وقد تقدم تحقيق الفسق
وقد استدل من حمل هذه الآية على ما ذبح لغير الله بقوله ) وإنه لفسق ( ووجه الاستدلال أن الترك لا يكون فسقا بل الفسق الذبح لغير الله ويجاب عنه بأن طلاق اسم الفسق على تارك ما فرضه الله عليه غير ممتنع شرعا ) وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ( أي يوسوسون لهم بالوساوس المخالفة للحق المباينة للصواب قاصدين بذلك أن يجادلكم هؤلاء الأولياء بما يوسوسون لهم ) وإن أطعتموهم ( فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه ) إنكم لمشركون ( مثلهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن ابن عباس قال قال المشركون وفي لفظ قال اليهود لا تأكلوا مما قتل الله وتأكلوا مما قتلتم أنتم فأنزل الله ) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال لما نزلت ) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ( أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمدا فقالوا له ما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال وما ذبح الله بشمشار من ذهب يعني الميتة فهو حرام فنزلت ) وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ( قال الشياطين من فارس وأوليائهم من قريش وقد روى نحو ما تقدم فى حديث ابن عباس الأول من غير طريق وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه أيضا فى قوله ) وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ( قال إبليس أوحى إلى مشركي قريش
وأخرج أبو داود وابن مردويه والبيهقي فى سننه عنه أيضا فى قوله ) ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ( فنسخ واستثنى من ذلك فقال ) وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ( وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال كلوا ذبائح المسلمين وأهل الكتاب مما ذكر اسم الله عليه وروى ابن أبي حاتم عن مكحول نحو قول ابن عباس فى النسخ


"""""" صفحة رقم 159 """"""
سورة الأنعام الآية ( 122 124 )
الأنعام : ( 122 ) أو من كان . . . . .
قوله ) أو من كان ميتا فأحييناه ( قرأ الجمهور بفتح الواو بعد همزة الاستفهام وقرأ نافع وابن أبي نعيم بإسكانها قال النحاس يجوز أن يكون محمولا على المعنى أي انظروا وتدبروا ) أفغير الله أبتغي حكما ( ) أو من كان ميتا فأحييناه ( والمراد بالميت هنا الكافر أحياه الله بالإسلام وقيل معناه كان ميتا حين كان نطفة فأحييناه بنفخ الروح فيه والأول أولى لأن السياق يشعر بذلك لكونه فى تنفير المسلمين عن اتباع المشركين وكثيرا ما تستعار الحياة للهداية وللعلم ومنه قول القائل وفى الجهل قبل الموت موت لأهله
فأجسامهم قبل القبور قبور
وإن امرأ لم يحى بالعلم ميت
فليس له حتى النشور نشور
والنور عبارة عن الهداية والإيمان وقيل هو القرآن وقيل الحكمة وقيل هو النور المذكور في قوله تعالى ) يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ( والضمير فى به راجع إلى النور ) كمن مثله في الظلمات ( أي كمن صفته فى الظلمات ومثله مبتدأ والظلمات خبره والجملة صفة لمن وقيل مثل زائدة والمعنى كمن فى الظلمات كما تقول إنا أكرم من مثلك أي منك ومثله ) فجزاء مثل ما قتل من النعم ( ) ليس كمثله شيء ( وقيل المعنى كمن مثله مثل من هو فى الظلمات و ) ليس بخارج منها ( في محل نصب على الحال أي حال كونه ليس بخارج منها بحال من الأحوال
الأنعام : ( 123 ) وكذلك جعلنا في . . . . .
قوله ) وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ( أي مثل ذلك الجعل جعلنا فى كل قرية والأكابر جمع أكبر قيل هم الرؤساء والعظماء وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد والمكر الحيلة في مخالفة الاستقامة وأصله الفتل فالماكر يفتل عن الاستقامة أي يصرف عنها ) وما يمكرون إلا بأنفسهم ( أي وبال مكرهم عائد عليهم ) وما يشعرون ( بذلك لفرط جهلهم
الأنعام : ( 124 ) وإذا جاءتهم آية . . . . .
) وإذا جاءتهم آية ( من الآيات ) قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ( يريدون أنهم لا يؤمنون حتى يكونوا أنبياء وهذا نوع عجيب من جهالاتهم الغريبة وعجرفتهم العجيبة ونظيره ) يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ( والمعنى إذا جاءت الأكابر آية قالوا هذه المقالة فأجاب الله عنهم بقوله ) الله أعلم حيث يجعل رسالته ( أي إن الله أعلم بمن يستحق أن يجعله رسولا ويكون موضعا لها وأمينا عليها وقد اختار أن يجعل الرسالة فى محمد صفيه وحبيبه فدعوا طلب ما ليس من شأنكم ثم توعدهم بقوله ) سيصيب الذين أجرموا صغار ( أي ذل وهوان وأصله من الصغر كأن الذل يصغر إلى المرء نفسه وقيل الصغار هو الرضا بالذل روى ذلك عن ابن السكيت
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) أو من كان ميتا فأحييناه ( قال كان كافرا ضالا فهديناه ) وجعلنا له نورا ( هو القرآن ) كمن مثله في الظلمات ( الكفر والضلالة وأخرج ابن أبي شيبة وابن


"""""" صفحة رقم 160 """"""
المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال نزلت فى عمار بن ياسر وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ( يعني عمر بن الخطاب ) كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ( يعني أبا جهل بن هشام وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم فى الآية قال نزلت فى عمر بن الخطاب وأبي جهل بن هشام كانا ميتين فى ضلالتهما فأحيا الله عمر بالإسلام وأعزه وأقر أبا جهل فى ضلالته وموته وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعا فقال اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة فى قوله ) وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ( قال نزلت فى المستهزئين وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى الآية قال سلطنا شرارها فعصوا فيها فإذا فعلوا ذلك أهلكناهم بالعذاب وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد قال ) أكابر مجرميها ( عظماءها وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى قوله ) وإذا جاءتهم آية ( الآية قال قالوا لمحمد حين دعاهم إلى ما دعاهم إليه من الحق لو كان هذا حقا لكان فينا من هو أحق أن يؤتى به من محمد ) وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) سيصيب الذين أجرموا ( قال أشركوا ) صغار ( قال هوان
سورة الأنعام الآية ( 125 128 (
الأنعام : ( 125 ) فمن يرد الله . . . . .
قوله ) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ( الشرح الشق وأصله التوسعة وشرحت الأمر بينته وأوضحته والمعنى من يرد الله هدايته للحق يوسع صدره حتى يقبله بصدر منشرح ) ومن يرد ( إضلاله ) يجعل صدره ضيقا حرجا ( قرأ ابن كثير ) ضيقا ( بالتخفيف مثل هين ولين وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان وقرأ نافع ) حرجا ( بالكسر ومعناه الضيق كرر المعنى تأكيدا وحسن ذلك اختلاف اللفظ وقرأ الباقون بالفتح جمع حرجة وهى شدة الضيق والحرجة الغيظة والجمع حرج وحرجات ومنه فلان يتحرج أي يضيق على نفسه وقال الجوهري مكان حرج وحرج أي ضيق كثير الشجر لا تصل إليه الراعية والحرج الإثم وقال الزجاج الحرج أضيق الضيق وقال النحاس حرج اسم الفاعل وحرج مصدر وصف به كما يقال رجل عدل قوله ) كأنما يصعد في السماء ( قرأ ابن كثير بالتخفيف من الصعود شبه الكافر فى ثقل الإيمان عليه بمن


"""""" صفحة رقم 161 """"""
يتكلف ما لا يطيقه كصعود السماء وقرأ النخعي يصاعد وأصله يتصاعد وقرأ الباقون ) يصعد ( بالتشديد وأصله يتصعد ومعناه يتكلف ما لا يطيق مرة بعد مرة كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء وقيل المعنى على جميع القراءات كاد قلبه يصعد إلى السماء نبوا على الإسلام وما فى ) كأنما ( هى المهيئة لدخول كأن على الجمل الفعلية قوله ) كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ( أي مثل ذلك الجعل الذى هو جعل الصدر ضيقا حرجا يجعل الله الرجس والرجس فى اللغة النتن وقيل هو العذاب وقيل هو الشيطان يسلطه الله عليهم وقيل هو ما لم خير فيه والمعنى الأول هو المشهور فى لغة العرب وهو مستعار لما يحل بهم من العقوبة وهو يصدق على جميع المعاني المذكورة
الأنعام : ( 126 ) وهذا صراط ربك . . . . .
والإشارة بقوله ) وهذا صراط ربك ( إلى ما عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومن معه من المؤمنين أي هذا طريق دين ربك لا اعوجاج فيه وقيل الإشارة إلى ما تقدم مما يدل على التوفيق والخذلان أي هذا هو عادة الله فى عبادتة يهدى من يشاء ويضل من يشاء وانتصاب ) مستقيما ( على الحال كقوله تعالى ) وهو الحق مصدقا ( ) وهذا بعلي شيخا ( ) قد فصلنا الآيات ( أي بيناها وأوضحناها ) لقوم يذكرون ( ما فيها ويتفهمون معانيها
الأنعام : ( 127 ) لهم دار السلام . . . . .
) لهم دار السلام عند ربهم ( أي لهؤلاء المتذكرين الجنة لأنها دار السلامة من كل مكروه أو دار الرب السلام مدخرة لهم عند ربهم يوصلهم إليها ) وهو وليهم ( أي ناصرهم والباء فى ) بما كانوا يعملون ( للسببية أي بسبب أعمالهم ق
الأنعام : ( 128 ) ويوم يحشرهم جميعا . . . . .
وله ) ويوم نحشرهم جميعا ( الظرف منصوب بمضمر يقدر متقدما أي واذكر يوم نحشرهم أو ) ويوم نحشرهم ( نقول ) يا معشر الجن ( والمراد حشر جميع الخلق فى القيامة والمعشر الجماعة أي يوم الحشر نقول يا جماعة الجن ) قد استكثرتم من الإنس ( أي من الاستمتاع بهم كقوله ) ربنا استمتع بعضنا ببعض ( وقيل استكثرتم من إغوائهم وإضلالهم حتى صاروا فى حكم الأتباع لكم فحشرناهم معكم ومثله قولهم استكثر الأمير من الجنود والمراد التقريع والتوبيخ وعلى الأول فالمراد بالاستمتاع التلذذ من الجن بطاعة الإنس لهم ودخولهم فيها يريدون منهم ) وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض ( أما استمتاع الجن بالإنس فهو ما تقدم من تلذذهم باتباعهم لهم وأما استمتاع الإنس بالجن فحيث قبلوا منهم تحسين المعاصي فوقعوا فيها وتلذذوا بها فذلك هو استمتاعهم بالجن وقيل استمتاع الإنس بالجن أنه كان إذا مر الرجل بواد فى سفره وخاف على نفسه قال أعوذ برب هذا الوادي من جميع ما أحذر يعني ربه من الجن ومنه قوله تعالى ) وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ( وقيل استمتاع الجن بالإنس أنهم كانوا يصدقونهم فيما يقولون من الأخبار الغيبية الباطلة واستمتاع الإنس وبالجن أنهم كانوا يتلذذون بما يلقونه إليهم من الأكاذيب وينالون بذلك شيئا من حظوظ الدنيا كالكهان ) وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ( أي يوم القيامة اعترافا منهم بالوصول إلى ما وعدهم الله به مما كانوا يكذبون به ولما قالوا هذه المقالة أجاب الله عليهم ف ) قال النار مثواكم ( أي موضع مقامكم والمثوى المقام والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر قوله ) خالدين فيها إلا ما شاء الله ( المعنى الذى تقتضيه لغة العرب فى هذا التركيب أنهم يخلدون فى النار فى كل الأوقات إلا في الوقت الذى يشاء الله عدم بقائهم فيها وقال الزجاج إن الاستثناء يرجع إلى يوم القيامة أي خالدين فى النار إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدتهم فى الحساب وهو تعسف لأن الاستثناء هو من الخلود الدائم ولا يصدق على من لم يدخل النار وقيل الاستثناء راجع إلى النار أي إلا ما شاء الله من تعذيبهم بغيرها فى بعض الأوقات كالزمهرير وقيل الاستثناء لأهل الإيمان وما بمعنى من أي إلا من شاء الله إيمانه فإنه لا يدخل النار وقيل المعنى إلا ما شاء الله من كونهم فى الدنيا بغير عذاب وكل هذه التأويلات متكلفة والذى ألجأ إليها ما ورد فى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية من خلود الكفار فى النار أبدا ولكن لا تعارض بين عام وخاص


"""""" صفحة رقم 162 """"""
لاسيما بعد وروده في القرآن مكررا كما سيأتي فى سورة هود ) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ( ولعله يأتي هنالك إن شاء الله زيادة تحقيق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المبارك فى الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات عن أبي جعفر المدائني رجل من بني هاشم وليس هو محمد بن علي قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن هذه الآية ) فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ( قالوا كيف يشرح صدره يا رسول الله قال نور يقذف فيه فينشرح صدره له وينفسح له قالوا فهل لذلك من أمارة يعرف بها قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل لقاء الموت وأخرج عبد بن حميد عن فضيل نحوه وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن نحوه أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي فى الشعب من طرق عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين نزلت هذه الآية فذكر نحوه وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا من طريق أخرى وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى الأسماء والصفات وابن النجار في تاريخه عن عبد الله بن المستورد وكان من ولد جعفر بن أبي طالب قال تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية فذكر نحوه وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا والمتصل يقوى المرسل فالمصير إلى هذا التفسير النبوي متعين وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى الآية قال كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء كذلك لا يقدر على أن يدخل الإيمان والتوحيد قلبه حتى يدخله الله فى قلبه وأخرج البيهقي فى الأسماء والصفات عنه فى الآية يقول من أراد أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإسلام عليه ضيقا والإسلام واسع وذلك حين يقول ) وما جعل عليكم في الدين من حرج ( يقول ما جعل عليكم فى الإسلام من ضيق وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) دار السلام ( قال الجنة وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد قال السلام هو الله وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال الله هو السلام وداره الجنة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) قد استكثرتم من الإنس ( يقول من ضلالتكم إياهم يعني أضللتم منهم كثيرا وفي قوله ) خالدين فيها إلا ما شاء الله ( قال إن هذه الآية لا ينبغى لأحد أن يحكم على الله فى خلقه لا ينزلهم جنة ولا نارا
سورة الأنعام الآية ( 129 132 )
الأنعام : ( 129 ) وكذلك نولي بعض . . . . .
قوله ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ( أي مثل ما جعلنا بين الجن والإنس ما سلف ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا (


"""""" صفحة رقم 163 """"""
والمعنى نجعل بعضهم يتولى البعض فيكونون أولياء لبعضهم بعضا ثم يتبرأ بعضهم من البعض فمعنى نولي على هذا نجعله وليا له وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم معناه نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس
وروى عنه أيضا أنه فسر هذه الآية بأن المعنى نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله فيكون فى الآية على هذا تهديد للظلمة بأن من لم يمتنع من ظلمه منهم سلط الله عليه ظالما آخر وقال فضيل بن عياض إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم فقف وانظر متعجبا وقيل معنى نولي نكل بعضهم إلى بعض فيما يختارونه من الكفر والباء فى ) بما كانوا يكسبون ( للسببية أي بسبب كسبهم للذنوب ولينا بعضهم بعضا قوله
الأنعام : ( 130 ) يا معشر الجن . . . . .
) يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ( أي يوم نحشرهم نقول لهم ) ألم يأتكم ( أو هو شروع فى حكاية ما سيكون فى الحشر وظاهره أن الله يبعث في الدنيا إلى الجن رسلا منهم كما يبعث إلى الإنس رسلا منهم وقيل معنى منكم أي ممن هو مجانس لكم فى الخلق والتكليف والقصد بالمخاطبة فإن الجن والإنس متحدون فى ذلك وإن كان الرسل من الإنس خاصة فهم من جنس الجن من تلك الحيثية وقيل إنه من باب تغليب الإنس على الجن كما يغلب الذكر على الأنثى وقيل المراد بالرسل إلى الجن هاهنا هم النذر منهم كما فى قوله ) ولوا إلى قومهم منذرين ( قوله ) يقصون عليكم آياتي ( صفة أخرى لرسل وقد تقدم بيان معنى القص قوله ) قالوا شهدنا على أنفسنا ( هذا إقرار منهم بأن حجة الله لازمة لهم بإرسال رسله إليهم والجملة جواب سؤال مقدر فهي مستأنفة وجملة ) وغرتهم الحياة الدنيا ( فى محل نصب على الحال أو هى جملة معترضة ) وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ( هذه شهادة أخرى منهم على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين فى الدنيا بالرسل المرسلين إليهم والآيات التى جاءوا بها وقد تقدم ما يفيد ان مثل هذه الآية المصرحة بإقرارهم بالكفر على أنفسهم ومثل قولهم ) والله ربنا ما كنا مشركين ( محمول على أنهم يقرون فى بعض مواطن يوم القيامة وينكرون فى بعض آخر لطول ذلك اليوم واضطراب القلوب فيه وطيشان العقول وانغلاق الأفهام وتبلد الأذهان
الأنعام : ( 131 ) ذلك أن لم . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى شهادتهم على أنفسهم أو إلى إرسال الرسل إليهم وأن فى ) أن لم يكن ربك مهلك القرى ( هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوف والمعنى ذلك أن الشأن لم يكن ربك مهلك القرى أو هى المصدرية والباء فى ) بظلم ( سببية أي لم أكن أهلك القرى بسبب ظلم من يظلم منهم والحال أن أهلها غافلون لم يرسل الله إليهم رسولا
والمعنى أن الله أرسل الرسل إلى عباده لأنه لا يهلك من عصاه بالكفر من القرى والحال أنهم غافلون عن الإعذار والإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب بل إنما يهلكهم بعد إرسال الرسل إليهم وارتفاع الغفلة عنهم بإنذار الأنبياء لهم ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( وقيل المعنى ما كان الله مهلك أهل القرى بظلم منه فهو سبحانه يتعالى عن الظلم بل إنما يهلكهم بعد أن يستحقوا ذلك وترتفع الغفلة عنهم بإرسال الأنبياء وقيل المعنى أن الله لا يهلك أهل القرى بسبب ظلم من يظلم منهم مع كون الآخرين غافلين عن ذلك فهو مثل قوله ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ) ولكل درجات مما عملوا ( أي لكل من الجن والإنس درجات متفاوته مما عملوا فنجازيهم بأعمالهم كما قال فى آية أخرى
الأنعام : ( 132 ) ولكل درجات مما . . . . .
) ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ( وفيه دليل على أن المطيع من الجن في الجنة والعاصي فى النار ) وما ربك بغافل عما يعملون ( من أعمال الخير والشر والغفلة ذهاب الشيء عنك لاشتغالك بغيره قرأ ابن عامر ) تعملون ( بالفوقية وقرأ الباقون بالتحتية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ( قال يولي الله بعض الظالمين بعضا فى الدنيا يتبع بعضهم بعضا فى النار وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن


"""""" صفحة رقم 164 """"""
عبد الرحمن بن زيد في الآيه مثل ما حكينا عنه قريبا وأخرج أبو الشيخ عن الأعمش فى تفسير الآية قال سمعتهم يقولون إذا فسد الزمان أمر عليهم شرارهم وأخرج الحاكم فى التاريخ والبيهقي فى الشعب من طريق يحيى بن هاشم حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما تكونون كذلك يؤمر عليكم قال البيهقي هذا منقطع ويحيى ضعيف وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) رسل منكم ( قال ليس فى الجن رسل وإنما الرسل فى الإنس والنذارة فى الجن وقرأ ) فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ( وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ فى العظمة أيضا عن الضحاك قال الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون وأخرج أبو الشيخ فى العظمة أيضا عن ليث بن أبي سليم قال مسلمو الجن لا يدخلون الجنة ولا النار وذلك أن الله اخرج أباهم من الجنة فلا يعيده ولا يعيد ولده وأخرج أبو الشيخ فى العظمة أيضا عن ابن عباس قال الخلق أربعة فخلق فى الجنة كلهم وخلق فى النار كلهم وخلقان فى الجنة والنار فأما الذين فى الجنة كلهم فالملائكة وأما الذين فى النار كلهم فالشياطين وأما الذين فى الجنة والنار فالإنس والجن لهم الثواب وعليهم العقاب
سورة الأنعام الآية ( 133 137 )
الأنعام : ( 133 ) وربك الغني ذو . . . . .
قوله ) وربك الغني ( أي عن خلقه لا يحتاج إليهم ولا إلى عبادتهم لا ينفعه إيمانهم ولا يضره كفرهم ومع كونه غنيا عنهم فهو ذو رحمة بهم ولا يكون غناه عنهم مانعا من رحمته لهم وما أحسن هذا الكلام الرباني وأبلغه وما أقوى الاقتران بين الغنى والرحمة فى هذا المقام فإن الرحمة لهم مع الغنى عنهم هى غاية التفضل والتطول ) إن يشأ يذهبكم ( أيها العباد العصاة فيستأصلكم بالعذاب المفضى إلى الهلاك ) ويستخلف ( من بعد ? إهلاك ? ) كم ما يشاء ( ) كم أهلكنا من ( ) من خلقه ممن هو أطوع له وأسرع إلى امتثال أحكامه منكم ) كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ( الكاف نعت مصدر محذوف وما مصدرية أي ويستخلف استخلافا مثل إنشائكم من ذرية قوم آخرين قيل هم أهل سفينة نوح ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك فلم يهلكهم ولا استخلف غيرهم رحمة لهم ولطفا بهم
الأنعام : ( 134 ) إن ما توعدون . . . . .
) إن ما توعدون ( من البعث والمجازاة ) لآت ( لا محالة فإن الله لا يخلف الميعاد ) وما أنتم بمعجزين ( أي بفائتين عن ما هو نازل بكم وواقع عليكم يقال أعجزني فلان أي فاتني وغلبني
الأنعام : ( 135 ) قل يا قوم . . . . .
قوله ) قل يا قوم اعملوا على مكانتكم ( المكانة الطريقة أي اثبتوا على ما أنتم عليه فإني غير مبال بكم ولا مكترث بكفركم إني ثابت على ما أنا عليه ) فسوف تعلمون ( من هو على الحق ومن هو على الباطل وهذا وعيد شديد فلا يرد ما يقال كيف يأمرهم بالثبات على الكفر و ) عاقبة الدار (


"""""" صفحة رقم 165 """"""
هي العاقبة المحمودة التى يحمد صاحبها عليها أي من له النصر فى دار الدنيا ومن له وراثة الأرض ومن له دار الآخرة وقال الزجاج معنى مكانتكم تمكنكم فى الدنيا أي اعملوا على تمكنكم من أمركم وقيل على ناحيتكم وقيل على موضعكم قرأ حمزة والكسائي من يكون بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية والضمير فى ) إنه لا يفلح الظالمون ( للشأن أي لا يفلح من اتصف بصفة الظلم وهو تعريض لهم بعدم فلاحهم لكونهم المتصفين بالظلم
الأنعام : ( 136 ) وجعلوا لله مما . . . . .
قوله ) وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ( وهو بيان نوع آخر من أنواع كفرهم وجهلهم وتأثيرهم لآلهتهم على الله سبحانه أي جعلوا لله سبحانه مما خلق من حرثهم ونتاج دوابهم نصيبا ولآلهتهم نصيبا من ذلك يصرفونه فى سدنتها والقائمين بخدمتها فإذا ذهب ما لآلهتهم بانفاقه فى ذلك عوضوا عنه ما جعلوه لله وقالوا الله غني عن ذلك والزعم الكذب قرأ يحيى بن وثاب والسلمي والأعمش والكسائي ) بزعمهم ( بضم الزاي وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان ) فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله ( أي إلى المصارف التى شرع الله الصرف فيها كالصدقة وصلة الرحم وقرى الضيف ) وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ( أي يجعلونه لآلهتهم وينفقونه فى مصالحها ) ساء ما يحكمون ( أي ساء الحكم حكمهم فى إيثار آلهتهم على الله سبحانه وقيل معنى الآية أنهم كانوا إذا ذبحوا ماجعلوه لله ذكروا عليه اسم أصنامهم وإذا ذبحوا ما لأصنامهم لم يذكروا عليه اسم الله فهذا معنى الوصول إلى الله والوصول إلى شركائهم وقد قدمنا الكلام فى ذرأ
الأنعام : ( 137 ) وكذلك زين لكثير . . . . .
قوله ) وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ( أي ومثل ذلك التزيين الذى زينه الشيطان لهم فى قسمة أموالهم بين الله وبين شركائهم زين لهم قتل أولادهم قال الفراء والزجاج شركاؤهم ها هنا هم الذين كانوا يخدمون الأوثان وقيل هم الغواة من الناس وقيل هم الشياطين وأشار بهذا إلى الوأد وهو دفن البنات مخافة السبى والحاجة وقيل كان الرجل يحلف بالله لئن ولد له كذا من الذكور لينحرن أحدهم كما فعله عبد المطلب قرأ الجمهور ) زين ( بالبناء للفاعل ونصبت ) قتل ( على أنه مفعول زين وجر أولاد بإضافة قتل إليه ورفع ) شركاؤهم ( على أنه فاعل زين وقرأ الحسن بضم الزاي ورفع قتل وخفض أولاد ورفع شركاؤهم على أن قتل هو نائب الفاعل ورفع شركاؤهم بتقدير يجعل يرجعه أي زينة شركاؤهم ومثله قول الشاعر ليبك يزيد ضارع لخصومة
ومختبط ما تطيح الطوائح
أي يبكيه ضارع وقرأ ابن عامر وأهل الشام بضم الزاي ورفع قتل ونصب أولاد وخفض شركائهم على أن قتل مضاف إلى شركائهم ومعموله أولادهم ففيه الفصل بين المصدر وما هو مضاف إليه بالمفعول ومثله فى الفصل بين المصدر وما أضيف إليه قول الشاعر تمر على ما تستمر وقد شفت
علائل عبد القيس منها صدورها
بجر صدورها والتقدير شفت عبد القيس علائل صدورها قال النحاس إن هذه القراءة لا تجوز فى كلام ولا فى شعر وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف فى الشعر لاتساعهم فى الظروف وهو أي الفصل بالمفعول به فى الشعر بعيد فإجازته فى القرآن أبعد وقال أبو غانم أحمد بن حمدان النحوي إن قراءة ابن عامر هذه لا تجوز فى العربية وهي زلة عالم وإذا زل العالم لم يجز اتباعه ورد قوله إلى الإجماع وإنما أجازوا فى الضرورة للشاعر أن يفرق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف كقول الشاعر كما خط الكتاب بكف يوما
يهودي يقارب أو يزيل
وقول الآخر لله در اليوم من لامها


"""""" صفحة رقم 166 """"""
وقال قوم ممن انتصر لهذه القراءة إنها إذا ثبتت بالتواتر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فهى فصيحة لا قبيحة قالوا وقد ورد ذلك فى كلام العرب وفي مصحف عثمان رضي الله عنه ) شركائهم ( بالياء
وأقول دعوى التواتر باطلة بإجماع القراء المعتبرين كما بينا ذلك في رسالة مستقلة فمن قرأ بما يخالف الوجه النحوي فقراءته رد عليه ولا يصح الاستدلال لصحة هذه القراءة بما ورد من الفصل فى النظم كما قدمنا وكقول الشاعر فزججتها بمزجة
زج القلوص أبي مزاده
فإن ضرورة الشعر لا يقاس عليها وفي الآية قراءة رابعة وهى جر الأولاد والشركاء ووجه ذلك أن الشركاء بدل من الأولاد لكونهم شركاءهم فى النسب والميراث قوله ) ليردوهم ( اللام لام كي أي لكي يردوهم من الإرداء وهو الإهلاك ) وليلبسوا عليهم دينهم ( معطوف على ما قبله أي فعلوا ذلك التزيين لإهلاكهم ولخلط دينهم عليهم ) ولو شاء الله ما فعلوه ( أي لو شاء الله عدم فعلهم ما فعلوه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وإذا كان ذلك بمشيئة الله ) فذرهم وما يفترون ( فدعهم وافتراءهم فذلك لا يضرك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبان بن عثمان قال الذرية الأصل والذرية النسل وأخرجا أيضا عن ابن عباس ) وما أنتم بمعجزين ( قال بسابقين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى قوله ) على مكانتكم ( قال على ناحيتكم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عنه أيضا فى قوله ) وجعلوا لله ( الآية قال جعلوا لله من ثمارهم ومائهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا فإن سقط من ثمره ما جعلوه لله فى نصيب الشيطان تركوه وإن سقط مما جعلوه للشياطين فى نصيب الله ردوه إلى نصيب الشيطان وإن انفجر من سقى ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه وإن انفجر من سقى ما جعلوه للشيطان في نصيب الله نزحوه فهذا ما جعلوا لله من الحرث وسقى الماء وأما ما جعلوه للشيطان من الأنعام فهو قول الله ) ما جعل الله من بحيرة ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عنه نحوه من طريق أخرى وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال جعلوا لله مما ذرأ من الحرث جزءا ولشركائهم جزءا فما ذهب به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا الله عن هذا غني وما ذهب به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه والأنعام التى سموا لله البحيرة والسائبة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ( قال شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خوف العيلة
سورة الأنعام الآية ( 138 139 )


"""""" صفحة رقم 167 """"""
سورة الأنعام الآية ( 140 )
الأنعام : ( 138 ) وقالوا هذه أنعام . . . . .
هذا بيان نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم والحجر بكسر أوله وسكون ثانيه فى قراءة الجمهور وقرأ أبان بن عثمان ) حجر ( بضم الحاء والجيم وقرأ الحسن وقتادة بفتح الحاء وإسكان الجيم وقرأ ابن عباس وابن الزبير ) حرج ( بتقديم الراء على الجيم وكذا فى مصحف أبي وهو من الحرج يقال فلان يتحرج أي يضيق على نفسه الدخول فيما يشتبه عليه والحجر على اختلاف القراءات فيه هو مصدر بمعنى اسم المفعول أي محجور وأصله المنع فمعنى الآية هذه أنعام وحرث ممنوعة يعنون أنها لأصنامهم لا يطعمها إلا من يشاءون بزعمهم وهم خدام الأصنام والقسم الثاني قولهم ) وأنعام حرمت ظهورها ( وهي البحيرة والسائبة والحام وقيل إن هذا القسم الثاني مما جعلوه لآلهتهم أيضا والقسم الثالث ) وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ( وهى ما ذبحوا لآلهتهم فإنهم يذبحونها باسم أصنامهم لا باسم الله وقيل إن المراد لا يحجون عليها افتراء على الله أي للافتراء عليه ) سيجزيهم بما كانوا يفترون ( أي بافترائهم أو بالذى يفترونه ويجوز أن يكون افتراء منتصبا على أنه مصدر أي افتروا افتراء أو حال أي مفترين وانتصابه على العلة أظهر
الأنعام : ( 139 ) وقالوا ما في . . . . .
ثم بين الله سبحانه نوعا آخر من جهالاتهم فقال ) وقالوا ما في بطون هذه الأنعام ( يعنون البحائر والسوائب من الأجنة ) خالصة لذكورنا ( أي حلال لهم ) ومحرم على أزواجنا ( أي على جنس الأزواج وهن النساء فيدخل فى ذلك البنات والأخوات ونحوهن وقيل هو اللبن جعلوه حلالا للذكور ومحرما على الإناث والهاء في خالصة للمبالغة فى الخلوص كعلامة ونسابة قاله الكسائي والأخفش وقال الفراء تأنيثها لتأنيث الأنعام ورد بأن فى بطون الأنعام غير الأنعام وتعقب هذا الرد بأن ما فى بطون الأنعام أنعام وهى الأجنة وما عبارة عنها فيكون تأنيث خالصة باعتبار معنى ما وتذكير محرم باعتبار لفظها وقرأ الأعمش خالص قال الكسائي معنى خالص وخالصة واحد إلا أن الهاء للمبالغة كما تقدم عنه وقرأ قتادة ) خالصة ( بالنصب على الحال من الضمير فى متعلق الظرف الذى هو صلة لما وخبر المبتدإ محذوف كقولك الذى فى الدار قائما زيد هذا قول المبصريين وقال الفراء أنه انتصب على القطع وقرأ ابن عباس ) خالصة ( بإضافة خالص إلى الضمير على أنه بدل من ما وقرأ سعيد بن جبير خالصا ) وإن يكن ميتة ( قرئ بالتحتية والفوقية أي وإن يكن ذلك الذى فى بطون الأنعام ) ميتة فهم فيه ( أي فى الذى فى البطون ) شركاء ( يأكل منه الذكور والإناث ) سيجزيهم وصفهم ( أي بوصفهم على أنه منتصب بنزع الخافض والمعنى سيجزيهم بوصفهم الكذب على الله وقيل المعنى سيجزيهم جزاء وصفهم
الأنعام : ( 140 ) قد خسر الذين . . . . .
ثم بين الله سبحانه نوعا آخر من جهالاتهم فقال ) قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها ( أي بناتهم بالوأد الذى كانوا يفعلونه سفها أي لأجل السفه وهو الطيش والخفة لا لحجة عقلية ولا شرعية كائنا ذلك منهم ) بغير علم ( يهتدون به
قوله ) وحرموا ما رزقهم الله ( من الأنعام التى سموها بحائر وسوائب ) افتراء على الله ( أي للافتراء عليه أو افتروا افتراء عليه ) قد ضلوا ( عن طريق الصواب بهذه الأفعال ) وما كانوا مهتدين ( إلى الحق ولا هم من أهل لاستعداد لذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ( قال الحجر ما احرموا من الوصيلة وتحريم ما حرموا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد


"""""" صفحة رقم 168 """"""
فى قوله ) وقالوا هذه أنعام وحرث حجر ( قال ما جعلوا لله ولشركائهم وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة ) وحرث حجر ( قال حرام وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى الآية قال يقولون حرام أن يطعم الابن شيئا ) وأنعام حرمت ظهورها ( قال البحيرة والسائبة والحامي ) وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ( إذا نحروها وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وائل فى قوله ) وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها ( قال لم تكن يحج عليها وهي البحيرة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وقالوا ما في بطون هذه الأنعام ( الآية قال اللبن وأخرج هؤلاء إلا ابن جرير عن مجاهد فى الآية قال السائبة والبحيرة محرم على أزواجنا قال النساء ) سيجزيهم وصفهم ( قال قولهم الكذب في ذلك وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال كانت الشاة إذا ولدت ذكرا ذبحوه فكان للرجال دون النساء وإن كانت أنثى تركوها فلم تذبح وإن كانت ميتة كانوا فيها شركاء وأخرج عبد بن حميد والبخارى وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة من سورة الأنعام ) قد خسر الذين قتلوا أولادهم ( إلى قوله ) وما كانوا مهتدين ( وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمه في الآية قال نزلت فيمن كان يئذ البنات من مضر وربيعة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن قتاده في الآية قال هذا صنع أهل الجاهلية كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السبي والفاقة ويغذو كلبه ) وحرموا ما رزقهم الله ( قال جعلوه بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا تحكما من الشيطان في أموالهم
سورة الانعام الآية ( 141 142 (
الأنعام : ( 141 ) وهو الذي أنشأ . . . . .
هذا فيه تذكير لهم ببديع قدره الله وعظيم صنعه ) أنشأ ( أى خلق والجنات البساتين ) معروشات ( مرفوعات على الأعمدة ) وغير معروشات ( غير مرفوعات عليها وقيل المعروشات ما انبسط على وجه الأرض مما يعرش مثل الكرم والزرع والبطيخ وغير المعروشات ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار وقيل المعروشات ما أنبته الناس وعرشوه وغير المعروشات ما نبت فى البراري والجبال قوله ) والنخل والزرع ( معطوف على جنات وخصهما بالذكر مع دخولهما فى الجنات لما فيها من الفضيلة ) مختلفا أكله ( أي حال كونه مختلفا أكله فى الطعم والجودة والرداءة قال الزجاج وهذه مسئلة مشكلة فى النحو يعني انتصاب مختلفا على الحال لأنه يقال قد أنشأها ولم يختلف أكلها فالجواب أن الله سبحانه أنشأنها مقدرا فيها الاختلاف وقد بين هذا سيبويه بقوله مررت برجل معه صقر صائدا به غدا أي مقدرا للصيد به غدا كما تقول لتدخلن الدار آكلين شاربين أي مقدرين ذلك وهذه هي الحال المقدرة المشهورة عند النحاة المدونة فى كتب النحو وقال ) مختلفا أكله ( ولم يقل أكلهما اكتفاء بإعادة الذكر على أحدهما كقوله ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها (


"""""" صفحة رقم 169 """"""
أو الضمير بمنزلة اسم الإشارة أي أكل ذلك قوله ) والزيتون والرمان ( معطوف على جنات أي وأنشأ الزيتون والرمان حال كونه متشابها وغير متشابه وقد تقدم الكلام على تفسير هذا ) كلوا من ثمره ( أي من ثمر كل واحد منهما أو من ثمر ذلك ) إذا أثمر ( أي إذا حصل فيه الثمر وإن لم يدرك ويبلغ حد الحصاد قوله ) وآتوا حقه يوم حصاده (
وقد اختلف أهل العلم هل هذه محكمة أو منسوخة أو محمولة على الندب فذهب ابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير إلى أن الآية محكمة وأنه يجب على المالك يوم الحصاد أن يعطى من حضر من المساكين القبضة والضغث ونحوهما وذهب ابن عباس ومحمد ابن الحنفية والحسن والنخعي وطاوس وأبو الشعثاء وقتادة والضحاك وابن جريح أن هذه الآية منسوخة بالزكاة وأختاره ابن جرير ويؤيده أن هذه الآية مكية وآيه الزكاة مدنية فى السنة الثانية بعد الهجرة وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف وقالت طائفة من العلماء إن الآية محمولة على الندب لا على الوجوب قوله ) ولا تسرفوا ( أي فى التصدق وأصل الإسراف فى اللغة الخطأ والإسراف في النفقة التبذير وقيل هو خطاب للولاة يقول لهم لا تأخذوا فوق حقكم وقيل المعنى لا تأخذوا الشيء بغير حقه وتضعونه فى غير مستحقه
الأنعام : ( 142 ) ومن الأنعام حمولة . . . . .
قوله ) ومن الأنعام حمولة وفرشا ( معطوف على جنات أي وأنشأ لكم من الأنعام حمولة وفرشا والحمولة ما يحمل عليها وهو يختص بالإبل فهي فعولة بمعنى فاعلة والفرش ما يتخذ من الوبر والصوف والشعر فراشا يفترشه الناس وقيل الحمولة الإبل والفرش الغنم وقيل الحمولة كل ما حمل عليه من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير والفرش الغنم وهذا لا يتم إلى على فرض صحة إطلاق اسم الأنعام على جميع هذه المذكورات وقيل الحمولة ما تركب والفرش ما يؤكل لحمه ) كلوا مما رزقكم ( من هذه الأشياء ) ولا تتبعوا خطوات الشيطان ( كما فعل المشركون من تحريم ما لم يحرمه الله وتحليل ما لم يحلله ) أنه ( أي الشيطان ) لكم عدو مبين ( مظهر للعداوة ومكاشف بها
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وهو الذي أنشأ جنات معروشات ( قال المعروشات ما عرش الناس ) وغير معروشات ( ما خرج فى الجبال والبرية من الثمار وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال معروشات بالعيدان والقصب وغير معروشات قال الضاحي وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) معروشات ( قال الكرم خاصة وأخرج ابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى قوله ) وآتوا حقه يوم حصاده ( قال ما سقط من السنبل وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ و ابن مردويه والبيهقي فى سننه عن ابن عمر فى قوله ) وآتوا حقه يوم حصاده ( قال كانوا يعطون من اعتز بهم شيئا سوى الصدقة وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد فى الآية قال إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران ويزيد الأصم قال كان أهل المدينة إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيضعونه فى المسجد فيجيء السائل فيضربه بالعصا فيسقط منه فهو قوله ) وآتوا حقه يوم حصاده ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حماد بن أبي سليمان فى الآية قال كانوا يطعمون منه رطبا وأخرج أحمد وأبو داود فى سننه من حديث جابر بن عبد الله أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر من كل حادي عشرة أوسق من التمر بقنو يعلق فى المسجد للمساكين وإسناده جيد
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي فى سننه عن ابن عباس قال


"""""" صفحة رقم 170 """"""
) وآتوا حقه يوم حصاده ( نسخها العشر ونصف العشر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود فى ناسخه وابن المنذر عن السدي نحوه وأخرج النحاس وأبو الشيخ والبيهقي عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة نحوه وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قال إن فى المال حقا سوى الزكاة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي العالية قال ما كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة ثم إنهم تباذروا وأسرفوا فأنزل الله ) ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال نزلت فى ثابت بن قيس بن شماس جد نخلا فقال لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليس له تمرة فأنزل الله ) ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهبا فى طاعة الله لم يكن إسرافا ولو أنفقت صاعا من معصية الله كان إسرافا وللسلف فى هذا مقالات طويلة وأخرج الفريابي وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال الحمولة ما حمل عليه من الإبل والفرش صغار الإبل التي لا تحمل وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال الحمولة الكبار من الإبل والفرش الصغار من الإبل وأخرج أبو الشيخ عنه قال الحمولة ما حمل عليه والفرش ما أكل منه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه والفرش الغنم وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال الحمولة الإبل والبقر والفرش الضأن والمعز
سورة الأنعام الآية ( 143 144 )
الأنعام : ( 143 ) ثمانية أزواج من . . . . .
اختلف فى انتصاب ) ثمانية ( على ماذا فقال الكسائي بفعل مضمر أي وأنشأ ثمانية أزواج وقال الأخفش سعيد هو منصوب على البدل من حمولة وفرشا وقال الأخفش علي بن سليمان هو منصوب بكلوا أي كلوا لحم ثمانية أزواج وقيل منصوب على أنه بدل من ) ما ( فى ) مما رزقكم الله ( والزوج خلاف الفرد يقال زوج أو فرد كما يقال شفع أو وتر فقوله ) ثمانية أزواج ( يعني ثمانية أفراد وإنما سمى الفرد زوجا فى هذه الآية لأن كل واحد من الذكر والأنثى زوج بالنسبة إلى الآخر ويقع لفظ الزوج على الواحد فيقال هما زوج وهو زوج ويقول اشتريت زوجي حمام أي ذكرا وأنثى والحاصل أن الواحد إذا كان منفردا سواء كان ذكرا أو أنثى قيل له فرد وإن كان الذكر مع أنثى من جنسه قيل لهما زوج ولكل واحد على انفراده منهما زوج ويقال لهما أيضا زوجان ومنه قوله تعالى ) فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ( قوله ) من الضأن اثنين ( بدل من ثمانية منتصب بناصبه على حسب الخلاف السابق والضأن ذوات الصوف من الغنم وهو جمع ضائن ويقال للأنثى ضائنة والجمع ضوائن وقيل هو جمع لا واحد له وقيل فى جمعه ضئين كعبد وعبيد وقرأ طلحة


"""""" صفحة رقم 171 """"""
ابن مصرف ) الضأن ( بفتح الهمزة وقرأ الباقون بسكونها وقرأ أبان بن عثمان ومن الضأن اثنان ومن المعز اثنان رفعا بالابتداء قوله ) ومن المعز اثنين ( معطوف على ما قبله مشارك له فى حكمه وقرأ ابن عامر وأبو عمرو وابن كثير وأهل البصرة بفتح العين من المعز وقرأ الباقون بسكونها قال النحاس الأكثر فى كلام العرب المعز والضأن بالإسكان والمعز من الغنم خلاف الضأن وهي ذوات الأشعار والأذناب القصار وهو اسم جنس وواحد المعز ماعز مثل صحب وصاحب وركب وراكب وتجر وتاجر والأنثى ماعزة والمراد من هذه الآية أن الله سبحانه بين حال الأنعام وتفاصيلها إلى الأقسام المذكورة توضيحا للامتنان بها على عباده ودفعا لما كانت الجاهلية تزعمه من تحليل بعضها وتحريم بعضها تقولا على الله سبحانه وافتراء عليه والهمزة فى ) قل آلذكرين حرم أم الأنثيين ( للإنكار والمراد بالذكرين الكبش والتيس وبالأنثيين النعجة والعنز وانتصاب الذكرين بحرم والأنثيين معطوف عليه منصوب بناصبه والمعنى الإنكار على المشركين فى أمر البحيرة وما ذكر معها وقولهم ) ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ( أي قل لهم إن كان حرم الذكور فكل ذكر حرام وإن كان حرم الإناث فكل أنثى حرام وإن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يعني من الضأن والمعز فكل مولود حرام ذكرا كان أو أنثى وكلها مولود فيستلزم أن كلها حرام وقوله ) نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ( أي أخبروني بعلم لا بجهل إن كنتم صادقين والمراد من هذا التبكيت لهم وإلزام الحجة لأنه يعلم أنه لا علم عندهم
الأنعام : ( 144 ) ومن الإبل اثنين . . . . .
وهكذا الكلام فى قوله ) ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ( إلى آخره قوله ) أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا ( أم هي المنقطعة والإستفهام للإنكار وهي بمعنى بل والهمزة أي بل أكنتم شهداء حاضرين مشاهدين إذ وصاكم الله بهذا التحريم والمراد التبكيت وإلزام الحجة كما سلف قبله قوله ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا فحرم شيئا لم يحرمه الله ونسب ذلك إليه افتراء عليه كما فعله كبراء المشركين واللام فى ) ليضل الناس بغير علم ( للعلة أي لأجل يضل الناس بجهل وهو متعلق بافترى ) إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( على العموم وهؤلاء المذكورون فى السياق داخلون فى ذلك دخولا أوليا وينبغى أن ينظر في وجه تقديم المعز والضأن على الإبل والبقر مع كون الإبل والبقر أكثر نفعا وأكبر أجساما وأعود فائدة لا سيما فى الحمولة والفرش اللذين وقع الإبدال منهما على ما هو الوجه الأوضح فى إعراب ثمانية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه من طرق عن ابن عباس قال الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعز وليت شعري ما فائدة نقل هذا الكلام عن ابن عباس من مثل هؤلاء الأئمة فإنها لا تتعلق به فائدة وكون الأزواج الثمانية هي المذكورة هو هكذا فى الآية مصرحا به تصريحا لا لبس فيه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال الذكر والأنثى زوجان وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) ثمانية أزواج ( قال فى شأن ما نهى الله عنه من البحيرة السائبة وأخرج ابن أبي حاتم عن ليث بن أبي أسلم قال الجاموس والبختى من الأزواج الثمانية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس فى قوله ) ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ( قال فهذه أربعة ) قل آلذكرين حرم أم الأنثيين ( يقول لم أحرم شيئا من ذلك ) أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين (


"""""" صفحة رقم 172 """"""
يعني هل تشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى فلم يحرمون بعضا ويحلون بعضا ) نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ( يقول كلها حلال يعني ما تقدم ذكره مما حرمه أهل الجاهلية
سورة الأنعام الآية ( 145 )
الأنعام : ( 145 ) قل لا أجد . . . . .
أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أنه لا يجد فى شيء مما أوحى إليه محرما غير هذه المذكورات فدل ذلك على انحصار المحرمات فيها لولا أنها مكية وقد نزل بعدها بالمدينة سورة المائدة وزيد فيها على هذه المحرمات المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وصح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير وتحريم الحمر الأهلية والكلاب ونحو ذلك وبالجملة فهذا العموم إن كان بالنسبة إلى ما يؤكل من الحيوانات كما يدل عليه السياق ويفيده الاستثناء فيضم إليه كل ما ورد بعده فى الكتاب أو السنة مما يدل على تحريم شيء من الحيوانات وإن كان هذا العموم هو بالنسبة إلى كل شيء حرمه الله من حيوان وغيره فإنه يضم إليه كل ما ورد بعده مما فيه تحريم شيء من الأشياء وقد روى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أنه لا حرام إلا ما ذكره الله فى هذه الآية وروى ذلك عن مالك وهو قول ساقط ومذهب فى غاية الضعف لاستلزامه لإهمال غيرها مما نزل بعدها من القرآن وإهمال ما صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قاله بعد نزول هذه الآية بلا سبب يقتضى ذلك ولا موجب يوجبه قوله ) محرما ( صفة لموصوف محذوف أي طعاما محرما ) على ( أي ) طاعم يطعمه ( من المطاعم وفي ) يطعمه ( زيادة تأكيد وتقرير لما قبله ) إلا أن يكون ميتة ( أي ذلك الشيء أو ذلك الطعام أو العين أو الجثة أو النفس وقرئ ) يكون ( بالتحتية والفوقية وقرئ ) ميتة ( بالرفع على أن يكون تامة والدم المسفوح الجاري وغير المسفوح معفو عنه كالدم الذى يبقى فى العروق بعد الذبح ومنه الكبد والطحال وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم وقد حكى القرطبي الإجماع على هذا قوله ) أو لحم خنزير ( ظاهر تخصيص اللحم أنه لا يحرم الانتفاع منه بما عدا اللحم والضمير فى ) فإنه ( راجع إلى اللحم أو إلى الخنزير
والرجس النجس وقد تقدم تحقيقه قوله ) أو فسقا ( عطف على لحم خنزير و ) أهل به لغير الله ( صفة فسق أي ذبح على الأصنام وسمى فسقا لتوغله فى باب الفسق وقيل يجوز أن يكون ) فسقا ( مفعولا له لأهل أي أهل به لغير الله فسقا على عطف أهل على يكون وهو تكلف لا حاجة إليه ) فمن اضطر غير باغ ولا عاد ( قد تقدم تفسيره فى سورة البقرة فلا نعيده ) فإن ربك غفور رحيم ( أي كثير المغفرة والرحمة فلا يؤاخذ المضطر بما دعت إليه ضرورته
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد عن طاوس قال إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويحلون أشياء فنزلت ) قل لا أجد ( الآية وأخرج عبد بن حميد وأبو داود وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تعذرا فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو ثم تلا هذه الآية ) قل لا أجد (


"""""" صفحة رقم 173 """"""
إلى آخرها وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عنه أنه تلا هذه الآية فقال ما خلا هذا فهو حلال وأخرج البخاري وأبو داود وابن المنذر وأبو الشيخ عن عمرو بن دينار قال قلت لجابر بن زيد إنهم يزعمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر فقال قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ ) قل لا أجد ( الآية وأقول وإن أبى ذلك البحر فقد صح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والتمسك بقول صحابي فى مقابلة قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من سوء الاختيار وعدم الإنصاف وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ليس شيء من الدواب حرام إلا ما حرم الله فى كتابه ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ( الآية وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر أنه سئل عن أكل القنفد فقرأ ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ( الآية فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال
خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر إن كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قاله فهو كما قال وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير تلت ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ( الآية وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن شاة لسودة بنت زمعة ماتت فقالت يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة قال فلولا أخذتم مسكها قالت يارسول الله أنأخذ مسك شاة قد ماتت فقرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة ( وأنتم لا تطعمونه وإنما تدبغونه حتى تستنفعوا به فأرسلت إليها فسلختها ثم دبغته فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها ومثل هذا حديث شاة ميمونة وهو فى الصحيح ومثله حديث إنما حرم من الميتة أكلها وهو أيضا فى الصحيح وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) أو دما مسفوحا ( قال مهراقا وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا أو دجوا الدابة وأخذوا الدم فأكلوه قال هو دم مسفوح وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي أنه سئل عن لحم الفيل والأسد فتلا ) قل لا أجد فيما أوحي إلي ( الآية والأحاديث الواردة بتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير والحمر الأهلية ونحوها مستوفاة فى كتب الحديث
سورة الأنعام الآية ( 146 147 )
الأنعام : ( 146 ) وعلى الذين هادوا . . . . .
قدم ) وعلى الذين هادوا ( على الفعل للدلالة على أن هذا التحريم مختص بهم لا يجاوزهم إلي غيرهم والذين هادوا اليهود ذكر الله ما حرمه عليهم عقب ذكر ما حرمه على المسلمين والظفر واحد الأظفار ويجمع أيضا على أظافير وزاد الفراء فى جموع ظفر أظافر وأظافره وذو الظفر ماله أصبع من دابة أو طائر ويدخل


"""""" صفحة رقم 174 """"""
فيه الحافر والخف والمخلب فيتناول الإبل والبقر والغنم والنعام والأوز والبط وكل ما له مخلب من الطير وتسمية الحافر والخف ظفرا مجاز والأولى حمل الظفر على ما يصدق عليه اسم الظفر فى لغة العرب لأن هذا التعميم يأباه ما سيأتي من قوله ) ومن البقر والغنم ( فإن كان فى لغة العرب بحيث يقال على البقر والغنم كان ذكرهما من بعد تخصيصا حرم الله ذلك عليهم عقوبة لهم على ما وقعوا فيه من الظلم كما قال تعالى ) فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ( قوله ) ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما ( لا غير هذه المذكورات كلحمهما والشحوم يدخل فيها الثروب وشحم الكلية وقيل الثروب جمع ثرب وهو الشحم الرقيق الذى يكون على الكرش ثم استثنى الله سبحانه من الشحوم ما حملت ظهورهما من الشحم فإنه لم يحرمه الله عليهم و ) ما ( فى موضع نصب على الاستثناء ) أو الحوايا ( معطوف على ظهورهما أي إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا وهي المباعر التى يجتمع البعر فيها فما حملته من الشحم غير حرام عليهم وواحدها حاوية مثل ضاربة وضوارب وقيل واحدها حاوياء مثل قاصعاء وقواصع وقيل حوية كسفينة وسفائن وقال أبو عبيدة الحوايا ما تحوى من البطن أي اسندار وهى متحوية أي مستديرة وقيل الحوايا خزائن اللبن وهى تتصب بالمباعر وقيل الحوايا الأمعاء التى عليها الشحوم قوله ) أو ما اختلط بعظم ( معطوف على ) ما ( فى ) ما حملت ( كذا قال الكسائي والفراء وثعلب وقيل إن الحوايا وما اختلط بعظم معطوفة على الشحوم والمعنى حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما فإنه غير محرم ولا وجه لهذا التكلف ولا موجب له لأنه يكون المعنى إن الله حرم عليهم إحدى هذه المذكورات والمراد بما اختلط بعظم ما لصق بالعظام من الشحوم فى جميع مواضع الحيوان ومنه الإلية فإنها لاصقة بعجب الذنب والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى التحريم المدلول عليه بحرمنا إى ذلك التحريم جزيناهم به بسبب بغيهم وقيل إن الإشارة إلى الجزاء المدلول عليه بقوله ) جزيناهم ( أي ذلك الجزاء جزيناهم وهو تحريم ما حرمه الله عليهم ) وإنا لصادقون ( فى كل ما نحبر به ومن جملة ذلك هذا الخبر وهو موجود عندهم فى التوراة ونصها حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وكل دابة ليست مشقوقة الحافر وكل حوت ليس فيه سفاسف أي بياض انتهى
الأنعام : ( 147 ) فإن كذبوك فقل . . . . .
والضمير فى ) كذبوك ( لليهود أي فإن كذبك اليهود فيما وصفت من تحريم الله عليهم تلك الأشياء ) فقل ربكم ذو رحمة واسعة ( ومن رحمته حلمه عنكم وعدم معاجلته لكم بالعقوبة فى الدنيا وهو وإن أمهلكم ورحمكم ف ) ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ( إذا أنزله بهم واستحقوا المعاجلة بالعقوبة وقيل المراد لا يرد بأسه فى الآخرة عن القوم المجرمين والأول أولى فإنه سبحانه قد عاجلهم بعقوبات منها تحريم الطيبات عليهم فى الدنيا وقيل الضمير يعود إلى المشركين الذين قسموا الأنعام إلى تلك الأقسام وحللوا بعضها وحرموا بعضها وقيل المراد أنه ذو رحمة للمطيعين ) ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ( ولا ملجيء لهذا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) كل ذي ظفر ( قال هو الذى ليس بمنفرج الأصابع يعني ليس بمشقوق الأصابع وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عنه ) كل ذي ظفر ( قال البعير والنعامة وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال هو كل شيء لم تنفرج قوائمه من البهائم وما انفرج أكلته اليهود قال انفرجت قوائم الدجاج والعصافير فيهود تأكله ولم ينفرج خف البعير ولا النعامة ولا قائمة الوزينة فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الوزينة ولا كل شيء لم تنفرج قائمته كذلك ولا تأكل حمار الوحش وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله ) ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما ( يعني ما علق بالظهر من الشحم ) أو الحوايا ( هي المبعر


"""""" صفحة رقم 175 """"""
وأخرج ابن ابى حاتم وأبو الشيخ عن أبى صالح في قوله ) إلا ما حملت ظهورهما ( قال الألية ) أو الحوايا ( قال المبعر ) أو ما اختلط بعظم ( قال الشحم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) أو الحوايا ( قال المباعر وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن الضحاك ) أو الحوايا ( قال المرائض والمباعر وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس ) أو ما اختلط بعظم ( قال الألية اختلط شحم الألية بالعصعص فهو حلال وكل شحم القوائم والجنب والرأس والعين والأذن يقولون قد اختلط ذلك بعظم فهو حلال لهم إنما حرم عليهم الثرب وشحم الكلية وكل شئ كان كذلك ليس فى عظم وأخرج ابن أبي شيبة وعبيد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) فإن كذبوك ( قال اليهود وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال كانت اليهود يقولون إن ما حرمه إسرائيل فنحن نحرمه فذلك قوله ) فإن كذبوك ( الآية
سورة الأنعام الآية ( 148 150 )
الأنعام : ( 148 ) سيقول الذين أشركوا . . . . .
أخبر الله عن المشركين أنهم سيقولون هذه المقالة وهم كفار قريش أو جميع المشركين يريدون أنه لو شاء الله عدم شركهم ما أشركوا هم ولا آباؤهم ولا حرموا شيئا من الأنعام كالبحيرة ونحوها وظنوا أن هذا القول يخلصهم عن الحجة التى ألزمهم بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأن ما فعلوه حق ولو لم يكن حقا لأرسل الله إلى آبائهم الذى ماتوا على الشرك وعلى تحريم ما لم يحرمه الله رسلا يأمرونهم بترك الشرك وبترك التحريم لما لم يحرمه الله والتحليل لما لم يحلله ) كذلك كذب الذين من قبلهم ( أي مثل ما كذب هؤلاء كذب من قبلهم من المشركين أنبياء الله ) حتى ذاقوا بأسنا ( أي استمروا على التكذيب حتى ذاقوا بأسنا الذى أنزلناه بهم ثم أمره الله أن يقول لهم ) هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ( أي هل عندكم دليل صحيح بعد من العلم النافع فتخرجوه إلينا لننظر فيه ونتدبره والمقصود من هذا التبكيت لهم لأنه قد علم أنه لا علم عندهم يصلح للحجة ويقوم به البرهان ثم أوضح لهم أنهم ليسوا على شيء من العلم وأنهم إنما يتبعون الظنون أي ما يتبعون إلا الظن الذى هو محل الخطأ ومكان الجهل ) وإن أنتم إلا تخرصون ( أي تتوهمون مجرد توهم فقط كما يتوهم الحارص وقد سبق تحقيقه
الأنعام : ( 149 ) قل فلله الحجة . . . . .
ثم أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أن لله الحجة البالغة على الناس أي التى تنقطع عندها معاذيرهم وتبطل شبههم وظنونهم وتوهماتهم والمراد بها الكتب المنزلة والرسل المرسلة وما جاءوا به من المعحزات ) فلو شاء ( هدايتكم جميعا ) لهداكم أجمعين ( ولكنه لم يشأ ذلك ومثله قوله تعالى ) ولو شاء الله ما أشركوا ( ) ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ( ومثله كثير
الأنعام : ( 150 ) قل هلم شهداءكم . . . . .
ثم أمره الله أن يقول لهؤلاء المشركين ) هلم شهداءكم ( أي هاتوهم وأحضروهم وهو اسم فعل


"""""" صفحة رقم 176 """"""
يستوى فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع عند أهل الحجاز وأهل نجد يقولون هلما هلمي هلموا فينطقون به كما ينطقون بسائر الأفعال وبلغة أهل الحجاز نزل القرآن ومنه قوله تعالى ) والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ( والأصل عند الخليل ها ضمت إليها لم وقال غيره أصلها هل زيدت عليها الميم وفي كتاب العين للخليل أن أصلها هل أؤم أي هل أقصدك ثم كثر استعمالهم لها وهذا أيضا من باب التبكيت لهم حيث يأمرهم بإحضار الشهود على أن الله حرم تلك الأشياء مع علمه أن لا شهود لهم ) فإن شهدوا ( لهم بغير علم بل مجازفة وتعصب ) فلا تشهد معهم ( أي فلا تصدقهم ولا تسلم لهم فإنهم كاذبون جاهلون وشهادتهم باطلة ) ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا ( أي ولا تتبع أهواءهم فإنهم رأس المكذبين بآياتنا قوله ) والذين لا يؤمنون بالآخرة ( معطوف على الموصول أي لا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا وأهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة ) وهم بربهم يعدلون ( أي يجعلون له عدلا من مخلوقاته كالأوثان والجملة إما فى محل نصب على الحال أو معطوفة على لا يؤمنون
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي فى الأسماء والصفات عن مجاهد فى قوله ) سيقول الذين أشركوا ( قال هذا قول قريش إن الله حرم هذا أي البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة ) قل فلله الحجة البالغة ( قال السلطان وأخرج عبد الرزاق وعبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قيل له إن ناسا يقولون ليس الشر بقدر فقال ابن عباس بيننا وبين أهل القدر هذه الآية ) سيقول الذين أشركوا ( إلى قوله ) فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ( قال ابن عباس والعجز والكيس من القدر وأخرج أبو الشيخ عن علي بن زيد قال انقطعت حجة القدرية عند هذه الآية ) قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) قل هلم شهداءكم ( قال أروني شهداءكم
سورة الأنعام الآية ( 151 153 )
الأنعام : ( 151 ) قل تعالوا أتل . . . . .
قوله ) قل تعالوا ( أي تقدموا قال ابن الشجري إن المأمور بالتقدم فى أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعدا فقيل له تعال أي ارفع شخصك بالقيام وتقدم واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي وهكذا قال الزمخشري فى الكشاف إنه من الخاص الذى صار عاما وأصله أن يقوله من كان فى مكان عال لمن هو


"""""" صفحة رقم 177 """"""
أسفل منه ثم كثر واتسع فيه حتى عم قوله ) أتل ما حرم ربكم ( أتل جواب الأمر وما موصولة فى محل نصب به أي أتل الذى حرمه ربكم عليكم والمراد من تلاوة ما حرم الله تلاوة الآيات المشتملة عليه ويجوز أن تكون ما مصدرية أي أتل تحريم ربكم والمعنى ما اشتمل على التحريم قيل ويجوز أن تكون ما استفهامية أي أتل أي شيء حرم ربكم على جعل التلاوة بمعنى القول وهو ضعيف جدا وعليكم أن تعلق بأتل فالمعنى أتل عليكم الذى حرم ربكم وإن تعلق بحرم فالمعنى أتل الذى حرم ربكم عليكم وهذا أولى لأن المقام مقام بيان ما هو محرم عليكم لا مقام بيان ما هو محرم مطلقا وقيل إن عليكم للإغراء ولا تعلق لها بما قبلها والمعنى عليكم أن لا تشركوا إلى آخره أي الزموا ذلك كقوله تعالى ) عليكم أنفسكم ( وهو أضعف مما قبله وأن فى ) ألا تشركوا ( مفسرة لفعل التلاوة وقال النحاس يجوز أن تكون فى موضع نصب بدلا من ما أي أتل عليكم تحريم الإشراك وقيل يجوز أن يكون فى محل رفع بتقدير مبتدأ أي المتلو أن لا تشركوا وشيئا مفعول أو مصدر أي لا تشركوا به شيئا من الأشياء أو شيئا من الإشراك قوله ) وبالوالدين إحسانا ( أي أحسنوا بهما إحسانا والإحسان إليهما البر بهما وامتثال أمرهما ونهيهما وقد تقدم الكلام على هذا قوله ) ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ( لما ذكر حق الوالدين على الأولاد ذكر حق الأولاد على الوالدين وهو أن لا يقتلوهم من أجل إملاق
والإملاق الفقر فقد كانت الجاهلية تفعل ذلك بالذكر والإناث خشية الإملاق وتفعله بالإناث خاصة خشية العار وحكى النقاش عن مؤرج أن الإملاق الجوع بلغة لخم وذكر منذر بن سعيد البلوطي أن الإملاق الإنفاق يقال أملق ماله بمعنى أنفقه والمعنى الأول هو الذى أطبق عليه أئمة اللغة وأئمة التفسير ها هنا ) ولا تقربوا الفواحش ( أي المعاصي ومنه ) ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة ( وما فى ) ما ظهر ( بدل من الفواحش وكذا ما بطن والمراد بما ظهر ما أعلن به منها وما بطن ما أسر وقد تقدم ) ولا تقتلوا النفس ( اللام فى النفس للجنس و ) التي حرم الله ( صفة للنفس أي لا تقتلوا شيئا من الأنفس التى حرمها الله ) إلا بالحق ( أي إلا بما يوجبه الحق والاستثناء مفرغ أي لا تقتلوه فى حال من الأحوال إلا فى حال الحق أو لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق ومن الحق قتلها قصاصا وقتلها بسبب زنا المحصن وقتلها بسبب الردة ونحو ذلك من الأسباب التى ورد الشرع بها والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى ما تقدم مما تلاه عليهم وهو مبتدأ ? ووصاكم به ? خبره أي أمركم به وأوجبه عليكم
الأنعام : ( 152 ) ولا تقربوا مال . . . . .
) ولا تقربوا مال اليتيم ( أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه إلا ب الخصلة ) التي هي أحسن ( من غيرها وهى ما فيه صلاحه وحفظه وتنميته فيشمل كل وجه من الوجوه التي فيها نفع لليتيم وزيادة فى ماله وقيل المراد بالتى هى أحسن التجارة ) حتى يبلغ أشده ( أي إلى غاية هى أن يبلغ اليتيم أشده فإن بلغ ذلك فادفعوا إليه ماله كما قال تعالى ) فإن آنستم منهم رشدا ( فادفعوا إليهم أموالهم
واختلف أهل العلم فى الأشد فقال أهل المدينة بلوغه وإيناس رشده وقال أبو حنيفة خمس وعشرون سنة وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو البلوغ وقيل إنه انتهاء الكهولة ومنه قول سحيم الرباحي أخو الخمسين مجتمع أشدى
وبحديثي مداورة الشئون
والأولى فى التحقيق بلوغ الأشد أنه البلوغ إلى سن التكليف مع إيناس الرشد وهو أن يكون فى تصرفاته بما له سالكا مسلك العقلاء لا مسلك أهل السفه والتبذير ويدل على هذا قوله تعالى فى سورة النساء ) وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ( فجعل بلوغ النكاح وهو بلوغ سن التكليف مقيدا بإيناس الرشد ولعله قد سبق هنالك كلام فى هذا والأشد واحد لا جمع له وقيل واحدة شد كفلس وأفلس


"""""" صفحة رقم 178 """"""
أصله من شد النهار أي ارتفع وقال سيبويه واحده شدة قال الجوهري وهو حسن فى المعنى لأنه يقال بلغ الكلام شدته ولكن لا تجمع فعله على أفعل قوله ) وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ( أي بالعدل فى الأخذ والإعطاء عند البيع والشراء ) لا نكلف نفسا إلا وسعها ( أي إلا طاقتها فى كل تكليف من التكاليف ومنه التكليف بإيفاء الكيل والوزن فلا يخاطب المتولي لهما بما لا يمكن الاحتراز عنه فى الزيادة والنقصان ) وإذا قلتم فاعدلوا ( أي إذا قلتم بقول فى خبر أو شهادة أو جرح أو تعديل فاعدلوا فيه وتحروا الصواب ولا تتعصبوا فى ذلك لقريب ولا على بعيد ولا تميلوا إلى صديق ولا على عدو بل سووا بين الناس فإن ذلك من العدل الذى أمر الله به والضمير فى ) ولو كان ( راجع إلى ما يفيده ) وإذ قلتم ( فإنه لابد للقول من مقول فيه أو مقول له أى ولو كان المقول فيه أو القول له ) ذا قربى ( أى صاحب قرابة لكم وقيل إن المعنى ولو كان الحق على مثل قراباتكم والأول أولى ومثل هذه الآية قوله ) ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ( قوله ) وبعهد الله أوفوا ( أي أوفوا بكل عهد عهده الله إليكم ومن جملة ما عهده إليكم ما تلاه عليكم رسوله بأمره في هذا المقام ويجوز أن يراد به كل عهد ولو كان بين المخلوقين لأن الله سبحانه لما أمر بالوفاء به في كثير من الآيات القرآنية كان ذلك مسوغا لإضافتة إليه والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى ما تقدم ذكره ) وصاكم به ( أمركم به أمرا مؤكدا ) لعلكم تذكرون ( فتتعظون بذلك
الأنعام : ( 153 ) وأن هذا صراطي . . . . .
قوله ) وأن هذا صراطي مستقيما ( أن فى موضع نصب أي واتل أن هذا صراطي قاله الفراء والكسائي قال الفراء ويجوز أن يكون خفضا أي وصاكم به وبأن هذا وقال الخليل وسيبويه إن التقدير ولأن هذا صراطي مستقيما كما فى قوله سبحانه ) وأن المساجد لله ( وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ) وأن هذا ( بكسر الهمزة على الاستئناف والتقدير الذى ذكر فى هذه الآيات صراطي وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب ) وأن هذا صراطي ( بالتخفيف على تقدير ضمير الشأن وقرأ الأعمش ) هذا صراطي ( وفي مصحف عبد الله بن مسعود ) وهذا صراط ربك ( وفي مصحف أبي ) وهذا صراط ربك ( والصراط الطريق وهو طريق دين الإسلام ونصب مستقيما على الحال والمستقيم المستوى الذى لا اعوجاج فيه ثم أمرهم باتباعه ونهاهم عن اتباع سائر السبل أي الأديان المتباينة طرقها ) فتفرق بكم ( أي تميل بكم ) عن سبيله ( أي عن سبيل الله المستقيم الذى هو دين الإسلام قال ابن عطية وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ فى الفروع وغير ذلك من أهل التعمق فى الجدل والخوض فى الكلام
هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد والإشارة ب ) ذلكم ( إلى ما تقدم وهو مبتدأ وخبره ) وصاكم به ( أي أكد عليكم الوصية به ) لعلكم تتقون ( ما نهاكم عنه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث ثم تلا ) قل تعالوا ( إلى ثلاث آيات ثم قال فمن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله فى الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه وأخرج ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن المنذر عن كعب الأحبار قال أول ما نزل فى التوراة عشر آيات وهى العشر التى أنزلت من آخر الأنعام ) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ( إلى آخرها وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي ابن الخيار قال سمع كعب رجلا يقرأ ) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ( فقال كعب والذى نفس كعب بيده إنها لأول آية فى التوراة بسم الله الرحمن الرحيم ) قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ( إلى آخر الآيات


"""""" صفحة رقم 179 """"""
انتهى قلت هى الوصايا العشر التى فى التوراة وأولها أنا الرب إلهك الذى أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية لا يكن لك إله آخر غيري ومنها أكرم أباك وأمك ليطول عمرك فى الأرض التى يعطيك الرب إلهك لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد على قريبك شهادة زور لا تشته بنت قريبك ولا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك فلعل مراد كعب الأحبار هذا ولليهود بهذه الوصايا عناية عظيمة وقد كتبها أهل الزبور فى آخر زبورهم وأهل الإنجيل فى أول إنجيلهم وهى مكتوبة فى لوحين وقد تركنا منها ما يتعلق بالسبت وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة ) ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ( قال من خشية الفاقة قال وكان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسبي ) ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( قال سرها وعلانيتها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ) ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ( قال خشية الفقر ) ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ( قال كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسا فى السر ويستقبحونه فى العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية وأخرج عبد ابن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وأن هذا صراطي مستقيما ( قال اعلموا أن السبيل سبيل واحد جماعه الهدى ومصيره الجنة وأن إبليس اشترع سبلا متفرقه جماعه الضلالة ومصيرها النار وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار والنسائي وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود قال خط رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خطا بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ ) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ( وأخرج أحمد وابن ماجه وابن مردويه من حديث جابر نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن مردويه عن ابن مسعود أن رجلا سأله ما الصراط المستقيم قال تركنا محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فى أدناه وطرفه الجنة وعن يمينه جواد وعن شماله جواد وثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط المستقيم انتهى به إلى الجنة ثم قرأ ابن مسعود ) وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ( الآية وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس ) ولا تتبعوا السبل ( قال الضلالات
سورة الأنعام الآية ( 154 157 )
الأنعام : ( 154 ) ثم آتينا موسى . . . . .
هذا الكلام مسوق لتقرير التوصية التى وصى الله عباده بها وقد استشكل العطف بثم مع كون قصة موسى وإيتائه الكتاب قبل المعطوف عليه وهو ما تقدم من قوله ) ذلكم وصاكم به ( فقيل إن ثم ها هنا بمعنى الواو وقيل تقدير الكلام ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب قبل إنزالنا القرآن على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل


"""""" صفحة رقم 180 """"""
المعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم أتل إيتاء موسى الكتاب وقيل إن التوصية المعطوف عليها قديمة لم يزل كل نبي يوصي بها أمته وقيل إن ثم للتراخي في الإخبار كما تقول بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت بالأمس أعجب قوله ) تماما ( مفعول لأجله أو مصدر و ) على الذي أحسن ( قرئ بالرفع وهى قراءة يحيى ابن يعمر وابن أبى إسحاق فيكون رفع أحسن على تقدير مبتدأ أى على الذى هو أحسن ومنه ما حكى سيبويه عن الخليل أنه سمع ما أنا بالذى قائل لك شيئا وقرأ الباقون بالنصب على أنه فعل ماض عند البصريين وأجاز الفراء والكسائي أن يكون اسما نعتا للذى وهذا محال عند البصريين لأنه نعت للاسم قبل أن يتم والمعنى عندهم تماما على من أحسن قبوله والقيام به كائنا من كان ويؤيد هذا أن ابن مسعود قرأ ? تماما على الذين أحسنوا ? وقال الحسن كان فيهم محسن وغير محسن فأنزل الله الكتاب تماما على المحسنين وقيل المعنى أعطينا موسى التوراة زيادة على ما كان يحسنه موسى مما علمه الله قبل نزول التوراة عليه وقيل المعنى تماما على الذى أحسن به الله عز وجل إلى موسى من الرسالة وغيرها وقيل تماما على احسان موسى بطاعة الله عز وجل قاله الفراء قوله ) وتفصيلا لكل شيء ( معطوف على تماما أي ولأجل تفصيل كل شيء وكذا ) هدى ورحمة ( معطوفتان عليه أي وللهدى والرحمة والضمير فى لعلهم راجع إلى بني إسرائيل المدلول عليه بذكر موسى والباء فى ) بلقاء ( متعلقة بيؤمنون
الأنعام : ( 155 ) وهذا كتاب أنزلناه . . . . .
قوله ) وهذا كتاب أنزلناه مبارك ( الإشارة إلى القرآن واسم الإشارة مبتدأ وخبره كتاب وأنزلناه صفة لكتاب ومبارك صفة أخرى له وتقديم صفة الإنزال لكونه الإنكار متعلقا بها والمبارك كثير البركة لما هو مشتمل عليه من المنافع الدنيوية والدينية ) فاتبعوه ( فإنه لما كان من عند الله وكان مشتملا على البركة كان اتباعه متحتما عليكم ) واتقوا ( مخالفته والتكذيب بما فيه ) لعلكم ( إن قبلتموه ولم تخالفوه ) ترحمون ( برحمة الله سبحانه
الأنعام : ( 156 ) أن تقولوا إنما . . . . .
وأن فى ) أن تقولوا ( فى موضع نصب قال الكوفيون لئلا تقولوا وقال البصريون كراهة أن تقولوا وقال الفراء والكسائي المعنى فاتقوا أن تقولوا يا أهل مكة ) إنما أنزل الكتاب ( أي التوراة والإنجيل ) على طائفتين من قبلنا ( وهم اليهود والنصارى ولم ينزل علينا كتاب ) وإن كنا عن دراستهم ( أي عن تلاوة كتبهم بلغاتهم ) لغافلين ( أي لا ندري ما فيها ومرادهم إثبات نزول الكتابين مع الاعتذار عن اتباع ما فيهما بعدم الدراية منهم والغفلة عن معناهما
الأنعام : ( 157 ) أو تقولوا لو . . . . .
قوله ) أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب ( معطوف على ) تقولوا ( أي أو أن تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على الطائفتين من قبلنا ) لكنا أهدى منهم ( إلى الحق الذى طلبه الله فإن هذه المقالة والمعذرة منهم مندفعة بإرسال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وإنزال القرآن عليه ولهذا قال ) فقد جاءكم بينة من ربكم ( أي كتاب أنزله الله على نبيكم وهو منكم يا معشر العرب فلا تعتذروا بالأعذار الباطلة وتعللوا أنفسكم بالعلل الساقطة فقد أسفر الصبح لذى عينين ) وهدى ورحمة ( معطوف على ) بينة ( أي جاءكم البينة الواضحة والهدى الذى يهتدى به كل من له رغبة فى الاهتداء ورحمة من الله يدخل فيها كل من يطلبها ويريد حصولها ولكنكم ظلمتم أنفسكم بالتكذيب بآيات الله والصدوف عنها أي الانصراف عنها وصرف من أراد الإقبال إليها ) فمن أظلم ممن كذب بآيات الله ( التى هى رحمة وهدى للناس ) وصدف عنها ( فصل بانصرافه عنها وأضل بصرف غيره عن الإقبال إليها ) سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب ( أي العذاب السيء بسبب ما كانوا يصدفون وقيل معنى صدف أعرض ويصدفون يعرضون وهو مقارب لمعنى الصرف وقد تقدم تحقيق معنى هذا اللفظ والاستفهام في فمن أظلم للإنكار أي إنكار أن يكون أحد أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها مع ما يفيده ذلك من التبكيت لهم


"""""" صفحة رقم 181 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) تماما على الذي أحسن ( قال على المؤمنين المحسنين وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر ) تماما على الذي أحسن ( قال تماما لما كان قد أحسن الله وأخرج أيضا عن ابن زيد قال تماما لنعمته عليهم وإحسانه إليهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) وهذا كتاب ( قال هو القرآن الذى أنزل الله على محمد ) فاتبعوه واتقوا ( يقول فاتبعوا ما أحل الله فيه واتقوا ما حرم وأخرج هؤلاء عن مجاهد فى قوله ) على طائفتين من قبلنا ( قال اليهود والنصارى خاف أن تقوله قريش وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عباس قال هم اليهود والنصارى ) وإن كنا عن دراستهم ( قال تلاوتهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) لكنا أهدى منهم ( قال هذا قول كفار العرب وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) فقد جاءكم بينة من ربكم ( يقول قد جاءتكم بينة لسان عربي مبين حين لم يعرفوا دراسة الطائفتين وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وصدف عنها ( قال أعرض عنها وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك فى قوله ) يصدفون ( قال يعرضون
سورة الأنعام الآية ( 158 )
الأنعام : ( 158 ) هل ينظرون إلا . . . . .
أي لما أقمنا عليهم الحجة وأنزلنا الكتاب على رسولنا المرسل إليهم فلم ينفعهم ذلك ولم يرجعوا به عن غوايتهم فما بقى بعد هذا إلا أنهم ) ينظرون ( أي ينتظرون ) أن تأتيهم الملائكة ( أي ملائكة الموت لقبض أرواحهم وعند ذلك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) أو يأتي ربك ( يا محمد كما اقترحوه بقولهم ) لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ( وقيل معناه أو يأتي أمر ربك بإهلاكهم وقيل المعنى أو يأتي كل آيات ربك بدليل قوله ) أو يأتي بعض آيات ربك ( وقيل هو من المتشابه الذى لا يعلم تأويله إلا الله وقد جاء فى القرآن حذف المضاف كثيرا كقوله ) واسأل القرية ( وقوله ) وأشربوا في قلوبهم العجل ( أي حب العجل وقيل إتيان الله مجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه كقوله ) وجاء ربك والملك صفا صفا ( قوله ) يوم يأتي بعض آيات ربك ( قرأ ابن عمر وابن الزبير ) يوم يأتي ( بالفوقية وقرأ الباقون بالتحتية قال المبرد التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل منه قول جرير لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة والجبال الخشع
وقرأ ابن سيرين لا تنفع بالفوقية قال أبو حاتم إن هذا غلط عن ابن سيرين وقد قال الناس في هذا شيء دقيق من النحو ذكره نفطويه وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر فأنث الإيمان إذ هو من النفس قال النحاس وفيه وجه آخر وهو أن يؤنث الإيمان لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث مثل ) فمن جاءه موعظة من ربه ( ومعنى ) يوم يأتي بعض آيات ربك ( يوم يأتي الآيات التى اقترحوها وهى التى تضطرهم إلى الإيمان ) لا ينفع نفسا إيمانها ( أو ما هو أعم من ذلك فيدخل فيه ما ينتظرونه وقيل هى الآيات التى هى علامات القيامة المذكورة فى الأحاديث الثابتة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فهى التى إذا جاءت


"""""" صفحة رقم 182 """"""
لا ينفع نفسا إيمانها قوله ) لم تكن آمنت من قبل ( أي من قبل إتيان بعض الآيات فأما التى قد كانت آمنت من قبل مجيء بعض الآيات فإيمانها ينفعها وجملة ) لم تكن آمنت من قبل ( فى محل نصب على أنها صفة نفسا قوله ) أو كسبت في إيمانها خيرا ( معطوف على ) آمنت ( والمعنى أنه لا ينفع نفسا إيمانها عند حضور الآيات متصفة بأنها لم تكن آمنت من قبل أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب فى إيمانها خيرا فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجيء بعض الآيات مع كسب الخير فى الإيمان فمن آمن من قبل فقط ولم يكسب خيرا فى إيمانه أوكسب خيرا ولم يؤمن فإن ذلك غير نافعه وهذا التركيب هو كقولك لا أعطي رجلا اليوم أتاني لم يأتنى بالأمس أو لم يمدحني في إتيانه إلي بالأمس فإن المستفاد من هذا أنه لا يستحق العطاء إلارجل أتاه بالأمس ومدحه في إتيانه إليه بالأمس ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم انتظروا ما تريدون إتياته إنا منتظرون له وهذا تهديد شديد ووعيد عظيم وهو يقوى ما قيل في تفسير ) يوم يأتي بعض آيات ربك ( أنها الآيات التى اقترحوها من إتيان الملائكة وإتيان العذاب لهم من قبل الله كما تقدم بيانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد اخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة قال عند الموت ) أو يأتي ربك ( قال يوم القيامه وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم عن قتاده في تفسير الآيه مثله وأخرج ابن أبى حاتم عن مقاتل ) أو يأتي ربك ( قال يوم القيامه في ظلل من الغمام وأخرج أحمد وعبد بن حميد في مسنده والترمذى وأبو يعلى وابن أبى حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرى عن النبى ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) يوم يأتي بعض آيات ربك ( قال طلوع الشمس من مغربها قال الترمذى غريب ورواه ابن أبى شيبة وعبد بن حميد عن أبي سعيد موقوفا وأخرجه الطبراني وابن عدي وابن مردويه من حديث أبي هريرة مرفوعا وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ونعيم بن حماد والطبراني عن ابن مسعود موقوفا فإذا ثبت رفع هذا التفسير النبوي من وجه صحيح لا قادح فيه فهو واجب التقديم له متحتم الأخذ به ويؤيده ما ثبت فى الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها ثم قرأ الآية وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي ذر مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه أيضا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) أو كسبت في إيمانها خيرا ( يقول كسبت فى تصديقها عملا صالحا هؤلاء أهل القبلة وإن كانت مصدقة لم تعمل قبل ذلك خيرا فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها وإن عملت قبل الآية خيرا ثم عملت بعد الآية خيرا قبل منها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل فى قوله ) أو كسبت في إيمانها خيرا ( قال يعني المسلم الذي لم يعمل فى إيمانه خيرا وكان قبل الآية مقيما على الكبائر والآيات التى هى علامات القيامة قد وردت الأحاديث المتكاثرة فى بيانها وتعدادها وهى مذكورة فى كتب السنة
سورة الأنعام الآية ( 159 160 )


"""""" صفحة رقم 183 """"""
الأنعام : ( 159 ) إن الذين فرقوا . . . . .
قرأ حمزة والكسائي فارقوا دينهم وهى قراءة علي بن أبي طالب أي تركوا دينهم وخرجوا عنه وقرأ الباقون فارقوا بالتشديد إلا النخعي فإنه قرأ بالتخفيف والمعنى أنهم جعلوا دينهم متفرقا فأخذوا ببعضه وتركوا بعضه قيل المراد بهم اليهود والنصارى وقد ورد فى معنى هذا فى اليهود قوله تعالى ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( وقيل المراد بهم المشركين عبد بعضهم الصنم وبعضهم الملائكة وقيل الآية عامة فى جميع الكفار وقل من ابتدع وجاء بما لم يأمر به الله وهذا هو الصواب لأن اللفظ يفيد العموم فيدخل فيه طوائف أهل الكتاب وطوائف المشركين وغيرهم ممن ابتدع من أهل الإسلام ومعنى شيعا فرقا أو أحزابا فتصدق على كل قوم كان أمرهم فى الدين واحدا مجتمعا ثم اتبع كل جماعة منهم رأي كبير من كبرائهم يخالف الصواب ويباين الحق ) لست منهم في شيء ( أي لست من تفرقهم أو من السؤال عن سبب تفرقهم والبحث عن موجب تحزبهم فى شيء من الأشياء فلا يلزمك من ذلك شيء ولا تخاطب به إنما عليك البلاغ وهو مثل قوله ( صلى الله عليه وسلم ) من غشنا فليس منا أي نحن برآء منه وموضع ) في شيء ( نصب على الحال قال الفراء هو على حذف مضاف أي لست من عقابهم فى شيء وإنما عليك الإنذار ثم سلاه الله تعالى بقوله ) إنما أمرهم إلى الله ( فهو مجاز لهم بما تقتضيه مشيئته والحصر بإنما هو فى حكم التعليل لما قبله والتأكيد له ) ثم ( هو يوم القيامة ) ينبئهم ( أي يخبرهم بما ينزله بهم من المجازاة ) بما كانوا يعملون ( ه من الأعمال التي تخالف ما شرعه الله لهم وأوجبه عليهم وهذه الآية من جملة ما هو منسوخ بآية السيف
الأنعام : ( 160 ) من جاء بالحسنة . . . . .
قوله ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( لما توعد سبحانه المخالفين له بما توعد بين عقب ذلك مقدار جزاء العاملين بما أمرهم به الممتثلين لما شرعه لهم بأن من جاء بحسنة واحدة من الحسنات فله من الجزاء عشر حسنات والتقدير فله عشر حسنات أمثالها فأقيمت الصفة مقام الموصوف قال أبو علي الفارسي حسن التأنيث فى عشر أمثالها لما كان الأمثال مضافا إلى مؤنث نحو ذهبت بعض أصابعه وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش ) فله عشر أمثالها ( برفعهما
وقد ثبت هذا التضعيف فى السنة بأحاديث كثيرة وهذا التضعيف هو أقل ما يستحقه عامل الحسنة وقد وردت الزيادة على هذا عموما وخصوصا ففي القرآن كقوله ) كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ( وورد فى بعض الحسنات أن فاعلها يجازى عليها بغير حساب وورد فى السنة المطهرة تضعيف الجزاء إلى ألوف مؤلفة وقد قدمنا تحقيق هذا في موضعين من هذا التفسير فليرجع إليهما ) ومن جاء بالسيئة ( من الأعمال السيئة ) فلا يجزى إلا مثلها ( من دون زيادة عليها على قدرها بالخفة والعظم فالمشرك يجازى على سيئة الشرك بخلوده فى النار وفاعل المعصية من المسلمين يجازى عليها بمثلها مما ورد تقديره من العقوبات كما ورد بذلك كثير من الأحاديث المصرحة بأن من عمل كذا فعليه كذا وما لم يرد لعقوبته تقدير من الذنوب فعلينا أن نقول يجازيه الله بمثله وإن لم نقف على حقيقة ما يجازى به وهذا إن لم يتب أما إذا تاب أو غلبت حسناته سيئاته أو تغمده الله برحمته وتفضل عليه بمغفرته فلا مجازاة وأدلة الكتاب والسنة مصرحة بهذا تصريحا لا يبقى بعده ريب لمرتاب ) وهم ( أي من جاء بالحسنة ومن جاء بالسيئة ) لا يظلمون ( بنقص ثواب حسنات المحسنين ولا بزيادة عقوبات المسيئين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال اختلف اليهود والنصارى قبل أن يبعث محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فتفرقوا فلما بعث محمد أنزل عليه ) إن الذين فرقوا دينهم ( الآية وأخرج النحاس عنه فى ناسخه ) إن الذين فرقوا دينهم ( قال اليهود والنصارى تركوا الإسلام والدين الذى أمروا به ) وكانوا شيعا ( فرقا أحزابا مختلفة ) لست منهم في شيء ( نزلت بمكة ثم نسخها ) فاقتلوا المشركين ( وأخرج أبو الشيخ عنه ) وكانوا شيعا (


"""""" صفحة رقم 184 """"""
قال مللا شتى وأخرج الفريابي وأبن أبى شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة فى قوله ) إن الذين فرقوا دينهم ( الآية قال هم فى هذه الأمة وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير والطبراني والشيرازي فى الألقاب وابن مردويه عنه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فى الآية قال هم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة وفي إسناده عبد بن كثير وهو متروك الحديث ولم يرفعه غيره ومن عداه وقفوه على أبي هريرة وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة فى الآية قال هم الحرورية وقد رواه ابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا ولا يصح رفعه وأخرج الحكيم الترمذي وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن شاهين وابن مردويه وأبو نعيم فى الحلية وأبو نصر السجزي في الإبانة والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لعائشة يا عائش إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء وأصحاب الضلالة من هذه الأمة ليست لهم توبة يا عائشة إن لكل صاحب ذنب توبة غير أصحاب البدع وأصحاب الأهواء ليس لهم توبة وهم مني برآء قال ابن كثير هو غريب ولا يصح رفعه وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال لما نزلت ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( قال رجل من المسلمين يا رسول الله لا إله إلا الله حسنه قال نعم أفضل الحسنات وهذا مرسل ولا ندري كيف إسناده إلى سعيد وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود ) من جاء بالحسنة ( قال لا إله إلا الله وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس مثله وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة مثله أيضا وقد قدمنا الإشارة إلى أنها قد ثبتت الأحاديث الصحيحة بمضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها فلا نطيل بذكرها ووردت أحاديث كثيرة في الزيادة على هذا المقدار وفضل الله واسع وعطاؤه جم
سورة الأنعام الآية ( 161 163 )
الأنعام : ( 161 ) قل إنني هداني . . . . .
لما بين سبحانه أن الكفار تفرقوا فرقا وتحزبوا أحزابا أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم ) إنني هداني ربي ( أي أرشدني بما أوحاه إلي ) إلى صراط مستقيم ( وهو ملة إبراهيم عليه السلام و ) دينا ( منتصب على الحال كما قال قطرب أو على أنه مفعول هداني كما قال الأخفش وقيل منتصب بفعل يدل عليه هداني لأن معناه عرفني أي عرفني دينا وقيل إنه بدل من محل إلى صراط لأن معناه هداني صراطا مستقيما كقوله تعالى ) ويهديكم صراطا مستقيما ( وقيل منصوب بإضمار فعل كأنه قيل اتبعوا دينا قوله ) قيما ( قرأه الكوفيون وابن عامر بكسر القاف والتخفيف وفتح الياء وقرأه الباقون بفتح القاف وكسر الياء المشددة وهما لغتان ومعناه الدين المستقيم الذى لا عوج فيه وهو صفة لدينا وصف به مع كونه مصدرا مبالغة وانتصاب ) ملة إبراهيم ( على أنها عطف بيان لدينا ويجوز نصبها بتقدير أعني و ) حنيفا ( منتصب على أنه حال من إبراهيم قاله الزجاج وقال علي بن سليمان هو منصوب بإضمار أعني والحنيف المائل إلى الحق وقد تقدم تحقيقه ) وما كان من المشركين ( فى محل نصب معطوف على حنيفا أو جملة معترضة مقررة لما قبلها
الأنعام : ( 162 ) قل إن صلاتي . . . . .
قوله ) قل إن صلاتي ( أمره الله سبحانه أن


"""""" صفحة رقم 185 """"""
يقول لهم بهذه المقالة عقب أمره بأن يقول لهم بالمقالة السابقة قيل ووجه ذلك أن ما تضمنه القول الأول إشارة إلى أصول الدين وهذا إلى فروعها والمراد بالصلاة جنسها فيدخل فيه جميع أنواعها وقيل المراد بها هنا صلاة الليل وقيل صلاة العيد والنسك جمع نسيكة وهى الذبيحة كذا قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم أي ذبيحتي فى الحج والعمرة وقال الحسن ديني وقال الزجاج عبادتي من قولهم نسك فلان هو ناسك إذا تعبد وبه قال جماعة من أهل العلم ) ومحياي ومماتي ( أي ما أعمله فى حياتي وومماتي من أعمال الخير ومن أعمال الخير في الممات الوصية بالصدقات وأنواع القربات وقيل نفس الحياة ونفس الموت ) لله ( قرأ الحسن نسكي بسكون السين وقرأ الباقون بضمها وقرأ أهل المدينة محياى بسكون الياء وقرا الباقون بفتحها لئلا يجتمع ساكنان قال النحاس لم يجزه أي السكون أحد من النحويين إلا يونس وإنما أجازه لأن المدة التى في الألف تقوم مقام الحركة وقرأ ابن إسحاق وعيسى بن عمرو عاصم الجحدري محيى من غير ألف وهى لغة عليا مضر ومنه قول الشاعر سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم
فتخرموا ولكل جنب مصرع
) لله رب العالمين ( أي خالصا له لا شريك له فيه
الأنعام : ( 163 ) لا شريك له . . . . .
والإشارة ) بذلك ( إلى ما أفاده ) لله رب العالمين لا شريك له ( من الإخلاص في الطاعة وجعلها لله وحده قوله ) وأنا أول المسلمين ( أي أول مسلمي أمته وقيل أول المسلمين أجمعين لأنه وإن كان متأخرا فى الرسالة فهو أولهم فى الخلق ومنه قوله تعالى ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ( الآية والأول أولى قال ابن جرير الطبري استدل بهذه الآية الشافعي على مشروعية افتتاح الصلاة بهذا الذكر فإن الله أمر به نبيه وأنزله فى كتابه ثم ذكر حديث علي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا قام إلى الصلاة قال ) وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ( إلى قوله ) وأنا أول المسلمين ( قلت هذا هو فى صحيح مسلم مطولا وهو أحد التوجهات الواردة ولكنه مقيد بصلاة الليل كما فى الروايات الصحيحة وأصح التوجهات الذى كان يلازمه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويرشد إليه هو اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلى آخره وقد أوضحنا هذا في شرحنا للمنتقى بما لا يحتاج إلى زيادة عليه هنا
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل فى قوله ) إن صلاتي ( قال يعني المفروضة ) ونسكي ( يعني الحج وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير ) ونسكي ( قال ذبيحتي وأخرجا أيضا عن قتادة ) إن صلاتي ونسكي ( قال حجي وذبيحتي وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) ونسكي ( قال ذبيحتي فى الحج والعمرة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ? ونكسي ? قال ضحيتي وفي قوله ) وأنا أول المسلمين ( قال من هذه الأمة وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عمران بن حصين قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا فاطمة قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملته وقولي إن صلاتي إلي وأنا أول المسلمين قلت يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذلك أنتم أم للمسلمين عامة قال لا بل للمسلمين عامة


"""""" صفحة رقم 186 """"""
سورة الأنعام الآية ( 164 165 )
الأنعام : ( 164 ) قل أغير الله . . . . .
الاستفهام في ) أغير الله أبغي ربا ( للإنكار وهو جواب على المشركين لما دعوه إلى عبادة غير الله أي كيف أبغي غير الله ربا مستقلا وأترك عبادة الله أو شريكا لله فأعبدهما معا والحال أنه رب كل شىء والذى تدعونني إلى عبادته هو من جمله من هو مربوب له مخلوق مثلي لا يقدر على نفع ولا ضر وفى هذا الكلام من التقريع والتوبيخ لهم ما لا يقادر قدره وغير منصوب بالفعل الذى بعده وربا تمييز أو مفعول ثان على جعل الفعل ناصبا لمفعولين قوله ) ولا تكسب كل نفس إلا عليها ( أى لايؤاخذ مما أتت من الذنب وارتكبت من المعصية سواها فكل كسبها للشر عليها لا يتعداها إلى غيرها وهو مثل قوله تعالى ) لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( وقوله ) لتجزى كل نفس بما تسعى ( قوله ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( اصل الوزر الثقل ومنه قوله تعالى ) ووضعنا عنك وزرك ( وهو هنا الذنب ) وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ( قال الأخفش يقال وزر يوزر ووزر يزر وزرا ويجوز إزرا وفيه رد لما كانت عليه الجاهليه من مؤاخذة القريب بذنب قريبه والواحد من القبيله بذنب الآخر وقد قيل إن المراد بهذه الآيه في الآخره وكذلك التى قبلها لقوله تعالى ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( ومثله قول زينب بنت جحش يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث والأولى حمل الآية على ظاهرها أعني العموم وما ورد من المؤاخذة بذنب الغير كالدية التى تحملها العاقلة ونحو ذلك فيكون في حكم المخصص بهذا العموم ويقر في موضعه ولا يعارض هذه الآية قوله تعالى ) وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ( فإن المراد بالأثقال التى مع أثقالهم هى أثقال الذين يضلونهم كما فى الآية الأخرى ) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ( ) ثم إلى ربكم مرجعكم ( يوم القيامة ) فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ( فى الدنيا وعند ذلك يظهر حق المحقين وباطل المبطلين
الأنعام : ( 165 ) وهو الذي جعلكم . . . . .
قوله ) وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ( خلائف جمع خليفة أي جعلكم خلفاء الأمم الماضية والقرون السالفة قال الشماخ أصيبهم وتخطئني المنايا
وأخلف فى ربوع عن ربوع
أو المراد أنه يخلف بعضهم بعضا أو أن هذا النوع الإنساني خلفاء الله فى أرضه ) ورفع بعضكم فوق بعض درجات ( فى الخلق والرزق والقوة والفضل والعلم ودرجات منصوب بنزع الخافض أي إلى درجات ) ليبلوكم في ما آتاكم ( أي ليختبركم فيما آتاكم من تلك الأمور أو ليبتلي بعضكم ببعض كقوله تعالى ) وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ( ثم خوفهم فقال ) إن ربك سريع العقاب ( فإنه وإن كان في الآخرة فكل آت قريب كما قال ) وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ( ثم رغب من يستحق الترغيب من المسلمين فقال ) وإنه لغفور رحيم ( أي كثير الغفران والرحمة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولا تزر وازرة ( قال لا يؤاخذ أحد بذنب غيره وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ( قال أهلك القرون الأولى فاستخلفنا فيها بعدهم ) ورفع بعضكم فوق بعض درجات ( قال في الرزق


"""""" صفحة رقم 187 """"""
S
تفسير
سورة الأعراف
حول السورة
هى مكية إلا ثمان آيات وهى قوله ) واسألهم عن القرية ( إلى قوله ) وإذ نتقنا الجبل فوقهم ( وقد أخرج ابن الضريس والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس قال سورة الأعراف نزلت بمكة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال آية من الأعراف مدنية وهى ) واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ( إلى آخر الآية وسائرها مكية وقد ثبت أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقرأ بها فى المغرب يفرقها في الركعتين وآياتها مائتان وست آيات
يسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأعراف الآية ( 1 7 )
الأعراف : ( 1 ) المص
قوله ) المص ( قد تقدم في فاتحة سورة البقرة ما يغني عن الإعادة وهو إما مبتدأ وخبره كتاب أي ) المص ( حروف
الأعراف : ( 2 ) كتاب أنزل إليك . . . . .
) كتاب أنزل إليك ( أو هو خبر مبتدإ محذوف تقديره هذا ) المص ( أي المسمى به وأما إذا كانت هذه الفواتح مسرودة على نمط التعديد فلا محل له وكتاب خبر المبتدإ على الوجه الأول أو خبر مبتدأ محذوف على الثاني أي هو كتاب قال الكسائي أي هذا كتاب وأنزل إليك صفة له ) فلا يكن في صدرك حرج منه ( الحرج الضيق أي لا يكن في صدرك ضيق منه من إبلاغه إلى الناس مخافة أن يكذبوك ويؤذوك فإن الله حافظك وناصرك
وقيل المراد لا يضق صدرك حيث لم يؤمنوا به ولم يستجيبوا لك ) فإنما عليك البلاغ ( وقال مجاهد وقتادة الحرج هنا الشك لأن الشاك ضيق الصدر أي لا تشك في أنه منزل من عند الله وعلى هذا يكون النهي له ( صلى الله عليه وسلم ) من باب التعريض والمراد أمته أي لا يشك أحد منهم فى ذلك والضمير فى منه راجع إلى الكتاب فعلى الوجه الأول يكون على تقدير مضاف محذوف أي من إبلاغه وعلى الثاني يكون التقدير من إنزاله والضمير في ) لتنذر به ( راجع إلى الكتاب أي لتنذر الناس بالكتاب الذى أنزلناه إليك وهو متعلق بأنزل أي أنزل إليك لإنذارك للناس به أو متعلق بالنهي لأن انتفاء الشك في كونه منزلا من عند الله أو انتفاء الخوف من قومه يقويه على الإنذار ويشجعه لأن المتيقن يقدم على بصيرة ويباشر بقوة نفس قوله ) وذكرى للمؤمنين ( الذكرى التذكير قال البصريون الذكرى في محل رفع على إضمار مبتدأ وقال الكسائي هى في محل رفع عطفا على


"""""" صفحة رقم 188 """"""
كتاب ويجوز النصب على المصدر أي وذكر به ذكرى قاله البصريون ويجوز الجر حملا على موضع لتنذر أي للإنذار والذكرى وتخصيص الذكرى بالمؤمنين لأنهم الذين ينجع فيهم ذلك وفيه إشارة إلى تخصيص الإنذار بالكافرين
الأعراف : ( 3 ) اتبعوا ما أنزل . . . . .
قوله ) اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ( يعني الكتاب ومثله السنة لقوله ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( ونحوها من الآيات وهو أمر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولأمته وقيل هو أمر للأمة بعد أمره ( صلى الله عليه وسلم ) بالتبليغ وهو منزل إليهم بواسطة إنزاله إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا تتبعوا من دونه أولياء ( نهى للأمة عن أن يتبعوا أولياء من دون الله يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله فالضمير على هذا فى ) من دونه ( يرجع إلى رب ويجوز أن يرجع إلى ) ما ( فى ما أنزل إليكم أي لا تتبعوا من دون كتاب الله أولياء تقلدونهم فى دينكم كما كان يفعله أهل الجاهلية من طاعة الرؤساء فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم قوله ) قليلا ما تذكرون ( انتصاب قليلا على أنه صفة لمصدر محذوف للفعل المتأخر أي تذكرا قليلا وما مزيدة للتوكيد أو هو منتصب على الحال من فاعل لا تتبعوا وما مصدرية أي لا تتبعوا من دونه أولياء قليلا تذكرهم قرئ ) تذكرون ( بالتخفيف بحذف إحدى التاءين وقرئ بالتشديد على الإدغام
الأعراف : ( 4 ) وكم من قرية . . . . .
قوله ) وكم من قرية أهلكناها ( كم هى الخبرية المفيدة للتكثير وهى في موضع رفع على الابتداء و ) أهلكناها ( الخبر ومن قرية تمييز ويجوز أن تكون فى محل نصب بإضمار فعل بعدها لا قبلها لأن لها صدر الكلام ولولا اشتغال أهلكناها بالضمير لجاز انتصاب كم به والقرية موضع اجتماع الناس أي كم من قرية من القرى الكبيرة أهلكناها نفسها بإهلاك أهلها أو أهلكنا أهلها والمراد أردنا إهلاكها قوله ) فجاءها بأسنا ( معطوف على أهلكنا بتقدير الإرادة كما مر لأن ترتيب مجيء البأس على الإهلاك لا يصح إلا بهذا التقدير إذ الإهلاك هو نفس مجيء اليأس وقال الفراء إن الفاء بمعنى الواو فلا يلزم التقدير والمعنى أهلكناها وجاءها بأسنا والواو لمطلق الجمع لا ترتيب فيها وقيل إن الإهلاك واقع لبعض أهل القرية فيكون المعنى وكم من قرية أهلكنا بعض أهلها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع وقيل المعنى وكم من قرية حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا وقيل أهلكناها بإرسال ملائكة العذاب إليها فجاءها بأسنا والبأس هو العذاب وحكى عن الفراء أنه إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت فيكون المعنى وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها مثل دنا فقرب وقرب فدنا ) بياتا ( أي ليلا لأنه يبات فيه يقال بات يبيت بيتا وبياتا وهو مصدر واقع موقع الحال أي بائتين قوله ) أو هم قائلون ( معطوف على بياتا أي بائتين أو قائلين وجاءت الجملة الحالية بدون واو استثقالا لاجتماع الواوين واو العطف وواو الحال هكذا قال الفراء واعترضه الزجاج فقال هذا خطأ بل لا يحتاج إلى الواو تقول جاءني زيد راكبا أو هو ماش لأن في الجملة ضميرا قد عاد إلى الأول وأو فى هذا الموضع للتفصيل لا للشك والقيلولة هى نوم نصف النهار
وقيل هى مجرد الاستراحة فى ذلك الوقت لشدة الحر من دون نوم وخص الوقتين لأنهما وقت السكون والدعة فمجيء العذاب فيهما أشد وأفظع
الأعراف : ( 5 ) فما كان دعواهم . . . . .
قوله ) فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين ( الدعوى الدعاء أي فما كان دعاؤهم ربهم عند نزول العذاب إلا اعترافهم بالظلم على أنفسهم ومثله ) وآخر دعواهم ( أي آخر دعائهم وقيل الدعوى هنا بمعنى والادعاء والمعنى ما كان ما يدعونه لدينهم وينتحلونه إلا اعترافهم ببطلانه وفساده واسم كان ) إلا أن قالوا ( وخبرها ) دعواهم ( ويجوز العكس والمعنى ما كان دعواهم إلا قولهم إنا كنا ظالمين
الأعراف : ( 6 ) فلنسألن الذين أرسل . . . . .
قوله ) فلنسألن الذين أرسل إليهم ( هذا وعيد شديد والسؤال للقوم الذين أرسل الله إليهم الرسل من الأمم السالفة للتقريع والتوبيخ واللام لام القسم أي لنسألنهم عما أجابوا به رسلهم عند دعوتهم


"""""" صفحة رقم 189 """"""
والفاء لترتيب الأحوال الأخروية على الأحوال الدنيوية ) ولنسألن المرسلين ( أي الأنبياء الذين بعثهم الله أي نسألهم عما أجاب به أممهم عليهم ومن أطاع منهم ومن عصى وقيل المعنى فلنسألن الذين أرسل إليهم يعني الأنبياء ولنسألن المرسلين يعني الملائكة ولايعارض هذا قول الله سبحانه ) ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( لما قدمنا غير مرة أن الآخرة مواطن ففي موطن يسألون وفي موطن لا يسألون وهكذا سائر ما ورد مما ظاهره التعارض بأن أثبت تارة ونفى أخرى بالنسبة إلى يوم القيامة فإنه محمول على تعدد المواقف مع طول ذلك اليوم طولا عظيما
الأعراف : ( 7 ) فلنقصن عليهم بعلم . . . . .
) فلنقصن عليهم بعلم ( أي على الرسل والمرسل إليهم ما وقع بينهم عند الدعوة منهم لهم بعلم لا بجهل أي عالمين بما يسرون وما يعلنون ) وما كنا غائبين ( عنهم فى حال من الأحوال حتى يخفى علينا شيء مما وقع بينهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن النجار في تاريخه عن ابن عباس في قوله ) المص ( قال أنا الله أفصل وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن هذا ونحوه من فواتح السور قسم أقسم الله به وهى من أسماء الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) المص ( قال هو المصور وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي في قوله ) المص ( قال الألف من الله والميم من الرحمن والصاد من الصمد وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال معناه أنا الله الصادق ولا يخفى عليك أن هذا كله قول بالظن وتفسير بالحدس ولا حجة في شيء من ذلك والحق ما قدمنا في فاتحة سورة البقرة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فلا يكن في صدرك حرج منه ( قال الشك وقال لأعرابي ما الحرج فيكم قال اللبس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد نحوه وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال ضيق وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم ثم قرأ ) فما كان دعواهم ( الآية وأخرجه ابن جرير عنه مرفوعا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس ) فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ( قال نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ونسأل المرسلين عما بلغوا فلنقصن عليهم بعلم قال بوضع الكتاب يوم القيامة فنتكلم بما كانوا يعملون وأخرج عبد بن حميد عن فرقد فى الآية قال أحدهما الأنبياء وأحدهما الملائكة وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد فى الآية قال نسأل الناس عن قول لا إله إلا الله ونسأل جبريل
سورة الأعراف الآية ( 8 13 )


"""""" صفحة رقم 190 """"""
سورة الأعراف الآية ( 14 18 )
الأعراف : ( 8 ) والوزن يومئذ الحق . . . . .
قوله ) والوزن يومئذ الحق ( الوزن مبتدأ وخبره الحق أي الوزن في هذا اليوم العدل الذى لا جور فيه أو الخبر يومئذ والحق وصف للمبتدأ أي الوزن العدل كائن في هذا اليوم وقيل إن الحق خبر مبتدأ محذوف
واختلف أهل العلم في كيفية هذا الوزن الكائن في هذا اليوم فقيل المراد به وزن صحائف أعمال العباد بالميزان وزنا حقيقيا وهذا هو الصحيح وهو الذى قامت عليه الأدلة وقيل توزن نفس الأعمال وإن كانت أعراضا فإن الله يقلبها يوم القيامة أجساما كما جاء في الخبر الصحيح إن البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف وكذلك ثبت في الصحيح أنه يأتي القرآن فى صورة شاب شاحب اللون ونحو ذلك وقيل الميزان الكتاب الذى فيه أعمال الخلق وقيل الوزن والميزان بمعنى العدل والقضاء وذكرهما من باب ضرب المثل كما تقول هذا الكلام فى وزن هذا قال الزجاج هذا سائغ من جهة اللسان والأولى أن نتبع ما جاء فى الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان قال القشيري وقد أحسن الزجاج فيما قال إذ لو حمل الصراط على الدين الحق والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد والشياطين والجن على الأخلاق المذمومة والملائكة على القوى المحمودة ثم قال وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر وصارت هذه الظواهر نصوصا انتهى والحق هو القول الأول
وأما المستبعدون لحمل هذه الظواهر على حقائقها فما يأتون فى استبعادهم بشيء من الشرع يرجع إليه بل غاية ما تشبثوا به مجرد الاستبعادات العقلية وليس في ذلك حجة على أحد فهذا إذا لم تقبله عقولهم فقد قبلته عقول قوم هى أقوى من عقولهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى جاءت البدع كالليل المظلم وقال كل ما شاء وتركوا الشرع خلف ظهورهم وليتهم جاءوا بأحكام عقلية يتفق العقلاء عليها ويتحد قبولهم لها بل كل فريق يدعى على العقل ما يطابق هواه ويوافق ما يذهب إليه هو أو من هو تابع له فتتناقض عقولهم على حسب ما تناقضت مذاهبهم يعرف هذا كل منصف ومن أنكره فليصف فهمه وعقله عن شوائب التعصب والتمذهب فإنه إن فعل ذلك أسفر الصبح لعينيه
وقد ورد ذكر الوزن والموازين في مواضع من القرآن كقوله ) ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ( وقوله ) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ( وقوله ) فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ( وقوله ) إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( وقوله ) فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ( والفاء


"""""" صفحة رقم 191 """"""
في ) فمن ثقلت موازينه ( للتفصيل والموازين جمع ميزان وأصله موزان قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها وثقل الموازين هذا يكون بثقل ما وضع فيها من صحائف الأعمال وقيل إن الموازين جمع موزون أي فمن رجحت أعماله الموزونة والأول أولى وظاهر جمع الموازين المضافة إلى العامل أن لكل واحد من العاملين موازين يوزن بكل واحد منها صنف من أعماله وقيل هو ميزان واحد عبر عنه بلفظ الجمع كما يقال خرج فلان إلى مكة على البغال والإشارة بقوله ) فأولئك ( إلى من والجمع باعتبار معناه كما رجع إليه ضمير ) موازينه ( باعتبار لفظه وهو مبتدأ خبره ) هم المفلحون )
الأعراف : ( 9 ) ومن خفت موازينه . . . . .
والكلام فى قوله ) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ( مثله والباء فى ) بما كانوا بآياتنا يظلمون ( سببية وما مصدرية ومعنى ) يظلمون ( يكذبون
الأعراف : ( 10 ) ولقد مكناكم في . . . . .
قوله ) ولقد مكناكم في الأرض ( أي جعلنا لكم فيها مكانا وهيأنا لكم فيها أسباب المعايش والمعايش جمع معيشة أي ما يتعايش به من المطعوم والمشروب وما تكون به الحياة يقال عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا قال الزجاج المعيشة ما يتوصلون به إلى العيش والمعيشة عند الأخفش وكثير من النحويين مفعلة وقرأ الأعرج معائش بالهمزة وكذا روى خارجة بن مصعب عن نافع قال النحاس والهمز لحن لا يجوز لأن الواحدة معيشة والياء أصلية كمدينة ومداين وصحيفة وصحايف قوله ) قليلا ما تشكرون ( الكلام فيه كالكلام فيما تقدم قريبا من قوله تعالى ) قليلا ما تذكرون (
الأعراف : ( 11 ) ولقد خلقناكم ثم . . . . .
قوله ) ولقد خلقناكم ثم صورناكم ( هذا ذكر نعمة أخرى من نعم الله على عبيده والمعنى خلقناكم نطفا ثم صورناكم بعد ذلك وقيل المعنى خلقنا آدم من تراب ثم صورناكم في ظهره وقيل ) ولقد خلقناكم ( يعني آدم ذكر بلفظ الجمع لأنه أبو البشر ) ثم صورناكم ( راجع إليه ويدل عليه ) ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( فإن ترتيب هذا القول على الخلق والتصوير يفيد أن المخلوق المصور آدم عليه السلام وقال الأخفش إن ثم في ) ثم صورناكم ( بمعنى الواو وقيل المعنى خلقناكم من ظهر آدم ثم صورناكم حين أخذنا عليكم الميثاق قال النحاس وهذا أحسن الأقوال وقيل المعنى ولقد خلقنا الأرواح أولا ثم صورنا الأشباح ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم أي أمرناهم بذلك فامتثلوا الأمر وفعلوا السجود بعد الأمر ) إلا إبليس ( قيل الاستثناء متصل بتغليب الملائكة على إبليس لأنه كان منفردا بينهم أو كما قيل لأن من الملائكة جنسا يقال لهم الجن وقيل غير ذلك وقد تقدم تحقيقه في البقرة قوله ) لم يكن من الساجدين ( جملة مبينة لما فهم من معنى الاستثناء ومن جعل الاستثناء منقطعا قال معناه لكن إبليس لم يكن من الساجدين
الأعراف : ( 12 ) قال ما منعك . . . . .
وجملة ) قال ما منعك ألا تسجد ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال له الله و ) لا ( فى ) ألا تسجد ( زائدة للتوكيد بدليل قوله تعالى في سورة ص ) ما منعك أن تسجد ( وقيل إن منع بمعنى قال والتقدير من قال لك أن لا تسجد وقيل منع بمعنى دعا أي ما دعاك إلى أن لا تسجد وقيل فى الكلام حذف والتقدير ما منعك من الطاعة وأحوجك إلى أن لا تسجد ) إذ أمرتك ( أي وقت أمرتك وقد استدل به على أن الأمر للفور والبحث مقرر فى علم الأصول والاستفهام فى ) ما منعك ( للتقريع والتوبيخ وإلا فهو سبحانه عالم بذلك وجملة ) قال أنا خير منه ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فما قال إبليس وإنما قال في الجواب أنا خير منه ولم يقل منعني كذا لأن في هذه الجملة التى جاء بها مستأنفة ما يدل على المانع وهو اعتقاده أنه أفضل منه والفاضل لا يفعل مثل ذلك للمفضول مع ما تفيده هذه الجملة من إنكار أن يؤمر مثله بالسجود لمثله ثم علل ما ادعاه من الخيرية بقوله ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( اعتقادا منه أن عنصر النار أفضل من عنصر الطين وقد أخطأ عدو الله فإن عنصر الطين أفضل من عنصر النار من جهة رزانته وسكونه وطول بقائه وهى حقيقة مضطربة سريعة النفاد ومع هذا فهو موجود فى الجنة دونها وهى عذاب دونه وهى مجتاجة إليه لتتحيز فيه وهو مسجد وطهور ولولا سبق شقاوته وصدق


"""""" صفحة رقم 192 """"""
كلمة الله عليه لكان له بالملائكة المطيعين لهذا الأمر أسوة وقدوة فعنصرهم النوري أشرف من عنصره الناري
الأعراف : ( 13 ) قال فاهبط منها . . . . .
وجملة ) قال فاهبط ( استئنافية كالتى قبلها والفاء لترتيب الأمر بالهبوط على مخالفته للأمر أي اهبط من السماء التى هى محل المطيعين من الملائكة الذين لا يعصون الله فيما أمرهم إلى الأرض التى هى مقر من يعصي ويطيع فإن السماء لا تصلح لمن يتكبر ويعصي أمر ربه مثلك ولهذا وقال ) فما يكون لك أن تتكبر فيها ( ومن التفاسير الباطلة ما قيل إن معنى ) فاهبط منها ( أي اخرج من صورتك النارية التى افتخرت بها صورة مظلمة مشوهة وقيل المراد هبوطه من الجنة وقيل من زمرة الملائكة وجملة ) فأخرج ( لتأكيد الأمر بالهبوط وجملة ) إنك من الصاغرين ( تعليل للأمر أي إنك من أهل الصغار والهوان على الله وعلى صالحى عباده وهكذا كل من تردى برداء الاستكبار عوقب بلبس رداء الهوان والصغار ومن لبس رداء التواضع ألبسه الله رداء الترفع
الأعراف : ( 14 ) قال أنظرني إلى . . . . .
وجملة ) قال أنظرني إلى يوم يبعثون ( استئنافية كما تقدم فى الجمل السابقة أي أمهلني إلى يوم البعث وكأنه طلب أن لا يموت لأن يوم البعث لا موت بعده والضمير فى ) يبعثون ( لآدم وذريته
الأعراف : ( 15 ) قال إنك من . . . . .
فأجابه الله بقوله ) إنك من المنظرين ( أي الممهلين إلى ذلك اليوم ثم تعاقب بما قضاه الله لك وأنزله بك فى دركات النار قيل الحكمة فى إنظاره ابتلاء العباد ليعرف من يطيعه ممن يعصيه
الأعراف : ( 16 ) قال فبما أغويتني . . . . .
وجملة ) قال فبما أغويتني ( مستأنفة كالجمل السابقة واردة جوابا لسؤال مقدر والباء فى ) فبما ( للسببية والفاء لترتيب الجملة على ما قبلها وقيل الباء للقسم كقوله ) فبعزتك لأغوينهم أجمعين ( أي فبإغوائك إياي ) لأقعدن لهم صراطك المستقيم ( والإغواء الإيقاع في الغي وقيل الباء بمعنى اللام وقيل بمعنى مع والمعنى فمع إغوائك إياي وقيل ) ما ( فى ) فبما أغويتني ( للاستفهام والمعنى فبأي شيء أغويتني والأول أولى ومراده بهذا الإغواء الذى جعله سببا لما سيفعله مع العباد هو ترك السجود منه وأن ذلك كان بإغواء الله له حتى اختار الضلالة على الهدى وقيل أراد به اللعنة التى لعنه الله أي فبما لعنتني فأهلكتني لأقعدن لهم ومنه ) فسوف يلقون غيا ( أي هلاكا وقال ابن الأعرابي يقال غوى الرجل يغوي غيا إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه ومنه ) وعصى آدم ربه فغوى ( أي فسد عيشه فى الجنة ) لأقعدن لهم ( أي لأجهدن فى إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسبب تركي السجود لأبيهم والصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى الجنة
وانتصابه على الظرفية أي في صراطك المستقيم كما حكى سيبويه ضرب زيد الظهر والبطن واللام في ) لأقعدن ( لام القسم والباء في ) بما أغويتني ( متعلقة بفعل القسم المحذوف أي فبما أغويتني أقسم لأقعدن
الأعراف : ( 17 ) ثم لآتينهم من . . . . .
قوله ) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ( ذكر الجهات الأربع لأنها هى التى يأتي منها العدو عدوه ولهذا ترك ذكر جهة الفوق والتحت وعدى الفعل إلى الجهتين الأوليين بمن وإلى الآخريين بعن لأن الغالب فيمن يأتي من قدام وخلف أن يكون متوجها إلى ما يأتيه بكلية بدنه والغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفا فناسب في الأوليين التعدية بحرف الابتداء وفى الأخريين التعدية بحرف المجاوزة وهو تمثيل لوسوسته وتسويله بمن يأتي حقيقة وقيل المراد ) من بين أيديهم ( من دنياهم ) ومن خلفهم ( من آخرتهم ) وعن أيمانهم ( من جهة حسناتهم ) وعن شمائلهم ( من جهة سيئاتهم واستحسنه النحاس قوله ) ولا تجد أكثرهم شاكرين ( أي وعند أن أفعل ذلك لا تجد أكثرهم شاكرين لتأثير وسوستي فيهم وإغوائي لهم وهذا قاله على الظن ومنه قوله تعالى ) ولقد صدق عليهم إبليس ظنه ( وقيل إنه سمع ذلك من الملائكة فقاله وعبر بالشكر عن الطاعة أو هو على حقيقته وأنهم لم يشكروا الله بسبب الإغواء
الأعراف : ( 18 ) قال اخرج منها . . . . .
وجملة ) قال اخرج منها ( استئناف كالجمل التى قبلها أي من السماء أو الجنة أو من بين الملائكة كما تقدم ) مذؤوما ( أي مذموما من ذأمه إذا زمه يقال ذأمته وذممته


"""""" صفحة رقم 193 """"""
بمعنى وقرأ الأعمش ) مذموما ( وقرأ الزهري ? مذوما ? بغير همزة وقيل المذءوم المنفي والمدحور المطرود قوله ) لمن تبعك منهم ( قرأ الجمهور بفتح اللام على أنها لام القسم وجوابه ) لأملأن جهنم منكم أجمعين ( وقيل اللام فى ) لمن تبعك ( للتوكيد وفى ) لأملأن ( لام القسم والأول أولى وجواب القسم سد مسد جواب الشرط لأن من شرطية وفي هذا الجواب من التهديد ما لا يقادر قدره وقرأ عاصم في رواية عنه ) لمن تبعك ( بكسر اللام وأنكره بعض النحويين قال النحاس وتقديره والله أعلم من أجل من اتبعك كما يقال أكرمت فلانا لك وقيل هو علة لا خرج وضمير ) منكم ( له ولمن اتبعه وغلب ضمير الخطاب على ضمير الغيبة والأصل منك ومنهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) والوزن يومئذ الحق ( قال العدل ) فمن ثقلت موازينه ( قال حسناته ) ومن خفت موازينه ( قال حسناته وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي توزن الأعمال وقد ورد فى كيفية الميزان والوزن والموزون أحاديث كثيرة وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يارب فيقول أفلك عذر أو حسنة فيهاب الرجل فيقول لا يارب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول يارب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة وقد صححه أيضا الترمذي وإسناد أحمد حسن وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ) ولقد خلقناكم ثم صورناكم ( قال خلقوا فى أصلاب الرجال وصوروا فى أرحام النساء وأخرج الفريابي عنه أنه قال خلقوا فى ظهر آدم ثم صوروا في الأرحام وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا قال أما خلقناكم فآدم وأما ثم صورناكم فذريته وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال خلق إبليس من نار العزة وقد ثبت فى الصحيح من حديث عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار وخلق آدم مما وصفه لكم وأخرج ابن جرير عن الحسن قال أول من قاس إبليس في قوله ) خلقتني من نار وخلقته من طين ( وإسناده صحيح إلى الحسن وأخرج أبو نعيم فى الحلية والديلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس قال الله له اسجد لآدم فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال جعفر فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس وينبغى أن ينظر في إسناده هذا الحديث فما أظنه يصح رفعه وهو لا يشبه كلام النبوة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ) فبما أغويتني ( أضللتي وأخرج عبد بن حميد عنه في قوله ) لأقعدن لهم صراطك المستقيم ( قال طريق مكة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن مسعود مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) ثم لآتينهم من بين أيديهم ( قال أشككهم في آخرتهم ) ومن خلفهم ( قال أرغبهم فى دنياهم ) وعن أيمانهم ( أشبه عليهم أمر دينهم ) وعن شمائلهم ( قال أسن لهم المعاصي وأحق عليهم الباطل ) ولا تجد أكثرهم شاكرين ( قال موحدين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) ثم لآتينهم من بين أيديهم ( يقول من حيث يبصرون ) ومن خلفهم ( من حيث لا يبصرون ) وعن أيمانهم ( من حيث يبصرون


"""""" صفحة رقم 194 """"""
) وعن شمائلهم ( من حيث لا يبصرون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عنه أيضا في الآية قال لم يستطع أن يقول من فوقهم وفي لفظ علم أن الرحمة تنزل من فوقهم وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) مذؤوما ( قال ملوما مدحورا قال مقيتا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) مذؤوما ( قال منفيا ) مدحورا ( قال مطرودا
سورة الأعراف الآية ( 19 25 )
الأعراف : ( 19 ) ويا آدم اسكن . . . . .
قوله ) ويا آدم ( هو على تقدير القول أي وقلنا يا آدم قال له هذا القول بعد إخراج إبليس من الجنة أو من السماء أو من بين الملائكة كما تقدم وقد تقدم معنى الإسكان ومعنى ) ولا تقربا هذه الشجرة ( في البقرة
ومعنى ) من حيث شئتما ( من أي نوع من أنواع الجنة شئتما أكله ومثله ما تقدم من قوله تعالى ) وكلا منها رغدا حيث شئتما ( وحذف النون من ) فتكونا ( لكونه معطوفا على المجزوم أو منصوبا على أنه جواب النهي
الأعراف : ( 20 ) فوسوس لهما الشيطان . . . . .
قوله ) فوسوس لهما الشيطان ( الوسوسة الصوت الخفي والوسوسة حديث النفس يقال وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بكسر الواو والوسوسة بالفتح الاسم مثل الزلزلة والزلزال ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلى وسواس قال الأعشى تسمع للحلى وسواسا إذا انصرفت
والوسواس اسم الشيطان ومعنى وسوس له وسوس إليه أو فعل الوسوسة لأجله قوله ) ليبدي لهما ( أي ليظر لها واللام للعاقبة كما فى قوله ) ليكون لهم عدوا وحزنا ( وقيل هى لام كي أي فعل ذلك ليتعقبه الإيذاء أو لكي يقع الإيذاء قوله ) ما ووري ( أي ما ستر وغطى ) عنهما من سوآتهما ( سمى الفرج سوءة لأن ظهوره يسوء صاحبه أراد الشيطان أن يسوءهما بظهور ما كان مستورا عنهما من عوراتهما فإنهما كانا لا يريان عورة أنفسهما ولا يراها أحدهما من الآخر وإنما لم تقلب الواو في ) ووري ( همزة لأن الثانية مدة قيل إنما بدت عورتهما لهما لا لغيرهما وكان عليهما نور يمنع من رؤيتها ) وقال ( أي الشيطان لهما ) ما نهاكما ربكما عن ( أكل هذ الشجرة ) إلا أن تكونا ملكين ( أن في


"""""" صفحة رقم 195 """"""
موضع نصب وفي الكلام مضاف محذوف تقديره ولا كراهة أن تكونا ملكين هكذا قال البصريون وقال الكوفيون التقدير لئلا تكونا ملكين ) أو تكونا من الخالدين ( في الجنة أو من الذين لا يموتون قال النحاس فضل الله الملائكة على جميع الخلق في غير موضع في القرآن فمنها هذا ومنها ) ولا أقول إني ملك ( ومنها ) ولا الملائكة المقربون ( قال ابن فورك لا حجة في هذ الآية لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في الطعام
وقد اختلف الناس في هذه المسألة اختلافا كثيرا وأطالوا الكلام في غير طائل وليست هذه المسألة مما كلفنا الله بعلمه فالكلام فيها لا يعنينا وقرأ ابن عباس ويحيى بن أبي كثير والضحاك ) ملكين ( بكسر اللام وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه القراءة وقال لم يكن قبل آدم ملك فيصيرا ملكين وقد احتج من قرأ بالكسر بقوله تعالى ) هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ( قال أبو عبيد هذه حجة بينة لقراءة الكسر ولكن الناس على تركها فلهذا تركناها قال النحاس هى قراءة شاذة وأنكر على أبي عبيد هذا الكلام وجعله من الخطأ الفاحش قال وهل يجوز أن يتوهم على آدم عليه السلام أن يصل إلى أكثر من ملك الجنة وهى غاية الطالبين وإنما معنى ) وملك لا يبلى ( المقام فى ملك الجنة والخلود فيه
الأعراف : ( 21 ) وقاسمهما إني لكما . . . . .
قوله ) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ( أي حلف لهما فقال أقسم قساما أي حلف ومنه قول الشاعر وقاسمهما بالله جهدا لأنتما
ألذ من السلوى ما إذا نشورها
وصيغة المفاعلة وإن كانت في الأصل تدل على المشاركة فقد جاءت كثيرا لغير ذلك وقد قدمنا تحقيق هذا في المائدة والمراد بها هنا المبالغة في صدور الأقسام لهما من إبليس وقيل إنهما أقسما له بالقبول كما أقسم لهما على المناصحة
الأعراف : ( 22 ) فدلاهما بغرور فلما . . . . .
قوله ) فدلاهما بغرور ( التدلية والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى اسفل يقال أدلي دلوه أرسلها والمعنى أنه أهبطهما بذلك من الرتبة العلية إلى الأكل من الشجرة وقيل معناه أوقعهما في الهلاك وقيل خدعهما وأنشد نفطويه إن الكريم إذا تشاء خدعته
وترى اللثيم مجربا لا يخدع
وقيل معنى ? دلاهما ? دللهما من الدالة وهى الجرأة أي جرأهما على المعصية فخرجا من الجنة قوله ) فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما ( أي لما طعماها ظهرت لهما عوراتهما بسبب زوال ما كان ساترا لها وهو تقلص النور الذى كان عليها وقد تقدم فى البقرة قوله ) وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( طفق يفعل كذا بمعنى شرع بفعل كذا وحكى الأخفش طفق يطفق مثل ضرب يضرب أي شرعا أو جعلا يخصفان عليهما قرأ الحسن ) يخصفان ( بكسر الخاء وتشديد الصاد والأصل يختصفان فأدغم وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين وقرأ ابن بريدة ويعقوب بفتح الخاء وقرأ الزهري ) يخصفان ( من أخصف وقرأ الجمهور ) يخصفان ( من خصف
والمعنى أنهما أخذا يقطعان الورق ويلزقانه بعورتهما ليستراها من خصف النعل إذا جعله طبقة فوق طبقة ) وناداهما ربهما ( قائلا لهما ) ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ( التى نهيتكما عن أكلها وهذا عتاب من الله لهما وتوبيخ حيث لم يحذرا ما حذرهما منه ) وأقل لكما ( معطوف على ) أنهكما ( ) إن الشيطان لكما عدو مبين ( أي مظهر للعداوة
الأعراف : ( 23 ) قالا ربنا ظلمنا . . . . .
قوله ) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ( جملة استئنافية مبنية على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قالا وهذا منهما اعتراف بالذنب وأنهما ظلما أنفسهما مما وقع منهما من المخالفة ثم قالا ) وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )
الأعراف : ( 24 ) قال اهبطوا بعضكم . . . . .
وجملة ) قال اهبطوا ( استئناف كالتى قبلها والخطاب لآدم وحواء وذريتهما أو لهما ولإبليس وجملة ) بعضكم لبعض عدو (


"""""" صفحة رقم 196 """"""
في محل نصب على الحال ) ولكم في الأرض مستقر ( أي موضع استقرار ) ولكم ( متاع تتمتعون به فى الدنيا وتنتفعون به من المطعم والمشرب ونحوهما ) إلى حين ( أي إلى وقت وهو وقت موتكم
الأعراف : ( 25 ) قال فيها تحيون . . . . .
وجملة ) قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ( استئنافية كالتى قبلها أي في الأرض تحيون وفيها يأتيكم الموت ومنها تخرجون إلى دار الآخرة ومثله قوله تعالى ) منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ( واعلم أنه قد سبق شرح هذه القصة مستوفى في البقرة فارجع إليه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن وهب ابن منبه في قوله ) ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ( قال كان على كل واحد منهما نور لا يبصر كل واحد منهما سوءة صاحبه فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أتاهما إبليس فقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكون ملكين مثله يعني مثل الله عز وجل فلم يصدقاه حتى دخل في جوف الحية فكلمهما وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في الآية ) إلا أن تكونا ملكين ( فإن أخطأكما أن تكونا ملكين لم يخطئكما أن تكونا خالدين فلا تموتان فيها أبدا ) وقاسمهما ( قال حلف لهما ) إني لكما لمن الناصحين ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب في قوله ) فدلاهما بغرور ( قال مناهم بغرور وأخرج ابن المنذر وابن أبي شيبة عن عكرمة قال لباس كل دابة منها ولباس الإنسان الظفر فأدركت آدم التوبة عند ظفره وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس قال كان لباس آدم وحواء كالظفر فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما إلا مثل الظفر ) وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ( قال ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوآتهم وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالا من الظفر فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال فبقى في أطراف أصابعه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه نحوه من طريق أخرى وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال كان لباس آدم في الجنة الياقوت فلما عصى قلص فصار الظفر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وطفقا يخصفان ( قال يرقعان كهيئة الثوب وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي ) وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة ( قال آدم رب إنه حلف لي بك ولم أكن أعلم أن أحدا من خلقك يحلف بك إلا صادقا وأخرج عبد بن حميد عن الحسن ) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا ( الآية قال هى الكلمات التى تلقى آدم من ربه وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك مثله
سورة الأعراف الآية ( 26 27 )


"""""" صفحة رقم 197 """"""
الأعراف : ( 26 ) يا بني آدم . . . . .
عبر سبحانه بالإنزال عن الخلق أي خلقنا لكم لباسا يواري سوآتكم التى أظهرها إبليس من أبويكم والسوءة العورة كما سلف والكلام في قدرها وما يجب ستره منها مبين في كتب الفروع قوله ) وريشا ( قرأ الحسن وعاصم من رواية المفضل الضبي وأبو عمرو من رواية الحسن بن علي الجعفي ورياشا وقرأ الباقون ) وريشا ( والرياش جمع ريش وهو اللباس قال الفراء ريش ورياش كما يقال لبس ولباس وريش الطائر ما ستره الله به
وقيل المراد بالريش هنا الخصب ورفاهية العيش قال القرطبي والذى عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة وهبت له دابة وريشها أي وما عليها من اللباس وقيل المراد بالريش هنا لباس الزينة لذكره بعد قوله ) قد أنزلنا عليكم لباسا ( وعطفه عليه قوله ) ولباس التقوى ( قرأ أهل المدينة وابن عامر والكسائي بنصب لباس وقرأ الباقون بالرفع فالنصب على أنه معطوف على لباس الأول والرفع على أنه مبتدأ وجملة ) ذلك خير ( خبره والمراد بلباس التقوى لباس الورع واتقاء معاصى الله وهو الورع نفسه والخشية من الله فذلك خير لباس وأجمل زينة وقيل لباس التقوى الحياء وقيل العمل الصالح وقيل هو لباس الصوف والخشن من الثياب لما فيه من التواضع لله وقيل هو الدرع والمغفر الذي يلبسه من يجاهد فى سبيل الله والأول أولى وهو يصدق على كل ما فيه تقوى لله فيندرج تحته جميع ما ذكر من الأقوال ومثل هذه الاستعارة كثيرة الوقوع فى كلام العرب ومنه إذ المرء لم يلبس ثيابا من التقى
تقلب عريانا وإن كان كاسيا
ومثله تغط بأثواب السخاء فإنني
أرى كل عيب والسخاء غطاؤه
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى لباس التقوى أي هو خير لباس وقرأ الأعمش ) ولباس التقوى ذلك خير ( والإشارة بقوله ) ذلك من آيات الله ( إلى الإنزال المدلول عليه بأنزلنا أي ذلك الإنزال من آيات الله الدالة على أن له خالقا
الأعراف : ( 27 ) يا بني آدم . . . . .
ثم كرر الله سبحانه النداء لبني آدم تحذيرا لهم من الشيطان فقال ) يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان ( أي لا يوقعنكم في الفتنة فالنهي وإن كان للشيطان فهو في الحقيقة لبني آدم بأن لا يفتتنوا بفتنته ويتأثروا لذلك والكاف في ) كما أخرج ( نعت مصدر محذوف أي لا يفتننكم فتنة مثل إخراج أبويكم من الجنة وجملة ) ينزع عنهما لباسهما ( في محل نصب على الحال وقد تقدم تفسيره واللام فى ) ليريهما سوآتهما ( لام كي أي لكي يريهما وقد تقدم تفسيره أيضا قوله ) إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ( هذه الجملة تعليل لما قبلها مع ما تتضمنه من المبالغة في تحذيرهم منه لأن من كان بهذه المثابة يرى بني آدم من حيث لا يرونه كان عظيم الكيد وكان حقيقا بأن يحترس منه أبلغ احتراس ) وقبيله ( أعوانه من الشياطين وجنوده
وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن رؤية الشياطين غير ممكنة وليس في الآية ما يدل على ذلك وغاية ما فيها أنه يرانا من حيث لا نراه وليس فيها أنا لا نراه أبدا فإن انتفاء الرؤية منا له في وقت رؤيته لنا لا يستلزم انتفاءها مطلقا ثم أخبر الله سبحانه بأنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون من عباده وهم الكفار
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم ( قال كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة وفى قوله ) وريشا ( قال المال وأخرج ابن جرير عن عروة بن الزبير في قوله ) لباسا يواري سوآتكم ( قال الثياب ) وريشا ( قال المال ) ولباس التقوى ( قال خشية الله وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن علي في قوله ) لباسا يواري سوآتكم (


"""""" صفحة رقم 198 """"""
قال لباس العامة ) وريشا ( قال لباس الزينة ) ولباس التقوى ( قال الإسلام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله ) وريشا ( قال المال واللباس والعيش والنعيم وفى قوله ) ولباس التقوى ( قال الإيمان والعمل الصالح ) ذلك خير ( قال الإيمان والعمل خير من الريش واللباس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ورياشا يقول المال وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ينزع عنهما لباسهما ( قال التقوى وفى قول ) إنه يراكم هو وقبيله ( قال الجن والشياطين
سورة الأعراف الآية ( 28 30 )
الأعراف : ( 28 ) وإذا فعلوا فاحشة . . . . .
الفاحشة ما تبالغ في فحشه وقبحه من الذنوب قال أكثر المفسرين هى طواف المشركين بالبيت عراة وقيل هى الشرك والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعا والمعنى أنهم إذا فعلوا ذنبا قبيحا متباليا في القبح اعتذروا عن ذلك بعذرين الأول أنهم فعلوا ذلك اقتداء بآبائهم لما وجدوهم مستمرين على فعل تلك الفاحشة والثاني أنهم مأمورون بذلك من جهة الله سبحانه وكلا العذرين في غاية البطلان والفساد لأن وجود آبائهم على القبح لا يسوغ لهم فعله والأمر من الله سبحانه لهم لم يكن بالفحشاء بل أمرهم باتباع الأنبياء والعمل بالكتب المنزلة ونهاهم عن مخالفتهما ومما نهاهم عنه فعل الفواحش ولهذا رد الله سبحانه عليهم بأن أمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم ) إن الله لا يأمر بالفحشاء ( فكيف تدعون ذلك عليه سبحانه أنكر عليهم ما أضافوه إليه فقال ) أتقولون على الله ما لا تعلمون ( وهو من تمام أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقوله لهم وفيه من التقريع والتوبيخ أمر عظيم فإن القول بالجهل إذا كان قبيحا في كل شيء فكيف إن كان في التقول على الله وإن في هذه الآية الشريفة لأعظم زاجر وأبلغ واعظ للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق فإنهم القائلون ) إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ( والقائلون ) وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ( والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع اعتقاده بأنه الذى أمر الله به وأنه الحق لم يبق عليه وهذه الخصلة هى التى بنى بها اليهودي على اليهودية والنصراني على النصرانية والمبتدع على بدعته فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية والنصرانية أو البدعية وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذى أمر الله به ولا ينظروا لأنفسهم ولا طلبوا الحق كما يجب وبحثوا عن دين الله كما ينبغى وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية أنا لك النذير المبالغ في التحذير من أن تقول هذه


"""""" صفحة رقم 199 """"""
المقالة وتستمر على الضلالة فقد اختلط الشر بالخير والصحيح بالسقيم وفاسد الرأي بصحيح الرواية ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبيا واحدا أمرهم باتباعه ونهى عن مخالفته فقال ) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( ولو كان محض رأي أئمة المذاهب وأتباعهم حجة على العباد لكان لهذه الأمة رسل كثيرون متعددون بعدد أهل الرأي المكلفين للناس بما لم يكلفهم الله به وإن من أعجب الغفلة وأعظم الذهول عن الحق اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب الله ووجود سنة رسوله ووجود من يأخذونهما عنه ووجود آلة الفهم لديهم وملكة العقل عندهم
الأعراف : ( 29 ) قل أمر ربي . . . . .
قوله ) قل أمر ربي بالقسط ( القسط العدل وفيه أن الله سبحانه يأمر بالعدل لا كما زعموه من أن الله أمرهم بالفحشاء وقيل القسط هنا هو لا إله إلا الله وفى الكلام حذف أي قل أمر ربي بالقسط فأطيعوه
قوله ) وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ( معطوف على المحذوف المقدر أي توجهوا إليه فى صلاتكم إلى القبلة فى أي مسجد كنتم أو فى كل وقت سجود أو فى كل مكان سجود على أن المراد بالسجود الصلاة ) وادعوه مخلصين له الدين ( أي ادعوه أو اعبدوه حال كونكم مخلصين الدعاء أو العبادة له وقيل وحدوه ولا تشركوا به
قوله ) كما بدأكم تعودون ( الكاف نعت مصدر محذوف وقال الزجاج هو متعلق بما قبله والمعنى كما أنشأكم في ابتداء الخلق يعيدكم فيكون المقصود الاحتجاج على منكري البعث فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته وقيل كما أخرجكم من بطون أمهاتكم تعودون إليه كذلك ليس معكم شيء فيكون مثل قوله تعالى ) ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ( وقيل كما بدأكم من تراب تعودون إلى التراب
الأعراف : ( 30 ) فريقا هدى وفريقا . . . . .
) فريقا هدى ( منتصب بفعل يفسره ما بعده وقيل منتصب على الحال من المضمر في تعودون أي تعودون فريقين سعداء وأشقياء ويقويه قراءة أبي ? فريقين فريقا هدى ? والفريق الذى هداه الله هم المؤمنون بالله المتبعون لأنبيائه والفريق الذى حقت عليه الضلالة هم الكفار قوله ) إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ( تعليل لقوله ) وفريقا حق عليهم الضلالة ( أي ذلك بسبب أنهم أطاعوا الشياطين فى معصية الله ومع هذا فإنهم ) يحسبون أنهم يحسنون ( ولم يعترفوا على أنفسهم بالضلالة وهذا أشد في تمردهم وعنادهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) والذين إذا فعلوا فاحشة ( قال كانوا يطوفون بالبيت عراة فنهوا عن ذلك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب نحوه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال والله ما أكرم الله عبدا قط على معصيته ولا رضيها له ولا أمر بها ولكن رضى لكم بطاعته ونهاكم عن معصيته وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) أمر ربي بالقسط ( قال بالعدل ) وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ( قال إلى الكعبة حيث صليتم في كنيسة أو غيرها ) كما بدأكم تعودون ( قال شقي وسعيد وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) كما بدأكم تعودون ( الآية قال إن الله بدأ خلق بني آدم مؤمنا وكافرا كما قال ) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ( ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا وأخرج ابن جرير عن جابر في الآية قال يبعثون على ما كانوا عليه المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه أنه ذكر القدرية فقال قاتلهم الله أليس قد قال الله تعالى ) كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ( وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية يقول كما خلقناكم أول مرة كذلك تعودون


"""""" صفحة رقم 200 """"""
سورة الأعراف الآية ( 31 33 )
الأعراف : ( 31 ) يا بني آدم . . . . .
هذا خطاب لجميع بني آدم وإن كان واردا على سبب خاص فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والزينة ما يتزين به الناس من الملبوس أمروا بالتزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف وقد استدل بالآية على وجوب ستر العورة في الصلاة وإليه ذهب جمهور أهل العلم بل سترها واجب في كل حال من الأحوال وإن كان الرجل خاليا كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة والكلام على العورة وما يجب ستره منها مفصل في كتب الفروع قوله ) وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ( أمر الله سبحانه عباده بالأكل والشرب ونهاهم عن الإسراف فلا زهد في ترك مطعم ولا مشرب وتاركه بالمرة قاتل لنفسه وهو من أهل النار كما صح فى الأحاديث الصحيحة والمقلل منه على وجه يضعف به بدنه ويعجز عن القيام بما يجب عليه القيام به من طاعة أو سعى على نفسه وعلى من يعول مخالفا لما أمر الله به وأرشد إليه والمسرف في إنفاقه على وجه لا يفعله إلا أهل السفه والتبذير مخالف لما شرعه الله لعباده واقع في النهي القرآني وهكذا من حرم حلالا أو حلل حراما فإنه يدخل فى المسرفين ويخرج عن المقتصدين ومن الإسراف الأكل لحاجة وفى وقت شبع
الأعراف : ( 32 ) قل من حرم . . . . .
قوله ) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ( الزينة ما يتزين به الإنسان من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة كالمعادن التى لم يرد نهي عن التزين بها والجواهر ونحوها وقيل الملبوس خاصة ولا وجه له بل هو من جملة ما تشمله الآية فلا حرج على من لبس الثياب الجيدة الغالية القيمة إذا لم يكن مما حرمه الله ولا حرج على من تزين بشيء من الأشياء التى لها مدخل في الزينة ولم يمنع منها مانع شرعي ومن زعم أن ذلك يخالف الزهد فقد غلط غلطا بينا وقد قدمنا فى هذا ما يكفي وهكذا الطيبات من المطاعم والمشارب ونحوهما مما يأكله الناس فإنه لا زهد في ترك الطيب منها ولهذا جاءت الآية هذه معنونه بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرم ذلك على نفسه أو حرمه على غيره وما أحسن ما قال ابن جرير الطبري ولقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان مع وجود السبيل إليه من حله ومن أكل البقول والعدس واختاره على خبز البر ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض الشهوة وقد قدمنا نقل مثل هذا عنه مطولا والطيبات المستلذات من الطعام وقيل هو اسم عام لما طاب كسبا ومطعما قوله ) قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ( أي أنها لهم بالأصالة وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة ) خالصة يوم القيامة ( أي مختصة بهم يوم القيامة لا يشاركهم فيها الكفار وقرأ نافع ) خالصة ( بالرفع وهى قراءة ابن عباس على أنها خبر بعد خبر وقرأ الباقون بالنصب على الحال قال أبو علي الفارسي ولا يجوز الوقف على الدنيا لأن ما بعدها متعلق بقوله ) للذين آمنوا ( حال منه بتقدير قل هى ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة قوله ) كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ( أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات المشتملة


"""""" صفحة رقم 201 """"""
على التحليل والتحريم
الأعراف : ( 33 ) قل إنما حرم . . . . .
قوله ) قل إنما حرم ربي الفواحش ( جمع فاحشة وقد تقدم تفسيرها ) ما ظهر منها وما بطن ( أي ما أعلن منها وما أسر وقيل هى خاصة بفواحش الزنا ولا وجه لذلك والإثم يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم وقيل هو الخمر خاصة ومنه قول الشاعر شربت الإثم حتى ضل عقلي
كذاك الإثم تذهب بالعقول
ومثله قول الآخر يشرب الإثم بالصواع جهارا
وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصا بالخمر قال النحاس فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك وحقيقته أنه جميع المعاصي كما قال الشاعر
إني وجدت الأمر أرشده تقوى الإله وشره الإثم
قال الفراء الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس انتهى وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به فهو أحد المعاصي التى يصدق عليها قال في الصحاح وقد يسمى الخمر إثما وأنشد
شربت الإثم
البيت وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته قوله ) والبغي بغير الحق ( أي الظلم المجاوز للحد وأفرده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنبا عظيما كقوله ) وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ( ) وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ( أي وأن تجعلوا لله شريكا لم ينزل عليكم به حجة والمراد التهكم بالمشركين لأن الله لا ينزل برهانا بأن يكون غيره شريكا له ) وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( بحقيقته وأن الله قاله وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التى لم يأذن بها
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وغيرهم عن ابن عباس أن النساء كن يطفن عراة إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول
اليوم يبدو بعضه أو كله
وما بدا منه فلا أحله
فنزلت ) خذوا زينتكم عند كل مسجد ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال كان الرجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة والزينة اللباس وما يواري السوءة وما سوى ذلك من جيد البر والمتاع وأخرج ابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خذوا زينة الصلاة قالوا وما زينة الصلاة قال البسوا نعالكم فصلوا فيها وأخرج العقيلي وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قول الله ) خذوا زينتكم عند كل مسجد ( قال صلوا في نعالكم والأحاديث في مشروعية الصلاة في النعل كثيرة جدا وأما كون ذلك هو تفسير الآية كما روى في هذين الحديثين فلا أدري كيف إسنادهما وقد ورد النهي عن أن يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) إنه لا يحب المسرفين ( قال في الطعام والشراب وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا سرف فإن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال كانت قريش تطوف بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون فأنزل الله ) قل من حرم زينة الله (


"""""" صفحة رقم 202 """"""
فأمروا بالثياب أن يلبسوها ) قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ( قال ينتفعون بها فى الدنيا لا يتبعهم فيها مأثم يوم القيامة وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك ) قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ( قال المشركون يشاركون المؤمنين في زهرة الدنيا وهى خالصة يوم القيامة للمؤمنين دون المشركين وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) والطيبات من الرزق ( قال الودك واللحم والسمن وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال كان أهل الجاهلية يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرهما وهو قول الله ) قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا ( وهذا هذا فأنزل الله ) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ( يعنى شارك المسلمون الكفار في الطيبات في الحياة الدنيا فأكلوا من طيبات طعامها ولبسوا من جياد ثيابها ونكحوا من صالحي نسائها ثم يخلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا وليس للمشركين فيها شيء و أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال ما ظهر منها العرية وما بطن الزنا وكانوا يطوفون بالبيت عراة وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال ما ظهر منها طواف الجاهلية عراة وما بطن الزنا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) والإثم ( قال المعصية ) والبغي ( قال أن يبغى على الناس بغير حق
سورة الأعراف الآية ( 34 39 )
الأعراف : ( 34 ) ولكل أمة أجل . . . . .
قوله ) ولكل أمة أجل ( أي وقت معين محدود ينزل فيه عذابهم من الله أو يميتهم فيه ويجوز أن تحمل الآية على ما هو أعم من الأمرين جميعا والضمير في ) أجلهم ( لكل أمة أي إذا جاء أجل كل أمة من الأمم كان ما قدره عليهم واقعا في ذلك الأجل لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون عنه ساعة قال أبو السعود ما معناه إن قوله ) ولا يستقدمون ( عطف على ) يستأخرون ( لكن لا لبيان انتفاء التقدم مع إمكانه في نفسه كالتأخر بل


"""""" صفحة رقم 203 """"""
للمبالغة في انتفاء التأخر بنظمه في سلك المستحيل عقلا وقيل المراد بالمجيء الدنو بحيث يمكن التقدم في الجملة كمجيء اليوم الذى ضرب لهلاكهم ساعة منه وليس بذاك وقرأ ابن سيرين ? آجالهم ? بالجمع وخص الساعة بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات وقد استدل بالآية الجمهور على أن كل ميت يموت بأجله وإن كان موته بالقتل أو التردى أو نحو ذلك والبحث في ذلك طويل جدا ومثل هذه الآية قوله تعالى ) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون )
الأعراف : ( 35 ) يا بني آدم . . . . .
قوله ) يا بني آدم إما يأتينكم ( الآية إن هى الشرطية وما زائدة للتوكيد ولهذا لزمت الفعل النون المؤكدة والقصص قد تقدم معناه والمعنى إن أتاكم رسل كائنون منكم يخبرونكم بأحكامي ويبينونها لكم ) فمن اتقى وأصلح ( أي اتقى معاصى الله وأصلح حال نفسه باتباع الرسل وإجابتهم ) فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( وهذه الجملة الشرطية هى الجواب للشرط الأول وقيل جوابه ما دل عليه الكلام أي إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فأطيعوهم والأول أولى وبه قال الزجاج
الأعراف : ( 36 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
) والذين كذبوا بآياتنا ( التى يقصها عليهم رسلنا ) واستكبروا ( عن إجابتها والعمل بما فيها ) فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ( لا يخرجون منها بسبب كفرهم بتكذيب الآيات والرسل
الأعراف : ( 37 ) فمن أظلم ممن . . . . .
) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته ( أي لا أحد أظلم منه وقد تقدم تحقيقه والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المكذبين المستكبرين ) ينالهم نصيبهم من الكتاب ( أي مما كتب الله لهم من خير وشر وقيل ينالهم من العذاب بقدر كفرهم وقيل الكتاب هنا القرآن لأن عذاب الكفار مذكور فيه وقيل هو اللوح المحفوظ قوله ) حتى إذا جاءتهم رسلنا ( أي إلى غاية هى هذه وجملة ) يتوفونهم ( في محل نصب على الحال والمراد بالرسل هنا ملك الموت وأعوانه وقيل حتى هنا هى للابتداء ولكن لا يخفى أن كونها لابتداء الكلام بعدها لا ينافي كونها غاية ما قبلها والاستفهام في قوله ) أين ما كنتم تدعون من دون الله ( للتقريع والتوبيخ أي أين الآلهة التى كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها وجملة ) قالوا ضلوا عنا ( استئنافية بتقدير سؤال وقعت هى جوابا عنه أي ذهبوا عنا وغابوا فلا ندري أين هم ) وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ( أي أقروا بالكفر على أنفسهم
الأعراف : ( 38 ) قال ادخلوا في . . . . .
قوله ) قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم ( القائل هو الله عز وجل ) وفي ( بمعنى مع أي مع أمم وقيل هى على بابها والمعنى ادخلوا في جملتهم وقيل هو قول مالك خازن النار والمراد بالأمم التى قد خلت من قبلهم من الجن والإنس هم الكفار من الطائفتين من الأمم الماضية ) كلما دخلت أمة ( من الامم الماضية ) لعنت أختها ( أي الأمة الأخرى التى سبقتها إلى النار وجعلت أختا لها باعتبار الدين أو الضلالة أو الكون في النار ) حتى إذا اداركوا فيها ( أي تداركوا والتدارك التلاحق والتتابع والاجتماع في النار وقرأ الأعمش ? تداركوا ? على الأصل من دون إدغام وقرأ ابن مسعود ? حتى إذا أدركوا ? أي أدرك بعضهم بعضا وروى عن أبي عمرو أنه قرأ بقطع ألف الوصل فكأنه سكت على إذا للتذكر فلما طال سكوته قطع ألف الوصل كالمبتدئ بها وهو مثل قول الشاعر يا نفس صبرا كل حي لاقى
وكل اثنين إلى افتراق
) قالت أخراهم لأولاهم ( أي أخراهم دخولا لأولاهم دخولا وقيل أخراهم أي سفلتهم وأتباعهم ) لأولاهم ( لرؤسائهم وكبارهم وهذا أول كما يدل عليه ) ربنا هؤلاء أضلونا ( فإن المضلين هم الرؤساء ويجوز أن يراد أنهم أضلوهم لأنه تبعوهم واقتدوا بدينهم من بعدهم فيصح الوجه الأول لأن أخراهم تبعت دين أولاهم قوله ) فآتهم عذابا ضعفا من النار ( الضعف الزائد على مثله مرة أو مرات ومثله قوله تعالى ) ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ( وقيل الضعف هنا الأفاعي والحيات وجملة ) قال لكل ضعف ( استئنافية جوابا


"""""" صفحة رقم 204 """"""
لسؤال مقدر والمعنى لكل طائفة منكم ضعف من العذاب أي الطائفة الأولى والطائفة الأخرى ) ولكن لا تعلمون ( بما لكل نوع من العذاب
الأعراف : ( 39 ) وقالت أولاهم لأخراهم . . . . .
) وقالت أولاهم لأخراهم ( أي قال السابقون للاحقين أو المتبوعون للتابعين ) فما كان لكم علينا من فضل ( بل نحن سواء في الكفر بالله واستحقاق عذابه ) فذوقوا ( عذاب النار كما ذقناه ) بما كنتم تكسبون ( من معاصى الله والكفر به
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب وابن النجار عن أبي الدرداء قال تذاكرنا زيادة العمر عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلنا من وصل رحمه أنسئ في أجله فقال إنه ليس بزائد في عمره قال الله تعالى ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة فيدعون الله من بعده فيبلغه ذلك فذلك الذى ينسأ في أجله وفى لفظ فيلحقه دعاؤهم في قبره فذلك زيادة العمر وهذا الحديث ينبغى أن يكشف عن إسناده ففيه نكارة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة فى الصحيحين وغيرهما بخلافه وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي عروبة قال كان الحسن يقول ما أحمق هؤلاء القوم يقولون اللهم أطل عمره والله يقول ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق الزهري عن ابن المسيب قال لما طعن عمر قال كعب لو دعا الله لأخر في أجله فقيل له أليس قد قال الله ) فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ( فقال كعب وقد قال الله ) وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ( وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب ( قال ما قدر لهم من خير وشر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال من الأعمال من عمل خيرا جزى به ومن عمل شرا جزى به وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عنه أيضا قال نصيبهم من الشقاوة والسعادة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال ما سبق من الكتاب وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في الآية قال رزقه وأجله وعمله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في الآية قال من العذاب وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) قد خلت ( قال قد مضت ) كلما دخلت أمة لعنت أختها ( قال كلما دخلت أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك يلعن المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والصابئون الصابئين والمجوس المجوس تلعن الآخرة الأولى ) حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم ( الذين كانوا في آخر الزمان ) لأولاهم ( الذين شرعوا لهم ذلك الدين ) ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ( الأولى والآخرة ) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل ( وقد ضللتم كما ضللنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) عذابا ضعفا ( قال مضاعفا ) قال لكل ضعف ( قال مضاعف وفى قوله ) فما كان لكم علينا من فضل ( قال تخفيف من العذاب
سورة الأعراف الآية ( 40 )


"""""" صفحة رقم 205 """"""
سورة الأعراف الآية ( 41 43 )
الأعراف : ( 40 ) إن الذين كذبوا . . . . .
قوله ) لا تفتح لهم أبواب السماء ( قرأ ابن عباس وحمزة والكسائي بفتح التحتية لكون تأنيث الجمع غير حقيقي فجاز تذكيره وقرأ الباقون بالفوقية على التأنيث وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي تفتح بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد والمعنى أنها لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم إذا ماتوا وقد دل على هذا المعنى وأنه المراد من الآية ما جاء في الأحاديث الصحيحة أن الملائكة إذا انتهوا بروح الكافر إلى السماء الدنيا يستفتحون فلا تفتح لهم أبواب السماء وقيل لا تفتح أبواب السماء لأدعيتهم إذا دعوا قاله مجاهد والنخعي وقيل لأعمالهم أي لا تقبل بل ترد عليهم فيضرب بها في وجوههم وقيل المعنى أنها لا تفتح لهم أبواب الجنة يدخلونها لأن الجنة في السماء فيكون على هذا القول العطف لجملة ) ولا يدخلون الجنة ( من عطف التفسير ولا مانع من حمل الآية على ما يعم الأرواح والدعاء والأعمال ولا ينافيه ورود ما ورد من أنها لا تفتح أبواب السماء لواحد من هذه فإن ذلك لا يدل على فتحها لغيره مما يدخل تحت عموم الآية قوله ) ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ( أي أن هؤلاء الكفار المكذبين المستكبرين لا يدخلون الجنة بحال من الأحوال ولهذا علقه بالمستحيل فقال ) حتى يلج الجمل في سم الخياط ( وهو لا يلج أبدا وخص الجمل بالذكر لكونه يضرب به المثل في كبر الذات وخص سم الخياط وهو ثقب الإبرة بالذكر لكونه غاية في الضيق والجمل الذكر من الإبل والجمع جمال وأجمال وجمالات وإنما يسمى جملا إذا أربع وقرأ ابن عباس ) الجمل ( بضم الجيم وفتح الميم مشددة وهو حبل السفينة الذي يقال له القلس وهو حبال مجموعة قاله ثعلب وقيل الحبل الغليظ من القنب وقيل الحبل الذى يصعد به في النخل وقرأ سعيد بن جبير ) الجمل ( بضم الجيم وتخفيف الميم وهو القلس أيضا وقرأ أبو السماك ) الجمل ( بضم الجيم وسكون الميم وقرئ أيضا بضمهما وقرأ عبد الله بن مسعود ? حتى يلج الجمل الأصغر فى سم الخياط ? وقرئ ) في سم ( بالحركات الثلاث والسم كل ثقب لطيف ومنه ثقب الإبرة والخياط ما يخاط به يقال خياط ومخيط ) وكذلك نجزي المجرمين ( أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزى المجرمين أي جنس من أجرم وقد تقدم تحقيقه
الأعراف : ( 41 ) لهم من جهنم . . . . .
والمهاد الفراش والغواش جمع غاشية أي نيران تغشاهم من فوقهم كالأغطية ) وكذلك نجزي الظالمين ( أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزى من اتصف بصفة الظلم
الأعراف : ( 42 ) والذين آمنوا وعملوا . . . . .
قوله ) لا نكلف نفسا إلا وسعها ( أي لا نكلف العباد إلا بما يدخل تحت وسعهم ويقدرون عليه ولا نكلفهم ما لا يدخل تحت وسعهم وهذه الجملة معترضة بين المبتدأ والخبر ومثله ) لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ( وقرأ الأعمش تكلف بالفوقية ورفع نفس والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصول وخبره ) أصحاب الجنة ( والجملة خبر الموصول وجملة و ) هم فيها خالدون ( في محل نصب على الحال
الأعراف : ( 43 ) ونزعنا ما في . . . . .
قوله ) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( هذا من جملة ما ينعم الله به على أهل الجنة أن ينزع الله


"""""" صفحة رقم 206 """"""
ما فى قلوبهم من الغل على بعضهم بعضا حتى تصفوا قلوبهم ويود بعضهم بعضا فإن الغل لو بقي فى صدورهم كما كان في الدنيا لكان في ذلك تنغيص لنعيم الجنة لأن المتشاحنين لا يطيب لأحدهم عيش مع وجود الآخر والغل الحقد الكامن في الصدور وقيل نزع الغل في الجنة لا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل المنازل ) وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا ( أي لهذا الجزاء العظيم وهو الخلود في الجنة ونزع الغل من صدورهم والهداية هذه لهذا هى الهداية لسببه من الإيمان والعمل الصالح في الدنيا ) وما كنا لنهتدي ( قرأ ابن عامر بإسقاط الواو وقرأ الباقون بإثباتها وما كنا نطيق أن نهتدى بهذا الأمر لولا هداية الله لنا والجملة مستأنفة أو حالية وجواب لولا محذوف يدل عليه ما قبله أي لولا هداية الله لنا ما كنا لنهتدى قوله ) لقد جاءت رسل ربنا بالحق ( اللام لام القسم قالوا هذا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من الجزاء العظيم اغتباطا بما صاروا فيه بسبب ما تقدم منهم من تصديق الرسل وظهور صدق ما أخبروهم به في الدنيا من أن جزاء الإيمان والعمل الصالح هو هذا الذى صاروا فيه قوله ) ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ( أي وقع النداء لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقيل لهم تلكم الجنة أورثتموها أي ورثتم منازلها بعملكم قال في الكشاف بسبب أعمالكم لا بالتفضل كما تقوله المبطلة انتهى
أقول يا مسكين هذا قاله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما صح عنه سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته والتصريح بسبب لا يستلزم نفي سبب آخر ولولا التفضل من الله سبحانه وتعالى على العامل باقداره على العمل لم يكن عمل أصلا فلو لم يكن التفضل إلا بهذا الإقدار لكان القائلون به محقة لا مبطلة وفى التنزيل ) ذلك الفضل من الله ( وفيه ) فسيدخلهم في رحمة منه وفضل )
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لا تفتح لهم أبواب السماء ( يعني لا يصعد إلى الله من عملهم شيء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال لا تفتح لهم لعمل ولا لدعاء وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا في الآية قال لا تفتح لأرواحهم وهى تفتح لأرواح المؤمنين وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا ) حتى يلج الجمل ( قال ذو القوائم ) في سم الخياط ( قال في خرت الإبرة وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود في قوله ) حتى يلج الجمل ( قال زوج الناقة وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس أنه كان يقرأ الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقال هو الحبل الغليظ أو هو من حبال السفن وأخرج عبد ابن حميد عن ابن عمر أنه سئل عن سم الخياط فقال الجمل في ثقب الإبرة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال المهاد الفراش والغواش اللحف وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب مثله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية ) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( وأخرج النسائي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كل أهل النار يرى منزله من الجنة يقول لو هدانا الله فيكون حسرة عليهم وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول لولا أن هدانا الله فهذا شكرهم وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ( قال نودوا أن صحوا فلا تسقموا وانعموا فلا تبأسوا وشبوا فلا تهرموا واخلدوا فلا تموتوا


"""""" صفحة رقم 207 """"""
سورة الأعراف الآية ( 44 49 )
الأعراف : ( 44 ) ونادى أصحاب الجنة . . . . .
مناداة أصحاب الجنة لأصحاب النار لم تكن لقصد الإخبار لهم بما نادوهم به بل لقصد تبكيتهم وإيقاع الحسرة في قلوبهم و ) أن قد وجدنا ( هو نفس النداء أي إنا قد وصلنا إلى ما وعدنا الله به من النعيم فهل وصلتم إلى ما وعدكم الله به من العذاب الأليم والاستفهام هو للتقريع والتوبيخ وحذف مفعول وعد الثاني لكون الوعد لم يكن لهم بخصوصهم بل لكل الناس كالبعث والحساب والعقاب وقيل حذف لإسقاط الكفار عن رتبة التشريف بالخطاب عند الوعد ) قالوا نعم ( أي وجدنا ما وعدنا ربنا حقا وقرأ الأعمش والكسائي نعم بكسر العين قال مكي من قال نعم بكسر العين فكأنه أراد أن يفرق بين نعم التى جواب وبين نعم التى هى اسم للبقر والغنم والإبل والمؤذن المنادي أي فنادى مناد بينهم أي بين الفريقين قيل هو من الملائكة ) أن لعنة الله على الظالمين ( قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والبزي بتشديد أن وهو الأصل وقرأ الباقون بالتخفيف على أنها المخففة من الثقيلة أو المفسرة وقرأ الأعمش بكسر همزة إن على إضمار القول
الأعراف : ( 45 ) الذين يصدون عن . . . . .
وجملة ) الذين يصدون عن سبيل الله ( صفة للظالمين ويجوز الرفع والنصب على إضمارهم أو أعني والصد المنع أي يمنعون الناس عن سلوك سبيل الحق ) ويبغونها عوجا ( أي يطلبون اعوجاجها أي ينفرون الناس عنها ويقدحون في استقامتها بقولهم إنها غير حق وإن الحق ما هم فيه والعوج بالكسر فى المعاني والأعيان ما لم يكن منتصبا وبالفتح ما كان في المنتصب كالرمح وجملة ) وهم بالآخرة كافرون ( في محل نصب على الحال
الأعراف : ( 46 ) وبينهما حجاب وعلى . . . . .
قوله ) وبينهما حجاب ( أي بين الفريقين أو بين الجنة والنار والحجاب هو السور المذكور في قوله تعالى ) فضرب بينهم بسور ( قوله ) وعلى الأعراف رجال ( الأعراف جمع عرف وهى شرفات السور المضروب بينهم ومنه عرف الفرس وعرف الديك والأعراف في اللغة المكان المرتفع وهذا الكلام خارج مخرج المدح كما في قوله ) رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله (
وقد اختلف العلماء في أصحاب الأعراف من هم فقيل هم الشهداء ذكره القشيري وشرحبيل بن سعد وقيل هم فضلاء المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس ذكره مجاهد وقيل هم قوم أنبياء


"""""" صفحة رقم 208 """"""
ذكره الزجاج وقيل هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم قاله ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وابن عباس والشعبى والضحاك وسعيد بن جبير وقيل هم العباس وحمزة وعلي وجعفر الطيار يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسوادها حكى ذلك عن ابن عباس وقيل هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة واختار هذا القول النحاس وقيل هم أولاد الزنا روى ذلك عن ابن عباس وقيل هم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار ذكره أبو مجلز وجملة ) يعرفون كلا بسيماهم ( صفة لرجال والسيما العلامة أي يعرفون كلا من أهل الجنة والنار بعلاماتهم كبياض الوجوه وسوادها أو مواضع الوضوء من المؤمنين أو علامة يجعلها الله لكل فرق في ذلك الموقف يعرف رجال الأعراف بها السعداء من الأشقياء ) ونادوا أصحاب الجنة ( أي نادى رجال الأعراف أصحاب الجنة حين رأوهم ) أن سلام عليكم ( أي نادوهم بقولهم سلام عليكم تحية لهم وإكراما وتبشيرا أو أخبروهم بسلامتهم من العذاب قوله ) لم يدخلوها وهم يطمعون ( أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف والحال أنهم يطمعون في دخولها وقيل معنى ) يطمعون ( يعلمون أنهم يدخلونها وذلك معروف عند أهل اللغة أي طمع بمعنى علم ذكره النحاس وهذا القول أعني كونهم أهل الأعراف مروي عن جماعة منهم ابن عباس وابن مسعود وقال أبو مجلز هم أهل الجنة أي أن أهل الأعراف قالوا لهم سلام عليكم حال كون أهل الجنة لم يدخلوها والحال أنهم يطمعون في دخولها
الأعراف : ( 47 ) وإذا صرفت أبصارهم . . . . .
قوله ) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار ( أي إذا صرفت أبصار أهل الأعراف تلقاء أصحاب النار أي جهة أصحاب وأصل معنى ) تلقاء ( جهة اللقاء وهى جهة المقابلة ولم يأت مصدر على تفعال بكسر أوله غير مصدرين أحدهما هذا والآخر تبيان وما عداهما بالفتح ) قالوا ( أي قال أهل الأعراف ) ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين ( سألوا الله أن لا يجعلهم منهم
الأعراف : ( 48 ) ونادى أصحاب الأعراف . . . . .
) ونادى أصحاب الأعراف رجالا ( من الكفار ) يعرفونهم بسيماهم ( أي بعلاماتهم ) قالوا ( بدل من نادى ) ما أغنى عنكم جمعكم ( الذى كنتم تجمعون للصد عن سبيل الله والاستفهام للتقريع والتوبيخ قوله ) وما كنتم تستكبرون ( ) ما ( مصدرية أي وما أغنى عنكم استكباركم
الأعراف : ( 49 ) أهؤلاء الذين أقسمتم . . . . .
) أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ( هذا من كلام أصحاب الأعراف أي قالوا للكفار مشيرين إلى المسلمين الذين صاروا إلى الجنة هذه المقالة وقد كان الكفار يقسمون في الدنيا عند رؤيتهم لضعفاء المسلمين بهذا القسم وهذا تبكيت للكفار وتحسير لهم قوله ) ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ( هذا تمام كلام أصحاب الأعراف أي قالوا للمسلمين ادخلوا الجنة فقد انتفى عنكم الخوف والحزن بعد الدخول وقرأ طلحة بن مصرف ) ادخلوا ( بكسر الخاء
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن بن عباس في قوله ) أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ( قال من النعيم والكرامة ) فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ( قال من الخزى والهوان والعذاب وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما وقف على قليب بدر تلا هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وبينهما حجاب ( قال هو السور وهو الأعراف وإنما سمى الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن حذيفة قال الأعراف سور بين الجنة والنار وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس قال الأعراف هو الشيء المشرف
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عنه قال الأعراف سور له عرف كعرف الديك وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال الأعراف جبال بين الجنة والنار فهم على أعرافها


"""""" صفحة رقم 209 """"""
يقول على ذراها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنها تل بين الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الذنوب وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج قال زعموا أنه الصراط وأخرج ابن جرير عن حذيفة قال أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار وهم آخر من يدخل الجنة قد عرفوا أهل الجنة وأهل النار
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود أنهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم يقفون على الصراط وأخرج ابن جرير عن حذيفة نحوه وكذا أخرج نحوه عنه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن جابر بن عبد الله نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أصحاب الأعراف فقال هم آخر من يفصل بينهم من العباد فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم قال ابن كثير وهذا مرسل حسن وأخرج البيهقي في البعث عن حذيفة أراه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يجمع الناس يوم القيامة فيؤمر بأهل الجنة إلى الجنة ويؤمر بأهل النار إلى النار ثم يقال لأصحاب الأعراف ما تنتظرون قالوا ننتظر أمرك فيقال لهم إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم فادخلوا بمغفرتي ورحمتي وأخرج سعيد بن منصور وابن منيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبد الرحمن المزني قال سئل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أصحاب الأعراف فقال هم قوم قتلوا فى سبيل الله في معصية آبائهم فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله ومنعهم من الجنة معصيتهم آباءهم وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه والبيهقي فى البعث عن أبي هريرة مرفوعا نحوه أيضا وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن مالك الهلالي عن أبيه مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن رجل من مزينة مرفوعا نحوه وأخرج أبو الشيخ عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار أنه سئل عن قوله ) لم يدخلوها وهم يطمعون ( قال سلمت عليهم الملائكة وهم لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها حين سلمت وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي قال أصحاب الأعراف يعرفون الناس بسيماهم أهل النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم فإذا مروا بزمرة يذهب بهم إلى الجنة قالوا سلام عليكم وإذا مروا بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ونادى أصحاب الأعراف رجالا ( قال في النار ) يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون ( قال الله لأهل التكبر ) أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ( يعني أصحاب الأعراف ) ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون )
سورة الأعراف الآية ( 50 52 )


"""""" صفحة رقم 210 """"""
سورة الأعراف الآية ( 53 54 )
الأعراف : ( 50 ) ونادى أصحاب النار . . . . .
قوله ) أن أفيضوا علينا من الماء ( الإفاضة التوسعة يقال أفاض عليه نعمه طلبوا منهم أن يواسوهم بشيء من الماء أو بشيء مما رزقهم الله من غيره من الأشربة أو الأطعمة فأجابوا بقولهم ) إن الله حرمهما ( أي الماء وما رزقهم الله من غيره ) على الكافرين ( فلا نواسيكم بشيء مما حرمه الله عليكم وقيل إن هذا النداء من أهل النار كان بعد دخول أهل الأعراف الجنة
الأعراف : ( 51 ) الذين اتخذوا دينهم . . . . .
وجملة ) الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ( في محل جر صفة الكافرين
وقد تقدم تفسير اللهو واللعب والغرر قوله ) فاليوم ننساهم ( أي نتركهم في النار ) كما نسوا لقاء يومهم هذا ( الكاف نعت مصدر محذوف وما مصدرية أي نسيانا كنسيانهم لقاء يومهم هذا قوله ) وما كانوا بآياتنا يجحدون ( معطوف على ما نسوا أي كما نسوا وكما كانوا بآياتنا يجحدون أي ينكرونها
الأعراف : ( 52 ) ولقد جئناهم بكتاب . . . . .
واللام في ) ولقد جئناهم ( جواب القسم والمراد بالكتاب الجنس إن كان الضمير للكفار جميعا وإن كان للمعاصرين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فالمراد بالكتاب القرآن والتفصيل التبيين و ) على علم ( في محل نصب على الحال أي عالمين حال كونه ) هدى ( للمؤمنين ) ورحمة ( لهم قال الكسائي والفراء ويجوز ) هدى ورحمة ( بالخفض على النعت لكتاب
الأعراف : ( 53 ) هل ينظرون إلا . . . . .
قوله ) هل ينظرون إلا تأويله ( بالهمز من آل وأهل المدينة يخفون الهمزة والنظر الانتظار أي هل ينتظرون إلا ما وعدوا به فى الكتاب من العقاب الذي يئول الأمر إليه وقيل تأويله جزاؤه وقيل عاقبته والمعنى متقارب ويوم ظرف ليقول أي يوم يأتي تأويله وهو يوم القيامة ) يقول الذين نسوه من قبل ( أي تركوه من قبل أن يأتي تأويله ) قد جاءت رسل ربنا بالحق ( الذى أرسلهم الله به إلينا ) فهل لنا من شفعاء ( استفهام منهم ومعناه التمني ) فيشفعوا لنا ( منصوب لكونه جوابا للاستفهام قوله ) أو نرد ( قال الفراء المعنى أو هل نرد ) فنعمل غير الذي كنا نعمل ( وقال الزجاج نرد عطف على المعنى أي هل يشفع لنا أحد أو نرد وقرأ ابن أبي إسحاق ) أو نرد فنعمل ( بصبهما كقول امريء القيس فقلت له لا تبك عينك إنما
نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وقرأ الحسن برفعهما ومعنى الآية هل لنا شفعاء يخلصونا مما نحن فيه من العذاب أو هل نرد إلى الدنيا فنعمل صالحا غير ما كنا نعمل من المعاصي ) قد خسروا أنفسهم ( أي لم ينتفعوا بها فكانت أنفسهم بلاء عليهم ومحنة لهم فكأنهم خسروها كما يخسر التاجر رأس ماله وقيل خسروا النعيم وحظ الأنفس ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي افتراؤهم أو الذى كانوا يفترونه والمعنى أنه بطل كذبهم الذى كانوا يقولونه فى الدنيا أو غاب عنهم ما كانوا يجعلونه شريكا لله فلم ينفعهم ولا حضر معهم
الأعراف : ( 54 ) إن ربكم الله . . . . .
قوله ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( هذا نوع من بديع صنع الله وجليل قدرته وتفرده بالإيجاد الذى يوجب على العباد توحيده وعبادته


"""""" صفحة رقم 211 """"""
وأصل ستة سدسة أبدلت التاء من أحد السينين وأدغم فيها الدال والدليل على هذا أنك تقول في التصغير سديسة وفى الجمع أسداس وتقول جاء فلان سادسا واليوم من طلوع الشمس إلى غروبها قيل هذه الأيام من أيام الدنيا وقيل من أيام الآخرة وهذه الأيام الست أولها الأحد وآخرها الجمعة وهو سبحانه قادر عل خلقها في لحظة واحدة يقول لها كوني فتكون ولكنه أراد أن يعلم عباده الرفق والتأني في الأمور أو خلقها في ستة أيام لكون لكل شيء عنده أجلا وفى آية أخرى ) ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ( قوله ) ثم استوى على العرش (
وقد اختلف العلماء في معنى هذا على أربعة عشر قولا وأحقها وأولاها بالصواب مذهب السلف الصالح أنه استوى سبحانه عليه بلا كيف بل على الوجه الذى يليق به مع تنزهه عما لا يجوز عليه والاستواء في لغة العرب هو العلو والاستقرار قال الجوهري استوى على ظهر دابته أي استقر واستوى إلى السماء أي صعد واستوى أي استولى وظهر ومنه قول الشاعر قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق
واستوى الرجل أي انتهى شبابه واستوى أي انتسق واعتدل وحكى عن أبي عبيدة أن معنى ) استوى ( هنا علا ومثله قول الشاعر فأورد بهم ماء ثقيفا بقفرة
وقد حلق النجم اليماني فاستوى
أي علا وارتفع والعرش قال الجوهري هو سرير الملك ويطلق العرش على معان أخر منها عرش البيت سقفه وعرش البئر طيها بالخشب وعرش السماك أربعة كواكب صغار ويطلق على الملك والسلطان والعز ومنه قول زهير تداركتما عبسا وقد ثل عرشها
وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل
وقول الآخر إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم
بعتيبة بن الحرث بن شهاب
وقول الآخر رأوا عرشي تثلم جانباه
فلما أن تثلم أفردوني
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة صفة عرش الرحمن وإحاطته بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما وهو المراد هنا قوله ) يغشي الليل النهار ( أي يجعل الليل كالغشاء للنهار فيغطى بظلمته ضياءه وقرأ عاصم وحمزة والكسائي ) يغشى ( بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف وهما لغتان يقال أغشى يغشى وغشى يغشى والتغشية فى الأصل إلباس الشيء الشيء ولم يذكر في هذه الآية يغشى الليل بالنهار اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخر كقوله تعالى ) سرابيل تقيكم الحر ( وقرأ حميد بن قيس ) يغشي الليل النهار ( على إسناده الفعل إلى الليل ومحل هذه الجملة النصب على الحال والتقدير استوى على العرش مغشيا الليل النهار وهكذا قوله ) يطلبه حثيثا ( حال من الليل أي حال كون الليل طالبا للنهار طلبا حثيثا لا يفتر عنه بحال وحثيثا صفة مصدر محذوف أي يطلبه طلبا حثيثا أو حال من فاعل يطلب والحث الاستعجال والسرعة يقال ولي حثيثا أي مسرعا قوله ) والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ( قال الأخفش معطوف على السموات وقرأ ابن عامر برفعها كلها على الابتداء والخبر والمعنى على الأول وخلق الشمس والقمر والنجوم حال كونها مسخرات وعلى الثاني الإخبار عن هذه بالتسخير قوله ) ألا له الخلق والأمر ( إخبار منه سبحانه لعباده بأنهما له والخلق المخلوق والأمر كلامه وهو كن فى قوله ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( أو المراد بالأمر ما يأمر به


"""""" صفحة رقم 212 """"""
على التفصيل أو التصرف في مخلوقاته ولما ذكر سبحانه في هذه الآية خلق السموات والأرض في ذلك الأمد اليسير ثم ذكر استواءه على عرشه وتسخير الشمس والقمر والنجوم وأن له الخلق والأمر قال ) تبارك الله رب العالمين ( أي كثرت بركته واتسعت ومه بورك الشيء وبورك فيه كذا قال ابن عرفة وقال الأزهري في ) تبارك ( معناه تعالى وتعاظم وقد تقدم تفسير ) رب العالمين ( في الفاتحة مستكملا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة ( الآية قال ينادي الرجل أخاه فيقول يا أخي أغثني فإني قد احترقت فأفض علي من الماء فيقال أجبه فيقول إن الله حرمهما على الكافرين وأخرج ابن جرير ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ( قال من الطعام وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال يستسقونهم ويستطعمونهم وفى قوله ) إن الله حرمهما على الكافرين ( قال طعام الجنة وشرابها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله ) فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ( يقول نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فاليوم ننساهم ( قال نؤخرهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) هل ينظرون إلا تأويله ( قال عاقبته وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال ) يوم يأتي تأويله ( جزاؤه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) يوم يأتي تأويله ( قال يوم القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ما كانوا يفترون ( قال ما كانوا يكذبون في الدنيا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( قال كل يوم مقداره ألف سنة وأخرج ابن مردويه عن أم سلمة قال في قوله ) استوى على العرش ( الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود كفر وأخرج اللالكائي عن مالك أن رجلا سأله كيف استوى على العرش فقال الكيف غير معقول والاستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء والخطيب في تاريخه عن الحسن بن علي قال أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية في كل ليلة أن يعصمه الله من كل سلطان ظالم ومن كل شيطان مريد ومن كل سبع ضاري ومن كل لص عادى آية الكرسى وثلاث آيات من الأعراف ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ( وعشرا من أول سورة الصافات وثلاث آيات من الرحمن أولها ) يا معشر الجن والإنس ( وخاتمة الحشر وأخرج أبو الشيخ بن عبيد بن أبي مرزوق قال من قرأ عند نومه ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ( الآية بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح وعوفى من السرق وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن قيس صاحب عمر بن عبد العزيز قال مرض رجل من أهل المدينة فجاءه زمرة من أصحابه يعودونه فقرأ رجل منهم ? إن ربكم الذى خلق السموات والأرض ? الآية كلها وقد أصمت الرجل فتحرك ثم استوى جالسا ثم سجد يومه وليلته حتى كان من الغد من الساعة التى سجد فيها قال له أهله الحمد لله الذى عافاك قال بعث إلى نفسي ملك يتوفاها فلما قرأ صاحبكم الآية التى قرأ سجد الملك وسجدت بسجوده فهذا حين رفع رأسه ثم مال فقضى وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) يغشي الليل النهار ( قال يغشى الليل النهار فيذهب بضوئه ويطلبه سريعا حتى يدركه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتاده قال يلبس الليل والنهار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) حثيثا ( قال سريعا


"""""" صفحة رقم 213 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة في قوله ) ألا له الخلق والأمر ( قال الخلق ما دون العرش والأمر ما فوق ذلك وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال الخلق هو الخلق والأمر هو الكلام
سورة الأعراف الآية ( 55 58 )
الأعراف : ( 55 ) ادعوا ربكم تضرعا . . . . .
أمرهم الله سبحانه بالدعاء وقيد ذلك بكون الداعي متضرعا بدعائه مخفيا له وانتصاب ) تضرعا وخفية ( على الحال أي متضرعين بالدعاء مخفين له أو صفة مصدر محذوف أي ادعوه دعاء تضرع ودعاء خفية
والتضرع من الضراعة وهى الذلة والخشوع والاستكانة والخفية الإسرار به فإن ذلك أقطع لعرق الرياء وأحسم لباب ما يخالف الإخلاص ثم علل ذلك بقوله ) إنه لا يحب المعتدين ( أي المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شيء فمن جاوز ما أمره الله به في شئ من الأشياء فقد اعتدى والله لا يحب المعتدين وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولا أوليا ومن الاعتداء في الدعاء أن يسأل الداعى ما ليس له كالخلود في الدنيا أو إدراك ما هو محال في نفسه أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة أو يرفع صوته بالدعاء صارخا به
الأعراف : ( 56 ) ولا تفسدوا في . . . . .
قوله ) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ( نهاهم الله سبحانه عن الفساد في الأرض بوجه من الوجوه قليلا كان أو كثيرا ومنه قتل الناس وتخريب منازلهم وقطع أشجارهم وتغوير أنهارهم ومن الفساد فى الأرض الكفر بالله والوقوع في معاصيه ومعنى ) بعد إصلاحها ( بعد أن أصلحها الله بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتقرير الشرائع قوله ) وادعوه خوفا وطمعا ( إعرابهما يحتمل الوجهين المتقدمين في ) تضرعا وخفية ( وفيه أنه يشرع للداعى أن يكون عند دعائه خائفا وجلا طامعا في إجابة الله لدعائه فإنه إذا كان عند الدعاء جامعا بين الخوف والرجاء ظفر بمطلوبه والخوف الانزعاج من المضار التى لا يؤمن من وقوعها والطمع توقع حصول الأمور المحبوبة قوله ) إن رحمة الله قريب من المحسنين ( هذا إخبار من الله سبحانه بأن رحمته قريبة من عباده المحسنين بأي نوع من الأنواع كان إحسانهم وفى هذا ترغيب للعباد إلى الخير وتنشيط لهم فإن قرب هذه الرحمة التى يكون بها الفوز بكل مطلب مقصود لكل عبد من عبادة الله
وقد اختلف أئمة اللغة والإعراب في وجه تذكير خبر رحمة الله حيث قال قريب ولم يقل قريبة فقال الزجاج إن الرحمة مؤولة بالرحم لكونها بمعنى العفو والغفران ورجح هذا التأويل النحاس وقال النضر بن شميل الرحمة مصدر بمعنى الترحم وحق المصدر التذكير وقال الأخفش سعيد أراد بالرحمة هنا المطر وتذكير بعض المؤنث جائز وأنشد


"""""" صفحة رقم 214 """"""
فلا مزنة ودقت ودقها
ولا أرض أبقل أبقالها
وقال أبو عبيدة تذكير قريب على تذكير المكان أي مكان قريب قال علي بن سليمان الأخفش وهذا خطأ ولو كان كما قال لكان قريب منصوبا كما تقول إن زيدا قريبا منك وقال الفراء إن القريب إذا كان بمعنى المسافة فيذكر ويؤنث وإن كان بمعنى النسب فيؤنث بلا اختلاف بينهم وروى عن الفراء أنه قال يقال في النسب قريبة فلان وفى غير النسب يجوز التذكير والتأنيث فيقال دارك عنا قريب وفلانه منا قريب قال الله تعالى ) وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا ( ومنه قول امرئ القيس لك الويل أن أمسى ولا أم هاشم
قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
وروى عن الزجاج أنه خطأ الفراء فيما قاله وقال إن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما وقيل إنه لما كان تأنيث الرحمة غير حقيقي جاز في خبرها التذكير ذكر معناه الجوهري
الأعراف : ( 57 ) وهو الذي يرسل . . . . .
قوله ) وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ( عطف على قوله ) يغشي الليل النهار ( يتضمن ذكر نعمة من النعم التى أنعم بها على عباده مع ما في ذلك من الدلالة على وحدانيته وثبوت إلاهيته ورياح جمع ريح وأصل زيح روح وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو ) نشرا ( بضم النون والشين جمع ناشر على معنى النسب أي ذات نشر وقرأ الحسن وقتادة وابن عامر ) نشرا ( بضم النون وإسكان الشين من نشر وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي ) نشرا ( بفتح النون وإسكان الشين على المصدر ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال ومعنى هذه القراءات يرجع إلى النشر الذى هو خلاف الطي فكأن الريح مع سكونها كانت مطوية ثم ترسل من طيها فتصير كالمنفتحة وقال أبو عبيدة معناه متفرقة فى وجوهها على معنى ننشرها هاهنا وهاهنا وقرأ عاصم ) بشرا ( بالباء الموحدة وإسكان الشين جمع بشير أي الرياح تبشر بالمطر ومثله قوله تعالى ) وهو الذي يرسل الرياح بشرا ( قوله ) بين يدي رحمته ( أراد بالرحمة هنا المطر أي قدام رحمته والمعنى أنه سبحانه يرسل الرياح ناشرات أو مبشرات بين يدى المطر قوله ) حتى إذا أقلت سحابا ثقالا ( أقل فلان الشيء حمله ورفعه والسحاب يذكر ويؤنث والمعنى حتى إذا حملت الرياح سحابا ثقالا بالماء الذى صارت تحمله ) سقناه ( أي السحاب ) لبلد ميت ( أي مجدب ليس فيه نبات يقال سقته لبلد كذا وإلى بلد كذا وقيل اللام هنا لام العلة أي لأجل بلد ميت والبلد هو الموضع العامر من الأرض ) فأنزلنا به الماء ( بالبلد الذى سقناه لأجله أو بالسحاب أي أنزلنا بالسحاب الماء الذى تحمله أو بالريح أي فأنزلنا بالريح المرسلة بين يدى المطر الماء وقيل إن الباء هنا بمعنى من أي فأنزلنا منه الماء ) فأخرجنا به ( أي بالماء ) من كل الثمرات ( أي من جميع أنواعها قوله ) كذلك نخرج الموتى ( أي مثل ذلك الإخراج وهو إخراج الثمرات نخرج الموتى من القبور يوم حشرهم ) لعلكم تذكرون ( أي تتذكرون فتعلمون بعظيم قدرة الله وبديع صنعته وإنه قادر على بعثكم كما قدر على إخراج الثمرات التى تشاهدونها
الأعراف : ( 58 ) والبلد الطيب يخرج . . . . .
قوله ) والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ( أي التربة الطيبة يخرج نباتها بإذن الله وتيسيره إخراجا حسنا تاما وافيا ) والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ( أي والتربة الخبيثة لا يخرج نباتها إلا نكدا أي لا خير فيه وقرأ طلحة بن مصرف ) نكدا ( بسكون الكاف وقرأ ابن القعقاع ) نكدا ( بفتح الكاف أي ذا نكد وقرأ الباقون ) نكدا ( بفتح النون وكسر الكاف وقرئ ) يخرج ( أي يخرجه البلد قيل ومعنى الآية التشبيه شبه تعالى السريع الفهم بالبلد الطيب والبليد بالبلد الخبيث ذكره النحاس وقيل هذا مثل للقلوب فشبه القلب القابل للوعظ بالبلد الطيب والنائي عنه بالبلد الخبيث قاله الحسن وقيل هو مثل لقلب المؤمن والمنافق قاله قتادة وقيل هو مثل للطيب والخبيث من بني آدم قاله مجاهد ) كذلك نصرف الآيات ( أي مثل ذلك التصريف ) لقوم يشكرون ( الله ويتعترفون بنعمته


"""""" صفحة رقم 215 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس ) ادعوا ربكم تضرعا وخفية ( قال السر ) إنه لا يحب المعتدين ( في الدعاء ولا في غيره وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال التضرع علانية والخفية سر وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) ادعوا ربكم تضرعا وخفية ( يعنى مستكينا وخفية يعنى في خفض وسكون في حاجاتكم من أمر الدنيا والآخرة ) إنه لا يحب المعتدين ( يقول لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشر اللهم اخزه والعنه ونحو ذلك فإن ذلك عدوان وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي مجلز فى قوله ) إنه لا يحب المعتدين ( قال لا تسألوا منازل الأنبياء وأخرج ابن المبارك وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن قال لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله يقول ) ادعوا ربكم تضرعا وخفية ( وذلك أن الله ذكر عبدا صالحا فرضى قوله فقال ) إذ نادى ربه نداء خفيا ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن صالح في قوله ) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ( قال بعد ما أصلحها الأنبياء وأصحابهم وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان في الآية قال أحللت حلالي وحرمت حرامي وحددت حدودي فلا تفسدوها وأخرج أبو الشيخ عن أبي عباس في قوله ) وادعوه خوفا وطمعا ( قال خوفا منه وطمعا لما عنده ) إن رحمة الله قريب من المحسنين ( يعني المؤمنين ومن لم يؤمن بالله فهو من المفسدين وأخرج ابن جريج وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وهو الذي يرسل الرياح ( قال إن الله يرسل الريح فيأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان فيخرجه من ثم ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) بشرا بين يدي رحمته ( قال يستبشر بها الناس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) بين يدي رحمته ( قال هو المطر وفى قوله ) كذلك نخرج الموتى ( قال كذلك تخرجون وكذلك النشور كما يخرج الزرع بالماء وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) كذلك نخرج الموتى ( قال إذا أراد الله أن يخرج الموتى أمطر السماء حتى يشقق عنهم الأرض ثم يرسل الأرواح فيهوى كل روح إلى جسده فكذلك يحيى الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) والبلد الطيب ( الآية قال هو مثل ضربه الله للمؤمن يقول هو طيب وعمله طيب كما أن البلد الطيب ثمرها طيب ) والذي خبث ( ضرب مثلا للكافر كالبلد السبخة المالحة التى لا تخرج منها البركة فالكافر هو الخبيث وعمله خبيث وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين
سورة الأعراف الآية ( 59 62 )


"""""" صفحة رقم 216 """"""
سورة الأعراف الآية ( 63 64 )
الأعراف : ( 59 ) لقد أرسلنا نوحا . . . . .
لما بين سبحانه كمال قدرته وبديع صنعته في الآيات السابقة ذكر هنا أقاصيص الأمم وما فيها من تحذير الكفار ووعيدهم لتنبيه هذه الأمة على الصواب وأن لا يقتدوا بمن خالف الحق من الأمم السالفة واللام جواب قسم محذوف وهو أول الرسل إلى أهل الأرض بعد آدم وقد تقدم ذكر نوح في آل عمران فأغنى عن الإعادة هنا وما قيل من أن إدريس قبل نوح فقال ابن العربي إنه وهم قال المازري فإن صح ما ذكره المؤرخون كان محمولا على أن إدريس كان نبيا غير مرسل وجملة ) فقال يا قوم اعبدوا الله ( استئنافية جواب سؤال مقدر قوله ) ما لكم من إله غيره ( هذه الجملة في حكم العلة لقوله ) اعبدوا ( أي اعبدوه لأنه لم يكن لكم إله غيره حتى يستحق منكم أن يكون معبودا قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة وابن كثير وابن عامر برفع غيره على أنه نعت لإله على الموضع وقرأ الكسائي بالخفض في جميع القرآن على أنه نعت على اللفظ وأجاز الفراء والكسائي النصب على الاستثناء يعني ما لكم من إله إلا إياه وقال أبو عمرو ما أعرف الجر ولا النصب ويرده أن بعض بني أسد ينصبون ) غير ( في جميع الأحوال ومنه قول الشاعر لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
حمامة في غصون ذات أرقال
وجملة ) إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( جملة متضمنة لتعليل الأمر بالعبادة أي إن لم تعبدوه فإني أخاف عليكم عذاب يوم القيامة أو عذاب يوم الطوفان
الأعراف : ( 60 ) قال الملأ من . . . . .
قوله ) قال الملأ من قومه ( جملة استئنافية جواب سؤال مقدر والملأ أشراف القوم ورؤساؤهم وقيل هم الرجال وقد تقدم بيانه في البقرة والضلال العدول عن طريق الحق والذهاب عنه أي إنا لنراك في دعائك إلى عبادة الله وحده في ضلال عن طريق الحق
الأعراف : ( 61 ) قال يا قوم . . . . .
وجملة ) قال يا قوم ( استئنافية أيضا جواب سؤال مقدر ) ليس بي ضلالة ( كما تزعمون ) ولكني رسول من رب العالمين ( أرسلني إليكم لسوق الخبر إليكم ودفع الشر عنكم نفى عن نفسه الضلالة وأثبت لها ما هو أعلى منصبا وأشرف رفعة وهو أنه رسول الله إليهم
الأعراف : ( 62 ) أبلغكم رسالات ربي . . . . .
وجملة ) أبلغكم رسالات ربي ( في محل رفع على أنها صفة لرسول أو هى مستأنفة مبينة لحال الرسول والرسالات ما أرسله الله به إليهم مما أوحاه إليه ) وأنصح لكم ( عطف على ) أبلغكم ( يقال نصحته ونصحت له وفى زيادة اللام دلالة على المبالغة في إمحاض النصح قال الأصمعي الناصح الخالص من الغل وكل شيء خلص فقد نصح فمعنى أنصح هنا أخلص النية لكم عن شوائب الفساد والاسم النصيحة وجملة ) وأعلم من الله ما لا تعلمون ( معطوفة على الجملة التى قبلها مقررة لرسالته ومبينة لمزيد علمه وأنه يختص بعلم الأشياء التى لا يعلمونها بإخبار الله له بذلك
الأعراف : ( 63 ) أوعجبتم أن جاءكم . . . . .
قوله ) أوعجبتم ( فتحت الواو لكونها العاطفة ودخلت عليها همزة الاستفهام للإنكار عليهم والمعطوف عليه مقدر كأنه قيل استبعدتم وعجبتم أو أكذبتم وعجبتم أو أنكرتم وعجبتم ) أن جاءكم ذكر من ربكم ( أي وحي وموعظة ) على رجل منكم ( أي على لسان رجل منكم تعرفونه ولم يكن ذلك على لسان من لا تعرفونه أو لا تعرفون لغته وقيل على بمعنى مع أي مع رجل منكم لأجل ينذركم به ) ولتتقوا ( ما يخالفه ) ولعلكم ترحمون ( بسبب ما يفيده الإنذار لكم والتقوى منكم من التعرض لرحمة الله سبحانه لكم ورضوانه عنكم
الأعراف : ( 64 ) فكذبوه فأنجيناه والذين . . . . .
) فكذبوه ( أي فبعد ذلك كذبوه ولم يعملوا بما جاء به من الإنذار ) فأنجيناه والذين معه ( من المؤمنين به


"""""" صفحة رقم 217 """"""
المستقرين معه ) في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ( واستمروا على ذلك ولم يرجعوا إلى التوبة وجملة ) إنهم كانوا قوما عمين ( علة لقوله ) وأغرقنا ( أي أغرقنا المكذبين لكونهم عمى القلوب لا تنجع فيهم الموعظة ولا يفيدهم التذكير
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال أول نبي أرسل نوح وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم وابن عساكر عن يزيد الرقاشي قال إنما سمى نوح عليه السلام نوحا لطول ما ناح على نفسه وأخرج ابن المنذر عن عكرمة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال الملأ يعني الأشراف من قومه وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) أن جاءكم ذكر من ربكم ( يقول بيان من ربكم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إنهم كانوا قوما عمين ( قال كفارا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) إنهم كانوا قوما عمين ( قال عن الحق
سورة الأعراف الآية ( 65 72 )
الأعراف : ( 65 ) وإلى عاد أخاهم . . . . .
قوله ) وإلى عاد أخاهم هودا ( أي وأرسلنا إلى قوم عاد أخاهم أي واحدا من قبيلتهم أو صاحبهم أو سماه أخا لكونه ابن آدم مثلهم وعاد من هو ولد سام بن نوح قيل هو عاد بن عوص بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ابن نوح وهود هو ابن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عوص بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح و ) هودا ( عطف بيان ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره )
الأعراف : ( 66 ) قال الملأ الذين . . . . .
وقد تقدم تفسير هذا قريبا والاستفهام في ) أفلا تتقون ( للإنكار وقد تقدم أيضا تفسير الملأ والسفاهة الخفة والحمق وقد تقدم بيان ذلك في البقرة


"""""" صفحة رقم 218 """"""
نسبوه إلى الخفة والطيش ولم يكتفوا بذلك حتى قالوا ) وإنا لنظنك من الكاذبين ( مؤكدين لظنهم كذبه فيما ادعاه من الرسالة
الأعراف : ( 67 ) قال يا قوم . . . . .
ثم أجاب عليهم بنفي السفاهة عنه واستدرك من ذلك بأنه رسول الله رب العالمين وقد تقدم بيان معنى هذا قريبا
الأعراف : ( 68 ) أبلغكم رسالات ربي . . . . .
وكذلك سبق تفسير ) أبلغكم رسالات ربي ( وتقدم معنى الناصح والأمين المعروف بالأمانة
الأعراف : ( 69 ) أوعجبتم أن جاءكم . . . . .
وسبق أيضا تفسير ) أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ( في قصة نوح التى قبل هذه القصة
قوله ) واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ( أذكرهم نعمة من نعم الله عليهم وهى أنه جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح أي جعلهم سكان الأرض التى كانوا فيها أو جعلهم ملوكا وإذ منصوب باذكر وجعل الذكر للوقت والمراد ما كان فيه من الاستخلاف على الأرض لقصد المبالغة لأن الشيء إذا كان وقته مستحقا للذكر فهو مستحق له بالأولى ) وزادكم في الخلق بسطة ( أي طولا في الخلق وعظم جسم زيادة على ما كان عليه آباؤهم فى الأبدان وقد ورد عن السلف حكايات عن عظم أجرام قوم عاد قوله ) فاذكروا آلاء الله ( الآلاء جمع إلى ومن جملتها نعمة الاستخلاف في الأرض والبسطة في الخلق وغير ذلك مما أنعم به عليهم وكرر التذكير لزيادة التقرير والآلاء النعم ) لعلكم تفلحون ( إن تذكرتم ذلك لأن الذكر للنعمة بسبب باعث على شكرها ومن شكر فقد أفلح
الأعراف : ( 70 ) قالوا أجئتنا لنعبد . . . . .
قوله ) قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ( هذا استنكار منهم لدعائه إلى عبادة الله وحده دون معبوداتهم التى جعلوها شركاء لله وإنما كان هذا مستنكرا عندهم لأنهم وجدوا آباءهم على خلاف ما دعاهم إليه ) ونذر ما كان يعبد آباؤنا ( أي نترك الذى كانوا يعبدونه وهذا داخل في جملة ما استنكروه قوله ) فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ( هذا استعجال منهم للعذاب الذى كان هود يعدهم به لشدة تمردهم على الله ونكوصهم عن طريق الحق وبعدهم عن اتباع الصواب
الأعراف : ( 71 ) قال قد وقع . . . . .
فأجابهم بقوله ) قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ( جعل ما هو متوقع كالواقع تنبيها على تحقق وقوعه كما ذكره أئمة المعاني والبيان وقيل معنى وقع وجب والرجس العذاب وقيل هو هنا الرين على القلب بزيادة الكفر ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة فقال ) أتجادلونني في أسماء ( يعني أسماء الأصنام التى كانوا يعبدونها جعلها أسماء لأن مسمياتها لا حقيقة لها بل تسميتها بالآلهة باطلة فكأنها معدومة لم توجد بل الموجود أسماؤها فقط ) سميتموها أنتم وآباؤكم ( أي سميتم بها معبوداتكم من جهة أنفسكم أنتم وآباؤكم ولا حقيقة لذلك ) ما نزل الله بها من سلطان ( أي من حجة تحتجون بها على ما تدعونه لها من الدعاوي الباطلة ثم توعدهم بأشد وعيد فقال ) فانتظروا إني معكم من المنتظرين ( أي فانتظروا ما طلبتموه من العذاب فإني معكم من المنتظرين له وهو واقع بكم لا محالة ونازل عليكم بلا شك
الأعراف : ( 72 ) فأنجيناه والذين معه . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه أنه نجى هودا ومن معه من المؤمنين به من العذاب النازل بمن كفر به ولم تقبل رسالته وأنه قطع دابر القوم المكذبين أي استأصلهم جميعا وقد تقدم تحقيق معناه وجملة ) وما كانوا مؤمنين ( معطوفة على كذبوا أي استأصلنا هؤلاء القوم الجامعين بين التكذيب بآياتنا وعدم الإيمان
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وإلى عاد أخاهم هودا ( قال ليس بأخيهم في الدين ولكنه أخوهم في النسب لأنه منهم فلذلك جعل أخاهم وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن خيثم قال كانت عاد ما بين اليمن إلى الشأم مثل الذر وأخرج ابن عساكر عن وهب قال كان الرجل من عاد ستين ذراعا بذراعهم وكان هامة الرجل مثل القبة العظيمة وكان عين الرجل لتفرخ فيها السباع وكذلك مناخرهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال ذكر لنا أنهم كانوا اثنى عشر ذراعا طولا وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس قال كان الرجل منهم ثمانين باعا وكانت البرة فيهم ككلية البقرة والرمانة الواحدة يقعد في قشرها عشرة نفر


"""""" صفحة رقم 219 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه ) وزادكم في الخلق بسطة ( قال شدة وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراع من الحجارة لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) آلاء الله ( قال نعم الله وفى قوله ) رجس ( قال سخط وأخرج ابن عساكر قال لما أرسل الله الريح على عاد اعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين عليه الجلود وتلتذ به الأنفس وإنها لتمر بالعادي فتحمله بين السماء والأرض وتدمغه بالحجارة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وقطعنا دابر الذين كذبوا ( قال استأصلناهم وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال قبر هود بحضرموت في كثيب أحمر عند رأسه سدرة وأخرج ابن عساكر عن عثمان بن أبي العاتكة قال قبلة مسجد دمشق قبر هود وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال كان عمر هود أربعمائة سنة واثنتين وسبعين سنة
سورة الأعراف الآية ( 73 79 )
قوله ) وإلى ثمود أخاهم صالحا ( معطوف على ما تقدم أي وأرسلنا إلى ثمود أخاهم وثمود قبيلة سموا باسم أبيهم وهو ثمود بن عاد بن إرم بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح وصالح عطف بيان وهو صالح بن عبيد بن أسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود وامتناع ثمود من الصرف لأنه جعل اسما للقبيلة وقال أبو حاتم لم ينصرف لأنه أعجمي قال النحاس وهو غلط لأنه من الثمد وهو الماء القليل وقد قرأ القراء ? ألا إن ثمودا كفروا ربهم ? على أنه اسم للحي وكانت مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى
الأعراف : ( 73 ) وإلى ثمود أخاهم . . . . .
قوله ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( قد تقدم تفسيره في قصة نوح ) قد جاءتكم بينة من ربكم ( أي


"""""" صفحة رقم 220 """"""
معجزة ظاهرة وهى إخراج الناقة من الحجر الصلد وجملة ) هذه ناقة الله لكم آية ( مشتملة على بيان البينة المذكورة وانتصاب آية على الحال والعامل فيها معنى الإشارة وفى إضافة الناقة إلى الله تشريف لها وتكريم قوله ) فذروها تأكل في أرض الله ( أي دعوها تأكل في أرض الله فهي ناقة الله والأرض أرضه فلا تمنعوها مما ليس لكم ولا تملكونه ) ولا تمسوها ( بشيء من السوء أي لا تتعرضوا لها بوجه من الوجوه التى تسوءها قوله ) فيأخذكم عذاب أليم ( هو جواب النهي أي إذا لم تتركوا مسها بشيء من السوء أخذكم عذاب أليم أي شديد الألم
الأعراف : ( 74 ) واذكروا إذ جعلكم . . . . .
قوله ) واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد ( أي استخلفكم في الأرض أو جعلكم ملوكا فيها كما تقدم في قصة هود ) وبوأكم في الأرض ( أي جعل لكم فيها مباءة وهى المنزل الذى تسكنونه ) تتخذون من سهولها قصورا ( أي تتخذون من سهولة الأرض قصورا أو هذه الجملة مبينة لجملة ) وبوأكم في الأرض ( وسهول الأرض ترابها يتخذون منه اللبن والآجر ونحو ذلك فيبنون به القصور ) وتنحتون الجبال بيوتا ( أي تتخذون في الجبال التى هى صخور بيوتا تسكنون فيها وقد كانوا لقوتهم وصلابة أبدانهم ينحتون الجبال فيتخذون فيها كهوفا يسكنون فيها لأن الأبنية والسقوف كانت تفنى قبل فناء أعمارهم وانتصاب بيوتا على أنها حال مقدرة أو على أنها مفعول ثان لتنحتون على تضمينه معنى تتخذون قوله ) فاذكروا آلاء الله ( تقدم تفسيره في القصة التى قبل هذه
قوله ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( العثى والعثو لغتان وقد تقدم تحقيقه في البقرة بما يغني عن الإعادة
الأعراف : ( 75 ) قال الملأ الذين . . . . .
) قال الملأ الذين استكبروا من قومه ( أي قال الرؤساء المستكبرون من قوم صالح للمستضعفين الذين استضعفهم المستكبرون و ) لمن آمن منهم ( بدل من الذين استضعفوا بإعادة حرف الجر بدل البعض من الكل لأن في المستضعفين من ليس بمؤمن هذا على عود ضمير ) منهم ( إلى الذين استضعفوا فإن عاد إلى قومه كان بدل كل من المستضعفين ومقول القول ) أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه ( قالوا هذا على طريق الاستهزاء والسخرية قوله ) قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون ( أجابوهم بأنهم مؤمنون برسالته مع كون سؤال المستكبرين لهم إنما هو عن العلم منهم هل تعلمون برسالته أم لا مسارعة إلى إظهار ما لهم من الإيمان وتنبيها على أن كونه مرسلا أمر واضح مكشوف لا يحتاج إلى السؤال عنه
الأعراف : ( 76 ) قال الذين استكبروا . . . . .
فأجابوا تمردا وعنادا بقولهم ) إنا بالذي آمنتم به كافرون ( وهذه الجمل المعنوية يقال مستأنفة لأنها جوابات عن سؤالات مقدرة كما سبق بيانه
الأعراف : ( 77 ) فعقروا الناقة وعتوا . . . . .
قوله ) فعقروا الناقة ( العقر الجرح وقيل قطع عضو يؤثر في تلف النفس يقال عقرت الفرس إذا ضربت قوائمه بالسيف وقيل أصل العقر كسر عرقوب البعير ثم قيل للنحر عقر لأن العقر سبب النحر في الغالب وأسند العقر إلى الجميع مع كون العاقر واحدا منهم لأنهم راضون بذلك موافقون عليه وقد اختلف في عاقر الناقة ما كان اسمه فقيل قدار بن سالف وقيل غير ذلك ) وعتوا عن أمر ربهم ( أي استكبروا يقال عتا يعتو عتوا استكبر وتعتى فلان إذا لم يطع والليل العاتي الشديد الظلمة ) وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ( من العذاب ) إن كنت من المرسلين ( هذا استعجال منهم للنقمة وطلب منهم لنزول العذاب وحلول البلية بهم
الأعراف : ( 78 ) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا . . . . .
) فأخذتهم الرجفة ( أي الزلزلة يقال رجف الشيء يرجف رجفانا وأصله حركة مع صوت ومنه ) يوم ترجف الراجفة ( وقيل كانت صيحة شديدة خلعت قلوبهم ) فأصبحوا في دارهم ( أي بلدهم ) جاثمين ( لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم كما يجثم الطائر وأصل الجثوم للأرنب وشبهها وقيل للناس والطير والمراد أنهم أصبحوا في دورهم ميتين لا حراك بهم
الأعراف : ( 79 ) فتولى عنهم وقال . . . . .
) فتولى عنهم ( صالح عند اليأس من إجابتهم ) وقال ( لهم هذه المقالة ) لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ( ويحتمل أنه قال لهم هذه المقالة بعد موتهم على طريق الحكاية لحالهم الماضية كما وقع من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من


"""""" صفحة رقم 221 """"""
التكليم لأهل قليب بدر بعد موتهم أو قالها لهم عند نزول العذاب بهم وكأنه كان مشاهدا لذلك فتحسر على ما فاتهم من الإيمان والسلامة من العذاب ثم أبان عن نفسه أنه لم يأل جهدا في إبلاغهم الرسالة ومحض النصح لكن أبوا ذلك فلم يقبلوا منه فحق عليهم العذاب ونزل بهم ما كذبوا به واستعجلوه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الطفيل قال قالت ثمود لصالح ائتنا بآية إن كنت من الصادقين قال اخرجوا فخرجوا إلى هضبة من الأرض فإذا هى تمخض كما تمخض الحامل ثم إنها انفرجت فخرجت الناقة من وسطها فقال لهم صالح هذه ناقة الله لكم آية فلما ملوها عقروها ) فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ( وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة أن صالحا قال لهم حين عقروا الناقة تمتعوا ثلاثة أيام ثم قال لهم آية هلاككم أن تصبح وجوهكم غدا مصفرة وتصبح اليوم الثاني محمرة ثم تصبح اليوم الثالث مسودة فأصبحت كذلك فلما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك فتكفنوا وتحنطوا ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم وقال عاقر الناقة لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون أترضين فتقول نعم والصبي حتى رضوا أجمعون فعقرها وأخرج أحمد والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما نزل الحجر قام فخطب فقال يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات فإن قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث إليهم آية فبعث الله لهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحتلبون من لبنها مثل الذى كانوا يأخذون من مائها يوم غبها وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام وكان وعد من الله غير مكذوب ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم تحت مشارق الأرض ومغاربها إلا رجلا كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله فقيل يا رسول الله من هو فقال أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه قال ابن كثير هذا الحديث على شرط مسلم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث أبي الطفيل مرفوعا مثله وأخرج أحمد من حديث ابن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو بالحجر لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم وأصل الحديث في الصحيحين من غير وجه وفى لفظ لأحمد من هذا الحديث قال ما نزل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود وأخرج أحمد وابن المنذر نحوه مرفوعا من حديث أبي كبشة الأنماري وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) ولا تمسوها بسوء ( قال لا تعقروها وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وتنحتون من الجبال بيوتا ( قال كانوا ينقبون في الجبال البيوت وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وعتوا عن أمر ربهم ( قال غلوا في الباطل ) فأخذتهم الرجفة ( قال الصيحة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( قال ميتين وأخرج عبد بن حميد عن قتادة مثله
سورة الأعراف الآية ( 80 81 )


"""""" صفحة رقم 222 """"""
سورة الأعراف الآية ( 82 84 )
الأعراف : ( 80 ) ولوطا إذ قال . . . . .
قوله ) ولوطا ( معطوف على ما سبق أي وأرسلنا لوطا أو منصوب بفعل مقدر أي واذكر لوطا وقت قال لقومه قال الفراء لوط مشتق من قولهم هذا أليط بقلبي أي ألصق قال الزجاج زعم بعض النحويين أن لوطا يجوز أن يكون مشتقا من لطت الحوض إذا ملسته بالطين وهذا غلط لأن الأسماء الأعجمية لا تشتق
وقال سيبويه نوح ولوط أسماء أعجمية إلا أنها خفيفة فلذلك صرفت ولوط هو ابن هاران بن تارخ فهو ابن أخي إبراهيم بعثه الله إلى أمة تسمى سدوم ) أتأتون الفاحشة ( أي الخصلة الفاحشة المتمادية في الفحش والقبح قال ذلك إنكارا عليهم وتوبيخا لهم ) ما سبقكم بها من أحد من العالمين ( أي لم يفعلها أحد قبلكم فإن اللواط لم يكن في أمة من الأمم قبل هذه الأمة و ) من ( مزيدة للتوكيد للعموم في النفي وإنه مستغرق لما دخل عليه والجملة مسوقة لتأكيد النكير عليهم والتوبيخ لهم
الأعراف : ( 81 ) إنكم لتأتون الرجال . . . . .
قوله ) إنكم لتأتون الرجال شهوة ( قرأ نافع وحفص على الخبر بهمزة واحدة مكسورة وقرأ الباقون بهمزتين على الاستفهام المقتضى للتوبيخ والتقريع واختار القراءة الأولى أبو عبيد والكسائي وغيرهما واختار الخليل وسيبويه القراءة الثانية فعلى القراءة الأولى تكون هذه الجملة مبينة لقوله ) أتأتون الفاحشة ( وكذلك على القراءة الثانية مع مزيد الاستفهام وتكريره المفيد للمبالغة في التقريع والتوبيخ وانتصاب شهوة على المصدرية أي تشتهونهم شهوة ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال أي مشتهين ويجوز أن يكون مفعولا له أي لأجل الشهوة وفيه أنه لا غرض لهم بإتيان هذه الفاحشة إلا مجرد قضاء الشهوة من غير أن يكون لهم في ذلك غرض يوافق العقل فهم في هذا كالبهائم التى ينزو بعضها على بعض لما يتقاضاها من الشهوة ) من دون النساء ( أي متجاوزين في فعلكم هذا للنساء اللاتى هن محل لقضاء الشهوة وموضع لطلب اللذة ثم أضرب عن الإنكار المتقدم إلى الإخبار بما هم عليه من الإسراف الذى تسبب عنه إتيان هذه الفاحشة الفظيعة
الأعراف : ( 82 ) وما كان جواب . . . . .
قوله ) وما كان جواب قومه ( الواقعين في هذه الفاحشة على ما أنكره عليهم منها ) إلا أن قالوا أخرجوهم ( أي لوطا وأتباعه ) من قريتكم ( أي ما كان لهم جواب إلا هذا القول المباين للإنصاف المخالف لما طلبه منهم وأنكره عليهم وجملة ) إنهم أناس يتطهرون ( تعليل لما أمروا به من الإخراج ووصفهم بالتطهر يمكن أن يكون على حقيقته وأنهم أرادوا أن هؤلاء يتنزهون عن الوقوع في هذه الفاحشة فلا يساكنونا في قريتنا ويحتمل أنهم قالوا ذلك على طريق السخرية والاستهزاء
الأعراف : ( 83 ) فأنجيناه وأهله إلا . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه أنه أنجى لوطا وأهله المؤمنين به واستثنى امرأته من الأهل لكونها لم تؤمن به ومعنى ) كانت من الغابرين ( أنها كانت من الباقين في عذاب الله يقال غير الشيء إذا مضى وغبر إذا بقى فهو من الأضداد وحكى ابن فارس في المجمل عن قوم أنهم قالوا الماضي عابر بالعين المهملة والباقي غابر بالمعجمة وقال الزجاج ) من الغابرين ( أي من الغائبين عن النجاة وقال أبو عبيد المعنى ) من الغابرين ( أي من المعمرين وكانت قد هرمت وأكثر أهل اللغة على أن الغابر الباقي
الأعراف : ( 84 ) وأمطرنا عليهم مطرا . . . . .
قوله ) وأمطرنا عليهم مطرا ( قيل أمطر بمعنى إرسال المطر وقال أبو عبيدة مطر في الرحمة وأمطر في العذاب والمعنى هنا أن الله أمطر عليهم مطرا غير ما يعتادونه وهو رميهم بالحجارة كما في قوله ) وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ( ) فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ( هذا خطاب لكل من يصلح له أو لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وسيأتي في هود قصة لوط بأبين مما هنا


"""""" صفحة رقم 223 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ) أتأتون الفاحشة ( قال أدبار الرجال وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال إنما كان بدء عمل قوم لوط أن إبليس جاءهم في هيئة صبي أجمل صبى رآه الناس فدعاهم إلى نفسه فنكحوه ثم جسروا على ذلك
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عنه في قوله ) إنهم أناس يتطهرون ( قال من أدبار الرجال ومن أدبار النساء وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) إلا امرأته كانت من الغابرين ( قال من الباقين في عذاب الله وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة قال كان قوم لوط أربعة آلاف ألف
سورة الأعراف الآية ( 85 93 )
الأعراف : ( 85 ) وإلى مدين أخاهم . . . . .
قوله ) وإلى مدين أخاهم شعيبا ( معطوف على ما تقدم أي وأرسلنا ومدين اسم قبيلة وقيل اسم بلد والأول أولى وسميت القبيلة باسم أبيهم وهو مدين بن إبراهيم كما يقال بكر وتميم قوله ) أخاهم شعيبا ( شعيب


"""""" صفحة رقم 224 """"""
عطف بيان وهو شعيب بن ميكائيل بن يشجب بن مدين بن إبراهيم قاله عطاء وابن إسحاق وغيرهما وقال الشرفي بن القطامي إنه شعيب بن عيفاء بن ثويب بن مدين بن إبراهيم وزعم ابن سمعان أنه شعيب بن حرة بن يشجب بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وقال قتادة هو شعيب بن صفوان بن عيفاء بن ثابت بن مدين بن إبراهيم قوله ) قال يا قوم ( إلى قوله ) بينة من ربكم ( قد سبق شرحه في قصة نوح قوله ) فأوفوا الكيل والميزان ( أمرهم بإيفاء الكيل والميزان لأنهم كانوا أهل معاملة بالكيل والوزن وكانوا لا يوفونهما وذكر الكيل الذى هو المصدر وعطف عليه الميزان الذى هو اسم للآلة
واختلف في توجيه ذلك فقيل المراد بالكيل المكيال فتناسب عطف الميزان عليه وقيل المراد بالميزان الوزن فيناسب الكيل والفاء في ) فأوفوا ( للعطف على اعبدوا قوله ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( البخس النقص وهو يكون بالتعييب للسلعة أو التزهيد فيها أو المخادعة لصاحبها والاحتيال عليه وكل ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وظاهر قوله ) أشياءهم ( أنهم كانوا يبخسون الناس في كل الأشياء وقيل كانوا مكاسين يمكسون كل ما دخل إلى أسواقهم ومنه قول زهير أفي كل أسواق العراق إتاوة
وفى كل ما باع امرؤ مكس درهم
قوله ) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ( قد تقدم تفسيره قريبا ويدخل تحته قليل الفساد وكثيره ودقيقه وجليله والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى العمل بما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه والمراد بالخيرية هنا الزيادة المطلقة لأنه لا خير في عدم إيفاء الكيل والوزن وفى بخس الناس وفي الفساد في الأرض أصلا
الأعراف : ( 86 ) ولا تقعدوا بكل . . . . .
قوله ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( الصراط الطريق أي لا تقعدوا بكل طريق توعدون الناس بالعذاب قيل كانوا يقعدون في الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويقولون إنه كذاب فلا تذهب إليه كما كانت قريش تفعله مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وغيرهم وقيل المراد القعود على طرق الدين ومنع من أراد سلوكها وليس المراد به القعود على الطرق حقيقة ويؤيده ) وتصدون عن سبيل الله من آمن به ( وقيل المراد بالآية النهي عن قطع الطريق وأخذ السلب وكان ذلك في فعلهم وقيل إنهم كانوا عشارين يأخذون الجباية في الطرق من أموال الناس فنهوا عن ذلك والقول الأول أقربها إلى الصواب مع أنه لا مانع من حمل النهي على جميع هذه الأقوال المذكورة وجملة ) توعدون ( في محل نصب على الحال وكذلك ما عطف عليها أي لا تقعدوا بكل طريق موعدين لأهله صادين عن سبيل الله باغين لها عوجا والمراد بالصد عن سبيل الله صد الناس عن الطريق الذى قعدوا عليه ومنعهم من الوصول إلى شعيب فإن سلوك الناس في ذلك السبيل للوصول إلى نبي الله هو سلوك سبيل الله و ) من آمن به ( مفعول تصدون والضمير في آمن به يرجع إلى الله أو إلى سبيل الله أو إلى كل صراط أو إلى شعيب ) وتبغونها عوجا ( أي تطلبون سبيل الله أن تكون معوجة غير مستقيمة وقد سبق الكلام على العوج قال الزجاج كسر العين في المعاني وفتحها في الإحرام ) واذكروا إذ كنتم ( أي وقت كنتم ) قليلا ( عددكم ) فكثركم ( بالنسل وقيل كنتم فقراء فأغناكم ) وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين ( من الأمم الماضية فإن الله أهلكهم وأنزل بهم من العقوبات ما ذهب بهم ومحا أثرهم
الأعراف : ( 87 ) وإن كان طائفة . . . . .
) وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به ( إليكم من الأحكام التى شرعها الله لكم ) وطائفة ( منكم ) لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ( هذا من باب التهديد والوعيد الشديد لهم وليس هو من باب الأمر بالصبر على الكفر وحكم الله بين الفريقين هو نصر المحقين على المبطلين ومثله قوله تعالى ) فتربصوا إنا معكم متربصون (


"""""" صفحة رقم 225 """"""
أو هو أمر للمؤمنين بالصبر على ما يحل بهم من أذى الكفار حتى ينصرهم الله عليهم
الأعراف : ( 88 ) قال الملأ الذين . . . . .
) قال الملأ الذين استكبروا من قومه ( أي قال الأشراف المستكبرون ) لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك ( لم يكتفوا بترك الإيمان والتمرد عن الإجابة إلى ما دعاهم إليه بل جاوزوا ذلك بغيا وبطرا وأشرا إلى توعد نبيهم ومن آمن به بالإخراج من قريتهم أو عوده هو ومن معه في ملتهم الكفرية أي لا بد من أحد الأمرين إما الإخراج أو العود قال الزجاج يجوز أن يكون العود بمعنى الإبتداء يقال عاد إلى من فلان مكروه أي صار وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك فلا يرد ما يقال كيف يكون شعيب على ملتهم الكفرية من قبل أن يبعثه الله رسولا ويحتاج إلى الجواب بتغليب قومه المتبعين له عليه في الخطاب بالعود إلى ملتهم وجملة ) قال أولو كنا كارهين ( مستأنفة جواب عن سؤال مقدر والهمزة لإنكار وقوع ما طلبوه من الإخراج أو العود والواو للحال أي أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا للعود إليها أو أتخرجوننا من قريتكم في حال كراهتنا للخروج منها أو في حال كراهتنا للأمرين جميعا والمعنى إنه ليس لكم أن تكرهونا على أحد الأمرين ولا يصح لكم ذلك فإن المكره لا اختيار له ولا تعد موافقته مكروها موافقة ولا عوده إلى ملتكم مكرها عودا وبهذا التقرير يندفع ما استشكله كثير من المفسرين في هذا المقام حتى تسبب عن ذلك تطويل ذيول الكلام
الأعراف : ( 89 ) قد افترينا على . . . . .
) قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم ( التى هى الشرك ) بعد إذ نجانا الله منها ( بالإيمان فلا يكون منا عود إليها أصلا ) وما يكون لنا ( أي ما يصح لنا ولا يستقيم ) أن نعود فيها ( بحال من الأحوال ) إلا أن يشاء الله ( أي إلا حال مشيئته سبحانه فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن قال الزجاج أي إلا بمشيئة الله عز وجل قال وهذا قول أهل السنة والمعنى أنه لا يكون منا العود إلى الكفر إلا أن يشاء الله ذلك فالاستثناء منقطع وقيل إن الاستثناء هنا على جهة التسليم لله عز وجل كما في قوله ) وما توفيقي إلا بالله ( وقيل هو كقولهم لا أكلمك حتى يبيض الغراب وحتى يلج الجمل في سم الخياط والغراب لا يبيض والجمل لا يلج فهو من باب التعليق بالمحال ) وسع ربنا كل شيء علما ( أي أحاط علمه بكل المعلومات فلا يخرج عنه منها شيء وعلما منصوب على التمييز وقيل المعنى ) وما يكون لنا أن نعود فيها ( أي القرية بعد أن كرهتم مجاورتنا لهم ) إلا أن يشاء الله ( عودنا إليها ) على الله توكلنا ( أي عليه اعتمدنا في أن يثبتنا على الإيمان ويحول بيننا وبين الكفر وأهله ويتم علينا نعمته ويعصمنا من نقمته قوله ) ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ( الفتاحة الحكومة أي احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين دعوا الله سبحانه أن يحكم بينهم ولا يكون حكمه سبحانه إلا بنصر المحقين على المبطلين كما أخبرنا به في غير موضع من كتابه فكأنهم طلبوا نزول العذاب بالكافرين وحلول نقمة الله بهم
الأعراف : ( 90 ) وقال الملأ الذين . . . . .
) وقال الملأ الذين كفروا من قومه ( معطوف على ) قال الملأ الذين استكبروا ( يحتمل أن يكون هؤلاء هم أولئك ويحتمل أن يكونوا غيرهم من طوائف الكفار الذين أرسل إليهم شعيب واللام في ) لئن اتبعتم شعيبا ( موطئة لجواب قسم محذوف أي دخلتم في دينه وتركتم دينكم ) إنكم إذا لخاسرون ( جواب القسم ساد مسد جواب الشرط وخسرانهم هلاكهم أو ما يخسرونه بسبب إيفاء الكيل والوزن وترك التطفيف الذى كانوا يعاملون الناس به
الأعراف : ( 91 ) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا . . . . .
) فأخذتهم الرجفة ( أي الزلزلة وقيل الصيحة كما في قوله ) وأخذت الذين ظلموا الصيحة ( ) فأصبحوا في دارهم جاثمين ( قد تقدم تفسيره في قصة صالح
الأعراف : ( 92 ) الذين كذبوا شعيبا . . . . .
قوله ) الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها ( هذه الجملة مستأنفة مبينة لما حل بهم من النعمة والموصول مبتدأ وكأن لم يغنوا خبره يقال غنيت بالمكان إذا أقمت به وغنى القوم في دارهم أي طال مقامهم فيها والمغنى المنزل والجمع المغاني قال حاتم الطائي


"""""" صفحة رقم 226 """"""
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى
وكلا سقاناه بكاسيهما الدهر
فما زادنا بغيا على ذى قرابة
غنانا ولا أزرى باحساننا الفقر
ومعنى الآية الذين كذبوا شعيبا كأن لم يقيموا في دارهم لأن الله سبحانه استأصلهم بالعذاب والموصول في الذين كذبوا شعيبا مبتدأ خبره ) كانوا هم الخاسرين ( وهذه الجملة مستأنفة كالأولى متضمنة لبيان خسران القوم المكذبين
الأعراف : ( 93 ) فتولى عنهم وقال . . . . .
) فتولى عنهم ( أي شعيب لما شاهد نزول العذاب بهم ) وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ( التى أرسلني بها إليكم ) ونصحت لكم ( ببيان ما فيه سلامة دينكم ودنياكم ) فكيف آسى ( أي أحزن ) على قوم كافرين ( بالله مصرين على كفرهم متمردين عن الإجابة أو الأسى شدة الحزن آسى على ذلك فهو آس قال شعيب هذه المقالة تحسرا على عدم إيمان قومه ثم سلا نفسه بأنه كيف يقع منه الأسى على قوم ليس بأهل للحزن عليهم لكفرهم بالله وعدم قبولهم لما جاء به رسوله
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن إسحاق وابن عساكر عن عكرمة والسدي قالا ما بعث الله نبيا مرتين إلا شعيبا مرة إلى مدين فأخذتهم الصيحة ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( قال لا تظلموا الناس وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( قال لا تظلموهم ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( قال كانوا يوعدون من أتى شعيبا وغشيه وأراد الإسلام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( قال كانوا يجلسون في الطريق فيخبرون من أتى عليهم أن شعيبا كذاب فلا يفتننكم عن دينكم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) بكل صراط توعدون ( قال بكل سبيل حق ) وتصدون عن سبيل الله ( قال تصدون أهلها ) وتبغونها عوجا ( قال تلتمسون لها الزيغ وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( قال هو العاشر ) وتصدون عن سبيل الله ( قال تصدون عن الإسلام ) وتبغونها عوجا ( قال هلاكا وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال هم العشار وأخرج ابن جرير عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره شك أبو العالية قال أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة أسرى به على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته قال ما هذا يا جبريل قال هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم تلا ) ولا تقعدوا بكل صراط توعدون ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى في قوله ) وما يكون لنا أن نعود فيها ( قال ما ينبغى لنا أن نعود في شرككم بعد إذ نجانا الله ) إلا أن يشاء الله ربنا ( والله لا يشاء الشرك ولكن يقول إلا أن يكون الله قد علم شيئا فإنه قد وسع كل شيء علما وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس قال ما كنت أدري ما قوله ) ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ( حتى سمعت ابنته ذى يزن تقول تعال أفاتحك تعني أقاضيك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ربنا افتح ( يقول اقض وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى قال الفتح القضاء لغة يمانية إذا قال أحدهم تعال أقاضيك القضاء قال تعال أفاتحك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) لم يغنوا فيها ( قال لم يعيشوا فيها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) فكيف آسى ( قال أحزن وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما قبر إسماعيل وقبر شعيب فقبر إسماعيل


"""""" صفحة رقم 227 """"""
في الحجر وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه أن شعيبا مات بمكة ومن معه من المؤمنين فقبورهم في غربى الكعبة بين دار الندوة وبين باب بنى سهم وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن ابن إسحاق قال ذكر لي يعقوب بن أبي مسلمة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا ذكر شعيبا قال ذاك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه فيما يريدهم به فلما كذبوه وتوعدوه بالرجم والنفي من بلادهم وعتوا على الله أخذهم عذاب يوم الظلة
سورة الأعراف الآية ( 94 100 )
الأعراف : ( 94 ) وما أرسلنا في . . . . .
قوله ) وما أرسلنا في قرية من نبي ( لما فصل الله سبحانه أحوال بعض الأنبياء مع أممهم وهم المذكورون سابقا أجمل حال سائر الأمم المرسل إليها أي وما أرسلنا في قرية من القرى من نبي من الأنبياء وفى الكلام محذوف أي فكذب أهلها إلا أخذناهم والاستثناء مفرغ أي ما أرسلنا في حال من الأحوال إلا في حال أخذنا أهلها فمحل أخذنا النصب والبأساء البؤس والفقر والضراء الضر وقد تقدم تحقيق معنى البأساء والضراء ) لعلهم يضرعون ( أي لكي يتضرعوا ويتذللوا فيدعوا ما هم عليه من الاستكبار وتكذيب الأنبياء
الأعراف : ( 95 ) ثم بدلنا مكان . . . . .
قوله ) ثم بدلنا ( معطوف على أخذنا أي ثم بعد الأخذ لأهل القرى بدلناهم ) مكان السيئة ( التى أصبناهم بها من البلاء والامتحان ) الحسنة ( أي الخصلة الحسنة فصاروا في خير وسعة وأمن ) حتى عفوا ( يقال عفا كثر وعفا درس فهو من أسماء الأضداد والمراد هنا إنهم كثروا في أنفسهم وفى أموالهم أي أعطيناهم الحسنة مكان السيئة حتى كثروا ) وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء ( أي قالوا هذه المقالة عند أن صاروا في الحسنة بعد السيئة أي أن هذا الذى مسنا من البأساء والضراء ثم من الرخاء والخصب من بعد هو أمر وقع لآبائنا قبلنا مثله فمسهم من البأساء والضراء ما مسنا ومن النعمة والخير ما نلناه ومعناهم أن هذه العادة الجارية في السلف والخلف وأن ذلك ليس من الله سبحانه ابتلاء لهم واختبارا لما عندهم وفى هذا من شدة عنادهم وقوة تمردهم وعتوهم ما لا يخفى ولهذا عاجلهم الله بالعقوبة ولم يمهلهم فقال ) فأخذناهم بغتة ( أي فجأة عقب أن قالوا هذه المقالة من دون تراخ ولا إمهال و الحال أن ) وهم لا يشعرون ( بذلك ولا يترقبونه
الأعراف : ( 96 ) ولو أن أهل . . . . .
واللام في ) القرى ( للعهد أي ) ولو أن أهل القرى (


"""""" صفحة رقم 228 """"""
التى أرسلنا إليها رسلنا ) آمنوا ( بالرسل المرسلين إليهم ) واتقوا ( ما صمموا عليه من الكفر ولم يصروا على ما فعلوا من القبائح ) لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ( أي يسرنا لهم خير السماء والأرض كما يحصل التيسير للأبواب المغلقة بفتح أبوابها قيل المراد بخير السماء المطر وخير الأرض النبات والأولى حمل ما فى الآية على ما هو أعم من ذلك ويجوز أن تكون اللام في القرى للجنس والمراد لو أن أهل القرى أين كانوا وفى أي بلاد سكنوا آمنوا واتقوا إلى آخر الآية ) ولكن كذبوا ( بالآيات والأنبياء ولم يؤمنوا ولا اتقوا ) فأخذناهم ( بالعذاب ب سبب ) ما كانوا يكسبون ( من الذنوب الموجبة لعذابهم
الأعراف : ( 97 ) أفأمن أهل القرى . . . . .
والاستفهام في ) أفأمن أهل القرى ( للتقريع والتوبيخ وأهل القرى هم أهل القرى المذكورة قبله والفاء للعطف وهو مثل ) أفحكم الجاهلية يبغون ( وقيل المراد بالقرى مكة وما حولها لتكذيبهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والحمل على العموم أولى قوله ) أن يأتيهم بأسنا بياتا ( أي وقت بيات وهو الليل على أنه منصوب على الظرفية ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى تبيتا أو مصدرا في موضع الحال أي مبيتين وجملة ) وهم نائمون ( في محل نصب على الحال
الأعراف : ( 98 ) أو أمن أهل . . . . .
والاستفهام فى ) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ( كالاستفهام الذي قبله والضحى ضحوة النهار وهو فى الأصل اسم لضوء الشمس إذا أشرقت وارتفعت قرأ ابن عامر والحرميان ) أو أمن ( بإسكان الواو وقرأ الباقون بفتحها وجملة ) وهم يلعبون ( فى محل نصب على الحال أي يشتغلون بما لا يعود عليهم بفائدة
الأعراف : ( 99 ) أفأمنوا مكر الله . . . . .
والاستفهام فى ) أفأمنوا مكر الله ( للتقريع والتوبيخ وإنكار ما هم عليه من أمان مالا يؤمن من مكر الله بهم وعقوبته لهم وفى تكرير هذا الاستفهام زيادة تقرير لإنكار ما أنكره عليهم ثم بين حال من أمن مكر الله فقال ) فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ( أي الذين أفرطوا في الخسران ووقعوا في وعيده الشديد وقيل مكر الله هنا هو استدراجه بالنعمة والصحة والأولى حمله على ما هو أعم من ذلك
الأعراف : ( 100 ) أولم يهد للذين . . . . .
قوله ) أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها ( قرئ نهد بالنون وبالتحتية فعلى القراءة بالنون يكون فاعل الفعل هو الله سبحانه ومفعول الفعل ) أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ( أي أن الشأن هو هذا وعلى القراءة بالتحتية يكون فاعل يهد هو ) أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ( أي أخذناهم بكفرهم وتكذيبهم والهداية هنا بمعنى التبيين ولهذا عديت باللام قوله ) ونطبع على قلوبهم ( أي ونحن نطبع على قلوبهم على الاستبيان ولا يصح عطفه على أصبنا لأنهم ممن طبع الله على قلبه لعدم قبولهم للإيمان وقيل هو معطوف على فعل مقدر دل عليه الكلام كأنه قيل يغفلون عن الهداية ونطبع وقيل معطوف على يرثون قوله ) فهم لا يسمعون ( جواب لو أي صاروا بسبب إصابتنا لهم بذنوبهم والطبع على قلوبهم لا يسمعون ما يتلوه عليهم من أرسله الله إليهم من الوعظ والإعذار والإنذار
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة ( قال مكان الشدة الرخاء ) حتى عفوا ( قال كثروا وكثرت أموالهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) حتى عفوا ( قال جموا وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) قد مس آباءنا الضراء والسراء ( قال قالوا قد أتى على آبائنا مثل هذا فلم يكن شيئا ) فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ( وأخرج عبد ابن حميد وابن أبي حاتم عنه في قوله ) ولو أن أهل القرى آمنوا ( قال بما أنزل الله ) واتقوا ( قال ما حرمه الله ) لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ( يقول أعطتهم السماء بركتها والأرض نباتها وأخرج ابن أبي حاتم من طريق معاذ بن رفاعة عن موسى الطائفي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أكرموا الخبز فإن الله


"""""" صفحة رقم 229 """"""
أنزله من بركات السماء وأخرجه من بركات الأرض واخرج البزار والطبراني قال السيوطي بسند ضعيف عن عبد الله ابن أم حرام قال صليت القبلتين مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء وسخر له بركات الأرض ومن تتبع ما يسقط من السفرة غفر له وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال كان أهل قرية أوسع الله عليهم حتى كانوا يستنجون بالخبر فبعث الله عليهم الجوع وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ? أو لم نهد ? قال أو لم نبين
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) للذين يرثون الأرض من بعد أهلها ( قال المشركون
سورة الأعراف الآية ( 101 102 )
الأعراف : ( 101 ) تلك القرى نقص . . . . .
قوله ) تلك القرى ( أي التى أهلكناها وهى قرى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب المتقدم ذكرها ) نقص عليك ( أي نتلو عليك ) من أنبائها ( أي من أخبارها وهذه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين ونقص إما في محل نصب على أنه حال و ) تلك القرى ( مبتدأ وخبر أو يكون في محل رفع على أنه الخبر و ) القرى ( صفة لتلك ومن في ) من أنبائها ( للتبعيض أي نقص عليك بعض أنبائها واللام في ) ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات ( جواب القسم والمعنى أن من أخبارهم أنها جاءتهم رسل الله ببيناته كما سبق بيانه في قصص الأنبياء المذكورين قبل هذا ) فما كانوا ليؤمنوا ( عند مجئ الرسل ) بما كذبوا ( به ) من قبل ( مجيئهم أو فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل في حال من الأحوال ولا في وقت من الأوقات بما كذبوا به قبل مجيئهم بل هم مستمرون على الكفر متشبثون بأذيال الطغيان دائما ولم ينجع فيهم مجئ الرسل ولا ظهر له أثر بل حالهم عند مجيئهم كحالهم قبله وقيل المعنى فما كانوا ليؤمنوا بعد هلاكهم بما كذبوا به لو أحييناهم كقوله ) ولو ردوا لعادوا ( وقيل سألوا المعجزات فلما رأوها لم يؤمنوا بما كذبوا به من قبل رؤيتها والأول أولى ومعنى تكذيبهم قبل مجئ الرسل أنهم كانوا في الجاهلية يكذبون بكل ما سمعوا به من إرسال الرسل وإنزال الكتب قوله ) كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ( أي مثل ذلك الطبع الشديد يطبع الله على قلوب الكافرين فلا ينجع فيهم بعد ذلك وعظ ولا تذكير ولا ترغيب ولا ترهيب
الأعراف : ( 102 ) وما وجدنا لأكثرهم . . . . .
قوله ) وما وجدنا لأكثرهم من عهد ( الضمير يرجع إلى أهل القرى المذكورين سابقا أي ما وجدنا لأكثر أهل هذه القرى من عهد أي عهد يحافظون عليه ويتمسكون به بل دأبهم نقض العهود في كل حال وقيل الضمير يرجع إلى الناس على العموم أي ما وجدنا لأكثر الناس من عهد وقيل المراد بالعهد هو المأخوذ عليهم في عالم الذر وقيل الضمير يرجع إلى الكفار على العموم من غير تقييد بأهل القرى أي الأكثر منهم لا عهد ولا وفاء والقليل منهم قد بفى بعهده ويحافظ عليه وإن في ) وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ( هى المخففة من الثقيلة وضمير الشأن محذوف أي أن الشأن وجدنا أكثرهم لفاسقين أو هى النافية واللام في ) لفاسقين ( بمعنى إلا أي إلا فاسقين خارجين عن الطاعة خروجا شديدا


"""""" صفحة رقم 230 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بن كعب فى قوله ) فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ( قال كان في علم الله يوم أقروا له بالميثاق من يكذب به ممن يصدق به وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ( قال مثل قوله ) ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ( وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) وما وجدنا لأكثرهم من عهد ( قال الوفاء وأخرج ابن أبي حاتم في الآية قال هو ذاك العهد يوم أخذ الميثاق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ( قال ذاك أن الله إنما أهلك القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما وصاهم به
سورة الأعراف الآية ( 103 122 )
الأعراف : ( 103 ) ثم بعثنا من . . . . .
قوله ) ثم بعثنا من بعدهم موسى ( أي من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب أي ثم أرسلنا موسى به رسالنا لهؤلاء الرسل وقيل الضمير في ) من بعدهم ( راجع إلى الأمم السابقة أي من بعد إهلاكهم ) إلى فرعون وملئه ( فرعون هو لقب لكل من يملك أرض مصر بعد العمالقة وملأ فرعون أشراف قومه وتخصيصهم لذكر مع عموم الرسالة لهم ولغيرهم لأن من عداهم كالأتباع لهم قوله ) فظلموا بها ( أي كفروا بها واطلعوا


"""""" صفحة رقم 231 """"""
الظلم على الكفر لكون كفرهم بالآيات التى جاء بها موسى كان كفرا متبالغا لوجود ما يوجب الإيمان من المعجزات العظيمة التى جاءهم بها والمراد بالآيات هنا هى الآيات التسع أو معنى ) فظلموا بها ( ظلموا الناس بسببها لما صدوهم عن الإيمان بها أو ظلموا أنفسهم بسببها ) فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ( أي المكذبين بالآيات الكافرين بها وجعلهم مفسدين لأن تكذيبهم وكفرهم من أقبح أنواع الفساد
الأعراف : ( 104 ) وقال موسى يا . . . . .
قوله ) وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين ( أخبره بأنه مرسل من الله إليه وجعل ذلك عنوانا لكلامه معه لأن من كان مرسلا من جهة من هو رب العالمين أجمعين فهو حقيق بالقبول لما جاء به كما يقول من أرسله الملك في حاجة إلى رعيته أنا رسول الملك إليكم ثم يحكى ما أرسل به فإن في ذلك من تربية المهابة وإدخال الروعة ما لا يقادر قدره
الأعراف : ( 105 ) حقيق على أن . . . . .
قوله ) حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ( قرئ حقيق على أن لا أقول أي واجب علي ولازم لي أن لا أقول فيما أبلغكم عن الله إلا القول الحق وقرئ ) حقيق على أن لا أقول ( بدون ضمير في على قيل في توجيهه أن على معنى الباء أي حقيق بأن لا أقول ويؤيده قراءة أبي والأعمش فإنهما قرآ ؟ حقيق على أن لا أقول ؟ وقيل إن ) حقيق ( مضمن معنى حريص وقيل إنه لما كان لازما للحق كان الحق لازما له فقول الحق حقيق عليه وهو حقيق على قول الحق وقيل إنه أغرق في وصف نفسه في ذلك المقام حتى جعل نفسه حقيقة على قول الحق كأنه وجب على الحق أن يكون موسى هو قائله وقرأ عبد الله بن مسعود ? حقيق أن لا أقول ? بإسقاط على ومعناها واضح ثم قال بعد هذا ) قد جئتكم ببينة من ربكم ( أي بما يتبين به صدقي وأني رسول من رب العالمين وقد طوى هنا ذكر ما دار بينهما من المحاورة كما فى موضع آخر أنه قال فرعون ) فمن ربكما يا موسى ( ثم قال بعد جواب موسى ) وما رب العالمين ( الآيات الحاكية لما دار بينهما قوله ) فأرسل معي بني إسرائيل ( أمره بأن يدع بني إسرائيل يذهبون معه ويرجعون إلى أوطانهم وهى الأرض المقدسة وقد كانوا باقين لديه مستعبدين ممنوعين من الرجوع إلى وطنهم والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فلما قال ذلك
الأعراف : ( 106 ) قال إن كنت . . . . .
) قال ( له فرعون ) إن كنت جئت بآية ( من عند الله كما تزعم ) فأت بها ( حتى نشاهدها وننظر فيها ) إن كنت من الصادقين ( في هذه الدعوى التى جئت بها
الأعراف : ( 107 ) فألقى عصاه فإذا . . . . .
قوله ) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ( أي وضعها على الأرض فانقلبت ثعبانا أي حية عظيمة من ذكور الحيات ومعنى ) مبين ( أن كونها حية في تلك الحال أمر ظاهر واضح لا لبس فيه
الأعراف : ( 108 ) ونزع يده فإذا . . . . .
) ونزع يده ( أي أخرجها وأظهرها من جيبه أو من تحت إبطه وفى التنزيل ) وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ( قوله ) فإذا هي بيضاء للناظرين ( أي فإذا يده التى أخرجها بيضاء تتلألأ نورا يظهر لكل مبصر
الأعراف : ( 109 ) قال الملأ من . . . . .
) قال الملأ ( أي الأشراف ) من قوم فرعون ( لما شاهدوا انقلاب العصى حية ومصير يده بيضاء من غير سوء ) إن هذا ( أي موسى ) لساحر عليم ( أي كثير العلم بالسحر ولا تنافى بين نسبة هذا القول إلى الملأ هنا وإلى فرعون في سورة الشعراء فكلهم قد قالوه فكان ذلك مصححا لنسبته إليهم تارة وإليه أخرى
الأعراف : ( 110 ) يريد أن يخرجكم . . . . .
وجملة ) يريد أن يخرجكم من أرضكم ( وصف لساحر والأرض المنسوبة إليهم هى أرض مصر وهذا من كلام الملأ وأما ) فماذا تأمرون ( فقيل هو من كلام فرعون قال للملإ لما قالوا بما تقدم أي بأي شئ تأمرونني وقيل هو من كلام الملإ أي قالوا لفرعون فبأي شئ تأمرنا وخاطبوه بما تخاطب به الجماعة تعظيما له كما يخاطب الرؤساء أتباعهم وما في موضع نصب بالفعل الذى بعدها ويجوز أن تكون ذا بمعنى الذى كما ذكره النحاة في ماذا صنعت وكون هذا من كلام فرعون هو الأولى بدليل ما بعده وهو
الأعراف : ( 111 ) قالوا أرجه وأخاه . . . . .
) قالوا أرجه وأخاه ( قال الملأ جوابا لكلام فرعون حيث استشارهم وطلب ما عندهم من الرأي أرجه أي أخره وأخاه يقال أرجأته وأرجيته أخرته قرأ عاصم والكسائي وحمزة وأهل المدينة ارجه بغير همز وقرأ الباقون بالهمز


"""""" صفحة رقم 232 """"""
وقرأ أهل الكوفة إلا الكسائي أرجه بسكون الهاء قال الفراء هى لغة للعرب يقفون على الهاء في الوصل وأنكر ذلك البصريون وقيل معنى أرجه احبسه وقيل هو من رجا يرجو أي أطمعه ودعه يرجوك حكاه النحاس عن محمد بن يزيد بن المبرد ) وأرسل في المدائن حاشرين ( أي أرسل جماعة حاشرين في المدائن التى فيها السحرة وحاشرين مفعول أرسل وقيل هو منصوب على الحال
الأعراف : ( 112 ) يأتوك بكل ساحر . . . . .
و ) يأتوك ( جواب الأمر أي يأتوك هؤلاء الذين أرسلتهم ) بكل سحار عليم ( أي بكل ماهر في السحر كثير العلم بصناعته قرأ أهل الكوفة إلى عاصم ) سحار ( وقرأ من عداهم ساحر
الأعراف : ( 113 ) وجاء السحرة فرعون . . . . .
قوله ) وجاء السحرة فرعون ( في الكلام طي أي فبعث في المدائن حاشرين وجاء السحرة فرعون قوله ) قالوا إن لنا لأجرا ( أي فلما جاءوا فرعون قالوا له إن لنا لأجرا والجملة استئنافية جواب سؤال مقدر كأنه قيل أي شئ قالوا له لما جاءوه والأجر الجائزة والجعل ألزموا فرعون أن يجعل لهم جعلا إن غلبوا موسى بسحرهم قرأ نافع وابن كثير ) أن لنا ( على الإخبار وقرأ الباقون ) أئن لنا ( على الاستفهام استفهموا فرعون عن الجعل الذى سيجعله لهم على الغلبة ومعنى الاستفهام التقرير وأما على القراءة الأولى فكأنهم قاطعون بالجعل وأنه لا بد لهم منه
الأعراف : ( 114 ) قال نعم وإنكم . . . . .
فأجابهم فرعون بقوله ) نعم وإنكم لمن المقربين ( أي إن لكم لأجرا وإنكم مع هذا الأجر المطلوب منكم لمن المقربين لدينا
الأعراف : ( 115 ) قالوا يا موسى . . . . .
قوله ) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين ( هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فما قالوا لموسى بعد أن قال لهم فرعون نعم وإنكم لمن المقربين والمعنى أنهم خيروا موسى بين أن يبتدئ بإلقاء ما يلقيه عليهم أو يبتدئوه هم بذلك تأدبا معه وثقة من أنفسهم بأنهم غالبون وإن تأخروا وأن في موضع نصب قاله الكسائي والفراء أي إما أن تفعل الإلقاء أو نفعله نحن
الأعراف : ( 116 ) قال ألقوا فلما . . . . .
فأجابهم موسى بقوله ) ألقوا ( اختار أن يكونوا المتقدمين عليه بإلقاء ما يلقونه غير مبال بهم ولا هائب لما جاءوا به قال الفراء في الكلام حذف المعنى قال لهم موسى إنكم لن تغلبوا ربكم ولن تبطلوا آياته وقيل هو تهديد أي ابتدئوا بالالقاء فستنظرون ما يحل بكم من الافتضاح والموجب لهذين التأويلين عند من قال بهما أنه لا يجوز على موسى أن يأمرهم بالسحر ) فلما ألقوا ( أي حبالهم وعصيهم ) سحروا أعين الناس ( أي قلبوها وغيروها عن صحة إدراكها بما جاءوا به من التمويه والتخييل الذى يفعله المشعوذون وأهل الخفة ) واسترهبوهم ( أي أدخلوا الرهبة فى قلوبهم إدخالا شديدا ) وجاؤوا بسحر عظيم ( في أعين الناظرين لما جاءوا به وإن كان لا حقيقة له في الواقع
الأعراف : ( 117 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
قوله ) وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك ( أمره الله سبحانه عند أن جاء السحرة بما جاءوا به من السحر أن يلقى عصاه ) فإذا هي ( أي العصا ) تلقف ما يأفكون ( قرأ حفص ) تلقف ( بإسكان اللام وتخفيف القاف من لقف يلقف
وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد القاف من تلقف يتلقف يقال لقفت الشيء وتلقفته إذا أخذته أو بلغته قال أبو حاتم وبلغني في بعض القراءات تلقم بالميم والتشديد قال الشاعر أنت عصا موسى التي لم تزل
تلقم ما يأفكه الساحر
و ) ما ( في ) ما يأفكون ( مصدرية أو موصولة أي إفكهم أو ما يأفكونه سماه إفكا لأنه لا حقيقة له في الواقع بل هو كذب وزور وتمويه وشعوذة
الأعراف : ( 118 ) فوقع الحق وبطل . . . . .
) فوقع الحق ( أي ظهر وتبين لما جاء به موسى ) وبطل ما كانوا يعملون ( من سحرهم أي تبين بطلانه
الأعراف : ( 119 ) فغلبوا هنالك وانقلبوا . . . . .
) فغلبوا ( أي السحرة ) هنالك ( أي في الموقف الذى أظهروا فيه سحرهم ) وانقلبوا ( من ذلك الموقف ) صاغرين ( أذلاء مقهورين
الأعراف : ( 120 ) وألقي السحرة ساجدين
) وألقي السحرة ساجدين ( أي خروا ساجدين كأنما ألقاهم ملق على هيئة السجود أو لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا أنفسهم
الأعراف : ( 121 - 122 ) قالوا آمنا برب . . . . .
وجملة ) قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ماذا قالوا عند سجودهم أو في سجودهم وإنما قالوا هذه المقالة وصرحوا


"""""" صفحة رقم 233 """"""
بأنهم آمنوا برب العالمين ثم لم يكتفوا بذلك حتى قالوا رب موسى وهارون لئلا يتوهم متوهم من قوم فرعون المقرين بإلهيته أن السجود له
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ثم بعثنا من بعدهم موسى ( قال إنما سمى موسى لأنه ألقى بين ماء وشجر فالماء بالقبطية مو والشجر سي وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أن فرعون كان فارسيا من أهل إصطخر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج أيضا عن ابن لهيعة أنه كان من أبناء مصر وأخرج أيضا وأبو الشيخ عن محمد بن المنكدر قال عاش فرعون ثلثمائة سنة وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة أن فرعون كان قبطيا ولد زنا طوله سبعة أشبار
وأخرج أيضا عن الحسن قال كان علجا من همذان وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم بن مقسم الهذلي قال مكث فرعون أربعمائة سنة لم يصدع له رأس وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فألقى عصاه ( قال ذكر لنا أن تلك العصا عصا آدم أعطاه إياها ملك حين توجه إلى مدين فكانت تضيء بالليل ويضرب بها الأرض بالنهار فتخرج له رزقه ويهش بها على غنمه ) فإذا هي ثعبان مبين ( قال حية تكاد تساوره وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لقد دخل موسى على فرعون وعليه زرمانقة من صوف ما تجاوز مرفقيه فاستأذن على فرعون فقال أدخلوه فدخل فقال إن إلهى أرسلني إليك فقال للقوم حوله ما علمت لكم من إله غيري خذوه قال إني قد جئتك بآية قال فائت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فصارت ثعبانا بين لحييه ما بين السقف إلى الأرض وأدخل يده في جيبه فأخرجها مثل البرق تلتمع الأبصار فخروا على وجوههم وأخذ موسى عصاه ثم خرج ليس أحد من الناس إلا نفر منه فلما أفاق وذهب عن فرعون الروع قال للملأ حوله ماذا تأمروني ) قالوا أرجه وأخاه ( ولا تأتنا به ولا يقربنا ) وأرسل في المدائن حاشرين ( وكانت السحرة يخشون من فرعون فلما أرسل إليهم قالوا قد احتاج إليكم إلهكم قال إن هذا فعل كذا وكذا قالوا إن هذا ساحر سحر ) إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين ( وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال عصى موسى اسمها ماشا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عنه في قوله ) فإذا هي ثعبان مبين ( قال الحية الذكر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) فإذا هي ثعبان مبين ( قال الذكر من الحيات فاتحة فمها واضعة لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه فلما رآها ذعر منها ووثب فأحدث ولم يكن يحدث قبل ذلك فصاح يا موسى خذها وأنا أومن بربك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذها موسى فصارت عصا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) أرجه ( قال أخره وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال احبسه وأخاه
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس من طرق في قوله ) وأرسل في المدائن حاشرين ( قال الشرط وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) وجاء السحرة ( قال كانوا سبعين رجلا أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء
وقد اختلف كلمة السلف في عددهم فقيل كانوا سبعين كما قال ابن عباس وقيل كانوا اثنى عشر وقيل خمسة عشر ألفا وقيل سبع عشر ألفا وقيل تسعة عشر ألفا وقيل ثلاثين ألفا وقيل سبعين ألفا وقيل ثمانين ألفا وقيل ثلثمائة ألف وقيل تسعمائة ألف وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) إن لنا لأجرا ( أي عطاء وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فلما ألقوا ( قال ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا فأقبلت يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال ألقى موسى


"""""" صفحة رقم 234 """"""
عصاه فأكلت كل حية لهم فلما رأوا ذلك سجدوا وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) تلقف ما يأفكون ( قال ما يكذبون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) تلقف ما يأفكون ( قال تسترط حبالهم وعصيهم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن مسعود وناس من الصحابة قال التقى موسى وأمير السحرة فقال له موسى أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي وتشهد أن ما جئت به حق فقال الساحر لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر فوالله لئن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أنه حق وفرعون ينظر إليهما وهو قول فرعون ) إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ( وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي قال لما خر السحرة سجدا رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها
سورة الأعراف الآية ( 123 129 )
الأعراف : ( 123 ) قال فرعون آمنتم . . . . .
قوله ) آمنتم به ( قرئ بحذف الهمزة على الإخبار وبإثباتها أنكر على السحرة فرعون إيمانهم بموسى قبل أن يأذن لهم بذلك ثم قال بعد الإنكار عليهم مبينا لما هو الحامل لهم على ذلك فى زعمه ) إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ( أي حيلة احتلتموها أنتم وموسى عن مواطأة بينكم سابقة ) لتخرجوا ( من مدينة مصر ) أهلها ( من القبط وتستولوا عليها وتسكنوا فيها أنتم وبنو إسرائيل ومعنى ) في المدينة ( أن هذه الحيلة والمواطأة كانت بينكم وأنتم بالمدينة مدينة مصر قبل أن تبرزوا أنتم وموسى إلى هذه الصحراء ثم هددهم بقوله ) فسوف تعلمون ( عاقبة صنعكم هذا وسوء مغبته
الأعراف : ( 124 ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم . . . . .
ثم لم يكتف بهذا الوعيد المجمل بل فصله فقال ) لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ( أي الرجل اليمنى واليد اليسرى أو الرجل اليسرى واليد اليمنى ثم لم يكتف عدو الله بهذا بل جاوزه إلى غيره فقال ) ثم لأصلبنكم ( في جذوع النخل أي أجعلكم عليها مصلوبين زيادة تنكيل بهم وإفراطا في تعذيبهم
الأعراف : ( 125 ) قالوا إنا إلى . . . . .
وجملة ) قالوا إنا إلى ربنا منقلبون ( استئنافية جواب سؤال كما تقدم ومعناه إنك وإن فعلت بنا هذا الفعل فتعده يوم الجزاء سيجازيك


"""""" صفحة رقم 235 """"""
الله بصنعك ويحسن إلينا بما أصابنا في ذاته فتوعدوه بعذاب الله في الآخرة لما توعدهم بعذاب الدنيا ويحتمل أن يكون المعنى ) إنا إلى ربنا منقلبون ( بالموت أي لا بد من الموت ولا يضرنا كونه بسبب منك
الأعراف : ( 126 ) وما تنقم منا . . . . .
قوله ) وما تنقم منا ( قرأ الحسن بفتح القاف قال الأخفش هى لغة وقرأ الباقون بكسرها يقال نقمت الأمر أنكرته أي لست تعيب علينا وتنكر منا ) إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ( مع أن هذا هو الشرف العظيم والخير الكامل ومثله لا يكون موضعا للعيب ومكانا للإنكار بل هو حقيق بالثناء الحسن والاستحسان البالغ ثم تركوا خطابه وقطعوا الكلام معه والتفتوا إلى خطاب الجناب العلى مفوضين الأمر إليه طالبين منه عز وجل أن يثبتهم على هذه المحنة بالصبر قائلين ) ربنا أفرغ علينا صبرا ( الإفراغ الصب أي اصببه علينا حتى يفيض ويغمرنا طلبوا أبلغ أنواع الصبر استعدادا منهم لما سينزل بهم من العذاب من عدو الله وتوطينا لأنفسهم على التصلب في الحق وثبوت القدم على الإيمان ثم قالوا ) وتوفنا مسلمين ( أي توفنا إليك حال ثبوتنا على الإسلام غير محرفين ولا مبدلين ولا مفتونين ولقد كان ما هم عليه من السحر والمهارة في علمه مع كونه شرا محضا سببا للفوز بالسعادة لأنهم علموا أن هذا الذى جاء به موسى خارج عن طوق البشر وأنه من فعل الله سبحانه فوصلوا بالشر إلى الخير ولم يحصل من غيرهم ممن لا يعرف هذا العلم من أتباع فرعون ما حصل منهم من الإذعان والاعتراف والإيمان وإذا كانت المهارة فى علم الشر قد تأتي بمثل هذه الفائدة فما بالك بالمهارة فى علم الخير اللهم انفعنا بما علمتنا وثبت أقدامنا على الحق وأفرغ علينا سجال الصبر وتوفنا مسلمين
الأعراف : ( 127 ) وقال الملأ من . . . . .
قوله ) وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ( هذا الاستفهام منهم للإنكار عليه أي أتتركه وقومه ليفسدوا في الأرض بإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل والمراد بالأرض هنا أرض مصر قوله ) ويذرك وآلهتك ( قرأ نعيم بن ميسرة ) ويذرك ( بالرفع على تقدير المبتدأ أي وهو يذرك أو على العطف على ) أتذر موسى ( أي أتذره ويذرك وقرأ الأشهب العقيلي ) ويذرك ( بالجزم إما على التخفيف للسكون بثقل الضمة أو على ما قيل فيه ) وأكن من الصالحين ( في توجيه الجزم وقرأ أنس بن مالك ? ونذرك ? بالنون والرفع ومعناه أنهم أخبروا عن أنفسهم بأنهم سيذرونه وآلهته وقرأ الباقون ) ويذرك ( بالنصب بأن مقدرة على أنه جواب الاستفهام والواو نائبة عن الفاء أو عطفا على ? يفسدوا ? أي ليفسدوا وليذرك لأنهم على الفساد في زعمهم وهو يؤدي إلى ترك فرعون وآلهته
واختلف المفسرون في معنى ) وآلهتك ( لكون فرعون كان يدعى الربوبية كما في قوله ) ما علمت لكم من إله غيري ( وقوله ) أنا ربكم ( فقيل معنى وآلهتك وطاعتك وقيل معناه وعبادتك ويؤيده قراءة علي وابن عباس والضحاك ) وآلهتك ( وفى حرف أبى ? أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركوك أن يعبدوك ? وقيل إنه كان يعبد بقرة وقيل كان يعبد النجوم وقيل كان له أصنام يعبدها قومه تقربا إليه فنسبت إليه ولهذا قال ) أنا ربكم الأعلى ( قاله الزجاج وقيل كان يعبد الشمس فقال فرعون مجيبا لهم ومثبتا لقلوبهم على الكفر ) سنقتل أبناءهم ( قرأ نافع وابن كثير ) سنقتل ( بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد أي سنقتل الأبناء ونستحي النساء أي نتركهن فى الحياة ولم يقل سنقتل موسى لأنه يعلم أنه لا يقدر عليه ) وإنا فوقهم قاهرون ( أي مستعلون عليهم بالقهر والغلبة أو هم تحت قهرنا وبين أيدينا ما شئنا أن نفعله بهم فعلناه
الأعراف : ( 128 ) قال موسى لقومه . . . . .
وجملة ) قال موسى لقومه ( مستأنفة جواب سؤال مقدر لما بلغ موسى ما قاله فرعون أمر قومه بالاستعانة بالله والصبر على المحنة ثم أخبرهم ) إن الأرض ( يعني أرض مصر ) لله يورثها من يشاء من عباده ( أو جنس الأرض وهو وعد من موسى لقومه بالنصر على فرعون وقومه وأن الله سيورثهم أرضهم وديارهم ثم بشرهم بأن العاقبة للمتقين أي العاقبة المحمودة


"""""" صفحة رقم 236 """"""
في الدنيا والآخرة للمتقين من عباده وهم موسى ومن معه وعاقبة كل شيء آخره وقرئ ) والعاقبة ( بالنصب عطفا على الأرض
الأعراف : ( 129 ) قالوا أوذينا من . . . . .
وجملة ) قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كالتى قبلها أي أوذينا من قبل أن تأتينا رسولا وذلك بقتل فرعون أبناءنا عند مولدك لما أخبر بأنه سيولد مولود يكون زوال ملكه على يده ) ومن بعد ما جئتنا ( رسولا بقتل ابنائنا الآن وقيل المعنى أوذينا من قبل أن تأتينا باستعمالنا في الأعمال الشاقة بغير جعل ) ومن بعد ما جئتنا ( بما صرنا فيه الآن من الخوف على أنفسنا وأولادنا وأهلنا وقيل إن الأذى من قبل ومن بعد واحد وهو قبض الجزية منهم وجملة ) قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ( مستأنفة كالتى قبلها وعدهم بإهلاك الله لعدوهم وهو فرعون وقومه قوله ) ويستخلفكم في الأرض ( هو تصريح بما رمز إليه سابقا من أن الأرض لله وقد حقق الله رجاءه وملكوا مصر في زمان داود وسليمان وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون وأهلك فرعون وقومه بالغرق وأنجاهم ) فينظر كيف تعملون ( من الأعمال بعد أن يمن عليكم بإهلاك عدوكم ) ويستخلفكم في الأرض ( فيجازيكم بما عملتم فيه من خير وشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة ( إذا التقيتما لتظاهرا فتخرجا منها أهلها ) لأقطعن أيديكم ( الآية قال فقتلهم وقطعهم كما قال وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان أول من صلب فرعون وهو أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله ) من خلاف ( قال يدا من هاهنا ورجلا من هاهنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ( قال من قبل إرسال الله إياك ومن بعده وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في الآية قال قالت بنو إسرائيل لموسى كان فرعون يكلفنا اللبن قبل أن تأتينا فلما جئت كلفنا اللبن مع التين أيضا فقال موسى أي رب أهلك فرعون حتى متى تبقيه فأوحى الله إليه إنهم لم يعملوا الذنب الذى أهلكهم به وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال حزا لعدو الله حاز أنه يولد في العام غلام يسلب ملكك قال فتتبع أولادهم في ذلك العام بذبح الذكر منهم ثم ذبحهم أيضا بعد ما جاءهم موسى وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال إن بنا أهل البيت يفتح ويختم ولا بد أن تقع دولة لنبي هاشم فانظروا فيمن تكون من بني هاشم وفيهم نزلت ) عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ( وينبغى أن ينظر في صحة هذا عن ابن عباس
فالآية نازلة في بني إسرائيل لا فى بني هاشم واقعة في هذه القصة الحاكية لما جرى بين موسى وفرعون
سورة الأعراف الآية ( 130 133 )


"""""" صفحة رقم 237 """"""
سورة الأعراف الآية ( 134 136 )
الأعراف : ( 130 ) ولقد أخذنا آل . . . . .
المراد بآل فرعون هنا قومه والمراد بالسنين الجدب وهذا معروف عند أهل اللغة يقولون أصابتهم سنة أي جدب سنة وفى الحديث اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف وأكثر العرب يعربون السنين إعراب جمع المذكر السالم ومن العرب من يعربه إعراب المفرد ويجرى الحركات على النون وأنشد الفراء أرى مر السنين أخذن منى
كما أخذ السرار من الهلال
بكسر النون من السنين قال النحاس وأنشد سيبويه هذا البيت بفتح النون
أقول قد ورد ما لا احتمال فيه وهو قول الشاعر وماذا تزدرى الأقوام مني
وقد جاوزت حد الأربعين
وبعده أخو الخمسين مجتمع أشدى
وتجذبنى مداورة السنين
فإن الأبيات قبله وبعده مكسورة وأول هذه الأبيات أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني
وحكى الفراء عن بني عامر أنهم يقولون أقمت عنده سنينا مصروفا قال وبنو تميم لا يصرفونه ويقال أسنت القوم أي أجدبوا ومنه قول ابن الزبعري ورجال مكة مسنتون عجاف
) ونقص من الثمرات ( بسبب عدم نزول المطر وكثرة العاهات ) لعلهم يذكرون ( فيتعظون ويرجعون عن غوايتهم
الأعراف : ( 131 ) فإذا جاءتهم الحسنة . . . . .
قوله ) فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه ( أي الخصلة الحسنة من الخصب بكثرة المطر وصلاح الثمرات ورخاء الأسعار ) قالوا لنا هذه ( أي أعطيناها باستحقاق وهى مختصة بنا ) وإن تصبهم سيئة ( أي خصلة سيئة من الجدب والقحط وكثرة الأمراض ونحوها من البلاء ) يطيروا بموسى ومن معه ( أي تشاءموا بموسى ومن معه من المؤمنين به والأصل يتطيروا أدغمت التاء في الطاء وقرأ طلحة ? تطيروا ? على أنه فعل ماض وقد كانت العرب تتطير بأشياء من الطيور والحيوانات ثم استعمل بعد ذلك في كل من تشاءم بشيء ومثل هذا قوله تعالى ) وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ( قل ووجه تعريف الحسنة أنها كثيرة الوقوع ووجه تنكير السيئة ندرة وقوعها قوله ) ألا إنما طائرهم عند الله ( أي سبب خيرهم وشرهم بجميع ما ينالهم من خصب وقحط وهو من عند الله ليس بسبب موسى ومن معه وكان هذا الجواب على نمط ما يعتقدونه وبما يفهمونه ولهذا عبر بالطائر عن الخير والشر الذي يجرى بقدر الله وحكمته ومشيئته ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( بهذا بل ينسبون الخير والشر إلى غير الله جهلا منهم وقرأ الحسن ? طيرهم ?
الأعراف : ( 132 ) وقالوا مهما تأتنا . . . . .
قوله ) وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ( قال الخليل أصل مهما ما الشرطية زيدت عليه ما التى للتوكيد كما تزاد في سائر الحروف مثل حيثما وأينما وكيفما ومتى ما ولكنهم كرهوا


"""""" صفحة رقم 238 """"""
اجتماع المثلين فأبدلوا ألف الأولى هاء وقال الكسائي أصله مه أي اكفف ما تأتينا به من آية وزيدت عليها ما الشرطية وقيل هى كلمة مفردة يجازى بها ومحل مهما الرفع على الابتداء أو النصب بفعل يفسره ما بعدها ومن آية لبيان مهما وسموها آية استهزاء بموسى كما يفيده ما بعده وهو ) لتسحرنا بها ( أي لتصرفنا عما نحن عليه كما يفعله السحرة بسحرهم والضمير فى به عائد إلى مهما والضمير في بها عائد إلى آية وقيل إنهما جميعا عائدان إلى مهما وتذكير الأول باعتبار اللفظ وتأنيث الثاني باعتبار المعنى ) فما نحن لك بمؤمنين ( جواب الشرط أي فما نحن لك بمصدقين اخبروا عن أنفسهم أنهم لا يؤمنون بشيء مما يجئ به من الآيات التى هى في زعمهم من السحر
الأعراف : ( 133 ) فأرسلنا عليهم الطوفان . . . . .
فعند ذلك نزلت بهم العقوبة من الله عز وجل المبينة بقوله ) فأرسلنا عليهم الطوفان ( وهو المطر الشديد
قال الأخفش واحدة طوفانة وقيل هو مصدر كالرجحان والنقصان فلا واحد له وقيل الطوفان الموت
وقال النحاس الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل أي ما يطيف بهم فيهلكهم ) والجراد ( هو الحيوان المعروف أرسله الله لأكل زروعهم فأكلها ) والقمل ( قيل هى الدباء والدباء الجراد قبل أن تطير وقيل هى السوس وقيل البراغيث وقيل دواب سود صغار وقيل ضرب من القردان وقيل الجعلان قال النحاس يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم وقرأ الحسن ? القمل ? بفتح القاف وإسكان الميم وقرأ الباقون بضم القاف وفتح الميم مشددة وقد فسر عطاء الخراساني ? القمل ? بالقمل ) والضفادع ( جمع ضفدع وهو الحيوان المعروف الذى يكون في الماء ) والدم ( روى أنه سال النيل عليهم دما وقيل هو الرعاف قوله ) آيات مفصلات ( أي مبينات قال الزجاج هو منصوب على الحال والمعنى أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات بينات ظاهرات ) فاستكبروا ( أي ترفعوا عن الإيمان بالله ) وكانوا قوما مجرمين ( لا يهتدون إلى حق ولا ينزعون عن باطل
الأعراف : ( 134 ) ولما وقع عليهم . . . . .
قوله ) ولما وقع عليهم الرجز ( أي العذاب بهذه الأمور التى أرسلها الله عليهم وقرئ بضم الراء وهما لغتان وقيل كان هذا الرجز طاعونا مات به من القبط في يوم واحد سبعون ألفا ) قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ( أي بما استودعك من العلم أو بما اختصك به من النبوة أو بما عهد إليك أن تدعو به فيجيبك والباء متعلقة بادع على معنى أسعفنا إلى ما نطلب من الدعاء بحق ما عندك من عهد الله أو ادع لنا متوسلا إليه بعهده عندك وقيل إن الباء للقسم وجوابه لنؤمنن أي أقسمنا بعهد الله عندك ) لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ( على أن جواب الشرط سد مسد جواب القسم وعلى أن الباء ليست للقسم تكون اللام في ) لئن كشفت عنا الرجز ( جواب قسم محذوف و ) لنؤمنن ( جواب الشرط ساد مسد جواب القسم ) ولنرسلن معك بني إسرائيل ( معطوف على لنؤمنن وقد كانوا حابسين لبني إسرائيل عندهم يمتهنونهم في الأعمال فوعدوه بإرسالهم معه
الأعراف : ( 135 ) فلما كشفنا عنهم . . . . .
) فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه ( أي رفعنا عنهم العذاب عند أن رجعوا إلى موسى وسألوه بما سألوه لكن لا رفعا مطلقا بل رفعا مقيدا بغاية هى الأجل المضروب لإهلاكهم بالغرق وجواب لما ) إذا هم ينكثون ( أي ينقضون ما عقدوه على أنفسهم وإذا هى الفجائية أي فاجئوا النكث وبادروه
الأعراف : ( 136 ) فانتقمنا منهم فأغرقناهم . . . . .
) فانتقمنا منهم ( أي أردنا الانتقام منهم لما نكثوا بسبب ما تقدم لهم من الذنوب المتعددة ) فأغرقناهم في اليم ( أي في البحر قيل هو الذى لا يدرك قعره وقل هو لجته وأوسطه وجملة ) بأنهم كذبوا بآياتنا ( تعليل للإغراق ) وكانوا عنها غافلين ( معطوف على كذبوا أي كانوا غافلين عن النقمة المدلول عليها بانتقمنا أو عن الآيات التى لم يؤمنوا بها بل كذبوا بها وكانوا في تكذيبهم بمنزلة الغافلين عنها والثاني أولى لأن الجملتين تعليل للإغراق
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود ) ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين (


"""""" صفحة رقم 239 """"""
قال السنين الجوع وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال السنين الجوائح ) ونقص من الثمرات ( دون ذلك وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما أخذ الله آل فرعون بالسنين يبس كل شيء لهم وذهبت مواشيهم حتى يبس نيل مصر واجتمعوا إلى فرعون فقالوا إن كنت كما تزعم فائتنا في نيل مصر بماء قال غدوة يصبحكم الماء فلما خرجوا من عنده قال أي شئ صنعت إن لم أقدر على أن أجري في نيل مصر ماء غدوة كذبوني فلما كان جوف الليل قام فاغتسل وليس مدرعة صوف ثم خرج حافيا حتى أتى نيل مصر فقال اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر على أن تملأ نيل مصر ماء فأملأه ماء فما علم إلا بجزر الماء يقبل فخرج وأقبل النيل يزخ بالماء لما أراد الله بهم من الهلكة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فإذا جاءتهم الحسنة ( قال العافية والرخاء ) قالوا لنا هذه ( نحن أحق بها ) وإن تصبهم سيئة ( قال بلاء وعقوبة ) يطيروا بموسى ( قال يتشاءموا به وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) ألا إنما طائرهم عند الله ( قال الأمر من قبل الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الطوفان الموت قال ابن كثير هو حديث غريب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال الطوفان الغرق وأخرج هؤلاء عن مجاهد قال الطوفان الموت على كل حال وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال الطوفان مطروا دائما بالليل والنهار ثمانية أيام والقمل الجراد الذى له أجنحة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال الطوفان أمر من أمر ربك ثم قرأ ) فطاف عليها طائف من ربك ( وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال الطوفان الماء والطاعون والجراد قال يأكل مسامير أرتجهم يعني أبوابهم وثيابهم والقمل الدباء والضفادع تسقط على فرشهم وفى أطعمتهم والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال القمل الدباء واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال كانت الضفادع برية فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف نفسها في القدر وهى تغلى وفى التنانير وهى تفور
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال سال النيل دما فكان الإسرائيلي يستقى ماء طيبا ويستقى الفرعوني دما ويشتركان في إناء واحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيبا وما يلي الفرعوني دما وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله ) والدم ( قال سلط الله عليهم الرعاف وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين سنة يريهم الآيات والجراد والقمل والضفادع وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله ) آيات مفصلات ( قال كانت آيات مفصلات يتبع بعضها بعضا ليكون لله الحجة عليهم وأخرج ابن المنذر عنه قال يتبع بعضها بعضا تمكث فيهم سبتا إلى سبت ثم ترفع عنهم شهرا وأخرج ابن مردويه عن عائشة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الرجز العذاب وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال الرجز الطاعون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إلى أجل هم بالغوه ( قال الغرق وأخرج ابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس قال اليم البحر وأخرج أيضا عن السدي مثله


"""""" صفحة رقم 240 """"""
سورة الأعراف الآية ( 137 141 )
الأعراف : ( 137 ) وأورثنا القوم الذين . . . . .
قوله ) وأورثنا القوم ( يعنى بني إسرائيل ) الذين كانوا يستضعفون ( أي يذلون ويمتهون بالخدمه لفرعون وقومه ) مشارق الأرض ومغاربها ( منصوبان بأورثنا وقال الكسائى والفراء إن الأصل فى مشارق الأرض ومغاربها ثم حذفت ) في ( فنصبا والأول أظهر لأنه يقال أورثته المال والأرض هى مصر الشام ومشارقها جهات مشرقها ومغاربها جهات مغاربها وهى التى كانت لفرعون وقومه من القبط وقيل المراد جميع الأرض لأن داود وسليمان من بني إسرائيل وقد ملكا الأرض قوله ) التي باركنا فيها ( صفة للمشارق والمغارب وقيل صفة الأرض والمباركة فيها إخراج الزرع والثمار منها على أتم ما يكون وأنفع ما ينفق قوله ) وتمت كلمة ربك الحسنى ( أي مضت واستمرت على التمام والكلمة هى ) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( وهذا وعد من الله سبحانه بالنصر والظفر بالأعداء والاستيلاء على أملاكهم والحسنى صفة للكلمة وهى تأنيث الأحسن وتمام هذه الكلمة ) على بني إسرائيل ( بسبب صبرهم على ما أصيبوا به من فرعون وقومه قوله ) ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ( التدمير الإهلاك أي أهلكنا بالخراب ما كانوا يصنعونه من العمارات ) وما كانوا يعرشون ( قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ) يعرشون ( بضم الراء قال الكسائي هى لغة تميم وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة ) يعرشون ( بتشديد الراء وضم حرف المضارعة وقرأ الباقون بكسر الراء مخففة أي ما كانوا يعرشونه من الجنات ومنه قوله تعالى ) وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ( وقيل معنى يعرشون يبنون يقال عرش يعرش أي بنى يبنى
الأعراف : ( 138 ) وجاوزنا ببني إسرائيل . . . . .
قوله ) وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ( هذا شروع فى بيان ما فعله بنو إسرائيل بعد الفراغ مما فعله فرعون وقومه ومعنى جاوزنا ببني إسرائيل البحر جزناه بهم وقطعناه وقرئ جوزنا بالتشديد وهو بمعنى قراءة الجمهور ) فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ( قرأ حمزة والكسائي ) يعكفون ( بكسر الكاف وقرأ الباقون بضمها يقال عكف يعكف ويعكف بمعنى أقام على الشئ ولزمه والمصدر منهما عكوف قيل هؤلاء القوم الذين أتاهم بنو إسرائيل هم من لخم كانوا نازلين بالرقة كانت أصنامهم تماثيل بقر وقيل كانوا من الكنعانيين ) قالوا ( أي بنو إسرائيل عند مشاهدتهم لتلك التماثيل ) يا موسى اجعل لنا إلها ( أي صنما نعبده كائنا كالذى لهؤلاء القوم فالكاف متعلق بمحذوف وقع صفة لإلها فأجاب عليهم موسى و ) قال إنكم قوم تجهلون ( وصفهم بالجهل لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله ولكن هؤلاء القوم أعني بنى إسرائيل أشد خلق الله عنادا وجهلا وتلونا وقد سلف في سورة البقرة بيان


"""""" صفحة رقم 241 """"""
ما جرى منهم من ذلك
الأعراف : ( 139 ) إن هؤلاء متبر . . . . .
ثم قال لهم موسى ) إن هؤلاء ( يعني القوم العاكفين على الأصنام ) متبر ما هم فيه ( التبار الهلاك وكل إناء منكسر فهو متبر أي أن هؤلاء هالك ما هم فيه مدمر مكسر والذى هم فيه هو عبادة الأصنام أخبرهم بأن هذا الدين الذى هؤلاء القوم عليه هالك مدمر لا يتم منه شيء قوله ) وباطل ما كانوا يعملون ( أي ذاهب مضمحل جميع ما كانوا يعملونه من الأعمال مع عبادتهم للأصنام قال في الكشاف وفى إيقاع هؤلاء اسما لإن وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرا لها وسم لعبدة الأصنام بأنهم هم المعرضون للتيار وأنه لا يعدوهم ألبتة وأنه لهم ضربه لازب ليحذرهم عاقبة ما طلبوا وتبغض إليهم ما أحبوا
الأعراف : ( 140 ) قال أغير الله . . . . .
قوله ) أغير الله أبغيكم إلها ( الاستفهام للإنكار والتوبيخ أي كيف أطلب لكم غير الله إلها تعبدونه وقد شاهدتم من آياته العظام ما يكفى البعض منه والمعنى أن هذا الذى طلبتم لا يكون أبدا وإدخال الهمزة على غير للإشعار بأن المنكر هو كون المبتغى غيره سبحانه إلها وغير مفعول للفعل الذى بعده وإلها تمييز أو حال وجملة ) وهو فضلكم على العالمين ( في محل نصب على الحال أي والحال أنه فضلكم على العالمين من أهل عصركم بما أنعم به عليكم من إهلاك عدوكم واستخلافكم في الأرض وإخراجكم من الذل والهوان إلى العز والرفعة فكيف تقابلون هذه النعم بطلب عبادة غيره
الأعراف : ( 141 ) وإذ أنجيناكم من . . . . .
قوله ) وإذ أنجيناكم من آل فرعون ( أي واذكروا وقت إنجائنا لكم من آل فرعون بعد أن كانوا مالكين لكم يستعبدونكم فيما يريدونه منكم ويمتهنونكم بأنواع الامتهانات هذا على أن هذا الكلام محكى عن موسى وأما إذا كان في حكم الخطاب لليهود الموجودين في عصر محمد فهو بمعنى اذكروا إذ أنجينا أسلافكم من آل فرعون وجملة ) يسومونكم سوء العذاب ( فى محل نصب على الحال أي أنجيناكم من آل فرعون حال كونهم ) يسومونكم سوء العذاب ( ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان ما كانوا فيه مما أنجاهم منه وجملة ) يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم ( مفسرة للجملة التى قبلها أو بدل منها وقد سبق بيان ذلك والإشارة بقوله ) وفي ذلكم ( إلى العذاب أي في هذا العذاب الذى كنتم فيه ) بلاء ( عليكم ) من ربكم عظيم ( وقيل الإشارة إلى الإنجاء والبلاء النعمة والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ( قال الشام وأخرج هؤلاء عن قتادة مثله وأخرج ابن عساكر عن زيد بن أسلم نحوه وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن شوذب قال هى فلسطين وقد روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في فضل الشام أحاديث ليس هذا موضع ذكرها وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وتمت كلمة ربك الحسنى ( قال ظهور قوم موسى على فرعون وتمكين الله لهم في الأرض وما ورثهم منها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وما كانوا يعرشون ( قال يبنون وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ( قال لخم وجذام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال تماثيل بقر من نحاس فلما كان عجل السامري شبه لهم أنه من تلك البقر فذلك كان أول شأن العجل ليكون لله عليهم الحجة فينتقم منهم بعد ذلك وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي واقد الليثي قال خرجنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل حنين فمررنا بسدرة فقلت يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها


"""""" صفحة رقم 242 """"""
فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم وأخرج نحوه ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وكثير ضعيف جدا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) متبر ( قال خسران وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال هلاك
سورة الأعراف الآية ( 142 )
الأعراف : ( 142 ) وواعدنا موسى ثلاثين . . . . .
هذا من جملة ما كرم الله به موسى عليه السلام وشرفه والثلاثين هى ذو القعدة والعشر هى عشر ذي الحجة ضرب الله هذه المدة موعدا لمناجاة موسى ومكالمته قيل وكان التكليم في يوم النحر والفائدة فى ) فتم ميقات ربه أربعين ليلة ( مع العلم بأن الثلاثين والعشر أربعون ليلا يتوهم وأن المراد أتممنا الثلاثين بعشر منها فبين أن العشر غير الثلاثين وأربعين ليلة منصوب على الحال أي فتم حال كونه بالغا أربعين ليلة قوله ) وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي ( أي كن خليفتي فيهم قال موسى هذا لما أراد المضي إلى المناجاة ) وأصلح ( أمر بني إسرائيل بحسن سياستهم والرفق بهم وتفقد أحوالهم ) ولا تتبع سبيل المفسدين ( أي لا تسلك سبيل العاصين ولا تكن عونا للظالمين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله ) وواعدنا موسى ( الآية قال ذو القعدة وعشر من ذي الحجة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال إن موسى قال لقومه إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه وأخلف هارون فيكم فلما فصل موسى إلى ربه زاده الله عشرا فكانت فتنتهم في العشر التى زاده الله فلما مضى ثلاثون ليلة كان السامري قد أبصر جبريل فأخذ من أثر الفرس قبضة من تراب ثم ذكر قصة السامري
سورة الأعراف الآية ( 143 145 )


"""""" صفحة رقم 243 """"""
سورة الأعراف الآية ( 146 147 )
الأعراف : ( 143 ) ولما جاء موسى . . . . .
اللام في ) لميقاتنا ( للاختصاص أي كان مجيئه مختصا بالميقات المذكور بمعنى أنه جاء في الوقت الموعود ) وكلمه ربه ( أي أسمعه كلامه من غير واسطة قوله ) أرني أنظر إليك ( أي أرني نفسك أنظر إليك أي سأله النظر إليه اشتياقا إلى رؤيته لما أسمعه كلامه وسؤال موسى للرؤية يدل على أنها جائزة عنده في الجملة ولو كانت مستحيلة عنده لما سألها والجواب بقوله ) لن تراني ( يفيد أنه لا يراه هذا الوقت الذى طلب رؤيته فيه أو أنه لا يرى ما دام الرائي حيا في دار الدنيا وأما رؤيته في الآخرة فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواترا لا يخفى على من يعرف السنة المطهرة والجدال في مثل هذا والمراوغة لا تأتي بفائدة ومنهج الحق واضح ولكن الإعتقاد لمذهب نشأ الإنسان عليه وأدرك عليه آباءه وأهل بلده مع عدم التنبه لما هو المطلوب من العباد من هذه الشريعة المطهرة يوقع في التعصب والمتعصب وإن كان بصره صحيحا فبصيرته عمياء وأذنه عن سماع الحق صماء يدفع الحق وهو يظن أنه ما دفع غير الباطل ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق غفلة منه وجهلا بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح وتلقى ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم وما أقل المنصفين بعد ظهوره هذه المذاهب في الأصول والفروع فإنه صار بها باب الحق مرتجا وطريق الإنصاف مستوعرة والأمر لله سبحانه والهداية منه يأبى الفتى إلا اتباع الهوى
ومنهج الحق له واضح
وجملة ) قال لن تراني ( مستأنفة لكونها جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل فما قال الله له والاستدراك بقوله ) ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ( معناه أنك لا تثبت لرؤيتي ولا يثبت لها ما هو أعظم منك جرما وصلابة وقوة وهو الجبل فانظر إليه ) فإن استقر مكانه ( ولم يتزلزل عنه رؤيتي له ) فسوف تراني ( وإن ضعف عن ذلك فأنت منه أضعف فهذا الكلام بمنزلة ضرب المثل لموسى عليه السلام بالجبل وقيل هو من باب التعليق بالمحال وعلى تسليم هذا فهو في الرؤية في الدنيا لما قدمنا
وقد تمسك بهذه الآية كلا طائفتي المعتزلة والأشعرية فالمعتزلة استدلوا بقوله ) لن تراني ( وبأمره بأن ينظر إلى الجبل والأشعرية قالوا إن تعليق الرؤية باستقرار الجبل يدل على أنها جائزة غير ممتنعة ولا يخفاك أن الرؤية الأخروية هى بمعزل عن هذا كله والخلاف بينهم هو فيها لا فى الرؤية في الدنيا فقد كان الخلاف فيها في زمن الصحابة وكلامهم فيها معروف قوله ) فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ( تجلى معناه ظهر من قولك جلوت العروس أي أبرزتها وجلوت السيف أخلصته من الصدأ وتجلى الشيء انكشف والمعنى فلما ظهر ربه للجبل جعله دكا وقيل المتجلى هو أمره وقدرته قاله قطرب وغيره والدك مصدر بمعنى المفعول أي جعله مدكوكا مدقوقا فصار ترابا هذا على قراءة من قرأ دكا بالمصدر وهم أهل المدينة وأهل البصرة وأما على قراءة أهل الكوفة ) جعله دكاء ( على التأنيث والجمع دكاوات كحمراء وحمراوات وهى اسم للرابية الناشزة من الأرض أو للأرض المستوية فالمعنى أن الجبل صار صغيرا كالرابية أو أرضا مستوية قال الكسائي الدك الجبال العراض واحدها أدك والدكاوات جمع دكاء وهى رواب من طين ليست بالغلاظ والدكادك ما التبد من الأرض


"""""" صفحة رقم 244 """"""
فلم يرتفع وناقة دكاء لا سنام لها ) وخر موسى صعقا ( أي مغشيا عليه مأخوذا من الصاعقة والمعنى أنه صار حاله لما غشى عليه كحال من يغشى عليه عند إصابة الصاعقة له يقال صعق الرجل فهو صعق ومصعوق إذا أصابته الصاعقة ) فلما أفاق ( من غشيته ) قال سبحانك ( أي أنزهك تنزيها من أن أسأل شيئا لم تأذن لي به ) تبت إليك ( عن العود إلى مثل هذا السؤال قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية فإن الأنبياء معصومون وقيل هى توبة من قتله للقبطي ذكره القشيري ولا وجه له فى مثل هذا المقام ) وأنا أول المؤمنين ( بل قبل قومي الموجودين في هذا العصر المعترفين بعظمتك وجلالك
الأعراف : ( 144 ) قال يا موسى . . . . .
وجملة ) قال يا موسى ( مستأنفة كالتى قبلها متضمنة لإكرام موسى واختصاصه بما اختصه الله به والاصطفاء الاجتباء والاختيار أي اخترتك على الناس المعاصرين لك برسالتي كذا قرأ نافع وابن كثير بالإفراد وقرأ الباقون بالجمع والرسالة مصدر والأصل فيه الإفراد ومن جمع فكأنه نظر إلى أن الرسالة هى على ضروب فجمع لاختلاف الأنواع والمراد بالكلام هنا التكليم امتن الله سبحانه عليه بهذين النوعين العظيمين من أنواع الإكرام وهما الرسالة والتكليم من غير واسطة ثم أمره بأن يأخذ ما آتاه أي أعطاه من هذا الشرف الكريم وأمره بأن يكون من الشاكرين على هذا العطاء العظيم والإكرام الجليل
الأعراف : ( 145 ) وكتبنا له في . . . . .
قوله ) وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء ( من كل شئ أي من كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في دينهم ودنياهم وهذه الألواح هى التوراة قيل كانت من زمردة خضراء وقيل من ياقوته حمراء وقيل من زبرجد وقيل من صخرة صماء وقد اختلف في عدد الألواح وفى مقدار طولها وعرضها والألواح جمع لوح وسمى لوحا لكونه تلوح فيه المعاني وأسند الله سبحانه الكتابة إلى نفسه تشريفا للمكتوب في الألواح وهى مكتوبة بأمره سبحانه وقيل هى كتابه خلقها الله في الألواح و ) من كل شيء ( في محل نصب على أنه مفعول ) كتبنا ( و ) موعظة وتفصيلا ( بدل من محل كل شئ أي موعظة لمن يتعظ بها من بنى إسرائيل وغيرهم وتفصيلا للأحكام المحتاجة إلى التفصيل ) فخذها بقوة ( أي خذ الألواح بقوة أي بجد ونشاط وقيل الضمير عائد إلى الرسالات أو إلى كل شئ أو إلى التوراة قيل وهذا الأمر على إضمار القول أي فقلنا له خذها وقيل إن ) فخذها ( بدل من قوله ) فخذ ما آتيتك ( ) وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ( أي بأحسن ما فيها بما أجره أكثر من غيره وهو مثل قوله تعالى ) واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ( وقوله ) فيتبعون أحسنه ( ومن الأحسن الصبر على الغير والعفو عنه والعمل بالعزيمة دون الرخصة وبالفريضة دون النافلة وفعل المأمور به وترك المنهي عنه قوله ) سأريكم دار الفاسقين ( قيل هى أرض مصر التى كانت لفرعون وقومه وقيل منازل عاد ثمود وقيل هى جهنم وقيل منازل الكفار من الجبابرة والعمالقة ليعتبروا بها وقيل الدار الهلاك والمعنى سأريكم هلاك الفاسقين وقد تقدم تحقيق معنى الفسق
الأعراف : ( 146 ) سأصرف عن آياتي . . . . .
قوله ) سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ( قيل معنى ) سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون ( سأمنعهم فهم كتابي وقيل سأصرفهم عن الإيمان بها وقيل سأصرفهم عن نفعها مجازاة على تكبرهم كما في قوله ) فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( وقيل سأطبع على قلوبهم حتى لا يتفكروا فيها ولا يعتبروا بها
واختلف فى تفسير الآيات فقيل هى المعجزات وقيل الكتب المنزلة وقيل هى خلق السموات والأرض وصرفهم عنها أن لا يعتبروا بها ولا مانع من حمل الآيات على جميع ذلك حمل الصرف على جميع المعاني المذكورة و ) بغير الحق ( إما متعلق بقوله ) يتكبرون ( أي يتكبرون بما ليس بحق أو بمحذوف وقع حالا أي يتكبرون متلبسين بغير الحق قوله ) وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ( معطوف على ) يتكبرون ( منتظم معه في حكم الصلة والمعنى


"""""" صفحة رقم 245 """"""
سأصرف عن آياتي المتكبرين التاركين للإيمان بما يرونه من الآيات ويدخل تحت كل آية الآيات المنزلة والآيات التكوينية والمعجزات أي لا يؤمنون بآية من الآيات كائنة ما كانت وقرأ مالك بن دينار ) يروا ( بضم الياء في الموضعين وجملة ) وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ( معطوفة على ما قبلها داخلة في حكمها وكذلك جملة ) وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ( والمعنى أنهم إذا وجدوا سبيلا من سبل الرشد تركوه وتجنبوه وإن رأوا سبيلا من سبل الغي سلكوه واختاروه لأنفسهم قرأ أهل المدينة وأهل البصرة ) الرشد ( بضم الراء وإسكان الشين وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما بفتح الراء والشين قال أبو عبيدة فرق أبو عمرو بين الرشد والرشد فقال الرشد الصلاح والرشد في الدين قال النحاس سيبويه يذهب إلى أن الرشد والرشد كالسخط والسخط قال الكسائي والصحيح عن أبي عمرو وغيره ما قال أبو عبيدة وأصل الرشد في اللغة أن يظفر الإنسان بما يريد وهو ضد الخيبة والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الصرف أي ذلك الصرف بسبب تكذيبهم أو الإشارة إلى التكبر وعدم الإيمان بالآيات وتجنب سبيل الرشد وسلوك سبيل الغي واسم الإشارة مبتدأ وخبره جملة ) بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ( أي بسبب تكذيبهم بالآيات وغفلتهم عنها
الأعراف : ( 147 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
والموصول في ) والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة ( مبتدأ وخبره ) حبطت أعمالهم ( والمراد بلقاء الآخرة لقاء الدار الآخرة أي لقائهم لها أو لقائهم ما وعدوا به فيها على أن الإضافة إلى الظرف وحباط الأعمال بطلانها أي بطلان ما عملوه مما صورته صورة الطاعة كالصدقة والصلة وإن كانوا في حال كفرهم لا طاعات لهم ويحتمل أن يراد أنها تبطل بعد ما كانت مرجوة النفع على تقدير إسلامهم لما في الحديث الصحيح أسلمت على ما أسلفت من خير ) هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ( من الكفر بالله والتكذيب بآياته وتنكب سبيل الحق وسلوك سبيل الغي
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن كعب قال لما كلم الله موسى قال يارب أهكذا كلامك قال يا موسى إنما أكلمك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها ولو كلمتك بكنه كلامي لم تك شيئا
وأخرج البزار وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات من حديث جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما كان الله موسى يوم الطور كلمه بغير الكلام الذى كلمه به يوم ناداه فقال له موسى يارب أهذا كلامك الذى كلمتني به قال يا موسى إنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان ولي قوة الألسن كلها وأقوى من ذلك فلما رجع موسى إلى بنى إسرائيل قالوا يا موسى صف لنا كلام الرحمن فقال لا تستطيعونه ألم تروا إلى أصوات الصواعق التى تقتل في أحلا حلاوة سمعتموه فذاك قريب منه وليس به
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال إنما كلم الله موسى بقدر ما يطيق من كلامه ولو تكلم بكلامه كله لم يطقه شئ فمكث موسى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور رب العالمين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) قال رب أرني أنظر إليك ( يقول أعطني أنظر إليك وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال لما سمع الكلام طمع في الرؤية
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال حين قال موسى لربه تبارك وتعالى ) رب أرني أنظر إليك ( قال الله يا موسى إنك لن تراني قال يقول ليس تراني ولا يكون ذلك أبدا يا موسى إنه لن يراني أحد فيحيا قال موسى رب أني أراك ثم أموت أحب إلي من أن لا أراك ثم أحيا فقال الله لموسى يا موسى انظر إلى الجبل العظيم الطويل الشديد ) فإن استقر مكانه ( يقول فإن ثبت مكانه لم يتضعضع ولم ينهد لبعض ما يرى من عظمتي ) فسوف تراني ( أنت لضعفك وذلتك وإن الجبل انهد بقوته وشدته وعظمته فأنت أضعف وأذل وأخرج أحمد وعبد


"""""" صفحة رقم 246 """"""
ابن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ هذه الآية ) فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ( قال هكذا وأشار بأصبعيه ووضع إبهاميه على أنملة الخنصر وفى لفظ على المفصل الأعلى من الخنصر فساخ الجبل ) وخر موسى صعقا ( وفى لفظ فساخ الجبل في الأرض فهو يهوى فيها إلى يوم القيامة وهذا الحديث حديث صحيح على شرط مسلم وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال الجبل الذى أمره الله أن ينظر إليه الطور وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن ابن عباس ) فلما تجلى ربه للجبل ( قال ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ) جعله دكا ( قال ترابا ) وخر موسى صعقا ( قال مغشيا عليه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والديلمي عن أنس أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة بالمدينة أحد وورقان ورضوى وبمكة حراء وثبير وثور وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما تجلى الله لموسى تطايرت سبعة أجبل ففي الحجاز خمسة منها وفى اليمن اثنان في الحجاز أحد وثبير وحراء وثور وورقان وفى اليمن حضور وصبر وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس أن موسى لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فسأله فقال ) لن تراني ولكن انظر إلى الجبل ( قال فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار وحف حول النار بملائكة وحف حولهم بنار ثم تجلى ربه للجبل تجلى منه مثل الخنصر فجعل الحبل دكا وخر موسى صعقا فلم يزل صعقا ما شاء الله ثم أفاق فقال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين من بنى إسرائيل وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن علي ابن أبي طالب قال كتب الله الألواح لموسى وهو يسمع صريف الأقلام في لوح وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الألواح التى أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح اثنى عشر ذراعا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير قال كانوا يقولون كانت الألواح من ياقوتة وأنا أقول إنما كانت من زمرد وكتابها الذهب كتبها الله بيده فسمع أهل السموات صريف الأقلام
أقول رحم الله سعيدا ما كان أغناه عن هذا الذى قاله من جهة نفسه فمثله لا يقال بالرأي ولا بالحدس والذى يغلب به الظن أن كثيرا من السلف رحمهم الله كانوا يسألون اليهود عن هذه الأمور فلهذا اختلف واضطربت فهذا يقول من خشب وهذا يقول من ياقوت وهذا يقول من زمرد وهذا يقول من زبرجد وهذا يقول من برد وهذا يقول من حجر وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) وكتبنا له في الألواح من كل شيء ( كل شئ أمروا به ونهوا عنه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله وقد اختلف السلف في المكتوب في الألواح اختلافا كثيرا ولا مانع من حمل المكتوب على جميع ذلك لعدم التنافي وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) فخذها بقوة ( قال بجد وحزم ) سأريكم دار الفاسقين ( قال دار الكفار وأخرج ابن جرير عنه ) وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ( قال أمر موسى أن يأخذها بأشد مما أمر به قومه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس ) فخذها بقوة ( قال بطاعة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) فخذها بقوة ( يعني بجد واجتهاد ) وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ( قال بأحسن ما يجدون منها وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) سأريكم دار الفاسقين ( قال


"""""" صفحة رقم 247 """"""
مصيرهم في الآخرة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة قال منازلهم في الدنيا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال جهنم وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال مصر وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) سأصرف عن آياتي ( قال عن أن يتفكروا في آياتي وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج ) عن آياتي ( قال عن خلق السموات والأرض والآيات التى فيها سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها أو يعتبروا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سفيان بن عيينة في الآية قال أنزع عنهم فهم القرآن
سورة الأعراف الآية ( 148 151 )
الأعراف : ( 148 ) واتخذ قوم موسى . . . . .
قوله ) واتخذ قوم موسى من بعده ( أي من بعد خروجه إلى الطور ) من حليهم ( متعلق باتخذ أو بمحذوف وقع حالا ومن للتبعيض أو للابتداء أو للبيان والحلى جمع حلى وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة ) من حليهم ( بضم الحاء وتشديد الياء وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما بكسر الحاء وقرأ يعقوب بفتح الحاء وتخفيف الياء قال النحاس جمع حلي وحلى وحلى مثل ثدى وثدى وثدى والأصل حلوى أدغمت الواو في الياء فانكسرت اللام لمجاورتها الياء وتكسر الحاء لكسرة اللام وضمها على الأصل وأضيفت الحلى إليهم وإن كانت لغيرهم لأن الإضافة تجوز لأدنى ملابسة و ) عجلا ( مفعول اتخذ وقيل هو بمعنى التصيير فيتعدى إلى مفعولين ثانيهما محذوف أي اتخذوا عجلا إلها و ) جسدا ( بدل من عجلا وقيل وصف له والخوار الصياح يقال خار يخور خورا إذا صاح وكذلك خار يخار خوارا ونسب اتخاذ العجل إلى القوم جميعا مع أنه اتخذه السامري وحده لكونه واحدا منهم وهم راضون بفعله روى أنه لما وعد موسى قومه ثلاثين ليلة فأبطأ عليهم في العشر المزيدة قال السامري لبني إسرائيل وكان مطاعا فيهم إن معكم حليا من حلى آل فرعون الذى استعرتموه منهم لتتزينوا به في العيد وخرجتم وهو معكم وقد أغرق الله أهله من القبط فهاتوها فدفعوها إليه فاتخذ منها العجل المذكور قوله ) ألم يروا أنه لا يكلمهم ( الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي ألم يعتبروا بأن هذا الذى اتخذوه إلها لا يقدر على تكليمهم فضلا عن أن يقدر على جلب نفع لهم أو دفع ضر منهم ) ولا يهديهم سبيلا ( أي طريقا واضحة يسلكونها ) اتخذوه وكانوا ظالمين ( أي اتخذوه إلها ) وكانوا ظالمين ( لأنفسهم في اتخاذه أو في كل شئ ومن جملة ذلك هذا الاتخاذ


"""""" صفحة رقم 248 """"""
الأعراف : ( 149 ) ولما سقط في . . . . .
قوله ) ولما سقط في أيديهم ( أي ندموا وتحيروا بعد عود موسى من الميقات يقال للنادم المتحير قد سقط فى يده قال الأخفش يقال سقط في يده وأسقط ومن قال سقط في أيديهم على البناء للفاعل فالمعنى عنده سقط الندم وأصله أن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها لأن فاه قد وقع فيها وقال الأزهري والزجاج والنحاس وغيرهم معنى سقط في أيديهم أي في قلوبهم وأنفسهم كما يقال حصل في يده مكروه وإن كان محالا أن يكون في اليد تشبيها لما يحصل في القلب والنفس بما يحصل في اليد لأن مباشرة الأشياء في الغالب باليد قال الله تعالى ) ذلك بما قدمت يداك ( وأيضا الندم وإن حل القلب فأثره يظهر في البدن لأن النادم يعض يده ويضرب إحدى يديه على الأخرى قال الله تعالى ) فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها ( ومنه ) ويوم يعض الظالم على يديه ( أي من الندم وأيضا النادم يضع ذقنه في يده ) ورأوا أنهم قد ضلوا ( معطوف على سقط أي تبينوا أنهم قد ضلوا باتخاذهم العجل وأنهم قد ابتلوا بمعصية الله سبحانه ) قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ( قرأ حمزة والكسائي بالفوقية في الفعلين جميعا وقرأ الباقون بالتحتية واللام للقسم وجوابه ) لنكونن من الخاسرين ( وفى هذا الكلام منهم ما يفيد الاستغاثة بالله والتضرع والابتهال في السؤال وسيأتي في سورة طه إن شاء الله ما يدل على أن هذا الكلام المحكى عنهم هنا وقع بعد رجوع موسى وإنما قدم هنا على رجوعه لقصد حكاية ما صدر عنهم من القول والفعل في موضع واحد
الأعراف : ( 150 ) ولما رجع موسى . . . . .
قوله ) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ( هذا بيان لما وقع من موسى بعد رجوعه وانتصاب غضبان وأسفا على الحال والأسف شديد الغضب قيل هو منزلة وراء الغضب أشد منه وهو أسف وأسيف وأسفان وأسوف قال ابن جرير الطبري أخبره الله قبل رجوعه بأنهم قد فتنوا فلذلك رجع وهو غضبان أسفا ) قال بئسما خلفتموني من بعدي ( هذا ذم من موسى لقومه أي بئس العمل ما عملتموه من بعدي أي من بعد غيبتي عنكم يقال خلفه بخير وخلفه بشر استنكر عليهم ما فعلوه وذمهم لكونهم قد شاهدوا من الآيات ما يوجب بعضه الانزجار والإيمان بالله وحده ولكن هذا شأن بني إسرائيل في تلون حالهم واضطراب أفعالهم ثم قال منكرا عليهم ) أعجلتم أمر ربكم ( والعجلة التقدم بالشيء قبل وقته يقال عجلت الشيء سبقته وأعجلت الرجل حملته على العجلة والمعنى أعجلتم عن انتظار أمر ربكم أي ميعاده الذى وعدنيه وهو الأربعون ففعلتم ما فعلتم وقيل معناه تعجلتم سخط ربكم وقيل معناه أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم ) وألقى الألواح ( أي طرحها لما اعتراه من شدة الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل قوله ) وأخذ برأس أخيه يجره إليه ( أي أخذ برأس أخيه هارون أو بشعر رأسه حال كونه يجره إليه فعل به ذلك لكونه لم ينكر على السامري ولا غيره ما رآه من عبادة بنى إسرائيل للعجل فقال هارون معتذرا منه ) ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ( أي إني لم أطق تغيير ما فعلوه لهذين الأمرين استضعافهم لي ومقاربتهم لقتلي وإنما قال ابن أم مع كونه أخاه من أبيه وأمه لأنها كلمة لين وعطف ولأنها كانت كما قيل مؤمنة وقال الزجاج قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه قرئ ) ابن أم ( بفتح الميم تشبيها له بخمسة عشر فصار كقولك يا خمسة عشر أقبلوا وقال الكسائي والفراء وأبو عبيد إن الفتح على تقدير يابن أما وقال البصريون هذا القول خطأ لأن الألف خفيفة لا تحذف ولكن جعل الاسمين اسما واحدا كخمسة عشر واختاره الزجاج والنحاس وأما من قرأ بكسر الميم فهو على تقدير ابن أمي ثم حذفت الياء وأبقيت الكسرة لتدل عليها وقال الأخفش وأبو حاتم ابن أم بالكسر كما تقول يا غلام أقبل وهى لغة شاذة والقراءة بها بعيده وإنما


"""""" صفحة رقم 249 """"""
هذا فيما يكون مضافا إليك وقرئ ? ابن أمى ? بإثبات الياء قوله ) فلا تشمت بي الأعداء ( الشماتة السرور من الأعداء بما يصيب من يعادونه مع المصائب ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم أني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وجهد البلاء وشماتة الأعداء وهو في الصحيح ومنه قول الشاعر إذا ما الدهر جر على أناس
كلا كله أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
والمعنى لا تفعل بي ما يكون سببا للشماتة منهم وقرأ مجاهد ومالك بن دينار ) فلا تشمت بي الأعداء ( بفتح حرف المضارعة وفتح الميم ورفع الأعداء على أن الفعل مسند إليهم أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله بي وروى عن مجاهد أنه قرأ ) تشمت ( كما تقدم عنه مع نصب الأعداء قال ابن جنى والمعنى فلا تشمت بي أنت يارب وجاز هذا كما فى قوله ) الله يستهزئ بهم ( ونحوه ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء كأنه قال ولا تشمت يارب بي الأعداء وما أبعد هذه القراءة عن الصواب وأبعد تأويلها عن وجوه الإعراب قوله ) ولا تجعلني مع القوم الظالمين ( أي لا تجعلني بغضبك علي فى عداد القوم الظالمين يعني الذين عبدوا العجل أو لا تعتقد أني منهم
الأعراف : ( 151 ) قال رب اغفر . . . . .
قوله ) قال رب اغفر لي ولأخي ( هذا كلام مستأنف جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال موسى بعد كلام هارون هذا فقيل ) قال رب اغفر لي ولأخي ( طلب المغفرة له أولا ولأخيه ثانيا ليزيل عن أخيه ما خافه من الشماتة فكأنه تذمم مما فعله بأخيه وأظهر أنه لا وجه له وطلب المغفرة من الله مما فرط منه فى جانبه ثم طلب المغفرة لأخيه إن كان قد وقع منه تقصير فيما يجب عليهم من الإنكار عليهم وتغيير ما وقع منهم ثم طلب إدخاله وإدخال أخيه في رحمة الله التى وسعت كل شيء فهو ) أرحم الراحمين )
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شبيهة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد فى قوله ) واتخذ قوم موسى ( الآية قال حين دفنوها ألقى عليها السامري قبضة من تراب أثر فرس جبريل عليه السلام وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال استعاروا حليا من آل فرعون فجمعه السامري فصاغ منه ) عجلا ( فجعله ) جسدا ( لحما ودما ) له خوار ( وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) خوار ( قال الصوت وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال خار العجل خورة لم يئن ألم تر أن الله قال ) ألم يروا أنه لا يكلمهم ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) سقط في أيديهم ( قال ندموا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس ) أسفا ( قال حزينا وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال الأسف منزلة وراء الغضب أشد من ذلك وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب قال الأسف الغضب الشديد وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال لما ألقى موسى الألواح تكسرت فرفعت إلا سدسها وأخرج أبو الشيخ عنه قال رفع الله منها ستة أسباعها وبقى سبع وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد أو سعيد بن جبير قال لما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقى الهدى وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال كانت تسعة رفع منها لوحان وبقى سبعة وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ولا تجعلني مع القوم الظالمين ( قال مع أصحاب العجل


"""""" صفحة رقم 250 """"""
سورة الأعراف الآية ( 152 154 )
الأعراف : ( 152 ) إن الذين اتخذوا . . . . .
الغضب ما نزل بهم من العقوبة في الدنيا بقتل أنفسهم وما سينزل بهم في الآخرة من العذاب والذلة هى التى ضربها الله عليهم بقوله ) ضربت عليهم الذلة ( وقيل هى إخراجهم من ديارهم وقيل هى الجزية وفيه نظر لأنها لم تؤخذ منهم وإنما أخذت من ذراريهم والأولى أن يقيد الغضب والذلة بالدنيا لقوله ) في الحياة الدنيا ( وإن ذلك مختص بالمتخذين للعجل إلها لا لمن بعدهم من ذراريهم ومجرد ما أمروا به من قتل أنفسهم هو غضب من الله عليهم وبه يصيرون أذلاء وكذلك خروجهم من ديارهم هو من غضب الله عليهم وبه يصبرون أذلاء وأما ما نال ذراريهم من الذلة فلا يصح تفسير ما في الآية به إلا إذا تعذر حمل الآية على المعنى الحقيقي وهو لم يتعذر هنا ) وكذلك نجزي المفترين ( أي مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين والافتراء الكذب فمن افترى على الله سيناله من الله غضب وذلة في الحياة الدنيا وإن لم يكن بنفس ما عوقب به هؤلاء بل المراد ما يصدق عليه أنه من غضب الله سبحانه وأن فيه ذلة بأي نوع كان
الأعراف : ( 153 ) والذين عملوا السيئات . . . . .
) والذين عملوا السيئات ( أي سيئة كانت ) ثم تابوا ( عنها ) من بعد ( عمل ها وآمنوا ) بالله ( إن ربك من بعدها أي من بعد هذه التوبة أو من بعد عمل هذه السيئات التي قد تاب عنها فاعلها وآمن بالله ) لغفور رحيم ( أي كثير الغفران لذنوب عباده وكثير الرحمة لهم
الأعراف : ( 154 ) ولما سكت عن . . . . .
قوله ) ولما سكت عن موسى الغضب ( أصل السكوت السكون والإمساك يقال جرى الوادي ثلاثا ثم سكن أي أمسك عن الجري قيل هذا مثل كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له قل لقومك كذا وألق الألواح وجر برأس أخيك فترك الاغراء وسكت وقيل هذا الكلام فيه قلب والأصل سكت موسى عن الغضب كقولهم أدخلت الأصبع الخاتم والخانم الأصبع وأدخلت القلنسوة رأسي ورأسي القلنسوة وقرأ معاوية بن قرة ? ولما سكن عن موسى الغضب ? وقرئ سكت وأسكت ) أخذ الألواح ( التي ألقاها عند غضبه ) وفي نسختها هدى ورحمة ( النسخ نقل ما فى كتاب إلى كتاب آخر ويقال للأصل الذى كان النقل منه نسخة وللمنقول نسخة أيضا قال القشيري والمعنى ) وفي نسختها ( أي فيما نسخ من الألواح المتكسرة ونقل إلى الألواح الجديدة ) هدى ورحمة ( وقيل المعنى وفيما نسخ له منها أي من اللوح المحفوظ وقيل المعنى وفيما كتب له فيها هدى ورحمة فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه وهذا كما يقال أنسخ ما يقول فلان أي أثبته فى كتابك والنسخة فعلة بمعنى مفعولة كالخطبة
والهدى ما يهتدون به من الأحكام والرحمة ما يحصل لهم من الله عند عملهم بما فيها من الرحمة الواسعة واللام في ) للذين هم ( متعلقة بمحذوف أي كائنة لهم أو لأجلهم واللام في ) لربهم يرهبون ( للتقوية للفعل لما كان مفعوله متقدما عليه فإنه يضعف بذلك بعض الضعف وقد صرح الكسائي بأنها زائدة وقال الأخفش هى لام الأجل أي لأجل ربهم يرهبون وقال محمد بن يزيد المبرد هى متعلقة بمصدر الفعل المذكور والتقدير للذين هم رهبتهم لربهم يرهبون
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أيوب قال تلا أبو قلابة هذه الآية ) إن الذين اتخذوا العجل ( إلى قوله ) وكذلك نجزي المفترين ( قال هو جزاء كل مفتر يكون إلى يوم القيامة أن يذله الله وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أعطى موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد


"""""" صفحة رقم 251 """"""
فيها تبيان لكل شيء وموعظة ولما جاء فرأى بني إسرائيل عكوفا على العجل رمى التوراة من يده فتحطمت وأقبل على هارون فأخذ برأسه فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع فلما ذهب عن موسى الغضب أخذ الألواح وفى نسختها هدى ورحمة قال فيما بقى منها وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أو سعيد بن جبير قال كانت الألواح من زمرد فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل وبقي الهدى والرحمة وقرأ ? وكتبنا له في الألواح موعظة وتفصيلا لكل شئ ? وقرأ ) ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة ( قال ولم يذكر التفصيل هاهنا
سورة الأعراف الآية ( 155 157 )
الأعراف : ( 155 ) واختار موسى قومه . . . . .
قوله ) واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ( هذا شروع في بيان ما كان من موسى ومن القوم الذين اختارهم وسبعين مفعول اختار وقومه منصوب بنزع الخافض أي من قومه على الحذف والإيصال ومثله قول الراعي اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم
واعتل من كان يرجى عنده السول
يريد اخترتك من الناس ومعنى ) لميقاتنا ( للوقت الذى وقتناه له بعد أن وقع من قومه ما وقع والميقات الكلام الذى تقدم ذكره لأن الله أمره أن يأتي إلى الطور في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه سبحانه من عبادة العجل كذا قيل والرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة قيل إنهم زلزلوا حتى ماتوا فلما رأى موسى أخذ الرجفة لهم ) قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ( قال عليه السلام تحسرا وتلهفا لأن سبب أخذ الرجفة لهم ما حكى الله عنهم من قولهم ) وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة ( على ما تقدم في البقرة وقيل هؤلاء السبعون غير من قالوا ) أرنا الله جهرة ( بل أخذتهم الرجفة بسبب عدم انتهائهم عن عبادة العجل وقيل إنهم قوم لم يرضوا بعبادة العجل ولا نهوا السامري ومن معه عن عبادته فأخذتهم الرجفة بسبب سكوتهم والمعنى لو شئت إهلاكنا لأهلكتنا بذنوبنا قيل هذا الوقت اعترافا منه عليه السلام بالذنب وتلهفا على ما فرط من قومه


"""""" صفحة رقم 252 """"""
والاستفهام في قوله ) أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ( للجحد أي ليست ممن يفعل ذلك قاله ثقة منه برحمة الله والمقصود منه الاستعطاف والتضرع وقيل معناه الدعاء والطلب أي لا تهلكنا قال المبرد المراد بالاستفهام استفهام الإعظام كأنه يقول وقد علم موسى أنه لا يهلك أحد بذنب غيره ولكنه كقول عيسى ) إن تعذبهم فإنهم عبادك ( وقيل المراد بالسفهاء السبعون والمعنى أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم ) أرنا الله جهرة ( وقيل المراد بهم السامري وأصحابه قوله ) إن هي إلا فتنتك ( أي ما الفتنة التى وقع فيها هؤلاء السفهاء إلا فتنتك التى تختبر بها من شئت وتمتحن بها من أردت ولعله عليه السلام استفاد هذا من قوله سبحانه ) فإنا قد فتنا قومك من بعدك ( ) تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ( أي تضل بهذه الفتنة من تشاء من عبادك وتهدى بها من تشاء منهم ومثله ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( ثم رجع إلا الاستعطاف والدعاء فقال ) أنت ولينا ( أي المتولي لأمورنا ) فاغفر لنا ( ما أذنبناه ) وارحمنا ( برحمتك التى وسعت كل شيء ) وأنت خير الغافرين ( للذنوب
الأعراف : ( 156 ) واكتب لنا في . . . . .
) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة ( بتوفيقنا للأعمال الصالحة أو تفضل علينا بإفاضة النعم في هذه الدنيا من العافية وسعة الرزق ) وفي الآخرة ( أي واكتب لنا في الآخرة الجنة بما تجازينا به أو بما تتفضل به علينا من النعيم في الآخرة وجملة ) إنا هدنا إليك ( تعليل لما قبلها من سؤال المغفرة والرحمة والحسنة في الدنيا وفى الآخرة أي إنا تبنا إليك ورجعنا عن الغواية التى وقعت من بني إسرائيل والهود التوبة وقد تقدم في البقرة وجملة ) قال عذابي أصيب به من أشاء ( مستأنفة كنظائرها فيما تقدم قيل المراد بالعذاب هنا الرجفة وقيل أمره سبحانه لهم بأن يقتلوا أنفسهم أي ليس هذا إليك يا موسى بل ما شئت كان وما لم أيثأ لم يكن والظاهر أن العذاب هنا يندرج تحته كل عذاب ويدخل فيه عذاب هؤلاء دخولا أوليا وقيل المراد من أشاء من المستحقين للعذاب أو من أشاء أن أضله وأسلبه التوفيق ) ورحمتي وسعت كل شيء ( من الأشياء من المكلفين وغيرهم ثم أخبر سبحانه أنه سيكتب هذه الرحمة الواسعة ) للذين يتقون ( الذنوب ) ويؤتون الزكاة ( المفروضة عليهم ) والذين هم بآياتنا يؤمنون ( أي يصدقون بها ويذعنون لها
الأعراف : ( 157 ) الذين يتبعون الرسول . . . . .
ثم بين سبحانه هؤلاء الذين كتب لهم هذه الرحمة ببيان أوضح مما قبله وأصرح فقال ) الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ( وهو محمد عليه الصلاة والسلام فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل والأمي إما نسبة إلى الأمة الأمية التى لا تكتب ولا تحسب وهم العرب أو نسبة إلى الأم والمعنى أنه باق على حالته التى ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب وقيل نسبة إلى أم القرى وهى مكة ) الذي يجدونه ( يعني اليهود والنصارى أي يجدون نعته ) مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ( وهما مرجعهم في الدين وهذا الكلام منه سبحانه مع موسى هو قبل نزول الإنجيل فهو من باب الإخبار بما سيكون ثم وصف هذا النبي الذى يجدونه كذلك بأنه يأمر بالمعروف أي بكل ما تعرفه القلوب ولا تنكره من الأشياء التى هى من مكارم الأخلاق ) وينهاهم عن المنكر ( أ ي ما تنكره القلوب ولا تعرفه وهو ما كان من مساوى الأخلاق قيل إن قوله ) يأمرهم بالمعروف ( إلى قوله ) أولئك هم المفلحون ( كلام يتضمن تفصيل أحكام الرحمة التى وعد بها ذكر معناه الزجاج وقيل هو في محل نصب على الحال من النبي صلى وقيل هو مفسر لقوله ) مكتوبا ( قوله ) ويحل لهم الطيبات ( أي المستلذات وقيل يحل لهم ما حرم عليهم من الأشياء التى حرمت عليهم بسبب ذنوبهم ) ويحرم عليهم الخبائث ( أي المستخبئات كالحشرات والخنازير ) ويضع عنهم إصرهم ( الإصر الثقل أي يضع عنهم التكاليف الشاقة الثقيلة وقد تقدم بيانه في البقرة ) والأغلال التي كانت عليهم ( أي ويضع عنهم الأغلال التى كانت عليهم الأغلال مستعارة للتكاليف الشاقة التى كانوا قد كلفوها ) فالذين آمنوا به ( أي بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) واتبعوه ( فيما


"""""" صفحة رقم 253 """"""
جاء به من الشرائع ) وعزروه ( أي عظموه ووقروه قاله الأخفش وقيل معناه منعوه من عدوه وأصل العزر المنع وقرأ الجحدري ) وعزروه ( بالتخفيف ) ونصروه ( أي قاموا بنصره على من يعاديه ) واتبعوا النور الذي أنزل معه ( أي اتبعوا القرآن الذى أنزل عليه مع نبوته وقيل المعنى واتبعوا القرآن المنزل إليه مع اتباعه بالعمل بسنته مما يأمر به وينهى عنه أو اتبعوا القرآن مصاحبين له في اتباعه والإشارة ) أولئك ( إلى المتصفين بهذه الأوصاف ) هم المفلحون ( الفائزون بالخير والفلاح لا غيرهم من الأمم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) واختار موسى قومه ( الآية قال كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختار سبعين رجلا فبرز بهم ليدعوا ربهم فكان فيما دعوا الله أن قالوا اللهم أعطنا ما لم تعط أحدا من قبلنا ولا تعطه أحدا بعدنا فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة ) قال ( موسى ) رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك ( يقول إن هى إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) لميقاتنا ( قال لتمام الموعد وفى قوله ) فلما أخذتهم الرجفة ( قال ماتوا ثم أحياهم وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله ) إن هي إلا فتنتك ( قال بليتك وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) إن هي إلا فتنتك ( قال مشيئتك وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يرضوا بالعمل ولم ينهوا عنه وأخرج سعيد بن منصور عنه في قوله ) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ( فلم يعطها موسى ) قال عذابي أصيب به من أشاء ( إلى قوله ) المفلحون ( وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة فى قوله ) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة ( قال فكتب الرحمة يومئذ لهذه الامة
وأخرج عبد بن حميد وابن وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله ) إنا هدنا إليك ( قال تبنا إليك وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجزة السعدي وكان من أعلم الناس بالعربية قال لا والله ما أعلمها في كلام العرب هدنا قيل فكيف قال هدنا بكسر الهاء يقول ملنا وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله ) ورحمتي وسعت كل شيء ( قال وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر وهى يوم القيامة للذين اتقوا خاصة وأخرج مسلم وغيره عن سلمان عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن لله مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة وأخرج نحوه أحمد وأبو داود والطبراني والحاكم والضياء المقدسي من حديث جندب بن عبد الله العجلي وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال لما نزلت ) ورحمتي وسعت كل شيء ( قال إبليس وأنا من الشئ فنسخها الله فنزلت ) فسأكتبها للذين يتقون ( إلى آخر الآية وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال لما نزلت ) ورحمتي وسعت كل شيء ( قال إبليس أنا من الشئ قال الله تعالى ) فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة ( قالت اليهود فنحن نتقى ونؤتي الزكاة قال الله ) الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ( فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود وجعلها لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج البزار فى مسنده وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال سأل موسى ربه مسئلة فأعطاها محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) واختار موسى قومه ( إلى قوله ) فسأكتبها للذين يتقون ( فأعطى محمدا كل شئ سأل موسى ربه في هذه الآية وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه فى قوله


"""""" صفحة رقم 254 """"""
) فسأكتبها للذين يتقون ( قال كتبها الله لهذه الأمة وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال يتقون الشرك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن النخعي فى قوله ) النبي الأمي ( قال كان لا يقرأ ولا يكتب وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال هو نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) كان أميا لا يكتب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى قوله ) الذي يجدونه مكتوبا عندهم ( قال يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت له أخبرني عن صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يأيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا تجزى بالسيئة السيئة ولكن تعفو وتصفح ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وأخرج ابن سعيد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام مثله وقد روى نحو هذا مع اختلاف فى بعض الألفاظ وزيادة فى بعض ونقص فى بعض عن جماعة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) ويحل لهم الطيبات ( قال الحلال ) ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ( قال التثقيل الذى كان في دينهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله ) ويحرم عليهم الخبائث ( قال كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التى حرمها الله وفى قوله ) ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ( قال هو ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) ويضع عنهم إصرهم ( قال ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وعزروه ( يعني عظموه ووقروه
سورة الأعراف الآية ( 158 )
الأعراف : ( 158 ) قل يا أيها . . . . .
لما تقدم ذكر أوصاف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المكتوبة في التوراة والإنجيل أمره سبحانه أن يقول هذا القول المقتضى لعموم رسالته إلى الناس جميعا لا كما كان غيره من الرسل عليهم السلام فإنهم كانوا يبعثون إلى قومهم خاصة وجميعا منصوب على الحال أي حال كونكم جميعا و ) الذي له ملك السماوات والأرض ( إما في محل جر على الصفة للاسم الشريف أو منصوب على المدح أو مرفوع على أنه خبر مبتدإ محذوف وجملة ) لا إله إلا هو ( بدل من الصلة مقرر لمضمونها مبين لها لأن من ملك السموات والأرض وما فيهما هو الإله على الحقيقة وهكذا ما كان يحيى ويميت هو المستحق لتفرده بالربوبية ونفى الشركاء عنه والأمر بالإيمان بالله وبرسوله متفرع على ما قبله وقد تقدم تفسير النبي الأمي وهما وصفان لرسوله وكذلك ) الذي يؤمن بالله وكلماته ( وصف له والمراد بالكلمات ما أنزل الله عليه وعلى الأنبياء من قبله أو القرآن فقط وجملة ) واتبعوه ( مقررة لجملة ) فآمنوا بالله ( و ) لعلكم تهتدون ( علة للأمر بالإيمان والاتباع


"""""" صفحة رقم 255 """"""
وقد أخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال بعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) إلى الأحمر والأسود فقال ) يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( والأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا المعنى مشهورة فلا نطيل بذكرها وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) يؤمن بالله وكلماته ( قال آياته وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد ) وكلماته ( قال عيسى
سورة الأعراف الآية ( 159 166 )
الأعراف : ( 159 ) ومن قوم موسى . . . . .
قوله ) ومن قوم موسى ( لما قص الله علينا ما وقع من السامري وأصحابه وما حصل من بني إسرائيل من التزلزل في الدين قص علينا سبحانه أن من قوم موسى أمة مخالفة لأولئك الذين تقدم ذكرهم ووصفهم بأنهم ) يهدون بالحق ( أي يدعون الناس إلى الهداية حال كونهم متلبسين بالحق ) وبه ( أي بالحق ) يعدلون ( بين الناس فى الحكم وقيل هم الذين آمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) منهم
الأعراف : ( 160 ) وقطعناهم اثنتي عشرة . . . . .
قوله ) وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا ( الضمير يرجع إلى قوم موسى المتقدم ذكرهم لا إلى هؤلاء الأمة منهم الذين يهدون بالحق وبه يعدلون والمعنى صيرناهم قطعا متفرقة وميزنا بعضهم من بعض وهذا من جملة ما قصه الله علينا من النعم التى أنعم بها على بني إسرائيل والمعنى أنه ميز بعضهم من بعض حتى صاروا أسباطا كل سبط معروف على انفراده لكل سبط نقيب كما


"""""" صفحة رقم 256 """"""
فى قوله تعالى ) وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ( وقد تقدم وقوله ) اثنتي عشرة ( هو ثاني مفعولي قطعنا لتضمنه معنى التصيير وأسباطا تمييز له أو بدل منه و ) أمما ( نعت للأسباط أو بدل منه والأسباط جمع سبط وهو ولد الولد صاروا اثنتى عشرة أمة من اثنى عشر ولدا وأراد بالأسباط القبائل ولهذا أنث العدد كما فى قول الشاعر وإن قريشا كلها عشر أبطن
وأنت برئ من قبائلها العشر
أراد بالبطن القبيلة وقد تقدم تحقيق معنى الأسباط فى البقرة وروى المفضل عن عاصم أنه قرأ ? قطعناهم ? مخففا وسماهم أمما لأن كل سبط كان جماعة كثيرة العدد وكانوا مختلفي الآراء يؤم بعضهم غير ما يؤمه الآخر ) وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن ( أي وقت استسقائهم له لما أصابهم العطش فى التيه ) أن اضرب بعصاك الحجر ( تفسير لفعل الإيحاء ) فانبجست ( عطف على مقدر يدل على السياق أي فضرب فانبجست والانبجاس الانفجار أي فانفجرت ) منه اثنتا عشرة عينا ( بعدد الأسباط لكل سبط عين يشربون منها ) قد علم كل أناس مشربهم ( أي كل سبط منهم العين المختصة به التى يشرب منها وقد تقدم في البقرة ما فيه كفاية مغنية عن الإعادة ) وظللنا عليهم الغمام ( أي جعلناه ظللا عليهم في التيه يسير بسيرهم ويقيم بإقامتهم ) وأنزلنا عليهم المن والسلوى ( أي الترنجبين والسماني كما تقدم تحقيقه في البقرة ) كلوا من طيبات ما رزقناكم ( أي وقلنا لهم كلوا من المستلذات التى رزقناكم ) وما ظلمونا ( بما وقع منهم من المخالفة وكفران النعم وعدم تقديرها حق قدرها ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( أي كان ظلمهم مختصا بهم مقصورا عليهم ولا يجاوزهم إلى غيرهم
الأعراف : ( 161 ) وإذ قيل لهم . . . . .
) وإذ قيل لهم ( أي واذكر وقت قيل لهم هذا القول وهو ) اسكنوا هذه القرية ( أي بيت المقدس أو أريحاء وقيل غير ذلك مما تقدم بيانه ) وكلوا منها ( أي من المأكولات الموجودة فيها ) حيث شئتم ( أي في أي مكان شئتم من أمكنتها لا مانع لكم من الأكل فيه ) وقولوا حطة ( قد تقدم تفسيرها فى البقرة ) وادخلوا الباب ( أي باب القرية المتقدمة حال كونكم ) سجدا ( أمروا بأن يجمعوا بين قولهم حطة وبين الدخول ساجدين فلا يقال كيف قدم الأمر بالقول هنا على الدخول وأخره فى البقرة وقد تقدم بيان معنى السجود الذى أمروا به ) نغفر لكم خطيئاتكم ( جواب الأمر وقرئ ? خطيتكم ? ثم وعدهم بقوله ) سنزيد المحسنين ( أي سنزيدهم على المغفرة للخطايا بما يتفضل به عليهم من النعم والجملة استئنافية جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا لهم بعد المغفرة
الأعراف : ( 162 ) فبدل الذين ظلموا . . . . .
) فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم ( قد تقدم بيان ذلك في البقرة ) فأرسلنا عليهم رجزا من السماء ( أي عذابا كائنا منها ) بما كانوا يظلمون ( أي بسبب ظلمهم
الأعراف : ( 163 ) واسألهم عن القرية . . . . .
قوله ) واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ( معطوف على عامل إذ المقدر أي اذكر إذ قيل لهم واسألهم وهذا سؤال تقريع وتوبيخ والمراد من سؤال القرية سؤال أهلها أي اسألهم عن هذا الحادث الذى حدث لهم فيها المخالف لما أمرهم الله به وفى ضمن هذا السؤال فائدة جليلة وهى تعريف اليهود بأن ذلك مما يعلمه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأن اطلاعه لا يكون إلا بإخبار له من الله سبحانه فيكون دليلا على صدقه
واختلف أهل التفسير فى هذه القرية أي قرية هى فقيل أيلة وقيل طبرية وقيل مدين وقيل إيليا وقيل قرية من قرى ساحل الشام التى كانت حاضرة البحر أي التى كانت بقرب البحر يقال كنت بحضرة الدار أي بقربها والمعنى سل يا محمد هؤلاء اليهود الموجودين عن قصة أهل القرية المذكورة وقرئ ) واسألهم ( وقرئ سلهم ) إذ يعدون ( أي وقت يعدون وهو ظرف لمحذوف دل عليه الكلام لأن السؤال هو عن حالهم وقصتهم وقت يعدون وقيل إنه ظرف لكانت أو لحاضرة وقرئ ) يعدون ( بضم الياء وكسر العين وتشديد الدال من الإعداد للآلة وقرأ الجمهور ) يعدون ( بفتح الياء وسكون العين وضم الدال مخففة أي يتجاوزون


"""""" صفحة رقم 257 """"""
حدود الله بالصيد يوم السبت الذى نهوا عن الاصطياد فيه وقرئ ) يعدون ( بفتح الياء والعين وضم الدال مشددة بمعنى يعتدون أدغمت التاء في الدال والسبت هو اليوم المعروف وأصله السكون يقال سبت إذا سكن وسبت اليهود تركوا العمل في سبتهم والجمع أسبت وسبوت وأسبات وقرأ ابن السمفع فى الأسبات على الجمع ) إذ تأتيهم حيتانهم ( ظرف ليعدون والحيتان جمع حوت وأضيف إليهم لمزيد اختصاص لهم بما كان منها على هذه الصفة من الإتيان يوم السبت دون ما عداه و ) يوم سبتهم ( ظرف لتأتيهم وقرئ يوم أسباتهم و ) شرعا ( حال وهو جمع شارع أي ظاهرة على الماء وقيل رافعة رءوسها وقيل إنها كانت تشرع على أبوابهم كالكباش البيض قال في الكشاف يقال شرع علينا فلان إذا دنى منا وأشرف علينا وشرعت على فلان فى بيته فرأيته يفعل كذا انتهى ) ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ( أي لا يفعلون السبت وذلك عند خروج يوم السبت لا تأتيهم الحيتان كما كانت تأتيهم فى يوم السبت ) كذلك نبلوهم ( أي مثل ذلك البلاء العظيم نبلوهم بسبب فسقهم والابتلاء الامتحان والاختبار
الأعراف : ( 164 ) وإذ قالت أمة . . . . .
) وإذ قالت أمة ( معطوف على إذ يعدون معمول لعامله داخل في حكمه والأمة الجماعة أي قالت جماعة من صلحاء أهل القرية لآخرين ممن كان يجتهد فى وعظ المتعدين فى السبت حين أيسوا من قبولهم للموعظة وإقلاعهم عن المعصية ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( أي مستأمل لهم بالعقوبة ) أو معذبهم عذابا شديدا ( بما انتهكوا من الحرمة وفعلوا من المعصية وقيل إن الجماعة القائلة لم تعظون قوما هم العصاة الفاعلون للصيد فى يوم السبت قالوا ذلك للواعظين لهم حين وعظوهم والمعنى إذا علمتم أن الله مهلكنا كما تزعمون فلم تعظوننا ) قالوا معذرة إلى ربكم ( أي قال الواعظون للجماعة القائلين لهم لم تعظون وهم طائفة من صلحاء القرية على الوجه الأول أو الفاعلين على الوجه الثاني ) معذرة إلى ربكم ( قرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف ) معذرة ( بالنصب وهى قراءة حفص عن عاصم وقرأ الباقون بالرفع قال الكسائي ونصبه على وجهين أحدهما على المصدر والثاني على تقدير فعلنا ذلك معذرة أي لأجل المعذرة والرفع على تقدير مبتدأ أي موعظتنا معذرة إلى الله حتى لا يؤاخذنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين أوجبهما علينا ولرجاء أن يتعظوا فيتقوا ويقلعوا عما هم فيه من المعصية
قال جمهور المفسرين إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق فرقة عصت وصادت وكانت نحو سبعين ألفا وفرقة اعتزلت فلم تنه ولم تعص وفرقة اعتزلت ونهت ولم تعص فقالت الطائفة التى لم تنه ولم تعص للفرقة الناهية ) لم تعظون قوما ( يريدون الفرقة العاصية ) الله مهلكهم أو معذبهم ( قالوا ذلك على غلبة الظن لما جرت به عادة الله من إهلاك العصاة أو تعذيبهم من دون استئصال بالهلاك فقالت الناهية موعظتنا معذرة إلى الله ولعلهم يتقون ولو كانوا فرقتين فقط ناهية غير عاصية وعاصية لقال لعلكم تتقون
الأعراف : ( 165 ) فلما نسوا ما . . . . .
قوله ) فلما نسوا ما ذكروا به ( أي لما ترك العصاة من أهل القرية ما ذكرهم به الصالحون الناهون عن المنكر وترك الناسى للشئ المعرض عنه كلية الإعراض ) أنجينا الذين ينهون عن السوء ( أي الذين فعوا النهي ولم يتركوه ) وأخذنا الذين ظلموا ( وهم العصاة المعتدون فى السبت ) بعذاب بئيس ( أي شديد من بؤس الشئ يبؤس بأسا إذا اشتد وفيه إحدى عشرة قراءة للسبعة وغيرهم ) بما كانوا يفسقون ( أي بسبب فسقهم والجار والمجرور متعلق بأخذنا ) فلما عتوا عن ما نهوا عنه ( أي تجاوزوا الحد في معصية الله سبحانه تمردا وتكبرا ) قلنا لهم كونوا قردة ( أي أمرناهم أمرا كونيا لا أمرا قوليا أي مسخناهم قردة قيل إنه سبحانه عذبهم أولا بسبب المعصية فلما يقلعوا مسخهم قردة وقيل إنه قوله ) فلما عتوا عن ما نهوا عنه ( تكرير لقوله ) فلما نسوا ما ذكروا به ( للتأكيد والتقرير وأن المسخ هو العذاب البيس والخاسيء الصاغر الذليل أو المباعد المطرود يقال خسأته فخسيء أي باعدته فتباعد واعلم أن ظاهر النظم القرآني هو أنه لم ينج من العذاب


"""""" صفحة رقم 258 """"""
إلا الفرقة الناهية التى لم تعص لقوله ) أنجينا الذين ينهون عن السوء ( وأنه لم يعذب بالمسخ إلا الطائفة العاصية لقوله
الأعراف : ( 166 ) فلما عتوا عن . . . . .
) فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ( فإن كانت الطوائف منهم ثلاثا كما تقدم فالطائفة التى لم تنه ولم تعص يحتمل أنها ممسوخة مع الطائفة العاصية لأنها قد ظلمت نفسها بالسكوت عن النهي وعتت عما نهاها الله عنه من ترك النهي عن المنكر ويحتمل أنها لم تمسخ لأنها وإن كانت ظالمة لنفسها عاتية عن أمر ربها ونهيه لكنها لم تظلم نفسها بهذه المعصية الخاصة وهى صيد الحوت في يوم السبت ولا عتت عن نهيه لها عن الصيد وأما إذا كانت الطائفة الثالثة ناهية كالطائفة الثانية وإنما جعلت طائفة مستقلة لكونها قد جرت المقاولة بينها وبين الطائفة الأخرى من الناهين المعتزلين فهما فى الحقيقة طائفة واحدة لاجتماعهما فى النهي والاعتزال والنجاة من المسخ
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الفريابي وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قال موسى يارب أجد أمة أناجيلهم فى قلوبهم قال تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد قال يارب أجد أمة يصلون الخمس تكون كفارات لما بينهن قال تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد قال يارب أجد أمة يعطون صدقات أموالهم ثم ترجع فيهم فيأكلون قال تلك بعدك أمة أحمد قال يارب اجعلني من أمة أحمد فأنزل الله كهيئة المرضاة لموسى ) ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى قوله ) ومن قوم موسى أمة ( الآية قال بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثنى عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ففتح الله لهم نفقا فى الأرض فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين فهم هنالك حنفاء مسلمين يستقبلون قبلتنا قال ابن جريج قال ابن عباس فذلك قوله ) وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ( ووعد الآخرة عيسى ابن مريم قال ابن عباس ساروا فى السرب ستة ونصفا
أقول ومثل هذا الخبر العجيب والنبأ الغريب محتاج إلى تصحيح النقل
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة ولتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها فى النار إلا فرقة فأما اليهود فإن الله يقول ) ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( فهذه التى تنجو وأما النصارى فإن الله يقول ) منهم أمة مقتصدة ( فهذه التى تنجو وأما نحن فيقول ) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ( فهذه التى تنجو من هذه الأمة وقد قدمنا أن زيادة كلها فى النار لم تصح لا مرفوعة ولا موقوفة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) فانبجست ( قال فانفجرت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال دخلت على ابن عباس وهو يقرأ هذه الآية ) واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ( قال يا عكرمة هل تدري أي قرية هذه قلت لا قال هى أيلة وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري قال هى طبرية وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) إذ يعدون في السبت ( قال يظلمون وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) شرعا ( يقول من كل مكان وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال ظاهرة على الماء وأخرج ابن المنذر عنه قال واردة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه فى الآية قال هى قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم فكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعا فى ساحل البحر فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها فمكثوا كذلك ما شاء الله ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم


"""""" صفحة رقم 259 """"""
فنهتهم طائفة فلم يزدادوا إلا غيا فقالت طائفة من النهاة يعلمون أن هؤلاء قوم حق عليهم العذاب ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( وكانوا أشد غضبا من الطائفة الأخرى وكل قد كانوا ينهون فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالوا ) لم تعظون ( والذين قالوا ) معذرة إلى ربكم ( وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أنهم ثلاث فرق فرقة العصاة وفرقة الناهون وفرقة القائلون لم تعظون فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم فأصبح الذين نهوا ذات غداة فى مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم فجعلوا يقولون إن للناس لشأنا فانظروا ما شأنهم فاطلعوا فى دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد والمرأة بعينها وإنها لقردة وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عن عكرمة عن ابن عباس فذكر القصة وفى آخرها أنه قال فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها قال عكرمة فقلت جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( قال فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أيضا قال نجا الناهون وهلك الفاعلون ولا أدري ما صنع بالساكتين وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عنه قال والله لأن أكون علمت أن القوم الذين قالوا ) لم تعظون قوما ( نجوا مع الذين نهوا عن السوء أحب إلي مما عدل به وفى لفظ من حمر النعم ولكن أخاف أن تكون العقوبة نزلت بهم جميعا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال قال ابن عباس ما أدري أنجا الذين قالوا ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( أم لا قال فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا فكساني حلة وأخرج عبد بن حميد عن ليث بن أبي سليم قال مسخوا حجارة الذين قالوا ) لم تعظون قوما الله مهلكهم ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن ابن عباس فى قوله ) بعذاب بئيس ( قال أليم وجيع
سورة الأعراف الآية ( 167 170 )
الأعراف : ( 167 ) وإذ تأذن ربك . . . . .
قوله ) وإذ تأذن ربك ( معطوف على ما قبله أي واسألهم وقت تأذن ربك وتأذن تفعل من الإيذان وهو الإعلام قال أبو علي الفارسي آذن بالمد أعلم وأذن بالتشديد نادى وقال قوم كلاهما بمعنى أعلم كما يقال أيقن وتيقن والمعنى في الآية واسألهم وقت أن وقع الإعلام لهم من ربك ) ليبعثن عليهم ( قيل وفى هذا الفعل


"""""" صفحة رقم 260 """"""
معنى القسم كعلم الله وشهد الله ولذلك أجيب بما يجاب به القسم حيث قال ) ليبعثن عليهم ( أي ليرسلن عليهم ويسلطن كقوله ) بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ( ) إلى يوم القيامة ( غاية لسومهم سوء العذاب ممن يبعثه الله عليهم وقد كانوا أقماهم الله هكذا أذلاء مستضعفين معذبين بأيدى أهل الملل وهكذا هم في هذه الملة الإسلامية فى كل قطر من أقطار الأرض فى الذلة المضروبة عليهم والعذاب والصغار يسلمون الجزية بحقن دمائهم ويمتهنهم المسلمون فيما فيه ذلة من الأعمال التى يتنزه عنها غيرهم من طوائف الكفار ومعنى ) يسومهم ( يذيقهم وقد تقدم بيان أصل معناه ثم علل ذلك بقوله ) إن ربك لسريع العقاب ( يعاجل به فى الدنيا كما وقع لهؤلاء ) وإنه لغفور رحيم ( أي كثير الغفران والرحمة
الأعراف : ( 168 ) وقطعناهم في الأرض . . . . .
) وقطعناهم في الأرض ( أي فرقناهم في جوانبها أو شتتا أمرهم فلم تجتمع لهم كلمة و ) أمما ( منتصب على الحال أو مفعول ثان لقطعنا على تضمينه معنى صيرنا وجملة ) منهم الصالحون ( بدل من ) أمما ( قيل هم الذين آمنوا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ومن مات قبل البعثة المحمدية غير مبدل وقيل هم الذين سكنوا وراء الصين كما تقدم بيانه قبل هذا ) ومنهم دون ذلك ( أي دون هذا الوصف الذى اتصفت به الطائفة الأولى وهو الصلاح ومحل ) دون ذلك ( الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير ومنهم أناس دون ذلك والمراد بهؤلاء من لم يؤمن بل انهمك فى المخالفة لما أمره الله به قال النحاس ) دون ( منصوب على الظرف ولا نعلم أحدا رفعه ) وبلوناهم بالحسنات والسيئات ( أي امتحناهم بالخير والشر رجاء أن يرجعوا مما هم من الكفر والمعاصى
الأعراف : ( 169 ) فخلف من بعدهم . . . . .
) فخلف من بعدهم خلف ( المراد بهم أولاد الذين قطعهم الله في الأرض قال أبو حاتم الخلف بسكون اللام الأولاد الواحد والجمع سواء والخلف بفتح اللام البدل ولدا كان أو غيره وقال ابن الأعرابي الخلف بالفتح الصالح وبالسكون الطالح قال لبيد ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقيت فى خلف كجلد الأجرب
ومنه قيل للردئ من الكلام خلف بالسكون وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر ومنه قول حسان ابن ثابت لنا القدم الأولى إليك وخلفنا
لأولنا فى طاعة الله تابع
) ورثوا الكتاب ( أي التوراة من أسلافهم يقرءونها ولا يعملون بها ) يأخذون عرض هذا الأدنى ( أخبر الله عنهم بأنهم يأخذون ما يعرض لهم من متاع الدنيا لشدة حرصهم وقوة نهمتهم والأدنى مأخوذ من الدنو وهو القرب أي يأخذون عرض هذا الشيء الأدنى وهو الدنيا يتعجلون مصالحها بالرشاء وما هو مجعول لهم من السحت فى مقابلة تحريفهم لكلمات الله وتهوينهم للعمل بأحكام التوراة وكتمهم لما يكتمونه منها وقيل إن الأدنى مأخوذ من الدناءة والسقوط أي إنهم يأخذون عرض الشئ الدنيء الساقط ) ويقولون سيغفر لنا ( أي يعللون أنفسهم بالمغفرة مع تماديهم فى الضلالة وعدم رجوعهم إلى الحق وجملة ) يأخذون ( يحتمل أن تكون مستأنفة لبيان حالهم أو فى محل نصب على الحال وجملة ) يقولون ( معطوفة عليها والمراد بهذا الكلام التقريع والتوبيخ لهم وجملة ) وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ( في محل نصب على الحال أي يتعللون بالمغفرة والحال أنهم إذا أتاهم عرض مثل العرض الذى كانوا يأخذونه أخذوه غير مبالين بالعقوبة ولا خائفين من التبعة وقيل الضمير فى ) يأتهم ( ليهود المدينة أي وإن يأت هؤلاء اليهود الذين هم في عصر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) عرض مثل العرض الذى كان يأخذه أسلافهم أخذوه كما أخذه أسلافهم ) ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ( أي التوراة ) أن لا يقولوا على الله إلا الحق ( والاستفهام للتقريع والتوبيخ وجملة ) ودرسوا ما فيه ( معطوفة على ) يؤخذ ( على


"""""" صفحة رقم 261 """"""
المعنى وقيل على ) ورثوا الكتاب ( والأولى أن تكون فى محل نصب على الحال بتقدير قد والمعنى أنهم تركوا العمل بالميثاق المأخوذ عليهم فى الكتاب والحال أن قد درسوا ما فى الكتاب وعلموه فكان الترك منهم عن علم لا عن جهل وذلك أشد ذنبا وأعظم جرما وقيل معنى ) درسوا ما فيه ( أي محوه بترك العمل به والفهم له من قولهم درست الريح الآثار إذا محتها ) والدار الآخرة خير ( من ذلك العرض الذى أخذوه وآثروه عليها ) للذين يتقون ( الله ويجتنبون معاصيه ) أفلا تعقلون ( فتعلمون بهذا وتفهمونه وفى هذا من التوبيخ والتقريع ما لا يقادر قدره
الأعراف : ( 170 ) والذين يمسكون بالكتاب . . . . .
قوله ) والذين يمسكون بالكتاب ( قرأ الجهور ) يمسكون ( بالتشديد من مسك وتمسك أي استمسك بالكتاب وهو التوراة وقرأ أبو العالية وعاصم فى رواية أبي بكر بالتخفيف من أمسك يمسك وروى عن أبي بن كعب أنه قرأ ? مسكوا ? والمعنى أن طائفة من أهل الكتاب لا يتمسكون بالكتاب ولا ويعملون بما فيه مع كونهم قد درسوه وعرفوه وهم من تقدم ذكره وطائفة يتمسكون بالكتاب أي التوراة ويعملون بما فيه ويرجعون إليه فى أمر دينهم فهم المحسنون الذين لا يضيع أجرهم عند الله والموصول مبتدأ و ) إنا لا نضيع أجر المصلحين ( خبره أي لا نضيع أجر المصلحين منهم وإنما وقع التنصيص على الصلاة مع كونها داخلة فى سائر العبادات التى يفعلها المتمسكون بالتوراة لأنها رأس العبادات وأعظمها فكان ذلك وجها لتخصيصها بالذكر وقيل لأنها تقام فى أوقات مخصوصة والتمسك بالكتاب مستمر فذكرت لهذا وفيه نظر فإن كل عبادة فى الغالب تختص بوقت معين ويجوز أن يكون الموصول معطوفا على الموصول الذى قبله وهو للذين يتقون ولكون ) أفلا تعقلون ( جملة معترضة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) يسومهم سوء العذاب ( قال محمد وأمته إلى يوم القيامة وسوء العذاب الجزية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال ) سوء العذاب ( الخراج وفي قوله ) وقطعناهم ( قال هم اليهود بسطهم الله فى الأرض فليس منها بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى قوله ) ليبعثن عليهم ( قال على اليهود والنصارى ) إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب ( فبعث الله عليهم أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون ) وقطعناهم في الأرض أمما ( قال يهود ) منهم الصالحون ( وهم مسلمة أهل الكتاب ) ومنهم دون ذلك ( قال اليهود ) وبلوناهم بالحسنات ( قال الرخاء والعافية ) والسيئات ( قال البلاء والعقوبة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) وبلوناهم بالحسنات والسيئات ( بالخصب والجدب وأخرج أبو الشيخ عنه أنه سئل عن هذه الآية ) فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ( قال أقوام يقبلون على الدنيا فيأكلونها ويتبعون رخص القرآن ) ويقولون سيغفر لنا ( ولا يعرض لهم شئ من الدنيا إلا أخذوه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) فخلف من بعدهم خلف ( قال النصارى ) يأخذون عرض هذا الأدنى ( قال ما أشرف لهم من شئ من الدنيا حلالا أو حراما يشتهونه أخذوه ويتمنون المغفرة وإن يجدوا الغد مثله يأخذوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ) فخلف من بعدهم خلف ( الآية يقول يأخذون ما أصابوا ويتركون ما شاءوا من حلال أو حرام ) ويقولون سيغفر لنا ( وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ( فيما يوجبون على الله من غفران ذنوبهم التى لا يزالون يعودون إليها ولا يتوبون منها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي زيد فى قوله ) ودرسوا ما فيه ( قال علموا ما فى الكتاب لم يأتوه بجهالة وأخرج ابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 262 """"""
وأبو الشيخ عن الحسن فى قوله ) والذين يمسكون بالكتاب ( قال هى لأهل الإيمان منهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) والذين يمسكون بالكتاب ( قال من اليهود والنصارى
سورة الأعراف الآية ( 171 )
الأعراف : ( 171 ) وإذ نتقنا الجبل . . . . .
قوله ) وإذ ( منصوب بفعل مقدر معطوف على ما قبله أي واسألهم إذ نتقنا الجبل أي رفعنا الجبل ) فوقهم ( و ) كأنه ظلة ( أي كأنه لارتفاعه سحابة تظلهم والظلة اسم لكل ما أظل وقرئ طلة بالطاء من أطل عليه إذا أشرف ) وظنوا أنه واقع بهم ( أي ساقط عليهم قيل الظن هنا بمعنى العلم وقيل هو على بابه ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( هو على تقدير القول أي وقلنا لهم خذوا والقوة الجد والعزيمة أي أخذا كائنا بقوة ) واذكروا ما فيه ( من الأحكام التى شرعها الله لكم ولا تنسوه ) لعلكم تتقون ( رجاء أن تتقوا ما نهيتهم عنه وتعملوا بما أمرتم به وقد تقدم تفسير ما هنا فى البقرة مستوفى فلا نعده
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وإذ نتقنا الجبل ( يقول رفعناه وهو قوله ) ورفعنا فوقهم الطور ( فقال ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( وإلا أرسلته عليكم وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى الآية قال رفعته الملائكة فوق رءوسهم فقيل لهم ) خذوا ما آتيناكم بقوة ( فكانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا سمعنا وأطعنا وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا سمعنا وعصينا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا قال إنى لأعلم لم تسجد اليهود على حرف قال الله ) وإذ نتقنا الجبل فوقهم ( قال لتأخذن أمري أو لأرمينكم به فسجدوا وهم ينظرون إليه مخافة أن يسقط عليهم وكانت سجدة رضيها الله سبحانه فاتخذوها سنة وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) وإذ نتقنا الجبل ( قال انتزعه الله من أصله ثم جعله فوق رءوسهم ثم قال لتأخذن أمري أو لأرمينكم به
سورة الأعراف الآية ( 172 174 )
الأعراف : ( 172 ) وإذ أخذ ربك . . . . .
قوله ) وإذ ( منصوب بفعل مقدر معطوف على ما قبله كما تقدم قوله ) من بني آدم ( استدل بهذا على أن المراد بالمأخوذين هنا هم ذرية بنى آدم أخرجهم الله من أصلابهم نسلا بعد نسل
وقد ذهب إلى هذا جماعة من المفسرين قالوا ومعنى ) وأشهدهم على أنفسهم ( دلهم بخلقه على أنه خالقهم فقامت هذه الدلالة مقام الإشهاد فتكون هذه الآية من باب التمثيل كما فى قوله تعالى ) فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ( وقيل المعنى أن الله سبحانه أخرج الأزواج قبل خلق الأجساد وأنه جعل


"""""" صفحة رقم 263 """"""
فيها من المعرفة ما فهمت به خطابه سبحانه وقيل المراد ببنى آدم هنا آدم نفسه كما وقع فى غير هذا الموضع والمعنى أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج منه ذريته وأخذ عليهم العهد وهؤلاء هم عالم الذر وهذا هو الحق الذى لا ينبغى العدول عنه ولا المصير إلى غيره لثبوته مرفوعا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وموقوفا على غيره من الصحابة ولا ملجئ للمصير إلى المجاز وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل وسنذكر آخر هذا البحث إن شاء الله بعض ما ورد فى ذلك قوله ) من ظهورهم ( هو بدل من بنى آدم بدل بعض من كل وقيل بدل اشتمال قوله ? ذرياتهم ? قرأ الكوفيون وابن كثير ) ذريتهم ( بالتوحيد وهى تقع على الواحد والجمع وقرأ الباقون ? ذرياتهم ? بالجمع ) وأشهدهم على أنفسهم ( أي أشهد كل واحد منهم ) ألست بربكم ( أي قائلا ألست بربكم فهو على إرادة القول ) قالوا بلى شهدنا ( أي على أنفسنا بأنك ربنا قوله ) أن تقولوا ( قرأ أبو عمرو بالياء التحتية فى هذا وفي قوله ? أو يقولوا ? على الغيبة كما كان فيما قبله على الغيبة وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب والمعنى كراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا أي فعلنا ذلك الأخذ والإشهاد كراهة أن يقولوا ) يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ( أي عن كون الله ربنا وحده لا شريك له
الأعراف : ( 173 ) أو تقولوا إنما . . . . .
قوله ) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ( معطوف على ) تقولوا ( الأول أي فعلنا ذلك كراهة أن تعتذروا بالغفلة أو تنسبوا الشرك إلى آبائكم دونكم و ) أو ( لمنع الخلو دون الجمع فقد يعتذرون بمجموع الأمرين ) من قبل ( أي من قبل زماننا ) وكنا ذرية من بعدهم ( لا نهتدى إلى الحق ولا نعرف الصواب ) أفتهلكنا بما فعل المبطلون ( من آبائنا ولا ذنب لنا لجهلنا وعجزنا عن النظر واقتفائنا آثار سلفنا بين الله سبحانه فى هذه الحكمة التى لأجلها أخرجهم من ظهر آدم وأشهدهم على أنفسهم وأنه فعل ذلك بهم لئلا يقولوا هذه المقالة يوم القيامة ويعتلوا بهذه العلة الباطلة ويعتذروا بهذه المعذرة الساقطة
الأعراف : ( 174 ) وكذلك نفصل الآيات . . . . .
) وكذلك ( أي ومثل ذلك التفصيل ) نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ( إلى الحق ويتركون ما هم عليه من الباطل
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج مالك فى الموطأ وأحمد فى المسند وعبد بن حميد والبخاري فى تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان فى صحيحه وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات والضياء فى المختارة أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية ) وإذ أخذ ربك ( الآية فقال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسأل عنها فقال إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل فقال إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله النار وأخرج أحمد والنسائي وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذراها فنشرها بين يديه ثم كلمهم فقال ) ألست بربكم قالوا بلى شهدنا ( إلى قوله ) المبطلون ( وإسناده لا مطعن فيه وقد أخرجه ابن أبي حاتم موقوفا على ابن عباس وأخرج ابن جرير وابن منده فى كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم وذرياتهم قال أخذهم من ظهره كما يؤخذ المشط من الرأس فقال لهم ألست بربكم قالوا بلى قالت الملائكة شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين وفي إسناده أحمد بن أبي ظبية أبو محمد الجرجاني قاضي قومس كان أحد الزهاد


"""""" صفحة رقم 264 """"""
وأخرج له النسائي فى سننه وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه وقال ابن عدي حدث بأحاديث كثيرة غرائب وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدى عن سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمر وهؤلاء أئمة ثقات وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي فى نوادر الأصول والطبراني وأبو الشيخ فى العظمة وابن مردويه عن أبي أمامة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما خلق الله الخلق وقضى القضية وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء فأخذ أهل اليمين بيمينه وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى وكلتا يدي الرحمن يمين فقال يا أصحاب اليمين فاستجابوا له فقالوا لبيك ربنا وسعديك قال ألست بربكم قالوا بلى الحديث والأحاديث فى هذا الباب كثيرة بعضها مقيد بتفسير هذه الآية وبعضها مطلق يشتمل على ذكر إخراج ذرية آدم من ظهره وأخذ العهد عليهم كما في حديث أنس مرفوعا فى الصحيحين وغيرهما وأما المروى عن الصحابة فى تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من صلبه فى عالم الذر وأخذ العهد عليهم وإشهادهم على أنفسهم فهي كثيرة منها عن ابن عباس عند عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ فى قوله ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية قال خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه وكتب أجله ورزقه ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر فأخذ مواثيقهم أنه ربهم وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصيباتهم وأخرج نحوه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم وأخرج نحوه عنه أيضا ابن جرير وابن المنذر وأخرج نحوه عنه عبد الرزاق وابن المنذر وأخرج نحوه عنه عبد ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن منده وهذا المعنى مروى عنه من طرق كثيرة غير هذه موقوفة عليه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمر فى قوله ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية قال أخذهم كما يأخذ المشط من الرأس وأخرج ابن عبد البر فى التمهيد عن ابن مسعود وناس من الصحابة فى تفسير الآية نحوه وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد بن حنبل فى رواية المسند وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن منده وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات والضياء فى المختارة وابن عساكر فى تاريخه عن أبي بن كعب فى قوله ) وإذ أخذ ربك من بني آدم ( الآية قال جمعهم جميعا فجعلهم أرواحا فى صورهم ثم استنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق ثم أشهدهم على أنفسهم
وقد روى عن جماعة ممن بعد الصحابة تفسير هذه الآية بإخراج ذرية آدم من ظهره وفيما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى تفسيرها مما قدمنا ذكره ما يغنى عن التطويل
سورة الأعراف الآية ( 175 178 )


"""""" صفحة رقم 265 """"""
الأعراف : ( 175 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
قوله ) واتل ( معطوف على الأفعال المقدرة فى القصص السابقة وإيراد هذه القصة منه سبحانه وتذكير أهل الكتاب بها لأنها كانت مذكورة عندهم فى التوراة وقد اختلف فى هذا الذى أوتى الآيات ) فانسلخ منها ( فقيل هو بلعم بن باعوراء وكان قد حفظ بعض الكتب المنزلة وقيل كان قد أوتى النبوة وكان مجاب الدعوة بعثه الله إلى مدين يدعوهم إلى الإيمان فأعطوه الأغطية الواسعة فاتبع دينهم وترك ما بعث به فلما أقبل موسى فى بنى إسرائيل لقتال الجبارين سأل الجبارون بلعم بن باعوراء أن يدعو على موسى فقام ليدعو عليه فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه فقيل له في ذلك فقال لا أقدر على أكثر مما تسمعون واندلع لسانه على صدره فقال قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة وسأمكر لكم وإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنا فإن وقعوا فيه هلكوا فوقع بنو إسرائيل فى الزنا فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفا وقيل إن هذا الرجل اسمه باعم وهو من بنى إسرائيل وقيل المراد به أمية بن الصلت الثقفي وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا فى ذلك فلما أرسل الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) حسده وكفر به وقيل هو أبو عامر بن صيفى وكان يلبس المسوح فى الجاهلية فكفر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل نزلت فى قريش آتاهم الله آياته التى أنزلها على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكفروا بها وقيل نزلت فى اليهود والنصارى انتظروا خروج محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكفروا به قوله ) فانسلخ منها ( أي من هذه الآيات التى أوتيها كما تنسلخ الشاة عن جلدها فلم يبق له بها اتصال ) فأتبعه الشيطان ( عند انسلاخه عن الآيات أي لحقه فأدركه وصار قرينا له أو فأتبعه خطواته وقرئ ) فأتبعه ( بالتشديد بمعنى تبعه ) فكان من الغاوين ( المتمكنين فى الغواية وهم الكفار
الأعراف : ( 176 ) ولو شئنا لرفعناه . . . . .
قوله ) ولو شئنا لرفعناه بها ( الضمير يعود إلى الذي أوتى الآيات والمعنى لو شئنا رفعه بما آتيناه من الآيات لرفعناه بها أي بسببها ولكن لم نشأ ذلك لانسلاخه عنها وتركه للعمل بها وقيل المعنى ولو شئنا لأمتناه قبل أن يعصى فرفعناه إلى الجنة بها أي بالعمل بها ) ولكنه أخلد إلى الأرض ( أصل الإخلاد اللزوم يقال أخلد فلان بالمكان إذا أقام به ولزمه والمعنى هنا أنه مال إلى الدنيا ورغب فيها وآثرها على الآخرة ) واتبع هواه ( أي اتبع ما يهواه وترك العمل بما يقتضيه العلم الذى علمه الله وهو حطام الدنيا وقيل كان هواه مع الكفار وقيل اتبع رضا زوجته وكانت هى التى حملته على الانسلاخ من آيات الله قوله ) فمثله كمثل الكلب ( أي فصار لما انسلخ عن الآيات ولم يعمل بها منحطا إلى أسفل رتبة مشابها لأخس الحيوانات فى الدناءة ممائلا له فى أقبح أوصافه وهو أنه يلهث فى كلا حالتي قصد الإنسان له وتركه فهو لاهث سواء زجر أو ترك طرد أو لم يطرد شد عليه أو لم يشد عليه وليس بعد هذا فى الخسة والدناءة شئ وجملة ) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ( فى محل نصب على الحال أي مثله كمثل الكلب حال كونه متصفا بهذه الصفة والمعنى أن هذا المنسلخ عن الآيات لا يرعوى عن المعصية فى جميع أحواله سواء وعظه الواعظ وذكره المذكر وزجره الزاجر أو لم يقع شيء من ذلك قال القتيبي كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال وحال الراحة وحال المرض وحال الصحة وحال الرى وحال العطش فضربه الله مثلا لمن كذب بآياته فقال إن وعظته ضل وإن تركته ضل فهو كالكلب إن تركته لهث وإن طردته لهث كقوله تعالى ) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ( واللهث إخراج اللسان لتعب أو عطش أو غير ذلك قال الجوهري لهث الكلب بالفتح يلهث لهثا ولهاثا بالضم إذا أخرج لسانه من التعب أو العطش وكذلك الرجل إذا أعيا قيل معنى الآية أنك إذا حملت على الكلب نبح وولى هاربا وإن تركته شد عليك


"""""" صفحة رقم 266 """"""
ونبح فيتعب نفسه مقبلا عليك ومديرا عنك فيعتريه عند ذلك ما يعتريه عند العطش من إخراج اللسان والإشارة بقوله ذلك إلى ما تقدم من التمثيل بتلك الحالة الخسيسة وهو مبتدأ وخبره ) مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ( أي ذلك المثل الخسيس مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من اليهود بعد أن علموا بها وعرفوها فحرفوا وبدلوا وكتموا صفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكذبوا بها ) فاقصص القصص ( أي فاقصص عليهم هذا القصص الذى هو صفة الرجل المنسلخ عن الآيات فإن مثله المذكور كمثل هؤلاء القوم المكذبين من اليهود الذين تقص عليهم ) لعلهم يتفكرون ( فى ذلك ويعملون فيه أفهامهم فينزجرون عن الضلال ويقبلون على الصواب
الأعراف : ( 177 ) ساء مثلا القوم . . . . .
قوله ) ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا ( هذه الجملة متضمنة لبيان حال هؤلاء القوم البالغة فى القبح إلى الغاية يقال ساء الشئ قبح فهو لازم وساءه يسوؤه مساءة فهو متعد وهو من أفعال الذم كبئس وفاعله ضمير مستتر فيه ومثلا تمييز مفسر له والمخصوص بالذم هو الذين كذبوا بآياتنا ولا بد من تقدير مضاف محذوف لأجل المطابقة أي ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا وقال الأخفش جعل المثل القوم مجازا والقوم مرفوع بالابتداء أو على إضمار مبتدأ التقدير ساء المثل مثلا هو مثل القوم كذا قال وقدره أبو علي الفارسي ساء مثلا مثل القوم كما قدمنا وقرأ الجحدري والأعمش ? ساء مثل القوم ? قوله ) وأنفسهم كانوا يظلمون ( أي ما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم لا يتعداها ظلمهم إلى غيرها ولا يتجاوزها والجملة معطوفة على التى قبلها على معنى أنهم جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم
الأعراف : ( 178 ) من يهد الله . . . . .
) من يهد الله فهو المهتدي ( لما أمر به وشرعه لعباده ) ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ( الكاملون فى الخسران من هداه فلا مضل له ومن أضله فلا هادى له ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الفريابي وعبد الرزاق وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود فى قوله ) واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا ( قال هو رجل من بنى إسرائيل يقال له بلعم بن آبز وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال هو بلعم بن باعوراء وفي لفظ بلعام بن باعر الذى أوتى الاسم كان فى بنى إسرائيل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا ( قال هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم تعلم اسم الله الأكبر فلما نزل بهم موسة أتاه بنو عمه وقومه فقالوا إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه قال إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه مضت دنياي وآخرتي فلم يزالوا به حتى دعا الله فسلخ ما كان فيه وفي قوله ) إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ( قال إن حمل الحكمة لم يحملها وإن ترك لم يهتد لخير كالكلب إن كان رابضا لهث وإن يطرد لهث وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى الآية قال هو رجل أعطى ثلاث دعوات يستجاب له فيهن وكانت له امرأة له منها ولد فقالت اجعل لي منها واحدة قال فلك واحدة فما الذى تريدين قالت ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة فى بنى إسرائيل فدعا الله فجعلها أجمل امرأة فى بنى إسرائيل فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئا آخر فدعا الله أن يجعلها كلبة فصارت كلبة فذهبت دعوتان فجاء بنوها فقالوا ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها فادع الله أن يردها إلى الحال التى كانت عليه فدعا الله فعادت كما كانت فذهبت الدعوات الثلاث وسميت البسوس وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو فى الآية قال هو أمية بن أبي الصلت الثقفي وفي لفظ نزلت فى صاحبكم أمية بن أبي الصلت وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن


"""""" صفحة رقم 267 """"""
مردويه وابن عساكر عنه نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الشعبي فى هذه الآية قال قال ابن عباس هو رجل من بنى إسرائيل يقال له بلعام بن باعوراء وكانت الأنصار تقول هو ابن الراهب الذى بني له مسجد الشقاق وكانت ثقيف تقول هو أمية بن أبي الصلت وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال هو صيفى بن الراهب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه فى قوله ) فانسلخ منها ( قال نزع منه العلم
وفي قوله ) ولو شئنا لرفعناه بها ( قال رفعه الله بعلمه وأخرح مسلم والنسائي وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي فى الأسماء والصفات عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في خطبته يحمد الله ويثنى عليه بما هو أهله ثم يقول من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وشر الأمور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ثم يقول بعثت أنا والساعة كهاتين
سورة الأعراف الآية ( 179 )
الأعراف : ( 179 ) ولقد ذرأنا لجهنم . . . . .
) ولقد ذرأنا ( أي خلقنا وقد تقدم بيان أصل معناه مستوفى وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها ) لجهنم ( أي للتعذيب بها ) كثيرا ( أي خلقا كثيرا ) من الجن والإنس ( أي من طائفتي الجن والإنس جعلهم سبحانه للنار بعد له وبعمل أهلها يعملون وقد علم ما هم عاملون قبل كونهم كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة ثم وصف هؤلاء فقال ) لهم قلوب لا يفقهون بها ( كما يفقه غيرهم بعقولهم وجملة ) لا يفقهون بها ( في محل رفع على أنها صفة لقلوب وجملة ) لهم قلوب ( فى محل نصب صفة لكثيرا جعل سبحانه قلوبهم لما كانت غير فاقهة لما فيه نفعهم وإرشادهم غير فاقهة مطلقا وإن كانت تفقه فى غير ما فيه النفع والرشاد فهو كالعدم وهكذا معنى ) ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ( فإن الذى انتفى من الأعين هو إبصار ما فيه الهداية بالتفكر والاعتبار وإن كانت مبصرة فى غير ذلك والذى انتقى من الآذان هو سماع المواعظ النافعة والشرائع التى اشتملت عليها الكتب المنزلة وما جاءت به رسل الله وإن كانوا يسمعون غير ذلك والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى هؤلاء المتصفين بهذه الأوصاف كالأنعام فى انتفاء انتفاعهم بهذه المشاعر ثم حكم عليهم بأنهم أضل منها لأنها تدرك بهذه الأمور ما ينفعها ويضرها فتنتفع بما ينفع وتجتنب ما يضر وهؤلاء لا يميزون بين ما ينفع وما يضر باعتبار ما طلبه الله منهم وكلفهم به ثم حكم عليهم بالغفلة الكاملة لما هم عليه من عدم التمييز الذى هو من شأن من له عقل وبصر وسمع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) ولقد ذرأنا ( قال خلقنا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن فى الآية قال خلقنا لجهنم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن النجار عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله لما ذرأ لجهنم من ذرأ كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم وأخرج ابن جرير عن مجاهد فى قوله ) ولقد ذرأنا لجهنم ( قال لقد خلقنا لجهنم ) لهم قلوب لا يفقهون بها ( قال لا يفقهون شيئا من أمور الآخرة ) ولهم أعين لا يبصرون بها ( الهدى ) ولهم آذان لا يسمعون بها (


"""""" صفحة رقم 268 """"""
الحق ثم جعلهم كالأنعام ثم جعلهم شرا من الأنعام فقال ) بل هم أضل ( ثم أخبر أنهم الغافلون
سورة الأعراف الآية ( 180 )
الأعراف : ( 180 ) ولله الأسماء الحسنى . . . . .
هذه الآية مشتملة على الإخبار من الله سبحانه بما له من الأسماء على الجملة دون التفصيل والحسنى تأنيث الأحسن أي التى هى أحسن الأسماء لدلالتها على أحسن مسمى وأشرف مدلول ثم أمرهم بأن يدعوه بها عند الحاجة فإنه إذا دعى بأحسن أسمائه كان ذلك من أسباب الإجابة وقد ثبت فى الصحيح إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة وسيأتي ويأتي أيضا بيان عددها آخر البحث إن شاء الله قوله ) وذروا الذين يلحدون في أسمائه ( الإلحاد الميل وترك القصد يقال لحد الرجل في الدين وألحد إذا مال ومنه اللحد فى القبر لأنه فى ناحية وقرئ ) يلحدون ( وهما لغتان والإلحاد فى أسمائه سبحانه يكون على ثلاثة أوجه إما بالتغيير كما فعله المشركون فإنهم أخذوا اسم اللات من الله والعزى من العزيز ومناة من المنان أو بالزيادة عليها بأن يخترعوا أسماء من عندهم لم يأذن الله بها أو بالنقصان منها بأن يدعوه ببعضها دون بعض ومعنى ) وذروا الذين يلحدون ( أتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم وعلى هذا المعنى فالآية منسوخة بآيات القتال وقيل معناه الوعيد كقوله تعالى ) ذرني ومن خلقت وحيدا ( وقوله ) ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ( وهذا أولى لقوله ) سيجزون ما كانوا يعملون ( فإنه وعيد لهم بنزول العقوبة وتحذير للمسلمين أن يفعلوا كفعلهم وقد ذكر مقاتل وغيره من المفسرين أن هذه الآية نزلت في رجل من المسلمين كان يقول فى صلاته يا رحمن يا رحيم فقال رجل من المشركين أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو ربين اثنين حكى ذلك القرطبي
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو عوانة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن منده وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر وفي لفظ ابن مردويه وأبي نعيم من دعى بها استجاب الله دعاءه وزاد الترمذي فى سننه بعد قوله يحب الوتر هو الله الذى لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوى المتين الولي الحميد المحصى المبدئ المعيد المحيى المميت الحي القيوم الواجد الماجد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرءوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادى البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور


"""""" صفحة رقم 269 """"""
هكذا أخرج الترمذي هذه الزيادة عن الجوزجاني عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد الأعرج عن أبي هريرة مرفوعة وقال هذا حديث غريب وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ولا يعلم في كثير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث ورواه ابن حبان فى صحيحه وابن خزيمة والحاكم من طريق صفوان بإسناده السابق ورواه ابن ماجه فى سننه من طريق أخرى عن موسى ابن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا فسرد الأسماء المتقدمة بزيادة ونقصان قال ابن كثير فى تفسيره والذى عول جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء فى هذا الحديث مدرج فيه وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك أي أنهم جمعوها من القرآن كما روى عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي قال ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة فى التسعة والتسعين بدليل ما رواه الإمام أحمد فى مسنده عن يزيد بن هارون عن فضيل ابن مرزوق عن أبي سلمة الجهنى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك وأمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل فى قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها فقال بلى ينبغى لمن سمعها أن يتعلمها وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبان فى صحيحه بمثله انتهى وأخرجه البيهقي أيضا فى الأسماء والصفات قال ابن حزم جاءت فى إحصائها يعني الأسماء الحسنى أحاديث مضطربة لا يصح منها شيء أصلا وقد أخرجها بهذا العدد الذى أخرجه الترمذي ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكراه ولا أدرى كيف إسناده وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني كلاهما فى الدعاء وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة أسأل الله الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الغفور الودود الشكور المجيد المبدئ المعيد النور البارئ وفي لفظ القائم الأول الآخر الظاهر الباطن العفو الغفار الوهاب الفرد وفي لفظ القادر الأحد الصمد الوكيل الكافي الباقي المغيث الدائم المتعالى ذا الجلال والإكرام المولى البصير الحق المتين الوارث المنير الباعث القدير وفي لفظ المجيب المحيى المميت الحميد وفي لفظ الجميل الصادق الحفيظ المحيط الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني الملك المقتدر الأكرم الرءوف المدبر المالك القاهر الهادي الشاكر الكريم الرفيع الشهيد الواحد ذا الطول ذا المعارج ذا الفضل الخلاق الكفيل الجليل
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن جعفر قال سألت أبي جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء التسعة والتسعين التى من أحصاها دخل الجنة فقال هى فى القرآن ففي الفاتحة خمسة أسماء يا ألله يا رب يا رحمن يا رحيم يا ملك وفي البقرة ثلاثة وثلاثون اسما يا محيط يا قدير يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم يا تواب يا بصير يا ولي يا واسع يا كافي يا رءوف يا بديع يا شاكر يا واحد يا سميع يا قابض يا باسط يا حي


"""""" صفحة رقم 270 """"""
ياقيوم ياغني ياحميد ياغفور ياحليم ياإله ياقريب يامجيب ياعزيز يانصير ياقوي ياشديد ياسريع ياخبير وفى آل عمران ياوهاب ياقائم ياصادق ياباعث يامنعم يامتفضل وفي النساء يارقيب ياحسيب ياشهيد يامقيت ياوكيل ياعلي ياكبير فى الأنعام يافاطر ياقاهر يالطيف يابرهان وفي الأعراف يامحيى يامميت وفي الأنفال يا نعم المولى ويا نعم النصير وفي هود ياحفيظ يامجيد ياودود يافعال لما تريد وفي الرعد ياكبير يامتعالى وفى إبراهيم يامنان ياوارث وفي الحجر ياخلاق وفي مريم يافرد وفي طه ياغفار وفي قد أفلح ياكريم وفي النور ياحق يامبين وفي الفرقان ياهادي وفي سبأ يافتاح وفي الزمر ياعالم وفي غافر ياقابل التوب ياذا الطول يارفيع وفي الذاريات يارزاق ياذا القوة يامتين وفي الطور يابر وفي اقتربت يامقتدر يامليك وفي الرحمن ياذا الجلال والإكرام يارب المشرقين يارب المغربين يا باقي يامعين وفي الحديد ياأول ياآخر ياظاهر ياباطن وفي الحشر ياملك ياقدوس ياسلام يامؤمن يا مهيمن ياعزيز ياجبار يامتكبر ياخالق يابارئ يامصور وفي البروج يامبدئ يامعيد وفي الفجر ياوتر وفي الإخلاص ياأحد ياصمد انتهى
وقد ذكر ابن حجر فى التلخيص أنه تتبعها من الكتاب العزيز إلى أن حرر هنا منه تسعة وتسعين ثم سردها فابحثه ويؤيد هذا ما أخرجه أبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة وهى في القرآن وأخرج البيهقي عن عائشة أنها قالت يا رسول الله علمني اسم الله الذى إذا دعى به أجاب قال لها قومي فتوضيء وادخلي المسجد فصلى ركعتين ثم ادعى حتى أسمع ففعلت فلما جلست للدعاء قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم وفقها فقالت اللهم إني أسألك بجميع أسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم وأسألك باسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر الذى من دعاك به أجبته ومن سألك به أعطيته قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصبتيه أصبتيه
وقد أطال أهل العلم الكلام على الأسماء الحسنى حتى أن ابن العربي فى شرح الترمذي حكى عن بعض أهل العلم أنه جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وذروا الذين يلحدون في أسمائه ( قال الإلحاد أن يدعو اللات والعزى فى أسماء الله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال الإلحاد التكذيب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى الآية قال اشتقوا العزى من العزيز واشتقوا اللات من الله وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء فى الآية قال الإلحاد المضاهاة وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش أنه قرأ ) يلحدون ( من لحد وقال تفسيرها يدخلون فيها ما ليس منها وأخرج عبد الرزاق بن حميد وابن جرير عن قتادة فى الآية قال يشركون
سورة الأعراف الآية ( 181 184 )


"""""" صفحة رقم 271 """"""
سورة الأعراف الآية ( 185 186 )
الأعراف : ( 181 ) وممن خلقنا أمة . . . . .
قوله ) وممن خلقنا ( خبر مقدم و ) أمة ( مبتدأ مؤخر و ) يهدون ( وما بعده صفة له ويجوز أن يكون ) وممن خلقنا ( هو المبتدأ كما تقدم فى قوله ) ومن الناس من يقول ( والمعنى أن من جملة من خلقه الله أمة يهدون الناس متلبسين بالحق أو يهدونهم بما عرفوه من الحق و بالحق ) يعدلون ( بينهم قيل هم من هذه الأمة وإنهم الفرقة الذين لا يزالون على الحق ظاهرين كما ورد فى الحديث الصحيح
الأعراف : ( 182 ) والذين كذبوا بآياتنا . . . . .
ثم لما بين حال هذه الأمة الصالحة بين حال من يخالفهم فقال ) والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( والاستدراج هو الأخذ بالتدريج منزلة بعد منزلة والدرج كف الشئ يقال أدرجته ودرجته ومنه إدراج الميت فى أكفانه وقيل هو من الدرجة فالاستدراج أن يخطو درجة بعد درجة إلى المقصود ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه وأدرج الكتاب طواه شيئا بعد شئ ودرج القوم مات بعضهم فى أثر بعض والمعنى سنسندينهم قليلا قليلا إلى ما يهلكهم وذلك بإدرار النعم عليهم وإنسائهم شكرها فينهمكون فى الغواية ويتنكبون طرق الهداية لاغترارهم بذلك وأنه لم يحصل لهم إلا بما لهم عند الله من المنزلة والزلفة
الأعراف : ( 183 ) وأملي لهم إن . . . . .
قوله ) وأملي لهم ( معطوف على سنستدرجهم أي أطيل لهم المدة وأمهلهم وأؤخر عنهم العقوبة وجملة ) إن كيدي متين ( مقررة لما قبلها من الاستدراج والإملاء ومؤكدة له والكيد المكر والمتين الشديد القوي وأصله من المتن وهو اللحم الغليظ الذى على جانب الصلب
قال فى الكشاف سماء كيدا لأنه شبيه بالكيد من حيث إنه فى الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان
الأعراف : ( 184 ) أولم يتفكروا ما . . . . .
والاستفهام فى ) أو لم يتفكروا ( للإنكار عليهم حيث لم يتفكروا فى شأن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفيما جاء به و ) ما ( فى ) ما بصاحبهم ( للاستفهام الإنكاري وهى فى محل رفع بالابتداء والخبر بصاحبهم والجنة مصدر أي وقع منهم التكذيب ولم يتفكروا أي شئ من جنون كائن بصاحبهم كما يزعمون فإنهم لو تفكروا لوجدوا زعمهم باطلا وقولهم زورا وبهتا وقيل إن ) ما ( نافية واسمها ) من جنة ( وخبرها بصاحبهم أي ليس بصاحبهم شئ مما يدعونه من الجنون فيكون هذا ردا لقولهم ) يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ( ويكون الكلام قد تم عند قوله ) أو لم يتفكروا ( والوقف عليه من الأوقاف الحسنة وجملة ) إن هو إلا نذير مبين ( مقررة لمضمون ما قبلها ومبينة لحقيقة حال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
الأعراف : ( 185 ) أولم ينظروا في . . . . .
والاستفهام فى ) أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ( للإنكار والتقريع والتوبيخ ولقصد التعجيب من إعراضهم عن النظر فى الآيات البينة الدالة على كمال قدرته وتفرده بالإلهية والملكوت من أبنية المبالغة ومعناه الملك العظيم وقد تقدم بيانه والمعنى إن هؤلاء لم يتفكروا حتى ينتفعوا بالتفكر ولا نظروا فى مخلوقات الله حتى يهتدوا بذلك إلى الإيمان به بل هم سادرون فى ضلالتهم خائضون فى غوايتهم لا يعملون فكرا ولا يمعنون نظرا قوله ) وما خلق الله من شيء ( أي لم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض ولا فيما خلق الله من شئ من الأشياء كائنا ما كان فإن في كل مخلوقاته عبرة للمعتبرين وموعظة للمتفكرين سواء كانت من جلائل مصنوعاته كملكوت السموات والأرض أو من دقائقها من سائر مخلوقاته قوله ) وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ( معطوف على ملكوت وأن هى المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وخبرها عسى وما بعدها أي أو لم ينظروا فى أن الشأن والحديث عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فيموتون عن قريب والمعنى إنهم إذا كانوا يجوزون قرب آجالهم فما لهم لا ينظرون فيما يهتدون


"""""" صفحة رقم 272 """"""
به وينتفعون بالتفكر فيه والاعتبار به ) فبأي حديث بعده يؤمنون ( الضمير يرجع إلى ما تقدم من التفكر والنظر فى الأمور المذكورة أي فبأي حديث بعد هذا الحديث المتقدم بيانه يؤمنون وفي هذا الاستفهام من التقريع والتوبيخ ما لا يقادر قدره وقيل الضمير للقرآن وقيل لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل للأجل المذكور قبله
الأعراف : ( 186 ) من يضلل الله . . . . .
وجملة ) من يضلل الله فلا هادي له ( مقررة لما قبلها أي إن هذه الغفلة منهم عن هذه الأمور الواضحة البينة ليس إلا لكونهم ممن أضله الله ومن يضلله فلا هادى له أي فلا يوجد من يهديه إلى الحق وينزعه عن الضلالة ألبتة ) ويذرهم في طغيانهم يعمهون ( قرئ بالرفع على الاستئناف وبالجزم عطفا على محل الجزاء وقرئ بالنون ومعنى يعمهون يتحيرون وقيل يترددون وهو فى محل نصب على الحال
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى قوله ) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق ( قال ذكر لنا أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال هذه أمتى بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى الآية قال بلغنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول إذا قرأها هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع فى الآية قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم متى نزل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( يقول سنأخذهم من حيث لا يعلمون قال عذاب بدر وأخرج أبو الشيخ عن يحيى بن المثنى فى الآية قال كلما أحدثوا ذنبا جددنا لهم نعمة تنسيهم الاستغفار وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ والبيهقي فى الأسماء والصفات عن سفيان فى الآية قال نسبغ عليهم النعمة ونمنعهم شكرها وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن ثابت البناني أنه سئل عن الاستدراج فقال ذلك مكر الله بالعباد المضيعين وأخرج أبو الشيخ فى قوله ) وأملي لهم ( يقول أكف عنهم ) إن كيدي متين ( إن مكري شديد ثم نسخها الله فأنزل ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كيد الله العذاب والنقمة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) قام على الصفا فدعا قريشا فخذا فخذا يا بني فلان يا بني فلان يحذرهم بأس الله ووقائع الله إلى الصباح حتى قال قائل إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوت حتى أصبح فأنزل الله ) أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين )
سورة الأعراف الآية ( 187 188 )


"""""" صفحة رقم 273 """"""
سورة الأعراف الآية ( 189 192 )
الأعراف : ( 187 ) يسألونك عن الساعة . . . . .
قوله ) يسألونك عن الساعة ( السائلون هم اليهود وقيل قريش والساعة القيامة وهى من الأسماء الغالبة وإطلاقها على القيامة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها وأيان ظرف زمان مبني على الفتح قال الزاجر أيان تقضى حاجتي أيانا
أما ترى لنجحها أوانا
ومعناه معنى متى واشتقاقه من أي وقيل من أين وقرأ السلمي ) أيان ( بكسر الهمزة وهو فى موضع رفع على الخبر و ) مرساها ( المبتدأ عند سيبويه ومرساها بضم الميم أي وقت إرسائها من أرساها الله أي أثبها وبفتح الميم من رست أي ثبتت ومنه ) وقدور راسيات ( ومنه رسا الجبل والمعنى متى يرسيها الله أي يثبتها ويوقعها وظاهر ) يسألونك عن الساعة ( أن السؤال عن نفس الساعة وظاهر ) أيان مرساها ( أن السؤال عن وقتها فحصل من الجميع أن السؤال المذكور هو عن الساعة باعتبار وقوعها في الوقت المعين لذلك ثم أمره الله سبحانه بأن يجيب عنهم بقوله ) قل إنما علمها عند ربي ( أي علمها باعتبار وقوعها عند الله لا يعلمها غيره ولا يهتدى إليها سواه ) لا يجليها لوقتها إلا هو ( أي لا يظهرها لوقتها ولا يكشف عنها إلا الله سبحانه والتجلية إظهار الشئ يقال جلى لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه وفي استئثار الله سبحانه بعلم الساعة حكمة عظيمة وتدبير بليغ كسائر الأشياء التى أخفاها الله واستأثر بعلمها وهذه الجملة مقررة لمضمون التى قبلها قوله ) ثقلت في السماوات والأرض ( قيل معنى ذلك أنه لما خفى علمها على أهل السموات والأرض كانت ثقيلة لأن كل ما خفى علمه ثقيل على القلوب وقيل المعنى لا تطيقها السموات والأرض لعظمها لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر والبحار تنضب وقيل عظم وصفها عليهم وقيل ثقلت المسئلة عنها وهذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها أيضا ) لا تأتيكم إلا بغتة ( إلا فجأة على غفلة والبغتة مصدر فى موضع الحال وهذه الجملة كالتى قبلها فى التقرير قوله ) يسألونك كأنك حفي عنها ( قال ابن فارس الحفي العالم بالشيء والحفي المستقصى فى السؤال ومنه قول الاعشى فإن تسألي عني فيارب سائل
حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
أ
يقال أحفى فى المسئلة وفي الطلب فهو محف وحفي على التكثير مثل مخصب وخصيب والمعنى يسألونك عن الساعة كأنك عالم بها أو كأنه مستقص للسؤال عنها ومستكثر منه والجملة التشبيهية فى محل نصب على الحال أي يسألونك مشبها حالك حال من هو حفي عنها وقيل المعنى يسألونك عنها كأنك حفي بهم أي حفي ببرهم وفرح بسؤالهم والأول هو معنى النظم القرآني على مقتضى المسلك العربي قوله ) قل إنما علمها عند ربي ( أمره الله سبحانه بأن يكرر ما أجاب به عليهم سابقا لتقرير الحكم وتأكيده وقيل ليس بتكرير بل أحدهما معناه الاستئثار بوقوعها والآخر الاستئثار بكنهها نفسها ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( باستئثار الله بهذا وعدم علم خلقه به لم يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل
الأعراف : ( 188 ) قل لا أملك . . . . .
قوله ) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ( هذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدم من عدم علمه بالساعة أيان تكون ومتى تقع لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له أو دفع


"""""" صفحة رقم 274 """"""
ضر عنه إلا ما شاء الله سبحانه من النفع له والدفع عنه فبالأولى أن لا يقدر على علم ما استأثر الله بعلمه وفي هذا من إظهار العبودية والإقرار بالعجز عن الأمور التى ليست من شأن العبيد والاعتراف بالضعف عن انتحال ما ليس له ( صلى الله عليه وسلم ) ما فيه أعظم زاجر وأبلغ واعظ لمن يدعى لنفسه ما ليس من شأنها وينتحل علم الغيب بالنجامة أو الرمل أو الطرق بالحصا أو الزجر ثم أكد هذا وقرره بقوله ) ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ( أي لو كنت أعلم جنس الغيب لتعرضت لما فيه الخير فجلبته إلى نفسي وتوقيت ما فيه السوء حتى لا يمسني ولكني عبد لا أدري ما عند ربي ولا ما قضاه في وقدره لي فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه وقيل المعنى لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته وقيل لو كنت أعلم متى يكون لي النصر فى الحرب لقاتلت فلم أغلب وقيل لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه والأولى حمل الآية على العموم فتندرج هذه الأمور وغيرها تحتها وقد قيل إن ) وما مسني السوء ( كلام مستأنف أي ليس بي ما تزعمون من الجنون والأولى أنه متصل بما قبله والمعنى لو علمت الغيب ما مسني السوء ولحذرت عنه كما قدمنا ذلك قوله ) إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ( أي ما أنا إلا مبلغ عن الله لأحكامه أنذر بها قوما وأبشر بها آخرين ولست أعلم بغيب الله سبحانه واللام فى ) لقوم ( متعلق بكلا الصفتين أي بشير لقوم ونذير لقوم وقيل هو متعلق ببشير والمتعلق بنذير محذوف أي نذير لقوم يكفرون وبشير لقوم يؤمنون
الأعراف : ( 189 ) هو الذي خلقكم . . . . .
قوله ) هو الذي خلقكم من نفس واحدة ( هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نعم الله على عباده وعدم مكافأتهم لها مما يجب من الشكر والاعتراف بالعبودية وأنه المنفرد بالإلهية قال جمهور المفسرين المراد بالنفس الواحدة آدم وقوله ) وجعل منها زوجها ( معطوف على ) خلقكم ( أي هو الذى خلقكم من نفس آدم وجعل من هذه النفس زوجها وهى حواء خلقها من ضلع من أضلاعه وقيل المعنى ) جعل منها ( من جنسها كما فى قوله ) جعل لكم من أنفسكم أزواجا ( والأول أولى ) ليسكن إليها ( علة للجعل أي جعله منها لأجل يسكن إليها يأنس إليها ويطمئن بها فإن الجنس بجنسه أسكن وإليه آنس وكان هذا فى الجنة كما وردت بذلك الأخبار ثم ابتدأ سبحانه بحالة أخرى كانت بينهما فى الدنيا بعد هبوطهما فقال ) فلما تغشاها ( والتغشى كناية عن الوقاع أي فلما جامعها ) حملت حملا خفيفا ( علقت به بعد الجماع ووصفه بالخفة لأنه عند إلقاء النطفة أخف منه عند كونه علقة وعند كونه علقة أخف منه عند كونه مضغة وعند كونه مضغة أخف مما بعده وقيل إنه خف عليها هذا الحمل من ابتدائه إلى انتهائه ولم تجد منه ثقلا كما تجده الحوامل من النساء لقوله ) فمرت به ( أي استمرت بذلك الحمل تقوم وتقعد وتمضى فى حوائجها لا تجد به ثقلا والوجه الأول أولى لقوله ) فلما أثقلت ( فإن معناه فلما صارت ذات ثقل لكبر الولد فى بطنها وقرئ ) فمرت به ( بالتخفيف أي فجزعت لذلك وقرئ ? فمارت به ? من المور وهو المجئ والذهاب وقيل المعنى فاستمرت به وقد رويت قراءة التخفيف عن ابن عباس ويحيى بن يعمر ورويت قراءة ? فمارت ? عن عبد الله بن عمر وروى عن ابن عباس أنه قرأ ? فاستمرت به ? قوله ) دعوا الله ربهما ( جواب لما أي دعا آدم وحواء ربهما ومالك أمرهما ) لئن آتيتنا صالحا ( أي ولدا صالحا واللام جواب قسم محذوف و ) لنكونن من الشاكرين ( جواب القسم ساد مسد جواب الشرط أي من الشاكرين لك على هذه النعمة وفي هذا الدعاء دليل على أنهما قد علما أن ما حدث فى بطن حواء من أثر ذلك الجماع هو من جنسهما وعلما بثبوت النسل المتأثر عن ذلك السبب
الأعراف : ( 190 ) فلما آتاهما صالحا . . . . .
) فلما آتاهما ( ما طلباه من الولد الصالح وأجاب دعاءهما ) جعلا له شركاء فيما آتاهما ( قال كثير من المفسرين إنه جاء إبليس إلى حواء وقال لها إن ولدت ولدا فسميه باسمى فقالت وما اسمك قال الحرث


"""""" صفحة رقم 275 """"""
ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحرث فكان هذا شركا فى التسمية ولم يكن شركا فى العبادة وإنما قصدا أن الحرث كان سبب نجاة الولد كما يسمى الرجل نفسه عبد ضيفه كما قال حاتم الطائي وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا
وما في إلا تلك من شيمة العبد
وقال جماعة من المفسرين إن الجاعل شركا فيما آتاهما هم جنس بني آدم كما وقع من المشركين منهم ولم يكن ذلك من آدم وحواء ويدل على هذا جمع الضمير فى قوله ) فتعالى الله عما يشركون ( وذهب جماعة من المفسرين إلى أن معنى ) من نفس واحدة ( من هيئة واحدة وشكل واحد ) وجعل منها زوجها ( أي من جنسها ) فلما تغشاها ( يعني جنس الذكر جنس الأنثى وعلى هذا لا يكون لآدم وحواء ذكر فى الآية وتكون ضمائر التثنية راجعة إلى الجنسين وقد قدمنا الإشارة إلى نحو هذا وذكرنا أنه خلاف الأولى لأمور منها ) وجعل منها زوجها ( بأن هذا إنما هو لحواء ومنها ) دعوا الله ربهما ( فإن كل مولولد يولد بين الجنسين لا يكون منهما عند مقاربة وضعه هذا الدعاء وقد قرأ أهل المدينة وعاصم ? شركا ? على التوحيد وقرأ أبو عمرو وسائر أهل الكوفة بالجمع وأنكر الأخفش سعيد القراءة الأولى وأجيب عنه بأنها صحيحة على حذف المضاف أي جعلا له ذا شرك أو ذوي شرك
الأعراف : ( 191 ) أيشركون ما لا . . . . .
والاستفهام فى ) أيشركون ما لا يخلق شيئا ( للتقريع والتوبيخ أي كيف يجعلون لله شريكا لا يخلق شيئا ولا يقدر على نفع لهم ولا دفع عنهم قوله ) وهم يخلقون ( عطف على ) ما لا يخلق ( والضمير راجع إلى الشركاء الذين لا يخلقون شيئا أي وهؤلاء الذين جعلوهم شركاء من الأصنام أو الشياطين مخلوقون وجمعهم جمع العقلاء لاعتقاد من جعلهم شركاء أنهم كذلك
الأعراف : ( 192 ) ولا يستطيعون لهم . . . . .
) ولا يستطيعون لهم ( أي لمن جعلهم شركاء ) نصرا ( إن طلبه منهم ) ولا أنفسهم ينصرون ( إن حصل عليهم شئ من جهة غيرهم ومن عجز عن نصر نفسه فهو عن نصر غيره أعجز
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال قال حمل بن أبي قيس وشمول بن زيد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا كما تقول فإنا نعلم ما هى فأنزل الله ) يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي ( إلى قوله ) ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ) أيان مرساها ( أي متى قيامها ) قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ( قال قالت قريش يا محمد أسر إلينا الساعة لما بيننا وبينك من القرابة قال ) يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ( وذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول تهيج الساعة بالناس والرجل يسقى على ماشيته والرجل يصلح حوضه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه والرجل يقيم سلعته فى السوق قضاء الله لا تأتيكم إلا بغتة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) أيان مرساها ( قال منتهاها وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) لا يجليها لوقتها إلا هو ( يقول لا يأتي بها إلا الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هو يجليها لوقتها لا يعلم ذلك إلا الله وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) ثقلت في السماوات والأرض ( قال ليس شئ من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) ثقلت في السماوات والأرض ( قال ثقل علمها على أهل السموات والأرض يقول كبرت عليهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج فى قوله ) ثقلت في السماوات والأرض ( قال إذا جاءت انشقت السماء وانتثرت النجوم وكورت الشمس وسيرت الجبال وما يصيب الأرض وكان ما قال الله سبحانه فذلك ثقلها فيهما وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) لا تأتيكم إلا بغتة ( فجأة آمنين وأخرج ابن أبي شيبة


"""""" صفحة رقم 276 """"""
وعبد بن حميد وابن المنذر ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي فى البعث عن مجاهد فى قوله ) كأنك حفي عنها ( قال استحفيت عنها السؤال حتى علمتها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) كأنك حفي عنها ( يقول كأنك عالم بها أي لست تعلمها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عنه ) كأنك حفي عنها ( قال لطيف بها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عنه أيضا ) كأنك حفي عنها ( يقول كأن بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم قال لما سأل الناس محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفي بهم فأوحى الله إليه ) إنما علمها عند الله ( استأثر بعلمها فلم يطلع ملكا ولا رسولا وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار قال كان ابن عباس يقرأ كأنك حفى بها وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج ) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا ( قال الهدى والضلالة ) ولو كنت أعلم الغيب ( متى أموت ) لاستكثرت من الخير ( قال العمل الصالح وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ( قال لعلمت إذا اشتريت شيئا ما أربح فيه فلا أبيع شيئا لا ربح فيه ) وما مسني السوء ( قال ولا يصيبني الفقر وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد فى قوله ) وما مسني السوء ( قال لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن سمرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحرث فإنه يعيش فسمته عبد الحرث فعاش فكان ذلك من وحى الشيطان وأمره وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سمرة فى قوله ) فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء ( قال سمياه عبد الحرث وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي بن كعب نحو حديث سمرة المرفوع موقوفا عليه وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال حملت حواء فأتاها إبليس فقال إني صاحبكما الذى أخرجتكما من الجنة لتطيعنني أو لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن يخوفهما سمياه عبد الحرث فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما ايضا فقال مثل ذلك فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتا ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحرث فذلك قوله ) جعلا له شركاء فيما آتاهما ( وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن فى الآية قال كان هذا فى بعض أهل الملل وليس بآدم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن سمرة فى قوله ) حملت حملا خفيفا ( لم يستبن ) فمرت به ( لما استبان حملها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) فمرت به ( قال فشكت أحملت أم لا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أيوب قال سئل الحسن عن قوله ) فمرت به ( قال لو كنت عربيا لعرفتها إنما هى استمرت بالحمل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) حملت حملا خفيفا ( قال هى النطفة ) فمرت به ( يقول استمرت به وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) فمرت به ( قال فاستمرت به وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ) فمرت به ( يقول استخفته وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح فى قوله ) لئن آتيتنا صالحا ( فقال أشفقا أن يكون بهيمة فقالا لئن آتيتنا بشرا سويا وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال غلاما سويا
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس فى قوله ) جعلا له شركاء ( قال كان شريكا فى طاعة ولم يكن شريكا فى عبادة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال ما أشرك آدم إن أولها شكر وآخرها مثل ضربه لمن بعده


"""""" صفحة رقم 277 """"""
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي فى قوله ) فتعالى الله عما يشركون ( هذا فصل من آية آدم خاصة فى آلهة العرب وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك نحوه وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الحسن فى الآية قال هذا فى الكفار يدعون الله فإذا آتاهما صالحا هودا أو نصرا ثم قال ) أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ( يقول يطيعون ما لا يخلق شيئا وهى الشياطين لا تخلق شيئا وهى تخلق ) ولا يستطيعون لهم نصرا ( يقول لمن يدعوهم
سورة الأعراف الآية ( 193 198 )
الأعراف : ( 193 ) وإن تدعوهم إلى . . . . .
قوله ) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم ( هذا خطاب للمشركين أي إن وتدعوا هؤلاء الشركاء إلى الهدى والرشاد بأن تطلبوا منهم أن يهدوكم ويرشدوكم لا يتبعوكم ولا يجيبوكم إلى ذلك وهو دون ما تطلبونه منهم من جلب النفع ودفع الضر والنصر على الأعداء قال الأخفش معناه وإن تدعوهم أي الأصنام إلى الهدى لا يتبعوكم وقيل المراد من سبق فى علم الله أنه لا يؤمن وقرئ ) لا يتبعوكم ( مشددا ومخففا وهما لغتان وقال بعض أهل اللغة أتبعه مخففا إذا مضى خلفه ولم يدركه واتبعه مشددا إذا مضى خلفه فأدركه وجملة ) سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ( مقررة لمضمون ما قبلها أي دعاؤكم لهم عند الشدائد وعدمه سواء لا فرق بينهما لأنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون ولا يجيبون وقال ) أم أنتم صامتون ( مكان أصمتم لما فى الجلمة الإسمية من المبالغة
وقال محمد بن يحيى إنما جاء بالجملة الإسمية لكونها رأس آية يعني لمطابقة ) ولا أنفسهم ينصرون ( وما قبله
الأعراف : ( 194 ) إن الذين تدعون . . . . .
قوله ) إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ( أخبرهم سبحانه بأن هؤلاء الذين جعلتموهم آلهة هم عباد لله كما أنتم عباد له مع أنكم أكمل منهم لأنكم أحياء تنطقون وتمشون وتسمعون وتبصرون وهذه الأصنام ليست كذلك ولكنها مثلكم فى كونها مملوكة لله مسخرة لأمره وفي هذا تقريع لهم بالغ وتوبيخ لهم عظيم وجملة ) فادعوهم فليستجيبوا لكم ( مقررة لمضمون ما قبلها من أنهم إن دعوهم إلى الهدى لا يتبعوهم وأنهم لا يستطيعون شيئا أي ادعوا هؤلاء الشركاء فإن كانوا كما تزعمون ) فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ( فيما تدعونه لهم من قدرتهم على النفع والضر
الأعراف : ( 195 ) ألهم أرجل يمشون . . . . .
والاستفهام فى قوله ) ألهم أرجل ( وما بعده للتقريع والتوبيخ أي هؤلاء الذين جعلتموهم شركاء ليس لهم شيء من الآلات التى هى ثابتة لكم فضلا عن أن يكونوا قادرين على ما تطلبونه منهم فإنهم كما ترون هذه الأصنام التى تعكفون على عبادتها ليست لهم ) أرجل يمشون بها ( فى نفع أنفسهم فضلا عن أن يمشوا فى نفعكم وليس ) لهم أيد يبطشون بها ( كما يبطش غيرهم من الأحياء وليس ) لهم أعين يبصرون بها ( كما تبصرون وليس


"""""" صفحة رقم 278 """"""
) لهم آذان يسمعون بها ( كما تسمعون فكيف تدعون من هم على هذه الصفة من سلب الأدوات وبهذه المنزلة من العجز وأم فى هذه المواضع هى المنقطقة التى بمعنى بل والهمزة كما ذكر أئمة النحو وقرأ سعيد بن جبير ) إن الذين تدعون ( بتخفيف إن ونصب عبادا أي ما الذين تدعون ) من دون الله عباد أمثالكم ( على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية وقد ضعفت هذه القراءة بأنها خلاف ما رجحه سيبويه وغيره من اختيار الرفع فى خبرها وبأن الكسائي قال إنها لا تكاد تأتي فى كلام العرب بمعنى ) ما ( إلا أن يكون بعدها إيجاب كما فى قوله ) إن الكافرون إلا في غرور ( والبطش الأخذ بقوة وقرأ أبو جعفر ) يبطشون ( بضم الطاء وهى لغة ثم لما بين لهم حال هذه الأصنام وتعاور وجوه النقص والعجز لها من كل باب أمره الله بأن يقول لهم ادعوا شركاءكم الذين تزعمون أن لهم قدرة على النفع والضر ) ثم كيدون ( أنتم وهم جميعا بما شئتم من وجوه الكيد ) فلا تنظرون ( أي فلا تمهلوني ولا تؤخرون إنزال الضرر بي من جهتها والكيد المكر وليس بعد هذا التحدي لهم والتعجيز لأصنامهم شيء
الأعراف : ( 196 ) إن وليي الله . . . . .
ثم قال لهم ) إن وليي الله الذي نزل الكتاب ( أي كيف أخاف هذه الأصنام التى هذه صفتها ولى ولي ألجأ إليه وأستنصر به وهو الله عز وجل ) الذي نزل الكتاب ( وهذه الجملة تعليل لعدم المبالاة بها وولي الشيء هو الذى يحفظه ويقوم بنصرته ويمنع منه الضرر ) وهو يتولى الصالحين ( أي يحفظهم وينصرهم ويحول ما بينهم وبين أعدائهم قال الأخفش وقرئ ? إن ولي الله الذى نزل الكتاب ? يعني جبرائيل قال النحاس هى قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أبين لقوله ) وهو يتولى الصالحين )
الأعراف : ( 197 ) والذين تدعون من . . . . .
قوله ) والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ( كرر سبحانه هذا لمزيد التأكيد والتقرير ولما فى تكرار التوبيخ والتقريع من الإهانة للمشركين والتنقص بهم وإظهار سخف عقولهم وركاكة أحلامهم
الأعراف : ( 198 ) وإن تدعوهم إلى . . . . .
) وتراهم ينظرون إليك ( جملة مبتدأة لبيان عجزهم أو حالية أي والحال أنك تراهم ينظرون إليك حال كونهم لا يبصرون والمراد الأصنام إنهم يشبهون الناظرين ولا أعين لهم يبصرون بها قيل كانوا يجعلون للأصنام أعينا من جواهر مصنوعة فكانوا بذلك فى هيئة الناظرين ولا يبصرون وقيل المراد بذلك المشركون أخبر الله عنهم بأنهم لا يبصرون حين لم ينتفعوا بأبصارهم وإن أبصروا بها غير ما فيه نفعهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال يجاء بالشمس والقمر حتى يلقيا بن يدي الله تعالى ويجاء بمن كان يعبدهما فيقال ) فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) وتراهم ينظرون إليك ( قال هؤلاء المشركون وأخرج هؤلاء أيضا عن مجاهد فى قوله ) وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ( ما يدعوهم إليه من الهدى
سورة الأعراف الآية ( 199 203 )


"""""" صفحة رقم 279 """"""
سورة الأعراف الآية ( 204 206 )
الأعراف : ( 199 ) خذ العفو وأمر . . . . .
قوله ) خذ العفو ( لما عدد الله ما عدده من أحوال المشركين وتسفيه رأيهم وضلال سعيهم أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يأخذ العفو من أخلاقهم يقال أخذت حقي عفوا أي سهلا وهذا نوع من التيسير الذى كان يأمر به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما ثبت فى الصحيح أنه كان يقول يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا والمراد بالعفو هنا ضد الجهد وقيل المراد خذ العفو من صدقاتهم ولا تشدد عليهم فيها وتأخذ ما يشق عليهم وكان هذا قبل نزول فريضة الزكاة ) وأمر بالعرف ( أي بالمعروف وقرأ عيسى بن عمر بالعرف بضمتين وهما لغتان والعرف والمعروف والعارفة كل خصلة حسنة ترتضيها العقول وتطمئن إليها النفوس ومنه قول الشاعر من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس
) وأعرض عن الجاهلين ( أي إذا أقمت الحجة فى أمرهم بالمعروف فلم يفعلوا فأعرض عنهم ولا تمارهم ولا تسافههم مكافأة لما يصدر منهم من المراء والسفاهة قيل وهذه الآية هى من جملة ما نسخ بآية السيف قاله عبد الرحمن بن زيد وعطاء وقيل هى محكمة قاله مجاهد وقتادة
الأعراف : ( 200 ) وإما ينزغنك من . . . . .
قوله ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ( النزغ الوسوسة وكذا النغز والنخس قال الزجاج النزغ أدنى حركة تكون ومن الشيطان أدنى وسوسة وأصل النزغ الفساد يقال نزغ بيننا أي أفسد وقيل النزغ الإغواء والمعنى متقارب أمر الله سبحانه نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أدرك شيئا من وسوسة الشيطان أن يستعيذ بالله وقيل إنه لما نزل قوله ) خذ العفو ( قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كيف يارب بالغضب فنزلت وجملة ) إنه سميع عليم ( علة لأمره بالاستعاذة أي استعذ به والتجيء إليه فإنه يسمع ذلك منك ويعلم به
الأعراف : ( 201 ) إن الذين اتقوا . . . . .
وجملة ) إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ( مقررة لمضمون ما قبلها أي إن شأن الذين يتقون الله وحالهم هو التذكر لما أمر الله به من الاستعاذة به والالتجاء إليه عند أن يمسهم طائف من الشيطان وإن كان يسيرا قرأ أهل البصرة ? طيف ? وكذا أهل مكة وقرأ أهل المدينة والكوفة ) طائف ( وقرأ سعيد بن جبير ? طيف ? بالتشديد قال النحاس كلام العرب فى مثل هذا طيف بالتخفيف على أنه مصدر من طاف يطيف قال الكسائي هو مخفف مثل ميت وميت قال النحاس ومعناه فى اللغة ما يتخيل فى القلب أو يرى فى النوم وكذا معنى طائف قال أبو حاتم سألت الأصمعي عن طيف فقال ليس فى المصادر فيعل قال النحاس ليس هو مصدرا ولكن يكون بمعنى طائف وقيل الطيف والطائف معنيان مختلفان فالأول التخيل والثاني الشيطان نفسه فالأول من طاف الخيال يطوف طيفا ولم يقولوا من هذا طائف قال السهيلي لأنه تخيل لا حقيقة له فأما قوله ) فطاف عليها طائف من ربك ( فلا يقال فيه طيف لأنه اسم فاعل حقيقة قال الزجاج طفت عليهم أطوف فطاف الخيال يطيف قال حسان فدع هذا ولكن من لطيف
يؤرقني إذا ذهب العشاء
وسميت الوسوسة طيفا لأنها لمة من الشيطان تشبه لمة الخيال ) فإذا هم مبصرون ( بسبب التذكر أي منتبهون


"""""" صفحة رقم 280 """"""
وقيل على بصيرة وقرأ سعيد بن جبير ) تذكروا ( بتشديد الذال قال النحاس ولا وجه له فى الغريبة
الأعراف : ( 202 ) وإخوانهم يمدونهم في . . . . .
قوله ) وإخوانهم يمدونهم في الغي ( قيل المعنى وإخوان الشياطين وهم الفجار من ضلال الإنس على أن الضمير فى إخوانهم يعود إلى الشيطان المذكور سابقا والمراد به الجنس فجاز إرجاع ضمير الجمع إليه ) يمدونهم في الغي ( أي تمدهم الشياطين فى الغي وتكون مددا لهم وسميت الفجار من الإنس إخوان الشياطين لأنه يقبلون منهم ويقتدون بهم وقيل إن المراد بالإخوان الشياطين وبالضمير الفجار من الإنس فيكون الخبر جاريا على من هوله وقال الزجاج فى الكلام تقديم وتأخير والمعنى والذين تدعون من دونه لا يستطيعون لكم نصرا ولا أنفسهم ينصرون ) وإخوانهم يمدونهم في الغي ( لأن الكفار إخوان الشياطين ) ثم لا يقصرون ( الاقصار الانتهاء عن الشيء أي لا تقصر الشياطين فى مد الكفار فى الغي قيل إن فى الغي متصلا بقوله ) يمدونهم ( وقيل بالإخوان والغي الجهل قرأ نافع ) يمدونهم ( بضم حرف المضارعة وكسر الميم وقرأ الباقون بفتح حرف المضارعة وضم الميم وهما لغتان يقال مد وأمد قال مكي ومد أكثر وقال أبو عبيد وجماعة من أهل اللغة فإنه يقال إذا كثر شيء شيئا بنفسه مده وإذا كثره بغيره قيل أمده نحو ) يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة ( وقيل يقال مددت فى الشر وأمددت فى الخير وقرأ عاصم الجحدري ? يمادونهم فى الغى ? وقرأ عيسى بن عمر ) ثم لا يقصرون ( بفتح الياء وضم الصاد وتخفيف القاف
الأعراف : ( 203 ) وإذا لم تأتهم . . . . .
قوله ) وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها ( اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه أي جمعه أي هلا اجتمعتها افتعالا لها من عند نفسك وقيل المعنى اختلقتها يقال اجتبيت الكلام انتحلته واختلقته واخترعته إذا جئت به من عند نفسك كانوا يقولون لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا تراخى الوحي هذه المقالة فأمره الله بأن يجيب عليهم بقوله ) إنما أتبع ما يوحى إلي ( أي لست ممن يأتي بالآيات من قبل نفسه كما تزعمون ) إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي ( فما أوحاه إلي وأنزله علي أبلغته إليكم وبصائر جمع بصيرة أي هذا القرآن المنزل علي هو ) بصائر من ربكم ( يتبصر بها من قبلها وقيل البصائر الحجج والبراهين وقال الزجاج البصائر الطرق ) وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ( معطوف على بصائر أي هذا القرآن هو بصائر وهدى يهتدى به المؤمنون ورحمة لهم
الأعراف : ( 204 ) وإذا قرئ القرآن . . . . .
قوله ) وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ( أمرهم الله سبحانه بالاستماع للقرآن والإنصات له عند قراءته لينتفعوا به ويتدبروا ما فيه من الحكم والمصالح قيل هذا الأمر خاص بوقت الصلاة عند قراءة الإمام ولا يخفاك أن اللفظ أوسع من هذا والعام لا يقصر على سببه فيكون الاستماع والإنصات عند قراءة القرآن فى كل حالة وعلى أي صفة مما يجب على السامع وقيل هذا خاص بقراءة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للقرآن دون غيره ولا وجه لذلك ) لعلكم ترحمون ( أي تنالون الرحمة وتفوزون بها بامتثال أمر الله سبحانه ثم أمره الله سبحانه أن يذكره فى نفسه فإن الإخفاء أدخل فى الإخلاص وأدعى للقبول قيل المراد بالذكر هنا ما هو أعم من القرآن وغيره من الأذكار التى يذكر الله بها وقال النحاس لم يختلف فى معنى
الأعراف : ( 205 ) واذكر ربك في . . . . .
) واذكر ربك في نفسك ( أنه الدعاء وقيل هو خاص بالقرآن أي اقرأ القرآن بتأمل وتدبرا و ) تضرعا وخيفة ( منتصبان على الحال أي متضرعا وخائفا والخيفة الخوف وأصلها خوفة قلبت الواو باء لانكسار ما قبلها وحكى الفراء أنه يقال فى جمع خيفة خيف قال الجوهري والخيفة الخوف والجمع خيف وأصله الواو أي خوف ) ودون الجهر من القول ( أي دون المجهور به من القول وهو معطوف على ما قبله أي متضرعا وخائفا ومتكلما بكلام هو دون الجهر من القول و ) بالغدو والآصال ( متعلق باذكر أي أوقات الغدوات وأوقات الأصائل والغدو جمع غدوة والآصال جمع أصيل قاله الزجاج والأخفش مثل


"""""" صفحة رقم 281 """"""
يمين وأيمان وقيل الآصال جمع أصل والأصل جمع أصيل فهو على هذا جمع الجمع قاله الفراء قال الجوهري الأصيل الوقت من بعد العصر إلى المغرب وجمعه أصل وآصال وأصائل كأنه جمع أصيلة قال الشاعر لعمري لأنت البيت أكرم أهله
وأقعد فى أفنائه بالأصائل
ويجمع أيضا على أصلان مثل بعير وبعران وقرأ أبو مجلز والإيصال وهو مصدر وخص هذين الوقتين لشرفهما والمراد دوام الذكر لله ) ولا تكن من الغافلين ( أي عن ذكر الله
الأعراف : ( 206 ) إن الذين عند . . . . .
) إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ( المراد بهم الملائكة قال القرطبي بالإجماع قال الزجاج وقال عند ربك والله عز وجل بكل مكان لأنهم قريبون من رحمته وكل قريب من رحمة الله عز وجل فهو عنده وقال غيره لأنهم فى موضع لا ينفذ فيه إلا حكم الله وقيل إنهم رسل الله كما يقال عند الخليفة جيش كثير وقيل هذا على جهة التشريف والتكريم لهم ومعنى ) ويسبحونه ( يعظمونه وينزهونه عن كل شين ) وله يسجدون ( أي يخصونه بعبادة السجود التى هى أشرف عبادة وقيل المراد بالسجود الخضوع والذلة وفي ذكر الملأ الأعلى تعريض لبني آدم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي والنحاس فى ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن عبد الله بن الزبير فى قوله ) خذ العفو ( الآية قال ما نزلت هذه الآية إلا في اختلاف الناس وفي لفظ أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني فى الأوسط وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عمر فى قوله ) خذ العفو ( قال أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي قال لما أنزل الله ) خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما هذا يا جبريل قال لا أدري حتى أسأل العالم فذهب ثم رجع فقال إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطى من حرمك وتصل من قطعك وأخرج ابن مردويه عن جابر نحوه وأخرج ابن مردويه عن قيس بن سعد بن عبادة قال لما نظر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى حمزة بن عبد المطلب قال والله لأمثلن بسبعين منهم فجاه جبريل بهذه الآية وأخرج ابن مردويه عن عائشة فى قوله ) خذ العفو ( قال ما عفا لك من مكارم الأخلاق وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) خذ العفو ( قال خذ ما عفا من أموالهم ما أتوك به من شيء فخذه وهذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقة وتفصيلها وأخرج ابن جرير والنحاس فى ناسخه عن السدي في الآية قال الفضل من المال نسخته والزكاة وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال لما نزل ) خذ العفو ( الآية قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كيف بالغضب يارب فنزل ) وإما ينزغنك من الشيطان نزغ ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إن الذين اتقوا ( قال هم المؤمنون وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إذا مسهم طائف من الشيطان ( قال الغضب وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال الطيف الغضب وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) تذكروا ( قال إذا زلوا تابوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال الطائف اللمة من الشيطان ) تذكروا فإذا هم مبصرون ( يقول فإذا هم منتهون عن المعصية آخذون بأمر الله عاصون للشيطان ) وإخوانهم ( قال إخوان الشياطين ) يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ( قال لا الإنس يمسكون عما يعملون من السيئات ولا الشياطين تمسك عنهم و ) وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها ( يقول


"""""" صفحة رقم 282 """"""
لولا أحدثتها لولا تلقيتها فأنشأتها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه ) وإخوانهم يمدونهم في الغي ( قال هم الجن يوحون إلى أوليائهم من الإنس ) ثم لا يقصرون ( يقول لا يسأمون ) وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها ( يقول هلا افتعلتها من تلقاء نفسك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة فى قوله ) وإذا قرئ القرآن ( الآية قال نزلت فى رفع الأصوات وهم خلف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى الصلاة وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس فى الآية قال يعني فى الصلاة المفروضة وأخرج ابن مردويه والبيهقي عنه قال صلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقرأ خلفه قوم فخلطوا فنزلت ) وإذا قرئ القرآن ( الآية فهذه فى المكتوبة قال وإن كنا لم نستمع لمن يقرأ بالأخفى من الجهر وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والبيهقي عن محمد بن كعب القرظي نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي فى سننه عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن عبد الله بن مغفل نحوه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن ابن مسعود نحوه أيضا وقد روى نحو هذا عن جماعة من السلف وصرحوا بأن هذه الآية نزلت فى قراءة الصلاة من الإمام
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن فى الآية قال عند الصلاة المكتوبة وعند الذكر وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى الآية قال فى الصلاة وحين ينزل الوحي وأخرج البيهقي عنه فى الآية أنه قال هذا فى الصلاة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) واذكر ربك في نفسك ( الآية قال أمره الله أن يذكره ونهاه عن الغفلة أما بالغدو فصلاة الصبح والآصال بالعشى وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر قال الآصال ما بين الظهر والعصر وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد فى الآية قال لا تجهر بذاك ) بالغدو والآصال ( بالبكر والعشى وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) بالغدو ( قال آخر الفجر صلاة الصبح والآصال آخر العشى صلاة العصر والأحاديث والآثار عن الصحابة فى سجود التلاوة وعدد المواضع التى يسجد فيها وكيفية السجود وما يقال فيه مستوفاة فى كتب الحديث والفقه فلا نطول بإيراد ذلك هاهنا
S8
تفسير
سورة الأنفال
حول السورة
صرح كثير من المفسرين بأنها مدنية ولم يستثنوا منها شيئا وبه قال الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء
وقد روى مثل هذا عن ابن عباس أخرجه النحاس فى ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال سورة الأنفال نزلت بالمدينة وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير وأخرجه ابن مردويه أيضا عن زيد بن ثابت
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال نزلت فى بدر
وفي لفظ تلك سورة بدر قال القرطبي قال ابن عباس هى مدنية إلا سبع آيات من قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( إلى آخر سبع آيات وجملة آيات هذه السورة ست وسبعون آية وقد كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقرأ بها في صلاة المغرب كما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب وأخرج أيضا عن زيد بن ثابت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه كان يقرأ فى الركعتين من المغرب بسورة الأنفال


"""""" صفحة رقم 283 """"""
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنفال الآية ( 1 )
الأنفال : ( 1 ) يسألونك عن الأنفال . . . . .
الأنفال جمع نفل محركا وهو الغنيمة ومنه قول عنترة إنا إذا احمر الوغى نروى القنا
ونعف عند مقاسم الأنفال
أي الغنائم وأصل النفل الزيادة وسميت الغنيمة به لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرما على غيرهم أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهد من أجر الجهاد ويطلق النفل على معان أخر منها اليمين والابتغاء ونبت معروف والنافلة التطوع لكونها زائدة على الواجب والنافلة ولد الولد لأنه زيادة على الولد وكان سبب نزول الآية اختلاف الصحابة رضى الله عنهم فى يوم بدر كما سيأتي بيانه فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول فقال ) قل الأنفال لله والرسول ( أي حكمها مختص بهما يقسمها بينكم رسول الله عن أمر الله سبحانه وليس لكم حكم فى ذلك
وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة ليس لأحد فيها شيء حتى نزل قوله تعالى ) واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ( ثم أمرهم بالتقوى وإصلاح ذات البين وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما وترك الاختلاف الذى وقع بينهم ثم قال ) إن كنتم مؤمنين ( أي امتثلوا هذه الأوامر الثلاثة إن كنتم مؤمنين بالله وفيه من التهييج والإلهاب ما لا يخفى مع كونهم فى تلك الحال على الإيمان فكأنه قال إن كنتم مستمرين على الإيمان بالله لأن هذه الثلاثة الأمور التى هى تقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة الله والرسول لا يكمل الإيمان بدونها بل لا يثبت أصلا لمن لم يمتثلها فإن من ليس بمتق وليس بمطيع لله ورسوله ليس بمؤمن
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن أبي أمامة قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فقسمه رسول الله بين المسلمين عن بواء يقول عن سواء وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن عبادة بن الصامت قال خرجنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت طائفة فى آثارهم يهزمون ويقتلون وأكبت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه وأحدقت طائفة برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا فى طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنه العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت ) يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ( قسمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين المسلمين وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أغار فى أرض


"""""" صفحة رقم 284 """"""
العدو نفل الربع وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث وكان يكره الأنفال ويقول ليرد قوى المسلمين على ضعيفهم وأخرج إسحاق بن راهويه فى مسنده وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري قال بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سرية فنصرها الله وفتح عليها فكان من آتاه بشيء نفله من الخمس فرجع رجال كانوا يستقدمون ويقتلونه ويأسرون وتركوا الغنائم خلفهم فلم ينالوا من الغنائم شيئا فقالوا يا رسول الله ما بال رجال منا يستقدمون ويأسرون وتخلف رجال لم يصلوا بالقتال فنفلتهم بالغنيمة فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونزل ) يسألونك عن الأنفال ( الآية فدعاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ردوا ما أخذتم واقتسموا بالعدل والسوية فإن الله يأمركم بذلك فقالوا قد أنفقنا وأكلنا فقال احتسبوا ذلك وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم فى الحلية والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين فهب لي هذا السيف فقال إن هذا السيف لا لك ولا لي ضعفه فوضعته ثم رجعت قلت عسى يعطي هذا السيف اليوم من لا يبلى بلائي إذا رجل يدعوني من ورائي قلت قد أنزل الله فى شيئا قال كنت سألتني هذا السيف وليس هو لي وإنه قد وهب لي فهو لك وأنزل الله هذه الآية ) يسألونك عن الأنفال ( وفي لفظ لأحمد أن سعدا قال لما قتل أخي يوم بدر وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه وكان يسمى ذا الكنيفة فأتيت به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم ذكر نحو ما تقدم وقد روى هذا الحديث عن سعد من وجوه أخر وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الناس سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الغنائم يوم بدر فنزلت ) يسألونك عن الأنفال ( وأخرج ابن مردويه عنه قال لم ينفل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد إذ نزلت عليه ) يسألونك عن الأنفال ( إلا من الخمس فإنه نفل يوم خيبر من الخمس وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من قتل قتيلا فله كذا وكذا ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا فأما المشيخة فثبتوا تحت الرايات وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم فقالت المشيخة للشبان أشركونا معكم فإنا كنا لكم ردءا ولو كان منكم شيء للجأتم إلينا فاختصموا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) يسألونك عن الأنفال ( الآية فقسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الغنائم بينهم بالسوية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي فى سننه عن ابن عباس فى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( قال الأنفال المغانم كانت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خالصة ليس لأحد منها شيء ما أصاب من سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول فسألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يعطيهم منها شيئا فأنزل الله ) يسألونك عن الأنفال قل الأنفال ( لي جعلتها لرسولي ليس لكم فيها شيء ) فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ( إلى قوله ) إن كنتم مؤمنين ( ثم أنزل الله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولذي القربى واليتامى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله وجعل أربعة أخماس الناس فيه سواء للفرس سهمان ولصاحبه سهم وللراجل سهم وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس فى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( قال هى الغنائم ثم نسخها ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية وأخرج مالك وابن أبي شيبة وأبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن القسم بن محمد قال سمعت رجلا


"""""" صفحة رقم 285 """"""
يسأل ابن عباس عن الأنفال فقال الفرس من النفل والسلب من النفل فأعاد المسئلة فقال ابن عباس هذا مثل ضبيع الذى ضربه عمر وفي لفظ فقال ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بضبيع العراقي وكان عمر ضربه حتى سالت الدماء على عقبيه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه قال الأنفال المغانم أمروا أن يصلحوا ذات بينهم فيها فيرد القوي على الضعيف وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ عن عطاء فى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( قال هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو دابة أو متاع فذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصنع به ما شاء وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن عمرو قال أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن الأنفال فقال تسألوني عن الأنفال وإنه لا نفل بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج عبد الرزاق عن سعيد أيضا قال ما كانوا ينفلون إلا من الخمس وروي عبد الرزاق عنه أنه قال لا نفل فى غنائم المسلمين إلا فى خمس الخمس وأخرج عبد الرزاق عن أنس أن أميرا من الأمراء أراد أن ينفله قبل أن يخمسه فأبى أنس أن يقبله حتى يخمسه وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الشعبي فى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( قال ما أصابت السرايا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير والنحاس فى ناسخه عن مجاهد وعكرمة قال كانت الأنفال لله والرسول حتى نسخها آية الخمس ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري فى الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي فى شعب الإيمان عن ابن عباس فى قوله ) وأصلحوا ذات بينكم ( قال هذا تخريج من الله على المؤمنين أن يتقوا الله وأن يصلحوا ذات بينهم حيث اختلفوا فى الأنفال وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول قال كان صلاح ذات بينهم أن ردت الغنائم فقسمت بين من ثبت عند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبين من قاتل وغنم وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء فى قوله ) وأطيعوا الله ورسوله ( قال طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة
سورة الأنفال الآية ( 2 4 )
الأنفال : ( 2 ) إنما المؤمنون الذين . . . . .
الوجل الخوف والفزع والمراد أن حصول الخوف من الله والفزع منه عند ذكره هو شأن المؤمنين الكاملي الإيمان والمخلصين لله فالحصر باعتبار كمال الإيمان لا باعتبار أصل الإيمان قال جماعة من المفسرين هذه الآية متضمنة للتحريض على طاعة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيما أمر به من قسمة الغنائم ولا يخفاك أن هذا وإن صح إدراجه تحت معنى الآية من جهة أن وجل القلوب عند الذكر وزيادة الإيمان عند تلاوة آيات الله يستلزمان امتثال ما أمر به سبحانه من كون الأنفال لله والرسول ولكن الظاهر أن مقصود الآية هو إثبات هذه المزية لمن كمل إيمانه من غير تقييد بحال دون حال ولا بوقت دون وقت ولا بواقعة دون واقعة والمراد من تلاوة آياته تلاوة الآيات المنزلة أو التعبير عن بديع صنعته وكمال قدرته فى آياته التكوينية بذكر خلقها البديع وعجائبها التى يخشع عند ذكرها المؤمنون قيل والمراد بزيادة الإيمان هو زيادة انشراح الصدر وطمأنينة القلب وانثلاج الخاطر عند تلاوة الآيات وقيل المراد بزيادة الإيمان زيادة العمل لأن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص والآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة ترد ذلك وتدفعه ) وعلى ربهم يتوكلون ( لا على غيره والتوكل


"""""" صفحة رقم 286 """"""
على الله تفويض الأمر إليه فى جميع الأمور
الأنفال : ( 3 ) الذين يقيمون الصلاة . . . . .
والموصول فى قوله ) الذين يقيمون الصلاة ( فى محل رفع على أنه وصف للموصول الذى قبله أو بدل منه أو بيان له أو فى محل نصب على المدح وخص إقامة الصلاة والصدقة لكونهما أصل الخير وأساسه و من فى ) مما ( للتبعيض
الأنفال : ( 4 ) أولئك هم المؤمنون . . . . .
والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بالأوصاف المتقدمة وهو مبتدأ وخبره ) هم المؤمنون ( أي أن هؤلاء هم الكاملون الإيمان البالغون فيه إلى أعلا درجاته وأقصى غاياته و ) حقا ( مصدر مؤكد لمضمون جملة هم المؤمنون أي حق ذلك حقا أو صفة مصدر محذوف أي هم المؤمنون إيمانا حقا ثم ذكر ما أعد لمن كان جامعا بين هذه الأوصاف من الكرامة فقال ) لهم درجات ( أي منازل خير وكرامة وشرف فى الجنة كائنة عند ربهم وفي كونها عنده سبحانه زيادة تشريف لهم وتكريم وتعظيم وتفخيم وجملة ) لهم درجات عند ربهم ( خبر كان ل ) أولئك ( أو مستأنفة جوابا لسؤال مقدر و ) مغفرة ( معطوف على درجات أي مغفرة لذنوبهم ) ورزق كريم ( يكرمهم الله به من واسع فضله وفائض جوده
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وجلت قلوبهم ( قال فرقت قلوبهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا فى الآية قال المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ولا يتوكلون على الله ولا يصلون إذا غابوا ولا يؤدون زكاة أموالهم فأخبر الله أنهم ليسوا بمؤمنين ثم وصف المؤمنين فقال ) إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( فأدوا فرائضه وأخرج الحكيم الترمذي وابن جرير وأبو الشيخ من طريق شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت إنما الوجل في القلب كاحتراق السعفة يا شهر بن حوشب أما تجد قشعريرة قلت بلى قالت فادع عندها فإن الدعاء يستجاب عند ذلك
وأخرج الحكيم الترمذي عن ثابت البناني قال قال فلان إني لأعلم متى يستجاب لي قالوا ومن أين لك قال إذا اقشعر جلدي ووجل قلبي وفاضت عيناي فذلك حين يستجاب لي وأخرج أيضا عن عائشة قالت ما الوجل فى قلب المؤمن إلا كضرمة السعفة فإذا وجل أحدكم فليدع عند ذلك وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى الآية قال هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له اتق الله فييجل قلبه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) زادتهم إيمانا ( قال تصديقا وأخرج هؤلاء عن الربيع بن أنس فى قوله ) زادتهم إيمانا ( قال خشية وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) وعلى ربهم يتوكلون ( يقول لا يرجون غيره وأخرجا عنه فى قوله ) أولئك هم المؤمنون حقا ( قال برئوا من الكفر وأخرج أبو الشيخ عنه ) حقا ( قال خالصا وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير فى قوله ) لهم درجات ( يعني فضائل ورحمة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) لهم درجات ( قال أعمال رفيعة وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الضحاك فى قوله ) لهم درجات ( قال أهل الجنة بعضهم فوق بعض فيرى الذى هو فوق فضله على الذى هو أسفل منه
ولا يرى الذى هو أسفل أنه فضل عليه أحد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) ومغفرة ( قال بترك الذنوب ) ورزق كريم ( قال الأعمال الصالحة وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال إذا سمعتم الله يقول ) ورزق كريم ( فهي الجنة
سورة الأنفال الآية ( 5 6 ) وإذا


"""""" صفحة رقم 287 """"""
سورة الأنفال الآية ( 7 8 )
الأنفال : ( 5 ) كما أخرجك ربك . . . . .
قوله ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( قال الزجاج الكاف فى موضع نصب أي الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق أي مثل إخراج ربك والمعنى امض لأمرك فى الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا لأن بعض الصحابة قال لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حين جعل لكل من أتى بأسير شيئا قال بقى أكثر الناس بغير شيء فموضع الكاف نصب كما ذكرنا وبه قال الفراء وقال أبو عبيدة هو قسم أي والذى أخرجك فالكاف بمعنى الواو وما بمعنى الذى وقال الأخفش سعيد بن مسعدة المعنى أولئك هم المؤمنون حقا كما أخرجك ربك وقال عكرمة المعنى أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك ربك وقيل كما أخرجك متعلق بقوله ) لهم درجات ( أي هذا الوعد للمؤمنين حق فى الآخرة ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( الواجب له فأنجر وعدك وظفرك بعدوك وأوفى لك ذكره النحاس واختاره وقيل الكاف فى ) كما ( كاف التشبيه على سبيل المجازاة كقول القائل لعبده كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك وسألت مددا فأمددتك وقويتك وأزحت علتك فخذهم الآن فعاقبهم وقيل إن الكاف فى محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال كحال إخراجك يعني أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم فى كراهة خروجك للحرب ذكره صاحب الكشاف وبالحق متعلق بمحذوف والتقدير إخراجا متلبسا بالحق الذى لا شبهة فيه وجملة ) وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( في محل نصب على الحال أي كما أخرجك فى حال كراهتهم لذلك لأنه لما وعدهم الله إحدى الطائفتين إما العير أو النفير رغبوا فى العير لما فيها من الغنيمة والسلامة من القتال كما سيأتي بيانه
الأنفال : ( 6 ) يجادلونك في الحق . . . . .
وجملة ) يجادلونك في الحق بعد ما تبين ( إما فى محل نصب على أنها حال بعد حال أو مستأنفة جواب سؤال مقدر ومجادلتهم لما ندبهم إلى إحدى الطائفتين وفات العير وأمرهم بقتال النفير ولم يكن معهم كثير أهبة لذلك شق عليهم وقالوا لو أخبرتنا بالقتال لأخذنا العدة وأكلمنا الأهبة ومعنى ) في الحق ( أي فى القتال بعد ما تبين لهم أنك لا تأمر بالشيء إلا بإذن الله أو بعد ما تبين لهم أن الله وعدهم بالظفر بإحدى الطائفتين وأن العير إذا فاتت ظفروا بالنفير و ) بعد ( ظرف ليجادلونك وما مصدرية أي يجادلونك بعد ما تبين الحق لهم قوله ) كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ( الكاف فى محل نصب على الحال من الضمير فى ) لكارهون ( أي حال كونهم فى شدة فزعهم من القتال يشبهون حال من يساق ليقتل وهو مشاهد لأسباب قتله ناظر إليها لا يشك فيها
الأنفال : ( 7 ) وإذ يعدكم الله . . . . .
قوله ) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ( الظرف منصوب بفعل مقدر أي واذكروا وقت وعد الله إياكم إحدى الطائفتين وأمرهم بتذكير الوقت مع أن المقصود ذكر ما فيه من الحوادث لقصد المبالغة والطائفتان هما العير والنفير وإحدى هو ثاني مفعولي يعد و ) أنها لكم ( بدل منه بدل اشتمال ومعناه أنها مسخرة لكم وأنكم تغلبونها وتغنمون منها وتصنعون بها ما شئتم من قتل أو أسر وغنيمة لا يطيقون لكم دفعا ولا يملكون لأنفسهم منكم ضرا ولا نفعا وفي هذه الجملة تذكير لهم بنعمة من النعم التى أنعم الله بها عليهم قوله ) وتودون ( معطوف على ) بعدكم ( من جملة الحوادث التى أمروا بذكر وقتها ) أن غير ذات الشوكة ( من الطائفتين وهى طائفة العير ) تكون لكم ( دون


"""""" صفحة رقم 288 """"""
ذات الشوكة وهى طائفة النفير قال أبو عبيدة أي غير ذات الحد والشوكة السلاح والشوكة النبت الذى له حد ومنه رجل شائك السلاح أي حديد السلاح ثم يقلب فيقال شاكي السلاح فالشوكة مستعارة من واحدة الشوك والمعنى وتودون أن تظفروا بالطائفة التى ليس معها سلاح وهى طائفة الغير لأنها غنيمة صافية عن كدر القتال إذ لم يكن معها من يقوم بالدفع عنها قوله ) ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ( معطوف على ) وتودون ( وهو من جملة ما أمروا بذكر وقته أي ويريد الله غير ما تريدون وهو أن يحق الحق بإظهاره لما قضاه من ظفركم بذات الشوكة وقتلكم لصناديدهم وأسر كثير منهم واغتنام ما غنمتم من أموالهم التى أجلبوا بها عليكم وراموا دفعكم بها والمراد بالكلمات الآيات التى أنزلها فى محاربة ذات الشوكة ووعدكم منه بالظفر بها ) ويقطع دابر الكافرين ( الدابر الآخر وقطعه عبارة عن الاستئصال والمعنى ويستأصلهم جميعا
الأنفال : ( 8 ) ليحق الحق ويبطل . . . . .
قوله ) ليحق الحق ويبطل الباطل ( هذه الجملة علة لما يريده الله أي أراد ذلك أو يريد ذلك ليظهر الحق ويرفعه ) ويبطل الباطل ( ويضعه أو اللام متعلقة بمحذوف أي فعل ذلك ليحق الحق وقيل متعلق بيقطع وليس فى هذه الجملة تكرير لما قبلها لأن الأولى لبيان التفاوت فيما بين الإرادتين وهذه لبيان الحكمة الداعية إلى ذلك والعلة المقتضية له والمصلحة المترتبة عليه وإحقاق الحق إظهاره وإبطال الباطل إعدامه ) بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ( ومفعول ) ولو كره المجرمون ( محذوف أي ولو كرهوا أن يحق الحق ويبطل الباطل والمجرمون هم المشركون من قريش أو جميع طوائف الكفار
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي فى الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال قال لنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن نتعاد ففعلنا فإذا نحن ثلاثمائة وثلاثة عشر فأخبرنا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعدتنا فسر بذلك وحمد الله وقال عدة أصحاب طالوت فقال ما ترون فى قتال القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم فقلنا يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير ثم قال ما ترون فى قتال القوم فقلنا مثل ذلك فقال المقداد لا تقولوا كما قال قوم موسى لموسى ) فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ( فأنزل الله ) كما أخرجك ربك ( إلى قوله ) وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ( فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين إما القوم وإما العير طابت أنفسنا ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم إني أنشدك وعدك فقال ابن رواحة يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفضل من أن يشير عليه إن الله أجل وأعظم من أن تنشده وعده فقال يا ابن رواحة لأنشدن الله وعده فإن الله لا يخلف الميعاد فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى وجوه القوم فانهزموا فأنزل الله ) وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( فقلنا وأسرنا فقال عمر يا رسول الله ما أرى أن يكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون فقلنا يا معشر الأنصار إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا فنام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم استيقظ فقال ادعوا لي عمر فدعى له فقال إن الله قد أنزل علي ) ما كان لنبي أن يكون له أسرى ( الآية وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف وأخرج ابن أبي شيبة فى المصنف وابن مردويه عن محمد بن عمرو ابن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال كيف ترون فقال أبو بكر يا رسول الله بلغنا أنهم كذا وكذا ثم خطب


"""""" صفحة رقم 289 """"""
الناس فقال كيف ترون فقال عمر مثل قول أبي بكر ثم خطب الناس فقال كيف ترون فقال سعد بن معاذ يا رسول الله إيانا تريد فوالذى أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ولا نكونن كالذين قالوا لموسى ) فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ( ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذى أحدث الله إليك فامض له فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وعاد من شئت وسالم من شئت وخذ من أموالنا ما شئت فنزل القرآن على قول سعد ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( إلى قوله ) ويقطع دابر الكافرين ( وإنما كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يريد الغنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( قال كذلك يجادلونك فى خروج القتال وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ( قال خروج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بدر ) وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( قال لطلب المشركين ) يجادلونك في الحق بعد ما تبين ( أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك فى قوله ) وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ( قال هى عير أبي سفيان ود أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن العير كانت لهم وأن القتال صرف عنهم وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ) ويقطع دابر الكافرين ( أي شأفتهم ووقعة بدر قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير والتاريخ مستوفاة فلا نطيل بذكرها
سورة الأنفال الآية ( 9 10 )
الأنفال : ( 9 ) إذ تستغيثون ربكم . . . . .
قوله ) إذ تستغيثون ( الظرف متعلق بمحذوف أي واذكروا وقت استغاثتكم وقيل بدل من ) وإذ يعدكم الله ( معمول لعامله وقيل متعلق بقوله ) ليحق الحق ( والاستغاثة طلب الغوث يقال استغاثني فلان فأغثته والاسم الغياث والمعنى أن المسلمين لما علموا أنه لا بد من قتال الطائفة ذات الشوكة وهم النفير كما أمرهم الله بذلك وأراده منهم ورأوا كثرة عدد النفير وقلة عددهم استغاثوا بالله سبحانه وقد ثبت فى صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عدد المشركين يوم بدر ألف وعدد المسلمين ثلثمائة وسبعة عشر رجلا وأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما رأى ذلك استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك فهذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد فى الأرض الحديث ) فاستجاب لكم ( عطف على تستغيثون داخل معه فى التذكير وهو وإن كان مستقبلا فهو بمعنى الماضى ولهذا عطف عليه استجاب قوله ) أني ممدكم بألف من الملائكة ( أي بأني ممدكم فحذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى المفعول وقرئ بكسر الهمزة على إرادة القول أو على أن في استجاب معنى القول قوله ) مردفين ( قرأ نافع بفتح الدال اسم مفعول وقرأ الباقون بكسرها اسم فاعل وانتصابه على الحال والمعنى على القراءة الأولى أنه جعل بعضهم تابعا لبعض وعلى القراءة الثانية أنهم جعلوا بعضهم تابعا لبعض وقيل إن مردفين على القراءتين نعت لألف وقيل إنه على القراءة الأولى حال من الضمير المنصوب فى ممدكم أي ممدكم فى حال إردافكم بألف من الملائكة


"""""" صفحة رقم 290 """"""
وقد قيل إن ردف وأردف بمعنى واحد وأنكره أبو عبيدة قال لقوله تعالى ) تتبعها الرادفة ( ولم يقل المردفة قال سيبويه وفى الآية قراءة ثالثة وهى مردفين بضم الراء وكسر الدال مشددة وقراءة رابعة بفتح الراء وتشديد الدال وقرأ جعفر بن محمد وعاصم الجحدري بآلاف جمع ألف وهو الموافق لما تقدم في آل عمران
الأنفال : ( 10 ) وما جعله الله . . . . .
والضمير فى ) وما جعله الله ( راجع إلى الإمداد المدلول عليه بقوله ) أني ممدكم ( ) إلا بشرى ( أي إلا بشارة لكم بنصره وهواستثناء مفرغ أي ما جعل إمدادكم لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بالنصر ) ولتطمئن به ( أي بالإمداد قلوبكم وفي هذا إشعار بأن الملائكة لم يقاتلوا بل أمد الله المسلمين بهم للبشرى لهم وتطمين قلوبهم وتثبيتها واللام فى لتطمئن متعلقة بفعل محذوف يقدر متأخرا أي ولتطمئن قلوبكم فعل ذلك لا لشيء آخر ) وما النصر إلا من عند الله ( لا من عند غيره ليس للملائكة فى ذلك أثر فهو الناصر على الحقيقة وليسوا إلا سببا من أسباب النصر التى سببها الله لكم وأمدكم بها ) أن الله عزيز ( لا يغالب ) حكيم ( فى كل أفعاله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال نزل جبريل فى ألف من الملائكة عن ميمنة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل فى ألف من الملائكة عن ميسرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأنا فى الميسرة وأخرج سنيد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال ما أمد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأكثر من هذه الألف التى ذكر الله فى الأنفال وما ذكر الثلاثة الآلاف والخمسة الآلاف إلا بشرى وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس فى قوله ) مردفين ( قال متتابعين وأخرج ابن جرير عنه فى قوله ) مردفين ( يقول المدد وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وأبو الشيخ عنه أيضا فى الآية قال وراء كل ملك ملك وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال كان ألف مردفين وثلاثة آلاف منزلين فكانوا أربعة آلاف وهم مدد المسلمين فى ثغورهم وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) مردفين ( قال مجدين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال متتابعين أمدهم الله بألف ثم بثلاثة ثم أكملهم خمسة آلاف ) وما جعله الله إلا بشرى ( لكم ) ولتطمئن به قلوبكم ( قال يعني نزول الملائكة قال وذكر لنا أن عمر قال أما يوم بدر فلا نشك أن الملائكة كانوا معنا وأما بعد ذلك فالله أعلم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد ) مردفين ( قال بعضهم على أثر بعض
سورة الأنفال الآية ( 11 14 )
الأنفال : ( 11 ) إذ يغشيكم النعاس . . . . .
قوله ) إذ يشغيكم ( الظرف منصوب بفعل مقدر كالذى قبله أو بدل ثان من إذ يعدكم أو منصوب بالنصر المذكور قبله وقيل غير ذلك مما لا وجه له و ) يغشيكم ( هى قراءة نافع وأهل المدينة على أن الفاعل هو الله سبحانه وهذه القراءة هى المطابقة لما قبلها أعني قوله ) وما النصر إلا من عند الله ( ولما بعدها أعني ) وينزل عليكم (


"""""" صفحة رقم 291 """"""
فيتشاكل الكلام ويتناسب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ? يغشاكم ? على أن الفاعل النعاس وقرأ الباقون ) يغشيكم ( يفتح الغين وتشديد الشين وهى كقراءة نافع وأهل المدينة فى إسناد الفعل إلى الله ونصب النعاس قال مكي والاختيار ضم الياء والتشديد ونصب النعاس لأن بعده ) أمنة منه ( والهاء فى منه لله فهو الذى يغشيهم النعاس ولأن الأكثر عليه وعلى القراءة الأولى والثالثة يكون انتصاب أمنة على أنها مفعول له ولا يحتاج فى ذلك إلى تأويل وتكلف لأن فاعل الفعل المعلل والعلة واحد بخلاف انتصابها على العلة باعتبار القراءة الثانية
فإنه يحتاج إلى تكلف وأما على جعل الأمنة مصدرا فلا إشكال يقال أمن أمنة وأمنا وأمانا وهذه الآية تتضمن ذكر نعمة أنعم الله بها عليهم وهى أنهم مع خوفهم من لقاء العدو والمهابة لجانبه سكن الله قلوبهم وأمنها حتى ناموا آمنين غير خائفين وكان هذا النوم فى اللية التى كان القتال فى غدها قيل وفي امتنان الله عليهم بالنوم فى هذه الليلة وجهان أحدهما أنه قواهم بالاستراحة على القتال من الغد الثاني أنه أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم وقيل إن النوم غشيهم فى حال التقاء الصفين وقد مضى فى يوم أحد نحو من هذا فى سورة آل عمران قوله ) وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ( هذا المطر كان بعد النعاس وقيل قبل النعاس وحكى الزجاج أن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر فنزلوا عليه وبقى المؤمنون لا ماء لهم فأنزل الله المطر ليلة بدر والذى فى سيرة ابن إسحاق وغيره أن المؤمنين هم الذين سبقوا إلى ماء بدر وأنه منع قريشا من السبق إلى الماء مطر عظيم ولم يصب المسلمين منه إلا ما شد لهم دهس الوادي وأعانهم على المسير ومعنى ) ليطهركم به ( ليرفع عنكم الأحداث ) ويذهب عنكم رجز الشيطان ( أي وسوسته لكم بما كان قد سبق إلى قلوبهم من الخواطر التى هى منه من الخوف والفشل حتى كانت حالهم حال من يساق إلى الموت ) وليربط على قلوبكم ( فيجعلها صابرة قوية ثابتة فى مواطن الحرب والضمير فى ) به ( من قوله ) ويثبت به الأقدام ( راجع إلى الماء الذى أنزله الله أي يثبت بهذا الماء الذى أنزله عليكم عند الحاجة إليه أقدامكم فى مواطن القتال وقيل الضمير راجع إلى الربط المدلول عليه بالفعل
الأنفال : ( 11 ) إذ يغشيكم النعاس . . . . .
قوله ) إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم ( الظرف منصوب بفعل محذوف خاص بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه لا يقف على ذلك سواه أي واذكر يا محمد وقت إيحاء ربك إلى الملائكة وقيل هو بدل من ) وإذ يعدكم ( كما تقدم ولكنه يأبى ذلك أن هذا لا يقف عليه المسلمون فلا يكون من جملة النعم التى عددها الله عليهم وقيل العامل فيه يثبت فيكون المعنى يثبت الأقدام وقت الوحى وليس لهذا التقييد معنى وقيل العامل فيه ) وليربط ( ولا وجه لتقييد الربط على القلوب بوقت الإيحاء ومعنى الآية أني معكم بالنصر والمعونة فعلى قراءة الفتح للهمزة هو مفعول ) يوحى ( وعلى قراءة الكسر يكون بتقدير القول ومعنى ) فثبتوا الذين آمنوا ( بشروهم بالنصر أو ثبتوهم على القتال بالحضور معهم وتكثير سوادهم وهذا أمر منه سبحانه للملائكة الذين أوحى إليهم بأنه معهم والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها قوله ) سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ( قد تقدم بيان معنى إلقاء الرعب فى آل عمران قيل هذه الجملة تفسير لقوله ) إني معكم ( قوله ) فاضربوا فوق الأعناق ( قيل المراد الأعناق أنفسها و ) فوق ( زائدة قاله الأخفش وغيره وقال محمد بن يزيد هذا خطأ لأن فوق يفيد معنى فلا يجوز زيادتها ولكن المعنى أنه أبيح لهم ضرب الوجوه وما قرب منها وقيل المراد بما فوق الأعناق الرؤوس وقيل المراد بفوق الأعناق أعاليها لأنها المفاصل الذى يكون الضرب فيها أسرع إلى القطع قيل وهذا أمر للملائكة وقيل للمؤمنين وعلى الأول قيل هو تفسير لقوله ) فثبتوا الذين آمنوا ( قوله ) واضربوا منهم كل بنان ( قال الزجاج واحد البنان بنانة وهى هنا الأصابع وغيرها من الأعضاء والبنان مشتق من قولهم أبن الرجل بالمكان


"""""" صفحة رقم 292 """"""
إذا أقام به لأنه يعمل بها ما يكون للإقامة والحياة وقيل المراد بالبنان هنا أطراف الأصابع من اليدين والرجلين وهو عبارة عن الثبات في الحرب فإذا ضربت البنان تعطل من المضروب القتال بخلاف سائر الأعضاء قال عنترة وقد كان في الهيجاء يحمى ذمارها
ويضرب عند الكرب كل بنان
وقال عنترة أيضا وإن الموت طوع يدى إذا ما
وطئت بنانها بالهندوانى
قال ابن فارس البنان الأصابع ويقال الأطراف
الأنفال : ( 13 ) ذلك بأنهم شاقوا . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما وقع عليهم من القتل ودخل في قلوبهم من الرعب وهو مبتدأ و ) بأنهم شاقوا الله ورسوله ( خبره أى ذلك بسبب مشاقتهم والشقاق أصله أن يصير كل واحد من الخصمين فى شق وقد تقدم تحقيق ذلك ) ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ( له يعاقبه بسبب ما وقع منه من الشقاق
الأنفال : ( 14 ) ذلكم فذوقوه وأن . . . . .
قوله ) ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ( الإشارة إلى ما تقدم من العقاب أو الخطاب هنا للكافرين كما أن الخطاب فى قوله ) ذلكم ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح للخطاب قال الزجاج ذلكم رفع بإضمار الأمر أو القصة أي الأمر أو القصة ذلكم فذوقوه
قال ويجوز أن يضمر واعلموا قال فى الكشاف ويجوز أن يكون نصبا على عليكم ذلكم فذوقوه كقولك زيدا فاضربه قال أبو حيان لا يجوز تقدير عليكم لأنه اسم فعل وأسماء الأفعال لا تضمر وتشبيهه بزيدا فاضربه غير صحيح لأنه لم يقدر فيه عليك بل هو من باب الاشتغال وجملة ) وأن للكافرين عذاب النار ( معطوفة على ما قبلها فتكون الإشارة على هذا إلى العقاب العاجل الذي أصيبوا به ويكون ) وأن للكافرين عذاب النار ( إشارة إلى العقاب الآجل
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو يعلى والبيهقي فى الدلائل عن علي قال ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلى تحت شجرة حتى أصبح وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب فى الآية قال بلغنا أن هذه الآية أنزلت فى المؤمنين يوم بدر فيما أغشاهم الله من النعاس أمنة منه وأخرج ابن أبي شبية وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد فى قوله ) أمنة منه ( قال أمنا من الله
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) أمنة منه ( قال رحمة منه أمنة من العدو وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال النعاس فى الرأس والنوم فى القلب وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا قال كان النعاس أمنة من الله وكان النعاس نعاسين ونعاس يوم بدر ونعاس يوم أحد وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب فى قوله ) وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ( قال طش كان يوم بدر وأخرج هؤلاء عن مجاهد فى الآية قال المطر أنزله الله عليهم قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار والتبدت به الأرض وطابت به أنفسهم وثبتت به أقدامهم وأخرج ابن أبي حاتم وابن إسحاق عن عروة بن الزبير قال بعث الله السماء وكان الوادي دهسا وأصاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه ما لبد الأرض ولم يمنعهم المسير وأصاب قريشا ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن المشركين غلبوا المسلمين فى أول أمرهم على الماء فضحى المسلمون وصلوا مجنبين محدثين فألقى الشيطان فى قلوبهم الحزن وقال أتزعمون أن فيكم نبيا أو أنكم أولياء الله وتصلون مجنبين محدثين فأنزل الله من السماء ماء فسال عليهم الوادي ماء فشرب المسلمون وتطهروا وثبتت أقدامهم وذهبت وسوسته وقد


"""""" صفحة رقم 293 """"""
قدمنا أن المشهور فى كتب السير المعتمدة أن المشركين لم يغلبوا المؤمنين على الماء بل المؤمنون هم الذين غلبوا عليه من الابتداء وهذا المروى عن ابن عباس فى إسناده العوفي وهو ضعيف جدا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) رجز الشيطان ( قال وسوسته وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة فى قوله ) وليربط على قلوبكم ( قال بالصبر ) ويثبت به الأقدام ( قال كان بطن الوادي دهاسا فلما مطروا اشتدت الرملة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) ويثبت به الأقدام ( قال حتى تشتد على الرمل وهو كهيئة الأرض وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصلى تلك الليلة ويقول اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد وأصابهم تلك الليلة مطر شديد فذلك قوله ) ويثبت به الأقدام ( وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال قال لي أبى يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع ابن أنس قال كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب على الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد احترق به وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة فى قوله ) فاضربوا فوق الأعناق ( يقول الرؤوس
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطية ) فاضربوا فوق الأعناق ( قال اضربوا الأعناق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك ) فاضربوا فوق الأعناق ( يقول اضربوا الرقاب وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى قوله ) واضربوا منهم كل بنان ( قال يعني بالبنان الأطراف وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطية ) واضربوا منهم كل بنان ( قال كل مفصل
سورة الأنفال الآية ( 15 18 )
الأنفال : ( 15 ) يا أيها الذين . . . . .
الزحف الدنو قليلا قليلا وأصله الاندفاع على الإلية ثم سمى كل ماش فى الحرب إلى آخر زاحفا والتزاحف التداني والتقارب تقول زحف إلى العدو زحفا وازدحف القوم أي مشى بعضهم إلى بعض وانتصاب زحفا إما على أنه مصدر لفعل محذوف أي تزحفون زحفا أو على أنه حال من المؤمنين أي حال كونكم زاحفين إلى الكفار أو حال من الذين كفروا أي حال كون الكفار زاحفين إليكم أو حال من الفريقين أي متزاحفين ) فلا تولوهم الأدبار ( نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم وقد دب بعضهم إلى بعض للقتال فظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين فى كل زمن وعلى كل حال إلا حالة التحرف والتحيز وقد روى عن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي نضرة وعكرمة ونافع والحسن وقتادة وز


"""""" صفحة رقم 294 """"""
ابن أبي حبيب والضحاك أن تحريم الفرار من الزحف فى هذه الآية مختص بيوم بدر وأن أهل بدر لم يكن لهم أن ينحازوا ولو انحازوا لا نحازوا إلى المشركين إذ لم يكن فى الأرض يومئذ مسلمون غيرهم ولهم فئة إلا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأما بعد ذلك فإن بعضهم فئة لبعض وبه قال أبو حنيفة قالوا ويؤيده قوله ) ومن يولهم يومئذ دبره ( فإنه إشارة إلى يوم بدر وقيل إن هذه الآية منسوخة بآية الضعف وذهب جمهور العلماء إلى أن هذه الآية محكمة عامة غير خاصة وأن الفرار من الزحف محرم ويؤيد هذا أن هذه الآية نزلت بعد انقضاء العرب فى بوم بدر وأجيب عن قول الأولين بأن الإشارة فى ) يومئذ ( إلى يوم بدر بأن الإشارة إلى يوم الزحف كما يفيده السياق ولا منافاة بين هذه الآية وآية الضعف بل هذه الآية مقيدة بها فيكون الفرار من الزحف محرما بشرط ما بينه الله فى آية الضعف ولا وجه لما ذكروه من أنه لم يكن فى الأرض يوم بدر مسلمون غير من حضرها فقد كان فى المدينة إذ ذاك خلق كثير لم يأمرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالخروج لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) ومن خرج معه لم يكونوا يرون فى الابتداء أنه سيكون قتال ويؤيد هذا ورود الأحاديث الصحيحة المصرحة بأن الفرار من الزحف من جملة الكبائر كما فى حديث اجتنبوا السبع الموبقات وفيه والتولي يوم الزحف ونحوه من الأحاديث وهذا البحث تطول ذيوله وتتشعب طرقه وهو مبين فى مواطنه
الأنفال : ( 16 ) ومن يولهم يومئذ . . . . .
قال ابن عطية والأدبار جمع دبر والعبارة بالدبر فى هذه الآية متمكنة فى الفصاحة لما فى ذلك من الشناعة على الفار والذم له قوله ) إلا متحرفا لقتال ( التحرف الزوال عن جهة الاستواء والمراد به هنا التحرف من جانب إلى جانب فى المعركة طلبا لمكائد الحرب وخدعا للعدو وكمن يوهم أنه منهزم ليتبعه العدو فيكر عليه ويتمكن منه ونحو ذلك من مكائد الحرب فإن الحرب خدعة قوله ) أو متحيزا إلى فئة ( أي إلى جماعة من المسلمين غير الجماعة المقابلة للعدو وانتصاب متحرفا ومتحيزا على الاستثناء من المولين أي ومن يولهم دبره إلا رجلا منهم متحرفا أو متحيزا ويجوز انتصابهما على الحال ويكون حرف الاستثناء لغوا لا عمل له وجملة ) فقد باء بغضب من الله ( جزاء للشرط
والمعنى من ينهزم ويفر من الزحف فقد رجع بغضب كائن من الله إلا المتحرف والمتحيز ) ومأواه جهنم ( أي المكان الذى يأوى إليه هو النار فقراره أوقعه إلى ما هو أشد بلاء مما فر منه وأعظم عقوبة والمأوى ما يأوى إليه الإنسان ) وبئس المصير ( ما صار إليه من عذاب النار وقد اشتملت هذه الآية على هذا الوعيد الشديد لمن يفر عن الزحف وفي ذلك دلالة على أنه من الكبائر الموبقة
الأنفال : ( 17 ) فلم تقتلوهم ولكن . . . . .
قوله ) فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ( الفاء جواب شرط مقدر أي إذا عرفتم ما قصه الله عليكم من إمداده لكم بالملائكة وإيقاع الرعب فى قلوبهم فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم بما يسره لكم من الأسباب الموجبة للنصر قوله ) وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( اختلف المفسرون فى هذا الرمي على أقوال فروى عن مالك أن المراد به ما كان منه ( صلى الله عليه وسلم ) فى يوم حنين فإنه رمى المشركين بقبضة من حصباء الوادي فأصابت كل واحد منهم وقيل المراد به الرمية التى رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وآله وسلم أبي بن خلف بالحربة فى عنقه فانهزم ومات منها وقيل المراد به السهم الذى رمى به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فى حصن خيبر فسار فى الهوى حتى أصاب ابن أبي الحقيق وهو على فراشه وهذه الأقوال ضعيفة فإن الآية نزلت عقب وقعة بدر وأيضا المشهور فى كتب السير والحديث فى قتل ابن أبي الحقيق أنه وقع على صورة غير هذه الصورة والصحيح كما قال ابن إسحاق وغيره أن المراد بالرمي المذكور فى هذه الآية هو ما كان منه ( صلى الله عليه وسلم ) فى يوم بدر فإنه أخذ قبضة من تراب فرمى بها فى وجوه المشركين فأصابت كل واحد منهم ودخلت فى عينيه ومنخريه وأنفه قال ثعلب المعنى ) وما رميت ( الفزع والرعب فى قلوبهم


"""""" صفحة رقم 295 """"""
) إذ رميت ( بالحصباء فانهزموا ) ولكن الله رمى ( أي أعانك وأظفرك والعرب تقول رمى الله لك أي أعانك وأظفرك وصنع لك وقد حكى مثل هذا أبو عبيدة فى كتاب المجاز وقال محمد بن يزيد المبرد المعنى ) وما رميت ( بقوتك ) إذ رميت ( ولكنك بقوة الله رميت وقيل المعنى إن تلك الرمية بالقبضة من التراب التى رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها ما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمى البشر ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم فأثبت الرمية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأن صورتها وجدت منه ونفاها عنه لأن أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله عز وجل فكأن الله فاعل الرمية على الحقيقة وكأنها لم توجد من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أصلا هكذا فى الكشاف قوله ) وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ( البلاء ها هنا النعمة والمعنى ولينعم على المؤمنين إنعاما جميلا واللام متعلقة بمحذوف أي وللإنعام عليهم بنعمه الجميلة فعل ذلك لا لغيره أو الواو عاطفة لما بعدها على علة مقدرة قبلها أي ولكن الله رمى ليمحق الكافرين وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا ) إن الله سميع عليم ( لدعائهم عليم بأحوالهم
الأنفال : ( 18 ) ذلكم وأن الله . . . . .
والإشارة بقوله ذلكم إلى البلاء الحسن وهو فى محل رفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف أي الغرض ) ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ( أي إن الغرض منه سبحانه بما وقع مما حكته الآيات السابقة إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وقيل المشار إليه القتل والرمي وقد قرئ بتشديد الهاء وتخفيفها مع التنوين وقرأ الحسن بتخفيف الهاء مع الإضافة والكيد المكر وقد تقدم بيانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري فى تاريخه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن نافع أنه سأل ابن عمر قال إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندرى من الفئة أمامنا أو عسكرنا فقال لي الفئة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت إن الله يقول ) إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ( قال إنما نزلت هذه الآية فى أهل بدر لا قبلها ولا بعدها وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس فى ناسخه وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري فى قوله ) ومن يولهم يومئذ دبره ( الآية قال إنها كانت لأهل بدر خاصة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال لا تغرنكم هذه الآية فإنما كانت يوم بدر وأنا فئة لكل مسلم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال نزلت فى أهل بدر خاصة ما كان لهم أن ينهزموا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويتركوه وقد روى اختصاص هذه الآية بأهل بدر عن جماعة من التابعين ومن بعدهم وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير فى قوله ) إلا متحرفا لقتال ( يعني مستطردا يريد الكرة على المشركين ) أو متحيزا إلى فئة ( يعني أو ينجاز إلى أصحابه من غير هزيمة ) فقد باء بغضب من الله ( يقول استوجبوا سخطا من الله ) ومأواه جهنم وبئس المصير ( فهذا يوم بدر خاصة كان شديدا على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين وهو أول قتال قاتل المشركين من أهل مكة وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك قال المتحرف المتقدم من أصحابه أن يرى عورة من العدو فيصيبها والمتحيز الفار إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح فى قوله ) ومن يولهم يومئذ دبره ( قال هذه الآية منسوخة بالآية التى فى الأنفال ) الآن خفف الله عنكم ( الآية
وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري فى الأدب المفرد واللفظ له وأبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي فى شعب الإيمان عن ابن عمر قال كنا فى غزاة فحاص الناس حيصة قلنا كيف نلقى رسول الله صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 296 """"""
وآله وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب فأتينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل صلاة الفجر فخرج فقال من القوم فقلنا نحن الفرارون فقال لا بل أنتم العكارون فقبلنا يده فقال أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ثم قرأ ) إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ( وقد روى فى تحريم الفرار من الزحف وإنه من الكبائر أحاديث وورد عن جماعة من الصحابة أنه من الكبائر كما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر وأخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) فلم تقتلوهم ( قال لأصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حين قال هذا قتلت وهذا قتلت ) وما رميت إذ رميت ( قال لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) حين حصب الكفار وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة فى قوله ) وما رميت إذ رميت ( قال رماهم بوم بدر بالحصباء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن حكيم ابن حزام قال لما كان يوم بدر سمعنا صوتا من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت فى طست ورمى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بتلك الحصباء وقال شاهت الوجوه فانهزمنا فذلك قوله تعالى ) وما رميت إذ رميت ( الآية وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن جابر قال سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن فى طست فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فرمى بهن فى وجوه المشركين فانهزموا فذلك قوله ) وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) وما رميت إذ رميت ( قال قال رسول الله لعلي ناولني قبضة من حصباء فناوله فرمى بها فى وجوه القوم فما بقى أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء فنزلت هذه الآية ) وما رميت إذ رميت ( وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال لما كان يوم أحد أخذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى دنا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استأخروا فاستأخروا فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حربته فى يده فرمى بها أبي بن خلف وكسر ضلعا من أضلاعه فرجع أبي بن خلف إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه حين ولوا قافلين فطفقوا يقولون لا بأس فقال أبي حين قالوا له ذلك والله لو كانت بالناس لقتلتهم ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفنوه قال ابن المسيب وفي ذلك أنزل الله ) وما رميت إذ رميت ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهري نحوه وإسناده صحيح إليهما وقد أخرجه الحاكم فى المستدرك قال ابن كثير وهذا القول هذين الإمامين غريب جدا ولعلهما أرادا أن الآية تتناولهما بعمومها وهكذا قال فيما قاله عبد الرحمن بن جبير كما سيأتي
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يؤم ابن أبي الحقيق دعا بقوس فرمى بها الحصن فأقبل السهم حتى قتل ابن أبي الحقيق فى فراشه فأنزل الله ) وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ( وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير فى قوله ) ولكن الله رمى ( أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذى جعل الله من نصرك وما ألقى فى صدور عدوك حتى هزمهم ) وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ( أي ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم فى إظهارهم على عدوهم مع كثرة عدوهم وقلة عددهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته


"""""" صفحة رقم 297 """"""
سورة الأنفال الآية ( 19 )
الأنفال : ( 19 ) إن تستفتحوا فقد . . . . .
الاستفتاح طلب النصر وقد اختلف فى المخاطبين بالآية من هم فقيل إنها خطاب للكفار تهكما بهم والمعنى إن تستنصروا الله على محمد فقد جاءكم النصر وقد كانوا عند خروجهم من مكة سألوا الله أن ينصر أحق الطائفتين بالنصر فتهكم الله بهم وسمى ما حل بهم من الهلاك نصرا ومعنى بقية الآية على هذا القول ) وإن تنتهوا ( عما كنتم عليه من الكفر والعداوة لرسول الله ) فهو ( أي الانتهاء ) خير لكم وإن تعودوا ( إلى ما كنتم عليه من الكفر والعداوة ) نعد ( بتسليط المؤمنين عليكم ونصرهم كما سلطناهم ونصرناهم فى يوم بدر ) ولن تغني عنكم فئتكم ( أي جماعتكم ) شيئا ولو كثرت ( أي لا تغني عنكم فى حال من الأحوال ولو فى حال كثرتها ثم قال ) وأن الله مع المؤمنين ( ومن كان الله معه فهو المنصور ومن كان الله عليه فهو المخذول قرئ بكسر إن وفتحها فالكسر على الاستئناف والفتح على تقدير ولأن الله مع المؤمنين فعل ذلك وقيل إن الآية خطاب للمؤمنين والمعنى إن تستنصروا الله فقد جاءكم النصر فى يوم بدر وإن تنتهوا عن مثل ما فعلتموه من أخذ الغنائم وفداء الأسرى قبل الإذن لكم بذلك فهو خير لكم وإن تعودوا إلى مثل ذلك نعد إلى توبيخكم كما فى قوله ) لولا كتاب من الله سبق ( الآية ولا يخفى أنه يأبى هذا القول معنى ) ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ( ويأباه أيضا ) وأن الله مع المؤمنين ( وتوجيه ذلك لا يمكن إلا بتكلف وتعسف وقيل إن الخطاب فى ) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( للمؤمنين وما بعده للكافرين ولا يخفى ما فى هذا من تفكيك النظم وعود الضمائر الجارية فى الكلام على نمط واحد إلى طائفتين مختلفتين
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وابن منده والحاكم وصححه والبيهقي فى الدلائل عن ابن شهاب عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير أن أبا جهل قال حين التقى القوم اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة فكان ذلك استفتاحا منه فنزلت ) إن تستفتحوا ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية قال قال أبو جهل يوم بدر اللهم انصر أهدى الفئتين وأفضل الفئتين وخير الفئتين فنزلت الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) إن تستفتحوا ( يعني المشركين أي إن تستنصروا فقد جاءكم المدد وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد ) إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح ( قال كفار قريش فى قولهم ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه ففتح بينهم يوم بدر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة فى قوله ) إن تستفتحوا ( قال إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء فى يوم بدر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله ) وإن تنتهوا ( قال عن قتال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) وإن تعودوا نعد ( قال إن تستفتحوا الثانية أفتح لمحمد ) وأن الله مع المؤمنين ( قال مع محمد وأصحابه وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ) وإن تعودوا نعد ( يقول نعد لكم بالأسر والقتل


"""""" صفحة رقم 298 """"""
سورة الأنفال الآية ( 20 23 )
الأنفال : ( 20 ) يا أيها الذين . . . . .
أمر الله سبحانه المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله ونهاهم عن التولي عن رسوله فالضمير فى ) عنه ( عائد إلى الرسول لأن طاعة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هى من طاعة الله و ) من يطع الرسول فقد أطاع الله ( ويحتمل أن يكون هذا الضمير راجعا إلى الله وإلى رسوله كما فى قوله ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( وقيل الضمير راجع إلى الأمر الذى دل عليه أطيعوا وأصل تولوا تتولوا فطرحت إحدى التاءين هذا تفسير الآية على ظاهر الخطاب للمؤمنين وبه قال الجمهور وقيل إنه خطاب للمنافقين والمعنى يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم فقط قال ابن عطية وهذا وإن كان محتملا على بعد فهو ضعيف جدا لأن الله وصف من خاطبه فى هذه الآية بالإيمان وهو التصديق والمنافقون لا يتصفون من التصديق بشئ وأبعد من هذا من قال الخطاب لبني إسرائيل فإنه أجنبي من الآية وجملة ) وأنتم تسمعون ( فى محل نصب على الحال والمعنى وأنتم تسمعون ما يتلى عليكم من الحجج والبراهين وتصدقون بها ولستم كالصم البكم
الأنفال : ( 21 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
) ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا ( وهم المشركون أو المنافقون أو اليهود أو الجميع من هؤلاء فإنه يسمعون بآذانهم من غير فهم ولا عمل فهم كالذى لم يسمع أصلا لأنه لم ينتفع بما سمعه
الأنفال : ( 22 ) إن شر الدواب . . . . .
ثم أخبر سبحانه ب ) إن شر الدواب ( أي ما دب على الأرض ) عند الله ( أي في حكمه ) الصم البكم ( أي الذين لا يسمعون ولا ينطقون وصفوا بذلك مع كونهم ممن يسمع وينطق لعدم انتفاعهم بالسمع والنطق ) الذين لا يعقلون ( ما فيه النفع لهم فيأتونه وما فيه الضرر عليهم فيجتنبونه فهم شر الدواب عند الله لأنها تميز بعض تمييز وتفرق بين ما ينفعها ويضرها
الأنفال : ( 23 ) ولو علم الله . . . . .
) ولو علم الله فيهم ( أي في هؤلاء الصم البكم ) خيرا لأسمعهم ( سماعا ينتفعون به ويتعقلون عنده الحجج والبراهين قال الزجاج ) لأسمعهم ( جواب كل ما سألوا عنه وقيل ) لأسمعهم ( كلام الموتى الذين طلبوا إحياءهم لأنهم طلبوا إحياء قصي بن كلاب وغيره ليشهدوا بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ( لأنه قد سبق في علمه أنهم لا يؤمنون وجملة ) وهم معرضون ( في محل نصب على الحال
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) وهم لا يسمعون ( قال غاضبون وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب فى قوله ) إن شر الدواب عند الله ( الآية قال إن هذه الآية نزلت فى فلان وأصحاب له وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس فى قوله ) إن شر الدواب عند الله ( قال هم نفر من قريش من بني عبد الدار وأخرج ابن أبي حاتم عنه فى قوله ) الصم البكم الذين لا يعقلون ( قال لا يتبعون الحق وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال نزلت هذه الآية فى النضر بن الحرث وقومه ولعله المكني عنه بفلان فيما تقدم من قول علي رضي الله عنه وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير فى قوله ) ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ( أي لأنفذ لهم قولهم الذى قالوا بألسنتهم ولكن القلوب خالفت ذلك منهم
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة فى الآية قال قالوا نحن صم عما يدعونا إليه محمد لا نسمعه بكم لا نجيبه فيه بتصديق قتلوا جميعا بأحد وكانوا أصحاب اللواء يوم أحد


"""""" صفحة رقم 299 """"""
سورة الأنفال الآية ( 24 25 )
الأنفال : ( 24 ) يا أيها الذين . . . . .
الأمر هنا بالاستجابة مؤكد لما سبق من الأمر بالطاعة ووحد الضمير هنا حيث قال ) إذا دعاكم ( كما وحده فى قوله ) ولا تولوا عنه ( وقد قدمنا الكلام فى وجه ذلك والاستجابة الطاعة قال أبو عبيدة معنى استجيبوا أجيبوا وإن كان استجاب يتعدى باللام وأجاب بنفسه كما فى قوله ) يا قومنا أجيبوا داعي الله ( وقد يتعدى استجاب بنفسه كما فى قول الشاعر وداع دعا يا من يجيب إلى الندى
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
) إذا دعاكم لما يحييكم ( اللام متعلقة بقوله ) استجيبوا ( أي استجيبوا لما يحييكم إذا دعاكم ولا مانع من أن تكون متعلقة بدعا أي إذا دعاكم إلى ما فيه حياتكم من علوم الشريعة فإن العلم حياة كما أن الجهل موت فالحياة هنا مستعارة للعلم قال الجمهور من المفسرين المعنى استجيبوا للطاعة وما تضمنه القرآن من أوامر ونواهي ففيه الحياة الأبدية والنعمة السرمدية وقيل المراد بقوله ) لما يحييكم ( الجهاد فإنه سبب الحياة فى الظاهر لأن العدو إذا لم يغز غزا ويستدل بهذا الأمر بالإستجابة على أنه يجب على كل مسلم إذا بلغه قول الله أو قول رسوله فى حكم من الأحكام الشرعية أن يبادر إلى العمل به كائنا ما كان ويدع ما خالفه من الرأي وأقوال الرجال وفي هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بنصوص الأدلة وترك التقيد بالمذاهب وعدم الاعتداد بما يخالف ما فى الكتاب والسنة كائنا ما كان قوله ) واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ( قيل معناه بادروا إلى الإستجابة قبل أن لا تتمكنوا منها بزوال القلوب التى تعقلون بها بالموت الذى كتبه الله عليكم وقيل معناه إنه خاف المسلمون يوم بدر كثرة العدو فأعلمهم الله أن يحول بين المرء وقلبه بأن يبدلهم بعد الخوف أمنا ويبدل عدوهم من الأمن خوفا وقيل هو من باب التمثيل لقربه سبحانه من العبد كقوله ) ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( ومعناه أنه مطلع على ضمائر القلوب لا تخفى عليه منها خافية واحتار ابن جرير أن هذا من باب الإخبار من الله عز وجل بأنه أملك لقلوب عباده منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئته عز وجل ولا يخفاك أنه لا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني ) وأنه إليه تحشرون ( معطوف على ) أن الله يحول بين المرء وقلبه ( وأنكم محشورون إليه وهو مجازيكم بالخير خيرا وبالشر شرا قال الفراء ولو استأنفت فكسرت همزة ) أنه ( لكان صوابا ولعل مراده أن مثل هذا جائز فى العربية
الأنفال : ( 25 ) واتقوا فتنة لا . . . . .
قوله ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( أي اتقوا فتنة تتعدى الظالم فتصيب الصالح والطالح ولا تختص إصابتها بمن يباشر الظلم منكم
وقد اختلف النحاة فى دخول هذه النون المؤكدة فى ) تصيبن ( فقال الفراء هو بمنزلة قولك انزل عن الدابة لا تطرحنك فهو جواب الأمر بلفظ النهي أي إن تنزل عنها لا تطرحنك ومثله قوله تعالى ) ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده ( أي إن تدخلوا لايحطمنكم فدخلت النون لما فيه من معنى الجزاء وقال المبرد إنه نهى بعد أمر والمعنى النهي للظالمين أي لا يقربن الظلم ومثله ما روى عن سيبويه لا أرينك هاهنا فإن


"""""" صفحة رقم 300 """"""
معناه لا تكن ها هنا فإن من كان ها هنا رأيته وقال الجرجاني إن لا تصيبن نهى فى موضع وصف لقتنة وقرأ علي وزيد بن ثابت وأبي وابن مسعود ? لتصيبن ? على أن اللام جواب لقسم محذوف والتقدير اتقوا فتنة والله لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة فيكون معنى هذه القراءة مخالفا لمعنى قراءة الجماعة لأنها تفيد أن الفتنة تصيب الظالم خاصة بخلاف قراءة الجماعة ) واعلموا أن الله شديد العقاب ( ومن شدة عقابه أنه يصيب بالعذاب من لم يباشر أسبابه وقد وردت الآيات القرآنية بأنه لا يصاب أحد إلا بذنبه ولا يعذب إلا بجنايته فيمكن حمل ما فى هذه الآية على العقوبات التى تكون بتسليط العباد بعضهم على بعض ويمكن أن تكون هذه الآية خاصة بالعقوبات العامة والله أعلم ويمكن أن يقال إن الذين لم يظلموا قد تسببوا للعقوبة بأسباب كترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتكون الإصابة المتعديه للظالم إلى غيره مختصة بمن ترك ما يجب عليه عند ظهور الظلم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) إذا دعاكم لما يحييكم ( قال للحق وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة فى الآية قال هو هذا القرآن فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة فى الدنيا والآخرة وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير فى قوله ) إذا دعاكم لما يحييكم ( أي للحرب التى أعزكم الله بها بعد الذل وقواكم بها بعد الضعف ومنعكم بها من العذاب بعد القهر منهم لكم وقد ثبت فى الصحيح من حديث أبي سعيد بن المعلى قال كنت أصلي فى المسجد فدعاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال ألم يقل الله تعالى استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم الحديث وفيه دليل على ما ذكرنا من أن الآية تعم كل دعاء من الله أو من رسوله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس فى قوله ) واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ( قال يحول بين المؤمن وبين الكفر ومعاصى الله ويحول بين الكافر وبين الإيمان وطاعة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس فى الآية قال علمه يحول بين المرء وقلبه وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى الآية قال يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل وأخرج عبد بن حميد عن الحسن فى الآية قال فى القرب منه وأخرج أحمد والبزار وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر عن مطرف قال قلت للزبير يا أبا عبد الله ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه قال الزبير إنا قرأنا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي بكر وعمر وعثمان ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( ولم نكن تحسب أنا أهلها حتى وقعت فينا حيث وقعت وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال قرأ الزبير ) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( قال البلاء والأمر الذى هو كائن وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن فى الآية قال نزلت في علي وعثمان وطلحة والزبير وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال نزلت في أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خاصة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي قال نزلت فى أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا فكان من المقتولين طلحة والزبير وهما من أهل بدر وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى الآية قال تصيب الظالم والصالح عامة وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد مثله وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد فى الآية قال هى مثل ) يحول بين المرء وقلبه ( حتى يتركه لا يعقل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس فى الآية قال أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب وقد ردت الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأن هذه الأمة إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر عمهم الله بعذاب من عنده


"""""" صفحة رقم 301 """"""
سورة الأنفال الآية ( 26 28 )
الأنفال : ( 26 ) واذكروا إذ أنتم . . . . .
الخطاب بقوله ) واذكروا إذ أنتم قليل ( للمهاجرين أي اذكروا وقت قلتكم و ) مستضعفون ( خبر ثان للمبتدأ والأرض هى أرض مكة والخطف الأخذ بسرعة والمراد بالناس مشركو قريش وقيل فارس والروم ) فآواكم ( يقال آوى إليه بالمد وبالقصر بمعنى انضم إليه فالمعنى ضمكم الله إلى المدينة أو إلى الأنصار ) وأيدكم بنصره ( أي قواكم بالنصر فى مواطن الحرب التى منها يوم بدر أو قواكم بالملائكة يوم بدر ) ورزقكم من الطيبات ( التى من جملتها الغنائم ) لعلكم تشكرون ( أي إرادة أن تشكروا هذه النعم التى أنعم بها عليكم
الأنفال : ( 27 ) يا أيها الذين . . . . .
والخون أصله كما فى الكشاف النقص كما أن الوفاء التمام ثم استعمل فى ضد الأمانة الوفاء لأنك إذا خنت الرجل فى شيء فقد أدخلت عليه النقصان وقيل معناه الغدر وإخفاء الشيء ومنه قوله تعالى ) يعلم خائنة الأعين ( نهاهم الله عن أن يخونوه بترك شيء مما افترضه عليهم أو يخونوا رسوله بترك شيء مما أمنهم عليه أو بترك شيء مما سنه لهم أو يخونوا شيئا من الأمانات التى اؤتمنوا عليها وسميت أمانات لأنه يؤمن معها من منع الحق مأخوذة من الأمن وجملة ) وأنتم تعلمون ( فى محل نصب على الحال أي وأنتم تعلمون أن ذلك الفعل خيانة فتفعلون الخيانة عن عمد أو وأنتم من أهل العلم لا من أهل الجهل
الأنفال : ( 28 ) واعلموا أنما أموالكم . . . . .
ثم قال ) واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( لأنهم سبب الوقوع فى كثير من الذنوب فصاروا من هذه الحيثية محنة يختبر الله بها عباده وإن كانوا من حيثية أخرى زينة الحياة الدنيا كما فى الآية الأخرى ) وأن الله عنده أجر عظيم ( فآثروا حقه على أموالكم وأولادكم ليحصل لكم ما عنده من الأجر المذكور
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) واذكروا إذ أنتم قليل ( قال كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلا وأشقاه عيشا وأجوعه بطونا وأعراه جلودا وأبينه ضلالة من عاش عاش شقيا ومن مات منهم ردى في النار يؤكلون ولا يأكلون لا والله ما نعلم قبيلا من حاضري الأرض يومئذ كان أشر منزلا منهم حتى جاء الله بالإسلام فمكن به في البلاد ووسع به في الرزق وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا لله نعمه فإن ربكم منعم يحب الشكر وأهل الشكر في مزيد من الله عز وجل وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) يتخطفكم الناس ( قال في الجاهلية بمكة ) فآواكم ( إلى الإسلام وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب في قوله ) يتخطفكم الناس ( قال الناس إذ ذاك فارس والروم وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس ( قيل يا رسول الله ومن الناس قال أهل فارس وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) فآواكم ( قال إلى الأنصار بالمدينة ) وأيدكم بنصره ( قال يوم بدر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن جابر بن عبد الله أن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن


"""""" صفحة رقم 302 """"""
أبا سفيان بمكان كذا وكذا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان إن محمدا يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله ) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول ( الآية وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن أبي قتادة قال نزلت هذه الآية ) لا تخونوا الله والرسول ( في أبي لبابة بن عبد المنذر سألوه يوم قريظة ما هذا الأمر فأشار إلى حلقه أنه الذبح فنزلت قال أبو لبابة مازالت قدماي حتى علمت أني خنت الله ورسوله وأخرج سنيد وابن جرير عن الزهري نحوه بأطول منه وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث أبا لبابة إلى قريظة وكان حليفا لهم فأومأ بيده أنه الذبح فنزلت وأخرج أبو الشيخ عن السدي في هذه الآية أنها نزلت في أبي لبابة ونسختها الآية التى في براءة ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) لا تخونوا الله ( قال بترك فرائضه ) والرسول ( بترك سننه وارتكاب معصيته ) وتخونوا أماناتكم ( يقول لا تنقصوها والأمانة الأعمال التى ائتمن الله عليها العباد وأخرج ابن جرير عن المغيرة بن شعبة قال نزلت هذه الآية في قتل عثمان ولعل مراده أن من جملة ما يدخل تحت عمومها قتل عثمان وأخرج أبو الشيخ عن يزيد بن أبي حبيب في الآية قال هو الإخلال بالسلاح في المغازي ولعل مراده أن هذا مما يندرج تحت عمومها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال ما منكم من أحد إلا وهو يشتمل على فتنة لأن الله يقول ) أنما أموالكم وأولادكم فتنة ( فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مضلات الفتن وأخرج هؤلاء عن ابن زيد في الآية قال فتنة الإختبار اختبرهم وقرأ ) ونبلوكم بالشر والخير فتنة )
سورة الأنفال الآية ( 29 )
الأنفال : ( 29 ) يا أيها الذين . . . . .
جعل سبحانه التقوى شرطا في الجعل المذكور مع سبق علمه بأنهم يتقون أو لا يتقون جريا على ما يخاطب به الناس بعضهم بعضا والتقوى اتقاء مخالفة أوامره والوقوع في مناهيه والفرقان ما يفرق به بين الحق والباطل والمعنى أنه يجعل لهم من ثبات القلوب وثقوب البصائر وحسن الهداية ما يفرقون به بينهما عند الالتباس وقيل الفرقان المخرج من الشبهات والنجاة من كل ما يخافونه ومنه قول الشاعر مالك من طول الأسى فرقان بعد قطين رحلوا وبانوا
ومنه قول الآخر
وكيف أرجى الخلد والموت طالبي وما لي من كأس المنية فرقان
وقال الفراء المراد بالفرقان الفتح والنصر قال ابن إسحاق الفرقان الفصل بين الحق والباطل وبمثله قال ابن زيد وقال السدي الفرقان النجاة ويؤيد تفسير الفرقان بالمخرج والنجاة قوله تعالى ) ومن يتق الله يجعل له مخرجا ( وبه قال مجاهد ومالك بن أنس ) ويكفر عنكم سيئاتكم ( أي يسترها حتى تكون غير ظاهرة ) ويغفر لكم ( ما اقترفتم من الذنوب وقد قيل إن المراد بالسيئات الصغائر وبالذنوب التى تغفر الكبائر وقيل المعنى أنه يغفر


"""""" صفحة رقم 303 """"""
لهم ما تقدم من الذنوب وما تأخر ) والله ذو الفضل العظيم ( فهو المتفضل على عباده بتكفير السيئات ومغفرة للذنوب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يجعل لكم فرقانا ( قال هو المخرج
وأخرج ابن جرير عنه قال هو النجاة وأخرج ابن جرير عن عكرمة مثله وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال هو النصر
سورة الأنفال الآية ( 30 33 )
الأنفال : ( 30 ) وإذ يمكر بك . . . . .
قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( الظرف معمول لفعل محذوف أي واذكر يا محمد وقت مكر الكافرين بك أو معطوف على ما تقدم من قوله ) واذكروا ( ذكر الله رسوله هذه النعمة العظمى التى أنعم بها عليه وهى نجاته من مكر الكافرين وكيدهم كما سيأتي بيانه ) ليثبتوك ( أي يثبتوك بالجراحات كما قال ثعلب وأبو حاتم وغيرهما
وعنه قول الشاعر فقلت ويحكم ما في صحيفتكم
قالوا الخليفة أمسى مثبتا وجعا
وقيل المعنى ليحبسوك يقال أثبته إذا حبسه وقيل ليوثقوك ومنه ) فشدوا الوثاق ( وقرأ الشعبي ? ليبيتوك ? من البيات وقرئ ) ليثبتوك ( بالتشديد ) أو يخرجوك ( معطوف على ما قبله أي يخرجوك من مكة التى هى بلدك وبلد أهلك وجملة ) ويمكرون ويمكر الله ( مستأنفة والمكر التدبير في الأمر في خفية والمعنى أنهم يخفون ما يعدونه لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المكايد فيجازيهم الله على ذلك ويرد كيدهم في نحورهم وسمى ما يقع منه تعالى مكرا مشاكلة كما في نظائره ) والله خير الماكرين ( أي المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم فهو يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون فيكون ذلك أشد ضررا عليهم وأعظم بلاء من مكرهم
الأنفال : ( 31 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
قوله ) وإذا تتلى عليهم آياتنا ( أي التى تأتيهم بها وتتلوها عليهم ) قالوا ( تعنتا وتمردا وبعدا عن الحق ) قد سمعنا ( ما تتلوه علينا ) لو نشاء لقلنا مثل هذا ( الذى تلوته علينا قيل إنهم قالوا هذا توهما منهم أنهم يقدرون على ذلك فلما راموا أن يقولوا مثله عجزوا عنه ثم قال عنادا وتمردا ) إن هذا إلا أساطير الأولين ( أي ما يستطره الوراقون من أخبار الأولين وقد تقدم بيانه مستوفى
الأنفال : ( 32 ) وإذ قالوا اللهم . . . . .
) وإذ قالوا ( أي واذكر إذ قالوا ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( بنصب الحق على أنه خبر كان والضمير للفصل ويجوز الرفع قال الزجاج ولا أعلم أحدا قرأ بها ولا اختلاف بين النحويين في إجازتها ولكن القراءة سنة والمعنى إن كان القرآن الذى جاءنا به محمد هو الحق ) فأمطر علينا ( قالوا هذه المقالة مبالغة في الجحود والإنكار قال أبو عبيدة يقال أمطر في العذاب ومطر


"""""" صفحة رقم 304 """"""
في الرحمة وقال في الكشاف قد كثر الإمطار في معنى العذاب ) أو ائتنا بعذاب أليم ( سألوا أن يعذبوا بالرجم بالحجارة من السماء أو بغيرها من أنواع العذاب الشديد
الأنفال : ( 33 ) وما كان الله . . . . .
فأجاب الله عليهم بقوله ) وما كان الله ليعذبهم وأنت ( يا محمد ) فيهم ( موجود فإنك مادمت فيهم فهم في مهلة من العذاب الذى هو الاستئصال ) وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( روى أنهم كانوا يقولون في الطواف غفرانك أي وما كان الله معذبهم في حال كونهم يستغفرونه وقيل المعنى لو كانوا ممن يؤمن بالله ويستغفره لم يعذبهم وقيل إن الاستغفار راجع إلى المسلمين الذين هم بين أظهرهم أي وما كان الله ليعذبهم وفيهم من يستغفر من المسلمين فلما خرجوا من بين أظهرهم عذبهم بيوم بدر وما بعده وقيل المعنى وما كان الله معذبهم وفي أصلابهم من يستغفر الله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل والخطيب عن ابن عباس في قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه على ذلك فبات علي على فراش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى لحق بالغار فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوه عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك هذا فقال لا أدري فاقتصوا أثره فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاث ليال وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس فذكر القصة بأطول مما هنا وفيها ذكر الشيخ النجدي أي إبليس ومشورته عليهم عند اجتماعهم في دار الندوة للمشاورة في أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأن أبا جهل أشار بأن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش غلاما ويعطوا كل واحد منهم سيفا ثم يضربونه ضربة رجل واحد فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل فقال الشيخ النجدي هذا والله هو الرأي فتفرقوا على ذلك وأخرج سعيد ابن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال لما ائتمروا بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب هل تدري ما ائتمروا بك قال يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني قال من حدثك بهذا قال ربي قال نعم الرب ربك استوص به خيرا قال أنا استوصى به بل هو يستوصى بي وأخرجه ابن جرير من طريق أخرى عنه وهذا لا يصح فقد كان أبو طالب مات قبل وقت الهجرة بسنين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( قال قال عكرمة هى مكية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء في قوله ) ليثبتوك ( يعني ليوثقوك وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال قتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وكان المقداد أسر النضر فلما أمر بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول قال وفيه أنزلت هذه الآية ) وإذا تتلى عليهم آياتنا ( وهذا مرسل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في النضر بن الحارث وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أنس بن مالك قال قال أبو جهل بن هشام ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ( الآية فنزلت ) وما كان الله ليعذبهم ( الآية وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنها نزلت في أبي جهل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية أنها نزلت في النضر بن الحارث وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ


"""""" صفحة رقم 305 """"""
عن مجاهد مثله وأخرج ابن جرير عن عطاء نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون لبيك اللهم لبيك
لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ويقولون غفرانك غفرانك فأنزل الله ) وما كان الله ليعذبهم ( الآية قال ابن عباس كان فيهم أمانان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والاستغفار فذهب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبقي الاستغفار وأخرج الترمذي وضعفه عن أبي موسى الأشعري قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنزل الله علي أمانين لأمتي ) وما كان الله ليعذبهم ( الآية فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار
وأخرج أبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال كان فيكم أمانان مضى أحدهما وبقي الآخر قال ) وما كان الله ليعذبهم ( الآية وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والحاكم وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري نحوه أيضا والأحاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في مطلق الاستغفار كثيرة جدا معروفة في كتب الحديث
سورة الأنفال الآية ( 34 37 )
الأنفال : ( 34 ) وما لهم ألا . . . . .
قوله ) وما لهم ألا يعذبهم الله ( لما بين سبحانه أن المانع من تعذيبهم هو الأمران المتقدمان وجود رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين ظهورهم ووقوع الاستغفار ذكر بعد ذلك أن هؤلاء الكفار أعني كفار مكة مستحقون لعذاب الله لما ارتكبوا من القبائح والمعنى أي شئ لهم يمنع من تعذيبهم قال الأخفش إن ) إن ( زائدة قال النحاس لو كان كما قال لرفع يعذبهم وجملة ) وهم يصدون عن المسجد الحرام ( في محل نصب على الحال أي وما يمنع من تعذيبهم والحال أنهم يصدون الناس عن المسجد الحرام كما وقع منهم عام الحديبية من منع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه من البيت وجملة ) وما كانوا أولياءه ( في محل نصب على أنها حال من فاعل ) يصدون ( وهذا كالرد لما كانوا يقولونه من أنهم ولاة البيت وأن أمره مفوض إليهم ثم قال مبينا لمن له ذلك ) إن أولياؤه إلا المتقون ( أي ما أولياؤه إلا من كان في عداد المتقين للشرك والمعاصي ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( ذلك والحكم على الأكثرين بالجهل يفيد أن الأقلين يعلمون ولكنهم يعاندون
الأنفال : ( 35 ) وما كان صلاتهم . . . . .
قوله ) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ( المكاء الصفير من مكا يمكو مكاء ومنه قول عنترة وخليل غانية تركت مجندلا
تمكو فريصته كشدق الأعلم


"""""" صفحة رقم 306 """"""
أي تصوت ومنه مكت است الدابة إذا نفخت بالريح قيل المكاء هو الصفير على لحن طائر أبيض بالحجاز يقال له المكاء قال الشاعر إذا غرد المكاء في غير دوحة
فويل لأهل الشاء والحمرات
والتصدية التصفيق يقال صدى يصدى تصدية إذا صفق ومنه قول عمر بن الاطنابة وظلوا جميعا لهم ضجة
مكاء لدى البيت بالتصدية
أي بالتصفيق وقيل المكاء الضرب بالأيدي والتصدية الصياح وقيل المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواههم والتصدية الصفير وقيل التصدية صدهم عن البيت قيل والأصل على هذا تصددة فأبدل من إحدى الدالين ياء ومعنى الآية أن المشركين كانوا يصفرون ويصفقون عند البيت الذى هو موضع للصلاة والعبادة فوضعوا ذلك موضع الصلاة قاصدين به أن يشغلوا المصلين من المسلمين عن الصلاة وقرئ بنصب صلاتهم على أنها خبر كان وما بعده اسمها قوله ) فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( هذا التفات إلى مخاطبة الكفار تهديدا لهم ومبالغة في إدخال الروعة في قلوبهم والمراد به عذاب الدنيا كيوم بدر وعذاب الآخرة
الأنفال : ( 36 ) إن الذين كفروا . . . . .
قوله ) إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ( لما فرغ سبحانه من شرح أحوال هؤلاء الكفرة في الطاعات البدنية أتبعها شرح أحوالهم في الطاعات المالية والمعنى أن غرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم هو الصد عن سبيل الحق بمحاربة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجمع الجيوش لذلك وإنفاق أموالهم عليها وذلك كما وقع من كفار قريش يوم بدر ويوم أحد ويوم الأحزاب فإن الرؤساء كانوا ينفقون أموالهم على الجيش ثم أخبر الله سبحانه عن الغيب على وجه الإعجاز فقال فيسنفقونها أي سيقع منهم هذا الإنفاق ) ثم تكون ( عاقبة ذلك أن يكون إنفاقهم حسرة عليهم وكأن ذات الأموال تنقلب حسرة تصير ندما ) ثم ( آخر الأمر ) يغلبون ( كما وعد الله به في مثل قوله ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( ومعنى ) ثم ( في الموضعين إما التراخي في الزمان لما بين الإنفاق المذكور وبين ظهور دولة الإسلام من الامتداد وإما التراخي في الرتبة لما بين بذل المال وعدم حصول المقصود من المباينة ثم قال ) والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ( أي استمروا على الكفر لأن من هؤلاء الكفار المذكورين سابقا من أسلم وحسن إسلامه أي يساقون إليها لا إلى غيرها
الأنفال : ( 37 ) ليميز الله الخبيث . . . . .
ثم بين العلة التى لأجلها فعل بهم ما فعله فقال ) ليميز الله الخبيث ( أي الفريق الخبيث من الكفار ) من ( الفريق ) الطيب ( وهم المؤمنون ) ويجعل الخبيث بعضه على بعض ( أي يجعل فريق الكفار الخبيث بعضه على بعض ) فيركمه جميعا ( عبارة عن الجمع والضم أي يجمع بعضهم إلى بعض ويضم بعضهم إلى بعض حتى يتراكموا لفرط ازدحامهم يقال ركم الشئ يركمه إذا جمعه وألقى بعضه على بعض والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الفريق الخبيث ) هم الخاسرون ( أي الكاملون في الخسران وقيل الخبيث والطيب صفة للمال والتقدير يميز المال الخبيث الذى أنفقه المشركون من المال الطيب الذى أنفقه المسلمون فيضم تلك الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض فيلقيه في جهنم ويعذبهم بها كما في قوله تعالى ) فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ( قال في الكشاف واللام على هذا متعلقة بقوله ) ثم تكون عليهم حسرة ( وعلى الأول بيحشرون و ) أولئك ( إشارة إلى الذين كفروا انتهى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( ثم استثنى أهل الشرك فقال ) وما لهم ألا يعذبهم الله ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله ) وما لهم ألا يعذبهم الله ( قال عذابهم فتح مكة وأخرج ابن إسحاق وأبو حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير ) وما لهم ألا يعذبهم الله (


"""""" صفحة رقم 307 """"""
وهم يجحدون بآيات الله ويكذبون رسله وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير في قوله ) وهم يصدون عن المسجد الحرام ( أي من آمن بالله وعبده أنت ومن اتبعك ) وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ( الذين يخرجون منه ويقيمون الصلاة عنده أي أنت ومن آمن بك وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) إن أولياؤه إلا المتقون ( قال من كانوا حيث كانوا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير قال كانت قريش يعارضون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الطواف ويستهزئون ويصفرون ويصفقون فنزلت ) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء عن ابن عباس قال كانت قريش يطوفون بالكعبة عراة تصفر وتصفق فأنزل الله ) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ( قال والمكاء الصفير إنما شبهوا بصفير الطير وتصدية التصفيق وأنز ل الله فيهم ) قل من حرم زينة الله ( الآية وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس نحوه وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه نحوه أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر قال المكاء الصفير والتصدية التصفيق وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال المكاء إدخال أصابعهم في أفواههم والتصدية الصفير يخلطون بذلك كله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) صلاته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال المكاء الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء يكون بأرض الحجاز والتصدية التصفيق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد ابن جبير في قوله ) إلا مكاء ( قال كانوا يشبكون أصابعهم ويصفرون فيهن ) وتصدية ( قال صدهم الناس
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال كان المشركون يطوفون بالبيت على الشمال وهو قوله ) وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ( فالمكاء مثل نفخ البوق والتصدية طوافهم على الشمال وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ( قال يعني أهل بدر عذبهم الله بالقتل والأسر وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل كلهم من طريقه قال حدثني الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحسين بن عبد الرحمن بن عمرو قالوا لما أصيبت قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بعيره مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يامعشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل خياركم فأعينوا بهذا المال على حربه فلعلنا أن ندرك منه ثارا ففعلوا ففيهم كما ذكر ابن عباس أنزل الله ) إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله ( إلى ) والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في أبي سفيان بن حرب وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج هؤلاء وغيرهم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحكم بن عتيبة في الآية قال نزلت في أبي سفيان أنفق على مشركي قريش يوم أحد أربعين أوقية من ذهب وكانت الوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالا من ذهب وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن شمر بن عطية في قوله ) ليميز الله الخبيث من الطيب ( قال يميز يوم القيامة ما كان من عمل صالح في الدنيا ثم تؤخذ الدنيا بأسرها فتلقى في جهنم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) فيركمه جميعا ( قال يجمعه جميعا


"""""" صفحة رقم 308 """"""
سورة الأنفال الآية ( 38 40 )
الأنفال : ( 38 ) قل للذين كفروا . . . . .
أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول للكفار هذا المعنى وسواء قاله بهذه العبارة أو غيرها قال ابن عطية ولو كان كما قال الكسائي إنه في مصحف عبد الله بن مسعود ) ( يعني بالتاء المثناة من فوق لما تأدت الرسالة إلا بتلك الألفاظ بعينها وقال في الكشاف أي قل لأجلهم هذا القول وهو ) إن ينتهوا ( ولو كان بمعنى خاطبهم لقيل إن تنتهوا يغفر لكم وهى قراءة ابن مسعود ونحوه ) وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ( خاطبوا به غيرهم لأجلهم ليسمعوه أي إن ينتهوا عما هم عليه من عداوة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقتاله بالدخول في الإسلام ) يغفر لهم ما قد سلف ( لهم من العداوة انتهى وقيل معناه إن ينتهوا عن الكفر قال ابن عطية والحامل على ذلك جواب الشرط بيغفر لهم ما قد سلف ومغفرة ما قد سلف لا تكون إلا لمنته عن الكفر وفي هذه الآية دليل على أن الإسلام يجب ما قبله ) وإن يعودوا ( إلى القتال والعداوة أو إلى الكفر الذى هم عليه ويكون العود بمعنى الاستمرار ) فقد مضت سنة الأولين ( هذه العبارة مشتملة على الوعيد والتهديد والتمثيل بمن هلك من الأمم في سالف الدهر بعذاب الله أي قد مضت سنة الله فيمن فعل مثل فعل هؤلاء من الأولين من الأمم أن يصيبه بعذاب فليتوقعوا مثل ذلك
الأنفال : ( 39 ) وقاتلوهم حتى لا . . . . .
) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( أي كفر وقد تقدم تفسير هذا في البقرة مستوفى ) فإن انتهوا ( عما ذكر ) فإن الله بما يعملون بصير ( لا يخفى عليه ما وقع منهم من الانتهاء
الأنفال : ( 40 ) وإن تولوا فاعلموا . . . . .
) وإن تولوا ( عما أمروا به من الانتهاء ) فاعلموا ( أيها المؤمنون ) أن الله مولاكم ( أي ناصركم عليهم ) نعم المولى ونعم النصير ( فمن والاه فاز ومن نصره غلب
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فقد مضت سنة الأولين ( قال في قريش وغيرها يوم بدر والأمم قبل ذلك وأخرج أحمد ومسلم عن عمرو بن العاص قال لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت ابسط يدك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي قال مالك قلت أردت أن أشترط قال تشترط ماذا قال قلت أن تستغفر لي قال أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال الإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها وقد فسر كثير من السلف قوله تعالى ) فقد مضت سنة الأولين ( بما مضى في الأمم المتقدمة من عذاب من قاتل الأنبياء وصمم على الكفر وقال السدي ومحمد بن إسحاق المراد بالآية يوم بدر وفسر جمهور السلف الفتنة المذكورة هنا بالكفر وقال محمد بن إسحاق بلغني عن الزهري عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ) حتى لا تكون فتنة ( حتى لا يفتن مسلم عن دينه


"""""" صفحة رقم 309 """"""
سورة الأنفال الآية ( 41 42 )
الأنفال : ( 41 ) واعلموا أنما غنمتم . . . . .
لما أمر الله سبحانه بالقتال بقوله ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( وكان المقاتلة مظنة حصول الغنيمة ذكر حكم الغنيمة والغنيمة قد قدمنا أن أصلها إصابة الغنم من العدو ثم استعملت في كل ما يصاب منهم وقد تستعمل في كل ما ينال بسعى ومنه قول الشاعر وقد طوفت في الآفاق حتى
رضيت من الغنيمة بالإياب
ومثله قول الآخر ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه
أني توجه والمحروم محروم
وأما معنى الغنيمة في الشرع فحكى القرطبي الاتفاق على أن المراد بقوله تعالى ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( مال الكفار إذا ظفر بهم المسلمون على وجه الغلبة والقهر قال ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية بعد قوله ) يسألونك عن الأنفال ( وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين وأن قوله ) يسألونك عن الأنفال ( نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر على ما تقدم أول السورة وقيل إنها أعنى قوله ) يسألونك عن الأنفال ( محكمة غير منسوخة وأن الغنيمة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وليست مقسومة بين الغانمين وكذلك لمن بعده من الأئمة حكاه الماوردي عن كثير من المالكية قالوا وللإمام أن يخرجها عنهم واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين وكان أبو عبيدة يقول افتتح رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها فيئا وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وممن حكى ذلك ابن المنذر وابن عبد البر والداودي والمازري والقاضي عياض وابن العربي والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة بين الغانمين وكيفيتها كثيرة جدا قال القرطبي ولم يقل أحد فيما أعلم أن قوله تعالى ) يسألونك عن الأنفال ( الآية ناسخ لقوله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية بل قال الجمهور إن قوله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( ناسخ وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب الله وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها قال وأما قصة حنين فقد عوض الأنصار لما قالوا تعطي الغنائم قريشا وتتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم نفسه فقال لهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى بيوتكم كما في مسلم وغيره وليس لغيره أن يقول هذا القول بل ذلك خاص به قوله ) أنما غنمتم من شيء ( يشمل كل شيء يصدق عليه اسم الغنيمة و ) من شيء ( بيان لما الموصولة وقد خصص الإجماع من عموم الآية


"""""" صفحة رقم 310 """"""
الأسارى فإن الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف وكذلك سلب المقتول إذا نادى به الإمام وقيل كذلك الأرض المغنومة ورد بأنه لا إجماع على الأرض قوله ) فأن لله خمسه ( قرأ النخعي ) فإن لله ( بكسر إن وقرأ الباقون بفتحها على أن أن وما بعدها مبتدأ وخبره محذوف والتقدير فحق أو فواجب أن لله خمسه
وقد اختلف العلماء في كيفية قسمة الخمس على أقوال ستة الأول قالت طائفة يقسم الخمس على ستة فيجعل السدس للكعبة وهو الذى لله والثاني لرسول الله والثالث لذوي القربى والرابع لليتامى والخامس للمساكين والسادس لابن السبيل والقول الثاني قاله أبو العالية والربيع إنها تقسم الغنيمة على خمسة فيعزل منها سهم واحد ويقسم أربعة على الغانمين ثم يضرب يده في السهم الذى عزله فما قبضه من شئ جعله للكعبة
ثم يقسم بقية السهم الذى عزله على خمسة للرسول ومن بعده الآية القول الثالث روى عن زين العابدين علي بن الحسين أنه قال إن الخمس لنا فقيل له إن الله يقول ) واليتامى والمساكين وابن السبيل ( فقال يتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا القول الرابع قول الشافعي إن الخمس يقسم على خمسة وإن سهم الله وسهم رسوله واحد يصرف في مصالح المؤمنين والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورة في الآية القول الخامس قول أبي حنيفة إنه يقسم الخمس على ثلاثة اليتامى والمساكين وابن السبيل وقد ارتفع حكم قرابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بموته كما ارتفع حكم سهمه قال ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر وبناء المساجد وأرزاق القضاة والجند وروى نحو هذا عن الشافعي القول السادس قول مالك إنه موكول إلى نظر الإمام واجتهاده فيأخذ منه بغير تقدير ويعطي منه الغزاة باجتهاد ويصرف الباقي في مصالح المسلمين قال القرطبي
وبه قال الخلفاء الأربعة وبه عملوا وعليه يدل قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس
والخمس مردود عليكم فإنه لم يقسمه أخماسا ولا أثلاثا وإنما ذكر ما في الآية من ذكره على وجه التنبيه عليهم
لأنهم من أهم من يدفع إليه قال الزجاج محتجا لهذا القول قال الله تعالى ) يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ( وجائز الإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك قوله ) ولذي القربى ( قيل إعادة اللام في ذي القربى دون من بعدهم لدفع توهم اشتراكهم في سهم النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وقد اختلف العلماء في القربى على أقوال الأول أنهم قريش كلها روى ذلك عن بعض السلف واستدل بما روى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه لما صعد الصفا جعل يهتف ببطون قريش كلها قائلا يا بني فلان يا بني فلان وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ومجاهد وقتادة وابن جريج ومسلم بن خالد هم بنو هاشم وبنو المطلب لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه وهو في الصحيح وقيل هم بنو هاشم خاصة وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وغيرهم وهو مروى عن علي بن الحسين ومجاهد
قوله ) إن كنتم آمنتم بالله ( قال الزجاج عن فرقة إن المعنى فاعلموا أن الله مولاكم إن كنتم آمنتم بالله وقالت فرقة أخرى إن ) إن ( متعلقة بقوله ) واعلموا أنما غنمتم ( قال ابن عطية وهذا هو الصحيح لأن قوله ) واعلموا ( يتضمن الأمر بالانقياد والتسليم لأمر الله في الغنائم فعلق إن بقوله ) واعلموا ( على هذا المعنى أي إن كنتم مؤمنين بالله فانقادوا وسلموا لأمر الله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة وقال في الكشاف إنه متعلق بمحذوف يدل عليه ) واعلموا ( بمعنى إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به فاقطعوا عنه أطمامكم واقتنعوا بالأخماس الأربعة وليس المراد بالعلم المجرد ولكن العلم المضمن بالعمل والطاعة لأمر


"""""" صفحة رقم 311 """"""
الله لأن العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر انتهى قوله ) وما أنزلنا على عبدنا ( معطوف على الاسم الجليل أي إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا و ) يوم الفرقان ( يوم بدر لأنه فرق بين أهل الحق وأهل الباطل ) الجمعان ( الفريقان من المسلمين والكافرين ) والله على كل شيء قدير ( ومن قدرته العظيمة نصر الفريق الأقل على الفريق الأكثر
الأنفال : ( 42 ) إذ أنتم بالعدوة . . . . .
قوله ) إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى ( قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بكسر العين في العدوة في الموضعين وقرأ الباقون بالضم فيهما و ) إذ ( بدل من يوم الفرقان ويجوز أن يكون العامل محذوفا أي واذكروا إذ أنتم والعدوة جانب الوادي والدنيا تأنيث الأدنى والقصوى تأنيث الأقصى من دنا يدنو وقصا يقصو ويقال القصيا والأصل الواو وهى لغة أهل الحجاز والعدوة الدنيا كانت مما يلي المدينة والقصوى كانت مما يلي مكة والمعنى وقت نزولكم بالجانب الأدنى من الوادي إلى جهة المدينة وعدوكم بالجانب الأقصى منه مما يلي مكة وجملة ) والركب أسفل منكم ( في محل نصب على الحال وانتصاب ) أسفل ( على الظرف ومحله الرفع على الخبرية أي والحال أن الركب في مكان أسفل من المكان الذى أنتم فيه وأجاز الأخفش والكسائي والفراء رفع أسفل على معنى أشد سفلا منكم والركب جمع راكب ولا تقول العرب ركب إلا للجماعة الراكبى الإبل ولا يقال لمن كان على فرس وغيرها ركب وكذا قال ابن فارس
وحكاه ابن السكيت عن أكثر أهل اللغة والمراد بالركب هاهنا ركب أبي سفيان وهى المراد بالعير فإنهم كانوا في موضع أسفل منهم مما يلي ساحل البحر قيل وفائدة ذكر هذه الحالة التى كانوا عليها من كونهم بالعدوة الدنيا وعدوهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منهم الدلالة على قوة شأن العدو وشوكته وذلك لأن العدوة القصوى التى أناخ بها المشركون كان فيها الماء وكانت أرضا لا يابس بها وأما العدوة الدنيا فكانت رخوة تسوخ فيها الأقدام ولا ماء بها وكانت العير وراء ظهر العدو مع كثرة عددهم فامتن الله على المسلمين بنصرتهم عليهم والحال هذه قوله ) ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ( أي لو تواعدتم أنتم والمشركون من أهل مكة على أن تلتقوا في هذا الموضع للقتال لخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما في قلوبهم من المهابة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولكن ( جمع الله بينكم في هذا الموطن ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( أي حقيقا بأن يفعل من نصر أوليائه وخذلان أعدائه وإعزاز دينه وإذلال الكفر فأخرج المسلمين لأخذ العير وغنيمتها عند أنفسهم وأخرج الكافرين للمدافعة عنها ولم يكن في حساب الطائفتين أن يقع هذا الاتفاق على هذه الصفة واللام في ) ليقضى ( متعلقة بمحذوف والتقدير جمعهم ليقضى وجملة ) ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي ( بدل من الجملة التى قبلها أي ليموت من يموت عن بينة ويعيش عن بينة لئلا يبقى لأحد على الله حجة وقيل الهلاك والحياة مستعاران للكفر والإسلام أي ليصدر إسلام من أسلم عن وضوح بينة ويقين بأنه دين الحق ويصدر كفر من كفر عن وضوح بينة لا عن مخالجة شبهة قرأ نافع وخلف وسهل ويعقوب والبزي وأبو بكر ? من حيى ? بياءين على الأصل وقرأ الباقون بياء واحدة على الإدغام وهى اختيار أبي عبيد لأنها كذلك وقعت في المصحف ) وإن الله لسميع عليم ( أي سميع بكفر الكافرين عليم به وسميع بإيمان المؤمنين عليم به
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال ثم وضع مقاسم الفيء فقال ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( بعد الذى كان مضى من بدر ) فأن لله خمسه ( إلى آخر الآية وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم عن قيس بن مسلم الجدلي قال سألت الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية عن قول الله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ( قال


"""""" صفحة رقم 312 """"""
هذا مفتاح كلام لله الدنيا والآخرة ) وللرسول ولذي القربى ( فاختلفوا بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في هذين السهمين قال قائل منهم سهم ذي القربى لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال قائل منهم سهم ذي القربى لقرابة الخليفة وقال قائل منهم سهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الخليفة من بعده واجتمع رأي أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله فكان ذلك فى خلافة أبي بكر وعمر وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة فضرب ذلك في خمسه ثم قرأ ) واعلموا أنما غنمتم ( الآية قال قوله ) فأن لله خمسه ( مفتاح كلام لله ما في السموات وما في الأرض فجعل الله سهم الله والرسول واحدا ) ولذي القربى ( فعجل هذين السهمين قوة في الخيل والسلاح وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطيه غيرهم وجعل الأربعة الأسهم الباقية للفرس سهما ولراكبه سهما وللراجل سهما
وأخرج ابن جرير وأبو المنذر وابن أبي حاتم عنه قال كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس فأربعة منها بين من قاتل عليها وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس فربع لله وللرسول ولذي القربى يعني قرابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يأخذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الخمس شيئا والربع الثاني لليتامى والربع الثالث للمساكين والربع الرابع لابن السبيل وهو الضيف الفقير الذى ينزل بالمسلمين وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) واعلموا أنما غنمتم من شيء ( الآية قال كان يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على خمسة أسهم فيعزل سهما منها ويقسم أربعة أسهم بين الناس يعني لمن شهد الوقعة ثم يضرب بيده في جميع السهم الذى عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذى سمى الله لا تجعلوا لله نصيبا فأن لله الدنيا والآخرة ثم يعمد إلى بقية السهم فيقسمه على خمسة أسهم سهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يجعل سهم الله في السلاح والكراع وفي سبيل الله وفي كسوة الكعبة وطيبها وما تحتاج إليه الكعبة ويجعل سهم الرسول في الكراع والسلاح ونفقة أهله وسهم ذي القربى لقرابته يضعه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم مع سهمهم مع الناس ولليتامى والمساكين وابن السبيل ثلاثة أسهم يضعها رسول الله فيمن شاء حيث شاء ليس لبني عبد المطلب في هذه الثلاثة الأسهم ولرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سهم مع سهام الناس
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين المعلم قال سألت عبد الله بن بريدة عن قوله ) فأن لله خمسه وللرسول ( فقال الذي لله لنبيه والذى للرسول لأزواجه وأخرج الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى الذين ذكر الله فكتب إليه إنا كنا نرى أنا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا قريش كلها ذوو قربى وزيادة قوله وقالوا قريش كلها تفرد بها أبو معشر وفيه ضعف وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس أن نجدة الحروري أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى ويقول لمن تراه فقال ابن عباس هو لقربى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قسمه لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا فرددناه عليهم وأبينا أن نقبله وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضى عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبي أن يزيدهم على ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال رغبت لكم عن


"""""" صفحة رقم 313 """"""
غسالة الأيدي لأن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم رواه ابن أبي حاتم عن إبراهيم بن مهدي المصيصي حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عنه مرفوعا قال ابن كثير هذا حديث حسن الإسناد وإبراهيم بن مهدي هذا وثقه أبو حاتم وقال يحيى بن معين يأتي بمناكير وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر عن جبير بن مطعم أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قسم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب قال فمشيت أنا وعثمان بن عفان حتى دخلنا عليه فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخوانك من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم دوننا فإنما نحن وهم بمنزلة واحدة في النسب فقال إنهم لم يفارقونا في الجاهلية والإسلام وقد أخرجه مسلم في صحيحه وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم قال آل محمد الذين أعطوا الخمس آل علي وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال كان للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) شيء واحد من المغنم يصطفيه لنفسه إما خادم وإما فرس ثم يصيب بعد ذلك من الخمس وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن علي قال قلت يا رسول الله ألا وليتني ما خصنا الله به من الخمس فولانيه وأخرج الحاكم وصححه عنه قال ولاني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي بكر وعمر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) يوم الفرقان ( يقال هو يوم بدر وبدر ما بين مكة والمدينة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) يوم الفرقان ( قال هو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال كانت ليلة الفرقان ليلة التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان وأخرجه عنه ابن جرير أيضا وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إذ أنتم بالعدوة الدنيا ( قال العدوة الدنيا شاطيء الوادي ) والركب أسفل منكم ( قال أبو سفيان وأخرج ابن المنذر عن عكرمة قال العدوة الدنيا شفير الوادي الأدنى والعدوة القصوى شفير الوادي الأقصى
سورة الأنفال الآية ( 43 44 )
الأنفال : ( 43 ) إذ يريكهم الله . . . . .
إذ منصوب بفعل مقدر أي اذكر أو هو بدل ثان من يوم الفرقان والمعنى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) رآهم في منامه قليلا فقص ذلك على أصحابه فكان ذلك سببا لثباتهم ولو رآهم في منامه كثيرا لفشلوا وجبنوا عن قتالهم وتنازعوا في الأمر هل يلاقونهم أم لا ) ولكن الله سلم ( أي سلمهم وعصمهم من الفشل والتنازع فقللهم في عين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في المنام وقيل عنى بالمنام محل النوم وهو العين أي في موضع منامك وهو عينك روى ذلك عن الحسن قال الزجاج هذا مذهب حسن ولكن الأول أسوغ في العربية لقوله ) وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ( فدل بهذا على أن هذه رؤية الالتقاء وأن تلك رؤية النوم
الأنفال : ( 44 ) وإذ يريكموهم إذ . . . . .
قوله ) وإذ يريكموهم ( الظرف منصوب بمضمر معطوف على الأول أي واذكروا وقت


"""""" صفحة رقم 314 """"""
إراءتكم إياهم حال كونهم قليلا حتى قال القائل من المسلمين لآخر أتراهم سبعين قال هم نحو المائة وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى قال قائلهم إنما هم أكلة جزور وكان هذا قبل القتال فلما شرعوا فيه كثر الله المسلمين في أعين المشركين كما قال في آل عمران ) يرونهم مثليهم رأي العين ( ووجه تقليل المسلمين في أعين المشركين هو أنهم إذا رأوهم قليلا أقدموا على القتال غير خائفين ثم يرونهم كثيرا فيفشلون وتكون الدائرة عليهم ويحل بهم عذاب الله وسوط عقابه واللام في ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( متعلقة بمحذوف كما سبق مثله قريبا وإنما كرره لاختلاف المعلل به ) وإلى الله ترجع الأمور ( كلها يفعل فيها ما يريد ويقضى في شأنها ما يشاء
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) إذ يريكهم الله في منامك قليلا ( قال أراه الله إياهم في منامه قليلا فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أصحابه بذلك فكان ذلك تثبيتا لهم
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ( يقول لجبنتم ) ولتنازعتم في الأمر ( قال لاختلفتم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولكن الله سلم ( أي أتم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) ولكن الله سلم ( يقول سلم لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ) وإذ يريكموهم ( الآية قال لقد قلوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين قال لا بل هم مائة حتى أخذنا رجلا منهم فسألناه قال كنا أنفا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال حضض بعضهم على بعض قال ابن كثير إسناده صحيح وأخرج ابن إسحاق عن عباد بن عبد الله بن الزبير في قوله ) ليقضي الله أمرا كان مفعولا ( أي ليلف بينهم الحرب للنقمة ممن أراد الانتقام منه والإنعام على من أراد النعمة عليه من أهل ولايته
سورة الأنفال الآية ( 45 49 )
الأنفال : ( 45 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) إذا لقيتم فئة ( اللقاء الحرب والفئة الجماعة أي إذا حاربتم جماعة من المشركين ) فاثبتوا ( لهم ولا تجبنوا عنهم وهذا لا ينافي الرخصة المتقدمة في قوله ) إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ( فإن الأمر بالثبات هو في حال السعة والرخصة هى في حال الضرورة وقد لا يحصل الثبات إلا بالتحرف والتحيز ) واذكروا الله ( أي اذكروا الله عند جزع قلوبكم فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد وقيل المعنى اثبتوا بقلوبكم واذكروا


"""""" صفحة رقم 315 """"""
بألسنتكم فإن القلب قد يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان فأمرهم بالذكر حتى يجتمع ثبات القلب واللسان قيل وينبغي أن يكون الذكر في هذه الحالة بما قاله أصحاب طالوت ) ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ( وفي الآية دليل على مشروعية الذكر في جميع الأحوال حتى في هذه الحالة التى ترجف فيها القلوب وتزيغ عندها البصائر
الأنفال : ( 46 ) وأطيعوا الله ورسوله . . . . .
ثم أمرهم بطاعة الله فيما يأمرهم به وطاعة رسوله فيما يرشدهم إليه ونهاهم عن التنازع وهو الاختلاف في الرأي فإن ذلك يتسبب عنه الفشل وهو الجبن في الحرب الفاء جواب النهي والفعل منصوب بإضمار أن ويجوز أن يكون الفعل معطوفا على تنازعوا مجزوما بجازمه قوله ) وتذهب ريحكم ( قريء بنصب الفعل وجزمه عطفا على تفشلوا على الوجهين والريح القوة والنصر كما يقال الريح لفلان إذا كان غالبا في الأمر وقيل الريح الدولة شبهت في نفوذ أمرها بالريح في هبوبها ومنه قول الشاعر إذا هبت رياحك فاغتنمها
فعقبى كل خافقة سكون
وقيل المراد بالريح ريح الصبا لأن بها كان ينصر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم أمرهم بالصبر على شدائد الحرب وأخبرهم بأنه مع الصابرين في كل أمر ينبغي الصبر فيه ويا حبذا هذه المعية التى لا يغلب من رزقها غالب
ولا يؤتى صاحبها من جهة من الجهات وإن كانت كثيرة
الأنفال : ( 47 ) ولا تكونوا كالذين . . . . .
ثم نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس وهم قريش فإنهم خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التى مع أبي سفيان ومعهم القيان والمعازف فلما بلغوا الجحفة بلغهم أن العير قد نجت وسلمت فلم يرجعوا بل قالوا لابد لهم من الوصول إلى بدر ليشربوا الخمر وتغنى لهم القيان وتسمع العرب بمخرجهم فكان ذلك منهم بطرا وأشرا وطلبا للثناء من الناس وللتمدح إليهم والفخر عندهم وهو الرياء قيل والبطر في اللغة التقوى بنعم الله على معاصيه وهو مصدر في موضع الحال أي خرجوا بطرين مرائين وقيل هو مفعول له وكذا رياء أي خرجوا للبطر والرياء قوله ) ويصدون ( معطوف على بطرا والمعنى كما تقدم أي خرجوا بطرين مرائين صادين عن سبيل الله أو للصد عن سبيل الله
والصد إضلال الناس والحيلولة بينهم وبين طرق الهداية ويجوز أن يكون ويصدون معطوفا على يخرجون والمعنى يجمعون بين الخروج على تلك الصفة والصد ) والله بما يعملون محيط ( لا تخفى عليه من أعمالهم خافية فهو مجازيهم عليها
الأنفال : ( 48 ) وإذ زين لهم . . . . .
قوله ) وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم ( الظرف متعلق بمحذوف أي واذكر يا محمد وقت تزيين الشيطان لهم أعمالهم والتزيين التحسين وقد روى أن الشيطان تمثل لهم وقال لهم تلك المقالة وهى ) لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( أي مجير لكم من كل عدو أو من بني كنانة ومعنى الجار هنا الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن الجار وكان في صورة سراقة بن مالك بن جشعم وهو من بني بكر بن كنانة وكانت قريش تخاف من بني بكر أن يأتوهم من ورائهم وقيل المعنى إنه ألقى فى روعهم هذه المقالة وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون ) فلما تراءت الفئتان ( أي فئة المسلمين والمشركين ) نكص على عقبيه ( أي رجع القهقري ومنه قول الشاعر ليس النكوص على الأعقاب مكرمة
إن المكارم إقدام على الأمل
وقول آخر وما نفع المستأخرين نكوصهم
ولا ضر أهل السابقات التقدم
وقيل معنى نكص هاهنا بطل كيده وذهب ما خيله ) وقال إني بريء منكم ( أي تبرأ منهم لما رأى أمارات النصر مع المسلمين بإمداد الله لهم بالملائكة ثم علل ذلك بقوله ) إني أرى ما لا ترون ( يعني الملائكة ثم علل بعلة


"""""" صفحة رقم 316 """"""
أخرى فقال ) إني أخاف الله ( قيل خاف أن يصاب بمكروه من الملائكة الذين حضروا الوقعة وقيل إن دعوى الخوف كذب منه ولكنه رأى أنه لا قوة له ولا للمشركين فاعتل بذلك وجملة ) والله شديد العقاب ( يحتمل أن تكون من تمام كلام إبليس ويحتمل أن تكون كلاما مستأنفا من جهة الله سبحانه
الأنفال : ( 49 ) إذ يقول المنافقون . . . . .
قوله ) إذ يقول المنافقون ( الظرف معمول لفعل محذوف هو اذكر ويجوز أن يتعلق بنكص أو بزين أو بشديد العقاب قيل المنافقون هم الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ) والذين في قلوبهم مرض ( هم الشاكون من غير نفاق بل لكونهم حديثي عهد بالإسلام فوافقوا المنافقين في قولهم بهذه المقالة أعني ) غر هؤلاء ( أي المسلمين ) دينهم ( حتى تكلفوا ما لا طاقة لهم به من قتال قريش وقيل الذين في قلوبهم مرض هم المشركون ولا يبعد أن يراد بهم اليهود الساكنون في المدينة وما حولها وأنهم هم والمنافقون من أهل المدينة قالوا هذه المقالة عند خروج المسلمين إلى بدر لما رأوهم في قلة من العدد وضعف من العدد فأجاب الله عليهم بقوله ) ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز ( لا يغلبه غالب ولا يذل من توكل عليه ) حكيم ( له الحكمة البالغة التى تقصر عندها العقول
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) واذكروا الله ( قال افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف وأخرج الحاكم وصححه عن سهل بن سعد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثنتان لا يردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا وأخرج الحاكم وصححه عن أبي موسى أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان يكره الصوت عند القتال وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ( يقول لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وتذهب ريحكم ( قال نصركم وقد ذهب ريح أصحاب محمد حين نازعوه يوم أحد وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم ( الآية يعني المشركين الذي قاتلوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف فأنزل الله هذه الآية وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال أبو جهل وأصحابه يوم بدر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر خرجوا ولهم بغى وفخر وقد قيل لهم يومئذ ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم فقالوا لا والله حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا وذكر لنا أن نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يومئذ اللهم إن قريشا قد أقبلت بفخرها وخيلائها لتجادل رسولك وذكر لنا أنه قال يومئذ جاءت من مكة أفلاذها وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال جاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من بني مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان ) لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ( وأقبل جبريل على إبليس فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده وولى مدبرا وشيعته فقال الرجل يا سراقة إنك جار لنا فقال ) إني أرى ما لا ترون ( وذلك حين رأى الملائكة ) إني أخاف الله والله شديد العقاب ( قال ولما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين وقلل المشركين في أعين المسلمين فقال المشركون وما هؤلاء غر هؤلاء دينهم وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك فقال الله ) ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم (


"""""" صفحة رقم 317 """"""
وأخرج الطبراني وأبو نعيم عن رفاعة بن رافع الأنصاري قال لما رأى إبليس ما تفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه فتشيث به الحارث بن هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هاربا حتى ألقى نفسه في البحر ورفع يديه فقال اللهم إني أسألك نظرتك إياي وأخرج الواقدي وابن مردويه عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إني أرى ما لا ترون ( قال ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة وقال ) إني أخاف الله ( وكذب عدو الله ما به مخافة الله ولكن علم أنه لا قوة له به ولا منعة له وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن معمر قال ذكروا أنهم أقبلوا على سراقة بن مالك بعد ذلك فأنكر أن يكون قال شيئا من ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إذ يقول المنافقون ( قال وهم يومئذ في المسلمين وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) والذين في قلوبهم مرض ( قال هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي في قوله ) والذين في قلوبهم مرض ( قال هم قوم كانوا أقروا بالإسلام وهم بمكة ثم خرجوا مع المشركين يوم بدر فلما رأوا المسلمين قالوا ) غر هؤلاء دينهم (
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن الشعبي نحوه
سورة الأنفال الآية ( 50 54 )
الأنفال : ( 50 ) ولو ترى إذ . . . . .
قوله ) ولو ترى ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أو لكل من يصلح له كما تقدم تحقيقه في غير موضع والمعنى ولو رأيت لأن لو تقلب المضارع ماضيا و ) إذ ( ظرف لترى والمفعول محذوف أي ولو ترى الكافرين وقت توفى الملائكة لهم قيل أراد بالذين كفروا من لم يقتل يوم بدر وقيل هى فيمن قتل ببدر وجواب لو محذوف تقديره لرأيت أمرا عظيما وجملة ) يضربون وجوههم ( في محل نصب على الحال والمراد بأدبارهم أستاههم كنى عنها بالأدبار وقيل ظهورهم قيل هذا الضرب يكون عند الموت كما يفيده ذكر التوفى وقيل هو يوم القيامة حين يسيرون بهم إلى النار قوله ) وذوقوا عذاب الحريق ( قاله الفراء المعنى ويقولون ذوقوا عذاب الحريق والجملة معطوفة على يضربون وقيل إنه يقول لهم هذه المقالة خزنة جهنم والذوق قد يكون محسوسا وقد يوضع موضع الابتلاء والاختبار وأصله من الذوق بالفم
الأنفال : ( 51 ) ذلك بما قدمت . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من الضرب والعذاب والباء في ) بما قدمت أيديكم ( سببية أي ذلك واقع بسبب ما كسبتم من المعاصي واقترفتم من الذنوب وجملة ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( في محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي


"""""" صفحة رقم 318 """"""
والأمر أنه لا يظلمهم ويجوز أن تكون معطوفة على الجملة الواقعة خبرا لقوله ) ذلك ( وهى ) بما قدمت أيديكم ( أي ذلك العذاب بسبب المعاصي وبسبب ) وأن الله ليس بظلام للعبيد ( لأنه سبحانه قد أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه وأوضح لهم السبيل وهداهم النجدين كما قال سبحانه ) وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )
الأنفال : ( 52 ) كدأب آل فرعون . . . . .
قوله ) كدأب آل فرعون ( لما ذكر الله سبحانه ما أنزله بأهل بدر أتبعه بما يدل على أن هذه سنته في فرق الكافرين والدأب العادة والكاف في محل الرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أي دأب هؤلاء مثل دآب آل فرعون ) والذين من قبلهم ( والمعنى أنه جوزى هؤلاء كما جوزي أولئك فكانت العادة في عذاب هؤلاء كالعادة الماضية لله في تعذيب طوائف الكفر وجملة قوله ) كفروا بآيات الله ( مفسرة لدأب آل فرعون أي دأبهم هذا هو أنهم كفروا بآيات الله فتسبب عن كفرهم أخذ الله سبحانه لهم والمراد بذنوبهم معاصيهم المترتبة على كفرهم فيكون الباء في ) بذنوبهم ( للملابسة أي فأخذهم متلبسين بذنوبهم غير تائبين عنها وجملة ) إن الله قوي شديد العقاب ( معترضة مقررة لمضمون ما قبلها
الأنفال : ( 53 ) ذلك بأن الله . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى العقاب الذى أنزله الله بهم وهو مبتدأ وخبره ما بعده
والجملة جارية مجرى التعليل لما حل بهم من عذاب الله والمعنى أن ذلك العقاب بسبب أن عادة الله في عباده عدم تغيير نعمه التى ينعم بها عليهم ) حتى يغيروا ما بأنفسهم ( من الأحوال والأخلاق بكفران نعم الله وغمط إحسانه وإهمال أوامره ونواهيه وذلك كما كان من آل فرعون ومن قبلهم ومن قريش ومن يماثلهم من المشركين فإن الله فتح لهم أبواب الخيرات في الدنيا ومن عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب فقابلوا هذه النعم بالكفر فاستحقوا تغيير النعم كما غيروا ما كان يجب عليهم سلوكه والعمل به من شركها وقبولها وجملة ) وأن الله سميع عليم ( معطوفة على ) بأن الله لم يك مغيرا نعمة ( داخلة معها في التعليل أي ذلك بسبب أن الله لم يك مغيرا الخ وبسبب أن الله سميع عليم يسمع ما يقولونه ويعلم ما يفعلونه وقريء بكسر الهمزة على الاستئناف
الأنفال : ( 54 ) كدأب آل فرعون . . . . .
ثم كرر ما تقدم فقال ) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم ( لقصد التأكيد مع زيادة أنه كالبيان للأخذ بالذنوب بأنه كان بالإغراق وقيل إن الأول باعتبار ما فعله آل فرعون ومن شبه بهم والثاني باعتبار ما فعل بهم وقيل المراد بالأول كفرهم بالله وبالثاني تكذيبهم الأنبياء وقيل غير ذلك مما لا يخلو عن تعسف والكلام في ) فأهلكناهم بذنوبهم ( كالكلام المتقدم في فأخذهم الله بذنوبهم ) وأغرقنا آل فرعون ( معطوف على أهلكناهم عطف الخاص على العام لفظاعته وكونه أشد أنواع الإهلاك ثم حكم على كلا الطائفتين من آل فرعون والذين من قبلهم ومن كفار قريش بالظلم لأنفسهم بما تسببوا به لعذاب الله من الكفر بالله وآياته ورسله بالظلم لغيرهم كما كان يجرى منهم في معاملاتهم للناس بأنواع الظلم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ( قال الذين قتلهم الله ببدر من المشركين وأخرج ابن جرير عن الحسن قال قال رجل يا رسول الله إني رأيت بظهر أبي جهل مثل الشوك قال ذلك ضرب الملائكة وهذا مرسل وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وأدبارهم ( قال وأستاههم ولكن الله كريم يكنى وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( قال نعمة الله محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنعم الله به على قريش فكفروا فنقله الله إلى الأنصار


"""""" صفحة رقم 319 """"""
سورة الأنفال الآية ( 55 59 )
الأنفال : ( 55 ) إن شر الدواب . . . . .
قوله ) إن شر الدواب ( أي شر ما يدب على وجه الأرض ) عند الله ( أي في حكمه ) الذين كفروا ( أي المصرون على الكفر المتمادون في الضلال ولهذا قال ) فهم لا يؤمنون ( أي إن هذا شأنهم لا يؤمنون أبدا ولا يرجعون عن الغواية أصلا وجعلهم شر الدواب لا شر الناس إيماء إلى انسلاخهم عن الإنسانية ودخولهم في جنس غير الناس من أنواع الحيوان لعدم تعقلهم لما فيه رشادهم
الأنفال : ( 56 ) الذين عاهدت منهم . . . . .
قوله ) الذين عاهدت منهم ( بدل من الذين كفروا أو عطف بيان أو في محل نصب على الذم والمعنى أن هؤلاء الكافرين الذين هم شر الدواب عند الله هم هؤلاء الذين عاهدت منهم أي أخذت منهم عهدهم ) ثم ( هم ) ينقضون عهدهم ( الذى عاهدتهم ) في كل مرة ( من مرات المعاهدة و الحال أن ) هم ( لا يتقون النقض ولا يخافون عاقبته ولا يتجنبون أسبابه وقيل إن من في قوله ) منهم ( للتبعيض ومفعول عاهدت محذوف أي الذين عاهدتهم وهم بعض أولئك الكفرة يعني الأشراف منهم وعطف المستقبل وهو ثم ينقضون على الماضي وهو عاهدت للدلالة على استمرار النقض منهم وهؤلاء هم قريظة عاهدهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن لا يعينوا الكفار فلم يفوا بذلك كما سيأتي
الأنفال : ( 57 ) فإما تثقفنهم في . . . . .
ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالشدة والغلظة عليهم فقال ) فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم ( أي فإما تصادفنهم في ثقاف وتلقاهم في حالة تقدر عليهم فيها وتتمكن من غلبهم ) فشرد بهم من خلفهم ( أي ففرق بقتلهم والتنكيل بهم من خلفهم من المحاربين لك من أهل الشرك حتى يهابوا جانبك ويكفوا عن حربك مخافة أن ينزل بهم ما نزل بهؤلاء والثقاف في أصل اللغة ما يشد به القناة أو نحوها ومنه قول النابغة تدعو قعيبا وقد غص الحديد بها
غص الثقاف على ضم الأنابيب
يقال ثقفته وجدته وفلان ثقف سريع الوجود لما يحاوله والتشريد التفريق مع الاضطراب وقال أبو عبيدة ) فشرد بهم ( سمع بهم وقال الزجاج افعل بهم فعلا من القتل تفرق به من خلفهم يقال شردت بني فلان قلعتهم عن مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها قال الشاعر أطوف في الأباطح كل يوم
مخافة أن يشردني حكيم
ومنه شرد البعير إذا فارق صاحبه وروى عن ابن مسعود أنه قرأ ) فشرد بهم ( بالذال المعجمة قال قطرب التشريذ بالذال المعجمة هو التنكيل وبالمهملة هو التفريق وقال المهدوي الذال المعجمة لا وجه لها إلا أن تكون بدلا من الدال المهملة لتقاربهما قال ولا يعرف فشرذ في اللغة وقرئ ) من خلفهم ( بكسر الميم


"""""" صفحة رقم 320 """"""
والفاء
الأنفال : ( 58 ) وإما تخافن من . . . . .
قوله ) وإما تخافن من قوم خيانة ( أي غشا ونقضا للعهد من القوم المعاهدين ) فانبذ إليهم ( أي فاطرح إليهم العهد الذى بينك وبينهم ) على سواء ( على طريق مستوية والمعنى أنه يخبرهم إخبارا ظاهرا مكشوفا بالنقض ولا يناجزهم الحرب بغتة وقيل معنى ) على سواء ( على وجه يستوي في العلم بالنقض أقصاهم وأدناهم أو تستوي أنت وهم فيه قال الكسائي السواء العدل وقد يكون بمعنى الوسط ومنه قوله ) في سواء الجحيم ( ومنه قول حسان يا ويح أنصار النبي ورهطه
بعد المغيب في سواء الملحد
ومن الأول قول الشاعر فاضرب وجوه الغدر الأعداء
حتى يجيبوك إلى سواء
وقيل معنى ) فانبذ إليهم على سواء ( على جهر لا على سر والظاهر أن هذه الآية عامة في كل معاهد يخاف من وقوع النقض منه قال ابن عطية والذي يظهر من ألفاظ القرآن أن أمر بني قريظة انقضى عند قوله ) فشرد بهم من خلفهم ( ثم ابتدأ تبارك وتعالى في هذه الآية يأمره بما يصنعه في المستقبل مع من يخاف منه خيانة وجملة ) إن الله لا يحب الخائنين ( تعليل لما قبلها يحتمل أن تكون تحذيرا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن المناجزة قبل أن ينبذ إليهم على سواء ويحتمل أن تكون عائدة إلى القوم الذين تخاف منهم الخيانة
الأنفال : ( 59 ) ولا يحسبن الذين . . . . .
قوله ) ولا تحسبن ( قرأ ابن عامر ويزيد وحمزة وحفص بالياء التحتية وقرأ الباقون بالمثناة من فوق فعلى القراءة الأولى يكون الذين كفروا فاعل الحسبان ويكون مفعوله الأول محذوفا أي لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم ومفعوله الثاني سبقوا معناه فآتوا وأفلتوا من أن يظفر بهم وعلى القراءة الثانية يكون الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومفعوله الأول الذين كفروا والثاني سبقوا وقرئ ? إنهم سبقوا ? وقرئ ) يحسبن ( بكسر الياء وجملة ) إنهم لا يعجزون ( تعليل لما قبلها أي إنهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم وقرأ ابن عامر أنهم بفتح الهمزة والباقون بكسرها وكلا القراءتين مفيدة لكون الجملة تعليلية وقيل المراد بهذه الآية من أفلت من وقعة بدر من المشركين والمعنى أنهم إن أفلتوا من هذه الوقعة ونجوا فإنهم لا يعجزون بل هم واقعون في عذاب الله في الدنيا أو في الآخرة وقد زعم جماعة من النحويين منهم أبو حاتم أن قراءة من قرأ يحسبن بالتحتية لحن لا تحل القراءة بها لأنه لم يأت ليحسبن بمفعول وهو يحتاج إلى مفعولين قال النحاس وهذا تحامل شديد
ومعنى هذه القراءة ولا يحسبن من خلفهم الذين كفروا سبقوا فيكون الضمير يعود على ما تقدم إلا أن القراءة بالتاء أبين وقال المهدوي يحوز على هذه القراءة أن يكون الذين كفروا فاعلا والمفعول الأول محذوف والمعنى ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا قال مكي ويجوز أن يضمر مع سبقوا ) إن ( فتسد مسد المفعولين والتقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا فهو مثل ) أحسب الناس أن يتركوا ( في سد أن مسد المفعولين
الأنفال : ( 60 ) وأعدوا لهم ما . . . . .
ثم أمر سبحانه بإعداد القوة للأعداء والقوة كل ما يتقوى به في الحرب ومن ذلك السلاح والقسي وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو على المنبر يقول ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ( ألا إن القوة الرمي قالها ثلاث مرات وقيل هى الحصون والمصير إلى التفسير الثابت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) متعين قوله ) ومن رباط الخيل ( قرأ الحسن وعمرو بن دينار وأبو حيوة ومن ربط الخيل بضم الراء والباء ككتب جمع كتاب قال أبو حاتم الرباط من الخيل الخمس فما فوقها وهى الخيل التى ترتبط بإزاء العدو ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 321 """"""
أمر الإله بربطها لعدوه
في الحرب إن الله خير موفق
قال في الكشاف والرباط اسم للخيل التى تربط في سبيل الله ويجوز أن يسمى بالرباط الذى هو بمعنى المرابطة ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال انتهى ومن فسر القوة بكل ما يتقوى به في الحرب جعل عطف الخيل من عطف الخاص على العام وجملة ) ترهبون به عدو الله وعدوكم ( في محل نصب على الحال الترهيب التخويف والضمير في به عائد إلى ) ما ( في ) ما استطعتم ( أو إلى المصدر المفهوم من ) وأعدوا ( وهو الإعداد والمراد بعدو الله وعدوهم هم المشركون من أهل مكة وغيرهم من مشركي العرب قوله ) وآخرين من دونهم ( معطوف على عدو الله وعدوكم ومعنى من دونهم من غيرهم قيل هم اليهود وقيل فارس والروم وقيل الجن ورجحه ابن جرير وقيل المراد بالآخرين من غيرهم كل من لا تعرف عداوته قاله السهيلي وقيل هم بنو قريظة خاصة وقيل غير ذلك والأولى الوقف في تعيينهم لقوله ) لا تعلمونهم الله يعلمهم ( قوله ) وما تنفقوا من شيء في سبيل الله ( أي في الجهاد وإن كان يسيرا حقيرا ) يوف إليكم ( جزاؤه في الآخرة فالحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة كما قررناه سابقا ) وأنتم لا تظلمون ( في شيء من هذه النفقة التى تنفقونها في سبيل الله أي من ثوابها بل يصير ذلك إليكم وافيا وافرا كاملا ) وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ( ) أني لا أضيع عمل عامل منكم )
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال نزلت ) إن شر الدواب عند الله ( الآية في ستة رهط من اليهود فيهم ابن تابوت وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم ( قال قريظة يوم الخندق مالئوا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعداءه
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فشرد بهم من خلفهم ( قال نكل بهم من بعدهم وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال نكل بهم من وراءهم وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في الآية قال أنذر بهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال عظ بهم من سواهم من الناس وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال أخفهم بهم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) لعلهم يذكرون ( يقول لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك وأخرج أبو الشيخ عن ابن شهاب قال دخل جبريل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قد وضعت السلاح وما زلنا في طلب القوم فاخرج فإن الله قد أذن لك في قريظة وأنزل فيهم ) وإما تخافن من قوم خيانة ( الآية
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إنهم لا يعجزون ( قال لا يفوتونا
سورة الأنفال الآية ( 60 )
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ( قال الرمي والسيوف والسلاح وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير في قوله ) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ( قال أمرهم بإعداد الخيل وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن عكرمة في الآية قال القوة ذكور الخيل والرباط الإناث وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب في الآية قال القوة الفرس إلى السهم فما دونه وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال القوة الحصون و ) ومن رباط الخيل ( قال الإناث وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ترهبون به عدو الله وعدوكم ( قال تخزون به عدو الله وعدوكم وقد ورد في استحباب الرمي وما فيه من الأجر أحاديث كثيرة وكذلك ورد في استحباب اتخاذ الخيل وإعدادها وكثرة ثواب صاحبها أحاديث لا يتسع المقام لبسطها وقد أفرد ذلك جماعة من العلماء بمصنفات


"""""" صفحة رقم 322 """"""
سورة الأنفال الآية ( 61 63 )
الأنفال : ( 61 ) وإن جنحوا للسلم . . . . .
الجنوح الميل يقال جنح الرجل إلى الرجل مال إليه ومنه قيل للأضالع جوانح لأنها مالت إلى الحنوة وجنحت الإبل إذا مالت أعناقها في السير ومنه قول ذي الرمة إذا مات فوق الرحل أحييت روحه
بذكراك والعيس المراسيل جنح
ومثله قول عنترة
جوانح قد أيقن أن قبيله
إذا ما التقى الجمعان أول غالب
يعني الطير والسلم الصالح قرأ الأعمش وأبو بكر وابن محيصن والمفضل بكسر السين وقرأ الباقون بفتحها وقرأ العقيلي ) فاجنح ( بضم النون وقرأ الباقون بفتحها والأولى لغة قيس والثانية لغة تميم قال ابن جنى ولغة قيس هى القياس والسلم تؤنث كما تؤنث الحرب أو هى مؤولة بالخصلة أو الفعلة
وقد اختلف أهل العلم هل هذه الآية منسوخة أم محكمة فقيل هى منسوخة بقوله ) فاقتلوا المشركين ( وقيل ليست بمنسوخة لأن المراد بها قبول الجزية وقد قبلها منهم الصحابة فمن بعدهم فتكون خاصة بأهل الكتاب وقيل إن المشركين إن دعوا إلى الصلح جاز أن يجابوا إليه وتمسك المانعون من مصالحة المشركين بقوله تعالى ) فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ( وقيدوا عدم الجواز بما إذا كان المسلمون في عزة وقوة لا إذا لم يكونوا كذلك فهو جائز كما وقع منه ( صلى الله عليه وسلم ) من مهادنة قريش وما زالت الخلفاء والصحابة على ذلك وكلام أهل العلم في هذه المسئلة معروف مقرر في مواطنه ) وتوكل على الله ( في جنوحك للسلم ولا تخف من مكرمهم ف ) أنه ( سبحانه ) هو السميع ( لما يقولون ) العليم ( بما يفعلون
الأنفال : ( 62 ) وإن يريدوا أن . . . . .
) وإن يريدوا أن يخدعوك ( بالصلح وهم مضمرون الغدر والخدع ) فإن حسبك الله ( أي كافيك ما تخافه من شرورهم بالنكث والغدر وجملة ) هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( تعليلة أي لا تخف من خدعهم ومكرهم فإن الله الذى قواك عليهم بالنصر فيما مضى وهو يوم بدر هو الذى سينصرك ويقويك عليهم عند حدوث الخدع والنكث والمراد بالمؤمنين المهاجرون والأنصار
الأنفال : ( 63 ) وألف بين قلوبهم . . . . .
ثم بين كيف كان تأييده بالمؤمنين فقال ) وألف بين قلوبهم ( وظاهره العموم وأن ائتلاف قلوب المؤمنين هو من أسباب النصر التى أيد الله بها رسوله وقال جمهور المفسرين المراد الأوس والخزرج فقد كان بينهم عصبية شديدة وحروب عظيمة فألف الله بين قلوبهم بالإيمان برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار والحمل على العموم أولى فقد كانت العرب قبل البعثة المحمدية يأكل بعضهم بعضا ولا يحترم ماله ولا دمه حتى جاء الإسلام فصاروا يدا واحدة وذهب ما كان بينهم من العصبية وجملة ) لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ( مقررة لمضمون ما قبلها والمعنى أن ما كان بينهم من العصبية والعداوة قد بلغ إلى حد لا يمكن دفعه بحال من الأحوال ولو أنفق الطالب له جميع ما في الأرض لم يتم له ما طلبه من التأليف لأن أمرهم في ذلك قد تفاقم جدا ) ولكن الله ألف بينهم ( بعظيم قدرته


"""""" صفحة رقم 323 """"""
وبديع صنعه ) إنه عزيز ( لا يغالبه مغالب ولا يستعصى عليه أمر من الأمور ) حكيم ( في تدبيره ونفوذ نهيه وأمره
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن جنحوا للسلم ( قال قريظة وأخرج أبو الشيخ عن السدي في الآية قال نزلت في بني قريظة نسختها ) فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم ( إلى آخر الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال السلم الطاعة وأخرج أبو الشيخ عنه في الآية قال إن رضوا فارض وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال إن أرادوا الصلح فأرده وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال نسختها هذه الآية ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ( إلى قوله ) وهم صاغرون ( وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن قتادة قال ثم نسخ ذلك ) فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وإن يريدوا أن يخدعوك ( قال قريظة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وبالمؤمنين ( قال بالأنصار
وأخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس نحوه أيضا وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال مكتوب على العرش لا إله إلا الله أنا الله وحدي لا شريك لي ومحمد عبدي ورسولي أيدته بعلمي وذلك قوله ) هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( وأخرج ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والنسائي والبزار وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله ) لو أنفقت ما في الأرض جميعا ( الآية وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان واللفظ له عن ابن عباس قال قرابة الرحم تقطع ومنة المنعم تكفر ولم نر مثل تقارب القلوب يقول الله ) لو أنفقت ما في الأرض جميعا ( الآية وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي عنه نحوه وليس في هذا عن ابن عباس ما يدل على أنه سبب النزول ولكن الشأن في قول ابن مسعود رضي الله عنه إن هذه الآية نزلت في المتحابين في الله مع أن الواقع قبلها ) هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( والواقع بعدها ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( ومع كون الضمير في قوله ) ما ألفت بين قلوبهم ( يرجع إلى المؤمنين المذكورين قبله بلا شك ولا شبهة وكذلك الضمير في قوله ) ولكن الله ألف بينهم ( فإن هذا يدل على أن التأليف المذكور هو بين المؤمنين الذين أيد الله بهم رسوله ( صلى الله عليه وسلم )
سورة الأنفال الآية ( 64 66 )
الأنفال : ( 64 ) يا أيها النبي . . . . .
قوله ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( ليس هذا تكريرا لما قبله فإن الأول مقيد بإرادة


"""""" صفحة رقم 324 """"""
الخدع ) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله ( فهذه كفاية خاصة وفي قوله ) يا أيها النبي حسبك الله ( كفاية عامة غير مقيدة أي حسبك الله في كل حال والواو في قوله ) ومن اتبعك ( يحتمل أن تكون للعطف على الاسم الشريف والمعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون أي كافيك الله وكافيك المؤمنون ويحتمل أن تكون بمعنى مع كما تقول حسبك وزيدا درهم والمعنى كافيك وكافي المؤمنين الله لأن عطف الظاهر على المضمر في مثل هذه الصورة ممتنع كما تقرر في علم النحو وأجازه الكوفيون قال الفراء ليس بكثير في كلامهم أن تقول حسبك وأخيك بل المستعمل أن يقال حسبك وحسب أخيك بإعادة الجار فلو كان قوله ) ومن اتبعك ( مجرورا لقيل حسبك الله وحسب من اتبعك واختار النصب على المفعول معه النحاس وقيل يجوز أن يكون المعنى ومن اتبعك من المؤمنين حسبهم الله فحذف الخبر
الأنفال : ( 65 ) يا أيها النبي . . . . .
قوله ) حرض المؤمنين على القتال ( أي حثهم وحضهم والتحريض في اللغة المبالغة في الحث وهو كالتخضيض مأخوذ من الحرض وهو أن ينهكه المرض ويتبالغ فيه حتى يشفى على الموت كأنه ينسبه إلى الهلاك لو تخلف عن المأمور به ثم بشرهم تثبيتا لقلوبهم وتسكينا لخواطرهم بأن الصابرين منهم في القتال يغلبون عشرة أمثالهم من الكفار فقال ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( ثم زاد هذا إيضاحا مفيدا لعدم اختصاص هذه البشارة بهذا العدد بل هى جارية فى كل عدد فقال ) وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا ( وفي هذا دلالة على أن الجماعة من المؤمنين قليلا كانوا أو كثيرا لا يغلبهم عشرة أمثالهم من الكفار بحال من الأحوال وقد وجد في الخارج ما يخالف ذلك فكم من طائفة من طوائف الكفار يغلبون من هو مثل عشرهم من المسلمين بل مثل نصفهم بل مثلهم وأجيب عن ذلك بأن وجود هذا في الخارج لا يخالف ما في الآية لاحتمال أن لا تكون الطائفة من المؤمنين متصفة بصفة الصبر وقيل إن هذا الخبر الواقع في الآية هو في معنى الأمر كقوله تعالى ) والوالدات يرضعن ( ) والمطلقات يتربصن ( فالمؤمنون كانوا مأمورين من جهة الله سبحانه بأن تثبت الجماعة منهم لعشرة أمثالهم
الأنفال : ( 66 ) الآن خفف الله . . . . .
ثم لما شق ذلك عليهم واستعظموه خفف عنهم ورخص لهم لما علمه سبحانه من وجود الضعف فيهم فقال ) فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ( إلى آخر الآية فأوجب على الواحد أن يثبت لاثنين من الكفار وقرأ حمزة وحفص عن عاصم ضعفا بفتح الضاد وقوله ) بأنهم قوم لا يفقهون ( متعلق بقوله ) يغلبوا ( أي إن هذا الغلب بسبب جهلهم وعدم فقههم وأنهم يقاتلون على غير بصيرة
ومن كان هكذا فهو مغلوب في الغالب وقد قيل في نكتة التنصيص على غلب العشرين للمائتين والمائة للألف أن سراياه التى كان يبعثها ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا ينقص عددها عن العشرين ولا يجاوز المائة وقيل في التنصيص فيما بعد ذلك على غلب المائة للمائتين والألف للألفين على أنه بشارة للمسلمين بأن عساكر الإسلام سيجاوز عددها العشرات والمئات إلى الألوف ثم أخبرهم بأن هذا الغلب هو بإذن الله وتسهيله وتيسيره لا بقوتهم وجلادتهم ثم بشرهم بأنه مع الصابرين وفيه الترغيب إلى الصبر والتأكيد عليهم بلزومه والتوصية به وأنه من أعظم أسباب النجاح والفلاح والنصر والظفر لأن من كان الله معه لم يستقم لأحد أن يغلبه وقد اختلف أهل العلم هل هذا التخفيف نسخ أم لا ولا يتعلق بذلك كثير فائدة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البزار عن ابن عباس قال لما أسلم عمر قال المشركون قد انتصف القوم منا اليوم وأنزل الله ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال لما أسلم مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تسعة وثلاثون رجلا وامرأة ثم إن عمر أسلم صاروا أربعين فنزل ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال لما أسلم مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة وثلاثون وست نسوة ثم أسلم عمر نزلت ) يا أيها النبي حسبك الله (


"""""" صفحة رقم 325 """"""
وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن الزهري في الآية قال نزلت في الأنصار وأخرج البخاري في تاريخه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي في قوله ) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ( قال حسبك الله وحسب من اتبعك وأخرج البخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال لما نزلت ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( فكتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة وأن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت ) الآن خفف الله عنكم ( الآية فكتب أن لا يفر مائة من مائتين قال سفيان وقال ابن شبرمة وأرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا إن كانا رجلين أمرهما وإن كانوا ثلاثة فهو في سعة من تركهم وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال لما نزلت ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ( شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف ) الآن خفف الله عنكم ( الآية قال فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم
سورة الأنفال الآية ( 67 69 )
الأنفال : ( 67 ) ما كان لنبي . . . . .
هذا حكم آخر من أحكام الجهاد ومعنى ) ما كان لنبي ( ما صح له وما استقام قرأ أبو عمرو وسهيل ويعقوب ويزيد والمفضل أن تكون بالفوقية وقرأ الباقون بالتحتية وقرأ أيضا يزيد والمفضل أسارى وقرأ الباقون ) أسرى ( والأسرى جمع أسير مثل قتلى وقتيل وجرحى وجريح ويقال في جمع أسير أيضا أسارى بضم الهمزة وبفتحها وهو مأخوذ من الأسر وهو القد لأنهم كانوا يشدون به الأسير فسمى كل أخيذ وإن لم يشد بالقد أسيرا قال الأعشى وقيدني الشعر في بيته
كما قيدت الأسرات الحمارا
وقال أبو عمرو بن العلاء الأسرى هم غير الموثقين عندما يؤخذون والأسارى هم الموثقون ربطا والإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه تقول العرب أثخن فلان في هذا الأمر أي بالغ فيه فالمعنى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يبالغ في قتل الكافرين ويستكثر من ذلك وقيل معنى الإثخان التمكن وقيل هو القوة أخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم وفدائهم ثم لما كثر المسلمون رخص الله في ذلك فقال ) فإما منا بعد وإما فداء ( كما يأتي في سورة القتال إن شاء الله قوله ) تريدون عرض ( الحياة ) الدنيا ( أي نفعها ومتاعها بما قبضتم من الفداء وسمى عرضا لأنه سريع الزوال كما تزول الأعراض التى هى مقابل الجواهر ) والله يريد الآخرة ( أي يريد لكم الدار الآخرة بما يحصل لكم من الثواب في الإثخان بالقتل وقرئ ) يريد الآخرة ( بالجر على تقدير مضاف وهو المذكور قبله أي والله يريد عرض الآخرة ) والله عزيز ( لا يغالب ) حكيم ( في كل أفعاله
الأنفال : ( 68 ) لولا كتاب من . . . . .
قوله ) لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ( اختلف المفسرون في هذا الكتاب الذى سبق ما هو على أقوال الأول ما سبق في علم الله من أنه سيحل لهذه الأمة الغنائم بعد أن كانت محرمة على سائر الأمم


"""""" صفحة رقم 326 """"""
والثاني أنه مغفرة الله لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر كما في الحديث الصحيح إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم القول الثالث هو أنه لا يعذبهم ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم كما قال سبحانه ) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ( القول الرابع أنه لا يعذب أحدا بذنب فعله جاهلا لكونه ذنبا القول الخامس أنه ما قضاه الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر القول السادس أنه لا يعذب أحدا إلا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهي ولم يتقدم نهي عن ذلك وذهب ابن جرير الطبرني إلى أن هذه المعاني كلها داخلة تحت اللفظ وأنه يعمها ) لمسكم ( أي لحل بكم ) فيما أخذتم ( أي لأجل ما أخذتم من الفداء ) عذاب عظيم )
الأنفال : ( 69 ) فكلوا مما غنمتم . . . . .
والفاء في ) فكلوا مما غنمتم ( لترتيب ما بعدها على سبب محذوف أي قد أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم ويجوز أن تكون عاطفة على مقدر محذوف أي اتركوا الفداء فكلوا مما غنمتم من غيره وقيل إن ) ما ( عبارة عن الفداء أي كلوا من الفداء الذى غنمتم فإنه من جملة الغنائم التى أحلها الله لكم و ) حلالا طيبا ( منتصبان على الحال أو صفة المصدر المحذوف أي أكلا حلالا طيبا ) واتقوا الله ( فيما يستقبل فلا تقدموا على شيء لم يأذن الله لكم به ) إن الله غفور ( لما فرط منكم ) رحيم ( بكم فلذلك رخص لكم في أخذ الفداء في مستقبل الزمان
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أحمد عن أنس قال استشار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله قد أمكنكم منهم فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم عاد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس فقام عمر فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم عاد فقال مثل ذلك فقام أبو بكر الصديق فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فأنزل الله ) لولا كتاب من الله سبق ( الآية وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال لما كان يوم بدر جيء بالأسارى وفيهم العباس فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك فاستبقهم لعل الله أن يتوب عليهم وقال عمر يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا فقال العباس وهو يسمع قطعت رحمك فدخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يرد عليهم شيئا فقال أناس يأخذ بقول أبي بكر وقال أناس يأخذ بقول عمر وقال قوم يأخذ بقول عبد الله بن رواحة فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال ) فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام إذ قال ) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ( ومثلك يا عمر نوح عليه السلام إذ إذ قال ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( ومثلك يا عمر مثل موسى عليه السلام إذ قال ) ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( أنتم عالة فلا ينفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق فقال عبد الله يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي الحجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا سهيل بن بيضاء فأنزل الله ) ما كان لنبي أن يكون له أسرى ( الآية


"""""" صفحة رقم 327 """"""
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي قال قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الأسارى يوم بدر إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم فكان آخر السبعين ثابت بن قيس استشهد باليمامة وأخرج عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة عن عبيدة نحوه وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عمر قال لما أسر الأسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسره أسره رجل من الأنصار وقد وعدته الأنصار أن يقتلوه فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه فقال له عمر فآتيهم قال نعم فأتى عمر الأنصار فقال أرسلوا العباس فقالوا لا والله لا نرسله فقال لهم عمر فإن كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رضا قالوا فإن كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رضا فخذه فأخذه عمر فلما صار في يده قال له يا عباس أسلم فوالله إن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعجبه إسلامك قال فاستشار رسول الله أبا بكر فقال أبو بكر عشيرتك فأرسلهم فاستشار عمر فقال اقتلهم ففاداهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) ما كان لنبي أن يكون له أسرى ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) حتى يثخن في الأرض ( يقول حتى يظهروا على الأرض وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال الإثخان هو القتل
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد أيضا في الآية قال ثم نزلت الرخصة بعد إن شئت فمن وإن شئت ففاد وأخرج ابن المنذر عن قتادة ) تريدون عرض الدنيا ( قال أراد أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يوم بدر الفداء ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة ) تريدون عرض الدنيا ( قال الخراج وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) لولا كتاب من الله سبق ( قال سبق لهم المغفرة
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال ما سبق لأهل بدر من السعادة وأخرج النسائي وابن مردويه وأبو الشيخ عن ابن عباس قال سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية وأخرج أبو حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال سبق أن لا يعذب أحدا حتى يبين له ويتقدم إليه
سورة الأنفال الآية ( 70 71 )
الأنفال : ( 70 ) يا أيها النبي . . . . .
اختلاف القراء في أسرى والأسارى هو هنا كما سبق في الآية قبل هذه خاطب الله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا أي قل لهؤلاء الأسرى الذين هم في أيديكم أسرتموهم يوم بدر وأخذتم منهم الفداء ) إن يعلم الله في قلوبكم خيرا ( من حسن إيمان وصلاح نية وخلوص طوية ) يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ( من الفداء أي يعوضكم في هذه الدنيا رزقا خيرا منه وأنفع لكم أو في الآخرة بما يكتبه لكم من المثوبة بالأعمال الصالحة ) ويغفر لكم ( ذنوبكم ) والله غفور رحيم ( شأنه المغفرة لعباده والرحمة لهم
الأنفال : ( 71 ) وإن يريدوا خيانتك . . . . .
ولما ذكر ما ذكره من العوض لمن علم في قلبه


"""""" صفحة رقم 328 """"""
خيرا ذكر من هو على ضد ذلك منهم فقال ) وإن يريدوا خيانتك ( بما قالوه لك بألسنتهم من أنهم قد آمنوا بك وصدقوك ولم يكن ذلك منهم عن عزيمة صحيحة ونية خالصة بل هو مماكرة ومخادعة فليس ذلك بمستبعد منهم فإنهم قد فعلوا ما هو أعظم منه وهو أنهم خانوا الله من قبل أن تظفر بهم فكفروا به وقاتلوا رسوله ) فأمكن منهم ( بأن نصرك عليهم في يوم بدر فقتلت منهم من قتلت وأسرت من أسرت ) والله عليم ( بما في ضمائرهم ) حكيم ( في أفعاله بهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن عائشة قالت لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة فملا رآها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رق رقة شديدة وقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وقال العباس إني كنت مسلما يا رسول الله قال الله أعلم بإسلامك فإن تكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابنى أخويك نوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وحليفك عتبة بن عمرو قال ما ذاك عندي يا رسول الله قال فأين المال الذى دفنت أنت وأم الفضل فقلت لها إن أصبت فهذا المال لبني فقال والله يا رسول الله إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها فاحسب لي ما أصبتم مني عشرون أوقية من مال كان معي قال لا أفعل ففدى نفسه وابنى أخويه وحيلفه ونزلت ) قل لمن في أيديكم من الأسرى ( الآية فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه عن أبي موسى أن العلاء بن الحضرمي بعث إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بمال من البحرين ثمانين ألفا فما أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مال أكثر منه فنشر على حصير وجاء الناس فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعطيهم وما كان يومئذ عدد ولا وزن فجاء العباس فقال يا رسول الله إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر أعطني من هذا المال فقال خذ فحثا في خميصته ثم ذهب ينصرف فلم يستطع فرفع رأسه وقال يا رسول الله ارفع علي فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذهب وهو يقول أما أحد للذين وعد الله فقد أنجزنا وما ندرى ما يصنع في الأخرى ) قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم ( فهذا خير مما أخذ مني ولا أدرى ما يصنع في المغفرة والروايات في هذا الباب كثيرة
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس في الآية قال نزلت في الأسارى يوم بدر منهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عنه في قوله ) وإن يريدوا خيانتك ( إن كان قولهم كذبا ) فقد خانوا الله من قبل ( فقد كفروا وقاتلوك ) فأمكن ( ك الله ) منهم )
سورة الأنفال الآية ( 72 73 )


"""""" صفحة رقم 329 """"""
سورة الأنفال الآية ( 74 75 )
الأنفال : ( 72 ) إن الذين آمنوا . . . . .
ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذى يستعين به وسمى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلبا لما عند الله وإجابة لداعيه ) والذين آووا ونصروا ( هم الأنصار والإشارة بقوله ) أولئك ( إشارة إلى الموصول الأول والآخر وهو مبتدأ وخبره الجملة المذكورة بعده ويجوز أن يكون ) بعضهم ( بدلا من اسم الإشارة والخبر ) أولياء بعض ( أي بعضهم أولياء بعض في النصرة والمعونة وقيل المعنى إن بعضهم أولياء بعض في الميراث وقد كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( قوله ) والذين آمنوا ( مبتدأ وخبره ) ما لكم من ولايتهم من شيء ( قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ) من ولايتهم ( بكسر الواو وقرأ الباقون بفتحها أي ما لكم من نصرتهم وإعانتهم أو من ميراثهم ولو كانوا من قراباتكم لعدم وقوع الهجرة منهم ) حتى يهاجروا ( فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى الجامعين بين الإيمان والهجرة ) وإن استنصروكم ( أي هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين ) فعليكم النصر ( أي فواجب عليكم النصر ) إلا ( أن يستنصروكم ) على قوم بينكم وبينهم ميثاق ( فلا تنصروهم ولا تنقضوا العهد الذى بينكم وبين أولئك القوم حتى تنقضى مدته قال الزجاج ويجوز فعليكم النصر بالنصب على الإغراء
الأنفال : ( 73 ) والذين كفروا بعضهم . . . . .
قوله ) والذين كفروا ( مبتدأ خبره ) بعضهم أولياء بعض ( أي بعضهم ينصر بعضا ويتولاه في أموره أو يرثه إذا مات وفيه تعريض للمسلمين بأنهم لا يناصرون الكفار ولا يتولونهم قوله ) إلا تفعلوه ( الضمير يرجع إلى ما أمروا به قبل هذا من موالاه المؤمنين ومناصرتهم على التفصيل المذكور وترك موالاة الكافرين ) تكن فتنة في الأرض ( أي تقع فتنة إن لم تفعلوا ذلك ) وفساد كبير ( أي مفسدة كبيرة في الدين والدنيا
الأنفال : ( 74 ) والذين آمنوا وهاجروا . . . . .
ثم بين سبحانه حكما آخر يتعلق بالمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله والمؤمنين الذين آووا من هاجر إليهم ونصروهم وهم الأنصار فقال ) أولئك هم المؤمنون حقا ( أي الكاملون في الإيمان وليس في هذا تكرير لما قبله فإنه وارد في الثناء على هؤلاء والأول وارد في إيجاب الموالاة والنصرة ثم أخبر سبحانه أن ) لهم ( منه ) مغفرة ( لذنوبهم في الآخرة و لهم في الدنيا ) ورزق كريم ( خالص عن الكدر طيب مستلذ
الأنفال : ( 75 ) والذين آمنوا من . . . . .
ثم أخبر سبحانه بأن من هاجر بعد هجرتهم وجاهد مع المهاجرين الأولين والأنصار فهو من جملتهم أي من جملة المهاجرين الأولين والأنصار في استحقاق ما استحقوه من الموالاة والمناصرة وكمال الإيمان والمغفرة والرزق الكريم ثم بين سبحانه بأن أولى الأرحام بعضهم أولى ببعض من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم رحم في الميراث والمراد بهم القرابات فيتناول كل قرابة وقيل المراد بهم هنا العصبات قالوا ومنه قول العرب وصلتك رحم فإنهم لا يريدون قرابة الأم قالوا ومنه قول قتيلة ظلت سيوف بني أبية تنوشه
لله أرحام هناك تشقق
ولا يخفاك أنه ليس في هذا ما يمنع من إطلاقه على غير العصبات وقد استدل بهذه الآية من أثبت ميراث ذوي الأرحام وهم من ليس بعصبة ولا ذي سهم على حسب اصطلاح أهل علم المواريث والخلاف في ذلك معروف مقرر في مواطنه وقد قيل إن هذه الآية ناسخة للميراث بالموالاة والنصرة عند من فسرها تقدم من قوله


"""""" صفحة رقم 330 """"""
) بعضهم أولياء بعض ( وما بعده بالتوارث وأما من فسرها بالنصرة والمعونة فيجعل هذه الآية إخبارا منه سبحانه وتعالى بأن القرابات ) بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( أي في حكمه أو في اللوح المحفوظ أو في القرآن ويدخل في هذه الأولوية الميراث دخولا أوليا لوجود سببه أعني القرابة ) أن الله بكل شيء عليم ( لا يخفى عليه شيء من الأشياء كائنا ما كان ومن جملة ذلك ما تضمنته هذه الآيات
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) إن الذين آمنوا وهاجروا ( الآية قال إن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على ثلاث منازل منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه وفي قوله ) والذين آووا ونصروا ( قال آووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة وشهروا السيوف على من كذب وجحد فهذان مؤمنان جعل الله بعضهم أولياء بعض وفي قوله ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ( قال كانوا يتوارثون بينهم إذا توفى المؤمن المهاجر بالولاية في الدين وكان الذى آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر فبرأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم وهى الولاية التى قال ) ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ( كان حقا على المؤمنين الذى آووا ونصروا إذ استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قوتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ميثاق فلا نصر لهم عليهم إلا على العدو الذى لا ميثاق لهم ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ( فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبا مفروضا لقوله ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( الآية وفي رواية لابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) أولئك بعضهم أولياء بعض ( قال يعني في الميراث جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام ) والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ( ما لكم من ميراثهم من شئ ) حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين ( يعنى إن استنصر الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار على عدو لهم فعليهم أن ينصروهم إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق فكانوا يعملون على ذلك حتى أنزل الله هذه الآية ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( فنسخت الآية التى قبلها وصارت المواريث لذوي الأرحام وأخرج أبو عبيد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في هذه الآيات قال كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن ولا يرث الأعرابي المهاجر فنسختها هذه الآية ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه أيضا قال قال رجل من المسلمين لنورثن ذوي القربى منا من المشركين فنزلت ) والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ( وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن أسامة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا يتوارث أهل ملتين ولا يرث مسلم كافرا ولا كافر مسلما ثم قرأ ) والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ( الآية وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن الزبير بن العوام قال أنزل الله فينا خاصة معشر قريش ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فواخيناهم ووارثناهم فآخونا فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخى عمر فلانا وآخى عثمان بن عفان رجلا من بني زريق بن أسعد الزرقي قال الزبير وآخيت أنا كعب بن مالك ووارثونا ووارثناهم فلما


"""""" صفحة رقم 331 """"""
كان يوم أحد قيل لي قد قتل أخوك كعب بن مالك فجئته فانتقلته فوجدت السلاح قد ثقلته فيما يرى فوالله يا بني لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار فرجعنا إلى مواريثنا وأخرج أبو داود الطيالسي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال آخى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أصحابه وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ( فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب
S9
تفسير
سورة براءة
حول السورة
هى مائة وثلاثون آية وقيل مائة وسبع وعشرون آية ولها أسماء منها سورة التوبة لأن فيها التوبة على المؤمنين وتسمى الفاضحة لأنه ما زال ينزل فيها ومنهم ومنهم حتى كادت أن لا تدع أحدا وتسمى البحوث لأنها تبحث عن أسرار المنافقين وتسمى المبعثرة والبعثرة البحث وتسمى أيضا بأسماء أخر كالمقشقشة لكونها تقشقش من النفاق أي تبرئ منه والمخزية لكونها أخزت المنافقين والمثيرة لكونها تثير أسرارهم والحافرة لكونها تحفر عنها والمنكلة لما فيها من التنكيل لهم والمدمدمة لأنها تدمدم عليهم
وهى مدنية قال القرطبي باتفاق وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال نزلت براءة بعد فتح مكة وأخرج ابن مردويه عنه قال نزلت سورة التوبة بالمدينة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير نحوه وأخرج ابن المنذر عن قتادة نحوه أيضا وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والنسائي وابن الضريس وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن البراء قال آخر آية نزلت ) يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ( وآخر سورة نزلت تامة براءة
سبب سقوط البسملة من أول سورة
وقد اختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أولها على أقوال الأول عن المبرد وغيره أنه كان من شأن العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد فإذا أرادوا نقضه كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا فيه بسملة فلما نزلت براءة بنقض العهد الذى كان بين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمشركين بعث بها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علي ابن أبي طالب فقرأها عليهم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادة العرب وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال سألت علي بن أبي طالب لم لا تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم قال لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان وبراءة نزلت بالسيف وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس قال قلت لعثمان بن عفان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهى من المثاني وإلى براءة وهى من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطول ما حملكم على ذلك فقال عثمان كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشئ دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التى يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطول وأخرج أبو الشيخ عن


"""""" صفحة رقم 332 """"""
أبي رجاء قال سألت الحسن عن الأنفال وبراءة أسورتان أو سورة قال سورتان وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة قال يسمون هذه السورة سورة التوبة وهى سورة العذاب وأخرج هؤلاء عن ابن عباس قال في هذه السورة هى الفاضحة ما زالت تنزل ومنهم حتى ظننا أنه لا يبقى منا أحد إلا ذكر فيها وأخرج أبو الشيخ عن عمر نحوه وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن أسلم أن رجلا قال لعبد الله بن عمر سورة التوبة فقال ابن عمر وأيتهن سورة التوبة ثم قال وهل فعل بالناس الأفاعيل إلا هى ما كنا ندعوها إلا المقشقشة وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال يسمونها سورة التوبة وإنها لسورة عذاب وأخرج ابن المنذر عن ابن إسحاق قال كانت براءة تسمى في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبعده المبعثرة لما كشفت من سرائر الناس وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال كانت براءة تسمى المنقرة نقرت عما في قلوب المشركين وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أبي عطية الهمداني قال كتب عمر بن الخطاب تعلموا سورة براءة وعلموا نساءكم سورة النور ومن جملة الأقوال حذف البسملة أنها كانت تعدل سورة البقرة أو قريبا منها وأنه لما سقط أولها سقطت البسملة روى هذا عن مالك بن أنس وابن عجلان ومن جملة الأقوال في سقوط البسملة أنهم لما كتبوا المصحف فى خلافة عثمان اختلف الصحابة فقال بعضهم براءة والأنفال سورة واحدة وقال بعضهم هما سورتان فتركت بينهما فرجة لقول من قال هما سورتان وتركت بسم الله الرحمن الرحيم لقول من قال هما سورة واحدة فرضى الفريقان قاله خارجة وأبو عصمة وغيرهما وقول من جعلهما سورة واحدة أظهر لأنهما جميعا في القتال وتعدان جميعا سابعة السبع الطوال
سورة براءة الآية ( 1 3 )
التوبة : ( 1 ) براءة من الله . . . . .
قوله ) براءة من الله ورسوله ( برئت من الشيء أبرأ براءة وأنا منه بريء إذا أزلته عن نفسك وقطعت سبب ما بينك وبينه وبراءة مرتفعة على أنها خبر مبتدأ محذوف أي هذه براءة ويجوز أن ترتفع على الابتداء لأنها نكرة موصوفة والخبر ) إلى الذين عاهدتم ( وقرأ عيسى بن عمر ) براءة ( بالنصب على تقدير اسمعوا براءة أو على تقدير التزموا براءة لأن فيها معنى الإغراء و ) من ( في قوله ) من الله ( لابتداء الغاية متعلق بمحذوف وقع صفة أي واصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم وقرأ روح وزيد بنصب رسوله وقرأ الباقون بالرفع والعهد العقد الموثق باليمين والخطاب في عاهدتم للمسلمين وقد كانوا عاهدوا مشركى مكة وغيرهم بإذن من الله ومن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى الإخبار للمسلمين بأن الله ورسوله قد برئا من تلك المعاهدة بسبب


"""""" صفحة رقم 333 """"""
ما وقع من الكفار من النقض فصار النبذ إليهم بعهدهم واجبا على المعاهدين من المسلمين ومعنى براءة الله سبحانه وقوع الإذن منه سبحانه بالنبذ من المسلمين لعهد المشركين بعد وقوع النقض منهم وفي ذلك التفخيم لشأن البراءة والتهويل لها والتسجيل على المشركين بالذل والهوان ما لا يخفى
التوبة : ( 2 ) فسيحوا في الأرض . . . . .
قوله ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( هذا أمر منه سبحانه بالسياحة بعد الإخبار بتلك البراءة والسياحة السير يقال ساح فلان في الأرض يسيح سياحة وسيوحا وسيحانا ومنه سيح الماء في الأرض وسيح الخيل ومنه قول طرفة بن العبد لو خفت هذا منك ما نلتني
حتى ترى خيلا أمامي تسيح
ومعنى الآية أن الله سبحانه بعد أن أذن بالنبذ إلى المشركين بعهدهم أباح للمشركين الضرب في الأرض والذهاب إلى حيث يريدون والاستعداد للحرب هذه الأربعة الأشهر وليس المراد من الأمر بالسياحة تكليفهم بها قال محمد بن إسحاق وغيره إن المشركين صنفان صنف كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر فأمهل تمام أربعة أشهر والآخر كانت أكثر من ذلك فقصر على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه وهو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيث يوجد وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم وذلك خمسون يوما عشرون من ذي الحجة وشهر محرم وقال الكلبي إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد دون أربعة أشهر
ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو الذى أمر الله أن يتم له عهده بقوله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( ورجح هذا ابن جرير وغيره وسيأتي في آخر البحث من الرواية ما يتضح به معنى الآية ) واعلموا أنكم غير معجزي الله ( أي اعلموا أن هذا الإمهال ليس لعجز ولكن لمصلحة ليتوب من تاب وفي ذلك ضرب من التهديد كأنه قيل افعلوا في هذه المدة كل ما أمكنكم من إعداد الآلات والأدوات فإنكم لا تفوتون الله وهو مخزيكم أي مذلكم ومهينكم في الدنيا بالقتل والأسر وفي الآخرة بالعذاب وفي وضع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى أن سبب هذا الإخزاء هو الكفر ويجوز أن يكون المراد جنس الكافرين فيدخل فيه المخاطبون دخولا أوليا
التوبة : ( 3 ) وأذان من الله . . . . .
قوله ) وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ( ارتفاع أذان على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على أنه مبتدأ خبره ما بعده على ما تقدم في ارتفاع براءة والجملة هذه معطوفة على جملة ) براءة من الله ورسوله ( وقال الزجاج إن قوله ) وأذان ( معطوف على قوله براءة واعترض عليه بأن الأمر لو كان كذلك لكن أذان مخبر عنه بالخبر الأول وهو ) إلى الذين عاهدتم من المشركين ( وليس ذلك بصحيح بل الخبر عنه هو ) إلى الناس ( والأذان بمعنى الإيذان وهو الإعلام كما أن الأمان والعطاء بمعنى الإيمان والإعطاء ومعنى قوله ) إلى الناس ( التعميم في هذا أي أنه إيذان من الله إلى كافة الناس غير مختص بقوم دون قوم فهذه الجملة متضمنة للإخبار بوجوب الإعلام لجميع الناس والجملة الأولى متضمنة للإخبار بالبراءة إلى المعاهدين خاصة و ) يوم الحج ( ظرف لقوله وأذان ووصفه بالأكبر لأنه يجتمع فيه الناس أو لكون معظم أفعال الحج فيه
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا اليوم المذكور في الآية فذهب جمع منهم علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة ومجاهد أنه يوم النحر ورجحه ابن جرير وذهب آخرون منهم عمر وابن عباس وطاوس أنه يوم عرفة والأول أرجح لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمر من بعثه لإبلاغ هذا إلى المشركين أن يبلغهم يوم النحر قوله ) أن الله بريء من المشركين ورسوله ( قريء بفتح أن على تقدير بأن الله بريء من المشركين فحذفت الباء تخفيفا وقريء بكسرها لأن في الإيذان معنى القول وارتفاع رسوله على أنه معطوف


"""""" صفحة رقم 334 """"""
على موضع اسم أن أو على الضمير في بريء أو على أنه مبتدأ وخبره محذوف والتقدير ورسوله بريء منهم وقرأ الحسن وغيره ) ورسوله ( بالنصب عطفا على لفظ اسم أن وقريء ) ورسوله ( بالجر على أن الواو للقسم روى ذلك عن الحسن وهى قراءة ضعيفة جدا إذ لا معنى للقسم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ها هنا مع ما ثبت من النهي عن الحلف بغير الله وقيل إنه مجرور على الجوار قوله ) فإن تبتم ( أي من الكفر وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب قيل وفائدة هذا الالتفات زيادة التهديد والضمير في قوله ) فهو ( راجع إلى التوبة المفهومة من تبتم ) خير لكم ( مما أنتم فيه من الكفر ) وإن توليتم ( أي أعرضتم عن التوبة وبقيتم على الكفر ) فاعلموا أنكم غير معجزي الله ( أي غير فائتين عليه بل هو مدرككم فمجازيكم بأعمالكم قوله ) وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ( هذا تهكم بهم وفيه من التهديد ما لا يخفى
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ( إلى أهل العهد خزاعة ومدلج ومن كان له عهد قبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من تبوك حين فرغ منها فأراد الحج ثم قال إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك فأرسل أبا بكر وعليا فطافا في الناس بذي المجاز وبأمكنتهم التى كانوا يبيعون بها أو بالموسم كله فآذنوا أصحاب العهد أن يأمنوا أربعة أشهر وهى الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر تخلو من ربيع الآخر ثم لا عهد لهم وآذن الناس كلهم بالقتال إلى أن يموتوا وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند وأبو الشيخ وابن مردويه عن علي قال لما نزلت عشر آيات من براءة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعا أبا بكر ليقرأها على أهل مكة ثم دعاني فقال لي أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ الكتاب منه فاقرأه على أهل مكة فلحقته فأخذت الكتاب منه ورجع أبو بكر وقال يا رسول الله نزل في شيء قال لا ولكن جبريل جاءني فقال أن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث أنس نحوه وأخرج ابن مردويه من حديث سعد بن أبي وقاص نحوه أيضا
وأخرج أحمد والنسائي وابن المنذر وابن مردويه عن أبي هريرة قال كنت مع علي حين بعثه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أهل مكة ببراءة فكنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد فإن أجله وأمده إلى أربعة أشهر فإذا مضت الأربعة أشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ثم أردف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) علي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة فأذن علي في يوم النحر ببراءة أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وأخرج الترمذي وحسنه وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه عليا وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجا فقام علي في أيام التشريق فنادى إن الله بريء من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن فكان علي ينادي فإذا أعيا قام أبو بكر ينادي بها وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن المنذر والنحاس والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن زيد بن تبيع قال سألت عليا بأي شيء بعثت مع أبي بكر في


"""""" صفحة رقم 335 """"""
الحج قال بعثت بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مؤمن وكافر بالمسجد الحرام بعد عامهم هذا ومن كان بينه وبين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) براءة من الله ورسوله ( الآية قال حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون فيها حيث شاءوا وحد أجل من ليس له عهد انسلاخ الأربعة الأشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم خمسين ليلة فإذا انسلخ الأشهر الحرم أمره أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام ونقض ما سمى لهم من العهد والميثاق وأذهب الشرط الأول ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( يعني أهل مكة وأخرج النحاس عنه نحو هذا وقال لم يعاهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعد هذا أحدا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس عن الزهري ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( قال نزلت في شوال فهي الأربعة أشهر شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وأذان من الله ورسوله ( قال هو إعلام من الله ورسوله
وأخرج الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم ابن مردويه عن علي قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن يوم الحج الأكبر فقال يوم النحر وأخرجه ابن أبي شيبة والترمذي وأبو الشيخ عنه من قوله وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن قرط قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر وأخرج ابن مردويه عن ابن أبي أوفى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال يوم الأضحى هذا يوم الحج الأكبر وأخرج البخاري تعليقا وأبو داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التى حج فقال أي يوم هذا قالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن أبي هريرة قال بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر والحج الأكبر الحج وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع التى حج فيها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مشرك وأنزل الله في العام الذى نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين ) يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ( الآية وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال زمن الفتح إن هذا عام الحج الأكبر قال اجتمع حج المسلمين وحج المشركين في ثلاثة أيام متتابعات واجتمع النصارى واليهود في ثلاثة أيام متتابعات فاجتمع حج المسلمين والمشركين والنصارى واليهود في ستة أيام متتابعات ولم يجتمع منذ خلق السموات والأرض كذلك قبل العام ولا يجتمع بعد العام حتى تقوم الساعة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن يوم الحج الأكبر فقال ما لكم وللحج الأكبر ذاك عام حج فيه أبو بكر استخلفه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فحج بالناس واجتمع فيه المسلمون والمشركون فلذلك سمى الحج الأكبر ووافق عيد اليهود والنصارى
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال الحج الأكبر اليوم الثاني من يوم النحر ألم تر أن الإمام يخطب فيه وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن المسور بن مخرمة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يوم عرفة هذا يوم الحج الأكبر وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال الحج الأكبر يوم عرفة وأخرج ابن جرير عن أبي الصهباء البكري قال سألت علي بن أبي طالب


"""""" صفحة رقم 336 """"""
عن يوم الحج الأكبر فقال يوم عرفة وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال إن يوم عرفة يوم الحج الأكبر وأخرج ابن جرير عن الزبير نحوه
ولا يخفاك أن الأحاديث الواردة في كون يوم النحر هو يوم الحج الأكبر هى ثابتة في الصحيحين وغيرهم من طرق فلا تقوى لمعارضتها هذه الروايات المصرحة بأنه يوم عرفة وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي أنه سئل هذا الحج الأكبر فما الحج الأصغر قال عمرة في رمضان وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن إسحاق قال سألت عبد الله بن شداد عن الحج الأكبر فقال الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن مسعود قال سئل سفيان بن عيينة عن البشارة تكون في المكروه فقال ألم تسمع قوله ) وبشر الذين كفروا بعذاب أليم )
سورة براءة الآية ( 4 6 )
التوبة : ( 4 ) إلا الذين عاهدتم . . . . .
الاستثناء بقوله ) إلا الذين عاهدتم ( قال الزجاج إنه يعود إلى قوله ) براءة ( والتقدير براءة من الله ورسوله إلى المعاهدين من المشركين إلا الذين لم ينقضوا العهد منهم وقال في الكشاف إنه مستثنى من قوله ) فسيحوا ( والتقدير فقولوا لهم فسيحوا إلا الذين عاهدتم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم قال والاستثناء بمعنى الاستدراك كأنه قيل بعد أن أمروا في الناكثين ولكن الذين لم ينكثوا فأتموا إليهم عهدهم ولا تجروهم مجراهم وقد اعترض عليه بأنه قد تخلل الفاصل بين المستثنى والمستثنى منه وهو ) وأذان من الله ( الخ وأجيب بأن ذلك لا يضر لأنه ليس بأجنبي وقيل إن الاستثناء من المشركين المذكورين قبله فيكون متصلا وهو ضعيف
قوله ) ثم لم ينقصوكم شيئا ( أي لم يقع منهم أي نقص وإن كان يسيرا وقرأ عكرمة وعطاء بن يسار ينقضوكم بالضاد المعجمة أي لم ينقضوا عهدكم وفيه دليل على أنه كان من أهل العهد من خاس بعهده ومنهم من ثبت عليه فأذن الله سبحانه لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بنقض عهد من نقض وبالوفاء لمن لم ينقض إلى مدته ) ولم يظاهروا عليكم أحدا ( المظاهرة المعاونة أي لم يعاونوا عليكم أحدا من أعدائكم ) فأتموا إليهم عهدهم ( أي أدوا إليهم عهدهم تاما غير ناقص ) إلى مدتهم ( التى عاهدتموهم إليها وإن كانت أكبر من أربعة أشهر ولا تعاملوهم معاملة الناكثين من القتال بعد مضي المدة المذكورة سابقا وهى أربعة أشهر أو خمسون يوما على الخلاف السابق
التوبة : ( 5 ) فإذا انسلخ الأشهر . . . . .
قوله ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( انسلاخ الشهر تكامله جزءا فجزءا إلى أن ينقضى كانسلاخ الجلد عما يحويه شبه خروج المتزمن عن زمانه بانفصال المتمكن عن مكانه


"""""" صفحة رقم 337 """"""
وأصله الانسلاخ الواقع بين الحيوان وجلده فاستعير لانقضاء الأشهر يقال سلخت الشهر تسلخه سلخا وسلوخا بمعنى خرجت منه ومنه قول الشاعر إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله
كفى قاتلا سلخى الشهور وإهلالي
ويقال سلخت المرأة درعها نزعته وفي التنزيل ) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار (
واختلف العلماء في تعيين الأشهر الحرم المذكورة هاهنا فقيل هى الأشهر الحرم المعروفة التى هى ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد ومعنى الآية على هذا وجوب الإمساك عن قتال من لا عهد له من المشركين في هذه الأشهر الحرم وقد وقع النداء والنبذ إلى المشركين بعهدهم يوم النحر فكان الباقي من الأشهر الحرم التى هى الثلاثة المسرودة خمسين يوما تنقضى بانقضاء شهر المحرم فأمرهم الله بقتل المشركين حيث يوجدون وبه قال جماعة من أهل العلم منهم الضحاك والباقر وروى عن ابن عباس واختاره ابن جرير وقيل المراد بها شهور العهد المشار إليها بقوله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( وسميت حرما لأن الله سبحانه حرم على المسلمين فيها دماء المشركين والتعرض لهم وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم منهم مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمرو بن شعيب وقيل هى الأشهر المذكورة في قوله ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( وقد روى ذلك عن ابن عباس وجماعة ورجحه ابن كثير وحكاه عن مجاهد وعمرو بن شعيب ومحمد بن إسحاق وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وسيأتي بيان حكم القتال في الأشهر الحرم الدائرة في كل سنة في هذه السورة إن شاء الله ومعنى ) حيث وجدتموهم ( في أي مكان وجدتموهم من حل أو حرم ومعنى ) وخذهم ( الأسر فإن الأخيذ هو الأسير ومعنى الحصر منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم والمرصد الموضع الذى يرقب فيه العدو يقال رصدت فلانا أرصده أي رقبته أي اقعدوا لهم في المواضع التى ترتقبونهم فيها قال عامر ابن الطفيل ولقد علمت وما إخالك عالما
أن المنية للفتى بالمرصد
وقال النابغة أعاذل إن الجهل من لذة الفتى
وإن المنايا للنفوس بمرصد
وكل في ) كل مرصد ( منتصب على الظرفية وهو اختيار الزجاج وقيل هو منتصب بنزع الخافض أي في كل مرصد وخطأ أبو علي الفارسي الزجاج في جعله ظرفا وهذه الآية المتضمنة للأمر بقتل المشركين عند انسلاخ الأشهر الحرم عامة لكل مشرك لا يخرج عنها إلا من خصته السنة وهو المرأة والصبي والعاجز الذى لا يقاتل وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون الجزية على فرض تناول لفظ المشركين لهم وهذه الآية نسخت كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذاهم وقال الضحاك وعطاء والسدي هى منسوخة بقوله ) فإما منا بعد وإما فداء ( وأن الأسير لا يقتل صبرا بل يمن عليه أو يفادى وقال مجاهد وقتادة بل هي ناسخة لقوله فإما منا بعد وإما فداء وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل وقال ابن زيد الآيتان محكمتان قال القرطبي وهو الصحيح لأن المن والقتل والفداء لم تزل من حكم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهم من أول حرب جاء بهم وهو يوم بدر قوله ) فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ( أي تابوا عن الشرك الذى هو سبب القتل وحققوا التوبة بفعل ما هو من أعظم أركان الإسلام وهو إقامة الصلاة وهذا الركن اكتفى به عن ذكر ما يتعلق بالأبدان من العبادات لكونه رأسها واكتفى بالركن الآخر المالي وهو إيتاء الزكاة عن كل ما يتعلق بالأموال من العبادات لأنه أعظمها ) فخلوا سبيلهم ( أي اتركوهم وشأنهم فلا تأسروهم ولا


"""""" صفحة رقم 338 """"""
تحصروهم ولا تقتلوهم ) إن الله غفور ( لهم ) رحيم ( بهم
التوبة : ( 6 ) وإن أحد من . . . . .
قوله ) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ( يقال استجرت فلانا أي طلبت أن يكون جارا أي محاميا ومحافظا من أن يظلمني ظالم أو يتعرض لي معترض وأحد مرتفع بفعل مقدر يفسره المذكور بعده أي وإن استجارك أحد استجارك وكرهوا الجمع بين المفسر والمفسر والمعنى وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم فأجره أي كن جارا له مؤمنا محاميا ) حتى يسمع كلام الله ( منك ويتدبره حق تدبره ويقف على حقيقة ما تدعو إليه ) ثم أبلغه مأمنه ( أي إلى الدار التى يأمن فيها بعد أن يسمع كلام الله إن لم يسلم ثم بعد أن تبلغه مأمنه قاتله فقد خرج من جوارك ورجع إلى ما كان عليه من إباحة دمه ووجوب قتله حيث يوجد والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من الأمر بالإجارة وما بعده ) بأنهم قوم لا يعلمون ( أي بسبب فقدانهم للعلم النافع المميز بين الخير والشر في الحال والمآل
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إلا الذين عاهدتم ( قال هم قريش وأخرج أيضا عن قتادة قال هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبي الله زمن الحديبية وكان بقى من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر فأمر نبيه أن يوفي بعهدهم هذا إلى مدتهم وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن عباد ابن جعفر في قوله ) إلا الذين عاهدتم ( قال هم بنو جذيمة بن عامر من بني بكر بن كنانة وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( قال كان بقى لبني مذحج وخزاعة عهد فهو الذى قال الله ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) إلا الذين عاهدتم من المشركين ( قال هؤلاء بنو ضمرة وبنو مدلج من بنى كنانة كانوا حلفاء للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة العسيرة من بطن ينبع ) ثم لم ينقصوكم شيئا ( ثم لم ينقصوا عهدكم بغدر ) ولم يظاهروا عليكم أحدا ( قال لم يظاهروا عدوكم عليكم ) فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم ( يقول أجلهم الذى شرطتم لهم ) إن الله يحب المتقين ( يقول الذين يتقون الله فيما حرم عليهم فيوفون بالعهد قال فلم يعاهد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بعد هؤلاء الآيات أحدا
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم ( قال هى الأربعة عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الآخر قلت مراد السدي أن هذه الأشهر تسمى حرما لكون تأمين المعاهدين فيها يستلزم تحريم القتال لا أنها الأشهر الحرم المعروفة وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال هى عشر من ذي القعدة وذو الحجة والمحرم سبعون ليلة وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال هى الأربعة الأشهر التى قال ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ( وأخرج ابن المنذر عن قتادة نحو قول السدي السابق وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ( ثم نسخ واستثنى فقال ) فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ( وقال ) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) وإن أحد من المشركين استجارك فأجره ( يقول من جاءك واستمع ما تقول واستمع ما أنزل إليك فهو آمن حين يأتيك فيسمع كلام الله حتى يبلغ مأمنه من حيث جاء وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ثم أبلغه مأمنه ( قال إن لم يوافقه ما يقص عليه ويخبر به فأبلغه مأمنه وهذا ليس بمنسوخ وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ) حتى يسمع كلام الله ( أي كتاب الله وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة قال كان الرجل يجيء إذا سمع كتاب الله وأقر به وأسلم فذاك الذى دعى إليه وإن أنكر ولم يقر به رد مأمنه ثم نسخ ذلك فقال ) وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة (


"""""" صفحة رقم 339 """"""
سورة براءة الآية ( 7 11 )
التوبة : ( 7 ) كيف يكون للمشركين . . . . .
قوله ) كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ( الاستفهام هنا للتعجب المتضمن للإنكار وعهد اسم يكون وفي خبره ثلاثة أوجه الأول أنه كيف وقدم للاستفهام والثاني للمشركين وعند على هذين ظرف للعهد أو ليكون أو صفة للعهد والثالث أن الخبر عند الله وفي الآية إضمار والمعنى كيف يكون للمشركين عهد عند الله يأمنون به من عذابه وقيل معنى الآية محال أن يثبت لهؤلاء عهد وهم أضداد لكم مضمرون للغدر فلا يطمعوا في ذلك ولا يحدثوا به أنفسهم ثم استدرك فقال ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( أي لكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ولم ينقضوا ولم ينكثوا فلا تقاتلوهم فما داموا مستقيمين لكم على العهد الذى بينكم وبينهم ) فاستقيموا لهم ( قيل هم بنو بكر وقيل بنو كنانة وبنو ضمرة وفي ) ما ( وجهان أحدهما أنها مصدرية زمانية والثاني أنه شرطية وفي قوله ) إن الله يحب المتقين ( إشارة إلى أن الوفاء بالعهد والاستقامة عليه من أعمال المتقين فيكون تعليلا للأمر بالاستقامة
التوبة : ( 8 ) كيف وإن يظهروا . . . . .
قوله ) كيف وإن يظهروا عليكم ( أعاد الاستفهام التعجيبي للتأكيد والتقرير والتقدير كيف يكون لهم عهد عند الله وعند رسوله والحال أنهم إن يظهروا عليكم بالغلبة لكم ) لا يرقبوا ( أي لا يراعوا فيكم ) إلا ( أي عهدا ) ولا ذمة ( قال في الصحاح الإل العهد والقرابة ومنه قول حسان لعمرك أن إلك من قريش
كإل السقب من رئل النعام
قال الزجاج الإل عندي على ما توجبه اللغة يدور على معنى الحدة ومنه الإلة للحربة ومنه أذن مؤللة أي محددة ومنه قوله طرفة بن العبد يصف أذني ناقته بالحدة والانتصاب مؤللتان يعرف العنق منهما
كسامعتي شاة بحومل مفرد
قال أبو عبيدة الإل العهد والذمة والنديم وقال الأزهري هو اسم لله بالعبرانية وأصله من الأليل وهو البريق يقال أل لونه يول إلا أي صفا ولمع والذمة العهد وجمعها ذمم فمن فسر الإل بالعهد كان التكرير للتأكيد مع اختلاف اللفظين وقال أبو عبيدة الذمة التذمم وقال أبو عبيدة الذمة الأمان كما في قوله ( صلى الله عليه وسلم ) ويسعى بذمتهم أدناهم وروى عن أبي عبيدة أيضا أن الذمة ما يتذمم به أي ما يجتنب فيه الذم قوله ) يرضونكم بأفواههم ( أي يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم طلبا لمرضاتهم وتطييب قلوبكم


"""""" صفحة رقم 340 """"""
وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه وتود ما فيه مساءتكم ومضرتكم كما يفعله أهل النفاق وذوو الوجهين ثم حكم عليهم بالفسق وهو التمرد والتجري والخروج عن الحق لنقضهم العهود وعدم مراعاتهم للعقود
التوبة : ( 9 ) اشتروا بآيات الله . . . . .
ثم وصفهم بقوله ) اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ( أي استبدلوا بآيات القرآن التى من جملتها ما فيه الأمر بالوفاء بالعهود ثمنا قليلا حقيرا وهو ما آثروه من حطام الدنيا ) فصدوا عن سبيله ( أي فعدلوا وأعرضوا عن سبيل الحق أو صرفوا غيرهم عنه
التوبة : ( 10 ) لا يرقبون في . . . . .
قوله ) لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ( قال النحاس ليس هذا تكريرا ولكن الأول لجميع المشركين والثاني لليهود خاصة والدليل على هذا ) اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ( يعني اليهود وقيل هذا فيه مراعاة حقوق المؤمنين على الإطلاق وفي الأول المراعاة لحقوق طائفة من المؤمنين خاصة ) وأولئك هم المعتدون ( أي المجاوزون للحلال إلى الحرام بنقض العهد أو البالغون في الشر والتمرد إلى الغاية القصوى
التوبة : ( 11 ) فإن تابوا وأقاموا . . . . .
) فإن تابوا ( عن الشرك والتزموا أحكام الإسلام ) فإخوانكم ( أي فهم إخوانكم ) في الدين ( أي في دين الإسلام ) ونفصل الآيات ( أي نبينها ونوضحها ) لقوم يعلمون ( بما فيها من الأحكام ويفهمونه وخص أهل العلم لأنهم المنتفعون بها والمراد بالآيات ما مر من الآيات المتعلقة بأحوال المشركين على اختلاف أنواعهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( قال قريش وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل قال كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عاهد أناسا من بني ضمرة بني بكر وكنانة خاصة عاهدهم عند المسجد الحرام وجعل مدتهم أربعة أشهر وهم الذين ذكر الله ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ( يقول ما وفو لكم بالعهد ففوا لهم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال هم بنو جذيمة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ( قال هو يوم الحديبية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إلا ولا ذمة ( قال الإل القرابة والذمة العهد وأخرج الفريابي وأبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال الإل الله عز وجل وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة مثله وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ( قال أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فإن تابوا ( الآية يقول إن تركوا اللات والعزى وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإخوانكم في الدين وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال حرمت هذه الآية قتال أو دماء أهل الصلاة
سورة براءة الآية ( 12 14 )


"""""" صفحة رقم 341 """"""
سورة براءة الآية ( 15 16 )
التوبة : ( 12 ) وإن نكثوا أيمانهم . . . . .
قوله ) وإن نكثوا ( معطوف على ) فإن تابوا ( والنكث النقض وأصله نقض الخيط بعد إبرامه ثم استعمل في كل نقض ومنه نقض الأيمان والعهود على طريق الاستعارة ومعنى ) من بعد عهدهم ( أي من بعد أن عاهدوكم والمعنى أن الكفار إن نكثوا العهود التى عاهدوا بها المسلمين ووثقوا لهم بها وضموا إلى ذلك الطعن في دين الإسلام والقدح فيه فقد وجب على المسلمين قتالهم وأئمة الكفر جمع إمام والمراد صناديد المشركين
وأهل الرئاسة فيهم على العموم وقرأ حمزة أإمة وأكثر النحويين يذهب إلى أن هذا لحن لأن فيه الجمع بين همزتين في كلمة واحدة وقرأ الجمهور بجعل الهمزة الثانية بين بين أي بين مخرج الهمزة والياء وقريء بإخلاص الياء وهو لحن كما قال الزمخشري قوله ) إنهم لا أيمان لهم ( هذه الجملة تعليل لما قبلها والأيمان جمع يمين في قراءة الجمهور وقرأ ابن عامر ) لا أيمان لهم ( بكسر الهمزة والمعنى على قراءة الجمهور أن أيمان الكافرين وإن كانت في الصورة يمينا فهي في الحقيقة ليست بيمين وعلى القراءة الثانية أن هؤلاء الناكثين للأيمان الطاعنين في الدين ليسوا من أهل الإيمان بالله حتى يستحقوا العصمة لدمائهم وأموالهم فقتالهم واجب على المسلمين قوله ) لعلهم ينتهون ( أي عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين الإسلام والمعنى أن قتالهم يكون إلى الغاية هى الانتهاء عن ذلك
وقد استدل بهذه الآية على أن الذمي إذا طعن في الدين لا يقتل حتى ينكث العهد كما قال أبو حنيفة لأن الله إنما أمر بقتلهم بشرطين أحدهما نقض العهد والثاني الطعن في الدين وذهب مالك والشافعي وغيرهما إلى أنه إذا طعن في الدين قتل لأنه ينتقض عهده بذلك قالوا وكذلك إذا حصل من الذمي مجرد النكث فقط من دون طعن في الدين فإنه يقتل
التوبة : ( 13 ) ألا تقاتلون قوما . . . . .
قوله ) ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ( الهمزة الداخلة على حرف النفي للاستفهام التوبيخي مع ما يستفاد منها من التخضيض على القتال والمبالغة في تحققه والمعنى أن من كان حاله كحال هؤلاء من نقض العهد وإخراج الرسول من مكة والبداءة بالقتال فهو حقيق بأن لا يترك قتاله وأن يوبخ من فرط في ذلك ثم زاد في التوبيخ فقال ) أتخشونهم ( فإن هذا الاستفهام للتوبيخ والتقريع أي تخشون أن ينالكم منهم مكروه فتتركون قتالهم لهذه الخشية ثم بين ما يجب أن يكون الأمر عليه فقال ) فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ( أي هو أحق بالخشية منكم فإنه الضار النافع بالحقيقة ومن خشيتكم له أن تقاتلوا من أمركم بقتاله فإن قضية الإيمان توجب ذلك عليكم
التوبة : ( 14 ) قاتلوهم يعذبهم الله . . . . .
ثم زاد في تأكيد الأمر بالقتال فقال ) قاتلوهم ( ورتب على هذا الأمر فوائد الأولى تعذيب الله للكفار بأيدي المؤمنين بالقتل والأسر والثانية إخزاؤهم قيل بالأسر وقيل بما نزل بهم من الذل والهوان والثانية نصر المسلمين عليهم وغلبتهم لهم والرابعة أن الله يشفى بالقتال صدور قوم مؤمنين ممن لم يشهد القتال ولا حضره
التوبة : ( 15 ) ويذهب غيظ قلوبهم . . . . .
والخامسة أنه سبحانه يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين الذى نالهم بسبب ما وقع من الكفار من الأمور الجالبة للغيظ وحرج الصدر فإن قيل شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب كلاهما بمعنى فيكون


"""""" صفحة رقم 342 """"""
تكرارا قيل في الجواب إن القلب أخص من الصدر وقيل إن شفاء الصدور إشارة إلى الوعد بالفتح ولا ريب أن الانتظار لنجاز الوعد مع الثقة به فيهما شفاء للصدر وأن إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح وقد وقعت للمؤمنين ولله الحمد هذه الأمور كلها ثم قال ) ويتوب الله على من يشاء ( وهو ابتداء كلام يتضمن الإخبار بما سيكون وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح فإنهم أسلموا وحسن إسلامهم وهذا على قراءة الرفع في يتوب وهى قراءة الجمهور وقريء بنصب يتوب بإضمار أن ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى قرأ بذلك ابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي والأعرج
فإن قيل كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة وأجيب بأن القتال قد يكون سببا لها إذا كانت من جهة الكفار وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه أن النصر والظفر من جهة الله يكون سببا لخلوص النية والتوبة عن الذنوب
التوبة : ( 16 ) أم حسبتم أن . . . . .
قوله ) أم حسبتم أن تتركوا ( أم هذه هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة والاستفهام للتوبيخ وحرف الإضراب للدلالة على الانتقال من كلام إلى آخر والمعنى كيف يقع الحسبان منكم بأن تتركوا على ما أنتم عليه وقوله ) أن تتركوا ( في موضع مفعولي الحسبان عند سيبويه وقال المبرد إنه حذف الثاني والتقدير أم حسبتم أن تتركوا من غير أن تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق الظهور الذى يستحق به الثواب والعقاب وجملة ) ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ( في محل نصب على الحال والمراد من نفي العلم نفي المعلوم والمعنى كيف تحسبون أنكم تتركون ولما يتبين المخلص منكم في جهاده من غير المخلص وجملة ) ولم يتخذوا ( معطوفة على جاهدوا داخلة
معه في حكم النفي واقعة في حيز الصلة والوليجة من الولوج وهو الدخول ولج يلج ولوجا إذا دخل
فالوليجة الدخيلة قال أبو عبيدة كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة قال أبان بن ثعلب فبئس الوليجة للهاربين
والمعتدين وأهل الريب
وقال الفراء الوليجة البطانة من المشركين والمعنى واحد أي كيف تتخذون دخيلة أو بطانة من المشركين تفشون إليهم بأسراركم وتعلمونهم أموركم من دون الله ) والله خبير بما تعملون ( أي بجميع أعمالكم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله ) وإن نكثوا أيمانهم ( قال عهدهم وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال يقول الله لنبيه وإن نكثوا العهد الذى بينك وبينهم فقاتلهم إنهم أئمة الكفر وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله أئمة الكفر قال أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وسهيل بن عمرو وهم الذين نكثوا عهد الله وهموا بإخراج الرسول من مكة وأخرج ابن عساكر عن مالك بن أنس مثله وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) فقاتلوا أئمة الكفر ( قال رءوس قريش وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر قال أبو سفيان بن حرب منهم وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أنهم الديلم وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة أنهم ذكروا عنده هذه الآية فقال ما قوتل أهل هذه الآية بعد
وأخرج ابن مردويه عن علي نحوه وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن مردويه عن حذيفة قال ما بقي من أهل هذه الآية إلا ثلاثة ولا من المنافقين إلا أربعة فقال أعرابي إنكم أصحاب محمد تخبروننا لا ندري فما بال هؤلاء الذين ينقرون بيوتنا ويسترقون أعلاقنا قال أولئك الفساق أجل لم يبق منهم إلا أربعة أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده والأولى أن الآية عامة في كل رؤساء الكفار من غير تقييد بزمن معين أو بطائفة معينة اعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومما يفيد ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير بن


"""""" صفحة رقم 343 """"""
نفير أنه كان في عهد أبي بكر الصديق إلى الناس حين وجههم إلى الشام قال إنكم ستجدون قوما مجوفة رءوسهم
فاضربوا مقاعد الشيطان منهم بالسيوف فوالله لأن أقتل رجلا منهم أحب إلي من أن أقتل سبعين من غيرهم وذلك بأن الله يقول ) فقاتلوا أئمة الكفر ( وأخرج أبو الشيخ عن حذيفة لا أيمان لهم قال لا عهود لهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عمار مثله وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ( قال قتال قريش حلفاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهمهم بإخراج الرسول زعموا أن ذلك عام عمرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في العام التابع للحديبية نكثت قريش العهد عهد الحديبية وجعلوا في أنفسهم إذا دخلوا مكة أن يخرجوا منها فذلك همهم بإخراجه فلم تتابعهم خزاعة على ذلك فلما خرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة قالت قريش لخزاعة عميتمونا عن إخراجه فقاتلوهم فقتلوا منهم رجالا
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال نزلت في خزاعة ) قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم ( الآية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي نحوه وأخرج أبو الشيخ عن قتادة نحوه أيضا وقد ساق القصة ابن إسحاق في سيرته وأورد فيها النظم الذى أرسلته خزاعة إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأوله يارب إني ناشد محمدا
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
وأخرج القصة البيهقي في الدلائل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال الوليجة البطانة من غير دينهم وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال وليجة أي خيانة
سورة براءة الآية ( 17 22 )
التوبة : ( 17 ) ما كان للمشركين . . . . .
قرأ الجمهور ) يعمروا ( بفتح حرف المضارعة وضم الميم من عمر يعمر وقرأ ابن السميفع بضم حرف المضارعة من أعمر يعمر أي يجعلون لها من يعمرها وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وسهم ويعقوب ? مسجد الله ? بالإفراد وقرأ الباقون مساجد بالجمع واختارها


"""""" صفحة رقم 344 """"""
أبو عبيدة قال النحاس لأنها أعم والخاص يدخل تحت العام وقد يحتمل أن يراد بالجمع المسجد الحرام خاصة وهذا جائز فيما كان من أسماء الأجناس كما يقال فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا قال وقد أجمعوا على الجمع في قوله ) إنما يعمر مساجد الله ( وروى عن الحسن البصري أنه تعالى إنما قال ) مساجد ( والمراد المسجد الحرام لأنه قبلة المساجد كلها وإمامها فعامره كعامر جميع المساجد قال الفراء العرب قد تضع الواحد مكان الجمع كقولهم فلان كثير الدرهم وبالعكس كقولهم فلان يجالس الملوك ولعله لم يجالس إلا ملكا واحدا والمراد بالعمارة إما المعنى الحقيقي أو المعنى المجازي وهو ملازمته والتعبد فيه وكلاهما ليس للمشركين أما الأول فلأنه يستلزم المنة على المسلمين بعمارة مساجدهم وأما الثاني فلكون الكفار لا عبادة لهم مع نهيهم عن قربان المسجد الحرام ومعنى ) ما كان للمشركين ( ما صح لهم وما استقام أن يفعلوا ذلك و ) شاهدين على أنفسهم بالكفر ( حال أي ما كان لهم ذلك حال كونهم شاهدين على أنفسهم بالكفر بإظهار ما هو كفر من نصب الأوثان والعبادة لها وجعلها آلهة فإن هذا شهادة منهم على أنفسهم بالكفر وإن أبوا ذلك بألسنتهم فيكف يجمعون بين أمرين متنافيين عمارة المساجد التى هى من شأن المؤمنين والشهادة على أنفسهم بالكفر التى ليست من شأن من يتقرب إلى الله بعمارة مساجده وقيل المراد بهذه الشهادة قولهم في طوافهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك وقيل شهادتهم على أنفسهم بالكفر إن اليهودي يقول هو يهودي والنصراني يقول هو نصراني والصابيء يقول هو صابيء والمشرك يقول هو مشرك ) أولئك حبطت أعمالهم ( التى يفتخرون بها ويظنون أنها من أعمال الخير أي بطلت ولم يبق لها أثر ) وفي النار هم خالدون ( وفي هذه الجملة الاسمية مع تقديم الظرف المتعلق بالخبر تأكيد لمضمونها
التوبة : ( 18 ) إنما يعمر مساجد . . . . .
ثم بين سبحانه من هو حقيق بعمارة المساجد فقال ) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ( وفعل ما هو من لوازم الإيمان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ) ولم يخش ( أحدا ) إلا الله ( فمن كان جامعا بين هذه الأوصاف فهو الحقيق بعمارة المساجد لا من كان خاليا منها أو من بعضها واقتصر على ذكر الصلاة والزكاة والخشية تنبيها بما هو من أعظم أمور الدين على ما عداه مما افترضه الله على عباده لأن كل ذلك من لوازم الإيمان وقد تقدم الكلام في وجه جمع المساجد وفي بيان ماهية العمارة ومن جوز الجمع بين الحقيقة والمجاز حمل العمارة هنا عليهما وفي قوله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين حسم لأطماع الكفار في الانتفاع بأعمالهم فإن الموصوفين بتلك الصفات إذا كان اهتداؤهم مرجوا فقط فكيف بالكفار الذين لم يتصفوا بشيء من تلك الصفات وقيل عسى من الله واجبة وقيل هى بمعنى خليق أي فخليق أن يكونوا من المهتدين وقيل إن الرجاء راجع إلى العباد
التوبة : ( 19 ) أجعلتم سقاية الحاج . . . . .
والاستفهام في ) أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ( للإنكار والسقاية والعمارة مصدران كالسعاية والحماية وفي الكلام حذف والتقدير أجعلتم أصحاب سقاية الحاج وعمارة المسجد أو أهلهما ) كمن آمن ( حتى يتفق الموضوع والمحمول أو يكون التقدير في الخبر أي جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كعمل من آمن أو كإيمان من آمن وقرأ ابن أبي وجرة السعدي وابن الزبير وسعيد بن جبير أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام جمع ساق وعامر وعلى هذه القراءة لا يحتاج إلى تقدير محذوف والمعنى أن الله أنكر عليهم التسوية بين ما كان تعمله الجاهلية من الأعمال التى صورتها صورة الخير وإن لم ينتفعوا بها وبين إيمان المؤمنين وجهادهم في سبيل الله وقد كان المشركون يفتخرون بالسقاية والعمارة ويفضلونهما على عمل المسلمين فأنكر الله عليهم ذلك ثم صرح سبحانه بالمفاضلة بين الفريقين وتفاوتهم وعدم استوائهم فقال ) لا يستوون عند الله ( أي لا تساوى تلك الطائفة الكافرة الساقية للحجيج العامرة للمسجد الحرام هذه الطائفة المؤمنة بالله واليوم الآخر المجاهدة في سبيله ودل سبحانه بنفي الاستواء على نفي الفضيلة التى يدعيها المشركون أي


"""""" صفحة رقم 345 """"""
إذا لم تبلغ أعمال الكفار إلى أن تكون مساوية لأعمال المسلمين فكيف تكون فاضلة عليها كما يزعمون ثم حكم عليهم بالظلم وأنهم مع ظلمهم بما هم فيه من الشرك لا يستحقون الهداية من الله سبحانه وفي هذا إشارة إلى الفريق المفضول
التوبة : ( 20 ) الذين آمنوا وهاجروا . . . . .
ثم صرح بالفريق الفاضل فقال ) الذين آمنوا ( إلى آخره أي الجامعون بين الإيمان والهجرة والجهاد بالأموال والأنفس ) أعظم درجة عند الله ( وأحق بما لديه من الخير من تلك الطائفة المشركة المفتخرة بأعمالها المحيطة الباطلة وفي قوله ) عند الله ( تشريف عظيم للمؤمنين والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بالصفات المذكورة ) هم الفائزون ( أي المختصون بالفوز عند الله
التوبة : ( 21 ) يبشرهم ربهم برحمة . . . . .
ثم فسر الفوز بقوله ) يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم ( والتنكير في الرحمة والرضوان والجنات للتعظيم والمعنى أنها فوق وصف الواصفين وتصور المتصورين
والنعيم المقيم الدائم المستمر الذى لا يفارق صاحبه
التوبة : ( 22 ) خالدين فيها أبدا . . . . .
وذكر الأبد بعد الخلود تأكيد له وجملة ) إن الله عنده أجر عظيم ( مؤكدة لما قبلها مع تضمنها للتعليل أي أعطاهم الله سبحانه هذه الأجور العظيمة لكون الأجر الذى عنده عظيم يهب منه ما يشاء لمن يشاء وهو ذو الفضل العظيم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ( وقال ) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ( فنفى المشركين من المسجد ) من آمن بالله ( يقول من وحد الله وآمن بما أنزل الله ) وأقام الصلاة ( يعني الصلوات الخمس ) ولم يخش إلا الله ( يقول لم يعبد إلا الله ) فعسى أولئك ( يقول أولئك هم المهتدون كقوله لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( يقول إن ربك سيبعثك مقاما محمودا وهى الشفاعة وكل عسى في القرآن فهي واجبة
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن المنذر والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان قال الله تعالى ) إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ( وقد وردت أحاديث كثيرة في استحباب ملازمة المساجد وعمارتها والتردد إليها للطاعات وأخرج مسلم وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن النعمان بن بشير قال كنت عند منبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في نفر من أصحابه فقال رجل منه ما أبالي أن لا أعمل لله عملا بعد الإسلام إلا أن أسقى الحاج وقال آخر بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر بل جهاد في سبيل الله خير ما قلتم فزجرهم عمر وقال لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأستفتيه فيما اختلفتم فيه فأنزل الله ) أجعلتم سقاية الحاج ( إلى قوله ) لا يهدي القوم الظالمين ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) أجعلتم سقاية الحاج ( الآية وذلك أن المشركين قالوا عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد فكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره فذكر الله سبحانه استكبارهم وإعراضهم فقال لأهل الحرم من المشركين ) قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون ( ) مستكبرين به سامرا تهجرون ( يعني أنهم كانوا يستكبرون بالحرم وقال به سامرا كانوا به يسمرون ويهجرون بالقرآن والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فخير الإيمان بالله والجهاد مع نبي الله على عمران المشركين البيت وقيامهم على السعاية ولم يكن لينفعهم عند الله مع الشرك به وإن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه قال الله ) لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ( يعني الذين زعموا أنهم أهل العمارة فسماهم ظالمين بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئا وفي إسناده العوفي وهو ضعيف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن


"""""" صفحة رقم 346 """"""
أبي حاتم عن ابن عباس قال قال العباس حين أسر يوم بدر إن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقى الحاج ونفك العاني فأنزل الله ) أجعلتم سقاية الحاج ( الآية يعني أن ذلك كان في الشرك فلا أقبل ما كان في الشرك وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب والعباس وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الشعبي قال تفاخر علي والعباس وشيبة في السقاية والحجابة فأنزل الله ) أجعلتم سقاية الحاج ( الآية وقد روى معنى هذا من طرق
سورة براءة الآية ( 23 24
التوبة : ( 23 ) يا أيها الذين . . . . .
الخطاب للمؤمنين كافة وهو حكم باق إلى يوم القيامة يدل على قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين
وقالت طائفة من أهل العلم إنها نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر فيكون الخطاب لمن كان من المؤمنين بمكة وغيرها من بلاد العرب نهوا بأن يوالوا الآباء والإخوة فيكونون له تبعا في سكنى البلاد الكفر إن استحبوا أي أحبوا كما يقال استجاب بمعنى أجاب وهو في الأصل طلب المحبة وقد تقدم تحقيق المقام في سورة المائدة في قوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ( ثم حكم على من يتولى من استحب الكفر على الإيمان من الآباء والإخوان بالظلم فدل ذلك على أن تولى من كان كذلك من أعظم الذنوب وأشدها
التوبة : ( 24 ) قل إن كان . . . . .
ثم أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقول لهم ) إن كان آباؤكم ( إلى آخره والعشيرة الجماعة التى ترجع إلى عقد واحد وعشيرة الرجل قرابته الأدنون وهم الذين يعاشرونه وهى اسم جمع وقرأ أبو بكر وحماد ? عشيراتكم ? بالجمع قال الأخفش لا تكاد العرب تجمع عشيرة على عشيرات وإنما يجمعونها على عشائر وقرأ الحسن ? عشائركم ? وقرأ الباقون ? عشيرتكم ? والاقتراف الاكتساب وأصله اقتطاع الشيء من مكانه والتركيب يدور على الدنو والكاسب يدنى الشيء من نفسه ويدخله تحت ملكه والتجارة الأمتعة التى يشترونها ليربحوا فيها والكساد عدم النفاق لفوات وقت بيعها بالهجرة ومفارقة الأوطان ومن غرائب التفسير ما روى عن ابن المبارك أنه قال إن المراد بالتجارة في هذه الآية البنات والأخوات إذا كسدن في البيت لا يجدن لهن خاطبا واستشهد لذلك بقول الشاعر كسدن من الفقر في قومهن
وقد زادهن مقامي كسادا
وهذا البيت وإن كان فيه إطلاق الكساد على عدم وجود الخطاب لهن فليس فيه جواز إطلاق اسم التجارة عليهن والمراد بالمساكن التى يرضونها المنازل التى تعجبهم وتميل إليها أنفسهم ويرون الإقامة فيها أحب إليهم من


"""""" صفحة رقم 347 """"""
المهاجرة إلى الله ورسوله وأحب خبر كان أي كانت هذه الأشياء المذكورة في الآية أحب إليكم من الله ورسوله ومن الجهاد في سبيل الله ) فتربصوا ( أي انتظروا ) حتى يأتي الله بأمره ( فيكم وما تقتضيه مشيئته من عقوبتكم وقيل المراد بأمر الله سبحانه القتال وقيل فتح مكة وفيه بعد فقد روى أن هذه السورة نزلت بعد الفتح وفي هذا وعيد شديد ويؤكده إبهام الأمر وعدم التصريح به لتذهب أنفسهم كل مذهب وتتردد بين أنواع العقوبات ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( أي الخارجين عن طاعته النافرين عن امتثال أوامره ونواهيه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال أمروا بالهجرة فقال العباس ابن عبد المطلب أنا أسقى الحاج وقال طلحة أخو بني عبد الدار أنا أحجب الكعبة فلا نهاجر فأنزلت ) لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في هذه الآية قال هى الهجرة وأخرج عبد ابن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) اقترفتموها ( قال أصبتموها وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) حتى يأتي الله بأمره ( قال بالفتح في أمره بالهجرة هذا كله قبل فتح مكة وأخرج البيهقي من حديث عبد الله بن شوذب قال جعل أبو أبي عبيدة بن الجراح ينعت له الآلهة يوم بدر وجعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر الجراح قصده ابنه أبو عبيدة فقتله فأنزل الله ) لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر ( وهى تؤكد معنى هذه الآية وقد تقدم بيان حكم الهجرة في سورة النساء
سورة براءة الآية ( 25 27 )
التوبة : ( 25 ) لقد نصركم الله . . . . .
المواطن جمع موطن ومواطن الحرب مقاماتها والمواطن التى نصر الله المسلمين فيها هى يوم بدر وما بعد من المواطن التى نصر الله المسلمين على الكفار فيها قبل يوم حنين ) ويوم حنين ( معطوف على مواطن بتقدير مضاف إما في الأول وتقديره في أيام مواطن أو في الثاني وتقديره ومواطن يوم حنين لئلا يعطف الزمان على المكان ورد بأنه لا استبعاد في عطف الزمان على المكان فلا يحتاج إلى تقدير وقيل إن يوم حنين منصوب بفعل مقدر معطوف على ) نصركم ( أي ونصركم يوم حنين ورجح هذا صاحب الكشاف قال وموجب ذلك أن قوله ) إذ أعجبتكم ( بدل من يوم حنين فلو جعلت ناصبة هذا الظاهر لم يصح لأن كثرتهم لم تعجبهم في جميع تلك المواطن ولم يكونوا كثيرا في جميعها ورد بأن العطف لا يجب فيه تشارك المتعاطفين في جميع ما ثبت للمعطوف كما تقول جاءني زيد وعمرو مع قومه أو في ثيابه أو على فرسه وقيل إن ) إذ أعجبتكم كثرتكم ( ليس ببدل من يوم حنين بل منصوب بفعل مقدر أي اذكروا إذ أعجبتكم كثرتكم وحنين واد بين مكة والطائف وانصرف على أنه اسم للمكان ومن العرب من يمنعه على أنه اسم للبقعة ومنه قول الشاعر


"""""" صفحة رقم 348 """"""
نصروا نبيهم وشدوا أزره
بحنين يوم تواكل الأبطال
وإنما أعجب من أعجب من المسلمين بكثرتهم لأنهم كانوا اثنى عشر ألفا وقيل أحد عشر ألفا وقيل ستة عشر ألفا فقال بعضهم لن نغلب اليوم من قلة فوكلوا إلى هذه الكلمة فلم تغن الكثرة شيئا عنهم بل انهزموا وثبت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وثبت معه طائفة يسيرة منهم عمه العباس وأبو سفيان بن الحارث ثم تراجع المسلمون فكان النصر والظفر والإغناء إعطاء ما يدفع الحاجة أي لم تعطكم الكثرة شيئا يدفع حاجتكم ولم تفدكم قوله ) بما رحبت ( الرحب بضم الراء السعة والرحب بفتح الراء المكان الواسع والباء بمعنى مع وما مصدرية ومحل الجار والمجرور النصب على الحال والمعنى أن الأرض مع كونها واسعة الأطراف ضاقت عليهم بسبب ما حل بهم من الخوف والوجل وقيل إن الباء بمعنى على أي على رحبها ) ثم وليتم مدبرين ( أي انهزمتم حال كونكم مدبرين أي مولين أدباركم جاعلين لها إلى جهة عدوكم
التوبة : ( 26 ) ثم أنزل الله . . . . .
قوله ) ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ( أي أنزل ما يسكنهم فيذهب خوفهم حتى وقع منهم الاجتراء على قتال المشركين بعد أن ولوا مدبرين
والمراد بالمؤمنين هم الذين لم ينهزموا وقيل الذين انهزموا والظاهر جميع من حضر منهم لأنهم ثبتوا بعد ذلك وقاتلوا وانتصروا قوله ) وأنزل جنودا لم تروها ( هم الملائكة
وقد اختلف في عددهم على أقوال قيل خمسة آلاف وقيل ثمانية آلاف وقيل ستة عشر ألفا وقيل غير ذلك وهذا لا يعرف إلا من طريق النبوة واختلفوا أيضا هل قاتلت الملائكة في هذا اليوم أم لا وقد تقدم أن الملائكة لم تقاتل إلا يوم بدر وأنهم إنما حضروا في غير يوم بدر لتقوية قلوب المؤمنين وإدخال الرعب في قلوب المشركين ) وعذب الذين كفروا ( بما وقع عليهم من القتل والأسر وأخذ الأموال وسبى الذرية والإشارة بقوله ) وذلك ( إلى التعذيب المفهوم من عذب وسمى ما حل بهم من العذاب في هذا اليوم جزاء مع أنه غير كاف بل لا بد من عذاب الآخرة مبالغة في وصف ما وقع عليهم وتعظيما له
التوبة : ( 27 ) ثم يتوب الله . . . . .
) ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ( أي من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام ) والله غفور ( يغفر لمن أذنب فتاب ) رحيم ( بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال حنين ما بين مكة والطائف قاتل نبي الله هوازن وثقيف وعلى هوازن مالك بن عوف وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال لما اجتمع أهل مكة وأهل المدينة قالوا الآن نقاتل حين اجتمعنا فكره رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما قالوا وما أعجبهم من كثرتهم فالتقوا فهزموا حتى ما يقوم أحد منهم على أحد حتى جعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ينادي أحياء العرب إلي إلي فوالله ما يعرج عليه أحد حتى أعرى موضعه فالتفت إلى الأنصار وهم ناحية فناداهم يا أنصار الله وأنصار رسوله إلي عباد الله أنا رسول الله فجثوا يبكون وقالوا يا رسول الله ورب الكعبة إليك والله فنكسوا رءوسهم يبكون وقدموا أسيافهم يضربون بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى فتح الله عليهم وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع أن رجلا قال يوم حنين لن نغلب من قلة فشق ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأنزل الله ) ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ( قال الربيع وكانوا اثنى عشر ألفا منهم ألفان من أهل مكة وأخرج الطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال كنت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم حنين فولى عنه الناس وبقيت


"""""" صفحة رقم 349 """"""
معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار فكنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على بغلته البيضاء يمضي قدما فقال ناولني كفا من تراب فناولته فضرب به وجوههم فامتلأت أعينهم ترابا وولى المشركون أدبارهم ووقعة حنين مذكورة في كتب السير والحديث بطولها وتفاصيلها فلان نطول بذلك وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وأنزل جنودا لم تروها ( قال هم الملائكة ) وعذب الذين كفروا ( قال قتلهم السيف وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير قال عن يوم حنين أمد الله رسوله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ويومئذ سمى الله الأنصار مؤمنين قال فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في جبير بن مطعم قال رأيت يقبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل النجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي لم أشك أنها الملائكة ولم تكن إلا هزيمة القوم
سورة براءة الآية ( 28 29 )
التوبة : ( 28 ) يا أيها الذين . . . . .
النجس مصدر لا يثنى ولا يجمع يقال رجل نجس وامرأة نجس ورجلان نجس وامرأتان نجس ورجال نجس ونساء نجس ويقال نجس ونجس بكسر الجيم وضمها ويقال نجس بكسر النون وسكون الجيم وهو تخفيف من المحرك قيل لا تستعمل إلا إذا قيل معه رجس وقيل ذلك أكثري لا كلي والمشركون مبتدأ وخبره المصدر مبالغة في وصفهم بذلك حتى كأنهم عين النجاسة أو على تقدير مضاف أي ذوو نجس لأن معهم الشرك وهو بمنزلة النجس وقال قتادة ومعمر وغيرهما إنهم وصفوا بذلك لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات
وقد استدل بالآية من قال بأن المشرك نجس الذات كما ذهب إليه بعض الظاهرية والزيدية وروى عن الحسن البصري وهو محكى عن ابن عباس وذهب الجمهور من السلف والخلف ومنهم أهل المذاهب الأربعة إلى أن الكافر ليس بنجس الذات لأن الله سبحانه أحل طعامهم وثبت عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك من فعله وقوله ما يفيد عدم نجاسة ذواتهم فأكل في آنيتهم وشرب منها وتوضأ فيها وأنزلهم في مسجده قوله ) فلا يقربوا المسجد الحرام ( الفاء للتفريع فعدم قربانهم للمسجد الحرام متفرع على نجاستهم والمراد بالمسجد الحرام جميع الحرم روى ذلك عن عطاء فيمنعون عنده من جميع الحرم وذهب غيره من أهل العلم إلى أن المراد المسجد الحرام نفسه فلا يمنع المشرك من دخول سائر الحرم
وقد اختلف أهل العلم في دخول المشرك غير المسجد الحرام من المساجد فذهب أهل المدينة إلى منع كل مشرك عن كل مسجد وقال الشافعي الآية عامة في سائر المشركين خاصة في المسجد الحرام فلا يمنعون من دخول غيره من المساجد قال ابن العربي وهذا جمود منه على الظاهر لأن قوله تعالى ) إنما المشركون نجس (


"""""" صفحة رقم 350 """"""
تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة ويجاب عنه بأن هذا القياس مردود بربطه ( صلى الله عليه وسلم ) لثمامة بن أثال في مسجده وإنزال وفد ثقيف فيه وروى عن أبي حنيفة مثل قول الشافعي وزاد أنه يجوز دخول الذمي سائر المساجد من غير حاجة وقيده الشافعي بالحاجة وقال قتادة إنه يجوز ذلك للذمي دون المشرك وروى عن أبي حنيفة أيضا أنه يجوز لهم دخول الحرم والمسجد الحرام وسائر المساجد ونهى المشركين عن أن يقربوا المسجد الحرام هو نهى للمسلمين عن أن يمكنوهم من ذلك فهو من باب قولهم لا أرينك هاهنا قوله ) بعد عامهم هذا ( فيه قولان أحدهما أنه سنة تسع وهى التى حج فيها أبو بكر على الموسم الثاني أنه سنة عشر قاله قتادة قال ابن العربي وهو الصحيح الذى يعطيه مقتضى اللفظ ومن العجب أن يقال إنه سنة تسع وهو العام الذى وقع فيه الأذان ولو دخل غلام رجل داره يوما فقال له مولاه لا تدخل هذه الدار بعد يومك لم يكن المراد اليوم الذى دخل في انتهى ويجاب عنه بأن الذى يعطيه مقتضى اللفظ هو خلاف ما زعمه فإن الإشارة بقوله ) بعد عامهم هذا ( إلى العام المذكور قبل اسم الإشارة وهو عام النداء وهكذا في المثال الذى ذكره المراد النهي عن دخولها بعد يوم الدخول الذى وقع فيه الخطاب والأمر ظاهر لا يخفى ولعله أراد تفسير ما بعد المضاف إلى عامهم ولا شك أنه عام عشر وأما تفسير العام المشار إليه بهذا فلا شك ولا ريب أنه عام تسع وعلى هذا يحمل قول قتادة وقد استدل من قال بأنه يجوز للمشركين دخول المسجد الحرام وغيره من المساجد بهذا القيد أعني قوله ) بعد عامهم هذا ( قائلا إن النهي مختص بوقت الحج والعمرة فهم ممنوعون عن الحج والعمرة فقط لا عن مطلق الدخول ويجاب عنه بأن ظاهر النهي عن القربان بعد هذا العام يفيد المنع من القربان في كل وقت من الأوقات الكائنة بعده وتخصيص بعضها بالجواز يحتاج إلى مخصص قوله ) وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ( العيلة الفقر يقال عال الرجل يعيل إذا افتقر قال الشاعر وما يدري الفقير متى غناه
وما يدري الغني متى يعيل
وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود عايلة وهو مصدر كالقايلة والعافية والعاقبة وقيل معناه خصلة شاقة يقال عالني الأمر يعولني أي شق علي واشتد وحكى ابن جرير الطبري أنه يقال عال يعول إذا افتقر وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون إليه الأطعمة والتجارات قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا من أين نعيش فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله قال الضحاك ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( الآية وقال عكرمة أغناهم بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض وأسلمت العرب فحملوا إلى مكة ما أغناهم الله به وقيل أغناهم بالفيء وفائدة التقييد بالمشيئة التعلم للعباد بأن يقولوا ذلك في كل ما يتكلمون به مما له تعلق بالزمن المستقبل ولئلا يفتروا عن الدعاء والتضرع ) إن الله عليم ( بأحوالكم ) حكيم ( في إعطائه ومنعه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن
التوبة : ( 29 ) قاتلوا الذين لا . . . . .
قوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( الآية فيه الأمر بقتال من جمع بين هذه الأوصاف قال أبو الوفاء بن عقيل إن قوله ) قاتلوا ( أمر بالعقوبة ثم قال ) الذين لا يؤمنون بالله ( فبين الذنب الذى توجبه العقوبة ثم قال ) ولا باليوم الآخر ( فأكد الذنب في جانب الإعتقاد ثم قال ) ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ( فيه زيادة للذنب في مخالفة الأعمال ثم قال ) ولا يدينون دين الحق ( فيه إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام ثم قال ) من الذين أوتوا الكتاب ( تأكيد للحجة عليهم لأنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل
ثم قال ) حتى يعطوا الجزية ( فبين الغاية التى تمتد إليها العقوبة انتهى قوله ) من الذين أوتوا الكتاب ( بيان


"""""" صفحة رقم 351 """"""
للموصول مع ما في حيزه وهم أهل التوراة والإنجيل قوله ) حتى يعطوا الجزية عن يد ( الجزية وزنها فعلة من جزى يجزى إذا كافأ عما أسدى إليه فكأنهم أعطوها جزاء عما منحوا من الأمن وقيل سميت جزية لأنها طائفة مما على أهل الذمة أن يجزوه أي يقضوه وهى في الشرع ما يعطيه المعاهد على عهده و ) عن يد ( في محل نصب على الحال والمعنى عن يد مواتية غير ممتنعة وقيل معناه يعطونها بأيديهم غير مستنيبين فيها أحدا وقيل معناه نقد غير نسيئة وقيل عن قهر وقيل معناه عن إنعام منكم عليهم لأن أخذها منهم نوع من أنواع الإنعام عليهم وقيل معناه مذمومون وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه والثوري وأبو ثور إلى أنها لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب وقال الأوزاعي ومالك إن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الكفرة كائنا من كان ويدخل في أهل الكتاب على القول الأول المجوس قال ابن المنذر لا أعلم خلافا في أن الجزية تؤخذ منهم
واختلف أهل العلم في مقدار الجزية فقال عطاء لا مقدار لها وإنما تؤخذ على ما صولحوا عليه وبه قال يحيى بن آدم وأبو عبيدة وابن جرير إلا أنه قال أقلها دينار وأكثرها لاحد له وقال الشافعي دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء وبه قال أبو ثور قال الشافعي وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز وإذا زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم وقال مالك إنها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق الغني والفقير سواء ولو كان مجوسيا لا يزيد ولا ينقص وقال أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل اثنا عشر وأربعة وعشرون وثمانية وأربعون والكلام في الجزية مقرر في مواطنه والحق من هذه الأقوال قد قررناه في شرحنا للمنتقى وغيره من مؤلفاتنا قوله ) وهم صاغرون ( في محل نصب على الحال والصغار الذل والمعنى إن الذمي يعطى الجزية حال كونه صاغرا قيل وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب ويسلمها وهو قائم والمتسلم قاعد وبالجملة ينبغي للقابض للجزية أن يجعل المسلم لها حال قبضها صاغرا ذليلا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله في قوله ) إنما المشركون نجس ( الآية قال إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة وقد روى مرفوعا من وجه آخر أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمكم قال ابن كثير تفرد به أحمد مرفوعا والموقوف أصح وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان المشركون يجيئون إلى البيت ويجيئون معهم بالطعام يتجرون به فلما نهوا عن أن يأتوا البيت قال المسلمون فمن أين لنا الطعام فأنزل الله ) وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء ( قال فأنزل الله عليهم المطر وكثر خيرهم حين ذهب المشركون عنهم وأخرج ابن مردويه عنه قال فأغناهم الله من فضله وأمرهم بقتال أهل الكتاب وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله ) وإن خفتم عيلة ( قال الفاقة وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله ) فسوف يغنيكم الله من فضله ( قال بالجزية وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن الضحاك مثله وأخرج نحوه عبد الرزاق عن قتادة وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله ) إنما المشركون نجس ( قال قذر وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال من صافحهم فليتوضأ وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من صافح مشركا فليتوضأ أو ليغسل كفيه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 352 """"""
وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( قال نزلت هذه الآية حين أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه بغزوة تبوك وأخرج ابن المنذر عن ابن شهاب قال نزلت في كفار قريش والعرب ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ( وأنزلت في أهل الكتاب ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( الآية إلى قوله ) حتى يعطوا الجزية ( فكان أول من أعطى الجزية أهل نجران وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله ) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ( يعني الذين لا يصدقون بتوحيد الله ) ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ( يعني الخمر والحرير ) ولا يدينون دين الحق ( يعني دين الإسلام ) من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( يعني مذللون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) عن يد ( قال عن قهر
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة في قوله ) عن يد ( قال من يده ولا يبعث بها غيره وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي سنان في قوله ) عن يد ( قال عن قدرة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وهم صاغرون ( قال يمشون بها متلتلين وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال يلكزون وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سلمان في الآية قال غير محمودين
سورة براءة الآية ( 30 33 )
التوبة : ( 30 ) وقالت اليهود عزير . . . . .
قوله ) وقالت اليهود عزير ابن الله ( كلام مبتدأ لبيان شرك أهل الكتابين وعزير مبتدأ وابن الله خبره وقد قرأ عاصم والكسائي ) عزير ( بالتنوين وقرأ الباقون بترك التنوين لاجتماع العجمة والعلمية فيه ومن قرأ بالتنوين فقد جعله عربيا وقيل إن سقوط التنوين ليس لكونه ممتنعا بل لاجتماع الساكنين ومنه قراءة من قرأ ) قل هو الله أحد الله الصمد ( قال أبو علي الفارسي وهو كثير في الشعر وأنشد ابن جرير الطبري لتجديني بالأمير برا
وبالقناة لامرا مكرا
إذا غطيت السلمي فرا
وظاهر قوله ) وقالت اليهود ( إن هذه المقالة لجميعهم وقيل هو لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص لأنه لم يقل ذلك إلا البعض منهم وقال النقاش لم يبق يهودي يقولها بل قد انقرضوا وقيل إنه قال ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) جماعة منهم فنزلت الآية متضمنة لحكاية ذلك عن اليهود لأن قول بعضهم لازم لجميعهم
قوله ) وقالت النصارى المسيح ابن الله ( قالوا هذا لما رأوا من إحيائه الموتى مع كونه من غير أب فكان ذلك سببا لهذه المقالة والأولى أن يقال إنهم قالوا هذه المقالة لكون في الإنجيل وصفه تارة بابن الله وتارة بابن الإنسان كما رأينا ذلك في مواضع متعددة من الإنجيل ولم يفهموا أن ذلك لقصد التشريف والتكريم أو لم


"""""" صفحة رقم 353 """"""
يظهر لهم أن ذلك من تحريف سلفهم لغرض من الأغراض الفاسدة قيل وهذه المقالة إنما هى لبعض النصارى لا لكلهم قوله ) ذلك قولهم بأفواههم ( الإشارة إلى ما صدر عنهم من هذه المقالة الباطلة ووجه قوله بأفواههم مع العلم بأن القول لا يكون إلا الفم بأن هذا القول لما كان ساذجا ليس فيه بيان ولا عضده برهان كان مجرد دعوى لا معنى تحتها فارغة صادرة عنهم صدور المهملات التى ليس فيها إلا كونها خارجة من الأفواه غير مفيدة لفائدة يعتد بها وقيل إن ذكر الأفواه لقصد التأكيد كما في كتبت بيدي ومشيت برجلي ومنه قوله تعالى ) يكتبون الكتاب بأيديهم ( وقوله ) ولا طائر يطير بجناحيه ( وقال بعض أهل العلم إن الله سبحانه لم يذكر قولا مقرونا بذكر الأفواه والألسن إلا وكان قولا زورا كقوله ) يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ( وقوله ) كبرت كلمة تخرج من أفواههم ( وقوله ) يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ( قوله ) يضاهئون قول الذين كفروا ( المضاهاة المشابهة قيل ومنه قول العرب امرأة ضهياء وهى التى لا تحيض لأنها شابهت الرجال قال أبو علي الفارسي من قال ) يضاهئون ( مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء فقوله خطأ لأن الهمزة في ضاهأ أصلية وفي ضهياء زائدة كحمراء وأصله يضاهئون وامرأة ضهياء ومعنى مضاهاتهم لقول الذين كفروا فيه أقوال لأهل العلم الأول أنهم شابهوا بهذه المقالة عبدة الأوثان في قولهم واللات والعزى ومناة بنات الله القول الثاني أنهم شابهوا قول من يقول من الكافرين إن الملائكة بنات الله الثالث أنهم شابهوا أسلافهم القائلين بأن عزير ابن الله وأن المسيح ابن الله قوله ) قاتلهم الله ( دعاء عليهم بالهلاك لأن من قاتله الله هلك وقيل هو تعجب من شناعة قولهم وقيل معنى قاتلهم الله لعنهم الله ومنه قول أبان بن ثعلب قاتلها الله تلحاني وقد علمت
أني لنفسي إفسادي وإصلاحي
وحكى النقاش أن أصل قاتل الله الدعاء ثم كثر في استعمالهم حتى قالوه على التعجب في الخير والشر وهم لا يريدون الدعاء وأنشد الأصمعي يا قاتل الله ليلى كيف تعجبني
وأخبر الناس أني لا أباليها
) أنى يؤفكون ( أي كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل
التوبة : ( 31 ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم . . . . .
قوله ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( الأحبار جمع حبر وهو الذى يحسن القول ومنه ثوب محبر وقيل جمع حبر بكسر الحاء قال يونس لم أسمعه إلا بكسر الحاء وقال الفراء الفتح والكسر لغتان وقال ابن السكيت الحبر بالكسر العالم والحبر بالفتح العالم والرهبان جمع راهب مأخوذ من الرهبة وهم علماء النصارى كما أن الأحبار علماء اليهود ومعنى الآية أنهم لما أطاعوهم فيما يأمرونهم به وينهونهم عنه كانوا بمنزلة المتخذين لهم أربابا لأنهم أطاعوهم كما تطاع الأرباب قوله ) والمسيح ابن مريم ( معطوف على رهبانهم أي اتخذه النصارى ربا معبودا وفيه إشارة إلى أن اليهود لم يتخذوا عزير ربا معبودا وفى هذه الآية ما يزجر من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد عن التقليد في دين الله وتأثير ما يقوله الأسلاف على ما في الكتاب العزيز والسنة المطهرة فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدى بقوله ويستن بسنته من علماء هذه الأمة مع مخالفته لما جاءت به النصوص وقامت به حجج الله وبراهينه ونطقت به كتبه وأنبياؤه هو كاتخاذ اليهود والنصارى للأحبار والرهبان أربابا من دون الله للقطع بأنهم لم يعبدوهم بل أطاعوهم وحرموا ما حرموا وحللوا ما حللوا وهذا هو صنيع المقلدين من هذه الأمة وهو أشبه به من شبه البيضة بالبيضة
والتمرة بالتمرة والماء بالماء فيا عباد الله ويا أتباع محمد بن عبد الله ما بالكم تركتم الكتاب والسنة جانبا وعمدتم إلى رجال هم مثلكم في تعبد الله لهم بهما وطلبه منهم للعمل بما دلا عليه وأفاده فعلتم بما جاءوا به من الآراء التى لم تعمد


"""""" صفحة رقم 354 """"""
بعماد الحق ولم تعضد بعضد الدين ونصوص الكتاب والسنة تنادى بأبلغ نداء وتصوت بأعلى صوت بما يخالف ذلك ويباينه فأعرتموهما آذانا صما وقلوبا غلفا وأفهاما مريضة وعقولا مهيضة وأذهانا كليلة وخواطر عليلة وأنشدتم بلسان الحال وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد
فدعوا أرشدكم الله وإياي كتبا كتبها لكم الأموات من أسلافكم واستبدلوا بها كتاب الله خالقهم وخالقكم ومتعبدهم ومتعبدكم ومعبودهم ومعبودكم واستبدلوا بأقوال من تدعونهم بأئمتكم وما جاءوكم به من الرأي بأقوال إمامكم وإمامهم وقدوتكم وقدوتهم وهو الإمام الأول محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعوا كل قول عند قول محمد
فما آبن في دينه كمخاطر
اللهم هادي الضال مرشد التائه موضح السبيل اهدنا إلى الحق وأرشدنا إلى الصواب وأوضح لنا منهج الهداية قوله ) وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا ( هذه الجملة في محل نصب على الحال أي اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا والحال أنهم ما أمروا إلا بعبادة الله وحده أو وما أمر الذين اتخذوهم أربابا من الأحبار والرهبان إلا بذلك فكيف يصلحون لما أهلوهم له من اتخاذهم أربابا قوله ) لا إله إلا هو ( صفة ثانية لقوله إلها ) سبحانه عما يشركون ( أي تنزيها له عن الإشراك في طاعته وعبادته
التوبة : ( 32 ) يريدون أن يطفئوا . . . . .
قوله ) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ( هذا كلام يتضمن ذكر نوع آخر من أنواع ضلالهم وبعدهم عن الحق وهو ما رموه من إبطال الحق بأقاويلهم الباطلة التى هى مجرد كلمات ساذجة ومجادلات زائفة وهذا تمثيل لحالهم في محاولة إبطال دين الحق ونبوة نبي الصدق بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم قد أنارت به الدنيا وانقشعت به الظلمة ليطفئه ويذهب أضواءه ) ويأبى الله إلا أن يتم نوره ( أي دينه القويم وقد قيل كيف دخلت إلا الاستثنائية على يأبى ولا يجوز كرهت أو بغضت إلا زيدا قال الفراء إنما دخلت لأن في الكلام طرفا من الجحد وقال الزجاج إن العرب تحذف مع أبى والتقدير ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم نوره وقال علي بن سليمان إنما جاز هذا في أبى لأنها منع أو امتناع فضارعت النفي قال النحاس وهذا أحسن كما قال الشاعر وهل لي أم غيرها إن تركتها
أبى الله إلا أن أكون لها ابنا
وقال صاحب الكشاف إن أبر قد أجرى مجرى لم يرد أي ولا يريد إلا أن يتم نوره قوله ) ولو كره الكافرون ( معطوف على جملة قبله مقدرة أي أبى الله إلا أن يتم نوره ولو لم يكره الكافرون ذلك ولو كرهوا
التوبة : ( 33 ) هو الذي أرسل . . . . .
ثم أكد هذا بقوله ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( أي بما يهدي به الناس من البراهين والمعجزات والأحكام التى شرعها الله لعباده ) ودين الحق ( وهو الإسلام ) ليظهره ( أي ليظهر رسوله أو دين الحق بما اشتمل عليه من الحجج والبراهين وقد وقع ذلك ولله الحمد ) ولو كره المشركون ( الكلام فيه كالكلام في ) ولو كره الكافرون ( كما قدمنا ذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى وأبو أنس وشاس بن قيس ومالك بن الصيف فقالوا كيف نتبعك وقت تركت قبلتنا وأنت لا تزعم أن عزير ابن الله فأنزل الله ) وقالت اليهود عزير ابن الله ( الآية
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه قال كن نساء بني إسرائيل يجتمعن بالليل فيصلين ويعتزلن ويذكرن ما فضل الله به بني إسرائيل وما أعطاهم ثم سلط عليهم شر خلقه بختنصر فحرق التوراة وخرب بيت المقدس وعزير


"""""" صفحة رقم 355 """"""
يومئذ غلام فقال عزير أو كان هذا فلحق بالجبال والوحش فجعل يتعبد فيها وجعل لا يخالط الناس فإذا هو ذات يوم بامرأة عند قبر وهى تبكي فقال يا أمه اتقى الله واحتسبي واصبري أما تعلمين أن سبيل الناس إلى الموت فقالت يا عزير أتنهاني أن أبكي وأنت قد خلفت بني إسرائيل ولحقت بالجبال والوحش ثم قالت إني لست بامرأة ولكني الدنيا وإنه سينبع في مصلاك عين وتنبت شجرة فاشرب من ماء العين وكل من ثمر الشجرة فإنه سيأتيك ملكان فاتركهما يصنعان ما أرادا فلما كان من الغد نبعت العين ونبتت الشجرة فشرب من ماء العين وأكل من ثمرة الشجرة وجاء ملكان ومعهما قارورة فيها نور فأوجراه ما فيها فألهمه الله التوراة فجاء فأملاه على الناس فعند ذلك قالوا عزير ابن الله تعالى الله عن ذلك وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا فذكر قصة وفيها أن عزير سأل الله بعد ما أنسى بني إسرائيل التوراة ونسخها من صدورهم أن يرد الذى نسخ من صدره
فبينما هو يصلي نزل نور من الله عز وجل فدخل جوفه فعاد إليه الذى كان ذهب من جوفه من التوراة فأذن في قومه فقال يا قوم قد آتاني الله التوراة وردها إلي وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال دعا عزير ربه أن يلقى التوراة كما أنزل على موسى في قلبه فأنزلها الله عليه فبعد ذلك قالوا عزير ابن الله وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس قال ثلاث أشك فيهن فلا أدري عزير كان نبيا أم لا ولا أدري ألعن تبع أم لا قال ونسيت الثالثة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) يضاهئون ( قال يشبهون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) قاتلهم الله ( قال لعنهم الله وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن وأخرج ابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عدي بن حاتم قال أتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يقرأ في سورة براءة ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( فقال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه وأخرجه أيضا أحمد وابن جرير وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن أبي البحتري قال سأل رجل حذيفة فقال أرأيت قوله ) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ( أكانوا يعبدونهم قال لا ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك قال أحبارهم قراؤهم
ورهبانهم علماؤهم وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي مثله وأخرج أيضا عن الفضيل بن عياض قال الأحبار العلماء والرهبان العباد
وأخرج أيضا عن السدي في قوله ) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ( قال يريدون أن يطفئوا الإسلام بأقوالهم وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ( يقول يريدون أن يهلك محمد وأصحابه وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال هم اليهود والنصارى وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ( يعني بالتوحيد والإسلام والقرآن
سورة براءة الآية ( 34 35 )


"""""" صفحة رقم 356 """"""
التوبة : ( 34 ) يا أيها الذين . . . . .
لما فرغ سبحانه من ذكر حال أتباع الأحبار والرهبان المتخذين لهم أربابا ذكر حال المتبوعين فقال ) إن كثيرا من الأحبار ( إلى آخره ومعنى أكلهم لأموال الناس بالباطل أنهم يأخذونها بالوجوه الباطلة كالرشوة وأثبت هذا للكثير منهم لأن فيهم من لم يتلبس بذلك بل بقي على ما يوجبه دينه من غير تحريف ولا تبديل ولا ميل إلى حطام الدنيا ولقد اقتدى بهؤلاء الأحبار والرهبان من علماء الإسلام من لا يأتي عليه الحصر في كل زمان فالله المستعان قوله ) ويصدون عن سبيل الله ( أي عن الطريق إليه وهو دين الإسلام أو عن ما كان حقا في شريعتهم قبل نسخها بسبب أكلهم لأموال الناس بالباطل قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( قيل هم المتقدم ذكرهم من الأحبار والرهبان وإنهم كانوا يصنعون هذا الصنع وقيل هم من يفعل ذلك من المسلمين والأولى حمل الآية على عموم اللفظ فهو أوسع من ذلك وأصل الكنز في اللغة الضم والجمع ولا يختص بالذهب والفضة
قال ابن جرير الكنز كل شيء مجموع بعضه إلى بعض في بطن الأرض كان أو على ظهرها انتهى ومنه ناقة كناز أي مكتنزة اللحم واكتنز الشئ اجتمع
واختلف أهل العلم في المال الذى أديت زكاته هل يسمى كنزا أم لا فقال قوم هو كنز وقال آخرون ليس بكنز ومن القائلين بالقول الأول أبو ذر وقيده بما فضل عن الحاجة ومن القائلين بالقول الثاني عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس وجابر وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وغيرهم وهو الحق لما سيأتي من الأدلة المصرحة بأن ما أديت زكاته فليس بكنز قوله ) ولا ينفقونها في سبيل الله ( اختلف في وجه إفراد الضمير مع كون المذكور قبله شيئين هما الذهب والفضة فقال ابن الأنباري إنه قصد إلى الأعم الأغلب وهو الفضة قال ومثله قوله تعالى ) واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة ( رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم ومثله قوله ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( أعاد الضمير إلى التجارة لأنها الأهم وقيل إن الضمير راجع إلى الذهب والفضة معطوفة عليه والعرب تؤنث الذهب وتذكره وقيل إن الضمير راجع إلى الكنوز المدلول عليها بقوله ) يكنزون ( وقيل إلى الأموال وقيل للزكاة وقيل إنه اكتفى بضمير أحدهما عن ضمير الآخر مع فهم المعنى وهو كثير في كلام العرب وأنشد سيبويه نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
ولم يقل راضون ومثله قول الآخر رماني بأمر كنت منه ووالدي
بريا ومن أجل الطوى رماني
ولم يقل بريين ومثله قول حسان إن شرخ الشباب والشعر الأسود
ما لم يعاض كان جنونا
ولم يقل يعاضا وقيل إن إفراد الضمير من باب الذهاب إلى المعنى دون اللفظ لأن كل واحد من الذهب والفضة جملة وافية وعدة كثيرة ودنانير ودراهم فهو كقوله ) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( وإنما خص الذهب والفضة بالذكر دون سائر الأموال لكونهما أثمان الأشياء وغالب ما يكنز وإن كان غيرهما له حكمهما في تحريم الكنز قوله ) فبشرهم بعذاب أليم ( هو خبر الموصول وهو من باب التهكم بهم كما في قوله تحية بينهم ضرب وجيع
وقيل إن البشارة هى الخبر الذى يتغير له لون البشرة لتأثيره في القلب سواء كان من الفرح أو من الغم
التوبة : ( 35 ) يوم يحمى عليها . . . . .
ومعنى ) يوم يحمى عليها في نار جهنم ( أن النار توقد عليها وهى ذات حمى وحر شديد


"""""" صفحة رقم 357 """"""
ولو قال يوم تحمى أي الكنوز لم يعط هذا المعنى فجعل الإحماء للنار مبالغة ثم حذف النار وأسند الفعل إلى الجار كما تقول رفعت القصة إلى الأمير فإن لم تذكر القصة قلت رفع إلى الأمير وقرأ ابن عامر ? تحمى ? بالمثناة الفوقية وقرأ أبو حيوة فيكوى بالتحتية وخص الجباه والجنوب والظهور لكون التألم بكيها أشد لما في داخلها من الأعضاء الشريفة وقيل ليكون الكي في الجهات الأربع من قدام وخلف وعن يمين وعن يسار وقيل لأن الجمال في الوجه والقوة في الظهر والجنبين والإنسان إنما يطلب المال للجمال والقوة وقيل غير ذلك مما لا يخلو عن تكلف قوله ) هذا ما كنزتم لأنفسكم ( أي يقال لهم هذا ما كنزتم لأنفسكم أي كنزتموه لتنتفعوا به فهذا نفعه على طريقة التهكم والتوبيخ ) فذوقوا ما كنتم تكنزون ( ما مصدرية أو موصولة أي ذوقوا وباله
وسوء عاقبته وقبح مغبته وشؤم فائدته
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) إن كثيرا من الأحبار والرهبان ( يعني علماء اليهود والنصارى ) ليأكلون أموال الناس بالباطل ( والباطل كتب كتبوها لم ينزلها الله فأكلوا بها أموال الناس وذلك قول الله تعالى ) فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ( وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( قال هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة من أموالهم وكل مال لا تؤدى زكاته كان على ظهر الأرض أو في بطنها فهو كنز وكل مال أديت زكاته فليس بكنز كان على ظهر الأرض أو في بطنها وأخرجه عنه ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ من وجه آخر وأخرج مالك وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر نحوه وأخرج ابن مردويه عنه نحوه مرفوعا وأخرج ابن عدي والخطيب عن جابر نحوه مرفوعا أيضا وأخرجه ابن أبي شيبة عنه موقوفا وأخرج أحمد في الزهد والبخاري وابن ماجه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر في الآية قال إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة جعلها الله طهرة للأموال ثم قال ما أبالي لو كان عندي مثل أحد ذهبا أعلم عدده وأزكيه وأعمل فيه بطاعات الله وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال ليس بكنز ما أدى زكاته وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أم سلمة مرفوعا نحوه وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده وأبو داود وأبو يعلي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( كبر ذلك على المسلمين وقالوا ما يستطيع أحد منا لولده مالا يبقى بعده فقال عمر أنا أفرج عنكم فانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية فقال إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم فكبر عمر ثم قال له النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء المرأة الصالحة التى إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته وقد أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه عن سالم بن أبى الجعد من غير وجه عن ثوبان وحكى البخاري أن سالما لم يسمعه من ثوبان وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( قال هم أهل الكتاب وقال هى خاصة وعامة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال أربعة آلاف فما دونها نفقة وما فوقها كنز وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال حلية السيوف من الكنوز ما أحدثكم إلا ما سمعت وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عراك بن مالك وعمر بن عبد العزيز أنهما قالا في قوله ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( إنها نسختها الآية الأخرى ) خذ من أموالهم صدقة ( الآية وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال


"""""" صفحة رقم 358 """"""
ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى زكاتها إلا جعل لها يوم القيامة صفائح ثم أحمى عليها في نار جهنم ثم يكوى بها جنباه وجبهته وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن زيد بن وهب قال مررت على أبي ذر بالزبدة فقلت ما أنزلك بهذه الأرض فقال كنا بالشأم فقرأت ) والذين يكنزون الذهب والفضة ( الآية فقال معاوية ما هذه فينا ما هذه إلا في أهل الكتاب قلت إنها لفينا وفيهم
سورة براءة الآية ( 36 37 )
التوبة : ( 36 ) إن عدة الشهور . . . . .
قوله ) إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ( هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نوع آخر من قبائح الكفار وذلك أن الله سبحانه لما حكم في كل وقت بحكم خاص غيروا تلك الأوقات بالنسيء والكبيسة فأخبرنا الله بما هو حكمه فقال ) إن عدة الشهور ( أي عدد شهور السنة عند الله في حكمه وقضائه وحكمته اثنا عشر شهرا قوله ) في كتاب الله ( أي فيما أثبته في كتابه قال أبو علي الفارسي لا يجوز أن يتعلق في كتاب الله بقوله عدة الشهور للفصل بالأجنبي وهو الخبر أعني اثنا عشر شهرا فقوله في كتاب الله وقوله يوم خلق بدل من قوله من عند الله والتقدير إن عدة الشهور عند الله في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض وفائدة الإبدالين تقرير الكلام في الأذهان لأنه يعلم منه أن ذلك العدد واجب عند الله في كتاب الله وثابت في علمه في أول ما خلق الله العالم ويجوز أن يكون في كتاب الله صفة اثنا عشر أي اثنا عشر مثبتة في كتاب الله وهو اللوح المحفوظ وفي هذه الآية بيان أن الله سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السموات والأرض وأن هذا هو الذى جاءت به الأنبياء ونزلت به الكتب وأنه لا اعتبار بما عند العجم والروم والقبط من الشهور التى يصطلحون عليها ويجعلون بعضها ثلاثين يوما وبعضها أكثر وبعضها أقل قوله ) منها أربعة حرم ( هى ذي القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد كما ورد بيان ذلك في السنة المطهرة قوله ) ذلك الدين القيم ( أي كون هذه الشهور كذلك ومنها أربعة حرم هو الدين المستقيم والحساب الصحيح والعدد المستوفى قوله ) فلا تظلموا فيهن أنفسكم ( أي في هذه الأشهر الحرم بإيقاع القتال فيها والهتك لحرمتها وقيل إن الضمير يرجع إلى الشهور كلها الحرم وغيرها وإن الله نهى عن الظلم فيها والأول أولى وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم ثابت محكم لم ينسخ لهذه الآية ولقوله ) يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ( ولقوله ) فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين ( الآية
وقد ذهب جماعة آخرون إلى أن تحريم القتال في الأشهر الحرم منسوخ بآية السيف ويجاب عنه بأن الأمر


"""""" صفحة رقم 359 """"""
بقتل المشركين ومقاتلتهم مقيد بانسلاخ الأشهر الحرم كما في الآية المذكورة فتكون سائر الآيات المتضمنة للأمر بالقتال مقيدة بما ورد في تحريم القتال في الأشهر الحرم كما هى مقيدة بتحريم القتال في الحرم للأدلة الواردة في تحريم القتال فيه وأما ما استدلوا به من أنه ( صلى الله عليه وسلم ) حاصر أهل الطائف في شهر حرام وهو ذو القعدة كما ثبت في الصحيحين وغيرهما فقد أجيب عنه أنه لم يبتد محاصرتهم في ذي القعدة بل في شوال والمحرم إنما هو ابتداء القتال في الأشهر الحرم لا إتمامه وبهذا يحصل الجمع قوله ) وقاتلوا المشركين كافة ( أي جميعا وهو مصدر في موضع الحال قال الزجاج مثل هذا من المصادر كعامة وخاصة ولا يثنى ولا يجمع ) كما يقاتلونكم كافة ( أي جميعا وفيه دليل على وجوب قتال المشركين وأنه فرض على الأعيان إن لم يقم به البعض ) واعلموا أن الله مع المتقين ( أي ينصرهم ويثبتهم ومن كان الله معه فهو الغالب وله العاقبة والغلبة
التوبة : ( 37 ) إنما النسيء زيادة . . . . .
قوله ) إنما النسيء زيادة في الكفر ( قرأ نافع في رواية ورش عنه النسى بياء مشددة بدون همز وقرأ الباقون بياء بعدها همزة قال النحاس ولم يرو أحد عن نافع هذه القراءة إلا ورش وحده وهو مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره حكى ذلك الكسائي قال الجوهري النسيء فعيل بمعنى مفعول من قولك نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخرته ثم تحول منسوء إلى نسيء كما تحول مقتول إلى قتيل قال ابن جرير في النسيء بالهمزة معنى الزيادة يقال نسأ ينسأ إذا زاد قال ولا يكون بترك الهمزة إلا من النسيان كما قال تعالى ) نسوا الله فنسيهم ( ورد على نافع قراءته
وكانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم المذكورة فإذا احتاجوا إلى القتال فيها قاتلوا فيها وحرموا غيرها فإذا قاتلوا في المحرم حرموا بدله شهر صفر وهكذا في غيره وكان الذى يحملهم على هذا أن كثيرا منهم إنما كانوا يعيشون بالغارة على بعضهم البعض ونهب ما يمكنهم نهبه من أموال من يغيرون عليه ويقع بينهم بسبب ذلك القتال وكانت الأشهر الثلاثة المسرودة يضر بهم تواليها وتشتد حاجتهم وتعظم فاقتهم فيحللون بعضها ويحرمون مكانه بقدره من غير الأشهر الحرم فهذا هو معنى النسيء الذى كانوا يفعلونه وقد وقع الخلاف في أول من فعل ذلك فقيل هو رجل من بني كنانة يقال له حذيفة بن عتيد ويلقب القلمس وإليه يشير الكميت بقوله ألسنا الناسئين على معد
شهور الحل نجعلها حراما
وفيه يقول قائلهم ومنا ناسئ الشهر القلمس
وقيل هو عمرو بن لحي وقيل هو نعيم بن ثعلبة من بني كنانة وسمى الله سبحانه النسيء زيادة في الكفر لأنه نوع من أنواع كفرهم ومعصية من معاصيهم المنضمة إلى كفرهم بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر قوله ) يضل به الذين كفروا ( قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وابن عامر ) يضل ( على البناء للمعلوم وقرأ الكوفيون على البناء للمجهول ومعنى القراءة الأولى أن الكفار يضلون بما يفعلونه من النسيء ومعنى القراءة الثانية أن الذى سن لهم ذلك يجعلهم ضالين بهذه السنة السيئة وقد اختار القراءة الأولى أبو حاتم واختار القراءة الثانية أبو عبيد وقرأ الحسن وأبو رجاء ويعقوب ) يضل ( بضم الياء وكسر الضاد على أنه فاعله الموصول ومفعوله محذوف ويجوز أن يكون فاعله هو الله سبحانه ومفعوله الموصول وقرئ بفتح الياء والضاد من ضل يضل وقرئ نضل بالنون قوله ) يحلونه عاما ويحرمونه عاما ( الضمير راجع إلى النسيء أي يحلون النسيء عاما ويحرمونه عاما أو إلى الشهر الذى يؤخرونه ويقاتلون فيه أي يحلونه عاما بإبداله بشهر آخر من شهور الحل ويحرمون عاما أي يحافظون عليه فلا يحلون فيه القتال بل يبقونه على حرمته قوله ) ليواطئوا عدة ما حرم الله ( أي لكي يواطئوا والمواطأة الموافقة يقال تواطأ القوم على كذا أي توافقوا عليه واجتمعوا والمعنى إنهم لم يحلوا شهرا إلا حرموا شهرا لتبقى الأشهر الحرم أربعة


"""""" صفحة رقم 360 """"""
قال قطرب معناه عمدوا إلى صفر فزادوه في الأشهر الحرم وقرنوه بالمحرم في التحريم وكذا قال الطبري قوله ) فيحلوا ما حرم الله ( أي من الأشهر الحرم التى أبدلوها بغيرها ) زين لهم سوء أعمالهم ( أي زين لهم الشيطان الأعمال السيئة التى يعملونها ومن جملتها النسيء وقريء على البناء للفاعل ) والله لا يهدي القوم الكافرين ( أي المصرين على كفرهم المستمرين عليه فلا يهديهم هداية توصلهم إلى المطلوب وأما الهداية بمعنى الدلالة على الحق والإرشاد إليه فقد نصبها الله سبحانه لجميع عباده
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي بكر أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خطب في حجته فقال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم
ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان وأخرج نحوه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من حديث ابن عمر وأخرج نحوه ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من حديث ابن عباس وأخرج نحوه أيضا البزار وابن جرير وابن مردويه من حديث أبي هريرة وأخرجه أحمد وابن مردويه من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه مرفوعا مطولا وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن ابن عباس ) منها أربعة حرم ( قال المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال إنما سمين حرما لئلا يكون فيهن حرب وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ) إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله ( ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما
وعظم حرماتهن وجعل الدين فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم ) فلا تظلموا فيهن أنفسكم ( قال في كلهن ) وقاتلوا المشركين كافة ( يقول جميعا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله ) وقاتلوا المشركين كافة ( قال نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت العرب يحلون عاما شهرا وعاما شهرين ولا يصيبون الحج إلا في كل سنة وعشرين سنة مرة وهى النسيء الذى ذكره الله في كتابه فلما كان عام حج أبو بكر بالناس وافق ذلك العام فسماه الله الحج الأكبر ثم حج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من العام المقبل واستقبل الناس الأهلة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر قال وقف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالعقبة فقال إنما النسيء من الشيطان زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما فكانوا يحرمون المحرم عاما ويستحلون صفر ويحرمون صفر عاما ويستحلون المحرم وهى النسيء وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال كان جنادة بن عوف الكناني يوافي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادى ألا إن أبا ثمامة لا يخاب ولا يعاب ألا وإن صفر الأول العام حلال فيحله للناس فيحرم صفر عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قوله تعالى ) إنما النسيء زيادة في الكفر ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال المحرم كانوا يسمونه صفر وصفر يقولون صفران الأول والآخر يحل لهم مرة الأول ومرة الآخر وأخرج ابن مردويه عنه قال كانت النساءة حي من بني مالك من كنانة من بني فقيم فكان آخرهم رجلا يقال له القلمس وهو الذى أنسأ المحرم


"""""" صفحة رقم 361 """"""
سورة براءة الآية ( 38 42 )
التوبة : ( 38 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) يا أيها الذين آمنوا ( لما شرح معايب أولئك الكفار عاد إلى ترغيب المؤمنين في قتالهم والاستفهام في ) ما لكم ( للإنكار والتوبيخ أي أي شئ يمنعكم عن ذلك ولاخلاف أن هذه الآية نزلت عتابا لمن تخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام والنفر هو الانتقال بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث قوله ) اثاقلتم إلى الأرض ( أصله تثاقلتم أدغمت التاء في الثاء لقربها منها وجيء بألف الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ومثله اداركوا واطيرتم واطيروا
وأنشد الكسائي توالى الضجيع إذا ما اشتاقها حضرا
عذب المذاق إذا ما اتابع القبل
وقرأ الأعمش ? تثاقلتم ? على الأصل ومعناه تباطأتم وعدى بإلى لتضمنه معنى الميل والإخلاد وقيل معناه ملتم إلى الإقامة بأرضكم والبقاءا فيها وقرىء ) اثاقلتم ( على الاستفهام ومعناه التوبيخ والعامل في الظرف ما في ) ما لكم ( من معنى الفعل كأنه قيل ما يمنعكم أو ما تصنعون إذا قيل لكم و ) إلى الأرض ( متعلق باثاقلتم وكما مر قوله ) أرضيتم بالحياة الدنيا ( أي بنعيمها بدلا من الآخرة كقوله تعالى ) ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ( أي بدلا منكم ومثله قول الشاعر قلبت لنا من ماء زمزم شربة
مبردة باتت على طهيان
أي بدلا من ماء زمزم والطهيان عود ينصب في ناحية الدار للهواء يعلق عليه الماء ليبرد ومعنى ) في الآخرة ( أي في جنب الآخرة وفي مقابلها ) إلا قليل ( أي إلا متاع حقير لا يعبأ به ويجوز أن يراد بالقليل العدم إذ


"""""" صفحة رقم 362 """"""
لا نسبة للمتناهى الزائل إلى غير المتناهي الباقي والظاهر أن هذا التثاقل لم يصدر من الكل إذ من البعيد أن يطبقو جميعا على التباطىء والتثاقل وإنما هو من باب نسبة ما يقع من البعض إلى الكل وهو كثير شائع
التوبة : ( 39 ) إلا تنفروا يعذبكم . . . . .
قوله ) إلا تنفروا يعذبكم ( هذا تهديد شديد ووعيد موكد لمن ترك النفير مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) يعذبكم عذابا أليما ( أي يهلككم بعذاب شديد مؤلم قيل في الدنيا فقط وقيل هو أعم من ذلك قوله ) ويستبدل قوما غيركم ( أي يجعل لرسله بدلا منكم ممن لا يتباطأ عند حاجتهم إليهم
واختلف في هؤلاء القوم من هم فقيل أهل اليمن وقيل أهل فارس ولا وجه للتعيين بدون دليل قوله ) ولا تضروه شيئا ( معطوف على ) يستبدل ( والضمير قيل لله وقيل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي ولا تضروا الله بترك امتثال أمره بالنفير شيئا أو لا تضروا رسول الله بترك نصره والنفير معه شيئا ) والله على كل شيء قدير ( ومن جملة مقدوراته تعذيبكم والاستبدال بكم
التوبة : ( 40 ) إلا تنصروه فقد . . . . .
قوله ) إلا تنصروه فقد نصره الله ( أي إن تركتم نصره فالله متكفل به فقد نصره في مواطن القلة وأظهره على عدوه بالغلبة والقهر أو فسينصره من نصره حين لم يكن معه إلا رجل واحد وقت إخراج الذين كفروا له حال كونه ) ثاني اثنين ( أي أحد اثنين وهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وقرئ بسكون الياء قال ابن جنى حكاها أبو عمرو بن العلاء ووجهها أن تسكن الياء تشبيها لها بالألف قال ابن عطية فهي كقراءة الحسن ما بقى من الربا وكقول جرير هو الخليفة فارضوا ما رضيه لكم
ماضي العزيمة ما في حكمه جنف
قوله ) إذ هما في الغار ( بدل من ) إذ أخرجه ( بدل بعض والغار ثقب في الجبل المسمى ثورا وهو المشهور بغار ثور وهو جبل قريب من مكة وقصة خروجه ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر ودخولهما الغار مشهورة مذكورة في كتب السير والحديث قوله ) إذ يقول لصاحبه ( بدل ثان أي وقت قوله لأبي بكر ) لا تحزن إن الله معنا ( أي دع الحزن فإن الله بنصره وعونه وتأييده معنا ومن كان الله معه فلن يغلب ومن لا يغلب فيحق له أن لا يحزن قوله ) فأنزل الله سكينته عليه ( السكينة تسكين جأشه وتأمينه حتى ذهب روعه وحصل له الأمن على أن الضمير في ) عليه ( لأبي بكر وقيل هو للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويكون المراد بالسكينة النازلة عليه عصمته عن حصول سبب من أسباب الخوف له ويؤيد كون الضمير في ) عليه ( للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) الضمير في ) وأيده بجنود لم تروها ( فإنه للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه المؤيد بهذه الجنود التى هى الملائكة كما كان في يوم بدر وقيل إنه لا محذور في رجوع الضمير من ) عليه ( إلى أبي بكر ومن ) وأيده ( إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإن ذلك كثير في القرآن وفي كلام العرب ) وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ( أي كلمة الشرك وهى دعوتهم إليه ونداؤهم للأصنام ) وكلمة الله هي العليا ( قرأ الأعمش ويعقوب بنصب كلمة حملا على جعل وقرأ الباقون برفعها على الاستئناف وقد ضعف قراءة النصب الفراء وأبو حاتم وفي ضمير الفصل أعني ) هي ( تأكيد لفضل كلمته في العلو وأنها المختصة به دون غيرها وكلمة الله هى كلمة التوحيد والدعوة إلى الإسلام ) والله عزيز حكيم ( أي غالب قاهر لا يفعل إلا ما فيه حكمة وصواب
التوبة : ( 41 ) انفروا خفافا وثقالا . . . . .
ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبة بالأمر الجزم فقال ) انفروا خفافا وثقالا ( أي حال كونكم خفافا وثقالا قيل المراد منفردين أو مجتمعين وقيل نشاطا وغير نشاط وقيل فقراء وأغنياء وقيل شبابا وشيوخا وقيل رجالا وفرسانا وقيل من لا عيال له ومن له


"""""" صفحة رقم 363 """"""
عيال وقيل من يسبق إلى الحرب كالطلائع ومن يتأخر كالجيش وقيل غير ذلك ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني لأن معنى الآية انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت قيل وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى ) ليس على الضعفاء ولا على المرضى ( وقيل الناسخ لها قوله ) فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ( الآية
وقيل هى محكمة وليست بمنسوخة ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله ) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ( وإخراج الضعيف والمريض بقوله ) ليس على الضعفاء ولا على المرضى ( من باب التخصيص
لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله ) خفافا وثقالا ( والظاهر عدم دخولهم تحت العموم قوله ) وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ( فيه الأمر بالجهاد بالأنفس والأموال وإيجابه على العباد فالفقراء يجاهدون بأنفسهم والأغنياء بأموالهم وأنفسهم والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدو ويدفعه فإن كان لا يقوم بالعدو إلا جميع المسلمين في قطر من الأرض أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى ما تقدم من الأمر بالنفير والأمر بالجهاد ) خير لكم ( أي خير عظيم في نفسه وخير من السكون والدعة ) إن كنتم تعلمون ( ذلك وتعرفون الأشياء الفاضلة وتميزونها عن المفضولة
التوبة : ( 42 ) لو كان عرضا . . . . .
قوله ) لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ( قال الزجاج لو كان المدعو إليه فحذف لدلالة ما تقدم عليه والعرض ما يعرض من منافع الدنيا والمعنى غنيمة قريبة غير بعيدة ) وسفرا قاصدا ( عطف على ما قبله أي سفرا متوسطا بين القرب والبعد وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد ) ولكن بعدت عليهم الشقة ( قال أبو عبيدة وغيره إن الشقة السفر إلى أرض بعيدة يقال منه شقة شاقة قال الجوهري الشقة بالضم من الثياب والشقة أيضا السفر البعيد وربما قالوه بالكسر والمراد بهذا غزوه تبوك فإنها كانت سفرة بعيده شاقة وقرأ عيسى بن عمر بعدت عليهم الشقة بكسر العين والشين ) وسيحلفون بالله ( أي المتخلفون عن عزوة تبوك حال كونكم قائلين ) لو استطعنا لخرجنا معكم ( أي لو قدرنا على الخروج ووجدنا ما نحتاج إليه فيه مما لا بد منه ) لخرجنا معكم ( هذه الجملة سادة مسد جواب القسم والشرط قوله ) يهلكون أنفسهم ( هو بدل من قوله ) سيحلفون ( لأن من حلف كاذبا فقد أهلك نفسه أو يكون حالا أي مهلكين أنفسهم موقعين لها موقع الهلاك ) والله يعلم إنهم لكاذبون ( في حلفهم الذى سيحلفون به لكم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد فى قوله ) يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا ( الآية قال هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وحين أمرهم بالنفير فى الصيف وحين خرفت النخل وطابت الثمار واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج فأنزل الله ) انفروا خفافا وثقالا ( وأخرج أبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ( قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استنفر حيا من أحياء العرب فتثاقلوا عنه فأنزل الله هذه الآية فأمسك عنهم المطر فكان ذلك عذابهم وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال لما نزلت ) إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ( وقد كان تخلف عنه أناس في البدو يفقهون قومهم فقال المؤمنون قد بقى ناس في البوادي وقالوا هلك أصحاب البوادي فنزلت ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ) إلا تنفروا ( الآية قال نسختها ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) إلا تنصروه فقد نصره الله ( قال ذكر ما كان من أول شأنه حين بعث يقول فأنا فاعل


"""""" صفحة رقم 364 """"""
ذلك به وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعروة أنهم ركبوا في كل وجه يعني المشركين يطلبون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون لهم الحمل العظيم وأتوا على ثور الجبل الذى فيه الغار والذي فيه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى طلعوا فوقه وسمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر أصواتهم فأشفق أبو بكر وأقبل عليه الهم والخوف فعند ذلك يقول له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لا تحزن إن الله معنا ( ودعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت عليه السكينة من الله فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين الآية وأخرج ابن شاهين وابن مردويه وابن عساكر عن حبشى بن جنادة قال قال أبو بكر يا رسول الله لو أن أحدا من المشركين رفع قدمه لأبصرنا فقال يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري في قوله ) إذ هما في الغار ( قال هو الغار الذى في الجبل الذى يسمى ثورا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس في قوله ) فأنزل الله سكينته عليه ( قال على أبي بكر لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم تزل معه السكينة وأخرج ابن مردويه عن أنس قال دخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكر غار حراء فقال أبو بكر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) لو أن أحدهم يبصر موضع قدمه لأبصرني وإياك فقال ( صلى الله عليه وسلم ) ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر إن الله أنزل سكينته عليك وأيدني بجنود لم يروها وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت ) فأنزل الله سكينته عليه ( قال على أبي بكر فأما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقد كانت عليه السكينة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله ) وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ( قال هى الشرك بالله ) وكلمة الله هي العليا ( قال لا إله إلا الله وأخرج الفريابي وأبو الشيخ عن أبي الضحى قال أول ما أنزل من براءة ) انفروا خفافا وثقالا ( ثم نزل أولها وآخرها وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي مالك نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) خفافا وثقالا ( قال نشاطا وغير نشاط وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم في الآية قال مشاغيل وغير مشاغيل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال في العسر واليسر وأخرج ابن المنذر عن زيد بن أسلم قال فتيانا وكهولا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عكرمة قال شبابا وشيوخا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال قالوا إن فينا الثقيل وذا الحاجة والضيعة والشغل فأنزل الله ) انفروا خفافا وثقالا ( وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقالا وعلى ما كان منهم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال جاء رجل زعموا أنه المقداد وكان عظيما سمينا فشكا إليه وسأله أن يأذن له فأبى فنزلت ) انفروا خفافا وثقالا ( فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله فقال ) ليس على الضعفاء ولا على المرضى ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قيل له ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب ابنة عظيم الروم فقال رجلان قد علمت يا رسول الله أن النساء فتنة فلا تفتنا بهن فأذن لنا فأذن لهما فلما انطلقنا قال أحدهما إن هو إلا شحمة لأول آكل فسار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم ينزل عليه شيء في ذلك فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المناة ) لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ( ونزل عليه ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( ونزل عليه ) إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ( ونزل عليه ) إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون ( وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) لو كان عرضا قريبا ( قال غنيمة قريبة ) ولكن بعدت عليهم الشقة (


"""""" صفحة رقم 365 """"""
قال المسير وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) والله يعلم إنهم لكاذبون ( قال لقد كانوا يستطيعون الخروج ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم وزهادة في الجهاد
سورة براءة الآية ( 43 49 )
التوبة : ( 43 ) عفا الله عنك . . . . .
الاستفهام في ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( للإنكار من الله تعالى على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) حيث وقع منه الإذن لما استأذنه في القعود قبل أن يتبين من هو صادق منهم في عذره الذى أبداه ومن هو كاذب فيه
وفي ذكر العفو عنه ( صلى الله عليه وسلم ) ما يدل على أن هذا الإذن الصادر منه كان خلاف الأولى وفي هذا عتاب لطيف من الله سبحانه وقيل إن هذا عتاب له ( صلى الله عليه وسلم ) في إذنه للمنافقين بالخروج معه لا في إذنه لهم بالقعود عن الخروج والأول أولى وقد رخص له سبحانه في سورة النور بقوله ) فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ( ويمكن أن يجمع بين الآيتين بأن العتاب هنا متوجه إلى الإذن قبل الاستثبات حتى يتبين الصادق من الكاذب والإذن هنالك متوجه إلى الإذن بعد الاستثبات والله أعلم وقيل إن قوله ) عفا الله عنك ( هى افتتاح كلام كما تقول أصلحك الله وأعزك ورحمك كيف فعلت كذا وكذا حكاه مكي والنحاس والمهدوي وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على عفا الله عنك وعلى التأويل الأول لا يحسن ولا يخفاك أن التفسير الأول هو المطابق لما يقتضيه اللفظ على حسب اللغة العربية ولا وجه لإخراجه عن معناه العربي
وفي الآية دليل على جواز الاجتهاد منه ( صلى الله عليه وسلم ) والمسألة مدونة في الأصول وفيها أيضا دلالة على مشروعية الاحتراز عن العجلة والاغترار بظواهر الأمور و ) حتى ( في ) حتى يتبين لك الذين صدقوا ( للغاية كأنه قيل لم سارعت إلى الإذن لهم وهلا تأنيث حتى يتبين لك صدق من هو صادق منهم في العذر الذى أبداه وكذب من هو كاذب منهم في ذلك
التوبة : ( 44 ) لا يستأذنك الذين . . . . .
ثم ذكر سبحانه أنه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في القعود عن الجهاد بل كان من عادتهم أنه ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أذن لواحد منهم بالقعود شق عليه ذلك فقال ) لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا ( وهذا على أن معنى الآية


"""""" صفحة رقم 366 """"""
أن لا يجاهدوا على حذف حرف النفي وقيل المعنى لا يستأذنك المؤمنون في التخلف كراهة الجهاد وقيل إن معنى الاستئذان في الشيء الكراهة له وأما على ما يقتضيه ظاهر اللفظ فالمعنى لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف
قال الزجاج أن يجاهدوا في موضع نصب بإضمار في أي في أن يجاهدوا ) والله عليم بالمتقين ( وهم هؤلاء الذين لم يستأذنوا
التوبة : ( 45 ) إنما يستأذنك الذين . . . . .
) إنما يستأذنك ( في القعود عن الجهاد والتخلف عنه ) الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ( وهم المنافقون وذكر الإيمان بالله أولا ثم باليوم الآخر ثانيا في الموضعين لأنهما الباعثان على الجهاد في سبيل الله
قوله ) وارتابت قلوبهم ( عطف على قوله ) الذين لا يؤمنون ( وجاء بالماضي للدلالة على تحقق الريب في قلوبهم وهو الشك قوله ) فهم في ريبهم يترددون ( أي في شكهم الذى حل بقلوبهم يتحيرون والتردد التحير
والمعنى فهؤلاء الذين يستأذنونك ليسوا بمؤمنين بل مرتابين حائرين لا يهتدون إلى طريق الصواب ولا يعرفون الحق
التوبة : ( 46 ) ولو أرادوا الخروج . . . . .
قوله ) ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ( أي لو كانوا صادقين فيما يدعونه ويخبرونك به من أنهم يريدون الجهاد معك ولكن لم يكن معهم من العدة للجهاد ما يحتاج إليه لما تركوا إعداد العدة وتحصيلها قبل وقت الجهاد كما يستعد لذلك المؤمنون فمعنى هذا الكلام أنهم لم يريدوا الخروج أصلا ولا استعدوا للغزو
والعدة ما يحتاج إليه المجاهد من الزاد والراحلة والسلاح قوله ) ولكن كره الله انبعاثهم ( أي ولكن كره الله خروجهم فتثبطوا عن الخروج فيكون المعنى ما خرجوا ولكن تثبطوا لأن كراهة الله انبعاثهم تستلزم تثبطهم عن الخروج والانبعاث الخروج أي حبسهم الله عن الخروج معك وخذلهم لأنهم قالوا إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرضنا على المؤمنين وقيل المعنى لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن ما أرادوه لكراهة الله له قوله ) وقيل اقعدوا مع القاعدين ( قيل القائل لهم هو الشيطان بما يلقيه إليهم من الوسوسة وقيل قاله بعضهم لبعض وقيل قاله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) غضبا عليهم وقيل هو عبارة عن الخذلان أي أوقع الله في قلوبهم القعود خذلانا لهم ومعنى ) مع القاعدين ( أي مع أولى الضرر من العميان والمرضى والنساء والصبيان وفيه من الذم لهم والإزراء عليهم والتنقص بهم ما لا يخفى
التوبة : ( 47 ) لو خرجوا فيكم . . . . .
قوله ) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ( هذه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين عن تخلف المنافقين والخبال الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف قيل هذا الاستثناء منقطع أي ما زادوكم قوة ولكن طلبوا الخبال وقيل المعنى لا يزيدونكم فيما ترددون فيه من الرأي إلا خبالا فيكون متصلا وقيل هو استثناء من أعم العام أي ما زادوكم شيئا إلا خبالا فيكون الاستثناء من قسم المتصل لأن الخبال من جملة ما يصدق عليه الشئ قوله ) ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة ( الإيضاع سرعة السير ومنه قوله ورقة بن نوفل يا ليتني فيها جذع
أخب فيها وأضع
يقال أوضع البعير إذا أسرع السير وقيل الإيضاع سير الخبب والخلل الفرجة بين الشيئين والجمع الخلال أي الفرج التى تكون بين الصفوف والمعنى لسعوا بينكم بالإفساد بما يختلقونه من الأكاذيب المشتملة على الإرجاف والنمائم الموجبة لفساد ذات البين قوله ) يبغونكم الفتنة ( يقال بغيته كذا طلبته له وأبغيته كذا أعنته على طلبه والمعنى يطلبون لكم الفتنة في ذات بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد وقيل الفتنة هنا الشرك وجملة ) وفيكم سماعون لهم ( في محل نصب على الحال أي والحال أن فيكم من يستمع ما يقولونه من الكذب فينقله إليكم فيتأثر من ذلك الاختلاف بينكم والفساد لإخوانكم ) والله عليم بالظالمين ( وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم فلذلك اقتضت حكمته البالغة أن لا يخرجوا معكم وكره انبعاثهم معكم ولا ينافي حالهم هذا


"""""" صفحة رقم 367 """"""
لو خرجوا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما تقدم من عتابه على الإذن لهم في التخلف لأنه سارع إلى الإذن لهم ولم يكن قد علم من أحوالهم لو خرجوا أنهم يفعلون هذه الأفاعيل فعوتب ( صلى الله عليه وسلم ) على تسرعه إلى الإذن لهم قبل أن يتبين له الصادق منهم في عذره من الكاذب ولهذا قال الله سبحانه فيما يأتي في هذه السورة ) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ( الآية وقال في سورة الفتح ) سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم ( إلى قوله ) قل لن تتبعونا )
التوبة : ( 48 ) لقد ابتغوا الفتنة . . . . .
قوله ) لقد ابتغوا الفتنة من قبل ( أي لقد طلبوا الإفساد والخبال وتفريق كلمة المؤمنين وتشتيت شملهم من قبل هذه الغزوة التى تخلفوا عنك فيها كما وقع من عبد الله بن أبي وغيره ) ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ( قوله ) وقلبوا لك الأمور ( أي صرفوها من أمر إلى أمر ودبروا لك الحيل والمكائد ومنه قول العرب حول قلب إذا كان دائرا حول المكائد والحيل يدير الرأي فيها ويتدبره وقرئ ) وقلبوا ( بالتخفيف ) حتى جاء الحق ( أي إلى غاية هى مجيء الحق وهو النصر لك والتأييد ) وظهر أمر الله ( بإعزاز دينه وإعلاء شرعه وقهر أعدائه وقيل الحق القرآن ) وهم كارهون ( أي والحال أنهم كارهون لمجيء الحق وظهور أمر الله ولكن كان ذلك على رغم منهم
التوبة : ( 49 ) ومنهم من يقول . . . . .
) ومنهم ( أي من المنافقين ) من يقول ( لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ائذن لي ( في التخلف عن الجهاد ) ولا تفتني ( أي لا توقعني في الفتنة أي الإثم إذا لم تأذن لي فتخلفت بغير إذنك وقيل معناه لا توقعني في الهلكة بالخروج ) ألا في الفتنة سقطوا ( أي في نفس الفتنة سقطوا وهى فتنة التخلف عن الجهاد والاعتذار الباطل والمعنى أنهم ظنوا أنهم بالخروج أو بترك الإذن لهم يقعون في الفتنة وهم بهذا التخلف سقطوا في الفتنة العظيمة وفى التعبير بالسقوط ما يشعر بأنهم وقعوا فيها وقوع من يهوى من أعلى إلى أسفل وذلك أشد من مجرد الدخول في الفتنة ثم توعدهم على ذلك فقال ) وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ( أي مشتملة عليهم من جميع الجوانب لا يجدون عنها مخلصا ولا يتمكنون من الخروج منها بحال من الأحوال
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير عن عمرو بن ميمون قال اثنتان فعلهما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يؤمر فيهما بشيء إذنه للمنافقين وأخذه من الأسارى فأنزل الله ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عون بن عبد الله قال سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) عفا الله عنك ( الآية قال ناس قالوا استأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( الثلاث الآيات قال نسخها ) فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عنه في قوله ) لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله ( الآية قال هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذر وعذر الله المؤمنين فقال ) فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ( وأخرج أبو عبيد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عنه أيضا في قوله ) لا يستأذنك ( الآيتين قال نسختها الآية التى في سورة النور ) إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ( إلى ) إن الله غفور رحيم ( فجعل الله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأعلى النظرين في ذلك من غزا غزا في فضيلة ومن قعد قعد في غير حرج إن شاء الله وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) ولكن كره الله انبعاثهم ( قال خروجهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فثبطهم ( قال حبسهم وأخرج


"""""" صفحة رقم 368 """"""
ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ( قال هؤلاء المنافقون في غزوة تبوك وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) ولأوضعوا خلالكم ( قال لأسرعوا بينكم واخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ولا أو ضعوا خلالكم قال لأرفضوا ) يبغونكم الفتنة ( يبطئونكم عبد الله بن نبتل وعبد الله بن أبي بن سلول ورفاعة بن تابوت وأوس بن قيظي ) وفيكم سماعون لهم ( محدثون لهم بأحاديثكم غير منافقين وهم عيون للمنافقين وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ابن عباس قال لما أراد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخرج إلى غزوة تبوك قال لجد بن قيس يا جد بن قيس ما تقول في مجاهدة بني الأصفر فقال يا رسول الله إني امرؤ صاحب نساء ومتى أرى نساء بني الأصفر أفتتن فأذن لي ولا تفتني فأنزل الله ) ومنهم من يقول ائذن لي ( الآية وأخرج وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله نحوه وأخرج ابن مردويه عن عائشة نحوه أيضا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تفتني ( قال لا تخرجني ) ألا في الفتنة سقطوا ( يعني في الخروج وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ولا تفتني ( قال لا تؤثمني ) ألا في الفتنة ( قال ألا في الإثم وقصة تبوك مذكورة في كتب الحديث والسير فلا نطول بذكرها
سورة براءة الآية ( 50 57 )
التوبة : ( 50 ) إن تصبك حسنة . . . . .
قوله ) إن تصبك حسنة ( أي حسنة كانت بأي سبب اتفق كما يفيده وقوعها في حيز الشرط وكذلك القول في المصيبة وتدخل الحسنة والمصيبة الكائنة في القتال كما يفيده السياق دخولا أوليا فمن جملة ما تصدق عليه الحسنة الغنيمة والظفر ومن جملة ما تصدق عليه المصيبة الخيبة والانهزام وهذا ذكر نوع آخر من خبث ضمائر


"""""" صفحة رقم 369 """"""
المنافقين وسوء أفعالهم والإخبار بعظيم عداوتهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين فإن المساءة بالحسنة والفرح بالمصيبة من أعظم ما يدل على أنهم في العداوة قد بلغوا إلى الغاية ومعنى ) تولوا ( رجعوا إلى أهلهم عن مقامات الاجتماع ومواطن التحدث حال كونهم فرحين بالمصيبة التى أصابت المؤمنين ومعنى قولهم ) قد أخذنا أمرنا من قبل ( أي احتطنا لأنفسنا وأخذنا بالحزم فلم نخرج إلى القتال كما خرج المؤمنون حتى نالهم ما نالهم من المصيبة
التوبة : ( 51 ) قل لن يصيبنا . . . . .
ثم لما قالوا هذا القول أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يجيب عليهم بقوله ) لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ( أي في اللوح المحفوظ أو في كتابه المنزل علينا وفائدة هذا الجواب أن الإنسان إذا علم أن ما قدره الله كائن وأن كل ما ناله من خير أو شر إنما هو بقدر الله وقضائه هانت عليه المصائب ولم يجد مرارة شماتة الأعداء وتشفي الحسدة ) هو مولانا ( أي ناصرنا وجاعل العاقبة لنا ومظهر دينه على جميع الأديان والتوكل على الله تفويض الأمور إليه والمعنى أن من حق المؤمنين أن يجعلوا توكلهم مختصا بالله سبحانه لا يتوكلون على غيره وقرأ طلحة بن مصرف ) يصيبنا ( بتشديد الياء وقرأ أعين قاضى الرى ) يصيبنا ( بنون مشددة وهو لحن لأن الخبر لا يؤكد ورد بمثل قوله تعالى ) هل يذهبن كيده ما يغيظ ( وقال الزجاج معناه لايصيبنا إلا ما اختصنا الله من النصرة عليكم أو الشهادة وعلى هذا القول يكون قوله ) قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ( تكريرا لغرض التأكيد والأول أولى حتى يكون كل واحد من الجوابين اللذين أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب عليهم بهما مفيدا لفائدة غير فائدة الآخر والتأسيس خير من التأكيد
التوبة : ( 52 ) قل هل تربصون . . . . .
ومعنى ) هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ( هل تنتظرون بنا إلا إحدى الخصلتين الحسنيين إما النصرة أو الشهادة وكلاهما مما يحسن لدينا والحسنى تأنيث الأحسن ومعنى الاستفهام التقريع والتوبيخ ) ونحن نتربص بكم ( إحدى المساءتين لكم إما ) أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ( أي قارعة نازلة من السماء فيسحتكم بعذابه ) أو ( بعذاب لكم ) بأيدينا ( أي بإظهار الله لنا عليكم بالقتل والأسر والنهب والسبي والفاء في فتربصوا فصيحة والأمر للتهديد كما في قوله ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( أي تربصوا بنا ما ذكرنا من عاقبتنا فنحن معكم متربصون ما هو عاقبتكم فستنظرون عند ذلك ما يسرنا ويسوؤكم وقرأ البزى وابن فليح ) هل تربصون ( بإظهار اللام وتشديد التاء وقرأ الكوفيون بإدغام اللام في التاء وقرأ الباقون بإظهار اللام وتخفيف التاء
التوبة : ( 53 ) قل أنفقوا طوعا . . . . .
قوله ) قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ( هذا الأمر معناه الشرط والجزاء لأن الله سبحانه لا يأمرهم بما لا يتقبله منهم والتقدير إن أنفقتم طائعين أو مكرهين فلن يتقبل منكم وقيل هو أمر في معنى الخبر أي أنفقتم طوعا أو كرها لن يتقبل منكم فهو كقوله ) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ( وفيه الإشعار بتساوي الأمرين في عدم القبول وانتصاب طوعا أو كرها على الحال فهما مصدران في موقع المشتقين أي أنفقوا طائعين من غير أمر من الله ورسوله أو مكرهين بأمر منهما وسمى الأمر منهما إكراها لأنهم منافقون لا يأتمرون بالأمر فكانوا بأمرهم الذى لا يأتمرون به كالمكرهين على الإنفاق أو طائعين من غير إكراه من رؤسائكم أو مكرهين منهم وجملة ) إنكم كنتم قوما فاسقين ( تعليل لعدم قبول إنفاقهم والفسق التمرد والعتو وقد سبق بيانه لغة وشرعا
التوبة : ( 54 ) وما منعهم أن . . . . .
ثم بين سبحانه السبب المانع من قبول نفقاتهم فقال ) وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ( أي كفرهم بالله وبرسوله جعل المانع من القبول ثلاثة أمور الأول الكفر الثاني أنهم لا يصلون في حال من الأحوال إلا في حال الكسل والتثاقل لأنهم لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا فصلاتهم ليست إلا رياء للناس وتظهرا بالإسلام الذى يبطنون خلافه والثالث أنهم لا ينفقون أموالهم إلا وهم كارهون ولا ينفقونها طوعا لأنهم يعدون إنفاقها وضعا لها في مضيعة لعدم إيمانهم بما وعد الله ورسوله
التوبة : ( 55 ) فلا تعجبك أموالهم . . . . .
قوله ) فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ( الإعجاب بالشيء أن يسر به سرورا راض به


"""""" صفحة رقم 370 """"""
متعجب من حسنه قيل مع نوع من الافتخار واعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه والمعنى لا تستحسن ما معهم من الأموال والأولاد ) إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ( بما يحصل معهم من الغم والحزن عند أن يغنمها المسلمون ويأخذوها قسرا من أيديهم مع كونها زينة حياتهم وقرة أعينهم وكذا في الآخرة يعذبهم بعذاب النار بسبب عدم الشكر لربهم الذى أعطاهم ذلك وترك ما يجب عليهم من الزكاة فيها والتصدق بما يحق التصدق به وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة لأنهم منافقون فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون قوله ) وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( الزهوق الخروج بصعوبة والمعنى أن الله يريد أن تزهق أنفسهم وتخرج أرواحهم حال كفرهم لعدم قبولهم لما جاءت به الأنبياء وأرسلت به الرسل وتصميمهم على الكفر وتماديهم في الضلالة
التوبة : ( 56 ) ويحلفون بالله إنهم . . . . .
ثم ذكر الله سبحانه نوعا آخر من قبائح المنافقين فقال ) ويحلفون بالله إنهم لمنكم ( أي من جملتكم في دين الإسلام والانقياد لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولكتاب الله سبحانه ) وما هم منكم ( في ذلك إلا بمجرد ظواهرهم دون بواطنهم ) ولكنهم قوم يفرقون ( أي يخافون أن ينزل بهم ما نزل بالمشركين من القتل والسبي فيظهرون لكم الإسلام تقية منهم لا عن حقيقة
التوبة : ( 57 ) لو يجدون ملجأ . . . . .
) لو يجدون ملجأ ( يلتجئون إليه ويحفظون نفوسهم فيه منكم من حصن أو غيره ) أو مغارات ( جمع مغارة من غار يغير قال الأخفش ويجوز أن يكون من أغار يغير والمغارات الغيران والسراديب وهى المواضع التى يستتر فيها ومنه غار الماء وغارت العين والمعنى لو وجدوا أمكنة يغيبون فيها أشخاصهم هربا منكم ) أو مدخلا ( من الدخول أي مكانا يدخلون فيه من الأمكنة التى ليست مغارات قال النحاس الأصل فيه متدخل قلبت التاء دالا وقيل أصله مدتخل وقرأ أبي متدخلا وروى عنه أنه قرأ مندخلا بالنون وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن ) أو مدخلا ( بفتح الميم وإسكان الدال قال الزجاج ويقرأ ) أو مدخلا ( بضم الميم وإسكان الدال وقرأ الباقون بتشديد الدال مع ضم الميم ) لولوا إليه ( أي لالتجئوا إليه وأدخلوا أنفسهم فيه و الحال أن ) وهم يجمحون ( أي يسرعون إسراعا لا يردهم شيء من جمح الفرس إذا لم يرده اللجام ومنه قول الشاعر سبوح جموح وإحضارها
كمعمعة السعف الموقد
والمعنى لو وجدوا شيئا من هذه الأشياء المذكورة لولوا إليه مسرعين هربا من المسلمين
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أخبار السوء يقولون إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل الله ) إن تصبك حسنة تسؤهم ( الآية وأخرج سنيد وابن جرير عن ابن عباس ) إن تصبك حسنة تسؤهم ( يقول إن يصبك في سفرك هذه الغزوة تبوك حسنة تسؤهم قال الجد وأصحابه يعني الجد بن قيس وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ( قال إلا ما قضى الله لنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ) هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ( قال فتح أو شهادة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله ) أو بأيدينا ( قال القتل بالسيوف وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال الجد بن قيس إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ولكن أعينك بمالي قال ففيه نزلت ) قل أنفقوا طوعا أو كرها ( الآية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فلا تعجبك أموالهم ( قال هذه من تقاديم الكلام يقول لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال إنما يريد الله ليعذبهم بها


"""""" صفحة رقم 371 """"""
فى الآخرة وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وتزهق أنفسهم وهم كافرون ( قال تزهق أنفسهم في الحياة الدنيا ) وهم كافرون ( قال هذه آية فيها تقديم وتأخير وأخرج أبو حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) فلا تعجبك ( يقول لا يغررك ) وتزهق ( قال تخرج أنفسهم قال في الدنيا وهم كافرون وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) لو يجدون ملجأ ( الآية قال الملجأ الحرز في الجبال والمغارات الغيران والمدخل السرب وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي ) وهم يجمحون ( قال يسرعون
سورة براءة الآية ( 58 60 )
التوبة : ( 58 ) ومنهم من يلمزك . . . . .
قوله ) ومنهم من يلمزك ( هذا ذكر نوع آخر قبائحهم يقال لمزه يلمزه إذا عابه قال الجوهري اللمز العيب وأصله الإشارة بالعين ونحوها وقد لمزه يلمزه ويلمزه ورجل لماز ولمزة أي عياب قال الزجاج لمزت الرجل ألمزه وألمزه بكسر الميم وضمها إذا عبته وكذا همزته ومعنى الآية ومن المنافقين من يعيبك في الصدقات أي في تفريقها وقسمتها وروى عن مجاهد أنه قال معنى ) يلمزك ( يرزؤك ويسألك والقول عند أهل اللغة هو الأول كما قال النحاس وقريء يلمزك بضم الميم ويلمزك بكسرها مع التشديد وقرأ الجمهور بكسرها مخففة ) فإن أعطوا منها ( أي من الصدقات بقدر ما يريدون ) رضوا ( بما وقع من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يعيبوه وذلك لأنه لا مقصد لهم إلا حطام الدنيا وليسوا من الدين في شيء ) وإن لم يعطوا منها ( أي من الصدقات ما يريدونه ويطلبونه ) إذا هم يسخطون ( أي وإن لم يعطوا فاجئوا السخط وفائدة إذا الفجائية أن الشرط مفاجيء للجزاء وهاجم عليه وقد نابت إذا الفجائية مناب فاء الجزاء
التوبة : ( 59 ) ولو أنهم رضوا . . . . .
) ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ( أي ما فرضه الله لهم وما أعطاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الصدقات وجواب لو محذوف أي لكان خيرا لهم فإن فيما أعطاهم الخير العاجل والآجل ) وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله ( أي قالوا هذه المقالة عند أن أعطاهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما هو لهم أي كفانا الله سيعطينا من فضله ويعطينا رسوله بعد هذا ما نرجوه ونؤمله ) إنا إلى الله راغبون ( في أن يعطينا من فضله ما نرجوه
التوبة : ( 60 ) إنما الصدقات للفقراء . . . . .
قوله ) إنما الصدقات للفقراء ( لما لمز المنافقون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قسمة الصدقات بين الله لهم مصرفها دفعا لطعنهم وقطعا لشغبهم و ) إنما ( من صيغ القصر وتعريف الصدقات للجنس أي جنس هذه الصدقات مقصور على هذه الأصناف المذكورة لا يتجاوزها بل هى لهم لا لغيرهم
وقد اختلف أهل العلم هل يجب تقسيط الصدقات على هذه الأصناف الثمانية أو يجوز صرفها إلى البعض


"""""" صفحة رقم 372 """"""
دون البعض على حسب ما يراه الإمام أو صاحب الصدقة فذهب إلى الأول الشافعي وجماعة من أهل العلم وذهب إلى الثاني مالك وأبو حنيفة وبه قال عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون بن مهران قال ابن جرير وهو قول عامة أهل العلم احتج الأولون بما في الآية من القصر وبحديث زياد بن الحرث الصدائي عند أبي داود والدارقطني قال أتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فبايعته فأتى رجل فقال أعطني من الصدقة فقال له إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أصناف فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك وأجاب الآخرون بأن ما في الآية من القصر إنما هو لبيان الصرف والمصرف لا لوجوب استيعاب الأصناف وبأن في إسناد الحديث عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف
ومما يؤيد ما ذهب إليه الآخرون قوله تعالى ) إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ( والصدقة تطلق على الواجبة كما تطلق على المندوبة وصح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم وقد ادعى مالك الإجماع على القول الآخر قال ابن عبد البر يريد إجماع الصحابة فإنه لا يعلم له مخالفا منهم قوله ) للفقراء ( قدمهم لأنهم أحوج من البقية على المشهور لشدة فاقتهم وحاجتهم
وقد اختلف أهل العلم في الفرق بين الفقير والمسكين على أقوال فقال يعقوب بن السكيت والقتيبي ويونس ابن حبيب إن الفقير أحسن حالا من المسكين قالوا لأن الفقير هو الذى له بعض ما يكفيه ويقيمه والمسكين الذى لا شيء له وذهب إلى هذا قوم من أهل الفقه منهم أبو حنيفة وقال آخرون بالعكس فجعلوا المسكين أحسن حالا من الفقير واحتجوا بقوله تعالى ) أما السفينة فكانت لمساكين ( فأخبر أن لهم سفينة من سفن البحر وربما ساوت جملة من المال ويؤيده تعوذ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الفقر مع قوله اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا وإلى هذا ذهب الأصمعي وغيره من أهل اللغة وحكاه الطحاوي عن الكوفيين وهو أحد قولي الشافعي وأكثر أصحابه وقال قوم إن الفقير والمسكين سواء لا فرق بينهما وهو أحد قولي الشافعي وإليه ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك وبه قال أبو يوسف وقال قوم الفقير المحتاج المتعفف والمسكين السائل قاله الأزهري واختاره ابن شعبان وهو مروي عن ابن عباس وقد قيل غير هذه الأقوال مما لا يأتي الاستكثار منه بفائدة يعتد بها والأولى في بيان ماهية المسكين ما ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يسأل الناس شيئا قوله ) والعاملين عليها ( أي السعاة والجباة الذين يبعثهم الإمام لتحصيل الزكاة فإنهم يستحقون منها قسطا
وقد اختلف في القدر الذى يأخذونه منها فقيل الثمن روى ذلك عن مجاهد والشافعي وقيل على قدر أعمالهم من الأجرة روى ذلك عن أبي حنيفة وأصحابه وقيل يعطون من بيت المال قدر أجرتهم روى ذلك عن مالك ولا وجه لهذا فإن الله قد أخبر بأن لهم نصيبا من الصدقة فكيف يمنعون منها ويعطون من غيرها واختلفوا هل يجوز أن يكون العامل هاشميا أم لا فمنعه قوم وأجازه آخرون قالوا ويعطى من غير الصدقة قوله ) والمؤلفة قلوبهم ( هم قوم كانوا في صدر الإسلام فقيل هم الكفار الذين كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتألفهم ليسلموا وكانوا لا يدخلون في الإسلام بالقهر والسيف بل بالعطاء وقيل هم قوم أسلموا في الظاهر


"""""" صفحة رقم 373 """"""
ولم يحسن إسلامهم فكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتألفهم بالعطاء وقيل هم من أسلم من اليهود والنصارى وقيل هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع أعطاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليتألفوا أتباعهم على الإسلام وقد أعطى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جماعة ممن أسلم ظاهرا كأبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى أعطى كل واحد منهم مائة من الإبل تألفهم بذلك وأعطى آخرين دونهم
وقد اختلف العلماء هل سهم المؤلفة قلوبهم باق بعد ظهور الإسلام أم لا فقال عمر والحسن والشعبي قد انقطع هذا الصنف بعزة الإسلام وظهوره وهذا مشهور من مذهب مالك وأصحاب الرأي وقد ادعى بعض الحنفية أن الصحابة أجمعت على ذلك وقال جماعة من العلماء سهمهم باق لان الإمام ربما احتاج أن يتألف على الإسلام وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين قال يونس سألت الزهري عنهم فقال لا أعلم نسخ ذلك وعلى القول الأول يرجع سهمهم لسائر الأصناف قوله ) وفي الرقاب ( أي في فك الرقاب بأن يشترى رقابا ثم يعتقها روى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وبه قال مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وقال الحسن البصري ومقاتل بن حيان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والنخعي والزهري وابن زيد إنهم المكاتبون يعانون من الصدقة على مال الكتابة وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي ورواية عن مالك والأولى حمل ما في الآية على القولين جميعا لصدق الرقاب على شراء العبد وإعتاقه وعلى إعانة المكاتب على مال الكتابة قوله ) والغارمين ( هم الذين ركبتهم الذنوب ولا وفاء عندهم بها ولا خلاف في ذلك إلا من لزمه دين في سفاهة فإنه لا يعطى منها ولا من غيرها إلا أن يتوب وقد أعان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الصدقة من تحمل حمالة وأرشد إلى إعانته منها
قوله ) وفي سبيل الله ( هم الغزاة والمرابطون يعطون من الصدقة ما ينفقون في غزوهم ومرابطتهم وإن كانوا أغنياء وهذا قول أكثر العلماء وقال ابن عمر هم الحجاج والعمار وروى عن أحمد وإسحاق أنهما جعلا الحج من سبيل الله وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرا منقطعا به قوله ) وابن السبيل ( هو المسافر والسبيل الطريق ونسب إليها المسافر لملازمته إياها والمراد الذى انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده ومستقره فإنه يعطى منها وإن كان غنيا في بلده وإن وجد من يسلفه وقال مالك إذا وجد من يسلفه فلا يعطى قوله ) فريضة من الله ( مصدر مؤكد لأن قوله ) إنما الصدقات للفقراء ( معناه فرض الله الصدقات لهم
والمعنى أن كون الصدقات مقصورة على هذه الأصناف هو حكم لازم فرضه الله على عباده ونهاهم عن مجاوزته ) والله عليم ( بأحوال عباده ) حكيم ( في أفعاله وقيل إن ) فريضة ( منتصبة بفعل مقدر أي فرض الله ذلك فريضة قال في الكشاف فإن قلت لم عدل عن اللام إلى ) في ( في الأربعة الآخرة قلت للإيذان بأنها أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره وقيل النكتة في العدول أن الأصناف الأربعة الأول يصرف المال إليهم حتى ينصرفوا به كما شاءوا وفي الأربعة الأخيرة لا يصرف المال إليهم بل يصرف إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التى لأجلها استحقوا سهم الزكاة كذا قيل
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال بينما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التيمي فقال اعدل يا رسول الله فقال ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل فقال عمر بن الخطاب ائذن لي فأضرب عنقه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من


"""""" صفحة رقم 374 """"""
الدين كما يمرق السهم من الرمية الحديث حتى قال وفيهم نزلت ) ومنهم من يلمزك في الصدقات ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ومنهم من يلمزك ( قال يرزوك يسألك وأخرج ابن المنذري عن قتادة قال يطعن عليك وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال لما قسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) غنائم حنين سمعت رجلا يقول إن هذه لقسمة ما أريد بها الله فأتيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذكرت ذلك له فقال رحمة الله على موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ونزل ) ومنهم من يلمزك في الصدقات ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال نسخت هذه الآية كل صدقة في القرآن ) إنما الصدقات للفقراء ( الآية
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ عن حذيفة في قوله ) إنما الصدقات للفقراء ( الآية قال إن شئت جعلتها في صنف واحد من الأصناف الثمانية التى سمى الله أو صنفين أو ثلاثة وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية والحسن وعطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن المنذر والنحاس عن ابن عباس قال الفقراء فقراء المسلمين والمساكين الطوافون وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ عن قتادة قال الفقير الذى به زمانه والمسكين المحتاج الذى ليس به زمانة
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر في قوله ) إنما الصدقات للفقراء ( قال هم زمني أهل الكتاب وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) والعاملين عليها ( قال السعاة أصحاب الصدقة وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) والمؤلفة قلوبهم ( قال هم قوم كانوا يأتون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد أسلموا وكان يرضخ لهم من الصدقات فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيرا قالوا هذا دين صالح وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد قال بعث علي بن أبي طالب من اليمن إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذهيبة فيها تربتها فقسمها بين أربعة من المؤلفة الأقرع بن حابس الحنظلي وعلقمة بن علاثة العامري وعيينة بن بدر الفزاري وزيد الخيل الطائي فقالت قريش والأنصار يقسم بين صناديد أهل نجد ويدعنا فقال النبي صلى الله عليه وآله و سلم إنما أتألفهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الزهري أنه سئل عن المؤلفة قلوبهم قال من أسلم من يهودي أو نصراني قلت وإن كان موسرا قال وإن كان موسرا وأخرج هؤلاء عن أبي جعفر قال ليس اليوم مؤلفة قلوبهم وأخرج هؤلاء أيضا عن الشعبي مثله واخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله وفي الرقاب قال هم المكاتبون وأخرج ابن المنذر عن النخعي نحوه وأخرج أيضا عن عمر بن عبد الله قال سهم الرقاب نصفان نصف لكل مكاتب ممن يدعى الإسلام والنصف الآخر يشترى به رقاب ممن صلى وصام وقدم إسلامه من ذكر وأنثى يعتقون لله
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو عبيد وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يعطى الرجل من زكاته في الحج وأن يعتق منها رقبة وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري أنه سئل عن الغارمين قال أصحاب الدين وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر في قوله ) والغارمين ( قال هو الذى يسأل في دم أو جائحة تصيبه ) وفي سبيل الله ( قال هم المجاهدون ) وابن السبيل ( قال المنقطع به يعطى قدر ما يبلغه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ابن السبيل هو الضيف الفقير الذى ينزل بالمسلمين وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة العامل عليها أو الرجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه فأهدى منها لغني وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر عن


"""""" صفحة رقم 375 """"""
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي وأخرج أحمد عن رجل من بني بني هلال قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر مثله وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عدي بن الجيار قال أخبرني رجلان أنهما أتيا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فينا البصر وخفضه قرآنا جلدين فقال إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوى مكتسب
سورة براءة الآية ( 61 66 )
التوبة : ( 61 ) ومنهم الذين يؤذون . . . . .
قوله ) ومنهم ( هذا نوع آخر بما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) على وجه الطعن والذم هو أذن قال الجوهري يقال رجل أذن إذا كان يسمع مقال كل أحد يستوى فيه الواحد والجمع ومرادهم أقمأهم الله أنهم إذا آذوا النبي وبسطوا فيه ألسنهم وبلغه ذلك اعتذروا به وقبل ذلك منهم لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدقه أنه أذن مبالغة لأنهم سموه بالجارحة التى هى آلة السماع حتى كأن جملته أذن سامعة ونظيره قولهم للربيئة عين وإيذاؤهم له هو قوله ) هو أذن ( لأنهم نسبوه إلى أنه يصدق كل ما يقال له ولا يفرق بين الصحيح والباطل اغترارا منهم بحلمه عنهم وصفحه عن جناياتهم كرما وحلما وتغاضيا ثم أجاب الله عن قولهم هذا فقال ) قل أذن خير لكم ( بالإضافة على قراءة الجمهور وقرأ الحسن بالتنوين وكذا قرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه كأنه قيل نعم هو أذن ولكن نعم الأذن هو لكونه أذن خير لكم وليس بأذن في غير ذلك كقولهم رجل صدق يريدون الجودة والصلاح والمعنى أنه يسمع الخير ولا يسمع الشر وقريء ) آذن ( بسكون الذال وضمها ثم فسر كونه أذن خير بقوله ) يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ( أي يصدق بالله ويصدق المؤمنين لما علم فيهم من خلوص الإيمان فتكون اللام في ) للمؤمنين ( للتقوية كما قال الكوفيون أو متعلقة بمصدر محذوف كما قال المبرد وقرأ الجمهور ) ورحمة ( بالرفع عطف على أذن وقرأ حمزة بالخفض عطفا على خير والمعنى على القراءة


"""""" صفحة رقم 376 """"""
الأولى هو أنه أذن خير وأنه هو رحمة للمؤمنين وعلى القراءة الثانية أنه أذن خير وأذن رحمة قال النحاس
وهذا عند أهل العربية بعيد يعني قراءة الجر لأنه قد تباعد بين الاسمين وهذا يقبح في المخفوض والمعنى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أذن خير للمنافقين ) ورحمة ( لهم حيث لم يكشف أسرارهم ولافضحهم فكأنه قال هو أذن كما قلتم لكنه أذن خير لكم لا أذن سوء فسلم لهم قولهم فيه إلا أنه فسره بما هو مدح له وثناء عليه وإن كانوا قصدوا به المذمة والتقصير بفطنته ومعنى ) للذين آمنوا منكم ( أي الذين أظهروا الإيمان وإن لم يكونوا مؤمنين حقيقة ) والذين يؤذون رسول الله ( ( صلى الله عليه وسلم ) بما تقدم من قولهم هو أذن ونحو ذلك مما يصدق عليه أنه أذية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لهم عذاب أليم ( أي شديد الألم وقرأ ابن أبي عبلة ) ورحمة للمؤمنين ( بالنصب على أنها علة لمعلل محذوف أي ورحمة لكم يأذن لكم
التوبة : ( 62 ) يحلفون بالله لكم . . . . .
ثم ذكر أن من قبائح المنافقين إقدامهم على الإيمان الكاذبة فقال ) يحلفون بالله لكم ليرضوكم ( والخطاب للمؤمنين وذلك أن المنافقين كانوا في خلواتهم يطعنون على المؤمنين وعلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإذا بلغ ذلك إلى رسول الله وإلى المؤمنين جاء المنافقون فحلفوا على أنهم لم يقولوا ما بلغ عنهم قاصدين بهذه الأيمان الكاذبة أن يرضوا رسول الله ومن معه من المؤمنين فنعى الله ذلك عليهم وقال ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( أي هما أحق بذلك من إرضاء المؤمنين بالأيمان الكاذبة فإنهم لو اتقوا الله وآمنوا به وتركوا النفاق لكان ذلك أولى لهم وإفراد الضمير في يرضوه إما للتعظيم للجناب الإلهي بإفراده بالذكر أو لكونه لا فرق بين إرضاء الله وإرضاء رسوله فإرضاء الله إرضاء لرسوله أو المراد الله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك كما قال سيبويه ورجحه النحاس أو لأن الضمير موضوع موضع اسم الإشارة فإنه يشار به إلى الواحد المتعدد أو الضمير راجع إلى المذكور وهو يصدق عليهما وقال الفراء المعنى ورسوله أحق أن يرضوه والله افتتاح كلام كما تقول ما شاء الله وهذه الجملة أعنى ) والله ورسوله أحق أن يرضوه ( في محل نصب على الحال وجواب ) إن كانوا مؤمنين ( محذوف أي إن كانوا مؤمنين فليرضوا الله ورسوله
التوبة : ( 63 ) ألم يعلموا أنه . . . . .
قوله ) ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم ( قرأ الحسن وابن هرمز ألم تعلموا بالفوقية وقرأ الباقون بالتحتية والمحاددة وقوع هذا في حد وذلك في حد كالمشاققة يقال حاد فلان فلانا أي صار في حد غير حده ) فأن له نار جهنم ( قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنه خبر مبتدأ محذوف أي فحق أن له نار جهنم وقال الخليل وسيبويه إن ) إن ( الثانية مبدلة من الأولى وزعم المبرد أن هذا القول مردود وأن الصحيح ما قال الجرمي أن الثانية مكررة للتوكيد لما طال الكلام وقال الأخفش المعنى فوجوب النار له وأنكره المبرد وقال هذا خطأ من أجل أن ) إن ( المفتوحة المشددة لا يبتدأ بها ويضمر الخبر وقرئ بكسر الهمزة قال سيبويه وهى قراءة جيدة وأنشد وإني إذا ملت ركابي مناخها
فإني على حظى من الأمر جامح
وانتصاب خالدا على الحال والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما ذكر من العذاب وهو مبتدأ وخبره ) الخزي العظيم ( أي الخزي البالغ إلى الغاية التى لا يبلغ إليها غيره وهو الذل والهوان
التوبة : ( 64 ) يحذر المنافقون أن . . . . .
قوله ) يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة ( قيل هو خبر وليس بأمر وقال الزجاج معناه ليحذر فالمعنى على القول الأول أن المنافقين كانوا يحذرون نزول القرآن فيهم وعلى الثاني الأمر لهم بأن يحذروا ذلك وأن ) تنزل ( في موضع نصب أي من أن تنزل ويجوز على قول سيبويه أن يكون في موضع خفض على تقدير من وإعمالها ويجوز أن يكون النصب على المفعولية وقد أجاز سيبويه حذرت زيدا وأنشد


"""""" صفحة رقم 377 """"""
حذر أمورا لاتضير وآمن
ما ليس ينجيه من الأقدار
ومنع من النصب على المفعولية المبرد ومعنى ) عليهم ( أي على المؤمنين في شأن المنافقين على أن الضمير للمؤمنين والأولى أن يكون الضمير للمنافقين أي في شأنهم ) تنبئهم ( أي المنافقين ) بما في قلوبهم ( مما يسرونه فضلا عما يظهرونه وهم وإن كانوا عالمين بما في قلوبهم فالمراد من إنباء السورة لهم إطلاعهم على أن المؤمنين قد علموا بما في قلوبهم ثم أمر الله رسوله بأن يجيب عليهم فقال ) قل استهزؤوا إن الله مخرج ما تحذرون ( هو أمر تهديد أي افعلوا الاستهزاء إن الله مخرج ما تحذرون من ظهوره حتى يطلع عليه المؤمنون إما بإنزال سورة أو بإخبار رسوله بذلك أو نحو ذلك
التوبة : ( 65 ) ولئن سألتهم ليقولن . . . . .
قوله ) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ( أي ولئن سألتهم عما قالوه من الطعن في الدين وثلب المؤمنين بعد أن يبلغ إليك ذلك ويطلعك الله عليه ليقولن إنما كنا نخوض ونعلب ولم نكن في شيء من أمرك ولا أمر المؤمنين ثم أمره الله أن يجيب عنهم فقال ) قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ( والاستفهام للتقريع والتوبيخ وأثبت وقوع ذلك منهم ولم يعبأ بإنكارهم لأنهم كانوا كاذبين في الإنكار بل جعلهم كالمعترفين بوقوع ذلك منهم حيث جعل المستهزأ به والباء لحرف النفي فإن ذلك إنما يكون بعد وقوع الاستهزاء وثبوته
التوبة : ( 66 ) لا تعتذروا قد . . . . .
ثم قال ) لا تعتذروا ( نهيا لهم عن الاشتغال بالاعتذارات الباطنة فإن ذلك غير مقبول منهم وقد نقل الواحدي عن أئمة اللغة أن معنى الاعتذار محو أثر الذنب وقطعه من قولهم اعتذر المنزل إذا درس واعتذرت المياه إذا انقطعت ) قد كفرتم ( أي أظهرتم الكفر بما وقع منكم من الاستهزاء المذكور ) بعد إيمانكم ( أي بعد إظهاركم الإيمان مع كونكم تبطنون الكفر ) إن نعف عن طائفة منكم ( وهم من أخلص الإيمان وترك النفاق وتاب عنه قال الزجاج الطائفة في اللغة الجماعة قال ابن الأنباري ويطلق لفظ الجمع على الواحد عند العرب ) نعذب طائفة ( سبب ) إنهم كانوا مجرمين ( مصرين على النفاق لم يتوبوا منه قريء نعذب بالنون وبالتاء الفوقية على البناء للمفعول وبالتحتية على البناء للفاعل وهو الله سبحانه
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيجلس إليه فيسمع منه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين وهو الذى قال لهم إنما محمد أذن
من حدثه بشيء صدقه فأنزل الله فيه ) ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال اجتمع ناس من المنافقين فيهم خلاس بن سويد بن صامت ومخشى بن حمير ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنهى بعضهم بعضا وقالوا إنا نخاف أن يبلغ محمدا فيقع بكم فقال بعضهم إنما محمد أذن نحلف له فيصدقنا فنزل ) ومنهم الذين يؤذون النبي ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) هو أذن ( يعني أنه يسمع من كل أحد قال الله تعالى ) أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ( يعني يصدق بالله ويصدق المؤمنين وأخرج الطبراني وابن عساكر وابن مردويه عن عمير بن سعد قال في أنزلت هذه الآية ) ويقولون هو أذن ( وذلك أن عمير بن سعد كان يسمع أحاديث أهل المدينة فيأتي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيساره حتى كانوا يتأذون بعمير بن سعد وكرهوا مجالسته وقال ) هو أذن ( فأنزلت فيه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلا من المنافقين قال والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا ولئن كان ما يقول محمد حقا لهم شر من الحمير فسمعها رجل من المسلمين فقال والله إن ما يقول محمد لحق ولأنت شر من الحمار فسعى بها الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه


"""""" صفحة رقم 378 """"""
وآله وسلم فأخبره فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال ما حملك على الذى قلت فجعل يلتعن ويحلف بالله ما قال ذلك وجعل الرجل المسلم يقول اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب فأنزل الله في ذلك ) يحلفون بالله لكم ليرضوكم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي مثله وسمى الرجل المسلم عامر بن قيس من الأنصار وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك ) ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله ( يقول يعادي الله ورسوله وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) يحذر المنافقون ( الآية قال يقولون القول فيما بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا هذا وأخرج أبو نعيم في الحلية عن شريح بن عبيد أن رجلا قال لأبي الدرداء يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم وأعظم لقما إذا أكلتم فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه بشيء فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فانطلق عمر إلى الرجل الذى قال ذلك فقال بثوبه وخنقه وقاده إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال الرجل إنما كنا نخوض ونلعب فأوحى الله إلى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله ابن عمر قال قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فبلغ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ونزل القرآن قال عبد الله فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والحجارة تنكبه وهو يقول يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ) أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ( وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب في رواية مالك عن ابن عمر فقال رأيت عبد الله بن أبي وهو يشتد قدام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأحجار تنكبه وهو يقول يا محمد إنما كنا نخوض ونلعب والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ) أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال بينما رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين فقالوا أيرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها هيهات هيهات فأطلع الله نبيه على ذلك فقال نبي الله ( صلى الله عليه وسلم ) احبسوا علي هؤلاء الركب فأتاهم فقال قلتم كذا قالوا يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله فيهم ما تسمعون وقد روى نحو هذا من طرق عن جماعة من الصحابة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن نعف عن طائفة ( قال الطائفة الرجل والنفر
سورة براءة الآية ( 67 68 )


"""""" صفحة رقم 379 """"""
سورة براءة الآية ( 69 70 )
التوبة : ( 67 ) المنافقون والمنافقات بعضهم . . . . .
قوله ) المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ( ذكر هاهنا جملة أحوال المنافقين وأن ذكورهم في ذلك كإناثهم وأنهم متناهون في النفاق والبعد عن الإيمان وفيه إشارة إلى نفي أن يكونوا من المؤمنين ورد لقولهم ) ويحلفون بالله إنهم لمنكم ( ثم فصل ذلك المجمل ببيان مضادة حالهم لحال المنافقين فقال ) يأمرون بالمنكر ( وهو كل قبيح عقلا أو شرعا ) وينهون عن المعروف ( وهو كل حسن عقلا أو شرعا قال الزجاج هذا متصل بقوله ) ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ( أي ليسوا من المؤمنين ولكن بعضهم من بعض أي متشابهون في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف ) ويقبضون أيديهم ( أي يشحون فيما ينبغى إخراجه من المال في الصدقة والصلة والجهاد فالقبض كناية عن الشح كما أن البسط كناية عن الكرم والنسيان الترك أي تركوا ما أمرهم به فتركهم من رحمته وفضله لأن النسيان الحقيقي لا يصح إطلاقه على الله سبحانه وإنما أطلق عليه هنا من باب المشاكلة المعروفة في علم البيان ثم حكم عليهم بالفسق أي الخروج عن طاعة الله إلى معاصيه وهذا التركيب يفيد أنهم هم الكاملون في الفسق
التوبة : ( 68 ) وعد الله المنافقين . . . . .
ثم بين مآل حال أهل النفاق والكفر بأنه ) نار جهنم ( و ) خالدين فيها ( حال مقدرة أي مقدرين الخلود وفي هذه الآية دليل على أن وعد يقال في الشر كما يقال في الخير ) هي حسبهم ( أي كافيتهم لا يحتاجون إلى زيادة على عذابها و مع ذلك فقد ) لعنهم الله ( أي طردهم وأبعدهم من رحمته ) ولهم عذاب مقيم ( أي نوع آخر من العذاب دائم لا ينفك عنهم
التوبة : ( 69 ) كالذين من قبلكم . . . . .
قوله ) كالذين من قبلكم ( شبه حال المنافقين بالكفار الذين كانوا من قبلهم ملتفتا من الغيبة إلى الخطاب والكاف محلها رفع على خبرية مبتدأ محذوف أي أنتم مثل الذين من قبلكم أو محلها نصب أي فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم من الأمم وقال الزجاج التقدير وعد الله الكفار نار جهنم وعدا كما وعد الذين من قبلكم وقيل المعنى فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحذف المضاف ثم وصف حال أولئك الكفار الذين من قبلهم وبين وجه تشبيههم بهم وتمثيل حالهم بحالهم بأنهم كانوا أشد من هؤلاء المنافقين والكفار المعاصرين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا ( أي تمتعوا ) بخلاقهم ( أي نصيبهم الذى قدره الله لهم من ملاذ الدنيا ) فاستمتعتم ( أنتم ) بخلاقكم ( أ ي نصيبكم الذى قدره الله لكم ) كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم ( أي انتفعتم به كما انتفعوا به والغرض من هذا التمثيل ذم هؤلاء المنافقين والكفار بسبب مشابهتهم لمن قبلهم من الكفار في الاستمتاع بما رزقهم الله وقد قيل ما فائدة ذكر الاستمتاع بالخلاق في حق الأولين مرة ثم في حق المنافقين ثانيا ثم تكريره في حق الأولين ثالثا وأجيب بأنه تعالى ذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا وحرمانهم عن سعادة الآخرة بسبب استغراقهم في تلك الحظوظ فلما قرر تعالى هذا عاد فشبه حال المنافقين بحالهم فيكون ذلك نهاية في المبالغة قوله ) وخضتم كالذي خاضوا ( معطوف على ما قبله أي كالفوج الذى خاضوا أو كالخوض الذى خاضوا وقيل أصله كالذين فحذفت النون والأولى أن يقال إن الذى اسم موصول مثل من


"""""" صفحة رقم 380 """"""
وما يعبر به عن الواحد والجمع يقال خضت الماء أخوضه خوضا وخياضا والموضع مخاضة وهو ما جاز الناس فيه مشاة وركبانا وجمعها المخاض والمخاوض ويقال منه خاض القوم في الحديث وتخاوضوا فيه أي تفاوضوا فيه والمعنى خضتم في أسباب الدنيا واللهو واللعب وقيل في أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالتكذيب أي دخلتم في ذلك والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بهذه الأوصاف من المشبهين والمشبه بهم ) حبطت أعمالهم ( أي بطلت والمراد بالأعمال ما عملوه مما هو في صورة طاعة لا هذه الأعمال المذكورة هنا فإنها من المعاصي ومعنى ) في الدنيا والآخرة ( أنها باطلة على كل حال أما بطلانها في الدنيا فلأن ما يترتب على أعمالهم فيها لا يحصل لهم بل يصير ما يرجونه من الغني فقرا ومن العز ذلا ومن القوة ضعفا وأما في الآخرة فلأنهم يصيرون إلى عذاب النار ولا ينتفعون بشيء مما عملوه من الأعمال التى يظنونها طاعة وقربة ) وأولئك هم الخاسرون ( أي المتمكنون في الخسران الكاملون فيه في الدنيا والآخرة
التوبة : ( 70 ) ألم يأتهم نبأ . . . . .
) ألم يأتهم ( أي المنافقين ) نبأ الذين من قبلهم ( أي خبرهم الذى له شأن وهو ما فعلوه وما فعل بهم ولما شبه حالهم بحالهم فيما سلف على الإجمال في المشبه بهم ذكر منهم ههنا ست طوائف قد سمع العرب أخبارهم لأن بلادهم وهى الشام قريبة من بلاد العرب فالاستفهام للتقرير وأولهم قوم نوح وقد أهلكوا بالإغراق وثانيهم قوم عاد وقد أهلكوا بالريح العقيم وثالثهم قوم ثمود وقد أخذوا بالصيحة ورابعهم قوم إبراهيم وقد سلط الله عليهم البعوض وخامسهم أصحاب مدين وهم قوم شعيب وقد أخذتهم الرجفة
وسادسهم أصحاب المؤتفكات وهى قرى قوم لوط وقد أهلكهم الله بما أمطر عليهم من الحجارة وسميت مؤتفكات لأنها انقلبت بهم حتى صار عاليها سافلها والائتفاك الانقلاب ) أتتهم رسلهم بالبينات ( أي رسل هذه الطوائف الست وقيل رسل أصحاب المؤتفكات لأن رسولهم لوط وقد بعث إلى كل قرية من قراهم رسولا والفاء في ) فما كان الله ليظلمهم ( للعطف على مقدر يدل عليه الكلام أي فكذبوهم فأهلكهم الله فما ظلمهم بذلك لأنه قد بعث إليهم رسله فأنذروهم وحذروهم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( بسبب ما فعلوه من الكفر بالله وعدم الانقياد لأنبيائه وهذا التركيب يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان مستمرا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) يأمرون بالمنكر ( قال هو التكذيب قال وهو أنكر المنكر ) وينهون عن المعروف ( شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما أنزل الله وهو أعظم المعروف وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ويقبضون أيديهم ( قال لا يبسطونها بنفقة في حق وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) نسوا الله فنسيهم ( قال تركوا الله فتركهم من كرامته وثوابه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) كالذين من قبلكم ( قال صنيع الكفار كالكفار
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال ما أشبه الليلة بالبارحة ) كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة ( إلى قوله ) وخضتم كالذي خاضوا ( هؤلاء بنو إسرائيل أشبهناهم والذى نفسي بيده لنتبعنهم حتى لو دخل رجل جحر ضب لدخلتموه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) بخلاقهم ( قال بدينهم وأخرجا أيضا عن أبي هريرة قال الخلاق الدين وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) فاستمتعوا بخلاقهم ( قال بنصيبهم في الدنيا وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله ) وخضتم كالذي خاضوا ( قال لعبتم كالذى لعبوا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والمؤتفكات ( قال قوم لوط ائتفكت بهم أرضهم فجعل عاليها سافلها


"""""" صفحة رقم 381 """"""
سورة براءة الآية ( 71 72 )
التوبة : ( 71 ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم . . . . .
قوله ) بعضهم أولياء بعض ( أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحبابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله ثم ببين أوصافهم الحميدة كما بين أوصاف من قبلهم من المنافقين ) يأمرون بالمعروف ( أي بما هو معروف في الشرع غير منكر ومن ذلك توحيد الله سبحانه وترك عبادة غيره ) وينهون عن المنكر ( أي عما هو منكر في الدين غير معروف وخصص إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر من جملة العبادات لكونهما الركنين العظيمين فيما يتعلق بالأبدان والأموال وقد تقدم معنى هذا ) ويطيعون الله ( في صنع ما أمرهم بفعله أو نهاهم عن تركه والإشارة ب ) أولئك ( إلى المؤمنين والمؤمنات المتصفين بهذه الأوصاف والسين في ) سيرحمهم الله ( للمبالغة في إنجاز الوعد ) أن الله عزيز ( لا يغالب ) حكيم ( في أقواله وأفعاله
التوبة : ( 72 ) وعد الله المؤمنين . . . . .
ثم ذكر تفصيل ما يدخل تحت الرحمة إجمالا باعتبار الرحمة في الدار الآخرة فقال ) وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ( والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير ومعنى جرى الأنهار من تحت الجنات أنها تجرى تحت أشجارها وغرفها وقد تقدم تحقيقه في البقرة ) ومساكن طيبة ( أي منازل يسكنون فيها من الدر والياقوت و ) جنات عدن ( يقال عدن بالمكان إذا أقام به ومنه المعدن قيل هى أعلى الجنة وقيل أوسطها وقيل قصور من ذهب لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد وصف الجنة بأوصاف الأول جرى الأنهار من تحتها والثاني أنهم فيها خالدون والثالث طيب مساكنها والرابع أنها دار عدن أي إقامة غير منقطعة هذا على ما هو معنى عدن لغة وقيل هو علم والتنكير في رضوان للتحقير أي ) ورضوان ( حقير يستر ) من ( رضوان ) الله أكبر ( من ذلك كله الذى أعطاهم الله إياه وفيه دليل على أنه لا شيء من النعم وإن جلت وعظمت يماثل رضوان الله سبحانه وأن أدنى رضوان منه لا يساويه شيء من اللذات الجسمانية وإن كانت على غاية ليس وراءها غاية اللهم ارض عنا رضا لا يشوبه سخط ولا يكدره نكد يا من بيده الخير كله دقه وجله والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم مما وعد الله به المؤمنين والمؤمنات ) هو الفوز العظيم ( دون كل فوز مما يعده الناس فوزا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) يأمرون بالمعروف ( قال يدعون إلى الإيمان بالله ورسوله والنفقات في سبيل الله وما كان من طاعة الله ) وينهون عن المنكر ( عن الشرك والكفر قال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الله كتبها الله على المؤمنين وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) بعضهم أولياء بعض ( قال إخاؤهم في الله يتحابون بحلال الله والولاية لله وقد ثبت عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأحاديث ما هو معروف وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن تفسير قوله تعالى ) ومساكن طيبة في جنات عدن ( قالا على الخبير


"""""" صفحة رقم 382 """"""
سقطت سألنا عنها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال قصر من لؤلؤة في الجنة في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش امرأة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة في كل مائدة سبعون لونا من كل طعام في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة فيعطى المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك كله وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) جنات عدن ( قال معدن الرجل الذى يكون فيه وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال معدنهم فيها أبدا وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله ) ورضوان من الله أكبر ( يعني إذا أخبروا أن الله عنهم راض فهو أكبر عندهم من التحف والتسنيم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك قال أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا
سورة براءة الآية ( 73 74 )
التوبة : ( 73 ) يا أيها النبي . . . . .
الأمر للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بهذا الجهاد أمر لأمته من بعده وجهاد الكفار يكون بمقاتلتهم حتى تسلموا وجهاد المنافقين يكون بإقامة الحجة عليهم حتى يخرجوا عنه ويؤمنوا بالله وقال الحسن إن جهاد المنافقين بإقامة الحدود عليهم واختاره قتادة قيل في توجيهه إن المنافقين كانوا أكثر من يفعل موجبات الحدود
قال ابن العربي إن هذه دعوى لا برهان عليها وليس العاصي بمنافق إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق دائما لا بما تتلبس به الجوارح ظاهرا وأخبار المحدودين تشهد بسياقتها أنهم لم يكونوا منافقين قوله ) واغلظ عليهم ( الغلظ نقيض الرأفة وهو شدة القلب وخشونة الجانب قيل وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو والصلح والصفح
التوبة : ( 74 ) يحلفون بالله ما . . . . .
ثم ذكر من خصال المنافقين أنهم يحلفون الأيمان الكاذبة فقال ) يحلفون بالله ما قالوا )
سبب نزول الآية
وقد اختلف أئمة التفسير في سبب نزول هذه الآية فقيل نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت ووديعة بن ثابت وذلك أنه لما كثر نزول القرآن في غزوة تبوك في شأن المنافقين وذمهم فقالا لئن كان محمد صادقا على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا لنحن شر من الحمير فقال له عامر بن قيس أجل والله إن محمدا لصادق مصدق وإنك لشر من الحمار وأخبر عامر بذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجاء الجلاس فحلف بالله إن عامرا لكاذب وحلف عامر لقد قال وقال اللهم أنزل على نبيك شيئا فنزلت وقيل إن الذى سمع ذلك


"""""" صفحة رقم 383 """"""
عاصم بن عدي وقيل حذيفة وقيل بل سمعه ولد امرأته أي امرأة الجلاس واسمه عمير بن سعد فهم الجلاس بقتله لئلا يخبر بخبره وقيل إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبي رأس المنافقين لما قال ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكك و ) لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( فأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فجاء عبد الله بن أبي فحلف أنه لم يقله وقيل إنه قول جميع المنافقين وأن الآية نزلت فيهم وعلى تقدير أن القائل واحد أو اثنان فنسبة القول إلى جميعهم هى باعتبار موافقة من لم يقل ولم يحلف من المنافقين لمن قد قال وحلف ثم رد الله على المنافقين وكذبهم وبين أنهم حلفوا كذبا فقال ) ولقد قالوا كلمة الكفر ( وهى ما تقدم بيانه على اختلاف الأقوال السابقة ) وكفروا بعد إسلامهم ( أي كفروا بهذه الكلمة بعد إظهارهم للإسلام وإن كانوا كفارا في الباطن والمعنى أنهم فعلوا ما يوجب كفرهم على تقدير صحة إسلامهم قوله ) وهموا بما لم ينالوا ( قيل هو همهم بقتل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة العقبة في غزوة تبوك وقيل هموا بعقد التاج على رأس عبد الله بن أبي وقيل هو هم الجلاس بقتل من سمعه يقول تلك المقالة فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قوله ) وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ( أي وما عابوا وأنكروا إلا ما هو حقيق بالمدح والثناء وهو إغناء الله لهم من فضله والاستثناء مفرغ من أعم العام وهو من باب قول النابغة ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
ومن باب قول الشاعر ما نقموا من بني أمية إلا
أنهم يحلمون إن غضبوا
فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم وقد كان هؤلاء المنافقون في ضيق من العيش فلما قدم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة اتسعت معيشتهم وكثرت أموالهم قوله ) فإن يتوبوا يك خيرا لهم ( أي فإن تحصل منهم التوبة والرجوع إلى الحق يكن ذلك الذى فعلوه من التوبة خير لهم في الدين والدنيا وقد تاب الجلاس بن سويد وحسن إسلامه وفى ذلك دليل على قبول التوبة من المنافق والكافر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد اختلف العلماء في قبولها من الزنديق فمنع من قبولها مالك وأتباعه لأنه لا يعلم صحة توبته إذ هو في كل حين يظهر التوبة والإسلام ) وإن يتولوا ( أي يعرضوا عن التوبة والإيمان ) يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا ( بالقتل والأسر ونهب الأموال و في الآخرة بعذاب النار ) وما لهم في الأرض من ولي ( يواليهم ) ولا نصير ( ينصرهم
وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس والله لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير فسمعها عمير بن سعد فقال والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي أثرا وأعزهم على أن يدخل عليه شيء يكرهه ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني ولإحداهما أشد علي من الأخرى فمشى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر له ما قال الجلاس فحلف بالله ما قال ولكن كذب علي عمير فأنزل الله ) يحلفون بالله ما قالوا ( الآية
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك قال سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخطب إن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير قال زيد هو والله صادق وأنت شر من الحمار فرفع ذلك إلى النبي صلى الله


"""""" صفحة رقم 384 """"""
عليه وآله وسلم فجحد القائل فأنزل الله ) يحلفون بالله ما قالوا ( الآية وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جالسا في ظل شجرة فقال إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاءكم فلا تكلموه فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال علام تشتمني أنت وأصحابك فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم وأنزل الله ) يحلفون بالله ما قالوا ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال ذكر لنا أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة حلفاء الأنصار فظهر الغفاري على الجهنى فقال عبد الله بن أبي للأوس انصروا أخاكم والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك والله ) لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ( فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله فأنزل الله ) يحلفون بالله ( الآية وفي الباب أحاديث مختلفة في سبب نزول هذه الآية وفيما ذكرناه كفاية وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وهموا بما لم ينالوا ( قال هم رجل يقال له الأسود بقتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وهموا بما لم ينالوا ( قال أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج وأخرج ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال قتل رجل على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجعل ديته اثنى عشر ألفا وذلك قوله ) وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ( قال بأخذهم الدية
سورة براءة الآية ( 75 79 )
التوبة : ( 75 ) ومنهم من عاهد . . . . .
اللام الأولى هى ) لئن آتانا ( الله ) من فضله ( لام القسم واللام الثانية وهى ) لنصدقن ( لام الجواب للقسم والشرط ومعنى ) لنصدقن ( لنخرج الصدقة وهى أعم من المفروضة وغيرها ) ولنكونن من الصالحين ( أي من جملة أهل الصلاح من المؤمنين القائمين بواجبات الدين التاركين لمحرماته
التوبة : ( 76 ) فلما آتاهم من . . . . .
) فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ( أي لما أعطاهم ما طلبوا من الرزق بخلوا به أي بما آتاهم من فضله فلم يتصدقوا بشيء منه كما حلفوا به ) وتولوا ( أي أعرضوا عن طاعة الله وإخراج صدقات ما أعطاهم الله من فضله و الحال أن ) وهم معرضون ( في جميع الأوقات قبل أن يعطييهم الله ما أعطاهم من الرزق وبعده
التوبة : ( 77 ) فأعقبهم نفاقا في . . . . .
قوله ) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه (


"""""" صفحة رقم 385 """"""
الفاعل هو الله سبحانه أي فأعقبهم الله بسبب البخل الذى وقع منهم والإعراض نفاقا كائنا في قلوبهم متمكنا منها مستمرا فيها ) إلى يوم يلقونه ( الله عز وجل وقيل إن الضمير يرجع إلى البخل أي فأعقبهم البخل بما عاهدوا الله عليه نفاقا كائنا في قلوبهم إلى يوم يلقون بخلهم أي جزاء بخلهم ومعنى ) فأعقبهم ( أن الله سبحانه جعل النفاق المتمكن في قلوبهم إلى تلك الغاية عاقبة ما وقع منهم من البخل والباء في ) بما أخلفوا الله ما وعدوه ( للسببية أي بسبب إخلافهم لما وعدوه من التصدق والصلاح وكذلك الباء في ) وبما كانوا يكذبون ( أي وبسبب تكذيبهم بما جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
التوبة : ( 78 ) ألم يعلموا أن . . . . .
ثم أنكر عليهم فقال ) ألم يعلموا ( أي المنافقون وقريء بالفوقية خطايا للمؤمنين ) أن الله يعلم سرهم ونجواهم ( أي جميع ما يسرونه من النفاق وجميع ما يتناجون به فيما بينهم من الطعن على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى أصحابه وعلى دين الإسلام ) وأن الله علام الغيوب ( فلا يخفى عليه شيء من الأشياء المغيبة كائنا ما كان ومن جملة ذلك ما يصدر عن المنافقين
التوبة : ( 79 ) الذين يلمزون المطوعين . . . . .
قوله ) الذين يلمزون المطوعين ( الموصول محله النصب أو الرفع على الذم أو الجر بدلا من الضمير في سرهم ونجواهم ومعنى ) يلمزون ( يعيبون وقد تقدم تحقيقه والمطوعين أي المتطوعين والتطوع التبرع والمعنى أن المنافقين كانوا يعيبون المسلمين إذا تطوعوا بشيء من أموالهم وأخرجوه للصدقة فكانوا يقولون ما أغنى الله عن هذا ويقولون ما فعلوا هذا إلا رياء ولم يكن لله خالصا و ) في الصدقات ( متعلق بيلمزون أي يعيبونهم في شأنها قوله ) والذين لا يجدون إلا جهدهم ( معطوف على المطوعين أي يلمزون المتطوعين ويلمزون الذين لا يجدون إلا جهدهم وقيل معطوف على المؤمنين أي يلمزون المتطوعين من المؤمنين ومن الذين لا يجدون إلا جهدهم وقريء ) جهدهم ( بفتح الجيم والجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة وقيل هما لغتان ومعناهما واحد وقد تقدم بيان ذلك والمعنى أن المنافقين كانوا يعيبون فقراء المؤمنين الذين كانوا يتصدقون بما فضل عن كفايتهم قوله ) فيسخرون منهم ( معطوف على يلمزون أي يستهزءون بهم لحقارة ما يخرجونه فى الصدقة مع كون ذلك جهد المقل وغاية ما يقدر عليه ويتمكن منه قوله ) سخر الله منهم ( أي جازاهم على ما فعلوه من السخرية بالمؤمنين بمثل ذلك فسخر الله منهم بأن أهانهم وأذلهم وعذبهم والتعبير بذلك من باب المشاكلة كما في غيره وقيل هو دعاء عليهم بأن يسخر الله بهم كما سخروا بالمسلمين ) ولهم عذاب أليم ( أي ثابت مستمر شديد الألم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والعسكري في الأمثال والطبراني وابن منده والبارودي وأبو نعيم وابن مردويه وابن عساكر أبي أمامة الباهلي قال جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا قال ويلك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا قال ويحك يا ثعلبة أما تحب أن تكون مثلي فلو شئت أن يسير ربي هذه الجبال معي ذهبا لسارت فقال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فوالذى بعثك بالحق إن آتاني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه قال ويحك يا ثعلبة قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيقه قال يا رسول الله ادع الله تعالى فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم ارزقه مالا قال فاتخذ غنما فنمت كما تنمو الدود حتى ضاقت بها المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا يشهدها بالليل ثم نمت كما تنمو الدود فتنحى بها فكان لا يشهد الصلاة بالليل ولا بالنهار إلا من جمعة إلى جمعة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم نمت كما تنمو الدود فضاق بها مكانه فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الأخبار


"""""" صفحة رقم 386 """"""
وفقده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسأل عنه فأخبروه أنه اشترى غنما وأن المدينة ضاقت به وأخبروه خبره فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويح ثعلبة بن حاطب ويح ثعلبه بن حاطب ثم إن الله تعالى أمر رسوله أن يأخذ الصدقات وأنزل ) خذ من أموالهم صدقة ( الآية فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجلين رجلا من جهينة ورجلا من بني سلمة يأخذان الصدقات وكتب لهما أسنان الإبل والغنم كيف يأخذانها وجوهها وأمرهما أن يمرا على ثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سليم فخرجا فمرا بثعلبة فسألا الصدقة فقال أرياني كتابكما فنظر فيه فقال ما هذه إلا جزية انطلقا حتى تفرغا ثم مرا إلي فانطلقا وسمع بهما السلمي فاستقبلهما بخيار إبله فقالا إنما عليك دون هذا فقال ما كنت أتقرب إلى الله إلا بخير مالي فقبلا فلما فرغا مرا بثعلبة فقال أرياني كتابكما فنظر فيه فقال ما هذه إلا جزية انطلقا حتى أرى رأيي فانطلقا حتى قدما المدينة فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال قبل أن يكلمهما ويح ثعلبه بن حاطب ودعا للسلمي بالبركة وأنزل الله ) ومنهم من عاهد الله ( الثلاث الآيات قال فسمع بعض أقارب ثعلبه فأتى ثعلبه فقال ويحك يا ثعلبة أنزل فيك كذا وكذا قال فقدم ثعلبه على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله هذه صدقة مالي فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قد منعني أن أقبل منك فجعل يبكي ويحثى التراب على رأسه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذا عملك بنفسك أمرتك فلم تطعني فلم يقبل منه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى مضى ثم أتى أبا بكر فقال يا أبا بكر اقبل مني صدقتي فقد عرفت منزلتي من الأنصار فقال أبو بكر لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم وأقبلها فلم يقبلها أبو بكر ثم ولى عمر بن الخطاب فأتاه فقال يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل منى صدقتى قال ويثقل عليه بالمهاجرين والأنصار وأزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال عمر لم يقبلها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا أبو بكر أقبلها أنا فأبى أن يقبلها ثم ولى عثمان فسأله أن يقبل صدقته فقال لم يقبلها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها منك فلم يقبلها منه فهلك فى خلافة عثمان وفيه نزلت ) الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ( قال وذلك في الصدقة وهذا الحديث هو مروي من حديث معاذ بن رفاعة عن علي بن زيد عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الله بن يزيد ابن معاوية عن أبي أمامة الباهلي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) ومنهم من عاهد الله ( الآية وذلك أن رجلا كان يقال له ثعلبة من الأنصار أتى مجلسا فأشهدهم فقال لئن آتاني الله من فضله آتيت كل ذي حق حقه وتصدقت منه وجعلت منه للقرابة فابتلاه الله فآتاه من فضله فأخلف ما وعده فأغضب الله بما أخلفه ما وعده فقص الله شأنه في القرآن وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رجلا من الأنصار هو الذى قال هذا فمات ابن عم له فورث منه مالا فبخل به ولم يف بما عاهد الله عليه فأعقبه بذلك نفاقا في قلبه إلى أن يلقاه قال ذلك ) بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ( وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا مراء وجاء أبو عقيل بنصف صاع فقال المنافقون إن الله لغني عن صدقة هذا فنزلت ) الذين يلمزون المطوعين ( الآية وفي الباب روايات كثيرة وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ) الذين يلمزون المطوعين ( أي يطعنون على المطوعين


"""""" صفحة رقم 387 """"""
سورة براءة الآية ( 80 83 )
التوبة : ( 80 ) استغفر لهم أو . . . . .
أخبر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن صدور الاستغفار منه للمنافقين وعدمه سواء وذلك لأنهم ليسوا بأهل لاستغفاره ( صلى الله عليه وسلم ) ولا للمغفرة من الله سبحانه لهم فهو كقوله تعالى ) قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم ( ثم قال ) إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( وفيه بيان لعدم المغفرة من الله سبحانه للمنافقين وإن أكثر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الاستغفار لهم وليس المراد من هذا أنه لو زاد على السبعين لكان ذلك مقبولا كما في سائر مفاهيم الأعداد بل المراد بهذا المبالغة في عدم القبول فقد كانت العرب تجرى ذلك مجرى المثل في كلامها عند إرادة التكثير والمعنى أنه لن يغفر الله لهم وإن استغفرت لهم استغفارا بالغا في الكثرة غاية المبالغ وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن التقييد بهذا العدد المخصوص يفيد قبول الزيادة عليه ويدل لذلك ما سيأتي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال لأزيدن على السبعين وذكر بعضهم لتخصيص السبعين وجها فقال إن السبعة عدد شريف لأنها عدد السموات والأرضين والبحار والأقاليم والنجوم السيارة والأعضاء وأيام الأسبوع فصير كل واحد من السبعة إلى عشرة لأن الحسنة بعشر أمثالها
وقيل خصت السبعون بالذكر لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كبر على عمه الحمزة سبعين تكبيرة فكأنه قال إن تستغفر لهم سبعين مرة بإذاء تكبيراتك على حمزة وانتصاب سبعين على المصدر كقولهم ضربته عشرين ضربة
ثم علل عدم المغفرة لهم بقوله ) ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله ( أي ذلك الامتناع بسبب كفرهم بالله ورسوله ) والله لا يهدي القوم الفاسقين ( أي المتمردين الخارجين عن الطاعة المتجاوزين لحدودها والمراد هنا الهداية الموصلة إلى المطلوب لا الهداية التى بمعنى الدلالة وإراءة الطريق
التوبة : ( 81 ) فرح المخلفون بمقعدهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه نوعا آخر من قبائح المنافقين فقال ) فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ( المخلفون المتروكون وهم الذين استأذنوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من المنافقين فأذن لهم وخلفهم بالمدينة في غزوة تبوك أو الذين خلفهم الله وثبطهم أو الشيطان أو كسلهم أو المؤمنون ومعنى ) بمقعدهم ( أي بقعودهم يقال قعد قعودا ومقعدا أي جلس وأقعده غيره ذكر معناه الجوهري فهو متعلق بفرح أي فرح المخلفون بقعودهم وخلاف رسول الله منتصب على أنه ظرف لمقعدهم
قال الأخفش ويونس الخلاف بمعنى الخلف أي بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك أن جهة


"""""" صفحة رقم 388 """"""
الإمام التى يقصدها الإنسان تخالفها جهة الخلف وقال قطرب والزجاج معنى خلاف رسول الله مخالفة الرسول حين سار وأقاموا فانتصابه على أنه مفعول له أي قعدوا لأجل المخالفة أو على الحال مثل وأرسلها العراك أي مخالفين له ويؤيد ما قاله الأخفش ويونس قراءة أبي حيوة خلف رسول الله قوله ) وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ( سبب ذلك الشح بالأموال والأنفس وعدم وجود باعث الإيمان وداعي الإخلاص ووجود الصارف عن ذلك وهو ما هم فيه من النفاق وفيه تعريض بالمؤمنين الباذلين لأموالهم وأنفسهم في سبيل الله لوجود الداعي معهم وانتفاء الصارف عنهم ) وقالوا لا تنفروا في الحر ( أي قال المنافقون لإخوانهم هذه المقالة تثبيطا لهم وكسرا لنشاطهم وتواصيا بينهم بالمخالفة لأمر الله ورسوله ثم أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم ) نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ( والمعنى أنكم أيها المنافقون كيف تفرون من هذا الحر اليسير ونار جهنم التى ستدخلونها خالدين فيها أبدا أشد حرا مما فررتم منه فإنكم إنما قررتم من حر يسير في زمن قصير ووقعتم في حر كثير من زمن كبير بل غير متناه أبد الآبدين ودهر الداهرين فكنت كالساعي إلى مثعب
موائلا من سبل الراعد
وجواب لو في ) لو كانوا يفقهون ( مقدر أي لو كانوا يفقهون أنها كذلك لما فعلوا ما فعلوا
التوبة : ( 82 ) فليضحكوا قليلا وليبكوا . . . . .
قوله ) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ( هذان الأمران معناهما الخير والمعنى فسيضحكون قليلا ويبكون كثيرا وإنما جيء بهما على لفظ الأمر للدلالة على أن ذلك أمر محتوم لا يكون غيره وقليلا وكثيرا منصوبان على المصدرية أو الظرفية أي ضحكا قليلا وبكاء كثيرا أو زمانا قليلا وزمانا كثيرا ) جزاء بما كانوا يكسبون ( أي جزاء بسبب ما كانوا يكسبونه من المعاصي وانتصاب جزاء على المصدرية أي يجزون جزاء
التوبة : ( 83 ) فإن رجعك الله . . . . .
) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ( الرجع متعد كالرد والرجوع لازم والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها وإنما قال ) إلى طائفة ( لأن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا منافقين بل كان فيهم غيرهم من المؤمنين لهم أعذار صحيحة وفيهم من المؤمنين من لا عذر له ثم عفا عنهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتاب الله عليهم كالثلاثة الذين خلفوا وسيأتي بيان ذلك وقيل إنما قال إلى طائفة لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف ) فاستأذنوك للخروج ( معك في غزوة أخرى بعد غزوتك هذه ) فقل ( لهم ) لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ( أي قل لهم ذلك عقوبة لهم ولما في استصحابهم من المفاسد كما تقدم في قوله ) لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ( وقريء بفتح الياء من معي في الموضعين وقريء بسكونها فيهما وجملة ) إنكم رضيتم بالقعود أول مرة ( للتعليل أي لن تخرجوا معي ولن تقاتلوا لأنكم رضيتم بالقعود والتخلف أول مرة وهى غزوة تبوك والفاء في ) فاقعدوا مع الخالفين ( لتفريع ما بعدها على ما قبلها والخالفين جمع خالف كأنهم خلفوا الخارجين والمراد بهم من تخلف عن الخروج وقيل المعنى فاقعدوا مع الفاسدين من قولهم فلان خالف أهل بيته إذا كان فاسدا فيهم من قولك خلف اللبن أي فسد بطول المكث في السقاء ذكر معناه الأصمعي وقرئ ? فاقعدوا مع الخلفين ? وقال الفراء معناه المخالفين
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عروة أن عبد الله بن أبي قال لولا أنكم تنفقون على محمد وأصحابه لانفضوا من حوله وهو القائل ) ليخرجن الأعز منها الأذل ( فأنزل الله ) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ( فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأزيدن على السبعين فأنزل الله ) سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم (


"""""" صفحة رقم 389 """"""
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير عن ابن عباس نحوه وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي حاتم والنحاس وابن حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال سمعت عمر يقول لما توفى عبد الله بن أبي دعى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للصلاة عليه فقام عليه فلما وقف قلت أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل كذا وكذا والقائل كذا وكذا أعدد أيامه ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يتبسم حتى إذا أكثرت قال يا عمر أخر عني إني قد خيرت قد قيل لي ) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( فلو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها ثم صلى عليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومشى معه حتى قام على قبره حتى فرغ منه فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والله ورسوله أعلم فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ( فما صلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على منافق بعد حتى قبضه الله عز وجل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فرح المخلفون ( الآية قال عن غزوة تبوك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف فقال رجال يا رسول الله الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفروا في الحر فقال الله ) قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ( فأمره بالخروج وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ( قال هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا دينهم هزوا ولعبا يقول الله فليضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فإن رجعك الله إلى طائفة منهم ( قال ذكر لنا أنهم كانوا اثنى عشر رجلا من المنافقين وفيهم قيل ما قيل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) فاقعدوا مع الخالفين ( قال هم الرجال الذين تخلفوا عن الغزو
سورة براءة الآية ( 84 87 )
التوبة : ( 84 ) ولا تصل على . . . . .
قوله ) مات ( صفة لأحد و ) أبدا ( ظرف لتأبيد النفي قال الزجاج معنى قوله ) ولا تقم على قبره ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فمنع هاهنا منه وقيل معناه لا تقم بمهمات إصلاح قبره وجملة ) أنهم كفروا ( تعليل للنهي وإنما وصفهم بالفسق بعد وصفهم بالكفر لأن الكافر قد يكون عدلا في دينه والكذب والنفاق والخداع والجبن والخبث مستقبحة في كل دين
التوبة : ( 85 ) ولا تعجبك أموالهم . . . . .
ثم نهى رسوله عن أن تعجبه أموالهم وأولادهم وهو تكرير لما سبق في هذه السورة وتقرير لمضمونه وقيل إن الآية المتقدمة


"""""" صفحة رقم 390 """"""
في قوم وهذه في آخرين وقيل هذه في اليهود والأولى في المنافقين وقيل غير ذلك وقد تقدم في الآية الأولى جميع ما يحتاج إليه في تفسير هذه الآية
التوبة : ( 86 ) وإذا أنزلت سورة . . . . .
ثم عاد الله سبحانه إلى توبيخ المنافقين فقال ) وإذا أنزلت سورة ( أي من القرآن ويجوز أن يراد بعض السورة وأن يراد تمامها وقيل هى هذه السورة أي سورة براءة و ) إن ( في ) أن آمنوا بالله ( مفسرة لما في الإنزال من معنى القول أو مصدرية حذف منها الجار أي بأن آمنوا وإنما قدم الأمر بالإيمان لأن الاشتغال بالجهاد لا يفيد إلا بعد الإيمان ) استأذنك أولوا الطول منهم ( أي ذوو الفضل والسعة من طال عليه طولا كذا قال ابن عباس والحسن وقال الأصم الرؤساء والكبراء المنظور إليهم وخصهم بالذكر لأن الذم لهم ألزم إذ لا عذر لهم في القعود ) وقالوا ذرنا ( أي اتركنا ) نكن مع القاعدين ( أي المتخلفين عن الغزو من المعذورين كالضعفاء والزمنى
التوبة : ( 87 ) رضوا بأن يكونوا . . . . .
والخوالف النساء اللاتي يخلفن الرجال في القعود في البيوت جمع خالفة وجوز بعضهم أن يكون جمع خالف وهو من لا خير فيه ) وطبع على قلوبهم ( هو كقوله ) ختم الله على قلوبهم ( وقد مر تفسيره ) فهم لا يفقهون ( شيئا مما فيه نفعهم وضرهم بل هم كالأنعام
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال لما توفى عبد الله بن أبي ابن سلول أتى ابنه عبد الله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال عمر فأخذ ثوبه فقال يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال إن ربي خيرني وقال ) استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ( وسأزيد على السبعين فقال إنه منافق فصلى عليه فأنزل الله ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ( الآية فترك الصلاة عليهم وأخرج ابن ماجه والبزار وابن جرير وابن مردويه عن جابر قال مات رأس المنافقين بالمدينة فأوصى أن يصلي عليه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأن يكفنه في قميصه فجاء ابنه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إن أبي أوصى أن يكفن في قميصك فصلى عليه وألبسه قميصه وقام على قبره فأنزل الله ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) أولوا الطول ( قال أهل الغنى وأخرج هؤلاء عن ابن عباس في قوله ) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ( قال مع النساء وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال رضوا بأن يقعدوا كما قعدت النساء وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال الخوالف النساء
سورة براءة الآية ( 88 89 )
التوبة : ( 88 ) لكن الرسول والذين . . . . .
المقصود من الاستدراك بقوله ) لكن الرسول ( إلى آخره الإشعار بأن تخلف هؤلاء عير ضائر فإنه قد قام بفريضة الجهاد من هو خير منهم وأخلص نية كما في قوله ) فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ( وقد تقدم بيان الجهاد بالأموال والأنفس ثم ذكر منافع الجهاد فقال ) وأولئك لهم الخيرات ( وهى جمع خير فيشمل منافع الدنيا والدين وقيل المراد به النساء الحسان كقوله تعالى ) فيهن خيرات حسان ( ومفرده


"""""" صفحة رقم 391 """"""
خيرة بالتشديد ثم خففت مثل هينة وهينة وقد تقدم معنى الفلاح والمراد به هنا الفائزون بالمطلوب وتكرير اسم الإشارة لتفخيم شأنهم وتعظيم أمرهم
التوبة : ( 89 ) أعد الله لهم . . . . .
والجنات البساتين وقد تقدم بيان جرى الأنهار من تحتها وبيان الخلود والفوز والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما تقدم من الخيرات والفلاح وإعداد الجنات الموصوفة بتلك الصفة ووصف الفوز بكونه عظيما يدل على أنه الفرد الكامل من أنواع الفوز وقد أخرج القرطبي في تفسيره عن الحسن أنه قال الخيرات هن النساء الحسان
سورة براءة الآية ( 90 )
التوبة : ( 90 ) وجاء المعذرون من . . . . .
قرأ الأعرج والضحاك ) المعذرون ( بالتخفيف من أعذر ورواها أبو كريب عن أبي بكر عن عاصم ورواها أصحاب القراءات عن ابن عباس قال في الصحاح وكان ابن عباس يقرأ ) وجاء المعذرون ( مخففة من أعذر ويقول والله هكذا أنزلت قال النحاس إلا أن مدارها على الكلبي وهى من أعذر إذا بالغ في العذر ومنه من أنذر فقد أعذر أي بالغ في العذر وقرأ الجمهور المعذرون بالتشديد ففيه وجهان أحدهما أن يكون أصله المعتذرون فأدغمت التاء في الذال وهم الذين لهم عذر ومنه قول لبيد إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
فالمعذرون على هذا هم المحقون في اعتذارهم وقد روى هذا عن الفراء والزجاج وابن الأنباري وقيل هو من عذر وهو الذى يعتذر ولا عذر له يقال عذر في الأمر إذا قصر واعتذر بما ليس بعذر ذكره الجوهري وصاحب الكشاف فالمعذرون على هذا هم المبطلون لأنهم اعتذروا بأعذار باطلة لا أصل لها وروى عن الأخفش والفراء وأبي حاتم وأبي عبيد أنه يجوز كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها للاتباع والمعنى أنه جاء هؤلاء من الأعراب بما جاءوا به من الأعذار بحق أو بباطل على كلا التفسيرين لأجل أن يأذن لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالتخلف عن الغزو وطائفة أخرى لم يعتذروا بل قعدوا عن الغزو لغير عذر وهم منافقو الأعراب الذين كذبوا الله ورسوله ولم يؤمنوا ولا صدقوا ثم توعدهم الله سبحانه فقال ) سيصيب الذين كفروا منهم ( أي من الأعراب وهم الذين اعتذروا بالأعذار الباطلة والذين لم يعتذروا بل كذبوا بالله ورسوله ) عذاب أليم ( أي كثير الألم فيصدق على عذاب الدنيا وعذاب الآخرة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وجاء المعذرون من الأعراب ( أي أهل العذر منهم وروى ابن أبي حاتم عنه نحو ذلك وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عنه أيضا أنه كان يقول لعن الله المعذرين ويقرأ بالتشديد كأن الأمر عنده أن المعذر بالتشديد هو المظهر للعذر اعتلالا من غير حقيقة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن إسحاق في قوله ) وجاء المعذرون من الأعراب ( قال ذكر لي أنهم نفر من بني غفار جاءوا فاعتذروا منهم خفاف بن إيماء وقيل لهم رهط عامر بن الطفيل قالوا إن غزونا معك أغارت أعراب طبيء على أهالينا ومواشينا


"""""" صفحة رقم 392 """"""
سورة براءة الآية ( 91 93 )
التوبة : ( 91 ) ليس على الضعفاء . . . . .
لما ذكر سبحانه المعذرون ذكر بعدهم أهل الأعذار الصحيحة المسقطة للغزو وبدأ بالعذر في أصل الخلقة فقال ) ليس على الضعفاء ( وهم أرباب الزمانة والهرم والعمى والعرج ونحو ذلك ثم ذكر العذر العارض فقال ) ولا على المرضى ( والمراد بالمرض كل ما يصدق عليه اسم المرض لغة أو شرعا وقيل إنه يدخل في المرضى الأعمى والأعرج ونحوهما ثم ذكر العذر الراجع إلى المال لا إلى البدن فقال ) ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون ( أي ليست لهم أموال ينفقونها فيما يحتاجون إليه من التجهز للجهاد فنفى سبحانه عن هؤلاء الحرج وأبان أن الجهاد مع هذه الأعذار ساقط عنهم غير واجب عليهم مقيدا بقوله ) إذا نصحوا لله ورسوله ( وأصل النصح إخلاص العمل من الغش ومنه التوبة النصوح قال نفطويه نصح الشيء إذا خلص ونصح له القول أي أخلصه له والنصح لله الإيمان به والعمل بشريعته وترك ما يخالفها كائنا ما كان ويدخل تحته دخولا أوليا نصح عباده ومحبة المجاهدين في سبيله وبذل النصيحة لهم في أمر الجهاد وترك المعاونة لأعدائهم بوجه من الوجوه ونصيحة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) التصديق بنبوته وبما جاء به وطاعته في كل ما يأمر به أو ينهى عنه وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه ومحبته وتعظيم سنته وإحياؤها بعد موته بما تبلغ إليه القدرة وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الدين النصيحة ثلاثا قالوا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وجملة ) ما على المحسنين من سبيل ( مقررة لمضمون ما سبق أي ليس على المعذورين الناصحين من سبيل أي طريق عقاب ومؤاخذة ومن مزيدة للتأكيد وعلى هذا فيكون لفظ ) المحسنين ( موضوعا في موضع الضمير الراجع إلى المذكورين سابقا أو يكون المراد ما على جنس المحسنين من سبيل وهؤلاء المذكورون سابقا من جملتهم فتكون الجملة تعليلية وجملة ) والله غفور رحيم ( تذييلية وفي معنى هذه الآية قوله تعالى ) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ( وقوله ) ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ( وإسقاط التكليف عن هؤلاء المعذورين لا يستلزم عدم ثبوت ثواب الغزو لهم الذى عذرهم الله عنه مع رغبتهم إليه لولا حبسهم العذر عنه ومنه حديث أنس عند أبي داود وأحمد وأصله في الصحيحين أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لقد تركتم بعدكم قوما ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم فيه قالوا يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة فقال حبسهم العذر وأخرجه أحمد ومسلم من حديث جابر
التوبة : ( 92 ) ولا على الذين . . . . .
ثم ذكر الله سبحانه من جملة المعذورين من تضمنه قوله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ( والعطف على جملة ) ما على المحسنين ( أي ولا على الذين إذا ما أتوك إلى آخره


"""""" صفحة رقم 393 """"""
من سبيل ويجوز أن تكون عطفا على الضعفاء أي ولا على إذا ما أتوك إلى آخره حرج والمعنى أن من جملة المعذورين هؤلاء الذين أتوك لتحملهم على ما يركبون عليه في الغزو فلم تجد ذلك الذى طلبوه منك قيل وجملة ) لا أجد ما أحملكم عليه ( في محل نصب على الحال من الكاف في أتوك بإضمار قد أي إذا ما أتوك قائلا لا أجد وقيل هى بدل من أتوك وقيل جملة معترضة بين الشرط والجزاء والأول أولى وقوله ) تولوا ( جواب إذا وجملة ) وأعينهم تفيض من الدمع ( في محل نصب على الحال أي تولوا عنك لما قلت لهم لا أجد ما أحملكم عليه حال كونهم باكين و ) حزنا ( منصوب على المصدرية أو على العلية أو الحالية و ) ألا يجدوا ( مفعول له وناصبه ) حزنا ( وقال الفراء أن لا بمعنى ليس أي حزنا أن ليس يجدوا وقيل المعنى حزنا على أن لا يجدوا وقيل المعنى حزنا أنهم لا يجدون ما ينفقون لا عند أنفسهم ولا عندك
التوبة : ( 93 ) إنما السبيل على . . . . .
ثم ذكر الله سبحانه من عليه السبيل من المتخلفين فقال ) إنما السبيل ( أي طريق العقوبة والمؤاخذة ) على الذين يستأذنونك ( في التخلف عن الغزو و الحال أن ) وهم أغنياء ( أي يجدون ما يحملهم وما يتجهزون به وجملة ) رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ( مستأنفة كأنه قيل ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء وقد تقدم تفسير الخوالف قريبا وجملة ) وطبع الله على قلوبهم ( معطوفة على ) رضوا ( أي سبب الاستئذان مع الغنى أمران أحدهما الرضا بالصفقة الخاسرة وهى أن يكونوا مع الخوالف والثاني الطبع من الله على قلوبهم ) فهم ( بسبب هذا الطبع ) لا يعلمون ( ما فيه الربح لهم حتى يختاروه على ما فيه الخسر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الإفراد وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال كنت أكتب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت براءة فكنت أكتب ما أنزل عليه فإني لواضع القلم عن أذني إذ أمرنا بالقتال فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ينظر إلى ما ينزل عليه إذ جاء أعمى فقال كيف بي يا رسول الله وأنا أعمى فنزلت ) ليس على الضعفاء ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال أنزلت هذه الآية في عابد بن عمر المزني وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال نزل من عند قوله ) عفا الله عنك ( إلى قوله ) ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ( في المنافقين وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) ما على المحسنين من سبيل ( قال ما على هؤلاء من سبيل بأنهم نصحوا لله ورسوله ولم يطيقوا الجهاد فعذرهم الله وجعل لهم من الأجر ما جعل للمجاهدين ألم تسمع أن الله يقول ) لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ( فجعل الله للذين عذر من الضعفاء وأولى الضرر والذين لا يجدون ما ينفقون من الأجر مثل ما جعل للمجاهدين وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ما على المحسنين من سبيل ( قال والله لأهل الإساءة ) غفور رحيم ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) ولا على الذين إذا ما أتوك ( الآية قال أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن ينبعثوا غازين معه فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني فقالوا يا رسول الله احملنا فقال والله ما أجد ما أحملكم عليه فتولوا ولهم بكاء وعزيز عليهم أن يجلسوا عن الجهاد ولا يجدون نفقة ولا محملا فأنزل الله عذرهم ) ولا على الذين إذا ما أتوك ( الآية وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عبد الله بن مغفل قال إني لا أجد الرهط الذين ذكر الله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( الآية وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال هم سبعة نفر من بني عمر بن عوف سالم بن عمير ومن بني واقف حرمي بن عمرو ومن بني مازن بن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى ومن بني المعلى سلمان بن صخر ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد أبو عبلة ومن بني سلمة عمرو بن غنمة وعبد الله بن عمرو


"""""" صفحة رقم 394 """"""
المزني وقد اتفق الرواة على بعض هؤلاء السبعة واختلفوا في البعض ولا يأتي التطويل في ذلك بكثير فائدة
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وأبو الشيخ عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم أن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم البكاءون وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم ثم ذكروا أسماءهم وفيه فاستحملوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكانوا أهل حاجة
قال ) لا أجد ما أحملكم عليه ( وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن الحسن قال كان معقل بن يسار من البكائين الذين قال الله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك في قوله ) لا أجد ما أحملكم عليه ( قال الماء والزاد وأخرج ابن المنذر عن علي بن صالح قال حدثني مشيخة من جهينة قالوا أدركنا الذين سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الحملان فقالوا ما سألناه إلا الحملان على النعال وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إبراهيم بن أدهم عمن حدثه في قوله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( قال ما سألوه الدواب ما سألوه إلا النعال وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن صالح في الآية قال استحملوه النعال وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) إنما السبيل على الذين يستأذنونك ( قال هى وما بعدها إلى قوله ) فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ( في المنافقين
سورة براءة الآية ( 94 99 )
التوبة : ( 94 ) يعتذرون إليكم إذا . . . . .
قوله ) يعتذرون إليكم ( إخبار من الله سبحانه عن المنافقين المعتذرين بالباطل بأنهم يعتذرون إلى المؤمنين إذا رجعوا من الغزو وهذا كلام مستأنف وإنما قال ) إليهم ( أي إلى المعتذرين بالباطل ولم يقل إلى المدينة لأن مدار الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع إلى المدينة وربما يقع الاعتذار عند الملاقاة قبل الوصول إليها ثم أخبر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بما يجيب به عليهم فقال ) قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم ( فنهاهم أولا عن الاعتذار بالباطل ثم علله بقوله ) لن نؤمن لكم ( أي لن نصدقكم كأنهم ادعوا أنهم صادقون


"""""" صفحة رقم 395 """"""
فى اعتذارهم لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به فإذا عرف أنه لا يصدق ترك الاعتذار وجملة ) قد نبأنا الله من أخباركم ( تعليلية للتى قبلها أي لا يقع منا تصديق لكم لأن الله قد أعلمنا بالوحي ما هو مناف لصدق اعتذاركم وإنما خص الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بالجواب عليهم فقال ) قل لا تعتذروا ( مع أن الاعتذار منهم كائن إلى جميع المؤمنين لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) رأسهم والمتولي لما يرد عليهم من جهة الغير ويحتمل أن يكون المراد بالضمير في قوله ) إليكم ( هو الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على التأويل المشهور في مثل هذا قوله ) وسيرى الله عملكم ( أي ما ستفعلونه من الأعمال فيما بعد هل تقلعون عما أنتم عليه الآن من الشر أم تبقون عليه
وقوله ) ورسوله ( معطوف على الاسم الشريف ووسط مفعول الرؤية إيذانا بأن رؤية الله سبحانه لما سيفعلونه من خير أو شر هى التى يدور عليها الإثابة أو العقوبة وفي جملة ) ثم تردون إلى عالم الغيب ( إلى آخرها تخويف شديد لما هى مشتملة عليه من التهديد ولا سيما ما اشتملت عليه من وضع الظاهر موضع المضمر لإشعار ذلك بإحاطته بكل شيء يقع منهم مما يكتمونه ويتظاهرون به وإخباره لهم به ومجازاتهم عليه
التوبة : ( 95 ) سيحلفون بالله لكم . . . . .
ثم ذكر أن هؤلاء المعتذرين بالباطل سيؤكدون ما جاءوا به من الأعذار الباطلة بالحلف عند رجوع المؤمنين إليهم من الغزو وغرضهم من هذا التأكيد هو أن يعرض المؤمنون عنهم فلا يوبخونهم ولا يؤاخذونهم بالتخلف ويظهرون الرضا عنهم كما يفيده ذكر الرضا من بعد وحذف المحلوف عليه لكون الكلام يدل عليه وهو اعتذارهم الباطل وأمر المؤمنين بالإعراض عنهم المراد به تركهم والمهاجرة لهم لا الرضا عنهم والصفح عن ذنوبهم كما تفيده جملة ) إنهم رجس ( الواقعة علة للأمر بالإعراض والمعنى أنهم في أنفسهم رجس لكون جميع أعمالهم نجسة فكأنها قد صيرت ذواتهم رجسا أو أنهم ذوو رجس أي ذوو أعمال قبيحة ومثله ) إنما المشركون نجس ( وهؤلاء لما كانوا هكذا كانوا غير متأهلين لقبول الإرشاد إلى الخير والتحذير من الشر فليس لهم إلا الترك وقوله ) ومأواهم جهنم ( من تمام التعليل فإن من كان من أهل النار لا يجدى فيه الدعاء إلى الخير والمأوى كل مكان يأوى إليه الشيء ليلا أو نهارا وقد أوى فلان إلى منزله يأوى أويا وإيواء و ) جزاء ( منصوب على المصدرية أو على العلية والباء في ) بما كانوا يكسبون ( للسببية
التوبة : ( 96 ) يحلفون لكم لترضوا . . . . .
وجملة ) يحلفون لكم ( بدل مما تقدم وحذف هنا المحلوف به لكونه معلوما مما سبق والمحلوف عليه لمثل ما تقدم وبين سبحانه أن مقصدهم بهذا الحلف هو رضا المؤمنين عنهم ثم ذكر ما يفيد أنه لا يجوز الرضا عن هؤلاء المعتذرين بالباطل فقال ) فإن ترضوا عنهم ( كما هو مطلوبهم مساعدة لهم ) فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ( وإذا كان هذا هو ما يريده الله سبحانه من عدم الرضا على هؤلاء الفسقة العصاة فينبغى لكم أيها المؤمنون أن لا تفعلوا خلاف ذلك بل واجب عليكم أن لا ترضوا عنهم على أن رضاكم عنهم لو وقع لكان غير معتد به ولا مفيد لهم والمقصود من إخبار الله سبحانه بعدم رضاه عنهم نهى المؤمنين عن ذلك لأن الرضا على من لا يرضى الله عليه مما لا يفعله مؤمن
التوبة : ( 97 ) الأعراب أشد كفرا . . . . .
قوله ) الأعراب أشد كفرا ونفاقا ( لما ذكر الله سبحانه أحوال المنافقين بالمدينة ذكر حال من كان خارجا عنها من الأعراب وبين أن كفرهم ونفاقهم أشد من كفر غيرهم ومن نفاق غيرهم لأنهم أقسى قلبا وأغلظ طبعا وأجفى قولا وأبعد عن سماع كتب الله وما جاءت به رسله والأعراب هم من سكن البوادي بخلاف العرب فإنه عام لهذا النوع من بني آدم سواء سكنوا البوادي أو القرى هكذا قال أهل اللغة ولهذا قال سيبويه إن الأعراب صيغة جمع وليست بصيغة جمع العرب
قال النيسابوري قال أهل اللغة رجل عربي إذا كان نسبه إلى العرب ثابتا وجمعه عرب كالمجوسي والمجوس واليهودي واليهود فالأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح وإذا قيل للعربي يا أعرابي غضب وذلك أن من استوطن


"""""" صفحة رقم 396 """"""
القرى العربية فهو عربي ومن نزل البادية فهو أعرابي ولهذا لا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار أعراب وإنما هم عرب قال قيل إنما سمى العرب عربا لأن أولاد إسماعيل عليه السلام نشئوا بالعرب وهى من تهامة فنسبوا إلى بلدهم وكل من يسكن جزيرة العرب وينطق بلسانهم فهو منهم وقيل لأن ألسنهم معربة عما في ضمائرهم ولما في لسانهم من الفصاحة والبلاغة انتهى ) وأجدر ( معطوف على أشد ومعناه أخلق يقال فلان جدير بكذا أي خليق به وأنت جدير أن تفعل كذا والجمع جدر أو جديرون وأصله من جدر الحائط وهو رفعه بالبناء والمعنى أنهم أحق وأخلق ب ) ألا يعلموا حدود ما أنزل الله ( من الشرائع والأحكام لبعدهم عن مواطن الأنبياء وديار التنزيل ) والله عليم ( بأحوال مخلوقاته على العموم وهؤلاء منهم ) حكيم ( فيما يجازيهم به من خير وشر
التوبة : ( 98 ) ومن الأعراب من . . . . .
قوله ) ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ( هذا تنويع لجنس إلى نوعين الأول هؤلاء والثاني ) ومن الأعراب من يؤمن بالله ( والمغرم الغرامة والخسران وهو ثاني مفعولي يتخذ لأنه بمعنى الجعل والمعنى اعتقد أن الذى ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران وأصل الغرم والغرامة ما ينفقه الرجل وليس بلازم له في اعتقاده ولكنه ينفقه للرياء والتقية وقيل أصل الغرم اللزوم كأنه اعتقد أنه يلزمه لأمر خارج لا تنبعث له النفس و ) الدوائر ( جمع دائرة وهى الحالة المنقلبه عن النعمة إلى البلية وأصلها ما يحيط بالشيء ودوائر الزمان نوبه وتصاريفه ودوله وكأنها لا تستعمل إلا في المكروه ثم دعا سبحانه عليهم قوله ) عليهم دائرة السوء ( وجعل ما دعا به عليهم مماثلا لما أرادوه بالمسلمين والسوء بالفتح عند جمهور القراء مصدر أضيفت إليه الدائرة للملابسة كقولك رجل صدق وقرأ أبو عمرو وابن كثير بضم السين وهو المكروه قال الأخفش أي عليهم دائرة الهزيمة والشر وقال الفراء ) عليهم دائرة السوء ( العذاب والبلاء قال والسوء بالفتح مصدر سؤته سوءا ومساءة وبالضم اسم لا مصدر وهو كقولك دائرة البلاء والمكروه ) والله سميع ( لما يقولونه ) عليم ( بما يضمرونه
التوبة : ( 99 ) ومن الأعراب من . . . . .
قوله ) ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ( هذا النوع الثاني من أنواع الأعراب كما تقدم أي يصدق بهما ) ويتخذ ما ينفق ( أي يجعل ما ينفقه في سبيل الله ) قربات ( وهى جمع قربة وهى ما يتقرب به إلى الله سبحانه تقول منه قربت لله قربانا والجمع قرب وقربات والمعنى أنه يجعل ما ينفقه سببا لحصول القربات ) عند الله ( سببا ل ) وصلوات الرسول ( أي لدعوات الرسول لهم لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدعو للمتصدقين ومنه قوله ) وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ( ومنه قوله ( صلى الله عليه وسلم ) اللهم صل على آل أبى أوفى ثم إنه سبحانه بين بأن ما ينفقه هذا النوع من الأعراب تقربا إلى الله مقبول واقع على الوجه الذى أرادوه فقال ) ألا إنها قربة لهم ( فأخبر سبحانه بقبولها خبرا مؤكدا باسمية الجملة وحرفي التنبيه والتحقيق وفي هذا من التطبيب لخواطرهم والتطمين لقلوبهم ما لا يقادر قدره مع ما يتضمنه من النعي على من يتخذ ما ينفق مغرما والتوبيخ له بأبلغ وجه والضمير في إنها راجع إلى ) ما ( في ما ينفق وتأنيثه باعتبار الخبر وقرأ نافع في رواية عنه ) قربة ( بضم الراء وقرأ الباقون بسكونها تخفيفا ثم فسر سبحانه القربة بقوله ) سيدخلهم الله في رحمته ( والسين لتحقيق الوعد
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) قد نبأنا الله من أخباركم ( قال أخبرنا أنكم لو خرجتم ما زدتمونا إلا خبالا وفي قوله ) فأعرضوا عنهم ( قال لما رجع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال للمؤمنين لا تكلموهم ولا تجالسوهم فأعرضوا عنهم كما أمر الله وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) لتعرضوا عنهم ( قال لتجاوزوا عنهم وأخرج أبو الشيخ عنه في قوله ) الأعراب أشد كفرا ونفاقا ( قال من منافقي


"""""" صفحة رقم 397 """"""
المدينة ) وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله ( يعني الفرائض وما أمر به من الجهاد وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أسد وغطفان وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى السلطان افتتن وإسناد أحمد هكذا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي موسى عن وهب بن منبه عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكره قال في التقريب وأبو موسى عن وهب بن منبه مجهول من السادسة ووهم من قال إن إسرائيل بن موسى وقال الترمذي بعد إخراجه حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الثوري وأخرج أبو داود والبيهقي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلطان افتتن وما ازداد أحد من سلطانه قربا إلا ازداد من الله بعدا وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ( قال يعني بالمغرم أنه لا يرجو له ثوابا عند الله ولا مجازاة وإنما يعطى من يعطى من الصدقات كرها ) ويتربص بكم الدوائر ( الهلكات وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال هؤلاء المنافقون من الأعراب الذين إنما ينفقون رياء اتقاء على أن يغزوا ويحاربوا ويقاتلوا ويرون نفقاتهم مغرما وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ومن الأعراب من يؤمن بالله ( قال هم بنو مقرن من مزينة وهم الذين قال الله ) ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ( الآية وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن معقل قال كنا عشرة ولد مقرن فنزلت فينا ) ومن الأعراب من يؤمن بالله ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وصلوات الرسول ( يعني استغفار النبي ( صلى الله عليه وسلم )
سورة براءة الآية ( 100 106 )


"""""" صفحة رقم 398 """"""
التوبة : ( 100 ) والسابقون الأولون من . . . . .
لما ذكر سبحانه أصناف الأعراب ذكر المهاجرين والأنصار وبين أن منهم السابقين إلى الهجرة وأن منهم التابعين لهم وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ ) والأنصار ( بالرفع عطفا على ) والسابقون ( وقرأ سائر القراء من الصحابة فمن بعدهم بالجر قال الأخفش الخفض في الأنصار الوجه لأن السابقين منهم يدخلون في قوله ) والسابقون ( وفي الآية تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم الذين صلوا القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة أو الذين شهدوا بيعة الرضوان وهى بيعة الحديبية في قول الشعبي أو أهل بدر في قول محمد بن كعب وعطاء بن يسار ولا مانع من حمل الآية على هذه الأصناف كلها قال أبو منصور البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون ثم البدريون ثم أصحاب أحد ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية قوله ) والذين اتبعوهم بإحسان ( قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ? الذين اتبعوهم ? محذوف الواو وصفا للأنصار على قراءته برفع الأنصار فراجعه في ذلك زيد بن ثابت فسأل أبي بن كعب فصدق زيدا فرجع عمر عن القراءة المذكورة كما رواه أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه ومعنى الذين اتبعوهم بإحسان الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم المتأخرون عنهم من الصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة وليس المراد بهم التابعين اصطلاحا وهم كل من أدرك الصحابة ولم يدرك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بل هم من جملة من يدخل تحت الآية فتكون ) من ( في قوله ) من المهاجرين ( على هذا للتبعيض وقيل إنها للبيان فيتناول المدح جميع الصحابة ويكون المراد بالتابعين من بعدهم من الأمة إلى يوم القيامة
وقوله ) بإحسان ( قيد للتابعين أي والذين اتبعوهم متلبسين بإحسان في الأفعال والأقوال اقتداء منهم بالسابقين الأولين قوله ) رضي الله عنهم ( خبر للمبتدإ وما عطف عليه ومعنى رضاه سبحانه عنهم أنه قبل طاعاتهم وتجاوز عنهم ولم يسخط عليهم ) ورضوا عنه ( بما أعطاهم من فضله ومع رضاه عنهم فقد ) أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ( في الدار الآخرة وقرأ ابن كثير ) تجري من تحتها الأنهار ( بزيادة من وقرأ الباقون بحذفها والنصب على الظرفية وقد تقدم تفسير جرى الأنهار من تحت الجنات وتفسير الخلود والفوز
التوبة : ( 101 ) وممن حولكم من . . . . .
قوله ) وممن حولكم من الأعراب منافقون ( هذا عود إلى شرح أحوال المنافقين من أهل المدينة ومن يقرب منها من الأعراب وممن حولكم خبر مقدم ومن الأعراب بيان وهو في محل نصب على الحال ومنافقون هو المبتدأ قيل وهؤلاء الذين هم حول المدينة من المنافقين هم جهينة ومزينة وأشجع وغفار وجملة ) ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ( معطوفة على الجملة الأولى عطف جملة على جملة وقيل إن من أهل المدينة عطف على الخبر في الجملة الأولى فعلى الأول يكون المبتدأ مقدرا أي ومن أهل المدينة قوم مردوا على النفاق وعلى الثاني يكون التقدير وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة منافقون مردوا ولكون جملة مردوا على النفاق مستأنفة لا محل لها وأصل مرد و تمرد اللين والملاسة والتجرد فكأنهم تجردوا للنفاق ومنه غصن أمرد لا ورق عليه وفرس أمرد لا شعر فيه وغلام أمرد لا شعر بوجهه وأرض مرداء لا نبات فيها وصرح ممرد مجرد فالمعنى أنهم أقاموا على النفاق وثبتوا عليه ولم ينثنوا عنه قال ابن زيد معناه لجوا فيه وأتوا غيره وجملة ) لا تعلمهم ( مبينة للجملة الأولى وهى مردوا على النفاق أي ثبتوا عليه ثبوتا شديدا ومهروا فيه حتى خفى أمرهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكيف سائر المؤمنين والمراد عدم علمه ( صلى الله عليه وسلم ) بأعيانهم لا من حيث الجملة فإن للنفاق دلائل لا تخفى عليه ( صلى الله عليه وسلم ) وجملة ) نحن نعلمهم ( مقررة لما قبلها لما فيها من الدلالة على مهارتهم في النفاق ورسوخهم فيه على وجه يخفى على البشر ولا يظهر لغير الله سبحانه لعلمه بما يخفى وما تجنه الضمائر وتنطوي عليه السرائر ثم توعدهم سبحانه فقال ) سنعذبهم مرتين ( قيل المراد بالمرتين عذاب الدنيا بالقتل والسبي وعذاب


"""""" صفحة رقم 399 """"""
الآخرة وقيل الفضيحة بانكشاف نفاقهم والعذاب في الآخرة وقيل المصائب في أموالهم وأولادهم وعذاب القبر وقيل غير ذلك مما يطول ذكره مع عدم الدليل على أنه المراد بعينه والظاهر أن هذا العذاب المكرر هو في الدنيا بما يصدق عليه اسم العذاب وأنهم يعذبون مرة بعد مرة ثم يردون بعد ذلك إلى عذاب الآخرة وهو المراد بقوله ) ثم يردون إلى عذاب عظيم ( ومن قال إن العذاب في المرة الثانية هو عذاب الآخرة قال معنى قوله ) ثم يردون إلى عذاب عظيم ( أنهم يردون بعد عذابهم في النار كسائر الكفار إلى الدرك الأسفل منها أو أنهم يعذبون في النار عذابا خاصا بهم دون سائر الكفار ثم يردون بعد ذلك إلى العذاب الشامل لهم ولسائر الكفار
التوبة : ( 102 ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه حال طائفة من المسلمين وهم المخلطون في دينهم فقال ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم ( وهو معطوف على قوله منافقون أي وممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة قوم آخرون ويجوز أن يكون آخرون مبتدأ واعترفوا بذنوبهم صفته وخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا خبره والمعنى أن هؤلاء الجماعة تخلفوا عن الغزو لغير عذر مسوغ للتخلف ثم ندموا على ذلك ولم يعتذروا بالأعذار الكاذبة كما اعتذر المنافقون بل تابوا واعترفوا بالذنب ورجوا أن يتوب الله عليهم والمراد بالعمل الصالح ما تقدم من إسلامهم وقيامهم بشرائع الإسلام وخروجهم إلى الجهاد في سائر المواطن والمراد بالعمل السيئ هو تخلفهم عن هذه الغزوة وقد أتبعوا هذا العمل السيئ عملا صالحا وهو الاعتراف به والتوبة عنه وأصل الاعتراف الإقرار بالشيء ومجرد الإقرار لا يكون توبة إلا إذا اقترن به الندم على الماضي والعزم على تركه في الحال والاستقبال وقد وقع منهم ما يفيد هذا كما سيأتي بيانه إن شاء الله ومعنى الخلط أنهم خلطوا كل واحد منهما بالآخر كقولك خلطت الماء باللبن واللبن بالماء
ويجوز أن تكون الواو بمعنى الباء كقولك بعت الشاة شاة وردهما أي بدرهم وفي قوله ) عسى الله أن يتوب عليهم ( دليل على أنه قد وقع منهم مع الاعتراف ما يفيد التوبة أو أن مقدمة التوبة وهى الاعتراف قامت مقام التوبة وحرف الترجي وهو عسى في كلام الله سبحانه يفيد تحقق الوقوع لأن الإطماع من الله سبحانه إيجاب لكونه أكرم الأكرمين ) إن الله غفور رحيم ( أي يغفر الذنوب ويتفضل على عباده
التوبة : ( 103 ) خذ من أموالهم . . . . .
قوله ) خذ من أموالهم صدقة ( اختلف أهل العلم في هذه الصدقة المأمور بها فقيل هى صدقة الفرض وقيل هى مخصوصة بهذه الطائفة المعترفة بذنوبها لأنهم بعد التوبة عليهم عرضوا أموالهم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت هذه الآية و ) من ( للتبعيض على التفسيرين والآية مطلقة مبينة بالسنة المطهرة والصدقة مأخوذة من الصدق إذ هى دليل على صدق مخرجها في إيمانه قوله ) تطهرهم وتزكيهم بها ( الضمير في الفعلين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي تطهرهم وتزكيهم يا محمد بما تأخذه من الصدقة منهم وقيل الضمير في تطهرهم للصدقة أي تطهرهم هذه الصدقة المأخوذة منهم والضمير في تزكيهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي تزكيهم يا محمد بالصدقة المأخوذة والأول أولى لما في الثاني من الاختلاف في الضميرين في الفعلين المتعاطفين وعلى الأول فالفعلان منتصبان على الحال وعلى الثاني فالفعل الأول صفة لصدقة والثاني حال منه ( صلى الله عليه وسلم ) ومعنى التطهير إذهاب ما يتعلق بهم من أثر الذنوب ومعنى التزكية المبالغة في التطهير قال الزجاج والأجود أن تكون المخاطبة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي فإنك يا محمد تطهرهم وتزكيهم بها على القطع والاستئناف ويجوز الجزم على جواب الأمر والمعنى أن تأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقد قرأ الحسن بجزم تطهرهم وعلى هذه القراءة فيكون ) وتزكيهم ( على تقدير مبتدأ أي وأنت تزكيهم بها قوله ) وصل عليهم ( أي ادع لهم بعد أخذك لتلك الصدقة من أموالهم قال النحاس وحكى أهل اللغة جميعا فيما علمناه أن الصلاة في كلام العرب الدعاء ثم علل سبحانه أمره لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بالصلاة على من يأخذ منه الصدقة فقال ) إن صلاتك سكن لهم (


"""""" صفحة رقم 400 """"""
قرأ حفص وحمزة والكسائي صلاتك بالتوحيد وقرأ الباقون بالجمع والسكن ما تسكن إليه النفس وتطمئن به
التوبة : ( 104 ) ألم يعلموا أن . . . . .
قوله ) ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ( لما تاب الله سبحانه على هؤلاء المذكورين سابقا قال الله ) ألم يعلموا ( أي غير التائبين أو التائبون قبل أن يتوب الله عليهم ويقبل صدقاتهم ) أن الله هو يقبل التوبة ( لاستغنائه عن طاعة المطيعين وعدم مبالاته بمعصية العاصين وقرئ ) ألم تعلموا ( بالفوقية وهو إما خطاب للتائبين أو لجماعة من المؤمنين ومعنى ) ويأخذ الصدقات ( أي يتقبلها منهم وفي إسناد الأخذ إليه سبحانه بعد أمره لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأخذها تشريف عظيم لهذه الطاعة ولمن فعلها وقوله ) وأن الله هو التواب الرحيم ( معطوف على قوله ) أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ( مع تضمنه لتأكيد ما اشتمل عليه المعطوف عليه أي أن هذا شأنه سبحانه وفي صيغة المبالغة في التواب وفي الرحيم مع توسيط ضمير الفصل والتأكيد من التبشير لعباده والترغيب لهم ما لا يخفى
التوبة : ( 105 ) وقل اعملوا فسيرى . . . . .
قوله ) وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ( فيه تخويف وتهديد أي إن عملكم لا يخفى على الله ولا على رسوله ولا على المؤمنين فسارعوا إلى أعمال الخير وأخلصوا أعمالكم لله عز وجل وفيه أيضا ترغيب وتنشيط فإن من علم أن عمله لا يخفى سواء كان خير أو شرا رغب إلى أعمال الخير وتجنب أعمال الشر وما أحسن قول زهير ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
والمراد بالرؤية هنا العلم بما يصدر منهم من الأعمال ثم جاء سبحانه بوعيد شديد فقال ) وستردون إلى عالم الغيب والشهادة ( أي وستردون بعد الموت إلى الله سبحانه الذى يعلم ما تسرونه وما تعلنونه وما تخفونه وما تبدونه وفي تقديم الغيب على الشهادة إشعار بسعة علمه عز وجل وأنه لا يخفى عليه شيء ويستوي عنده كل معلوم
ثم ذكر سبحانه ما سيكون عقب ردهم إليه فقال ) فينبئكم ( أي يخبركم ) بما كنتم تعملون ( في الدنيا فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ويتفضل على من يشاء من عباده
التوبة : ( 106 ) وآخرون مرجون لأمر . . . . .
قوله ) وآخرون مرجون لأمر الله ( ذكر سبحانه ثلاثة أقسام في المتخلفين الأول المنافقون الذين مردوا على النفاق والثاني التائبون المعترفون بذنوبهم الثالث الذين بقي أمرهم موقوفا في تلك الحال وهم المرجون لأمر الله من أرجيته وأرجأته إذا أخرته قرأ حمزة والكسائي ونافع وحفص ) مرجون ( بالواو من غير همز وقرأ الباقون بالهمزة المضمومة بعد الجيم والمعنى أنهم مؤخرون في تلك الحال لا يقطع لهم بالتوبة ولا بعدمها بل هم على ما يتبين من أمر الله سبحانه في شأنهم ) إما يعذبهم ( إن بقوا على ما هم عليه ولم يتوبوا ) وإما يتوب عليهم ( إن تابوا توبة صحيحة وأخلصوا إخلاصا تاما والجملة في محل نصب على الحال والتقدير ) وآخرون مرجون لأمر الله ( حال كونهم إما معذبين وإما متوبا عليهم ) والله عليم ( بأحوالهم ) حكيم ( فيما يفعله بهم من خير أو شر
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن أبي موسى أنه سئل عن قوله ) والسابقون الأولون ( فقال هم الذين صلوا القبلتين جميعا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم عن سعيد بن المسيب مثله وأخرج ابن المنذر وأبو نعيم عن الحسن ومحمد بن سيرين مثله أيضا
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال هم أبو بكر وعمر وعلي وسلمان وعمار بن ياسر وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن الشعبي قال هم من أدرك بيعة الرضوان وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والذين اتبعوهم بإحسان ( قال التابعون وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال هم من بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن


"""""" صفحة رقم 401 """"""
زياد قال قلت لمحمد بن كعب القرظي أخبرني عن أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وإنما أريد الفتن قال إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم قلت له وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه قال ألا تقرءون قوله تعالى ) والسابقون الأولون ( الآية أوجب لجميع أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الجنة والرضوان وشرط على التابعين شرطا لم يشرطه فيهم قلت وما اشترط عليهم قال اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان يقول يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة ولا يقتدون بهم في غير ذلك قال أبو صخر فوالله لكأني لم أقرأها قبل ذلك وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي بن كعب وأخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير والقسم ومكحول وعبدة بن أبي لبابة وحسان بن عطية أنهم سمعوا جماعة من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقولون لما أنزلت هذه الآية ) والسابقون الأولون ( إلى قوله ) ورضوا عنه ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذا لأمتي كلهم وليس بعد الرضا سخط وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وممن حولكم من الأعراب ( الآية قال قام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم جمعة خطيبا فقال قم يا فلان فاخرج فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ولم يكن عمر بن الخطاب يشهد تلك الجمعة لحاجة كانت له فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة وظن الناس قد انصرفوا وختبئوا هم من عمر وظنوا أنه قد علم بأمرهم فدخل عمر المسجد فإذا الناس لم ينصرفوا فقال له رجل أبشر يا عمر فقد فضح الله المنافقين اليوم فهو العذاب الأول والعذاب الثاني عذاب القبر وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله ) وممن حولكم من الأعراب ( قال جهينة ومزينة وأشجع وأسلم وغفار وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) مردوا على النفاق ( قال أقاموا عليه ولم يتوبوا كما تاب آخرون وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال ماتوا عليه عبد الله بن أبي وأبو عامر الراهب والجد بن قيس وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) سنعذبهم مرتين ( قال بالجوع والقتل وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك قال بالجوع وعذاب القبر
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن قتادة قال عذاب في القبر وعذاب في النار وقد روى عن جماعة من السلف نحو هذا في تعيين العذابين والظاهر ما قدمنا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا ( قال كانوا عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك فلما حضر رجوع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد وكان ممر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا رجع عليهم فلما رآهم قال من هؤلاء الموثقون أنفسهم قالوا هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله حتى تطلقهم وتعذرهم قال وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذى يطلقهم ورغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فلما بلغهم ذلك قالوا ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذى يطلقنا فنزلت ) عسى الله أن يتوب عليهم ( وعسى من الله واجب فلما نزلت أرسل إليهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأطلقهم وعذرهم فجاءوا بأموالهم فقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا قال ما أمرت أن آخذ أموالكم فأنزل الله عز وجل ) خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ( يقول استغفر لهم ) إن صلاتك سكن لهم ( يقول رحمة لهم فأخذ منهم الصدقة واستغفر لهم وكانوا ثلاثة نفر لم يوثقوا أنفسهم


"""""" صفحة رقم 402 """"""
بالسواري فأرجئوا سنة لا يدرون أيعذبون أو يتاب عليهم فأنزل الله عز وجل ) لقد تاب الله على النبي ( إلى قوله ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( إلى قوله ) ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ( يعني إن استقاموا وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك مثله سواء وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله ) اعترفوا بذنوبهم ( قال هو أبو لبابة إذ قال لقريظة ما قال وأشار إلى حلقه بأن محمدا يذبحكم إن نزلتم على حكمه والقصة مذكورة في كتب السير وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) خلطوا عملا صالحا ( قال غزوهم مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) وآخر سيئا ( قال تخلفهم عنه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وصل عليهم ( قال استغفر لهم من ذنوبهم التى كانوا أصابوها ) إن صلاتك سكن لهم ( قال رحمة لهم وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا أتى بصدقة قال اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال اللهم صل على آل أبي أوفى
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ( قال هذا وعيد من الله عز وجل وأخرج أحمد وأبو يعلي وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا والضياء في المختارة عن أبي سعيد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لأخرج الله عمله للناس كائنا ما كان وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله ) وآخرون مرجون لأمر الله ( قال هم الثلاثة الذين خلفوا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال هم هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك من الأوس والخزرج وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) إما يعذبهم ( يقول يميتهم على معصية ) وإما يتوب عليهم ( فأرجأ أمرهم ثم نسخها فقال ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا )
سورة براءة الآية ( 107 110 )
التوبة : ( 107 ) والذين اتخذوا مسجدا . . . . .
لما ذكر الله أصناف المنافقين وبين طرائقهم المختلفة عطف على ما سبق هذه الطائفة منهم وهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا فيكون التقدير ومنهم الذين اتخذوا على أن الذين مبتدأ وخبره منهم المحذوف والجملة معطوفة على ما تقدمها ويجوز أن يكون الموصول في محل نصب على الذم وقرأ المدنيون وابن عامر ) الذين اتخذوا ( بغير واو فتكون قصة مستقلة الموصول مبتدأ وخبره ) لا تقم ( قاله الكسائي وقال النحاس إن الخبر هو ) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ( وقيل الخبر محذوف والتقدير يعذبون وسيأتي بيان هؤلاء البانين لمسجد الضرار


"""""" صفحة رقم 403 """"""
و ) ضرارا ( منصوب على المصدرية أو على العلية ) وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا ( معطوفة على ) ضرارا ( فقد أخبر الله سبحانه أن الباعث لهم على بناء هذا المسجد أمور أربعة الأول الضرار لغيرهم وهو المضارره الثاني الكفر بالله والمباهاة لأهل الإسلام لأنهم أرادوا ببنائه تقوية أهل النفاق الثالث التفريق بين المؤمنين لأنهم أرادوا أن لا يحضروا مسجد قباء فتقل جماعة المسلمين وفي ذلك من اختلاف الكلمة وبطلان الألفة ما لا يخفى الرابع الإرصاد لمن حارب الله ورسوله أي الإعداد لأجل من حارب الله ورسوله قال الزجاج الإرصاد الانتظار
وقال ابن قتيبة الإرصاد الانتظار مع العداوة وقال الأكثرون هو الإعداد والمعنى متقارب يقال أرصدت لكذا إذا أعددته مرتقبا له به وقال أبو زيد يقال رصدته وأرصدته في الخير وأرصدت له في الشر وقال ابن الأعرابي لا يقال إلا أرصدت ومعناه ارتقبت والمراد بمن حارب الله ورسوله المنافقون ومنهم أبو عامر الراهب أي أعدوه لهؤلاء وارتقبوا به وصولهم وانتظروهم ليصلوا فيه حتى يباهوا بهم المؤمنين وقوله ) من قبل ( متعلق باتخذوا أي اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء ويبنوا مسجد الضرار أو متعلق بحارب أي لمن وقع منه الحرب لله ولرسوله من قبل بناء مسجد الضرار قوله ) وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى ( أي ما أردنا إلا الخصلة الحسنى وهى الرفق بالمسلمين فرد الله عليهم بقوله ) والله يشهد إنهم لكاذبون ( فيما حلفوا عليه
التوبة : ( 108 ) لا تقم فيه . . . . .
ثم نهى الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الصلاة في مسجد الضرار فقال ) لا تقم فيه أبدا ( أي في وقت من الأوقات والنهي عن القيام فيه يستلزم النهي عن الصلاة فيه وقد يعبر عن الصلاة بالقيام يقال فلان يقوم الليل أي يصلي ومنه الحديث الصحيح من قام رمضان إيمانا به واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه
ثم ذكر الله سبحانه علة النهي عن القيام فيه بقوله ) لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ( واللام في ) لمسجد ( لام القسم وقيل لام الابتداء وفي ذلك تأكيد لمضمون الجملة وتأسيس البناء تثبيته ورفعه ومعنى تأسيسه على التقوى تأسيسه على الخصال التى تتقي بها العقوبة
واختلف العلماء في المسجد الذى أسس على التقوى فقالت طائفة هو مسجد قباء كما روى عن ابن عباس والضحاك والحسن والشعبي وغيرهم وذهب آخرون إلى أنه مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأول أرجح لما سيأتي قريبا إن شاء الله و ) من أول يوم ( متعلق بأسس أي أسس على التقوى من أول يوم من أيام تأسيسه قال بعض النحاة إن ) من ( هنا بمعنى منذ أي منذ أول يوم ابتدئ ببنائه وقوله ) أحق أن تقوم فيه ( خبر المبتدأ
والمعنى لو كان القيام في غيره جائزا لكان هذا أولى بقيامك فيه للصلاة ولذكر الله لكونه أسس على التقوى من أول يوم ولكون ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( وهذه الجملة مستأنفة لبيان أحقية قيامه ( صلى الله عليه وسلم ) فيه أي كما أن هذا المسجد أولى من جهة المحل فهو أولى من جهة الحال فيه ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال أي حال كون فيه رجال يحبون أن يتطهروا ويجوز أن تكون صفة أخرى لمسجد ومعنى محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه عند عروض موجبه وقيل معناه يحبون التطهر من الذنوب بالتوبة والاستغفار والأول أولى وقيل يحبون أن يتطهروا بالحمى المطهرة من الذنوب فحموا جميعا وهذا ضعيف جدا ومعنى محبة الله لهم الرضا عنهم والإحسان إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه
التوبة : ( 109 ) أفمن أسس بنيانه . . . . .
ثم بين سبحانه أن بين الفريقين بونا بعيدا فقال ) أفمن أسس بنيانه ( والهمزة للإنكار التقريري والبنيان مصدر كالعمران وأريد به المبنى والجملة مستأنفة والمعنى أن من أسس بناء دينه على قاعدة قوية محكمة وهى تقوى الله ورضوانه خير ممن أسس دينه على ضد ذلك وهو الباطل والنفاق والموصول مبتدأ وخبره خير وقرئ ) أسس بنيانه ( على


"""""" صفحة رقم 404 """"""
بناء الفعل للفاعل ونصب بنيانه واختار هذه القراءة أبو عبيدة وقرئ على البناء للمجهول وقرئ أساس بنيانه بإضافة أساس إلى بنيانه وقرئ أس بنيانه والمراد أصول البناء وحكى أبو حاتم قراءة أخرى وهى آساس بنيانه على الجمع ومنه أصبح الملك ثابت الآساس
بالبهاليل من بني العباس
والشفا الشفير والجرف ما يتجرف بالسيول وهى الجوانب التى تنجرف بالماء والاجتراف اقتلاع الشيء من أصله وقرئ بضم الراء من جرف وبإسكانها والهار الساقط يقال هار البناء إذا سقط وأصله هائر كما قالوا شاك السلاح وشائك كذا قال الزجاج وقال أبو حاتم إن أصله هاور قال في شمس العلوم الجرف ما جرف السيل أصله وأشرف أعلاه فإن الصدع أعلاه فهو الهار اه جعل الله سبحانه هذا مثلا لما بنوا عليه دينهم الباطل المضمحل بسرعة ثم قال ) فانهار به في نار جهنم ( وفاعل فانهار ضمير يعود إلى الجرف أي فانهار الجرف بالبنيان في النار ويجوز أن يكون الضمير في ) به ( يعود إلى من وهو الباني والمعنى أنه طاح الباطل بالبناء أو الباني في نار جهنم وجاء بالانهيار الذى هو للجرف ترشيحا للمجاز وسبحان الله ما أبلغ هذا الكلام وأقوى تراكيبه وأوقع معناه وأفصح مبناه
التوبة : ( 110 ) لا يزال بنيانهم . . . . .
ثم ذكر سبحانه أن بنيانهم هذا موجب لمزيد ريبهم واستمرار ترددهم وشكهم فقال ) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ( أي شكا في قلوبهم ونفاقا ومنه قول النابغة حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مذهب
وقيل معنى الريبة الحسرة والندامة لأنهم ندموا على بنيانه وقال المبرد أي حرارة وغيظا وقد كان هؤلاء الذين بنوا مسجد الضرار منافقين شاكين في دينهم ولكنهم ازدادوا بهدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نفاقا وتصميما على الكفر ومقتا للإسلام لما أصابهم من الغيظ الشديد والغضب العظيم بهدمه ثم ذكر سبحانه ما يدل على استمرار هذه الريبة ودوامها وهو قوله ) إلا أن تقطع قلوبهم ( أي لا يزال هذا إلا أن تتقطع قلوبهم قطعا وتتفرق أجزاء إما بالموت أو بالسيف والمقصود أن هذه الريبة دائمة لهم ما داموا أحياء ويجوز أن يكون ذكر التقطع تصويرا لحال زوال الريبة وقيل معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ويعقوب وأبو جعفر بفتح حرف المضارعة وقرأ الجمهور بضمها
وروى عن يعقوب أنه قرأ ) تقطع ( بالتخفيف والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي إلا أن تقطع يا محمد قلوبهم وقرأ أصحاب عبد الله بن مسعود ? ولو تقطعت قلوبهم ? وقرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم إلى أن تقطع على الغاية أي لا يزالون كذلك إلى أن يموتوا
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ) والذين اتخذوا مسجدا ضرارا ( قال هم أناس من الأنصار ابتنوا مسجدا فقال لهم أبو عامر الراهب ابنوا مسجدكم واستمدوا بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتى بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقالوا قد فرغنا من بناء مسجدنا فيجب أن تصلي فيه وتدعو بالبركة فأنزل الله ) لا تقم فيه أبدا ( وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه قال لما بنى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مسجد قباء خرج رجال من الأنصار منهم بجدح جد عبد الله بن حنيف ووديعة بن حزام ومجمع بن جارية الأنصاري فبنوا مسجد النفاق فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لبجدح ويلك يا بجدح ما أردت إلى ما رأى فقال يا رسول الله والله ما أردت إلا الحسنى وهو كاذب فصدقه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأراد أن يعذره فأنزل الله تعالى ) والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله (


"""""" صفحة رقم 405 """"""
يعني رجلا يقال له أبو عامر كان محاربا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكان قد انطلق إلى هرقل وكانوا يرصدون إذا قدم أبو عامر أن يصلي فيه وكان قد خرج من المدينة محاربا لله ولرسوله وأخرج ابن إسحاق وابن مردويه عنه أيضا قال دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مالك بن الدخشم فقال مالك لعاصم أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي فدخل على أهله فأخذ سعفات من نار ثم خرجوا يشتدون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وخرج أهله فتفرقوا عنه فأنزل الله هذه الآية ولعل في هذه الرواية حذفا بين قوله ( صلى الله عليه وسلم ) دعا رسول الله مالك بن الدخشم وبين قوله فقال مالك لعاصم ويبين ذلك ما أخرج ابن إسحاق وابن مردويه عن أبي رهم كلثوم بن الحصين الغفاري وكان من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة قال أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حتى نزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة الشاتية والليلة المطيرة وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه قال إني على جناح سفر ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي وأخاه عاصم بن عدي أحد بني العجلان فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك لمعن أنظرني حتى أخرج إليك فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه ونزل فيهم من القرآن ما نزل ) والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ( إلى آخر القصة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم إن الذين بنوا مسجد الضرار كانوا اثنى عشر رجلا وذكر أسماءهم وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال اختلف رجلان رجل من بني خدرة وفي لفظ تماريت أنا ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذى أسس على التقوى قال الخدري هو مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال العمري هو مسجد قباء فأتيا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسألاه عن ذلك فقال هو هذا المسجد لمسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقال في ذلك خير كثير يعني مسجد قباء وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم في الكنى وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدى نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال سألت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن المسجد الذى أسس على التقوى قال هو مسجدي هذا وأخرج الطبراني والضياء المقدسي في المختارة عن زيد بن ثابت مرفوعا مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه والطبراني من طريق عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال المسجد الذى أسس على التقوى من أول يوم مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال عروة مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خير منه إنما أنزلت في مسجد قباء وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عمر قال المسجد الذى أسس على التقوى مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج المذكوران عن أبي سعيد الخدري مثله وقد روى عن جماعة غير هؤلاء مثل قولهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنه مسجد قباء وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك مثله ولا يخفاك أن النبي صلى


"""""" صفحة رقم 406 """"""
الله عليه وآله وسلم قد عين هذا المسجد الذى أسس على التقوى وجزم بأنه مسجده ( صلى الله عليه وسلم ) كما قدمنا من الأحاديث الصحيحة فلا يقاوم ذلك قول فرد من الصحابة ولا جماعة منهم ولا غيرهم ولا يصح لإيراده في مقابلة ما قد صح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا فائدة في إيراد ما ورد في فضل الصلاة في مسجد قباء فإن ذلك لا يستلزم كونه المسجد الذى أسس على التقوى على أن ما ورد في فضائل مسجده ( صلى الله عليه وسلم ) أكثر مما ورد في فضل مسجد قباء بلا شك ولا شبهة تعم وأخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال نزلت هذه الآية في أهل قباء ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( قال وكانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية وفي إسناده يونس بن الحارث وهو ضعيف وأخرج الطبراني وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى عويم بن ساعدة فقال ما هذا الطهور الذى أثنى الله عليكم فقالوا يا رسول الله ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه أو قال مقعدته فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) هو هذا وأخرج أحمد وابن خزيمة والطبراني والحاكم وابن مردويه عن عويم بن ساعدة الأنصاري أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أتاهم في مسجد قباء فقال إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الطهور الذى تتطهرون به فقالوا والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا رواه أحمد عن حسن بن محمد حدثنا أبو أويس حدثنا شرحبيل عن عويم بن ساعدة فذكره وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وأخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الجارود في المنتقى والدارقطني والحاكم وابن مردويه وابن عساكر عن طلحة بن نافع قال حدثني أبو أيوب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك أن هذه الآية لما نزلت ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يا معشر الأنصار إن الله قد اثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا قالوا نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة قال فهل مع ذلك غيره قالوا لا غير أن أحدنا إذا خرج إلى الغائط أحب أن يستنجي بالماء قال هو ذاك فعليكموه وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه وابن جرير والبغوى في معجمه والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن محمد بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال لما أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المسجد الذى أسس على التقوى مسجد قباء فقال إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني يعني قوله تعالى ) فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ( فقالوا يا رسول الله إنا لنجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء ونحن نفعله اليوم وإسناد أحمد في هذا الحديث هكذا حدثنا يحيى بن آدم حدثني مالك يعني ابن مغول سمعت سيارا أبا الحكم عن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام وقد روى عن جماعة من التابعين في ذكر سبب نزول الآية نحو هذا ولا يخفاك أن بعض هذه الأحاديث ليس فيه تعيين مسجد قباء وأهله وبعضها ضعيف وبعضها لا تصريح فيه بأن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجد قباء وعلى كل حال لا تقاوم تلك الأحاديث المصرحة بأن المسجد الذى أسس على التقوى هو مسجد النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في صحتها وصراحتها وأخرج بن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله فانهار بهم في نار جهنم قال يعني قواعده في نار جهنم وأخرج مسدد في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال لقد رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حيث أنهار على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس


"""""" صفحة رقم 407 """"""
في قوله ) لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ( قال يعني الشك ) إلا أن تقطع قلوبهم ( يعني الموت وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حبيب بن أبي ثابت في قوله ) ريبة في قلوبهم ( قال غيظا في قلوبهم ) إلا أن تقطع قلوبهم ( قال إلى أن يموتوا وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان في قوله ) إلا أن تقطع قلوبهم ( قال إلا أن يتوبوا
سورة براءة الآية ( 111 112 )
التوبة : ( 111 ) إن الله اشترى . . . . .
لما شرح فضائح المنافقين وقبائحهم بسبب تخلفهم عن غزوة تبوك وذكر أقسامهم وفرع على كل قسم منها ما هو لائق به عاد على بيان فضيلة الجهاد والترغيب فيه وذكر الشراء تمثيل كما في قوله ) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ( مثل سبحانه إثابة المجاهدين بالجنة على بذلهم أنفسهم وأموالهم في سبيل الله بالشراء وأصل الشراء بين العباد هو إخراج الشيء عن الملك بشيء آخر مثله أو دونه أو أنفع منه فهؤلاء المجاهدون باعوا أنفسهم من الله بالجنة التى أعدها للمؤمنين أي بأن يكونوا من جملة أهل الجنة وممن يسكنها فقد جادوا بأنفسهم وهى أنفس الاعلاق والجود بها غاية الجود يجود بالنفس إن ضن الجبان بها
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وجاد الله عليهم بالجنة وهى أعظم ما يطلبه العباد ويتوسلون إليه بالأعمال والمراد بالأنفس هنا أنفس المجاهدين وبالأموال ما ينفقونه في الجهاد قوله ) يقاتلون في سبيل الله ( بيان للبيع الذى يقتضيه الإشتراء المذكور كأنه قيل كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة فقيل يقاتلون في سبيل الله ثم بين هذه المقاتلة في سبيل الله بقوله ) فيقتلون ويقتلون ( والمراد أنهم يقدمون على قتل الكفار في الحرب ويبذلون أنفسهم في ذلك فإن فعلوا فقد استحقوا الجنة وإن لم يقع القتل عليهم بعد الإبلاء في الجهاد والتعرض للموت بالإقدام على الكفار قرأ الأعمش والنخعي وحمزة والكسائي ? وخلف ? بتقديم المبني للمفعول على المبني للفاعل وقرأ الباقون بتقديم المبني للفاعل على المبني للمفعول وقوله ) وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ( إخبار من الله سبحانه أن فريضة الجهاد واستحقاق الجنة بها قد ثبت الوعد بها من الله في التوراة والإنجيل كما وقع في القرآن وانتصاب وعدا وحقا على المصدرية أو الثاني نعت للأول وفي التوراة متعلق بمحذوف أي وعدا ثابتا فيها قوله ) ومن أوفى بعهده من الله ( في هذا من تأكيد الترغيب للمجاهدين في الجهاد والتنشيط لهم على بذل الأنفس والأموال ما لا يخفى فإنه أولا أخبر بأنه قد اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة وجاء بهذه العبارة الفخيمة وهى كون الجنة قد صارت ملكا لهم ثم أخبر ثانيا بأنه قد وعد بذلك في كتبه المنزلة ثم أخبر بأنه بعد هذا الوعد الصادق لا بد من حصول الموعود به فإنه لا أحد أوفى بعهده من الله سبحانه وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد ثم زادهم سرورا وحبورا فقال


"""""" صفحة رقم 408 """"""
) فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ( أي أظهروا السرور بذلك والبشارة هى إظهار السرور وظهوره يكون في بشرة الوجه ولذا يقال أسارير الوجه أي التى يظهر فيها السرور وقد تقدم إيضاح هذا والفاء لترتيب الاستبشار على ما قبله والمعنى أظهروا السرور بهذا البيع الذى بايعتم به الله عز وجل فقد ربحتم فيه ربحا لم يربحه أحد من الناس إلا من فعل مثل فعلكم والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى الجنة أو إلى نفس البيع الذى ربحوا فيه الجنة ووصف الفوز وهو الظفر بالمطلوب بالعظم يدل على أنه فوز لا فوز مثله
التوبة : ( 112 ) التائبون العابدون الحامدون . . . . .
قوله ) التائبون ( خبر مبتدأ محذوف أي هم التائبون يعني المؤمنون والتائب الراجع أي هم الراجعون إلى طاعة الله عن الحالة المخالفة للطاعة وقال الزجاج الذى عندي أن قوله ) التائبون العابدون ( رفع بالابتداء وخبره مضمر أي التائبون ومن بعدهم إلى آخر الآية لهم الجنة أيضا وإن لم يجاهدوا قال وهذا أحسن إذ لو كانت هذه أوصافا للمؤمنين المذكورين في قوله ) اشترى من المؤمنين ( لكان الوعد خاصا بمجاهدين وقد ذهب إلى ما ذهب إليه الزجاج من أن هذا الكلام منفصل عما قبله طائفة من المفسرين وذهب آخرون إلى أن هذه الأوصاف راجعة إلى المؤمنين في الآية الأولى وأنها على جهة الشرط أي لا يستحق الجنة بتلك المبايعة إلا من كان من المؤمنين على هذه الأوصاف
وفي مصحف عبد الله بن مسعود ? التائبين العابدين ? إلى آخرها وفيه وجهان أحدهما أنها أوصاف المؤمنين
الثاني أن النصب على المدح وقيل إن ارتفاع هذه الأوصاف على البدل من ضمير يقاتلون وجوز صاحب الكشاف أن يكون التائبون مبتدأ وخبره العابدون وما بعده أخبار كذلك أي التائبون من الكفر على الحقيقة الجامعون لهذه الخصال وفيه من البعد ما لا يخفى والعابدون القائمون بما أمروا به من عبادة الله مع الإخلاص
) الحامدون ( الذين يحمدون الله سبحانه على السراء والضراء و ) السائحون ( قيل هم الصائمون وإليه ذهب جمهور المفسرين ومنه قوله تعالى ) عابدات سائحات ( وإنما قيل للصائم سائح لأنه يترك اللذات كما يتركها السائح في الأرض ومنه قول أبي طالب بن عبد المطلب وبالسائحين لا يذوقون فطرة
لربهم والراكدات العوامل
وقال آخر تراه يصلي ليله ونهاره
يظل كثير الذكر لله سائحا
قال الزجاج ومذهب الحسن أن السائحين هاهنا هم الذين يصومون الفرض وقيل إنهم الذين يديمون الصيام
وقال عطاء السائحون المجاهدون وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم السائحون المهاجرون وقال عكرمة هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم وقيل هم الجائلون بأفكارهم في توحيد ربهم وملكوته وما خلق من العبر
والسياحة في اللغة أصلها الذهاب على وجه الأرض كما يسيح الماء وهى مما يعين العبد على الطاعة لانقطاعه عن الخلق ولما يحصل له من الاعتبار بالتفكر في مخلوقات الله سبحانه و ) الراكعون الساجدون ( معناه المصلون و ) الآمرون بالمعروف ( القائمون بأمر الناس بما هو معروف في الشريعة ) والناهون عن المنكر ( القائمون بالإنكار على من فعل منكرا أي شيئا ينكره الشرع ) والحافظون لحدود الله ( القائمون بحفظ شرائعه التى أنزلها في كتبه وعلى لسان رسله وإنما أدخل الواو في الوصفين الآخرين وهما ) والناهون عن المنكر والحافظون ( الخ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنزلة خصلة واحدة ثم عطف عليه الحافظون بالواو لقربه وقيل إن العطف في الصفات يجيء بالواو وبغيرها كقوله ) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ( وقيل إن الواو زائدة وقيل هى واو الثمانية المعروفة عند النحاة كما في قوله تعالى ) ثيبات وأبكارا ( وقوله ) وفتحت أبوابها ( وقوله


"""""" صفحة رقم 409 """"""
) سبعة وثامنهم كلبهم ( وقد أنكروا والثمانية أبو علي الفارسي وناظره في ذلك ابن خالويه ) وبشر المؤمنين ( الموصوفين بالصفات السابقة
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا قال عبد الله بن رواحة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اشترط لربك ولنفسك ما شئت قال أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا قال الجنة قال ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ( الآية وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال أنزلت هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو في المسجد ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ( فكبر الناس في المسجد فأقبل رجل من الأنصار ثانيا طرفي ردائه على عاتقه فقال يا رسول الله أنزلت هذه الآية قال نعم فقال الأنصاري بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل وقد أخرج ابن سعد عن عبادة بن الصامت أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اشترط في بيعة العقبة على من بايعه من الأنصار أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة والسمع والطاعة ولا ينازعوا في الأمر أهله
ويمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم قالوا نعم قال قائل الأنصار نعم هذا لك يا رسول الله فما لنا قال الجنة وأخرجه ابن سعد أيضا من وجه آخر وليس في قصة العقبة ما يدل على أنها سبب نزول الآية
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن عباس قال من مات على هذه التسع فهو في سبيل الله ) التائبون العابدون ( إلى آخر الآية وأخرج بن جرير وأبو الشيخ وابن المنذر عن ابن عباس قال الشهيد من كان فيه التسع الخصال المذكورة في هذه الآية وأخرج أبو الشيخ عنه قال العابدون الذين يقيمون الصلاة وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء وأخرج ابن جرير عن عبيد بن عمير قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن السائحين فقال هم الصائمون وأخرج الفريابي وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عبيد بن عمير عن أبي هريرة مرفوعا مثله وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه وابن النجار من طريق أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا مثله وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا مثله وقد روى عن أبي هريرة موقوفا وهو أصح من المرفوع من طريقه وحديث عبيد بن عمير مرسل وقد أسنده من طريق أبي هريرة في الرواية الثانية وقد روى من قول جماعة من الصحابة مثل هذا منهم عائشة عند ابن جرير وابن المنذر ومنهم ابن عباس عند ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبي الشيخ ومنهم ابن مسعود عند هؤلاء المذكورين قبله وروى نحو ذلك عن جماعة من التابعين وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة أن رجلا استأذن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في السياحة فقال إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله وصححه عبد الحق وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في هذه الآية قال هذه أعمال قال فيها أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله قضى على نفسه في التوراة والإنجيل والقرآن لهذه الأمة أن من قتل منهم على هذه الأعمال كان عند الله شهيدا ومن مات منهم عليها فقد وجب أجره على الله وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال الشهيد من لو مات على فراشه دخل الجنة قال وقال ابن عباس من مات وفيه تسع فهو شهيد وقرأ هذه الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في


"""""" صفحة رقم 410 """"""
قوله ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ( يعني بالجنة ثم قال ) التائبون ( إلى قوله ) والحافظون لحدود الله ( يعني القائمين على طاعة الله وهو شرط اشترطه الله على أهل الجهاد وإذا وفوا لله بشرطه وفي لهم بشرطهم
سورة براءة الآية ( 113 114 )
التوبة : ( 113 ) ما كان للنبي . . . . .
لما بين الله سبحانه في أول السورة وما بعده أن البراءة من المشركين والمنافقين واجبة بين سبحانه هنا ما يزيد ذلك تأكيدا وصرح بأن ذلك متحتم ولو كانوا أولى قربى وأن القرابة في مثل هذا الحكم لا تأثير لها وقد ذكر أهل التفسير أن ) ما كان ( في القرآن يأتي على وجهين الأول على النفي نحو ) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ( والآخر على معنى النهي نحو ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( و ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ( وهذه الآية متضمنة لقطع الموالاة للكفار وتحريم الاستغفار لهم والدعاء بما لا يجوز لمن كان كافرا ولا ينافي هذه ما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) في الصحيح أنه قال يوم أحد حين كسر المشركون رباعيته وشجوا وجهه اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون لأنه يمكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغه تحريم الاستغفار للمشركين وعلى فرض أنه قد كان بلغه كما يفيده سبب النزول فإنه قبل يوم أحد بمدة طويلة وسيأتي فصدور هذا الاستغفار منه لقومه إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من الأنبياء كما في صحيح مسلم عن عبد الله قال كأني أنظر إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون وفي البخاري أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذكر نبيا قبله شجه قومه فجعل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخبر عنه بأنه قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون قوله ) من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ( هذه الجملة تتضمن التعليل للنهي عن الاستغفار والمعنى أن هذا التبين موجب لقطع الموالاة لمن كان هكذا وعدم الاعتداء بالقرابة لأنهم ماتوا على الشرك وقد قال سبحانه ) إن الله لا يغفر أن يشرك به ( فطلب المغفرة لهم في حكم المخالفة لوعد الله ووعيده
التوبة : ( 114 ) وما كان استغفار . . . . .
قوله ) وما كان استغفار إبراهيم لأبيه ( الآية ذكر الله سبحانه السبب في استغفار إبراهيم لأبيه أنه كان لأجل وعد تقدم من إبراهيم لأبيه بالاستغفار له ولكنه ترك ذلك وتبرأ منه لما تبين له أنه عدو لله وأنه غير مستحق للاستغفار وهذا يدل على أنه إنما وعده قبل أن يتبين له أنه من أهل النار ومن أعداء الله فلا حاجة إلى السؤال الذى يورده كثير من المفسرين أنه كيف خفى ذلك على إبراهيم فإنه لم يخف عليه تحريم الاستغفار لمن أصر على الكفر ومات عليه وهو لم يعلم ذلك إلا بإخبار الله سبحانه له بأنه عدو الله فإن ثبوت هذه العداوة تدل على الكفر وكذلك لم يعلم نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) بتحريم ذلك إلا بعد أن أخبره الله بهذه الآية وهذا حكم إنما يثبت بالسمع لا بالعقل وقيل المراد من استغفار إبراهيم لأبيه دعاؤه إلى الإسلام وهو ضعيف جدا وقيل المراد بالاستغفار في هذه الآية النهي عن الصلاة على جنائز الكفار فهو كقوله ) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ( ولا حاجة إلى تفسير الاستغفار بالصلاة ولا ملجيء إلى ذلك ثم ختم الله سبحانه هذه الآية بالثناء العظيم على إبراهيم فقال ) إن إبراهيم لأواه ( وهو كثير التأوه كما تدل على ذلك صيغة المبالغة


"""""" صفحة رقم 411 """"""
وقد اختلف أهل العلم في معنى الأواه فقال ابن مسعود وعبيد بن عمير إنه الذى يكثر الدعاء وقال الحسن وقتادة إنه الرحيم بعباد الله وروى عن ابن عباس أنه المؤمن بلغة الحبشة وقال الكلبي إنه الذى يذكر الله في الأرض القفر وروى مثله عن ابن المسيب وقيل الذى يكثر الذكر لله من غير تقييد روى ذلك عن عقبة بن عامر وقيل هو الذى يكثر التلاوة حكى ذلك عن ابن عباس وقيل أنه الفقيه قاله مجاهد والنخعي وقيل المتضرع الخاضع روى ذلك عن عبد الله بن شداد بن الهاد وقيل هو الذى إذا ذكر خطاياه استغفر لها روى ذلك عن أبي أيوب وقيل هو الشفيق قاله عبد العزيز بن يحيى وقيل إنه المعلم للخير وقيل إنه الراجع عن كل ما يكرهه الله قاله عطاء والمطابق لمعنى الأواه لغة أن يقال إنه الذى يكثر التأوه من ذنوبه فيقول مثلا آه من ذنوبي آه مما أعاقب به بسببها ونحو ذلك وبه قال الفراء وهو مروى عن أبي ذر ومعنى التأوه هو أن يسمع للصدر صوت من تنفس الصعداء قال في الصحاح وقد أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه والاسم منه آهة بالمد قال إذا ما قمت أرحلها بليل
تأوه آهة الرجل الحزين
و ) الحليم ( الكثير الحلم كما تفيده صيغة المبالغة وهو الذى يصفح عن الذنوب ويصبر على الأذى وقيل الذى لا يعاقب أحدا قط إلا لله
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج البخارى ومسلم وغيرها عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لما حضرت الوفاة أبا طالب دخل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده أبو جهل وعبد الله بن أميه فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يعرضها عليه وأبو جهل وعبد الله يعاندانه بتلك المقالة فقال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت ) ما كان للنبي ( الآية وأنزل الله في أبي طالب ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ( وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي والنسائي وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والضياء في المختارة عن علي قال سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان فقلت تستغفر لأبويك وهما مشركان فقال أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه فذكرت ذلك للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت ) ما كان للنبي ( الآية وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن علي قال أخبرت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بموت أبي طالب فبكى فقال اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ففعلت وجعل رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يستغفر له أياما ولا يخرج منه من بيته حتى نزل عليه ) ما كان للنبي ( الآية وقد روى كون سبب نزول الآية استغفار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأبي طالب من طرق كثيرة منها عن محمد بن كعب عند ابن أبي حاتم وأبي الشيخ وهو مرسل ومنها عن عمرو بن دينار عند ابن جرير وهو مرسل أيضا ومنها عن سعيد بن المسيب عند ابن جرير وهو مرسل أيضا ومنها عن عمر بن الخطاب عند ابن سعد وأبي الشيخ وابن عساكر ومنها عن الحسن البصري عند ابن عساكر وهو مرسل
وروى أنها نزلت بسبب زيارة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لقبر أمه واستغفاره لها من طريق ابن عباس عند الطبراني وابن مردويه ومن طريق ابن مسعود عند ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وعن بريدة عند ابن مردويه وما في الصحيحين مقدم على ما لم يكن فيهما على فرض أنه صحيح فكيف هو ضعيف


"""""" صفحة رقم 412 """"""
غالبه وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ( إلى قوله ) كما ربياني صغيرا ( قال ثم استثنى فقال ) ما كان للنبي ( إلى قوله ) إلا عن موعدة وعدها إياه ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فلما تبين له أنه عدو لله ( قال تبين له حين مات وعلم أن التوبة قد انقطعت منه وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو بكر الشافعي في فوائده والضياء في المختارة عن ابن عباس قال لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبين له أنه عدو لله فتبرأ منه وأخرج ابن مردويه عن جابر أن رجلا كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل لو أن هذا خفض صوته فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دعه فإنه أواه واخرج الطبراني وابن مردويه عن عقبة بن عامر ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لرجل يقال له ذو النجادين إنه أواه وذلك أنه كان يكثر ذكر الله بالقرآن والدعاء وأخرجه أيضا أحمد قال حدثنا موسى بن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر فذكره
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال قال رجل يا رسول الله ما الأواه قال الخاشع المتضرع الدعاء وهذا إن ثبت وجب المصير إليه وتقديمه على ما ذكره أهل اللغة في معنى الأواه وإسناده عند ابن جرير هكذا حدثني المثنى حدثني الحجاج بن منهال حدثنا عبد الحميد بن بهرام حدثنا شهر بن حوشب عن عبد الله بن شداد فذكره وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) إن إبراهيم لأواه حليم ( قال كان من حلمه أنه كان إذا أذاه الرجل من قومه قال له هداك الله
سورة براءة الآية ( 115 119 )
التوبة : ( 115 ) وما كان الله . . . . .
لما نزلت الآية المتقدمة في النهي عن الاستغفار للمشركين خاف جماعة ممن كان يستغفر لهم العقوبة من الله بسبب ذلك الاستغفار فأنزل الله سبحانه ) وما كان الله ليضل قوما ( الخ أي أن الله سبحانه لا يوقع الضلال على قوم ولا يسميهم ضلالا بعد أن هداهم إلى الإسلام والقيام بشرائعه ما لم يقدموا على شئ من المحرمات بعد أن يتبين لهم أنه محرم وأما قبل أن يتبين لهم ذلك فلا إثم عليهم ولا يؤاخذون به ومعنى ) حتى يبين لهم ما يتقون ( حتى يتبين لهم ما يجب عليهم اتقاؤه من محرمات الشرع ) أن الله بكل شيء عليم ( مما يحل لعباده ويحرم عليهم ومن سائر الأشياء التى خلقها
التوبة : ( 116 ) إن الله له . . . . .
ثم بين لهم أن له سبحانه ملك السموات والأرض لا يشاركه في ذلك مشارك ولا ينازعه


"""""" صفحة رقم 413 """"""
منازع يتصرف في ملكه بما شاء من التصرفات التى من جملتها أنه يحيى من قضت مشيئته بإحيائه ويميت من قضت مشيئته بإماتته وما لعباده من دونه من ولي يواليهم ولا نصير ينصرهم فلا يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى فإن القرابة لا تنفع شيئا ولا تؤثر أثرا بل التصرف في جميع الأشياء لله وحده
التوبة : ( 117 ) لقد تاب الله . . . . .
قوله ) لقد تاب الله على النبي ( فيما وقع منه ( صلى الله عليه وسلم ) من الإذن في التخلف أو فيما وقع منه من الاستغفار للمشركين وليس من لازم التوبة أن يسبق الذنب ممن وقعت منه أوله لأن كل العباد محتاج إلى التوبة والاستغفار وقد تكون التوبة منه تعالى على النبي من باب أنه ترك ما هو الأولى والأليق كما في قوله ) عفا الله عنك لم أذنت لهم ( ويجوز أن يكون ذكر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأجل التعريض للمذنبين بأن يتجنبوا الذنوب ويتوبوا عما قد لابسوه منها وكذلك تاب الله سبحانه على المهاجرين والأنصار فيما قد اقترفوه من الذنوب ومن هذا القبيل ما صح عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من قوله إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ثم وصف سبحانه المهاجرين والأنصار بأنهم الذين اتبعوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يتخلفوا عنه وساعة العسرة هى غزوة تبوك فإنهم كانوا في عسرة شديدة فالمراد بالساعة جميع أوقات تلك الغزوة ولم يرد ساعة بعينها والعسرة صعوبة الأمر قوله ) من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ( في كاد ضمير الشأن وقلوب مرفوع بتزيغ عند سيبويه وقيل هى مرفوعة بكاد ويكون التقدير من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ وقرأ الأعمش وحمزة وحفص يزيغ بالتحتية قال أبو حاتم من قرأ بالياء التحتية فلا يجوز له أن يرفع القلوب بكاد قال النحاس والذى لم يجزه جائز عند غيره على تذكير الجمع ومعنى ? تزيغ ? تتلف بالجهد والمشقة والشدة وقيل معناه تميل عن الحق وتترك المناصرة والممانعة وقيل معناه تهم بالتخلف عن الغزو لما هم فيه من الشدة العظيمة وفي قراءة ابن مسعود ? من بعد ما زاغت ? وهم المتخلفون على هذه القراءة وفي تكرير التوبة عليهم بقوله ) ثم تاب عليهم ليتوبوا ( تأكيد ظاهر واعتناء بشأنها هذا إن كان الضمير راجعا إلى من تقدم ذكر التوبة عنهم وإن كان الضمير إلى الفريق فلا تكرار
التوبة : ( 118 ) وعلى الثلاثة الذين . . . . .
قوله ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( أي وتاب على الثلاثة الذين خلفوا أي أخروا ولم تقبل توبتهم في الحال كما قبلت توبة أولئك المتخلفين المتقدم ذكرهم قال ابن جرير معنى خلفوا تركوا يقال خلفت فلانا فارقته وقرأ عكرمة بن خالد ) خلفوا ( بالتخفيف أي أقاموا بعد نهوض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين إلى الغزو وقرأ جعفر بن محمد خالفوا وهؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع أو ابن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي وكلهم من الأنصار لم يقبل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) توبتهم حتى نزل القرآن بأن الله قد تاب عليهم وقيل معنى خلفوا فسدوا مأخوذ من خلوف الفم
قوله ) حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( معناه أنهم أخروا عن قبول التوبة إلى هذه الغاية وهى وقت أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وما مصدرية أي برحبها لإعراض الناس عنهم وعدم مكالمتهم من كل أحد لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نهى الناس أن يكالموهم والرحب الواسع يقال منزل رحب ورحيب ورحاب وفي هذه الآية دليل على جواز هجران أهل المعاصي تأديبا لهم لينزجروا عن المعاصي ومعنى ضيق أنفسهم عليهم أنها ضاقت صدورهم بما نالهم من الوحشة وبما حصل لهم من الجفوة وعبر بالظن في قوله ) وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ( عن العلم أي علموا أن لا ملجأ يلجئون إليه قط إلا إلى الله سبحانه بالتوبة والاستغفار قوله ) ثم تاب عليهم ليتوبوا ( أي رجع عليهم بالقبول والرحمة وأنزل في القرآن التوبة عليهم ليستقيموا أو وفقهم للتوبة فيما يستقبل من الزمان إن فرطت منهم خطيئة ليتوبوا عنها ويرجعوا إلى الله فيها ويندموا على ما وقع


"""""" صفحة رقم 414 """"""
منهم ) إن الله هو التواب ( أي الكثير القبول لتوبة التائبين ) الرحيم ( أي الكثير الرحمة لمن طلبها من عباده
التوبة : ( 119 ) يا أيها الذين . . . . .
قوله ) وكونوا مع الصادقين ( هذا الأمر بالكون مع الصادقين بعد قصة الثلاثة فيه الإشارة إلى أن هؤلاء الثلاثة حصل لهم بالصدق ما حصل من توبة الله وظاهر الآية الأمر للعباد على العموم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم ( قال نزلت حين أخذوا الفداء من المشركين يوم الأسارى قال لم يكن لكم أن تأخذوه حتى يؤذن لكم ولكن ما كان الله ليعذب قوما بذنب أذنبوه ) حتى يبين لهم ما يتقون ( قال حتى ينهاهم قبل ذلك وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال بيان الله للمؤمنين في الاستغفار للمشركين خاصة وفي بيانه طاعته ومعصيته غامض ما فعلوا أو تركوا وأخرج ابن جرير وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عباس أنه قال لعمر بن الخطاب حدثنا من شأن ساعة العسرة فقال خرجنا مع رسول الله إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقى على كبده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأهطلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر وقد وقع الاتفاق بين الرواة أن ساعة العسرة هى غزوة تبوك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن منده وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن جابر بن عبد الله في قوله ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( قال كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكلهم من الأنصار وأخرج ابن منده وابن عساكر عن ابن عباس مثله وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن كعب بن مالك قال لم أتخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة العقبة حين توافقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر منها في الناس وأشهر ثم ذكر القصة الطويلة المشهورة في كتب الحديث والسير وهى معلومة عند أهل العلم فلا نطول بذكرها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله ) وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( قال يعني خلفوا عن التوبة لم يتب عليهم حين تاب الله على أبي لبابة وأصحابه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن عساكر عن عكرمة نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن نافع في قوله ) وكونوا مع الصادقين ( قال نزلت في الثلاثة الذين خلفوا قيل لهم كونوا مع محمد وأصحابه وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله ) وكونوا مع الصادقين ( قال مع أبي بكر وعمر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عساكر عن الضحاك في الآية قال مع أبي بكر وعمر وأصحابهما وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال مع علي بن أبي طالب وأخرج ابن عساكر عن أبي جعفر قال مع الثلاثة الذين خلفوا


"""""" صفحة رقم 415 """"""
سورة براءة الآية ( 120 121 )
التوبة : ( 120 ) ما كان لأهل . . . . .
في قوله ) ما كان لأهل المدينة ( الخ زيادة تأكيد لوجوب الغزو مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتحريم التخلف عنه أي ما صح وما استقام لأهل المدينة ) ومن حولهم من الأعراب ( كمزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار ) أن يتخلفوا عن رسول الله ( ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك وإنما خصهم الله سبحانه لأنهم قد استنفروا فلم ينفروا بخلاف غيرهم من العرب فإنهم لم يستنفروا مع كون هؤلاء لقربهم وجوارهم أحق بالنصرة والمتابعة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ( أي وما كان لهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه فيشحون بها ويصونونها ولا يشحون بنفس رسول الله ويصونونها كما شحوا بأنفسهم وصانوها يقال رغبت عن كذا أي ترفعت عنه بل واجب عليهم أن يكابدوا معه المشاق ويجاهدوا بين يديه أهل الشقاق
ويبذلوا أنفسهم دون نفسه وفي هذا الإخبار معنى الأمر لهم مع ما يفيده إيراده على هذه الصيغة من التوبيخ لهم والتقريع الشديد والتهييج لهم والإزراء عليهم والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما يفيده السياق من وجوب المتابعة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أي ذلك الوجوب عليهم بسبب أنهم مثابون على أنواع المتاعب وأصناف الشدائد والظمأ العطش والنصب التعب والمخمصة المجاعة الشديدة التى يظهر عندها ضمور البطن وقرأ عبيد بن عمير ظماء بالمد وقرأ غيره بالقصر وهما لغتان مثل خطأ وخطاء و ) لا ( في هذه المواضع زائدة للتأكيد ومعنى ) في سبيل الله ( في طاعة الله قوله ) ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ( أي لا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار بأقدامهم أو بحوافر خيولهم أو بأخفاف رواحلهم فيحصل بسبب ذلك الغيظ للكفار
والموطيء اسم مكان ويجوز أن يكون مصدرا ) ولا ينالون من عدو نيلا ( أي يصيبون من عدوهم قتلا أو أسرا أو هزيمة أو غنيمة وأصله من نلت الشيء أنال أي أصيب قال الكسائي هو من قولهم أمر منيل منه
وليس هو من التناول إنما التناول من نلته بالعطية قال غيره نلت أنول من العطية ونلته أناله أدركته
والضمير في ) به ( يعود إلى كل واحد من الأمور المذكورة والعمل الصالح الحسنة المقبولة أي إلا كتبه الله لهم حسنة مقبولة يجازيهم بها وجملة ) إن الله لا يضيع أجر المحسنين ( في حكم التعليل لما سبق مع كونه يشمل كل محسن ويصدق على المذكورين هنا صدقا أوليا
التوبة : ( 121 ) ولا ينفقون نفقة . . . . .
قوله ) ولا ينفقون نفقة ( معطوف على ما قبله أي ولا يقع منهم الإنفاق في الحرب وإن كان شيئا صغيرا يسيرا ) ولا يقطعون واديا ( وهو في الأصل كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذا للسيل والعرب تقول واد وأودية على غير قياس قال النحاس ولا يعرف فيما علمت فاعل وأفعله ) إلا كتب لهم ( أي كتب لهم ذلك الذى عملوه من النفقة والسفر في الجهاد ) ليجزيهم الله ( به ) أحسن ما كانوا يعملون ( أي أحسن جزاء ما كانوا يعملون من الأعمال ويجوز أن يكون في قوله ) إلا كتب لهم ( ضمير يرجع إلى عمل صالح وقد ذهب جماعة إلى أن هذه الآية منسوخة بالآية المذكورة بعدها وهى قوله ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( فإنها تدل على جواز التخلف من البعض مع القيام بالجهاد من البعض وسيأتي
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق عمر بن مالك عن بعض الصحابة قال لما نزلت ) ما كان لأهل المدينة (


"""""" صفحة رقم 416 """"""
الآية قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والذى بعثني بالحق لولا ضعفاء الناس ما كانت سرية إلا كنت فيها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ما كان لأهل المدينة ( قال هذا حين كان الإسلام قليلا لم يكن لأحد أن يتخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلما كثر الإسلام وفشا قال الله ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وإبراهيم بن محمد القزارى وعيسى بن يونس السبيعي أنهم قالوا في قوله تعالى ) ولا ينالون من عدو نيلا ( قالوا هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة
سورة براءة الآية ( 122 123 )
التوبة : ( 122 ) وما كان المؤمنون . . . . .
اختلف المفسرون في معنى ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( فذهب جماعة إلى أنه من بقية أحكام الجهاد لأنه سبحانه لما بالغ في الأمر بالجهاد والانتداب إلى الغزو كان المسلمون إذا بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سرية من الكفار ينفرون جميعا ويتركون المدينة خالية فأخبرهم الله سبحانه بأنه ما كان لهم ذلك أي ما صح لهم ولا استقام أن ينفروا جميعا بل ينفر من كل فرقة منهم طائفة من تلك الفرقة ويبقى من عدا هذه الطائفة النافرة
قالوا ويكون الضمير في قوله ) ليتفقهوا ( عائدا إلى الفرقة الباقية والمعنى أن الطائفة من هذه الفرقة تخرج إلى الغزو ومن بقى من الفرقة يقفون لطلب العلم ويعلمون الغزاة إذا رجعوا إليهم من الغزو أو يذهبون في طلبه إلى المكان الذى يجدون فيه من يتعلمون منه ليأخذوا عنه الفقه في الدين وينذروا قومهم وقت رجوعهم إليهم وذهب آخرون إلى أن هذه الآية ليست من بقية أحكام الجهاد وهى حكم مستقل بنفسه في مشروعية الخروج لطلب العلم والتفقه في الدين جعله الله سبحانه متصلا بما دل على إيجاب الخروج إلى الجهاد فيكون السفر نوعين الأول سفر الجهاد والثاني السفر لطلب العلم ولا شك أن وجوب الخروج لطلب العلم إنما يكون إذا لم يجد الطالب من يتعلم منه في الحضر من غير سفر والفقه هو العلم بالأحكام الشرعية وبما يتوصل به إلى العلم بها من لغة ونحو وصرف وبيان وأصول ومعنى ) فلولا نفر ( فهلا نفر والطائفة في اللغة الجماعة وقد جعل الله سبحانه الغرض من هذا هو التفقه في الدين وإنذار من لم يتفقه فجمع بين المقصدين الصالحين والمطلبين الصحيحين وهما تعلم العلم وتعليمه فمن كان غرضه بطلب العلم غير هذين فهو طالب لغرض دنيوي لا لغرض ديني فهو كما قلت وطالب الدنيا بعلم الدين أي بائس
كمن غدا لنعله يمسح بالقلانس
ومعنى ) لعلهم يحذرون ( الترجي لوقوع الحذر منهم عن التفريط فيما يجب فعله فيترك أو فيما يجب تركه فيفعل
التوبة : ( 123 ) يا أيها الذين . . . . .
ثم أمر سبحانه المؤمنين بأن يجتهدوا في مقاتلة من يليهم من الكفار وأن يأخذوا في حربهم بالغلظة والشدة والجهاد واجب لكل الكفار وإن كان الابتداء بمن يلي المجاهدين منهم أهم وأقدم ثم الأقرب فالأقرب ثم أخبرهم الله بما يقوي عزائمهم ويثبت أقدامهم فقال ) واعلموا أن الله مع المتقين ( أي بالنصرة لهم وتأييدهم على عدوهم ومن كان الله معه لم يقم له شيء


"""""" صفحة رقم 417 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال نسخ هؤلاء الآيات ) انفروا خفافا وثقالا ( و ) إلا تنفروا يعذبكم ( قوله ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( يقول لتنفر طائفة وتمكث طائفة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فالماكثون مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو ولعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء الله في كتابه وحدوده وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عنه نحوه من طريق أخرى بسياق أتم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في هذه الآية قال ليست هذه الآية في الجهاد ولكن لما دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على مضر بالسنين أجدبت بلادهم فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يخلوا بالمدينة من الجهد ويقبلوا بالإسلام وهم كاذبون فضيقوا على أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأجهدوهم فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا بمؤمنين فردهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم فذلك قوله ) ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ( وفي الباب روايات عن جماعة من التابعين
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ( قال الأدنى فالأدنى وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك مثله وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر أنه سئل عن غزو الديلم فقال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ) قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ( قال الروم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وليجدوا فيكم غلظة ( قال شدة
سورة براءة الآية ( 124 129 )
التوبة : ( 124 ) وإذا ما أنزلت . . . . .
قوله ) وإذا ما أنزلت سورة ( حكاية منه سبحانه لبقية فضائح المنافقين أي إذا ما أنزل الله على رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) سورة من كتابه العزيز فمن المنافقين ) من يقول ( لإخوانه منهم ) أيكم زادته هذه ( السورة النازلة ) إيمانا ( يقولون هذا استهزاء بالمؤمنين ويجوز أن يقولوه لجماعة من المسلمين قاصدين بذلك صرفهم عن


"""""" صفحة رقم 418 """"""
الإسلام وتزهيدهم فيه وأيكم مرفوع بالابتداء وخبره زادته وقد تقدم بيان معنى السورة ثم حكى الله سبحانه بعد مقالتهم هذه أن المؤمنين زادتهم إيمانا إلى إيمانهم والحال أنهم يستبشرون مع هذه الزيادة بنزول الوحي وما يشتمل عليه من المنافع الدينية والدنيوية
التوبة : ( 125 ) وأما الذين في . . . . .
) وأما الذين في قلوبهم مرض ( وهم المنافقون ) فزادتهم ( السورة المنزلة ) رجسا إلى رجسهم ( أي خبثا إلى خبثهم الذين هم عليه من الكفر وفساد الإعتقاد وإظهار غير ما يضمرونه وثبتوا على ذلك واستمروا عليه إلى أن ماتوا كفارا منافقين والمراد بالمرض هنا الشك والنفاق وقيل المعنى زادتهم إثما إلى إثمهم
التوبة : ( 126 ) أو لا يرون . . . . .
قوله ) أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ( قرأ الجمهور ) يرون ( بالتحتية وقرأ حمزة ويعقوب بالفوقية خطابا للمؤمنين وقرأ الأعمش ) أو لم يروا ( وقرأ طلحة بن مصرف ? أو لا ترى ? خطابا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهى قراءة ابن مسعود ومعنى ) يفتنون ( يختبرون قاله ابن جرير وغيره أو يبتليهم الله سبحانه بالقحط والشدة قاله مجاهد وقال ابن عطية بالأمراض والأوجاع وقال قتادة والحسن بالغزو والجهاد مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ويرون ما وعد الله من النصر ) ثم لا يتوبون ( بسبب ذلك ) ولا هم يذكرون ( وثم لعطف ما بعدها على يرون والهمزة في أو لا يرون للإنكار والتوبيخ والواو للعطف على مقدر أي لا ينظرون ولا يرون وهذا تعجيب من الله سبحانه للمؤمنين من حال المنافقين وتصلبهم في النفاق وإهمالهم للنظر والاعتبار
التوبة : ( 127 ) وإذا ما أنزلت . . . . .
ثم ذكر الله سبحانه ما كانوا يفعلونه عند نزول السورة بعد ذكره لما كانوا يقولونه فقال ) وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض ( أي نظر بعض المنافقين إلى البعض الآخر قائلين ) هل يراكم من أحد ( من المؤمنين لننصرف عن المقام الذى ينزل فيه الوحي فإنه لا صبر لنا على استماعه ولنتكلم بما نريد من الطعن والسخرية والضحك وقيل المعنى وإذا أنزلت سورة ذكر الله فيها فضائح المنافقين ومخازيهم قال بعض من يحضر مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) للبعض الآخر منهم هل يراكم من أحد ثم انصرفوا إلى منازلهم
وحكى ابن جرير عن بعض أهل العلم أنه قال ) نظر ( في هذه الآية موضوع موضع قال أي قال بعضهم لبعض هل يراكم من أحد قوله ) ثم انصرفوا ( أي على ذلك المجلس إلى منازلهم أو عن ما يقتضى الهداية والإيمان إلى ما يقتضى الكفر والنفاق ثم دعا الله سبحانه عليهم فقال ) صرف الله قلوبهم ( أي صرفها عن الخير وما فيه الرشد لهم والهداية وهو سبحانه مصرف القلوب ومقلبها وقيل المعنى أنه خذلهم عن قبول الهداية وقيل هو دعاء لا يراد به وقوع مضمونه كقولهم قاتله الله ثم ذكر سبحانه السبب الذى لأجله انصرفوا عن مواطن الهداية أو السبب الذى لأجله استحقوا الدعاء عليهم بقوله ) صرف الله قلوبهم ( فقال ) بأنهم قوم لا يفقهون ( ما يسمعونه لعدم تدبرهم وإنصافهم
التوبة : ( 128 ) لقد جاءكم رسول . . . . .
ثم ختم الله سبحانه هذه السورة بما يهون عنده بعض ما اشتملت عليه من التكاليف الشاقة فقال ) لقد جاءكم ( يا معشر العرب ) رسول ( أرسله الله إليكم له شأن عظيم ) من أنفسكم ( من جنسكم في كونه عربيا وإلى كون هذه الآية خطابا للعرب ذهب جمهور المفسرين وقال الزجاج هى خطاب لجميع العالم
والمعنى ) لقد جاءكم رسول من ( جنسكم في البشرية ) عزيز عليه ما عنتم ( ما مصدرية والمعنى شاق عليه عنتكم لكونه من جنسكم ومبعوثا لهدايتكم والعنت التعب لهم والمشقة عليهم بعذاب الدنيا بالسيف ونحوه أو بعذاب الآخرة بالنار أو بمجموعهما ) حريص عليكم ( أي شحيح عليكم بأن تدخلوا النار أو حريص على إيمانكم
والأول أولى وبه قال الفراء والرءوف الرحيم قد تقدم بيان معناهما أي هذا الرسول ) بالمؤمنين ( منكم


"""""" صفحة رقم 419 """"""
أيها العرب أو الناس ) رؤوف رحيم )
التوبة : ( 129 ) فإن تولوا فقل . . . . .
ثم قال مخاطبا لرسوله ومسليا له ومرشدا له إلى ما يقوله عند أن يعصى ) فإن تولوا ( أي أعرضوا عنك ولم يعملوا بما جئت به ولا قبلوه ) فقل ( يا محمد ) حسبي الله ( أي كافي الله سبحانه المنفرد بالألوهية ) عليه توكلت ( أي فوضت جميع أموري ) وهو رب العرش العظيم ( وصفة بالعظم لأنه أعظم المخلوقات
وقد قرأ الجمهور بالجر على أنه صفة لعرش وقرأ ابن محيصن بالرفع صفة لرب وقد رويت هذه القراءة عن ابن كثير
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن جرير وأبن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا ( قال كان إذا نزلت سورة آمنوا بها فزادهم الله إيمانا وتصديقا وكانوا بها يستبشرون وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) رجسا إلى رجسهم ( قال شكا إلى شكهم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) أو لا يرون أنهم يفتنون ( قال يقتلون وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وقال بالسنة والجوع وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال بالعدو وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال بالغزو في سبيل الله وأخرج أبو الشيخ عن بكار بن مالك قال يمرضون في كل عام مرة أو مرتين وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال كانت لهم في كل عام كذبة أو كذبتان
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفه قال كنا نسمع في كل عام كذبه أو كذبتين فيضل بها فئام من الناس كثير وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) نظر بعضهم إلى بعض ( قال هم المنافقون وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال لا تقولوا انصرفنا من الصلاة فإن قوما انصرفوا صرف الله قلوبهم ولكن قولوا قضينا الصلاة وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر نحوه وأقول الانصراف يكون عن الخير كما يكون عن الشر وليس في إطلاقه هنا على رجوع المنافقين عن مجلس الخير ما يدل على أنه لا يطلق إلا على نحو ذلك وإلا لزم أن كل لفظ يستعمل في لغة العرب في الأمور المتعددة إذا استعمل في القرآن في حكاية ما وقع من الكفار لا يجوز استعماله في حكاية ما وقع عن أهل الخير كالرجوع والذهاب والدخول والخروج والقيام والقعود
واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله ووجه الملازمة ظاهر لا يخفى وأخرج عبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في دلائل النبوة وابن عساكر عن ابن عباس في قوله ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( قال ليس من العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مضريها وربيعها ويمانيها وأخرج ابن سعد عنه في قوله ) من أنفسكم ( قال قد ولدتموه يا معشر العرب وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( قال لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح وهذا فيه انقطاع ولكنه قد وصله الحافظ الرامهرمزي في كتابه الفاصل بين الراوي والواعي فقال حدثنا أبو أحمد يوسف بن هرون بن زياد حدثنا ابن أبي عمر حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال أشهد على أبي يحدثني عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول


"""""" صفحة رقم 420 """"""
الله ( صلى الله عليه وسلم ) خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي وأخرج ابن مردويه عن أنس قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( فقال علي بن أبي طالب يا رسول الله ما معنى من أنفسكم قال نسبا وصهرا وحسبا ليس في ولا في آبائي من لدن آدم سفاح كلنا نكاح وأخرج الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( يعني من أعظمكم قدرا وأخرج ابن سعد عنه نحو حديث علي الأول وأخرج الطبراني عنه أيضا نحوه وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عائشة نحوه وفي الباب أحاديث بمعناه ويؤيد ما في صحيح مسلم وغيره من حديث واثلة بن الأسقع قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن العباس بن عبد المطلب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله حين خلق الخلق جعلني من خير خلقه ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين ثم حين خلق القبائل جعلني من خيرهم قبيلة وحين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نفسا وفي الباب أحاديث
وأخرج ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال آخر آية أنزلت على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفي لفظ آخر ما أنزل من القرآن ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( إلى آخر الآية وروى عنه نحوه من طريق أخرى أخرجها عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن الضريس في فضائله وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والخطيب في تلخيص المتشابه والضياء في المختارة وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال لما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المدينة جاءته جهينة فقالوا له إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا نأمنك وتأمنا قال ولم سألتم هذا قالوا نطلب الأمن فأنزل الله هذه الآية ) لقد جاءكم رسول من أنفسكم ( وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) فإن تولوا فقل حسبي الله ( يعني الكفار تولوا عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال إنما سمى العرش عرشا لارتفاعه وقد رويت أحاديث كثيرة في صفة العرش وماهيته وقدره
وإلى هنا انتهى الثلث الأول من التفسير المسمى فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير بقلم مؤلفه محمد بن علي الشوكاني غفر الله لهما وكان تمام هذا الثلث في نهار الثلاثاء لعله يوم عشرين من شهر محرم سنة 1227 ه
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين
الحمد له انتهى سماعا على مؤلفه أطال الله مدته في شهر جمادي الأولى من عام سنة 1235 ه
يحيى بن علي الشوكاني غفر الله لهما آمين


"""""" صفحة رقم 421 """"""
S10
تفسير
سورة يونس
حول السورة
هى مكية إلا ثلاث آيات من قوله ) فإن كنت في شك ( إلى آخرهن هكذا روى القرطبي في تفسيره عن ابن عباس وحكى عن مقاتل أنها مكية إلا آيتين وهى قوله ) فإن كنت في شك ( فإنها نزلت في المدينة وحكى عن الكلبي أنها مكية إلا قوله ) ومنهم من لا يؤمن به ( فإنها نزلت بالمدينة وحكى عن الحسن وعكرمة وعطاء وجابر أنها مكية من غير استثناء وأخرج النحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة يونس بمكة وأخرج أبو الشيخ عن ابن سيرين قال كانت سورة يونس بعد السابعة وأخرج ابن مردويه عن أنس قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الله أعطاني الرائيات إلى الطواسين مكان الإنجيل وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن الأحنف قال صليت خلف عمر غداة فقرأ يونس وهود وغيرهما
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة يونس الآية ( 1 4 )
يونس : ( 1 ) الر تلك آيات . . . . .
قوله ) الر ( قد تقدم الكلام مستوفى على هذه الحروف الواقعة في أوائل السورة في أول سورة البقرة فلا نعيده ففيه ما يغني عن الإعادة وقد قرأ بالإمالة أبو عمرو وحمزة وخلف وغيرهم وقرأ جماعة من غير إمالة وقد قيل إن معنى ) الر ( أنا الله أرى قال النحاس ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول لأن سيبويه قد حكى مثله عن العرب وأنشد بالخير خيرات وإن شرافا
أي وإن شرا فشر وقال الحسن وعكرمة ) الر ( قسم وقال سعيد عن قتادة ) الر ( اسم للسورة وقيل غير ذلك مما فيه تكلف لعلم ما استأثر الله بعلمه وقد اتفق القراء على أن ) الر ( ليس بآية وعلى أن طه آية وفي مقنع أبي عمرو الداني أن العاديين لطه آية هم الكوفيون فقط قيل ولعل الفرق أن ) الر ( لا يشاكل مقاطع الآى التى بعده والإشارة بقوله ) تلك ( إلى ما تضمنته السورة من الآيات والتبعيد للتعظيم واسم الإشارة مبتدأ وخبره ما بعده وقال مجاهد وقتادة أراد التوراة والإنجيل وسائر الكتب


"""""" صفحة رقم 422 """"""
المتقدمة فإن تلك إشارة إلى غائب مؤنث وقيل ) تلك ( بمعنى هذه أي هذه آيات الكتاب الحكيم وهو القرآن ويؤيد كون الإشارة إلى القرآن أنه لم يجر للكتب المتقدمة ذكر وأن الحكيم من صفات القرآن لا من صفات غيره و ) الحكيم ( المحكم بالحلال والحرام والحدود والأحكام قاله أبو عبيدة وغيره وقيل الحكيم معناه الحاكم فهو فعيل بمعنى فاعل كقوله ) وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ( وقيل الحكيم بمعنى المحكوم فيه فهو فعيل بمعنى مفعول أي حكم الله فيه بالعدل والإحسان قاله الحسن وغيره وقيل الحكيم ذو الحكمة لاشتماله عليها
يونس : ( 2 ) أكان للناس عجبا . . . . .
والاستفهام في قوله ) أكان للناس عجبا ( لإنكار العجب مع ما يفيده من التقريع والتوبيخ واسم كان ) أن أوحينا ( وخبرها ) عجبا ( أي أكان إيحاؤنا عجبا للناس وقرأ ابن مسعود عجب على أنه اسم كان على أن كان تامة و ) أن أوحينا ( بدل من عجب وقرئ بإسكان الجيم من ) رجل ( في قوله ) إلى رجل منهم ( أي من جنسهم وليس في هذا الإيحاء إلى رجل من جنسهم ما يقتضى العجب فإنه لا يلابس الجنس ويرشده ويخبره عن الله سبحانه إلا من كان من جنسه ولو كان من غير جنسهم لكان من الملائكة أو من الجن ويتعذر المقصود حينئذ من الإرسال لأنهم لا يأنسون إليه ولا يشاهدونه ولو فرضنا تشكله لهم وظهوره فإما أن يظهر في غير شكل النوع الإنساني وذلك أوحش لقلوبهم وأبعد من أنسهم أو في الشكل الإنساني فلا بد من إنكارهم لكونه في الأصل غير إنسان هذا إن كان العجب منهم لكونه من جنسهم وإن كان لكونه يتيما أو فقيرا فذلك لا يمنع من أن يكون من كان كذلك جامعا من خصال الخير والشرف ما لا يجمعه غيره وبالغا في كمال الصفات إلى حد يقصر عنه من كان غنيا أو كان غير يتيم وقد كان لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قبل أن يصطفيه الله بإرساله من خصال الكمال عند قريش ما هو أشهر من الشمس وأظهر من النهار حتى كانوا يسمونه الأمين
قوله ) أن أنذر الناس ( في موضع نصب بنزع الخافض أي بأن أنذر الناس وقيل هى المفسرة لأن في الإيحاء معنى القول وقيل هى المخففة من الثقيلة قوله ) قدم صدق ( أي منزل صدق وقال الزجاج درجة عالية
ومنه قول ذي الرمة لكم قدم لا ينكر الناس أنها
مع الحسب العالي طمت على البحر
وقال ابن الأعرابي القدم المتقدم في الشرف وقال أبو عبيدة والكسائي كل سابق من خير أو شر فهو عند العرب قد يقال لفلان قدم في الإسلام وله عندي قدم صدق وقدم خير وقدم شر ومنه قول العجاج زل بنو العوام عند آل الحكم
وتركوا الملك لملك ذي قدم
وقال ثعلب القدم كل ما قدمت من خير وقال ابن الأنباري القدم كناية عن العمل الذى لا يقع فيه تأخير ولا إبطاء وقال قتادة سلف صدق وقال الربيع ثواب صدق وقال الحسن هو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال الحكيم الترمذي قدمه ( صلى الله عليه وسلم ) في المقام المحمود وقال مقاتل أعمالا قدموها واختاره ابن جرير ومنه قول الوضاح صل لذي العرش واتخذ قدما
ينجيك يوم الحصام والزلل
وقيل غير ما تقدم مما لا حاجة إلى التطويل بإيراده قوله ) قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ( قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش وابن محيصن لساحر على أنهم أرادوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) باسم الإشارة وقرأ الباقون ) لسحر ( على أنهم أرادوا القرآن وقد تقدم معنى السحر في البقرة وجملة ) قال الكافرون ( مستأنفة كأنه قيل ماذا صنعوا بعد التعجب وقال القفال فيه إضمار والتقدير فلما أنذرهم قال


"""""" صفحة رقم 423 """"""
الكافرون ذلك
يونس : ( 3 ) إن ربكم الله . . . . .
ثم إن الله سبحانه جاء بكلام يبطل به العجب الذى حصل للكفار من الإيحاء إلى رجل منهم فقال ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( أي من كان له هذا الاقتدار العظيم الذى تضيق العقول عن تصوره كيف يكون إرساله لرسول إلى الناس من جنسهم محلا للتعجب مع كون الكفار يعترفون بذلك فيكف لا يعترفون بصحة هذه الرسالة بهذا الرسول وقد تقدم تفسير هذه الآية في الأعراف في قوله ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ( فلا نعيده هنا ثم ذكر ما يدل على مزيد قدرته وعظيم شأنه فقال ) يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ( وترك العاطف لأن جملة يدبر كالتفسير والتفصيل لما قبلها وقيل هى في محل نصب على الحال من ضمير استوى وقيل مستأنفة جواب سؤال مقدر وأصل التدبير النظر في أدبار الأمور وعواقبها لتقع على الوجه المقبول وقال مجاهد يقضيه ويقدره وحده وقيل يبعث الأمر وقيل ينزل الأمر وقيل يأمر به ويمضيه والمعنى متقارب واشتقاقه من الدبر والأمر الشأن وهو أحوال ملكوت السموات والأرض والعرش وسائر الخلق قال الزجاج إن الكفار الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا يقولون إن الأصنام شفعاؤنا عند الله فرد الله عليهم بأنه ليس لأحد أن يشفع إليه في شيء إلا بعد إذنه لأنه أعلم بموضع الحكمة والصواب وقد تقدم معنى الشفاعة في البقرة وفي هذا بيان لاستبداده بالأمور في كل شيء سبحانه وتعالى والإشارة بقوله ) ذلكم ( إلى فاعل هذه الأشياء من الخلق والتدبير أي الذى فعل هذه الأشياء العظيمة ) الله ربكم ( واسم الإشارة مبتدأ وخبره الاسم الشريف وربكم بدل منه أو بيان له أو خبر ثان وفي هذه الجملة زيادة تأكيد لقوله ) إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض ( ثم أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن بين لهم أنه الحقيق بها دون غيره لبديع صنعه وعظيم اقتداره فكيف يعبدون الجمادات التى لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر والاستفهام في قوله ) أفلا تذكرون ( للإنكار والتوبيخ والتقريع لأن من له أدنى تذكر وأقل اعتبار يعلم بهذا ولا يخفى عليه
يونس : ( 4 ) إليه مرجعكم جميعا . . . . .
ثم بين لهم ما يكون آخر أمرهم بعد الحياة الدنيا فقال ) إليه مرجعكم جميعا ( وفي هذا من التهديد والتخويف ما لا يخفى وانتصاب ) وعد الله ( على المصدر لأن في قوله ) إليه مرجعكم جميعا ( معنى الوعد أو هو منصوب بفعل مقدر والمراد بالمرجع الرجوع إليه سبحانه إما بالموت أو بالبعث أو بكل واحد منهما ثم أكد ذلك الوعد بقوله ) حقا ( فهو تأكيد لتأكيد فيكون في الكلام من الوكادة ما هو الغاية في ذلك وقرأ ابن أبي عبلة ) وعد الله حق ( على الاستئناف ثم علل سبحانه ما تقدم بقوله ) إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ( أي إن هذا شأنه يبتديء خلقه من التراب ثم يعيده إلى التراب أو معنى الإعادة الجزاء يوم القيامة قال مجاهد ينشئه ثم يميته ثم يحييه للبعث وقيل ينشئه من الماء ثم يعيده من حال إلى حال وقرأ يزيد بن القعقاع أنه يبدأ الخلق بفتح الهمزة فتكون الجملة في موضع نصب بما نصب به وعد الله أي وعدكم أنه يبدأ الخلق ثم يعيده ويجوز أن يكون التقدير لأنه يبدأ الخلق وأجاز الفراء أن تكون ) إن ( في موضع رفع فتكون اسما قال أحمد بن يحيى بن ثعلب يكون التقدير حقا إبداؤه الخلق ثم ذكر غاية ما يترتب على الإعادة فقال ) ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ( أي بالعدل الذى لا جور فيه ) والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ( يحتمل أن يكون الموصول الآخر معطوفا على الموصول الأول أي ليجزى الذين آمنوا ويجزى الذين كفروا وتكون جملة ) لهم شراب من حميم ( في محل نصب على الحال هى وما عطف عليها أي وعذاب أليم ويكون التقدير هكذا ويجزى الذين كفروا حال كون لهم هذا الشراب وهذا العذاب ولكن يشكل على ذلك أن هذا الشراب وهذا العذاب الأليم هما من الجزاء ويمكن أن يقال إن الموصول في ) والذين كفروا ( مبتدأ وما بعده خبره فلا يكون معطوفا


"""""" صفحة رقم 424 """"""
على الموصول الأول والباء في ) بما كانوا يكفرون ( للسببية أي بسبب كفرهم والحميم الماء الحار وكل مسخن عند العرب فهو حميم
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) الر ( قال فواتح أسماء من أسماء الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات وابن النجار في تاريخه عنه قال في قوله ) الر ( أنا الله أرى وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك مثله أيضا
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) تلك آيات الكتاب ( قال يعني هذه وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) تلك آيات الكتاب ( قال الكتب التى خلت قبل القرآن وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال لما بعث الله محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم فقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد فأنزل الله ) أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ( الآية ) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ( الآية فلما كرر الله سبحانه عليهم الحج قالوا وإذا كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة ) لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( يقول أشرف من محمد يعنون الوليد بن المغيرة من مكة ومسعود بن عمرو الثقفي من الطائف فأنزل الله ردا عليهم ) أهم يقسمون رحمة ربك ( الآية وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ( قال ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأول وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود قال القدم هو العمل الذى قدموا قال الله سبحانه ) ونكتب ما قدموا وآثارهم ( والآثار ممشاهم قال مشى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بين أسطوانتين من مسجدهم ثم قال هذا أثر مكتوب وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري في قوله ) قدم صدق ( قال محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يشفع لهم وأخرج ابن مردويه عن علي بن ابن أبي طالب مثله وأخرج الحاكم وصححه عن أبي بن كعب قال سلف صدق والروايات عن التابعين وغيرهم في هذا كثيرة وقد قدمنا أكثرها وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) يدبر الأمر ( قال يقضيه وحده وفي قوله ) إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ( قال يحييه ثم يميته ثم يحييه
سورة يونس الآية ( 5 6 )
يونس : ( 5 ) هو الذي جعل . . . . .
ذكر هاهنا بعض نعمه على المكلفين وهى مما يستدل به على وجوده ووحدته وقدرته وعلمه وحكمته بإتقان صنعه في هذين المتعاقبين على الدوام ما ذكر قبل هذا إبداعه للسموات والأرض واستواءه على العرش وغير ذلك والضياء قيل جمع ضوء كالسياط والحياض وقرأ قنبل عن ابن كثير ضئاء بجعل الياء همزة مع الهمزة ولا وجه له لأن ياءه كانت واوا مفتوحة وأصله ضواء فقلبت ياء لكسر ما قبلها قال المهدوي


"""""" صفحة رقم 425 """"""
ومن قرأ ضئاء بالهمزة فهو مقلوب قدمت الهمزة التى بعد الألف فصارت قبل الألف ثم قلبت الياء همزة والأولى أن يكون ضياء مصدرا لا جمعا مثل قام يقوم قياما وصام يصوم صياما ولا بد من تقدير مضاف أي جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور إلا أنه يحمل على المبالغة وكأنهما جعلا نفس الضياء والنور قيل الضياء أقوى من النور وقيل الضياء هو ما كان بالذات والنور ما كان بالعرض ومن هنا قال الحكماء إن نور القمر مستفاد من ضوء الشمس قوله ) وقدره منازل ( أي قدر مسيره في منازل أو قدره ذا منازل والضمير راجع إلى القمر ومنازل القمر هى المسافة التى يقطعها في يوم وليلة بحركته الخاصة به وجملتها ثمانية وعشرون وهى معروفة ينزل القمر في كل ليلة منها منزل لا يتخطاه فيبدو صغيرا في أول منازله ثم يكبر قليلا قليلا حتى يبدو كاملا وإذا كان في آخر منازله رق واستقوس ثم يستتر ليلتين إذا كان الشهر كاملا أو ليلة إذا كان ناقصا والكلام في هذا يطول وقد جمعنا فيه رساله مستقلة جوابا عن سؤال أو رده علينا بعض الأعلام وقيل إن الضمير راجع إلى كل واحد من الشمس والقمر كما قيل في قوله تعالى ) وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ( وفي قول الشاعر نحن بما عندنا وأنت بما
عندك راض والرأي مختلف
وقد قدمنا تحقيق هذا فيما سبق من هذا التفسير والأولى رجوع الضمير إلى القمر وحده كما في قوله تعالى ) والقمر قدرناه منازل ( ثم ذكر بعض المنافع المتعلقة بهذا التقدير فقال ) لتعلموا عدد السنين والحساب ( فإن فى العلم بعدد السنين من المصالح الدينية والدنيوية ما لا يحصى وفى العلم بحساب الأشهر والأيام والليالي من ذلك ما لا يخفى ولولا هذا التقدير الذى قدره الله سبحانه لم يعلم الناس بذلك ولا عرفوا ما يتعلق به كثير من مصالحهم والسنة تتحصل من اثنى عشر شهرا والشهر يتحصل من ثلاثين يوما إن كان كاملا واليوم يتحصل من ساعات معلومة هى أربع وعشرين ساعة لليل والنهار قد يكون لكل واحد منهما اثنتا عشرة ساعة فى أيام الاستواء ويزيد أحدهما على الآخر فى أيام الزيادة وأيام النقصان والاختلاف بين السنة الشمسية والقمرية معروف ثم بين سبحانه أنه ما خلق الشمس والقمر واختلاف تلك الأحوال إلا بالحق والصواب دون الباطل والعبث فالإشارة بقوله ذلك إلى المذكور قبله والإستثناء مفرغ من أعم الأحوال ومعنى تفصيل الآيات تبيينها والمراد بالآيات التكوينية أو التنزيلية أو مجموعهما وتدخل هذه الآيات التكوينية المذكورة هنا دخولا أوليا فى ذلك قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب يفصل بالتحتية وقرأ ابن السميفع تفصل بالفوقية على البناء للمفعول وقرأ الباقون بالنون واختار أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الأولى ولعل وجه هذا الإختيار أن قبل هذا الفعل ) ما خلق الله ذلك إلا بالحق ( وبعده وما خلق الله فى السموات والأرض
يونس : ( 6 ) إن في اختلاف . . . . .
ثم ذكر سبحانه المنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار وما خلق فى السموات والأرض من تلك المخلوقات فقال ) إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون ( أي الذين يتقون الله سبحانه ويجتنبون معاصيه وخصهم بهذه الآيات لأنهم الذين يمعنون النظر والتفكير فى مخلوقات الله سبحانه حذر منهم عن الوقوع فى شيء مما يخالف مراد الله سبحانه ونظرا لعاقبة أمرهم وما يصلحهم فى معادهم قال القفال من تدبر فى هذه الأحوال علم أن الدينا مخلوقة لبقاء الناس فيها وأن خالقها وخالقهم ما أهملهم بل جعلها لهم دار عمل وإذا كان كذلك فلا بد من أمر ونهي


"""""" صفحة رقم 426 """"""
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي فى قوله تعالى ) جعل الشمس ضياء والقمر نورا ( قال لم يجعل الشمس كهيئة القمر لكي يعرف الليل من النهار وهو قوله ) فمحونا آية الليل ( الآية وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس فى الآية قال وجوههما إلى السموات وأقفيتهما إلى الأرض وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمرو مثله وأخرج أبو الشيخ عن خليفة العبدي قال لو أن الله تبارك وتعالى لم يعبد إلا عن رؤية ما عبده أحد ولكن المؤمنون تفكروا فى مجيء هذا الليل إذا جاء فملأ كل شيء وغطى كل شيء وفى مجيء سلطان النهار إذا جاء فمحا سلطان الليل وفى انسحاب المسخر بين السماء والأرض وفى النجوم وفى الشتاء والصيف فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم تبارك وتعالى حتى أيقنت قلوبهم بربهم
سورة يونس الآية ( 7 10 )
يونس : ( 7 ) إن الذين لا . . . . .
شرع الله سبحانه فى شرح أحوال من لا يؤمن بالمعاد ومن يؤمن به وقدم الطائفة التى لم تؤمن لأن الكلام فى هذه السورة مع الكفار الذين يعجبون مما لا عجب فيه ويهملون النظر والتفكر فيما لا ينبغي إهماله مما هو مشاهد لكل حي طول حياته فيتسبب عن إهمال النظر والتفكر الصادق عدم الإيمان بالمعاد ومعنى الرجاء هنا الخوف ومنه قول الشاعر إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
وخالفها فى بيت نوب عواسل
وقيل يرجون يطمعون ومنه قول الشاعر أترجو بني مروان سمعي وطاعتي
وقومي تميم والفلاة ورائيا
فالمعنى على الأول لا يخافون عقابا وعلى الثاني لا يطمعون في ثواب إذا لم يكن المراد باللقاء حقيقته فإن كان المراد به حقيقته كان المعنى لا يخافون رؤيتنا أو لا يطمعون في رؤيتنا وقيل المراد بالرجاء هنا التوقع فيدخل تحته الخوف والطمع فيكون المعنى ) لا يرجون لقاءنا ( لا يتوقعون لقاءنا فهم لا يخافونه ولا يطمعون فيه ) ورضوا بالحياة الدنيا ( أي رضوا بها عرضا عن الآخرة فعملوا لها ) واطمأنوا بها ( أي سكنت أنفسهم إليها وفرحوا بها ) والذين هم عن آياتنا غافلون ( لا يعتبرون بها ولا يتفكرون فيها
يونس : ( 8 ) أولئك مأواهم النار . . . . .
) أولئك مأواهم ( أي مثواهم ومكان إقامتهم النار والإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة من عدم الرجاء وحصول الرضا والاطمئنان والغفلة ) بما كانوا يكسبون ( أي بسبب ما كانوا يكسبون من الكفر والتكذيب بالمعاد فهذا حال الذين لا يؤمنون بالمعاد
يونس : ( 9 ) إن الذين آمنوا . . . . .
وأما حال الذين يؤمنون به فقد بينه سبحانه بقوله ) إن الذين آمنوا ( أي فعلوا الإيمان الذى طلبه الله منهم بسبب ما وقع منهم


"""""" صفحة رقم 427 """"""
من التفكر والاعتبار فيما تقدم ذكره من الآيات ) وعملوا الصالحات ( التى يقتضيها الإيمان وهى ما شرعه الله لعباده المؤمنين ) يهديهم ربهم بإيمانهم ( أي يرزقهم الهداية بسبب هذا الإيمان المضموم إليه العمل الصالح فيصلون بذلك إلى الجنة وجملة ) تجري من تحتهم الأنهار ( مستأنفة أو خبر ثان أو في محل نصب على الحال ومعنى من تحتهم من تحت بساتينهم أو من بين أيديهم لأنهم على سرر مرفوعة وقوله ) في جنات النعيم ( متعلق بتجري أو بيهديهم أو خبر آخر أو حال من الأنهار
يونس : ( 10 ) دعواهم فيها سبحانك . . . . .
قوله ) دعواهم ( أي دعاؤهم ونداؤهم وقيل الدعاء العبادة كقوله تعالى ) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ( وقيل معنى دعواهم هنا الإدعاء الكائن بين المتخاصمين والمعنى أن أهل الجنة يدعون في الدنيا والآخرة تنزيه الله سبحانه من المعايب والإقرار له بالإلهية قال القفال أصله من الدعاء لأن الخصم يدعو خصمه إلى من يحكم بينهما وقيل معناه طريقتهم وسيرتهم وذلك أن المدعي للشيء مواظب عليه فيمكن أن تجعل الدعوى كناية عن الملازمة وإن لم يكن في قوله ) سبحانك اللهم ( دعوى ولا دعاء وقيل معناه تمنيهم كقوله ) ولهم ما يدعون ( وكأن تمنيهم في الجنة ليس إلا تسبيح الله وتقديسه وهو مبتدأ وخبره سبحانك اللهم و ) فيها ( أي في الجنة والمعنى على القول الأول أن دعاءهم الذى يدعون به في الجنة هو تسبيح الله وتقديسه والمعنى نسبحك يا الله تسبيحا قوله ) وتحيتهم فيها سلام ( أي تحية بعضهم للبعض فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل أو تحية الله أو الملائكة لهم فيكون من إضافة المصدر إلى المفعول وقد مضى تفسير هذا في سورة النساء قوله ) وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ( أي وخاتمة دعائهم الذى هو التسبيح أن يقولوا الحمد لله رب العالمين قال النحاس مذهب الخليل أن ) إن ( هذه مخففة من الثقيلة والمعنى أنه الحمد لله
وقال محمد بن يزيد المبرد ويجوز أن تعملها خفيفة عملها ثقيلة والرفع أقيس ولم يحك أبو عبيد إلا التخفيف
وقرأ ابن محيصن بتشديد أن ونصب الحمد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ورضوا بالحياة الدنيا ( قال مثل قوله ) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ( الآية واخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد أيضا في قوله ) يهديهم ربهم بإيمانهم ( قال يكون لهم نور يمشون به وأخرج أبو الشيخ عن قتادة مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) يهديهم ربهم بإيمانهم ( قال حدثنا الحسن قال بلغنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة وريح طيبة فيقول له ما أنت فوالله إني لأراك عين امريء صدق فيقول له أنا عملك فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة وأما الكافر فإذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيقول له ما أنت فوالله إني لأراك عين امريء سوء فيقول له أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قالوا سبحانك اللهم أتاهم ما اشتهوا من الجنة من ربهم وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي الهذيل قال الحمد أول الكلام وآخر الكلام ثم تلا ) وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (


"""""" صفحة رقم 428 """"""
سورة يونس الآية ( 11 16 )
يونس : ( 11 ) ولو يعجل الله . . . . .
لما ذكر الله سبحانه الوعيد على عدم الإيمان بالمعاد ذكر أن هذا العذاب من حقه أن يتأخر عن هذه الحياة الدنيا قال القفال لما وصفهم بالغفلة أكد ذلك بأن من غاية غفلتهم أن الرسول متى أنذرهم استعجلوا العذاب فبين الله سبحانه أنه لا مصلحة في إيصال الشر إليهم فلعلهم يتوبون ويخرج من أصلابهم من يؤمن قيل معنى ) ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير ( لو عجل الله للناس للعقوبة كما يتعجلون بالثواب والخير ) لقضي إليهم أجلهم ( أي ماتوا وقيل المعنى لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم وقيل الآية خاصة بالكفار الذين أنكروا البعث وما يترتب عليه قال في الكشاف وضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته وإسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل له والمراد أهل مكة وقولهم ) فأمطر علينا حجارة من السماء ( الآية قيل والتقدير ولو يعجل الله لهم الشر عند استعجالهم به تعجيلا مثل تعجيله لهم الخير عند استعجالهم به فحذف ما حذف لدلالة الباقي عليه قال أبو علي الفارسي في الكلام حذف والتقدير ) ولو يعجل الله للناس الشر ( تعجيلا مثل ) استعجالهم بالخير ( ثم حذف تعجيلا وأقام صفته مقامه ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه قال هذا مذهب الخليل وسيبويه وهو قول الأخفش والفراء قالوا وأصله كاستعجالهم ثم حذف الكاف ونصب قال الفراء كما تقول ضربت زيدا ضربك أي كضربك ومعنى ) لقضي إليهم أجلهم ( لأهلكوا ولكنه سبحانه لم يعجل لهم الشر فأمهلوا
وقيل معناه أميتوا وقرأ ابن عامر ) لقضي ( على البناء للفاعل وهى قراءة حسنة لمناسبة ذلك لقوله ) ولو يعجل الله ( قوله ) فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون ( الفاء للعطف على مقدر يدل عليه الكلام لأن قوله ) ولو يعجل الله ( يتضمن نفي التعجيل فكأنه قيل لكن لا يعجل لهم الشر ولا يقضى إليهم أجلهم فنذرهم الخ أي فنتركهم ونمهلهم والطغيان التطاول وهو العلو والارتفاع ومعنى ) يعمهون ( يتحيرون أي


"""""" صفحة رقم 429 """"""
تركهم يتحيرون في تطاولهم وتكبرهم وعدم قبولهم للحق استدراجا لهم منه سبحانه وخذلانا
يونس : ( 12 ) وإذا مس الإنسان . . . . .
ثم بين الله سبحانه أنهم كاذبون في استعجال الشر ولو أصابهم ما طلبوه لأظهروا العجز والجزع فقال ) وإذا مس الإنسان الضر ( أي هذا الجنس الصادق على كل ما يحصل التضرر به ) دعانا لجنبه ( اللام للوقت كقوله جئته لشهر كذا أو في محل نصب على الحال بدلالة عطف قاعدا أو قائما عليه وتكون اللام بمعنى على أي دعانا مضطجعا ) أو قاعدا أو قائما ( وكأنه قال دعانا في جميع الأحوال المذكورة وغيرها وخص المذكورة بالذكر لأنها الغالب على الإنسان وما عداها نادر كالركوع والسجود ويجوز أن يراد أنه يدعو الله حال كونه مضطجعا غير قادر على القعود وقاعدا غير قادر على القيام وقائما غير قادر على المشي والأول أولى قال الزجاج إن تعديل أحوال الدعاء أبلغ من تعديد أحوال المضرة لأنه إذا كان داعيا على الدوام ثم نسى في وقت الرخاء كان أعجب قوله ) فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه ( أي فلما كشفنا عنه ضره الذى مسه كما تفيده الفاء مضى على طريقته التى كان عليها قبل أن يمسه الضر ونسى حالة الجهد والبلاء أو مضى عن موقف الدعاء والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به كأنه لم يدعنا عند أن مسه الضر إلى كشف ذلك الضر الذى مسه وقيل معنى ) مر ( استمر على كفره ولم يشكر ولم يتعظ قال الأخفش ) إن ( في ) كأن لم يدعنا ( هى المخففة من الثقيلة والمعنى كأنه انتهى والجملة التشبيهية في محل نصب على الحال وهذه الحالة التى ذكرها الله سبحانه للداعي لا تختص بأهل الكفر بل تتفق لكثير من المسلمين تلين ألسنهم بالدعاء وقلوبهم بالخشوع والتذلل عند نزول ما يكرهون بهم فإذا كشفه الله عنهم غفلوا عن الدعاء والتضرع وذهلوا عما يجب عليهم من شكر النعمة التى أنعم الله بها عليهم من إجابة دعائهم ورفع ما نزل بهم من الضر ودفع ما أصابهم من المكروه وهذا مما يدل على أن الآية تعم المسلم والكافر كما يشعر به لفظ الناس ولفظ الإنسان اللهم أوزعنا شكر نعمك وأذكرنا الأحوال التى مننت علينا فيها بإجابة الدعاء حتى نستكثر من الشكر الذى لا نطيق سواه ولا نقدر على غيره وما أغناك عنه وأحوجنا إليه و ) لئن شكرتم لأزيدنكم ( والإشارة بقوله ) كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون ( إلى مصدر الفعل المذكور بعده كما مر غير مرة أي مثل ذلك التزيين العجيب زين للمسرفين عملهم والمسرف في اللغة هو الذى ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس ومحل كذلك النصب على المصدرية والتزيين هو إما من جهة الله تعالى على طريقة التحلية وعدم اللطف بهم أو من طريق الشيطان بالوسوسة أو من طريق النفس الأمارة بالسوء والمعنى أنه زين لهم الإعراض عن الدعاء والغفلة عن الشكر والاشتغال بالشهوات
يونس : ( 13 ) ولقد أهلكنا القرون . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما يجرى مجرى الردع والزجر عما صنعه هؤلاء فقال ) ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ( يعني الأمم الماضية من قبل هؤلاء الكفار المعاصرين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي أهلكناهم من قبل زمانكم وقيل الخطاب لأهل مكة على طريق الالتفات للمبالغة في الزجر و ) لما ( ظرف لأهلكنا أي أهلكناهم حين فعلوا الظلم بالتكذيب والتجاري على الرسل والتطاول في المعاصي من غير تأخير لإهلاكهم كما أخرنا إهلاككم والواو في ) وجاءتهم رسلهم بالبينات ( للحال بإضمار قد أي وقد جاءتهم رسلهم الذين أرسلناهم إليهم بالبينات أي بالآيات البينات الواضحات للدلالة على صدق الرسل وقيل الواو للعطف على ) ظلموا ( والأول أولى وقيل المراد بالظلم هنا هو الشرك والواو في ) وما كانوا ليؤمنوا ( للعطف على ظلموا أو الجملة اعتراضية واللام لتأكيد النفي أي وما صح لهم وما استقام أن يؤمنوا لعدم استعدادهم لذلك وسلب الألطاف عنهم ) كذلك نجزي القوم المجرمين ( أي مثل ذلك الجزاء نجزى القوم المجرمين وهو الاستئصال الكلي لكل مجرم وهذا وعيد شديد لمن كان في عصره من الكفار


"""""" صفحة رقم 430 """"""
أو لكفار مكة على الخصوص
يونس : ( 14 ) ثم جعلناكم خلائف . . . . .
ثم خاطب سبحانه الذين بعث إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) ثم جعلناكم خلائف ( أي استخلفناكم في الأرض بعد تلك القرون التى تسمعون أخبارها وتنظرون آثارها والخلائف جمع خليفة وقد تقدم الكلام عليه في آخر سورة الأنعام واللام في ) لننظر كيف تعملون ( لام كي أي لكي ننظر كيف تعملون من أعمال الخير أو الشر و ) كيف ( في محل نصب بالفعل الذى بعده أي لننظر أي عمل تعملونه أو في محل نصب على الحالية أي على أي حالة تعملون الأعمال اللائقة بالاستخلاف
يونس : ( 15 ) وإذا تتلى عليهم . . . . .
ثم حكى الله سبحانه نوعا ثالثا من تعنتهم وتلاعبهم بآيات الله فقال ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ( وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضا عنهم والمراد بالآيات الآيات التى في الكتاب العزيز أي وإذا تلا التالي عليهم آياتنا الدالة على إثبات التوحيد وإبطال الشرك حال كونها بينات أي واضحات الدلالة على المطلوب ) قال الذين لا يرجون لقاءنا ( وهم المنكرون للمعاد وقد تقدم تفسيره قريبا أي قالوا لمن يتلوها عليهم وهو رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ائت بقرآن غير هذا أو بدله ( طلبوا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما سمعوا ما غاظهم فيما تلاه عليهم من القرآن من ذم عبادة الأوثان والوعيد الشديد لمن عبدها أحد أمرين إما الإتيان بقرآن غير هذا القرآن مع بقاء هذا القرآن على حاله وإما تبديل هذا القرآن بنسخ بعض آياته أو كلها ووضع أخرى مكانها مما يطابق إرادتهم ويلائم غرضهم فأمره الله أن يقول في جوابهم ) ما يكون لي ( أي ما ينبغى لي ولا يحل لي أن أبدله من تلقاء نفسي فنفى عن نفسه أحد القسمين وهو التبديل لأنه الذى يمكنه لو كان ذلك جائزا بخلاف القسم الآخر وهو الإتيان بقرآن آخر فإن ذلك ليس في وسعه ولا يقدر عليه وقيل إنه ( صلى الله عليه وسلم ) نفى عن نفسه أسهل القسمين ليكون دليلا على نفي أصعبهما بالطريق الأولى وهذا منه ( صلى الله عليه وسلم ) من باب مجاراة السفهاء إذ لا يصدر مثل هذا الاقتراح عن العقلاء بعد أن أمره الله سبحانه بذلك وهو أعلم بمصالح عباده وبما يدفع الكفار عن هذه الطلبات الساقطة والسؤالات الباردة و ) تلقاء ( مصدر استعمل ظرفا من قبل نفسي
قال الزجاج سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور وقيل سألوه أن يسقط ما فيه من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم وقيل سألوه أن يحول الوعد وعيدا والحرام حلالا والحلال حراما ثم أمره أن يؤكد ما أجاب به عليهم من أنه ما صح له ولا استقام أن يبدله من تلقاء نفسه بقوله ) إن أتبع إلا ما يوحى إلي ( أي ما أتبع شيئا من الأشياء إلا ما يوحى إلي من عند الله سبحانه من غير تبديل ولا تحويل ولا تحريف ولا تصحيف فقصر حاله ( صلى الله عليه وسلم ) على اتباع ما يوحى إليه وربما كان مقصد الكفار بهذا السؤال التعريض للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأن القرآن كلامه وأنه يقدر على الإتيان بغيره والتبديل له ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم تكميلا للجواب عليهم ) إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( فإن هذه الجملة كالتعليل لما قدمه من الجواب قبلها
واليوم العظيم هو يوم القيامة أي ) إني أخاف إن عصيت ربي ( بفعل ما تطلبون على تقدير إمكانه عذاب يوم القيامة
يونس : ( 16 ) قل لو شاء . . . . .
ثم أكد سبحانه كون هذا القرآن من عند الله وأنه ( صلى الله عليه وسلم ) إنما يبلغ إليهم منه ما أمره الله بتبليغه لا يقدر على غير ذلك فقال ) قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ( أي أن هذا القرآن المتلو عليكم هو بمشيئة الله وإرادته ولو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ولا أبلغكم إياه ما تلوته فالأمر كله منوط بمشيئة الله ليس لي في ذلك شيء قوله ) ولا أدراكم به ( معطوف على ما تلوته ولو شاء الله ما أدراكم بالقرآن أي ما أعلمكم به على لساني يقال دريت الشيء وأدراني الله به هكذا قرأ الجمهور بالألف من أدراه يدريه أعلمه يعلمه وقرأ ابن كثير ? ولأدراكم به ? بغير ألف بين اللام والهمزة والمعنى ولو شاء الله لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم فتكون اللام لام


"""""" صفحة رقم 431 """"""
التأكيد دخلت على ألف أفعل وقد قريء أدرؤكم بالهمزة فقيل هى منقلبة عن الألف لكونهما من واد واحد ويحتمل أن يكون من درأته إذا دفعته وأدرأته إذا جعلته داريا والمعنى لأجعلكم بتلاوته خصماء تدرءونني بالجدال وتكذبونني وقرأ ابن عباس والحسن ? ولا أدراتكم به ? قال أبو حاتم أصله ولا أدريتكم به فأبدل من الياء ألفا قال النحاس وهذا غلط والرواية عن الحسن ولا أدرأتكم بالهمزة قوله ) فقد لبثت فيكم عمرا من قبله ( تعليل لكون ذلك بمشيئة الله ولم يكن من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلا التبليغ أي قد أقمت فيما بينكم عمرا من قبله أي زمانا طويلا وهو أربعون سنة من قبل القرآن تعرفونني بالصدق والأمانة لست ممن يقرأ ولا ممن يكتب ) أفلا تعقلون ( الهمزة للتقريع والتوبيخ أي أفلا تجرون على ما يقتضيه العقل من عدم تكذيبي لما عرفتم من العادة المستمرة إلى المدة الطويلة بالصدق والأمانة وعدم قراءتي للكتب المنزلة على الرسل وتعلمي لما عند أهلها من العلم ولا طلبي لشيء من هذا الشأن ولا حرصي عليه ثم جئتكم بهذا الكتاب الذى عجزتم عن الإتيان بسورة منه وقصرتم عن معارضته وأنتم العرب المشهود لهم بكمال الفصاحة المعترف لهم بأنهم البالغون فيها إلى مبلغ لا يتعلق به غيركم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ولو يعجل الله للناس الشر ( الآية قال هو قولي الإنسان لولده وماله إذا غضب عليهم اللهم لا تبارك فيه والعنه ) لقضي إليهم أجلهم ( قال لأهلك من دعا عليه وأماته وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في الآية قال قول الرجل للرجل اللهم العنه اللهم اخزه وهو يحب أن يستجاب له وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له وحكى القرطبي في تفسيره عن ابن إسحاق ومقاتل في الآية قالا هو قول النضر بن الحارث ) اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ( فلو عجل لهم هذا لهلكوا وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن جريج في قوله ) دعانا لجنبه ( قال مضطجعا وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ) دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ( قال على كل حال وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال ادع الله يوم سرائك يستجاب لك يوم ضرائك
وأقول أنا أكثر من شكر الله على السراء يدفع عنك الضراء فإن وعده للشاكرين بزيادة النعم مؤذن بدفعه عنهم النقم لذهاب حلاوة النعمة عند وجود مرارة النقمة اللهم اجمع لنا بين جلب النعم وسلب النقم فإنا نشكرك عدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان ونحمدك عدد ما حمدك الحامدون بكل لسان في كل زمان
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ثم جعلناكم خلائف في الأرض ( الآية قال ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية فقال صدق ربنا ما جعلنا خلائف في الأرض إلا لينظر إلى أعمالنا فأروا الله خير أعمالكم بالليل والنهار والسر والعلانية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال ) خلائف في الأرض ( لأمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ائت بقرآن غير هذا أو بدله ( قال هذا قول مشركي أهل مكة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ولا أدراكم به ( أعلمكم به وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال ) ولا أدراكم به ( ولا أشعركم به وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأ ? ولا أنذرتكم به ? وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) فقد لبثت فيكم عمرا من قبله ( قال لم أتل عليكم ولم أذكر وأخرجا عنه قال لبث أربعين سنة قبل أن يوحى إليه


"""""" صفحة رقم 432 """"""
ورأى الرؤيا سنتين وأوحى الله إليه عشر سنين بمكة وعشرا بالمدينة وتوفى وهو ابن اثنتين وستين سنة
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والترمذي عن ابن عباس قال بعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاثة عشر يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة
سورة يونس الآية ( 17 19 )
يونس : ( 17 ) فمن أظلم ممن . . . . .
قوله ) فمن أظلم ( استفهام فيه معنى الجحد أي لا أحد أظلم ) ممن افترى على الله ( الكذب وزيادة ) كذبا ( مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبا لبيان أن هذا مع كونه افتراء على الله هو كذب في نفسه فربما يكون الافتراء كذبا في الإسناد فقط كما إذا أسند ذنب زيد إلى عمرو ذكر معنى هذا أبو السعود في تفسيره قيل وهذا من جملة رده ( صلى الله عليه وسلم ) على المشركين لما طلبوا منه أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن أو يبدله فبين لهم أنه لو فعل ذلك لكان من الافتراء على الله ولا ظلم يماثل ذلك وقيل المفترى على الله الكذب هم المشركون والمكذب بآيات الله هم أهل الكتاب ) إنه لا يفلح المجرمون ( تعليل لكونه لا أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أي لا يظفرون بمطلوب ولا يفوزون بخير والضمير في ) أنه ( للشأن أي إن الشأن هذا
يونس : ( 18 ) ويعبدون من دون . . . . .
ثم نعى الله سبحانه عليهم عبادة الأصنام وبين أنها لا تنفع من عبدها ولا تضر من لا يعبدها فقال ) ويعبدون من دون الله ( أي متجاوزين الله سبحانه إلى عبادة غيره لا بمعنى ترك عبادته بالكلية ) ما لا يضرهم ولا ينفعهم ( أي ما ليس من شأنه الضرر ولا النفع ومن حق المعبود أن يكون مثيبا لمن أطاعه معاقبا لمن عصاه والواو لعطف هذه الجملة على جملة ) وإذا تتلى عليهم آياتنا ( و ) ما ( في ) ما لا يضرهم ( موصولة أو موصوفة والواو في ) ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( للعطف على ) ويعبدون ( زعموا أنهم يشفعون لهم عند الله فلا يعذبهم بذنوبهم وهذا غاية الجهالة منهم حيث ينتظرون الشفاعة في المآل ممن لا يوجد منه نفع ولا ضر في الحال وقيل أرادوا بهذه الشفاعة إصلاح أحوال دنياهم ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يجيب عنهم فقال ) قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض ( قرأ أبو السمال العدوي ? تنبئون ? بالتخفيف من أنبأ ينبيء وقرأ من عداه بالتشديد من نبأ ينبيء والمعنى أتخبرون الله أن له شركاء في ملكه يعبدون كما يعبد أو أتخبرونه أن لكم شفعاء بغير إذنه والله سبحانه لا يعلم لنفسه شريكا ولا شفيعا بغير إذنه من جميع مخلوقاته الذين هم في سمواته وفي أرضه وهذا الكلام حاصله عدم وجود من هو كذلك أصلا وفي هذا من التهكم بالكفار ما لا يخفى ثم نزه الله سبحانه نفسه عن إشراكهم وهو يحتمل أن يكون ابتداء كلام غير داخل في الكلام الذى أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب به عليهم ويحتمل أن يكون من تمام ما أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله لهم جوابا عليهم قرأ حمزة والكسائي


"""""" صفحة رقم 433 """"""
) عما يشركون ( بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية واختار القراءة الأولى أبو عبيد
يونس : ( 19 ) وما كان الناس . . . . .
قوله ) وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ( قد تقدم تفسيره في البقرة والمعنى أن الناس ما كانوا جميعا إلا أمة واحدة موحدة لله سبحانه مؤمنة به فصار البعض كافرا وبقي البعض الآخر مؤمنا فخالف بعضهم بعضا وقال الزجاج هم العرب كانوا على الشرك وقال كل مولود يولد على الفطرة فاختلفوا عند البلوغ والأول أظهر وليس المراد أن كل طائفة أحدثت ملة من ملل الكفر مخالفة للأخرى بل المراد كفر البعض وبقي البعض على التوحيد كما قدمنا ) ولولا كلمة سبقت من ربك ( وهى أنه سبحانه لا يقضى بينهم فيما اختلفوا فيه إلا يوم القيامة ) لقضي بينهم ( في الدنيا ) فيما ( هم ) فيه يختلفون ( لكنه قد امتنع ذلك بالكلمة التى لا تتخلف وقيل معنى ) لقضي بينهم ( بإقامة الساعة عليهم وقيل لفرغ من هلاكهم وقيل الكلمة إن الله أمهل هذه الأمة فلا يهلكهم بالعذاب في الدنيا وقيل الكلمة أنه لا يأخذ أحدا إلا بحجة وهى إرسال الرسل كما قال تعالى ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( وقيل الكلمة قوله سبقت رحمتي غضبي وقرأ عيسى بن عمر ) لقضي ( بالبناء للفاعل وقرأ من عداه بالبناء للمفعول
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال قال النضر إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فأنزل الله ) فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ( الآية وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ( قال ابن مسعود كانوا على هدى وروى أنه قرأ هكذا وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وما كان الناس إلا أمة واحدة ( قال آدم وحده ) فاختلفوا ( قال حين قتل أحد ابني آدم أخاه وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال كان الناس أهل دين واحد على دين آدم فكفروا فلولا أن ربك أجلهم إلى يوم القيامة لقضى بينهم
سورة يونس الآية ( 20 23 )


"""""" صفحة رقم 434 """"""
يونس : ( 20 ) ويقولون لولا أنزل . . . . .
قوله ) ويقولون ( ذكر سبحانه هاهنا نوعا رابعا من مخازيهم وهو معطوف على قوله ) ويعبدون ( وجاء بالمضارع لاستحضار صورة ما قالوه قيل والقائلون هم أهل مكة كأنهم لم يعتدوا بما قد نزل على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من الآيات الباهرة والمعجزات القاهرة التى لو لم يكن منها إلا القرآن لكفى به دليلا بينا ومصدقا قاطعا أي هلا أنزلت عليه آية من الآيات التى نقترحها عليه ونطلبها منه كإحياء الأموات وجعل الجبال ذهبا ونحو ذلك ثم أمره سبحانه أن يجيب عنهم فقال ) فقل إنما الغيب لله ( أي أن نزول الآية غيب والله هو المختص بعلمه المستأثر به لا علم لي ولا لكم ولا لسائر مخلوقاته ) فانتظروا ( نزول ما اقترحتموه من الآيات ) إني معكم من المنتظرين ( لنزولها وقيل المعنى انتظروا وقضاء الله بيني وبينكم بإظهار الحق على الباطل
يونس : ( 21 ) وإذا أذقنا الناس . . . . .
قوله ) وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا ( لما بين سبحانه في الآية المتقدمة أنهم طلبوا آية عنادا ومكرا ولجاجا وأكد ذلك بما ذكره هنا من أنه سبحانه إذا أذاقهم رحمة منه من بعد أن مستهم الضراء فعلوا مقابل هذه النعمة العظيمة المكر منهم في آيات الله والمراد بإذاقهم رحمته سبحانه أنه واسع عليهم في الأرزاق وأدر عليهم النعم بالمطر وصلاح الثمار بعد أن مستهم الضراء بالجدب وضيق المعايش فما شكروا نعمته ولا قدروها حق قدرها بل أضافوها إلى أصنامهم التى لا تنفع ولا تضر وطعنوا في آيات الله واحتالوا في دفعها بكل حيلة وهو معنى المكر فيها وإذا الأولى شرطية وجوابها إذا لهم مكر وهى فجائية ذكر معنى ذلك الخليل وسيبويه
ثم أمر سبحانه رسوله أن يجيب عنهم فقال ) قل الله أسرع مكرا ( أي أعجل عقوبة وقد دل أفعل التفضيل على أن مكرهم كان سريعا ولكن مكر الله أسرع منه وإذا الفجائية يستفاد منها السرعة لأن المعنى أنهم فاجئوا المكر أي أوقعوه على جهة الفجاءة والسرعة وتسمية عقوبة الله سحبانه مكرا من باب المشاكلة كما قرر في مواطن من عبارات الكتاب العزيز ) إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ( قرأ يعقوب في رواية وأبو عمرو في رواية ) يمكرون ( بالتحتية وقرأ الباقون بالفوقية والمعنى أن رسل الله وهم الملائكة يكتبون مكر الكفار لا يخفى ذلك على الملائكة الذين هم الحفظة فكيف يخفى على العليم الخبير وفي هذا وعيد لهم شديد وهذه الجملة تعليلية للجملة التى قبلها فإن مكرهم إذا كان ظاهرا لا يخفى فعقوبة الله كائنة لا محالة ومعنى هذه الآية قريب من معنى الآية المتقدمة وهى ) وإذا مس الإنسان الضر ( وفي هذه زيادة وهى أنهم لا يقتصرون على مجرد الإعراض بل يطلبون الغوائل لآيات الله بما يدبرونه من المكر
يونس : ( 22 ) هو الذي يسيركم . . . . .
) هو الذي يسيركم في البر والبحر ( ضرب سبحانه لهؤلاء مثلا حتى ينكشف المراد انكشافا تاما ومعنى تسييرهم في البر أنهم يمشون على أقدامهم التى خلقها لهم لينتفعوا بها ويركبون ما خلقه الله لركوبهم من الدواب ومعنى تسييرهم في البحر أنه ألهمهم لعمل السفائن التى يركبون فيها في لجج البحر ويسر ذلك لهم ودفع عنهم أسباب الهلاك وقد قرأ ابن عامر ? وهو الذى ينشركم في البحر ? بالنون والشين المعجمة من النشر كما في قوله ) فانتشروا في الأرض ( أي ينشرهم سبحانه في البحر فينجي من يشاء ويغرق من يشاء ) حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ( الفلك يقع على الواحد والجمع ويذكر ويؤنث وقد تقدم تحقيقه ) وجرين ( أي السفن بهم أي بالراكبين عليها وحتى لانتهاء الغاية والغاية مضمون الجملة الشرطية بكمالها فالقيود المعتبرة في الشرط ثلاثة أولها الكون في الفلك والثاني جريها بهم بالريح الطيبة التى ليست بعاصفة وثالثها فرحهم والقيود المعتبرة في الجزاء ثلاثة الأول ) جاءتها ( أي جاءت الفلك ريح عاصف أو جاءت الريح الطيبة أي تلقتها ريح عاصف والعصوف شدة هبوب الريح والثاني ) وجاءهم الموج من كل مكان ( أي من جميع الجوانب للفلك والمراد جاء الراكبين فيها والموج ما ارتفع من الماء فوق البحر والثالث ) وظنوا أنهم أحيط بهم (


"""""" صفحة رقم 435 """"""
أي غلب على ظنونهم الهلاك وأصله من إحاطة العدو بقوم أو ببلد فجعل هذه الإحاطة مثلا في الهلاك وإن كان بغير العدو كما هنا وجواب إذا في قوله ) إذا كنتم في الفلك ( قوله ) جاءتها ( إلى آخره ويكون قوله ) دعوا الله ( بدلا من ظنوا لكون هذا الدعاء الواقع منهم إنما كان عند ظن الهلاك وهو الباعث عليه فكان بدلا منه بدل اشتمال لاشتماله عليه ويمكن أن يكون جملة دعوا مستأنفة كأنه قيل ماذا صنعوا فقيل دعوا الله وفي قوله ) وجرين بهم ( التفات من الخطاب إلى الغيبة جعل الفائدة فيه صاحب الكشاف المبالغة وقال الرازي الانتقال من مقام الخطاب إلى مقام الغيبة في هذا المقام دليل المقت والتبعيد كما أن عكس ذلك في قوله ) إياك نعبد ( دليل الرضا والتقريب وانتصاب مخلصين على الحال أي لم يشوبوا دعاءهم بشئ من الشوائب كما جرت عادتهم في غير هذا الموطن أنهم يشركون أصنامهم في الدعاء وليس هذا لأجل الإيمان بالله وحده بل لأجل أن ينجيهم مما شارفوه من الهلاك لعلمهم أنه لا ينجيهم سوى الله سبحانه وفي هذا دليل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد وأن المضطر يجاب دعاؤه وإن كان كافرا وفى هذه الآية بيان أن هؤلاء المشركين كانوا لا يلتفتون إلى أصنامهم في هذه الحالة وما يشابهها فيا عجبا لما حدث في الإسلام من طوائف يعتقدون في الأموات فإذا عرضت لهم في البحر مثل هذه الحالة دعوا الأموات ولم يخلصوا الدعاء لله كما فعله المشركون كما تواتر ذلك إلينا تواترا يحصل به القطع فانظر هداك الله ما فعلت هذه الاعتقادات الشيطانية وأين وصل بها أهلها وإلى أين رمى بهم الشيطان وكيف اقتادهم وتسلط عليهم حتى انقادوا له انقيادا ما كان يطمع في مثله ولا في بعضه من عباد الأوثان فإنا لله وإنا إليه راجعون واللام في ) لئن أنجيتنا من هذه ( هى اللام الموطئة للقسم أي قائلين ذلك والإشارة بقوله ) من هذه ( إلى ما وقعوا فيه من مشارفة الهلاك في البحر واللام في ) لنكونن ( جواب القسم أي لنكونن في كل حال ممن يشكر نعمك التى أنعمت بها علينا منها هذه النعمة التى نحن بصدد سؤالك أن تفرجها عنا وتنجينا منها وقيل إن هذه الجملة مفعول دعوا
يونس : ( 23 ) فلما أنجاهم إذا . . . . .
) فلما نجاهم ( الله من هذه المحنة التى وقعوا فيها وأجاب دعاءهم لم يفوا بما وعدوا من أنفسهم بل فعلوا فعل الجاحدين لا فعل الشاكرين وجعلوا البغي في الأرض بغير الحق مكان الشكر وإذا في ) إذا هم يبغون ( هى الفجائية أي فاجئوا البغي في الأرض بغير الحق والبغي هو الفساد من قولهم بغى الجرح إذا ترامى في الفساد وزيادة في الأرض للدلالة على أن فسادهم هذا شامل لأقطار الأرض والبغي وإن كان ينافي أن يكون بحق بل لا يكون إلا بالباطل لكن زيادة بغير الحق إشارة إلى أنهم فعلوا ذلك بغير شبهة عندهم بل تمردا وعنادا لأنهم قد يفعلون ذلك لشبهة يعتقدونها مع كونها باطلة قوله ) يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ( لما ذكر سبحانه أن هؤلاء المتقدم ذكرهم يبغون في الأرض بغير الحق ذكر عاقبة البغي وسوء مغبته قرأ ابن إسحاق وحفص والمفضل بنصب متاع وقرأ الباقون بالرفع فمن قرأ بالنصب جعل ما قبله جملة تامة أي بغيكم وبال على أنفسكم فيكون بغيكم مبتدأ وعلى أنفسكم خبره ويكون متاع في موضوع المصدر المؤكد كأنه قيل تتمتعون متاع الحياة الدنيا ويكون المصدر مع الفعل المقدر استئنافا وقيل إن متاع على قراءة النصب ظرف زمان نحو مقدم الحاج أي زمن متاع الحياة الدنيا وقيل هو مفعول له أي لأجل متاع الحياة الدنيا وقيل منصوب بنزع الخافض أي كمتاع وقيل على الحال على أنه مصدر بمعنى المفعول أي ممتعين وقد نوقش غالب هذه الأقوال في توجيه النصب وأما من قرأ برفع متاع فجعله خبر المبتدأ أي بغيكم متاع الحياة الدنيا ويكون على أنفسكم متعلق بالمصدر والتقدير إنما بغيكم على


"""""" صفحة رقم 436 """"""
أمثالكم والذين جنسهم جنسكم متاع الحياة الدنيا ومنفعتها التى لا بقاء لها فيكون المراد بأنفسكم على هذا الوجه أبناء جنسهم وعبر عنهم بالأنفس لما يدركه الجنس على جنسه من الشفقة وقيل ارتفاع متاع على أنه خبر ثان وقيل على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو متاع قال النحاس على قراءة الرفع يكون بغيكم مرتفعا بالابتداء وخبره متاع الحياة الدنيا وعلى أنفسكم مفعول البغي ويجوز أن يكون خبره على أنفسكم ويضمر مبتدأ أي ذلك متاع الحياة الدنيا أو هو متاع الحياة الدنيا انتهى وقد نوقش أيضا بعض هذه الوجوه المذكورة في توجيه الرفع بما يطول به البحث في غير طائل والحاصل أنه إذا جعل خبر المتبدإ على أنفسكم فالمعنى أن ما يقع من البغي على الغير هو بغي على نفس الباغي باعتبار ما يؤول إليه الأمر من الانتقام منه مجازاة على بغيه وإن جعل الخبر متاع فالمراد أن بغى هذا الجنس الإنساني على بعضه بعضا هو سريع الزوال قريب الاضمحلال كسائر أمتعة الحياة الدنيا فإنها ذاهبة عن قرب متلاشية بسرعة ليس لذلك كثير فائدة ولا عظيم جدوى ثم ذكر سبحانه ما يكون على ذلك البغي من المجازاة يوم القيامة مع وعيد شديد فقال ) ثم إلينا مرجعكم ( وتقديم الخبر للدلالة على القصر والمعنى أنكم بعد هذه الحياة الدنيا ومتاعها ترجعون إلى الله فيجازى المسيء بإساءته والمحسن بإحسانه ) فننبئكم بما كنتم تعملون ( في الدنيا أي فنخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر والمراد بذلك المجازاة كما تقول لمن أساء سأخبرك بما صنعت وفيه أشد وعيد وأفظع تهديد
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله ) فانتظروا إني معكم من المنتظرين ( قال خوفهم عذابه وعقوبته وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا ( قال استهزاء وتكذيب وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله ) وظنوا أنهم أحيط بهم ( قال هلكوا وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص ما حاصله أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لما أهدر يوم الفتح دم جماعة منهم عكرمة بن أبي جهل هرب من مكة وركب البحر فأصابهم عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا فقال عكرمة لئن لم ينجني في البحر الإخلاص ما ينجيني في البر غيره اللهم إن لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتى محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فجاء فأسلم وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم والخطيب في تاريخه والديلمي في مسند الفردوس عنه أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثلاث هن رواجع على أهلها المكر والنكث والبغي ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ( ) ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ( ) فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ( وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي بكرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا تبغ ولا تكن باغيا فإن الله يقول إنما بغيكم على أنفسكم وأخرج أبو الشيخ عن مكحول قال ثلاث من كن فيه كن عليه المكر والبغي والنكث قال الله سبحانه ) إنما بغيكم على أنفسكم (
أقول أنا وينبغى أن يلحق بهذه الثلاث التى دل القرآن على أنها تعود على فاعلها الخدع فإن الله يقول ) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم ( وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما وأخرج ابن مردويه من حديث ابن عمر مثله


"""""" صفحة رقم 437 """"""
سورة يونس الآية ( 24 30 )
يونس : ( 24 ) إنما مثل الحياة . . . . .
لما ذكر الله سبحانه ما تقدم من متاع الدنيا جاء بكلام مستأنف يضمن بيان حالها وسرعة تقضيها وأنها تعود بعد أن تملأ الأعين برونقها وتجتلب النفوس ببهجتها وتحمل أهلها على أن يسفكوا دماء بعضهم بعضا ويهتكوا حرمهم حبالها وعشقا لجمالها الظاهري وتكالبا على التمتع بها وتهافتا على نيل ما تشتهي الأنفس منها بضرب من التشبيه المركب فقال ) إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء ( إلى آخر الآية والمعنى أن مثلها في سرعة الذهاب والاتصاف بوصف يضاد ما كانت عليه ويباينه مثل ما على الأرض من أنواع النبات في زوال رونقه وذهاب بهجته وسرعة تقضيه بعد أن كان غضا مخضرا طريا قد تعانقت أغصانه المتمايلة وزهت أوراقه المتصافحة وتلألأت أنوار نوره وحاكت الزهر أنواع زهره وليس المشبه به هو ما دخله الكاف في قوله ) كماء أنزلناه من السماء ( بل ما يفهم من الكلام والباء في ) فاختلط به نبات الأرض ( للسببية أي فاختلط بسببه نبات الأرض بأن اشتبك بعضه ببعض حتى بلغ إلى حد الكمال ويحتمل أن يراد أن النبات كان في أول بروزه ومبدأ حدوثه غير مهتز ولا مترعرع فإذا نزل الماء عليه اهتز وربا حتى اختلط بعض الأنواع ببعض ) مما يأكل الناس والأنعام ( من الحبوب والثمار والكلأ والتبن وأخذت الأرض زخرفها قال في الصحاح الزخرف الذهب ثم يشبه به كل مموه مزور انتهى والمعنى أن الأرض أخذت لونها الحسن المشابه بعضه للون الذهب وبعضه للون الفضة وبعضه للون الياقوت وبعضه للون الزمرذ وأصل ازينت تزينت أدغمت التاء في الزاي وجيء بألف الوصل لأن الحرف المدغم مقام حرفين أولهما ساكن والساكن لا يمكن الابتداء به وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وتزينت على الأصل وقرأ الحسن والأعرج وأبو العالية ) وازينت ( على وزن أفعلت أي أزينت بالزينة التى عليها شبهها بالعروس التى تلبس الثياب الجيدة المتلونة ألوانا كثيرة وقال عوف بن أبي جميلة قرأ أشياخنا وازيانت


"""""" صفحة رقم 438 """"""
على وزن اسوادت وفي رواية المقدمي وازانت والأصل فيه تزاينت على وزن تفاعلت وقرأ الشعبي وقتادة ? أزينت ? ومعنى هذه القراءات كلها هو ما ذكرنا ) وظن أهلها أنهم قادرون عليها ( أي غلب على ظنونهم أو تيقنوا أنهم قادرون على حصادها والانتفاع بها والضمير في عليها للأرض والمراد النبات الذى هو عليها ) أتاها أمرنا ( جواب إذا أي جاءها أمرنا بإهلاكها واستئصالها وضربها ببعض العاهات ) فجعلناها حصيدا ( أي جعلنا زرعها شبيها بالمحصود في قطعه من أصوله قال أبو عبيدة الحصيد المستأصل ) كأن لم تغن بالأمس ( أي كأن لم يكن زرعها موجودا فيها بالأمس مخضرا طريا من غنى بالمكان بالكسر يغني بالفتح إذا أقام به والمراد بالأمس الوقت القريب والمغاني في اللغة المنازل وقال قتادة كأن لم تنعم قال لبيد غنيت سنينا قبل مجرى داحس
لو كان للنفس اللجوج خلود
وقرأ قتادة ? كأن لم يغن ? بالتحتية بإرجاع الضمير إلى الزخرف وقرأ من عداه ) تغن ( بالفوقية بإرجاع الضمير إلى الأرض ) كذلك ( أي مثل ذلك التفصيل البديع ) نفصل الآيات ( القرآنية التى من جملتها هذه الآية ) لعلهم يتفكرون ( فيما اشتملت عليه ويجوز أن يراد الآيات التكوينية
يونس : ( 25 ) والله يدعو إلى . . . . .
قوله ) والله يدعو إلى دار السلام ( لما نفر عباده عن الميل إلى الدنيا بما ضربه لهم من المثل السابق رغبهم في الدار الآخرة بإخبارهم بهذه الدعوة منه عز وجل إلى دار السلام قال الحسن وقتادة السلام هو الله تعالى وداره الجنة وقال الزجاج المعنى والله يدعو إلى دار السلامة ومعنى السلام والسلامة واحد كالرضاع والرضاعة ومنه قول الشاعر تحيى بالسلامة أم بكر
وهل لك بعد قومك من سلام
وقيل أراد دار السلام الذى هو التحية لأن أهلها ينالون من الله السلام بمعنى التحية كما في قوله ) تحيتهم فيها سلام ( وقيل السلام اسم لأحد الجنان السبع أحدها دار السلام والثانية دار الجلال والثالثة جنة عدن والرابعة جنة المأوى والخامسة جنة الخلد والسادسة جنة الفردوس والسابعة جنة النعيم وقيل المراد دار السلام الواقع من المؤمنين بعضهم على بعض في الجنة قد اتفقوا على أن دار السلام هى الجنة وإنما اختلفوا في سبب التسمية بدار السلام ) ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( جعل سبحانه الدعوة إلى دار السلام عامة والهداية خاصة بمن يشاء أن يهديه تكميلا للحجة وإظهار للاستغناء عن خلقه
يونس : ( 26 ) للذين أحسنوا الحسنى . . . . .
ثم قسم سبحانه أهل الدعوة إلى قسمين وبين حال كل طائفة فقال ) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( أي الذين أحسنوا بالقيام بما أوجبه الله عليهم من الأعمال والكف عما نهاهم عنه من المعاصي والمراد بالحسنى المثوبة الحسنى قال ابن الأنباري العرب توقع هذه اللفظة على الخصلة المحبوبة المرغوب فيها ولذلك ترك موصوفها وقيل المراد بالحسنى الجنة وأما الزيادة فقيل المراد بها ما يزيد على المثوبة من التفضل كقوله ) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ( وقيل الزيادة النظر إلى وجهه الكريم وقيل الزيادة هى مضاعفة الحسنة إلى عشر أمثالها وقيل الزيادة غرفة من لؤلؤ وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان وقيل هى أنه سبحانه يعطيهم في الدنيا من فضله ما لا يحاسبهم عليه وقيل غير ذلك مما لا فائدة في ذكره وسيأتي بيان ما هو الحق في آخر البحث ) ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ( معنى يرهق يلحق ومنه قيل غلام مراهق إذا لحق بالرجال وقيل يعلو وقيل يغشى والمعنى متقارب والقتر الغبار ومنه قول الفرزدق متوج برداء الملك يتبعه
موج ترى فوقه الرايات والقترا
وقرأ الحسن ) قتر ( بإسكان المثناة والمعنى واحد قاله النحاس وواحد القتر قترة والذلة ما يظهر على


"""""" صفحة رقم 439 """"""
الوجه من الخضوع والانكسار والهوان والمعنى أنه لا يعلو وجوههم غبرة ولا يظهر فيها هوان وقيل القتر الكآبة وقيل سواد الوجوه وقيل هو دخان النار ) أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( الإشارة إلى المتصفين بالصفات السابقة هم أصحاب الجنة الخالدون فيها المتنعمون بأنواع نعيمها
يونس : ( 27 ) والذين كسبوا السيئات . . . . .
) والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها ( هذا الفريق الثاني من أهل الدعوة وهو معطوف على ) للذين أحسنوا ( كأنه قيل وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها أو يقدر وجزاء الذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها أي يجازي سيئة واحدة بسيئة واحدة لا يزاد عليها وهذا أولى من الأول لكونه من باب العطف على معمولي عاملين مختلفين والمراد بالسيئة إما الشرك أو المعاصي التى ليست بشرك وهى ما يتلبس به العصاة من المعاصي قال ابن كيسان الباء زائدة والمعنى جزاء سيئة مثلها وقيل الباء مع ما بعدها الخبر وهى متعلقة بمحذوف قامت مقامه والمعنى جزاء سيئة كائن بمثلها كقولك إنما أنا بك ويجوز أن يتعلق بجزاء والتقدير جزاء سيئة بمثلها كائن فحذف خبر المبتدأ ويجوز أن يكون ) جزاء ( مرفوعا على تقدير فلهم جزاء سيئة فيكون مثل قوله ) فعدة من أيام أخر ( أي فعليه عدة والباء على هذا التقدير متعلقة بمحذوف كأنه قال لهم جزاء سيئة ثابت بمثلها أو تكون مؤكدة أو زائدة قوله ) ترهقهم ذلة ( أي يغشاهم هوان وخزي وقريء ? يرهقهم ? بالتحتية ) ما لهم من الله من عاصم ( أي لا يعصمهم أحد كائنا من كان من سخط الله وعذابه أو ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما يكون للمؤمنين والأول أولى والجملة في محل نصب على الحالية أو مستأنفة ) كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ( قطعا جمع قطعة وعلى هذا يكون مظلما منتصبا على الحال من الليل أي أغشيت وجوههم قطعا من الليل في حالة ظلمته وقد قرأ بالجمع جمهور القراء وقرأ الكسائي وابن كثير ) قطعا ( بإسكان الطاء فيكون مظلما على هذا صفة لقطعا ويجوز أن يكون حالا من الليل قال ابن السكيت القطع طائفة من الليل ) أولئك ( أي الموصوفون بهذه الصفات الذميمة ) أصحاب النار هم فيها خالدون ( وإطلاق الخلود هنا مقيد بما تواتر في السنة من خروج عصاة الموحدين
يونس : ( 28 ) ويوم نحشرهم جميعا . . . . .
قوله ) ويوم نحشرهم جميعا ( الحشر الجمع وجميعا منتصب على الحال ) ويوم ( منصوب بمضمر أي أنذرهم يوم نحشرهم والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوالهم القبيحة والمعنى أن الله سبحانه يحشر العابد والمعبود لسؤالهم ) ثم نقول للذين أشركوا ( في حالة الحشر ووقت الجمع تقريعا لهم على رءوس الأشهاد وتوبيخا لهم مع حضور من يشاركهم في العبادة وحضور معبوداتهم ) مكانكم ( أي الزموا مكانكم واثبتوا فيه وقفوا في موضعكم ) أنتم وشركاؤكم ( هذا الضمير تأكيد للضمير الذى في مكانكم لسده مسد الزموا وشركاؤكم معطوف عليه وقريء بنصب شركاؤكم على أن الواو مع قوله ) فزيلنا بينهم ( أي فرقنا وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا يقال زينته فتزيل أي فرقته فتفرق والمزايلة المفارقة يقال زايله مزايلة وزيالا إذا فارقه والتزايل التباين قال الفراء وقرأ بعضهم ? فزايلنا ? والمراد بالشركاء هنا الملائكة وقيل الشياطين وقيل الأصنام وإن الله سبحانه ينطقها في هذا الوقت وقيل المسيح وعزير والظاهر أنه كل معبود للمشركين كائنا ما كان وجملة ) وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ( في محل نصب على الحال بتقدير قد والمعنى وقد قال شركاؤهم الذين عبدوهم وجعلوهم شركاء لله سبحانه ما كنتم إيانا تعبدون وإنما عبدتم هواكم وضلالكم وشياطينكم الذين أغووكم وإنما أضاف الشركاء إليهم من أنهم جعلوهم شركاء لله سبحانه لكونهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم فهم شركاؤهم في أموالهم من هذه الحيثية وقيل لكونهم شركاؤهم في هذا الخطاب وهذا الجحد من الشركاء وإن كان مخالفا لما قد وقع من المشركين من عبادتهم فمعناه إنكار عبادتهم إياهم عن أمرهم لهم بالعبادة
يونس : ( 29 ) فكفى بالله شهيدا . . . . .
) فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم (


"""""" صفحة رقم 440 """"""
إن كنا أمرناكم بعبادتنا أو رضينا ذلك منكم ) إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( إن هى المخففة من الثقيلة واللام هى الفارقة بينها وبين النافية والقائل لهذا الكلام هم المعبودون قالوا لمن عبدهم من المشركين إنا كنا عن عبادتكم لنا لغافلين والمراد بالغفلة هنا عدم الرضا بما فعله المشركون من العبادة لهم وفي هذا دليل على أن هؤلاء المعبودين غير الشياطين لأنهم يرضون بما فعله المشركون من عبادتهم ويمكن أن يكونوا من الشياطين ويحمل هذا الجحد منهم على أنهم لم يجبروهم على عبادتهم ولا أكرهوهم عليها
يونس : ( 30 ) هنالك تبلو كل . . . . .
) هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ( أي في ذلك المكان وفي ذلك الموقف أو في ذلك الوقت على استعارة اسم الزمان للمكان تذوق كل نفس وتختبر جزاء ما أسلفت من العمل فمعنى ) تبلو ( تذوق وتختبر وقيل تعلم وقيل تتبع وهذا على قراءة من قرأ ) تبلو ( بالمثناة الفوقية بإسناد الفعل إلى كل نفس وأما على قراءة من قرأ نبلو بالنون فالمعنى أن الله يبتلى كل نفس ويختبرها ويكون ما أسلفت بدلا من كل نفس والمعنى أنه يعاملها معاملة من يختبرها ويتفقد أحوالها قوله ) وردوا إلى الله مولاهم الحق ( معطوف على ? زيلنا ? والضمير في ردوا عائد إلى الذين أشركوا أي ردوا إلى جزائه وما أعد لهم من عقابه ومولاهم ربهم والحق صفة له أي الصادق الربوبية دون ما اتخذوه من المعبودات الباطلة وقريء ) الحق ( بالنصب على المدح كقولهم الحمد لله أهل الحمد ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي ضاع وبطل ما كانوا يفترون من أن الآلهة التى لهم حقيقة بالعبادة لتشفع لهم إلى الله وتقربهم إليه
والحاصل أن هؤلاء المشركين يرجعون في ذلك المقام إلى الحق ويعترفون به ويقرون ببطلان ما كانوا يعبدونه ويجعلونه إلها ولكن حين لا ينفعهم ذلك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فاختلط به نبات الأرض ( قال اختلط فنبت بالماء كل لون ) مما يأكل الناس ( كالحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض والبقول والثمار وما تأكله الأنعام والبهائم من الحشيش والمراعي وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وازينت ( قال أنبتت وحسنت وفي قوله ) كأن لم تغن بالأمس ( قال كأن لم تعش كأن لم تنعم
وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب وابن عباس ومروان بن الحكم أنهم كانوا يقرءون بعد قوله ) وظن أهلها أنهم قادرون عليها ( وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه كان يقرأ وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها ) كذلك نفصل الآيات ( وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال كان مكتوب في سورة يونس إلى حيث هذه الآية ) حتى إذا أخذت الأرض زخرفها ( إلى ) يتفكرون ( ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمني واديا ثالثا ولا يشبع نفس ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب فمحيت وأخرج أبو نعيم والدمياطي في معجمه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله ) والله يدعو إلى دار السلام ( يقول يدعو إلى عمل الجنة والله السلام والجنة داره وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله ) ويهدي من يشاء ( قال يهديهم للمخرج من الشبهات والفتن والضلالات وأخرج أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما من يوم طلعت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت شمسه إلا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين اللهم أعط اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا ) والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى (


"""""" صفحة رقم 441 """"""
إلى قوله ) للعسرى ( وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن أبي هلال سمعت أبا جعفر محمد بن علي وتلا ) والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( فقال حدثني جابر قال خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوما فقال إني سمعت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلا فقال اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك مثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا ثم جعل فيها مأدبة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من ترك فالله هو الملك والدار الإسلام والبيت الجنة وأنت يا محمد رسول فمن أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل منها
وقد روى معنى هذا من طرق وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والله يدعو إلى دار السلام ( قال ذكر لنا أن في التوراة مكتوبا يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر اتقه وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أنه كان إذا قرأ ) والله يدعو إلى دار السلام ( قال لبيك ربنا وسعديك وأخرج أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم عن صهيب أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) تلا هذه الآية ) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار قال فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والدارقطني في الرؤية وابن مردويه عن أبي موسى عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي بصوت يسمعه أولهم وآخرهم إن الله وعدكم الحسنى وزيادة فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الرؤية عن كعب عن عجرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( قال الزيادة النظر إلى وجه الرحمن وأخرج هؤلاء والدارقطني وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله سلم عن قوله ) للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( قال الذين أحسنوا أهل التوحيد والحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا نحوه وأخرج أبو الشيخ والدارقطني وابن مردويه والخطيب وابن النجار عن أنس مرفوعا نحوه وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة نحوه وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن خزيمة وابن المنذر وأبو الشيخ والدارقطني وابن مردويه والبيهقي عن أبي بكر الصديق في الآية قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله وأخرج ابن مردويه من طريق الحرث عن علي بن أبي طالب في الآية مثله وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والدارقطني والبيهقي عن حذيفة في الآية قال الزيادة النظر إلى وجه الله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والدارقطني والبيهقي عن أبي موسى نحوه وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم واللالكائي عن ابن مسعود نحوه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن علي قال الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب غرفها وأبوابها من لؤلؤة واحدة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وزيادة ( قال هو مثل قوله ) ولدينا مزيد ( يقول يخزيهم بعملهم ويزيدهم من فضله
وقال ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( وقد روى عن التابعين ومن بعدهم روايات في تفسير الزيادة غالبها


"""""" صفحة رقم 442 """"""
أنها النظر إلى وجه الله سبحانه وقد ثبت التفسير بذلك من قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يبق حينئذ لقائل مقال ولا التفات إلى المجادلات الواقعة بين المتمذهبة الذين لا يعرفون من السنة المطهرة ما ينتفعون به فإنهم لو عرفوا ذلك لكفوا عن كثير من هذيانهم والله المستعان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يرهق وجوههم ( قال لا يغشاهم ) قتر ( قال سواد الوجوه وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في الآية قال القتر سواد الوجه وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال خزي وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن صهيب عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ( قال بعد نظرهم إليه عز وجل وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) والذين كسبوا السيئات ( قال الذين عملوا الكبائر ) جزاء سيئة بمثلها ( قال النار ) كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ( القطع السواد نسختها الآية في البقرة ) بلى من كسب سيئة ( الآية وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) وترهقهم ذلة ( قال تغشاهم ذلة وشدة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله ) ما لهم من الله من عاصم ( يقول من مانع وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ويوم نحشرهم ( قال الحشر الموت وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) فزيلنا بينهم ( قال فرقنا بينهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال تنصب الآلهة التى كانوا يعبدونها من دون الله فيقول هؤلاء الذين كنتم تعبدون من دون الله فيقولون نعم هؤلاء الذين كنا نعبد فتقول لهم الآلهة والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا فيقولون بلى والله لإياكم كنا نعبد فتقول لهم الآلهة ) فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يمثل لهم يوم القيامة ما كانوا يعبدون من دون الله فيتبعونهم حتى يؤدوهم النار ثم تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ( وأخرج أبو الشيخ عن السدي ) هنالك تبلو ( يقول تتبع وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال ) تبلو ( تختبر وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد ) تبلو ( قال تعاين ) كل نفس ما أسلفت ( ما عملت ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( ما كانوا يدعون معه من الأنداد وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وردوا إلى الله مولاهم الحق ( قال نسخها قوله ) الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم )
سورة يونس الآية ( 31 34 )


"""""" صفحة رقم 443 """"""
سورة يونس الآية ( 35 41 )
يونس : ( 31 ) قل من يرزقكم . . . . .
لما بين فضائح المشركين أتبعها بإيراد الحجج الدامغة من أحوال الرزق والحواس والموت والحياة والابتداء والإعادة والإرشاد والهدى وبنى سبحانه الحجج على الاستفهام وتفويض الجواب إلى المسئولين ليكون أبلغ في إلزام الحجة وأوقع في النفوس فقال ) قل ( يا محمد للمشركين احتجاجا لحقية التوحيد وبطلان ما هم عليه من الشرك ) من يرزقكم من السماء والأرض ( من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات والمعادن فإن اعترفوا حصل المطلوب وإن لم يعترفوا فلا بد أن يعترفوا بأن الله هو الذى خلقهما ) أم من يملك السمع والأبصار ( أم هى المنقطعة وفي هذا انتقال من سؤال إلى سؤال وخص السمع والبصر بالذكر لما فيهما من الصنعة العجيبة والقدرة الباهرة العظيمة أي من يستطيع ملكهما وتسويتهما على هذه الصفة العجيبة والخلقة الغريبة حنى ينتفعوا بهما هذا الانتفاع العظيم ويحصلون بهما من الفوائد ما لا يدخل تحت حصر الحاصرين ثم انتقل إلى حجة ثالثة فقال ) ومن يخرج الحي من الميت ( الإنسان من النطفة والطير من البيضة والنبات من الحبة أو المؤمن من الكافر ) ويخرج الميت من الحي ( أي النطفة من الإنسان أو الكافر من المؤمن والمراد من هذا الاستفهام عمن يحيى ويميت ثم انتقل إلى حجة رابعة فقال ) ومن يدبر الأمر ( أي يقدره ويقضيه وهذا من عطف العام على الخاص لأنه قد عم ما تقدم وغيره ) فسيقولون الله ( أي سيكون قولهم في جواب هذه الاستفهامات إن الفاعل لهذه الأمور هو الله سبحانه إن أنصفوا وعملوا على ما يوجبه الفكر الصحيح والعقل السليم وارتفاع الاسم الشريف على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي الله يفعل ذلك ثم أمره الله سبحانه بعد أن يجيبوا بهذا الجواب أن يقول لهم ) أفلا تتقون ( والاستفهام للإنكار والفاء للعطف على مقدر أي تعلمون ذلك أفلا تتقون وتفعلون ما يوجبه هذا العلم من تقوى الله الذى يفعل هذه الأفعال
يونس : ( 32 ) فذلكم الله ربكم . . . . .
) فذلكم الله ربكم الحق ( أي فذلكم الذى يفعل هذه الأفعال هو ربكم المتصف بأنه الحق لا ما جعلتموهم شركاء له والاستفهام في قوله ) فماذا بعد الحق إلا الضلال ( للتقريع والتوبيخ إن كانت ما استفهامية لا إن كانت نافية كما يحتمله الكلام والمعنى أي شيء بعد الحق إلا الضلال فإن ثبوت ربوبية الرب سبحانه حق بإقرارهم فكان غيره باطلا لأن واجب الوجود يجب أن يكون واحدا في ذاته


"""""" صفحة رقم 444 """"""
وصفاته ) فأنى تصرفون ( أي كيف تستجيزون العدول عن الحق الظاهر وتقعون في الضلال إذ لا واسطة بينهما فمن تخطى أحدهما وقع في الآخر والاستفهام للإنكار والاستبعاد والتعجب
يونس : ( 33 ) كذلك حقت كلمة . . . . .
) كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون ( أي كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق كذلك حقت كلمة ربك أي حكمه وقضاؤه على الذين فسقوا أي خرجوا من الحق إلى الباطل وتمردوا في كفرهم عنادا ومكابرة وجملة ) أنهم لا يؤمنون ( بدل من الكلمة قاله الزجاج أي حقت عليهم هذه الكلمة وهى عدم إيمانهم ويجوز أن تكون الجملة تعليلية لما قبلها بتقدير اللام أي لأنهم لا يؤمنون وقال الفراء إنه يجوز إنهم لا يؤمنون بالكسر على الاستئناف وقد قرأ نافع وابن عامر ? كلمات ربك ? بالجمع وقرأ الباقون بالإفراد
يونس : ( 34 ) قل هل من . . . . .
قوله ? قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده ? أورد سبحانه في هذا حجة خامسة على المشركين أمر نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقولها لهم وهم وإن كانوا لا يعترفون بالمعاد لكنه لما كان أمرا ظاهرا بينا وقد أقام الأدلة عليه في السورة على صورة لا يمكن دفعها عند من أنصف ولم يكابر كان كالمسلم عندهم الذى لا جحد له ولا إنكار فيه ثم أمره سبحانه أن يقول لهم ) قل الله يبدا الخلق ثم يعيده فأنى يؤفكون ( أي هو الذى يفعل ذلك لا غيره وهذا القول الذى قاله النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن أمر الله سبحانه له هو نيابة عن المشركين في الجواب إما على طريق التلقين لهم وتعريفهم كيف يجيبون وإرشادهم إلى ما يقولون وإما لكون هذا المعنى قد بلغ في الوضوح إلى غاية لا يحتاج معها إلى إقرار الخصم ومعرفة ما لديه وإما لكون المشركين لا ينطقون بما هو الصواب في هذا الجواب فرارا منهم عن أن تلزمهم الحجة أو يسجل عليهم بالعناد والمكابرة إن حادوا عن الحق ومعنى ) فأنى تؤفكون ( فكيف تؤفكون أي تصرفون عن الحق وتنقلبون منه إلى غيره
يونس : ( 35 ) قل هل من . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يورد عليهم حجة سادسة فقال ) قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ( والاستفهام هاهنا كالاستفهامات السابقه والاستدلال بالهداية بعد الاستدلال بالخلق وقع كثيرا في القرآن كقوله ) الذي خلقني فهو يهدين ( وقوله ) الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ( وقوله ) الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ( وفعل الهداية يجيء متعديا باللام وإلى وهما بمعنى واحد روى ذلك عن الزجاج والمعنى قل لهم يا محمد هل من شركائكم من يرشد إلى دين الإسلام ويدعو الناس إلى الحق فإذا قالوا لا فقل لهم الله يهدي للحق دون غيره ودليل ذلك ما تقدم من الأدلة الدالة على اختصاصه سبحانه بهذا وهداية الله سبحانه لعباده إلى الحق هى بما نصبه لهم من الآيات في المخلوقات وإرساله للرسل وإنزاله للكتب وخلقه لما يتوصل به العباد إلى ذلك من العقول والأفهام والأسماع والأبصار والاستفهام في قوله ) أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى ( للتقرير وإلزام الحجة
وقد اختلف القراء في ) لا يهدي ( فقرأ أهل المدينة إلا نافعا ) يهدي ( بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال فجمعوا في قراءتهم هذه بين ساكنين قال النحاس والجمع بين ساكنين لا يقدر أحد أن ينطق به قال محمد بن يزيد لا بد لمن رام مثل هذا أن يحرك حركه خفيفة إلى الكسر وسيبويه يسمى هذا اختلاسا وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية بين الفتح والإسكان وقرأ ابن عامر وابن كثير وورش وابن محيصن بفتح الياء والهاء وتشديد الدال قال النحاس هذه القراءة بينة في العربية والأصل فيها يهتدى أدغمت التاء في الدال وقلبت حركتها إلى الهاء وقرأ حفص ويعقوب والأعمش مثل قراءة ابن كثير إلا أنهم كسروا الهاء قالوا لأن الكسر هو الأصل عند التقاء الساكنين
وقرأ أبو بكر عن عاصم ) يهدي ( بكسر الياء والهاء وتشديد الدال وذلك للاتباع وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويحيى بن وثاب ) يهدي ( بفتح الياء وإسكان الهاء وتخفيف الدال من هدى يهدى قال النحاس وهذه القراءة لها


"""""" صفحة رقم 445 """"""
وجهان في العربية وإن كانت بعيدة الأول أن الكسائي والفراء قالا إن يهدي بمعنى يهتدى الثاني أن أبا العباس قال إن التقدير أم من لا يهدي غيره ثم تم الكلام وقال بعد ذلك ) إلا أن يهدى ( أي لكنه يحتاج أن يهدى فهو استثناء منقطع كما تقول فلان لا يسمع غيره إلا أن يسمع أي لكنه يحتاج أن يسمع والمعنى على القراءات المتقدمة أفمن يهدى الناس إلى الحق وهو الله سبحانه أحق أن يتبع ويقتدى به أم الأحق بأن يتبع ويقتدى به من لا يهتدى بنفسه إلا أن يهديه غيره فضلا عن أن يهدى غيره والاستثناء على هذا استثناء مفرغ من أعم الأحوال
قوله ) فما لكم كيف تحكمون ( هذا تعجيب من حالهم باستفهامين متواليين أي أي شيء لكم كيف تحكمون باتخاذ هؤلاء شركاء لله وكلا الاستفهامين للتقريع والتوبيخ وكيف في محل نصب بتحكمون
يونس : ( 36 ) وما يتبع أكثرهم . . . . .
ثم بين سبحانه ما هؤلاء عليه في أمر دينهم وعلى أي شيء بنوه وبأي شيء اتبعوا هذا الدين الباطل وهو الشرك فقال ) وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا ( وهذا كلام مبتدأ غير داخل في الأوامر السابقة والمعنى ما يتبع هؤلاء المشركون في إشراكهم بالله وجعلهم له أندادا إلا مجرد الظن والتخمين والحدس ولم يكن ذلك عن بصيرة بل ظن من ظن من سلفهم أن هذه المعبودات تقربهم إلى الله وأنها تشفع لهم ولم يكن ظنه هذا لمستند قط بل مجرد خيال مختل وحدس باطل ولعل تنكير الظن هنا للتحقير أي إلا ظنا ضعيفا لا يستند إلى ما تستند إليه سائر الظنون وقيل المراد بالآية إنه ما يتبع أكثرهم في الإيمان بالله والإقرار به إلا ظنا والأول أولى ثم أخبرنا الله سبحانه بأن مجرد الظن لا يغني من الحق شيئا لأن أمر الدين إنما يبنى على العلم وبه يتضح الحق من الباطل والظن لا يقوم مقام العلم ولا يدرك به الحق ولا يغني عن الحق في شيء من الأشياء ويجوز انتصاب شيئا على المصدرية أو على أنه مفعول به ومن الحق حال منه والجملة مستأنفة لبيان شأن الظن وبطلانه ) إن الله عليم بما يفعلون ( من الأفعال القبيحة الصادرة لا عن برهان
يونس : ( 37 ) وما كان هذا . . . . .
قوله ) وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ( لما فرغ سبحانه من دلائل التوحيد وحججه شرع في تثبيت أمر النبوة أي وما صح وما استقام أن يكون هذا القرآن المشتمل على الحجج البينة والبراهين الواضحة يفترى من الخلق من دون الله وإنما هو من عند الله عز وجل وكيف يصح أن يكون مفترى وقد عجز عن الإتيان بسورة منه القوم الذين هم أفصح العرب لسانا وأدقهم أذهانا ) ولكن ( كان هذا القرآن ) تصديق الذي بين يديه ( من الكتب المنزلة على الأنبياء ونفس هذا التصديق معجزة مستقلة لأن أقاصيصه موافقة لما في الكتب المتقدمة مع أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لم يطلع على ذلك ولا تعلمه ولا سأل عنه ولا اتصل بمن له علم بذلك وانتصاب تصديق على أنه خبر لكان المقدرة بعد لكن ويجوز أن يكون انتصابه على العلية لفعل محذوف أي لكن أنزله الله تصديق الذى بين يديه قال الفراء ومعنى الآية وما ينبغى لهذا القرآن أن يفترى كقوله ) وما كان لنبي أن يغل ( ) وما كان المؤمنون لينفروا كافة ( وقيل إن ) إن ( بمعنى للام أي وما كان هذا القرآن ليفترى وقيل بمعنى لا أي لا يفترى قال الكسائي والفراء إن التقدير في قوله ) ولكن تصديق ( ولكن كان تصديق ويجوز عندهما الرفع أي ولكن هو تصديق وقيل المعنى ولكن القرآن تصديق ) الذي بين يديه ( من الكتب أي أنها قد بشرت به قبل نزوله فجاء مصدقا لها وقيل المعنى ولكن تصديق النبي الذى بين يدي القرآن وهو محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لأنهم شاهدوه قبل أن يسمعوا منه القرآن قوله ) وتفصيل الكتاب ( عطف على قوله ) ولكن تصديق الذي بين يديه ( فيجيء فيه الرفع والنصب على الوجهين المذكورين في تصديق والتفصيل التبيين أي يبين ما في كتب الله المتقدمة والكتاب للجنس وقيل أراد ما بين في القرآن من الأحكام فيكون المراد بالكتاب القرآن قوله ) لا ريب فيه ( الضمير عائد إلى القرآن وهو


"""""" صفحة رقم 446 """"""
داخل في حكم الاستدراك خبر ثالث ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال من الكتاب ويجوز أن تكون الجملة استئنافية لا محل لها و ) من رب العالمين ( خبر رابع أي كائن من رب العالمين ويجوز أن يكون حالا من الكتاب أو من ضمير القرآن في قوله ) لا ريب فيه ( أي كائنا من رب العالمين ويجوز أن يكون متعلقا بتصديق وتفصيل وجملة ) لا ريب فيه ( معترضة
يونس : ( 38 ) أم يقولون افتراه . . . . .
قوله ) أم يقولون افتراه ( الاستفهام للإنكار عليهم مع تقرير ثبوت الحجة وأم هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة أي بل أيقولون افتراه واختلقه وقال أبو عبيدة أم بمعنى الواو أي ويقولون افتراه وقيل الميم زائدة والتقدير أيقولون افتراه والاستفهام للتقريع والتوبيخ
ثم أمره الله سبحانه أن يتحداهم حتى يظهر عجزهم ويتبين ضعفهم فقال ) قل فأتوا بسورة مثله ( أي إن كان الأمر كما تزعمون من أن محمدا افتراه فأتوا أنتم على جهة الافتراء بسورة مثله في البلاغة وجودة الصناعة فأنتم مثله في معرفة لغة العرب وفصاحة الألسن وبلاغة الكلام ) وادعوا ( بمظاهريكم ومعاونيكم ) من استطعتم ( دعاءه والاستعانة به من قبائل العرب ومن آلهتكم التى تجعلونهم شركاء لله وقوله ) من دون الله ( متعلق بادعوا أي ادعوا من سوى الله من خلقه ) إن كنتم صادقين ( في دعواكم أن هذا القرآن مفترى
وسبحان الله العظيم ما أقوى هذه الحجة وأوضحها وأظهرها للعقول فإنهم لما نسبوا الافتراء إلى واحد منهم في البشرية والعربية قال لهم هذا الذى نسبتموه إلي وأنا واحد منكم ليس عليكم إلا أن تأتوا وأنتم الجمع الجم بسورة مماثلة لسورة من سوره واستعينوا بمن شئتم من أهل هذه اللسان العربية على كثرتهم وتباين مساكنهم أو من غيرهم من بني آدم أو من الجن أو من الأصنام فإن فعلتم هذا بعد اللتيا والتى فأنتم صادقون فيما نسبتموه إلي وألصقتموه بي فلم يأتوا عند سماع هذا الكلام المنصف والتنزل البالغ بكلمة ولا نطقوا ببنت شفة بل كاعوا عن الجواب وتشبثوا بأذيال العناد البارد والمكابرة المجردة عن الحجة وذلك مما لا يعجز عنه مبطل ولهذا قال سبحانه عقب هذا التحدي البالغ
يونس : ( 39 ) بل كذبوا بما . . . . .
) بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ( فأضرب عن الكلام الأول وانتقل إلى بيان أنهم سارعوا إلى تكذيب القرآن قبل أن يتدبروه ويفهموا معانيه وما اشتمل عليه وهكذا صنع من تصلب في التقليد ولم يبال بما جاء به من دعا إلى الحق وتمسك بذيول الإنصاف بل يرده بمجرد كونه لم يوافق هواه ولا جاء على طبق دعواه قبل أن يعرف معناه ويعلم مبناه كما تراه عيانا وتعلمه وجدانا والحاصل أن من كذب بالحجة النيرة والبرهان الواضح قبل أن يحيط بعلمه فهو لم يتمسك بشيء في هذا التكذيب إلا مجرد كونه جاهلا لما كذب به غير عالم به فكان بهذا التكذيب مناديا على نفسه بالجهل بأعلى صوت ومسجلا بقصوره عن تعقل الحجج بأبلغ تسجيل وليس على الحجة ولا على من جاء بها من تكذيبه شيء ما يبلغ الأعداء من جاهل
ما يبلغ الجاهل من نفسه
قوله ) ولما يأتهم تأويله ( معطوف على ) لم يحيطوا بعلمه ( أي بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وبما لم يأتهم تأويله أو هذه الجملة في محل نصب على الحال أي كذبوا به حال كونهم لم يفهموا تأويل ما كذبوا به ولا بلغته عقولهم
والمعنى أن التكذيب منهم وقع قبل الإحاطة بعلمه وقبل أن يعرفوا ما يئول إليه من صدق ما اشتمل عليه من حكاية ما سلف من أخبار الرسل المتقدمين والأمم السابقين ومن حكايات من سيحدث من الأمور المستقبلة التى أخبر عنها قبل كونها أو قبل أن يفهموه حق الفهم وتتعقله عقولهم فإنهم لو تدبروه كلية التدبر لفهموه كما ينبغى وعرفوا ما اشتمل عليه من الأمور الدالة أبلغ دلالة على أنه كلام الله وعلى هذا فمعنى تأويله ما يئول إليه


"""""" صفحة رقم 447 """"""
لمن تدبره من المعاني الرشيقة واللطائف الأنيقة وكلمة التوقع أظهر في المعنى الأول ) كذلك كذب الذين من قبلهم ( أي مثل ذلك التكذيب كذب الذين من قبلهم من الأمم عند أن جاءتهم الرسل بحجج الله وبراهينه فإنهم كذبوا به قبل أن يحيطوا بعلمه وقبل أن يأتيهم تأويله ) فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( من الأمم السالفة من سوء العاقبة بالخسف والمسخ ونحو ذلك من العقوبات التى حلت بهم كما حكى ذلك القرآن عنهم واشتملت عليه كتب الله المنزلة عليهم
يونس : ( 40 ) ومنهم من يؤمن . . . . .
قوله ) ومنهم من يؤمن به ( أي ومن هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن من يؤمن به في نفسه ويعلم أنه صدق وحق ولكنه كذب به مكابرة وعنادا وقيل المراد ومنهم من يؤمن به في المستقبل وإن كذب به في الحال والموصول مبتدأ وخبره منهم ) ومنهم من لا يؤمن به ( ولا يصدقه في نفسه بل كذب به جهلا كما مر تحقيقه أو لا يؤمن به في المستقبل بل يبقى على جحوده وإصراره وقيل الضمير في الموضعين للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقد قيل إن هذا التقسيم خاص بأهل مكة وقل عام في جميع الكفار ) وربك أعلم بالمفسدين ( فيجازيهم بأعمالهم والمراد بهم المصرون المعاندون أو بكلا الطائفتين وهم الذين يؤمنون به في أنفسهم ويكذبون به في الظاهر والذين يكذبون به جهلا أو الذين يؤمنون به في المستقبل والذين لا يؤمنون به
يونس : ( 41 ) وإن كذبوك فقل . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بأن يقول لهم إن أصروا على تكذيبه واستمروا عليه ) لي عملي ولكم عملكم ( أي لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم فقد أبلغت إليكم ما أمرت بإبلاغه وليس علي غير ذلك ثم أكد هذا بقوله ) أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ( أي لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم وقد قيل إن هذا منسوخ بآية السيف كما ذهب إليه جماعة من المفسرين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) كذلك حقت كلمة ربك ( يقول سبقت كلمة ربك وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال صدقت وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) أم من لا يهدي إلا أن يهدى ( قال الأوثان وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) وإن كذبوك فقل لي عملي ( الآية قال أمره بهذا ثم نسخه فأمره بجهادهم
سورة يونس الآية ( 42 49 )


"""""" صفحة رقم 448 """"""
يونس : ( 42 ) ومنهم من يستمعون . . . . .
قوله ) ومنهم من يستمعون ( الخ بين الله سبحانه في هذا أن في أولئك الكفار من بلغت حاله في النفرة والعداوة إلى هذا الحد وهى أنهم يستمعون إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ القرآن وعلم الشرائع في الظاهر ولكنهم لا يسمعون في الحقيقة لعدم حصول أثر السماع وهو حصول القبول والعمل بما يسمعونه ولهذا قال ) أفأنت تسمع الصم ( يعني أن هؤلاء وإن استمعوا في الظاهر فهم صم والصمم مانع من سماعهم فيكف تطمع منهم بذلك مع حصول المانع وهو الصمم فكيف إذا انضم إلى ذلك أنهم لا يعقلون فإن من كان أصم غير عاقل لا يفهم شيئا ولا يسمع ما يقال له وجمع الضمير في يستمعون حملا على معنى من وأفرده في ) ومنهم من ينظر ( حملا على لفظه قيل والنكتة كثرة المستمعين بالنسبة إلى الناظرين لأن الاستماع لا يتوقف على ما يتوقف عليه النظر من المقابلة وانتفاء الحائل وانفصال الشعاع والنور الموافق لنور البصر والتقدير في قوله ) ومنهم من يستمعون ( ) ومنهم من ينظر ( ومنهم ناس يستمعون ومنهم بعض ينظر والهمزتان في ) أفأنت تسمع ( ) أفأنت تهدي ( للإنكار والفاء في الموضعين للعطف على مقدر كأنه قيل أيستمعون إليك فأنت تسمعهم أينظرون إليك فأنت تهديهم
يونس : ( 43 ) ومنهم من ينظر . . . . .
والكلام في ) ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ( كالكلام في ) ومنهم من يستمعون ( الخ لأن العمى مانع فكيف يطمع من صاحبه في النظر وقد انضم إلى فقد البصر فقد البصيرة لأن الأعمى الذى له في قلبه بصيرة قد يكون له من الحدس الصحيح ما يفهم به في بعض الأحوال فهما يقوم مقام النظر وكذلك الأصم العاقل قد يتحدس تحدسا يفيده بعض فائدة بخلاف من جمع له بين عمى البصر والبصيرة فقد تعذر عليه الإدراك وكذا من جمع له بين الصمم وذهاب العقل فقد انسد عليه باب الهدى وجواب لو في الموضعين محذوف دل عليهما ما قبلهما والمقصود من هذا الكلام تسلية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن الطبيب إذا رأى مريضا لا يقبل العلاج أصلا أعرض عنه واستراح من الاشتغال به
يونس : ( 44 ) إن الله لا . . . . .
قوله ) إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ( ذكر هذا عقب ما تقدم من عدم الاهتداء بالأسماع والأبصار لبيان أن ذلك لم يكن لأجل نقص فيما خلقه الله لهم من السمع والعقل والبصر والبصيرة بل لأجل ما صار في طبائعهم من التعصب والمكابرة للحق والمجادلة بالباطل والإصرار على الكفر فهم الذين ظلموا أنفسهم بذلك ولم يظلمهم الله شيئا من الأشياء بل خلقهم وجعل لهم من المشاعر ما يدركون به أكمل إدراك وركب فيهم من الحواس ما يصلون به إلى ما يريدون ووفر مصالحهم الدنيوية عليهم وخلى بينهم وبين مصالحهم الدينية فعلى نفسها براقش نجنى وقرأ حمزة والكسائي ? ولكن النسا ? بتخفيف النون ورفع الناس وقرأ الباقون بتشديدها ونصب الناس قال النحاس زعم جماعة من النحويين منهم الفراء أن العرب إذا قالت ) ولكن ( بالواو شددوا النون وإذا حذفوا الواو خففوها قيل والنكتة في وضع الظاهر موضع المضمر زيادة التعيين والتقرير وتقديم المفعول على الفعل لإفادة القصر أو لمجرد الاهتمام مع مراعاة الفاصلة
يونس : ( 45 ) ويوم يحشرهم كأن . . . . .
قوله ) ويوم نحشرهم ( الظرف منصوب بمضمر أي واذكر يوم نحشرهم ) كأن لم يلبثوا ( أي كأنهم لم يلبثوا والجملة في محل نصب على الحال أي مشبهين من لم يلبث ) إلا ساعة من النهار ( أي شيئا قليلا منه والمراد باللبث هو اللبث في الدنيا وقيل في القبور استقلوا المدة الطويلة إما لأنهم ضيعوا أعمارهم في الدنيا فجعلوا وجودها كالعدم أو استقصروها للدهش والحيرة أو لطول وقوفهم في المحشر أو لشدة ما هم فيه من العذاب نسوا لذات الدنيا وكأنها لم تكن ومثل هذا قولهم ) لبثنا يوما أو بعض يوم ( وجملة ) يتعارفون بينهم ( في محل نصب على الحال أو مستأنفة والمعنى يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا الا قليلا وذلك عند خروجهم من القبور ثم تنقطع التعاريف بينهم لما بين أيديهم من الأمور المدهشة


"""""" صفحة رقم 449 """"""
للعقول المذهلة للأفهام وقيل إن هذا التعارف هو تعارف التوبيخ والتقريع يقول بعضهم لبعض أنت أضللتني وأغويتني لا تعارف شفقة ورأفة كما قال تعالى ) ولا يسأل حميم حميما ( وقوله ) فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ( فيجمع بأن المراد بالتعارف هو تعارف التوبيخ وعليه يحمل قوله ) ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول ( وقد جمع بين الآيات المختلفة في مثل هذا وغيره بأن المواقف يوم القيامة مختلفة فقد يكون في بعض المواقف ما لا يكون في الآخر ) قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ( هذا تسجيل من الله سبحانه عليهم بالخسران والجملة في محل نصب على الحال والمراد بلقاء الله يوم القيامة عند الحساب والجزاء ونفى عنهم أن يكونوا من جنس المهتدين لجهلهم وعدم طلبهم لما ينجيهم وينفعهم
يونس : ( 46 ) وإما نرينك بعض . . . . .
قوله ) وإما نرينك بعض الذي نعدهم ( أصله إن نرك وما مزيدة لتأكيد معنى الشرط وزيدت نون التأكيد والمعنى إن حصلت منا الإراءة لك بعض الذى وعدناهم من إظهار دينك في حياتك بقتلهم وأسرهم وجواب الشرط محذوف والتقدير فتراه أو فذلك وجملة ) أو نتوفينك ( معطوفة على ما قبلها والمعنى أو لا نرينك ذلك في حياتك بل نتوفينك قبل ذلك ) فإلينا مرجعهم ( فعند ذلك نعذبهم في الآخرة فنريك عذابهم فيها وجواب ) أو نتوفينك ( محذوف أيضا والتقدير أو نتوفينك قبل الإراءة فنحن نريك ذلك في الآخرة وقيل إن جواب ) أو نتوفينك ( هو قوله ) فإلينا مرجعهم ( لدلالته على ما هو المراد من إراءة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تعذيبهم في الآخرة وقيل العدول إلى صيغة المستقبل في الموضعين لاستحضار الصورة والأصل أريناك أو توفيناك وفيه نظر فإن إراءته ( صلى الله عليه وسلم ) لبعض ما وعد الله المشركين من العذاب لم تكن قد وقعت كالوفاة
وحاصل معنى هذه الآية إن لم ننتقم منهم عاجلا انتقمنا منهم آجلا وقد أراه الله سبحانه قتلهم وأسرهم وذلهم وذهاب عزهم وانكسار سورة كبرهم بما أصابهم به في يوم بدر وما بعده من المواطن فلله الحمد قوله ) ثم الله شهيد على ما يفعلون ( جاء بثم الدالة على التبعيد مع كون الله سبحانه شهيدا على ما يفعلونه في الدارين للدلالة على أن المراد بهذه الأفعال ما يترتب عليها من الجزاء أو ما يحصل من إنطاق الجوارح بالشهادة عليهم يوم القيامة فجعل ذلك بمنزلة شهادة الله عليهم كما ذكره النيسابوري
يونس : ( 47 ) ولكل أمة رسول . . . . .
) ولكل أمة ( من الأمم الخالية في وقت من الأوقات ) رسول ( يرسله الله إليهم ويبين لهم ما شرعه الله لهم من الأحكام على حسب ما تقتضيه المصلحة ) فإذا جاء رسولهم ( إليهم وبلغهم ما أرسله الله به فكذبوه جميعا ) قضي بينهم ( أي بين الأمة ورسولها ) بالقسط ( أي العدل فنجا الرسول وهلك المكذبون له كما قال سبحانه ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( ويجوز أن يراد بالضمير في بينهم الأمة على تقدير أنه كذبه بعضهم وصدقه البعض الآخر فيهلك المكذبون وينجو المصدقون ) وهم لا يظلمون ( في ذلك القضاء فلا يعذبون بغير ذنب ولا يؤاخذون بغير حجة ومنه قوله تعالى ) وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم ( وقوله ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ( والمراد المبالغة في إظهار العدل والنصفة بين العباد
يونس : ( 48 ) ويقولون متى هذا . . . . .
ثم ذكر سبحانه شبهة أخرى من شبه الكفار وذلك أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان كلما هددهم بنزول العذاب كانوا ) ويقولون متى هذا الوعد ( والاستفهام منهم للإنكار والاستبعاد وللقدح في النبوة ) إن كنتم صادقين ( خطابا منهم للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ويحتمل أن يراد بالقائلين هذه المقالة جميع الأمم الذين لم يسلموا لرسلهم الذين أرسلهم الله إليهم
يونس : ( 49 ) قل لا أملك . . . . .
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب عليهم بما يحسم مادة الشبهة ويقطع اللجاج فقال ) قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا ( أي لا أقدر على جلب نفع لها ولا دفع ضر عنها فكيف أقدر على أن أملك ذلك لغيري وقدم الضر لأن السياق لإظهار العجز


"""""" صفحة رقم 450 """"""
عن حضور الوعد الذى استعجلوه واستبعدوه والاستثناء في قوله ) إلا ما شاء الله ( منقطع كما ذكره أئمة التفسير أي ولكن ما شاء الله من ذلك كان فكيف أقدر على أن أملك لنفسي ضرا أو نفعا وفي هذه أعظم واعظ وأبلغ زاجر لمن صار ديدنه وهجيراه المناداة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والاستغاثة به عند نزول النوازل التى لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه وكذلك من صار يطلب من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه فإن هذا مقام رب العالمين الذى خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين ورزقهم وأحياهم ويميتهم فكيف يطلب من نبي من الأنبياء أو ملك من الملائكة أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه ويترك الطلب لرب الأرباب القادر على كل شئ الخالق الرازق المعطي المانع وحسبك بما في هذه الآية موعظة فإن هذا سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقول لعباده لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا فكيف يملكه لغيره وكيف يملكه غيره ممن رتبته دون رتبته ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته لنفسه فضلا عن أن يملكه لغيره فيا عجبا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك ولا يتنبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى لا إله إلا الله ومدلول ) قل هو الله أحد ( وأعجب من هذا اطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى بل إلى ما هو أشد منها فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرازق المحيى المميت الضار النافع وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله ومقربين لهم إليه وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع وينادونهم تارة على الاستقلال وتارة مع ذي الجلال وكفاك من شر سماعه والله ناصر دينه ومطهر شريعته من أوضار الشرك وأدناس الكفر ولقد توسل الشيطان أخزاه الله بهذه الذريعة إلى ما تقربه عينه وينثلج به صدره من كفر كثير من هذه الأمة المباركة ) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ( ) إنا لله وإنا إليه راجعون ( ثم بين سبحانه أن لكل طائفة حدا محدودا لا يتجاوزونه فلا وجه لاستعجال العذاب فقال ) لكل أمة أجل ( فإذا جاء ذلك الوقت أنجز وعده وجازى كلا بما يستحقه والمعنى أن لكل أمة ممن قضى بينهم وبين رسولهم أو بين بعضهم البعض أجلا معينا ووقتا خاصا يحل بهم ما يريده الله سبحانه لهم عند حلوله ) إذا جاء أجلهم ( أي ذلك الوقت المعين والضمير راجع إلى كل أمة ) فلا يستأخرون ( عن ذلك الأجل المعين ) ساعة ( أي شيئا قليلا من الزمان ) ولا يستقدمون ( عليه وجملة لا يستقدمون معطوفة على جملة لا يستأخرون ومثله قوله تعالى ) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ( والكلام على هذه الآية المذكورة هنا قد تقدم في تفسير الآية التى في أول الأعراف فل نعيده
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) يتعارفون بينهم ( قال يعرف الرجل صاحبه إلى جنبه لا يستطيع أن يكلمه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وإما نرينك ( الآية قال سوء العذاب في حياتك ) أو نتوفينك ( قبل ) فإلينا مرجعهم ( وفي قوله ) ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم ( قال يوم القيامة
سورة يونس الآية ( 50 51 )


"""""" صفحة رقم 451 """"""
سورة يونس الآية ( 52 58 )
يونس : ( 50 ) قل أرأيتم إن . . . . .
قوله ) قل أرأيتم إن أتاكم عذابه ( هذا منه سبحانه تزييف لرأي الكفار في استعجال العذاب بعد التزييف الأول أي أخبروني إن أتاكم عذاب الله ) بياتا ( أي وقت بيات والمراد به الوقت الذى يبيتون فيه وينامون ويغفلون عن التحرز والبيات بمعنى التبييت اسم مصدر كالسلام بمعنى التسليم وهو منتصب على الظرفية وكذلك نهارا أي وقت الاشتغال بطلب المعاش والكسب والضمير في منه راجع إلى العذاب وقيل راجع إلى الله والاستفهام في ) ماذا يستعجل منه المجرمون ( للإنكار المتضمن للنهي كما في قوله ) أتى أمر الله فلا تستعجلوه ( ووجه الإنكار عليهم في استعجالهم أن العذاب مكروه تنفر منه القلوب وتأباه الطبائع فما المقتضى لاستعجالهم له والجملة المصدرة بالاستفهام جواب الشرط بحذف الفاء وقيل إن الجواب محذوف والمعنى تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ منكم فيه وقيل إن الجواب قوله ) أثم إذا ما وقع ( وتكون جملة ) ماذا يستعجل منه المجرمون ( اعتراضا والمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان والأول أولى وإنما قال يستعجل منه المجرمون ولم يقل يستعجلون منه للدلالة على ما يوجب ترك الاستعجال وهو الإجرام لأن من حق المجرم أن يخاف من العذاب بسبب إجرامه فكيف يستعجله كما يقال لمن يستوخم أمرا إذا طلبه ماذا تجني على نفسك وحكى النحاس عن الزجاج أن الضمير في ) منه ( إن عاد إلى العذاب كان لك في ) ماذا ( تقديران أحدهما أن تكون ما في موضع رفع بالابتداء وذا بمعنى الذى وهو خبر ما والعائد محذوف والتقدير الآخر أن يكون ) ماذا ( اسما واحدا في موضع رفع الابتداء والخبر ما بعده وإن جعل الضمير في ) منه ( عائدا إلى الله تعالى كان ) ماذا ( شيئا واحدا في موضع نصب بيستعجل والمعنى أي شيء يستعجل منه المجرمون أي من الله عز وجل
يونس : ( 51 ) أثم إذا ما . . . . .
ودخول الهمزة الاستفهامية في ) أثم إذا ما وقع آمنتم به ( على ثم كدخولها على الواو والفاء وهى لأنكار إيمانهم حيث لا ينفع الإيمان وذلك بعد نزول العذاب وهو يتضمن معنى التهويل عليهم وتفظيع ما فعلوه في غير وقته مع تركهم له في وقته الذى يحصل به النفع والدفع وهذه الجملة داخلة تحت القول المأمور به وجيء بكلمة ثم التى للتراخي دلالة على الاستبعاد وجيء بإذا مع زيادة ما للتأكيد دلالة على تحقق وقوع الإيمان منهم في غير وقته ليكون في ذلك زيادة استجهال لهم والمعنى أبعد ما وقع عذاب الله عليكم وحل بكم سخطه


"""""" صفحة رقم 452 """"""
وانتقامه آمنتم حين لا ينفعكم هذا الإيمان شيئا ولا يدفع عنكم ضرا وقيل إن هذه الجملة ليست داخلة تحت القول المأمور به وأنها من قول الملائكة استهزاء بهم وإزراء عليهم والأول أولى وقيل إن ثم ها هنا هى بفتح الثاء فتكون ظرفية بمعنى هناك والأول أولى قوله ) آلآن وقد كنتم به تستعجلون ( قل هو استئناف بتقدير القول غير داخل تحت القول الذى أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم أي قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به وقد كنتم به تستعجلون أي بالعذاب تكذيبا منكم واستهزاء لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والاستهزاء ويكون المقصود بأمره ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم هذا القول التوبيخ لهم والاستهزاء بهم والإزراء عليهم وجملة ) وقد كنتم به تستعجلون ( في محل نصب على الحال وقريء آلان بحذف الهمزة التى بعد اللام وإلقاء حركتها على اللام
يونس : ( 52 ) ثم قيل للذين . . . . .
قوله ) ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد ( معطوف على الفعل المقدر قيل آلآن والمراد منه التقريع والتوبيخ لهم أي قيل للذين ظلموا أنفسهم بالكفر وعدم الإيمان إن هذا الذى تطلبونه ضرر محض عار عن النفع من كل وجه والعاقل لا يطلب ذلك ويقال لهم على سبيل الإهانة لهم ذوقوا عذاب الخلد أي العذاب الدائم الذى لا ينقطع والقائل لهم هذه المقالة والتى قبلها قيل هم الملائكة الذين هم خزنة جهنم ولا يبعد أن يكون القائل لذلك هم الأنبياء على الخصوص أو المؤمنون على العموم ) هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ( في الحياة من الكفر والمعاصي والاستفهام للتقرير وكأنه يقال لهم هذا القول عن استغاثتهم من العذاب وحلول التقمة
يونس : ( 53 ) ويستنبئونك أحق هو . . . . .
م حكى الله سبحانه عنهم بعد هذه البيانات البالغة والجوابات عن أقوالهم الباطلة أنهم استفهموا تارة أخرى عن تحقق العذاب فقال ) ويستنبئونك أحق هو ( أي يستخبرونك عن جهة الاستهزاء منهم والإنكار أحق ما تعدنا به من العذاب في العاجل والآجل وهذا السؤال منهم جهل محض وظلمات بعضها فوق بعض فقد تقدم ذكره عنهم مع الجواب عليه فصنيعهم في هذا التكرير صنيع من لا يعقل ما يقول ولا ما يقال له وقيل المراد بهذا الاستخبار منهم هو عن حقية القرآن وارتفاع حق على انه خبر مقدم والمبتدأ هو الضمير الذى بعده وتقديم الخبر للاهتمام أو هو مبتدأ والضمير مرتفع به ساد مسد الخبر والجملة في موضع نصب بيستنبئونك وقرئ آلحق هو على أن اللام للجنس فكأنه قيل أهو الحق لا الباطل
قوله ) قل إي وربي إنه لحق ( أمر الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم هذه المقالة جوابا عن استفهامهم الخارج مخرج الاستهزاء أي قل لهم يا محمد غير ملتفت إلى ما هو مقصودهم من الاستهزاء أى وربي إنه لحق أي نعم وربي إن ما أعدكم به من العذاب لحق ثابت كائن لا محالة وفي هذا الجواب تأكيد من وجوه الأول القسم مع دخول الحرف الخاص بالقسم الواقع موقع نعم الثاني دخول إن المؤكدة الثالث اللام في لحق الرابع إسمية الجملة وذلك يدل على أنهم قد بلغوا في الإنكار والتمرد إلى الغاية التى ليس وراءها غاية ثم توعدهم بأشد توعد ورهبهم بأعظم ترهيب فقال ) وما أنتم بمعجزين ( أي فائتين العذاب بالهرب والتحيل الذى لا ينفع والمكابرة التى لا تدفع من قضاء الله شيئا وهذه الجملة إما معطوفة على جملة جواب القسم أو مستأنفة لبيان عدم خلوصهم من عذاب الله بوجه من الوجوه
يونس : ( 54 ) ولو أن لكل . . . . .
ثم زاد في التأكيد فقال ) ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به ( أي ولو أن لكل نفس من الأنفس المتصفة بأنها ظلمت نفسها بالكفر بالله وعدم الإيمان به ما في الأرض من كل شيء من الأشياء التى تشتمل عليها من الأموال النفيسة والذخائر الفائقة لافتدت به أي جعلته فدية لها من العذاب ومثله قوله تعالى ) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ( وقد تقدم قوله ) وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ( الضمير راجع إلى الكفار الذين سياق الكلام معهم


"""""" صفحة رقم 453 """"""
وقيل راجع إلى الأنفس المدلول عليها بكل نفس ومعنى أسروا أخفوا أي لم يظهروا الندامة بل أخفوها لما قد شاهدوه في ذلك الموطن مما سلب عقولهم وذهب بتجلدهم ويمكن أنه بقي فيهم وهم على تلك الحالة عرق ينزعهم إلى العصبية التى كانوا عليها في الدنيا فأسروا الندامة لئلا يشمت بهم المؤمنون وقيل أسرها الرؤساء فيما بينهم دون أتباعهم خوفا من توبيخهم لهم لكونهم هم الذين أضلوهم وحالوا بينهم وبين الإسلام ووقوع هذا منهم كان عند رؤية العذاب وأما بعد الدخول فيه فهم الذين ) قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا ( وقيل معنى أسروا أظهروا وقيل وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم لأن الندامة لا يمكن إظهارها ومنه قول كثير فأسررت الندامة يوم نادى
برد جمال عاضرة المنادى
وذكر المبرد في ذلك وجهين الأول أنها بدت في وجوههم أسرة الندامة وهى الانكسار واحدها سرار وجمعها أسارير والثاني ما تقدم وقيل معنى ) وأسروا الندامة ( أخلصوها لأن إخفاءها إخلاصها و ) لما ( في قوله ) لما رأوا العذاب ( ظرف بمعنى حين منصوب بأسروا أو حرف شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه ) وقضي بينهم بالقسط ( أي قضى الله بين المؤمنين وبين الكافرين أو بين الرؤساء والأتباع أو بين الظالمين من الكفار والمظلومين وقيل معنى القضاء بينهم إنزال العقوبة عليهم القسط العدل وجملة ) وهم لا يظلمون ( في محل نصب على الحال أي لا يظلمهم الله فيما فعله بهم من العذاب الذى حل بهم فإنه بسبب ما كسبوا
يونس : ( 55 ) ألا إن لله . . . . .
وجملة ) ألا إن لله ما في السماوات والأرض ( مسوقة لتقرير كمال قدرته لأن من ملك ما في السموات والأرض تصرف به كيف يشاء وغلب غير العقلاء لكونهم أكثر المخلوقات قيل لما ذكر سبحانه افتداء الكفار بما في الأرض لو كان لهم ذلك بين أن الأشياء كلها لله وليس لهم شيء يتمكنون من الافتداء به وقيل لما أقسم على حقية ما جاء به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أراد أن يصحب ذلك بدليل البرهان البين بأن ما في العالم على اختلاف أنواعه ملكه يتصرف به كيف يشاء وفي تصدير الجملة بحرف التنبيه تنبيه للغافلين وإيقاظ للذاهلين ثم أكد ما سبق بقوله ) ألا إن وعد الله حق ( أي كائن لا محالة وهو عام يندرج فيه ما استعجلوه من العذاب اندراجا أوليا وتصدير الجملة بحرف التنبيه كما قلنا في التى قبلها مع الدلالة على تحقق مضمون الجملتين ) ولكن أكثر الناس ( أي الكفار ) لا يعلمون ( ما فيه صلاحهم فيعملون به وما فيه فسادهم فيجتنبونه
يونس : ( 56 ) هو يحيي ويميت . . . . .
) هو يحيي ويميت ( يهب الحياة ويسلبها ) وإليه ترجعون ( في الدار الآخرة فيجازى كلا بما يستحقه ويتفضل على من يشاء من عباده
يونس : ( 57 ) يا أيها الناس . . . . .
قوله ) يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم ( يعني القرآن فيه ما يتعظ به من قرأه وعرف معناه والواعظ في الأصل هو التذكير بالعواقب سواء كان بالترغيب أو الترهيب والوعظ هو كالطبيب ينهى المريض عما يضره ومن في ) من ربكم ( متعلقة بالفعل وهو جاءتكم فتكون ابتدائية أو متعلقة بمحذوف فتكون تبعيضية ) وشفاء لما في الصدور ( من الشكوك التى تعترى بعض المرتابين لوجود ما يستفاد منه فيه من العقائد الحقة واشتماله على تزييف العقائد الباطلة والهدى الإرشاد لمن اتبع القرآن وتفكر فيه وتدبر معانيه إلى الطريق الموصلة إلى الجنة والرحمة هى ما يوجد في الكتاب العزيز من الأمور التى يرحم الله بها عباده فيطلبها من أراد ذلك حتى ينالها فالقرآن العظيم مشتمل على هذه الأمور
يونس : ( 58 ) قل بفضل الله . . . . .
ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجعل الخطاب معه بعد خطابه للناس على العموم فقال ) قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ( المراد بالفضل من الله سبحانه هو تفضله على عباده في الآجل والعاجل بما لا يحيط به الحصر والرحمة رحمته لهم وروى عن ابن عباس أنه قال فضل الله القرآن ورحمته الإسلام وروى عن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة أن فضل الله الإيمان ورحمته القرآن


"""""" صفحة رقم 454 """"""
والأولى حمل الفضل والرحمة على العموم ويدخل في ذلك ما في القرآن منهما دخولا أوليا وأصل الكلام قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ثم حذف هذا الفعل لدلالة الثاني في قوله ) فبذلك فليفرحوا ( عليه قيل والفاء في هذا الفعل المحذوف داخله في جواب شرط مقدر كأنه قيل إن فرحوا بشيء فليخصوا فضل الله ورحمته بالفرح
وتكرير الباء في برحمته للدلالة على أن كل واحد من الفضل والرحمة سبب مستقل في الفرح والفرح هو اللذة في القلب بسبب إدراك المطلوب وقد ذم الله سبحانه الفرح في مواطن كقوله ) لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ( وجوزه في قوله ) فرحين بما آتاهم الله من فضله ( وكما في هذه الآية ويجوز أن تتعلق الباء في ) بفضل الله وبرحمته ( بقوله ) جاءتكم ( والتقدير جاءتكم موعظة بفضل الله وبرحمته فبذلك أي فبمجيئها فليفرحوا وقرا يزيد بن القعقاع ويعقوب فلتفرحوا بالفوقية وقرأ الجمهور بالتحتية والضمير في ) هو خير ( راجع إلى المذكور من الفضل والرحمة أو إلى المجيء على الوجه الثاني أو إلى اسم الإشارة في قوله ) فبذلك ( والمعنى أن هذا خير لهم مما يجمعونه من حطام الدنيا وقد قريء بالتاء الفوقية في ) يجمعون ( مطابقة للقراءة بها في ? فلتفرحوا ? وقد تقرر في العربية أن لام الأمر تحذف مع الخطاب إلا في لغة قليلة جاءت هذه القراءة عليها وقرأ الجمهور بالمثناة التحتية في يجمعون كما قرءوا في فليفرحوا وروى عن ابن عامر أنه قرأ بالفوقية في يجمعون والتحتية في فلتفرحوا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج الطبراني وأبو الشيخ عن أبي الأحوص قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال إن أخي يشتكي بطنه فوصف له الخمر فقال سبحان الله ما جعل الله في رجس شفاء إنما الشفاء في شيء من القرآن والعسل فهما شفاء لما في الصدور وشفاء للناس وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال إن الله جعل القرآن شفاء لما في الصدور ولم يجعله شفاء لأمراضكم وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال إني أشتكي صدري فقال اقرأ القرآن يقول الله ) وشفاء لما في الصدور ( وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن واثلة بن الأسقع أن رجلا شكا إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وجع حلقه قال عليك بقراءة القرآن والعسل فالقرآن شفاء لما في الصدور والعسل شفاء من كل داء وأخرج أبو داود والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي قال أقرأني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالتاء يعني الفوقية وقد روى نحو هذا من غير هذه الطريق وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قل بفضل الله وبرحمته ( قال بفضل الله القرآن وبرحمته أن جعلكم من أهله وأخرج الطبراني في الأوسط عن البراء مثله من قوله وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري مثله وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس في الآية قال بكتاب الله وبالإسلام وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه قال فضله الإسلام ورحمته القرآن وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه أيضا قال بفضل الله القرآن وبرحمته حين جعلهم من أهله وقد روى عن جماعة من التابعين نحو هذه الروايات المتقدمة وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس هو خير مما يجمعون من الأموال والحرث والأنعام


"""""" صفحة رقم 455 """"""
سورة يونس الآية ( 59 64 )
يونس : ( 59 ) قل أرأيتم ما . . . . .
أشار سبحانه بقوله ) قل أرأيتم ما أنزل الله ( الخ إلى طريق أخرى غير ما تقدم في إثبات النبوة وتقرير ذلك ما حاصله أنكم تحكمون بتحليل البعض وتحريم البعض فإن كان بمجرد التشهي والهوى فهو مهجور باتفاق العقلاء مسلمهم وكافرهم وإن كان لاعتقادكم أنه حكم الله فيكم وفيما رزقكم فلا تعرفون ذلك إلا بطريق موصلة إلى الله ولا طريق يتبين بها الحلال من الحرام إلا من جهة الرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده ومعنى أرأيتم أخبروني و ) ما ( في محل نصب بأرأيتم المتضمن لمعنى أخبروني وقيل إن ) ما ( في محل الرفع بالابتداء وخبرها ) آلله أذن لكم ( و ) قل ( في قوله ) قل آلله أذن لكم ( تكرير للتأكيد والرابط محذوف ومجموع المبتدأ والخبر في محل نصب بأرأيتم والمعنى أخبروني الذي أنزل الله إليكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا آلله أذن لكم في تحليله وتحريمه ) أم على الله تفترون ( وعلى الوجهين فمن في منه حراما للتبعيض والتقدير فجعلتم بعضه حراما وجعلتم بعضه حلالا وذلك كما كانوا يفعلونه في الأنعام حسبما سبق حكاية ذلك عنهم في الكتاب العزيز ومعنى إنزال الرزق كون المطر ينزل من جهة العلو وكذلك يقضى الأمر في أرزاق العباد في السماء على ما قد ثبت في اللوح المحفوظ من ذكره سبحانه وتعالى لكل شئ فيه وروى عن الزجاج أن ) ما ( في موضع نصب بأنزل وأنزل بمعنى خلق كما قال ) وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ( ) وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ( وعلى هذا القول والقول الأول يكون قوله ) قل آلله أذن لكم ( مستأنفا قيل ويجوز أن تكون الهمزة في ) آلله أذن لكم ( للإنكار وأم منقطعة بمعنى بل أتفترون على الله وإظهار الإسم الشريف وتقديمه على الفعل للدلالة على كمال الافتراء وفي هذه الآية الشريفة ما يصك مسامع المتصدرين للإفتاء لعباد الله في شريعته بالتحليل والتحريم والجواز وعدمه مع كونهم من المقلدين الذين لا يعقلون حجج الله ولا يفهمونها ولا يدرون ما هى ومبلغهم من العلم الحكاية لقول قائل من هذه الأمة قد قلدوه في دينهم وجعلوه شارعا مستقلا ما عمل به من الكتاب والسنة فهو المعمول به عندهم وما لم يبلغه أو بلغه ولم يفهمه حق فهمه أو فهمه وأخطأ الصواب في اجتهاده وترجيحه فهو في حكم المنسوخ عندهم المرفوع حكمه عن العباد مع كون من قلدوه متعبدا بهذه الشريعة كما هم متعبدون بها ومحكوما عليه بأحكامها كما هو محكوم عليهم بها وقد اجتهد رأيه وأدى ما عليه وفاز بأجرين مع الإصابة وأجر مع الخطأ إنما الشأن في جعلهم لرأيه الذى أخطأ فيه شريعة مستقلة ودليلا معمولا به وقد أخطئوا في هذا خطأ بينا وغلطوا غلطا فاحشا فإن الترخيص للمجتهد في اجتهاد رأيه يخصه وحده ولا قائل من أهل الإسلام المعتد بأقوالهم أنه يجوز لغيره أن يعمل به تقليدا له واقتداء به وما جاء تقوم هذا الباطل فهو من الجهل العاطل اللهم كما


"""""" صفحة رقم 456 """"""
رزقتنا من العلم ما نميز به بين الحق والباطل فارزقنا من الإنصاف ما نظفر عنده بما هو الحق عندك يا واهب الخير
يونس : ( 60 ) وما ظن الذين . . . . .
ثم قال ) وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ( أي أي شئ ظنهم في هذا اليوم وما يصنع بهم فيه وهذه الجملة الاستفهامية المتضمنة لتعظيم الوعيد لهم غير داخلة تحت القول الذى أمر الله رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقوله لهم بل مبتدأة مسوقة لبيان ما سيحل بهم من عذاب الله و ) يوم القيامة ( منصوب بالظن وذكر الكذب بعد الافتراء مع أن الافتراء لا يكون إلا كذبا لزيادة التأكيد وقرأ عيسى بن عمر ) وما ظن ( على أنه فعل ) إن الله لذو فضل على الناس ( يتفضل عليهم بأنواع النعم في الدنيا والآخرة ) ولكن أكثرهم لا يشكرون ( الله على نعمه الواصلة إليهم منه سبحانه في كل وقت من الأوقات وطرفة من الطرفات
يونس : ( 61 ) وما تكون في . . . . .
قوله ) وما تكون في شأن ( الخطاب لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما نافية والشأن الأمر بمعنى القصد وأصله الهمز وجمعه شؤون قال الأخفش تقول العرب ما شأنت شأنه أي ما عملت عمله ) وما تتلو منه من قرآن ( قال الفراء والزجاج الضمير في منه يعود على الشأن والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف أي تلاوة كائنة منه إذ التلاوة للقرآن من أعظم شؤونه ( صلى الله عليه وسلم ) والمعنى أنه يتلو من أجل الشأن الذى حدث القرآن فيعلم كيف حكمه أو يتلو القرآن الذى ينزل في ذلك الشأن وقال ابن جرير الطبري الضمير عائد في منه إلى الكتاب أي ما يكون من كتاب الله من قرآن وأعاده تفخيما له كقوله ) إني أنا الله ( والخطاب في ) ولا تعملون من عمل ( لرسول الله وللأمة وقيل الخطاب لكفار قريش ) إلا كنا عليكم شهودا ( استثناء مفرغ من أعم الأحوال للمخاطبين أي شهودا عليكم بعمله منكم والضمير في فيه من قوله ) تفيضون فيه ( عائد على العمل يقال أفاض فلان في الحديث والعمل إذا اندفع فيه وقال الضحاك الضمير في فيه عائد على القرآن والمعنى إذ تشيعون في القرآن الكذب قوله ) وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ( قرأ الكسائي ) يعزب ( بكسر الزاي وقرأ الباقون بالضم وهما لغتان فصيحتان ومعنى يعزب يغيب وقيل يبعد
وقال ابن كيسان يذهب وهذه المعاني متقاربة ومن في ) من مثقال ( زائدة للتأكيد أي وما يغيب عن ربك وزن ذرة أي نملة حمراء وعبر بالأرض والسماء مع أنه سبحانه لا يغيب عنه شيء لا فيهما ولا فيما هو خارج عنهما لأن الناس لا يشاهدون سواهما وسوى ما فيهما من المخلوقات وقدم الأرض على السماء لأنها محل استقرار العالم فهم يشاهدون ما فيها من قرب والواو في ) ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ( للعطف على لفظ مثقال وانتصبا لكونهما ممتنعين ويجوز أن يكون العطف على ذرة وقيل انتصابهما بلا التى لنفي الجنس والواو للاستئناف وليس من متعلقات وما يعزب وخبر لا ) إلا في كتاب ( والمعنى ولا أصغر من مثقال الذرة ولا أكبر منه إلا وهو في كتاب مبين فكيف يغيب عنه وقرأ يعقوب وحمزة برفع أصغر وأكبر ووجه ذلك أنه معطوف على محل من مثقال ومحله الرفع وقد أورد على توجيه النصب والرفع على العطف على لفظ مثقال ومحله أو على لفظ ذرة إشكال وهو أنه يصير تقدير الآية لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب ويلزم منه أن يكون ذلك الشيء الذى في الكتاب خارجا عن علم الله وهو محال وقد أجيب عن هذا الإشكال بأن الأشياء المخلوقة قسمان قسم أوجده الله ابتداء من غير واسطة كخلق الملائكة والسموات والأرض وقسم آخر أوجده بواسطة القسم الأول من حوادث عالم الكون والفساد ولا شك أن هذا القسم الثاني متباعد في سلسلة العلية عن مرتبة الأول فالمراد من الآية أنه لا يبعد عن مرتبة وجوده سبحانه شيء في الأرض ولا في السماء إلا وهو في كتاب مبين أثبت فيه صورة تلك المعلومات والغرض الرد على من يزعم أنه غير عالم بالجزئيات وأجيب أيضا بأن


"""""" صفحة رقم 457 """"""
الاستثناء منقطع أي لكن هو في كتاب مبين وذكر أبو على الجرجاني أن إلا بمعنى الواو على أن الكلام قد تم عند قوله ) ولا أكبر ( ثم وقع الابتداء بقوله ) إلا في كتاب مبين ( أي وهو أيضا في كتاب مبين والعرب قد تضع إلا موضع الواو ومنه قوله تعالى ) إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ( يعنى ومن ظلم وقوله ) لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ( أي والذين ظلموا وقدر هو بعد الواو التى جاءت إلا بمعناها كما في قوله ) وقولوا حطة ( أي هى حطة ومثله ) ولا تقولوا ثلاثة ( ) وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ( وقال الزجاج إن الرفع على الابتداء في قراءة من قرأ بالرفع وخبره ) إلا في كتاب ( واختاره صاحب الكشاف واختار في قراءة النصب التى قرأ بها الجمهور أنهما منصوبان بلا التى لنفي الجنس واستشكل العطف بنحو ما قدمنا
يونس : ( 62 ) ألا إن أولياء . . . . .
ثم لما بين سبحانه إحاطته بجميع الأشياء وكان في ذلك تقوية لقلوب المطيعين وكسر لقلوب العاصين ذكر حال المطيعين فقال ) ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( الولي في اللغة القريب والمراد بأولياء الله خلص المؤمنين كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته
يونس : ( 63 ) الذين آمنوا وكانوا . . . . .
وقد فسر سبحانه هؤلاء الأولياء بقوله ) الذين آمنوا وكانوا يتقون ( أي يؤمنون يما يجب الإيمان به ويتقون ما يجب عليهم اتقاؤه من معاصي الله سبحانه والمراد بنفي الخوف عنهم أنهم لا يخافون أبدا كما يخاف غيرهم لأنهم قد قاموا بما أوجب الله عليهم وانتهوا عن المعاصي التى نهاهم عنها فهم على ثقة من أنفسهم وحسن ظن بربهم وكذلك لا يحزنون على فوت مطلب من المطالب لأنهم يعلمون أن لك بقضاء الله وقدره فيسلمون للقضاء والقدر ويريحون قلوبهم عن الهم والكدر فصدورهم منشرحة وجوارحهم نشطة وقلوبهم مسرورة ومحل الموصول النصب على أنه بدل من أولياء أو الرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف أو هو مبتدأ وخبره لهم البشرى فيكون غير متصل بما قبله أو النصب أيضا على المدح أو على أنه وصف لأولياء
يونس : ( 64 ) لهم البشرى في . . . . .
قوله ) لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( تفسير لمعنى كونهم أولياء الله أي لهم البشرى من الله ما داموا في الحياة بما يوحيه إلي أنبيائه وينزله في كتبه من كون حال المؤمنين عنده هو إدخالهم الجنة ورضوانه عنهم كما وقع كثير من البشارات للمؤمنين في القرآن الكريم وكذلك ما يحصل لهم من الرؤيا الصالحة وما يتفضل الله به عليهم من إجابة دعائهم وما يشاهدونه من التبشير لهم عند حضور آجالهم بتنزل الملائكة عليهم قائلين لهم لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة وأما البشرى في الآخرة فتلقى الملائكة لهم مبشرين بالفوز بالنعيم والسلامة من العذاب
والبشرى مصدر أريد به المبشر به والظرفان في محل نصب على الحال أي حال كونهم في الدنيا وحال كونهم في الآخرة ومعنى ) لا تبديل لكلمات الله ( لا تغيير لأقواله على العموم فيدخل فيها ما وعد به عباده الصالحين دخولا أوليا والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى المذكور قبله من كونهم مبشرين بالبشارتين في الدارين ) هو الفوز العظيم ( الذى لا يقادر قدره ولا يماثله غيره والجملتان أعني ) لا تبديل لكلمات الله ( و ) ذلك هو الفوز العظيم ( اعتراض في آخر الكلام عند من يجوزه وفائدتهما تحقيق المبشر به وتعظيم شأنه أو الأولى اعتراضية والثانية تذييلية
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله ) قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق ( قال هم أهل الشرك كانوا يحلون من الأنعام والحرث ما شاءوا ويحرمون ما شاءوا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله ) إذ تفيضون فيه ( قال إذ تفعلون وأخرج الفريابي وابن جرير عن مجاهد مثله وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وما يعزب عن ربك ( قال لا يغيب عنه


"""""" صفحة رقم 458 """"""
وزن ذرة ) ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ( قال هو الكتاب الذى عند الله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) ألا إن أولياء الله ( قيل من هم يارب قال هم الذين آمنوا وكانوا يتقون وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال هم الذين إذا رؤوا ذكر الله وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا قال هم الذين إذا رؤوا يذكر الله لرؤيتهم
وأخرج عنه ابن المبارك والحكيم والترمذي في نوادر الأصول والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه مرفوعا مثله وأخرجه ابن المبارك وابن أبي شيبة وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن سعيد بن جبير مرفوعا وهو مرسل وروى نحوه من طرق أخرى مرفوعا وموقوفا وأخرج أحمد والحكيم الترمذي عن عمرو بن الجموح أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاء من الله وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذكر الله وشرار عباده المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون البرآء العنت وأخرج الحكيم الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) خياركم من ذكركم الله رؤيته وزاد في علمكم منطقه ورغبكم في الآخرة عمله وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس مرفوعا نحوه وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر مرفوعا إن لله عبادا ليسوا بالأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء يوم القيامة بقربهم ومجلسهم منه فجثا أعرابي على ركبتيه فقال يا رسول الله صفهم لنا حلهم لنا قال قوم من أفناء الناس من نزاع القبائل تصافوا في الله وتحابوا في الله يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم يخاف الناس ولا يخافون هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأخرج أبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر نحوه قال ابن كثير وإسناده جيد وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال سئل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن قول الله ) ألا إن أولياء الله ( الآية فقال الذين يتحابون في الله وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعا مثله وقد ورد في فضل المتحابين في الله أحاديث ليس فيها أنهم المرادون بالآية وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والحكيم في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر قال سألت أبا الدرداء عن معنى قوله ) لهم البشرى في الحياة الدنيا ( فقال ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت علي هى الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له فهي بشراه في الحياة الدنيا وبشراه في الآخرة الجنة وفي إسناده هذا الرجل المجهول وأخرج أبو داود الطيالسي وأحمد والدارمي والترمذي وابن ماجه والحكيم والترمذي وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن قوله ) لهم البشرى في الحياة الدنيا ( قال هى الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له وأخرج أحمد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )


"""""" صفحة رقم 459 """"""
في قوله ) لهم البشرى في الحياة الدنيا ( قال الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة فمن رأى ذلك فليخبر بها الحديث وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الآية قال هى في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو ترى له وفي الآخرة الجنة
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وابن مردويه وابن منده من طريق أبي جعفر عن جابر أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فسر البشرى في الحياة الدنيا بالرؤيا الحبيبة وفي الآخرة ببشارة المؤمن عند الموت إن الله قد غفر لك ولمن حملك إلى قبرك وأخرج ابن مردويه عنه مرفوعا مثل حديث جابر وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعا الشطر الأول من حديث جابر وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن عباس مثله وقد وردت أحاديث صحيحة بأن الرؤيا الصالحة من المبشرات وأنها جزء من أجزاء النبوة ولكنها لم تقيد بتفسير هذه الآية وقد روى أن المراد بالبشرى في الآية هى قوله ) وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ( أخرج ذلك ابن جرير وابن المنذر من طريق علي بين أبي طلحة عن ابن عباس وأخرج ابن المنذر عنه من طريق مقسم أنها قوله ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( وأخرج ابن جرير والحاكم والبيهقي عن نافع قال خطب الحجاج فقال إن ابن الزبير بدل كتاب الله فقال ابن عمر لا تستطيع ذلك أنت ولا ابن الزبير لا تبديل لكلمات الله
سورة يونس الآية ( 65 70 )
يونس : ( 65 ) ولا يحزنك قولهم . . . . .
قوله ) ولا يحزنك قولهم ( نهى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الحزن من قول الكفار المتضمن للطعن عليه وتكذيبه والقدح في دينه والمقصود التسلية له والتبشير ثم استأنف سبحانه الكلام مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) معللا لما ذكره من النهي لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) إن العزة لله جميعا ( أي الغلبة والقهر له في مملكته وسلطانه ليست لأحد من عباده وإذا كان ذلك كله له فكيف يقدرون عليك حتى تحزن لأقوالهم الكاذبة وهم لا يملكون من الغلبة شيئا وقرئ ) يحزنك ( من أحزنه وقرئ ) إن العزة ( بفتح الهمزة على معنى لأن العزة لله ولا ينافي ما في هذه الآية من جعل العزة جميعها لله تعالى قوله سبحانه ) ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( لأن كل عزة بالله فهي كلها لله ومنه قوله ) كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ( ) إنا لننصر رسلنا )
يونس : ( 66 ) ألا إن لله . . . . .
) ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض ( ومن جملتهم هؤلاء المشركون المعاصرون للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وإذا كانوا


"""""" صفحة رقم 460 """"""
في ملكه يتصرف فيهم كيف يشاء فكيف يستطيعون أن يؤذوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بما لا يأذن الله به وغلب العقلاء على غيرهم لكونهم أشرف وفي الآية نعي على عباد الشر والملائكة والجمادات لأنهم عبدوا المملوك وتركوا المالك وذلك مخالف لما يوجبه العقل ولهذا عقبه بقوله ) وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ( والمعنى أنهم وإن سموا معبوداتهم شركاء لله فليست شركاء له على الحقيقة لأن ذلك محال ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( وما في وما يتبع نافية وشركاء مفعول يتبع وعلى هذا يكون مفعول يدعون محذوفا والأصل وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء في الحقيقة إنما هى أسماء لا مسميات لها فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه ويجوز أن يكون المذكور مفعول يدعون وحذف مفعول يتبع لدلالة المذكور عليه ويجوز أن تكون استفهامية بمعنى أي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ويكون على هذا الوجه شركاء منصوبا بيدعون والكلام خارج مخرج التوبيخ لهم والإزراء عليهم ويجوز أن تكون ما موصولة معطوفة على من في السموات أي لله من في السموات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء والمعنى أن الله مالك لمعبوداتهم لكونها من جملة من في السموات ومن في والأرض ثم زاد سبحانه في تأكيد الرد عليهم والدفع لأقوالهم فقال ) إن يتبعون إلا الظن ( أي ما يتبعون يقينا إنما يتبعون ظنا والظن لا يغني من الحق شيئا ) إن هم إلا يخرصون ( أي يقدرون أنهم شركاء تقديرا باطلا وكذبا بحتا وقد تقدمت هذه الآية في الأنعام
يونس : ( 67 ) هو الذي جعل . . . . .
ثم ذكر سبحانه طرفا من آثار قدرته مع الامتنان على عباده ببعض نعمه فقال ) هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ( أي جعل لعباده الزمان منقسما إلى قسمين أحدهما مظلم وهو الليل لأجل يسكن العباد فيه عن الحركة والتعب ويريحون أنفسهم عن الكد والكسب والآخر مبصر لأجل يسعون فيه بما يعود على نفعهم وتوفير معايشهم ويحصلون ما يحتاجون إليه في وقت مضيء منير لا يخفى عليهم فيه كبير ولا حقير وجعله سبحانه للنهار مبصرا مجاز والمعنى أنه مبصر صاحبه كقولهم نهاره صائم والإشارة بقوله ) إن في ذلك ( إلى الجعل المذكور ) لآيات ( عجيبة كثيرة ) لقوم يسمعون ( أي يسمعون ما يتلى عليهم من الآيات التنزيلية المنبهة على الآيات التكوينية مما ذكره الله سبحانه هاهنا منها ومن غيرها مما لم يذكره فعند السماع منهم لذلك يتفكرون ويعتبرون
فيكون ذلك من أعظم أسباب الإيمان
يونس : ( 68 ) قالوا اتخذ الله . . . . .
قوله ) قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني ( هذا نوع آخر من أباطيل المشركين التى كانوا يتكلمون فيها وهو زعمهم بأن الله سبحانه اتخذ ولدا فرد ذلك عليهم بقوله ) سبحانه هو الغني ( فنزه جل وعلا عما نسبوه إليه من هذا الباطل البين وبين أنه غني عن ذلك وأن الولد إنما يطلب للحاجة
والغني المطلق لا حاجة له حتى يكون له ولد يقضيها وإذا انتفت الحاجة انتفى الولد وأيضا إنما يحتاج إلى الولد من يكون بصدد الانقراض ليقوم الولد مقامه والأزلي القديم لا يفتقر إلى ذلك وقد تقدم تفسير الآية في البقرة
ثم بالغ في الرد عليهم بما هو كالبرهان فقال ) له ما في السماوات وما في الأرض ( وإذا كان الكل له وفي ملكه فلا يصح أن يكون شيء مما فيهما ولدا له للمنافاة بين الملك والبنوة والأبوة ثم زيف دعواهم الباطلة وبين أنها بلا دليل فقال ) إن عندكم من سلطان بهذا ( أي ما عندكم من حجة وبرهان بهذا القول الذى تم لونه و ) من ( في ) من سلطان ( زائدة للتأكيد والجار والمجرور في ) بهذا ( متعلق إما بسلطان لأنه بمعنى الحجة والبرهان أو متعلق بما عندكم لما فيه من معنى الاستقرار ثم وبخهم على هذا القول العاطل على الدليل الباطل عند العقلاء فقال ) أتقولون على الله ما لا تعلمون ( ويستفاد من هذا أن كل قول لا دليل عليه ليس هو من العلم من شيء بل من الجهل المحض
يونس : ( 69 ) قل إن الذين . . . . .
ثم أمر رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يقول لهم قولا يدل على أن ما قالوه كذب وأن من كذب على الله


"""""" صفحة رقم 461 """"""
لا يفلح فقال ) قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ( أي كل مفتر هذا شأنه ويدخل فيه هؤلاء دخولا أوليا وذكر الكذب مع الافتراء للتأكيد كما سبق في مواضع من الكتاب العزيز والمعنى أن هؤلاء الذين يكذبون على ربهم لا يفوزون بمطلب من المطالب
يونس : ( 70 ) متاع في الدنيا . . . . .
ثم بين سبحانه أن هذا الافتراء وإن فاز صاحبه بشيء من المطالب العاجلة فهو متاع قليل في الدنيا ثم يتعقبه الموت والرجوع إلى الله فيعذب المفتري عذابا مؤبدا فيكون متاع خبر مبتدأ محذوف والجملة مستأنفة لبيان أن ما يحصل للمفتري بافترائه ليس بفائدة يعتد بها بل هو متاع يسير في الدنيا يتعقبه العذاب الشديد بسبب الكفر الحاصل بأسباب من جملتها الكذب على الله وقال الأخفش إن التقدير لهم متاع في الدنيا فيكون المحذوف على هذا هو الخبر وقال الكسائي التقدير ذلك متاع أو هو متاع فيكون المحذوف على هذا المبتدأ
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال في قوله تعالى ) ولا يحزنك ( لما لم ينتفعوا بما جاءهم من الله وأقاموا على كفرهم كبر ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجاءه من الله فيما يعاتبه ) ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم ( يسمع ما يقولون ويعلمه فلو شاء بعزته لانتصر منهم وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) والنهار مبصرا ( قال منيرا وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله ) إن عندكم من سلطان بهذا ( يقول ما عندكم من سلطان بهذا
سورة يونس الآية ( 71 74 )
يونس : ( 71 ) واتل عليهم نبأ . . . . .
لما بلغ سبحانه في تقرير البراهين الواضحة ودفع الشبهة المنهارة شرع في ذكر قصص الأنبياء لما في ذلك من التسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) واتل عليهم ( أي على الكفار المعاصرين لك المعارضين لما جئت به بأقوالهم الباطلة ) نبأ نوح ( أي خبره والنبأ هو الخبر الذى له خطر وشأن والمراد ما جرى له مع قومه الذين كفروا بما جاء به كما فعله كفار قريش وأمثالهم ) إذ قال لقومه ( أي وقت قال لقومه والظرف منصوب بنبأ أو بدل منه بدل اشتمال واللام في ) لقومه ( لام التبليغ ) يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي ( أي عظم وثقل والمقام بفتح الميم الموضع الذى يقام فيه وبالضم الإقامة وقد اتفق القراء على الفتح وكنى بالمقام عن نفسه كما يقال فعلته لمكان فلان أي لأجله ومنه ) ولمن خاف مقام ربه ( أي خاف ربه ويجوز أن يراد بالمقام المكث


"""""" صفحة رقم 462 """"""
أي شق عليكم مكثي بين أظهركم ويجوز أن يراد بالمقام القيام لأن الواعظ يقوم حال وعظه والمعنى ان كان كبر عليكم قيامي بالوعظ في مواطن اجتماعكم وكبر عليكم تذكيري لكم ) بآيات الله ( التكوينية والتنزيلية ) فعلى الله توكلت ( هذه الجملة جواب الشرط والمعنى إني لا أقابل ذلك منكم إلا بالتوكل على الله فإن ذلك دأبي الذى أنا عليه قديما وحديثا ويجوز أن يريد إحداث مرتبة مخصوصة عن مراتب التوكل ويجوز أن يكون جواب الشرط ) فأجمعوا ( وجملة ) فعلى الله توكلت ( اعتراض كقولك إن كنت أنكرت علي شيئا فالله حسبي
ومعنى ) فأجمعوا أمركم ( اعتزموا عليه من أجمع الأمر إذا نواه وعزم عليه قاله الفراء وروى عن الفراء أنه قال أجمع الشيء أعده وقال مؤرج السدوسي أجمع الأمر أفصح من أجمع عليه وأنشد يا ليت شعري والمنى لا تنفع
هل أغدون يوما وأمري مجمع
وقال أبو الهيثم أجمع أمره جعله جميعا بعد ما كان متفرقا وتفرقه أن تقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا فلما عزم على أمر واحد فقد جمعه أي جعله جميعا فهذا هو الأصل في الإجماع ثم صار بمعنى العزم
وقد اتفق جمهور القراء على نصب ) شركاءكم ( وقطع الهمزة من أجمعوا وقرأ يعقوب وعاصم الجحدري بهمزة وصل في أجمعوا على أنه من جمع يجمع جمعا وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ويعقوب ) وشركاؤكم ( بالرفع قال النحاس وفي نصب الشركاء على قراءة الجمهور ثلاثة أوجه الأول بمعنى وادعوا شركاءكم قاله الكسائي والفراء أي ادعوهم لنصرتكم فهو على هذا منصوب بفعل مضمر وقال محمد بن يزيد المبرد هو معطوف على المعنى كما قال الشاعر يا ليت زوجك في الوغى
متقلدا سيفا ورمحا
والرمح لا يتقلد به لكنه محمول كالسيف وقال الزجاج المعنى مع شركائكم فالواو على هذا واو مع
وأما على قراءة اجمعوا بهمزة وصل فالعطف ظاهر أي اجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم وأما توجيه قراءة الرفع فعلى عطف الشركاء على الضمير المرفوع في أجمعوا وحسن هذا العطف مع عدم التأكيد بمنفصل كما هو المعتبر في ذلك أن الكلام قد طال قال النحاس وغيره وهذه القراءة بعيده لأنه لو كان شركاءكم مرفوعا لرسم في المصحف بالواو وليس ذلك موجودا فيه قال المهدوي ويجوز أن يرتفع الشركاء بالابتداء والخبر محذوف أي وشركاؤكم ليجمعوا أمرهم ونسبة ذلك إلى الشركاء مع كون الأصنام لا تعقل لقصد التوبيخ والتقريع لمن عبدها وروى عن أبي أنه قرأ وادعوا شركاءكم بإظهار الفعل قوله ) ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ( الغمة التغطية من قولهم غم الهلال إذا استتر أي ليكن أمركم ظاهرا منكشفا قال طرفة لعمرك ما أمري علي بغمة
نهاري ولا ليلى علي بسرمد
هكذا قال الزجاج وقال الهيثم معناه لا يكن أمركم عليكم مبهما وقيل إن الغمة ضيق الأمر كذا روى عن أبي عبيدة والمعنى لا يكن أمركم عليكم بمصاحبتي والمجاملة لي ضيقا شديدا بل ادفعوا هذا الضيق والشدة بما شئتم وقدرتم عليه وعلى الوجهين الأولين يكون المراد بالأمر الثاني هو الأمر الأول وعلى الثالث يكون المراد به غيره قوله ) ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ( أي ذلك الأمر الذى تريدونه بي وأصل اقضوا من القضاء وهو الإحكام والمعنى أحكموا ذلك الأمر قال الأخفش والكسائي هو مثل ) وقضينا إليه ذلك الأمر ( أي أنهيناه إليه وأبلغناه إياه ثم لا تنظرون أي لا تمهلون بل عجلوا أمركم واصنعوا ما بدا لكم وقيل معناه ثم امضوا


"""""" صفحة رقم 463 """"""
إلي ولا تؤخرون قال النحاس هذا قول صحيح في اللغة ومنه قضى الميت مضى وحكى الفراء عن بعض القراء أنه قرأ ثم ? أفضوا ? بالفاء وقطع الهمزة أي توجهوا وفي هذا الكلام من نوح عليه السلام ما يدل على وثوقه بنصر ربه وعدم مبالاته بما يتوعده به قومه
يونس : ( 72 ) فإن توليتم فما . . . . .
ثم بين لهم أن كل ما أتى به إليهم من الإعذار والإنذار وتبليغ الشريعة عن الله ليس هو لطمع دنيوي ولا لغرض خسيس فقال ) فإن توليتم فما سألتكم من أجر ( أي إن أعرضتم عن العمل بنصحي لكم وتذكيري إياكم فما سألتكم في مقابلة ذلك من أجر تؤدونه إلي حتى تتهموني فيما جئت به والفاء في ) فإن توليتم ( لترتيب ما بعدها على ما قبلها والفاء في ) فما سألتكم ( جزائية ) إن أجري إلا على الله ( أي ما ثوابي في النصح والتذكير إلا عليه سبحانه فهو يثيبني آمنتم أو توليتم قرأ أهل المدينة وأبو عمر وابن عامر وحفص بتحريك الياء من أجري وقرأ الباقون بالسكون ) وأمرت أن أكون من المسلمين ( المنقادين لحكم الله الذين يجعلون أعمالهم خالصة لله سبحانه لا يأخذون عليها أجرا ولا يطمعون في عاجل
يونس : ( 73 ) فكذبوه فنجيناه ومن . . . . .
قوله ) فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك ( أي استمروا على تكذيبه وأصروا على ذلك وليس المراد أنهم أحدثوا تكذيبه بعد أن لم يكن والمراد بمن معه من قد أجابه وصار على دينه والخلائف جمع خليفة والمعنى أنه سبحانه جعلهم خلفاء يسكنون الأرض التى كانت للمهلكين بالغرق ويخلفونهم فيها ) وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا ( من الكفار المعاندين لنوح الذين لم يؤمنوا به أغرقهم الله بالطوفان ) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ( فيه تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتهديد للمشركين وتهويل عليهم
يونس : ( 74 ) ثم بعثنا من . . . . .
) ثم بعثنا من بعده ( أي من بعد نوح ) رسلا ( كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب ) فجاؤوهم بالبينات ( أي بالمعجزات وبما أرسلهم الله به من الشرائع التى شرعها الله لقوم كل نبي ) فما كانوا ليؤمنوا ( أي فما أحدثوا الإيمان بل استمروا على الكفر وأصروا عليه والمعنى أنه ما صح ولا استقام لقوم من أولئك الأقوام الذين أرسل الله إليهم رسله أن يؤمنوا في وقت من الأوقات ) بما كذبوا به من قبل ( أي من قبل تكذيبهم الواقع منهم عند مجيء الرسل إليهم والمعنى أن كل قوم من العالم لم يؤمنوا عند أن أرسل الله إليهم الرسول المبعوث إليهم على الخصوص بما كانوا مكذبين به من قبل مجيئه إليهم لأنهم كانوا غير مؤمنين بل مكذبين بالدين ولو كانوا مؤمنين لم يبعث إليهم رسولا وهذا مبني على أن الضمير في ) فما كانوا ليؤمنوا ( وفي ) بما كذبوا ( راجع إلى القوم المذكورين في قوله ) إلى قومهم ( وقيل ضمير كذبوا راجع إلى قوم نوح أي فما كان قوم الرسل ليؤمنوا بما كذب به قوم نوح من قبل أن يأتي هؤلاء الأقوام الذين جاءوا من بعدهم ) وجاءتهم رسلهم بالبينات ( وقيل إن الباء في بما كذبوا به من قبل للسببية أي فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بسبب ما اعتادوه من تكذيب الحق من قبل مجيئهم وفيه نظر وفيل المعنى بما كذبوا به من قبل أي في عالم الذر فإن فيهم من كذب بقلبه وإن آمنوا ظاهرا قال النحاس ومن أحسن ما قيل إنه لقوم بأعيانهم ) كذلك نطبع على قلوب المعتدين ( أي مثل ذلك الطبع العظيم نطبع على قلوب المتجاوزين للحد المعهود في الكفر وقد تقدم تفسير هذا في غير موضع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الأعرج في قوله ) فأجمعوا أمركم وشركاءكم ( يقول فأحكموا أمركم وادعوا شركاءكم وأخرج أيضا عن الحسن في الآية أي فليجمعوا أمرهم معكم وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ( قال لا يكبر عليكم أمركم ) ثم اقضوا ( ما أنتم قاضون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ثم اقضوا ( قال انهضوا ) إلي ولا تنظرون ( يقول ولا تؤخرون


"""""" صفحة رقم 464 """"""
سورة يونس الآية ( 75 87 )
يونس : ( 75 ) ثم بعثنا من . . . . .
قوله ) ثم بعثنا من بعدهم ( معطوف على قوله ) ثم بعثنا من بعده رسلا ( والضمير في من بعدهم راجع إلى الرسل المتقدم ذكرهم وخص موسى وهارون بالذكر مع دخولهما تحت الرسل لمزيد شرفهما وخطر شأن ما جرى بينهما وبين فرعون والمراد بالملأ الأشراف والمراد بالآيات المعجزات وهى التسع المذكورة في الكتاب العزيز ) فاستكبروا ( عن قبولها ولم يتواضعوا لها ويذعنوا لما اشتملت عليه من المعجزات الموجبة لتصديق ما جاء بها ) وكانوا قوما مجرمين ( أي كانوا ذوى إجرام عظام وآثام كبيرة فبسبب ذلك اجترءوا على ردها لأن الذنوب تحول بين صاحبها وبين إدراك الحق وإبصار الصواب قيل وهذه الجملة معترضة مقررة لمضمون ما قبلها
يونس : ( 76 ) فلما جاءهم الحق . . . . .
قوله ) فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين ( أي فلما جاء فرعون وملأه الحق من عند الله وهو المعجزات لم يؤمنوا بها بل حملوها على السحر مكابرة منهم
يونس : ( 77 ) قال موسى أتقولون . . . . .
فرد عليهم موسى قائلا ) أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ( قيل في الكلام حذف والتقدير أتقولون للحق سحر فلا تقولوا ذلك ثم استأنف إنكارا آخر من جهة نفسه فقال ) أسحر هذا ( فحذف قولهم الأول اكتفاء بالثاني والمجيء إلى هذا أنهم لم يستفهموه عن السحر حتى يحكى ما قالوه بقوله ) أسحر هذا ( بل هم قاطعون بأنه سحر لأنهم قالوا ) إن هذا لسحر مبين ( فحينئذ لا يكون قوله


"""""" صفحة رقم 465 """"""
) أسحر هذا ( من قولهم وقال الأخفش هو من قولهم وفيه نظر لما قدمنا وقيل معنى ) أتقولون ( أتعيبون الحق وتطعنون فيه وكان عليكم أن تذعنوا له ثم قال أسحر هذا منكرا لما قالوه وقيل إن مفعول ) أتقولون ( محذوف وهو ما دل عليه قولهم ) إن هذا لسحر ( والتقدير أتقولون ما تقولون يعني قولهم إن هذا لسحر مبين ثم قيل أسحر هذا وعلى هذا التقدير والتقدير الأول فتكون جملة ) أسحر هذا ( مستأنفة من جهة موسى عليه السلام والاستفهام للتقريع والتوبيخ بعد الجملة الأولى المستأنفة الواقعة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ماذا قال لهم موسى لما قالوا إن هذا لسحر مبين فقيل قال أتقولون للحق لما جاءكم على طريقة الاستفهام الإنكاري والمعنى أتقولون للحق لما جاءكم إن هذا لسحر مبين وهو أبعد شئ من السحر ثم أنكر عليهم وقرعهم ووبخهم فقال ) أسحر هذا ( فجاء موسى عليه السلام بإنكار بعد إنكار وتوبيخ بعد توبيخ وتجهيل بعد تجهيل وجملة ) ولا يفلح الساحرون ( في محل نصب على الحال أي أتقولون للحق إنه سحر والحال أنه لا يفلح الساحرون فلا يظفرون بمطلوب ولا يفوزون بخير ولا ينجون من مكروه فكيف يقع في هذا من هو مرسل من عند الله وقد أيده بالمعجزات والبراهين الواضحة
يونس : ( 78 ) قالوا أجئتنا لتلفتنا . . . . .
وجملة ) قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالوا بعد أن قال لهم موسى ما قال وفي هذا ما يدل على أنهم انقطعوا عن الدليل وعجزوا عن إبراز الحجة ولم يجحدوا ما يجيبون به عما أورده عليهم بل لجئوا إلى ما يلجأ إليه أهل الجهل والبلادة وهو الاحتجاج بما كان عليه آباؤهم من الكفر وضموا إلى ذلك ما هو غرضهم وغاية مطلبهم وسبب مكابرتهم للحق وجحودهم للآيات البينة وهو الرياسة الدنيوية التى خافوا عليها وظنوا أنها ستذهب عنهم إن آمنوا وكم بقى على الباطل وهو يعلم أنه باطل بهذه الذريعة من طوائف هذا العالم في سابق الدهر ولاحقه فمنهم من حبسه ذلك عن الخروج من الكفر ومنهم من حبسه عن الخروج إلى السنة من البدعة وإلى الرواية الصحيحة من الرأي البحث يقال لفته لفتا إذا صرفه عن الشيء ولواه عنه ومنه قول الشاعر تلفت نحو الحي حتى رأيتني
وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا
أي تريد أن تصرفنا عن الشيء الذى وجدنا عليه آباءنا وهو عبادة الأصنام والمراد بالكبرياء الملك قال الزجاج سمى الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا وقيل سمى بذلك لأن الملك يتكبر
والحاصل أنهم عللوا عدم قبولهم دعوة موسى بأمرين التمسك بالتقليد للآباء والحرص على الرياسة الدنيوية لأنهم إذا أجابوا النبي وصدقوه صارت مقاليد أمر أمته إليه ولم يبق للملك رئاسة تامة لأن التدبير للناس بالدين يرفع تدبير الملوك لهم بالسياسات والعادات ثم قالوا ) وما نحن لكما بمؤمنين ( تصريحا منهم بالتكذيب وقطعا للطمع في إيمانهم وقد أفرد الخطاب لموسى في قولهم أجئتنا لتلفتنا ثم جمعوا بينه وبين هارون في الخطاب في قولهم ) وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين ( ووجه ذلك أنهم أسندوا المجيء والصرف عن طريق آبائهم إلى موسى لكونه المقصود بالرسالة المبلغ عن الله ما شرعه لهم وجمعوا بينهما في الضميرين الآخرين لأن الكبرياء شامل لهما في زعمهم ولكون ترك الإيمان بموسى يستلزم ترك الإيمان بهارون وقد مرت القصة في الأعراف
يونس : ( 79 ) وقال فرعون ائتوني . . . . .
قوله ) وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم ( قال هكذا لما رأى اليد البيضاء والعصا لأنه اعتقد أنهما من السحر فأمر قومه بأن يأتوه بكل ساحر عليم هكذا قرأ حمزة والكسائي وابن وثاب والأعمش سحار وقرأ الباقون ساحر وقد تقدم الكلام على هذا في الأعراف والسحار صيغة مبالغة أي كثير السحر كثير العلم بعمله وأنواعه
يونس : ( 80 ) فلما جاء السحرة . . . . .
) فلما جاء السحرة (


"""""" صفحة رقم 466 """"""
في الكلام حذف والتقدير هكذا وقال فرعون ائتوني بكل سحار عليم فأتوا بهم إليه فلما جاء السحرة فتكون الفاء للعطف على المقدر المحذوف قوله ) قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ( أي قال لهم هذه المقالة بعد أن قالوا له إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقون أي اطرحوا على الأرض ما معكم من حبالكم وعصيكم
يونس : ( 81 ) فلما ألقوا قال . . . . .
) فلما ألقوا ( ما ألقوه من ذلك ) قال ( لهم ) موسى ما جئتم به السحر ( أي الذى جئتم به السحر على أن ما موصولة مبتدأ والخبر السحر والمعنى أنه سحر لا أنه آية من آيات الله وأجاز الفراء نصب السحر بجئتم وتكون ما شرطية والشرط جئتم والجزاء ) إن الله سيبطله ( على تقدير الفاء أي فإن الله سيبطله وقيل إن السحر منتصب على المصدر أي ما جئتم به سحرا ثم دخلت الألف واللام فلا يحتاج على هذا إلى حذف الفاء واختاره النحاس وقال حذف الفاء في المجازاة لا يجيزه كثير من الحويين إلا في ضرورة الشعر وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر آلسحر على أن الهمزة للاستفهام والتقدير أهو السحر فتكون ما على هذه القراءة استفهامية وقرأ أبي ? ما أتيتم به سحر إن الله سيبطله ? أي سيمحقه فيصير باطلا بما يظهره على يدي من الآيات المعجزة ) إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( أي عمل هذا الجنس فيشمل كل من يصدق عليه أنه مفسد ويدخل فيه السحر والسحرة دخولا أوليا
يونس : ( 82 ) ويحق الله الحق . . . . .
والواو في ) ويحق الله الحق ( للعطف على سيبطله أي يبينه ويوضحه ) بكلماته ( التى أنزلها في كتبه على أنبيائه لاشتمالها على الحجج والبراهين ) ولو كره المجرمون ( من آل فرعون أو المجرمون على العموم ويدخل تحتهم آل فرعون دخولا أوليا والإجرام الآثام
يونس : ( 83 ) فما آمن لموسى . . . . .
قوله ) فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ( الضمير يرجع إلى موسى أي من قوم موسى وهم طائفة من ذراري بني إسرائيل وقيل المراد طائفة من ذراري فرعون فيكون الضمير عائدا على فرعون قيل ومنهم مؤمن آل فرعون وامرأته وماشطة ابنته وامرأة خازنه وقيل هم قوم آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل روى هذا عن الفراء ) على خوف من فرعون وملئهم ( الضمير لفرعون وجمع لأنه لما كان جبارا جمعوا ضميره تعظيما له وقيل إن قوم فرعون سموا بفرعون مثل ثمود فرجع الضمير إليهم بهذا الاعتبار وقيل إنه عائد على مضاف محذوف والتقدير على خوف من آل فرعون وروى هذا عن الفراء ومنع ذلك الخليل وسيبويه فلا يجوز عندهما قامت هند وأنت تريد غلامها وروى عن الأخفش أن الضمير يعود على الذرية وقواه النحاس ) أن يفتنهم ( أي يصرفهم عن دينهم بالعذاب الذى كان ينزله بهم وهو بدل اشتمال ويجوز أن يكون في موضع نصب بالمصدر ) وإن فرعون لعال في الأرض ( أي عات متكبر متغلب على أرض مصر ) وإنه لمن المسرفين ( المجاوزين للحد في الكفر وما يفعله من القتل والصلب وتنويع العقوبات
يونس : ( 84 ) وقال موسى يا . . . . .
قوله ) وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ( قيل إن هذا من باب التكرير للشرط فشرط في التوكل على الله الإيمان به والإسلام أي الاستسلام لقضائه وقدره وقيل إن هذا ليس من تعليق الحكم بشرطين بل المعلق بالإيمان هو وجوب التوكل والمشروط بالإسلام وجوده والمعنى أن يسلموا أنفسهم لله أي يجعلوها له سالمة خالصة لا حظ للشيطان فيها لأن التوكل لا يكون مع التخليط قال في الكشاف ونظيره في الكلام إن ضربك زيد فاضربه إن كانت لك به قوة
يونس : ( 85 ) فقالوا على الله . . . . .
) فقالوا ( أي قوم موسى مجيبين له ) على الله توكلنا ( ثم دعوا الله مخلصين فقالوا ) ربنا لا تجعلنا فتنة ( أي موضع فتنة ) للقوم الظالمين ( والمعنى لا تسلطهم علينا فيعذبونا حتى يفتنونا عن ديننا ولا تجعلنا فتنة لهم يفتنون بنا غيرنا فيقولون لهم لو كان هؤلاء على حق لما سلطنا عليهم وعذبناهم وعلى المعنى الأول تكون الفتنة بمعنى المفتون
يونس : ( 86 ) ونجنا برحمتك من . . . . .
ولما قدموا التضرع إلى الله سبحانه في أن يصون دينهم عن الفساد أتبعوه بسؤال عصمة أنفسهم فقالوا ) ونجنا برحمتك من القوم الكافرين ( وفي هذا دليل على أنه كان لهم اهتمام بأمر الدين فوق اهتمامهم بسلامة


"""""" صفحة رقم 467 """"""
أنفسهم
يونس : ( 87 ) وأوحينا إلى موسى . . . . .
قوله ) وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا ( أن هى المفسرة لأن في الإيحاء معنى القول أن تبوآ أي اتخذا لقومكما بمصر بيوتا يقال بوأت زيدا مكانا وبوأت لزيد مكانا والمبوأ المنزل الملزوم ومنه بوأه الله منزلا أي ألزمه إياه وأسكنه فيه ومنه الحديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومنه قول الراجز نحن بنو عدنان ليس شك
تبوأ المجد بنا والملك
قيل ومصر في هذه الآية هى الإسكندرية وقيل هى مصر المعروفة لا الإسكندرية ) واجعلوا بيوتكم قبلة ( أي متوجهة إلى جهة القبلة قيل المراد بالبيوت هنا المساجد وإليه ذهب جماعة من السلف وقيل المراد بالبيوت التى يسكنون فيها أمروا بأن يجعلوها منا قبلة والمراد بالقبلة على القول الأول هى جهة بيت المقدس وهو قبلة اليهود إلى اليوم وقيل جهة الكعبة وأنها كانت قبلة موسى ومن معه وقيل المراد أنهم يجعلون بيوتهم مستقبلة للقبلة ليصلوا فيها سرا لئلا يصيبهم من الكفار معرة بسبب الصلاة ومما يؤيد هذا قوله ) وأقيموا الصلاة ( أي التى أمركم الله بإقامتها فإنه يفيد أن القبلة هى قبلة الصلاة إما في المساجد أو في البيوت لا جعل البيوت متقابلة وإنما جعل الخطاب في أول الكلام مع موسى وهارون ثم جعله لهما ولقومهما في قوله ) واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة ( ثم أفرد موسى بالخطاب بعد ذلك فقال ) وبشر المؤمنين ( لأن اختيار المكان مفوض إلى الأنبياء ثم جعل عاما في استقبال القبلة وإقامة الصلاة لأن ذلك واجب على الجميع لا يختص بالأنبياء ثم جعل خاصا بموسى لأنه الأصل في الرسالة وهارون تابع له فكان ذلك تعظيما للبشارة وللمبشر بها وقيل إن الخطاب في وبشر المؤمنين لنبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) على طريقة الالتفات والاعتراض والأول أولى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) لتلفتنا ( قال لتلوينا
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال لتصدنا عن آلهتنا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وتكون لكما الكبرياء في الأرض ( قال العظمة والملك والسلطان
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) فما آمن لموسى إلا ذرية ( قال الذرية القليل
وأخرج هؤلاء عنه في قوله ) ذرية من قومه ( قال من بني إسرائيل وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد قال هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من طول الزمان ومات آباؤهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كانت الذرية التى آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل من قوم فرعون منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وخازن فرعون وامرأة خازنه وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ونعيم بن حماد في الفتن وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ( قال لا تسلطهم علينا فيفتنونا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال في تفسير الآية لا تعذبنا بأيدي قوم فرعون ولا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على الحق ما عذبوا ولا سلطنا عليهم فيفتنون بنا وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي قلابة في الآية قال سأل ربه أن لا يظهر علينا عدونا فيحسبون أنهم أولى بالعدل فيفتنون بذلك
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مجلز نحوه وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وأوحينا إلى موسى وأخيه ( الآية قال ذلك حين منعهم فرعون الصلاة فأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم وأن يوجهوها نحو القبلة وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) أن تبوآ لقومكما بمصر (


"""""" صفحة رقم 468 """"""
قال مصر الإسكندرية وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال كانوا لا يصلون إلا في البيع حتى خافوا من آل فرعون فأمروا أن يصلوا في بيوتهم وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال أمروا أن يتخذوا في بيوتهم مساجد وأخرج أبو الشيخ عن أبي سنان قال القبلة الكعبة وذكر أن آدم فمن بعده كانوا يصلون قبل الكعبة وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) واجعلوا بيوتكم قبلة ( قال يقابل بعضها بعضا
سورة يونس الآية ( 88 92 )
يونس : ( 88 ) وقال موسى ربنا . . . . .
لما بلغ موسى عليه السلام في إظهار المعجزات وإقامة الحجج البينات ولم يكن لذلك تأثير في من أرسل إليهم دعا عليهم بعد أن بين سبب إصرارهم على الكفر وتمسكهم بالجحود والعناد فقال مبينا للسبب أولا ) ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ( قد تقدم أن الملأ هم الأشراف والزينة اسم لكل ما يتزين به من ملبوس ومركوب وحلية وفراش وسلاح غير ذلك ثم كررا النداء للتأكيد فقال ) ربنا ليضلوا عن سبيلك (
وقد اختلف في هذه اللام الداخلة على الفعل فقال الخليل وسيبويه إنها لام العاقبة والصيرورة والمعنى أنه لما كان عاقبة أمرهم الضلال صار كأنه سبحانه أعطاهم ما أعطاهم من النعم ليضلوا فتكون اللام على هذا متعلقة بآتيت وقيل إنها لام كي أي أعطيتهم لكي يضلوا وقال قوم إن المعنى أعطيتهم ذلك لئلا يضلوا فحذفت لا كما قال سبحانه ) يبين الله لكم أن تضلوا ( قال النحاس ظاهر هذا الجواب حسن إلا أن العرب لا تحذف لا إلا مع أن فموه صاحب هذا التأويل بالاستدلال بقوله ) يبين الله لكم أن تضلوا ( وقيل اللام للدعاء عليهم والمعنى ابتلهم بالهلاك عن سبيلك واستدل هذا القائل بقوله سبحانه بعد هذا اطمس واشدد وقد أطال صاحب الكشاف في تقرير هذا بما لا طائل تحته والقول الأول هو الأولى وقرأ الكوفيون ) ليضلوا ( بضم حرف المضارعة أي يوقعوا الإضلال على غيرهم وقرأ الباقون بالفتح أي يضلون في أنفسهم ) ربنا اطمس على أموالهم ( قال الزجاج طمس الشيء إذهابه عن صورته والمعنى الدعاء عليهم بأن يمحق الله أموالهم ويهلكها وقرئ بضم الميم من اطمس ) واشدد على قلوبهم ( أي اجعلها قاسية مطبوعة لا تقبل الحق ولا تنشرح للإيمان


"""""" صفحة رقم 469 """"""
قوله ) فلا يؤمنوا ( قال المبرد والزجاج هو معطوف على ليضلوا والمعنى آتيتهم النعم ليضلوا ولا يؤمنوا ويكون ما بين المعطوف والمعطوف عليه اعتراضا وقال الفراء والكسائي وأبو عبيدة هو دعاء بلفظ النهي والتقدير اللهم فلا يؤمنوا ومنه قول الأعشى فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى
ولا تلقني إلا وأنفك راغم
وقال الأخفش إنه جواب الأمر أي اطمس واشدد فلا يؤمنوا فيكون منصوبا وروى هذا عن الفراء أيضا ومنه يا ناق سيري عنقا فسيحا
إلى سليمان فنستريحا
) حتى يروا العذاب الأليم ( أي لا يحصل منهم الإيمان إلا مع المعاينة لما يعذبهم الله به وعند ذلك لا ينفع إيمانهم وقد استشكل بعض أهل العلم ما في هذه الآية من الدعاء على هؤلاء وقال إن الرسل إنما تطلب هداية قومهم وإيمانهم وأجيب بأنه لا يجوز لنبي أن يدعو على قومه إلا بإذن الله سبحانه وإنما يأذن الله بذلك لعلمه بأنه ليس فيهم من يؤمن ولهذا لما أعلم الله نوحا عليه السلام بأنه لا يؤمن من قومه إلا من قد آمن قال ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )
يونس : ( 89 ) قال قد أجيبت . . . . .
) قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ( جعل الدعوة هاهنا مضافة إلى موسى وهارون وفيما تقدم أضافها إلى موسى وحده فقيل إن هارون كان يؤمن على دعاء موسى فسمى هاهنا داعيا وإن كان الداعي موسى وحده ففي أول الكلام أضاف الدعاء إلى موسى لكونه الداعي وهاهنا أضافه إليهما تنزيلا للمؤمنين منزلة الداعي ويجوز أن يكونا جميعا داعيين ولكن أضاف الدعاء إلى موسى في أول الكلام لأصالته في الرسالة قال النحاس سمعت علي بن سليمان يقول الدليل على أن الدعاء لهما قول موسى ربنا ولم يقل رب وقرأ علي والسلمي دعاؤكما وقرأ ابن السميفع دعواكما والاستقامة الثبات على ما هما عليه من الدعاء إلى الله قال الفراء وغيره أمرا بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه على دعاء فرعون وقومه إلى الإيمان إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة أربعين سنة ثم أهلكوا وقيل معنى الاستقامة ترك الاستعجال ولزوم السكينة والرضا والتسليم لما يقضى به الله سبحانه قوله ) ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ( بتشديد النون للتأكيد وحركت بالكسر لكونه الأصل ولكونهما أشبهت نون التثنية وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على النفي لا على النهي
وقرئ بتخفيف الفوقية الثانية من تتبعان والمعنى النهي لهما عن سلوك طريقة من لا يعلم بعادة الله سبحانه في إجراء الأمور على ما تقتضيه المصالح تعجيلا وتأجيلا
يونس : ( 90 ) وجاوزنا ببني إسرائيل . . . . .
قوله ) وجاوزنا ببني إسرائيل البحر ( هو من جاوز المكان إذا خلفه وتخطاه والباء للتعدية أي جعلناهم مجاوزين البحر حتى بلغوا الشط لأن الله سبحانه جعل البحر يبسا فمروا فيه حتى خرجوا منه إلى البر وقد تقدم تفسير هذا في سورة البقرة في قوله سبحانه ) وإذ فرقنا بكم البحر ( وقرأ الحسن ? وجوزنا ? وهم لغتان ) فأتبعهم فرعون وجنوده ( يقال تبع وأتبع بمعنى واحد إذا لحقه وقال الأصمعي يقال أتبعه بقطع الألف إذا لحقه وأدركه واتبعه بوصل الألف إذا اتبع أثره أدركه أو لم يدركه
وكذا قال أبو زيد وقال أبو عمرو إن اتبعه بالوصل اقتدى به وانتصاب بغيا وعدوا على الحال والبغي الظلم والعدو الاعتداء ويجوز أن يكون انتصابهما على العلة أي للبغي والعدو وقرأ الحسن ) وعدوا ( بضم العين والدال وتشديد الواو مثل علا يعلو علوا وقيل إن البغي طلب الاستعلاء في القول بغير حق والعدو في الفعل ) حتى إذا أدركه الغرق ( أي ناله ووصله وألجمه وذلك أن موسى خرج ببني إسرائيل على حين غفلة من


"""""" صفحة رقم 470 """"""
فرعون فلما سمع فرعون بذلك لحقهم بجنوده ففرق الله البحر لموسى وبنى إسرائيل فمشوا فيه حتى خرجوا من الجانب الآخر وتبعهم فرعون والبحر باق على الحالة التي كان عليها عند مضى موسى ومن معه فلما تكامل دخول جنود فرعون وكادوا أن يخرجوا من الجانب الآخر انطبق عليهم فغرقوا كما حكى الله سبحانه ذلك قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل أي صدقت أنه بفتح الهمزة على أن الأصل بأنه فحذفت الباء والضمير للشأن وقرىء بكسر إن على الاستئناف وزعم أبو حاتم أن القول محذوف أي آمنت فقلت إنه ولم ينفعه هذا الإيمان أنه وقع منه بعد إدراك الغرق كله كما تقدم في النساء ولم يقل للعين آمنت بالله أو برب العالمين بل قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل لأنه بقي فيه عرق من دعوى الإلهية قوله وأنا من المسلمين أي المستسلمين لأمر الله المنقادين له الذين يوحدونه وينفون ما سواه وهذه الجملة إما في محل نصب على الحال أو معطوفة على آمنت
يونس : ( 91 ) آلآن وقد عصيت . . . . .
قوله آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين هو مقول قول مقدر معطوف على قال آمنت أي فقيل له أتؤمن الآن
وقد اختلف من القائل لفرعون بهذه المقالة فقيل هي من قول الله سبحانه وقيل من قول جبريل وقيل من قول ميكائيل وقيل من قول فرعون قال ذلك في نفسه لنفسه وجملة وقد عصيت قبل في محل نصب على الحال من فاعل الفعل المقدر بعد القول المقدر وهو أتؤمن الآن والمعنى إنكار الإيمان منه عند أن ألجمه الغرق والحال أنه قد عصى الله من قبل والمقصود التقريع والتوبيخ له وجملة وكنت من المفسدين معطوفة على عصيت داخلة في الحال أي كنت من المفسدين الأرض بضلالك عن الحق وإضلالك لغيرك
يونس : ( 92 ) فاليوم ننجيك ببدنك . . . . .
قوله فاليوم ننجيك ببدنك قرىء ننجيك بالتخفيف الجمهور على التثقيل وقرأ اليزيدي ننحيك بالحاء المملهة من التنحية وحكاها علقمة عن ابن مسعود ومعنى ننجيك بالجيم نلقيك على نجوة من الأرض وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق وقالوا هو أعظم شأنا من ذاك فألقاه الله على نجوة من الأرض أي مكان مرتفع من الأرض حتى شاهدوه وقيل المعنى نخرجك مما وقع فيه قومك من الرسوب في قعر البحر ونجعلك طافيا ليشاهدوك ميتا بالغرق ومعنى ننحيك بالمهملة نطرحك على ناحية من الأرض وروي عن ابن مسعود أنه قرأ بأبدانك وقد اختلف المفسرون في معنى ببدنك فقيل معناه بجسدك بعد سلب الروح منه وقيل معناه بدرعك والدرع يسمى بدنا ومنه قول كعب بن مالك ترى الأبدان فيها مسبغات
على الأبطال واليلب الحصينا
أراد بالأبدان الدروع وقال عمرو بن معدي كرب ومضى نساؤهم بكل مضاضة
جدلاء سابغة وبالأبدان
أي بدروع سابغة ودروع قصيرة وهي التي يقال لها أبدان كما قال أبو عبيدة وقال الأخفش وأما قول من قال بدرعك فليس بشيء ورجح أن البدن المراد به هنا الجسد قوله لتكون لمن خلفك آية هذا تعليل لننجيه ببدنه وفي ذلك دليل علو أنه لم يطهر جسده دون قومه إلا لهذه العلة لا سوى والمراد بالآية العلامة أي لتكون لمن خلفك من الناس علامة يعرفون بها هلاكك وأنك لست كما تدعي ويندفع عنهم الشك في كونك قد صرت


"""""" صفحة رقم 471 """"""
ميتا بالغرق وقيل المراد ليكون طرحك على الساحل وحدك دون المغرقين من قومك آية من آيات الله يعتبر بها الناس أو يعتبر بها من سيأتي من الأمم إذا سمعوا ذلك حتى يحذروا من التكبر والتجبر والتمرد على الله سبحانه فإن هذا الذي بلغ إلى ما بلغ إليه من دعوى الإلهية واستمر على ذلك دهرا طويلا كانت له هذه العاقبة القبيحة وقرىء لمن خلفك على صيغة الفعل الماضي أي لمن يأتي بعدك من القرون أو من خلفك في الرياسة أو في السكون في المسكن الذي كنت تسكنه وإن كثيرا من الناس عن آياتنا التي توجب الاعتبار والتغكر وتوقظ من سنة الغفلة لغافلون عما توجه الآيات وهذه الجملة تذييلية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ربنا اطمس على أموالهم يقول دمر على أموالهم وأهلكها واشدد على قلوبهم قال اطبع فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم وهو الغرق وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال سألني عمر بن عبد العزيز عن قوله ربنا اطمس على أموالهم فأخبرته أن الله طمس على أموال فرعون وآل فرعون حتى صارت حجارة فقال عمر كما أنت حتى آتيك فدعا بكيس مختوم ففكه فإذا فيه الفضة مقطوعة كأنها الحجارة والدنانير والدراهم وأشباه ذلك من الأموال حجارة كلها وقد روى أن أموالهم تحولت حجارة من طريق جماعة من السلف وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قد أجيبت دعوتكما قال فاستجاب له وحال بين فرعون وبين الإيمان وأخرج أبو الشيخ عن أبي هريرة قال كان موسى إذا دعا أمن هارون على دعائه يقول آمين قال أبو هريرة وهو اسم من أسماء الله فذلك قوله قد أجيبت دعوتكما وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس نحوه وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه وأخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب القرضي نحوه أيضا وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال يزعمون أن فرعون مكث بعد هذه الدعوة أربعين سنة وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله وأخرج الحكيم الترمذي عن مجاهد نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس فاستقيما فامضيا لأمري وهي الاستقامة وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال العدو والعتو والعلو في كتاب الله التجبر وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال لما خرج آخر أصحاب موسى ودخل آخر أصحاب فرعون أوحى الله إلى البحر أن انطبق عليهم فخرجت أصبع فرعون بلا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل قال جبريل فعرفت أن الرب رحيم وخفت أن تدركه الرحمع فرمسته بجناحي وقلت آلان وقد عصيت قبل فلما خرج موسى وأصحابه قال من تخلف من قوم فرعون ما غرق فرعون ولا أصحابه ولكنهم في جزائر البحر يتصيدون فأوحى الله إلى البحر أن الفظ فرعون عريانا فلفظه عريانا أصلع أخينس قصيرا فهو قوله فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية لمن قال إن فرعون لم يغرق وكأن نجاة غيره لم تكن نجاة عافية ثم أوحى الله إلى البحر أن الفظ ما فيك فلفظهم على الساحل وكان البحر لا يلفظ غريقا في بطنه حتى يأكله السمك فليس يقبل البحر غريقا إلى يوم القيامة وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أغرق الله فرعون فقال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت بنو اسرائيل قال لي جبريل يا محمد لو رأيتنى وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة وقد روى هذا الحديث الترمذي من غير وجه وقال حسن صحيح غريب وصححه أيضا الحاكم وروى عن ابن عباس مرفوعا من طرق أخرى وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال قال لي جبريل ما كان على الأرض شيء أبغض إلي من فرعون فلما آمن جعلت أحشو فاه حمأة وأنا أغطه


"""""" صفحة رقم 472 """"""
خشية أن تدركه الرحمة وأخرج ابن جرير والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعا نحوه أيضا وأخرج أبو الشيخ عن أبي أمامة مرفوعا نحوه أيضا في إسناد حديث أبي هريرة رجل مجهول وباقي رجاله ثقات والعجب كل العجب ممن لا علم له بفن الرواية من المفسرين ولا يكاد يميز بين أصح الصحيح من الحديث وأكذب الكذب منه كيف يتجارى على الكلام في أحاديث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) والحكم ببطلان ما صح منها ويرسل لسانه وقلمه بالجهل البحت والقصور الفاضح الذى يضحك منه كل من له أدنى ممارسة لفن الحديث فيا مسكين مالك ولهذا الشأن الذى لست منه في شيء ألا تستر نفسك وتربع على ضلعك وتعرف بأنك بهذا العلم من أجهل الجاهلين وتشتغل بما هو علمك الذى لا تجاوزه وحاصلك الذي ليس لك غيره وهو علم اللغة وتوابعه من العلوم الآلية ولقد صار صاحب الكشاف رحمه الله بسبب ما يتعرض له في تفسيره من علم الحديث الذي ليس هو منه في ورد ولا صدر سخرة للساخرين وعبرة للمعتبرين فتارة يروي في كتابه الموضوعات وهو لا يدري أنها موضوعات وتارة يتعرض لرد ما صح ويجزم بأنه من الكذب على رسول الله والبهت عليه وقد يكون في الصحيحين وغيرهما مما يلتحق بهما من رواية جماعة من الصحابة بأسانيد كلها أئمة ثقات أثبات حجج وأدنى نصيب من عقل يحجر صاحبه عن التكلم في علم لا يعلمه ولا يدري به أقل دراية وإن كان ذلك العلم من علوم الاصطلاح التى يتواضع عليها طائفة من الناس ويصطلحون على أمور فيما بينهم فما بالك بعلم السنة الذى هو قسيم كتاب الله وقائله رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وراوية عنه خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وكل حرف من حروفه وكلمة من كلماته يثبت بها شرع عام لجميع أهل الإسلام وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فاليوم ننجيك ببدنك ( قال أنجى الله فرعون لبني إسرائيل من البحر فنظروا إليه بعد ما غرق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال بجسدك قال كذب بعض بني إسرائيل بموت فرعون فألقى على ساحل البحر حتى يراه بنو إسرائيل أحمر قصيرا كأنه ثور وأخرج ابن الأنباري عن محمد بن كعب في قوله ) فاليوم ننجيك ببدنك ( قال بدرعك وكان درعه من لؤلؤة يلاقي فيها الحروب
سورة يونس الآية ( 93 98 )


"""""" صفحة رقم 473 """"""
سورة يونس الآية ( 99 100 )
يونس : ( 93 ) ولقد بوأنا بني . . . . .
قوله ) ولقد بوأنا ( هذا من جملة ما عدده الله سبحانه من النعم التى أنعم بها على بني إسرائيل ومعنى بوأنا أسكنا يقال بوأت زيدا منزلا أسكنته فيه والمبوأ اسم مكان أو مصدر وإضافته إلى الصدق على ما جرت عليه قاعدة العرب فإنهم كانوا إذا مدحوا شيئا أضافوه إلى الصدق والمراد به هنا المنزل المحمود المختار قيل هو أرض مصر وقيل الأردن وفلسطين وقيل الشام ) ورزقناهم من الطيبات ( أي المستلذات من الرزق ) فما اختلفوا ( في أمر دينهم وتشعبوا فيه شعبا بعد ما كانوا على طريقة واحدة غير مختلفة ) حتى جاءهم العلم ( أي لم يقع منهم الاختلاف في الدين إلا بعد ما جاءهم العلم بقراءتهم التوراة وعلمهم بأحكامها وما اشتملت عليه من الأخبار بنبوة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المعنى أنه لم يختلفوا حتى جاءهم العلم وهو القرآن النازل على نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) فاختلفوا في نعته وصفته وآمن به من آمن منهم وكفر به من كفر فيكون المراد بالمختلفين على القول الأول هم اليهود بعد أن أنزلت عليهم التوراة وعلموا بها وعلى القول الثاني هم اليهود المعاصرين لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته والمحق بعمله بالحق والمبطل بعمله بالباطل
يونس : ( 94 ) فإن كنت في . . . . .
) فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ( الشك في أصل اللغة ضم الشيء بعضه إلى بعض ومنه شك الجوهر في العقد والشاك كأنه يضم إلى ما يتوهمه شيئا آخر خلافه فيتردد ويتحير والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد غيره كما ورد في القرآن في غير موضع قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد سمعت الإمامين ثعلبا والمبرد يقولان معنى ) فإن كنت في شك ( أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك ) فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ( يعني مسلمي أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأمثاله وقد كان عبدة الأوثان يعترفون لليهود بالعلم ويقرون بأنهم أعلم منهم فأمر الله سبحانه نبيه أن يرشد الشاكين فيما أنزله الله إليه من القرآن أن يسألوا أهل الكتاب الذين قد أسلموا فإنهم سيخبرونهم بأنه كتاب الله حقا وأن هذا رسوله وأن التوراة شاهدة بذلك ناطقة به وفي هذا الوجه مع حسنه مخالفة للظاهر
وقال القتيبي المراد بهذه الآية من كان من الكفار غير قاطع بتكذيب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولا بتصديقه بل كان في شك وقيل المراد بالخطاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لا غيره والمعنى لو كنت ممن يلحقه الشك فيا أخبرناك به فسألت أهل الكتاب لأزالوا عنك الشك وقيل الشك هو ضيق الصدر أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك بصر من قبلك من الأنبياء على أذى قومهم
وقيل معنى الآية الفرض والتقدير كأنه قال له فإن وقع لك شك مثلا وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديرا فاسأل الذين يقرءون الكتاب فإنهم سيخبرونك عن نبوتك وما نزل عليك ويعترفون بذلك لأنهم يجدونه مكتوبا عندهم وقد زال فيمن أسلم منهم ما كان مقتضيا للكتم عندهم قوله ) لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ( في هذا بيان ما يقلع الشك من أصله ويذهب به بجملته وهو شهادة الله سبحانه بأن هذا الذى وقع


"""""" صفحة رقم 474 """"""
الشك فيه على اختلاف التفاسير في الشاك هو الحق الذى لا يخالطه باطل ولا تشوبه شبهة ثم عقبه بالنهي للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن الامتراء فيما أنزل الله عليه بل يستمر على ما هو عليه من اليقين وانتفاء الشك ويمكن أن يكون هذا النهي له تعريضا لغيره كما في مواطن من الكتاب العزيز
يونس : ( 95 ) ولا تكونن من . . . . .
وهكذا القول في نهيه ( صلى الله عليه وسلم ) عن التكذيب بآيات الله فإن الظاهر فيه التعريض ولا سيما بعد تعقيبه لقوله ) فتكون من الخاسرين ( وفى هذا التعريض من الزجر للممترين والمكذبين ما هو أبلغ وأوقع من النهي لهم أنفسهم لأنه إذا كان بحيث ينهى عنه من لا يتصور صدوره عنه فكيف بمن يمكن منه ذلك
يونس : ( 96 ) إن الذين حقت . . . . .
قوله ) إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ( قد تقدم مثله في هذه السورة والمعنى أنه حق عليهم قضاء الله وقدره بأنهم يصرون على الكفر ويموتون عليه لا يقع منهم الإيمان بحال من الأحوال وإن وقع منهم ما صورته صورة الإيمان كمن يؤمن منهم عند معاينة العذاب فهو في حكم العدم
يونس : ( 97 ) ولو جاءتهم كل . . . . .
) ولو جاءتهم كل آية ( من الآيات التكوينية والتنزيلية فإن ذلك لا ينفعهم لأن الله سبحانه قد طبع على قلوبهم وحق منه القول عليهم ) حتى يروا العذاب الأليم ( فيقع منهم ما صورته صورة الإيمان وليس بإيمان ولا يترتب عليه شيء من أحكامه
يونس : ( 98 ) فلولا كانت قرية . . . . .
قوله ) فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها ( لولا هذه هى التحضيضية التى بمعنى هلا كما قال الأخفش والكسائي وغيرهما ويدل على ذلك ما في مصحف أبي وابن مسعود ? فهلا قرية ? والمعنى فهلا قرية واحدة من هذه القرى التى أهلكناها آمنت إيمانا معتدا به وذلك بأن يكون خالصا لله قبل معاينة عذابه ولم يؤخره كما أخره فرعون والاستثناء بقوله ) إلا قوم يونس ( منقطع وهو استثناء من القرى لأن المراد أهلها والمعنى لكن قوم يونس ) لما آمنوا ( إيمانا معتدا به قبل معاينة العذاب أو عند أول المعاينة قبل حلوله بهم ) كشفنا عنهم عذاب الخزي ( وقد قال بأن هذا الاستثناء منقطع جماعة من الأئمة منهم الكسائي والأخفش والفراء وقيل يجوز أن يكون متصلا والجملة فى معنى النفي كأنه قيل ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس انتصابه على أصل الاستثناء وقرئ بالرفع على البدل وقال الزجاج في توجيه الرفع يكون المعنى غير قوم يونس ولكن حملت إلا عليها وتعذر جعل الإعراب عليها فأعرب الاسم الذى بعدها بإعراب غير
قال ابن جرير خص قوم يونس من بين الأمم بأن تيب عليهم من بعد معاينة العذاب وحكى ذلك عن جماعة من المفسرين وقال الزجاج إنه لم يقع العذاب وإنما رأوا العلامة التى تدل على العذاب ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان وهذا أولى من قول ابن جرير والمراد بعذاب الخزي الذى كشفة الله عنهم وهو العذاب الذى كان قد وعدهم يونس أنه سينزل عليهم ولم يروه أو الذى قد رأوا علاماته دون عينه ) ومتعناهم إلى حين ( أي بعد كشف العذاب عنهم متعهم الله في الدنيا إلى حين معلوم قدره لهم
يونس : ( 99 ) ولو شاء ربك . . . . .
ثم بين سبحانه أن الإيمان وضده كلاهما بمشيئة الله وتقديره فقال ) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم ( بحيث لا يخرج عنهم أحد ) جميعا ( مجتمعين على الإيمان لا يتفرقون فيه ويختلفون ولكنه لم يشأ ذلك لكونه مخالفا للمصلحة التى أرادها الله سبحانه وانتصاب جميعا على الحال كما قال سيبويه قال الأخفش جاء بقوله جميعا بعد كلهم للتأكيد كقوله ) لا تتخذوا إلهين اثنين ( ولما كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حريصا على إيمان جميع الناس أخبره الله بأن ذلك لا يكون لأن مشيئته الجارية على الحكمة البالغة والمصالح الراجحة لا تقتضى ذلك فقال ) أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ( فإن ذلك ليس في وسعك يا محمد ولا داخل تحت قدرتك وفي هذا تسلية له ( صلى الله عليه وسلم ) ودفع لما يضيق به صدره من طلب صلاح الكل الذى لو كان لم يكن صلاحا محققا بل يكون إلى الفساد أقرب ولله الحكمة البالغة
يونس : ( 100 ) وما كان لنفس . . . . .
ثم بين سبحانه ما تقدم بقوله ) وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ( أي ما صح وما استقام لنفس


"""""" صفحة رقم 475 """"""
من الأنفس أن تؤمن بالله إلا بإذنه أي بتسهيله وتيسيره ومشيئته لذلك فلا يقع غير ما يشاؤه كائنا ما كان ) ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ( أي العذاب أو الكفر أو الخذلان الذى هو سبب العذاب وقرأ الحسن وأبو بكر والمفضل ونجعل بالنون وفي الرجس لغتان ضم الراء وكسرها والمراد بالذين لا يعقلون هم الكفار الذين لا يتعقلون حجج الله ولا يتفكرون في آياته ولا يتدبرون فيما نصبه لهم من الأدلة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن قتادة في قوله ) ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ( قال بوأهم الله الشام وبيت المقدس وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال منازل صدق مصر والشام وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ( قال العلم كتاب الله الذى أنزله وأمره الذى أمرهم به وقد ورد في الحديث أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة وهو في السنن والمسانيد والكلام فيه يطول وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله ) فإن كنت في شك ( الآية قال لم يشك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يسأل وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال لا أشك ولا أسأل وهو مرسل وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ( قال التوراة والإنجيل الذين أدركوا محمدا من أهل الكتاب وآمنوا به يقول سلهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ( قال حق عليهم سخط الله بما عصوه
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) فلولا كانت قرية آمنت ( يقول فما كانت قرية آمنت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال لم يكن هذا في الأمم قبل قوم يونس لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين عاينت العذاب إلا قوم يونس فاستثنى الله قوم يونس قال وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل فلما فقدوا نبيهم قذف الله في قلوبهم التوبة فلبسوا المسوح وأخرجوا المواشي وفرقوا بين كل بهيمة وولدها فعجوا إلى الله أربعين صباحا فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف عنهم العذاب بعد ما تدلي عليهم لم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميل وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إن يونس دعا قومه فلما أبوا أن يجيبوه وعدهم العذاب فقال إنه يأتيكم يوم كذا وكذا ثم خرج عنهم وكانت الأنبياء إذا وعدت قومها العذاب خرجت فلما أظلهم العذاب خرجوا ففرقوا بين المرأة وولدها وبين السخلة وولدها وخرجوا يعجون إلى الله وعلم الله منهم الصدق فتاب عليهم وصرف عنهم العذاب وقعد يونس في الطريق يسأل عن الخبر فمر به رجل فقال ما فعل قوم يونس فحدثه بما صنعوا فقال لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم وانطلق مغاضبا يعني مراغما وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال غشى قوم يونس العذاب كما يغشى القبر بالثوب إذا دخل فيه صاحبه ومطرت السماء دما وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن ابن عباس أن العذاب كان هبط على قوم يونس لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل فلما دعوا كشفه الله عنهم وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الجلد قال لما غشى قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له ما ترى قال قولوا يا حي حين لا حي ويا حي محيى


"""""" صفحة رقم 476 """"""
الموتى ويا حي لا إله إلا أنت فقالوا فكشف عنهم العذاب وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ويجعل الرجس ( قال السخط وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال الرجس الشيطان والرجس العذاب
سورة يونس الآية ( 101 109 )
يونس : ( 101 ) قل انظروا ماذا . . . . .
قوله ) قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ( لما بين سبحانه أن الإيمان لا يحصل إلا بمشيئه الله أمر بالنظر والاستدلال بالدلائل السماوية والأرضية والمراد بالنظر التفكر والاعتبار أي قل يا محمد للكفار تفكروا واعتبروا بما في السموات والأرض من المصنوعات الدالة على الصانع ووحدته وكمال قدرته وماذا مبتدأ وخبره في السموات والأرض أو المبتدأ ما وذا بمعنى الذى وفي السموات والأرض صلته والموصول وصلته خبر المبتدأ أي أي شيء الذى في السموات والأرض وعلى التقديرين فالجملة في محل نصب بالفعل الذى قبلها ثم ذكر سبحانه أن التفكر والتدبر في هذه الدلائل لا ينفع في حق من استحكمت شقاوته فقال ) وما تغني الآيات والنذر ( أي ما تنفع على أن ما نافية ويجوز أن تكون استفهامية أي أي شئ ينفع والآيات هى التى عبر عنها بقوله ) ماذا في السماوات والأرض ( والنذر جمع نذير وهم الرسل أو جمع إنذار وهو المصدر ) عن قوم لا يؤمنون ( في علم الله سبحانه والمعنى أن من كان هكذا لا يجدى فيه شيء ولا يدفعه عن الكفر دافع
يونس : ( 102 ) فهل ينتظرون إلا . . . . .
قوله ) فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ( أي فهل ينتظر هؤلاء الكفار المعاصرون لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلا مثل وقائع الله سبحانه بالكفار الذين خلوا من قبل هؤلاء فقد كان الأنبياء المتقدمون


"""""" صفحة رقم 477 """"""
يتوعدون كفار زمانهم بأيام مشتملة على أنواع العذاب وهم يكذبونهم ويصممون على الكفر حتى ينزل الله عليهم عذابه ويحل بهم انتقامه ثم قال ) قل ( يا محمد لهؤلاء الكفار المعاصرين لك ) فانتظروا ( أي تربصوا لوعد ربكم إني معكم من المتربصين لوعد ربي وفي هذا تهديد شديد ووعيد بالغ بأنه سينزل بهؤلاء ما نزل بأولئك من الإهلاك
يونس : ( 103 ) ثم ننجي رسلنا . . . . .
وثم في قوله ) ثم ننجي رسلنا ( للعطف على مقدر يدل عليه ما قبله كأنه قيل أهلكنا الأمم ثم نجينا رسلنا المرسلين إليهم وقرأ يعقوب ثم ) ننجي ( مخففا وقرأ كذلك أيضا في ) حقا علينا ننج المؤمنين ( وروى كذلك عن الكسائي وحفص في الثانية وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان فصيحتان أنجى ينجى إنجاء ونجى ينجى تنجية بمعنى واحد ) والذين آمنوا ( معطوف على رسلنا أي نجيناهم ونجينا الذين آمنوا والتعبير بلفظ الفعل المستقبل لاستحضار صورة الحال الماضية تهويلا لأمرها ) كذلك حقا علينا ( أي حق ذلك علينا حقا أو إنجاء مثل ذلك الانجاء حقا ) ننج المؤمنين ( من عذابنا للكفار والمراد بالمؤمنين الجنس فيدخل في ذلك الرسل وأتباعهم أو يكون خاصا بالمؤمنين وهم أتباع الرسل لأن الرسل داخلون في ذلك بالأولى
يونس : ( 104 ) قل يا أيها . . . . .
قوله ) قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني ( أمر سبحانه رسوله بأن يظهر التباين بين طريقته وطريقة المشركين مخاطبا لجميع الناس أو للكفار منهم أو لأهل مكة على الخصوص بقوله إن كنتم في شك من ديني الذى أنا عليه وهو عبادة الله وحده لا شريك له ولم تعلموا بحقيقته ولا عرفتم صحته وأنه الدين الحق الذى لا دين غيره فاعلموا أني بريء من أديانكم التى أنتم عليها ) فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ( في حال من الأحوال ) ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ( أي أخصه بالعبادة لا أعبد غيره من معبوداتكم من الأصنام وغيرها وخص صفة المتوفى من بين الصفات لما في ذلك من التهديد لهم أي أعبد الله الذى يتوفاكم فيفعل بكم ما يفعل من العذاب الشديد ولكونه يدل على الخلق أولا وعلى الإعادة ثانيا ولكونه أشد الأحوال مهابة في القلوب ولكونه قد تقدم ذكر الإهلاك والوقائع النازلة بالكفار من الأمم السابقة فكأنه قال أعبد الله الذى وعدني بإهلاككم ولما ذكر أنه لا يعبد إلا الله بين أنه مأمور بالإيمان فقال ) وأمرت أن أكون من المؤمنين ( أي بأن أكون من جنس من آمن بالله وأخلص له الدين
يونس : ( 105 ) وأن أقم وجهك . . . . .
وجملة ) وأن أقم وجهك للدين ( معطوفة على جملة ) أن أكون من المؤمنين ( ولا يمنع من ذلك كون المعطوف بصيغة الأمر لأن المقصود من ) إن ( الدلالة على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والإنشائية أو يكون المعطوف عليه في معنى الإنشاء كأنه قيل كن مؤمنا ثم أقم والمعنى أن الله سبحانه أمره بالاستقامة في الدين والثبات فيه وعدم التزلزل عنه بحال من الأحوال وخص الوجه لأنه أشرف الأعضاء أو أمره باستقبال القبلة في الصلاة وعدم التحول عنها وحنيفا حال من الدين أو من الوجه أي مائلا عن كل دين من الأديان إلى دين الإسلام ثم أكد الأمر المتقدم للنهي عن ضده فقال ) ولا تكونن من المشركين ( وهو معطوف على أقم وهو من باب التعريض لغيره ( صلى الله عليه وسلم )
يونس : ( 106 ) ولا تدع من . . . . .
قوله ) ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ( معطوف على ) قل يا أيها الناس ( غير داخل تحت الأمر وقيل معطوف على ) ولا تكونن ( أي لا تدع من دون الله على حال من الأحوال ما لا ينفعك ولا يضرك بشئ من النفع والضر إن دعوته ودعاء من كان هكذا لا يجلب نفعا ولا يقدر على ضر ضائع لا يفعله عاقل على تقدير أنه لا يوجد من يقدر على النفع والضر غيره فيكف إذا كان موجودا فإن العدول عن دعاء القادر إلى دعاء غير القادر أقبح وأقبح ) فإن فعلت ( أي فإن دعوت ولكنه كنى عن القول بالفعل ) فإنك إذا من الظالمين ( هذا جزاء الشرط أي فإن دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإنك في عداد الظالمين لأنفسهم والمقصود من هذا الخطاب التعريض بغيره ( صلى الله عليه وسلم )
يونس : ( 107 ) وإن يمسسك الله . . . . .
وجملة ) وإن يمسسك الله بضر (


"""""" صفحة رقم 478 """"""
إلى آخرها مقررة لمضمون ما قبلها والمعنى أن الله سبحانه هو الضار النافع فإن أنزل بعبده ضرا لم يستطع أحد أن يكشفه كائنا من كان بل هو المختص بكشفه كما اختص بإنزاله ) وإن يردك بخير ( أي خير كان لم يستطع أحد أن يدفعه عنك ويحول بينك وبينه كائنا من كان وعبر بالفضل مكان الخير للإرشاد إلى أنه يتفضل على عباده بما لا يستحقونه بأعمالهم قال الواحدي إن قوله ) وإن يردك بخير ( هو من القلب وأصله وإن يرد بك الخير ولكن لما تعلق كل واحد منهما بالآخر جاز أن يكون كل واحد منهما مكان الآخر قال النيسابوري وفي تخصيص الإرادة بجانب الخير والمس بجانب الشر دليل على أن الخير يصدر عنه سبحانه بالذات والشر بالعرض قلت وفي هذا نظر فإن المس هو أمر وراء الإرادة فهو مستلزم لها والضمير في يصيب به راجع إلى فضله أي يصيب بفضله من يشاء من عباده وجملة ) وهو الغفور الرحيم ( تذييلية
يونس : ( 108 ) قل يا أيها . . . . .
ثم ختم هذه السورة بما يستدل به على قضائه وقدره فقال ) قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم ( أي القرآن ) فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ( أي منفعة اهتدائه مختصة به وضرر كفره مقصور عليه لا يتعداه
وليس لله حاجة في شيء من ذلك ولا غرض يعود إليه ) وما أنا عليكم بوكيل ( أي بحفيظ يحفظ أموركم وتوكل إليه إنما أنا بشير ونذير
يونس : ( 109 ) واتبع ما يوحى . . . . .
ثم أمره الله سبحانه أن يتبع ما أوحاه إليه من الأوامر والنواهي التى يشرعها الله له ولأمته ثم أمره بالصبر على أذى الكفار وما يلاقيه من مشاق التبليغ وما يعانيه من تلون أخلاق المشركين وتعجرفهم
وجعل ذلك الصبر ممتدا إلى غاية هى قوله ) حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ( أي يحكم الله بينه وبينهم في الدنيا بالنصر له عليهم وفي الآخرة بعذابهم بالنار وهم يشاهدونه ( صلى الله عليه وسلم ) هو وأمته المتبعون له المؤمنون به العاملون بما يأمرهم به المنتهون عما ينهاهم عنه يتقلبون في نعيم الجنة الذى لا ينفد ولا يمكن وصفه ولا يوقف على أدنى مزاياه
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وما تغني الآيات والنذر عن قوم ( عند قوم ) لا يؤمنون ( نسخت قوله ) حكمة بالغة فما تغن النذر ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم ( قال وقائع الله في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في الآية قال خوفهم عذابه ونقمته وعقوبته ثم أخبرهم أنه إذا وقع من ذلك أمر نجى الله رسله والذين آمنوا فقال ) ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا ( الآية وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وإن يردك بخير ( يقول بعافية وأخرج البيهقي في الشعب عن عامر بن قيس قال ثلاث آيات في كتاب الله اكتفيت بهن عن جميع الخلائق أولهن ) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله ( والثانية ) ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له ( والثالثة ) وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ( وأخرج أبو الشيخ عن الحسن نحوه وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فلا راد لفضله ( قال هو الحق المذكور في قوله ) قد جاءكم الحق من ربكم ( وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله ) واصبر حتى يحكم الله ( قال هذا منسوخ أمره بجهادهم والغلظة عليهم


"""""" صفحة رقم 479 """"""
S11
تفسير
سورة هود
حول السورة
هى مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر قال ابن عباس وقتادة إلا آية وهى قوله ) وأقم الصلاة طرفي النهار ( وأخرج النحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال نزلت سورة هود بمكة وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله وأخرج الدارمي وأبو داود في مراسيله وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر والبيهقي في الشعب عن كعب قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اقرءوا هود يوم الجمعة وأخرج ابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر من طريق مسروق عن أبي بكر الصديق قال قلت يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب فقال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وأخرج البزار وابن مردويه من طريق أنس عنه مرفوعا بلفظ قلت يا رسول الله عجل إليك الشيب قال شيبتني هود وأخواتها والواقعة والحاقة وعم يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية وأخرجه سعيد بن منصور وابن مردويه عن أنس قال قال أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقد عجل إليك الشيب فقال شيبتني هود وأخواتها من المفصل وأخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور من طريق عكرمة عن ابن عباس قال قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت قال شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وأخرج ابن عساكر من طريق عطاء عنه أن الصحابة قالوا يا رسول الله لقد أسرع إليك الشيب قال أجل شيبتني هود وأخواتها قال عطاء أخواتها اقتربت الساعة والمرسلات وإذا الشمس كروت وأخرج البيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال قال عمر بن الخطاب يا رسول الله أسرع إليك الشيب قال شيبتني هود وأخواتها الواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت وأخرج الطبراني وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) شيبتني هود وأخواتها الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت وأخرجا أيضا عن ابن مسعود أن أبا بكر قال يا رسول الله ما شيبك قال هود والواقعة وفي إسناده عمرو بن ثابت وهو متروك وأخرج الطبراني وابن مردويه بسند صحيح عن عقبة بن عامر أن رجلا قال يا رسول الله قد شبت قال شيبتني هود وإذا الشمس كورت وأخواتها وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو يعلي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر عن أبي جحيفة قال قالوا يا رسول الله نراك قد شبت قال شيبتي هود وأخواتها وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عمران بن حصين أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال له أصحابه قد أسرع إليك الشيب قال شيبتني هود وأخواتها من المفصل وأخرج ابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال شيبتني هود وأخواتها وما فعل بالأمم قبل
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة هود الآية ( 1 2 )


"""""" صفحة رقم 480 """"""
سورة هود الآية ( 3 8 )
هود : ( 1 ) الر كتاب أحكمت . . . . .
قوله ) الر ( إن كان مسرودا على سبيل التعديد كما في سائر فواتح السور فلا محل له وإن كان اسما للسورة فهو في محل رفع على أنه مبتدأ خبره ما بعده أو خبر مبتدأ محذوف و ) كتاب ( يكون على هذا الوجه خبرا لمبتدأ محذوف أي هذا كتاب وكذا على تقدير أن ) الر ( لا محل له ويجوز أن يكون ) الر ( في محل نصب بتقدير فعل يناسب المقام نحو اذكر أو اقرأ فيكون كتاب على هذا الوجه خبر مبتدأ محذوف والإشارة في المبتدأ المقدر إما إلى بعض القرآن أو إلى مجموع القرآن ومعنى ) أحكمت آياته ( صارت محكمة متقنة لا نقص فيها ولا نقض لها كالبناء المحكم وقيل معناه إنها لم تنسخ بخلاف التوراة والإنجيل وعلى هذا فيكون هذا الوصف للكتاب باعتبار الغالب وهو المحكم الذى لم ينسخ وقيل معناه أحكمت آياته بالأمر والنهي ثم فصلت بالوعد والوعيد والثواب والعقاب وقيل أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بالحلال والحرام وقيل أحكمت جملته ثم فصلت آياته وقيل جمعت في اللوح المحفوظ ثم فصلت بالوحي وقيل أيدت بالحجج القاطعة الدالة على كونها من عند الله وقيل معنى إحكامها أن لا فساد فيها أخذا من قولهم أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح و ) ثم فصلت ( معطوف على أحكمت ومعناه ما تقدم والتراخي المستفاد من ثم إما زماني إن فسر التفصيل بالتنجيم على حسب المصالح وإما رتبي إن فسر بغيره مما تقدم والجمل في محل رفع على أنها صفة لكتاب أو خبر آخر للمبتدإ أو خبر لمبتدإ محذوف وفي قوله ) من لدن حكيم خبير ( لف ونشر لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها خبير عالم بمواقع الأمور
هود : ( 2 ) ألا تعبدوا إلا . . . . .
قوله ) ألا تعبدوا إلا الله ( مفعول له حذف منه اللام كذا في الكشاف وفيه أنه ليس بفعل لفاعل المعلل وقيل أن هى المفسرة لما في التفصيل من معنى القول وقيل هو كلام مبتدأ منقطع عما قبله محكيا على لسان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال الكسائي والفراء التقدير أحكمت بأن لا تعبدوا إلا الله وقال الزجاج أحكمت ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله ثم أخبرهم رسول الله


"""""" صفحة رقم 481 """"""
( صلى الله عليه وسلم ) بأنه نذير وبشير فقال ) إنني لكم منه نذير وبشير ( أي ينذرهم ويخوفهم من عذابه لمن عصاه ويبشرهم بالجنة والرضوان لمن أطاعه والضمير في منه راجع إلى الله سبحانه أي إنني لكم نذير وبشير من جهة الله سبحانه وقيل هو من كلام الله سبحانه كقوله ) ويحذركم الله نفسه )
هود : ( 3 ) وأن استغفروا ربكم . . . . .
قوله ) وأن استغفروا ربكم ( معطوف على ألا تعبدوا والكلام في أن هذه كالكلام في التى قبلها وقوله ) ثم توبوا إليه ( معطوف على استغفروا وقدم الإرشاد إلى الاستغفار على التوبة لكونه وسيلة إليها وقيل إن التوبة من متممات الاستغفار وقيل معنى استغفروا توبوا ومعنى توبوا أخلصوا التوبة واستقيموا عليها وقيل استغفروا من سالف الذنوب ثم توبوا من لاحقها وقيل استغفروا من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة قال الفراء ثم هاهنا بمعنى الواو أي وتوبوا إليه لأن الاستغفار هو التوبة والتوبة هى الاستغفار وقيل إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هى الغرض المطلوب والتوبة هى السبب إليها وما كان آخرا في الحصول كان أولا في الطلب وقيل استغفروا في الصغائر وتوبوا إليه في الكبائر ثم رتب على ما تقدم أمرين الأول ) يمتعكم متاعا حسنا ( أصل الإمتاع الإطالة ومنه أمتع الله بك فمعنى الآية بطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية من سعة الرزق ورغد العيش ) إلى أجل مسمى ( إلى وقت مقدر عند الله وهو الموت وقيل القيامة وقيل دخول الجنة والأول أولى والأمر الثاني قوله ) ويؤت كل ذي فضل فضله ( أي يعط كل ذي فضل في الطاعة والعمل فضله أي جزاء فضله إما في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما جميعا والضمير في فضله راجع إلى كل ذي فضل وقيل راجع إلى الله سبحانه على معنى أن الله يعطي كل من فضلت حسناته فضله الذى يتفضل به على عباده ثم توعدهم على مخالفة الأمر فقال ) وإن تولوا ( أي تتولوا وتعرضوا عن الإخلاص في العبادة والاستغفار والتوبة ) فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ( وهو يوم القيامة ووصفه بالكبر لما فيه من الأهوال وقيل اليوم الكبير يوم بدر
هود : ( 4 ) إلى الله مرجعكم . . . . .
ثم بين سبحانه عذاب اليوم الكبير بقوله ) إلى الله مرجعكم ( أي رجوعكم إليه بالموت ثم البعث ثم الجزاء لا إلى غيره ) وهو على كل شيء قدير ( ومن جملة ذلك عذابكم على عدم الامتثال وهذه الجملة مقررة لما قبلها
هود : ( 5 ) ألا إنهم يثنون . . . . .
ثم أخبر الله سبحانه بأن هذا الإنذار والتحذير والتوعد لم ينجع فيهم ولا لانت له قلوبهم بل هم مصرون على العناد مصممون على الكفر فقال مصدرا لهذا الإخبار بكلمة التنبيه الدالة على التعجب من حالهم وأنه أمر ينبغي أن يتنبه له العقلاء ويفهموه ) ألا إنهم يثنون صدورهم ( يقال ثنى صدره عن الشيء إذا ازور عنه وانحرف منه فيكون في الكلام كناية عن الإعراض لأن من أعرض عن الشيء ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه وقيل معناه يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والإعراض عن الحق فيكون في الكلام كناية عن الإخفاء لما يعتقدونه من الكفر كما كان دأب المنافقين والوجه الثاني أولى ويؤيده قوله ) ليستخفوا منه ( أي ليستخفوا من الله فلا يطلع عليه رسوله والمؤمنين أو ليستخفوا من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثم كرر كلمة التنبيه مبينا للوقت الذى يثنون فيه صدورهم فقال ) ألا حين يستغشون ثيابهم ( أي يستخفون في وقت استغشاء الثياب وهو التغطي بها وقد كانوا يقولون إذا أغلقنا أبوابنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا وقيل معنى حين يستغشون حين يأوون إلى فراشهم ويتدثرون بثيابهم وقيل إنه حقيقة وذلك أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه لئلا يسمع كلام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وجملة ) يعلم ما يسرون وما يعلنون ( مستأنفة لبيان أنه لا فائدة لهم في الاستخفاء لأن الله سبحانه يعلم ما يسرونه في أنفسهم أو في ذات بينهم وما يظهرونه فالظاهر والباطن عنده سواء والسر والجهر سيان وجملة ) إنه عليم بذات الصدور ( تعليل لما قبلها وتقرير له


"""""" صفحة رقم 482 """"""
وذات الصدور هى الضمائر التى تشتمل عليها الصدور وقيل هى القلوب
هود : ( 6 ) وما من دابة . . . . .
والمعنى إنه عليم بجميع الضمائر أو عليم بالقلوب وأحوالها في الإسرار والإظهار فلا يخفى عليه شئ من ذلك ثم أكد كونه عالما بكل المعلومات بما فيه غاية الامتنان ونهاية الإحسان فقال ) وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ( أي الرزق الذى تحتاج إليه من الغذاء اللائق بالحيوان على اختلاف أنواعه تفضلا منه وإحسانا وإنما جيء به على طريق الوجوب كما تشعر به كلمة ) على ( اعتبارا بسبق الوعد به منه ومن زائدة للتأكيد ووجه اتصال هذا الكلام بما قبله أن الله سبحانه لما كان لا يغفل عن كل حيوان باعتبار ما قسمه له من الرزق فكيف يغفل عن أحواله وأقواله وأفعاله والدابة كل حيوان يدب ) ويعلم مستقرها ( أي محل استقرارها في الأرض أو محل قرارها في الأصلاب ) ومستودعها ( موضعها في الأرحام وما يجري مجراها كالبيضة ونحوها وقال الفراء مستقرها حيث تأوى إليه ليلا ونهارا ومستودعها موضعها الذى تموت فيه وقد مر تمام الأقوال في سورة الأنعام ووجه تقدم المستقر على المستودع على قول الفراء ظاهر وأما على القول الأول فلعل وجه ذلك أن المستقر أنسب باعتبار ما هى عليه حال كونها دابة والمعنى وما من دابة في الأرض إلا يرزقها الله حيث كانت من أماكنها بعد كونها دابة وقبل كونها دابة وذلك حيث تكون في الرحم ونحوه ثم ختم الآية بقوله ) كل في كتاب مبين ( أي كل من ما تقدم ذكره من الدواب ومستقرها ومستودعها ورزقها في كتاب مبين وهو اللوح المحفوظ أي مثبت فيه
هود : ( 7 ) وهو الذي خلق . . . . .
ثم أكد دلائل قدرته بالتعرض لذكر خلق السموات والأرض وكيف كان الحال قبل خلقها فقال ) وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ( قد تقدم بيان هذا في الأعراف قيل والمراد بالأيام الأوقات أي في ستة أوقات كما في قوله ) ومن يولهم يومئذ دبره ( وقيل مقدار ستة أيام ولا يستقيم أن يكون المراد بالأيام هنا الأيام هنا الأيام المعروفة وهى المقابلة لليالي لأنه لم يكن حينئذ لا أرض ولا سماء وليس اليوم إلا عبارة عن مدة كون الشمس فوق الأرض وكان خلق السموات في يومين والأرضين في يومين وما عليهما من أنواع الحيوان والنبات والجماد في يومين كما سيأتي في حم السجدة قوله ) وكان عرشه على الماء ( أي كان قبل خلقهما عرشه على الماء وفيه بيان تقدم خلق العرش والماء على السموات والأرضين قوله ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( اللام متعلقة بخلق أي خلق هذه المخلوقات ليبتلي عباده بالاعتبار والتفكر والاستدلال على كمال قدرته وعلى البعث والجزاء أيهم أحسن عملا فيما أمر به ونهى عنه فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ويوفر الجزاء لمن كان أحسن عملا من غيره ويدخل في العمل الإعتقاد لأنه من أعمال القلب وقيل المراد بالأحسن عملا الأتم عقلا وقيل الأزهد في الدنيا وقيل الأكثر شكرا وقيل الأتقى لله قوله ) ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ( ثم لما كان الابتلاء يتضمن حديث البعث أتبع ذلك بذكره والمعنى لئن قلت لهم يا محمد على ما توجبه قضية الابتلاء إنكم مبعوثون من بعد الموت فيجازى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ليقولن الذين كفروا من الناس إن هذا الذى تقوله يا محمد إلا باطل كبطلان السحر وخدع كخدعه ويجوز أن تكون الإشارة بهذا إلى القرآن لأنه المشتمل على الإخبار بالبعث وقرأ حمزة والكسائي ? إن هذا إلا ساحر ? يعنون النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وكسرت إن من قوله ) إنكم ( لأنها بعد القول وحكى سيبويه الفتح على تضمين قلت معنى ذكرت أو على أن بمعنى عل أي ولئن قلت لعلكم مبعوثون على أن الرجاء باعتبار حال المخاطبين أي توقعوا ذلك ولا تبتوا القول بإنكاره
هود : ( 8 ) ولئن أخرنا عنهم . . . . .
) ولئن أخرنا عنهم العذاب ( أي الذى تقدم ذكره في قوله ) عذاب يوم كبير ( وقيل عذاب يوم القيامة وما بعده وقيل يوم بدر ) إلى أمة معدودة ( أي إلى طائفة من الأيام قليلة لأن ما يحصره العد قليل


"""""" صفحة رقم 483 """"""
والأمة اشتقاقها من الأم وهو القصد وأراد بها الوقت المقصود لإيقاع العذاب وقيل هى في الأصل الجماعة من الناس وقد يسمى الحين باسم ما يحصل فيه كقولك كنت عند فلان صلاة العصر أي في ذلك الحين فالمراد على هذا إلى حين تنقضي أمة معدودة من الناس ) ليقولن ما يحبسه ( أي أي شيء يمنعه من النزول استعجالا له على جهة الاستهزاء والتكذيب فأجابهم الله بقوله ) ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم ( أي ليس محبوسا عنهم بل واقع بهم لا محالة ويوم منصوب بمصروفا ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( أي أحاط بهم العذاب الذى كانوا يستعجلونه استهزاء منهم ووضع يستهزءون مكان يستعجلون لأن استعجالهم كان استهزاء منهم وعبر بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه فكأنه قد حاق بهم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قرأ ) الر كتاب أحكمت آياته ( قال هى كلها محكمة يعني سورة هود ) ثم فصلت ( قال ثم ذكر محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) فحكم فيها بينه وبين من خالفه وقرأ مثل الفريقين الآية كلها ثم ذكر قوم نوح ثم هود فكان هذا تفصيل ذلك وكان أوله محكما قال وكان أبي يقول ذلك يعني زيد بن أسلم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله ) كتاب أحكمت آياته ( قال أحكمت بالأمر والنهي وفصلت بالوعد والوعيد وأخرج هؤلاء عن مجاهد ) فصلت ( قال فسرت وأخرج هؤلاء أيضا عن قتادة في الآية قال أحكمها الله من الباطل ثم فصلها بعلمه فبين حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته وفي قوله ) من لدن حكيم ( يعني من عند حكيم وفي قوله ) يمتعكم متاعا حسنا ( قال فأنتم في ذلك المتاع فخذوه بطاعة الله ومعرفة حقه فإن الله منعم يحب الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله وذلك قضاؤه الذى قضاء وفي قوله ) إلى أجل مسمى ( يعني الموت وفي قوله ) ويؤت كل ذي فضل فضله ( أي في الآخرة وأخرج هؤلاء أيضا عن مجاهد في قوله يؤت كل ذي فضل فضله أي في الآخرة وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال يؤت كل ذي فضل في الإسلام فضل الدرجات في الآخرة وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله ) ويؤت كل ذي فضل فضله ( قال من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التى عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ثم يقول هلك من غلب آحاده أعشاره وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله ) ألا إنهم يثنون صدورهم ( الآية قال كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم قال البخاري وعن ابن عباس ) يستغشون ( يغطون رءوسهم وروى البخاري أيضا عن ابن عباس في تفسير هذه الآية يعني به الشك في الله وعمل السيئات وكذا روى عن مجاهد والحسن وغيرهما أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئا أو عملوه فيظنون أنهم يستخفون من الله بذلك فأعلمهم سبحانه أنه حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل ) يعلم ما يسرون ( من القول ) وما يعلنون ( وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن شداد بن الهاد في قوله ) ألا إنهم يثنون صدورهم ( قال كان المنافقون إذا مر أحدهم بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثنى صدره وتغشى ثوبه لكيلا يراه فنزلت وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله ) ألا حين يستغشون ثيابهم ( قال في ظلمة الليل في أجواف بيوتهم وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رزين في الآية قال كان أحدهم يحني ظهره ويستغشى بثوبه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال كانوا يخبون صدورهم لكيلا يسمعوا كتاب الله قال تعالى ) ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون (


"""""" صفحة رقم 484 """"""
وذلك أخفى ما يكون ابن آدم إذا أحنى ظهره واستغشى بثوبه وأضمر همه في نفسه فإن الله لا يخفى عليه ذلك وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في الآية يكتمون ما في قلوبهم ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما عملوا بالليل والنهار وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وما من دابة ( الآية قال يعني كل دابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وما من دابة ( الآية قال يعني ما جاءها من رزق فمن الله وربما لم يرزقها حتى تموت جوعا ولكن ما كان لها من رزق لها فمن الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ويعلم مستقرها ( قال حيث تأوي ومستودعها قال حيث تموت وأخرج ابن أبي حاتم عنه ) ويعلم مستقرها ( قال يأتيها رزقها حيث كانت وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال مستقرها في الأرحام ومستودعها حيث تموت ويؤيد هذا التفسير الذى ذكره ابن مسعود ما أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال إذا كان أجل أحدكم بأرض أتيحت له إليها حاجة حتى إذا بلغ أقصى أثره منها فيقبض فتقول الأرض يوم القيامة هذا ما استودعتني وأخرج عبد الرزاق في المصنف والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه سئل عن قوله ) وكان عرشه على الماء ( على أي شيء كان الماء قال على متن الريح وقد وردت أحاديث كثيرة في صفة العرش وفي كيفية خلق السموات والأرض ليس هذا موضع ذكرها وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في التاريخ وابن مردويه عن ابن عمر قال تلا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الآية ) ليبلوكم أيكم أحسن عملا ( فقال ما معنى ذلك يا رسول الله قال ليبلوكم أيكم أحسن عقلا ثم قال وأحسنكم عقلا أورعكم عن محارم الله وأعملكم بطاعة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال إنكم أتم عقلا وأخرج أيضا عن سفيان قال أزهدكم في الدنيا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال لما نزلت ) اقترب للناس حسابهم ( قال ناس إن الساعة قد اقتربت فتناهوا فتناهى القوم قليلا ثم عادوا إلى أعمالهم أعمال السوء فأنزل الله ) أتى أمر الله فلا تستعجلوه ( فقال ناس من أهل الضلال هذا أمر الله قد أتى فتناهى القوم ثم عادوا إلى مكرهم مكر السوء فأنزل الله هذه الآية ) ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله ) إلى أمة معدودة ( قال إلى أجل معدود وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) ليقولن ما يحبسه ( يعني أهل النفاق وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ( يقول وقع بهم العذاب الذى استهزءوا به
سورة هود الآية ( 9 11 )


"""""" صفحة رقم 485 """"""
سورة هود الآية ( 12 17 )
هود : ( 9 ) ولئن أذقنا الإنسان . . . . .
اللام في ) ولئن أذقنا الإنسان ( هى الموطئة للقسم والإنسان الجنس فيشمل المؤمن والكافر ويدل على ذلك الاستثناء بقوله ) إلا الذين صبروا ( وقيل المراد جنس الكفار ويؤيده أن اليأس والكفران والفرح والفخر هى أوصاف أهل الكفر لا أهل الإسلام في الغالب وقيل المراد بالإنسان الوليد بن المغيرة وقيل عبد الله بن أمية المخزومي والمراد بالرحمة هنا النعمة من توفير الرزق والصحة والسلامة من المحن ) ثم نزعناها منه ( أن سلبناه إياها ) إنه ليؤوس ( أي آيس من الرحمة شديد القنوط من عودها وأمثالها والكفور عظيم الكفران وهو الجحود بها قاله ابن الأعرابي وفي إيراد صيغتي المبالغة في ) ليؤوس كفور ( ما يدل على أن الإنسان كثير اليأس وكثير الجحد عند أن يسلبه الله بعض نعمه فلا يرجو عودها ولا يشكر ما قد سلف له منها وفي التعبير بالذوق ما يدل على أنه يكون منه ذلك عند سلب أدنى نعمة ينعم الله بها عليه لأن الإذاقة والذوق أقل ما يوجد به الطعم
هود : ( 10 ) ولئن أذقناه نعماء . . . . .
والنعماء إنعام يظهر أثره على صاحبه والضراء ظهور أثر الإضرار على من أصيب به والمعنى أنه إن أذاق الله سبحانه العبد نعماءه من الصحة والسلامة والغني بعد أن كان في ضر من فقر أو مرض أو خوف لم يقابل ذلك بما يليق به من الشكر لله سبحانه بل يقول ذهب السيئات أي المصائب التى ساءته من الضر والفقر والخوف والمرض عنه وزال أثرها غير شاكر لله ولا مثن عليه بنعمه ) إنه لفرح فخور ( أي كثير الفرح بطرا وأشرا كثير الفخر على الناس والتطاول عليهم بما يتفضل الله به عليه من النعم وفي التعبير عن ملابسة الضر له بالمس مناسبة للتعبير في جانب النعماء بالإذاقة فإن كلاهما لأدنى ما يطلق عليه اسم الملاقاة كما تقدم
هود : ( 11 ) إلا الذين صبروا . . . . .
) إلا الذين صبروا ( فإن عادتهم الصبر عند نزول المحن والشكر عند حصول المنن قال الأخفش هو استثناء ليس من الأول أي ولكن الذين صبروا وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة وقال الفراء هو استثناء من لئن أذقناه أي من الإنسان فإن الإنسان بمعنى الناس والناس يشمل الكافر والمؤمن فهو استثناء متصل والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى الموصول باعتبار اتصافه بالصبر وعمل الصالحات ) لهم مغفرة ( لذنوبهم ) وأجر ( يؤجرون به لأعمالهم الحسنة ) كبير ( متناه في الكبر
هود : ( 12 ) فلعلك تارك بعض . . . . .
ثم سلى الله سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك (


"""""" صفحة رقم 486 """"""
أي فلعلك لعظم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب واقتراح الآيات التى يقترحونها عليه على حسب هواهم وتعنتهم تارك بعض ما يوحى إليك مما أنزله الله عليك وأمرك بتبليغه مما يشق عليهم سماعه أو يستشقون العمل به كسب آلهتهم وأمرهم بالإيمان بالله وحده قيل وهذا الكلام خارج مخرج الاستفهام أي هل أنت تارك وقيل هو في معنى النفي مع الاستبعاد أي لا يكون منك ذلك بل تبلغهم جميع ما أنزل الله عليك أحبوا ذلك أم كرهوه شاءوا أم أبوا ) وضائق به صدرك ( معطوف على تارك والضمير في به راجع إلى ما أو إلى بعض وعبر بضائق دون ضيق لأن اسم الفاعل فيه معنى الحدوث والعروض والصفة المشبهة فيها معنى اللزوم ) أن يقولوا ( أي كراهة أن يقولوا أو مخافة أن يقولوا أو لئلا يقولوا ) لولا أنزل عليه كنز ( أي هلا أنزل عليه كنز أي مال مكنوز مخزون ينتفع به ) أو جاء معه ملك ( يصدقه ويبين لنا صحة رسالته ثم بين سبحانه أن حاله ( صلى الله عليه وسلم ) مقصور على النذارة فقال ) إنما أنت نذير ( ليس عليك إلا الإنذار بما أوحى إليك وليس عليك حصول مطلوبهم وإيجاد مقترحاتهم ) والله على كل شيء وكيل ( يحفظ ما يقولون وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل
هود : ( 13 ) أم يقولون افتراه . . . . .
قوله ) أم يقولون افتراه ( أم هى المنقطعة التى بمعنى بل والهمزة وأضرب عما تقدم من تهاونهم بالوحي وعدم قنوعهم بما جاء به من المعجزات الظاهرة وشرع في ذكر ارتكابهم لما هو أشد من ذلك وهو افتراؤهم عليه بأنه افتراه والاستفهام للتوبيخ والتقريع والضمير المستتر في افتراه للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والبارز إلى ما يوحى ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عليهم بما يقطعهم ويبين كذبهم ويظهر به عجزهم فقال ) قل فأتوا بعشر سور مثله ( أي مماثلة له في البلاغة وحسن النظم وجزالة اللفظ وفخامة المعاني ووصف السور بما يوصف به المفرد فقال مثله ولم يقل أمثاله لأن المراد مماثلة كل واحد من السور أو لقصد الإيماء إلى وجه الشبه ومداره المماثلة في شيء واحد وهو البلاغة البالغة إلى حد الإعجاز وهذا إنما هو على القول بأن المطابقة في الجمع والتثنية والإفراد شرط ثم وصف السور بصفة أخرى فقال ) مفتريات وادعوا ( للاستظهار على المعارضة بالعشر السور ) من استطعتم ( دعاءه وقدرتم على الاستعانة به من هذا النوع الإنساني وممن تعبدونه وتجعلونه شريكا لله سبحانه قوله ) من دون الله ( متعلق بادعوا أي ادعوا من استطعتم متجاوزين الله تعالى ) إن كنتم صادقين ( فيما تزعمون من افترائي له
هود : ( 14 ) فإن لم يستجيبوا . . . . .
) فإن لم يستجيبوا لكم ( أي فإن لم يفعلوا ما طلبته منهم وتحديتهم به من الإتيان بعشر سور مثله ولا استجابوا إلى المعارضة المطلوبة منهم ويكون الضمير في لكم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين أو للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده وجمع تعظيما وتفخيما ) فاعلموا ( أمر لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وللمؤمنين أو للرسول وحده على التأويل الذى سلف قريبا ومعنى أمرهم بالعلم أمرهم بالثبات عليه لأنهم عالمون بذلك من قبل عجز الكفار عن الإتيان بعشر سور مثله أو المراد بالأمر بالعلم الأمر بالازدياد منه إلى حد لا يشوبه شك ولا تخالطه شبهة وهو علم اليقين والأول أولى ومعنى ) أنما أنزل بعلم الله ( أنه أنزل متلبسا بعلم الله المختص به الذى لا تطلع على كنهه العقول ولا تستوضح معناه الأفهام لما اشتمل عليه من الإعجاز الخارج عن طوق البشر ) وأن لا إله إلا هو ( أي واعلموا أن الله هو المتفرد بالألوهية لا شريك له ولا يقدر غيره على ما يقدر عليه ثم ختم الآية بقوله ) فهل أنتم مسلمون ( أي ثابتون على الإسلام مخلصون له مزدادون من الطاعات لأنه قد حصل لكم بعجز الكفار عن الإتيان بمثل عشر سور من هذا الكتاب طمأنينة فوق ما كنتم عليه وبصيرة زائدة وإن كنتم مسلمين من قبل هذا فإن الثبوت عليه وزيادة البصيرة فيه والطمأنينة به مطلوب منكم وقيل إن الضمير في ) فإن لم يستجيبوا ( للموصول في من استطعتم وضمير لكم للكفار الذين تحداهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وكذلك ضمير فاعلموا والمعنى فإن


"""""" صفحة رقم 487 """"""
لم يستجب لكم من دعوتموهم للمعاضدة والمناصرة على الإتيان بعشر سور من سائر الكفار ومن يعبدونهم ويزعمون أنهم يضرون وينفعون فاعلموا أن هذا القرآن الذى أنزله الله على هذا الرسول خارج عن قدرة غيره سبحانه وتعالى لما اشتمل عليه من الإعجاز الذى تتقاصر دونه قوة المخلوقين وأنه أنزل بعلم الله الذى لا تحيط به العقول ولا تبلغه الأفهام واعلموا أنه المنفرد بالألوهية لا شريك له فهل أنتم بعد هذا مسلمون أي داخلون في الإسلام متبعون لأحكامه مقتدون بشرائعه وهذا الوجه أقوى من الوجه الأول من جهة وأضعف منه من جهة فأما جهة قوته فلا نتساق الضمائر وتناسبها وعدم احتياج بعضها إلى تأويل وأما ضعفه فلما في ترتيب الأمر بالعلم على عدم الاستجابة ممن دعوهم واستعانوا بهم من الخفاء واحتياجه إلى تكلف وهو أن يقال إن عدم استجابة من دعوهم واستعانوا بهم من الكفار والآلهة مع حرصهم على نصرهم ومعاضدتهم ومبالغتهم في عدم إيمانهم واستمرارهم على الكفر يقيد حصول العلم لهؤلاء الكفار بأن هذا القرآن من عند الله وأن الله سبحانه هو الإله وحده لا شريك له وذلك يوجب دخولهم في الإسلام واعلم أنه قد اختلف التجدي للكفار بمعارضة القرآن فتارة وقع بمجموع القرآن كقوله ) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ( وبعشر سور كما في هذه الآية وذلك لأن العشرة أول عقد من العقود وبسورة منه كما تقدم وذلك لأن السورة أقل طائفة منه
هود : ( 15 ) من كان يريد . . . . .
ثم إن الله سبحانه توعد من كان مقصور الهمة على الدنيا لا يطلب غيرها ولا يريد سواها فقال ) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها ( قال الفراء إن كان هذه زائدة ولهذا جزم الجواب وقال الزجاج ) من كان ( في موضع جزم بالشرط وجوابه نوف إليهم أي من يكن يريد
واختلف أهل التفسير في هذه الآية فقال الضحاك نزلت في الكفار واختاره النحاس بدليل الآية التى بعدها ) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ( وقيل الآية واردة في الناس على العموم كافرهم ومسلمهم
والمعنى أن من كان يريد بعمله حظ الدنيا يكافأ بذلك والمراد بزينتها ما يزينها ويحسنها من الصحة والأمن والسعة في الرزق وارتفاع الحظ ونفاذ القول ونحو ذلك وإدخال ) كان ( في الآية يفيد أنهم مستمرون على إرادة الدنيا بأعمالهم لا يكادون يريدون الآخرة ولهذا قيل إنهم مع إعطائهم حظوظ الدنيا يعذبون في الآخرة لأنهم جردوا قصدهم إلى الدنيا ولم يعملوا للآخرة وظاهر قوله ) نوف إليهم أعمالهم فيها ( أن من أراد بعمله الدنيا حصل له الجزاء الدنيوي ولا محالة ولكن الواقع في الخارج يخالف ذلك فليس كل متمن ينال من الدنيا أمنيته وإن عمل لها وأرادها فلا بد من تقييد ذلك بمشيئة الله سبحانه قال القرظي ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة وكذلك الآية التى في الشورى ) من كان يريد حرث الآخرة نزد له ( وكذلك ) ومن كان يريدحرث الدنيا ( قيدتها وفسرتها التى في سبحان ) من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ( قوله ) وهم فيها لا يبخسون ( أي وهؤلاء المريدون بأعمالهم الدنيا هم فيها أي في الدنيا لا يبخسون أي لا ينقصون من جزائهم فيها بحسب أعمالهم لها وذلك في الغالب وليس بمطرد بل إن قضت به مشيئته سبحانه ورجحته حكمته البالغة وقال القاضي معنى الآية من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما ينالون من الصحة والكفاف وسائر اللذات والمنافع فخص الجزاء بمثل ما ذكره وهو حاصل لكل عامل للدنيا ولو كان قليلا يسيرا
هود : ( 16 ) أولئك الذين ليس . . . . .
قوله ) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ( الإشارة إلى المريدين المذكورين ولا بد من تقييد هذا بأنهم لم يريدوا الآخرة بشئ من الأعمال المعتد بها الموجبة للجزاء الحسن في الدار الآخرة أو تكون الآية خاصة بالكفار كما تقدم ) وحبط ما صنعوا ( أي ظهر في الدار الآخرة


"""""" صفحة رقم 488 """"""
حبوط ما صنعوه من الأعمال التى كانت صورتها صورة الطاعات الموجبة للجزاء الأخروي لولا أنهم أفسدوها بفساد مقاصدهم وعدم الخلوص وإرادة ما عند الله في دار الجزاء بل قصروا ذلك على الدنيا وزينتها ثم حكم سبحانه ببطلان عملهم فقال ) وباطل ما كانوا يعملون ( أي أنه كان عملهم في نفسه باطلا غير معتد به لأنه لم يعمل لوجه صحيح يوجب الجزاء ويترتب عليه ما يترتب على العمل الصحيح
هود : ( 17 ) أفمن كان على . . . . .
قوله ) أفمن كان على بينة من ربه ( بين سبحانه أن بين من كان طالبا للدنيا فقط ومن كان طالبا للآخرة تفاوتا عظيما وتباينا بعيدا والمعنى أفمن كان على بينة من ربه في اتباع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والإيمان بالله كغيره ممن يريد الحياة الدنيا وزينتها وقيل المراد بمن كان على بينة من ربه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي أفمن كان معه بيان من الله ومعجزة كالقرآن ومعه شاهد كجبريل وقد بشرت به الكتب السالفة كمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ومعنى البينة البرهان الذى يدل على الحق والضمير في قوله ) ويتلوه شاهد ( راجع إلى البينة باعتبار تأويلها بالبرهان والضمير في منه راجع إلى القرآن لأن قد تقدم ذكره في قوله ) أم يقولون افتراه ( أو راجع إلى الله تعالى والمعنى ويتلو البرهان الذى هو البينة شاهد يشهد بصحته من القرآن أو من الله سبحانه والشاهد هو الإعجاز الكائن في القرآن أو المعجزات التى ظهرت لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فإن ذلك من الشواهد التابعة للقرآن وقال الفراء قال بعضهم ويتلوه شاهد منه الإنجيل وإن كان قبله فهو يتلو القرآن في التصديق والهاء في منه لله عز وجل وقيل المراد بمن كان على بينة من ربه هم مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأضرابه قوله ) ومن قبله كتاب موسى ( معطوف على شاهد والتقدير ويتلو الشاهد شاهد آخر من قبله هو كتاب موسى فهو وإن كان متقدما في النزول فهو يتلو الشاهد في الشهادة وإنما قدم الشاهد على كتاب موسى مع كونه متأخرا في الوجود لكونه وصفا لازما غير مفارق فكان أغرق في الوصفية من كتاب موسى ومعنى شهادة كتاب موسى وهو التوراة أنه بشر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخبر بأنه رسول من الله قال الزجاج والمعنى ويتلوه من قبله كتاب موسى لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) موصوف في كتاب موسى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل وحكى أبو حاتم عن بعضهم أنه قرأ ) ومن قبله كتاب موسى ( بالنصب وحكاه المهدوي عن الكلبي فيكون معطوفا على الهاء في يتلوه والمعنى ويتلو كتاب موسى جبريل وانتصاب إماما ورحمة على الحال
والإمام هو الذى يؤتم به في الدين ويقتدى به والرحمة النعمة العظيمة التى أنعم الله بها على من أنزله عليهم وعلى من بعدهم باعتبار ما اشتمل عليه من الأحكام الشرعية الموافقة لحكم القرآن والإشارة بقوله ) أولئك ( إلى المتصفين بتلك الصفة الفاضلة وهو الكون على البينة من الله واسم الإشارة مبتدأ وخبره ) يؤمنون به ( أي يصدقون بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو بالقرآن ) ومن يكفر به من الأحزاب ( أي بالنبي أو بالقرآن والأحزاب المتحزبون على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من أهل مكة وغيرهم أو المتحزبون من أهل الأديان كلها ) فالنار موعده ( أي هو من أهل النار لا محالة وفي جعل النار موعدا إشعار بأن فيها ما لا يحيط به الوصف من أفانين العذاب ومثله قول حسان أوردتموها حياض الموت صاحية
فالنار موعدها والموت لاقيها
) فلا تك في مرية منه ( أي لا تك في شك من القرآن وفيه تعريض بغيره ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه معصوم عن الشك في القرآن أو من الموعد ) إنه الحق من ربك ( فلا مدخل للشك فيه بحال من الأحوال ) ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (


"""""" صفحة رقم 489 """"""
بذلك مع وجوب الإيمان به وظهور الدلائل الموجبة له ولكنهم يعاندون مع علمهم بكونه حقا أو قد طبع على قلوبهم فلا يفهمون أنه الحق أصلا
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فهل أنتم مسلمون ( قال لأصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن أنس في قوله ) من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها ( قال نزلت في اليهود والنصارى وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن معبد قال قام رجل إلى علي فقال أخبرنا عن هذه الآية ) من كان يريد الحياة الدنيا ( إلى قوله ) وباطل ما كانوا يعملون ( قال ويحك ذاك من كان يريد الدنيا لا يريد الآخرة وأخرج النحاس عن ابن عباس ) من كان يريد الحياة الدنيا ( أي ثوابها ) وزينتها ( مالها ) نوف إليهم ( نوفر لهم بالصحة والسرور في الأهل والمال والولد ) وهم فيها لا يبخسون ( لا ينقصون ثم نسخها ) من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء ( الآية وأخرج أبو الشيخ عن السدي مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال من عمل صالحا التماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا يقول الله أو فيه الذى التمس في الدنيا وحبط عمله الذى كان يعمل وهو في الآخرة من الخاسرين وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال نزلت هذه الآية في أهل الشرك وأخرج أبو الشيخ عن الحسن في قوله ) نوف إليهم أعمالهم ( قال طيباتهم وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج نحوه وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) وحبط ما صنعوا فيها ( قال حبط ما عملوا من خير وبطل في الآخرة ليس لهم فيها جزاء وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال هم أهل الرياء وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن علي بن أبي طالب قال ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن فقال له رجل ما نزل فيك قال أما تقرأ سورة هود ) أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ( رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بينة من ربه وأنا شاهد منه وأخرج ابن عساكر وابن مردويه من وجه آخر عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أفمن كان على بينة من ربه أنا ويتلوه شاهد منه علي وأخرج أبو الشيخ عن أبي العالية في قوله ) أفمن كان على بينة من ربه ( قال ذاك محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم نحوه
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ عن محمد بن علي بن أبي طالب قال قلت لأبي إن الناس يزعمون في قوله الله سبحانه ) ويتلوه شاهد منه ( أنك أنت التالي قال وددت أني أنا هو ولكنه لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة عن ابن عباس أن الشاهد جبريل ووافقه سعيد بن جبير وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال جبريل هو شاهد من الله بالذى يتلوه من كتاب الله الذى أنزل على محمد ) ومن قبله كتاب موسى ( قال ومن قبله التوراة على لسان موسى كما تلا القرآن على لسان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن الحسن بن علي في قوله ) ويتلوه شاهد منه ( قال محمد هو الشاهد من الله وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم ) ومن قبله كتاب موسى ( قال ومن قبله جاء الكتاب إلى موسى وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن قتادة ) ومن يكفر به من الأحزاب ( قال الكفار أحزاب كلهم على الكفر وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال ) ومن يكفر به من الأحزاب ( قال من اليهود والنصارى


"""""" صفحة رقم 490 """"""
سورة هود الآية ( 18 24 )
هود : ( 18 ) ومن أظلم ممن . . . . .
قوله ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( أي لا أحد أظلم منهم لأنفسهم لأنهم افتروا على الله كذبا بقوله لأصنامهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله وقولهم الملائكة بنات الله وأضافوا كلامه سبحانه إلى غيره واللفظ وإن كان لا يقتضى إلا نفي وجود من هو أظلم منهم كما يفيده الاستفهام الإنكاري فالمقام يفيد نفي المساوي لهم في الظلم فالمعنى على هذا لا أحد مثلهم في الظلم فضلا عن أن يوجد من هو أظلم منهم والإشارة بقوله أولئك إلى الموصوفين بالظلم المتبالغ وهو مبتدأ وخبره يعرضون على ربهم فيحاسبهم على أعمالهم أو المراد بعرضهم عرض أعمالهم ) ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ( الأشهاد هم الملائكة الحفظة وقيل المرسلون وقيل الملائكة والمرسلون والعلماء الذى بلغوا ما أمرهم الله بإبلاغه وقيل جميع الخلائق والمعنى أنه يقول هؤلاء الأشهاد عند العرض هؤلاء المعرضون أو المعروضة أعمالهم الذين كذبوا على ربهم بما نسبوه إليه ولم يصرحوا بما كذبوا به كأنه كان أمرا معلوما عند أهل ذلك الموقف قوله ) ألا لعنة الله على الظالمين ( هذا من تمام كلام الأشهاد أي يقولون هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ويقولون ألا لعنة الله على الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالافتراء ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه قاله بعد ما قال الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم والأشهاد جمع شهيد ورجحه أبو علي بكثرة ورود شهيد في القرآن كقوله ) ويكون الرسول عليكم شهيدا ( ) فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( وقيل هو جمع شاهد كأصحاب وصاحب والفائدة في قول الأشهاد بهذه المقالة المبالغة في فضيحة الكفار والتقريع لهم على رءوس الأشهاد
هود : ( 19 ) الذين يصدون عن . . . . .
ثم وصف هؤلاء الظالمين الذين لعنوا بأنهم ) الذين يصدون عن سبيل الله ( أي يمنعون من قدروا على منعه عن دين الله والدخول فيه ) ويبغونها عوجا ( أي يصفونها بالاعوجاج تنفيرا للناس عنها أو يبغون أهلها أن يكونوا معوجين بالخروج عنها إلى الكفر يقال بغيتك شرا أي طلبته لك و الحال أن ) وهم بالآخرة كافرون ( أي يصفونها بالعوج والحال أنهم بالآخرة غير مصدقين فكيف يصدون الناس عن طريق الحق وهم على الباطل البحت وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به حتى كأن كفر غيرهم غير معتد به بالنسبة إلى عظيم كفرهم
هود : ( 20 ) أولئك لم يكونوا . . . . .
) أولئك ( الموصوفون بتلك الصفات ) لم يكونوا معجزين في الأرض ( أي ما كانوا يعجزون الله في الدنيا إن أراد عقوبتهم ) وما كان لهم من دون الله من أولياء (


"""""" صفحة رقم 491 """"""
يدفعون عنهم ما يريده الله سبحانه من عقوبتهم وإنزال بأسه بهم وجملة ) يضاعف لهم العذاب ( مستأنفة لبيان أن تأخير العذاب والتراخي عن تعجيله لهم ليكون عذابا مضاعفا وقرأ ابن كثير وابن عامر ويزيد ويعقوب يضعف مشددا ) ما كانوا يستطيعون السمع ( أي أفرطوا في إعراضهم عن الحق وبعضهم له حتى كأنهم لا يقدرون على السمع ولا يقدرون على الإبصار لفرط تعاميهم عن الصواب ويجوز أن يراد بقوله ) وما كان لهم من دون الله من أولياء ( أنهم جعلوا آلهتهم أولياء من دون الله ولا ينفعهم ذلك فما كان هؤلاء الأولياء يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون فكيف ينفعونهم فيجلبون لهم نفعا أو يدفعون عنهم ضررا ويجوز أن تكون ) ما ( هى المدية والمعنى أنه يضاعف لهم العذاب مدة استطاعتهم السمع والبصر قال الفراء ما كانوا يستطيعون السمع لأن الله أضلهم في اللوح المحفوظ وقال الزجاج لبغضهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعدواتهم له لا يستطيعون أن يسمعوا منه ولا يفهموا عنه قال النحاس هذا معروف في كلام العرب يقال فلان لا يستطيع أن ينظر إلى فلان إذا كان ثقيلا عليه
هود : ( 21 ) أولئك الذين خسروا . . . . .
) أولئك ( المتصفون بتلك الصفات ) الذين خسروا أنفسهم ( بعبادة غير الله والمعنى اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله فكان خسرانهم في تجارتهم أعظم خسران ) وضل عنهم ما كانوا يفترون ( أي ذهب وضاع ما كانوا يفترون من الآلهة التى يدعون أنها تشفع لهم ولم يبق بأيديهم إلا الخسران
هود : ( 22 ) لا جرم أنهم . . . . .
قوله ) لا جرم ( قال الخليل وسيبويه ) لا جرم ( بمعنى حق فهي عندهما بمنزلة كلمة واحدة وبه قال الفراء
وروى عن الخليل والفراء أنها بمنزلة قولك لا بد ولا محالة ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقا وقال الزجاج إن جرم بمعنى كسب أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران وفاعل كسب مضمر وأن منصوبة بجرم قال الأزهري وهذا من أحسن ما نقل في هذه اللغة وقال الكسائي معنى لا جرم لا صد ولا منع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون وقال جماعة من النحويين إن معنى لا جرم لا قطع قاطع ) أنهم في الآخرة هم الأخسرون ( قالوا والجرم القطع وقد جرم النخل واجترمه أي قطعه وفي هذه الآية بيان أنهم في الخسران قد بلغوا إلى حد يتقاصر عنه غيرهم ولا يبلغ إليه وهذه الآيات مقررة لما سبق من نفي المماثلة بين من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها وبين من كان على بينة من ربه
هود : ( 23 ) إن الذين آمنوا . . . . .
) إن الذين آمنوا ( أي صدقوا بكل ما يجب التصديق به من كون القرآن من عند الله وغير ذلك من خصال الإيمان ) وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ( أي أنابوا إليه وقيل خشعوا وقيل خضعوا قيل وأصل الإخبات الاستواء في الخبث وهو الأرض المستوية الواسعة فيناسب معنى الخشوع والاطمئنان قال الفراء إلى ربهم ولربهم واحد ) أولئك ( الموصوفون بتلك الصفات الصالحة ) أصحاب الجنة هم فيها خالدون )
هود : ( 24 ) مثل الفريقين كالأعمى . . . . .
قوله ) مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ( ضرب للفريقين مثلا وهو تشبيه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وتشبيه فريق المؤمنين بالبصير والسميع على أن كل فريق شبه بشيئين أو شبه بمن جمع بين الشيئين فالكافر شبه بمن جمع بين العمى والصمم والمؤمن شبه بمن جمع بن السمع والبصر وعلى هذا تكون الواو في ) والأصم ( وفي ) والسميع ( لعطف الصفة على الصفة كما في قول الشاعر إلى الملك القرم وابن الهمام
والاستفهام في قوله ) هل يستويان ( للإنكار يعني الفريقين وهذه الجملة مقررة لما تقدم من قوله ) أفمن كان على بينة من ربه ( وانتصاب مثلا على التمييز من فاعل يستويان أي هل يستويان حالا وصفة ) أفلا تذكرون ( في عدم استوائهما وفيما بينهما من التفاوت الظاهر الذى لا يخفى على من له تذكر وعنده تفكر وتأمل والهمزة لإنكار عدم التذكر واستبعاد صدوره عن المخاطبين
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) ومن أظلم ( قال الكافر والمنافق ) أولئك يعرضون على ربهم (


"""""" صفحة رقم 492 """"""
فيسألهم عن أعمالهم ) ويقول الأشهاد ( الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا ) هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ( شهدوا به عليهم يوم القيامة وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال الأشهاد الملائكة وأخرج أبو الشيخ عن قتادة نحوه وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول إن الله يدني المؤمن حتى يضع كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول رب أعرف حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ثم يعطي كتاب حسناته وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) الذين يصدون عن سبيل الله ( قال هو محمد يعني سبيل الله صدت قريش عنه الناس وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) ويبغونها عوجا ( يعني يرجون بمكة غير الإسلام دينا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ( الآية قال أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فإنه قال ) ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ( وأما في الآخرة فإنه قال ) فلا يستطيعون خاشعة ( وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) ما كانوا يستطيعون السمع ( قال ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرا فينتفعوا به ولا يبصروا خيرا فيأخذوا به وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وأخبتوا ( قال خافوا وأخرج ابن جرير عنه قال الإخبات الإنابة
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ قال الإخبات الخشوع والتواضع وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال اطمأنوا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) مثل الفريقين كالأعمى والأصم ( قال الكافر ) والبصير والسميع ( قال المؤمن
سورة هود الآية ( 25 31 )


"""""" صفحة رقم 493 """"""
سورة هود الآية ( 32 34 )
هود : ( 25 ) ولقد أرسلنا نوحا . . . . .
لما أورد سبحانه على الكفار المعاصرين لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) أنواع الدلائل التى هى أوضح من الشمس أكد ذلك بذكر القصص على طريقة التفنن في الكلام ونقله من أسلوب إلى أسلوب لتكون الموعظة أظهر والحجة أبين والقبول أتم فقال ) ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ( قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الهمزة على تقدير حرف الجر أي أرسلناه بأني أي أرسلناه متلبسا بذلك الكلام وهو أني لكم نذير مبين وقرأ الباقون بالكسر على إرادة القول أي قائلا إني لكم والواو في ولقد للابتداء واللام هى الموطئة للقسم واقتصر على النذارة دون البشارة لأن دعوته كانت لمجرد الإنذار أو لكونهم لم يعملوا بما بشرهم به
هود : ( 26 ) أن لا تعبدوا . . . . .
وجملة ) أن لا تعبدوا إلا الله ( بدل من إني لكم نذير مبين أي أرسلناه بأن لا تعبدوا إلا الله أو تكون أن مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير أو بمبين وجملة ) إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ( تعليلية والمعنى نهيتكم عن عبادة غير الله لأني أخاف عليكم وفيها تحقيق لمعنى الإنذار واليوم الأليم هو يوم القيامة أو يوم الطوفان ووصفه بالأليم من باب الإسناد المجازي مبالغة
هود : ( 27 ) فقال الملأ الذين . . . . .
ثم ذكر ما أجاب به قومه عليه وهذا الجواب يتضمن الطعن منهم في نبوته من ثلاث جهات فقال ) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ( والملأ الأشراف كما تقدم غير مرة ووصفهم بالكفر ذما لهم وفي دليل على أن بعض أشراف قومه لم يكونوا كفرة ) ما نراك إلا بشرا مثلنا ( هذه الجهة الأولى من جهات طعنهم في نبوته أي نحن وأنت مشتركون في البشرية فلم يكن لك علينا مزية تستحق بها النبوة دوننا والجهة الثانية ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ( ولم يتبعك أحد من الأشراف فليس لك مزية علينا باتباع هؤلاء الأراذل لك والأراذل جمع أرذل وأرذل جمع رذل مثل أكالب وأكلب وكلب وقيل الأراذل جمع الأرذل كالأساود جمع أسود وهم السفلة قال النحاس الأراذل الفقراء والذين لا حسب لهم والحسب الصناعات قال الزجاج نسبوهم إلى الحياكة ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة وقال ثعلب عن ابن الأعرابي السفلة هو الذى يصلح الدنيا بدينه قيل له فمن سفلة السفلة قال الذى يصلح دنيا غيره بفساد دينه والظاهر من كلام أهل اللغة أن السفلة هو الذى يدخل في الحرف الدنية والرؤية في الموضعين إن كانت القلبية فبشرا في الأول واتبعك في الثاني هما المفعول الثاني وإن كانت البصرية فهما منتصبان على الحال وانتصاب بادي الرأي على الظرفية والعامل فيه اتبعك والمعنى في ظاهر الرأي من غير تعمق يقال بدا يبدو إذا ظهر قال الأزهري معناه فيما يبدو لنا من الرأي والوجه الثالث من جهات قدحهم في نبوته ) وما نرى لكم علينا من فضل ( خاطبوه في الوجهين الأولين منفردا وفي هذا الوجه خاطبوه مع متبعيه أي ما نرى لك ولمن اتبعك من الأراذل علينا من فضل يتميزون به وتستحقون ما تدعونه ثم أضربوا عن الثلاثة المطاعن وانتقلوا إلى ظنهم المجرد عن البرهان الذى لا مستند له إلا مجرد العصبية والحسد واستبقاء ما هم فيه من الرياسة الدنيوية فقالوا ) بل نظنكم كاذبين ( فيما تدعونه ويجوز أن يكون هذا خطابا للأراذل وحدهم والأول أولى لأن الكلام مع نوح لا معهم إلا بطريق التبعية له
هود : ( 28 ) قال يا قوم . . . . .
ثم ذكر سبحانه ما أجاب به نوح عليهم فقال ) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( أي أخبروني إن كنت على برهان من ربي في النبوة يدل على صحتها ويوجب عليكم قبولها مع كون


"""""" صفحة رقم 494 """"""
ما جعلتموه قادحا ليس بقادح في الحقيقة فإن المساواة في صفة البشرية لا تمنع المفارقة في صفة النبوة واتباع الأراذل كما تزعمون ليس مما يمنع من النبوة فإنهم مثلكم في البشرية والعقل والفهم فاتباعهم لي حجة عليكم لا لكم ويجوز أن يريد بالبينة المعجزة ) وآتاني رحمة من عنده ( هى النبوة وقيل الرحمة المعجزة والبينة النبوة
قيل ويجوز أن تكون الرحمة هى البينة نفسها والأولى تفسير الرحمة بغير ما فسرت به البينة والإفراد في ) فعميت ( على إرادة كل واحدة منهما أو على إرادة البينة لأنها هى التى تظهر لمن تفكر وتخفى على من لم يتفكر ومعنى عميت خفيت وقيل الرحمة هى على الخلق وقيل هى الهداية إلى معرفة البرهان وقيل الإيمان يقال عميت عن كذا وعمى علي كذا إذا لم أفهمه قيل وهو من باب القلب لأن البينة أو الرحمة لا تعمى وإنما يعمى عنها فهو كقولهم أدخلت القلنسوة رأسي وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وحفص ) فعميت ( بضم العين وتشديد الميم على البناء للمفعول أي فعماها الله عليكم وفي قراءة أبي ? فعماها عليكم ? والاستفهام في ) أنلزمكموها ( للإنكار أي لا يمكنني أن أضطركم إلى المعرفة بها والحال أنكم لها كارهون والمعنى أخبروني إن كنت على حجة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتي إلا أنها خافية عليكم أيمكننا أن نضطركم إلى العلم بها والحال أنكم لها كارهون غير متدبرين فيها فإن ذلك لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وحكى الكسائي والفراء إسكان الميم الأولى في أنلزمكموها تخفيفا كما في قول الشاعر فاليوم أشرب غير مستحقب
إثما من الله ولا واغل
فإن إسكان الباء في أشرب للتخفيف وقد قرأ أبو عمرو كذلك
هود : ( 29 ) ويا قوم لا . . . . .
قوله ) ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله ( فيه التصريح منه عليه السلام بأنه لا يطلب على تبليغ الرسالة مالا حتى يكون بذلك محلا للتهمة ويكون لقول الكافرين مجال بأنه إنما ادعى ما ادعى طلبا للدنيا والضمير في عليه راجع إلى ما قاله لهم فيما قبل هذا وقوله ) وما أنا بطارد الذين آمنوا ( كالجواب عما يفهم من قولهم ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ( من التلميح منهم إلى إبعاد الأراذل عنه وقيل إنهم سألوه طردهم تصريحا لا تلميحا ثم علل ذلك بقوله ) إنهم ملاقوا ربهم ( أي لا أطردهم فإنهم ملاقون يوم القيامة ربهم فهو يجازيهم على إيمانهم لأنهم طلبوا بإيمانهم ما عنده سبحانه وكأنه قال هذا على وجه الإعظام لهم ويحتمل أنه قاله خوفا من مخاصمتهم له عند ربهم بسبب طرده لهم ثم بين لهم ما هم عليه في هذه المطالب التى طلبوها منه والعلل التى اعتلوا بها عن إجابته فقال ) ولكني أراكم قوما تجهلون ( كل ما ينبغي أن يعلم ومن ذلك استرذالهم للذين اتبعوه وسؤالهم له أن يطردهم
هود : ( 30 ) ويا قوم من . . . . .
ثم أكد عدم جواز طردهم بقوله ) ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم ( أي من يمنعني من عذاب الله وانتقامه إن طردتهم فإن طردهم بسبب سبقهم إلى الإيمان والإجابة إلى الدعوة التى أرسل الله رسوله لأجلها ظلم عظيم لا يقع من أنبياء الله المؤيدين بالعصمة ولو وقع منهم فرضا وتقديرا لكان فيه من الظلم ما لا يكون لو فعله غيرهم من سائر الناس وقوله ) أفلا تذكرون ( معطوف على مقدر كأنه قيل أتستمرون على ما أنتم عليه من الجهل بما ذكر أفلا تذكرون من أحوالهم ما ينبغي تذكره وتتفكرون فيه حتى تعرفوا ما أنتم عليه من الخطأ وما هم عليه من الصواب
هود : ( 31 ) ولا أقول لكم . . . . .
قوله ) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ( بين لهم أنه كما لا يطلب منهم شيئا من أموالهم على تبليغ الرسالة كذلك لا يدعى أن عنده خزائن الله حتى يستدلوا بعدمها على كذبه كما قالوا ) وما نرى لكم علينا من فضل ( والمراد بخزائن الله خزائن رزقه ) ولا أعلم الغيب ( أي ولا أدعى أني أعلم بغيب الله بل لم أقل لكم إلا أني نذير مبين إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ) ولا أقول ( لكم ) إني ملك (


"""""" صفحة رقم 495 """"""
حتى تقولوا ما نراك إلا بشرا مثلنا وقد استدل بهذا من قال إن الملائكة أفضل من الأنبياء والأدلة في هذه المسئلة مختلفة وليس لطالب الحق إلى تحقيقها حاجة فليست مما كلفنا الله بعلمه ) ولا أقول للذين تزدري أعينكم ( أي تحتقر والازدراء مأخوذ من أزري عليه إذا عابه وزرى عليه إذا احتقره وأنشد الفراء يباعده الصديق وتزدريه
خليلته وينهره الصغير
والمعنى إني لا أقول لهؤلاء المتبعين لي المؤمنين بالله الذين تعيبونهم وتحتقرونهم ) لن يؤتيهم الله خيرا ( بل قد آتاهم الخير العظيم بالإيمان به واتباع نبيه فهو مجازيهم بالجزاء العظيم في الآخرة ورافعهم في الدنيا إلى أعلى محل ولا يضرهم احتقاركم لهم شيئا ) الله أعلم بما في أنفسهم ( من الإيمان به والإخلاص له فمجازيهم على ذلك ليس لي ولا لكم من أمرهم شئ ) إني إذا لمن الظالمين ( لهم إن فعلت ما تريدونه بهم أو من الظالمين لأنفسهم إن فعلت ذلك بهم
هود : ( 32 ) قالوا يا نوح . . . . .
ثم جاوبوه بغير ما تقدم من كلامهم وكلامه عجزا عن القيام بالحجة وقصورا عن رتبة المناظرة وانقطاعا عن المباراة بقولهم ) يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ( أي خاصمتنا بأنواع الخصام ودفعتنا بكل حجة لها مدخل في المقام ولم يبق لنا في هذا الباب مجال فقد ضاقت علينا المسالك وانسدت أبواب الحيل ) فأتنا بما تعدنا ( من العذاب الذى تخوفنا منه وتخافه علينا ) إن كنت من الصادقين ( فيما تقوله لنا فأجاب بأن ذلك ليس إليه وإنما هو بمشيئة الله وإرادته
هود : ( 33 ) قال إنما يأتيكم . . . . .
و ) قال إنما يأتيكم به الله إن شاء ( فإن قضت مشيئته وحكمته بتعجيله عجله لكم وإن قضت مشيئته وحكمته بتأخيره أخره ) وما أنتم بمعجزين ( بفائتين عما أراده الله بكم بهرب أو مدافعة
هود : ( 34 ) ولا ينفعكم نصحي . . . . .
) ولا ينفعكم نصحي ( الذى أبذله لكم وأستكثر منه قياما مني بحق النصيحة لله بإبلاغ رسالته ولكم بإيضاح الحق وبيان بطلان ما أنتم عليه ) إن أردت أن أنصح لكم ( وجواب هذا الشرط مخذوف والتقدير إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي كما يدل عليه ما قبله ) إن كان الله يريد أن يغويكم ( أي إن كان الله يريد إغواءكم فلا ينفعكم النصح مني فكان جواب هذا الشرط محذوفا كالأول وتقديره ما ذكرنا وهذا التقدير إنما هو على مذهب من يمنع من تقدم الجزاء على الشرط وأما على مذهب من يجيزه فجزاء الشرط الأول ولا ينفعكم نصحي وجزاء الشرط الثاني الجملة الشرطية الأولى وجزاؤها قال ابن جرير معنى يغويكم يهلككم بعذابه وظاهر لغة العرب أن الإغواء الإضلال فمعنى الآية لا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يضلكم عن سبيل الرشاد ويخذلكم عن طريق الحق وحكى عن طي أصبح فلان غاويا أو مريضا وليس هذا المعنى هو المراد في الآية وقد ورد الإغواء بمعنى الإهلاك ومنه ) فسوف يلقون غيا ( وهو غير ما في هذه الآية ) هو ربكم ( فإليه الإغواء وإليه الهداية ) وإليه ترجعون ( فيجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ( قال فيما ظهر لنا وأخرج أبو الشيخ عن عطاء مثله وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) إن كنت على بينة من ربي ( قال قد عرفتها وعرفت بها أمره وأنه لا إله إلا هو ) وآتاني رحمة من عنده ( قال الإسلام الهدى والإيمان والحكم والنبوة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) أنلزمكموها ( قال أما والله لو استطاع نبي الله لألزمها قومه ولكنه لم يستطع ذلك ولم يمكنه وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه كان يقرأ ? أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون ? وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال في قراءة أبي ? أنلزمكموها من شطر أنفسنا وأنتم لها كارهون ? وأخرج ابن


"""""" صفحة رقم 496 """"""
جرير وابن المنذر عن أبي بن كعب أنه قرأ أنلزمكموها من شطر قلوبنا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) وما أنا بطارد الذين آمنوا ( قال قالوا له يا نوح إن أحببت أن نتبعك فاطردهم وإلا فلن نرضى أن نكون نحن وهم في الأرض سواء وفي قوله ) إنهم ملاقوا ربهم ( قال فيسألهم عن أعمالهم ) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ( التى لا يفنيها شيء فأكون إنما دعوتكم لتتبعوني عليها لا أعطيكم بملكه لي عليها ) ولا أعلم الغيب ( لا أقول اتبعوني على علمي بالغيب ) ولا أقول إني ملك ( نزلت من السماء برسالة ما أنا إلا بشر مثلكم
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد ) ولا أقول للذين تزدري أعينكم ( قال حقرتموهم وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) لن يؤتيهم الله خيرا ( قال يعني إيمانا وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) فأتنا بما تعدنا ( قال تكذيبا بالعذاب وأنه باطل
سورة هود الآية ( 35 44 )
هود : ( 35 ) أم يقولون افتراه . . . . .
قوله ) أم يقولون افتراه ( أنكر سبحانه عليهم قولهم إن ما أوحي إلى نوح مفترى فقال ) أم يقولون افتراه ( ثم أمره أن يجيب بكلام متصف فقال ) قل إن افتريته فعلي إجرامي ( بكسر الهمزة على قراءة الجمهور مصدر أجرم إي فعل ما يوجب الإثم وجرم وأجرم بمعنى قاله النحاس والمعنى فعلى إثمي أو جزاء كسبي ومن قرأ بفتح الهمزة قال هو جمع جرم ذكره النحاس أيضا ) وأنا بريء مما تجرمون ( أي من إجرامكم بسبب ما تنسبونه


"""""" صفحة رقم 497 """"""
إلي من الافتراء قيل وفي الكلام حذف والتقدير لكن ما افتريته فالإجرام وعقابه ليس إلا عليكم وأنا بريء منه
وقد اختلف المفسرون في هذه الآية فقيل إنها حكاية عن نوح وما قاله لقومه وقيل هى حكاية عن المحاورة الواقعة بين نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكفار مكة والأول أولى لأن الكلام قبلها وبعدها مع نوح عليه السلام
هود : ( 36 ) وأوحي إلى نوح . . . . .
قوله ) وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( أنه لن يؤمن في محل رفع على أنه نائب الفاعل الذى لم يسم ويجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير الباء أي بأنه وفي الكلام تأييس له من إيمانهم وأنهم مستمرون على كفرهم مصممون عليه لا يؤمن أحد منهم إلا من قد سبق إيمانه ) فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ( البؤس الحزن أي فلا تحزن والبائس المستكين فنهاه الله سبحانه عن أن يحزن حزن مستكين لأن الابتئاس حزن فى استكانة ومنه قول الشاعر وكم من خليل أو حميم رزئته
فلم أبتئس والرزء فيه جليل
هود : ( 37 ) واصنع الفلك بأعيننا . . . . .
ثم إن الله سبحانه لما أخبره أنهم لا يؤمنون ألبتة عرفه وجه إهلاكهم وألهمه الأمر الذى يكون به خلاصه وخلاص من آمن معه فقال ) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ( أي اعمل السفينة متلبسا بأعيننا أي بمرأى منا والمراد بحراستنا لك وحفظنا لك وعبر عن ذلك بالأعين لأنها آلة الرؤية والرؤية هى التى تكون بها الحراسة والحفظ في الغالب وجمع الأعين للتعظيم لا للتكثير وقيل المعنى ) بأعيننا ( أي بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيونا على حفظك وقيل ) بأعيننا ( بعلمنا وقيل بأمرنا ومعنى بوحينا بما أوحينا إليك من كيفية صنعتها ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا ( أي لا تطلب إمهالهم فقد حان وقت الانتقام منهم وجملة ) إنهم مغرقون ( للتعليل أي لا تطلب منا إمهالهم فإنه محكوم منا عليهم بالغرق وقد مضى به القضاء فلا سبيل إلى دفعه ولا تأخيره وقيل المعنى ولا تخاطبني في تعجيل عقابهم فإنهم مغرقون في الوقت المضروب لذلك لا يتأخر إغراقهم عنه وقيل المراد بالذين ظلموا امرأته وابنه
هود : ( 38 ) ويصنع الفلك وكلما . . . . .
) ويصنع الفلك ( أي وطفق يصنع الفلك أو وأخذ يصنع الفلك وقيل هو حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة وجملة ) وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ( في محل نصب على الحال أي استهزءوا به لعمله السفينة قال الأخفش والكسائي يقال سخرت به ومنه وفي وجه سخريتهم منه قولان أحدهما أنهم كانوا يرونه يعمل السفينة فيقولون يا نوح صرت بعد النبوة نجارا والثاني أنهم لما شاهدوه يعمل السفينة وكانوا لا يعرفونها قبل ذلك قالوا يا نوح ما تصنع بها قال أمشى بها على الماء فعجبوا من قوله وسخروا به
ثم أجاب عليهم بقوله ) إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( وهذا الكلام مستأنف على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قال لهم والمعنى إن تسخروا منا بسبب عملنا للسفينة اليوم فإنا نسخر منكم غدا عند الغرق
ومعنى السخرية هنا الاستجهال أي إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلون واستجهاله لهم باعتبار إظهاره لهم ومشافهتهم وإلا فهم عنده جهال قبل هذا وبعده والتشبيه في قوله ) كما تسخرون ( لمجرد التحقق والوقوع أو التجدد والتكرر والمعنى إنا نسخر منكم سخرية متحققة واقعة كما تسخرون منا كذلك أو متجددة متكررة كما تسخرون منا كذلك وقيل معناه نسخر منكم في المستقبل سخرية مثل سخريتكم إذا وقع عليكم الغرق وفيه نظر فإن حالهم إذ ذاك لا تناسبه السخرية إذ هم في شغل شاغل عنها
هود : ( 39 ) فسوف تعلمون من . . . . .
ثم هددهم بقوله ) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ( وهو عذاب الغرق في الدنيا ) ويحل عليه عذاب مقيم ( وهو عذاب النار الدائم ومعنى يحل يجعل المؤجل حالا مأخوذ من حلول الدين المؤجل ومن موصولة في محل نصب ويجوز أن


"""""" صفحة رقم 498 """"""
تكون استفهامية في محل رفع أي أينا يأتيه عذاب يخزيه وقيل في موضع رفع بالابتداء ويأتيه الحبر ويخزيه صفة لعذاب قال الكسائي إن ناسا من أهل الحجاز يقولون سوف تعلمون قال ومن قال ستعلمون أسقط الواو والفاء جميعا وجوز الكوفيون سف تعلمون ومنعه البصريون والمراد بعذاب الخزي العذاب الذى يخزي صاحبه ويحل عليه العار
هود : ( 40 ) حتى إذا جاء . . . . .
قوله ) حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور ( حتى هى الابتدائية دخلت على الجملة الشرطية وجعلت غاية لقوله واصنع الفلك بأعيننا
والتنور اختلف في تفسيرها على أقوال الأول أنها وجه الأرض والعرب تسمى وجه الأرض تنورا روى ذلك عن ابن عباس وعكرمة والزهري وابن عيينة الثاني أنه تنور الخبز الذى يخبزونه فيه وبه قال مجاهد وعطية والحسن وروى عن ابن عباس أيضا الثالث أنه موضع اجتماع الماء في السفينة روى عن الحسن الرابع أنه طلوع الفجر من قولهم تنور الفجر روى عن علي بن أبي طالب الخامس أنه مسجد الكوفة روى عن علي أيضا ومجاهد قال مجاهد كان ناحية التنور بالكوفة السادس أنه أعالي الأرض والمواضع المرتفعة قاله قتادة
السابع أنه العين التى بالجزيرة المسماة عين الوردة روى ذلك عن عكرمة الثامن أنه موضع بالهند قال ابن عباس كان تنور آدم بالهند قال النحاس وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن الله سبحانه قد أخبر بأن الماء قد جاء من السماء والأرض قال ) ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا ( فهذه الأقوال تجتمع في أن ذلك كان علامة هكذا قال وفيه نظر فإن القول الرابع ينافي هذا الجمع ولا يستقيم عليه التفسير بنبع الماء
إلا إذا كان المراد مجرد العلامة كما ذكره آخرا وقد ذكر أهل اللغة أن الفور الغليان والتنور اسم عجمي عربته العرب وقيل معنى فار التنور التمثيل بحضور العذاب كقولهم حمى الوطيس إذا اشتد الحرب ومنه قول الشاعر تركتم قدركم لا شيء فيها
وقدر القوم حامية تفور
يريد الحرب
قوله ) قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ( أي قلنا يا نوح احمل في السفينة من كل زوجين مما في الأرض من الحيوانات اثنين ذكرا وأنثى وقرأ حفص ) من كل ( بتنوين كل أي من كل شيء زوجين والزوجان للاثنين اللذين لا يستغني أحدهما عن الآخر ويطلق على كل واحد منهما زوج كما يقال للرجل زوج وللمرأة زوج ويطلق على الاثنين إذا استعمل مقابلا للفرد ويطلق الزوج على الضرب والصنف ومثله قوله تعالى ) وأنبتت من كل زوج بهيج ( ومثله قول الأعشى وكل ضرب من الديباج يلبسه
أبو حذافة مخبو بذاك معا
أراد كل صنف من الديباج ) وأهلك ( عطف على زوجين أو على اثنين على قراءة حفص وعلى محل كل زوجين فإنه في محل نصب باحمل أو على اثنين على قراءة الجمهور والمراد امرأته وبنوه ونساؤهم ) إلا من سبق عليه القول ( أي من تقدم الحكم عليه بأنه من المغرقين في قوله ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ( على الاختلاف السابق فيهم فمن جعلهم جميع الكفار من أهله وغيرهم كان هذا الاستثناء من جملة ) احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ( ومن قال المراد بهم ولده كنعان وامرأته واعلة أم كنعان جعل الاستثناء من أهلك ويكون متصلا إن أريد بالأهل ما هو أعم من المسلم والكافر منهم ومنقطعا إن أريد بالأهل المسلمون منهم فقط
قوله ) ومن آمن ( معطوف على أهلك أي واحمل في السفينة من آمن من قومك وأفرد الأهل منهم لمزيد العناية


"""""" صفحة رقم 499 """"""
بهم أو للاستثناء منهم على القول الآخر ثم وصف الله سبحانه قلة المؤمنين مع نوح بالنسبة إلى من كفر به فقال ) وما آمن معه إلا قليل ( قيل هم ثمانون إنسانا منهم ثلاثة من بنيه وهو سام وحام ويافث وزوجاتهم ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية يقال لها قرية الثمانين وهى موجودة بناحية الموصل وقيل كانوا عشرة وقيل سبعة وقيل كانوا اثنين وسبعين وقيل غير ذلك
هود : ( 41 ) وقال اركبوا فيها . . . . .
قوله ) وقال اركبوا فيها ( القائل نوح وقيل الله سبحانه
والأول أولى لقوله ) إن ربي لغفور رحيم ( والركوب العلو على ظهر الشئ حقيقة نحو ركب الدابة أو مجازا نحو ركبه الدين وفي الكلام حذف أي اركبوا الماء في السفينة فلا يرد أن ركب يتعدى بنفسه وقيل إن الفائدة في زيادة ) في ( أنه أمرهم بأن يكونوا في جوف السفينة لا على ظهرها وقيل إنها زيدت لرعاية جانب المحلية في السفينة كما في قوله ) فإذا ركبوا في الفلك ( وقوله ) حتى إذا ركبا في السفينة ( قيل ولعل نوحا قال هذه المقالة بعد إدخال ما أمر بحمله من الأزواج كأنه قيل فحمل الأزواج وأدخلها في الفلك وقال للمؤمنين ويمكن أن يقال إنه أمر بالركوب كل من أمر بحمله من الأزواج والأهل والمؤمنين ولا يمتنع أن يفهم خطابه من لا يعقل من الحيوانات أو يكون هذا على طريقة التغليب قوله ) بسم الله ( متعلق باركبوا أو حال من فاعله أي مسمين الله أو قائلين ) بسم الله مجراها ومرساها ( قرأ أهل الحرمين وأهل البصرة بضم الميم فيهما إلا من شذ منهم على أنهما اسما زمان وهما في موضع نصب على الظرفية أي وقت مجراها ومرساها ويجوز أن يكونا مصدرين أي وقت إجرائها وإرسائها وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وحفص ) مجراها ( بفتح الميم ومرساها بضمها وقرأ يحيى بن وثاب بفتحها فيهما وقرأ مجاهد وسليمان بن جندب وعاصم الجحدري وأبو رجاء العطاردي ? مجريها ومرسيها ? على أنهما وصفان لله ويجوز أن يكونا في موضع رفع بإضمار مبتدأ أي هو مجريها ومرسيها ) إن ربي لغفور ( للذنوب ) رحيم ( بعباده ومن رحمته إنجاء هذه الطائفة تفضلا منه لبقاء هذا الجنس الحيواني وعدم استئصاله بالغرق
هود : ( 42 ) وهي تجري بهم . . . . .
قوله ) وهي تجري بهم في موج كالجبال ( هذه الجملة متصلة بجملة محذوفة دل عليها الأمر بالركوب والتقدير فركبوا مسمين وهى تجري بهم والموج جمع موجة وهى ما ارتفع عن جملة الماء الكثير عند اشتداد الريح وشبهها بالجبال المرتفعة على الأرض قوله ) ونادى نوح ابنه ( هو كنعان قيل وكان كافرا واستبعد كون نوح ينادي من كان كافرا مع قوله ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( وأجيب بأنه كان منافقا فظن نوح أنه مؤمن وقيل حملته شفقة الأبوة على ذلك وقيل إنه كان ابن امرأته ولم يكن بابنه ويؤيده ما روى أن عليا قرأ ونادى نوح ابنها وقيل إنه كان لغير رشدة وولد على فراش نوح ورد بأن قوله ) ونادى نوح ابنه ( وقوله ) إن ابني من أهلي ( يدفع ذلك على ما فيه من عدم صيانة منصب النبوة ) وكان في معزل ( أي في مكان عزل فيه نفسه عن قومه وقرابته بحيث لم يبلغه قول نوح اركبوا فيها وقيل في معزل من دين أبيه وقيل من السفينة قيل وكان هذا النداء قبل أن يستيقن الناس الغرق بل كان في أول فور التنور قوله ) يا بني اركب معنا ( قرأ عاصم بفتح الياء والباقون بكسرها فأما الكسر فلجعله بدلا من ياء الإضافة لأن الأصل يا بني وأما الفتح فلقلب ياء الإضافة ألفا لخفة الألف ثم حذف الألف وبقيت الفتحة لتدل عليه قال النحاس وقراءة عاصم مشكلة وقال أبو حاتم أصله يا بنياه ثم تحذف وقد جعل الزجاج للفتح وجهين وللكسر وجهين أما الفتح بالوجه الأول ما ذكرناه والوجه الثاني أن تحذف الألف لالقتاء الساكنين وأما الكسر فالوجه الأول ما ذكرناه والثاني أن تحذف لالتقاء الساكنين كذا حكى عنه النحاس وقرأ أبو عمرو والكسائي وحفص ) اركب معنا ( بإدغام الباء في الميم لتقاربهما في المخرج وقرأ الباقون بعدم الإدغام ) ولا تكن مع الكافرين (


"""""" صفحة رقم 500 """"""
نهاه عن الكون مع الكافرين أي خارج السفينة ويمكن أن يراد بالكون معهم الكون على دينهم
هود : ( 43 ) قال سآوي إلى . . . . .
ثم حكى الله سبحانه ما أجاب به ابن نوح على أبيه فقال ) قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ( أي بمعنى بارتفاعه من وصول الماء إلي فأجاب عنه نوح بقوله ) لا عاصم اليوم من أمر الله ( أي لا مانع فإنه يوم قد حق فيه العذاب وجف القلم بما هو كائن فيه نفى جنس العاصم فيندرج تحته العاصم من الغرق في ذلك اليوم اندراجا أوليا وعبر عن الماء أو عن الغرق بأمر الله سبحانه تفخيما لشأنه وتهويلا لأمره والاستثناء قال الزجاج هو منقطع أي لكن من رحمه الله فهو يعصمه فيكون ) من رحم ( في موضع نصب ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا على أن يكون عاصم بمعنى معصوم أي لا معصوم اليوم من أمر الله إلا من رحمه الله مثل ماء دافق وعيشة راضية ومنه قول الشاعر دع المكارم لا تنهض لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أي المطعم المكسو واختار هذا الوجه ابن جرير وقيل العاصم بمعنى ذي العصمة كلابن وتامر والتقدير لا عاصم قط إلا مكان من رحم الله وهو السفينة وحينئذ فلا يرد ما يقال إن معنى من رحم من رحمه الله ومن رحمه الله هو معصوم فكيف يصح استثناؤه عن العاصم لأن في كل وجه من هذه الوجوه دفعا للإشكال
وقرئ ) إلا من رحم ( على البناء للمفعول ) وحال بينهما الموج ( أي حال بين نوح وابنه فتعذر خلاصه من الغرق وقيل بين ابن نوح وبين الجبل والأول أولى لأن تفرع ) فكان من المغرقين ( عليه يدل على الأول لا على الثاني لأن الجبل ليس بعاصم
هود : ( 44 ) وقيل يا أرض . . . . .
قوله ) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ( يقال بلع الماء يبلعه مثل منع يمنع وبلع يبلع مثل حمد يحمد لغتان حكاهما الكسائي والفراء والبلع الشرب ومنه البالوعة وهى الموضع الذى يشرب الماء والازدراد يقال بلع ما في فمه من الطعام إذا ازدرده واستعير البلع الذى هو من فعل الحيوان للنشف دلالة على أن ذلك ليس كالنشف المعتاد الكائن على سبيل التدريج ) ويا سماء أقلعي ( الإقلاع الإمساك يقال أقلع المطر إذا انقطع والمعنى أمر السماء بإمساك الماء عن الإرسال وقدم نداء الأرض على السماء لكون ابتداء الطوفان منها ) وغيض الماء ( أي نقص يقال غاض الماء وغضته أنا ) وقضي الأمر ( أي أحكم وفرغ منه يعني أهلك الله قوم نوح على تمام وإحكام ) واستوت على الجودي ( أي استقرت السفينة على الجبل المعروف بالجودي وهو جبل بقرب الموصل وقيل إن الجودي اسم لكل جبل ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل سبحانه ثم سبحانا نعوذ به
وقبلنا سبح الجودي والجمد
ويقال إنه من جبال الجنة فلذا استوت عليه ) وقيل بعدا للقوم الظالمين ( القائل هو الله سبحانه ليناسب صدر الآية وقيل هو نوح وأصحابه والمعنى وقيل هلاكا للقوم الظالمين وهو من الكلمات التى تختص بدعاء السوء ووصفهم بالظلم للإشعار بأنه علة الهلاك وللإيماء إلى قوله ) ولا تخاطبني في الذين ظلموا ( وقد أطبق علماء البلاغة على أن هذه الآية الشريفة بالغة من الفصاحة والبلاغة إلى محل يتقاصر عنه الوصف وتضعف عن الإتيان بما يقاربه قدرة القادرين على فنون البلاغة الثابتين الأقدام في علم البيان الراسخين في علم اللغة المطلعين على ما هو مدون من خطب مصاقع خطباء العرب وأشعار بواقع شعرائهم المرتاضين بدقائق علوم العربية وأسرارها وقد تعرض لبيان بعض ما اشتملت عليه من ذلك جماعة منهم فأطالوا وأطابوا رحمنا الله وإياهم برحمته الواسعة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) فعلي إجرامي ( قال عملي ) وأنا بريء مما تجرمون ( أي مما تعملون


"""""" صفحة رقم 501 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ( وذلك حين دعا عليهم نوح قال ) لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ( وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وأبو الشيخ عن الحسن قال إن نوحا لم يدع على قومه حتى نزلت الآية هذه فانقطع عند ذلك رجاؤه منهم فدعا عليهم وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) فلا تبتئس ( قال فلا تحزن وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عنه في قوله ) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ( قال بعين الله ووحيه وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال لم يعلم نوح كيف يصنع الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها من جؤجؤ الطائر وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه عائشة قالت قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم حتى كان آخر زمانه غرس شجرة فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ثم جعل يعملها سفينة ويمرون فيسألونه فيقول أعملها سفينة فيسخرون منه ويقولون يعمل سفينة في البر وكيف تجرى قال سوف تعلمون فلما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك خشيته أم الصبي عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبته رفعته بين يديها حتى ذهب بها الماء فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي وقد ضعفه الذهبي في مستدركه على مستدرك الحاكم وقد روى في صفة السفينة وقدرها أحاديث وآثار ليس في ذكرها هنا كثير فائدة وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) من يأتيه عذاب يخزيه ( قال هو الغرق ) ويحل عليه عذاب مقيم ( قال هو الخلود في النار وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عنه قال كان بين دعوة نوح وبين هلاك قومه ثلثمائة سنة وكان فار التنور بالهند وطافت سفينة نوح بالبيت أسبوعا وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال التنور العين التى بالجزيرة عين الوردة وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال فار التنور من مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة وقد روى عنه نحو هذا من طرق وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال التنور وجه الأرض قيل له إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت ومن معك والعرب تسمى وجه الأرض تنور الأرض وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن علي ) وفار التنور ( قال طلع الفجر قيل له إذا طلع الفجر فاركب أنت وأصحابك وقد روى في تفسير التنور غير هذا وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك
وروى في صفة القصة وما حمله نوح في السفينة وكيف كان الغرق وكم بقيت السفينة على ظهر الماء روايات كثيرة لا مدخل لها في تفسير كلام الله سبحانه وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) بسم الله مجراها ومرساها ( قال حين يركبون ويجرون ويرسون وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان إذا أراد أن ترسي قال بسم الله فأرست وإذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت وأخرج أبو يعلي والطبراني وابن السني وابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه عن الحسن بن علي قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا الفلك أن يقولوا ) بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ( ) وما قدروا الله حق قدره ( إلى آخر الآية وأخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )
وأخرجه أيضا أبو الشيخ عنه مرفوعا من طريق أخرى وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال كان اسم ابن نوح الذى غرق كنعان وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال هو ابنه غير أنه خالفه في النية والعمل وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله


"""""" صفحة رقم 502 """"""
لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم قال لا ناج إلا أهل السفينة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن القاسم بن أبي برة في قوله ) وحال بينهما الموج ( قال بين ابن نوح والجبل وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله ) يا أرض ابلعي ( قال هو بالحبشية وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه في ابلعي قال بالحبشية أي ازدرديه وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه قال معناه أشربي بلغة الهند
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس مثله أقول وثبوت لفظ البلع وما يشتق منه في لغة العرب ظاهر مكشوف فما لنا وللحبشة والهند
سورة هود الآية ( 45 49 )
هود : ( 45 ) ونادى نوح ربه . . . . .
معنى ) ونادى نوح ربه ( دعاه والمراد أراد دعاءه بدليل الفاء في ) فقال رب إن ابني من أهلي ( وعطف الشيء على نفسه غير سائغ فلا بد من التقدير المذكور ومعنى قوله ) إن ابني من أهلي ( أنه من الأهل الذين وعدتني بتنجيتهم بقولك وأهلك فإن قيل كيف طلب نوح عليه السلام إنجاز ما وعده الله بقوله ) وأهلك ( وهو المستثنى منه وترك ما يفيده الاستثناء وهو ) إلا من سبق عليه القول ( فيجاب بأنه لم يعلم إذ ذاك أنه ممن سبق عليه القول فإنه كان يظنه من المؤمنين ) وإن وعدك الحق ( الذى لا خلف فيه وهذا منه ) وأنت أحكم الحاكمين ( أي أتقن المتقنين لما يكون به الحكم فلا يتطرق إلى حكمك نقض وفيل أراد بأحكم الحاكمين أعلمهم وأعدلهم أي أنت أكثر علما وعدلا من ذوي الحكم وقيل إن الحاكم بمعنى ذي الحكمة كدارع
هود : ( 46 ) قال يا نوح . . . . .
ثم أجاب الله سبحانه عن نوح ببيان أن ابنه غير داخل في عموم الأهل وأنه خارج بقيد الاستثناء ف ) قال يا نوح إنه ليس من أهلك ( الذين آمنوا بك وتابعوك وإن كان من أهلك باعتبار القرابة ثم صرح بالعلة الموجبة لخروجه من عموم الأهل المبينة له بأن المراد بالقرابة قرابة الدين لا قرابة النسب وحده فقال ) إنه عمل غير صالح ( قرأ الجمهور عمل على لفظ المصدر
وقرأ ابن عباس وعكرمة والكسائي ويعقوب عمل على لفظ الفعل ومعنى القراءة الأولى المبالغة في ذمه كأنه جعل نفس العمل وأصله ذو عمل غير صالح ثم حذف المضاف وجعل نفس العمل كذا قال الزجاج وغيره
ومعنى القراءة الثانية ظاهر أي إنه عمل عملا غير صالح وهو كفره وتكره لمتابعة أبيه ثم نهاه عن مثل هذا السؤال فقال ) فلا تسألن ما ليس لك به علم ( لما بين له بطلان ما اعتقده من كونه من أهله فرع على ذلك النهي عن السؤال وهو وإن كان نهيا عاما بحيث يشمل كل سؤال لا يعلم صاحبه أن حصول مطلوبه منه صواب


"""""" صفحة رقم 503 """"""
فهو يدخل تحته سؤاله هذا دخولا أوليا وفيه عدم جواز الدعاء بما لا يعلم الإنسان مطابقته للشرع وسمى دعاءه سؤالا لتضمنه معنى السؤال ) إني أعظك أن تكون من الجاهلين ( أي أحذرك أن تكون من الجاهلين كقوله ) يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا ( وقيل المعنى أرفعك أن تكون من الجاهلين قال ابن العربي وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحا عن مقام الجاهلين ويعليه بها إلى مقام العلماء العاملين
هود : ( 47 ) قال رب إني . . . . .
ثم لما علم نوح بأن سؤاله لم يطابق الواقع وأن دعاءه ناشئ عن وهم كان يتوهمه بادر إلى الاعتراف بالخطأ وطلب المغفرة والرحمة ف ) قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ( أي أعوذ بك أن أطلب منك ما لا علم لي بصحته وجوازه ) وإلا تغفر لي ( ذنب ما دعوت به على غير علم مني ) وترحمني ( برحمتك التى وسعت كل شيء فتقبل توبتي ) أكن من الخاسرين ( في أعمالي فلا أربح فيها
هود : ( 48 ) قيل يا نوح . . . . .
القائل هو الله أو الملائكة ) قيل يا نوح اهبط ( أي انزل من السفينة إلى الأرض أو من الجبل إلى المنخفض من الأرض فقد بلعت الأرض ماءها وجفت ) بسلام منا ( أي بسلامة وأمن وقيل بتحية ) وبركات ( أي نعم ثابتة مشتق من بروك الجمل وهو ثبوته ومنه البركة لثبوت الماء فيها وفي هذا الخطاب له دليل على قبول توبته ومغفرة زلته ) وعلى أمم ممن معك ( أي ناشئة ممن معك وهم المتشعبون من ذرية من كان معه في السفينة وقيل أراد من في السفينة فإنهم أمم مختلفة وأنواع من الحيوانات متباينة قيل أراد الله سبحانه بهؤلاء الأمم الذين كانوا معه من صار مؤمنا من ذريتهم وأراد بقوله ) وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ( من صار كافرا من ذريتهم إلى يوم القيامة وارتفاع أمم في قوله ) وأمم سنمتعهم ( على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ومنهم أمم وقيل على تقدير ويكون أمم وقال الأخفش هو كما تقول كلمت زيدا وعمرو جالس وأجاز الفراء في غير القراءة وأمما سنمتعهم أي ونمتع أمما ومعنى الآية وأمم سنمتعهم في الدنيا بما فيها من المتاع ونعطيهم منها ما يعيشون به ثم يمسهم منا في الآخرة عذاب أليم وقيل يمسهم إما في الدنيا أو في الآخرة
هود : ( 49 ) تلك من أنباء . . . . .
والإشارة بقوله ) تلك ( إلى قصة نوح وهى مبتدأ والجمل بعده أخبار ) من أنباء الغيب ( من جنس أنباء الغيب والأنباء جمع نبأ وهو الخبر أي من أخبار الغيب التى مرت بك في هذه السورة والضمير في ) نوحيها إليك ( راجع إلى القصة والمجيء بالمضارع لاستحضار الصورة ) ما كنت ( يا محمد ) تعلمها أنت ولا ( يعلمها ) قومك ( بل هى مجهولة عندكم من قبل الوحي أو من قبل هذا الوقت ) فاصبر ( على ما تلاقيه من كفار زمانك والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها ) إن العاقبة ( المحمودة في الدنيا والآخرة ) للمتقين ( لله المؤمنين بما جاءت به رسله وفي هذا تسلية لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وتبشير له بأن الظفر للمتقين في عاقبة الأمر ولا اعتبار بمباديه
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال نادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإنك قد وعدتني أن تنجي لي أهلي وإن ابني من أهلي وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن ابن عباس قال ما بغت امرأة نبي قط وقوله ) إنه ليس من أهلك ( يقول ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال إن نساء الأنبياء لا يزنين وكان يقرؤها ) إنه عمل غير صالح ( يقول مسألتك إياي يا نوح عمل غير صالح لا أرضاه لك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فلا تسألن ما ليس لك به علم ( قال بين الله لنوح أنه ليس بابنه وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) يا نوح اهبط بسلام منا ( قال أهبطوا والله عنهم راض وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال دخل في ذلك السلام والبركات كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ودخل في ذلك العذاب الأليم كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة وأخرج ابن


"""""" صفحة رقم 504 """"""
جرير عن الضحاك ) وعلى أمم ممن معك ( يعني ممن لم يولد أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة ) وأمم سنمتعهم ( يعني متاع الحياة الدنيا ) ثم يمسهم منا عذاب أليم ( لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة
وأخرج أبو الشيخ قال ثم رجع إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ) تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك ( يعني العرب ) من قبل هذا ( القرآن
سورة هود الآية ( 50 60 )
هود : ( 50 ) وإلى عاد أخاهم . . . . .
قوله ) وإلى عاد أخاهم هودا ( معطوف على وأرسلنا نوحا أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحدا منهم وهودا عطف بيان وقوم عاد كانوا عبدة أوثان وقد تقدم مثل هذا في الأعراف وقيل هم عاد الأولى وعاد الأخرى فهؤلاء هم عاد الأولى وعاد الأخرى هم شداد ولقمان وقومهما المذكورون في قوله ) إرم ذات العماد ( وأصل عاد اسم رجل ثم صار اسما للقبيلة كتميم وبكر ونحوهما ) ما لكم من إله غيره ( قرئ غيره بالجر على اللفظ وبالرفع على محل من إله وقرئ بالنصب على الاستثناء ) إن أنتم إلا مفترون ( أي ما أنتم باتخاذ إله غير الله إلا كاذبون على الله عز وجل
هود : ( 51 ) يا قوم لا . . . . .
ثم خاطبهم فقال ) يا قوم لا أسألكم عليه أجرا ( أي لا أطلب منكم أجرا على ما أبلغه إليكم وأنصحكم به من الإرشاد إلى عبادة الله وحده وأنه لا إله لكم سواه فالضمير راجع إلى مضمون هذا الكلام وقد تقدم معنى هذا في قصة نوح ) إن أجري إلا على الذي فطرني ( أي ما أجري الذى أطلب إلا من الذى فطرني


"""""" صفحة رقم 505 """"""
أي خلقني فهو الذى يثيبني على ذلك ) أفلا تعقلون ( أن أجر الناصحين إنما هو من رب العالمين قيل إنما قال فيما تقدم في قصة نوح مالا وهنا قال أجرا لذكر الخزائن بعده في قصة نوح ولفظ المال بها أليق
هود : ( 52 ) ويا قوم استغفروا . . . . .
ثم أرشدهم إلى الاستغفار والتوبة والمعنى اطلبوا مغفرته لما سلف من ذنوبكم ثم توسلوا إليه بالتوبة وقد تقدم زيادة بيان لمثل هذا في قصة نوح ثم رغبهم في الإيمان بالخير العاجل فقال ) يرسل السماء ( أي المطر ) عليكم مدرارا ( أي كثير الدرور وهو منصوب على الحال درت السماء تدر وتدر فهي مدرار وكان قوم هود أهل بساتين وزرع وعمارة وكانت مساكنهم الرمال التى بين الشام واليمن ) ويزدكم قوة إلى قوتكم ( معطوف على يرسل أي شدة مضافة إلى شدتكم أو خصبا إلى خصبكم أو عزا إلى عزكم قال الزجاج المعنى يزدكم قوة في النعم ) ولا تتولوا مجرمين ( أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه وتقيموا على الكفر مصرين عليه والإجرام الآثام كما تقدم
هود : ( 53 ) قالوا يا هود . . . . .
ثم أجابه قومه بما يدل على فرط جهالتهم وعظيم غباوتهم ف ) قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ( أي بحجة واضحة نعمل عليها ونؤمن لك بها غير معترفين بما جاءهم به من حجج الله وبراهينه عنادا وبعدا عن الحق ) وما نحن بتاركي آلهتنا ( التى نعبدها من دون الله ومعنى ) عن قولك ( صادرين عن قولك فالظرف في محل نصب على الحال ) وما نحن لك بمؤمنين ( أي بمصدقين في شيء مما جئت به
هود : ( 54 ) إن نقول إلا . . . . .
) إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ( أي ما نقول إلا أنه أصابك بعض آلهتنا التى تعيبها وتسفه رأينا في عبادتها بسوء بجنون حتى نشأ عن جنونك ما تقوله لنا وتكرره علينا من التنفير عنها يقال عراه الأمر واعتراه إذا ألم به فأجابهم بما يدل على عدم مبالاته بهم وعلى وثوقه بربه وتوكله عليه وأنهم لا يقدرون على شيء مما يريده الكفار به بل الله سبحانه هو الضار النافع ف ) قال إني أشهد الله واشهدوا ( أنتم ) إني بريء مما تشركون ( به
هود : ( 55 ) من دونه فكيدوني . . . . .
) من دونه ( أي من إشراككم من دون الله من غير أن ينزل به سلطانا ) فكيدوني جميعا ( أنتم وآلهتكم إن كانت كما تزعمون من أنها تقدر على الإضرار بي وأنها اعترتني بسوء ) ثم لا تنظرون ( أي لا تمهلوني بل عاجلوني واصنعوا ما بدا لكم وفي هذا من إظهار عدم المبالاة بهم وبأصنامهم التى يعبدونها ما يصك مسامعهم ويوضح عجزهم وعدم قدرتهم على شيء
هود : ( 56 ) إني توكلت على . . . . .
) إني توكلت على الله ربي وربكم ( فهو يعصمني من كيدكم وإن بلغتم في تطلب وجوه الإضرار بي كل مبلغ فمن توكل على الله كفاه ثم لما بين لهم توكله على الله وثقته بحفظه وكلاءته وصفه بما يوجب التوكل عليه والتفويض إليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم وأنه مالك للجميع وأن ناصية كل دابة من دواب الأرض بيده وفي قبضته وتحت قهره وهو تمثيل لغاية التسخير ونهاية التذليل وكانوا إذا أسروا الأسير وأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته فجعلوا ذلك علامة لقهره فقال الفراء معنى آخذ بناصيتها مالكها والقادر عليها وقال القتيبي قاهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته والناصية قصاص الشعر من مقدم الرأس ثم علل ما تقدم بقوله ) إن ربي على صراط مستقيم ( أي هو على الحق والعدل فلا يكاد يسلطكم علي
هود : ( 57 ) فإن تولوا فقد . . . . .
) فإن تولوا ( أي تتولوا فحذفت إحدى التاءين والمعنى فإن تستمروا على الإعراض عنه الإجابة والتصميم على ما أنتم عليه من الكفر ) فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ( ليس علي إلا ذلك وقد لزمتكم الحجة ) ويستخلف ربي قوما غيركم ( جملة مستأنفة لتقرير الوعيد بالهلاك أي يستخلف في دياركم وأموالكم قوما آخرين ويجوز أن يكون عطفا على فقد أبلغتكم وروى حفص عن عاصم أنه قرأ ) ويستخلف ( بالجزم حملا على موضع فقد أبلغتكم ) ولا تضرونه شيئا ( أي بتوليكم ولا تقدرون على كثير من الضرر ولا حقير ) إن ربي على كل شيء حفيظ ( أي رقيب مهيمن عليه يحفظه من كل شيء قيل وعلى بمعنى اللام فيكون المعنى لكل شيء حفيظ فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء
هود : ( 58 ) ولما جاء أمرنا . . . . .
) ولما جاء أمرنا ( أي عذابنا الذى


"""""" صفحة رقم 506 """"""
هو إهلاك عاد ) نجينا هودا والذين آمنوا معه ( من قومه ) برحمة منا ( أي برحمة عظيمة كائنة منا لأنه لا ينجو أحد إلا برحمة الله وقيل هى الإيمان ) من عذاب غليظ ( أي شديد قيل وهو السموم التى كانت تدخل أنوفهم
هود : ( 59 ) وتلك عاد جحدوا . . . . .
) وتلك عاد ( مبتدأ وخبر وأنت الإشارة اعتبارا بالقبيلة قال الكسائي إن من العرب من لا يصرف عاد ويجعله اسما للقبيلة ) جحدوا بآيات ربهم ( أي كفروا بها وكذبوها وأنكروا المعجزات ) وعصوا رسله ( أي هودا وحده لأنه لم يكن في عصره رسول سواه وإنما جمع هنا لأن من كذب رسولا فقد كذب جميع الرسل وقيل إنهم عصوا هودا ومن كان قبله من الرسل أو كانوا بحيث لو بعث الله إليهم رسلا متعددين لكذبوهم ) واتبعوا أمر كل جبار عنيد ( الجبار المتكبر والعنيد الطاغي الذى لا يقبل الحق ولا يذعن له قال أبو عبيدة العنيد العنود والعاند والمعاند وهو المعارض بالخلاف منه ومنه قيل للعرق الذى يتفجر بالدم عاند قال الراجز إني كبير لا أطيق العندا
هود : ( 60 ) وأتبعوا في هذه . . . . .
) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ( أي ألحقوها وهى الإبعاد من الرحمة والطرد من الخير والمعنى أنها لازمة لهم لا تفارقهم ما داموا في الدنيا و ) واتبعوا ( يوم القيامة فلعنوا هنالك كما لعنوا في الدنيا ) ألا إن عادا كفروا ربهم ( أي بربهم وقال الفراء كفروا نعمة ربهم يقال كفرته وكفرت به مثل شكرته وشكرت له ) ألا بعدا لعاد قوم هود ( أي لازالوا مبعدين من رحمة الله والبعد الهلاك والبعد التباعد من الخير يقال بعد يبعد بعدا إذا تأخر وتباعد وبعد يبعد بعدا إذا هلك ومنه قول الشاعر
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
وقال النابغة
قلا تبعدن إن المنية منهل وكل امريء يوما به الحال زائل
ومنه قول الشاعر
ما كان ينفعني مقال نسائهم وقتلت دون رجالهم لا تبعد
وقد تقدم أن العرب تستعمله في الدعاء بالهلاك
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) إلا على الذي فطرني ( أي خلقني وأخرج ابن عساكر عن الضحاك قال أمسك الله عن عاد القطر ثلاث سنين فقال لهم هود ) استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ( فأبوا إلا تماديا وأخرج أبو الشيخ عن هارون التيمي في قوله ) يرسل السماء عليكم مدرارا ( قال المطر وأخرج ابن جرير وابن المنذر ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) ويزدكم قوة إلى قوتكم ( قال شدة إلى شدتكم وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله ) ويزدكم قوة إلى قوتكم ( قال ولد الولد وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ) إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ( قال أصابتك بالجنون وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن سعيد قال ما من أحد يخاف لصا عاديا أو سبعا ضاريا أو شيطانا ماردا فيتلو هذه الآية إلا صرفه الله عنه وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) إن ربي على صراط مستقيم ( قال الحق وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) عذاب غليظ ( قال شديد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) كل جبار عنيد ( قال المشرك وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال العنيد المشاق وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله ) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة (


"""""" صفحة رقم 507 """"""
قال لم يبعث نبي بعد عاد إلا لعنت على لسانه وأخرج ابن المنذر عن قتادة في الآية قال تتابعت عليهم لعنتان من الله لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة
سورة هود الآية ( 61 68 )
هود : ( 61 ) وإلى ثمود أخاهم . . . . .
قوله ) وإلى ثمود أخاهم صالحا ( معطوف على ما تقدم والتقدير وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا والكلام فيه وفى قوله ) يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( كما تقدم في قصة هود وقرأ الحسن ويحيى بن وثاب ) وإلى ثمود ( بالتنوين في جميع المواضع واختلف سائر القراء فيه فصرفوه في موضع ولم يصرفوه في موضع فالصرف باعتبار التأويل بالحي والمنع باعتبار التأويل بالقبيلة وهكذا سائر ما يصح فيه التأويلان وأنشد سيبويه في التأنيث باعتبار التأويل بالقبيلة غلب المساميح الوليد جماعة
وكفى قريش المعضلات وسادها
) هو أنشأكم من الأرض ( أي ابتدأ خلقكم من الأرض لأن كل بني آدم من صلب آدم وهو مخلوق من الأرض ) واستعمركم فيها ( أي جعلكم عمارها وسكانها من قولهم أعمر فلان فلانا داره فهي له عمرى فيكون استفعل بمعنى أفعل مثل استجاب بمعنى أجاب وقال الضحاك معناه أطال أعماركم وكانت أعمارهم من ثلثمائة إلى ألف وقيل معناه أمركم بعمارتها من بناء المساكن وغرس الأشجار ) فاستغفروه ( أي سلوه المغفرة لكم من عبادة الأصنام ) ثم توبوا إليه ( أي ارجعوا إلى عبادته ) إن ربي قريب مجيب ( أي قريب الإجابة لمن دعاه وقد تقدم القول فيه فى البقرة عند قوله تعالى ) فإني قريب أجيب دعوة الداعى )
هود : ( 62 ) قالوا يا صالح . . . . .
) قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ( أي كنا نرجو أن تكون فينا سيدا مطاعا ننتفع برأيك ونسعد بسيادتك قبل هذا الذى أظهرته من


"""""" صفحة رقم 508 """"""
ادعائك النبوة ودعوتك إلى التوحيد وقيل كان صالح يعيب آلهتهم وكانوا يرجون رجوعه إلى دينهم فلما دعاهم إلى الله قالوا انقطع رجاؤنا منك والاستفهام في قوله ) أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ( للإنكار أنكروا عليه هذا النهي وأن نعبد في محل نصب بحذف الجار أي بأن نعبد ومعنى ما يعبد آباؤنا ما كان يعبد آباؤنا فهو حكاية حال ماضية لاستحضار الصورة ) وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ( من أربته فأنا أريبه إذا فعلت به فعلا يوجب له الريبة وهى قلق النفس وانتفاء الطمأنينة أو من أراب الرجل إذا كان ذار ريبة والمعنى إننا لفي شك مما تدعونا إليه من عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان موقع في الريب
هود : ( 63 ) قال يا قوم . . . . .
) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( أي حجة ظاهرة وبرهان صحيح ) وآتاني منه ( أي من جهته ) رحمة ( أي نبوة وهذه الأمور وإن كانت متحققة الوقوع لكنها صدرت بكلمة الشك اعتبارا بحال المخاطبين لأنهم في شك من ذلك كما وصفوه عن أنفسهم ) فمن ينصرني من الله ( استفهام معناه النفي أي لا ناصر لي يمنعني من عذاب الله ) إن عصيته ( في تبليغ الرسالة وراقبتكم وفترت عما يجب علي من البلاغ ) فما تزيدونني ( بتثبيطكم إياي ) غير تخسير ( بأن تجعلوني خاسرا بإبطال عملي والتعرض لعقوبة الله لي قال الفراء أي تضليل وإبعاد من الخير وقيل المعنى فما تزيدونني باحتياجكم بدين آبائكم غير بصيرة بخسارتكم
هود : ( 64 ) ويا قوم هذه . . . . .
قوله ) ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية ( قد مر تفسير هذه الآية في الأعراف ومعنى لكم آية معجزة ظاهرة وهى منتصبة على الحال ولكم في محل نصب على الحال من آية مقدمة عليها ولو تأخرت لكانت صفة لها وقيل إن ناقة الله بدل من هذه والخبر لكم والأول أولى وإنما قال ) ناقة الله ( لأنه أخرجها لهم من جبل على حسب اقتراحهم وقيل من صخرة صماء ) فذروها تأكل في أرض الله ( أي دعوها تأكل في أرض الله مما فيها من المراعي التى تأكلها الحيوانات قال أبو إسحاق الزجاج ويجوز رفع تأكل على الحال والاستئناف ولعله يعني في الأصل على ما تقتضيه لغة العرب لا في الآية فالمعتمد القراءات المروية على وجه الصحة ) ولا تمسوها بسوء ( قال الفراء بعقر والظاهر أن النهي عما هو أعم من ذلك ) فيأخذكم عذاب قريب ( جواب النهي أي قريب من عقرها وذلك ثلاثة أيام
هود : ( 65 ) فعقروها فقال تمتعوا . . . . .
) فعقروها ( أي فلم يمتثلوا الأمر من صالح ولا النهي بل خالفوا كل ذلك فوقع منهم العقر لها ) فقال ( لهم صالح ) تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ( أي تمتعوا بالعيش في منازلكم ثلاثة أيام فإن العقاب نازل عليكم بعدها قيل إنهم عقروها يوم الأربعاء فأقاموا الخميس والجمعة والسبت وأتاهم العذاب يوم الأحد والإشارة بقوله ) ذلك ( إلى ما يدل عليه الأمر بالتمتع ثلاثة أيام ) وعد غير مكذوب ( أي غير مكذوب فيه فحذف الجار اتساعا أو من باب المجاز كأن الوعد إذا وفي به صدق ولم يكذب ويجوز أن يكون مصدرا أي وعد غير كذب
هود : ( 66 ) فلما جاء أمرنا . . . . .
) فلما جاء أمرنا ( أي عذابنا أو أمرنا بوقوع العذاب ) نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ( قد تقدم تفسير هذا في قصة هود ) ومن خزي يومئذ ( أي ونجيناهم من خزى يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة والخزي الذل والمهانة وقيل من عذاب يوم القيامة والأول أولى وقرأ نافع والكسائي بفتح يوم على أنه اكتسب البناء من المضاف إليه وقرأ الباقون بالكسر ) إن ربك هو القوي العزيز ( القدر الغالب الذى لا يعجزه شيء
هود : ( 67 ) وأخذ الذين ظلموا . . . . .
) وأخذ الذين ظلموا الصيحة ( أي في اليوم الرابع من عقر الناقة صيح بهم فماتوا وذكر الفعل لأن الصيحة والصياح واحد مع كون التأنيث غير حقيقي قيل صيحة جبريل وقيل صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم وماتوا وتقدم في الأعراف ) فأخذتهم الرجفة ( قيل ولعلها وقعت عقب الصيحة ) فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( أي ساقطين على وجوههم موتى قد لصقوا بالتراب كالطير إذا جثمت
هود : ( 68 ) كأن لم يغنوا . . . . .
) كأن لم يغنوا فيها ( أي كأنهم لم يقيموا في بلادهم أو ديارهم والجملة


"""""" صفحة رقم 509 """"""
في محل نصب على الحال والتقدير مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط ) ألا إن ثمود كفروا ربهم ( وضع الظاهر موضع المضمر لزيادة البيان وصرح بكفرهم مع كونه معلوما تعليلا للدعاء عليهم بقوله ) ألا بعدا لثمود ( وقرأ الكسائي بالتنوين وقد تقدم تفسير هذه القصة في الأعراف بما يحتاج إلى مراجعته ليضم ما في إحدى القصتين من الفوائد إلى الأخرى
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج أبو الشيخ عن السدي ) هو أنشأكم من الأرض ( قال خلقكم من الأرض وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) واستعمركم فيها ( قال أعمركم فيها وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد ) واستعمركم فيها ( قال استخلفكم فيها وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) فما تزيدونني غير تخسير ( يقول ما تزدادون أنتم إلا خسارا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء الخراساني نحوه وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله ) فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( قال ميتين وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ) كأن لم يغنوا فيها ( قال كأن لم يعيشوا فيها وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه قال كأن لم يعمروا فيها وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال كأن لم ينعموا فيها
سورة هود الآية ( 69 76 )
هود : ( 69 ) ولقد جاءت رسلنا . . . . .
هذه قصة لوط عليه السلام وقومه وهو ابن عم إبراهيم عليه السلام وكانت قرى لوط بنواحي الشام وإبراهيم ببلاد فلسطين فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط مروا بإبراهيم ونزلوا عنده وكان كل من نزل عنده يحسن قراه وكان مرورهم عليه لتبشيره بهذه البشارة المذكورة فظنهم أضيافا وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وقيل كانوا تسعة وقيل أحد عشر والبشرى التى بشروه بها هى بشارته بالولد وقيل بإهلاك قوم لوط والأولى أولى ) قالوا سلاما ( منصوب بفعل مقدر أي سلمنا عليك سلاما ) قال سلام ( ارتفاعه على أنه خبر مبتدإ محذوف أي أمركم سلام أو مرتفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف والتقدير عليكم سلام ) فما لبث ( أي إبراهيم ) أن جاء بعجل حنيذ ( قال أكثر النحويين ) إن ( هنا بمعنى حتى أي فما لبث حتى جاء وقيل


"""""" صفحة رقم 510 """"""
إنها في محل نصب بسقوط حرف الجر والتقدير فما لبث عن أن جاء أي ما أبطأ إبراهيم عن مجيئه بعجل وما نافيه قاله سيبويه وقال الفراء فما لبث مجيئه أي ما أبطأ مجيئه وقيل إن ما موصولة وهى مبتدأ والخبر أن جاء بعجل حنيذ والتقدير فالذى لبث إبراهيم هو مجيئه بعجل حنيذ والحنيذ المشوي مطلقا وقيل المشوي بحر الحجارة من غير أن تمسه النار يقال حنذ الشاة يحنذها جعلها فوق حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ وقيل معنى حنيذ سمين وقيل الحنيذ هو السميط وقيل النضيج وهو فعيل بمعنى مفعول وإنما جاءهم بعجل لأن البقر كانت أكثر أمواله
هود : ( 70 ) فلما رأى أيديهم . . . . .
) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ( أي لا يمدونها إلى العجل كما يمد يده من يريد الأكل ) نكرهم ( يقال نكرته وأنكرته واستنكرته إذا وجدته على غير ما تعهد ومنه قول الشاعر فأنكرتني وما كان الذى نكرت
من الحوادث إلا الشيب والصلعا
فجمع بين اللغتين ومما جمع فيه بين اللغتين قول الشاعر إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها
خرجت مع البازي علي سواد
وقيل يقال أنكرت لما تراه بعينك ونكرت لما تراه بقلبك قيل وإنما استنكر منهم ذلك لأن عادتهم أن الضيف إذا نزل بهم ولم يأكل من طعامهم ظنوا أنه قد جاء بشر ) وأوجس منهم ( أي أحسن في نفسه منهم ) خيفة ( أي خوفا وفزعا وقيل معنى أوجس أضمر في نفسه خيفة والأول ألصق بالمعنى اللغوي ومنه قول الشاعر جاء البريد بقرطاس يحث به
فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
وكأنه ظن أنهم قد نزلوا به لأمر ينكره أو لتعذيب قومه ) قالوا لا تخف ( قالوا له هذه المقالة مع كونه لم يتكلم بما يدل على الخوف بل أوجس ذلك في نفسه فلعلهم استدلوا على خوفه بأمارات كظهور أثره على وجهه أو قالوه له بعد ما قال عقب ما أوجس في نفسه من الخيفة قولا يدل على الخوف كما في قوله في سورة الحجر ) قال إنا منكم وجلون ( ولم يذكر ذلك هاهنا اكتفاء بما هنالك ثم عللوا نهيه عن الخوف بقولهم ) إنا أرسلنا إلى قوم لوط ( أي أرسلنا إليهم خاصة ويمكن أن يكون إبراهيم عليه السلام قد قال قولا يكون هذا جوابا عنه ) قال فما خطبكم أيها المرسلون ( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين
هود : ( 71 ) وامرأته قائمة فضحكت . . . . .
وجملة ) وامرأته قائمة فضحكت ( في محل نصب على الحال قيل كانت قائمة عند تحاورهم وراء الستر وقيل كانت قائمة تخدم الملائكة وهو جالس والضحك هنا هو الضحك المعروف الذى يكون للتعجب أو للسرور كما قاله الجمهور وقال مجاهد وعكرمة إنه الحيض ومنه قول الشاعر وإني لآتي العرس عند طهورها
وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا
وقال الآخر وصحك الأرانب فوق الصف
كمثل دم الخوف يوم اللقا
والعرب تقول ضحكت الأرنب إذا حاضت وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت ) فبشرناها بإسحاق ( ظاهره أن التبشير كان بعد الضحك وقال الفراء فيه تقديم وتأخير
والمعنى فبشرناها فضحكت سرورا بالولد وقرأ محمد بن زياد من قراء مكة فضحكت بفتح الحاء وأنكره


"""""" صفحة رقم 511 """"""
المهدي ) ومن وراء إسحاق يعقوب ( قرأ حمزة وابن عامر وحفص بنصب يعقوب على أنه مفعول فعل دل عليه فبشرناها كأنه قال ووهبنا لها من رواء إسحاق يعقوب وأجاز الكسائي والأخفش وأبو حاتم أن يكون يعقوب في موضع جر وقال الفراء لا يجوز الجر إلا بإعادة حرفه قال سيبويه ولو قلت مررت بزيد أول من أمس وأمس عمر كان قبيحا خبيثا لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه كما يفرق بين الجار والمجرور وقرأ الباقون برفع يعقوب على أنه مبتدأ وخبره الظرف الذى قبله وقيل الرفع بتقدير فعل محذوف أي ويحدث لها أو وثبت لها وقد وقع التبشير هنا لها ووقع لإبراهيم في قوله تعالى ) فبشرناه بغلام حليم ( ) وبشروه بغلام عليم ( لأن كل واحد منهما مستحق للبشارة به لكونه منهما
هود : ( 72 ) قالت يا ويلتى . . . . .
وجملة ) قالت يا ويلتى ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالت قال الزجاج أصلها يا ويلتى فأبدل من الياء ألف لأنها أخف من الياء والكسرة وهى لم ترد الدعاء على نفسها بالويل ولكنها كلمة تقع كثيرا على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه وأصل الويل الخزي ثم شاع في كل أمر فظيع والاستفهام في قولها ) أألد وأنا عجوز ( للتعجب أي كيف ألد وأنا شيخة قد طعنت في السن يقال عجزت تعجز مخففا ومثقلا عجزا وتعجيزا أي طعنت في السن ويقال عجوز وعجوزة وأما عجزت بكسر الجيم فمعناه عظمت عجيزتها قيل كانت بنت تسع وتسعين وقيل بنت تسعين ) وهذا بعلي شيخا ( أي وهذا زوجي إبراهيم شيخا لا تحبل من مثله النساء وشيخا منتصب على الحال والعامل فيه معنى الإشارة قال النحاس وفي قراءة أبي وابن مسعود شيخ بالرفع على أنه خبر المبتدأ أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف وعلى الأول يكون ) بعلي ( بدلا من اسم الإشارة قيل كان إبراهيم ابن مائة وعشرين سنة وقيل ابن مائه وهذه المبشرة هى سارة امرأة إبراهيم وقد كان ولد لإبراهيم من هاجر أمته إسماعيل فتمنت سارة أن يكون لها ابن وأيست منه لكبر سنها فبشرها الله به على لسان ملائكته ) إن هذا لشيء عجيب ( أي ما ذكرته الملائكة من التبشير بحصول الولد مع كونها في هذه السن العالية التى لا يولد لمثلها شيء يقضى منه العجب
هود : ( 73 ) قالوا أتعجبين من . . . . .
وجملة ) قالوا أتعجبين من أمر الله ( مستأنفة جواب سؤال مقدر والاستفهام فيها للإنكار أي كيف تعجبين من قضاء الله وقدره وهو لا يستحيل عليه شيء وإنما أنكروا عليها مع كون ما تعجبت منه من خوارق العادة لأنها من بيت النبوة ولا يخفى على مثلها أن هذا من مقدوراته سبحانه ولهذا قالوا ) رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( أي الرحمة التى وسعت كل شيء والبركات وهى النمو والزيادة وقيل الرحمة النبوة والبركات الأسباط من بني إسرائيل لما فيهم من الأنبياء وانتصاب أهل البيت على المدح أو الاختصاص وصرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع لقصد التعميم ) إنه حميد ( أي يفعل موجبات حمده من عباده على سبيل الكثرة ) مجيد ( كثير الإحسان إلى عباده بما يفيضه عليهم من الخيرات والجملة تعليل لقوله ) رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت )
هود : ( 74 ) فلما ذهب عن . . . . .
قوله ) فلما ذهب عن إبراهيم الروع ( أي الخيفة التى أوجسها في نفسه يقال ارتاع من كذا إذا خاف ومنه قول النابغة فارتاع من صوت كلاب فبات له
طوع الشوامت من خوف ومن حذر
) وجاءته البشرى ( أي بالولد أو بقولهم لا تخف قوله ) يجادلنا في قوم لوط ( قال الأخفش والكسائي إن يجادلنا في موضع جادلنا فيكون هو جواب لما لما تقرر من أن جوابها يكون بالماضي لا بالمستقبل قال النحاس جعل المستقبل مكانه كما يجعل الماضي مكان المستقبل في الشرط وقيل إن الجواب محذوف ويجادلنا في موضع نصب على الحال قاله الفراء وتقديره فلما ذهب عنه الروع وجاءته البشرى اجترأ على خطابنا حال


"""""" صفحة رقم 512 """"""
كونه يجادلنا أي يجادل رسلنا وقيل إن المعنى أخذ يجادلنا ومجادلته لهم قيل إنه لما سمع قولهم ) إنا مهلكو أهل هذه القرية ( قال أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين أتهلكونهم قالوا لا قال فأربعون قالوا لا قال فعشرون قالوا لا ثم قال فعشرة فخمسة قالوا لا قال فواحد قالوا لا ) قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله ( الآية فهذا معنى مجادلته في قوم لوط أي في شأنهم وأمرهم
هود : ( 75 ) إن إبراهيم لحليم . . . . .
ثم أثنوا على إبراهيم أو أثنى الله عليه فقال ) إن إبراهيم لحليم ( أي ليس بعجول في الأمور ولا بموقع لها على غير ما ينبغي والأواه كثير التأوه والمنيب الراجع إلى الله وقد تقدم في براءة الكلام على الأواه
هود : ( 76 ) يا إبراهيم أعرض . . . . .
قوله ) يا إبراهيم أعرض عن هذا ( هذا قول الملائكة له أي أعرض عن هذا الجدال في أمر قد فرغ منه وجف به القلم وحق به القضاء ) إنه قد جاء أمر ربك ( الضمير للشأن ومعنى مجيء أمر الله مجيء عذابه الذى قدره عليهم وسبق به قضاؤه ) وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ( أي لا يرده دعاء ولا جدال بل هو واقع بهم لا محالة ونازل بهم على كل حال ليس بمصروف ولا مدفوع
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال كانوا أربعة جبريل وميكائيل وإسرافيل ورافئيل وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) بعجل حنيذ ( قال نضيج وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال مشوي وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا قال سميط وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال الحنيذ الذى أنضج بالحجارة وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي يزيد البصري في قوله ) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ( قال لم ير لهم أيديا فنكرهم وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) نكرهم ( قال كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وأنه يحدث نفسه بشر ثم حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه فضحكت امرأته وأخرج ابن المنذر عن المغيرة قال في مصحف ابن مسعود وامرأته قائمة وهو جالس وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد ) وامرأته قائمة ( قال في خدمة أضياف إبراهيم وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال لما أوجس إبراهيم في نفسه خيفة حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه فضحكت امرأته تعجبا مما فيه قوم لوط من الغفلة ومما أتاهم من العذاب وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) فضحكت ( قال فحاضت وهى بنت ثمان وتسعين سنة وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) فضحكت ( قال حاضت وكانت ابنة بضع وتسعين سنة وكان إبراهيم ابن مائة سنة وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال حاضت وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر مثله وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ومن وراء إسحاق يعقوب ( قال هو ولد الولد وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن حسان بن أبجر قال كنت عند ابن عباس فجاء رجل من هذيل فقال له ابن عباس ما فعل فلان قال مات وترك أربعة من الولد وثلاثة من الوراء فقال ابن عباس ) فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ( قال ولد الولد وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس أنه كان ينهى عن أن يزاد في جواب التحية على قولهم عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويتلو هذه الآية ) رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( وأخرج البيهقي عن ابن عمر نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) فلما ذهب عن إبراهيم الروع ( قال الفرق ) يجادلنا في قوم لوط ( قال يخاصمنا وأخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ عن قتادة في تفسير المجادلة قال إنه قال لهم يومئذ


"""""" صفحة رقم 513 """"""
أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين قالوا إن كان فيهم خمسون لم نعذبهم قال أربعون قالوا وأربعون قال ثلاثون قالوا وثلاثون حتى بلغوا عشرة قالوا إن كان فيهم عشرة لم نعذبهم قال ما قوم لا يكون فيهم عشرة فيهم خير قال قتادة إنه كان في قرية لوط أربعة آلاف ألف إنسان أو ما شاء الله من ذلك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال لما جاءت الملائكة إلى إبراهيم قالوا لإبراهيم إن كان فيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب وأخرج أبو الشيخ عن عمرو بن ميمون قال الأواه الرحيم وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال المنيب المقبل إلى طاعة الله وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال المنيب المخلص
سورة هود الآية ( 77 83 )
هود : ( 77 ) ولما جاءت رسلنا . . . . .
لما خرجت الملائكة من عند إبراهيم وكان بين إبراهيم وقرية لوط أربعة فراسخ جاءوا إلى لوط فلما رآهم لوط وكانوا في صورة غلمان حسان مرد ) سيء بهم ( أي ساءه مجيئهم يقال ساءه يسوءه وأصل سيء بهم سويء بهم نقلت حركة الواو إلى السين فقلبت الواو ياء ولما خففت الهمزة ألقيت حركتها على الياء وقرأ نافع وابن عامر والكسائي وأبو عمرو بإشمام السين الضم ) وضاق بهم ذرعا ( قال الأزهري الذرع يوضع موضع الطاقة وأصله أن البعير يذرع بيده في سيره على قدر سعة خطوه أي يبسطها فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك فجعل ضيق الذرع كناية عن قلة الوسع والطاقة وشدة الأمر وقيل هو من ذرعه القيء إذا غلبه وضاق عن حبسه والمعنى أنه ضاق صدره لما رأى الملائكة في تلك الصورة خوفا عليهم من قومه لما يعلم من فسقهم وارتكابهم لفاحشة اللواط ) وقال هذا يوم عصيب ( أي شديد قال الشاعر وإنك إن لم ترض بكر بن وائل
يكن لك يوم بالعراق عصيب
يقال عصيب وعصيصب وعصوصب على التكثير أي يوم مكروه يجتمع فيه الشر ومنه قيل عصبة وعصابة أي مجتمعوا الكلمة ورجل معصوب أي مجتمع الخلق
هود : ( 78 ) وجاءه قومه يهرعون . . . . .
) وجاءه قومه يهرعون إليه ( أي جاءوا لوطا الجملة في محل نصب على الحال ومعنى يهرعون إليه يسرعون إليه قال الكسائي والفراء وغيرهما من أهل اللغة


"""""" صفحة رقم 514 """"""
لا يكون الإهراع إلا إسراء مع رعدة يقال أهرع الرجل إهراعا أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى قال مهلهل فجاءوا يهرعون وهم أسارى
نهودهم على رغم الأنوف
وقيل يهرعون يهرولون وقيل هو مشي بين الهرولة والعدو والمعنى أن قوم لوط لما بلغهم مجيء الملائكة في تلك الصورة أسرعوا إليه كأنما يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه ) ومن قبل كانوا يعملون السيئات ( أي ومن قبل مجيء الرسل فى هذا الوقت كانوا يعملون السيئات وقيل ومن قبل لوط كانوا يعملون السيئات أي كانت عادتهم إتيان الرجال فلما جاءوا إلى لوط وقصدوا أضيافه لذلك العمل قام إليهم لوط مدافعا ) قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ( أي تزوجوهن ودعوا ما تطلبونه من الفاحشة بأضيافي وقد كان له ثلاث بنات وقيل اثنتان وكانوا يطلبون منه أن يزوجهم بهن فيمتنع لخبثهم وكان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما بنتيه وقيل أراد بقوله ) هؤلاء بناتي ( النساء جملة لأن نبي القوم أب لهم وقالت طائفة إنما كان هذا القول منه على طريق المدافعة ولم يرد الحقيقة ومعنى ) هن أطهر لكم ( أي أحل وأنزه والتطهر التنزه عما لا يحل وليس في صيغة أطهر دلالة على التفضيل بل هى مثل الله أكبر وقرأ الحسن وعيسى بن عمر بنصب أطهر وقرأ الباقون بالرفع ووجه النصب أن يكون اسم الإشارة مبتدأ وخبره بناتي وهن ضمير فصل وأطهر حال وقد منع الخليل وسيبويه والأخفش مثل هذا لأن ضمير الفصل الذى يسمى عمادا إنما يكون بين كلامين بحيث لا يتم الكلام إلا بما بعدها نحو كان زيد هو أخاك ) فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ( أي اتقوا الله بترك ما تريدون من الفاحشة بهم ولا تذلوني وتجلبوا علي العار في ضيفي والضيف يطلق على الواحد والاثنين والجماعة لأنه في الأصل مصدر ومنه قول الشاعر لا تعدمي الدهر شفار الجازر
للضيف والضيف أحق زائر
ويجوز فيه التثنية والجمع والأول أكثر يقال خزي الرجل خزاية أي استحيا أو ذل أو هان وخزى خزيا إذا افتضح ومعنى في ضيفي في حق ضيفي فخزى الضيف خزي للمضيف ثم وبخهم فقال ) أليس منكم رجل رشيد ( يرشدكم إلى ترك هذا العمل القبيح ويمنعكم منه
هود : ( 79 ) قالوا لقد علمت . . . . .
فأجابوا عليه معرضين عما نصحهم به وأرشدهم إليه بقولهم ) ما لنا في بناتك من حق ( أي ما لنا فيهم من شهوة ولا حاجة لأن من احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق ومعنى ما نسبوه إليه من العلم أنه قد علم منهم المكالبة على إتيان الذكور وشدة الشهوة إليهم فهم من هذه الحيثية كأنهم لا حاجة لهم إلى النساء ويمكن أن يريدوا أنه لا حق لنا في نكاحهن لأنه لا ينكحهن ويتزوج بهن إلا مؤمن ونحن لا نؤمن أبدا وقيل إنهم كانوا قد خطبوا بناته من قبل فردهم وكان من سنتهم أن من خطب فرد فلا تحل المخطوبة أبدا ) وإنك لتعلم ما نريد ( من إتيان الذكور
هود : ( 80 ) قال لو أن . . . . .
ثم إنه لما علم تصميمهم على الفاحشة وأنهم لا يتركون ما قد طلبوه ) قال لو أن لي بكم قوة ( وجواب لو محذوف والتقدير لدافعتكم عنهم ومنعتكم منهم وهذا منه عليه السلام على طريق التمني أي لو وجدت معينا وناصرا فسمى ما يتقوى به قوة ) أو آوي إلى ركن شديد ( عطف على ما بعد لو لما فيه من معنى الفعل والتقدير لو قويت على دفعكم أو آويت إلى ركن شديد وقرئ ) أو آوي ( بالنصب عطفا على قوة كأنه قال لو أن لي بكم قوة أو إيواء إلى ركن شديد ومراده بالركن الشديد العشيرة وما يمتنع به عنهم هو ومن معه وقيل أراد بالقوة


"""""" صفحة رقم 515 """"""
الولد وبالركن الشديد من ينصره من غير ولده وقيل أراد بالقوة قوته في نفسه
هود : ( 81 ) قالوا يا لوط . . . . .
ولما سمعته الملائكة يقول هذه المقالة ووجدوا قومه قد غلبوه وعجز عن مدافعتهم ) قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ( أخبروه أولا أنهم رسل ربه ثم بشروه بقولهم ) لن يصلوا إليك ( وهذه الجملة موضحة لما قبلها لأنهم إذا كانوا مرسلين من عند الله إليه لم يصل عدوه إليه ولم يقدروا عليه ثم أمروه أن يخرج عنهم فقالوا له ) فأسر بأهلك بقطع من الليل ( قرأ نافع وابن كثير بالوصل وقرأ غيرهما بالقطع وهما لغتان فصيحتان قال الله تعالى ) والليل إذا يسر ( وقال ) سبحان الذي أسرى ( وقد جمع الشاعر بين اللغتين فقال حى النضير وربة الخدر
أسرت عليه ولم تكن تسري
وقيل إن أسرى للمسير من أول الليل وسرى للمسير من آخره والقطع من الليل الطائفة منه قال ابن الأعرابي بقطع من الليل بساعة منه وقال الأخفش بجنح من الليل وقيل بظلمة من الليل وقيل بعد هدو من الليل قيل إن السرى لا يكون إلا في الليل فما وجه زيادة بقطع من الليل قيل لو لم يقل بقطع من الليل لجاز أن يكون في أوله قبل اجتماع الظلمة وليس ذلك بمراد ) ولا يلتفت منكم أحد ( أي لا ينظر إلى ما وراءه أو يشتغل بما خلفه من مال أو غيره قيل وجه النهي عن الالتفات أن لا يروا عذاب قومهم وهول ما نزل بهم فيرحموهم ويرقوا لهم أو لئلا ينقطعوا عن السير المطلوب منهم بما يقع من الالتفات فإنه لا بد للملتفت من فترة في سيره ) إلا امرأتك ( بالنصب على قراءة الجمهور وقرأ أبو عمرو ابن كثير بالرفع على البدل فعلى القراءة الأولى امرأته مستثناة من قوله ) فأسر بأهلك ( أي أسر بأهلك جميعا إلا امرأتك فلا تسر بها ف ) إنه مصيبها ما أصابهم ( من العذاب وهو رميهم بالحجارة لكونها كانت كافرة وأنكر قراءة الرفع جماعة منهم أبو عبيد وقال لا يصح ذلك إلا برفع يلتفت ويكون نعتا لأن المعنى يصير إذا أبدلت وجزمت أن المرأة أبيح لها الالتفات وليس المعنى كذلك قال النحاس وهذا العمل من أبي عبيد وغيره على مثل أبي عمرو مع جلالته ومحله من العربية لا يجب أن يكون والرفع على البدل له معنى صحيح وهو أن يكون استثناء من النهي عن الالتفات أي لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك فإنها تلتفت وتهلك وقيل إن الرفع على البدل من أحد ويكون الالتفات بمعنى التخلف لا بمعنى النظر إلى الخلف فكأنه قال ولا يتخلف منكم أحد إلا امرأتك فإنها تتخلف والملجئ إلى هذا التأويل البعيد الفرار من تناقض القراءتين والضمير في ) إنه مصيبها ما أصابهم ( للشأن والجملة خبر إن ) إن موعدهم الصبح ( هذه الجملة تقليل لما تقدم من الأمر بالإسراء والنهي عن الالتفات والمعنى أن موعد عذابهم الصبح المسفر عن تلك الليلة والاستفهام في ) أليس الصبح بقريب ( للإنكار التقريري والجملة تأكيد للتعليل وقرأ عيسى بن عمر ) أليس الصبح ( بضم الباء وهى لغة ولعل جعل الصبح ميقاتا لهلاكهم لكون النفوس فيه أسكن والناس فيه مجتمعون لم يتفرقوا إلى أعمالهم
هود : ( 82 ) فلما جاء أمرنا . . . . .
) فلما جاء أمرنا ( أي الوقت المضروب لوقوع العذاب فيه أو المراد بالأمر نفس العذاب ) جعلنا عاليها سافلها ( أي عالي قرى قوم لوط سافلها والمعنى أنه قلبها على هذه الهيئة وهى كون عاليها صار سافلها وسافلها صار عاليها وذلك لأن جبريل أدخل جناحه تحتها فرفعها من تخوم الأرض حتى أدناها من السماء ثم قلبها عليهم ) وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ( قيل إنه يقال أمطرنا في العذاب ومطرنا في الرحمة وقيل هما لغتان يقال مطرت السماء وأمطرت حكى ذلك الهروي والسجيل الطين المتحجر بطبخ أو غيره وقيل هو الشديد الصلب من الحجارة وقيل السجيل الكثير وقيل إن السجيل لفظة غير عربية أصله سج وجيل وهما


"""""" صفحة رقم 516 """"""
بالفارسية حجر وطين عربتهما العرب فجعلتهما اسما واحدا وقيل هو من لغة العرب وذكر الهروي أن السجيل اسم لسماء الدنيا قال ابن عطية وهذا ضعيف يرده وصفه بمنضود وقيل هو بحر معلق في الهواء بين السماء والأرض وقيل هى جبال في السماء وقال الزجاج هو من التسجيل لهم أي ما كتب لهم من العذاب فهو في معني سجين ومنه قوله تعالى ) وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم ( وقيل هو من أسجلته إذا أعطيته فكأنه عذاب أعطوه ومنه قول الشاعر من يساجلني يساجل ماجدا
يملأ الدلو إلى عقد الكرب
ومعنى ) منضود ( أنه نضد بعضه فوق بعض وقيل بعضه في أثر بعض يقال نضدت المتاع إذا جعلت بعضه على بعض فهو منضود ونضيد
هود : ( 83 ) مسومة عند ربك . . . . .
والمسومة المعلمة أي التى لها علامة قيل كان عليها أمثال الخواتيم وقيل مكتوب على كل حجر اسم من رمى به وقال الفراء زعموا أنها كانت مخططة بحمرة وسواد في بياض
فذلك تسويمها ومعنى ) عند ربك ( في خزائنه ) وما هي من الظالمين ببعيد ( أي وما هذه الحجارة الموصوفة من الظالمين وهم قوم لوط ببعيد أو ما هى من كل ظالم من الظلمة ومنهم كفار قريش ومن عاضدهم على الكفر بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) ببعيد فهم لظلمهم مستحقون لها وقيل ) وما هي ( أي قرى ) من الظالمين ( من كفر بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ببعيد ( فإنها بين الشام والمدينة وفي إمطار الحجارة قولان أحدهما أنها أمطرت على المدن حين رفعها جبريل والثاني أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها وكان خارجا عنها وتذكير البعيد على تأويل الحجارة بالحجر أو إجراء له على موصوف مذكر أي شيء بعيد أو مكان بعيد أو لكونه مصدرا كالزفير والصهيل والمصادر يستوى في الوصف بها المذكر والمؤنث
الآثار الواردة في تفسير الآيات
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا ( قال ساء ظنا بقومه وضاق ذرعا بأضيافه ) وقال هذا يوم عصيب ( يقول شديد
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله ) يهرعون إليه ( قال يسرعون ) ومن قبل كانوا يعملون السيئات ( قال يأتون الرجال وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه أيضا قال ) يهرعون إليه ( يستمعون إليه وأخرج أبو الشيخ عنه أيضا في قوله ) هؤلاء بناتي ( قال ما عرض لوط بناته على قومه لا سفاحا ولا نكاحا إنما قال هؤلاء نساؤكم لأن النبي إذا كان بين ظهراني قوم فهو أبوهم قال الله تعالى في القرآن ) وأزواجه أمهاتهم ( وهو أبوهم في قراءة أبي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال لم تكن بناته ولكن كن من أمته وكل نبي أبو أمته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه وأخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن السدي نحوه قال وفي قراءة عبد الله ? النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم ? وأخرج ابن أبي حاتم عن حذيفة بن اليمان قال عرض عليهم بناته تزويجا وأراد أن يقي أضيافه بتزويج بناته
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ) ولا تخزون في ضيفي ( قال لا تفضحوني وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك ) أليس منكم رجل رشيد ( قال رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس ) أليس منكم رجل رشيد ( قال واحد يقول لا إله إلا الله وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي ) وإنك لتعلم ما نريد ( قال إنما نريد الرجال ) قال ( لوط ) لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ( يقول إلى جند شديد لمقاتلتكم وأخرج ابن أبي حاتم


"""""" صفحة رقم 517 """"""
عن ابن عباس أو آوى إلى ركن شديد قال عشيرة وقد ثبت في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال يغفر الله للوط إن كان يأوي إلى ركن شديد وهو مروي في غير الصحيح من طريق غيره من الصحابة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس ) بقطع من الليل ( قال جوف الليل وأخرجا عنه قال بسواد الليل وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال بطائفة من الليل وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا يلتفت منكم أحد ( قال لا يتخلف وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) ولا يلتفت منكم أحد ( قال لا ينظر وراءه أحد ) إلا امرأتك ( وأخرج أبو عبيد وابن جرير عن هارون قال في حرف ابن مسعود فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله ) فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها ( قال لما أصبحوا عدا جبريل على قريتهم فقلعها من أركانها ثم أدخل جناحه ثم حملها على خوافي جناحه بما فيها ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم قلبها فكان أول ما سقط منها سرادقها فلم يصب قوما ما أصابهم ثم إن الله طمس على أعينهم ثم قلبت قريتهم وأمطر عليهم حجارة من سجيل وقد ذكر المفسرون روايات وقصصا في كيفية هلاك قوم لوط طويلة متخالفة وليس في ذكرها فائدة لا سيما وبين من قال بشيء من ذلك وبين هلاك قوم لوط دهر طويل لا يتيسر له في مثله إسناد صحيح وغالب ذلك مأخوذ عن أهل الكتاب وحالهم في الرواية معروف وقد أمرنا بأنا لا نصدقهم ولا نكذبهم فاعرف هذا فهو الوجه في حذفنا لكثير من هذه الروايات الكائنة في قصص الأنبياء وقومهم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وما هي من الظالمين ببعيد ( قال يرهب بها قريش أن يصيبهم ما أصاب القوم وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال من ظلمة العرب إن لم يؤمنوا فيعذبوا بها وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن أبي حاتم عن قتادة قال من ظالمي هذه الأمة
سورة هود الآية ( 84 88 )


"""""" صفحة رقم 518 """"""
سورة هود الآية ( 89 95 )
هود : ( 84 ) وإلى مدين أخاهم . . . . .
أي وأرسلنا إلى مدين وهم قوم شعيب أخاهم في النسب شعيبا وسموا مدين باسم أبيهم وهو مدين بن إبراهيم وقيل باسم مدينتهم قال النحاس لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة وقد تقدم الكلام على هذا في الأعراف بأبسط مما هنا وقد تقدم تفسير ) قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ( في أول السورة وهذه الجملة مستأنفة كأنه قيل ماذا قال لهم شعيب لما أرسله الله إليهم وقد كان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه أمرهم أولا بعبادة الله سبحانه الذى هو الإله وحده لا شريك له ثم نهاهم عن أن ينقصوا المكيال والميزان لأنهم كانوا مع كفرهم أهل تطفيف كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد وكذلك إذا وصل إليهم الموزون أخذوا بوزن زائد وإذا باعوا باعوا بكيل ناقص ووزن ناقص وجملة ) إني أراكم بخير ( تعليل للنهي أي لا تنقصوا المكيال والميزان لأني أراكم بخير أي بثروة وسعة من الرزق فلا تغيروا نعمة الله عليكم بمعصيته والإضرار بعباده ففي هذه النعمة ما يغنيكم عن أخذ أموال الناس بغير حقها ثم ذكر بعد هذه العلة علة أخرى فقال ) وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ( فهذه العلة فيها الإذكار لهم بعذاب الآخرة كما أن العلة الأولى فيها الإنكار لهم بنعيم الدنيا ووصف اليوم بالإحاطة والمراد العذاب لأن العذاب واقع في اليوم ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم أنه لا يشذ منهم أحد عنه ولا يجدون منه ملجأ ولا مهربا واليوم هو يوم القيامة وقيل هو يوم الانتقام منهم في الدنيا بالصيحة
هود : ( 85 ) ويا قوم أوفوا . . . . .
ثم أكد النهي عن نقص الكيل والوزن بقوله ) ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ( والإيفاء هو الإتمام والقسط العدل وهو عدم الزيادة والنقص وإن كان الزيادة على الإيفاء فضل وخير ولكنها فوق ما يفيده اسم العدل والنهي عن النقص وإن كان يستلزم الإيفاء ففي تعاضد الدلالتين مبالغة بليغة وتأكيد حسن ثم زاد ذلك تأكيدا فقال ) ولا تبخسوا الناس أشياءهم ( قد مر تفسير هذا في الأعراف وفيه النهي عن البخس على العموم والأشياء أعم مما يكال ويوزن فيدخل البخس بتطفيف الكيل والوزن في هذا دخولا أوليا وقيل البخس المكس خاصة ثم قال ) ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( قد مر أيضا تفسيره في البقرة والعثي في الأرض يشمل كل ما يقع فيها من الإضرار بالناس فيدخل فيه ما في السياق من نقص المكيال والميزان وقيده بالحال وهو قوله ) مفسدين ( ليخرج ما كان صورته من العثي في الأرض والمقصود به الإصلاح كما وقع من الخضر في السفينة
هود : ( 86 ) بقية الله خير . . . . .
) بقيت الله خير لكم ( أي ما يبقيه لكم من


"""""" صفحة رقم 519 """"""
الحلال بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر خيرا وبركة مما تبقونه لأنفسكم من التطفيف والبخس والفساد في الأرض ذكر معناه ابن جرير وغيره من المفسرين وقال مجاهد بقية الله طاعته وقال الربيع وصيته وقال الفراء مراقبته وإنما قيد ذلك بقوله ) إن كنتم مؤمنين ( لأن ذلك إنما ينتفع به المؤمن لا الكافر أو المراد بالمؤمنين هنا المصدقون لشعيب ) وما أنا عليكم بحفيظ ( أحفظكم من الوقوع في المعاصي من التطفيف والبخس وغيرهما أو أحفظ عليكم أعمالكم وأحاسبكم بها وأجازيكم عليها
هود : ( 87 ) قالوا يا شعيب . . . . .
وجملة ) قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ( مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قالوا لشعيب وقرئ ) أصلاتك ( بالإفراد وأن نترك في موضع نصب وقال الكسائي موضعها خفض على إضمار الباء ومرادهم بما يعبد آباؤهم ما كانوا يعبدون من الأوثان والاستفهام للإنكار عليه والاستهزاء به لأن الصلوات عندهم ليست من الخير الذى يقال لفاعله عند إرادة تليين قلبه وتذليل صعوبته كما يقال لمن كان كثير الصدقة إذا فعل ما لا يناسب الصواب أصدقتك أمرتك بهذا وقيل المراد بالصلاة هنا القراءة وقيل المراد بها الدين وقيل المراد بالصلوات أتباعه ومنه المصلى الذى يتلو السابق وهذا منهم جواب لشعيب عن أمره لهم بعبادة الله وحده وقولهم ) أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ( جواب له عن أمرهم بإيفاء الكيل والوزن ونهيهم عن نقصهما وعن بخس الناس وعن العثي في الأرض وهذه الجملة معطوفة على ) ما ( في ما يعبد آباؤنا والمعنى أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا وتأمرك أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء من الأخذ والإعطاء والزيادة والنقص وقرئ ? تفعل ما تشاء ? بالفوقية فيهما قال النحاس فتكون أو على هذه القراءة للعطف على أن الأولى والتقدير ألواتك تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء وقريء نفعل بالنون وما تشاء بالفوقية ومعناه أصلواتك تأمرك أن تفعل نحن في أموالنا ما تشاؤه أنت وندع ما نشاؤه نحن وما يجري به التراضي بيننا ثم وصفوه بوصفين عظيمين فقالوا ) إنك لأنت الحليم الرشيد ( على طريقة التهكم به لأنهم يعتقدون أنه على خلافهما أو يريدون إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك وفي اعتقادك ومعناهم أن هذا الذى نهيتنا عنه وأمرتنا به يخالف ما تعتقده في نفسك من الحلم والرشد وقيل إنهم قالوا ذلك لا على طريقة الاستهزاء بل هو عندهم كذلك وأنكروا عليه الأمر والنهي منه لهم بما يخالف الحلم والرشد في اعتقادهم
قد تقدم تفسير الحلم والرشد
هود : ( 88 ) قال يا قوم . . . . .
وجملة ) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ( مستأنفة كالجمل التى قبلها والمعنى أخبروني إن كنت على حجة واضحة من عند ربي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه ) ورزقني منه ( أي من فضله وخزائن ملكه ) رزقا حسنا ( أي كثيرا واسعا حلالا طيبا وقد كان عليه السلام كثير المال وقيل أراد بالرزق النبوة وقيل الحكمة وقيل العلم وقيل التوفيق وجواب الشرط محذوف يدل عليه سياق الكلام تقديره أترك أمركم ونهيكم أو أتقولون في شأني ما تقولون مما تريدون به السخرية والاستهزاء ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( أي وما أريد بنهي لكم عن التطفيف والبخس أن أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه فأفعله دونكم يقال خالفه إلى كذا إذا قصده وهو مول عنه وخالفته عن كذا في عكس ذلك ) إن أريد إلا الإصلاح ( أي ما أريد بالأمر والنهي إلا لإصلاح لكم ودفع الفساد في دينكم ومعاملاتكم ) ما استطعت ( ما بلغت إليه استطاعتي وتمكنت منه طاقتي ) وما توفيقي إلا بالله ( أي ما صرت موفقا هاديا نبيا مرشدا إلا بتأييد الله سبحانه وإقداري عليه ومنحي إياه ) عليه توكلت ( في جميع أموري التى منها أمركم ونهيكم ) وإليه أنيب ( أي أرجع في كل ما نابني من الأمور وأفوض جميع أموري إلى ما يختاره لي من قضائه وقدره وقيل معناه وإليه أرجع في الآخرة وقيل إن الإنابة الدعاء ومعناه وله أدعوا
هود : ( 89 ) ويا قوم لا . . . . .
قوله ) ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي ( قال الزجاج معناه لا يكسبنكم شقاقي إصابة العذاب


"""""" صفحة رقم 520 """"""
إياكم كما أصاب من كان قبلكم وقيل معناه لا يحملنكم شقاقي والشقاق العداوة ومنه قول الأخطل ألا من مبلغ عني رسولا
فكيف وجدتم طعم الشقاق
و ) أن يصيبكم ( في محل نصب على أنه مفعول ثان ليجرمنكم ) مثل ما أصاب قوم نوح ( من الغرق ) أو قوم هود ( من الريح ) أو قوم صالح ( من الصيحة وقد تقدم تفسير يجرمنكم وتفسير الشقاق ) وما قوم لوط منكم ببعيد ( يحتمل أن يريد ليس مكانهم ببعيد من مكانكم أو ليس زمانهم ببعيد من زمانكم أو ليسوا ببعيد منكم في السبب الموجب لعقوبتهم وهو مطلق الكفر وأفرد لفظ ) بعيد ( لمثل ما سبق في ) وما هي من الظالمين ببعيد )
هود : ( 90 ) واستغفروا ربكم ثم . . . . .
ثم بعد ترهيبهم بالعذاب أمرهم بالاستغفار والتوبة فقال ) واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود ( وقد تقدم تفسير الاستغفار مع ترتيب التوبة عليه في أول السورة وتقدم تفسير الرحيم والمراد هنا أنه عظيم الرحمة للتائبين والودود المحب قال في الصحاح وددت الرجل أوده ودا إذا أحببته والودود المحب والود والود والود المحبة والمعنى هنا أنه يفعل بعباده ما يفعله من هو بليغ المودة بمن يوده من اللطف به وسوق الخير إليه ودفع الشر عنه وفي هذا تعليل لما قبله من الأمر بالاستغفار والتوبة
هود : ( 91 ) قالوا يا شعيب . . . . .
وجملة ) قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول ( مستأنفة كالجمل السابقة والمعنى أنك تأتينا بما لا عهد لنا به من الإخبار بالأمور الغيبية كالبعث والنشور ولا نفقه ذلك أي نفهمه كما نفهم الأمور الحاضرة المشاهدة فيكون نفي الفقه على هذا حقيقة لا مجازا وقيل قالوا ذلك إعراضا عن سماعه واحتقار الكلام مع كونه مفهوما لديهم معلوما عندهم فلا يكون نفي الفقه حقيقة بل مجازا يقال فقه يفقه إذا فهم فقها وفقها وحكى الكسائي فقهانا ويقال فقه فقها إذا صار فقيها ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( أي لا قوة لك تقدر بها على أن تمنع نفسك منا وتتمكن بها من مخالفتنا وقيل المراد أنه ضعيف في بدنه قاله علي بن عيسى وقيل إنه كان مصابا ببصره قال النحاس وحكى أهل اللغة أن حمير تقول للأعمى ضعيف أي قد ضعف بذهاب بصره كما يقال له ضرير أي قد ضر بذهاب بصره وقيل الضعيف المهين وهو قريب من القول الأول ) ولولا رهطك لرجمناك ( رهط الرجل عشيرته الذين يستند إليهم ويتقوى بهم ومنه الراهط لجحر اليربوع لأنه يتوثق به ويخبأ فيه ولده والرهط يقع على الثلاثة إلى العشرة وإنما جعلوا رهطه مانعا من إنزال الضرر به مع كونهم في قلة والكفار ألوف مؤلفة لأنهم كانوا على دينهم فتركوه احتراما لهم لا خوفا منهم ثم أكدوا ما وصفوه به من الضعف بقولهم ) وما أنت علينا بعزيز ( حتى نكف عنك لأجل عزتك عندنا بل تركنا رجمك لعزة رهطك علينا ومعنى لرجمناك لقتلناك بالرجم وكانوا إذا قتلوا إنسانا رجموه بالحجارة وقيل معنى لرجمناك لشتمناك ومنه قول الجعدي تراجمنا بمر القول حتى
نصير كأننا فرسا رهان
ويطلق الرجم على اللعن ومنه الشيطان الرجيم
هود : ( 92 ) قال يا قوم . . . . .
وجملة ) قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ( مستأنفة وإنما قال أعز عليكم من الله ولم يقل أعز عليكم مني لأن نفي العزة عنه وإثباتها لقومه كما يدل عليه إيلاء الضمير حرف النفي استهانة به والاستهانة بأنبياء الله استهانة بالله عز وجل فقد تضمن كلامهم أن رهطه أعز عليه من الله فاستنكر ذلك عليهم وتعجب منه وألزمهم ما لا مخلص لهم عنه ولا مخرج لهم منه بصورة الاستفهام وفي هذا من قوة المحاجة ووضوح المجادلة وإلقام الخصم الحجر ما لا يخفى ولأمر ما سمى شعيب خطيب الأنبياء والضمير في ) واتخذتموه ( راجع إلى الله سبحانه والمعنى واتخذتم الله عز وجل بسبب عدم اعتدادكم بنبيه


"""""" صفحة رقم 521 """"""
الذى أرسله إليكم ) وراءكم ظهريا ( أي منبوذا وراء الظهر لا تبالون به وقيل المعنى واتخذتم أمر الله الذى أمرني بإبلاغه إليكم وهو ما جئتكم به وراء ظهوركم يقال جعلت أمره بظهر إذا قصرت فيه و ) ظهريا ( منسوب إلى الظهر والكسر لتغيير النسب ) إن ربي بما تعملون محيط ( لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم
هود : ( 93 ) ويا قوم اعملوا . . . . .
) ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون ( لما رأى إصرارهم على الكفر وتصميمهم على دين آبائهم وعدم تأثير الموعظة فيهم توعدهم بأن يعملوا على غاية تمكنهم ونهاية استطاعتهم يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ تمكن وأخبرهم أنه عامل على حسب ما يمكنه ويقدر الله له ثم بالغ في التهديد والوعيد بقوله ) سوف تعلمون ( أي عاقبة ما أنتم فيه من عبادة غير الله والإضرار بعباده وقد تقدم مثله في الأنعام ) من يأتيه عذاب يخزيه ( من في محل نصب بتعلمون أي سوف تعلمون من هو الذى يأتيه العذاب المخزي الذى يتأثر عنه الذل والفضيحة والعار ) ومن هو كاذب ( معطوف على من يأتيه والمعنى ستعلمون من هو المعذب ومن هو الكاذب وفيه تعريض بكذبهم في قولهم ) ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز ( وقيل إن من مبتدأ وما بعدها صلتها والخبر محذوف والتقدير من هو كاذب فسيعلم كذبه ويذوق وبال أمره قال الفراء إنما جاء بهو في ) من هو كاذب ( لأنهم لا يقولون من قائم إنما يقولون من قام ومن يقوم ومن القائم فزادوا هو ليكون جملة تقوم مقام فعل ويفعل قال النحاس ويدل على خلاف هذا قول الشاعر من رسولي إلى الثريا فإني
ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
) وارتقبوا إني معكم رقيب ( أي انتظروا إني معكم منتظر لما يقضي به الله بيننا
هود : ( 94 ) ولما جاء أمرنا . . . . .
) ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه ( أي لما جاء عذابنا أو أمرنا بعذابهم نجينا شعيبا وأتباعه الذين آمنوا به ) برحمة منا ( لهم بسبب إيمانهم أو برحمة منا لهم وهى هدايتهم للإيمان ) وأخذت الذين ظلموا ( غيرهم بما أخذوا من أموالهم بغير وجه وظلموا أنفسهم بالتصميم على الكفر ) الصيحة ( التى صاح بهم جبرائيل حتى خرجت أرواحهم وأجسادهم وفي الأعراف ) فأخذتهم الرجفة ( وكذا في العنكبوت وقد قدمنا أن الرجفة الزلزلة وأنها تكون تابعة للصيحة لتموج الهوى المفضى إليها ) فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( أي ميتين
هود : ( 95 ) كأن لم يغنوا . . . . .
وقد تقدم تفسيره وتفسير ) كأن لم يغنوا فيها ( قريبا وكذا تفسير ) ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ( وحكى الكسائي أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ ) كما بعدت ثمود ( بضم العين قال المهدوي من ضم العين من بعدت فهي لغة يستعمل في الخير والشر وبعدت بالكسر على قراءة الجمهور يستعمل في الشر خاصة وهى هنا بمعنى اللعنة
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إني أراكم بخير ( قال رخص السعر ) وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ( قال غلاء السعر وأخرج ابن جرير عنه ) بقية الله ( رزق الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) بقية الله خير لكم ( يقول حظكم من ربكم خير لكم وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال طاعة الله وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله ) أصلاتك تأمرك ( قال أقراءتك وأخرج ابن عساكر عن الأحنف أن شعيبا كان أكثر الأنبياء صلاة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ) أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ( قال نهاهم عن قطع هذه الدنانير والدراهم فقالوا إنما هى أموالنا نفعل فيها ما نشاء إن شئنا قطعناها وإن شئنا أحرقناها وإن شئنا طرحناها وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن محمد بن


"""""" صفحة رقم 522 """"""
كعب نحوه وأخرجا عن زيد بن أسلم نحوه أيضا وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن المنذر وأبو الشيخ وعبد بن حميد عن سعيد بن المسيب نحوه أيضا وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) إنك لأنت الحليم الرشيد ( قال يقولون إنك لست بحليم ولا رشيد وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال استهزاء به وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله ) ورزقني منه رزقا حسنا ( قال الحلال وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله ) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ( قال يقول لم أكن لأنهاكم عن أمر وأركبه وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وإليه أنيب ( قال إليه أرجع
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي قال قلت يا رسول الله أوصني قال قل الله ربي ثم استقم قلت ربي الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب قال ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته نهلا وفي إسناده محمد بن يوسف الكديمي وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) لا يجرمنكم شقاقي ( لا يحملنكم فراقي وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال شقاقي عداوتي وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال لا تحملنكم عداوتي وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة في قوله ) وما قوم لوط منكم ببعيد ( قال إنما كانوا حديثي عهد قريب بعد نوح وثمود وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن سعيد بن جبير ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( قال كان أعمى وإنما عمى من بكائه من حب الله عز وجل وأخرج الواحدي وابن عساكر عن شداد بن أوس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بكى شعيب عليه السلام من حب الله حتى عمى وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس في قوله ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( قال كان ضرير البصر وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح مثله وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في قوله ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( قال كان أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال معناه إنما أنت واحد وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب أنه خطب فتلا هذه الآية في شعيب ) وإنا لنراك فينا ضعيفا ( قال كان مكفوفا فنسبوه إلى الضعف ) ولولا رهطك لرجمناك ( قال علي فوالله الذى لا إله غيره ما هابوا جلال ربهم ما هابوا إلا العشيرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ) واتخذتموه وراءكم ظهريا ( قال نبذتم أمره وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال في الآية لا تخافونه وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال تهاونتم به
سورة هود الآية ( 96 108 )


"""""" صفحة رقم 523 """"""
هود : ( 96 ) ولقد أرسلنا موسى . . . . .
المراد بالآيات التوراة والسلطان المبين المعجزات وقيل المراد بالآيات هى التسع المذكورة في غير هذا الموضع والسلطان المبين العصا وهى وإن كانت من التسع لكنها لما كانت أبهرها أفردت بالذكر وقيل المراد بالآيات ما يفيد الظن والسلطان المبين ما يفيد القطع بما جاء به موسى وقيل هما جميعا عبارة عن شيء واحد أي أرسلناه بما يجمع وصف كونه آية وكونه سلطانا مبينا وقيل إن السلطان المبين ما أورده موسى على فرعون في المحاورة بينهما
هود : ( 97 ) إلى فرعون وملئه . . . . .
) إلى فرعون وملئه ( أي أرسلناه بذلك إلى هؤلاء وقد تقدم أن الملأ أشراف القوم وإنما خصهم بالذكر دون سائر القوم لأنهم أتباع لهم في الإصدار والإيراد وخص هؤلاء الملأ دون فرعون بقوله ) فاتبعوا أمر فرعون ( أي أمره لهم بالكفر لأن حال فرعون في الكفر أمر واضح إذ كفر قومه من الأشراف وغيرهم إنما هو مستند إلى كفره ويجوز أن يراد بأمر فرعون شأنه وطريقته فيعم الكفر وغيره ) وما أمر فرعون برشيد ( أي ليس فيه رشد قط بل هو غي وضلال والرشيد بمعنى المرشد والإسناد مجازي أو بمعنى ذي رشد وفيه تعريض بأن الرشد في أمر موسى
هود : ( 98 ) يقدم قومه يوم . . . . .
) يقدم قومه يوم القيامة ( من قدمه بمعنى تقدمه أي يصير متقدما لهم يوم القيامة سابقا لهم إلى عذاب النار كما كان يتقدمهم في الدنيا ) فأوردهم النار ( أي إنه لا يزال متقدما لهم وهم يتبعونه حتى يوردهم النار وعبر بالماضي تنبيها على تحقق وقوعه ثم ذم الورد الذى أوردهم إليه فقال ) وبئس الورد المورود ( لأن الوارد إلى الماء الذى يقول له الورد إنما يرده ليطفيء حر العطش ويذهب ظمأه والنار على ضد ذلك
هود : ( 99 ) وأتبعوا في هذه . . . . .
ثم ذمهم بعد ذم المكان الذى يردونه فقال ) وأتبعوا في هذه لعنة ( أي أتبع قوم فرعون مطلقا أو الملأ خاصة أو هم وفرعون في هذه الدنيا لعنة عظيمة أي طردا وإبعادا ) ويوم القيامة ( أي وأتبعوا لعنة يوم القيامة يلعنهم أهل المحشر جميعا ثم إنه جعل اللعنة رفدا لهم على طريقة التهكم فقال ) بئس الرفد المرفود ( قال الكسائي وأبو عبيدة رفدته أرفده رفدا أمنته وأعطيته واسم العطية الرفد أي بئس العطاء والإعانة ما أعطوهم إياه وأعانوهم به والمخصوص بالذم محذوف أي رفدهم وهو اللعنة التى أتبعوها في الدنيا والآخرة كأنها لعنة بعد لعنة تمد الأخرى الأولى وتؤبدها وذكر الماوردي حكاية عن الأصمعي أن الرفد بالفتح القدح وبالكسر ما فيه من الشراب فكأنه ذم ما يستقونه في النار وهذا أنسب بالمقام وقيل إن الرفد الزيادة أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق وهو الزيادة قاله الكلبي
هود : ( 100 ) ذلك من أنباء . . . . .
والإشارة بقوله ) ذلك من أنباء القرى نقصه عليك ( أي ما قصه الله سبحانه في هذه السورة من أخبار الأمم السالفة وما فعلوه مع أنبيائهم أي


"""""" صفحة رقم 524 """"""
هو مقصوص عليك خبر بعد خبر وقد تقدم تحقيق معنى القصص والضمير في منها عائد إلى القرى أي من القرى قائم ومنها حصيد والقائم ما كان قائما على عروشه والحصيد ما لا أثر له وقيل القائم العامر والحصيد الخراب وقيل القائم القرى الخاوية على عروشها والحصيد المستأصل بمعنى محصود شبه القرى بالزرع القائم على ساقه والمقطوع قال الشاعر والناس في قسم المنية بينهم
كالزرع منه قائم وحصيد
هود : ( 101 ) وما ظلمناهم ولكن . . . . .
) وما ظلمناهم ( بما فعلنا بهم من العذاب ) ولكن ظلموا أنفسهم ( بالكفر والمعاصي ) فما أغنت عنهم آلهتهم ( أي فما دفعت عنهم أصنامهم التى يعبدونها من دون الله شيئا من العذاب ) لما جاء أمر ربك ( أي لما جاء عذابه ) وما زادوهم غير تتبيب ( الهلاك والخسران أي ما زادتهم الأصنام التى يعبدونها إلا هلاكا وخسرانا وقد كانوا يعتقدون أنها تعينهم على تحصيل المنافع
هود : ( 102 ) وكذلك أخذ ربك . . . . .
) وكذلك أخذ ربك ( قرأ الجحدري وطلحة بن مصرف ) أخذ ( على أنه فعل وقرأ غيرهما ) أخذ ( على المصدر ) إذا أخذ القرى وهي ظالمة ( أي أهلها وهم ظالمون ) إن أخذه ( أي عقوبته للكافرين ) أليم شديد ( أي موجع غليظ
هود : ( 103 ) إن في ذلك . . . . .
) إن في ذلك لآية ( أي في أخذ الله سبحانه لأهل القرى أو في القصص الذى قصه على رسوله لعبرة وموعظة ) لمن خاف عذاب الآخرة ( لأنهم الذين يعتبرون بالعبر ويتعظون بالمواعظ والإشارة بقوله ) ذلك يوم مجموع له الناس ( إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة أن يجمع فيه الناس للمحاسبة والمجازاة ) وذلك ( أي يوم القيامة ) يوم مشهود ( أي يشهده أهل المحشر أو مشهود فيه الخلائق فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول
هود : ( 104 ) وما نؤخره إلا . . . . .
) وما نؤخره إلا لأجل معدود ( أي وما نؤخر ذلك اليوم إلا لانتهاء أجل معدود معلوم بالعدد قد عين الله سبحانه وقوع الجزاء بعده
هود : ( 105 ) يوم يأت لا . . . . .
) يوم يأت ( قرأ أهل المدينة وأبو عمرو والكسائي بإثبات الياء في الدرج حذفها في الوقف وقرأ أبي وابن مسعود بإثباتها وصلا ووقفا وقرأ الأعمش بحذفها فيهما ووجه حذف الياء مع الوقف ما قاله الكسائي أن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم فحذفت الياء كما تحذف الضمة
ووجه قراءة من قرأ بحذف الياء مع الوصل أنهم رأوا رسم المصحف كذلك وحكى الخليل وسيبويه أن العرب تقول لا أدر فتحذف الياء وتجتزئ بالكسر وأنشد الفراء في حذف الياء كفاك كف ما تليق درهما
جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
قال الزجاج والأجود في النحو إثبات الياء والمعنى حين يأتي يوم القيامة ) لا تكلم نفس ( أي لا تتكلم حذفت إحدى التاءين تخفيفا أي لا تتكلم فيه نفس إلا بما أذن لها من الكلام وقيل لا تكلم بحجة ولا شفاعة ) إلا بإذنه ( سبحانه لها في التكلم بذلك وقد جمع بين هذا وبين قوله ) هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ( باختلاف أحوالهم باختلاف مواقف القيامة وقد تكرر مثل هذا الجمع في مواضع ) فمنهم شقي وسعيد ( أي من الأنفس شقي ومنهم سعيد فالشقي من كتبت عليه الشقاوة والسعيد من كتبت له السعادة وتقديم الشقي على السعيد لأن المقام مقام تحذير
هود : ( 106 ) فأما الذين شقوا . . . . .
) فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ( أي فأما الذين سبقت لهم الشقاوة فمستقرون في النار لهم فيها زفير وشهيق قال الزجاج الزفير من شدة الأنين وهو المرتفع جدا قال وزعم أهل اللغة من البصريين والكوفيين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمير والشهيق بمنزلة آخره وقيل الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف وقيل الزفير إخراج النفس والشهيق رد النفس وقيل الزفير من الصدر والشهيق من الحلق وقيل الزفير ترديد النفس من شدة الخوف والشهيق النفس الطويل الممتد


"""""" صفحة رقم 525 """"""
والجملة إما مستأنفة كأنه قيل ما حالهم فيها أو في محل نصب على الحال
هود : ( 107 ) خالدين فيها ما . . . . .
) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ( أي مدة دوامهما
وقد اختلف العلماء في بيان معنى هذا التوقيت لأنه قد علم بالأدلة القطعية تأييد عذاب الكفار في النار وعدم انقطاعه عنهم وثبت أيضا أن السموات والأرض تذهب عند انقضاء أيام الدنيا فقالت طائفة إن هذا الإخبار جار على ما كانت العرب تعتاده إذا أرادوا المبالغة في دوام الشيء قالوا هو دائم ما دامت السموات والأرض ومنه قولهم لا آتيك ما جن ليل وما اختلف الليل والنهار وما ناح الحمام ونحو ذلك فيكون معنى الآية أنهم خالدون فيها أبدا لا انقطاع لذلك ولا انتهاء له وقيل إن المراد سموات الآخرة وأرضها فقد ورد ما يدل على أن للآخرة سموات وأرضا غير هذه الموجودة في الدنيا وهى دائمة بدوام دار الآخرة وأيضا لا بد لهم من موضع يقلهم وآخر يظلهم وهما أرض وسماء قوله ) إلا ما شاء ربك ( قد اختلف أهل العلم في معنى هذا الاستثناء على أقوال الأول أنه من قوله ) ففي النار ( كأنه قال إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك روى هذا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري الثاني أن الاستثناء إنما هو للعصاة من الموحدين وأنهم يخرجون بعد مدة من النار وعلى هذا يكون قوله سبحانه ) فأما الذين شقوا ( عاما في الكفرة والعصاة ويكون الاستثناء من خالدين وتكون ما بمعنى من وبهذا قال قتادة والضحاك وأبو سنان وغيرهم وقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواترا يفيد العلم الضروري بأنه يخرج من النار أهل التوحيد فكان ذلك مخصصا لكل عموم الثالث أن الاستثناء من الزفير والشهيق أي لهم فيها زفير وشهيق ) إلا ما شاء ربك ( من أنواع العذاب غير الزفير والشهيق قاله ابن الأنباري
الرابع أن معنى الاستثناء أنهم خالدون فيها ما دامت السموات والأرض لا يموتون إلا ما شاء ربك فإنه يأمر النار فتأكلهم حتى يفنوا ثم يجدد الله خلقهم روى ذلك عن ابن مسعود الخامس أن إلا معنى سوى والمعنى ما دامت السموات والأرض سوى ما يتجاوز ذلك من الخلود كأنه ذكر في خلودهم ما ليس عند العرب أطول منه ثم زاد عليه الدوام الذى لا آخر له حكاه الزجاج السادس ما روى عن الفراء وابن الأنباري وابن قتيبة من أن هذا لا ينافي عدم المشيئة كقولك والله لأضربنه إلا أن أرى غير ذلك ونوقش هذا بأن معنى الآية الحكم بخلودهم إلا المدة التى شاء الله فالمشيئة قد حصلت جزما وقد حكى هذا القول الزجاج أيضا السابع أن المعنى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من مقدار موقفهم في قبوركم وللحساب حكاه الزجاج أيضا والثامن أن المعنى خالدين فيها إلا ما شاء ربك من زيادة النعيم لأهل النعيم وزيادة العذاب لأهل الجحيم حكاه أيضا الزجاج واختاره الحكيم الترمذي التاسع أن إلا بمعنى الواو قاله الفراء والمعنى وما شاء ربك من الزيادة قال مكي وهذا القول بعيد عند البصريين أن تكون إلا بمعنى الواو العاشر أن إلا بمعنى الكاف
والتقدير كما شاء ربك ومنه قوله تعالى ) ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ( أي كما قد سلف الحادي عشر أن هذا الاستثناء إنما هو على سبيل الاستثناء الذي ندب إليه الشارع فى كل كلام فهو على حد قوله ) لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ( روى نحو هذا عن أبي عبيد وهذه الأقوال هى جملة ما وقفنا عليه من أقوال أهل العلم وقد نوقش بعضها بمناقشات ودفعت بدفوعات وقد أوضحت ذلك في رسالة مستقلة جمعتها في جواب سؤال ورد من بعض الأعلام
هود : ( 108 ) وأما الذين سعدوا . . . . .
) وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ( قرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ) سعدوا ( بضم السين وقرأ الباقون بفتح السين
واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم قال سيبويه لا يقال سعد فلان كما لا يقال شقي فلان لكونه مما لا يتعدي


"""""" صفحة رقم 526 """"""
قال النحاس ورأيت علي بن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي بضم السين مع علمه بالعربية وهذا لحن لا يجوز ومعنى الآية كما مر في قوله ) فأما الذين شقوا ( قوله ) إلا ما شاء ربك ( قد عرف من الأقوال المتقدمة ما يصلح لحمل هذا الاستثناء عليه ) عطاء غير مجذوذ ( أي يعطيهم الله عطاء غير مجذوذ والمجذوذ المقطوع من جذه يجذه إذا قطعه والمعنى أنه ممتد إلى غير نهاية
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) يقدم قومه يوم القيامة ( يقول أضلهم فأوردهم النار وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال فرعون يمضي بين أيدي قومه حتى يهجم بهم على النار وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله ) فأوردهم النار ( قال الورود الدخول وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) بئس الرفد المرفود ( قال لعنة الدنيا والآخرة وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه ) منها قائم وحصيد ( يعني قرى عامرة وقرى خامدة وأخرج أبو الشيخ عن قتادة منها قائم يرى مكانه وحصيد لا يرى له أثر وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج منها قائم خاو على عروشه وحصيد ملصق بالأرض وأخرج أبو الشيخ عن أبي عاصم ) فما أغنت عنهم ( قال ما نفعت وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عمر في قوله ) وما زادوهم غير تتبيب ( أي هلكة وأخرج أبو الشيخ عن ابن زيد قال تخسير وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة معناه وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن الله سبحانه وتعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ ) وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ( وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله ) إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ( يقول إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الآخرة كما وفينا للأنبياء أنا ننصرهم وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ( قال يوم القيامة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد مثله وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) يوم يأت ( قال ذلك اليوم وأخرج الترمذي وحسنه وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال لما نزلت ) فمنهم شقي وسعيد ( قلت يا رسول الله فعلام نعمل على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يفرغ منه قال بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ولكن كل ميسر لما خلق له وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال هاتان من المخبآت قول الله ) فمنهم شقي وسعيد ( و ) يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا ( أما قوله ) فمنهم شقي وسعيد ( فهم قوم من أهل الكتاب من أهل هذه القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم ثم يأذن في الشفاعة لهم فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار ) فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ( حين أذن في الشفاعة لهم وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة وهم هم ) وأما الذين سعدوا ( يعني بعد الشقاء الذى كانوا فيه ) ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ( يعني الذين كانوا في النار وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن قتادة أنه تلا هذه الآية ) فأما الذين شقوا ( فقال حدثنا أنس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال يخرج قوم من النار ولا نقول كما قال أهل حروراء إن من دخلها بقي فيها وأخرج ابن مردويه عن جابر قال قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) فأما الذين شقوا ( إلى قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إن شاء الله أن يخرج أناسا من


"""""" صفحة رقم 527 """"""
الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن خالد بن معدان في قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال إنها في التوحيد من أهل القبلة وأخرج عبد الرزاق وابن الضريس وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله أو عن أبي سعيد الخدري أو رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال هذه الآية قاضية على القرآن كله يقول حيث كان في القرآن خالدين فيها تأتي عليه وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي نضرة قال ينتهي القرآن كله إلى هذه الآية ) إن ربك فعال لما يريد ( وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ما دامت السماوات والأرض ( فقال لكل جنة سماء وأرض وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي نحوه وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن نحوه أيضا وأخرج البيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار وان يخلد هؤلاء في الجنة واخرج ابن جرير عنه في قوله الا ما شاء ربك قال استثنى الله من النار أن تأكلهم وأخرج أبو الشيخ عن السدي في الآية قال فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة ) إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ( إلى آخر الآية فذهب الرجاء لأهل النار أن يخرجوا منها وأوجب لهم خلود الأبد وقوله ) وأما الذين سعدوا ( الآية قال فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات ( إلى قوله ) ظلا ظليلا ( فأوجب لهم خلود الأبد وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال قال عمر لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه وأخرج إسحاق بن راهويه عن أبي هريرة قال سيأتي على جنهم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ ) فأما الذين شقوا ( الآية وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية ) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك ( قال وقال ابن مسعود ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ) إلا ما شاء ربك ( قال الله أعلم بتثنيته على ما وقعت وقد روى عن جماعة من السلف مثل ما ذكره عمر وأبو هريرة وابن مسعود كابن عباس وعبد الله بن عمر وجابر وأبي سعيد من الصحابة وعن أبي مجلز وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهما من التابعين وورد في ذلك حديث في معجم الطبراني الكبير عن أبي أمامة صدى بن عجلان الباهلي وإسناده ضعيف ولقد تكلم صاحب الكشاف في هذا الموضع بما كان له في تركه سعة وفي السكوت عنه غني فقال ولا يخدعنك قول المجبرة إن المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار
فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روى لهم بعض الثوابت عن ابن عمرو ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ثم قال وأقول ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما يشغله عن تسيير هذا الحديث انتهى
وأقول أما الطعن على من قال بخروج أهل الكبائر من النار فالقائل بذلك يا مسكين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كما صح عنه في دواوين الإسلام التى هى دفاتر السنة المطهرة وكما صح عنه في غيرها من طريق جماعة من الصحابة يبلغون عدد التواتر فمالك والطعن على قوم عرفوا ما جهلته وعملوا بما أنت عنه في مسافة بعيدة وأي مانع من حمل الاستثناء على هذا الذى جاءت به الأدلة الصحيحة الكثيرة كما ذهب إلى ذلك وقال به جمهور العلماء من السلف والخلف وأما ما ظنته من أن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم فلا


"""""" صفحة رقم 528 """"""
مناداة ولا مخالفة وأي مانع من حمل الاستثناء في الموضعين على العصاة من هذه الأمة فالاستثناء الأول يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من خروج العصاة من هذه الأمة من النار والاستثناء الثاني يحمل على معنى إلا ما شاء ربك من عدم خلودهم في الجنة كما يخلد غيرهم وذلك لتأخر خلودهم إليها مقدار المدة التى لبثوا فيها في النار
وقد قال بهذا من أهل العلم من قدمنا ذكره وبه قال ابن عباس حبر الأمة وأما الطعن على صاحب رسول الله وحافظ سنته وعابد الصحابة عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فإلى أين يا محمود أتدري ما صنعت وفي أي واد وقعت وعلى أي جنب سقطت ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيديك القصيرة ورجلك العرجاء أما كان لك في مكسرى طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري فيا لله العجب ما يفعل القصور في علم الرواية والبعد عن معفرتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه
سورة هود الآية ( 109 115 )
هود : ( 109 ) فلا تك في . . . . .
لما فرغ الله سبحانه من أقاصيص الكفرة وبيان حال السعداء والأشقياء سلى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بشرح أحوال الكفرة من قومه في ضمن النهي له عن الامتراء في أن ما يعبدونه غير نافع ولا ضار ولا تأثير له في شئ وحذف النون في ) فلا تك ( لكثرة الاستعمال والمرية الشك والإشارة بهؤلاء إلى كفار عصره ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل المعنى لا تك في شك من بطلان ما يعبد هؤلاء وقيل لا تك في شك من سوء عاقبتهم
ولا مانع من الحمل على جميع هذه المعاني وهذا النهي له ( صلى الله عليه وسلم ) هو تعريض لغيره ممن يداخله شيء من الشك فإنه ( صلى الله عليه وسلم ) لا يشك في ذلك أبدا ثم بين له سبحانه أن معبودات هؤلاء كمعبودات آبائهم أو أن عبادتهم كعبادة آبائهم من قبل وفي هذا استثناء تعليل للنهي عن الشك والمعنى أنهم سواء في الشرك بالله وعبادة غيره فلا يكن في صدرك حرج مما تراه من قومك فهم كمن قبلهم من طوائف الشرك وجاء بالمضارع في كما يعبد آباؤهم لاستحضار الصورة ثم بين له أنه مجازيهم بأعمالهم فقال ) وإنا لموفوهم نصيبهم ( من العذاب كما وفينا آباءهم لا ينقص من ذلك شيء وانتصاب غير الحال والتوفية لا تستلزم عدم


"""""" صفحة رقم 529 """"""
النقص فقد يجوز أن يوفى وهو ناقص كما يجوز أن يوفى وهو كامل وقيل المراد نصيبهم من الرزق وقيل ما هو أعم من الخير والشر
هود : ( 110 ) ولقد آتينا موسى . . . . .
) ولقد آتينا موسى الكتاب ( أي التوراة ) فاختلف فيه ( أي في شأنه وتفاصيل أحكامه
فآمن به قوم وكفر به آخرون وعمل بأحكامه قوم وترك العمل ببعضها آخرون فلا يضق صدرك يا محمد بما وقع من هؤلاء في القرآن ) ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ( أي لولا أن الله سبحانه قد حكم بتأخير عذابهم إلى يوم القيامة لما علم في ذلك من الصلاح لقضي بينهم أي بين قومك أو بين قوم موسى فيما كانوا فيه مختلفين فأئيب المحق وعذب المبطل أو الكلمة هى أن رحمته سبحانه سبقت غضبه فأمهلهم ولم يعاجلهم لذلك وقيل إن الكلمة هى أنهم لا يعذبون بعذاب الاستئصال وهذا من جملة التسلية له ( صلى الله عليه وسلم ) ثم وصفهم بأنهم في شك من الكتاب فقال ) وإنهم لفي شك منه مريب ( أي من القرآن إن حمل على قوم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أو من التوراة إن حمل على قوم موسى عليه السلام والمريب الموقع في الريبة
هود : ( 111 ) وإن كلا لما . . . . .
ثم جمع الأولين والآخرين في حكم توفية العذاب لهم أو هو والثواب فقال ) وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم ( قرأ نافع وابن كثير وأبو بكر ) وإن ( بالتخفيف على أنها إن المخففة من الثقيلة وعملت في كلا النصب وقد جوز عملها الخليل وسيبويه وقد جوز البصريون تخفيف إن مع إعمالها وأنكر ذلك الكسائي وقال ما أدري على أي شيء قرئ ) وإن كلا ( وزعم الفراء أن انتصاب كلا بقوله ليوفينهم والتقدير وإن ليوفينهم كلا وأنكر ذلك عليه جميع النحويين وقرأ الباقون بتشديد ) إن ( ونصبوا بها كلا وعلى كلا القراءتين فالتنوين في كلا عوض عن المضاف إليه أي وإن كل المختلفين وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر ) لما ( بالتشديد وخففها الباقون
قال الزجاج لام لما لام إن وما زائدة مؤكدة وقال الفراء ما بمعنى من كقوله ) وإن منكم لمن ليبطئن ( أي وإن كلا لمن ليوفينهم وقيل ليست بزائدة بل هى اسم دخلت عليها لام التوكيد والتقدير وإن كلا لمن خلق
قيل وهى مركبة وأصلها لمن ما فقلبت النون ميما واجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى حكى ذلك النحاس عن النحويين وزيف الزجاج هذا وقال من اسم على حرفين فلا يجوز حذف النون وذهب بعض النحويين إلى أن لما هذه بمعنى إلا ومنه قوله تعالى ) إن كل نفس لما عليها حافظ ( وقال المازني الأصل لما المخففة ثم ثقلت قال الزجاج وهذا خطأ إنما يخفف المثقل ولا يثقل المخفف وقال أبو عبيد القاسم بن سلام يجوز أن يكون التشديد من قولهم لمت الشيء ألمه إذا جمعته ثم بني منه فعلى كما قرئ ) ثم أرسلنا رسلنا تترا ( وأحسن هذه الأقوال أنها بمعنى إلا الاستثنائية وقد روى ذلك عن الخليل وسيبويه وجميع البصريين ورجحه الزجاج ويؤيده أن في حرف أبي ) وإن كلا لما ليوفينهم ( كما حكاه أبو حاتم عنه وقرئ بالتنوين أي جميعا
وقرأ الأعمش ) وإن كل لما ( بتخفيف إن ورفع كل وتشديد لما وتكون إن على هذه القراءة نافية ) إنه بما يعملون ( أيها المختلفون ) خبير ( لا يخفى عليه منه شيء والجملة تعليل لما قبلها
هود : ( 112 ) فاستقم كما أمرت . . . . .
ثم أمر سبحانه رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) بكلمة جامعة لأنواع الطاعة له سبحانه فقال ) فاستقم كما أمرت ( أي كما أمرك الله فيدخل في ذلك جميع ما أمره به وجميع ما نهاه عنه لأنه قد أمره بتجنب ما نهاه عنه كما أمره بفعل ما تعبده بفعله وأمته أسوته في ذلك ولهذا قال ) ومن تاب معك ( أي رجع من الكفر إلى الإسلام وشاركك في الإيمان وهو معطوف على الضمير في فاستقم لأن الفصل بين المعطوف والضمير المرفوع المعطوف عليه يقوم مقام التأكيد أي وليستقم من تاب معك وما أعظم موقع هذه الآية وأشد أمرها فإن الاستقامة كما أمر الله لا تقوم بها إلا الأنفس المطهرة والذوات المقدسة ولهذا يقول المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) شيبتني هود كما تقدم ) ولا تطغوا ( الطغيان


"""""" صفحة رقم 530 """"""
مجاوزة الحد لما أمر الله سبحانه بالاستقامة المذكورة بين أن الغلو في العبادة والإفراط في الطاعة على وجه تخرج به عن الحد الذى حده والمقدار الذى قدره ممنوع منه منهي عنه وذلك كمن يصوم ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام ويترك الحلال الذى أذن الله به ورغب فيه ولهذا يقول الصادق المصدوق فيما صح عنه أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأنكح النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولأمته تغليبا لحالهم عل حاله أو النهي عن الطغيان خاص بالأمة ) إنه بما تعملون بصير ( يجازيكم على حسب ما تستحقون والجملة تعليل لما قبلها
هود : ( 113 ) ولا تركنوا إلى . . . . .
قوله ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( قرأ الجمهور بفتح الكاف وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة وغيرهما ) تركنوا ( بضم الكاف قال الفراء وهى لغة تميم وقيس قال أبو عمرو وقراءة الجمهور هى لغة أهل الحجاز قال ولغة تميم بكسر التاء وفتح الكاف وهم يكسرون حرف المضارعة في كل ما كان من باب علم يعلم وقرأ ابن أبي عبلة بضم التاء وفتح الكاف على البناء للمفعول من أركنه قال في الصحاح ركن إليه يركن بالضم وحكى أبو زيد ركن إليه بالكسر يركن ركونا فيهما أي مال إليه وسكن قال الله تعالى ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( وأما ما حكى أبو زيد ركن يركن بالفتح فيهما فإنما هو على الجمع بين اللغتين انتهى وقال في شمس العلوم الركون السكون يقال ركن إليه ركونا قال الله تعالى ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( انتهى وقال في القاموس ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا مال وسكن انتهى فهؤلاء الأئمة من رواة اللغة فسروا الركون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد بما قيده به صاحب الكشاف حيث قال فإن الركون هو الميل اليسير وهكذا فسره المفسرون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد إلا من كان من المتقيدين بما ينقله صاحب الكشاف ومن المفسرين من ذكر في تفسير الركون قيودا لم يذكرها أئمة اللغة قال القرطبي في تفسيره الركون حقيقته الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به ومن أئمة التابعين من فسر الركون بما هو أخص من معناه اللغوي فروى عن قتادة وعكرمة في تفسير الآية أن معناها لا تودوهم ولا تطيعوهم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير الآية الركون هنا الإدهان وذلك أن لا ينكر عليهم كفرهم وقال أبو العالية معناه لا ترضوا أعمالهم
وقد اختلف أيضا الأئمة من المفسرين في هذه الآية هل هى خاصة بالمشركين أو عامة فقيل خاصة وإن معنى الآية النهي عن الركون إلى المشركين وأنهم المرادون بالذين ظلموا وقد روى ذلك عن ابن عباس وقيل إنها عامة في الظلمة من غير فرق بين كافر ومسلم وهذا هو الظاهر من الآية ولو فرضنا أن سبب النزول هم المشركون لكان الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإن قلت وقد وردت الأدلة الصحيحة البالغة عدد التواتر الثابتة عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ثبوتا لا يخفى على من له أدني تمسك بالسنة المطهرة بوجوب طاعة الأئمة والسلاطين والأمراء حتى ورد في بعض ألفاظ الصحيح أطيعوا السلطان وإن كان عبدا حبشيا رأسه كالزبيبة وورد وجوب طاعتهم ما أقاموا الصلاة وما لم يظهروا منهم الكفر البواح وما لم يأمروا بمعصية الله وظاهر ذلك أنهم وإن بلغوا في الظلم إلى أعلى مراتبه وفعلوا أعظم أنواعه مما لم يخرجوا به إلى الكفر البواح فإن طاعتهم واجبة حيث لم يكن ما أمروا به من معصية الله ومن جملة ما يأمرون به تولي الأعمال لهم والدخول في المناصب الدينية التى ليس الدخول فيها من معصية الله ومن جملة ما يأمرون به الجهاد وأخذ الحقوق الواجبة من الرعايا وإقامة الشريعة بين المتخاصمين منهم وإقامة الحدود على من وجبت عليه وبالجملة فطاعتهم واجبة على كل من صار تحت أمرهم ونهيهم في كل ما يأمرون به مما لم يكن من معصية الله ولا بد في مثل


"""""" صفحة رقم 531 """"""
ذلك من المخالطة لهم والدخول عليهم ونحو ذلك مما لا بد منه ولا محيص عن هذا الذى ذكرناه من وجوب طاعتهم بالقيود المذكورة لتواتر الأدلة الواردة به بل قد ورد به الكتاب العزيز ) أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي ألامر منكم ( بل ورد أنهم يعطون الذى لهم من الطاعة وإن منعوا ما هو عليهم للرعايا كما في بعض الأحاديث الصحيحة أعطوهم الذى لهم واسألوا الله الذى لكم بل ورد الأمر بطاعة السلطان وبالغ في ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حتى قال وإن أخذ مالك وضرب ظهرك فإن اعتبرنا مطلق الميل والسكون فمجرد هذه الطاعة المأمور بها مع ما تستلزمه من المخالطة هى ميل وسكون وإن اعتبرنا الميل والسكون ظاهرا وباطنا فلا يتناول النهي في هذه الآية من مال إليهم في الظاهر لأمر يقتضي ذلك شرعا كالطاعة أو للتقية ومخافة الضرر منهم أو لجلب مصلحة عامة أو خاصة أو دفع مفسدة عامة أو خاصة إذا لم يكن له ميل إليهم في الباطن ولا محبة ولا رضا بأفعالهم قلت أما الطاعة على عمومها بجميع أقسامها حيث لم تكن في معصية الله فهي على فرض صدق مسمى الركون عليها مخصصة لعموم النهي عنه بأدلتها التى قدمنا الإشارة إليها ولا شك في هذا ولا ريب فكل من أمروه ابتداء أن يدخل في شئ من الأعمال التى أمرها إليهم مما لم يكن من معصية الله كالمناصب الدينية ونحوها إذا وثق من نفسه بالقيام بما وكل إليه فذلك واجب عليه فضلا عن أن يقال جائز له وأما ما ورد من النهي عن الدخول في الإمارة فذلك مقيد بعدم وقوع الأمر ممن تجب طاعته من الأئمة والسلاطين والأمراء جمعا بين الأدلة أو مع ضعف المأمور عن القيام بما أمر به كما ورد تعليل النهي عن الدخول في الإمارة بذلك في بعض الأحاديث الصحيحة وأما مخالطتهم والدخول عليهم لجلب مصلحة عامة أو خاصة أو دفع مفسدة عامة أو خاصة مع كراهة ما هم عليه من الظلم وعدم ميل النفس إليهم ومحبتها لهم وكراهة المواصلة لهم لولا جلب تلك المصلحة أو دفع تلك المفسدة فعلى فرض صدق مسمى الركون على هذا فهو مخصص بالأدلة الدالة على مشروعية جلب المصالح ودفع المفاسد والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ولا تخفى على الله خافية وبالجملة فمن ابتلى بمخالطة من فيه ظلم فعليه أن يزن أقواله وأفعاله وما يأتي وما يذر بميزان الشرع فإن زاغ عن ذلك فعلى نفسها براقش تجنى ومن قدر على الفرار منهم قبل أن يؤمر من جهتهم بأمر يجب عليه طاعته فهو الأولى له والأليق به
يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الذين لا يخافون فيك لومة لائم وقونا على ذلك ويسره لنا وأعنا عليه قال القرطبي في تفسيره وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الاضطرار انتهى وقال النيسابوري في تفسيره قال المحققون الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة أو تحسين الطريقة وتزيينها عند غيرهم ومشاركتهم في شيء من تلك الأبواب فأما مداخلتهم لرفع ضرر واجتلاب منفعة عاجلة فغير داخلة في الركون قال وأقول هذا من طريق المعاش والرخصة ومقتضى التقوى هو الاجتناب عنهم بالكلية ) أليس الله بكاف عبده ( انتهى
قوله ) فتمسكم النار ( بسبب الركون إليهم وفيه إشارة إلى أن الظلمة أهل النار أو كالنار ومصاحبة النار توجب لا محالة مس النار وجملة ) وما لكم من دون الله من أولياء ( في محل نصب على الحال من قوله فتمسكم النار والمعنى أنها تمسكم النار حال عدم وجود من ينصركم وينقذكم منها ) ثم لا تنصرون ( من جهة الله سبحانه إذ قد سبق في علمه أنه يعذبكم بسبب الركون الذى نهيتم عنه فلم تنتهوا عنادا وتمردا
هود : ( 114 ) وأقم الصلاة طرفي . . . . .
قوله ) وأقم الصلاة طرفي النهار ( لما ذكر الله سبحانه الاستقامة خص من أنواعها إقامة الصلاة لكونها رأس الإيمان وانتصاب طرفي النهار على الظرفية والمراد صلاة الغداة والعشي وهما الفجر والعصر وقيل الظهر موضع العصر وقيل الطرفان الصبح والمغرب وقيل هما الظهر والعصر ورجح ابن جرير أنهما الصبح والمغرب قال والدليل عليه إجماع


"""""" صفحة رقم 532 """"""
الجميع على أن أحد الطرفين الصبح فدل على أن الطرف الآخر المغرب ) وزلفا من الليل ( أي في زلف من الليل والزلف الساعات القريبة بعضها من بعض ومنه سميت المزدلفة لأنها منزل بعد عرفة بقرب مكة وقرأ ابن القعقاع وأبو إسحاق وغيرهما ? زلفا ? بضم اللام جمع زليف ويجوز أن يكون واحده زلفة وقرأ ابن محيصن بإسكان اللام
وقرأ مجاهد زلفى مثل فعلى قرأ الباقون ? زلفا ? بفتح اللام كغرفة وغرف قال ابن الأعرابي الزلف الساعات واحدتها زلفة وقال قوم الزلفة أول ساعة من الليل بعد مغيب الشمس قال الأخفش معنى زلفا من الليل صلاة الليل ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( أي إن الحسنات على العموم ومن جملتها بل عمادها الصلاة يذهبن السيئات على العموم وقيل المراد بالسيئات الصغائر ومعنى يذهبن السيئات يكفرنها حتى كأنها لم تكن والإشارة بقوله ) ذلك ذكرى للذاكرين ( إلى قوله ) فاستقم ( وما بعده وقيل إلى القرآن ذكرى للذاكرين أي موعظة للمتعظين
هود : ( 115 ) واصبر فإن الله . . . . .
) واصبر ( على ما أمرت به من الاستقامة وعدم الطغيان والركون إلى الذين ظلموا وقيل إن المراد الصبر على ما أمر به دون ما نهي عنه لأنه لا مشقة في اجتنابه وفيه نظر فإن المشقة في اجتناب المنهي عنه كائنة وعلى فرض كونها دون مشقة امتثال الأمر فذلك لا يخرجها عن مطلق المشقة ) فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ( أي يوفيهم أجورهم ولا يضيع منها شيئا فلا يهمله ولا يبخسه بنقص
الآثار الواردة في تفسير الآيات وسبب النزول
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ) وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ( قال ما قدر لهم من خير أو شر وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في الآية قال من العذاب وأخرجا عن أبي العالية قال من الرزق وأخرجا أيضا عن قتادة في قوله ) فاستقم كما أمرت ( قال أمر الله نبيه أن يستقيم على أمره ولا يطغى في نعمته وأخرج أبو الشيخ عن سفيان في الآية قال استقم على القرآن وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال لما نزلت هذه الآية ) فاستقم كما أمرت ( قال شمروا شمروا فما رؤى ضاحكا وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج ) ومن تاب معك ( قال آمن
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن العلاء بن عبد الله بن بدر في قوله ) ولا تطغوا ( قال لم يرد أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إنما عنى الذين يجيئون من بعدهم وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ) ولا تطغوا ( يقول لا تظلموا وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال الطغيان خلاف أمره وارتكاب معصيته وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ( قال يعني الركون إلى الشرك وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه ) ولا تركنوا ( قال لا تميلوا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال ) ولا تركنوا ( لا تدهنوا وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة في الآية قال أن تطيعوهم أو تودوهم أو تصطنعوهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ) وأقم الصلاة طرفي النهار ( قال صلاة المغرب والغداة ) وزلفا من الليل ( قال صلاة العتمة وأخرجا عن الحسن قال الفجر والعصر ) وزلفا من الليل ( قال هما زلفتان صلاة المغرب وصلاة العشاء قال وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) هما زلفتا الليل وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الطرفين قال صلاة الفجر وصلاتي العشي يعني الظهر والعصر ) وزلفا من الليل ( قال المغرب والعشاء وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله ) وزلفا من الليل ( قال ساعة بعد ساعة يعني صلاة العشاء الآخرة وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يستحب تأخير العشاء ويقرأ زلفا من الليل وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( قال الصلوات الخمس


"""""" صفحة رقم 533 """"""
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة ومحمد بن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس ) إن الحسنات يذهبن السيئات ( قال الصلوات الخمس والباقيات الصالحات الصلوات الخمس وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر ذلك له كأنه يسأل عن كفارتها فأنزلت عليه ) وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ( فقال الرجل يا رسول الله إلى هذه قال هى لمن عمل بها من أمتي
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم عن أبي أمامة أن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال يا رسول الله أقم في حد الله مرة أو مرتين فأعرض عنه ثم أقيمت الصلاة فلما فرغ قال أين الرجل قال أناذا قال أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا قال نعم قال فإنك من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فلا تعد وأنزل الله حينئذ على رسوله ) وأقم الصلاة طرفي النهار ( وفي الباب أحاديث كثيرة بألفاظ مختلفة ووردت أحاديث أيضا إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله ) ذلك ذكرى للذاكرين ( قال هم الذين يذكرون الله في السراء والضراء والشدة والرخاء والعافية والبلاء وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال لما نزع الذى قبل المرأة تذكر فذلك قوله ) ذكرى للذاكرين )
سورة هود الآية ( 116 124 )
هود : ( 116 ) فلولا كان من . . . . .
هذا عود إلى أحوال الأمم الخالية لبيان أن سبب حلول عذاب الاستئصال بهم أنه ما كان فيهم من ينهى عن الفساد ويأمر بالرشاد فقال ) فلولا ( أي فهلا ) كان من القرون ( الكائنة ) من قبلكم أولوا بقية ( من الرأي والعقل والدين ) ينهون ( قومهم ) عن الفساد في الأرض ( ويمنعونهم من ذلك لكونهم ممن جمع الله له بين جودة العقل وقوة الدين وفي هذا من التوبيخ للكفار ما لا يخفى والبقية في الأصل لما يستبقيه الرجل مما يخرجه


"""""" صفحة رقم 534 """"""
وهو لا يستبقى إلا أجوده وأفضله فصار لفظ البقية مثلا في الجودة والاستثناء في ) إلا قليلا ( منقطع أي لكن قليلا ) ممن أنجينا منهم ( ينهون عن الفساد في الأرض وقيل هو متصل لأن في حرف التحضيض معنى النفي فكأنه قال ما كان في القرون أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم ومن في ممن أنجينا بيانية لأنه لم ينج إلا الناهون قيل هؤلاء القليل هم قوم يونس لقوله فيما مر ) إلا قوم يونس ( وقيل هم أتباع الأنبياء وأهل الحق من الأمم على العموم ) واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ( معطوف على مقدر يقتضيه الكلام
تقديره إلا قليلا ممن أنجينا منهم نهوا عن الفساد والمعنى أنه اتبع الذين ظلموا بسبب مباشرتهم الفساد وتركهم للنهي عنه ما أترفوا فيه والمترف الذى أبطرته النعمة يقال صبي مترف منعم البدن أي صاروا تابعين للنعم التى صاروا بها مترفين من خصب العيش ورفاهية الحال وسعة الرزق وآثروا ذلك على الاشتغال بأعمال الآخرة واستغرقوا أعمارهم في الشهوات النفسانية وقيل المراد بالذين ظلموا تاركو النهي ورد بأنه يستلزم خروج مباشري الفساد عن الذين ظلموا وهم أشد ظلما ممن لم يباشر وكان ذنبه ترك النهي وقرأ أبو عمرو في رواية عنه ) واتبع الذين ظلموا ( على البناء المفعول ومعناه أتبعوا جزاء ما أترفوا فيه وجملة ) وكانوا مجرمين ( متضمنة لبيان سبب إهلاكهم وهى معطوفة على أترفوا أي وكان هؤلاء الذين أتبعوا ما أترفوا فيه مجرمين والإجرام الأثام والمعنى أنهم أهل إجرام بسبب اتباعهم الشهوات واشتغالهم بها عن الأمور التى يحق الاشتغال بها ويجوز أن تكون جملة ) وكانوا مجرمين ( معطوفة على واتبع الذين ظلموا أي اتبعوا شهواتهم وكانوا بذلك الاتباع مجرمين
هود : ( 117 ) وما كان ربك . . . . .
) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ( أي ما صح ولا استقام أن يهلك الله سبحانه أهل القرى بظلم يتلبسون يه وهو الشرك والحال أن أهلها مصلحون فيما بينهم في تعاطي الحقوق لا يظلمون الناس شيئا
والمعنى أنه لا يهلكهم بمجرد الشرك وحده حتى ينضم إليه الفساد في الأرض كما أهلك قوم شعيب بنقص المكيال والميزان وبخس الناس أشياءهم وأهلك قوم لوط بسبب ارتكابهم للفاحشة الشنعاء وقيل إن قوله ) بظلم ( حال من الفاعل والمعنى وما كان الله ليهلك القرى ظالما لهم حال كونهم مصلحين غير مفسدين في الأرض
ويكون المراد بالآية تنزيهه سبحانه وتعالى عن صدور ذلك منه بلا سبب يوجبه على تصوير ذلك بصورة ما يستحيل منه وإلا فكل أفعاله كائنة ما كانت لا ظلم فيها فإنه سبحانه ليس بظلام للعبيد قال الزجاج يجوز أن يكون المعنى وما كان ربك ليهلك أحدا وهو يظلمه وإن كان على نهاية الصلاح لأن تصرفه في ملكه دليله قوله تعالى ) إن الله لا يظلم الناس شيئا ( وقيل المعنى وما كان ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون أي مخلصون في الإيمان
فالظلم المعاصي على هذا
هود : ( 118 ) ولو شاء ربك . . . . .
) ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ( أي أهل دين واحد إما أهل ضلالة أو أهل هدى وقيل معناه جعلهم مجتمعين على الحق غير مختلفين فيه أو مجتمعين على دين الإسلام دون سائر الأديان ولكنه لم يشأ ذلك فلم يكن ولهذا قال ) ولا يزالون مختلفين ( في ذات بينهم على أديان شتى أو لا يزالون مختلفين في الحق أو دين الإسلام وقيل مختلفين في الرزق فهذا غني وهذا فقير
هود : ( 119 ) إلا من رحم . . . . .
) إلا من رحم ربك ( بالهداية إلى الدين الحق فإنهم لم يختلفوا أو إلا من رحم ربك من المختلفين في الحق أو دين الإسلام بهدايته إلى الصواب الذى هو حكم الله وهو الحق الذى لا حق غيره أو إلا من رحم ربك بالقناعة والأولى تفسير لجعل الناس أمة واحدة بالمجتمعة على الحق حتى يكون معنى الاستثناء في ) إلا من رحم ربك ( واضحا غير محتاج إلى تكلف ) ولذلك ( أي لما ذكر من الاختلاف ) خلقهم ( أو ولرحمته خلقهم وصح تذكير الإشارة إلى الرحمة لكون تأنيثها غير حقيقي والضمير في خلقهم راجع إلى الناس أو إلى من في من رحم ربك وقيل الإشارة بذلك إلى مجموع الاختلاف


"""""" صفحة رقم 535 """"""
والرحمة ولا مانع من الإشارة بها إلى شيئين كما في قوله ) عوان بين ذلك ( ) وابتغ بين ذلك سبيلا ( فبذلك فليفرحوا قوله ) وتمت كلمة ربك ( معنى تمت ثبتت كما قدره في أزله وإذا تمت امتنعت من التغيير والتبديل وقيل الكلمة هى قوله ) لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( أي ممن يستحقها من الطائفتين
هود : ( 120 ) وكلا نقص عليك . . . . .
والتنوين في ) وكلا ( للتعويض عن المضاف إليه وهو منصوب بنقص والمعنى وكل نبأ من أنباء الرسل مما يحتاج إليه نقص عليكم أي نخبرك به وقال الأخفش ) كلا ( حال مقدمة كقولك كلا ضربت القوم والأنباء الأخبار ) ما نثبت به فؤادك ( أي ما نجعل به فؤادك مثبتا بزيادة يقينه بما قصصناه عليك ووفور طمأنينته لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب وأرسخ في النفس وأقوى للعلم وجملة ) ما نثبت ( بدل من أنباء الرسل وهو بيان لكلا ويجوز أن يكون ) ما نثبت ( مفعولا لنقص ويكون كلا مفعولا مطلقا والتقدير كل أسلوب من أساليب الاقتصاص نقص عليك ما نثبت به فؤادك ) وجاءك في هذه الحق ( أي جاك في هذه السورة أو في هذه الأنباء البراهين القاطعة الدالة على صحة المبدأ والمعاد ) وموعظة ( يتعظ بها الواقف عليها من المؤمنين ) وذكرى ( يتذكر بها من تفكر فيها منهم وخص المؤمنين لكونهم المتأهلين للاتعاظ والتذكر وقيل المعنى وجاءك في هذه الدنيا الحق وهو النبوة وعلى التفسير الأول يكون تخصيص هذه السورة بمجيء الحق فيها مع كونه قد جاء في غيرها من السور لقصد بيان اشتمالها على ذلك لا بيان كونه موجودا فيها دون غيرها
هود : ( 121 ) وقل للذين لا . . . . .
) وقل للذين لا يؤمنون ( بهذا الحق ولا يتعظون ولا يتذكرون ) اعملوا على مكانتكم ( على تمكنكم وحالكم وجهتكم وقد تقدم تحقيقه ) إنا عاملون ( على مكانتنا وحالنا وجهتنا من الإيمان بالحق والاتعاظ والتذكر وفي هذا تشديد للوعيد والتهديد لهم
هود : ( 122 ) وانتظروا إنا منتظرون
وكذلك قوله ) وانتظروا إنا منتظرون ( فيه من الوعيد والتهديد ما لا يخفى والمعنى انتظروا عاقبة أمرنا فإنا منتظرون عاقبة أمركم وما يحل بكم من عذاب الله وعقوبته
هود : ( 123 ) ولله غيب السماوات . . . . .
) ولله غيب السماوات والأرض ( أي علم جميع ما هو غائب عن العباد فيهما وخص الغيب من كونه يعلم بما هو مشهود كما يعلم بما هو مغيب لكونه من العلم الذى لا يشاركه فيه غيره وقيل إن غيب السموات والأرض نزول العذاب من السماء وطلوعه من الأرض والأول أولى وبه قال أبو علي الفارسي وغيره وأضاف الغيب إلى المفعول توسعا ) وإليه يرجع الأمر كله ( أي يوم القيامة فيجازي كلا بعمله
وقرأ نافع وحفص ) يرجع ( على البناء للمفعول وقرأ الباقون على البناء للفاعل ) فاعبده وتوكل عليه ( فإنه كافيك كل ما تكره ومعطيك كل ما تحب والفاء لترتيب الأمر بالعبادة والتوكل على كون مرجع الأمور كلها إلى الله سبحانه ) وما ربك بغافل عما تعملون ( بل عالم بجميع ذلك ومجاز عليه إن خيرا فخير وإن شرا فشر وقرأ أهل المدينة والشام وحفص ) تعملون ( بالفوقية على الخطاب وقرأ الباقون بالتحتية
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله ) فلولا ( قال فهلا وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال أقرأني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية وأحلام ينهون عن الفساد في الأرض وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج ) إلا قليلا ممن أنجينا منهم ( يستقلهم الله من كل قوم
الآثار الواردة في تفسير الآيات
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد ) واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه ( قال في ملكهم وتجبرهم وتركهم الحق وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ من طريق ابن جريج قال قال ابن عباس اترفوا فيه ابطروا فيه وأخرج الطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والديلمي عن جرير قال سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يسئل عن تفسير هذه الآية ) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ( فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأهلها ينصف بعضهم بعضا وأخرجه ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوى


"""""" صفحة رقم 536 """"""
الأخلاق موقوفا على جرير وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك ) ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ( قال أهل دين واحد أهل ضلالة أو أهل هدى وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ) ولا يزالون مختلفين ( قال أهل الحق وأهل الباطل ) إلا من رحم ربك ( قال أهل الحق ) ولذلك خلقهم ( قال للرحمة وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عنه ) إلا من رحم ربك ( قال إلا أهل رحمته فإنهم لا يختلفون وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال لا يزالون مختلفين في الأهواء وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح ) ولا يزالون مختلفين ( أي اليهود والنصارى والمجوس والحنيفية وهم الذين رحم ربك الحنيفية وأخرج هؤلاء عن الحسن في الآية قال الناس مختلفون على أديان شتى إلا من رحم ربك فمن رحم ربك غير مختلف ) ولذلك خلقهم ( قال للاختلاف وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد ) ولا يزالون مختلفين ( قال أهل الباطل ) إلا من رحم ربك ( قال أهل الحق ) ولذلك خلقهم ( قال للرحمة وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة نحوه وأخرجا عن الحسن قال لا يزالون مختلفين في الرزق وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ولذلك خلقهم قال خلقهم فريقين فريقا يرحم فلا يختلف وفريقا لا يرحم يختلف فذلك قوله ) فمنهم شقي وسعيد ( وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله ) وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ( لتعلم يا محمد ما لقيت الرسل قبلك من أممهم وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس قال ) وجاءك في هذه الحق ( قال في هذه السورة وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري مثله واخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد ابن جبير مثله أيضا وأخرج أبو الشيخ عن الحسن مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال في هذه الدنيا وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة ) اعملوا على مكانتكم ( أي منازلكم وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج ) وانتظروا إنا منتظرون ( قال يقول انتظروا مواعيد الشيطان إياكم على ما يزين لكم وفي قوله ) وإليه يرجع الأمر كله ( قال فيقضي بينهم بحكم العدل وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن الضريس في فضائل القرآن وابن جرير وأبو الشيخ عن كعب قال فاتحة التوراة فاتحة الأنعام وخاتمة التوراة خاتمة هود ) ولله غيب السماوات والأرض ( إلى آخر الآية
بحمد الله تعالى تم طبع الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله تفسير
سورة يوسف عليه السلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ط اخري مجلد 3. عجائب الآثار في التراجم والأخبار (المجلد الثالث) عبد الرحمن الجبرتي

  مجلد 3. عجائب الآثار في التراجم والأخبار (المجلد الثالث) عبد الرحمن الجبرتي   خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء ...