الجمعة، 19 أغسطس 2022

مجلد 2. طبعة اخري تاريخ الجبرتي{عجائب الآثار في التراجم والأخبار}

 

عجائب الآثار في التراجم والأخبار

(المجلد الثاني)

عبد الرحمن الجبرتي

 

سنة إحدى ومائتين وألف في يوم الاثنين سابع المحرم

شهر جمادى الآخرة استهل بيوم الأربعاء

الشيخ الإمام العلامة الشيخ محمد المصيلحي الشافعي

يوم الاثنين ثالثة حضر المرسل من الجهة القبلية

الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن أبو العباس المغربي

شهر جمادى الآخرة فيه حضر فرمان من الدولة

العمدة المفضل الشيخ عبد الجواد بن محمد

الإمام العلامة الشيخ عمر البابلي الشافعي

تابع

الأمير علي بك الحسني

الإمام المفوه الحسين ابن النور على بن عبد الشكور الحنفي

المجذوب المعتقد السيد علي البكري

العمدة الجليل السيد عبد الرحمن بن بكار الصفاقسي

شهر صفر سنة 1213

شهر ربيع الأول بيوم الاثنين سنة 1213

واقعة الحاج محمد بن قيمو المغربي

شهر جمادى الأولى يوم الخميس الموعود سنة 1213

تابع

يوم الأحد سادسه نادى القبطان الفرنساوي السكاكن بالهشد الحسيني

ليلة الأربعاء ثالث عشرينه خرج عدة كبيرة من العسكر

يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل

تابع

العلامة الفاضل الفقيه الشيخ أحمد بن إبراهيم الشرقاوي الشافعي الأزهري

يوم الثلاثاء سابعه حضر جماعة أيضًا من العسكر بأثقالهم

يوم السبت تاسع عشرينه قدم ساري عسكر كلهبر صبيحة ذلك اليوم

شهر شوال سنة 1214 في سابعه وقعت حادثة بين عسكر الفرنساوية والعثمانية

شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1215

العمدة الفاضل والنبيه الكامل صاحبنا العلامة الوجيه الشيخ شامل

سئل هل أن أحمد آغا أو ياسين آغا ما حدثاه أصلًا عن الوزير

تابع

شهر صفر بيوم الثلاثاء سنة 1215

حادي عشره وجدت امرأة مقتولة

شهر القعدة سنة 1215

تابع

زيادة النيل الزيادة المفرطة التي لم يعد مثلها

تابع

الأمير حسن بك الجداوي مملوك علي بك

تابع

ثاني عشرة نزلت امرأة من القلعة بمتاعها واختفت بمصر

تابع

شهر ربيع الأول بيوم الأحد سنة 1216

يوم الأحد وردت أخبار من اسكندرية بتملك العساكر الإسلامية

يوم السبت عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات

من مات في هذه السنة

تابع

وردت الأخبار بوقوع حادثة بين الأمراء القبالي والعثمانية

يوم السبت حادي عشرة وفي خامس عشرينه حضر أحمد باشا والي دمياط

تابع

يوم الخميس وقت العصر حضر الآغا والوجاقلية إلى بيت القاضي

وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة أمامه على الأتراك والانكشارية

وصلت الأخبار بأن البرديسي وصل إلى رشيد

شهر جمادى الأولى سنة 1218

يوم الثلاثاء ثامن عشرينه

ليلة الجمعة خامسه وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي

شهر ذي الحجة الحرام استهل بيوم الثلاثاء سنة 1218


الجزء الثاني

سنة إحدى ومائتين وألف في يوم الاثنين سابع المحرم

حضر اسمعيل بك في تجريدة الى مصر فركب بمفرده وهو ملثم بمنديل وحضر عند حسن باشا وقابله وهو أول اجتماعه به وجلس معه مقدار درجتين لا غير واستأذنه في القيام فخلع عليه فروة سمور وقام وذهب الى بيت مملوكه علي بك جركس وهو بيت أيوب بك الصغير الذي في الحبانية وكان السبب في حضوره على هذه الصورة أنه في يوم الخميس ثالث المحرم التقوا مع الأمراء القبليين واتفقوا معهم عند المنشية فكان بينهم وقعة عظيمة وقتل من الفريقين جملة كبيرة وأبلى فيها المصريون البحرية والقبلية مع بعضهم وتنحت عنهم العساكر العثمانية ناحية وهجمت القبالي وألقوا بأنفسهم في نار الحرب وطلب كل غريم غريمه ثم اندفعت العثمانية مع البحرية وظهر من شجاعة عابدي باشا ما تحدث به الفريقان في شجاعته وأصيب اسمعيل بك برشة رصاص دخلت في فمه وطلعت من خده فولى منهزمًا وألقى نفسه في البحر وركب في قنجة وحضر الى مصر على الفور ولم يدر ماذا جرى بعده فلما حضر على هذه الصورة وأشيع وقوع الكسرة والهزيمة على التجريدة اضطربت الأقاويل واختلفت الروايات وكثرت الأكاذيب وارتج العثمانيون وأرسل حسن باشا الرسل لإحضار العساكر التي بالإسكندرية وكذلك أرسل الى بلاد الروم وفي يوم السبت ثاني عشره حضر حسن بك الى حسن باشا وقابله وقد أصيب بسيف على يده فخلع عليه فروة ثم ذهب الى بيته القديم وهو بيت الداودية وكذلك حضر بقية الأمراء الصناجق وأصيب قاسم بك بضربة جرحت أنفه وكذلك حضر عابدي باشا وطلع الى قصر العيني وأقام به‏.‏

وفيه حضر ططري وعلى يده مرسوم بعزل محمد باشا عن ولاية مصر وولاية عابدي باشا مكانه وأن محمد باشا يتوجه الى ولاية ديار بكر عوضًا عن عابدي باشا فشرع عابدي باشا في نقل عزاله الى بولاق فتحدث الناس أن ذلك من فعل حسن باشا لأن بينهما أمورًا باطنية وفي يوم الاثنين عمل حسن باشا ديوانًا في بيته اجتمع فيه جميع الأمراء والصناجق والمشايخ وألبس اسمعيل بك خلعة وجعله شيخ البلد وكبيرها وألبس حسن بك خلعة وقلده أمير الحاج فخرجوا من مجلسه وهم كاظمون لغيظهم هذا واسمعيل بك متململ من جرحه والسيد عثمان الحمامي يعالجه وأخرج من عنقه ست عشرة زردة من زرد الزرخ فإن الرصاص لما أصابه منعه الزرخ من الغوص في الجسد فغاص نفس الزرد فأخرجه السيد عثمان بالآلة واحدة بعد وفيه حضر الى اسمعيل بك رجل بدوي وأخبر أن الجماعة القبليين زحفوا الى بحري ووصلت أوائلهم الى بني سويف وأخبر أنه مات منهم مصطفى بك الداودية ومصطفى بك السلحدار وعلي آغا خازندار مراد بك سابقًا ونحو خمسة عشر أميرًا من الكشاف وأن نفوسهم قويت على الحرب‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حضر اسمعيل أغا كمشيش وكان ممن تخلف في الأسر عند القبليين فأفرجوا عنه وأرسلوا معه مكاتبة يذكرون فيها طلب الصلح وتوبتهم السابقة واستعدادهم للحرب إن لم يجابوا في ذلك‏.‏

وفي يوم الأربعاء نزل محمد باشا من القلعة وذهب الى بولاق‏.‏

وفي يوم الخميس نودي على النفر والالضاشات والأجناد والمماليك بأن يتبع كل شخص متبوعه وبابه ومن وجد بعد ثلاثة أيام بطالًا ولم يكن معه ورقة يستحق العقوبة وكذلك حضور الغائبين بالأرياف‏.‏

وفيه أخذ أحمد القبطان المعروف بحمامجي أوغلي المراكب الرومية التي بقيت في النيل وجملة نقاير وصعد بهم الى ناحية دير الطين قريبًا من التبين وشرعوا في عمل متاريس وحفر خنادق هناك ونقلوا جملة مدافع أيضًا وكان أشيع طلوع عابدي باشا الى القلعة في ذلك اليوم فلم يطلع وحضر عند حسن باشا وتكلم معه كلامًا كثيرًا وقال‏:‏ كيف أطلع وأتسلطن في هذا الوقت والأعداء زاحفون على البلاد وأولاد أخي قتلوا في حربهم ولا أطلع حتى آخذ بثأرهم أو أموت ثم قام من عنده ورجع الى القصر العيني‏.‏

وفيه سافر عمر كاشف الشعراوي لملاقاة الحجاج الى القلزم وحضرت مكاتيب الجبل على العادة القديمة وأخبروا بالأمن والراحة‏.‏

وفي يوم الجمعة خرج رضوان بك بلفيا وسليمان الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان وبرزوا خيامهم ناحية البساتين‏.‏

وفيه عمل حسن باشا ديوانًا وخلع على ثلاثة أشخاص من أمراء حسن بك الجداوي وقلدهم صناجق وهم شاهين وعلي وعثمان‏.‏

وفيه حضر الى مصر ذو الفقار الخشاب كاشف الفيوم المعروف بأبي سعدة‏.‏

وفي يوم السبت خرج غالب الأمراء ناحية البساتين وورد الخبر عن القبليين أنهم لم يزالوا مقيمين في ناحية بني سويف‏.‏

وفيه أنفق حسن باشا ثلث النفقة على العسكر فأعطى اسمعيل بك عشرين ألف دينار وحسن بك خمسة عشر ألفًا ولكل صنجق عشرة آلاف ولكل طائفة وجاق أربعة آلاف فاستقل وفيه طلب حسن باشا دراهم سلفة من التجار فوزعوها على أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر وهرب أكثرهم وأغلقوا حوانيتهم وحواصلهم فصاروا يسمرونها وكذلك البيوت وطلبوا أيضًا الخيول والبغال والحمير وكبسوا البيوت والأماكن لاستخراجها وعزت الخيول جدًا وغلت أثمانها‏.‏

وفي يوم الاثنين قبض حسن باشا على اسمعيل آغا كمشيش المتقدم ذكره وأمر بقتله وأخرجوه من بين يديه وعلى رأسه دفية فشفع فيه الوجاقلية فعفا عنه من القتل وسجنوه وسبب ذلك أنه أحضر صحبته عدة مكاتيب سرًا خطابًا لبعض أنفار فظهروا على ذلك فوقع له ما وقع‏.‏

وفيه عمل حسن باشا ديوانًا عظيمًا جمع فيه الأمراء والأعيان وقرأوا مكاتبات أرسلها القبليون يطلبون الصلح والأمان ويذكرون العابدي باشا ما نهب له في المعركة وأن يرسل قائمة بذلك ويردون له ما ضاع بتمامه فقال عابدي باشا لحسن بك الجداوي‏:‏ ما تقول في هذا الكلام قال‏:‏ أقول لا نأخذه إلا بالسيف كما أخذوه منا بالسيف وانفض الديوان ووقع الاتفاق على أن يكتبوا لهم جوابًا عن رسالتهم ملخصه إن كان قصدهم الصلح والأمان وقبول التوبة فإنهم يجابون الى ذلك ويحضر ابراهيم بك ومراد بك ويأخذ لهم حضرة القبطان أمانًا شافيًا من مولانا السلطان أينما يريدون في غير الإقليم المصري يتعيشون فيها بعيالهم وأولادهم وما شاؤوا من مماليكهم وأتباعهم وأما بقية الأمراء فإن شاؤوا حضروا ي حصر وأقاموا بها وكانوا من جملة عسكر السلطان وإن شاؤوا عينوا لهم أماكن من الجهات القبلية يقيمون بها وإن أبوا ذلك فليستعدوا للحرب والقتال‏.‏

وفي يوم الثلاثاء قبض حسن باشا على عمر كاشف الذي سكنه بالشيخ الظلام وعلي محمد آغا البارودي وأمر بحبسهما عند اسمعيل بك وسبب ذلك المكاتبات التي تقدم ذكرها مع اسمعيل آغا كمشيش‏.‏

وفي يوم الأربعاء سافر محمد أفندي مكتوبجي حسن باشا بالمكاتبة الى القبليين‏.‏

وفي يوم الخميس نزل الآغا والجاويشية ونادوا على جميع الالضاشات بالذهاب الى بولاق ليسافروا في المراكب صحبة الوجاقلية وكل من بات في بيته استحق العقوبة وطاف الآغا عليهم يخرجهم من أماكنهم ويقف على الخانات ويسأل على من بها منهم ويأمرهم بالخروج فأغلق الناس حوانيتهم وبطل سوق خان الخليلي في ذلك اليوم وخرج منهم جماعة ذهبوا الى بولاق ومنهم من طلع الى الأبواب حسب الأمر وحصل لفقرائهم كرب شديد لكونهم لم يأخذوا نفقة بل رسموا لهم أنهم يأكلون على سماط بلكهم ويعلقون على دوابهم وطعامهم البقسماط والأرز والعدس لا غير وذلك لعزة اللحم وعدم وجوده فإن اللحم الضاني بالمدينة بثلاثة عشر نصف فضة إن وجد والجاموسي بثمانية أنصاف وزاد سعر الغلة بعد الانحطاط وكذلك السمن والزيت‏.‏

وفي يوم الأحد سابع عشرينه حضر محمد أفندي المكتوبجي من عند الجماعة وصحبته علي آغا مستحفظان بجواب الرسالة السابق ذكرها فأخبر أنهم ممتثلون لجميع ما يؤمرون به ما عدا السفر الى غير مصر فإن فراق الوطن صعب ويذكر عنهم أنه لم يشق عليهم شيء أعظم من تمكن أخضامهم من البلاد أعني اسمعيل بك وحسن بك وذلك هو السبب الحامل لهم على القدوم والمحاربة فإن لم يقبل منهم ذلك فالقصد أن يبرز لحربهم أخصامهم دون العساكر العثمانية فتكون الغلبة لنا أو علينا فإن كانت علينا وظفروا بنا استحقوا الإمارة دوننا وإن كانت لنا وظفرنا بهم فالأمر لكم بعد ذلك إن شئتم قبلتم توبتنا ورددتم لنا مناصبنا وشرطتم علينا ظروطكم فقمنا بها قيامًا لا نتحول عنه أبدًا ما بقينا وإن شئتم وجهتمونا الى أي جهة امتثلنا ذلك فلما ذكرا ذلك لحسن باشا قال لعلي آغا‏:‏ أنا ما جئت الى مصر لأعمل لهم على قدر عقولهم وإنما السلطان أمرني بما أمرت به فإن كانوا مطيعين فليمتثلوا الأمر وإلا فسيلقون وبال عصيانهم وكتب لعلي آغا جوابًا بذلك وخلع عليه فروة سمور وسافر من وقته ورجع الى أصحابه وصحبته شخص من طرف الباشا ولما ذهب إليهم محمد أفندي المكتوبجي أنعموا واستهل شهر صفر الخير أوله يوم الخميس فيه حضرت خزينة حسن باشا من ثغر إسكندرية فدفع باقي النفقة للعسكر والأمراء‏.‏

وفيه وصل الخبر أن الأمراء القبالي زحفوا الى بحري ووصلت أوائلهم الى بر الجيزة وآخرهم بالرقق وفردوا الكلف على بلاد الجيزة‏.‏

وفيه طلب اسمعيل بك دراهم سلفة من التجار فاعتذروا بقلة الموجود بأيديهم وأغنياؤهم جلوا الى الحجاز ولم يدفعوا له شيئًا وادعى على تجار البن بمبلغ دراهم باقي حساب من مدته السابقة فصالحوه عنها بأربعة آلاف دينار‏.‏

وفي يوم الجمعة نودي على المحمدية المقيمين بمصر أنهم يذهبون الى اسمعيل بك ويقابلونه سواء كان جنديًا أو أميرًا أو مملوكًا ومن تأخر استحق العقوبة وقبض على أنفار منهم وسجنوا بالقلعة وختم على دورهم من جملتهم جعفر كاشف الساكن عند بيت القاضي من ناحية بين القصرين‏.‏

وفي تلك الليلة أعني ليلة الأحد وقعت حادثة لشخص من الأجناد يقال له اسمعيل كاشف أبو الشراميط بيته في عطفة بخط الخيمية قتله مماليكه وسبب ذلك على ما سمعنا تقصيره في حقهم وفي تصرفه عدة حصص جارية في التزامه فكتب تقاسيطها بتمامها باسم زوجته ولم يكتب لهم شيئًا من ذلك وكان جبارًا ظالمًا معدودًا في جملة كشاف مراد بك فلما حصلت المناداة على المحمدية الى اسمعيل بك وقابله فطرده وأمره بلزوم بيته وأن لا يخرج منه فذهب الى بيته وأرسل الى اسمعيل بك حصانين بعددهما أحدهما مركوبه والثاني لأحد مماليكه‏.‏

وأرسل معهما درعين على سبيل التقدمة والهدية ليستميل خاطره وكان مملوكه صاحب الحصان غائبًا في شغل فلما حضر لم يجد الجواد فسأل عنه فأخبره خشداشه بصورة الحال فدخل الى سيده وسأله فنهره وشتمه فخرج مقهورًا وجلس يتحدث مع رفيقه فقالوا لبعضهم هذا الرجل سيدنا لا نرى منه إلا الأذى ولا نرى منه إحسانًا ولا حلاوة لسان وكذلك الحصص كتبها لزوجته ولم يفعل معنا خيرًا عاجلًا ولا آجلًا وحملهم الغيظ على أنهم دخلوا عليه بعد العشاء وقتلوه فصرخت زوجته من أعلى ونزلت إليهم فقتلوها أيضًا هي وجاريتها فسمعت الجيران وكثر العائط وحضر الوالي فوقف المملوكان وضربا عليه بنادق الرصاص ونقبا بيوت الجيران ونطا منهم فلم يزل حتى قبض عليهما وقتلهما على رأس العطفة‏.‏

وأصبح الخبر شائعًا بين الناس بذلك‏.‏

وفي يوم الأحد المذكور حضر نجاب الحج وأخبر أن العرب وقفت للحجاج في طريق المدينة وحاربوهم سبعة أيام وانجرح أمير الحاج وقتل غالب أتباعه وخازنداره ومن الحجاج نحو وفي يوم الاثنين شق الآغا وأمامه المنادي يقول‏:‏ إن ابراهيم بك ومراد بك مطرودا السلطان ومن كان مختفيًا أو غائبًا وأراد الظهور أو الحضور فليظهر أو يحضر وعليه الأمان ولا بأس عليه ومن خالف فلا يلومن إلا نفسه‏.‏

وفيه انتقل عساكر القليونجية وعدوا الى البر الغربي ونصبوا هناك متاريس وأما الأمراء القبليون فإنهم أخرجوا أثقالهم من المراكب وطلعوها بأجمعها وتركوا المراكب ذهبت الى حال سبيلها واحازوا جميعًا عند الأهرام‏.‏

وفي يوم الثلاثاء نودي على جميع الألضاشات بالخروج الى الوطاق وكذلك المقيمون بالقلعة فتكدر الناس لذلك واختفوا في الدور ولبس كثير منهم ملابس الفقهاء والمجاورين وسبب ذلك عدم قدرتهم على الخروج من غير مصرف فإذا خرج فقير الحال لا يجد ما يأكله ولا ما ينفقه عياله في غيبته ولا يفيده إلا مقاساة الجوع والبرد والغربة والمشقة‏.‏

وفي يوم الأحد حادي عشره نزل الحجاج ودخلوا مصر على حين غفلة وهم في أسوأ حال من العري والجوع ونهبت جميع أحمال أمير الحاج وأحمال التجار وجمالهم وأثقالهم وأمتعتهم وأسر العرب جميع النساء بالأحمال وكان أمرًا شنيعًا جدًا ثم إن الحجاج استغاثوا بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي فتكلم مع العرب في أمر النساء فأحضروهن عرايا ليس عليهن إلا القمصان وأجلسوهن جميعًا في مكان وخرجت الناس أفواجًا فكل من وجد امرأته أو أخته أو أمه أو بنته وعرفها اشتراها ممن هي في أسره وصارت المرأة من نساء العرب تسوق الأربعة من الجمال والخمسة بأحمالها فلا تجد مانعًا وسبب ذلك كله رعونة أمير الحاج فإنه لما أراد أن يتوجه بالحجاج الى المدينة أرسل الى العرب فحضر إليه جماعة من أكابرهم فدفع لهم عوائد سنتين وقسط البواقي على السنين المستقبلة بموجب الفرمان وحجز عنده أربعة أشخاص رهائن فبدا له أن كواهم بالنار في وجوههم فبلغ ذلك أصحابهم فقعدوا للحجاج في الطريق فبلغ أمير الحاج ذلك فذهب من طريق أخرى فوجدهم رابطين فيها أيضًا فقاتلوا قتالًا هينًا ففر هاربًا وترك الحجاج والعرب فنهبوا حملته وقتلوا مماليكه ولم يبق معه إلا القليل فهرب بمن بقي معه واختفى عن الحجاج ثلاثة أيام ولم يره أحد وفعلت العرب في الحجاج ما فعلوا وأخذوا ما أخذوه فلم ينج منهم إلا من طال عمره وسلم نفسه أو افتداها الى غير ذلك وأخذوا المحمل أيضًا ولم يردوه‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني عشره هجمت القبليون على المتاريس وأرادوا أن يملكوها في غفلة آخر الليل لعلمهم أن الأمراء والباشا ذهبوا الى مصر واشتغلوا بالحجاج وكان حسن باشا ذلك اليوم لما بلغه حضور الحجاج ركب من فوره وذهب الى العادلية فقابل أمير الحاج ورجع من ليلته الى الوطاق فلما هجموا على المتاريس كان المتترسون مستيقظين فضربوا عليهم المدافع من البر والبحر من الفجر الى شروق الشمس فرجعوا الى مكانهم من غير طائل ثم هجموا أيضًا يوم الثلاثاء بعد الظهر فضربوا عليهم ورجعوا‏.‏

وفي يوم الأربعاء ركب الأمراء القبليون وحملوا أحمالهم وصعدوا الى دهشور وجلسوا هناك وحضر منهم جماعة من الأجناد بأمان وانضموا الى البحريين‏.‏

وفي أواخره أمر حسن باشا بمحاسبة محمد باشا المعزول فذهب إليه أرباب الخدم والعكاكيز واختيارية الوجاقات والأفندية وذهبوا إليه ببولاق وتحاسبوا معه ودققوا عليه في الحساب فطلع عليه ألف ومائتان وخمسة وعشرون كيسًا فطلب أن يخصم منها باقي عوائده التي بذمم الأمراء وغيرهم فعرفوا حسن باشا عن ذلك فلم يقبل وقال‏:‏ إن كان له شيء عند أحد يأخذه منه ولابد من إحضار الدراهم التي طلعت عليه فإني محتاج الى ذلك في المصاريف اللازمة للعسكر فشددوا عليه في الطلب فضاق خناقه واعتذر وبكي وكتب على نفسه تمسكًا بذلك واستوحشا من بعضهما فسعى فيض الله أفندي الرئيس بينهما في إزالة ذلك ثم ذهب محمد باشا الى حسن باشا واجتمع معه في قصر الآثار‏.‏

وفيه حضرت مكاتبة من القبالي يطلبون الأمان وأن يعينوا لهم أماكن في الجهة القبلية يقيمون بها ويعيشون هناك فأجيبوا الى ذلك ويختاروا مكانًا يريدونه بشرط أن يكونوا جماعة قليلة ويحضر باقي الأمراء الى مصر بالأمان فلم يرضوا بالافتراق ولم يجابوا إلا بمثل الجواب الأول واستقروا ناحية بني سويف ورجعت عنهم عرب الهنادي وفارقوهم‏.‏

واستهل ربيع الأول بيوم الجمعة فيه حضر ططري من الدولة وعلى يده مثال لحسن باشا بأن يقيم بمصر ولا يخرج مع العساكر بل يستمر محافظًا في المدينة فتحقق الناس إقامته وعدم سفره‏.‏

وفي شرع حسن باشا في عمل شر كفلك فشرعوا في عمله على ساحل بولاق تجاه الديوان وهو عبارة عن متريز مصنوع من أخشاب ممتدة على مقصات من خشب وهي قطع مفصلات يجمعها أغربة من حديد وعلى تلك المدادات عدة حراب حديد مستمرة عليها محددة الأطراف وبين كل مقصين سفل الأخشاب الممتدة مدفع موضوع على شبه بسطة من الخشب ومساحة ذلك نحو أربعمائة وخمسين ذراعًا وهو يوضع على هيئات مختلفة مربعًا ومدورًا والعسكر من داخله متحصنين به وإذا هجمت عليه الخيول رشقت بها تلك الحرب‏.‏

وفي يوم الاثنين رابعه ركبت طوائف العسكر والوجاقات ومروا بنظامهم من تحت قصر الآثار وحسن باشا ينظرهم فأعجبه نظامهم وترتيبهم وحسن زيهم ثم تتابعوا في التعدية‏.‏

وفي ليلة الخميس رابع عشره كسف جرم القمر جميعه وكان ابتداؤه من رابع ساعة الى ثامن ساعة من الليل‏.‏

وفي منتصفه حضرت عساكر من الأضات مثل قبرس وقرمان وغير ذلك وجاء الخبر عن الأمراء القبالي أنهم وصلوا الى أسيوط وتخلف عنهم جملة من المماليك والأتباع في نواحي المنية وغيرها فمنهم من حضر الى مصر ومنهم من اختفى في البلاد‏.‏

وفيه اشتكت الناس من غلاء الأسعار وتكلم الشيخ العروسي مع حسن باشا بسبب ذلك وقال له‏:‏ في زمن العصاة كان الأمراء ينهبون وأيخذون الأشياء من غير ثمن والحمد لله هذا الأمر ارتفع من مصر بوجودكم وما عرفنا موجب الغلاء أي شيء فقال‏:‏ أنا لا أعرف اصطلاح بلادكم وتشاور مع الاختيارية في شأن ذلك فوقع الاتفاق على عمل جمعية في باب الينكجرية وإحضار الآغا والمحتسب والمعلمين ويعملون تسعيرة وينادون بها ومن خالف أو احتكر شيئًا قتل فلما كان يوم السبت سادس عشره اجتمعوا في باب مستحفظان وحضر الشيخ العروسي أيضًا واتفقوا على تسعيرة في الخبز واللحم والسمن وغير ذلك وركب الآغا وبجنبه المحتسب ونادوا في الأسواق فجعلوا اللحم الضاني بثمانية أنصاف وكان بعشرة والجاموسي ستة بعد سبعة والسمن المسلي بثمانية عشر والزبد بأربعة عشر والخبز عشرة آواق بنصف فضة وهكذا فعزت الأشياء وقل وجود اللحم وإذا وجد كان في غاية الرداء مع ما فيه من العظم والكبد والفشة والكرشة‏.‏

وفي أواخره وصل الخبر بأن رضوا بك قرابة علي بك الكبير المنافق وعلي بك الملط وعثمان بك وجماعة علوية حضروا الى عرضي التجريدة وأخذوا الأمان من اسمعيل بك وعابدي باشا وأنهم قادمون الى مصر وأن القبالي استقروا بوادي طحطا مكانهم الأول الذي قاتلوا فيه‏.‏

شهر ربيع الثاني في يوم الخميس خامسه وصل المذكورون الى مصر وقابلوا حسن باشا وتوجهوا الى بيوتهم‏.‏

وفي يوم الأحد ثامنه ضربوا مدافع كثيرة وقت الضحى وكان أشيع في أمسه أن التجريدة نصرت وقتل من القبالي أناس كثيرة فلما سمعت الناس تلك المدافع ظنوا تحقيق ذلك وكثرت الأكاذيب والأقاويل ثم تبين أن لا شيء وأنها بسبب رجوع بعض مراكب رومية من ناحية الفشن بسبب قلة ماء النيل ومن عادتهم أنهم إذا وصلوا للمرساة ضربوا مدافع فيجابوا بمثلها وفي منتصفه حضر محمد كتخدا الأشقر بسبب تجهيز ذخيرة ولوازم ومصريف فهيئت وأرسلت وكذلك قبل ذلك مرارًا كثيرة وأخبر أن التجريدة وصلت الى دجرجا وأن القبالي ارتحلوا منها وصعدوا الى فوق وتباعدوا عن البلد نحو ست ساعات ثم انقطعت الأخبار‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى فيه زاد قلق حسن باشا بسبب تأخر الجوابات وطول المدة‏.‏

وفيه عين حسن باشا علي محمد باشا برشيد وشدد عليه في طلب الدراهم وضايقوه حتى باع أمتعته وحوايجه وغلق ما عليه وتوفيت زوجته فحزن عليها حزنًا شديدًا مع ما هو فيه من الكرب ولم يفده من فعائله وهمته التي فعلها بمصر قدوم حسن باشا شيء وجازاه بعد ذلك بأقبح المجازاة فإنه لولا أفاعيله وتمويهاته وأكاذيبه ما تمكن حسن باشا من دخول مصر فإنه كان يعظم الأمر على الأمراء المصريين ويهول تهويلات كثيرة عليهم وعلى المشايخ واختيارية الوجاقات ويقول إياكم والعناد وإياكم أن توقعوا حربًا فإنكم تخربون بلادكم وتكونون سببًا في هلاك أهلها فإنه بلغني أنه تعين مع حسن باشا كذا كذا ألفًا من الجنس الفلاني وكذا كذا ألفًا من جنس العسكر الفلاني وأنهم متأخرون في الحضور عنه تحت الاحتياج وكذلك في عساكر البر الواصلة من الجهة الشامية ومعهم ثمانون ألف ثور مائة ألف جاموس برسم جر المدافع وفي المدافع ما يصحبه خمسون ثورًا ونحو ذلك حتى أدخل عليهم الوهم وظنوا صدقه وانحلت عرا الناس عنهم وخصوصًا بما مناهم به من إقامة العدل ومنع الظلم والجور وغير ذلك حتى جذب قلوب العالم وتحولوا عن الأمراء وتمنوا زوالهم في أسرع وقت وهيج الناس وأثارهم قبل وصول حسن باشا وملك القلعة ومهد له الأمور فجزاه بعد تمكنه بالخذلان والعزل والحساب والتدقيق وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثالثه ورد نجاب وصحبته مكتوب من عابدي باشا الى حسن باشا وأخبر بوقوع الحرب بين الفريقين في يوم الجمعة ثامن عشرين ربيع الآخر عند الأمير ضرار وكانت الهزيمة على القبالي ولكن بعد أن كسروا الجردة مرتين وهجموا على شركفلك فضربوا عليهم من داخله بالمدافع والبنادق وقتل لاجين بك عند شركفلك وقتل الكثير من عرب الهنادي وقبض على كبيرهم أسيرًا ومات من المصاحبين للعسكر ذو الفقار الخشاب وجماعة من الوجاقلية منهم علي جربجي المشهدي وكانت الحرب بينهم نحو ست ساعات وكانت وقعة عظيمة وقتل من الفريقين ما لا يحصى وكان حضور هذا النجاب على الفور من غير تحقيق فلما ورد ذلك سر الباشا سرورًا كثيرًا وأمر بعمل شنك فضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة وضربوا النوبة السلطانية في برج القلعة وكذلك نوبة حسن باشا تحت القصر وأرسل المبشرين الى الأعيان كالشيخ البكري والشيخ السادات وأكابر الوجاقات وحضروا جميعًا للتهنئة‏.‏

وفي سادسه حضرت عدة مكاتبات من أمراء التجريدة فأخبروا فيها بتلك الواقعة وأن القبالي صعدوا بعد الهزيمة الى عقبة الهو على جرائد الخيل فلم يصعدوا خلفهم لصعوبة المسلك على الأجمال والأثقال وأنهم منتظرون حضور مراكبهم وما فيها من الذخيرة فيحملوا الأحمال ويسيرون بأجمعهم خلفهم من الطريق المستقيم التي توصل الى خلف العقبة وأخبروا أيضًا أنهم استولوا على حملاتهم ومتاعهم حتى بيع الجمل وعليه النقاقير بخمسة ريال ونحو ذلك‏.‏

وقوع الموت الذريع في الأبقار حتى صارت تتساقط في الطرقات‏.‏

ومات لابن بسيوني غازي بناحية سنديون خاصة مائة وستون ثورًا وقس على ذلك‏.‏

وفي عاشره طلب الباشا حوضًا ليعمله حنفية فأخبره الحاضرون وعرفوه بالحوض الذي تحت الكبش المعروف بالحوض المرصود فأمر بإحضاره فأرسلوا إليه الرجال والحمالين وأرادوا رفعه من مكانه فازدحمت عليه الناس من الرجال والنساء لما تسامعوا بذلك لينظروا ما شاع‏.‏

وثبت في أذهانهم من أن تحته كنزًا وهو مرصود على شيء من العجائب أو نحو ذلك وأن الباشا يريد الكشف عن أمره فلما حصل ذلك الازدحام ووجده الحمالون ثقيلًا جدًا وهم لا يعرفون صناعة جر الأثقال وحركوه عن مكانه يسيرًا وبلغ الباشا ما حصل من ازدحام العامة أمر بتركه فتركوه ومضوا فذهب العامة في أماذيبهم كل مذهب فمنهم من يقول إنهم لما حركوه وأرادوا جره رجع بنفسه ثانيًا ومنهم من يقول غير ذلك من السخافات‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سادس عشره وصل نيف وثلاثون رأسًا من قتلى القبليين فألقوهم عند باب القلعة بالرميلة على سرير من جريد النخل وأبقوهم ثلاثة أيام ثم دفنوهم ووجد فيهم رأس عزوز كتخدا عزبان‏.‏

وفي ذلك اليوم أمر الباشا بشنق رجلين من الغيطانية تشاجرا مع طائفة من العسكر وضرباهم وأخذا سلاحهم ورفعت الشكوى الى الباشا فأمر بشنق الغيطانية ظلمًا على الشجرة التي عند القنطرة فيما بين طريق مصر القديمة وطريق الناصرية‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه نظر أصحاب الدرك عدة هجانة مرت من ناحية الجبل معهم أمتعة وثياب مرسلة الى القبالي من نسائهم فركبوا خلفهم فلم يدركوهم وأشاعوا أنهم قبضوا عليهم من غير أصل ووصل خبرهم حسن باشا فاغتاظ من الآغا والوالي وأمرهما بالذهاب الى بيوتهم ويسمرونها عليهن ففعلوا ذلك وقبضوا على الأغوات الطواشية والسقائين‏.‏

وحصلت ضجة في البلد بين الظهر والعصر بسبب ذلك وفرت زوجة ابراهيم بك الى بيت شيخ السادات ثم إن رضوان بك قرابة علي بك تشفع في تسمير البيوت فقبلت شفاعته وأرسل لمعادي الخبيري والجيزة ومنعهم من التعدية وحجزهم الى البر الشرقي‏.‏

وفي يوم الثلاثاء وردت نجابة وعلى أيديهم مكاتبات من عابدي باشا يخبر فيها بأن يحيى بك وحسن كتخدا الجربان حضرا إليه بأمان وخلع عليهم فراوي وصحبتهم عدة من الكشاف والمماليك وذلك بعد أن وصلوا الى أسنا وأن القبالي ذهبوا الى ناحية ابريم فتخلف عنهم المذكورون‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشرينه حضر اسمعيل القبطان وكان بصحبته حمامجي أوغلي وأخبر أن العسكر العثمانية ملكوا أسوان وأن الأمراء القبالي ذهبوا الى ابريم وأنهم في أسوأ حال من العري والجوع وغالب مماليكهم لابسون الزعابيط مثل الفلاحين وتخلف عنهم كثير من أتباعهم فمنهم من حضر الى عابدي باشا بأمان ومنهم من تشتت في البلاد ومنهم من قتله الفلاحون وغير ذلك من المبالغات‏.‏

وفي يوم الاثنين خلع حسن باشا علي رضوان بك العلوي وقلده كشوفية الغربية وقلد علي بك الملط كشوفية المنوفية وقرر لهما على كل بلد أربعة آلاف نصف فضة ونزلا الى طندتا لأجل خفارة مولد السيد أحمد البدوي‏.‏

وفي هذا الشهر عمت البلوى بموت الأبقار والثيران في سائر الأقاليم البحري ووصل الى مصر حتى أنها صارت تتساقط في الطرقات وغيطان المرعى وجافت الأرض منها فمنها ما يدركونه بالذبح ومنها ما يموت ورخص سعر اللحم البقري جدًا لكثرته حتى صار يباع بمصر آخر النهار كل رطلين بنصف فضة مع كونه سمينًا غير هزيل وعافته الناس وبعضهم كان يخاف من أكله وأما الأرياف فكان يباع فيها بالأحمال وبيت البقرة بما خلفها بدينار‏.‏

وكثر عويل الفلاحين وبكاؤهم على البهائم وعرفوا بموتها قدر نعمتها وغلا سعر السمن واللبن والأجبان بسبب ذلك لقلتها‏.‏

شهر جمادى الآخرة استهل بيوم الأربعاء

وكان ذلك يوم النوروز السلطاني وانتقال الشمس لبرج الحمل‏.‏

وفي يوم الاثنين سافر حمامجي أوغلي بالجوابات الى الجهة القبلية وفيها الأمر بحضور عابدي باشا واسمعيل بك وباقي الأمراء الى مصر وأن حسن بك ومحمد بك المبدول ويحيى بك يقيمون بأسنا محافظين‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشره نودي على النساء أن لا يخرجن الى موسم الخماسين المعروف عند القبط بشم النسيم وذلك يوم الاثنين صبيحة عيدهم‏.‏

وفي عشرينه نودي بإبطال المعاملة بالذهب الفندقلي الجديد واستمرت المناداة على النساء في عدم خروجهن الى الأسواق وسبب ذلك وقائعهن مع العسكر منها أنهم وجدوا ببيت يوسف بك سكن حمامجي أوغلي نحو سبعين امرأة مقتولة ومدفونة بالإسطبلات ومن النساء من لعبت على العسكر وأخذت ثيابه وأمثال ذلك فنودي عليهن بسبب ذلك فتضرر المحترفات منهم مثل البلانات والدايات وبياعات الغزل والقطن والكتان ثم حصل الإطلاق وسومحن في الخروج وفي خامس عشرينه حضرت نجابة من قبلي وحضر أيضًا حمامجي أوغلي وأخبروا أن الباشا والأمراء وصلوا الى دجرجا‏.‏

شهر رجب الفرد استهل بيوم الخميس فيه قبض حسن باشا على أحمد قبودان المعروف بحمامجي أوغلي وحبسه وحبس أيضًا تابعه عثمان التوقتلي كان يسعى معه في الخبائث‏.‏

وكذلك رجل يقال له مصطفى خوجة‏.‏

وفي يوم الخميس سابعه نودي على النساء أنهن إذا خرجن لحاجة يخرجن في كمالهن ولا يلبسن الحبرات الصندل ولا الإفرنجي ولا يربطن على رؤوسهن العمائم المعروفة بالقازدغلية‏.‏

وذلك من مبتدعات نساء القازدغلية وذلك أنهن يربطن الشاشات الملونة المعروفة بالمدورات ويجعلنها شبه الكعك ويملنها على جباههن معقوصات بطريقة معلومة لهن وصار لهن نساء يتولين صناعة ذلك بأجرة على قدر مقام صاحبتها ومنهن من تعطي الصانعة لذلك دينارًا أو أكثر أو أقل وفعل ذلك جميع النساء حتى الجواري السود‏.‏

وفي يوم الأحد حادي عشره حضر عابدي باشا واسمعيل بك وعلي بك الدفتردار ورضوان بك بلفيا وحسن بك رضوان ومحمد بك كشكش وعبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وباقي الوجاقلية الى مصر وذهبوا الى بيوتهم وبات الباشا في مصر القديمة‏.‏

وفي صبحها يوم الاثنين ركب عابدي باشا وطلع الى القلعة من غير موكب وطلع من جهة الصليبة وذلك قبل آذان الظهر بنحو خمس درجات فلما استقر بها ضربوا له مدافع من الأبراج وبعد انقضاء المدافع أرعدت السماء رعودًا متتابعة الى العصر وأمطرت مطرًا غزيرًا وذلك رابع عشرين برموده القبطي وتاسع عشر نيسان الرومي وأما حسن بك الجداوي فإنه تخلف بقنا هو وأتباعه وكذلك عثمان بك وسليم بك الاسماعيلي بأسنا وعلي بك جركس بأرمنت وعثمان بك وشاهين بك الحسينين ويحيى بك باكير بك ومحمد بك المبذول كذلك تخلفوا متفرقين في البنادر لأجل المحافظة وقاسم بك أبو سيف في منصبه بدجرجا‏.‏

وأراد الباشا واسمعيل بك أن يبقوا طائفة من الوجاقلية ومعهم طائفة من العسكر فأبوا وقالوا حتى نذهب الى مصر ونعدل حالنا وبعد ذلك نأتي‏.‏

وفي ذلك اليوم وصل الخبر بأن القبالي رجعوا الى أسوان وشرعوا في التعدية الى أسنا فأرسل اسمعيل بك الى الاختيارية فحضروا عنده بعد العصر وتكلموا في شأن ذلك بحضرة علي بك أيضًا وكذلك اجتمعوا في صبحها يوم الثلاثاء وانفصل المجسر كالأول‏.‏

وفي أواخره وصل الخبر أنهم زحفوا الى بحري وأن حسن بك تأخر عنهم‏.‏

شهر شعبان المكرم في أوائله جاء الخبر أنهم وصلوا الى دجرجا وأن حسن بك والأمراء وصدوا في التأخر الى المنية وعملت جمعيات ودواوين بسبب ذلك وشرعوا في طلوع تجريدة ثم وقع الاختلاف بين الباشا والأمراء واستقر الأمر بينهم في الرأي أن يراسلوهم في الصلح وأنهم يقيمون في البلاد التي كانت بيد اسمعيل بك وحسن بك ويرسلوا أيوب بك الكبير والصغير وعثمان بك الأشقر وعثمان بك المرادي يكونوا بمصر رهائن وكتبوا بذلك مكاتبات وأرسلوها صحبة محمد أفندي المكتوبجي وسليمان كاشف قنبور والشيخ سليمان الفيومي‏.‏

وفيه قررت المظالم على البلاد وهي المعروفة برفع المظالم وكان حسن باشا عندما قدم الى مصر أبطلها وكتب برفعها فرمانات الى البلاد فلما حضر اسمعيل بك حسن له إعادتها فأعيدت وسموها التحرير وكتب بها فرمانات وعينت بها المعينون وتفرقوا في الجهات والأقاليم بطلبها مع ما يتبعها من الكلف وحق الطرق وغيرها فدهى الفلاحون وأهل القرى بهذه الداهية ثانيًا على ما هم فيه من موت البهائم وهياف الزرع وسلاطة الفيران الكثيرة على غيطان الغلة والمقاثي وغيرها وما هم فيه من تكلف المشاق الطارئ عليهم أيضًا بسبب موت البهائم في الدراس وأداروا السواقي بأيديهم وعوافيهم أو بالحمير أو الخيل أو الجمال لمن عنده مقدرة على شرائها وغلت أثمانها بسبب ذلك الى الغاية فتغيرت قلوب الخلق جميعًا على حسن باشا وخاب ظنهم فيه وتمنوا زواله وفشا شر جماعته وعساكره القليونجية في الناس وزاد فسقهم وشرهم وطمعهم وانتهكوا حرمة المصر وأهله الى الغاية‏.‏

وفي خامسه يوم الأربعاء توفي أحمد كتخدا المجنون وقلدوا مكانه في كتخدائية مستحفظان وفيه قتل عثمان التوقتلي بالرميلة رفيق حمامجي أوغلي بعد أن عوقب بأنواع العذاب مدة حبسه واستصفيت منه جميع الأموال التي كان يملكها واختلسها ودل على غيرها حمامجي أوغلي واستمر حمامجي أوغلي في الترسيم‏.‏

وفيه قبض على سراج متوجه الى قبلي ومعه دراهم وأمتعة وغير ذلك فأخذت منه ورمي عنقه ظلمًا بالرميلة‏.‏

واستهل شهر رمضان المعظم بيوم الأحد فيه اختصرت الأمراء من وقدة القناديل في البيوت عن العادة وعبى اسمعيل بك هدية جليلة وأرسلها الى حسن باشا وهي سبع فروق بن وخمسون تفصيلة هندي عال مختلفة الأجناس وأربعة آلاف نصفية دنانير نقد مطروقة وجملة من بخور العود والعنبر وغير ذلك فأعطى للشيالين على سبيل الإنعام أربعة عشر قرشًا رومية عنها خمسمائة وستون نصفًا فضة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عاشره حضر المحمل صحبة رجل من الأشراف وذلك أنه لما وقع للحجاج من العربان ما وقع في العام الماضي ونهبوا الحجاج وأخذوا المحمل بقي عندهم الى أن جيش عليهم الشريف سرور وحاربهم وقاتلهم قتالًا شديدًا وأفنى منهم خلائق لا تحصى واستخلص منهم المحمل وأرسله الى مصر صحبة ذلك الشريف وقيل إن الشريف الذي حضر به هو الذي افتداه من العرب بأربعمائة ريال فرانسه فلما حضر خرج الى ملاقاته الأشاير والمحملدارية وأرباب الوظائف ودخلوا به من باب النصر وأمامه الأشاير والطبول والزمور‏.‏

وذلك الشريف راكب أمامه أيضًا‏.‏

وفي ذلك اليوم بعد أذان العصر بساعتين وقعت حادثة مهولة مزعجة يخط البندقانيين وذلك أن رجلًا عطارًا يسمى أحمد ميلاد وحانوته تجاه خان البهار اشترى جانب بارود انكليزي من الفرنج في برميلين وبطة ووضعها في داخل الحانوت فحضر إليه جماعة من أهل الينبع وساوموه على جانب بارود وطلبوا منهم شيئًا ليروه ويجربوه فأحضر البطة وصب منها شيئًا في المنقد الذي يعد فيه الدراهم ووضعوه على قطعة كاغد وأحضروا قطعة يدك وطيروا ذلك البارود عن الكاغد فأعجبهم ومن خصوصية البارود الانكليزي إذا وضع منه شيء على كاغد وطير فالنار لا تؤثر في الكاغد ثم رموا بالقطعة اليدك على مصطبة الحانوت وشرع يزن لهم وهم يضعونه في ظرفهم ويتساقط فيما بين ذلك من حباته وانتشر بعضها الى ناحية اليدك وهم لا يشعرون فاشتعلت تلك الحبات واتصلت بما في أيديهم وبالبطة ففرقعت مثل المدفع العظيم واتصلت النار بذينك البرميلين كذلك فارتفع عقد الحانوت وما جاوره بما على تلك العقود من الأبنية والبيوت والربع والطباق في الهواء والتهبت بأجمعها نارًا وسقطت بمن فيها من السكان على من كان أسفلها من الناس الواقفين والمارين وصارت كومًا يظن من لم يكن رآه قبل ذلك أنه له مائة عام وذلك كله في طرفة عين بحيث أن الواقف في ذلك السوق أو المار لم يمكنه الفرار والبعيد أصيب في بعض أعضائه إما من النار أو الردم وكان السوق في ذلك الوقت مزدحمًا بالناس خصوصًا وعصرية رمضان وذلك السوق مشتمل على غالب حوائج الناس وبه حوانيت العطارين والزياتين والقبانية والصيارف وبياعي الكنافة والقطائف والبطيخ والعبدلاوي ودكاكين المزينين والقهاوي وغالب جيران تلك الجهة وسكان السبع قاعات وشمس الدولة يأتون في تلك الحصة ويجلسون على الحوانيت لأجل التسلي والحاصل أن كل من كان حاصلًا بتلك البقعة في ذلك الوقت سواء كان عاليًا أو متسفلًا أو مارًا أو واقفًا لحاجة أو جالسًا أصيب البتة وكان ذلك العطار يبيع غالب الأصناف من رصاص وقصدير ونحاس وكحل وكبريت وعنده موازين شبه الجلل فلما اشتعل ذلك البارود صارت تلك الجلل وقطع الرصاص والكحل والمغناطيس تتطاير مثل جلل المدافع حتى أحرقت واجهة الربع المقابل لها وكان خان البهار مقفولًا متخربًا وبابه كبير مسماري فصدمه بعض الجلل وكسر واشتعل بالنار واتصل بالطباق التي تعلو ذلك الخان ووقعت ضجة عظيمة وكل من كان قريبًا وسلم أسرع يطلب الفرار والنجاة وما يدري أي شيء القضية فلما وقعت تلك الضجة وصرخت النساء من كل جهة وانزعجت الناس انزعاجًا شديدًا وارتجت الأرض واتصلت الرجة الى نواحي الأزهر والمشهد الحسيني ظنوها زلزلة وشرع تجار خان الحمزاوي في نقل بضائعهم من الحواصل فإن النار تطايرت إليه من ظاهره وحضر الآغا والوالي فتسلم الآغا جهة الحمزاوي وتسلم الوالي جهة شمس الدولة وتتبعوا النار حتى أخمدوها وختموا على دكاكين الناس التي بذلك الخط وأرسلوا ختموا بيت أحمد ميلاد الذي خرجت النار من حانوته بعد أن أخرجوا منه النساء ثم أفرجوا عنهم بأمر اسمعيل بك وأحضروا في صبحها نحو المائتين فاعل وشرعوا في نبش الأتربة وإخراج القتلى وأخذ ما يجدونه من الأسباب والأمتعة‏.‏

وما في داخل الحوانيت من البضائع والنقود وما سقط من الدور من فرش وأوان ومصاغ النساء وغير ذلك شيئًا كثيرًا حتى الحوانيت التي لم يصبها الهدم فتحوها وأخذوا ما فيها وأصحابها ينظرون ومن طلب شيئًا من متاعه يقال له هو عندنا حتى تثبته هذا إذا كان صاحبه ممن يخاطب ويصغى إليه وقيامة قائمة ومن يقرأ ومن يسمع ووقفت أتباعهم بالنبابيت من كل جهة يطردون الناس ولا يمكنون أحدًا من أخذ شيء جملة كافية وأما القتلى فإن من كان في السوق أو قريبًا من تلك الحانوت والنار فإنه احترق ومن كان في العلو من الطباق انهرس ومنهم من احترق بعضه وانهرس باقيه وإذا ظهر وكان عليه شيء أو معه شيء أخذوه وإن كانت امرأة جردوها وأخذوا حليها ومصاغها ثم لا يمكنون أقاربهم من أخذهم إلا بدراهم يأخذونها وكأنما فتح لهم باب الغنيمة ولما كشفوا عن أحمد ميلاد وحانوته وجدوه تمزق واحترق وصار قطعًا مثل الفحم فجمعوا منه ست قطع وأخذوا شيئًا كثيرًا من حانوته ودراهم وودائع كانت أسفل الحانوت لم تصبها النار وكتم عليها الردم والتراب‏.‏

وكذلك حانوت رجل زيات انهدم على صاحبه فكشفوا عنه وأخرجوه ميتًا وأخذوا من حانوته مبلغ دراهم وكذلك من بيت صباغ الحرير بجوار الحمزاوي انهدمت داره أيضًا وأخذوا ما فيها ومن جملتها صندوق ضمنه دراهم لها صورة ونحو ذلك واستمر الحال على ذلك أربعة أيام في حفر ونبش وإخراج قتلى وجنائز وبلغت القتلى التي أخرجت نيفًا عن مائة نفس وذلك خلاف ما بقي تحت الردم منهم أمام الزاوية المجاورة لذلك فإنها انخسفت أيضًا على الامام وبقي تحت الردم ولم يجدوا بقية أعضاء أحمد ميلاد وفقدوا دماغه فجمعوا أعضاءه ووضعوها في كيس قماش ودفنوه وسدوا على تلك الخطة من الجهتين وتركوها كما هي مدة أيام ونظفت وعمرت بعد ذلك فكانت هذه الحادثة من أعظم الحوادث المزعجة‏.‏

وفي يوم الخميس حضر الرسل من عند القبليين وحضر أيوب بك الكبير رهينة عن المماليك المحمدية وعثمان بك الطنبرجي عن مراد بك وعبد الرحمن بك عن ابراهيم بك فذهبوا الى حسن باشا وقابلوه وكذلك قابلوا عابدي باشا ثم اجتمع الأمراء عند حسن باشا وتكلموا في شأن هؤلاء الجماعة وقالوا هؤلاء ليسوا المطلوبين ولم يأت إلا أيوب بك الكبير من المطلوبين ولم يأت عثمان بك الأشقر وأيوب بك الصغير فاتفق الرأي على إعادة الجواب فكتبوا جوابات أخرى وأرسلوها صحبة سلحدار حسن باشا‏.‏

وفي هذا الشهر أخذت القرصان ثلاثة غلايين وفيها أناس من أتباع الدولة وأعيانها ووصل بوقوع حريق عظيم ببندر جدة وتوفي أحمد باشا واليها وعبى علي بك الدفتردار كساوى للأمراء فأرسل الى اسمعيل بك وحسن بك الجداوي ورضوان بك وباقي الصناجق والأمراء حتى لحريمهم وأتباعهم وأرسل أيضًا لطائفة الفقهاء وفتح السفر لجهة الموستو وتقليد باكير قبطان باشا قائمقام عن حسن باشا‏.‏

وفي منتصفه وقعت حادثة بثغر بولاق بين طائفة القليونجية والفلاحين باعة البطيخ وذلك أن شخصًا قليونجيًا ساوم على بطيخة وأعطاه دون ثمنها فامتنع وتشاجر معه فوكزه العسكري بسكين فزعق الفلاح على شيعته وزعق الآخر على رفقائه فاجتمع الفريقان ووقع بينهم مقتلة كبيرة قتل فيها من الفلاحين نحو ثلاثين إنسانًا ومن القليونجية نحو أربعة‏.‏

وفي يوم الأحد ثاني عشرينه قررت تفريدة على بلاد الأرياف أعلى وأوسط وأدنى الأعلى خمسة وعشرون ألفًا نصف فضة والأوسط سبعة عشر ألف والأدنى تسعة آلاف وذلك وفيه رفعوا خفارة البحرين عن بن حبيب وكذلك الموارد والتزم بها رضوان بك على خمسين كيسًا يقوم بها في كل سنة لطرف الميري وسبب ذلك منافسة وقعت بينه وبين بن حبيب فإنه لما تولى المنوفية ومر على دجوة أرسل له بن حبيب تقدمة فاستقلها ثم أرسل إليه بعد ارتحاله من الناحية يطلب منه جمالًا وأشياء فامتنع بن حبيب فأرسل يطلبه ليقابله فلم يذهب إليه واعتذر ولما رجع نزل إليه ابنه علي بالضيافة فعاتبه على امتناع أبيه من مقابلته وأضمر له في نفسه وتكلم معه حسن باشا في رفع ذلك عنهم والتزم بالقدر المذكور وطريقة العثمانية الميل الى الدنيا بأي وجه كان فأخرج فرمانًا بذلك‏.‏

وفي ثاني شوال برزت الأمراء المعينون لجمع الفردة وهم سليم بك الاسماعيلي للغربية وشاهين بك الحسيني لإقليم المنصورة علي بك الحسيني لإقليم المنوفية ومحمد بك كشكش للشرقية وعثمان بك الحسيني للجيزة وعثمان كاشف الاسماعيلي للفيوم ويوسف كاشف الاسماعيلي للبهنسا وأحمد كاشف للجيزة‏.‏

وفي ثامنه حضر سلحدار الباشا وسليمان كاشف قنبور المسافران بالجوابات الى الأمراء القبليين وذلك أنهم أرسلوا بطلب بلاد أخرى زيادة على ما عينوا لهم وقالوا إن هذه البلاد لا تكفينا فأمر لهم حسن باشا بخمسة بلاد أخرى فقال اسمعيل بك‏:‏ اطلبوا منهم حلوانًا فقال وفي عاشره حضر قاصد من الحجاز بمراسلة من الشريف سرور يخبر فيها بعصيان عرب جرب وغيرهم وقعودهم على الطريق ومنعهم السبيل ويحتاج أن أمير الحاج يكون في قوة واستعداد وأن الحرب قائمة بينهم وبين الشريف وخرج إليهم في نحو خمسة عشر ألفًا‏.‏

وفي منتصفه كمل عمارة التكية المجاورة لقصر العيني المعروفة بتكية البكتاشية وخبرها أن هذه التكية موقوفة على طائفة من الأعجام المعروفين بالبكتاشية وكانت قد تلاشى أمرها وآلت الى الخراب وصارت في غاية من القذارة ومات شيخها وتنازع مشيختها رجل أصله من سراجين مراد بك وغلام يدعي أنه من ذرية مشايخها المقبورين فغلب على الغلام ذلك الرجل لانتسابه الى الأمراء وسافر الى اسكندرية فصادف مجيء حسن باشا واجتمع به وهو بهيئة الدراويش وهم يميلون لذلك النوع وصار من أخصائه لكونه من أهل عقيدته وحضر صحبته الى مصر وصار له ذكر وشهرة ويقال له الدرويش صالح فشرع في تعمير التكية المذكورة من رشوات مناصب المكوس التي توسط لأربابها مع حسن باشا فعمرها وبنى أسوارها وأسوار الغيطان الموقوفة عليها المحيطة بها وأنشأ بها صهريجًا في فسحة القبة‏.‏

ورتب لها تراتيب ومطبخًا وأنشأ خارجها مصلى باسم حسن باشا فلما تم ذلك عمل وليمة ودعا جميع الأمراء فحصل عندهم وسوسة واعتدوا وركبوا بعد العصر بجميع مماليكهم وأتباعهم وهم بالأسلحة متحذرين فمد لهم سماطًا وجلسوا عليه وأوهموا الأكل لظنهم الطعام مسمومًا وقاموا وتفرقوا خارج القصر والمراكب وعمل شنك وحراقة نفوط وبارود ظنوا غرابته ثم ركبوا في حصة من الليل وذهبوا الى بيوتهم‏.‏

وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج المحمل وأمير الحجاج غيطاس بك في موكب محتقر بدون الينكجرية والعزب مثل العام الماضي فخرجوا الى الحصوة وأقاموا هناك ولم يذهبوا الى البركة‏.‏

وفي يوم الثلاثء غايته ارتحل الحجاج من الحصوة الى البركة بعد العصر وارتحلوا في ضحوة يوم لأربعاء غرة شهر القعدة‏.‏

شهر القعدة الحرام في ثالثه يوم الجمعة الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك أذرعه ونودي بذلك وعمل الشنك وركب حسن باشا في صبحها وكسروا السد بحضرته وجرى الماء في الخليج ولم يحضر عابدي باشا لمرضه‏.‏

وفي سادسه نودي على المماليك أن لا يركبوا من بيوت أسيادهم منفردين أبدًا فترك ذلك في جملة المتروكات وتزوج المماليك وصار لهم بيوت وخدم ويركبون ويغذون ويروحون ويشربون الدخان وهم راكبون في الشارع الأعظم وفي أيديهم شبكات الدخان من غير إنكار‏.‏

وهم في الرق ولا يخطر ببالهم خروجهم عن الأدب لعدم إنكار أسيادهم وترخيصهم لهم في الأمور فإذا مات بعض الأعيان بادر أحد المماليك الى سيده الأمير صاحب الشوكة وقبل يده وطلب منه أن ينعم عليه بزوجة الميت فيجيبه الى ذلك ثم تراه ركب في الوقت والساعة وذهب الى بيت المتوفى ولو قبل خروج جنازته ونزل في البيت وجلس فيه وتصرف في تعلقاته وحازه وملكه بما فيه وأقام بمجلس الرجال ينتظر انقضاء العدة ويأمر وينهي ويطلب الغداء والعشاء والفطور والقهوة والشربات من الحريم ويتصرف تصرف الملاك وربما وافق ذلك غرض المرأة فإذا رأته شابًا مليحًا قويًا وكان زوجها المقبور بخلاف ذلك أظهرت له المخبآت والمدخرات فيصبح أميرًا من غير تأمر وتتعدد عنده الخيول والخدم والفراشون والأصحاب ويركب ويذهب ويجيء الى بيت سيده وفي حاجاته وغير ذلك فجرى يومًا بمجلس حسن باشا ذكر ركوب المماليك على انفرادهم في الأسواق بحضرة بعض الاختيارية‏.‏

فقالوا إنه قلة أدب وخلاف العادة القديمة التي رأيناها وتربينا عليها فقال الباشا اكتبوا فرمانًا بمنع ذلك ففعلوا ذلك ونادوا به من قبيل الشغل الفارغ‏.‏

وفي سابعه ثقل عابدي باشا في المرض وأشيع موته‏.‏

وفي حادي عشره حضر حسين بك المعروف بشفت من قبلي في جملة الرهائن وقابل الباشا وأقام بمصر‏.‏

وفي منتصفه عوفي عابدي باشا من مرضه وشرعوا في طلب المال الشتوي فضج الملتزمون وتكلم الوجاقلية في الديوان وقالوا‏:‏ من أين لنا ما ندفعه وما صدقنا بخلاص المظالم والصيفي والفردة ولم يبق عندنا ولا عند الفلاحين شيء أعطونا الجامكية وفرح الناس بذلك ثم تبين أن لا أحد يأخذ رجعة إلا بقدر ما عليه من الميري وإن زاد له شيء يبقى له وديعة بالدفتر وإن لم يكن له جامكية يدفع ما عليه نقدًا فصار بعض الملتزمين يأتي بأسماء برانية وينسبها لنفسه لأجل غلاق المطلوب منه فاتضحت تلك النسبة له بمراجعة الدفتر ثم منعوا كتابة الرجع وصار الأفندية يكشفون على الدفاتر ويملون ويسددون بأنفسهم فمن زاد له شيء تبقى بالدفتر ومن زاد عليه شيء طلب منه‏.‏

وفي عشرينه ذهب الأمراء الى حسن باشا وهم اسمعيل بك وحسن بك وعلي بك وباقي الأمراء فتكلم معهم بسبب الأموال التي جعلها عليهم والميري المطلوب منهم ومن أتباعهم‏.‏

وقال لهم‏:‏ أنا مسافر بعد الأضحى ولابد من تشهيل المطلوب فاعتذروا وطلبوا المهلة فشنع عليهم ووبخهم بالكلام التركي ومن جملة ما قال لهم‏:‏ أنتم وجوهكم مثل الحيط وأمثال ذلك‏.‏

فخرجوا من عنده وهم في غاية من القهر وكان ذلك بإغراء اسمعيل بك ولما ذهب اسمعيل بك الى بيته طلب أمراءه وشنع عليهم كما شنع عليه الباشا وحلف أن كل من تبقى عليه شيء ولو ألف وفي يوم الخميس غايته طلعوا عند عابدي باشا فطالبهم بالميري أيضًا وشنع عليهم وخصوصًا قاسم بك أباسيف وحلف أنه يحاسبهم حتى يدفعوا ما عليهم‏.‏

واستهل شهر ذي الحجة الحرام بيوم الجمعة وفيه حضر الآغا وعلى يده مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة‏.‏

وفيه أيضًا قوي عزم حسن باشا على السفر الى بلاد الروم وأعطى لاسمعيل بك جملة مدافع وقنابر وآلات حرب وصنع له قليونًا صغيرًا وقرر ألفًا وخمسمائة عسكري يقيمون بمصر‏.‏

وفي يوم الخميس رابع عشره عمل حسن باشا ديوانًا بالقصر وحضر عنده عابدي باشا والمشايخ وسائر الأمراء بسبب قراءة مراسيم حضرت من الدولة فقرأوا منها ثلاثة وفيها طلب حسن باشا الى الديار الرومية بسبب حركة السفر الى لجهاد وان الموسقو زحفوا على البلاد واستولوا على ما بقي من بلاد القرم وغيرها والثاني فيه ذكر العفو عن ابراهيم بك ومراد بك من القتل وأن يقيم ابراهيم بك بقنا ومراد بك بأسنا ولا إذن لهم في دخول مصر جملة كافية‏.‏

وفيه نودي على صرف الريال الفرانسة بمائة نصف فضة وكان وصل الى مائة وعشرة فتضرر الناس من ذلك‏.‏

وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه ركب الأمراء بأسرهم لوداع حسن باشا وكان في عزمه النزول في المراكب بعد صلاة الجمعة فلما تكاملوا عنده قبض على الرهائن وهم عثمان بك المرادي المعروف بالطنبرجي وحسين بك شفت وعبد الرحمن بك الابراهيمي ثم أمر بالقبض على حسن كتخدا الجربان وسليمان كاشف قنبور فهرب حسن كتخدا وساق جواده فتبعه جماعة من العسكر فلم يزل رامحًا وهم خلفه حتى دخل بيت حسن بك الجداوي ودخل الى باب الحريم وكان حسن بك بالقصر فرجع العسكر وأخبروا الباشا بحضرة اسمعيل بك فطلب حسن بك وسأله اسمعيل بك فقال‏:‏ إن كان في بيتي خذوه فأرسلوا وأحضروه ووضعوه صحبة المقيدين‏.‏

وفي يوم السبت ثالث عشرينه سافر حسن باشا من مصر وأخذ معه الرهائن وسافر صحبته ابراهيم بك قشطة ليشيعه الى رشيد وزار في طريقه سيدي أحمد البدوي بطندتا ولم يحصل من مجيئه الى مصر وذهابه منها إلا الضرر ولم يبطل بدعة ولم يرفع مظلمة بل تقررت به المظالم والحوادث فإنهم كانوا يفعلونها قبل ذلك مثل السرقة ويخافون من إشاعتها وبلوغ خبرها الى الدولة فينكرون عليهم ذلك وخابت فيه الآمال والظنون وهلك بقدومه إليها ثم التي عليها مدار نظام العالم وزاد في المظالم التحرير لأنه كان عندما قدم أبطل رفع المظالم ثم أعاده بإشارة اسمعيل بك وسماه التحرير فجعله مظلمة زائدة وبقي يقال رفع المظالم والتحرير فصار يقبض من البلاد خلاف أموال الخراج عدة أقلام منها المضاف والبراني وعوائد الكشوفية والفرد المتعددة ورفع المظالم والتحرير ومال الجهات وغير ذلك ولو مات حسن باشا بالإسكندرية أو رشيد لهلك عليه أهل الإقليم أسفًا وبنوا على قبره مزارًا وقبة وضريحًا يقصد للزيارة‏.‏

من مات في هذه السنة من الأعيان توفي الإمام العالم العلامة أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية شيخ أهل الإسلام وبركة الأنام الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي الالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدردير ولد ببني عدي كما أخبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده وحبب إليه طلب العلم فورد الجامع الأزهر وحضر دروس العلماء وسمع الأولية عن الشيخ محمد الدقري بشرطه والحديث على كل من الشيخ أحمد الصباغ وشمس الدين الحفني وبه تخرج في طريق القوم وتفقه على الشيخ علي الصعيدي ولازمه في جل درسه حتى أنجب وتلقن الذكر وطريق الخلوتية من الشيخ الحفني وصار من أكبر خلفائه كما تقدم وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة والزهد والعفة والديانة وحضر بعض دروس الشيخين الملوي والجوهري وغيرهما ولكن جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفني والصعيدي وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الأخلاق وذكر لنا عن لقبه أن قبيلة من العرب نزلت ببلده كبيرهم يدعى بهذا اللقب فولد جده عند ذلك فلقب بلقبه تفاؤلًا لشهرته وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره الأجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الأقوال ومتن في فقه المذهب سماه أقرب المسالك لمذهب مالك ورسالة في متشابهات القرآن ونظم الخريدة السنية في التوحيد وشرحها وتحفة الأخوان في آداب أهل العرفان في التصوف وله شرح على ورد الشيخ كريم الدين الخلوتي وشرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكري ورسالة في المعاني والبيان ورسالة أفرد فيها طريقة حفص ورسالة في المولد الشريف ورسالة في شرح قول الوفائية‏:‏ يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم‏.‏

وشرح على مسائل كل صلاة بطلت على الإمام والأصل للشيخ البيلي وشرح على رسالة في التوحيد من كلام دمرداش ورسالة في الاستعارات الثلاث وشرح على آداب البحث ورسالة في شرح صلاة السيد أحمد البدوي وشرح على الشمائل لم يكمل ورسالة في صلوات شريفة اسمها المورد البارق في الصلاة على أفضل الخلائق والتوجه الأسنى بنظم الأسماء الحسنى‏.‏

ومجموع ذكر فيه أسانيد الشيوخ ورسالة جعلها شرحًا على رسالة قاضي مصر عبد الله أفندي المعروف بططر زاده في قوله تعالى‏:‏ يوم يأتي بعض آيات ربك الآية وله غير ذلك‏.‏

ولما توفي الشيخ علي الصعيدي تعين المترجم شيخًا على المالكية ومفتيًا وناظرًا على وقف الصعايدة وشيخًا على طائفة الرواق بل شيخًا على أهل مصر بأسرها في وقته حسًا ومعنى‏.‏

فإنه كان رحمه الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ولا يأخذه في الله لومة لائم وله في السعي على الخير يد بضياء تعلل أيامًا ولزم الفراش مدة حتى توفي في سادس شهر ربيع الأول من هذه السنة وصلي عليه بالأزهر بمشهد عظيم حافل ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقب وعندما أسسها أرسل إلي وطلب مني أن أحرر له حائط المحراب على القبلة فكان كذلك وسبب إنشائه للزاوية أن مولاي محمد سلطان المغرب كان له صلات يرسلها لعلماء الأزهر وخدمة الأضرحة وأهل الحرمين في بعض السنين وتكرر منه ذلك فأرسل على عادته في سنة ثمان وتسعين مبلغًا وللشيخ المترجم قدرًا معينًا له صورة وكان لمولاي محمد ولد تخلف بعد الحج وأقام بمصر مدة حتى نفد ما عنده من النفقة فلما وصلت تلك الصلة أراد أخذها ممن هي في يده فامتنع عليه وشاع خبر ذلك في الناس وأرباب الصلات وذهبوا الى الشيخ بحصته فسأل عن قضية بن السلطان فأخبروه عنها وعن قصده وأنه لم يتمكن من ذلك فقال‏:‏ والله هذا لا يجوز وكيف أننا نتفكه في مال الرجل ونحن أجانب وولده يتلظى من العدم هو أولى مني وأحق أعطوه قسمي‏.‏

فأعطاه ذلك ولما رجع رسول أبيه أخبر السلطان والده بما فعل الشيخ الدردير فشكره على فعله وأثنى عليه واعتقد صلاحه وأرسل له ف يثاني عام عشرة أمثال الصلة المتقدمة مجازاة للحسنة فقبلها الأستاذ وحج منها ولما رجع من الحج بنى هذه الزاوية مما بقي ودفن بها رحمه الله ولم يخلف بعده مثله‏.‏ ومات

الشيخ الإمام العلامة المتفنن المتقن المعمر الضرير

الشيخ محمد المصيلحي الشافعي أحد العلماء أدرك الطبقة الأولى وأخذ عن شيوخ الوقت وأدرك الشيخ محمد شنن المالكي وأخذ عنه وأجازه الشيخ مصطفى العزيزي والشيخ عبد ربه الديوي والشيخ أحمد الملوي والحفني والدفري والشيخ علي قايتباي والشيخ حسن المدابغي وناضل ودرس وأفاد وأقر وانتفع عليه الطلبة ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري وانقرض أشياخ الطبقة الأولى نوه بذكره واشتهر صيته وحف به تلامذته وغيرهم ونصبوه شبكة لصيدهم وآلة لاقتناصهم وأخذوه الى بيوت الأمراء في حاجاتهم وعرضوا به المتصدرين من الأشياخ في الرياسة ويرى أحقيته لها لسنة وأقدميته ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري وتقدم الشيخ أحمد العروسي في مشيخة الأزهر كان المترجم غائبًا في الحج فلما رجع وكان الأمر قد تم للعروسي أخذه حمية المعاصرة وأكثرها من إغراء من حوله فيحركونه للمناقضة والمناكدة حتى أنه تعدى على تدريس الصلاحية بجوار مقام الإمام الشافعي المشروطة لشيخ الأزهر بعد صلاة الجمعة فلم ينازعه الشيخ أحمد العروسي وتركها له حسمًا للشر وخوفًا من ثوران الفتن والتزم له الإغضاء والمسامحة في غالب الأطوار ولم يظهر الالتفات لما يعانوه أصلًا حتى غلب عليهم بحلمه وحسن مسايرته حتى أنه لما توفي المترجم ورجع إليه تدريس الصلاحية لم يباشر التصدر في الوظيفة بل قرر فيها تلميذه العلامة الشيخ مصطفى الصاوي وأجلسه وحضر افتتاحه فيها وذلك من حسن الرأي وجودة السياسة توفي المترجم ثاني عشر شوال من هذه السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالمجاورين‏.‏

ومات الإمام العلامة واللوذعي الفهامة لسان المتكلمين وأستاذ المحققين الفقيه النبيه المستحضر الأصولي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ عبد الباسط السنديوني الشافعي تفقه على أشياخ العصر المتقدمين وأجازه أكابر المحدثين ولازم الشيخ محمد الدفري وبه تخرج في الفقه وغيره وأنجب ودرس وأفاد وأفنى في حياة شيوخه وكان حسن الإلقاء جيد الحافظة يملي دروسه عن ظهر قلبه وحافظته عجيب الاستحضار للفروع الفقهية والعقلية والنقلية ومما شاهدته من استحضاره أنه وردت فتوى في مسألة مشكلة في المناسخة فتصدى لتحريرها وقسمتها جماعة من الأفاضل ومنهم الشيخ محمد الشافعي الجناجي وناهيك به في هذا الفن وتعبوا فيها يومًا وليلة حتى حرروها على الوجه المرضي ثم قالوا دعنا نكتبها في سؤال على بياض ونرسلها للمتصدرين للإفتاء وننظر ماذا يقولون في الجواب وهو لا يعلم بشيء مما عانوه فغاب الرسول مدة لطيفة وحضر بالجواب على الوجه الذي تعب فيه الجماعة يومًا وليلة فقضوا عجبًا من جودة استحضاره وحدة ذهنه وقوة فهمه إلا أنه كان قليل الورع عن بعض سفاسف الأمور اتفق أنه تنازع مع عجوز في فدان ونصف طين مدة سنين وأهين بسببها مرارًا في أيام مشيخة الشيخ عبد الله الشبراوي والشيخ الحفني ورأيته مرة يتداعى معها عند شيخنا الشيخ أحمد العروسي فنهاه الشيخ العروسي عنها ولامه فلم ينته ولم يزل ينازعها وتنازعه الى أن مات وغير ذلك أمور يستحي من ذكرها في حق مثله وبذلك قلّت وجاهته بين نظرائه توفي في أول جمادى الآخرة من السنة وصلي عليه بالأزهر ودفن بتربة المجاورين رحمه الله وغفر لنا وله‏.‏

ومات الشيخ الفاضل الصالح المجذوب صاحب الأحوال محمد ابن أبي بكر بن محمد المغربي الطرابلسي الشهير بالأثرم ولد بقرية أنكوان من أعمال طرابلس في حدود سنة خمس وأربعين وبها نشأ وتنتسب جدوده الى خدمة الولي الصالح الشهير سيدي أحمد زروق قدس سره وغلب عليه الجذب في مبادئ أمره وحفظ جملة من كلام الشيخ المشار إليه ومن كلام غيره وكان مبدأ أمره فيما أخبرنا أنه توجه الى تونس برسم التجارة فاجتمع على رجل من الصالحين هناك ولازمه فلما قربت وفاته أوصى إليه بملبوس بدنه فلما توفي جمع الحاضرين وأراد بيعه فأشار إليه بعض أهل الشأن أن يضن به ولا يبيعه فتنافس فيه الشارون وتزايدوا فدفع الدراهم من عنده في ثمنه وأبقاه وكان المتوفى فيما قيل قطب وقته‏.‏

فلبسه الوجد في الحال وظهرت له أمور هناك واشتهر أمره وأتى الى الإسكندرية فسكنها مدة ثم ورد مصر في أثناء سنة 1185 وحصلت له شهرة تامة ثم عاد الى الاسكندرية فقطنها مدة ثم عاد الى مصر وهو مع ذلك ينجر في الغنم وأثرى بسبب ذلك وتمول وكانت الأغنام تجلب من وادي برقة فيشارك عليها مشايخ عرب أولاد علي وغيرهم وربما ذبح بنفسه بالثغر فيفرق اللحم على الناس ويأخذ منهم ثمن ذلك وكان مشهورًا بإطعام الطعام والتوسع فيه في كل وقت وربما وردت عليه جماعة مستكثرة فيقريهم في الحال وتنقل له في ذلك أمور‏.‏

ولما ورد مصر كان على هذا الشأن لابد للداخل عليه من تقديم مأكول بين يديه وهادته أكابر الأمراء والتجار بهدايا فاخرة سنية وكان يلبس أحسن الملابس وربما لبس الحرير المقصب يقطع منها ثيابًا واسعة الأكمام فيلبسها ويظهر في كل طور في ملبس آخر غير الذي لبسه أولًا وربما أحضر بين يديه آلات الشرب وانكبت عليه نساء البلد فتوجه إليه بمجموع ذلك نوع ملام إلا أن أهل الفضل كانوا يحترمونه ويقرون بفضله وينقلون عنه أخبارًا حسنة‏.‏

وكان فيه فصاحة زائدة وحفظ لكلام القوم وذوق للفهم ومناسبات للمجلس وله أشراف على الخواطر فيتكلم عليها فيصادف الواقع ثم عاد الى الإسكندرية ومكث هناك الى أن ورد حسن باشا فقدم معه وصحبته طائفة من عسكر المغاربة ولما دخل مصر أقبلت عليه الأعيان وعلت كلمته وزادت وجاهته وأتته الهدايا وكانت شفاعته لا ترد عند الوزراء ولما كان آخر جمادى الأولى من هذه السنة توجه الى كرداسة لإيقاع صلح بين العرب وبين جماعة من القافلة المتوجهة الى طرابلس فمكث عندهم في العزائم والإكرامات مدة من الأيام ثم رجع وكان وقتًا شديد الحر فخلع ثيابه فأخذه البرد والرعدة في الحال ومرض نحو ثمانية أيام‏.‏

حتى توفي نهار الثلاثاء ثالث جمادى الثانية وجهز وكفن وصلي عليه بمشهد حافل بالأزهر‏.‏

ودفن تحت جدار قبة الإمام الشافعي في مدافن الرزازين وحزنت عليه الناس كثيرًا وقد رآه أصحابه بعد موته في منامات عدة عدل على حسن حاله في البرزخ رحمه الله‏.‏

ومات الإمام العلامة والفاضل الفهامة صفوة النبلاء ونتيجة الفضلاء الشيخ أحمد بن أحمد بن محمد السحيمي الحنفي القلعاوي تفقه على والده وعلى الشيخ أحمد الحماقي وحضر معنا على شيخنا الشيخ مصطفى الطائي الهداية وأنجب ودرس في فقه المذهب والمعقول مع الحشمة والديانة ومكارم الأخلاق والصيانة توفي سادس عشر شوال ودفن عند والده بباب الوزير‏.‏

ومات الأجل العمدة الشريف الصالح السيد عبد الخالق بن أحمد بن عبد اللطيف بن محمد تاج العارفين المنتهي نسبه الى سيدي عبد القادر الحسني الجيلي المصري ويعرف بابن بنت الجيزي وهو أخو السيد محمد الجيزي المتوفى قبل ذلك من بيت الثروة والعز والسيادة تولى بعد أخيه الكتابة ببيت النقابة ومشيخة القادرية وأحسن السير والسلوك مع الوقار والحشمة‏.‏

وكان إنسانًا حسنًا كثير الحياء متجمعًا عن الناس مقبلًا عن شأنه وفيه رقة طبع مع الأخلاق المهذبة والتواضع للناس والانكسار رحمه الله‏.‏

ومات الأمير الصالح المبجل أحمد جاويش أرنؤد باش اختيار وجاق التفكجية وكان من أهل الخير والدين والصلاح عظيم اللحية منور الشيبة مبجلًا عند أعاظم الدولة يندفع في نصرة الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسمعون لقوله وينصتون لكلامه ويتقونه ويحترمونه لجلالته ونزهته عن الأغراض وكان يحب أهل الفضائل ويحضر دروس العلماء ويزورهم ويقتبس من أنوار علومهم ويذهب كثيرًا الى سوق الكتبيين ويشتري الكتب ويوقفها على طلبة العلم واقتنى كتبًا نفيسة ووقفها جميعها في حال حياته ووضعها بخزانة الكتب بجامع شيخون العمري بالصليبة تحت يد الشيخ موسى الشيخوني الحنفي وسمع على شيخنا السيد مرتضى صحيح البخاري ومسلم وأشياء كثيرة والشمائل والثلاثيات وغير ذلك وبالجملة فكان من خيار من أدركنا من جنسه ولم يخلف بعده مثله توفي في ثامن شوال من السنة وقد ناهز التسعين‏.‏

ومات الأمير المبجل أحمد كتخدا المعروف بالمجنون أحد الأمراء المعروفين والقراصنة المشهورين وهو من مماليك سليمان جاويش القازدعلي ثم انضوى الي عبد الرحمن كتخدا وانتسب إليه وعرف به وأدرك الحوادث والفتن التليدة والطارفة ونفي من نفي في إمارة علي بك الغزاوي في سنة ثلاث وسبعين الى بحري ثم الى الحجاز وأقام بالمدينة المنورة نحو اثنتي عشرة سنة وقادًا بالحرم المدني ثم رجع الى الشام وأحضره محمد بك أبو الذهب الى مصر وأكرمه ورد إليه بلاده وأحبه واختص به وكان يسامره ويأنس بحديثه ونكاته فإنه كان يخلط الهزل بالجد يأتي بالمضحكات في خلال المقبضات فلذلك سمي بالمجنون وكان بلدترسا بالجيزة جارية في التزامه وعمر بها قصرًا وأنشأ بجانبه بستانًا عظيمًا زرع فيه أصناف الأشجار والنخيل والرياحين ويجلب من ثماره الى مصر للبيع والهدايا ويرغب فيها الناس لجودتها وحسنها عن غيرها وكذلك أنشأ بستانًا بجزيرة المقياس في غاية الحسن وبنى بجانبه قصرًا يذهب إليه في بعض الأحيان ولما حضر حسن باشا الى مصر ورأى هذا البستان أعجبه فأخذه لنفسه وأضافه الى أوقافه وبنى المترجم أيضًا داره التي بالقرب من الموسكي داخل درب سعادة ودارًا على الخليج المرخم أسكن فيه بعض سراريه وكان له عزوة ومماليك ومقدمون وأتباع وابراهيم بك أوده باشه من مماليكه ورضوان كتخدا الذي تولى بعده كتخدا الباب وكان مقدمه في المدد السابقة يقال له المقدم فوده له شأن وصولة بمصر وشهرة في القضايا والدعاوى ولم يزل طول المدد السابقة جاويشًا فلما كان آخر مدة حسن باشا قلدوه كتخدا مستحفظان ولم يزل ومات الأمير الجليل محمد بك الماوردي وهو مملوك سليمان آغا كتخدا الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا وخشداشينه حسن بك الأزبكاوي الذي قتل بالمساطب كما تقدم وحسن بك المعروف بأبي كرش فكان الثلاثة أمراء يجلسون بديوان الباشا وسيدهم كتخدا الجاويشية واقف في خدمته على أقدامه ومرت له محن في تنقلاته ورحلاته الى البلاد عندما تملك علي بك وخرج المترجم منفيًا وهاربًا من مصر مع من خرج وباشر الحروب بأسيوط وذهب الى الشام وغيرها لكن لم أتحقق وقائعه ولم يزل حتى حضر الى مصر في أيام أبي الذهب وقد صار ذا شيبة وتزوج بنت الشيخ العناني وأقام بينهم بسوق الخشب خاملًا حتى مات في هذه السنة وكان لا بأس به وتقلد في المدد السابقة أغاوية مستحفظان ثم الصنجقية ونظارة الجامع الأزهر‏.‏

سنة اثنتين ومائتين وألف استهل المحرم بيوم السبت فيه عزل المحتسب وتولى آخر يسمى يوسف آغا الخربتاوي‏.‏

وتولى عثمان بك طبل الاسماعيلي على دجرجا‏.‏

وفيها انفرد اسمعيل بك الكبير في إمارة مصر وصار بيده العقد والحل والإبرام والنقض‏.‏

واستوزر محمد آغا البارودي وجعله كتخداه واستمر اسمعيل كتخدا حسن باشا بمصر لقبض وفيه قبض اسمعيل بك على الحاج سليمان بن ساسي وحبسه ببيت محمد آغا البارودي وصادره في خمسين كيسًا‏.‏

وفي خامسه طلب اسمعيل بك دراهم قرضة مبلغًا كبيرًا فوزعوا منها جانبًا على تجار البن والبهار وجانبًا على الذين يقرضون البن بالمرابحة للمضطرين وجانبًا على نصارى القبط وعلى الأروام والشوام وعلى طوائف المغاربة بطولون والغورية وعلى المتسببين في الغلال بالسواحل والرقع وكذلك بياعو القطن والبطانة والقماش والمنجدون واليهود وغير ذلك‏.‏

فانزعج الناس وأغلقوا وكائل البن والغورية ودكاكين الميدان‏.‏

وفي يوم السبت خامس عشره اجتمع جملة من الطوائف المذكورة وحضروا الى الجامع الأزهر وضجوا واستغاثوا من هذا النازل وحضر الشيخ العروسي فقاموا في وجهه وأرادوا قفل أبواب الجامع فمنعهم من ذلك فصاحوا عليه وسبوه وسحبوه بينهم الى جهة رواق الشوام‏.‏

فمنع عنه المجاورون وأدخلوه الى الرواق ودافعوا عنه الناس وقفلوا عليه باب الرواق‏.‏

وصحبته طائفة من المتعممين وكتبوا عرضًا الى اسمعيل بك بسبب ذلك وأرسلوه صحبة الشيخ سليمان الفيومي وانتظروه حتى رجع إليهم ومعه تذكرة من اسمعيل بك مضمونها الأمان والعفو عن الطوائف المذكورة‏.‏

وفيها أن هذا المطلوب إنما هو على سبيل القرض والسلفة من القادر على ذلك فلما قرئت عليهم التذكرة قالوا‏:‏ هذه مخادعة وعندما ينفض الجمع وتفتح الدكاكين يأخذونا واحدًا بعد واحد ثم قام الشيخ وركب وحوله الجم الغفير والغوغاء وبعض المجاورين يدفع الناس عنهم بالعصي والعامة يصيحون عليه ويسمعونه الكلام غير اللائق الى أن وصل الى باب زويلة‏.‏

فنزل بجامع المؤيد وأرسل الى اسمعيل بك يخبره بهذا الحال فحنق اسمعيل بك وظن أنها مفتعلة من الشيخ وأنه هو الذي أغراهم على هذه الأفعال فأجابه الرسل وحلفوا له ببراءته من ذلك وليس قصده إلا الخلاص منهم فقال‏:‏ أنا أرسلت إليهم بالأمان ودعوهم ينفضوا وما أحد يطالبهم بشيء فانفضوا وتفرقوا ومضى على ذلك يومًا فأرسلوا الى أهل الصاغة والجواهرجية والنحاسين وطالبوهم بالمقرر والموزع عليهم فلم يجدوا بدًا من الدفع ثم طالبوا وكالة الجلاية وتطرق الحال الى باقي الناس حتى بياعي الفسيخ ومجموع ذلك نحو اثنين وسبعين حرفة‏.‏

وفي منتصفه حضر علي كاشف من جهة قبلي وقد كان سافر بعد سفر حسن باشا برسالة الى الأمراء القبالي وأخبر أنهم مستقرون في أماكنهم ولم يتحركوا‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشرينه سافر أمير القلزم بملاقاة الحاج وكان من عادته السفر في أول الشهر ولم يحضر في هذه السنة نجاب الجبل وأخذوا من بلاد أمير الحج بلدين وأخذوا أيضًا بيته الذي كان سكن به فلما استقر يحيى بك بمصر أخذه وسكنه لكونه زوج بنت صالح بك وهو بيت أبيها وهو أحق به‏.‏

ثم استهل شهر صفر الخير وفيه كملت القيسارية التي عمرها اسمعيل بك بجانب السبيل الذي بسويقة لاجين فأنشأ بها إحدى وعشرين حانوتًا وقهوة وجعلها مربعة الأركان وهذا السبيل من إنشاء سيده ابراهيم كتخدا ولما أتمها نقل إليها سوق درب الجماميز بعد العصر وانتقل إليه الدلالون والناس والقماشون في عصرية يوم الثلاثاء ثانية ويطل سوق درب الجماميز من ذلك اليوم وليس لاسمعيل بك من المحاسن إلا نقل هذا السوق من تلك الجهة ووضعه في هذه الجهة كما لا يخفى‏.‏

وفي اشتد العسف في الرعية بسبب طلب السلفة وتعدى الحال الى بياع المخلل والصوفان وتضرر الفقراء من ذلك‏.‏

وفي سابعه سافر محمد باشا والي جدة الى السويس‏.‏

وفي يوم السبت ثالث عشره طلع اسمعيل بك والأمراء الى الديوان بالقلعة وأخرج قوائم مزاد البلاد التي تأخر على ملتزميها الميري فتصدر لشرائها كتخداه محمد آغا البارودي فاشترى نحو سبعين بلدًا وفي الحقيقة هي راجعة الى مخدومه يفرقها على من يشاء من أغراضه‏.‏

فشرع أولًا في طلب الشتوي وزاد على من أخذ البلاد سنة ونصفًا ثم ادعى أن حسن باشا أخذ سنة من الحلوان ودخلت في حسابه وطلب سنة ونصف أخرى وطلب المال الصيفي أيضًا فعجزت الملتزمون ففعل هذه الفعلة وأخرج قوائم مزادهم الى الديوان واستخلصها من ملتزميها‏.‏

وفي تلك الليلة حضرت جماعة من كشاف النواحي القبلية وأخبروا أن الأمراء القبالي حضروا الى أسيوط وأوائلهم تعدى منفلوط فهرب من كان هناك من الكشاف وغيرهم وحضروا الى مصر فلما تحققت هذه الأخبار طلع في صبحها اسمعيل بك الى الديوان واجتمع الأمراء والوجاقلية أو المشايخ فتكلم اسمعيل بك وقال‏:‏ يا أسيادنا يا مشايخ يا أمراء يا وجاقلية إن الجماعة القبليين نقضوا عهد السلطان وانتقلوا من أماكنهم وزحفوا على البلاد‏.‏

فهل الواجب قتالهم ودفعهم فقالوا‏:‏ نعم فقال إن المخالفين إذا نقضوا عهد السلطان ولزم الحال الى قتالهم يصرف المقاتلين من العسكر من خزينة السلطان وليس هنا خزينة فكل منكم يقاتل عن نفسه فأجابه اسمعيل أفندي الخلوتي وقال‏:‏ ونحن أي شيء تبقى عندنا حتى نصرفه وقد صرنا كلنا شحاتين لا نملك شيئًا فقال له الباشا‏:‏ هذا الكلام لا يناسب ولا ينبغي أنك تكسر قلوب العسكر بمثل هذا الكلام والأولى أن تقول لهم أنا وأنتم شيء واحد إن جعت جوعوا معي وإن شبعت اشبعوا معي ثم انحط الرأي بينهم على أن يكتبوا عرضًا للدولة والإخبار عن نقضهم وعرضًا لهم بالتحذير ثم كتبوا فرمانات لجميع الغز والأجناد الغائبين بالأرياف بالحضور وبكى اسمعيل بك بالمجلس ونهنه في بكائه ثم كتبوا مكاتبة من الباشا ومن الوجاقلية والمشايخ وأرسلوها صحبة واحد من طرف الباشا وسراج من طرف اسمعيل بك‏.‏

وأرسلوا الى محمد باشا المسافر الى جدة بالرجوع من السويس الى مصر بأمر من الدولة‏.‏

وفي ذلك اليوم أعني يوم الأحد رابع عشره حضر جاويش الحاج من العقبة‏.‏

وفي يوم الأربع سابع عشره نبهوا على مماليك الأمراء القبليين وكشافهم الكائنين بمصر بالاجتماع والحضور فأرسل كل من كان مستخدمًا عنده جماعة من الأمراء والصناجق وغيرهم فجمعهم في مكان في بيته ومن كان غائبًا في حاجة أرسلوا إليه وأحضروه فلما تكاملوا أخذوا خيولهم وأسلحتهم وأبقوهم في الترسيم وأما علي بك الدفتردار فإنه لم يسلم فيمن عنده وكان منقطعًا في الحريم لصداع برأسه ووجع في عينيه من مدة شهرين‏.‏

وفي يوم الجمعة كان نزول الحجاج ودخولهم الى مصر وكانوا أغلقوا أبواب مصر وأجلسوا عليها حرسجية فلم يدخل الحجاج إلا من باب النصر فقط فتضرر الناس من الازدحام في ذلك الباب وارتاح الحجاج في هذا العام ولم يحصل لهم تعب وزاروا المدينة الشريفة‏.‏

وفيه نزل الآغا وصحبته كتخدا الباشا وأمامهما المناداة على كل من كان مختفيًا من أتباع الأمراء القبليين ومماليكهم بالظهور ويطلعوا يقابلوا الباشا وكل من ظهر عنده أحد بعد ثلاثة أيام فإنه يستأهل الذي يجري عليه‏.‏

وفي صبحها يوم السبت دخل أمير الحاج غيطاس بك وصحبته المحمل‏.‏

وفيه شرع اسمعيل بك في طلب تفريدة من البلاد والقرى فجعلوا على كل بلد مائة دينار وعشرة خلاف ما يتبع ذلك من الكلف وحق الطرق وغير ذلك وعين لقبضها خازنداره وغيره‏.‏

وفي تاسع عشره قبضوا على جماعة من المماليك والأجناد وهم الذين كانوا في الترسيم‏.‏

وأنزلوهم في مراكب وأرسلوهم الى ثغر الاسكندرية وحبسوهم بالبرج ومنهم جماعة بأبي قير وكان علي بك توقف في تسليم المنتسبين إليه فلم يزل به اسمعيل بك حتى سلم فيهم‏.‏

وفي عشرينه قبضوا على بواقيهم وأنزلوهم المراكب أيضًا وبعضهم أنزلوه عريانًا ليس عليه سوى القميص والصديري واللباس وطاقية أو طربوش معمم عليه بمحرمة أو منديل ونحو ذلك ولم تزل الحرسجية مقيمين على الأبواب وحصل منهم الضرر للناس والرعية والمتسببين والفلاحين الواردين من القرى بالجبن والسمن والتبن ونحو ذلك وكل من أراد العبور من باب منعوه من الدخول حتى يأخذوا منهم دراهم ولو كان بنفسه‏.‏

وفي يوم الأحد ثامن عشرينه نزل الآغا وأمامه الوالي وأوده باشة البوابة وأمامهم المناداة على جميع الألضاشات المنتسبين الى الوجاقات بأنهم يأخذوا لهم أوراقًا من أبوابهم وكل من وجد وليس معه ورقة بعد ثلاثة أيام يحصل له مزيد الضرر وبيد المنادي فرمان من الباشا‏.‏

وفيه ركب اسمعيل بك ونزل الى بولاق ليتفرج على شركفلك الذي صنعه وتم شغله وقد زاد في صنعته عما فعله حسن باشا بإن ركبه على عجل يجروه وزاد في إتقانه وسبك جللًا كثيرة للمدافع فلما رآه أعجبه وشرع أيضًا في عمل شركفلكين اثنين وجهز ذخيرة عظيمة من بقسيماط وغيره‏.‏

وفي يوم الاثنين حضر الرسول الذي كان توجه بالرسالة للأمراء القلبيين وهو الذي من طرف الباشا وصحبته آخر من طرف اسمعيل بك وعلى يدهما جوابان‏:‏ أحدهما خطاب للباشا والثاني خطاب للمشايخ فاجتمعوا بالديوان في صبحها يوم الثلاثاء وقرأوا الجوابات‏.‏

وملخصها‏:‏ إنكم نسبتونا لنقض العهد والحال أن النقض حصل منكم بتسفير إخواننا الرهائن وذهابهم مع قبطان باشا الى الروم وما فعلتم في بيوتنا وحريمنا ولما حصل ذلك احتد البعض منا وزحفوا الى بحري فركبنا خلفهم نردهم فلم يمتثلوا فأقمنا معهم فلما قرأوا ذلك بحضرة الجمع اقتضى الرأي كتابة مراسلة أخرى من الباشا والمشايخ وفيها الملاطفة في الخطاب والاعتذار وأرسلوها واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأربعاء وفي ثانيه ركب الآغا وشق الأسواق وصار يقف على الوكائل والخانات ويفتش على الألضاشات ودخل سوق خان الخليلي ونبه على أفرادهم وقال لهم‏:‏ في غد أحضر في التبديل وكل من وجدته من غير ورقة جدك فعلت به وفعلت وقطعت أذنيه أو أنفه‏.‏

وفيه عزل أحمد أفندي الصفائي الروزنامجي من الروزنامة لمرضه وتقلد أحمد أفندي المعروف بأبي كلية قلفة الأنبار روزنامجي عوضًا عنه‏.‏

وفي سادسه أرسلوا بجوابات الرسالة الشيخ أحمد بن يونس وكتبوا لهم أيضًا سمهود وبرديس زيادة على ما بأيديهم من البلاد والحال أن الجميع بأيديهم‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حضر عابدي باشا واسمعيل بك الى بيت الشيخ البكري باستدعاء المولد النبوي فلما استقر بهم الجلوس التفت الباشا الى جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له إنها بيوت النصارى فأمر بهدمها وبالمناداة عليهم بالمنع من ركوب الحمير فسعوا في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال منها على الشوام سبعة عشر ألفًا وباقيها على الكتبة‏.‏

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الجمعة فيه كتب الباشا فرمانًا على موجب الفتوى ونزل به آغات مستحفظان ونادى به جهارًا وكذلك التنبيه على جميع الوجاقلية باتباع أبوابهم وحضور وفي ثالثه أنفق اسمعيل بك على الأمراء الصناجق وأرسل لهم الترحيلة فأرسل الى حسن بك الجداوي ثمانية عشر ألف ريال فغضب عليها وردها ووبخ محمدًا كتخدا البارودي وركب مغضبًا وخرج الى نواحي العادلية فركب إليه في صبحها اسمعيل بك وعلي بك الدفتردار وصالحاه وزاد له في الدراهم حتى رضي وتكلم مع اسمعيل بك في تشديده على الرعية والألضاشات‏.‏

وفي يوم الخميس ثامنه سافر إمام الباشا وعلي كاشف من طرف اسمعيل بك بجوابات للأمراء القبليين حاصلها إما الرجوع الى أماكنهم على موجب الاتفاق والصلح بشرط أن تدفعوا ميري البلاد التي تعديتم عليها وإلا فنحن أيضًا تنقض الصلح بيننا وبينكم ثم وصل الخبر بأن ابراهيم بك ارتحل من طحطا غرة الشهر وحضر الى المنية عند قسيمه مراد بك‏.‏

وأن مراد بك فرق البلاد من بحري المنية على أتباعه وأتباع الأمراء الذين بصحبته ثم وقع التراخي في أمر التجريدة وحصل التواني والإهمال والترك وخرجت الخيول الى المرعى‏.‏

وفي يوم الجمعة سادس عشره نزل عابدي باشا الى بولاق وركب إليه اسمعيل بك وبقية الأمراء وأمامه مدافع الزنبلك على الجمال فتفرج على الشركفلكات وسيروا أمامه الثلاث غلايين الى مصر القديمة وضربوا مدافعها ثم عاد وطلع الى القلعة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عزل أحمد أفندي أبو كلبة من الروزنامة وتقلدها عثمان أفندي العباسي على رشوة دفعها وضاع على أحمد أفندي ما دفعه من الرشوة‏.‏

وفي يوم الأربعاء حادي عشرينه حضر إمام الباشا وعلي كاشف وأخبرا أن ابراهيم بك حضر عند مراد بك بالمنية وأن جماعة من صناجقهم وأمرائهم وصلوا الى بني سويف وبحريها‏.‏

وأنهم قالوا في الجواب إننا تركنا لهم الجهة البحرية وأخذنا الجهة القبلية فإن قاتلونا عليها قاتلناهم وإن انكفوا عنا فلسنا واصلين إليهم ولا طالبين منهم مصر ونعقد الصلح على ذلك‏.‏

فيرسلوا لنا بعض المشايخ والاختيارية نتوافق معهم على أمر يحسن السكوت عليه فعملوا ديوانًا اجتمع به الجميع وتحالفوا واتفقوا على إرسال جواب صحبة قاصد من طرف الباشا مضمونه‏:‏ إنهم يرسلون من جهتهم أميرين كبيرين فيهما الكفاءة لفصل الخطاب ليحصل معهما التوافق ونرسل صحبتهما ما أشاروا به‏.‏

وفي يوم الاثنين حضر واحد بشلي وعلى يده مكاتبات من حسن باشا خطابًا الى الباشا واسمعيل بك وعلي بك وحسن بك ورضوان بك واسمعيل كتخدا والشيخ البكري وأخبر بوصول عسكر أرنؤد الى ثغر الاسكندرية وعليهم كبير ومعه هدية الى الأمراء‏.‏

وفي يوم الخميس طلع الأمراء الى الديوان وتكلموا من جهة النفقة فقال قاسم بك‏:‏ أما أنا فلا يكفيني خمسون ألف ريال فقال له اسمعيل بك‏:‏ فعلى هذا أمثالك ويحتاج حسن بك ورضوان بك وعلي بك كل واحد مائة ألف فلازم أننا نرسل الى السلطان يرسل لكم خزائنه حتى تكفيكم فرد عليه علي بك وقال‏:‏ أنا صرفت على التجريدة الأولى وشهلت أربع باشاوات والأمراء والأجناد وأنت في جملتهم وما صادرت أحدًا في نصف فضة فاغتاظ اسمعيل بك وقال‏:‏ اعمل كبير البلد وافعل مثل ما فعلت وأنا أعطيك المال الذي تحت يدي الذي جمعته من الناس خذه واصرفه بمعرفتك وقام من المجلس منتورًا فرده الباشا واختلى به وبعلي بك وحسن بك ورضوان بك ساعة زمانية وتشاوروا مع بعضهم ثم قاموا ونزلوا‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى بيوم السبت فيه حضر ططري وبيده مرسومات فاجتمعوا بالديوان وقرأوها أحدها بطلب مشاق ويدك والثاني بسبب الجماعة القبليين إن كانوا مقيمين بالأماكن التي عينها لهم حسن باشا فلا تتعرضوا لهم وإن كانوا زحفوا وتعدو ونقضوا فاخرجوا إليهم وقاتلوهم وإن احتجتم عساكر أرسلنا لكم والثالث مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة والرابع بالوصية على الفقراء وغلال الحرمين والأنبار والجامكية وأمثال ذلك من الكلام الفارغ‏.‏

وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا يكن المنفصل من ولاية مصر‏.‏ وفي

يوم الاثنين ثالثة حضر المرسل من الجهة القبلية

وصحبته صالح آغا الوالي بجوابات‏.‏

حاصلها أنهم يطلبون من طحطا الى قبلي ويطلبون حريمهم وأن يردوا لهن ما أخذوه من بلادهن وكذلك يطلبون أتباعهم ومماليكهم الذين أرسلوهم الى الاسكندرية فإن أجيبوا الى ذلك لا يتعدون بعدها على شيء أصلًا فلما قرئت المكاتبة بحضرة الجمع في الديوان قال اسمعيل بك للباشا‏:‏ لا يمكن ذلك ولا يتصور أبدًا وإلا افعلوا ما بدا لكم ولا علاقة لي ولا أكتب فرمانًا فإني أخاف على نفسي إن زدتهم على ما أعطاهم حسن باشا ولابد من دفعهم الميري ثم كتبوا لهم جوابًا وسافر به صالح آغا المذكور وآخر من طرف اسمعيل بك‏.‏

وفي يوم السبت ثامنه وقع بين أهل بولاق وبين العسكر معركة بسبب إفسادهم وتعديهم وفسقهم مع النساء وأذية السوقة وأصحاب الحوانيت وخطفهم الأشياء بدون ثمن فاجتمع جمع من أهل بولاق وخرجوا الى خارج البلدة يريدون الذهاب الى اباشا يشكون ما نزل بهم من البلاء فلما علم عسكر القليونجية ذلك اجتمعوا بأسلحتهم وحضروا إليهم وقاتلوهم وانهزم القليونجية فنزل الآغا وتلافى الأمر وأخذ بخاطر العامة وسكن الفتنة وخاطب العسكر ووبخهم على أفعالهم‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشره حضر صالح آغا بجواب وأخبر بصلح الأمراء القبليين على أن يكون لهم من أسيوط وما فوقها ويقوموا بدفع ميري البلد وغلالها ولا يتعدوا بعد ذلك وأنهم يطلبون أناسًا من كبار الوجاقات والعلماء ليقع الصلح بأيديهم فعمل الباشا ديوانًا وأحضر الأمراء والمشايخ واتفقوا على إرسال الشيخ محمد الأمير واسمعيل أفندي الخلوتي وآخرين وسافروا في يوم الأربعاء تاسع عشره‏.‏

وفي خامس عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية حارة واستمرت اثني عشر يومًا واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الأحد فيه ورد الخبر بأن جماعة من الأمراء القبليين حضروا الى بني سويف‏.‏

وفي ثالثه وصل الخبر بأن مراد بك حضر أيضًا الى بني سويف في نحو الأربعين فشرع المصريون في التشهيل والاهتمام وأخرجوا خيامهم ووطاقهم الى ناحية البساتين وفي يوم الخميس طلع الأمراء الى الباشا وتكلموا معه وأخبروه بما ثبت عندهم من زحف الجماعة الى بحري وطلبوه للنزول صحبتهم فقال لهم‏:‏ حتى ترجع الرسل بالجواب أو نرسل لهم جوابًا آخر وننظر جوابهم فامتثلوا الى رأيه فكتب مكتوبًا مضمونه‏:‏ إنكم طلبتم الصلح مرارًا وأجبناكم بما طلبتم وأعطيناكم ما سألتم ثم بلغنا أنكم زحفتم ورجعتم الى بني سويف فما عرفنا أي شيء هذا الحال والقصد أنكم تعرفونا عن قصدكم وكيفية حضوركم إن كنتم نقضتم الصلح وإلا لا فترجعوا الى ما حددناه لكم وما وقع عليه الاتفاق وأرسله صحبة مرسل من وفي يوم الجمعة سحبوا الشركفلكات من بولاق وذهبوا بها الى الوطاق وشرع اسمعيل بك في عمل متاريس عند طراو المعصرة وكذلك في بر الجيزة وجمع البنائين والفعلة والرجال وأمر بحفر خندق وبنى أبراجًا من حجر وحيطانًا لنصب المدافع والمتاريس في البرين‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشره حضر الشيخ محمد الأمير ومن بصحبته وأخبروا أنهم تركوا ابراهيم بك ومراد بك في بني سويف وأربعة من الأمراء وهم سليمان بك الآغا وابراهيم بك الوالي وأيوب بك الصغير وعثمان الشرقاوي بزاوية المصلوب وحاصل جوابهم إن يكن صلح فليكن كاملًا ودمنا في دمهم وعفا الله عما سلف فإن لم يرضوا بذلك فليستعدوا للقاء وهذا آخر الجواب والسلام وأرسلوا جوابات بمعنى ذلك الى المشايخ وعلى أنهم يسعون في الصلح أو يخرجوا لهم على الخيل كما هي عادة المصريين في الحروب‏.‏

وفي هذه الأيام حصل وقف حال وضيق في المعايش وانقطاع للطرق وعدم أمن ووقوف العربان ومنع السبل وتعطيل أسباب وعسر في الأسفار برًا وبحرًا فاقتضى رأي الشيخ العروسي أنه يجتمع مع المشايخ ويركبون الى الباشا ويتكلمون معه في شأن هذا الحال فاستشعر اسمعيل بك بذلك فدبج أمرًا وصور حضور ططري من الدولة وعلى يده مرسوم فأرسل الباشا في عصر يوم الجمعة للمشايخ والوجاقلية وجمعهم وقرأوا عليهم ذلك الفرمان ومضمونه الحث والأمر والتشديد على محاربة الأمراء القبالي وطردهم وإبعادهم فلما فرغوا من ذلك تكلم الشيخ العروسي وقال‏:‏ خبرونا عن حاصل هذا الكلام فإننا لا نعرف بالتركي فأخبروه فقال‏:‏ ومن المانع لكم من الخروج وقد ضاق الحال بالناس ولا يقدر أحد من الناس أن يصل الى بحر النيل وقربة الماء بخمسة عشر نصف فضة وحضرة اسمعيل بك مشتغل ببناء حيطان ومتاريس وهذه ليست طريقة المصريين في الحروب بل طريقتهم في المصادمة وانفصال الحرب في ساعة إما غالب أو مغلوب وأما هذا الحال فإنه يستدعي طولًا وذلك يقتضي الخراب والتعطيل ووقف الحال فقال الباشا‏:‏ أنا ما قلت لكم هذا الكلام أولًا وثانيًا هيا شهلوا أحوالكم ونبهوا على الخروج يوم الاثنين وأنا قبلكم‏.‏

وفي ليلة الاثنين حضر شخصان من الططر ودخلا من باب النصر وأظهرا أنهما وصلا من الديار الرومية على طريق الشام وعلى يدهما مرسوما حاصلها الإخبار بحضور عساكر برية وعليهم باشا كبير وذلك أيضًا لا أصل له ونودي في ذلك اليوم بالخروج الى المتاريس وكل من خرج يطلع أولًا الى القلعة ويأخذ نفقة من باب مستحفظان وقدرها خمسة عشر ريالًا فطلع منهم حملة وأخذوا نفقاتهم وخرجوا الى المتاريس بالجيزة‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه وردت مكاتبات من الديار الحجازية وأخبروا فيها بوفاة وفي ليلة الأحد تاسع عشرينه مات ابراهيم بك قشطة صهر اسمعيل بك مطعونًا وفيه عزل اسماعيل بك المعلم يوسف كساب الجمركي بديوان بولاق ونفاه الى بلاد الإفرنج وقيل إنه غرقه ببحر النيل وقلد مكانه مخاييل كحيل على عشرين ألف ريال دفعها واستهل شهر رجب بيوم الثلاثاء‏.‏

وفي كل يوم ينادي المنادي بالخروج ويهدد من تخلف واستمروا متترسين بالبرين وبعض الأمراء ناحية طرا وبعضهم بمصر القديمة في خلاعاتهم وبعضهم بالجيزة كذلك الى أن ضاق الحال بالناس وتعطلت الأسفار وانقطع الجالب من قبلي وبحري وأرسل اسمعيل بك الى عرب البحيرة والهنادي فحضروا بجمعهم وأخلاطهم وانتشروا في الجهة الغربية من رشيد الى الجيزة ينهبون البلاد ويأكلون الزروعات ويضربون المراكب في البحر ويقتلون الناس حتى قتلوا في يوم واحد من بلد النجيلة نيفًا وثلثمائة إنسان وكذلك فعل عرب الشرق والجزيرة بالبر الشرقي وكذلك رسلان وباشا النجار بالمنوفية فتعطل السير برًا وبحرًا ولو بالخفارة حتى أن الإنسان يخاف أن يذهب من المدينة الى بولاق أو خارج باب النصر وفي يوم السبت خامسه نهب سوق انبابة وفيه قتل حمزة كاشف المعروف بالدويدار رجلًا نصرانيًا روميًا صائغًا اتهمه مع حريمه فقبض عليه وعذبه أيامًا وقلع عينيه وأسنانه وقطع أنفه وشفتيه وأطرافه حتى مات بعد أن استأذن فيه حسن بك الجداوي وعندما قبض عليه أرسل حسن بك ونهب باقي حانوته من جوهر ومصاغ الناس وغير ذلك وطلق الزوجة بعد أن أراد قتلها فهربت عند الست نفيسة زوجة مراد بك‏.‏

وفي يوم الأحد أخذ اسمعيل بك فرمانًا من الباشا بفردة على البلاد لسليم بك أمير الحاج ليستعين بها على الحج وقرر على كل بلدة مائة ريالًا وجملًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء اجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ بقصر العيني فأظهر لهم اسمعيل بك الفرمان وعرفهم احتياج الحال لذلك فقام الاختيارية وأغلظوا عليه ومانعوا في ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس سابع عشره وصل نحو الألف من عسكر الأرنؤد الى ساحل بولاق وعليهم كبير يسمى اسمعيل باشا فخرج اسمعيل بك وحسن بك وعلي بك ورضوان بك لملاقته ومدوا له سماطًا عند مكان الحلي القديم‏.‏

وفي يوم الجمعة ثامن عشره أمطرت السماء من بعد الفجر الى العشاء وأطبق الغيم قبل الغروب وأرعد رعدًا قويًا وأبرق برقًا ساطعًا ثم خرجت فرتونة نكباء شرقية شمالية واستمر البرق والمطر يتسلسل غالب الليل وكان ذلك سابع عشر برموده وخامس عشر نيسان وخامس درجة من برج الثور فسبحان الفعال لما يريد‏.‏

وفي يوم الأحد عشرينه كان عيد النصارى وفيه تقررت الفردة المذكورة وسافر لقبضها سليم بك أمين الحج ولم يفد من قيام الوجاقلية وسعيهم في إبطالها شيء فإنهم لما عارضوا في ذلك فتح عليهم طلب المساعدة وليس بأيدي الملتزمين شيء يدفعونه فقال‏:‏ إذا كان كذلك فإننا نقبضها من ابلدا فلم يسعهم إلا الإجابة‏.‏

وفي يوم الاثنين حضر الى ثغر بولاق آغا أسود وعلى يده مقرر لعابدي باشا وخلعة لشريف مكة فطلع عابدي باشا الى القلعة وعمل ديوانًا في يوم الثلاثاء واجتمع الأمراء والمشايخ والقاضي وقرأوا المقرر ووصل صحبة الآغا المذكور ألف قرش رومي أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبة العلم بالأزهر ويقرأون له صحيح البخاري ويدعون له بالنصر وفي يوم الأربعاء قتل اسمعيل باشا كبير الأرنؤد رئيس عسكره وكان يخشاه ويخاف من سطوته قيل إنه أراد أن يأخذ العسكر ويذهب بهم الى الأمراء القبليين رغبة في كثرة عطائهم فطالبه بنفقة وألح عليه وقال له إن لم تعطهم هربوا حيث شاؤوا فحضر عنده وفاوضه في ذلك فلاطفه وأكرمه واختلى به واغتاله وقطع رأسه وألقاها من الشباك لجماعته‏.‏

وفي يوم الجمعة كتبوا قائمة أسماء المجاورين والطلبة وأخبروا الباشا أن الألف قرش لا تكفي طائفة من المجاورين فزادها ثلاثة آلاف قرش من عنده فوزعوها بحسب الحال أعلى وأوسط وأدنى فخص الأعلى عشرون قرشًا والأوسط عشرة والأدنى أربعة وكذلك طوائف الأروقة بحسب الكثرة والقلة ثم أحضروا أجزاء البخاري وقرأوا وصادف ذلك زيادة أمر الطاعون والكروب المختلفة‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامن عشرينه توفي صاحبنا حسن أفندي قلفة الغربية وتقلد عوضه صهره مصطفى أفندي ميسو كاتب اليومية وفيه توفي أيضًا خليل أفندي البغدادي الشطرنجي‏.‏

واستهل شهر شعبان بيوم الأربعاء فيه عدى بعض الأمراء بخيامهم الى البر الغربي ثم رجعوا في ثانيه ثم عدى البعض ورجع البعض وكل ذلك إيهامات بالسفر وتمويهات من اسمعيل بك وفي الحقيقة قصده عدم الحركة وضاقت أنفس المقيمين بالمتاريس وقلقوا من طول المدة وتفرق غالبهم ودخلوا المدينة‏.‏

وفي خامسه حضر الى مصر رجل هندي قيل إنه وزير سلطان الهند حيدر بك وكان قد ذهب الى سلامبول بهدية الى السلطان عبد الحميد ومن جملتها منبر وقبلة مصنوعان من العود الفاقلي صنعة بديعة وهما قطع مفصلات يجمعها شناكل وأغربة من فضة وذهب وسرير يسع ستة أنفار وطائران يتكلمان باللغة الهندية خلاف الببغا المشهور وأنه طلب منه إمدادًا يستعين به على حرب أعدائه الانكليز المجاورين لبلاده فأعطاه مرسومات الى الجهات بالإذن لمن يسير معه فسار الى الاسكندرية ثم حضر الى حصر وسكن ببولاق وهو رجل كالمقعد يجلس على كرسي من فضة ويحمل على الأعناق وقد ماتت العساكر التي كانت معه ويريد اتخاذ غيرها من أي جنس كان وكل من دخل فيهم برسم الخدمة وسموه بعلامة في جبهته لا تزول فنفرت الناس من ذلك وملابسهم مثل ملابس الإفرنج وأكثرها من شيث هندي مقمطة على أجسامهم وعلى رأسهم شقات إفرنجية‏.‏

وفي ليلة الجمعة سابع عشره خرج الأمراء بعد الغروب وأشيع وصل القبليين وهجومهم على المتاريس‏.‏

وفي صبحها حصلت زعجة وضجة وهرب الناس من القرافتين ونودي بالخروج فلم يخرج أحد ثم برد هذا الأمر‏.‏

وفي تلك الليلة ضربوا أعناق خمسة أشخاص من أتباع الشرطة يقال لهم البصاصون وسبب ذلك أنهم أخذوا عملة وأخفوها من حاكمهم واختصوا بها دونه ولم يشركوه معهم‏.‏

وفي سابع عشرينه مات محمد آغا مستحفظان المعروف بالمتيم‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة الكبرى وكان المنكسف منها نحو الثلاثة أرباع وأظلم الجو إلا يسيرًا ثم انجلى ذلك عند الزوال‏.‏

وفي ثالثه قلدوا اسمعيل بك خازندار اسمعيل بك الذي كان زوجه بإحدى زوجات أحمد كتخدا المجنون أغات مستحفظان وقلدوا خازندار حسن بك الجداوي واليًا عوضًا عن اسمعيل آغا الجزايرلي لعزله‏.‏

وفي ثاني عشره حضر ابراهيم كاشف من اسلامبول وكان اسمعيل بك أرسله بهدية الى الدولة فأوصلها ورجع الى مصر بجوابات القبول وأنه لما وصل الى اسلامبول وجد حسن باشا نزل الى المراكب مسافرًا الى بلاد الموسقو وبينه وبين اسلامبول نحو أربع ساعات فذهب إليه وقابله ورجع معه في شكتربة الى اسلامبول وطلع الهدية بحضرته وقد كان أشيع هناك بأن ابراهيم بك ومراد بك دخلا مصر وخرج من فيها وحصل هناك هرج عظيم بسبب ذلك فلما وصل ابراهيم كاشف هذا بالهدية حصل عندهم اطمئنان وتحققوا منه عدم صحة ذلك الخبر وفي رابع عشرينه نهب العرب قافلة التجار والحجاج الواصلة من السويس وفيها شيء كثير جدًا من أموال التجار والحجاج ونهب فيها للتجارب خاصة ستة آلاف جمل ما بين قماش وبهار وبن وأقمشة وبضائع وذلك خلاف أمتعة الحجاج وسلبوهم حتى ملابس أبدانهم وأسروا النساء وأخذوا ما عليهن ثم باعوهن لأصحابهن عرايا وحصل لكثير من الناس وغالب التجار الضرر الزائد ومنهم من كان جميع ماله بهذه القافلة فذهب جميعه ورجع عريانًا أو وفي خامس عشرينه وقع بين طائفة المغاربة الحجاج النازلين بشاطئ النيل ببولاق وبين عسكر القليونجية مقاتلة وسبب ذلك أن المغاربة نظروا بالقرب منهم جماعة من القليونجية المتقيدين بقليون اسمعيل بك ومعهم نساء يتعاطون المنكرات الشرعية فكلمهم المغاربة ونهوهم عن فعل القبيح وخصوصًا في مثل هذا الشهر أو أنهم يتباعدون عنهم فضربوا عليهم طبنجات فثار عليهم المغاربة فهرب القليونجية الى مراكبهم فنط المغاربة خلفهم واشتبكوا معهم ومسكوا من مسكوه وذبحوا من ذبحوه ورموه الى البحر وقطعوا حبال المراكب ورموا صواريها وحصلت زعجة في بولاق تلك الليلة وأغلقوا الدكاكين وقتل من القليونجية نحو العشرين ومن المغاربة دون ذلك فلما بلغ اسمعيل بك ذلك اغتاظ وأرسل الى المغاربة يأمرهم بالانتقال من مكانهم فانتقلوا الى القاهرة وسكنوا بالخانات فلما كان ثاني يوم نزل الآغا والوالي وناديا في الأسواق على المغاربة الحجاج بالخروج من المدينة الى ناحية العادلية ولا يقيموا بالبلد وكل من آواهم يستأهل ما يجري عليه فامتنعوا من الخروج وقالوا كيف نخرج الى العادلية ونموت فيها عطشًا وذهب منهم طائفة الى اسمعيل كتخدا حسن باشا فأرسل الى اسمعيل بك بالروضة يترجى عنده فيهم فامتنع ولم يقبل الشفاعة وحلف أن كل من مكث منهم بعد ثلاثة أيام قتله فتجمعوا أحزابًا واشتروا أسلحة وذهب منهم طائفة الى الشيخ العروسي والشيخ محمد بن الجوهري فتكلموا مع وفي أواخره ورد خبر من دمياط بأن النصارى أخذوا من على ثغر دمياط اثني عشر مركبًا واستهل شهر شوال بيوم السبت في رابعه حضر سليم بك من سرحته وفي خامسه أرسل الآغا بعض أتباعه بطلب شخصين من عسكر القليونجية من ناحية بين السورين بسبب شكوى رفعت إليه فيهما فضرب أحدهما أحد المعينين فقتله فقبضوا عليه ورموا عنقه أيضًا بجانبه وفيه حضر طائفة العربان الذين نهبوا القافلة الى مصر وهم من العيايدة وقابلوا اسمعيل بك وصالحوه على مال وكذلك الباشا واتفقوا على شيل ذخيرة أمير الحاج وخلع عليهم ولما نهبت القافلة اجتمع الأكابر والتجار وذهبوا الى اسمعيل بك وشكوا إليه ما نزل بهم فوبخهم وأظهر الشماتة فيهم وصارت يده ترتعش من الغيظ وخرجوا من بين يديه آيسين والحاضرون يلطفون له القول ويأخذون بخاطره وهو لا ينجلي عنه الغيظ‏.‏

وفي يوم السبت ثامنه نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة الى المشهد الحسيني على العادة وفي ليلة الثلاثاء حادي عشره في ثالث ساعة من الليل حصلت زعجة عظيمة وركب جميع الأمراء وخرجوا الى المتاريس وأشيع أن الأمراء القبليين عدوا الى جهة الشرق وركب الوالي والآغا وساروا يفتحون الدروب بالعتالات ويخرجون الأجناد من بيوتهم الى العرضي وباتوا بقية الليل في كركبة عظيمة وأصبح الناس هايجين والمناداة متتابعة على الناس والألضاشات والأجناد والعسكر بالخروج وظن الناس هجوم القبليين ودخولهم المدينة فلما كان أواخر النهار حصلت سكتة وأصبحت القضية باردة وظهر أن بعضهم عدى الى الشرق وقصدوا الهجوم على المتاريس غفلة من الليل فسبق العين بالخبر فوقع ما ذكر فلما حصل ذلك رجعوا الى بياضة وشرعوا في بناء المتاريس ثم تركوا ذلك وترفعوا الى فوق ولم يزل المصريون مقيمين بطرا ما عدا اسمعيل بك فإنه رجع بعد يومين لأجل تشهيل الحاج‏.‏

ثم استهل شهر القعدة بيوم الاثنين في ذلك اليوم رسموا بنفي سليمان بك الشابوري الى المنصورة وتقاسموا بلاده‏.‏

وفيه رجع الأمراء من المتاريس الى مصر القديمة كما كانوا ولم يبق بها إلا المرابطون قبل ذلك‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثار جماعة الشوام وبعض المغاربة بالأزهر على الشيخ العروسي بسبب الجراية وقفلوا في وجهه باب الجامع وهو خارج يريد الذهاب بعد كلام وصياح ومنعوه من الخروج فرجع الى رواق المغاربة وجلس به الى الغروب ثم تخلص منهم وركب الى بيته ولم يفتحوا الجامع وأصبحوا فخرجوا الى السوق وأمروا الناس بغلق الدكاكين وذهب الشيخ الى اسمعيل بك وتكلم معه فقال له‏:‏ أنت الذي تأمرهم بذلك وتريدون تحريك الفتن علينا ومنكم أناس يذهبون الى أخصامنا ويعودون فتبرأ من ذلك فلم يقبل وذهب أيضًا وصحبته بعض المتعممين الى الباشا بحضرة اسمعيل بك فقال الباشا مثل ذلك وطلب الذين يثيرون الفتن من المجاورين ليؤدبهم وينفيهم فمانعوا في ذلك ثم ذهبوا الى علي بك الدفتردار وهو الناظر على الجامع فتلا في القضية وصالح اسمعيل بك وأجروا لهم الأخبار بعد مشقة وكلام من جنس ما تقدم وامتنع الشيخ العروسي من دخول الجامع أيامًا وقرأ درسه بالصالحية‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشره الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وركب الباشا في صبحها وكسر سد الخليج‏.‏

وفي عشرينه انفتح سد ترعة مويس فأحضر اسمعيل بك عمر كاشف الشعراوي وهو الذي كان تكفل بها لأنه كاشف الشرقية ولامه ونسبه للتقصير في تمكينها وألزمه بسدها فاعتذر بعدم الإمكان وخصوصًا وقد عزل من المنصب وأعوانه صاروا مع الكاشف الجديد فاغتاظ منه وأمر بقتله فاستجار برضوان كتخدا مستحفظان فشفع فيه وأخذه عنده وسعى في جريمته وصالح عليه‏.‏

شهر الحجة في غرته حضر قليونان روميان الى بحر النيل ببولاق يشتمل أحدهما على أحد وعشرين مدفعًا والثاني أقل منه اشتراهما اسعيل بك‏.‏

وفيه زاد سعر الغلة ضعف الثمن بسبب انقطاع الجالب‏.‏

وفي رابع عشره عمل الباشا ديوانًا بقصر العيني وتشاوروا في خروج تجريدة وشاع الخبر بزحف القبليين‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشره عمل الباشا ديوانًا بقصر العيني جمع به سائر الأمراء والوجاقلية والمشايخ بسبب شخص الجي حضر بمكاتبات من قرال الموسقو ولحضوره نبأ ينبغي ذكره كما نقل إلينا وهو أن قرال الموسقو لما بلغه حركة العثمنلي في ابتداء الأمر على مصر أرسل مكاتبة الى أمراء مصر على يد القنصل المقيم بثغر اسكندرية يحذرهم من ذلك ويحضهم على تحصين الثغر ومنع حسن باشا من العبور فحضر القنصل الى مصر واختلى بهم وأطلعهم على ذلك فأهملوه ولم يلتفتوا إليه ورجع من غير رد جواب وورد حسن باشا فعند ذلك انتبهوا وطلبوا القنصل فلم يجدوه وجرى ما جرى وخرجوا الى قبلي وكاتبوا القنصل فأعاد الرسالة الى قراله وركب هجانًا واجتمع بهم ورجع وصادف وقوع الواقعة بالمنشية في السنة الماضية وكانت الهزيمة على المصريين وشاع الخبر في الجهات بعودهم وقد كان أرسل لنجدتهم عسكرًا من قبله ومراكب ومكاتبات صحبة هذا الالجي فحضر الى ثغر دمياط في أواخر رمضان فرأى انعكاس الأمر فعربد بالثغر وأخذ عدة نقاير كما ذكر ورجع الى مرساه أقام بها وكاتب قراله وعرفه صورة الحال وأن من بمصر الآن من جنسهم أيضًا وأن العثمنلي لم يزل مقهورًا معهم فأجمع رأيه على مكاتبة المستقرين وإمدادهم فكتب إليهم وأرسلها صحبة هذا الالجي وحضر الى دمياط وأنفذ الخبر سرًا بوصوله وطلب الحضور بنفسه فأعلموا الباشا بذلك سرًا وأرسلوا إليه بالحضور فلما وصل الى شلقان خرج إليه اسمعيل بك في تطريدة كان لم يشعر به أحد وأعد له منزلًا ببولاق وحضر به ليلًا وأنزله بذلك القنان ثم اجتمع به صحبة علي بك وحسن بك ورضوان بك وقرأوا المكاتبات بينهم فوصل إليهم عند ذلك جماعة من أتباع الباشا وطلبوا ذلك الالجي عند الباشا وذلك بإشارة خفية بينهم وبين الباشا فركبوا معه الى قصر العيني وأرسل الباشا في تلك الليلة التنابيه لحضور الديوان في صبحها فلما تكاملوا أخرج الباشا تلك المراسلات وقرئت في المجلس والترجمان يفسرها بالعربي‏.‏

وملخصها خطاب الى الأمراء المصرية أنه بلغنا صنع بن عثمان الخائن الغدار معكم ووقوع الفتن فيكم وقصده أن بعضكم يقتل بعضًا ثم لا يبقى على من يبقى منكم ويملك بلادكم ويفعل بها عوائله من الظلم والجور والخراب فإنه لا يضع قدمه في قطر إلا ويعمه الدمار الخراب فتيقظوا لأنفسكم واطردوا من حل ببلادكم من العثمانية وارفعوا بنديرتنا واختاروا لكم رؤساء منكم‏.‏

وحصنوا ثغوركم وامنعوا من يصل إليكم منهم إلا من كان بسبب التجارة ولا تخشوه في شيء فنحن نكفيكم مؤنته وانصبوا من طرفكم حكامًا بالبلاد الشامية كما كانت في السابق ويكون لنا أمر بلاد الساحل والواصل لكم كذا وكذا مركبًا وبها كذا من العسكر والمقاتلين وعندنا من المال والرجال ما تطلبون وزيادة على ما تظنون فلما قرئ ذلك اتفقوا على إرسالها الى الدولة فأرسلت في ذلك اليوم صحبة مكاتبة من الباشا والأمراء وأنزلوا ذلك الالجي في مكان بالقلعة مكرمًا‏.‏

وفي يوم الاثنين وجهوا خمسة من المراكب الرومية الى جهة قبلي وأبقوا إثنين وأرسلوا بها عثمان بك طبل الاسماعيلي وعساكر رومية والله أعلم‏.‏

وانقضت هذه السنة‏.‏

من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الإمام العلامة أحد المتصدرين وأوحد العلماء المتبحرين حلال المشكلات وصاحب التحقيقات الشيخ حسن بن غالب الجداوي المالكي الأزهري ولد بالجدية في سنة 1128 وهي قرية قرب رشيد وبها نشأ وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلدية الشيخ شمس الدين محمد الجداوي وعلى أفقه المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي وعلى السيد محمد البليدي والشيخ علي الصعيدي أخذ عنهم الفنون بالإتقان ومهر فيها حتى عد من الأعيان ودرس في حياة شيوخه وأفتى وهو شيخ بهي الصورة طاهر السريرة حسن السيرة فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق ويحل المشكلات بذهنه الرائق وحلقة درسه عليها الخفر وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر وله مؤلفات وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزه جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية أيضًا وينزل الى بلده الجدية في كل سنة مرة ويقيم بها أيامًا ويجتمع عليه أهل الناحية ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة الى حضوره ولا يثقون إلا بقوله ثم يرجع الى مصر بما اجتمع لديه من الأرز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله الى قابل مع الحشمة والعفة توفي بعد أن تعلل أشهرًا في أواخر شهر ذي الحجة وجهز وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر أعده لنفسه رحمه الله تعالى‏.‏

ومات الإمام العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة ثم حضر الى مصر وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي ومهر في الفقه والمعقول وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره ولازم الأستاذ الحفني وتداخل في القضايا والدعاوى وفصل الخصومات بين المتنازعين وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات ونما أمره وراش جناحه وتجمل بالملابس وركوب البغال وأحدق به الأتباع واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي فزادت شهرته ووفدت عليه الناس وأطعم الطعام واستعمل مكارم الأخلاق ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن بها فجيش عليه أهل الناحية وأولو النجدة والزعارة والشطارة وصار له بهم نجدة ومنعة على من يخالفه أو يعانده ولو من الحكام وتردد الى الأمير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالإمارة وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني فلما استبد بالأمر لم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد فزادت شهرته ونفذت أحكامه وقضاياه واتخذ سكنًا على بركة جناق أيضًا ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والإفتاء ومشيخة الشافعية وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الأمير المذكور وقصر عليهم الإفتاء وهم الشيخ أحمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي والمترجم وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر الميضاة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الأتراك بالجامع المذكور حصة من النهار في ضحوة كل يوم للإفتاء بعد إلقائهم دروس الفقه ورتب لهم ما يكفيهم وشرط عليهم عدم قبول الرشا والجعالات فاستمروا على ذلك أيام حياة الأمير واجتمع المترجم بالشيخ صادومة المشعوذ الذي تقدم ذكره في ترجمة يوسف بك ونوه بشأنه عند الأمراء والناس وأبرزهم لهم في قالب الولاية ويجعل شعوذته وسيمياه من قبيل الخوارق والكرامات الى أن اتضح أمره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينة الشيخ المترجم من أجله ولم يتمكن من إيذائهما في حياة سيده فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والإفتاء وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي وانكسف باله وخمد مشعال ظهوره بين أقرانه إلا قليلًا حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول ونسيت القضية وبطل أمر الوظيفة والتكية وتراجع حاله لا كالأول ووافاه الحمام بعد أن تمرض شهورًا وتعلل وذلك في عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين ومن مؤلفاته أعراب الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة وكان قوي البأس شديد المراس عظيم الهمة والشكيمة ثابت الجنان عند العظائم يغلب على طبعه حب الرياسة والحكم والسياسة ويحب الحركة بالليل والنهار ويمل السكون والقرار وذلك مما يورث الخلل ويوقع في الزلل فإن العلم إذا لم يقرن بالعمل ويصاحبه الخوف والوجل ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف ويحلى باتباع الحق والإنصاف أوقع صاحبه في الخذلان وصيره مثلة بين الأقران‏.‏ وفي

الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن أبو العباس المغربي

أصله من الصحراء من عمالة الجزائر دخل مصر صغيرًا فحضر دروس الشيخ علي الصعيدي فتفقه عليه ولازمه ومهر في الآلات والفنون وأذن له في التدريس فصار يقرئ الطلبة في رواقهم وراج أمره لفصاحته وجودة حفظه وتميز في الفضائل وحج سنة 1182 وجاور بالحرمين سنة واجتمع بالشيخ أبي الحسن السندي ولازمه في دروسه وباحثه وعاد الى مصر وكان يحسن الثناء على المشار إليه واشتهر أمره وصارت له في الرواق كلمة واحترمه علماء مذهبه لفضله وسلاطة لسانه وبعد موت شيخه عظم أمره حتى أشير له بالمشيخة في الرواق وتعصب له جماعة فلم يتم له الأمر ونزل له السيد عمر أفندي الأسيوطي عن نظر الجوهرية فقطع معاليم المستحقين وكان محجاجًا عظيم المراس يتقي شره توفي ليلة الأربعاء حادي عشرين شعبان غفر الله لنا وله‏.‏

ومات الإمام الفقيه العلامة النحوي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ موسى البشبيشي الشافعي الأزهري نشأ بالجامع الأزهر من صغره وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الأشياخ كالصعيدي والدردير والمصيلحي والصبان والشتويهي ومهر وأنجب وصار من الفضلاء المعدودين ودرس في الفقه والمعقول واستفاد وأفاد ولازم حضور شيخنا العروسي في غالب الكتب فيحضر ويملي ويستفيد ويفيد وكان مهذبًا في نفسه متواضعًا مقتصدًا في ملبسه ومأكله عفوفًا قانعًا خفيف الروح لا يمل من مجالسته ومفاكهته ولم يزل منقطعًا للعلم والإفادة ليلًا ونهارًا ومات العلامة الأديب واللوذعي اللبيب المتقن المتفنن الشيخ محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد المعروف بالشافعي المغربي التونسي نزيل مصر ولد بتونس سنة 1152 ونشأ في قراءة القرآن وطلب العلم وقدم الى مصر سنة إحدى وسبعين وجاور بالأزهر برواق المغاربة وحضر علماء العصر في الفقه والمعقولات ولازم دروس الشيخ علي الصعيدي وأبي الحسن القلعي التونسي شيخ الرواق وعاشر اللطفاء والنجباء من أهل مصر وتخلق بأخلاقهم وطالع كتب التاريخ والأدب وصار له ملكة في استحضار المناسبات الغريبة والنكات وتزوج وتزيا بزي أولاد البلد وتحلى بذوقهم ونظم الشعر الحسن توفي رحمه الله يوم الجمعة ثالث شعبان من السنة‏.‏

ومات صاحبنا الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن جاد ولد بمصر ونشأ بالصحراء بعمارة السلطان قايتباي ورغب في صناعة تجليد الكتب وتذهيبها فعانى ذلك ومارسه عند الأسطى أحمد الدقدوسي حتى مهر فيها وفاق أستاذه وأدرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات بالذهب المحلول والفضة والأصباغ الملونة والرسم والجداول والأطباع وغير ذلك وانفرد بدقيق الصنعة بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسي وعثمان أفندي بن عبد الله عتيق المرحوم الوالد والشيخ محمد الشناوي وكان لطيف الذات خفيف الروح محبوب الطباع مألوف الأوضاع ودودًا مشفقًا عفوفًا صالحًا ملازمًا على الأذكار والأوراد مواظبًا على استعمال اسم لطيف العدة الكبرى في كل ليلة على الدوام صيفًا وشتاء سفرًا وحضرًا حتى لاحت عليه أنوار الاسم الشريف وظهرت فيه أسرار روحانيته وصار له ذوق صحيح وكشف صريح ومراء واضحة وأخذ على شيخنا الشيخ محمود الكردي طريق السادة الخلوتية وتلقن عنه الذكر والاسم الأول وواظب على ورد العصر أيام حياة الأستاذ ولم يزل مقبلًا على شأنه قانعًا بصناعته ويستنسخ بعض الكتب ويبيعها ليربح فيها الى أن وافاه الحمام وتوفي سابع شهر ذي القعدة من السنة بعد أن تعلل أشهرًا رحمه الله وعوضنا فيه خيرًا فإنه كان بي رؤوفًا وعلي شفوقًا ولا يصبر عني يومًا كاملًا مع حسن العشرة والمودة لا لغرض من الأغراض ولم أرد بعده مثله وخلف بعده أولاده الثلاثة وهم الشيخ صالح وهو الكبير وأحمد بدوي والشيخ صالح المذكور هو الآن عمدة مباشري الأوقاف بمصر وجابي المحاسبة وله شهرة ووجاهة في الناس وحسن حال عشرة وسير حسن وفقه الله وأعانه على وقته‏.‏

ومات أيضًا الصنو الفريد واللوذعي الوحيد والكاتب المجيد والنادرة المفيد أخونا في الله خليل أفندي البغدادي ولد ببغداد دار السلام وتربى في حجر والده ونشأ بها في نعمة ورفاهية وكان والده من أعيان بغداد وعظمائها ذا مال وثروة عظيمة وبينه وبين حاكمها عثمان باشا معاشرة وخلطة ومعاملة فلما وصل الطاغية طهماز الى تلك الناحية وحصل منه ما حصل في بغداد وفر منه حاكمها المذكور قبض على والد المترجم واتهمه بأموال الباشا وذخائره ونهب داره واستصفى أمواله ونواله وأهلك تحت عقوبته وخرج أهله وعياله وأولاده فارين من بغداد على وجوههم وفيهم المترجم وكان إذ ذاك أصغر إخوته فتفرقوا في البلاد وحضر المترجم بعد مدة من الواقعة مع بعض التجار الى مصر واستوطنها وعاشر أهلها وأحبه الناس للطفه ومزاياه وجود الخط على الأنيس والضيائي والشكري ومهر فيه وكان يجيد لعب الشطرنج ولا يباريه فيه أحد مع الخفة والسرعة وقل من يتناقل معه فيه بالكامل بل كان يناقل غالب الحذاق بدون الفرزان أو أحد الرخين ولم أرد من ناقله بالكامل إلا الشيخ سلامة الكتبي وبذلك رغب في صحبته الأعيان والأكابر وأكرموه وواسوه مثل عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وسليمان جربجي البرديسي وكان غالب مبيته عنده ولم يزل ينتقل عند الأعيان باستدعاء ورغبة منهم فيه مع الخفة واطراح الكلفة وحسن العشرة ويأوي الى طبقته ولم يتأهل ويغسل ثيابه عند رفيقه السيد حسن العطار بالأشرفية وبآخرة عاشر الأمير مراد بك واختص به وأحبه فكان يجود له الخط ويناقله في الشطرنج وأغلق عليه ووالاه بالبر فراج حاله واشترى كتبًا وواسى إخوانه وكان كريم النفس جدًا يجود وما لديه قليل ولا يبقي على درهم ولا دينار ولما خرج مراد بك من مصر حزن لفقده وبعد وباع ما اقتناه من الكتب وغيرها وصرف ثمنها في بره ولوازمه وعبه دائمًا ملآن بالمآكل الجافة مثل التمر والكعك والفاكهة يأمل منها ويفرق في مروره على الأطفال والفقراء والكلاب وكان بشوشًا ضحوك السن دائمًا منشرحًا يسلي المحزون ويضحك المغبون ويحب الجمال ولا يؤخر المكتوبة عن وقتها أينما كان ويزور الصلحاء والعلماء ويحضر في بعض الأحيان دروسهم ويتلقى عنهم المسائل الفقهية ويحب سماع الألحان واجتماع الإخوان ويعرف اللسان التركي ودخل بيت البارودي كعادته فأصيب بالطاعون وتعلل ليلتين وتوفي حادي عشرين رجب سنة تاريخه رحمه الله وسامحه فلقد كانت أفاعيله وطباعه تدل على جودة أصله وطيب أعراقه وأصوله‏.‏

وما الجناب الأوحد والنجيب المفرد الفصيح اللبيب والنادرة الأريب السيد ابراهيم بن أحمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد أمين الدين ابن علي سعد الدين بن محمد أمين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر تفقه على شيخ والده السيد عبد الرحمن الشيخوني إذ كان إمام والده وتدرج في معرفة الأقلام والكتابة فلما توفي والده تولى مكانه أخوه الأكبر يوسف في كتابة قلم الشهر فلما شاخ وكبر سلمه الى أخيه المترجم فسار فيه أحسن سير واقتنى كتبًا نفيسة وتمهر في غرائب الفنون وأخذ طريق الشاذلية والأحزاب والأذكار على الشيخ محمد شكك وكان يبره ويلاحظه بمراعاته وانتسب إليه وحضر الصحيح وغيره على شيخنا السيد مرتضى وسمع عليه كثيرًا من الأجزاء الحديثية في منزله بالركبيين وبالأزبكية في مواسم النيل وكان مهيبًا وجيهًا ذا شهامة ومروءة وكرم مفرط وتجمل فاخر عمله فوق همته سموحًا بالعطاء متوكلًا توفي صبح يوم الأربعاء غاية شهر شعبان بعد أن تعلل سبعة أيام وجهز وصلي عليه بمصلى شيخون ودفن على والده قرب السيدة نفيسة وخلف ولديه النجيبين المفردين حسن أفندي وقاسم أفندي أبقاهما الله وأحيا بهما المآثر وحفظ عليهما أولادهما وأصلح لنا ولهم الأيام‏.‏

ومات الإمام العلامة والجهبذ الفهامة الفقيه النبيه الأصولي المعقولي الورع الصالح الشيخ محمد الفيومي الشهير بالعقاد أحد أعيان العلماء النجباء الفضلاء تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الصعيدي المالكي ومهر وأنجب ودرس وانتفع به الطلبة في المعقول والمنقول وألف وأفاد وكان إنسانًا حسنًا جميل الأخلاق مهذب النفس متواضعًا مشهورًا بالعلم والفضل والصلاح لم يزل مقبلًا على شأنه محبوبًا للنفوس حتى تعلل بالبرقوقية بالصحراء وتوفي بها ودفن هناك بوصية منه رحمه الله‏.‏

ومات صاحبنا الجناب المكرم والملاذ المفخم أنيس الجليس والنادرة الرئيس حسن أفندي بن محمد أفندي المعروف بالزامك قلفة الغربية ومن له في أبناء جنسه أحسن منقبة ومزية تربى في حجر والده ومهر في صناعته ولما توفي والده خلفه من بعده وفاقه في هزله وجده وعاشر أرباب الفضائل واللطفاء وصار منزله منهلًا للواردين ومربعًا للوافدين فيتلقى من يرد إليه بالبشر والطلاقة ويبذل جهده في قضاء حاجة من له به أدنى علاقة فاشتهر ذكره وعظم أمره وورد إليه الخاص والعام حتى أمراء الألوف العظام فيواسي الجميع ويسكرهم بكأس لطفه المريع مع الحشمة والرياسة وحسن المسامرة والسياسة قطعنا معه أوقاتًا كانت في جبهة العمر غرة ولعين الدهر مسرة وقرة وفي هذا العام قصد الحج الى بيت الله الحرام وقضى بعض اللوازم والأشغال واشترى الخيش وأدوات الأحمال فوافاه الحمام وارتحل الى دار السلام بسلام وذلك في أواخر رجب بالطاعون رحمه الله‏.‏

ومات أيضًا الجناب العالي واللوذعي الغالي والرياستين والمزيتين والفضيلتين الأمير أحمد أفندي الروزنامجي المعروف بالصفائي تقلد وظيفة الروزنامة بديوان مصر عندما كف بصر اسمعيل أفندي فكان لها أهلًا وسار فيها سيرًا حسنًا بشهامة وصرامة ورياسة وكان يحفظ القرآن حفظًا جيدًا وحضر في الفقه والمعقول على أشياخ الوقت قبل ذلك وكان يحفظ متن الألفية لابن مالك ويعرف معانيها ويحفظ كثيرًا من المتون ويباحث ويناضل من غير ادعاء للمعرفة والعالمية فتراه أميرًا مع الأمراء ورئيسًا مع الرؤساء وعالمًا مع العلماء وكاتبًا مع الكتاب وولداه سليمان أفندي المتوفى سنة ثمان وتسعين وعثمان أفندي المتوفى بعده في الفصل سنة خمس ومائتين ووالدتهما المصونة خديجة من أقارب المرحوم الوالد وكانا ريحانتين نجيبين ذكيين مفردين أعقب سليمان محمد أفندي وتوفي في سنة ستة عشرة وهو مقتبل الشبيبة وحسن أفندي الموجود الآن وأعقب عثمان أحمد وهو موجود أيضًا إلا أنه بعيد الشبه من أبيه وعمه وأولاد عمه وجده وجدته وأما ابن عمه حسن أفندي فهو ناجب ذكي بارك الله فيه ولما تعلل المترجم وانقطع عن النزول والركوب وحضور الدواوين قلدوا عوضه أحمد أفندي المعروف بأبي كلبة على مال دفعه فأقام في المنصب دون الشهرين ومات أحمد أفندي فسعى عثمان أفندي العباسي على المنصب وتقلده على رشوة لها قدر وذهب على أحمد أفندي أبو كلبة ما دفعه في الهباء وكانت وفاة أحمد أفندي الصفائي المترجم في عشرين خلت من ربيع الثاني من السنة‏.‏

ومات العمدة المفرد والنجيب الأوحد محمد أفندي كاتب الرزق الأحباسية وهذه الوظيفة تلقاها بالوراثة عن أبيه وجده وعرفوا اصطلاحها وأتقنوا أمرها وكان محمد أفندي هذا لا يغرب عن ذهنه شيء يسأل عنه من أراضي الرزق بالبلاد القبلية والبحرية مع اتساع دفاترها وكثرتها ويعرف مظناتها ومن انحلت عنه ومن انتقلت إليه مع الضبط والتحرير والصيانة والرفق بالفقراء في عوائد الكتابة وكان على قدم الخير والصلاح مقتصدًا في معيشته قانعًا بوظيفته لا يتفاخر في ملبس ولا مركب ويركب دائمًا الحمار وخلفه خادمه يحمل له كيس الدفتر إذا طلع الى الديوان مع السكون والحشمة وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات العشر ولم يزل هذا حاله حتى تعلل أيامًا وتوفي الى رحمة الله تعالى ثامن ربيع الثاني وتقرر في الوظيفة عوضه ابن ابنه الشاب الصالح حمودة أفندي فسار كأسلافه سيرًا حسنًا وقام بأعباء الوظيفة حسًا ومعنى إلا أنه عاجله الحمام وانخسف بدره قبل التمام وتوفي بعد جده بنحو سنتين وشغرت الوظيفة وابتذلت كغيرها وهكذا عادة الدنيا‏.‏

ومات الجناب السامي والغيث الهاطل الهامي ذو المناقب السنية والأفعال المرضية والسجايا المنيفة والأخلاق الشريفة السيد السند حامي الأقطار الحجازية والبلاد التهامية والنجدية الشريف السيد سرور أمير مكة تولى الأحكام وعمره نحو إحدى عشرة سنة وكانت مدة ولايته قريبًا من أربع عشرة سنة وساس الأحكام أحسن سياسة وسار فيها بعدالة ورئاسة وأمن تلك الأقطار أمنًا لا مزيد عليه ومات وفي محبسه نيف وأربعمائة من العربان الرهائن وكان لا يغفل لحظة عن النظر والتدبير في مملكته ويباشر الأمور بنفسه ويتنكر ويعس ويتفقد جميع الأمور الكلية والجزئية ولا ينام الليل قط فيدور ثلثي الليل ويطوف حول الكعبة الثلث الأخير ولم يزل يتنقل ويطوف حتى يصلي الصبح ثم يتوجه الى داره فينام الى الضحوة ثم يجلس للنظر في الأحكام ولا تأخذه في الله لومة لائم ويقيم الحدود ولو على أقرب الناس إليه فعمرت تلك النواحي وأمنت السبل وخافته العربان وأولاد الحرام فكان المسافر يسير بمفرده ليلًا في خفارته وبالجملة فكانت أفعاله حميدة وأيامه سعيدة لم يأت قبله مثله فيما نعلم ولم يخلفه إلا مذمم ولما مات تولى بعده أخوه الشريف غالب وفقه الله وأصلح شأنه‏.‏

ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين وألف فكان ابتداؤها المحرم يوم الخميس وفيه زاد اجتهاد اسمعيل بك في البناء عند طرا وأنشأ هناك قلعة بحافة البحر وجعل بها مساكن ومخازن وحواصل وأنشأ حيطانًا وأبراجًا وكرانك وأبنية ممتدة من القلعة الى الجبل وأخرج إليها الجبخانة والذخيرة وغير ذلك‏.‏

وفي تاسعه سافر عثمان كتخدا عزبان الى اسلامبول بعرضحال بطلب عسكر وأذن باقتطاع مصاريف من الخزينة‏.‏

وفي رابع عشرينه سافر اسمعيل باشا باش الأرنؤد بجماعته ولحقوا بالغلايين والجماعة القبليون متترسون بناحية الصول وعاملون سبعة متاريس والمراكب وصلت الى أول متراس فوجدوهم مالكين مزم الجبل فوقفوا عند أول متراس ومدافعهم تصيب المراكب ومدافع المراكب لا تصيبهم وهم متمنعون بأنفسهم الى فوق وانخرقت المراكب عدة مرار وطلع مرة من أهل المراكب جماعة أرادوا الكبس على المتراس الأول فخرج عليهم كمين من خلف مزرعة الذرة المزروع فقتل من طائفة المغاربة جماعة وهرب الباقون ونصبت رؤوس القتلى على مزاريق ليراها أهل المراكب‏.‏

وفي سادس عشرينه سافر أيضًا عثمان بك الحسني وامتنع ذهاب السفار وإيابهم الى الجهة القبلية وانقطع الوارد وشطح سعر الغلة وبلغ النيل غايته في الزيادة واستمر على الأراضي من غير نقص الى آخر شهر بابه القبطي وروى جميع الأراضي‏.‏

وفي سابع عشرينه حضر سراج من عند القبليين وعلى يده مكاتبات بطلب صلح وعلى أنهم يرجعون الى البلاد التي عينها لهم حسن باشا ويقومون بدفع المال والغلال للميري ويطلقون السبل للمسافرين والتجار فإنهم سئموا من طول المدة ولهم مدة شهور منتظرين اللقاء مع أخصامهم فلم يخرجوا إليهم فلا يكونون سببًا لقطع أرزاق الفقراء والمساكين فكتبوا لهم أجوبة للإجابة لمطلوبهم بشرط إرسال رهائن وهم عثمان بك الشرقاوي وابراهيم بك الوالي ومحمد بك الألفي ومصطفى بك الكبير ورجع الرسول بالجواب وصحبته واحد بشلي من طرف الباشا‏.‏

شهر صفر في غرته حضر جماعة مجاريح‏.‏

وفي ثانيه حضر المرسال الذي توجه بالرسالة وصحبته سليمان كاشف من جماعة القبليين والبشلي وآخر من طرف اسمعيل باشا الرنؤدي وأخبروا أن الجماعة لم يرضوا بإرسال رهائن ثم أرسلوا لهم على كاشف الجيزة وصحبته رضوان كتخدا باب التفكجية وتلطفوا معهم على أن يرسلوا عثمان بك الشرقاوي وأيوب بك فامتنعوا من ذلك وقالوا من جملة كلامهم‏:‏ لعلكم تظنون أن طلبنا في الصلح عجزًا وأننا محصورون وتقولون بينكم في مصر إنهم يريدون بطلب الصلح التحليل على التعدية الى البر الغربي حتى يملكوا الاتساع وإذا قصدنا ذلك أي شيء يمنعنا في أي وقت شئنا وحيث كان الأمر كذلك فنحن لا نرضى إلا من حد أسيوط ولا نرسل رهائن ولا نتجاوز محلنا فلما رجع الجواب بذلك في سابعه أرسل الباشا فرمانًا الى اسمعيل باشا بمحاربتهم فبرز إليهم بعساكره وجميع العسكر التي بالمركب وحملوا عليهم حملة واحدة وذلك يوم الجمعة ثامنه فأخلوا لهم وملكوا منهم متراسين فخرج عليهم كمين بعد أن أظهروا الهزيمة فقتل من العسكر جملة كبيرة ثم وقع الحرب بينهم يوم السبت ويوم الأحد واستمرت المدافع تضرب بينهم من الجهتين والحرب قائم بينهم سجالًا وكل من الفريقين يعمل الحيل وينب الشباك على الآخر ويكمن ليلًا فيجد الرصد ولم ينفصل بينهم الحرب على شيء‏.‏

وفي منتصفه شرع اسمعيل بك في عمل تفريدة على البلاد فقرروا على الأعلى عشرين ألف فضة والأوسط خمسة عشر والأدنى خمسة آلاف وذلك خلاف حق الطرق وما يتبعها من الكلف وعمل ديوان ذلك في بيت علي بك الدفتردار بحضرة الوجاقلية وكتبت دفاترها وأوراقها في مدة ثلاثة أيام‏.‏

واستهل شهر ربيع الأول والحال على ما هو عليه وحضر مرسوم من القبليين بطلب الصلح ويطلبون من حد أسيوط الى فوق شرقًا وغربًا ولا يرسلون رهائن ووصل ساع من ثغر إسكندرية بالبشارة لاسمعيل كتخدا حسن باشا بولاية مصر وأن اليرق والداقم وصل والبقجي والكتخدا وأرباب المناصيب وصلوا الى الثغر فردهم الريح عندما قربوا من المرساة الى جهة قبرص فشرع عابدي باشا في نقل متاعه من القلعة ولما حضر المرسول بطلب الصلح رضي المصرلية بذلك وأعادوه بالجواب‏.‏

وفي رابعه حضر أحمد آغا أغات الجملية المعروف بشويكار لتقرير ذلك فعمل عابدي باشا ديوانًا اجتمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية وتكلم أحمد آغا وقال نأخذ من أسيوط الى قبلي شرقًا وغربًا بشرط أن ندفع ميري البلاد من المال والغلال ونطلق سراح المراكب والمسافرين بالغلال والأسباب وكذلك أنتم لا تمنعون عنا الواردين بالاحتياجات إلا ما كان من آلة الحرب فلكم منعه وبعد أن يتقرر بيننا وبينكم الصلح نكتب عرض محضر منا ومنكم الى الدولة وننظر ما يكون الجواب فإن حضر الجواب بالعفو لنا أو تعيين أماكن لنا لا نخالف ذلك ولا نتعدى الأوامر السلطانية بشرط أن ترسلوا لنا الفرمان الذي يأتي بعينه نطلع عليه فأجيبوا الى ذلك كله ورجع أحمد آغا بالجواب صبيحة ذلك اليوم صحبة عبد الله جاويش وشهر حوالة والشيخ بدوي من طرف المشايخ وحضر في أثر ذلك مراكب غلال وانحلت الأسعار وتواجدت الغلال بالرقع وكثرت بعد انقشاعهم ثم وصلت الأخبار بأن القبليين شرعوا في عمل جسر على البحر من مراكب مرصوصة ممتدة من البر الشرقي الى البر الغربي وثبتوه وسمروه بمسامير وباطات وثقلوه بمراس وأحجار مركوزة بقرار البحر وأظهروا أن ذلك لأجل التعدية ورجعت المراكب وصحبتها العسكر المحاربون واسمعيل باشا الأرنؤدي وعثمان بك الحسني والقليونجية وغيرهم وأشيع تقرير الصلح وصحته‏.‏

وفي عاشره أخبر بعض الناس قاضي العسكر أن بمدفن السلطان الغوري بداخل خزانة في القبة آثار النبي صلى الله عليه وسلم وهي قطعة من قميصه وقطعة عصا وميل فأحضر مباشر الوقف وطلب منه إحضار تلك الآثار وعمل لها صندوقًا ووضعها في داخل بقجة وضمخها بالطيب ووضعها على كرسي ورفعها على رأس بعض الأتباع وركب القاضي والنائب وصحبته بعض المتعممين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا بها الى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في مكانها بالخزانة‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشره حضر شهر حوالة وعبد الله جاويش وأخبروا بأنهم لما وصلوا الى الجماعة تركوهم ستة أيام حتى تمموا شغل الجسر وعدوا عليه البر الغربي ثم طلبوهم فعدوا إليهم وتكلموا معهم وقالوا لهم إن عابدي باشا قرر معنا الصلح على هذه الصورة وتكفل لنا بكامل الأمور ولكن بلغنا في هذه الأيام أنه معزول من الولاية وكيف يكون معزولًا ونعقد معه صلحًا هذا لا يكون إلا إذا حضر إليه مقرر أو تولى غيره يكون الكلام معه وكتبوا له جوابات بذلك ورجع به الجماعة المرسلون وأشيع عدم التمام فاضطربت الأمور وارتفعت الغلال ثانيًا وغلا سعرها وشح الخبز من الأسواق‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع عشره عمل الباشا ديوانًا جمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية والقاضي فتكلم الباشا وقال‏:‏ انظروا يا ناس هؤلاء الجماعة ما عرفنا لهم حالًا ولا دينًا ولا قاعدة ولا عهدًا ولا عقدًا إنا رأينا النصارى إذا تعاقدوا على شيء لا ينقضوه ولا يختلوا عنه بدقيقة وهؤلاء الجماعة كل يوم لهم صلح ونقض وتلاعب وإننا أجبناهم الى ما طلبوا وأعطيناهم هذه المملكة العظيمة وهي من ابتداء أسيوط الى منتهى النيل شرقًا وغربًا ثم أنهم نكثوا ذلك وأرسلوا يحتجون بحجة باردة وإذا كنت أنا معزولًا فإن الذي يتولى بعدي لا ينقض فعلي ولا يبطله ويقولون في جوابهم نحن عصاة وقطاع طريق وحيث أقروا على أنفسهم بذلك وجب قتلاهم أم لا فقال القاضي والمشايخ‏:‏ يجب قتالهم بمجرد عصيانهم وخروجهم عن طاعة السلطان فقال‏:‏ إذا كان الأمر كذلك فإني أكتب لهم مكاتبة وأقول لهم إما أن ترجعوا وتستقروا على ما وقع عليه الصلح وإما أن أجهر لكم عساكر وأنفق عليهم من أموالكم ولا أحد يعارضني فيما أفعله وإلا تركت لكم بلدتكم وسافرت منها ولو من غير أمر الدولة فقالوا جميعًا‏:‏ نحن لا نخالف الأمر فقال أضع القبض على نسائهم وأولادهم ودورهم وأسكن نساءهم وحريمهم في الوكائل وأبيع تعلقاتهم وبلادهم وما تملكه نساؤهم وأجمع ذلك جميعه وأنفقه على العسكر وإن لم يكف ذلك تممته من مالي فقالوا سمعنا وأطعنا وكتبوا مكاتبة خطابًا لهم بذلك وختم عليها الباشا والأمراء وأرسلوها‏.‏

وفي يوم الأحد ثالث عشرينه نزل الآغا ونادى في الأسواق بأن كل من كان عنده وديعة للأمراء القبليين يردها لأربابها فإن ظهر بعد ثلاثة أيام عند أحد شيء استحق العقوبة وكل ذلك تدبير اسمعيل بك‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حضر هجان وباش سراجين ابراهيم بك وأخبر أن الجماعة عزموا على الارتحال والرجوع وفك الجسر فعمل الباشا ديوانًا في صبحها وذكروا المراسلة وضمن الباشا غائلتهم وضمن المشايخ غائلة اسمعيل بك وكتبوا محضرًا بذلك وختموا عليه وأرسلوه صحبة مصطفى واستهل شهر ربيع الثاني فيه حضر شيخ السادات الى بيته الذي عمره بجوار المشهد الحسيني وشرع في عمل المولد واعتنى بذلك ونادوا على الناس بفتح الحوانيت بالليل ووقود القناديل من باب زويلة الى بين القصرين وأحدثوا سيارات وأشاير ومواكب وأحمال قناديل ومشاعل وطبولًا وزمورًا واستمر ذلك خمسة عشر يومًا وليلة‏.‏

وفي يوم الجمعة حضر عابدي باشا باستدعاء الشيخ له فتغدى ببيت الشيخ وصلى الجمعة بالمسجد وخلع على الشيخ وعلى الخطيب ثم ركب الى قصر العيني‏.‏

وفي ذلك اليوم وصل ططري من الديار الرومية وعلى يده مرسومات فعملوا في صبحها ديوانًا بقصر العيني وقرئت المرسومات فكان مضمون أحدها تقرير العابدي باشا على ولاية مصر والثاني الأمر والحث على حرب الأمراء القبليين وإبعادهم من القطر المصري والثالث بطلب الإفرنجي المرهون الى الديار الرومية فلما قرئ ذلك عمل عابدي باشا شنكًا ومدافع من القصر والمراكب والقلعة وانكسف بال اسمعيل كتخدا بعد أن حضر إليه المبرش بالمنصب وأظهر البشر والعظمة وأنفذ المبشرين ليلًا الى الأعيان ولم يصبر الى طلوع النهار حتى أنه أرسل الى محمد أفندي البكري المبشر في خامس ساعة من الليل وأعطاه مائة دينار وحضر إليه الأمراء وفي يوم الجمعة ثاني عشره رجع مصطفى كتخدا من ناحية قبلي وبيده جوابات وأخبر أن ابراهيم بك الكبير ترفع الى قبلي وصحبته ابراهيم بك الوالي وسليمان بك الآغا وأيوب بك وملخص الجوابات أنهم طالبون من حد المنية‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشره عمل الباشا ديوانًا حضره المشايخ والأمراء فلم يحصل سوى سفر الإفرنجي‏.‏

وفي أواخره حضر سراج باشا ابراهيم بك وبيده جوابات يطلبون من حد منفلوط فأجيبوا الى ذلك وكتبت لهم جوابات بذلك وسافر السراج المذكور‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى في غرته قلدوا غيطاس بك إمارة الحج‏.‏

وفي ثالثه وصل ططريون من البر على طريق دمياط بمكاتبات مضمونها ولاية اسمعيل كتخدا حسن باشا على مصر وأخبروا أن حسن باشا دخل الى اسلامبول في ربيع الأول ونقض ما أبرمه وكيل عابدي باشا وألبس قابجي كتخدا اسمعيل المذكور بحكم نيابته عنه قفطان المنصب ثالث ربيع الثاني وتعي قابجي الولاية وخرج من اسلامبول بعد خروج الططربيومين وحضر الططر في مدة ثلاثة وعشرين يومًا فلما وصل الططر سر اسمعيل كتخدا سرورًا عظيمًا وأنفذ المبشرين الى وفيه ورد الخبر بانتقال الأمراء القبليين الى المنية وسافر رضوان بك الى المنوفية وقاسم بك الى الشرقية وعلي بك الحسني الى الغربية‏.‏

وفي عشرينه جمع اسمعيل بك الأمراء والوجاقلية وقال لهم أيا إخواننا إن حسن باشا أرسل يطلب مني باقي الحلوان فمن كان عنده بقية فليحضر بها ويدفعها فأحضروا حسن أفندي شقبون أفندي الديوان وحسبوا الذي طرف اسمعيل بك وجماعته فبلغ ثلثمائة وخمسين كيسًا وطلع على طرف حسن بك وأتباعه نحو أربعمائة كيس وعلى طرف علي بك الدفتردار مائة وستون كيسًا وكانوا أرسلوا الى علي بك فلم يأت فقال لهم حسن بك أي شيء هذا العجب والأغراض بلاد علي بك فارسكور وبارنبال وسرس الليانة حلوانهم قليل وزاد اللغط والكلام فقام من بينهم اسمعيل بك ونزل وركب الى جزيرة الذهب وكذلك حسن بك خرج الى قبة العزب وعلي بك ذهب الى قصر الجلفي بالشيخ قمر وأصبح علي بك وركب الى الباشا ثم رجع الى بيته ثم أن علي بك قال لابد من تحرير حسابي وما تعاطيته وما صرفته من أيام حسن باشا الى وقتنا وما صرفته على أمير الحج تلك السنة وادعى أمير الحج الذي هو محمد بك المبدول ببواقي ووقع على الجداوي فاجتمعوا ببيت رضوان كتخدا تابع المجنون وحضر حسن كتخدا علي بك وكيلًا عن مخدومه ومصطفى آغا الوكيل وكيلًا عن اسمعيل بك وحرروا الحساب فطلع

شهر جمادى الآخرة فيه حضر فرمان من الدولة

بنفي أربعة أغوات وهم عريف آغا وعلي آغا وإدريس آغا واسمعيل آغا فحنق لذلك جوهر آغا دار السعادة وشرع في كتابة مرافعة‏.‏

وفي عاشره وصل فرمان لاسمعيل كتخدا وخوطب فيه بلفظ الوزارة‏.‏

وفي يوم الأحد عمل اسمعيل باشا المذكور ديوانًا في بيته بالأزبكية وحضر الأمراء والمشايخ وقرأوا المكاتبة وفيها الأمر بحساب عابدي باشا وبعد انفضاض الديوان أمر الروزنامجي والأفندية بالذهاب الى عابدي باشا وتحرير حساب الستة أشهر من أول توت الى برمهات لأنها مدة اسمعيل باشا وما أخذه زيادة عن عوائده وأخذ منه الضربخانة وسلمها الى خازنداره وقطعوا راتبه من المذبح‏.‏

وفي عصريتها أرسل الى الوجاقلية والاختيارية فلما حضروا قال لهم اسمعيل باشا بلغني أنكم جمعتم ثمانمائة كيس فما صنعتم بها فقالوا دفعناها الى عابدي باشا وصرفها على العسكر‏:‏ فقال‏:‏ لأي شيء قالوا لقتل العدو قال والعدو قتل قالوا لا قال حينئذ إذا احتاج الحال ورجع العدو أطلب منكم كذلك قدرها قالوا ومن أين لنا ذلك قال إذًا اطلبوها منه واحفظوها عندكم في باب مستحفظان لوقت الاحتياج‏.‏

وفيه تواترت الأخبار باستقرار ابراهيم بك بمنفلوط وبنى له بها دارًا وصحبته أيوب بك وأما مراد بك وبقية الصناجق فإنهم ترفعوا الى فوق‏.‏

وفي يوم الاثنين حضر حسن كتخدا الجربان من الروم وكان اسمعيل بك أرسل يتشفع في حضوره بسعاية محمد آغا البارودي وعلى أنه لم يكن من هذه القبيلة لأنه مملوك حسن بك أبي كرش وحسن بك مملوك سليمان آغا كتخدا الجاويشية ولما حضر أخبر أن الأمراء الرهائن أرسلوهم الى شنق قلعة منفيين بسبب مكاتبات وردت من الأمراء القبالي الى بعض متكلمين الدولة مثل القزلار وخلافه بالسعي لهم في طلب العفو فلما حضر حسن باشا وبلغه ذلك نفاهم وأسقط رواتبهم وكانوا في منزله أعزاز ولهم رواتب وجامكية لكل شخص خمسمائة قرش في الشهر‏.‏

وفي عشرينه تحرر حساب عابدي باشا فطلع لاسمعيل باشا نحو ستمائة كيس فتجاوز له عن نصفها ودفع له ثلثمائة كيس وطلع عليه لطرف الميري نحوها أخذوا بها عليه وثيقة وسامحه الأمراء من حسابهم معه وهادوه وأكرموه وقدموا له تقادم وأخذ في أسباب الارتحال والسفر وبرز خيامه الى بركة الحج‏.‏

وفي أواخره ورد الخبر مع السعاة بوصول الأطواخ لاسمعيل باشا واليرق والداقم الى ثغر الاسكندرية‏.‏

في ثالثه يوم الاثنين سافر عابدي باشا من البر على طريق الشام الى ديار بكر ليجمع العساكر الى قتال الموسقو وذهب من مصر بأموال عظيمة وسافر صحبته اسمعيل باشا الأرنؤدي وأبقى اسمعيل باشا من عسكر القليونجية والأرنؤدية من اختارهم لخدمته وأضافهم إليه وفي عاشره وصلت الأطواخ والداقم الى الباشا فابتهج لذلك وأمر بعمل شنك وحراقة ببركة الأزبكية وحضر الأمراء الى هناك ونصبوا صواري وتعاليق وعملوا حراقة ووقدة ليلتين ثم ركب الباشا في صبح يوم الجمعة وذهب الى مقام الإمام الشافعي فزاره ورجع الى قبة العزب خارج باب النصر ونودي في ليلتها على الموكب فلما كان صبح يوم السبت خامس عشره خرج الأمراء والوجاقلية والعساكر الرومية والمصرلية واجتمع الناس للفرجة وانتظم الموكب أمامه وركب بالشعار القديم وعلى رأسه الطلخان والقفطان الأطلس وأمامه السعاة والجاويشية والملازمون وخلفه النوبة التركية وركب أمامه جميع الأمراء بالشعار والبيلشانات بزينتهم ونظامهم القديم المعتاد وشق القاهرة في موكب عظيم ولما طلع الى القلعة ضرب له المدافع من الأبراج وكان ذلك اليوم متراكم الغيوم وسح المطر من وقت ركوبه الى وقت جلوسه بالقلعة حتى ابتلت ملابسه وملابس الأمراء والعسكر وحوائجهم وهم مستبشرون بذلك وكان ذلك اليوم خامس برمودة القبطي‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وطلع الأمراء والمشايخ وطلع الجم الكثير من الفقهاء ظانين وطامعين في الخلع فلما قرئ التقرير في الديوان الداخل خلع على الشيخ العروسي والشيخ البكري والشيخ الحريري والشيخ الأمير والأمراء الكبار فقط ثم أن اسمعيل بك التفت الى المشايخ الحاضرين وقال تفضلوا يا أسيادنا حصلت البركة فقاموا وخرجوا‏.‏

وفي يوم الخميس عشرينه أمر الباشا المحتسب بعمل تسعيرة وتنقيص الأسعار فنقضوا سعر اللحم نصف فضة وجعلوا الضاني بستة أنصاف والجاموسي بخمسة فشح وجوده بالأسواق وصاروا يبيعونه خفية بالزيادة ونزل سعر الأردب الغلة الى ثلاثة ريال ونصف بعد تسعة ونصف‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشرينه ورد مرسوم من الدولة فعمل الباشا الديوان في ذلك اليوم وقرأوه وفيه الأمر بقراءة صحيح البخاري بالأزهر والدعاء بالنصر للسلطان على الموسقو فإنهم تغلبوا واستولوا على قلاع ومدن عظيمة من مدن المسلمين وكذلك يدعون له بعد الأذان في كل وقت وأمر الباشا بتقرير عشرة من المشايخ من المذاهب الثلاثة يقرأون البخاري في كل يوم ورتب لهم في كل يوم مائتين نصف فضة لكل مدرس عشرون نصفًا من الضربخانة ووعدهم بتقريرها لهم على الدوام بفرمان‏.‏

وفي يوم الأحد حضر الشيخ العروسي والمشايخ وجلسوا في القبلة القديمة جلوسًا عامًا وقرأوا أجزاء من البخاري واستداموا على ذلك بقية الجمعة وقرر اسمعيل بك أيضًا عشرة من الفقهاء كذلك يقرأون أيضًا البخاري نظيرًا لعشرة الأولى وحضر الصناع وشرعوا في البياض والدهان وجلاء الأعمدة وبطل ذلك الترتيب‏.‏

شهر شعبان المكرم في ثانيه نودي بإبطال التعامل بالزيوف المغشوشة والذهب الناقص وأن الصيارفة يتخذون لهم مقصات يقطعون بها الدراهم الفضة المنحسة وكذلك الذهب المغشوش الخارج وإذا كان الدينار ينقص ثلاثة قراريط يكون بطالًا ولا يتعامل به وإنما يباع لليهود الموردين بسعر المصاغ الى دار الضرب ليعاد جديدًا فلم يمتثل الناس لهذا الأمر ولم يوافقوا عليه واستمروا على التعامل بذلك في المبيعات وغيرها لأن غالب الذهب على هذا النقص وأكثر وإذا بيع على سعر المصاغ خسروا فيه قريبًا من النصف فلم يسهل بهم ذلك ومشوا على ما هم عليه مصطلحون فيما بينهم‏.‏

وفي أوائله أيضًا تواترت الأخبار بموت السلطان عبد الحميد حادي عشر رجب وجلوس ابن أخيه السلطان مصطفى مكانه وهو السلطان سليم خان وعمره نحو الثلاثين سنة وورد في أثر الإشاعة صحبة التجار والمسافرين دراهم وعليها اسمه وطرته ودعى له في الخطبة أول جمعة في شعبان المذكور‏.‏

وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر علي بك الدفتردار من ناحية دجوة وسبب ذهابه إليها أن أولاد حبيب قتلوا عبد العلي بك بمنية عفيف بسبب حادثة هناك وكان ذلك العبد موصوفًا بالشجاعة والفروسية فعز ذلك على علي بك فأخذ فرمانًا من الباشا بركوبه على أولاد حبيب وتخريب بلدهم ونزل إليهم وصحبته باكير بك ومحمد بك المبدول وعندما علم الحبايبة بذلك وزعوا متاعهم وارتحلوا من البلد وذهبوا الى الجزيرة فلما وصل علي بك ومن معه الى دجوة لم يجدوا أحدًا ووجدوا دورهم خالية فأمروا بهدمها هدموا مجالسهم ومقاعدهم وأوقدوا فيها النار وعملوا فردة على أهل البلد وما حولها من البلاد وطلبوا منهم كلفًا وحق طرق وتفحصوا على ودائعهم وأمانتهم وغلالهم في جيرة البلاد مثل طحلة وغيرها فأخذوها وأحاطوا بزرعهم وما وجدوه بالنواحي من بهائمهم ومواشيهم ثم تداركوا أمرهم وصالحوه بسعي الوسائط بدراهم ودفعوها ورجعوا الى وطنهم ولكن بعد خرابها وهدمها‏.‏

وفيه أرسل الباشا سلحدار بخطاب للأمراء القبالي يطلب منهم الغلال والمال الميري حكم الاتفاق‏.‏

في رابعه وصل الى مصر آغا معين بإجراء السكة والخطبة باسم السلطان سليم شاه فعمل الباشا ديوانًا وقرأ المرسوم الوارد بذلك بحضرة الجمع والسبب في تأخيره لهذا الوقت الاهتمام بأمر السفر واشتغال رجال الدولة بالعزلة والتولية وورد الخبر أيضًا بعزل حسن باشا من رياسة البحر الى رياسة البر وتقلدا الصدارة وتولى عوضه قبطان باشا حسين الجردلي وأخبروا أيضًا بقتل بستحي باشا‏.‏

وفي أوائله أيضًا فتحوا ميري سنة خمسة مقدمة بعجلة‏.‏

وفي أواخره حضر عثمان كتخدا عزبان من الديار الرومية وبيده أوامر وفيها الحث على محاربة الأمراء القبالي والخطاب للوجاقلية وباقي الأمراء بأن يكونوا مع اسمعيل بك بالمساعدة والإذن لهم بصرف ما يلزم صرفه من الخزينة مع تشهيل الخزينة للدولة وفي عاشره وصل ططري وعلى يده أوامر منها حسن عيار المعاملة من الذهب والفضة وأن يكون عيار الذهب المصري تسعة عشر قيراطًا ويصرف بمائة وعشرين نصفًا بنقص أربعة أنصاف عن الواقع في الصرف بين الناس والاسلامبولي بمائة وأربعين وينقص عشرة والفندقلي بمائتين بنقص خمسة والريال الفرانسة بمائة بنقص خمسة أيضًا والمغربي بخمسة وتسعين بنقص خمسة أيضًا وهو المعروف بأبي مدفع والبندقي بمائتين وعشرة بنقص خمسة عشر فنزل الآغا وفي غايته خرج أمير الحاج غيطاس بك بالمحمل وركب الحجاج‏.‏

وفي منتصف شهر القعدة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك أذرع الوفاء ونزل الباشا الى فم الخليج وكسر السد بحضرته على العادة وانقضى هذا العام بحوادثه وحصل في هذه السنة الازدلاف وتداخل العام الهلالي في الخراجي ففتحوا طلب المال الخراجي القابل قبل أوانه لضرورة الاحتياج وضيق الوارد بتعطيل الجهة القبلية واستيلاء الأمراء الخارجين عليها ووجه اسمعيل بك الطلب من أول السنة بباقي الحلوان الذي قرره حسن باشا ثم المال الشتوي ثم الصيفي وفي أثناء ذلك المطالبة بالفرد المتوالية المقررة على البلاد من الملتزمين ووجه على الناس قباح الرسل والمعينين من السراجين والدلاة وعسكر القليونجية فيدهمون الإنسان ويدخلون عليه في بيته مثل التجريدة الخمسة والعشرة بأيديهم البنادق والأسلحة بوجوه عابسة فيشاغلهم ويلاطفهم ويلين خواطرهم بالإكرام فلا يزدادون إلا قسوة وفظاظة فيعدهم على وقت آخر فيسمعونه قبيح القول ويشتطون في أجرة طريقهم وربما لم يجدوا صاحب الدار أو يكون مسافرًا فيدخلون الدار وليس فيها إلا النساء ويحصل منهم ما لا خير فيه من الهجوم عليهن وربما نططن من الحيطان أو ربما هربن الى بيوت الجيران وسافر رضوان بك قرابة علي بك الكبير الى المنوفية وأنزل بها كل بلية وعسف بالقرى عسفًا عنيفًا قبيحًا بأخذ البلص والتساويف وطلب الكلف الخارجة عن المعقول الى أن وصل الى رشيد ثم رجع الى مولد السيد البدوي بطندتا ثم عاد وفي كل مرة من مروره يستأنف العسف والجور وكذلك قاسم بك بالشرقية وعلي بك الحسني بالغربية وقلد اسمعيل بك مصطفى كاشف المرابط بقلعة طرا فعسف بالمسافرين الذاهبين والآيبين الى جهة قبلي فلا تمر عليه سفينة صاعدة أو منحدرة إلا طلبها إليه وأمر بإخراج ما فيها وتفتيشها بحجة أخذهم الاحتياجات للأمراء القبليين من الثيابوغيرها أو إرسالهم أشياء أو دراهم لبيوتهم فإن وجد بالسفينة شيئًا من ذلك نهب ما فيها من مال المسافرين والمتسببين وأخذه عن آخره وقبض عليهم وعلى الريس وحبسهم ونكل بهم ولا يطلقهم إلا بمصلحة وإن لم يجد شيئًا فيه شبهة أخذ من السفينة ما اختاره وحجزهم فلا يطلقهم إلا بمال يأخذه منهم وتحقق الناس فعله فصانعوه ابتداء تقية لشره وحفظًا لمالهم ومتاعهم فكان الذي يريد السفر الى قبلي بتجارة أو متاع يذهب إليه ببعض الوسائط ويصالحه بما يطيب به خاطره ويمر بسلام فلا يعرض له وكذلك الواصلون من قبلي يأتون طائعين الى تحت القلعة ويطلع إليه الريس والمسافرون فيصالحونه وعلم الناس هذه القاعدة واتبعوها وارتاحوا عليها في الجملة واستعوضوا الخسارة من غلو الأثمان وكذلك فعل نساء سائر الأمراء القبليين وهادينه وأرشونه عن إرسالهن الى أزواجهن من الملابس والأمتعة سرًا حتى كانوا في الآخر يرسلن إليه ما يرمن إرساله وهو يرسله بمعرفته وتأتي أجوبتهم على يده الى بيوتهن خفية واتخذ له يدًا وجميلًا وطوقهم منته بذلك وشاع في بلاد الأرنؤد وجبال الروملي رغبة اسمعيل بك في العساكر فوفدوا عليه بأشكالهم المختلفة وطباعهم المنحرفة وعدم أديانهم وانعكاس أوضاعهم فأسكن منهم طائفة بالجيزة وطائفة ببولاق وطائفة بمصر العتيقة وأجرى عليهم النفقات والعلوفات وجلب له الياسيرجية المماليك فاشترى منهم عدة وافرة وأكثرهم عزق ومشنبون وأجناس غير معهودة واستعملهم من أول وهلة في الفروسية ولم يدربهم في آداب ولا معرفة دين ولا كتاب كل ذلك حرصًا على مقاومة الأعداء وتكثير الجيش وتابع إرسال الهدايا والأموال والتحف الى الدولة وأحضر السروجية والصواغ والعقادين فوضعوا ستة سروج للسلطان وأولاده وذلك قبل موت السلطان عبد الحميد على طريقة وضع سروج المصريين بعبايات مزركشة وهي مع السرج والقصعة والقربوص مرصعة بالجواهر والبروق والذهب والركابات واللجامات والبلامات والشماريخ والسلاسل كلها من الذهب البندقي الكسر والرأس والرشمات كلها من الحرير المصنوع بالمخيش وسلوك الذهب وشماريخ المرجان والزمرد وجميع الشراريب من القصب المخيش وبها تعاليق المرجان والمعادن صناعة بديعة وكلفة ثمينة أقاموا في صناعة ذلك عدة أيام ببيت محمد آغا البارودي واشترى كثيرًا من الأواني والقدور الصيني الأسكي معدن وملأها بأنواع الشربات المصنوع من السكر المكرر كشراب البنفسج والورد والحماض والصندل المطيب بالمسك والعنبر وماء الورد والمربيات الهندية مثل مربى القرنفل وجوزبوا والبسباسة والزنجبيل والكابلي وأرسل ذلك مع الخزينة بالبحر صحبة عثمان كتخدا عزبان ومعها عدة خيول من الجياد وأقمشة هندية وعود وعنبر وظرائف وأرزوبن وأفاويه وماء الورد المكرر وغير ذلك ولم يتفق لأحد فيما تقدم من أمراء مصر أرسل مثل ذلك ولم نسمع به ولم نره في تاريخ فإن نهاية ما رأينا أن الأشربة يضعونها في ظروف من الفخار التي قيمة الظرف منها خمسة أنصاف أو عشرة حتى الذي يأتي من اسلامبول لخصوص السلطان وأما هذه فأقل ما فيها يساوي مائة دينار وأكثر من ذلك‏.‏

ومات في هذه السنة العلامة الماهر الحيسوب الفلكي أبو الإتقان الشيخ مصطفى الخياط صناعة أدرك الطبقة الأولى من أرباب الفن مثل رضوان أفندي ويوسف الكلارجي والشيخ محمد النشيلي والكرتلي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد الغمري والشيخ الوالد حسن الجبرتي وأخذ عنهم وتلقى منهم ومهر في الحساب والتقويم وحل الأزياج والتحاويل والحل والتركيب وتحاويل السنين وتداخل التواريخ الخمسة واستخراج بعضها من بعض وتواقيعها وكبائسها وبسائطها ومواسمها ودلائل الأحكام والمناظرات ومظنات الكسوف والخسوف واستخراج أوقاتها ودقائقها مع الضبط والتحرير وصحة الحدس وعدم الخطأ وأقر له أشياخه ومعاصروه بالإتقان والمعرفة وانفرد بعد أشياخه ووفد عليه طلاب الفن وتلقوا عنه وأنجبوا وأجلهم عصرينا وشيخنا العلامة المتقن الشيخ عثمان ابن سالم الورداني أطال الله بقاءه ونفع به ولازم المترجم المرحوم الوالد مدة مديدة وتلقى عنه وحج معه في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وسمعته يقول عنه الشيخ مصطفى فريد عصره في الحسابيات والشيخ محمد النشيلي في الرسميات وحسن أفندي قطه مسكين في دلائل الأحكام وكان يستخرج في كل عام دستور السنة من مقومات السيارة ومواقع التواريخ وتواقيع القبط والمواسم والأهلة ويعرب السنة الشمسية لنفع العامة وينقل منها نسخًا كثيرة يتناولها الخاص والعام يعلمون منها الأهلة وأوائل الشهور العربية والقبطية والرومية والعبرانية والتواقيع والمواسم وتحاويل البروج وغير ذلك والتمس منه الأستاذ سيدي أبو الإمداد أحمد بن وفا تحريك الكواكب الثابتة لغاية سنة ثمانين ومائة وألف فأجابه الى ذلك واشتغل به أشهرًا حتى أتم حساب أطولها وعروضها وجهاتها ودرجات ممرها ومطالع غروبها وشروقها وتوسطها وأبعادها ومواضعها بأفق عرض مصر بغاية التحقيق والتدقيق على أصول الرصد الجديد السمرقندي وقام له الأستاذ بأوده ومصرفه ولوازم عياله مدة اشتغاله بذلك وأجازه على ذلك إجازة سنية ومات سلطان الزمان السلطان عبد الحميد بن أحمد خان وتولى بعده ابن أخيه السلطان سليم ودخلت سنة أربع ومائتين وألف في المحرم وصلت الأخبار بأن الموسقو آغا روا على عدة قلاع وممالك إسلامية منها جهات الأوزي وكانت تغل على اسلامبول كالصعيد على مصر وان الاسلامبول واقع بها غلاء عظيم‏.‏

وفي أواخره حضر واحد آغا وبيده مرسومات بسبب الأمراء القبليين بأنهم إن كانوا تعدوا الجهات التي صالحوا عليها حسن باشا ولم يدفعوا المال ولا الغلال فلازم من محاربتهم ومقاتلتهم وإن لم يمتثلوا يخرجوا إليهم ويقاتلوهم فإن السلطان أقسم بالله أنه يزيل الفريقين ولا يقبل عذرهم في التأخير فقرأوا تلك المرسومات في الديوان ثم أرسلوها مع مكاتبات صحبة واحد مصرلي وآخر من طرف الآغا القادم بها وآخر من طرف الباشا‏.‏

وفي أوائل ربيع الأول رجع الرسل بجوابات من الأمراء القبليين ملخصها أنهم لم يتعدوا ما حدوده مع حسن باشا إلا بأوامر من عابدي باشا فإنه حدد لنا من منفلوط ثم اسمعيل بك بنى حاجزًا وقلاعًا وأسوارًا بطرا وذلك دليل وقرينة على أن ما راء ذلك يكون لنا وأنه اختص بالأقاليم البحرية وترك لنا الأقاليم القلبية ولا مزية للأمراء الكائنين بمصر علينا فإنه يجمعنا وإياهم أصل واحد وجنس واحد وإن كنا ظلمة فهم أظلم منا وأما الغلال والمال فإننا أرسلنا لهم جانب غلال فلم ترجع المراكب التي أرسلناها ثانيًا فيرسلوا لنا مراكب ونحن نعبيها ونرسلها وذكروا أيضًا أنهم أرسلوا صالح آغا كتخدا الجاويشية سابقًا الى اسلامبول ونحن في انتظار رجوعه بالجواب فعند رجوعه يكون العمل بمقتضى ما يأتي به من المرسومات ولا نخالف أمر السلطان‏.‏

وفي شهر جمادى الأولى وردت أخبار بعزل وزير الدولة وشيخ الإسلام وآغات الينكجرية ونفيهم وأن حسن باشا تولى الصدارة وهو بالسفر وأنه محصور بمكان يقال له اسمعيل لأن الموسقو أغاروا على ما وراء اسمعيل وأخذوا ما بعده من البلاد ثم أنه هادن الموسقو وصالحهم على خمسة أشهر الى خروج الشتاء وأن السلطان أحضر الأمراء المصرلية الرهائن المنفيين بقلعة ليميا وهم عبد الرحمن بك الابراهيمي وعثمان بك المرادي وسليمان كاشف وأما حسين بك فإنه مات بليميا ولما حضروا أنزلوهم في قناقات وعين لهم رواتب ويحضرهم السلطان في بعض الأحيان الى الميدان ويعملوا رماحة بالخيول وهو ينظر إليهم ويعجبه ذلك ويعطيهم أنعامًا وورد الخبر أيضًا أن صالح آغا وصل الى اسلامبول فصالح على الأمراء القبالي وتم الأمر بواسطة نعمان أفندي نجم باشا ومحمود بك وأرسلوا بالأوراق الى حسن باشا فحنق لذلك ولم يمضه وانحرف علي نعمان أفندي ومحمود بك وأمر بعزلهما من مناصبهما ونفيهما وإخراجهما من دار السلطنة فنفى نعمان أفندي الى أماسيه ومحمود بك الى جهة قريبة من اسلامبول وشاط طبيخهم وسافر صالح آغا من اسلامبول وفي شهر شعبان ورد الخبر بموت حسن باشا وكان موته في منتصف رجب وكأنه مات مقهورًا من الموسقو‏.‏

وفي ثاني عشر رمضان حصل زلزلة لطيفة في سادس ساعة من الليل‏.‏

وفيه أيضًا وصل ثلاثة أشخاص من الديار الرومية فأخذوا ودائع كانت لحسن باشا بمصر فتسلموها ممن كانت تحت أيديهم ورجعوا‏.‏

وفي ليلة الجمعة ثالث عشر شوال قبل الفجر احترق بيت اسمعيل بك عن آخره‏.‏

وفي خامس عشرينه عزل حسن كتخدا المحتسب من الحسبة وقلدوها رضوان آغا محرم من وجاق الجاويشية فأنهى حسن آغا أنه كان متكفلًا بجراية الجامع الأزهر فإن كان المتولي يتكفل بها مثله استمر فيها وإلا ردوا له المنصب وهو يقوم بها للمجاورين كما كان فلما قالوا لرضوان آغا ذلك فلم يسعه إلا القيام بذلك وهي دسيسة شيطانية لا أصل فإن أخبار الجامع الأزهر لها جهات بعضها معطل والناظر عليه علي بك الدفتردار وحسن آغا كتخداه يصل ويقطع من أي جهة أراد من الميري أو من خلافه فدس هذه الدسيسة يريد بها تعجيز المتولي ليرجع إليه المنصب ومعلوم أن المتولي لم يتقلد ذلك إلا برشوة دفعها ويلزم من نزوله عنها ضياع غرامته وجرسته بين أقرانه فما وسعه إلا القيام بذلك وفردها على مظالم الحسبة التي يأخذها من السوقة ويدفعها للخباز يصنع بها خبزًا للمجاورين والمنقطعين في طلب العلم ليكون قوتهم وطعامهم من الظلم والسحت المكرر وذلك نحو خمسة آلاف نصف فضة في كل يوم واشتهر ذلك وعلمه العلماء والمجاورون وغيرهم وربما طالبوه بالمنكسر أو اعتذروا بقولهم الضرورات تبيح المحظورات‏.‏

وفي ليلة السبت ثالث شهر الحجة الموافق لعاشر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وكسر السد بحضرة الباشا والأمراء على العادة وجرى الماء في الخليج‏.‏

وفيه وقعت واقعة بين عسكر القليونجية والأرنؤدية بسوق السلاح وقتل بينهم جماعة من الفريقين ثم تحزبوا أحزابًا فكان كل من واجه حزبًا من الطائفة الأخرى أو انفرد ببعض منها قتلوه ووقع بينهم ما لا خير فيه وداخل الناس الخوف من ذلك فيكون الإنسان مارًا بالطريق فلا يشعر إلا وكرشة وطائفة مقبلة وبأيديهم البنادق والرصاص وهم قاصدون طائفة من أخصامهم بلغهم أنهم في طريق من الطرق واستمر هذا الأمر بينهم نحو خمسة أيام ثم أدرك القضية اسمعيل بك وفي أواخره حضر جماعة من الأرنؤد الى بيت محمد آغا البارودي وقبضوا منه مبلغ دراهم من علوفتهم ونزلوا عند الخليج المرخم وازدحموا في المركب فانقلب بهم وغرق منهم نحو ستة أنفار وقيل تسعة وطلع من طلع في أسوأ حال‏.‏

ذكر من مات في هذه السنة ومات في هذه السنة العلامة الرحالة الفهامة الفقيه المحدث المفسر المحقق المتبحر الصوفي الصالح الشيخ سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الشافعي الأزهري المعروف بالجمل ويعرف أبوه وجده بشتت ولد بمنية عجيل إحدى قرى الغربية وورد مصر ولازم الشيخ الحفني فشملته بركته وأخذ عنه طريق الخلوتية ولقنه الأسماء وأذن له واستخلفه وتفقه عليه وعلى غيره من فضلاء العصر مثل الشيخ عطية الأجهوري ولازم دروسه كثيرًا واشتهر بالصلاح وعفة النفس ونوه الشيخ الحفني بشأنه وجعله إمامًا وخطيبًا بالمسجد الملاصق لمنزله على الخليج ودرس بالأشرفية والمشهد الحسيني في الفقه والحديث والتفسير وكثرت عليه الطلبة وضبطت من إملائه وتقريراته وقرأ المواهب والشمائل وصحيح البخاري وتفسير الجلالين بالمشهد الحسيني بين المغرب والعشاء وحضره أكبر الطلبة ولم يتزوج وفي آخر أمره تقشف في ملبسه ولبس كساء صوف وعمامة صوف وطلسانًا كذلك واشتهر بالزهد والصلاح ويتردد كثيرًا لزيارات المشايخ والأولياء ولم يزل على حاله حتى توفي في حادي عشر القعدة من السنة‏.‏

ومات الإمام الفاضل العلامة الصالح المتجرد القانع الصوفي الشيخ علي ابن عمر بن أحمد بن عمر بن ناجي بن فنيش العوني الميهي الشافعي الضرير نزيل طندتا ولد بالميه إحدى قرى مصر وأول من قدمها جده فنيش وكان مجذوبًا من بني العونة العرب المشهورين بالبحيرة فتزوج بها وحفظ المترجم القرآن وقدم الجامع الأزهر وجوده على بعض القراء واشتغل بالعلم على مشايخ عصره ونزل طندتاء فتديرها ودرس العلم بالمسجد المجاور وللمقام الأحمدي وانتفع به الطلبة وآل به الأمر الى أن صار شيخ العلماء هناك وتعلم عليه غالب من بالبلد علم التجويد وهو فقيه مجود ماهر حسن التقرير جيد الحافظة يحفظ كثيرًا من النقول الغريبة وفيه أنس وتواضع وتقشف وانكسار وورد مصر في المحرم من هذه السنة ثم عاد الى طندتاء وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول من السنة ولم يتعلل كثيرًا ودفن بجانب قبر سيدي مرزوق من أولاد غازي في مقام مبني عليه رحمه الله تعالى‏.‏

ومات الفاضل التحرير الذي وقف الأدب عند بابه ولاذت أربابه بأعتابه النبيه النبيل واللوذعي الجليل قاسم بن عطاء الله المصري الأديب ولد بمصر وبها نشأ وقرأ في الفنون على بعض أهل عصره وحفظ الملحة والألفية وغيرهما واشتهر بفن الأدب والتوشيخ والزجل وكان يعرف أولًا بالزجال أيضًا لإتقانه فيه وصار وحيد عصره في هذه الفنون بحيث لا يجاريه أحد مع ما لديه من الارتجال في الشعر مع غاية الحسن وأما في فن التاريخ فإليه المنتهى مع السلاسة والتناسب وعدم التكلف فيه‏.‏

ومات الخواجا المعظم والناخودة المكرم الحاج أحمد آغا بن ملا مصطفى الملطيلي كان من أعيان التجار المشهورين وأرباب أهل الوجاهة المعتبرين عمدة في بابه عدة لأحبابه ومن يلوذ بجنابه وينتمي لسدته وأعتابه محتشمًا في نفسه مبجلًا بين أبناء جنسه توفي يوم الأربعاء ثاني عشرين القعدة ولم يخلف بعده مثله‏.‏

ومات صاحبنا النبيه المفوه الفصيح المتكلم الكاتب المنشئ حسين ابن محمد المعروف بدرب الشمسي وهو أحد أخوة حسن أفندي من بيت المجد والرياسة والشرف والفضيلة وكان من نوادر العصر في الفصاحة واستحضار المسائل الغريبة والنكات والفوائد الفقهية الطبية وعنده حرص على صيد الشوادر وأدرك بمصر أوقاتًا ولذات في الأيام السابقة قبل أن يخرجهم علي بك من مصر في سنة اثنتين وثمانين ونفيهم الى الحجاز وبعد رجوعهم في سنة سبع وثمانين ولكن دون ذلك ولم يزل يرفل في حلل السيادة حتى تعلل نحو عشرين يومًا وتوفي في شهر رمضان من السنة وصلي عليه بمصلى أيوب بك ودفن عند أسلافه وخلفه من بعده ابنه حسن جربجي الموجود الآن بارك الله فيه ورحم سلفه‏.‏ ومات

العمدة المفضل والملاد المبجل

الشيخ عبد الجواد بن محمد ابن عبد الجواد الأنصاري الجرجاوي الخير المكرم الجواد من بيت الثروة والفضل جدوده مالكية فتحنف كان من أهل المآثر في إكرام الضيوف والوافدين وله حسن توجه مع الله تعالى وأوراد وأذكار وقيام الليل يسهر غالب ليله وهو يتلو القرآن والأحزاب وورد مصر مرارًا وفي آخره انتقل إليها بعياله واشترى منزلًا واسعًا بحارة كتامة المعروفة الآن بالعينية وصار يتردد في دروس العلماء مع إكرامهم له ثم توجه الى الصعيد ليصلح بين جماعة من عرب العسيرات فقتلوه غيلة في هذه السنة رحمه الله تعالى‏.‏

ومات الأمير المبجل صالح فندي كاتب وجاق التفجية وهو من مماليك ابراهيم كتخدا القزدغلي نشأ من صغره في صلاح وعفة وحبب إليه القراءة وتجويد الخط فجوده على حسن أفندي الضيائي والأنيس وغيرهما حتى مهر فيه وأجازوه على طريقتهم واصطلاحهم واقتنى كتبًا كثيرة وكان منزله مأوى ذوي الفضائل والمعارف وله اعتقاد حسن وحب في المرحوم الوالد ولا ينقطع عن زيارته في كل جمعة مرة أو مرتين وكان مترهفًا في مأكله وملبسه معتبرًا في ذاته وجيهًا منور الوجه والشيبة له من اسمه نصيب وعنده حزم ومماليكه أحمد مصطفى تمرض نحو سنة وعجز عن ركوب الخيل وصار يركب حمارًا عاليًا ويستند على أتباعه ولم يزل حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى وانقضت هذه السنة‏.‏

واستهلت سنة خمس ومائتين وألف في حادي عشر المحرم ورد آغا وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فعملوا له موكبًا وطلع الى القلعة وقرئ المقرر بحضرة الجمع وضربوا له مدافع‏.‏

وفي ذلك اليوم قبض اسمعيل بك على المعلم يوسف كساب معلم الدواوين وأمر بتغريقه في بحر النيل‏.‏

وفي صبحها نفوا صالحا آغا آغات الأرنؤد قيل إن السبب في ذلك أنه تواطأ مع الأمراء القبالي بواسطة المعلم يوسف المذكور على أنه لم يملكهم المراكب الرومية والقلاع التي بناحية طرا والجيزة وعملوا له مبلغًا من المال التزم به الذمي يوسف وكتب على نفسه تمسكًا بذلك وفيه كثر تعدي أحمد آغا الوالي على أهل الحسينية وتكرر قبضه وإيذاؤه لأناس منهم بالحبس والضرب وأخذ المال بل ونهب بعض البيوت وأرسل في يوم الجمعة ثاني عشرينه أعوانه بطلب أحمد سالم الجزار شيخ طائفة البيومية وله كلمة وصولة بتلك الدائرة وأرادوا القبض عليه فثارت طوائفه على أتباع الوالي ومنعوه منهم وتحركت حميتهم عند ذلك وتجمعوا وانضم إليهم جمع كثير من أهل تلك النواحي وغيرها وأغلقوا الأسواق والدكاكين وحضروا الى الجامع الأزهر ومعهم طبول وقفلوا أبواب الجامع وصعدوا على المنارات وهم يصرخون ويصيحون ويضربون على الطبول وأبطلوا الدروس فقال لهم الشيخ العروسي‏:‏ أنا أذهب الى اسمعيل بك في هذا الوقت وأكلمه في عزل الوالي وتخلص منهم بذلك وذهب الى اسمعيل بك فاعتذر بأن الوالي ليس من جماعته بل هو من جماعة حسن بك الجداوي وأمر بعض أتباعه بالذهاب إليه وإخباره بجمع الناس والمشايخ وطلبهم عزل الوالي فلم يرض بذلك وقال إن كان أنا أعزل الوالي تابعي يعزل هو الآخر الآغا تابعه ويعزل رضوان كتخدا المجنون من المقاطعة ويرفع مصطفى كاشف من طرا ويطرد عسكر القليونجية والأرنؤد وترددت بينهم الرسل بذلك ثم ركب حسن بك وخرج الى ناحية العادلية مثل المغضب وصار أحمد آغا الوالي يركب بجماعة كثيرة ويشق من المدينة ليغيظ العامة وكذلك يجمع من العامة خلائق كثيرة ووقع بينه وبينهم بعض مناوشات في مروره وانجرح بينهم جماعة وقتل شخصان ثم ركب المشايخ وذهبوا الى بيت محمد أفندي البكري وحضر هناك اسمعيل بك وطيب خاطرهم والتزم لهم بعزل الوالي ومر الوالي في ذلك الوقت على بيت الشيخ البكري وكثير من العامة مجتمع هناك ففزع فيهم بالسيف وفرق جمعهم وسار من بينهم وذهب في طريقه ثم زاد الحال وكثرت غوغاء الناس ومشوا طوائف يأمرون بغلق الدكاكين واجتمع بالأزهر الكثير منهم واستمرت هذه القضية الى يوم الثلاثاء ثالث صفر ثم طلع اسمعيل بك والأمراء الى القلعة واصطلحوا على عزل الوالي والآغا وجعلوهما صنجقين وقلدوا خلافهما الآغا من طرف اسمعيل بك والوالي من طرف حسن بك ونزل الوالي الجديد من الديوان الى الأزهر وقابل المشايخ الحاضرين واسترضاهم ثم ركب الى بيته وانفض الجمع وكأنها طلعت بأيديهم والذي كان راكب حمارًا ركب فرسًا‏.‏

وفي ليلة الجمعة خامس شهر صفر غيمت السماء غيمًا مطبقًا وسحت أمطار غزيرة كأفواه القرب مع رعد شديد الصوت وبرق متتابع متصل قوي اللمعان يخطف بالأبصار مستديم الاشتعال واستمر ذلك بطول ليلة الجمعة ويوم الجمعة والأمطار نازلة حتى سقطت الدور القديمة على الناس ونزلت السيول من الجبل حتى ملأت الصحراء وخارج باب النصر وهدمت الترب وخسفت القبور وصادف ذلك اليوم دخول الحجاج الى المدينة فحصل لهم غاية المشقة وأخذ السيل صيوان أمير الحاج بما فيه وانحدر به من الحصوة الى بركة الحج وكذلك خيام الأمراء وغيرهم وسالت السيول من باب النصر ودخلت البلد وامتلأت الوكائل بالمياه وكذلك جامع الحاكم وقتلت أناس في حواصل الخانات وصار خارج باب النصر بركة عظيمة متلاطمة بالأمواج وفي حصل أيضًا كائنة عبد الوهاب أفندي بشناق الواعظ وذلك أنه مات رجل من البشانقة من أهل بلده وكأنه قد جعله وصيًا على تركته فاستولى عليها واستأصلها وكان للرجل المتوفى شركة بناحية الاسكندرية فسافر المذكور الى الاسكندرية وحاز باقي التركة أيضًا ورجع الى مصر وحضر الوارث وطالبه بتركة مورثه فأظهر له شيئًا نزرًا فذهب الوارث الى القاضي فدعاه القاضي وكلمه في ذلك فقال له أنا وصي مختار وأنا مصدق وليس عندي خلاف ما سلمته له فقال له القاضي إنه يدعي عليك بكذا وكذا وعنده إثبات ذلك وطال بينهما الكلام وتطاول على القاضي واستجهله فطلع القاضي الى الباشا وشكا له فأمر بإحضاره فحضر في جمع الديوان وناقشوه فلم يتزلزل عن عناده الى أن نسب الكل الى الانحراف عن الحق فحنق الباشا منه وأمر برفعه من المجلس فقبضوا عليه وجروه وضربوه ورموا بتاجه الى الأرض وحبسوه في مكان وصادف أيضًا ورود مكتوب من ناحية المدينة من مفتيها كان أرسله المذكور إليه لسبب من الأسباب وذكر فيه الباشا بقوله التعيس الحربي وكذلك الأمراء بنحو ذلك فأرسله المفتي وأعاده على يد بعض الناس الى اسمعيل بك حقدًا منه عليه لكراهة خفية بينهما سابقة وأوصله اسمعيل بك أيضًا الى الباشا فازداد غيظًا وأرعد وأبرق وأحضر بشناق أفندي من محبسه وقت القائلة وأراه ذلك المكتوب فسقط في يده واعتذر فلطمه على وجهه ونتف لحيته وأراد أن يضربه بخنجره فشفع فيه أكابر أتباعه ثم أخذوه وسجنوه وأمر بمحاسبته على ما أخذه من التركة فحوسب وطولب وبقي بالحبس حتى وفى ما طلع عليه وشفع فيه علي بك الدفتردار وخلصه من الترسيم‏.‏

وفي أواخر صفر قلدوا أحمد بك الوالي المذكور كشوفية الدقهلية وعثمان بك الحسني الغربية وشاهين بك شرقية بلبيس وعلي بك جركس المنوفية وصار جماعة أحمد بك وأتباعه عند سفرهم يخطفون دواب الناس من الأسواق وخيول الطواحين ولما سرحوا في البلاد حصل منهم ما لا خير فيه من ظلم الفلاحين مما هو معلوم من أفعالهم‏.‏

وفي شهر ربيع الأول كمل بناء بيت اسمعيل بك وبياضه وأتمه على هيئة متقنة وترتيب في الوضع ونقل إليه قطع الأعمدة العظام التي كانت ملقاة في مكان الجامع الناصري الذي عند فم الخليج وجعلها في جدرانه وبنى به مقعدًا عظيمًا متسعًا ليس له مثيل في مقاعد بيوت الأمراء في ضخامته وعظمه وهو في جهة البركة وغرس بجانبه بستانًا عظيمًا وظن أن الوقت قد صفا له‏.‏

وفي أواخر شهر جمادى الأولى أشيع في الناس أن في ليلة السابع والعشرين نصف الليل يحصل زلزلة عظيمة وتستمر سبع ساعات ونسبوا هذا القول الى أخبار بعض الفلكيين من غير أصل واعتقده الخاصة فضلًا عن العامة وصمموا على حصوله من غير دليل لهم على ذلك فلما كانت تلك الليلة خرج غالب الناس الى الصحراء والى الأماكن المتسعة مثل بركة الأزبكية والفيل وخلافهما ونزلوا في المراكب ولم يبق في بيته إلا من ثبته الله وباتوا ينتظرون ذلك الى الصباح فلم يحصل شيء وأصبحوا يتضاحكون على بعضهم‏.‏

وفيه ابتدأ أمر الطاعون وداخل الناس منه وهم عظيم‏.‏

وفيه قلدوا عبد الرحمن بك عثمان وجعلوه صنجق الخزينة وشرعوا في تشهيله واجتهد اسمعيل بك في سفر الخزينة على الهيئة القديمة ولبس المناصب والسدادة وأرباب الخدم وقد بطل هذا الترتيب والنظام من نيف وثلاثين سنة فأراد اسمعيل بك إعادته ليكون له بذلك منقبة ووجاهة عند دولة بني عثمان فلم يرد الله بذلك وعاجله الرجز‏.‏

وفي شهر رجب زاد أمر الطاعون وقوي عمله بطول شهر رجب وشعبان وخروج عن حد الكثرة ومات به ما لا يحصى من الأطفال والشبان والجواري والعبيد والمماليك والأجناد والكشاف والأمراء ومن أمراء الألوف الصناجق نحو اثني عشر صنجقًا ومنهم اسمعيل بك الكبير المشار إليه وعسكر القليونجية والأرنؤد الكائنون ببولاق ومصر القديمة والجيزة حتى كانوا يجفرون حفر المن بالجيزة بالقرب من مسجد أبي هريرة ويلقونهم فيها وكان يخرج من بيت الأمير في المشهد الواحد الخمسة والستة والعشرة وازدحموا على الحوانيت في طلب العدد والمغسلين والحمالين ويقف في انتظار المغسل أو المغسلة الخمس والعشرة ويتضاربون على ذلك ولم يبق للناس شغل إلا الموت وأسبابه فلا تجد إلا مريضًا أو ميتًا أو عائدًا أو معزيًا أو مشيعًا أو راجعًا من صلاة جنازة أو دفن أو مشغولًا في تجهيز ميت أو باكيًا على نفسه موهومًا ولا تبطل صلاة الجنائز من المساجد والمصليات ولا يصلي إلا على أربعة أو خمسة أو ثلاثة وندر جدًا من يشتكي ولا يموت وندر أيضًا ظهور الطعن ولم يكن بحمى بل يكون الإنسان جالسًا فيرتعش من البرد فيدثر فلا يفيق إلا مخلطًا أو يموت من نهاره أو ثاني يوم وربما زاد أو نقص أو كان بخلاف ذلك وكان شبيهًا بفصل البقر الذي تقدم واستمر عمله الى أوائل رمضان ثم ارتفع ولم يقع بعد ذلك إلا قليلًا نادرًا ومات الآغا والوالي في أثناء ذلك فولوا خلافهما فماتا بعد ثلاثة أيام فولوا خلافهما فماتا أيضًا واتفق أن الميراث انتقل ثلاث مرات في جمعة واحدة ولما مات اسمعيل بك تنازل الرياسة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار ثم اتفقوا على تأمير عثمان بك طبل تابع اسمعيل بك على مشيخة البلد وسكن ببيت سيده وقلدوا حسن بك قصبة رضوان أمير حاج ثم أنهم أظهروا الخوف والتوبة والإقلاع وإبطال الحوادث والمظالم وزيادات المكوس ونادوا بذلك وقلدوا أمراء عوضًا عن المقبورين من مماليكهم‏.‏

في غرة رمضان حضر ططري وعلى يده مرسوم بعزل اسمعيل باشا وأن يتوجه الى الموره وأن باشة الموره محمد باشا الذي كان بجدة في العام الماضي المعروف بعزت هو والي مصر فعملوا الديون وقرئت المرسومات فقال الأمراء لا نرضى بذهابك من بلدنا وأنت أحسن لنا من الغريب الذي لا نعرفه فقال وكيف يكون العمل ولا يمكن المخالفة فقالوا نكتب عرضحال الى الدولة ونرجو تمام ذلك فقال لا يتم ذلك فإن المتولي كأنكم به وصل الى الاسكندرية وعزم على النزول صبح تاريخه ثم أنهم اتفقوا على كتابة عرضحال بسبب تركة اسمعيل بك خوفًا من حضور معين بسبب ذلك وعين للسفرية الشيخ محمد الأمير‏.‏

وفي يوم الخميس الخامس عشر رمضان نزل الباشا من القلعة الى بولاق وقصد السفر على الفور وطلب المراكب وأنزل بها متاعه ويرقه فلما رأوا منه العجلة وعدم التأني وقصدهم تأخيره الى حضور الباشا الجديد ويحاسب على ما دخل في جهته فاجتمعوا عليه صحبة الاختيارية وكلموه في التأني فعارضهم وعاندهم وصمم على السفر من الغد فأغلظوا عليه في القول وقالوا له هذا غير مناسب يقال إن الباشا أخذ مال مصر وهرب فقال وأي شيء أخذته منكم قالوا له لابد من عمل حساب فإن الحساب لا كلام فيه ولابد من التأني حتى نعمل الحساب فقال أنا أبقي عندكم الكتخدا فحاسبوه نيابة عني والذي يطلع لكم في طرفي خذوه منه فلم يرضوا بذلك فقال أنا لابد من سفري إما اليوم أو غدًا فقاموا من عنده على غير رضا وأرسلوا الوالي والآغا يناديان على ساحل البحر على المراكب بأن كل من سافر بشيء من متاع الباشا أو بأحد من أتباعه يستأهل الذي يجري عليه وطردوا النواتية من المراكب ولم يتركوا في كل مركب إلا شخصًا واحدًا نوتيًا فقط وتركوا عند بيت الباشا جماعة حراسًا وفي حضر خازندار الباشا الجديد وأخبر بوصول مخدومه الى ثغر الاسكندرية ومعه خلعة القائمقامية لعثمان بك طبل ومكاتبة الى الأمراء بعدم سفر الملاقاة وأرباب الخدم على العادة وأخبر أنه واصل الى رسيد بالبحر بالنقاير فنزل لملاقاته آغات المتفرقة فقط‏.‏

وفيه رفعوا مصطفى كاشف من طرا وعملوه كتخدا عثمان بك شيخ البلد‏.‏

وفيه أشيع بأن عبد الرحمن بك الابراهيمي حضر من طريق الشام ومر من خلف الجبل وذهب الى سيده بالصعيد‏.‏

وفي غرة شوال يوم الجمعة وليلة السبت حضر الباشا الجديد الى ساحل بولاق فعملوا له اسقالة وركب الأمراء وعدوا الى بر انبابة وسلموا عليه وعدى صحبتهم وركب الى قصر العيني وأوكب في يوم الاثنين رابعه في موكب أقل من العادة بكثير الى القلعة من ناحية الصليبة وضربوا له مدافع من القلعة‏.‏

وفي ذلك اليوم سافر الشيخ محمد الأمير بالعرضحال وكانوا أخروا سفره الى أن وصل الباشا الجديد وغيروه بعد أن عرضوا عليه الأمر ثم أنهم عملوا حساب الباشا المعزول فطلع عليه للباشا المتولي مائتا كيس من ابتداء منصبه وهو سابع عشر رجب وللأمراء مبلغ أيضًا فسدد ذلك بعضه أوراق وبعضه نقد وبعضه أمتعة وأذنوا له بالسفر فشرع في نزول متاعه بالمراكب بطول يوم الخميس والجمعة وأراد أن يسافر يوم السبت ففي تلك الليلة وصل بشلي من الروم وبيده مرسوم فعمل الباشا في صبحها ديوانًا حضر فيه المشايخ والأمراء وأبرز الباشا المرسوم فكان مضمونه محاسبة الباشا المعزول من ابتداء شهر توت واستخلاص ما تأداه من ابتداء المدة فعند ذلك أرسلوا ثانية وحجروا عليه ونكتوا عزاله من المراكب وحبسوا النواتية ونادوا عليه ثاني مرة وذلك في سادس عشره‏.‏

وفيه تواردت الأخبار بأن الأمراء القبالي تحركوا الى الحضور الى مصر فإنه لما حصل ما حصل من موت اسمعيل بك والأمراء حضر مراد بك من أسيوط الى المنية وانتشر باقي الأمراء في المقدمة وعلى بعضهم الى الشرق ووصلت أوائلهم الى كفر العياط وأما ابراهيم بك فإنه لم يزل مقيمًا بمنفلوط ومنتظرًا ارتحال الحجاج ثم يسير الى جهة مصر فأرسلوا علي بك الجديد الى طرا عوضًا عن مصطفى كاشف وأرسلوا صالح بك الى الجيزة وأخذوا في الاهتمام‏.‏

وفيه حفر خندق من البحر الى المتاريس وفردوا فلاحين على البلاد للحفر مع اشتغالهم بأمور الحج ودعوا هم نقص مال الصرة وتعطيل الجامكية المضافة لدفتر الحرمين وتوجيه المعينين من القليونجية على الملتزمين‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشرينه حضر السيد عمر أفندي مكرم الأسيوطي بمكاتبة من الأمراء القبليين خطابًا الى شيخ البلد والمشايخ وللباشا سرًا‏.‏

وفيه سافر اسمعيل باشا المنفصل من بولاق بعد أن أدى ما عليه‏.‏

وفي يوم الاثنين خامس عشرينه خرج المحمل صحبة أمير الحاج حسن بك قصبة رضوان وفي يوم الثلاثاء اجتمعوا بالديوان عند الباشا وقرئت المكاتبات الواصلة عن الأمراء القبليين فكان حاصلها أننا في السابق طلبنا الصلح مع إخواننا والصفح عن الأمور السالفة فأبى المرحوم اسمعيل بك ولم يطمئن لطرفنا ولك شيء نصيب والأمور مرهونة بأوقاتها والآن اشتقنا الى عيالنا وأوطاننا وقد طالت علينا الغربة وعزمنا على الحضور الى مصر على وجه الصلح وبيدنا أيضًا مرسوم من مولانا السلطان وصل إلينا صحبة عبد الرحمن بك بالعفو والرضا والماضي لا يعاد ونحن أولاد اليوم وأن أسيادنا المشايخ يضمنون غائلتنا فلما قرئت تلك المكاتبة التفت الباشا الى المشايخ العروسي إن كان التفاقم بينهم وبين أمرائنا المصرية الموجودين الآن فإننا نترجى عندهم وإن كان ذلك بينهم وبين السلطان فالأمر لنائب مولانا السلطان ثم اتفق الرأي على مكاتبة جواب حاصله أن الذي يطلب الصلح يقدم الرسالة بذلك قبل قدومه وهو بمكانه وذكرتم أنكم تائبون وقد تقدم منكم هذا القول مرارًا ولم نر له أثرًا فإن شرط التوبة رد المظالم وأنتم لم تفعلوا ذلك ولم ترسلوا ما عليكم من الميري في هذه المدة فإن كان الأمر كذلك فترجعوا الى أماكنكم وترسلوا المال والغلال ونرسل عرضحال الى الدولة بالإذن لكم فإن الأمراء الذين بمصر لم يدخلوها بسيفهم ولا بقوتهم وإنما السلطان هو الذي أخرجكم وأدخلهم وإذا حصل الرضا فلا مانع لكم من ذلك فإننا الجميع تحت الأمر وعلم على ذلك الجواب الباشا والمشايخ وسلموه الى السيد عمر وسافر به في يوم الثلاثاء المذكور ثم اشتغلوا بمهمات الحج وادعوا نقص مال الصرة ستين كيسًا ففردوها على التجار ودكاكين الغورية وارتحل الحاج من الحصوة وصحبته الركب الفاسي وذلك يوم السبت غايته وبات بالبركة وارتحل يوم الأحد غرة ذي القعدة‏.‏

وفي ذلك اليوم عملوا الديوان بالقلعة ورسموا بنفي من كان مقيمًا بمصر من جماعة القبليين فنفوا أيوب بك الكبير وحسن كتخدا الجربان الى طندتا وكتبوا فرمانًا بخروج الغريب وفرمانًا آخر بالأمن والأمان وأخذهما الوالي والآغا ونادوا بذلك في صبحها في شوارع البلد ونبهوا على تعمير الدروب وقفل أبواب الأطراف وأجلسوا عند كل مركز حراسًا‏.‏

وفي يوم الخميس نزل الآغا وأمامه المناداة بفرمان على الأجناد والطوائف والمماليك بالخروج الى وفيه وصل قاصد من الديار الرومية وهو آغا معين بطلب تركة اسمعيل بك وباقي الأمراء الهالكين بالطاعون فأنزلوه ببيت الزعفراني وكرروا المناداة بالخروج الى ناحية طرا وكل من تاجر بعد الظهر يستحق العقوبة‏.‏

وفي تلك الليلة وقت المغرب طلع الأمراء الى الباشا وأشاروا عليه بالنزول والتوجه الى ناحية طرا فنزل في صبحها وخرج الى ناحية طرا كما أشاروا عليه وكذلك خرج الأمراء وطاف الآغا والوالي بالشوارع وهما يناديان على الألضاشات المنتسبين الى الوجاقات بالصعود الى القلعة والباقي بالخروج الى متاريس الجيزة وطلع الأوده باشا والاختيارية وجلسوا في الأبواب‏.‏

وفي يوم السبت أشيع أن الأمراء القبليين يريدون التخريم من وراء الجبل الى جهة العادلية فخرج أحمد بك وصالح بك تابع رضوان بك الى جهة العادلية وأقاموا هناك للمحافظة بتلك الجهة وأرسلوا أيضًا الى عرب العائد فحضروا أيضًا هناك‏.‏

وفيه وصل القبليون الى حلوان ونصبوا وطاقهم هناك وأخذ المصريون حذرهم من خلف متاريس طرا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء توجه المشايخ الى ناحية طرا وسلموا على الباشا والأمراء ورجعوا وذلك بإشارة الأمراء ليشاع عند الأخصام أن الرعية والمشايخ معهم وبقي الأمر على ذلك الى يوم وفي صبح يوم الأربعاء نزل الآغا والوالي وأمامهم المناداة على الرعية والعامة الكافة بالخروج في صبح يوم الخميس صحبة المشايخ ولا يتأخر أحد وحضر الشيخ العروسي الى بيت الشيخ البكري وعملوا هناك جمعية وخرج الآغا من هناك ينادي في الناس ووقع الهرج والمرج وأصبح يوم الخميس فلم يخرج أحد من الناس وأشيع أن الأمراء القبليين نزلوا أثقالهم في المراكب وتمنعوا الى قبلي ويقولون إن قصدهم الرجوع وبقي الأمر على السكوت بطول النهار والناس في بهتة والأمراء متخيلون من بعضهم البعض وكل من علي بك الدفتردار وحسن بك الجداوي يسيء الظن بالآخر ولم يخطر بالبال مخامرة عثمان بك طبل ولا الباشا فإن عثمان بك تابع اسمعيل بك الخصم الكبير وقد تعين عوضه في إمارة مصر ومشيختها والباشا لم يكن من الفريقين فلما كان الليل تحول الباشا والأمراء وخرجوا الى ناحية العادلية وأخرجوا شركفلك صحبتهم وجملة مدافع وعملوا متاريس فما فرغوا من عمل ذلك إلا ضحوة النهار من يوم الجمعة وهم واقفون علي الخيول فلم يشعروا إلا والأمراء القبالي نازلون من الجبل بخيولهم ورجالهم لكنهم في غاية الجهد والمشقة فلما نزلوا وجدوا الجماعة والمتاريس أمامهم فتشاور المصريون مع بعضهم في الهجوم عليهم فلم يوافق عثمان بك على ذلك وثبطهم عن الإقدام ورجعوا جميع الحملة الى مصر ووقفوا على جرائد الخيل فتمنع القبليون وتباعدوا عنهم ونزلوا عند سبيل علام يأخذون لهم راحة حتى يتكاملوا فلما تكاملوا ونصبوا خيامهم واستراحوا الى العصر ركب مصطفى كاشف صهر حسن كتخدا علي بك وهو من مماليك محمد بك الالفي وصحبته نحو خمسة مماليك وذهب الى سيده ثم ركب محمد بك المبدول أيضًا بأتباعه وذهب الى مراد بك لأنه في الأصل من أتباعه ثم ركب مصطفى كاشف الغزاري وهو أخو عثمان بك طبل شيخ البلد وذهب أيضًا إليهم واستوثق لأخيه فكتب له ابراهيم بك بالحضور فلم يتمكن من الحضور إلا بعد العشاء الأخيرة حتى انفرد عن حسن بك وعلي بك فلما فعل ذلك وفارقهما سقط في أيديهما وغشي على علي بك ثم أفاق وركب مع حسن بك وصناجقه وهم عثمان بك وشاهين بك وسليم بك المعروف بالدمرجي الذي تآمر عوضًا عن علي بك الحبشي ومحمد بك كشكش وصالح بك الذي تآمر عوضًا عن رضوان بك العلوي وعلي بك الذي تآمر عوضًا عن سليم بك الاسماعيلي وذهب الجميع من خلف القلعة على طريق طرا وذهبوا الى قبلي حيث كانت أخصامهم فسبحان مقلب الأحوال ولما حضر عثمان بك وقابل ابراهيم بك أرسله مع ولده مرزوق بك الى مراد بك فقابله أيضًا ثم حضرت إليهم الوجاقلية والاختيارية وقابلوهم وسلموا عليهم وشرع أتباعهم في دخول مصر بطول ليلة السبت حادي عشرين شهر القعدة ولما طلع النهار دخلت أتباعهم بالحملات والجمال شيء كثير جدًا ثم دخل ابراهيم وشق المدينة ومعه صناجقه ومماليكه وأكثرهم لابسون الدروع ثم دخل بعده سليمان بك والآغا وأخوه ابراهيم بك الوالي ثم عثمان بك الشرقاوي وأحمد بك الكلارجي وأيوب بك الدفتردار ومصطفى بك الكبير وعلي آغا وسليم آغا وقائد آغا وعثمان بك الأشقر الابراهيمي وعبد الرحمن بك الذي كان باسلامبول وقاسم بك الموسقو وكشافهم وأغواتهم وأما مراد بك فإنه دخل من على طريق الصحراء ونزل على الرميلة وصحبته عثمان بك الاسماعيلي شيخ البلد وأمراؤه وهم محمد بك الألفي وعثمان بك الطنبرجي الذي كان باسلامبول أيضًا وكشافهم وأغواتهم واستمر انجرارهم الى بعد الظهر خلاف من كان متأخرًا أو منقطعًا فلم يتم دخولهم إلا في ثاني يوم وأما مصطفى آغا الوكيل فإنه التجأ الى الباشا وكذلك مصطفى كاشف طرا فأخذهما الباشا صحبته وطلعا الى القلعة ودخل الأمراء الى بيوتهم وباتوا بها ونسوا الذي جرى وأكثر البيوت كان بها الأمراء الهالكون بالطاعون وبقي بها نساؤهم ومات غالب نساء الغائبين فلما رجعوا وجدوها عامرة بالحريم والجواري والخدم فتزوجوهن وجددوا فراشهم وعملوا أعراسهم ومن لم يكن له بيت دخل ما أحب من البيوت وأخذه بما فيه من غير مانع وجلس في مجالس الرجال وانتظر تمام العدة إن كان بقي منها شيء وأورثهم الله أرضهم وديارهم وأموالهم وأزواجهم‏.‏

وفي يوم الأحد ركب سليم آغا ونادى على طرئفة القليونجية والأرنؤد والشوام بالسفر ولا يتأخر أحد وكل من وجد بعد ثلاثة أيام استحق ما ينزل به ثم أن المماليك صاروا كل من صادفوه منهم أو رأوه أهانوه وأخذوا سلاحه فاجتمع منهم طائفة وذهبوا الى الباشا فأرسل معهم شخصًا من الدلاة أنزلهم الى بولاق في المراكب وصار أولاد البلد والصغار يسخرون بهم ويصفرون عليهم بطول الطريق وسكن مراد بك ببيت اسمعيل بك وكأنه كان يبنيه من أجله‏.‏

وفي يوم الاثنين أيضًا طاف الآغا وهو ينادي على القليونجية والأرنؤد‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشرينه صعد الأمراء الى القلعة وقابلوا الباشا وكانوا يروه ولم يرهم قبل ذلك اليوم فخلع عليهم الخلع ونزلوا من عنده وشرعوا في تجهيز تجريدة الى الهاربين لأنهم حجزوا ما وجدوه من مراكبهم وأمتعتهم وكتب الباشا عرضحال في ليلة دخولهم وأرسله صحبة واحد ططري الى الدولة بحقيقة الحال وعينوا التجريدة ابراهيم بك الوالي وعثمان بك المرادي متقلدًا إمارة الصعيد وعثمان بك الأشقر وأحضر مراد بك حسن كتخدا علي بك بأمان وقابله وقيده بتشهيل التجريدة وعمل البقسماط ومصروف البيت من اللحم والخبز والسمن وغير ذلك ووجه عليه المطالب حتى صرف ما جمعه وحواه وباع متاعه وأملاكه ورهنها واستدان ولم يزل حتى مات بقهره وقلدوا علي آغا مستحفظان سابقًا وجعلوه كتخدا وفي حادي عشرين شهر الحجة الموافق لسابع عشر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه ونزل الباشا الى قصر السد وحضر القاضي والأمراء وكسر السد بحضرتهم وعملوا الشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ثم توقفت الزيادة ولم يزد بعد الوفاء إلا شيئًا قليلًا ثم نقص واستمر يزيد قليلًا وينقص الى الصليب فضجت الناس وتشحطت الغلال وزاد سعرها وانكبوا على الشراء ولاحت لوائح الغلاء‏.‏

وفيه أيضًا شرع الأمراء في التعدي على أخذ البلاد من أربابها من الوجاقلية وغيرهم وأخذوا بلاد أمير الحاج‏.‏

وفيه صالح الباشا الأمراء على مصطفى آغا الوكيل وأخلوا له داره وقد كان سكن بها عثمان بك الأشقر فأخلاه له ابراهيم بك ونزل من القلعة إليه ولازم ابراهيم بك ملازمة كلية وكذلك مصطفى كاشف الذي كان بطرا لازم مراد بك واختص به وصار جليسه ونديمه‏.‏

من مات في هذه السنة من الأعيان ومات شيخنا علم الأعلام والساحر اللاعب بالافهام الذي جاب في اللغة والحديث كل فج وخاض من العلم كل لج المذلل له سبل الكلام الشاهد له الورق والأقلام ذو المعرفة والمعروف وهو العلم الموصوف العمدة الفهامة والرحلة النسابة الفقيه المحدث اللغوي النحوي الأصولي الناظم الناثر الشيخ أبو الفيض السيد محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الشهير بمرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي هكذا ذكر عن نفسه ونسبه ولد سنة خمس وأربعين ومائة وألف كما سمعته من لفظه وروايته بخطه ونشأ ببلاده وارتحل في طلب العلم وحج مرارًا واجتمع بالشيخ عبد الله السندي والشيخ عمر بن أحمد بن عقيل المكي وعبد الله السقاف والمسند محمد ابن علاء الدين المزجاجي وسليمان بن يحيى وابن الطيب واجتمع بالسيد عبد الرحمن العيدروس بمكة وبالشيخ عبد الله ميرغني الطائفي في سنة ثلاث وستين ونزل بالطائف بعد ذهابه الى اليمن ورجوعه في سنة ست وستين فقرأ على الشيخ عبد الله في الفقه وكثيرًا من مؤلفاته وأجازه وقرأ على الشيخ عبد الرحمن العيدروس مختصر السعد ولازمه ملازمة كلية وألبسه الخرقة وأجازه بمروياته ومسموعاته قال‏:‏ وهو الذي شوقني الى دخول مصر بما وصفه لي من علمائها وأمرائها وأدبائها وما فيها من المشاهد الكرام فاشتاقت نفسي لرؤياها وحضرت مع الركب وكان الذي كان وقرأ عليه طرفًا من الإحياء وأجازه بمروياته ثم ورد الى مصر في تاسع سفر سنة سبع وستين ومائة وألف وسكن بخان الصاغة وأول من عشره وأخذ عنه السيد علي المقدسي الحنفي من علماء مصر وحضر دروس أشياخ الوقت كالشيخ أحمد الملوي والجوهري والحفني والبليدي والصعيدي والمدابغي وغيرهم وتلقى عنهم وأجازوه وشهدوا بعلمه وفضله وجودة حفظه واعتنى بشأنه اسمعيل كتخدا عزبان ووالاه بره حتى راج أمره وترونق حاله واشتهر ذكره عند الخاص والعام ولبس الملابس الفاخرة وركب الخيول المسومة وسافر الى الصعيد ثلاث مرات واجتمع بأكابره وأعيانه وعلمائه وأكرمه شيخ العرب همام واسمعيل أبو عبد الله وأبو علي وأولاده نصير وأولاد وافي وهادوه وبروه وكذلك ارتحل الى الجهات البحرية مثل دمياط ورشيد والمنصورة وباقي البنادر العظيمة مرارًا حين كانت مزينة بأهلها عامرة بأكابرها وأكرمه الجميع واجتمع بأكابر النواحي وأرباب العلم والسلوك وتلقى عنهم وأجازوه وأجازهم وصنف عدة رحلات في انتقالاته في البلاد القبلية والبحرية تحتوي على لطائف ومحاورات ومدائح نظمًا نثرًا لو جمعت كانت مجلدًا ضخمًا وكناه سيدنا السيد أبو الأنوار بن وفا بأبي الفيض وذلك يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك برحاب ساداتنا بني الوفا يوم زيارة المولد المعتاد ثم تزوج وسكن بعطفة الغسال مع بقاء سكنه بوكالة الصاغة وشرع في شرح القاموس حتى أتمه في عدة سنين في نحو أربعة عشر مجلدًا وسماه تاج العروس ولما أكمله أولم وليمة حافلة جمع فيها طلاب العلم وأشياخ الوقت بغيط المعدية وذلك في سنة إحدى وثمانين ومائة وألف وأطلعهم عليه واغتبطوا به وشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة وكتبوا عليه تقاريظهم نثرًا ونظمًا فمن قرظ عليه شيخ الكل في عصره الشيخ علي الصعيدي والشيخ أحمد الدردير والسيد عبد الرحمن العيدروس والشيخ محمد الأمير والشيخ حسن الجداوي والشيخ أحمد البيلي والشيخ عطية الأجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الزيات والشيخ محمد عبادة والشيخ محمد العوفي والشيخ حسن الهواري والشيخ أبو الأنوار السادات والشيخ علي القناوي والشيخ علي خرائط والشيخ عبد القادر بن خليل المدني والشيخ محمد المكي والسيد علي القدسي والشيخ عبد الرحمن مفتي جرجا والشيخ علي الشاوري والشيخ محمد الخربتاوي والشيخ عبد الرحمن المقري والشيخ محمد سعيد البغدادي الشهير بالسويدي وهو آخر من قرظ عليه وكنت إذ ذاك حاضرًا وكتبه نظمًا ارتجالًا وذلك في منتصف جمادى الثانية سنة أربعة وتسعين ومائة وألف‏.‏

ولما أنشأ محمد بك أبو الذهب جامعه المعروف به بالقرب من الأزهر وعمل فيه خزانة للكتب واشترى جملة من الكتب ووضعها بها أنهوا إليه شرح القاموس هذا وعرفوه أنه إذا وضع بالخزانة كمل نظامها وانفردت بذلك دون غيرها ورغبوه في ذلك فطلبه وعوضه عنه مائة ألف درهم فضة ووضعه فيها ولم يزل المترجم يخدم العلم ويرقى في درج المعالي ويحرص على جمع الفنون التي أغفلها المتأخرون كعلم الإنسان والأسانيد وتخاريج الأحاديث واتصال طرائف المحدثين المتأخرين بالمتقدمين وألف في ذلك كتبًا ورسائل ومنظومات وأراجيز جمة ثم انتقل الى منزل بسويقة اللالا تجاه جامع محرم أفندي بالقرب من مسجد شمس الدين الحنفي وذلك في أوائل سنة تسع وثمانين ومائة وألف وكانت تلك الخطة إذ ذاك عامرة بالأكابر والأعيان فأحدقوا به وتحبب إليهم واستأنسوا به وواسوه وهادوه وهو يظهر لهم الغنى والتعفف ويعظهم ويفيدهم بفوائد وتمائم ورقي ويجيزهم بقراءة أوراد وأحزاب فأقبلوا عليه من كل جهة وأتوا الى زيارته من كل ناحية ورغبوا في معاشرته لكونه غريبًا وعلى غير صورة العلماء المصريين وشكلهم ويعرف باللغة التركية والفارسية بل وبعض لسان الكرج فانجذبت قلوبهم إليه وتناقلوا خبره وحديثه ثم شرع في إملاء الحديث على طريق السلف في ذكر الأسانيد والرواة المخرجين من حفظه على طرق مختلفة وكل من قدم عليه يملي عليه الحديث المسلسل بالأولية وهو حديث الرحمة برواته ومخرجيه ويكتب له سندًا بذلك وإجازة وسماع الحاضرين فيعجبون من ذلك ثم أن بعض علماء الأزهر ذهبوا إليه وطلبوا منه إجازة فقال لهم‏:‏ لابد من قراءة أوائل الكتب واتفقوا على الاجتماع بجامع شيخون بالصليبة الاثنين والخميس تباعدًا عن الناس فشرعوا في صحيح البخاري بقراءة السيد حسين الشيخوني واجتمع عليهم بعض أهل الخطة والشيخ موسى الشيخوني أمام المسجد وخازن الكتب وهو رجل كبير معتبر عند أهل الخطة وغيره وتناقل في الناس سعي علماء الأزهر مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ مصطفى الطائي والشيخ سليمان الاكراشي وغيرهم للأخذ عنه فازداد شأنه وعظم قدره واجتمع عليه أهل تلك النواحي وغيرها من العامة والأكابر والأعيان والتمسوا منه تبيين المعاني فانتقل من الرواية الى الدراية وصار درسًا عظيمًا فعند ذلك انقطع عن حضوره أكثر الأزهرية وقد استغنى عنهم هو أيضًا وصار يملي على الجماعة بعد قراءة شيء من الصحيح حديثًا من المسلسلات أو فضائل الأعمال ويسرد رجال سنده ورواته من حفظه ويتبعه بأبيات من الشعر كذلك فيتعجبون من ذلك لكونهم لم يعهدوها فيما سبق في المدرسين المصريين وافتتح درسًا آخر في مسجد الحنفي وقرأ الشمائل في غير الأيام المعهودة بعد العصر فازدادت شهرته وأقبلت الناس من كل ناحية لسماعه ومشاهدة ذاته لكونها على خلاف هيئة المصريين وزيهم ودعاه كثير من الأعيان الى بيوتهم وعملوا من أجله ولائم فاخرة فيذهب إليهم مع خواص الطلبة والمقرئ والمستملي وكاتب الأسماء فيقرأ لهم شيئًا من الأجزاء الحديثية كثلاثيات البخاري أو الدارمي أو بعض المسلسلات بحضور الجماعة وصاحب المنزل وأصحابه وأحبابه وأولاده وبناته ونسائه من خلف الستائر وبين أيديهم مجامر البخور بالعنبر والعود مدة القراءة ثم يختمون ذلك بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على النسق المعتاد ويكتب الكاتب أسماء الحاضرين والسامعين حتى النساء والصبيان والبنات واليوم والتاريخ ويكتب الشيخ تحت ذلك صحيح ذلك وهذه كانت طريقة المحدثين في الزمن السابق كما رأيناه في الكتب القديمة‏.‏

يقول الحقيراني كنت مشاهدًا وحاضرًا في غالب هذه المجالس والدروس ومجالس أخر خاصة بمنزله وبسكنه القديم بخان الصاغة وبمنزلنا بالصنادقية وبولاق وأماكن أخر كنا نذهب إليها للنزاهة مثل غيط المعدية والأزبكية وغير ذلك فكنا نشغل غالب الأوقات بسرد الأجزاء الحديثية وغيرها وهو كثير بثبوت المسموعات على النسخ وفي أوراق كثيرة موجودة الى الآن وانجذب إليه بعض الأمراء الكبار مثل مصطفى بك الاسكندراني وأيوب بك الدفتردار فسعوا الى منزله وترددوا لحضور مجالس دروسه وواصلوه بالهدايا الجزيلة والغلال واشترى الجواري وعمل الأطعمة للضيوف وأكرم الواردين والوافدين من الآفاق البعيدة وحضر عبد الرزاق أفندي الرئيس من الديار الرومية الى مصر وسمع به فحضر إليه والتمس منه الإجازة وقراءة مقامات الحريري فكان يذهب إليه بعد فراغه من درس شيخون ويطالع له ما تيسر من المقامات ويفهمه معانيها اللغوية ولما حضر محمد باشا عزت الكبير رفع شأنه عنده وأصعده إليه وخلع عليه فروة سمور ورتب له تعيينًا من كلاره لكفايته من لحم وسمن وأرز وحطب وخبز ورتب له علوفة جزيلة بدفتر الحرمين والسائرة وغلالًا من الأنبار وأنهى الى الدولة شأنه فأتاه مرسوم بمرتب جزيل بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفًا فضة في كل يوم وذلك في سنة إحدى وتسعين ومائة وألف فعظم أمره وانتشر صيته وطلب الى الدولة في سنة أربع وتسعين فأجاب ثم امتنع وترادفت عليه المراسلات من أكابر الدولة وواصلوه بالهدايا والتحف والأمتعة الثمينة في صناديق وطار ذكره في الأفق وكاتبه ملوك النواحي من الترك والحجاز والهند واليمن والشام والبصرة والعراق وملوك المغرب والسودان وفزان والجزائر والبلاد البعيدة وكثرت عليه الوفود من كل ناحية وترادفت عليه منهم الهدايا والصلات والأشياء الغريبة وأرسلوا إليه من أغنام فزان وهي عجيبة الخلقة عظيمة الجثة يشبه رأسها رأس العجل وأرسلها الى أولاد السلطان عبد الحميد فوقع لهم موقعًا وكذلك أرسلوا له من طيور الببغا والجواري والعبيد والطواشية فكان يرسل من طرائف الناحية الى الناحية المستغرب من ذلك عندها ويأتيه في مقابلتها أضعافها وأتاه من طرائف الهند وصنعاء اليمن وبلاد سرت وغيرها أشياء نفيسة وماء الكادي والمربيات والعود والعنبر والعطرشاه بالأرطال وصار له عند أهل المغرب شهرة عظيمة ومنزلة كبيرة واعتقاد زائد وربما اعتقدوا فيه القطبانية العظمى حتى أن أحدهم إذا ورد الى مصر حاجًا ولم يزره ولم يصله بشيء لا يكون حجه كاملًا فإذا ورد عليه أحدهم سأله عن اسمه ولقبه وبلده وخطته وصناعته وأولاده وحفظ ذلك أو كتبه ويستخبر من هذا عن ذاك بلطف ورقة فإذا ورد عليه قادم من قابل سأله عن اسمه وبلده فيقول له فلان من بلدة كذا فلا يخلو ما أن يكون عرفه من غيره سابقًا أو عرف جاره أو قريبه فيقول له فلان طيب فيقول نعم سيدي ثم يسأله عن أخيه فلان وولده فلان وزوجته وابنته ويشير له باسم حارته وداره وما جاورها فيقوم ذلك المغربي ويقعد ويقبل الأرض تارة ويسجد تارة ويعتقد أن ذلك من باب الكشف الصريح فتراهم في أيام طلوع الحج ونزوله مزدحمين على بابه من الصباح الى الغروب وكل من دخل منهم قدم بين يدي نجواه شيئًا ما فضة أو تمرًا أو شمعًا على قدر فقره وغناه وبعضهم يأتيه بمراسلات وصلات من أهل بلاده وعلمائها وأعيانها ويلتمسون منه الأجوبة فمن طفر منهم بقطعة ورقة ولو بمقدار الأنملة فكأنما ظفر بحسن الخاتمة وحفظها معه كالتميمة ويرى أنه قد قبل حجه وإلا فقد باء بالخيبة والندامة وتوجه عليه اللوم من أهل بلاده ودامت حسرته الى يوم ميعاده وقس على ذلك ما لم يقل وشرع في شرح كتاب إحياء العلوم للغزالي وبيض منه أجزاء وأرسل منها الى الروم والشام والغرب ليشتهر مثل شرح القاموس ويرغب في طلبه واستنساخه وماتت زوجته في سنة ست وتسعين فحزن عليها حزنًا كثيرًا ودفنها عند المشهد المعروف بمشهد السيدة رقية وعمل على قبرها مقامًا ومقصورة وستورًا وفرشًا وقناديل ولازم قبرها أيامًا كثيرة وتجتمع عنده الناس والقراء والمنشدون ويعمل لهم الأطعمة والثريد والكسكسو والقهوة والشربات واشترى مكانًا بجوار المقبرة المذكورة وعمره بيتًا صغيرًا وفرشه وأسكن به أمها ويبيت به أحيانًا وقصده الشعراء بالمراثي فيقبل منهم ذلك ويجزيهم عليه‏.‏

ثم تزوج بعدها بأخرى وهي التي مات عنها وأحرزت ما جمعه من مال وغيره ولما بلغ مالًا مزيد عليه من الشهرة وبعد الصيت وعظم القدر والجاه عند الخاص والعام وكثرت عليه الوفود من سائر الأقطار وأقبلت عليه الدنيا بحذافيرها من كل ناحية لزم داره واحتجب عن أصحابه الذين كان يلم بهم قبل ذلك إلا في النادر لغرض من الأغراض وترك الدروس والاقراء واعتكف بداخل الحريم وأغلق الباب ورد الهدايا التي تأتيه من أكابر المصريين ظاهرة وأرسل إليه مرة أيوب بك الدفتردار مع نجله خمسين إربًا من البر وأحمالًا من الأرز والسمن والعسل والزيت وخمسمائة ريال نقود وبقج كساوي أقمشة هندية وجوخًا وغير ذلك فردها وكان ذلك في رمضان وكذلك مصطفى بك الاسكندراني وغيرهما وحضر إليه فاحتجب عنهما ولم يخرج إليهما ورجعا من غير أن يواجهاه ولما حضر حسن باشا الصورة التي حضر فيها الى مصر لم يذهب إليه بل حضر هو لزيارته وخلع عليه فروة تليق به وقدم له حصانًا معدودًا مرختًا بسرج وعباءة قيمته ألف دينارًا أعده وهيأه قبل ذلك وكانت شفاته عنده لا ترد وإن أرسل إليه إرسالية في شيء تلقاها بالقبول والإجلال وقبل الورقة قبل أن يقرأها ووضعها في رأسه ونفذ ما فيها في الحال وأرسل مرة الى أحمد باشا الجزار مكتوبًا وذكر له فيه أنه المهدي المنتظر وسيكون له شأن عظيم فوقع عنده بموقع الصدق لميل النفوس الى الأماني ووضع ذلك المكتوب في حجابه المقلد به مع الأحراز والتمائم فكان يسر بذلك الى بعض من يرد عليه ممن يدعي المعارف في الجفور والزايرجات ويعتقد صحته بلا شك ومن قدم عليه من جهة مصر وأجمع سأله عن المترجم فإن أخبره وعرفه أنه اجتمع به وأخذ عنه وذكره بالمدح والثناء أحبه وأكرمه وأجزل صلته وإن وقع منه خلاف ذلك قطب منه وأقصاه عنه وأبعده ومنع عنه بره ولو كان من أهل الفضائل واشتهر ذلك عنه عند من عرف منه ذلك بالفراسة ولم يزل على حسن اعتقاده في المترجم حتى انقضى نحبهما واتفق أن مولاي محمدًا سلطان المغرب رحمه الله وصله بصلات قبل انجماعه الأخير وتزهده وهو يقبلها ويقابلها بالحمد والثناء والدعاء فأرسل له في سنة إحدى ومائتين صلة لها قدر فردها وتورع عن قبولها وضاعت ولم ترجع الى اسلطان وعلم السلطان ذلك من جوابه فأرسل إليه مكتوبًا قرأته وكان عندي ثم ضاع في الأوراق ومضمونه العتاب والتوبيخ في رد الصلة ويقول له‏:‏ إنك رددت الصلة التي أرسلناها إليك من بيت مال المسلمين وليتك حيث تورعت عنها كنت فرقتها على الفقراء والمحتاجين فيكون لنا ولك أجر ذلك إلا أنك رددتها وضاعت ويلومه أيضًا على شرحه كتاب الإحياء ويقول له‏:‏ كان ينبغي أن تشغل وقتك بشيء نافع غير ذلك ويذكر وجه لومه له في ذلك وما قاله العلماء وكلامًا مفحمًا مختصرًا مفيدًا رحمه الله تعالى وللمترجم من المصنفات خلاف شرح القاموس وشرح الإحياء تأليفات كثيرة منها كتاب الجواهر المنيفة في أصول أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه مما وافق فيه الأئمة الستة وهو كتاب نفيس حافل رتبه ترتيب كتب الحديث من تقديم ما روي عنه في الاعتقاديات ثم في العمليات على ترتيب كتب الفقه والنفحة القدسية بواسطة البضعة العيدروسية جمع فيه أسانيد العيدروس وهي في نحو عشرة كراريس والعقد الثمين في طرق الإلباس والتلقين وحكمة الإشراق الى كتاب الآفاق وشرح الصدر في شرح أسماء أهل بدر في عشرين كراسًا ألفها لعلي أفندي درويش وألف باسمه أيضًا التفتيش في معنى لفظ درويش ورسائل كثيرة جدًا منها رفع نقاب الخفا عمن انتمى الى وفا وأبي الوفا وبلغة الأريب في مصطلح آثار الحبيب وإعلام الأعلام بمناسك حج بيت الله الحرام وزهر الأكمام المنشق عن جيوب الإلمام بشرح صيغة سيدي عبد السلام ورشفة المدام المختوم البكري من صفوة زلال صيغ القطب البكري ورشف سلاف الرحيق في نسب حضرة الصديق والقول المثبوت في تحقيق لفظ التابوت وتنسيق قلائد المنن في تحقيق كلام الشاذلي أبي الحسن ولقط اللآلي من الجوهر الغالي وهي في أسانيد الأستاذ الحفني وكتب له إجازته عليه في سنة سبع وستين وذلك سنة قدومه الى مصر والنوافح المسكية على الفوائح الكشكية وجزء في حديث نعم الأدام الخل وهدية الإخوان في شجرة الدخان ومنح الفيوضات الوفية فيما في سورة الرحمن من أسرار الصفة الإلهية وإتحاف سيد الحي بسلاسل بني طي وبذل المجهود في تخريج حديث شيبتي هود والمربي الكابلي فيمن روى عن الشمس البابلي والمقاعد العندية في المشاهد النقشبندية ورسالة في المناشي والصفين وشرح على خطبة الشيخ محمد البحيري البرهاني علي تفسير سورة يونس وتفسير على سورة يونس مستقل على لسان القوم وشرح على حزب البر الشاذلي وتكملة على شرح حزب البكري الفاكهي من أوه فكمله للشيخ أحمد البكري ومقامة سماها إسعاف الاشراف وأرجوزة في الفقه نظمها باسم الشيخ حسن بن عبد اللطيف الحسني المقدسي وحديقة الصفا في والدي المصطفى وقرظ عليها الشيخ حسن المدابغي ورسالة في طبقات الحفاظ ورسالة في تحقيق قول أبي الحسن الشاذلي وليس من الكرم الى آخره وعقيلة الأتراب في سند الطريقة والأحزاب صنفها للشيخ عبد الوهاب الشربيني والتعليقة على مسلسلات ابن عقيلة والمنح العلية في الطريقة النقشبندية والانتصار لوالدي النبي المختار وألفية السند ومناقب أصحاب الحديث وكشف اللثام عن آداب الإيمان والإسلام ورفع الشكوى لعالم السر والتزجوى وترويح القلوب بذكر ملوك بني أيوب ورفع الكلل عن العلل ورسالة سماها قلنسوة التاج ألفها باسم الأستاذ العلامة الصالح الشيخ محمد بن بدير المقدسي وذلك لما أكمل شرح القاموس المسمى بتاج العروس فأرسل إليه كراريس من أوله حين كان بمصر وذلك في سنة اثنتين وثمانين ليطلع عليها شيخه الشيخ عطية الأجهوري ويكتب عليها تقريظًا ففعل ذلك وكتب إليه يستجيزه فكتب إليه أسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وأصيب بالطاعون في شهر شعبان وذلك أنه صلى الجمعة في مسجد الكردي المواجه لداره فطعن بعد ما فرغ من الصلاة ودخل الى البيت واعتقل لسانه تلك الليلة وتوفي يوم الأحد فأخفت زوجته وأقاربها موته حتى نقلوا الأشياء النفيسة والمال والذخائر والأمتعة والكتب المكلفة ثم أشاعوا موته يوم الاثنين فحضر عثمان بك طبل الاسماعيلي ورضوان كتخدا المجنون وادعى أن المتوفى أقامه وصيًا مختارًا وعثمان بك ناظرًا بسبب أن زوج أخت الزوجة من أتباع المجنون يقال له حسين آغا فلما حضروا وصحبتهما مصطفى أفندي صادق أخذوا ما أحبوه وانتقوه من المجلس الخارج وخرجوا بجنازته وصلوا عليه ودفن بقبر أعده لنفسه ذلة اليوم لاشتغال الناس بأمر الطاعون وبعد الخطة ومن علم منهم وذهب بجانب زوجته بالمشهد المعروف بالسيد رقية ولم يعلم بموته أهل الأزهر لم يدرك الجنازة ومات رضوان كتخدا في أثر ذلك واشتغل عثمان بك بالإمارة لموت سيده أيضًا وأهمل أمر تركته فأحرزت زوجته وأقاربه متروكاته ونقلوا الأشياء الثمينة والنفيسة الى دارهم ونسي أمره شهورًا حتى تغيرت الدولة وتملك الأمراء المصريون الذين كانوا بالجهة القبلية وتزوجت زوجته برجل من الأجناد من أتباعهم فعند ذلك فتحوا التركة بوصاية الزوجة من طرف القاضي خوفًا من ظهور وارث وأظهروا ما انتفوه مما انتقوه من الثياب وبعض الأمتعة والكتب والدشتات وباعوها بحضرة الجمع فبلغت نيفًا ومائة ألف نصف فضة فأخذ منها بيت المال شيئًا وأحرز الباقي مع الأول وكانت مختلفاته شيئًا كثيرًا جدًا أخبرني المرحوم حسن الحريري وكان من خاصته وممن يسعى في خدمته ومهماته أنه حضر إليه في يوم السبت وطلب الدخول لعيادته فأدخلوه إليه فوجده راقدًا معتقل اللسان وزوجته وأصهاره في كبكبة واجتهاد في إخراج ما في داخل الخبايا والصناديق الى الليوان ورأيت كومًا عظيمًا من الأقمشة الهندية والمقصبات والكشميري والفراء من غير تفصيل نحو الحملين وأشياء في ظروف وأكياس لا أعلم ما فيها قال ورأيت عددًا كثيرًا من ساعات العب الثمينة مبددًا على بساط للقاعة وهي بغلافات بلادها قال فجلست عند رأسه حصة وأمسكت يده ففتح عينيه ونظر إلي وأشار كالمستفهم عما هم فيه ثم غمض عينيه وذهب في غطوسه فقمت عنه قال ورأيت في الفسحة التي أمام القاعة قدرًا كثير من شمع العسل الكبير والصغير والكافوري المصنوع والخام وغير ذلك مما لم أره ولم ألتفت إليه ولم يترك ابنًا ولا ابنة ولم يرثه أحد من الشعراء‏.‏

وكان صفته ربعة نحيف البدن ذهبي اللون متناسب الأعضاء معتدل اللحية قد وخطه الشيب في أكثرها مترفها في ملبسه ويعتم مثل أهل مكة عمامة منحرفة بشاش أبيض ولها عذبة مرخية على قفاه ولها حبكة وشراريب حرير طولها قريب من فتر وطرفها الآخر داخل طي العمامة وبعض أطرافه ظاهر وكان لطيف الذات حسن الصفات بشوشًا بسومًا وقورًا محتشمًا مستحضرًا للنوادر والمناسبات ذكيًا لوذعيًا فطنًا ألمعيًا روض فضله نضير وماله في سعة الحفظ نظير جعل الله مثواه قصور الجنان وضريحه مطاف وفود الرحمة والغفران ومات

الإمام العلامة والحبر المدقق الفهامة ذو الفضائل الجمة

والتحقيقات المهمة الذكي الألمعي النحوي المعقولي الفقيه النبيه الشيخ عمر البابلي الشافعي الأزهري تفقه على علماء العصر وحضر الشيخ عيسى البراوي والشيخ الصعيدي والشيخ أحمد البيلي والشيخ عبد الباسط السنديوني وتمهر في العلوم وقرأ الدروس وأخذ طريق الخلوتية على شيخنا الشيخ محمود الكردي ولقنه الأسماء ولازمه في مجالسه وأوارده ملازمة كلية ولوحظ بأنظاره وتزوج بزوجة الشيخ أحمد أخي الشيخ حسن المقدسي الحنفي وكانت مثرية فترونق حاله وتجمل بالملابس وعرفته الناس وماتت زوجته المذكورة لا عن عصبة فحاز ميراثها والتزم بحصة كانت لها بقرية يقال لها دار البقر فعند ذلك اتسعت عليه الدنيا وسكن دارًا واسعة واقتنى الجواري والخدم ومواشي وأبقارًا وأغنامًا واستأجر أرضًا قريبة يزرعها بالبرسيم تغدو إليها المواشي وتروح كل يوم من أيام الربيع ثم تزوج ببنت شيخه الشيخ محمود بعد وفاته وأقام منعمًا معها في رفاهية من العيش مع ملازمته للإقراء والإفادة الى أن أدركه الأجل المحتوم وتوفي في هذه السنة بالطاعون وكان إنسانًا حسنًا جم الفرائد والفوائد مهذب الأخلاق لين الطباع حسن المعاشرة جميل الأوصاف رحمه الله تعالى‏.‏

ومات العمدة الفاضل الواعظ عبد الوهاب بن الحسن البوسنوي السراي المعروف ببشناق أفندي قدم مصر سنة تسع وستين ومائة وألف ووعظ بمساجدها وأكره الأمراء للجنسية ثم توجه الى الحرمين وقطن بمكة ورتب له شيء معلوم على الوعظ والتدريس ومكث مدة ثم حصلت فتنة بين الأشراف والأتراك فنهب بيته وخرج هاربًا الى مصر فالتجأ الى علمائها فكتبوا له عرضًا الى الدولة بمعرفة ما جرى عليه فعين له شيء في نظير ما ذهب من متاعه وتوجه الى الحرمين فلم يقر له بمكة قرار ولم يمكنه الامتزاج مع رئيس مكة لسلاقة لسانه واستطالته في كل من دب ودرج فتوجه الى الروم ومكث بها أيامًا حتى حصل لنفسه شيئًا من معلوم آخر فأتى الى مكة وصار يطلع على الكرسي ويتكلم على عادته في الحط على أشراف مكة وذمهم والتشنيع عليهم وعلى أتباعهم وذكر مساويهم وظلمهم فأمر شريف مكة بالخروج منها الى المدينة فخرج إليها وقد حنق غيظًا على الشريف فلما استقر بالمدينة لف عليه بعض الأوباش ومن ليس له ميل الى الشريف فصار يطلع على الكرسي ويستطيل بلسانه عليه ويسبه جهرًا وغرة مرافقة أولئك معه وأن الشريف لا يقدر أن يأتي لهم بحركة فتعصبوا وزادوا نفورًا وأخرجوا الوزير الذي هو من طرف الشريف وكاتبوا الى الدولة برفع يد الشريف عن المدينة مطلقًا وأنه لا يحكم فيهم أبدًا وإنما يكون الحاكم شيخ الحرم فقط وأرسلوا بالعرض مفتي المدينة فكتب لهم على مقتضى طلبهم خطابًا الى أمير الحاج الشامي والى الشريف ولما أحس الشريف بذلك تنبه لهذه الحادثة وعرف أن أصلها من أنفار بالمدينة أحدهم المترجم واستعد للقاء أمير الحاج بعسكر جرار على خلاف عادته ورام مناواته إن برز منه شيء خلاف ما عهد منه فلما رأى أمير الحاج ذلك الحال كتم ما عنده وأنكر أن يكون عنده شيء من الأوامر في حقه ومضى لنسكه حتى إذا رجع الى المدينة تنمر وتشمر وكاد أن يأكل على يده من التندم والحسرة وذهب الى الشام ولما خلت مكة من الحجاج جرد الشريف عسكرًا على العرب فقاتلوه وصبر معهم حتى ظفر بهم ودخل المدينة فجأة ولم يكن ذلك يخطر ببالهم قط فما وسعهم إلا أنهم خرجوا للقائه فآنسهم وأخبرهم أنه ما أتى إلا لزيارة جده عليه الصلاة والسلام وليس له غرض سواه فاطمأنوا بقوله وشق سوق المدينة بعسكره وعبيده حتى دخل من باب السلام وتملى من الزيارة وأقبلت عليه أرباب الوظائف مسلمين فأكرمهم وكساهم فلما آنس منهم الغفلة أمر بإمساك جماعة من المفسدين الذين كانوا يحفرون وراءه فاختفى باقيهم وتسللوا وهرب منهم خفية بالليل جماعة وكان المترجم أحد من اختفى في بيته ثلاثة أيام ثم غير هيئته وخرج حتى أتى مصر ومشى على طريقته في الوعظ وعقد له مجلسًا بالمشهد الحسيني وخالط الأمراء وحضر درسه الأمير يوسف بك ومال إليه وألبسه فروة ودعاه الى بيته وأكرمه وتردد إليه كثيرًا وكان يلجه ويرفع منزلته ويسمع كلامه وينصت الى قوله ولديه بعض معرفة بالعلم على طريقة بلادهم واستمر بمصر وسكن بحارة الروم ورتب له بالضربخانة مائة ونصف فضة في كل يوم لمصروفه وصار له وجاهة عند أبناء جنسه إلى أن وقع له ما وقع مع اسمعيل باشا بسبب الوصاية على التركة كما مر ذلك آنفًا وحط من قدره وأهانه وحبسه نحو ثلاثة أشهر ثم أفرج عنه بشفاعة علي بك الدفتردار وانزوى خاملًا في داره الى أن مات في أوائل شعبان بالطاعون سامحه الله تعالى‏.‏

ومات الجناب المكرم المبجل المعظم جامع العارف وحاوي اللطائف الأمير حسن أفندي بن عبد الله الملقب بالرشيدي الرومي الأصل مولي المرحوم علي آغا بشير دار السعادة المكتب المصري اشتراه سيده صغيرًا وهذبه ودربه وشغله بالخط فاجتهد فيه وجوده على عبد الله الأنيس وكان ليوم إجازته محفل نفيس جمع فيه المرؤوس والرئيس ثم زوجته ابنته وجعله خليفته ولم يزل في حال حياة سيده معتكفًا على المشق والتسويد معتنيًا بالتحرير والتجويد الى أن فاق أهل عصره في الجودة في الفن وجمع كل مستحسن ولما توفي شيخ المكتبين المرحوم اسمعيل الوهبي جعل المرجم شيخًا باتفاق منهم لما أعطى من مكارم الشيخ وطيب الأخلاق وتمام المروءة وحسن تلقي الواردين وجميل الثناء عليه من أهل الدين وألف من أجله شيخنا السيد محمد مرتضى كتاب حكمة الإشراق الى كتاب الآفاق جمع فيه ما يتعلق بفنهم مع ذكر أسانيدهم وهو غريب في بابه يستوقف الراتع في مريع هضابه ولم يزل شيخًا ومتكلمًا على جماعة الخطاطين والكتاب وعميدهم الذي يشار إليه عند الأرباب نسخ بيده عدة مصاحف وأحزاب وأما نسخ الدلائل فكثرتها لا تدخل تحت الحساب الى أن طافت به المنية طواف الوداع ونثرت عقد ذلك الاجتماع وبموته انقرض نظام هذا الفن‏.‏

ومات صاحبنا الأديب الماهر والنبيه الباهر نادرة العصر وقرة عين الدهر عثمان بن محمد بن حسين الشمسي وهو أحد الأخوة الأربعة أكثرهم معرفة وأغزرهم أدبًا وأغوصهم في استخراج الدقائق واستنتاج الرقائق وأمهم جميعًا الشريفة رقية بنت السيد طه الحموي الحسيني ولد المترجم بمصر وربي في حجر أبويه وتعلق من صغره بمعرفة الفنون الغريبة فنال طرفًا منها حسنًا يليق عند المذاكرة وعرف الفرائض واستخرج منها طرقًا غريبة في استحقاق المواريث في قسم الغرماء في شبابيك وله سليقة شعرية مقبولة وله معرفة باللغة جيدة يطالع كتبها ويحل عقدها ويسأل عن غرائب الفن ويغوص بذهنه على كل مستحسن ولقد نظم فرائض الدين وأسماء أهل بدر وغير ذلك وبالجملة أنه كان من محاسن الزمان توفي رحمه الله في أواخر شعبان مطعونًا وخلف ولديه محمد جربجي وحسين جربجي أحياهما الله حياة طيبة ومات الأجل المبجل بقية السلف ونتيجة الخلف الوجيه الصالح النبيه الشيخ عبد الرحمن بن أحمد شيخ سجادة جده سيدي عبد الوهاب الشعراني مات أبوه الشيخ أحمد في سنة أربع وثمانين وتركه صغيرًا دون البلوغ فكفلته أمه فتولى السجادة الشيخ أحمد من أقاربه وتزوج بأمه وسكن بدارهم ولما شب المترجم وترشد اشترك معه بالمناصفة ثم توفي الشيخ أحمد المذكور فاستقل بذلك ونشأ في عز وعفاف وصلاح وحسن حال ومعاشرة ومودة وعمر البيت حسًا ومعنى وأحيا مآثر أجداده وأسلافه وكان شديد الحياء والحشمة والتواضع والانكسار والخشية والحلم والتؤدة ومكارم الأخلاق ولما تم كماله بدا زواله واخترمته في شبابه يد الأجل فقطعت شمس عمره منطقة الأمل وخلف ابنًا صغيرًا يسمى سيدي قاسمًا بارك الله فيه ومات أعز الأخوان وأخص الأصدقاء والخلان النجيب الصالح والأريب الناجح شقيق النفس والروح وصحبته باب الخير والفتوح المتفنن النبيه سيدي ابراهيم بن محمد الغزالي بن محمد الدادة الشاريبي من أجل أهل بيت الثروة والمجد والعز والكرم وهو كان مسك ختامهم وبموته انقرض بقية نظامهم وقد تقدم استطراد بعض أوصافه في ترجمة المرحوم سيدي أحمد رفيق المرحوم رضوان كتخدا الجلفي ومنها حرصه على فعل الخير ومكارم الأخلاق وتقديم الزاد ليوم المعاد والصدقات الخفية والأفعال المرضية التي منها تفقد طلبة العلم الفقراء والمنقطعين ومواساتهم ومعونتهم وكان يشتري المصاحف والألواح الكثيرة ويفرقها بيد من يثق به على مكاتب أطفال المسلمين الفقراء معونة لهم على حفظ القرآن ويملأ الأسبلة للعطاش ولا يقبل من فلاحينه زيادة على المال المقرر ويعاون فقراءهم ويقرضهم التقاوى واحتياجات الزراعة وغيرها ويحسب لهم هداياهم من أصل المال وكان يتفقه على العلامة الشيخ محمد العقاد المالكي ويحضر دروسه في كل يوم وبعد وفاته لازم حضور الشيخ عبد العليم الفيومي وكان ينفق عليه وعلى عياله ويكسوهم ولم يزل سمح السجية بسام الثنية الى أن بغته الطاعون حالًا وكان موته ارتجالًا فنضبت جداوله واستراحت حساده وعواذله وكان الله حسنة في صحائف الأيام والليالي وروضة تنبت الشكر في رياض المعالي‏.‏

فلو بعت يومًا منه بالدهر كله لفكرت دهرًا ثانيًا في ارتجاعه‏.‏

ومات أيضًا من بيتهم الأجل المكرم أحمد جلبي بن الأمير علي وكان شابًا لطيف الذات مليح ومات أيضًا من بيتهم الأمير عثمان بن عبد الله معتوق المرحوم محمد جربجي وكان من أكابر بيتهم وبقية السلف من طبقتهم ذا وجاهة وعقل وحشمة وجلالة قدر‏.‏

ومات أيضًا من بيتهم الأمير رضوان صهر أحمد جلبي المذكور وكان إنسانًا لا بأس به أيضًا ومات من بيتهم عدد كثير من النساء والصبيان والجواري في تلك الأيام المبددة منهم ومن غيرهم عقد النظام‏.‏

ومات الصنو الفريد والعقد النضيد الذكي النبيه من ليس له في الفضل شبيه صاحبنا الأكرم وعزيزنا الأفخم ابراهيم جلبي بن أحمد آغا البارودي نشأ مع أخويه علي ومصطفى في حجر والدهم في رفاهية وعز ولما مات والدهم في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف تزوجته والدتهم وهي ابنة ابراهيم كتخدا القازدغلي بمحمد خازندار زوجها وهو محمد آغا الذي اشتهر ذكره بعد ذلك فكفل أولاد سيده المذكورين وفتح بيتهم وعانى المترجم تحصيل الفضائل وطلب العلم ولازم حضور الدروس بالأزهر في كل يوم وتقيد بحضور الفقه على السيد أحمد الطحطاوي والشيخ أحمد الخانيوشي وفي المعقول على اليخ محمد الخشني والشيخ علي الطحان حتى أدرك من ذلك الحظ الأوفر وصار له ملكة يقتدر بها على استحضار ما يحتاج إليه من المسائل النقلية والعقلية وترونق بالفضائل وتحلى بالفواضل الى أن اقتنصه في ليل شبابه صياد المنية وضرب ومات أيضًا بعده بيومين أخوه سيدي علي وكان جميل الخصائل مليح الشمائل رقيق الطباع يشنف بحسن ألفاظه الأسماع اخترمته المنية وحالت بساحة شبابه الرزية‏.‏

ومات الصاحب الأمثل والأجل الأفضل حاوي المزايا المنزه عن النقائص والرزايا عبد الرحمن أفندي بن أحمد المعروف بالهلواتي كاتب كبير باب تفكشيان من أعيان أرباب الأقلام بديوان مصر كان اشتغل بطلب العلم ولازم حضور الأشياخ وحصل في المعقول والمنقول ما تميز به عن غيره من أهل صناعته مع حسن الأخلاق وجميل الطباع وحضر على الشيخ مصطفى الطائي كتاب الهداية في الفقه مشاركًا لنا وأخذ أيضًا الحديث عن السيد مرتضى وسمع معنا عليه كثيرًا من الأجزاء والمسلسلات والصحيحين وغير ذلك وألف حاشية على مراقي الفلاح واقتنى كتبًا نفيسة وكان يباحث ويناضل مع عدم الادعاء وتهذيب النفس والسكون والتؤدة والإمارة والسيادة الى أن أجاب الداعي ونعته النواعي واضمحل حال أبيه بعده وركبته الديون وجفاه الأخدان والمجنون وصار بحالة يرثى لها الشامت ويبكي حزنًا عليه من يسمع ذكره من الناعت الى أن توفي بعد بنحو سنتين‏.‏

ومات الأمير المبجل والنبيه المفضل علي بن عبد الله الرومي الأصل مولى الأمير أحمد كتخدا صالح اشتراه سيده صغيرًا فتربى في الحريم وأقرأه القرآن وبعض متون الفقه وتعلم الفروسية وكان بيته موردًا للأفاضل فكان يكرمهم ويحترمهم ويتعلم منهم العلم ثم أعتقه وأنزله حاكمًا في بعض ضياعه ثم رقاه الى أن عمله رئيسًا في باب المتفرقة وتوجه أميرًا على طائفته صحبة الخزينة الى الأبواب السلطانية مع شهامة وصرامة ثم عاد الى مصر وكان ممن يعتقد في شيخنا السيد علي المقدسي ويجتمع به كثيرًا وكان له حافظة جيدة في استخراج الفروع وأتقن فن رمي النشاب الى أن صار أستاذا فيه وانفرد في وقته في صنعة القسي والسهام والدهانات فلم يلحقه أهل عصره وأضر بعينيه وعالجهما كثيرًا فلم يفده فصبر واحتسب ومع ذلك فيرد عليه أهل فنه ويسألونه فيه ويعتمدون على قوله ويجيد القسي تركيبًا وشدًا ولقد أتاه وهو في هذه الضرارة رجل من أهل الروم اسمه حسن فأنزله في بيته وعلمه هذه الصنعة حتى فاق في زمن قليل أقرانه وسلم له أهل عصره وسمع المترجم عن شيخنا المذكور أكثر الصحيح بقراءة كل من الشريفين الفاضلين سليمان بن طه الأكراشي وعلي بن عبد الله بن أحمد وذلك بمنزله المطل على بركة الفيل وكذلك سمع عليه المسلسل بالعيد بشرطه وحديثين مسلسلين بيوم عاشورًا تخريج السيد المذكور وأشياء أخر ضبطت عند كاتب الأسماء وأخذ الإجازة من الشيخ اسمعيل بن أبي المواهب الجلبي وكان عنده كتب نفيسة في كل فن رحمه الله‏.‏

ومات الشاب اللطيف المهذب الظريف الذي يحكي بأدبه سنا الملك وابن العفيف محمد بن الحسن بن عبد الله الطيب أبوه مولى اللقاسم الشرايبي مات أبوه في حداثته وكان مولد سنة أربع وستين ومائة وألف وكفله صهره سليمان بن محمد الكاتب أحد كتاب المقاطعة بالديوان ونشأ في الرفاهية والنعم وعانى طلب العلم فنال منه ما أخرجه من ربقة الجهل وتعلق بالعروض وأخذ عنه الشيخ محمد بن ابراهيم العوفي المالكي فبرع فيه ونظم الشعر إلا أنه كان يعرض شعره للذم بالتزامه فيه ما لا يلزم توفي في غرة شعبان من السنة‏.‏

ومات الصنو الفريد والنادرة الوحيد النبيه اللبيب والمفرد العجيب الفاضل الناظم الناثر سيدي عثمان بن أحمد الصفائي المصري تقدم ذكره في ترجمة والده أحمد أفندي كاتب الروزنامة بديوان مصر ونشأ هو في ظل النعمة والرفاهية وقرأ النحو والمنطق على كل من الشيخ علي الطحان والشيخ مصطفى المرحومي حتى مهر فيهما وكان يباحث ويناضل ويناقش أهل العلم في المسائل العقلية والنقلية وقرأ علم العروض وأتقن نظم الشعر وجمع الظروف وكان فيه نوع من الخلاعة واللهو وله تخميس على البردة وأشعار كثيرة ولم يزل رافلًا في حلل السعادة حتى حلت بساحة شبابه الشهادة وتوفي مطعونًا بمليج وهو ذاهب لموسم المولد الأحمدي بطندتا في شهر رجب وقد ناهز الأربعين وحضروا به الى مصر محمولًا على بعير فغسل وكفن ودفن عند والده رحمه الله‏.‏

ومات الخواجا المعظم والتاجر المكرم السيد أحمد ابن السيد عبد السلام المغربي الفاسي نشأ في حجر والده وتربى في العز والرفاهية حتى كبر وترشد وأخذ وأعطى وباع واشترى وشارك وعامل واشتهر ذكره وعرف بين التجار ومات أبوه واستقر مكانه في التجارة عرفته الناس زيادة عن أبيه وصار يسافر الى الحجاز في كل سنة مقومًا مثل أبيه وبنى داره ووسعها وأضاف إليها دكة الحسبة التي بجوار الفحامين وأنشأ دارًا عظيمة أيضًا بخط الساكت بالأزبكية وانضوى إليه السيد أحمد المحروق وأحبه واتحد به اتحادًا كليًا وكان له أخ من أبيه بالحجاز يعرف بالعرايشي من أكابر التجار ووكلائهم المشهورين ذو ثروة عظيمة فتوفي وصادف وصول المترجم حينئذ الى الحجاز فوضع يده على ماله ودفاتره وشركاته وتزوج بزوجته وأخذ جواره وعبيده ورجع الى مصر واتسع حاله زيادة على ما كان عليه وعظم صيته وصار عظيم التجار وشاه البندر وسلم قياده وزمامه في الأخذ والعطاء وحساب الشركاء الى السيد أحمد المحروقي وارتاح إليه لحذقه ونباهته ونجابته وسعادة جده ولم يزل على ذلك حتى اخترمته المنية وحالت بينه وبين الأمنية وتوفي في شعبان مطعونا وغسل وكفن وصلي عليه بالمشهد الحسيني في مشهد حافل بعد العشاء الأخيرة في المشاعل ودفن عند أبيه بزاوية العربي بالقرب من الفحامين والتجأ السيد أحمد المحروقي الى السيد آغا البارودي كتخدا اسمعيل بك فسعى إليه وأقره مكانه وأقامه عوضه في كل شيء وتزوج بزوجاته وسكن داره واستولى على حواصله وبضائعه وأمواله ونما أمره من حينئذ وأخذ وأعطى ووهب وصانع الأمراء وأصحاب الحل والعقد حتى وصل الى ما وصل إليه وأدرك ما لم يدركه غيره فيما سمعنا ورأينا كما قيل‏:‏ وإذا السعادة لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان ومات الأمير الكبير اسمعيل بك وأصله من مماليك ابراهيم كتخدا وانضوى الى علي بك بلوط قبان فجعله اشراقه وأقره ونوه بشأنه وقلده الصنجقية بعد موت سيدهم وزوجه بهانم ابنة ابراهيم كتدخا وعمل لهما مهمًا عظيمًا ببركة الفيل شهرًا كاملًا في سنة أربع وسبعين كما تقدم ذكر ذلك وكان من المهمات الجسيمة والمواسم العظيمة التي لم يتفق نظيرها بعده بمصر ولم يزل منظورًا إليه في الإمارة مدة علي بك وأرسله في سرياته واعتمده في مهماته وبعثه الى سويلم بن حبيب بتجريدة فلم يزل يحاربه حتى هزمه وفر الى البحيرة فلحقه هناك ولم يزل يتبعه ويرصده حتى قتله وحضر برأسه الى مخدومه وذلك في أواخر سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف‏.‏

وسافر الى الشام صحبة محمد بك أبي الذهب لمقاتلة عثمان باشا ابن العظم وأغاروا على البلاد الشامية وحاربوا يافا أربعة أشهر حتى ملكوها وسافر قبل ذلك في تجاريد الصعيد وحضر غالب مواقف الحروب مع محمد بك ومستقلًا الى أن بدت الوحشة بين محمد بك وسيده علي بك وخرج مع محمد بك الى الصعيد وجرى بينهما الدم بقتله أيوب بك فأخرج إليه علي بك جردة عظيمة احتفل بها احتفالًا زائدًا وأميرها المترجم فلما التقى الجمعان ألقى عصاه وخامر على مولاه وانضم بمن معه الى محمد بك فشد عضده وخان مخدومه وحصل ما حصل من تقلبهم واستيلائهم كما ذكر واستمر مع محمد بك يراعي حرمته ويقدمه على نفسه ولا يبرم أمرًا إلا بعد مشاورته ومراجعته وتقلد الدفتردارية وأميرًا على الحج سنتين بشهامة وسير حسن ولما مات محمد بك لم تطمح نفسه للتصدر في الرياسة والإمارة بل تركها لأتباعه وقنع بحاله وإقطاعه ولزم داره التي عمرها بالأزبكية فناكدوه وطمعوا فيما لديه وقصد مراد بك اغتياله فخرج الى خارج وتبعه المغرضون له ويوسف بك وغيره وحصل ما هو مسطر ومشروح في محله من تملكه وقتله يوسف بك واسمعيل بك الصغير بمساعدة العلوية ثم غدروا به حتى آل الأمر به الى الخروج الى البلاد الشامية وافتراق جمعه ثم سافر الى الروم مع بعض أتباعه ومماليكه وذهب منه غالب ما اجتمع لديه من الأموال وذهب الى اسلامبول فأقام بها مدة ثم نفوه الى شنق قلعة وخرج منها بحيلة تحيلها على حاكمها ثم ركب البحر الى درنة ووصل خبر ذلك الى الأمراء بمصر فخرج مراد بك ليقطع عليه الطريق الموصلة الى قبلي وأرصد له عيونًا ينتظرونه بالطريق وأقام على ذلك شهورًا فلم يقفوا له على خبر وهو يتنقل عند العربان حتى أنه اختفى عند بعضهم نيفًا وأربعين يومًا في مغارة ثم أنه تحيل وأرسل من ألقى الى مراد بك أنه مر من الجهة الفلانية بمعرفة الرصد المقيمين فحنق مراد بك وركب في الحال ليقطع عليه الطريق وتفرق الجمع من ذلك المكان فعند ذلك اجتاز اسمعيل بك ذلك الموضع وعداه في زي بعض العربان وخلص الى القضاء الموصل للبلاد القبلية وذهب مراد بك في نهاية مشواره فلم ير أثرًا لذلك الخبر فرجع الى المكان الذي عرفوه سلوكه فوجد المرابطين على ما هم عليه من التيقظ الى أن تحقق عنده أنه تحيل بذلك ومر وقت ارتحال مراد بك من ذلك الموضع فرجع بخفي حنين ولم يزل حتى كان ما كان ووصل حسن باشا على الصورة المتقدمة ورجع الى مصر وتملكها واستقل بإمارتها بعد ثغر به تسع سنين ومقاساته الشدائد وظن أن الوقت قد صفا له واستكثر من شراء المماليك واحترقت داره وبناها أحسن مما كانت عليه وحصن المدينة وسورها من عند طرا والجيزة وحصنها تحصينًا عظيمًا من الجبل الى البحر من الجهتين حتى أنه لما أصيب بالطاعون أحضر أمراءه وقال لعثمان بك طبل بحضرتهم أنت كبير القوم الباقية فافتح عينك وشد حيلك فإني حصنت لكم البلد وصيرتها بحيث لو ملكتها امرأة لم يقدر عليها عدو وتمرض يومين ومات في الثالث سادس عشر شعبان من السنة وكان أميرًا جليلًا كفؤًا للإمارة جهوري الصوت عظيم الهمة بعيد الغور كبير التدبير يحب الصلحاء والعلماء ويتأدب معهم ويواسيهم ويقبل شفاعتهم ويكرمهم وله فيهم اعتقاد عظيم حسن ولما مات غسل وكفن وصلي عليه في مصلى المؤمنين ودفن بتربة علي بك مع سيدهما ابراهيم بك كتخدا بالقبر من ضريح الإمام الشافعي بالقرافة ولم يفلح بعده خليفته عثمان بك وأضاع مملكته وسلمها لأخصامه وأخصام سيده‏.‏

ومات الأمير رضوان بك وهو ابن أخت علي بك الكبير أمره وقلده الصنجقية وجعله من الأمراء الكبار فلما مات خاله واستقل بالمملكة محمد بك انزوى وارتفعت عنه الآمرية وأقام بطالًا هو وحسن بك الجداوي مدة أيام محمد بك فلما مات محمد بك وظهر بالإمارة ابراهيم بك ومراد بك لم يزل على خموله الى أن وقع التفاقم بينهم وبين اسمعيل بك فانضم هو وحسن بك الى اسمعيل بك وساعداه فرد لهما آمرياتهما ونوه بشأنهما ثم نافقا عليه وخذلاه عندما سافر معهما الى قبلي وكانا هما السبب في غربته المدة الطويلة كما ذكر ثم وقع لهما ما وقع مع المحمدية وذهبا الى الجهة القبلية وأقاما هناك فلما رجع اسمعيل بك من غيبته انضم إليهما ثانيًا ولم يزل معهما وافترق منهما المترجم وحضر الى مصر وانضم الى المحمدية ولما حضر حسن باشا وخرج معهم رجع ثانيًا بأمان واستمر بمصر حتى حضر اسمعيل بك وحسن بك فأقام معهم أميرًا ومتكلمًا وتصادق مع علي بك كتخدا الجاويشية وعقد معه المؤاخاة ونزل مرارًا الى الأقاليم وعسف بالبلاد ولما سافر حسن باشا وخلالهما الجو فجر وتجبر وصار يخطف الناس ويحبسهم ويصادرهم في أموالهم تعدى شره لكثير من الفقراء ولم يزل هذا شأنه حتى أطفأ صرصر الموت شعلته وحل بساحته الطاعون ولم يفلته وأراح الله منه العباد وكان أشقر خبيثًا‏.‏

ومات الأمير الأصيل رضوان بك بن خليل بن ابراهيم بك بلفيا من بيت المجد والعز والسيادة والرياسة وبيتهم من البيوت الجلية القديمة الشهيرة بمصر ولم يكن بمصر بيت عريق في الإمارة والسيادة إلا بيتهم وبيت قصبة رضوان وجميع أمراء مصر تنتهي سلسلتهم إليهما وبيت القازدغلية أصل منشتهم ومغرس سيادتهم من بيت بلفيا كما تقدم لأن ابراهيم بك بلفيا جد المترجم مملوك مصطفى بك ومصطفى بك مملوك حسن آغا بلغيا وهو سيد مصطفى كتخدا القازدغلي ومصطفى هذا كان سراجًا عند حسن آغا ورقاه وأمره حتى جعله كتخذا باب مستحفظان ونما أمره وعظم شأنه وباض وأفرخ فجميع طائفة القازدغلية تنتهي نسبتهم إليه كما ذكر ذلك غير مرة ولما توفي خليل بك والد المترجم في سنة خمس وثمانين بالحجاز في إمارته على الحج وترك أخاه عبد الرحمن آغا وولده رضوان هذا ورجع بالحج عبد الرحمن آغا المذكور وبعد استقرارهم اجتمعت أعيان بيتهم وأرادوا تقليد عبد الرحمن آغا صنجقًا عوضًا عن أخيه فأبى ذلك فاتفقوا على تقليد ابن أخيه رضوان المذكور فكان كذلك وقلدوه الإمارة وفتح بيتهم وأحيا مآثرهم وانضم إليه أتباعهم وسار سيرًا حسنًا بعقل ورياسة لولا لثغة في لسانه وتقلد أمير الحج سنة 1192 وكان كفؤًا لها وطلع ورجع في أمن وراحة ورخاء ولم يزل في سيادته حتى توفي في هذه السنة واضمحل بيتهم بموته وماتت أعيانهم وعظماؤهم وخرب البيت بالكلية وانمحت آثارهم وانطفأت أنوارهم وبطلت خيراتهم وخمدت حركاتهم ومن جملة ما رأيته من خيراتهم وخمدت حركاتهم ومن جملة ما رأيته من خيراتهم في أيام رضوان بك هذا مائة قارئ من الحفظة يقرأون القرأن كل يوم في الأوقات الخمسة في كل وقت عشرون قارئًا وقس على ذلك‏.‏

ومات الأمير سليمان بك المعروف بالشابوري وأصله من مماليك سليمان كاويش القازدغلي فهو خشداش حسن كتخدا الشعراوي تقلد الإمارة والصنجقية سنة تسع وستين ونفي مع حسن كتخدا المذكور وأحمد جاويش المجنون كما تقدم في سنة ثلاث وسبعين فلما كانت أيام علي بك وورد من الديار الرومية طلب الإمداد من مصر للغز وأرسل علي بك فأحضر المترجم وقلده إمارة السفر فخرج بالعسكر في موكب على العادة القديمة وسافر بهم الى الديار الرومية وذلك سنة ثلاث وثمانين ورجع بعد مدة وأقام بطالًا محترمًا مرعي الجانب ينافق كبار الدولة وانضم الى مراد بك فكان يجالسه ويسامره ويكرمه المذكور فلما حضر حسن باشا كان هو من جملة المتآمرين فلما استقر اسمعيل بك في إمارة مصر اعتنى به وقدمه ونظمه في عداد ومات الأمير الجليل عبد الرحمن بك عثمان وهو مملوك عثمان بك الجرجاوي الذي قتل في واقعة قراميدان أيام حمزة باشا سنة تسع وسبعين كما تقدم فقلدوا عبد الرحمن هذا عوضه في الصنجقية فكان كفؤًا لها وكان متزوجًا ببنت الخواجا عثمان حسون التاجر العظيم المشهور المتوفى في أيام الأمير عثمان بك ذي الفقار وخلف منها ولده حسن بك وكان المترجم حسن السيرة سليم الباطن والعقيدة محبوب الطباع جميل الصورة وجيه الطلعة وكان محمد بك أبو الذهب يحبه ويجله ويعظمه ويقبل قوله ولا يرد شفاعته وكان يميل بطبعه الى المعارف ويحب أهل العلم والفضائل ويجيد لعب الشطرنج ومن مآثره أنه عمر جامع أبي هريرة الذي بالجيزة على الصفة التي هو عليها الآن وبنى بجانبه قصرًا وذلك في سنة ثمان وثمانين ولما أتمه وبيضه عمل به وليمة عظيمة وجمع علماء الأزهر في يوم الجمعة وبعد انقضاء الصلاة صعد شيخنا الشيخ علي الصعيدي على كرسي وأملى حديث من بنى لله مسجدًا بحضرة الجمع وكان شيخنا السيد محمد مرتضى حاضرًا وباقي العلماء والمشايخ والحقير في جملتهم وكنت حررت له المحراب على انحراف القبلة ثم انتقلنا الى القصر ومدت الأسمطة وبعدها الشربات والطيب وكان يومًا سلطانيًا توفي رحمه الله في شعبان بمنزله الذي بقيسون جوار بيت الشابوري ودفن عند سيده بالقرافة‏.

ومات في أثره ولده حسن بك المذكور وكان فطنًا نجيبًا ويكتب الخط الجيد ويميل بطبعه الى الفضائل وذويها منزهًا عما لا يعنيه من النقائص والرذائل عوض الله شبابه الجنة ومات الأمير سليم بك الاسماعيلي من مماليك اسمعيل بك قلده الإمارة في سنة إحدى وتسعين وخرج مع سيده الى الشام ثم رجع الى مصر بعد سفر سيده الى الروم وأقام بها بطالًا في بيته بجوار المشهد الحسيني ببعض خدم قليلة ويذهب الى المسجد في الأوقات الخمسة فيصلي مع الجماعة ويتنقل كثيرًا ولم يزل على ذلك حتى رجع سيده الى مصر فرد له إمارته ورجع الى داره الكبيرة وتقلد إمارة الحج في سنة اثنتين ونزل الى إقليم المنوفية وجمع المال والجمال ورجع وطلع بالحج وعاد في أمن وأمان ولم يزل في إمارته حتى توفي بالطاعون في هذه السنة وكان طوالًا جسيمًا خيره أقرب من شره‏.‏

ومات الأمير علي بك المعروف بجركس الاسماعيلي وهو من مماليك اسمعيل بك أيضًا وقلده الإمارة في مدته السابقة وأسكنه ببيت صالح بك الذي بالكبش ولما تغرب سيده حضر الى مصر وأقام خاملًا وسكن بالكعكين وكان لطيفًا مهذبًا خفيف الروح ضحوك السن يحب العلماء والصلحاء ويتأدب معهم ويكرمهم ولما مات خشداشة ابراهيم بك قشطة تزوج بعده بزوجته بنت اسمعيل بك ولم يزل حتى توفي بعد سيده بأيام قليلة‏.‏

ومات الأمير غيطاس بك وهو من بيت صالح بك تابع مصطفى بك القرد وكان يعرف أولًا بغيطاس كاشف تقلد الإمارة في سنة مائتين وتولى إمارة الحج في سنة 1201 فسار فيها سيرًا حسنًا وطلع بالحج ورجع مستورًا واستمر أميرًا الى أن مات على فراشه بالطاعون في بيته بخط باب اللوق فقلدوا بعده مملوكه صالح إمارته وهو موجود الى الآن في الأحياء وكان المترجم أميرًا جليلًا محتشمًا قليل التبسم من رآه ظنه متكبر السكون جاشه وكان لا بأس به في الجملة‏.‏ ومات

الأمير علي بك الحسني

وهو من مماليك حسن بك الجداوي قلده الإمارة في أيام حسن باشا وتزوج بزوجة مصطفى بك الداودية المعروف بالاسكندراني وكان لطيف الذات جميل الطباع سهل الانقياد قليل العناد توفي في رجب من السنة بالطاعون ودفن بالمشهد الحسيني بمدفن القضاة ووجدت عليه زوجته وجدًا كثيرًا‏.‏

ومات الأمير رضوان كتخدا وهو من مماليك أحمد كتخدا المجنون تنقل في المناصب حتى تولى كتخدائية الباب بجشمة وشهامة وعقل وسكون ولما استقل اسمعيل بك في إمارة مصر نوه بشأنه وأحبه وصار في تلك الأيام أحد المتكلمين المشار إليهم في الأمر والنهي ونفاذ الكلمة والرياسة وكان قريبًا الى الخير واشتهر أكثر من سيده وصار له أولاد وعزوة وأتباع ومماليك وبنى لأكبر أولاده دارًا بدرب سعادة وسكن هو في بيت أستاذه توفي في أواخر شهر شعبان ومات الأمير عثمان آغا مستحفظان الجلفي وأصله من مماليك رضوان كتخدا الجلفي وتربى عند خليل بك شيخ البلد القازدغلي ولم يزل يتنقل في خدم الأمراء ومعاشرتهم حتى تقلد الأغاوية في أيام اسمعيل بك ثم عزل عنها وتولاها ثانيًا أيامًا قليلة ومات أيضًا بالطاعون وخلف شيئًا كثيرًا من المال والنوال أخذه جميعه حسن بك الجداوي لأنه كان منضويًا إليه وفي طريقتهم أنهم يرثون من يكون منسبًا إليهم أو جارًا لهم وكان إنسانًا لا بأس به ومحضره خير ويحب اقتناء الكتب والمسامرة في الأخبار والنوادر مع ما فيه من نوع البلادة‏.‏

ومات الأمير المبجل حسن أفندي شقبون كاتب الحوالة وأصله مملوك أحمد أفندي مملوك مصطفى أفندي شقبون نشأ في الرياسة وخدمة الوزراء والأكابر وحاز شيئًا كثيرًا من الكتب النفيسة والتي بخط الأعاجم والفارسية والخطوط التعليق المكلفة والمذهبة والمصورة مثل كليلة ودمنة وشاهنامة وديوان حافظ والتواريخ التي من هذا القبيل المصور بها صور الملوك البديعة الصنعة والإتقان الغالية الثمن النادرة الوجود وكان قريبًا الى الخير محتشمًا في نفسه توفي أيضًا بالطاعون وتبددت كتبه وذخائره‏.‏

ومات الأمير محمد آغا البارودي وهو مملوك أحمد آغا مملوك ابراهيم كتخدا القازدغلي رباه سيده وجعله خازنداره وعقد له على ابنته فلما توفي سيده في سنة ثمان وثمانين طلقها وتزوج بزوجة سيده هانم بنت ابراهيم كتخدا من الست البارودية وهي أم أولاده ابراهيم وعلي ومصطفى الذين تقدم ذكرهم والتي كان عقد عليها كانت من غيرها فتزوجها حسن كاشف من أتباعهم تنبه المترجم وتداخل في الأمراء والأكابر وانضوى الى حسن كتخدا الجربان عندما كان كتخدا مراد بك فقلده في الخدم والقضايا وأعجبه سياسته وحسن سعيه فارتاح إليه وكان حسن كتخدا المذكور تعتريه النوازل فينقطع بسببها أيامًا بمنزله فينوب عنه المترجم في الكتخدائية عند مراد بك فيحسن الخدمة والسياسة وتنميق الأمور ويستجلب له المصالح فأحبه وأعجب به وقلده الأمور الجسيمة وجعله أمين الشون فعند ذلك اشتهر ذكره ونما أمره واتسع حاله وانفتح بيته وقصدته الناس وتردد إليه الأعيان في قضاء الحوائج ووقفت ببابه الحجاب واتخذ له ندماء وجلساء من اللطفاء وأولاد البلد يجلس معهم حصة من الليل ينادمونه ويسامرونه ويضاحكونه ويشرب معهم وماتت زوجته ابنة سيد سيده من بنت البارودي فزوجه مراد بك أكبر محاظيه أم ولده أيوب وأتت الى بيته بجهاز عظيم وصار بذلك صهرًا لمراد بك وزادت شهرته ورفعته فلما حصلت الحوادث ووصل حسن باشا وخرج مراد بك من مصر فلم يخرج معه واستمر بمصر وقبض عليه اسمعيل بك وحبسه مع عمر كاشف ببيته ثم نقلهما الى القلعة بباب مستحفظان مدة فلم يزل المترجم حتى صالح عن نفسه وأفرج عنه وتقيد بخدمة اسمعيل بك وتداخل معه حتى نصبه في كتخدائيته وأحبه واحتوى علي عقله فسلم إليه قياده في جميع أشغاله وارتاح إليه وجعله أمين الشون والضربخانة وغيرهما فعظم شأنه وارتفع قدره وطار صيته بالأقاليم المصرية وكثر الازدحام ببابه وجبيت إليه الأموال وصار الإيراد إليه والمصرف من يده فيصرف جماكي العسكر ولوازم الدولة وهداياها ومصاريف العمائر والتجاريد واحتياجات أمير الحاج وغير ذلك بتؤدة وزياقة وحسن طريقة من غير جلبة ولا عسف ولا شعور لأحد من الناس بشيء من ذلك وكل شيء سأل عنه مخدومه أو أشار بطلبه أو فعله وجده حاضرًا ولم يشتغل أمراء الحاج في زمن اسمعيل بك بشيء من لوازم الحج بل كان هو يقضي جميع اللوازم من الجمال والأرحال والقرب والخيش والعليق والذخيرة التي تسافر في البحر والبر وعوائد العرب وكساويهم والهجن والبغال وأرباب الصيت وغير ذلك ليلًا ونهارًا في أماكن بعيدة عن داره تحت أيدي مباشريه الذين وظفهم وأقامهم في ذلك بحيث إذا اقتضى لأحدهم شيئًا أتاه وأسر له في أذنه فيوجهه بطرف كلمة ولا يشعر أحد من الجالسين معه بشيء وإذا كان وقت خروج المحمل فلا يرى أمير الحاج إلا جميع احتياجاته ولوازمه حاضرة مهيأة على أتم ما يكون وأكمله وزوج ابنة سيده لخازنداره علي آغا وعمل لهما مهمًا عظيمًا عدة أيام وحضر اسمعيل بك والأمراء والأعيان وأرسلوا إليه الهدايا العظيمة وكذلك جميع التجار والنصارى والكتاب القبط ومشايخ البلدان وبعد تمام أيام العرس ولياليه بالسماعات والآلات والملاعيب والنقوط عملوا للعروس زفة بهيئة لم يسبق نظيرها ومشى جميع أرباب الحرف وأرباب الصنائع من كل طائفة عربة وفيها هيئة صناعتهم ومن يشتغل فيها مثل القهوجي بآلته وكانونه والحلواني والفطايري والحباك والقزاز بنول حتى مبيض النحاس والحيطان والمعاجيني وبياعين البز وأرباب الملاهي والنساء المغنيين وغيرهم كل طائفة في عربة وكان مجموعها نيفًا وسبعين حرفة وذلك خلاف الملاعيب والبهالوين والرقاصين والجنك ثم الموكب وبعده الأغوات والحريم والملازمون والسعاة والجاويشية وبعدها عربة العروس من صناعة الإفرنج بديعة الشكل وبعدها مماليك الخزنة والملبسون الزروخ وبعدهم النوبة التركية والنفيرات وكانت زفة غريبة الوضع لم يتفق مثلها بعدها وبلغ المترجم في هذه الأيام من العظمة ما لم يبلغه أحد من نظرائه وكان إذا توجهت همته الى أي شيء أتمه على الوجه الذي يريد ويقبل الرشوة وإذا أحب إنسانًا قضى له أشغاله كائنة ما كانت من غير شيء فلما مات مخدومه اسمعيل بك وتعين في الإمارة بعده عثمان بك طبل استوزره أيضًا وسلمه قياده في جميع أموره وهو الذي أشار عليه بممالأته الأمراء القبليين عندما تضايق خناقه من حسن بك الجداوي ومناكدته له فكاتبهم سرًا بسفارته وأطعمهم في الحضور وتمكينهم من مصر ومات المترجم في أثناء ذلك في غرة رمضان وذلك بعد ومات الصنو الوحيد والفريد النبيه محمد أفندي بن سليمان أفندي ابن عبد الرحمن أفندي بن مصطفى أفندي ككليويان ويقال لها في اللغة العامية جمليان نشأ في عفة وصلاح وخير وطلب العلم وعانى الجزئيات والرياضيات ولازم الشيخ المرحوم الوالد وقرأ عليه كثيرًا من الحسابيات والفلكيات والهيئة والتقويم ومهر في ذلك وانتظم في عداد أرباب المعارف واشترى كتبًا كثيرة في الفن واستكتب وكتب بخطه الحسن واقتنى الآلات والمستظرفات وحسب وقوم الدساتير السنوية عشرة أعوام مستقبلة بأهلتها وتواريخها وتواقيعها ورسم كثيرًا من الآلات الغريبة والمنحرفات وكان شغله وحسابه في غاية الضبط والصحة والحسن وكان لطيف الذات مهذب الأخلاق قليل الادعاء جميل الصحبة وقورًا مات أيضًا بالطاعون في شعبان وتبددت كتبه وآلاته‏.‏

ومات أيضًا الخدن الشقيق والمحب الشفيق النجيب الأريب الأمير رضوان الطويل وهو من مماليك علي كتخدا الطويل وكان من هذا القبيل متولعًا من صغره بهذا الفن وقرأ على الشيخ المتقن الشيخ عثمان الورداتي وغيره وأنجب وحسب ورسم واشتغل فكره بذلك ليلًا نهارًا ورسم الأرباع الصحيحة المتقنة الكبيرة والصغيرة والمزاول والمنحرفات وغير ذلك من الآلات المبتكرة والرسميات الدقيقة واتسع باعه في ذلك واشتهر ذكره الى أن قطفت يد الأجل نواره ومات الجناب المكرم والاختيار المعظم الأمير اسمعيل أفندي الخلوتي اختيار جاويشان كان رجلًا من أعيان الاختيارية في وقته معروفًا صاحب حشمة ووقار ومعرفة بالسياسة وأمور الرياسة ولم يزل حتى توفي في شهر شعبان سنة 1205 بالطاعون‏.‏

ومات أيضًا الجناب المكرم محمد أفندي باشقلفة وهو مملوك يوسف أفندي باشقلفة وخشداش محمد أفندي ثاني قلفة وعبد الرحمن أفندي وكان مليح الذات جميل الصفات تقلد كتابة هذا القلم عندما تلبس السيد محمد باشقلفة بكتابة الروزنامه فسار فيها سيرًا حسنًا وحمدت مساعيه الى أن وافاه الحمام وسارت نواعيه‏.‏

ومات أيضًا النبيه اللطيف والمفرد العفيف أحمد أفندي الوزان بالضربخانة وكان إنسانًا حسنًا جميل الأوضاع مترهف الطباع محتشمًا وقورًا ودودًا محبوبًا لجميع الناس‏.‏

سنة ست ومائتين وألف استهل شهر محرم بيوم الأربعاء وفيه عينوا صالح آغا كتخدا الجاويشية الى السفر الى الديار الرومية وصحبته هدية وشربات وأشياء وصالح آغا هذا هو الذي بعثوه قبل ذلك لإجراء الصلح على يد نعمان أفندي ومحمود بك وكاد أن يتم ذلك وأفسد ذلك حسن باشا ونفي نعمان أفندي بذلك السبب وذلك قبل موت حسن باشا بأربعة أيام فلما رجعوا الى مصر في هذه المرة عينوه أيضًا للإرسالية لسابقته ومعرفته بالأوضاع وكان صالح آغا هذا عندما حضروا الى مصر سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته فلما كان خامس المحرم ركب الأمراء لوداعه ونزل من مصر القديمة‏.‏

وفيه هبط النيل ونزل مرة واحدة وذلك في أيام الصليب ووقف جريان الخليج والترع وشرقت الأراضي فلم يرو منها إلا القليل جدًا فارتفعت الغلال من السواحل والرقع وضجت الناس وأيقنوا بالقحط وأيسوا من رحمة الله وغلا سعر الغلة من ريالين الى ستة وضجت الفقراء وعيطوا على الحكام فصار الآغا يركب الى الرقع والسواحل ويضرب المتسببين في الغلة ويسمرهم في آذانهم ثم صار ابراهيم بك يركب الى بولاق ويقف بالساحل وسعر الغلة بأربعة ريال الأردب ومنعهم من الزيادة على ذلك فلم ينجح وكذلك مراد بك كرر الركوب والتحريج على عدم الزيادة فيظهرون الامتثال وقت مرورهم فإذا التفتوا عنهم باعوا بمرادهم وذلك من كثرة ورود الغلا ودخول المراكب وغالبها للأمراء وينقلونها الى المخازن والبيوت وفي أوائل صفر وصل قاصد وعلى يده مرسوم بالعفو والرضا عن الأمراء فعملوا الديوان عند الباشا وقرأوا المرسوم وصورة ما بنى عليه ذلك أنه لما حضر السيد عمر أفندي بمكاتبتهم السابقة الى الباشا يترجون وساطته في إجراء الصلح أرسل مكاتبة في خصوص ذلك من عنده وذكر فيها أن من بمصر من الأمراء لا طاقة لهم بهم ولا يقدرون على منعهم ودفعهم وأنهم واصلون وداخلون على كل حال فكان هذا المرسوم جوابًا عن ذلك وقبول شفاعة الباشا والإذن لهم بالدخول بشرط التوبة والصلح بينهم وبين إخوانهم فلما فرغوا من قراءة ذلك ضربوا شنكًا ومدافع‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر حضر الشيخ الأمير الى مصر من الديار الرومية ومعه مرسومات خطابًا للباشا والأمراء فركب المشايخ ولاقوه من بولاق وتوجه الى بيته ولم يأت للسلام عليه أحد من الأمراء وأنعمت عليه الدولة بألف قرش ومرتب بالضربخانة في كل يوم وقرأ هناك البخاري عند الآثار الشريفة بقصد النصرة‏.‏

وفي شهر ربيع الأول عمل المولد النبوي بالأزبكية وحضر مراد بك الى هناك واصطلح مع محمد أفندي البكري وكان منحرفًا عنه بسبب وديعته التي كان أودعها عنده وأخذها حسن باشا فلما حضر الى مصر وضع يده على قرية كان اشتراها الأفندي من حسن جلبي بن علي بك الغزاوي وطلب من حسن جلبي ثمن القرية الذي قبضه من الشيخ ليستوفي بذلك بعض حقه وطال النزاع بينهما بسبب ذلك ثم اصطلحا على قدر قبضه مراد بك منهما وحضر مراد بك وفيه عملوا ديوانًا عند الباشا وكتبوا عرضحال بتعطيل الميري بسبب شراقي البلاد‏.‏

وفيه سافر محمد بك الألفي الى جهة شرقية بلبيس‏.‏

وفيه حضر ابراهيم بك الى مسجد أستاذه للكشف عليه وعلى الخزانة وعلى ما فيها من الكتب ولازم الحضور إليه ثلاثة أيام وأخذ مفتاح الخزانة من محمد أفندي حافظ وسلمه لنديمه محمد الجراحي وأعاد لها بعض وقفها المرصد عليها بعد أن كانت آلت الى الخراب ولم يبق بها غير البواب أمام الباب‏.‏

وفي شهر ربيع الثاني قرروا تفريدة على تجار الغورية وطيلون وخان الخليلي وقبضوا على أنفار أنزلوهم الى التكية ببولاق ليلًا في المشاعل ثم ردوهم ووزع كبار التجار ما تقرر عليهم على فقرائهم بقوائم وناكد بعضهم بعضًا وهرب كثير منهم فسمروا دورهم وحوانيتهم وكذلك فعلوا بكثير من مساتير الناس والوجاقلية وضج الخلائق من ذلك‏.‏

وفي مستهل جمادى الأولى كتبوا فرمانًا بقبض مال الشراقي ونودي به في النواحي وانقضى شهر كيهك القبطي ولم ينزل من السماء قطرة ماء فحرثوا المزروع ببعض الأراضي التي طشها الماء وتولدت فيها الدودة وكثرت الفيران جدًا حتى أكلت الثمار من أعلى الأشجار والذي سلم من الدودة من الزرع أكله الفار ولم يحصل في هذه السنة ربيع للبهائم إلا في النادر جدًا ورضي الناس بالعليق فلم يجدوا التبن وبلغ حمل الحمار من قصل التبن الأصفر الشبيه بالكناسة الذي يساوي خمسة أنصاف قبل ذلك مائة نصف ثم انقطع مرور الفلاحين بالكلية بسبب خطف السواس واتباع الأجناد فصار يباع عند العلافين من خلف الضبة كل حفان بنصفين الى غير ذلك‏.‏

وفي حضر صالح آغا من الديار الرومية‏.‏

وفي شهر شوال سافر أيضًا بهدية ومكاتبات الى الدولة ورجالها‏.‏

وفي شهر القعدة وردت الأخبار بعزل الصدر الأعظم يوسف باشا وتولية محمد باشا ملكًا وكان صالح آغا قد وصل الى الاسكندرية فغيروا المكاتبات وأرسلوها إليه‏.‏

وفيه حضر آغا بتقرير لوالي مصر على السنة الجديدة وطلع بموكب الى القلعة وعملوا له شنكًا‏.‏

وفي أواخر شهر الحجة شرع ابراهيم بك في زواج ابنته عديلة هانم للأمير ابراهيم بك المعروف بالوالي أمير الحج سابقًا وعمر لها بيتًا مخصوصًا بجوار بيت الشيخ السادات وتغالوا في عمل الجهاز والحلي والجواهر وغير ذلك من الأواني والفضيات والذهبيات وشرعوا في عمل الفرح ببركة الفيل ونصبوا صواري أمام البيوت الكبار وعلقوا فيها القناديل ونصب الملاعيب والملاهي أرباب الملاعيب وفردت التفاريد على البلاد وحضرت الهدايا والتقادم من الأمراء والأكابر والتجار ودعا ابراهيم بك باشا فنزل من القلعة وحضر صحبته خلع وفرًا ومصاغ للعروس من جوهر وقدم له ابراهيم بك تسعة عشر من الخيل منها عشرة معددة وسجة لؤلؤ وأقمشة هندية وشبقات دخان مجوهرة وعملوا الزفة في رابع المحرم يوم الخميس وخرجت من بيت أبيها في عربة غريبة الشكل صناعة الإفرنج في هيئة كمال من غير ملاعيب ولا خزعبلات والأمراء والكشاف وأعيان التجار مشاة أمامها‏.‏

وفيه حضر عثمان بك الشرقاوي وصحبته رهائن حسن بك الجداوي وهم شاهين بك وسكن في مكان صغير وآخرون‏.‏

وفيه وصلت الأخبار بأن علي بك انفصل من حسن بك ومن معه وسافر على جهة القصير وذهب الى جدة‏.‏

وأما من مات في هذه السنة مات الإمام الذي لمعت أفق الفضل بوارقه وسقاه من مورده النمير عذبه ورائقه لا يدرك بحر وصفه الإغراق ولا تلحقه حركات الأفكار ولو كان لها في مضمار الفضل السباق العالم النحرير واللوذعي الشهير شيخنا العلامة أبو العرفان الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي ولد بمصر وحفظ القرآن والمتون واجتهد في طلب العلم وحضر أشياخ عصره وجهابذة مصره وشيوخه فحضر على الشيخ الملوي شرحه الصغير على السلم وشرح الشيخ عبد السلام على جوهرة التوحيد وشرح المكودي على الإلفية وشرح الشيخ خالد على قواعد الإعراب وحضر على الشيخ حسن المدابغي صحيح البخاري بقراءته لكثير منه وعلى الشيخ محمد العشماوي الشفا للقاضي عياض وجامع الترمذي وسنن أبي داود وعلى الشيخ أحمد الجوهري شرح أم البراهين لمصنفها بقراءته لكثير منها وعلى الشيخ السيد البليدي صحيح مسلم وشرح العقائد النسفية للسعد التفتازاني وتفسير البيضاوي وشرح رسالة الوضع للسمرقندي وعلى الشيخ عبد الله الشبراوي تفسير البيضاوي وتفسير الجلالين وشرح الجوهرة للشيخ عبد السلام وعلى الشيخ محمد الحفناوي صحيح البخاري والجامع الصغير وشرح المنهج والشنشوري على الرجبية ومعراج النجم الغيطي وشرح الخزرجية لشيخ الإسلام وعلى الشيخ حسن الجبرتي التصريح على التوضيح والمطول ومتن الجغميني في علم الهيئة وشرح الشريف الحسيني على هداية الحكمة قال‏:‏ وقد أخذت عنه في الميقات وما يتعلق به وقرأت فيه رسائل عديدة وحضرت عليه في كتب مذهب الحنفية كالدر المختار على تنوير الأبصار وشرح ملا مسكين علي الكنز وعلى الشيخ عطية الأجهوري شرح المنهج مرتين بقراءته لأكثره وشرح جمع الجوامع للحلي وشرح التلخيص الصغير للسعد وشرح الأشموني على الألفية وشرح السلم للشيخ الملوي وشرح الجزرية لشيخ الإسلام والعصام على السمرقندية وشرح أم البراهين للحفصي وشرح الآجرومية لريحان آغا وعلى الشيخ على العدوي مختصر السعد على التلخص وشرح القطب على الشمسية وشرح شيخ الإسلام على ألفية المصطلح بقراءته لأكثره وشرح بن عبد الحق على ابسملة لشيخ الإسلام ومتن الحكم لابن عطاء الله رحمهم الله تعالى أجمعين قال‏:‏ وتلقيت طريق القوم وتلقين الذكر على منهج السادة الشاذلية على الأستاذ عبد الوهاب العفيفي المرزوقي وقد لازمته المدة الطويلة وانتفعت بمدده ظاهرًا وباطنًا قال‏:‏ وتلقيت طريق ساداتنا آل وفا سقانا الله من رحيق شرابهم كؤوس الصفا عن ثمرة رياض خلفهم ونتيجة أنوار شرفهم على الأكابر والأصاغر ومطمح أنظار أولي الأبصار والبصائر أبي الأنوار محمد السادات ابن وفا نفحنا الله وإياه بنفحات جده المصطفى وهو الذي كناني على طريقة أسلافه بأبي العرفان وكتب لي سنده عن حاله السيد شمس الدين أبي الإشراق عن عمه السيد أبي الخير عبد الخالق عن أخيه السيد أبي الإرشاد يوسف عن والده الشيخ أبي التخصيص عبد الوهاب عن ولد عمه السيد يحيى أبي اللطف الى آخر السند هكذا نقلته من خط المترجم رحمه الله تعالى ولم يزل المترجم يخدم العلم ويدأب في تحصيله حتى تمهر في العلوم العقلية والنقلية وقرأ الكتب المعتبرة في حياة أشياخه وربى التلاميذ واشتهر بالتحقيق والتدقيق والمناظرة والجدل وشاع ذكره وفضله بين العلماء بمصر والشام وكان خصيصًا بالمرحوم الشيخ الوالد اجتمع به من سنة سبعين ومائة وألف ولم يزل ملازمًا له على حبه ومودته مع الحقير وانضوى الى أستاذنا السيد أبي الأنوار بن وفا ولازمه ملازمة كلية وأشرقت عليه أنواره ولاحت عليه مكارمه وأسراره ومن تآليف حاشيته على الأشموني التي سارت بها الركبان وشهد بدفتها أهل الفضائل والعرفان وحاشية على شرح العصام على السمرقندية وحاشية على شرح الملوي على السلم ورسالة في علم البيان ورسالة عظيمة في آل البيت ومنظومة في علم العروض وشرحها ونظم أسماء أهل بدر وحاشية على آداب البحث ومنظومة في مصطلح الحديث ستمائة بيت ومثلثات في اللغة ورسالة في الهيئة وحاشية على السعد في المعاني والبيان ورسالتان على البسملة صغرى وكبرى ورسالة في مفعل ومنظومة في ضبط رواة البخاري ومسلم وكان في مبدأ أمره وعنفوان عمره معانقًا للخمول والإملاق متكلًا على مولاه الرزاق يستجدي مع العفة ويستدر من غير كلفة وتنزل أيامًا في وظيفة التوقيت بالصلاحية بضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه عندما جدده عبد الرحمن كتخدا وسكن هناك مدة ثم ترك ذلك ولما بنى محمد بك أبو الذهب مسجده تجاه الأزهر تنزل المترجم أيضًا في وظيفة توقيتها وعمر له مكانًا بسطحها سكن فيه بعياله فلما اضمحل أمر وقفه تركه واشترى له منزلًا صغيرًا بحارة الشنواني وسكن به ولما حضر عبد الله أفندي القاضي المعروف بططر زاده وكان متضلعًا من العلوم والمعارف وسمع بالمترجم والشيخ محمد الجناحي واجتمعا به أعجب بهما وشهد بفضلهما وأكرمهما وكذلك سليمان أفندي الرئيس فعند ذلك راج أمر المترجم وأثرى حاله بالملابس وركب البغال وتعرف أيضًا باسمعيل كتخدا حسن باشا وتردد إليه قبل ولايته فلما أتته الولاية بمصر زاد في إكرامه وأولاه بره ورتب له كفايته في كل يوم بالضربخانة والجزية وخرجا من كلاره من لحم وسمن وأرز وخبز وغير ذلك وأعطاه كساوي وفراء وأقبلت عليه الدنيا وازداد وجاهة وشهرة وعمل فرحًا وزوج ابنه سيدي علي فأقبل عليه الناس بالهدايا وسعوا لدعوته وأنعم عليه الباشا بدراهم لها صورة وألبس ابنه فروة يوم الزفاف وكذا أرسل إليه طبلخانته وجاويشيته وسعاته فزفوا العروس وكان ذلك في مبادئ ظهور الطاعون في العام الماضي وتوعك الشيخ المترجم بعد ذلك بالسعال وقصبة الرئة حتى دعاه داعي الأكام وفجأة الحمام ليلة الثلاثاء من شهر جمادى الأولى من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بالبستان تغمده الله بالرحمة والرضوان وخلف ولده الفاضل الصالح الشيخ علي بارك الله فيه‏.‏

ومات السيد السند الإمام الفهامة المعتمد فريد عصره ووحيد شامه ومصره الوارد من زلال المعارف على معينها المؤيد بأحكام شريعة جده حتى أبان صبح يقينها السيد العلامة أبي المودة محمد خليل بن السيد العارف المرحوم علي بن السيد محمد بن القطب العارف بالله تعالى السيد محمد مراد بن علي الحسيني الحنفي الدمشقي أعاد الله علينا من بركات علومهم في الدنيا والآخر من بيت العلم والجلاة والسيادة والعز والرياسة والسعادة والمترجم وإن لم نره لكن سمعنا خبره ووردت علينا منه مكاتبات ووشى طروسه المحبرات وتناقل إلينا أوصافه الجميلة ومكارم أخلاقه الجليلة كان شامة الشام وغرة الليالي وأيام أورق عوده بالشام وأثمر ونشأ بها في حجر والده والدهر أبيض وقرأ القرآن على الشيخ سليمان الديركي المصري وطالع في العلوم والأدبيات واللغة التركية والإنشاء والتوقيع ومهر وأنجب واجتمعت فيه المحاسن الحسية والمزايا المعنوية مع ألطف خلق يسعى اللطف لينظر إليه ورقيق محاسن يقف الكمال متحيرًا لديه وأنا وإن لم يقع لي عليه نظر بالعين فسماع الأخبار إحدى الروايتين ولما توفي والده المرحوم تنصب مكانه مفتي الحنفية بالديار الشامية ونقيب الأشراف بإجماع الخاص والعام وسار فيها أحسن سير وزين بمآثره العلوم النقلية وملك بنقد ذهنه جواهرها السنية فكانت تتيه به على سائر البقاع بقاع الشام ويفتخر به عصره على جميع الليالي والأيام فلاتزال تصدح ورق الفصاحة في ناديها وتسير الركبان بما فيه من المحاسن رائحها وغاديها ونور فضله باد وموائده ممدودة لكل حاضر وباد وكان رحمه الله مغرمًا بصيد الشوارد وقيد الأوابد واستعلام الأخبار وجمع الآثار وتراجم العصرين على طريق المؤرخين وراسل فضلاء البلدان البعيدة ووصلهم بالهدايا والرغائب العديدة والتمس من كل جمع تراجم أهل بلاده وأخبار أعيان أهل القرن الثاني عشر يحسب وسع همته واجتهاده وكان هو السبب الأعظم الداعي لجمع هذا التاريخ على هذا النسق فإنه كان راسل شيخنا السيد محمد مرتضى والتمس منه نحو ذلك فأجابه لطلبته ووعده بأمنيته فعند ذلك تابعه بالمراسلات وأتحفه بالصلات المترادفات وشرع شيخنا المرحوم في جمع المطلوب بمعونة الفقير ولم يذكر السبب الحامل على ذلك وجمع الحقير أيضًا ما تيسر جمعه وذهبت به يومًا وعنده بعض الشاميين فأطلعته عليه فسر بذلك كثيرًا وطارحني وطارحته في نحو ذلك بسمع من المجالس ولم يلبث السيد إلا قليلًا وأجاب الداعي وتنوسي هذا الأمر شهورًا ووصل نعي السيد الى المترجم والصورة الواقعة وكانت أوراق السيد مختومًا عليها فعند ذلك أرسل إلي كتابًا وقرنه بهدية على يد السيد محمد التاجر القباقيبي يستدعي تحصيل ما جمعه السيد من أوراقه وضم ما جمعه الفقير وما تيسر ضمه أيضًا وإرساله وانتقل المترجم بعد ذلك لأمور أوجبت رحلته منها الى حلب الشهباء كما ذكر لي ذلك في مراسلاته في سنة خمس ومائتين وألف وهناك عصفت رياح المنية بروضه الخصيب وهصرت يد الردى يانع غصنه الرطيب فاحتضر وأحضر بأمر الملك المقتدر لازال جدثه روضة من رياض الجنان ولا برح مجرى لجداول الرحمة والرضوان وذلك في ومات

الإمام المفوه من غذي بلبان الفضل وليدًا

وعد لبيد إذا قيس بفصاحته بلديًا من له في المعالي أرومة وفي مغارس الفضل جرثومة الحسين ابن النور على بن عبد الشكور الحنفي الطائفي الحريري الفقه والإنشاء ويعرف بالمتقي من أولاد الشيخ علي المتقي مبوب الجامع الصغير من أكبر أصحاب الشيخ السيد عبد الله ميرغني ولد بالطائف وبها نشأ وتكمل في الفنون العرفانية وتدرج في المواهب الإحسانية وأحبه السيد عبد الله وتعلق بأذياله وشرب من صفو الأوهام وأخذ بالحرمين عن عدة علماء كرام وشارك في العلوم ونافس في المنطوق والمفهوم إلا أنه غلب عليه التصوف وعرف منه ما فيه الكمال والتصرف وبينه وبين شيخنا العيدروس مودة أكيدة ومحبة عتيدة ومحاورات ومذاكرات وملاطفات ومصافاة وقد ورد علينا مصر في سنة 174 وسكن ببيت الشيخ محسن على الخليج وكان يأتيه السيد العيدروس والسيد مرتضى وغيرهم فأعاد روض الأنس نضيرًا وماء المصافاة نميرًا ودخل الشام وحلب وبها أخذ عن جماعة في أشياء منهم السيد اسمعيل امواهبي فقد عده من شيوخه وأثنى عليه ودخل بلاد الروم وأنعم بالمروم وعاد الى الحرمين وقوض عن الأسفار الخيام‏.‏

ولليسد العيدروس قصيدة بائية أرسلها له وهي بليغة مطولة وغير ذلك مطارحات كثيرة وللمترجم مؤلفات حسان وكلها على ذوق أهل العرفان منها المنظومة التي تعرف بالصلاتية عجيبة وشرحها مزجًا كأصلها على لسان القوم ولما حج الشيخ التاودي بن سودة كتبها عنه ووصل بها المغرب ونوه بشأنها حتى كتبت منها عدة نسخ ونوه بشأن صاحبها حتى عين له سلطان المغرب بصرة في كل سنة تصل إليه مع الركب والناس في المترجم مختلفون فمنهم من يصفه بالبراعة والكمال وأولئك الذين رأوا كلامه فبهرهم نظامه ومنهم من يصفه بالحلول عن ربقة الانقياد ويرميه بالحلول والاتحاد وهو إن شاء الله تعالى مبرأ مما نسب إليه ولما اجتمع به العلامة محمد بن يعقوب بن الفاضل الشمشاري ونزل في منزله فكان أنيسًا له في سائر أحواله قال اختبرته حق الاختبار فلم أجد له إلا لسانًا وهو مثار وبعد أشهر تبرم عن ملازمته واتخذ له حجرة في الحرم وعزل نفسه عنه فالتزم وحكى لي من أموره أشياء غريبة والمترجم معذور فإن ساداتنا المغاربة ليس لهم تحمل في سماع كلام مثل كلامه لأنهم ألفوا ظاهر الشريعة ولم يدخل على أذهانهم نوادر أهل العرفان ولا تسوروا حصونها المنيعة ولأهل الروم فيه اعتقاد جميل ومواهبهم تصل إليه في كل قليل وكان له ولد يسمى جعفرًا ورد علينا مصر في سنة خمس وثمانين وأقام معنا برهة يغدو إلينا ويبيت ويروح لزيارة بعض أحباب أبيه بمصر ويذهب معنا لبعض المنتزهات إذ ذاك ولم يزل حتى اخترمته المنية سامحه الله ولم يخلف بعده مثله‏.‏

استهل المحرم بيوم الخميس والأمر في شدة من الغلاء وتتابع المظالم وخراب البلاد وشتات أهلها وانتشارهم بالمدينة حتى ملؤوا الأسواق والأزقة رجالًا ونساء وأطفالًا يبكون ويصيحون ليلًا ونهارًا من الجوع ويموت من الناس في كل يوم جملة كثيرة من الجوع وفيه أيضًا هبط النيل قبل الصليب بعشرة أيام وكان ناقصًا عن ميعاد الري نحو ذراعين فارتجت الأحوال وانقطعت الآمال وكان الناس ينتظرون الفرج بزيادة النيل فلما نقص انقطع أملهم واشتد كربهم وارتفعت الغلال من السواحل والعرصات وغلت أسعارها عما كانت وبلغ الأردب ثمانية عشر ريالًا والشعير بخمسة عشر ريالًا والفول بثلاثة عشر ريالًا وكذلك باقي الحبوب وصارت الأوقية من الخبز بنصف فضة ثم اشتد الحال حتى بيع ربع الويبة بريال وآل الأمر الى أن صار الناس يفتشون على الغلة فلا يجدونها ولم يبق للناس شغل ولا حكاية ولا سمر بالليل والنهار في مجالس الأعيان وغيرهم إلا مذاكرة القمح والفول والأكل ونحو ذلك وشحت النفوس واحتجب المساتير وكثر الصياح والعويل ليلًا ونهارًا فلا تكاد تقع الأرجل إلا على خلائق مطروحين بالأزقة وإذا وقع حمار أو فرس تزاحموا عليه وأكلوه نيًا ولو كان منتنًا حتى صاروا يأكلون الأطفال ولما انكشف الماء وزرع الناس البرسيم ونبت أكلته الدودة وكذلك الغلة فقلب أصحاب المقدرة الأرض وحرثوها وسقوها بالماء من السواقي والنطالات والشواديف واشتروا لها التقاوي بأقصى القيم وزرعوها فأكله الدود أيضًا ولم ينزل من السماء قطرة ولا أندية ولا صقيع بل كان في أوائل كيهلك شرودات وأهوية حارة ثقيلة ولم يبق بالأرياف إلاالقليل من الفلاحين وعمهم الموت والجلاء‏.‏

وفي أواخر شهر ربيع الأول حضر صالح آغا من الديار الرومية وعلى يده مرسومات بالعفو وثلاث خلع إحداها للباشا والأخريان لابراهيم بك ومراد بك فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسومات وضربوا مدافع وأحضر صحبته صالح آغا وكالة دار السعادة وانتزعها من مصطفى آغا واستولى على ملابلها‏.‏

وفيه وصلت غلال رومية وكثرت بالساحل فحصل للناس اطمئنان وسكون ووافق ذلك حصاد الذرة فنزل السعر الى أربعة عشر ريالًا الأردب وأما التبن فلا يكاد يوجد وإذا وجد منه شيء فلا يقدر من يشتريه على إيصاله لداره أو دابته بل يبادر لخطفه السواس وأتباع الأجناد في الطريق وإذا سمعوا واستشعروا بشيء منه في مكان كبسوا عليه وأخذوه قهرًا فكان غالب مؤونة الدواب قصب الذرة الناشف ويشرح الكثير من الفقراء والشحاذين في نواحي الجسور فيجمعون ما يمكنهم جمعه من الحشيش اليابس والنجيل الناشف ويأتون به ويطوفون به في الأسواق ويبيعونه بأغلى الأثمان ويتضارب على شرائه الناس وإن صادفهم السواس والقواسة وفيه وصلت الأخبار بأن علي بك الدفتردار لما سافر من القصير طلع على المويلح وركب من هناك مع العرب الى غزة وأرسل سرًا الى مصر وطلب رجلًا نصرانيًا من أتباعه فذهب إليه صحبة الهجان بمطلوبات وبعض احتياجات ولما وصل الى جهة غزة أرسل الى أحمد باشا الجزار يعلمه بوصوله فأرسل لملاقاته خيلًا ورجالًا فذهب إليه وصحبته نحو الثلاثين نفرًا لا غير فلما وصل الى قرب عكا خرج إليه أحمد باشا ولاقاه ووجهه الى حيفا ورتب لهم بها رواتب وأما مراد بك فإنه خرج الى بر الجيزة من أول السنة وجلس في قصر اسمعيل بك الذي عمره هناك واشتغل بعمل جبخانة وآلات حرب وبارود وجلل وقنابر وطلب الصناع والحدادين وشرع في إنشاء مراكب وغلايين رومية وزاد في بناء القصر ووسعه وأنشأ به بستانًا عظيمًا وغير ذلك وسافر عثمان بك الشرقاوي الى ثغر الاسكندرية وجبى الأموال في طريقه من البلاد‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشرين ربيع الآخر وخامس كيهك القبطي أمطرت السماء مطرًا متوسطًا وفرح به الناس‏.‏

وفي يوم السبت غرة جمادى الأولى عدى مراد بك من بر الجيزة فدخل الى بيته وأخبروا عن عثمان بك الشرقاوي أنه رجع الى رشيد ثم في رابعه حضر المذكور الى مصر وفي ليلة الخميس خرج مراد بك وابراهيم بك وباقي أمرائهم الى جهة العادلية فأقاموا أيامًا قليلة ثم ذهب مراد بك الى ناية أبو زعبل وكذلك ابرهيم بك الوالي وصحبته جماعة من الأمراء الى ناحية الجزيرة في وقت خروجهم نهب أتباعهم ما صادفوه من الدواب وصاروا يكبسون الوكائل التي بباب الشعرية ويأخذون ما يجدونه من جمال الفلاحين السفارة وحميرهم نهبًا فأما مراد بك فإنه لما وصل الى أبو زعبل وجد هناك طائفة من عرب الصوالحة في خيشهم لا جنية لهم فنهبهم وأخذ أغناهم ومواشيهم وقتل منهم نحو خمسة وعشرين شخصًا ما بين غلمان وشيوخ وأقام هناك يومًا وقبض على مشايخ البلد أبي زعبل وحبسهم وقرر عليهم غرامة أحد عشر ألف ريال ولم يقبل فيهم شفاعة أستاذهم وشتمه وضربه بالعصا وأما عرب الجزيرة فإنهم ارتحلوا من أماكنهم‏.‏

وفي شهر شعبان وقع الاهتمام بسد خليج الفرعونية بسبب احتراق البحر الشرقي ونضوب مائه وظهرت بالنيل كيمان رمل هايلة من حد المقياس الى البحر المالح وصار البحر الغربي سلسلو جدول تخوضه الأولاد الصغار ولا يمر به إلا صغار القوارب وانقطع الجالب من جميع النواحي إلا ما تحمله المراكب الصغار بأضعاف الأجرة وتعطلت دواوين المكوس فأرسلوا الى سد الترعة رجلًا مسلماني وصحبته جماعة من الإفرنج وأحضروا الأخشاب العظيمة ورتبوا عمل السد قريبًا من كفر الخضرة وركبوا آلات في المراكب ودقوا ثلاث صفوف خوابير من أخشاب طوال فلما أتموا ذلك كانت اصناع فرغت من تطبيق ألواح في غاية الثخن شبه البوابات العظام وهي مسمرة بمسامير عظيمة ملحومة بالرصاص وصفائح الحديد مثقوبة بثقوب مقاسة على ما يوازيها من نجوش منجوشة بالخوابير المركوزة في الماء فإذا نزلوا ببوابة ألحموها بتلك الخوابير وتبعتهم الرجال بالجوابي المملوءة بالحصا والرمل من أمام ومن خلف وتبع ذلك الرجال الكثرة بغلقان الأتربة والطين ففعلوا ذلك حتى قارب التمام ولم يبق إلا اليسير ثم حصل الفتور في العمل بسبب أن المبرش على ذلك أرسل لمراد بك بالحضور وليكون إتمامها بحضرته ويخلع عليه ويعطيه ما وعده به من الأنعام فلم يحضر مراد بك وغلبهم الماء وتلف جانب من العمل وكان أيوب بك الصغير حاضرًا وفي نفسه أن لا يتم ذلك لأجل بلاده فأصبح مرتحلًا وتركوا العمل وانفض الجمع وقد أقام العمل في ذلك من أوائل شعبان الى أواسط شوال ثم نزل إليها جماعة آخرون وطبوا جملة مراكب موسوقة بالأحجار وشرعوا في عمل سد المكان القديم عن فم الترعة ودقوا أيضًا خوابير كثيرة وألقوا أحجارًا عظيمة وفرغت الأحجار فأرسلوا بطلب غيرها فلم تسعفهم القطاعون فشرعوا في هدم الأبنية القديمة والجوامع التي بساحل النيل وقلعوا أحجار الطواحين التي بالبلاد القريبة من العمل واستمروا على ذلك حتى قويت الزيادة ولم يتم العمل ورجعوا كالأول وذهب في ذلك من الأموال والغرامات والسخرات وتلف من المراكب والأخشاب وفي أوائل شوال ورد الخبر بأن علي بك سافر من عند أحمد باشا الى اسلامبول صحبة قبجي معين فلما قرب من اسلامبول أرسلوا من وجهه الى برصا ليقيم بها ورتبوا له كفايته في كل شهر خمسمائة قرش رومي‏.‏

من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات السيد الإمام العارف القطب عفيف الدين أبو السيادة عبد الله ابن ابراهيم بن حسن بن محمد أمين بن علي ميرغني بن حسن بن مير خورد ابن حيدر بن حسن بن عبد الله بن علي بن حسن بن أحمد بن علي بن ابراهيم ابن يحيى بن عيسى بن أبي بكر بن علي بن محمد بن اسمعيل ابن ميرخورد البخاري بن عمر بن علي بن عثمان بن علي المتقي بن الحسن بن علي الهادي ابن محمد الجواد الحسيني المتقي المكي الطائفي الحنفي الملقب بالمحجوب ولد بمكة وبها نشأ وحضر في مباديه دروس بعض علمائها كالشيخ النخلي وغيره واجتمع بقطب زمانه السيد يوسف المهدلي وكان إذ ذاك أوحد عصره في المعارف فانتسب إليه ولازمه حتى رقاه وبعد وفاته جذبته عناية الحق وأرته من المقامات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فحينئذ انقطعت الوسايط وسقطت الوسائل فكان أويسيًا تلقيه من حضرة جده صلى الله عليه وسلم كما أشار الى ذلك شيخنا السيد مرتضى عندما اجتمع به بمكة في سنة 1163 وأطلعه على نسبه الشريف وأخرجه إليه من صندوق قال‏:‏ وطلبت منه الإجازة وإسناد كتب الحديث فقال‏:‏ غنى عنه‏:‏ قال فعلمت أنه أويسي المقام ومدده من جده عليه الصلاة والسلام وانتقل الى الطائف بأهله وعياله في سنة ست وستين وشرف تلك المشاهد ومآثر شهيرة ومفاخرة كثيرة وكراماته كالشمس في كبد السماء وكالبدر في غيهب الظلماء وأحواله في احتجابه عن الناس مشهورة وأخباره في زهده عن الدنيا على ألسنة الناس مذكورة ومن مؤلفاته كتاب فرائض وواجبات الإسلام لعامة المؤمنين والكوكب الثاقب وشرحه وسماه رفع الحاجب عن الكوكب الثاقب وله ديوانان متضمنان لشعره أحدهما المسمى بالعقد المنظم على حروف المعجم والثاني عقد الجواهر في نظم المفاخر ومنها المعجم الوجيز في أحاديث النبي العزيز صلى الله عليه وسلم اختصره من الجامع وذيله وكنوز الحقائق والبدر المنير وهو في أربعة كراريس وقد شرحه العلامة سيدي محمد الجوهري وقرأه دروسًا ومنها شرح صيغة القطب بن مشيش ممزوجًا وهو من غرائب الكلام ومنها مشارق الأنوار في الصلاة والسلام على النبي المختار توفي رضي الله عنه في هذه السنة‏.‏

ومات الشيخ الفاضل الصالح أحمد بن يوسف الشنواني المصري الشافعي المكنى بأبي العز المكتب الخطاط ويعرف أيضًا بحجاج وأمه الشريفة خاصكية ابنة القاضي جلبي بن أحمد العراقي من ذرية القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان الغرف بالمنوفية حفظ القرآن وجوده على الشيخ أحمد بن اسمعيل الأفقم ومهر فيه وأجيز فنسخ بيده كثيرًا من المصاحف ونسخ الدلائل والكتب الكبار منها الإحياء للغزالي والأمثال للميداني وانتفع الناس به طبقة بعد طبقة وفي غضون ذلك تردد على جملة من الشيوخ كالشهابين الملوي والجوهري وأخذ عنهما أشياء والشمس الحفني والشيخ حسن المدابغي ومحمد بن النعمان الطائي في آخرين وأحبوه وجاور بالحرم سنة ثم عاد الى مصر ولازم معنا كثيرًا على شيخنا السيد مرتضى في حضور الحديث فسمع البخاري بطرفيه ومسلمًا بطرفيه وسنن أبي داود الى قريب ثلثيه وغالب الشمائل للترمذي وثلاثيات البخاري وثلاثيات الدارمي والحلية لأبي نعيم من أوله الى مناقب العشرة وأجزاء كثيرة بحدودها في ضمن إجازته بأسانيدها وكان نعم الرجل صحبة وديانة وحفظًا للنوادر من الأشعار والحكايات وأصيب المترجم بكريمتيه عوضه الله دار الثواب من غير سابقة عذاب ولا عتاب توفي في سابع عشرين جمادى الأولى من السنة‏.‏

ومات الإمام الفقيه المحدث البارع المتبحر عالم المغرب الشيخ أبو عبد الله محمد بن الطالب بن سودة المري الفاسي التاودي ولد بفاس سنة 1128 وأخذ عن أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الناصري شارح الاكتفاء والشفاء ولامية الزقاق وغيرها والشهاب أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي قرأ عليهما الموطا وغيره والشهاب أحمد بن مبارك السجلماسي اللمطي قرأ عليه المنطق والكلام والبيان والأصول والتفسير والحديث وكان في أكثرها هو القارئ بين يديه مدة مديدة وأذن له في إقراء الصحيح في حياته فألقى دروسًا بين يديه وكان يوده ويسر به ويقدمه على سائر الطلبة ولما توفي ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى سنة خمس وخمسين ومائة وألف بالطاعون تزاحم ذو الوجاهات فيمن يلحده في قبره فكان الشيخ هو المتولي لذلك دون غيره وتلك كرامة له ورضوا بذلك قال‏:‏ وكلمته يومًا في شأن الحج متمنيًا له ذلك فقال لي مشيرًا الى شيخه سيدي عبد العزيز الدباغ إن الناس قالوا لي جعلناك في حق فلا تخرج من هذه البلدة وأنت ستحج وأعطيك ألف دينار وألف مثقال إن شاء الله تعالى قال‏:‏ ولم تك نفسي تحدثني بالحج يومئذ ولم يخطر ببال ومنهم الفقيه المتواضع صاحب التآليف أبو عبد الله محمد ابن قاسم جسوس لازمه مدة وقرأ عليه كتبًا منها رسالة بن أبي زيد ومختصر خليل ثلاث ختمات مع مطالعة شروح وحواش والحكم والشمائل وجميع الصحيح من غير فوت شيء منه ومنهم حافظ المذهب الفقيه القاضي أبو البقاء يعيش بن الزغاوي الشاوي قرأ عليه رجز بن عاصم ولامية الزقاق وطرفًا من الصحيح توفي سنة 1150 كان منزله بالدوخ في أطراف المدينة فنزل به اللصوص ليلًا فدافع عن حريمه وقاتلهم حتى قتل شهيدًا رحمه الله ومنهم قاضي الجماعة ومفتي الإمام أبو العباس أحمد بن أحمد الشدادي الحسني قرأ عليه المختصر الخليلي من أوله الى الوديعة أو العارية وسمع عليه بعض التفسير من أوله ومنهم الفقيه الزاهد القاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد التماق قرأ عليه رسالة ابن أبي زيد والحكم والتفسير من أوله الى سورة النساء ومنهم الإمام الناسك الزاهد أبو عبد الله محمد بن جلون قرأ عليه الآجرومية وختم عليه الألفية مرتين والمختصر الخليلي من أوله الى اليمين ولم يكن له نظير في الضبط والإتقان والتحرير وهو أول شيخ أخذ عليه وذلك قبل البلوغ وكان إذا قام من دروسه عرض على نفسه ما قاله فيجده لا يدع منه حرفًا واحدًا ومنهم سيبويه زمانه أبو عبد الله سيدي محمد ابن الحسن الجندوز قرأ عليه الألفية فكان يملي من حفظه في أثنائه الشروح والحواشي وشروح الكافية والتسهيل والرضى والمعنى والشواهد وغير ذلك مما يستجاد ويستغرب وقرأ عليه السلم والتلخيص ومن إنصافه أنه لما قرب أواخره بلغه أن الشيخ بن مبارك يريد أن يقرأه فقام مع جماعة وذهب إليه ليسمع منه وهذا من حسن إنصافه واعترافه بالحق ومنهم أبو العباس أحمد بن علال الوجاري قرأ عليه الألفية بلفظه ثلاث مرات وشيئًا من التسهيل والمغني وقد ذكر له بعض الشيوخ عن ابن هشام أنه قرأ الألفية ألف مرة فقال له بعض من سمعه‏:‏ وكم قرأتها قال‏:‏ أما المائة فجزتها فهؤلاء عشرة شيوخ كذا لخصتها من إجازة المترجم للشيخ أحمد ابن علي بن عبد الوهاب بن الحاج الفاسي في تاسع جمادى الثانية سنة ثلاث وألف وحج المترجم فقدم مصر سنة إحدى وثمانين ورجع سنة 1182 وعقد درسًا حافلًا بالجامع الأزهر برواق المغاربة فقرأ الموطأ بتمامه وحضره غالب الموجودين من العلماء وأجاد في تقريره وأفاد وسمع عليه الكثير أوائل الكتب الستة والشمائل والحكم وغيرها وأجاز ولقي بمكة أبا زيد عبد الرحمن بن أسلم اليمني وأبا محمد حسين بن عبد الشكور صاحب الشيخ عبد الله الميرغني والشيخ ابراهيم الزمزمي وغيرهم وبالمدينة أبا عبد الله محمد بن عبد الكريم السمان وأبا الحسن السندي وعبد الله جعفر الهندي وغيرهم وأجازوه وأجازهم وعاد الى مصر واجتمع بفاضلها كالجوهري والصعيدي وحسن الجبرتي والطحلاوي والسيد العيدروس والشيخ محمود الكردي وعيسى البراوي والبيومي والعربان وعطية الأجهوري وكان صحبته ولداه سيدي محمد وهو الأكبر وسيدي أبو بكر خالي العذار جميل الصورة وتردد على الشيخ الوالد كثيرًا وتلقى عنه بعض الرياضيات وترك عنده ولديه المذكورين مدة إقامته بمصر فكنا نطالع معهما سوية صحبة الشيخ سالم القيرواني والشيخ أحمد السوسي ونسهر غالب الليل نراعي المطالع والمغارب وممرات الكواكب بالسطح حذاء خيط المساترة ونراجع الشيخ فيما يشكل علينا فهمه وهو معنا في ناحية أخرى وأوقفت سيدي أبا بكر على طريق رسم ربع الدائرة المقنطر والمجيب توفي سيدي محمد بفاس سنة 1192 ومن تآليف المترجم حاشية قوله وأرخه الى آخره ابتداء التاريخ من الزاي الى زج مع حساب السنين بثلاثمائة على قاعدة المغاربة إلا أنه يزيد واحدًا عن سنة الوفاة فلعله مات سنة أربع وتسعين ومائة وألف كما يظهر ذلك بحساب التاريخ على البخاري في أربع مجلدات وحاشية على الزرقاني شارع خليل وشرحان على الأربعين النووية ومناسك حج وشرح الجامع لسيدي خليل وشرح تحفة بن عاصم في القضاء والأحكام والمنحة الثابتة في الصلاة الفائتة وفتح المتعال فيما ينتظم منه بيت المال وحاشية على بن جزي المفسر وحاشية على البيضاوي لم تكمل وشرح المشارق للصاغاني ومنظومة فيما يختص بالنساء وكلفه سلطان المغرب خطة القضاء في سنة 1203 فقبلها كرهًا وكانت فتاويه مسددة وأحكامه مؤيدة مع غاية التحرز والصيانة والإتقان وبالجملة فكان عين الأعيان في عصره ومصره شهير الذكر وافر الحرمة مهيب الصورة يغلب جلاله على جماله قليل التبسم ولما توفي مولاي محمد سلطان المغرب ووقع الاختلاف والاضطراب بين أولاده اجتمع الخاصة والعامة على رأي المترجم فاختار المولى سليمان وبايعه على الأمر بشرط السير على الخلافة الشرعية والسنن المحمدية وبايعه الكافة بعده على ذلك وعلى نصرة الدين وترك البدع والمظالم والمكوس والمحارم وكان كذلك ولم يزل المترجم على طريقته الحميدة حتى توفي في هذه السنة وتوفي بعده ابنه سيدي أبو بكر في سنة عشر ومائتين وألف ومات الإمام العلامة والوجيه الفهامة الشيخ أحمد بن محمد بن جاد الله ابن محمد الخناني المالكي البرهاني وجده الأخير يعرف بأبي شوشة وله مقام يزار بأم خنان بالجيزة نشأ في طلب العلم وحضر أشياخ الوقت ولازم السيد البليدي وصار معيدًا لدروسه بالأزهر والأشرفية وانتفع بملازمته له انتفاعًا كليًا وانتسب إليه وأجازه إجازة مطولة بخطه ونوه بشأنه فلما توفي شيخه المذكور تصدر لإقراء الحديث مكانه بالمشهد الحسيني واجتمع عليه الناس وحضره من كان ملازمًا لحضور شيخه من تجار المغاربة وغيرهم واعتقدوا صلاحه وتحبب إليهم وواسوه بالصلاة والزكوات والنذور وواظب الإقراء بالأزهر أيضًا وزيارة مشاهد الأولياء وإحياء لياليها بقراءة القرآن والذكر ويقوم‏:‏ دائمًا من الثلث الأخير من الليل ويذهب الى المشهد الحسيني ويصلي الصبح بغلس في جماعة وزاد اعتقاد الناس فيه واتسعت دنياه مع المداومة على استجلابها وإمساكها وبآخره اشترى دارًا عظيمة بحارة كنامة المعروفة الآن بالعينية بالقرب من الأزهر وانتقل إليها وسكنها وكان يخرج لزيارة قبور المجاورين في كل يوم جمعة قبل الشمس فنزل العرب في بعض الجمع الى بين الكيان فأراد الهروب وكان جسيمًا فسقط من على بغلته على خربته فانكسر زره وحمل الى داره وعالج نفسه شهورًا حتى عوفي قليلًا ولم يزل تعاوده الأمراض حتى توفي رحمه الله وما رأيته قط إلا وهو يتلو قرآنًا أو يطالع كتابًا سامحه الله تعالى‏.‏

ومات الإمام الفاضل الصالح النجيب المفوه الناجح الشيخ محمد ابن أحمد بن خضر الخربتاوي المالكي الأزهري قرأ على والده وحضر دروس شيخنا الشيخ علي العدوي الصعيدي وبه تخرج وأنجب في العلوم وله سليقة جيدة في النثر والنظم وحصل كتبًا نفيسة المقدار زيادة على الذي ورثه من والده وله محبة في آل البيت ومدائح كثيرة وهو ممن قرظ على شرح القاموس لشيخنا السيد محمد مرتضى تقريظًا بديعًا ولم يزل المترجم مقبلًا على شأنه مواظبًا على دروسه حتى توفي في هذه السنة رحمه الله‏.‏

ومات الأجل الصالح الناسك المسلك العارف الشيخ محمد بن عبد الحافظ أفندي أبو ذاكر الخلوتي الحنفي أخذ الطريق عن السيد مصطفى البكري والشيخ الحفني وحضر الفقه على العلامة الشيخ محمد الدلجي والشيخ أحمد الحماقي وأدرك الإسقاطي والمنصوري ولم يتزوج قط وكف بصره سنة 1181 وانقطع في بيته إحدى وعشرين سنة بمفرده وليس عنده قريب ولا غريب ولا جارية ولا عبد ولا من يخدمه في شيء مطلقًا وبيته متسع جهة التبانة وبابه مفتوح دائمًا وعنده الأغنام والدجاج والإوز والبط والجميع مطلوقون في الحوش وهو يباشر علفهم وإطعامهم وسقيهم الماء بنفسه ويطبخ طعامه بنفسه وكذلك يغسل ثيابه واشتهر في الناس بأن الجن تخدمه وليس ببعيد لأنه كان من أهل المعارف والأسرار ويأتي إليه الكثير من الطلبة للأخذ عنه والتلقي منه وكان له يد طولى في كل شيء ومشاركة جيدة في العلوم والمعارف والأسماء والروحانيات والأوفاق واستحضار تام في كل ما يسأل عنه وعنده عدة كثيرة من السنانير ويعرفها بالواحدة بأسمائها وأنسابها وألوانها ويقول هذه تحفة بنت بستانة وهذه كمونة بنت ياسمين وهذه فلانة أخت فلانة الى غير ذلك توفي رحمه الله تعالى في شهر شوال من هذه السنة‏.‏

ومات الإمام العلامة والرحلة الفهامة المعمر المتقدم الشيخ مصطفى المرحومي الشافعي ولد بمحلة المرحوم بالمنوفية وقرأ القرآن وحفظه وجوده وحضر الى مصر المتون وتفقه على الأشياخ المتقدمين كالدفري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والملوي والحفني وغيرهم ومهر في المعقول والمنقول وأملى الدروس بالأزهر وجامع أزبك وانتفع به الناس وكان يتردد الى بيوت بعض الأعيان ويحبونه ويكرمونه ويستفيدون من فوائده ونوادره وكان له حافظة واستحضار للمناسبات والأشعار واللطائف لا يمل حديثه ومفاكهته توفي في هذه السنة رحمه الله‏.‏

ومات الإمام العلامة الفقيه النحوي الأصولي الجدلي النحرير الفصيح المتقن المتفنن الشيخ علي الشهير بالطحان الأزهري المصري حضر شيوخ العصر ولازم الشيخ الملوي والجوهري وكان معيد الدروس الأخير وبه تخرج وكان يقرأ الكتب ويقرر الدروس بدون مطالعة إلا أنه كان يغلب عليه الملل والسآمة وحب البطالة غالب أيامه ولا يتعفف عن الدنيا من أي وجه كان ويطلبها وإن قلت وكانت سليقته جيدة في النثر والنظم وله منظومة في الفقه ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى وصغرى ومنظومة في العروض ومنظومة في البيان ومنظومة في الطب وله لاميتان على محاكاة لأمية بن الوردي كبرى الملوي على السمرقندية توفي في أواخر شعبان من السنة‏.‏

ومات الإمام العلامة النبيه الوجيه الفاضل المستعد الشيخ يوسف ابن عبد الله بن منصور الينبلاويني الشهير برزه الشافعي تفقه على بلدية الشيخ أحمد رزة وحضر دروس الشيخ الحفني والشيخ البراوي والشيخ عطية والشيخ الصعيدي وغيرهم من الأشياخ وأنجب ودرس وأفاد ولازم الإقراء وكان إنسانًا وجيهًا وحتشمًا ساكن الجأش وقورًا بهي الشكل قانعًا بحاله لا يتداخل كغيره في أمور الدنيا مجمل الملابس لا يزيد على ركوب الحمار في بعض الأحيان لبعض الأمور الضرورية ولم يزل حتى تعلل وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى‏.‏

ومات العلامة المفيد المفوه المجيد الشيخ عبد الرحمن بن علي بن الإمام العلامة عبد الرؤوف البشبيشي نشأ في حجر والده وحفظ القرآن وحضر الأشياخ وتفقه في مذهب أبيه وجده وهم شافعيون واجتمع بالشيخ الوالد ولازمه ملازمة كلية وحضر عليه في مذهب أبي حنيفة وحفظ كثيرًا من الفروع الغريبة في المذهب والرياضيات وأقرأني في حال الصغر شيئًا من القرآن وحروف الهجاء وكان به بعض رعوته فانتقل الى مذهب أبي حنيفة وأخبر الوالد بذلك يظن سروره في انتقاله فلامه على فعله وانحط قدره عنده من ذلك الوقت وذلك بعد موت والده في سنة 187 وأملق حاله وتكدر باله وسافر بآخره الى دمياط وأقام بها مدة يفتي على مذهب الحنفية وراج أمره هناك لشغور الثغر عن مثله ثم قدم مصر لأمر عرض له فأقام بمصر وأراد بيع داره ليصرف ثمنها في شؤونه فلم يجد من يشتريها بالثمن المرغوب وكان إنسانًا حسنًا يذاكر بفوائد مع حسن المعرفة وصحة الذهن وربما تعلق ببعض فنون غريبة ولذا قل حظه رحمه الله في هذه السنة وحيدًا في داره وهو جالس‏.‏ ومات

المجذوب المعتقد السيد علي البكري

أقام سنينًا متجردًا ويمشي في الأسواق عريانًا ويخلط في كلامه وبيده نبوت طويل يصحبه معه في غالب أوقاته وقد تقدم ذكره وذكر المرأة التي تبعته المعروفة بالشيخة أمونة وكان يحلق لحيته وللناس فيه اعتقاد عظيم وينصتون الى تخليطاته ويوجهون ألفاظه ويؤلونها على حسب أغراضهم ومقتضيات أحوالهم ووقائعهم وكان له أخ من مساتير الناس فحجر عليه ومنعه من الخروج وألبسه ثيابًا ورغب الناس في زيارته وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته فأقبل الناس عليه من كل ناحية وترددوا لزيارته من كل جهة وأتوا إليه الهدايا والنذور وجروا على عوائدهم في التقليد وازدحم عليه الخلائق وخصوصًا النساء فراج بذلك أمر أخيه واتسعت دنياه ونصبه شبكة لصيده ومنعه من حلق لحيته فنبتت وعظمت وسمن بدنه وعظم جسمه من كثرة الأكل والراحة وقد كان قبل ذلك عريانًا شقيانًا يبيت غالب لياليه بالجوع طاويًا من غير أكل بالأزقة في الشتاء والصيف وقيد به من يخدمه ويراعيه في منامه ويقظته وقضاء حاجته ولايزال يحدث نفسه ويخلط في ألفاظه وكلامه وتارة يضحك وتارة يشتم ولابد من مصادفة بعض الألفاظ لما في نفس بعض الزائرين وذوي الحاجات فيعدون ذلك كشفًا واطلاعًا على ما في نفوسهم وخطرات قلوبهم ويحتمل أن يكون كذلك فإنه كان من البله المجاذيب المستغرقين في شهود حالهم وسبب نسبتهم هذه أنهم كانوا يسكنون بسويقة البكري لا أنهم من البكرية ولم يزل هذا حاله حتى توفي في هذه السنة واجتمع الناس لمشهده من كل ناحية ودفنوه بمسجد الشرايبي بالقرب من جامع الرويعي في قطعة من المسجد وعملوا على قبره مقصورة ومقامًا يقصد للزيارة واجتمع عند مدفنه في ليال وميعادات قراء ومنشدون وازدحم عند أصناف الخلائق ويختلط النساء بالرجال ومات أخوه أيضًا بعده بنحو ومات الوجيه المكرم والنبيه المفخم مصطفى بن صادق أفندي اللازجي الحنفي ولد سنة 174 ونشأ في حجر والده وحفظ القرآن وبعض المتون في صغره وحفظ البرجلي والشاهدي ومهر في اللغة التركية وتفقه على أبيه وقرأ عليه علم الصرف وحضر على بعض الأشياخ ولازم الشيخ محمد الفرماوي وأخذ عنه النحو وقرأ عليه مختصر السعد وغيره برواق الجيرت بالأزهر ثم تصدر للإفادة والمطالعة لطلبة الأتراك المجاورين برواق الأروام ولبس له تاجًا وفراجة وعمل له مجلس وعظ على كرسي بالجامع المؤيدي وذلك قبل نبات لحيته وكان وسيمًا جسيمًا بهي الطلعة أبيض اللون رابي البدن فاجتمع لسماع وعظه ومشاهدة ذاته كثير من الناس من أبناء العرب والأتراك والأمراء والأجناد فيقرر لهم بالعربي والتركي بفصاحة وطلاقة لسان وممن كان يحضره علي آغا مستحفظان وهام فيه وأحبه وصار يتردد إليه كثيرًا ويذهب هو أيضًا الى داره كثيرًا وكان والده متوليًا على وقف اسكندر ومشيخة التكية بباب الخرق فكان هو المتكلم على ذلك عوضًا عن أبيه واتفق أنه حاسب المباشر على ذلك وهو الشيخ أحمد الصفطة وطالبه بما تأخر عليه فما طلبه فأغرى به علي آغا المذكور فطلب الشيخ أحمد المذكور ونكل به وشهره وعلقه على شباك السبيل بباب الخرق بقاووقه وهيئته واجتمع الناس للفرجة عليه يومًا كاملًا ثم أطلقه فاشتهر أمر المترجم وهابه الناس وأكثر من الترداد الى بيوت الأمراء وعظموه وأحبوه وأكرموه لاتحاد الجنسية وارتباط الحيثية ولما توفي مصطفى أفندي شيخ رواقهم انتبذ هو لطلب المشيخة وذهب الى مراد بك فألبسه فروة على مشيخة الرواق فتعصب أهل الرواق وأبوا مشيخته عليهم لحداثة سنه واجتمعوا وذهبوا الى مراد بك فزجرهم ونهرهم وطردهم فرجعوا بقهرهم وسكتوا واستمر شيخًا عليهم يأتي الى الرواق في كل يوم ويقرأ لهم الدرس كما كان من قبله واشتهر ذكره وعظمت لحيته وصار ذا وجاهة عظيمة وسكن دارًا عظيمة جهة التبانة من وقف رواقهم ودعا إليه الأعيان والأكابر وعمل لهم ولائم وقدم لهم التقادم والهدايا واحتفل به مصطفى آغا الوكيل وسعى له في أشغاله وكاتب الدولة في شأنه فأرسلوا له مرتبًا بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفًا في كل يوم واتسع حاله وأقبلت عليه الدنيا من كل جهة ومات أبوه في سنة أربع ومائتين وألف وكان ذا مكنة وحرص فأحرز مخلفاته أيضًا وباع تركته وكان سليط اللسان في حق الناس فاتفق له أنه لما حضر حسن باشا الى مصر فحضر مرة الى زيارة المشهد الحسيني وجلس مع الشيخ السادات والشيخ البكري فدخل عليهم المترجم فجلس هنيهة ثم قام فسأل عنه حسن باشا فأخبره الشيخ السادات عن أحواله وتكلمه في حق الناس فأمر بنفيه فانزعج عليه والده ثم ذهب الى حسن باشا وكلمه فرق له ورحم شيبته وأمر برد ابنه فرجع من ليلته ولم يزل يستعى ويتحيل حتى أحضر حسن باشا الى داره وجدد معه صداقة وصحبة حتى كاد أن يأخذه صحبته ولم يزل في فوعته وفورته حتى غار ماء حياته وانغلق عن الفتح باب قبره عند مماته وهو مقتبل الشبيبة في هذه السنة‏.‏

ومات الشيخ المحترم المبجل الشيخ أحمد بن الإمام العلامة سالم النفراوي المالكي نشأ في حجر والده في رفاهية وتنعم ورياسة ولما مات والده تعصب له الشيخ عبد الله الشبراوي وحاز له وظائف والده وتعلقاته وأجلسه للإقراء في مكان درس أبيه وأمر جماعة أبيه بالحضور عليه وكان الشيخ علي الصعيدي من أكبر طلبة أبيه فتطلع للجلوس في محله وكان أهلًا لذلك فعارضه الشيخ الشبراوي وأقصاه وصدر ولده لذلك مع قلة بضاعته ولتغة في لسانه فحقد ذلك في نفس الشيخ الصعيدي سنينًا وكان المترجم ذا دهاء ومكر وتصدى للقضايا والدعاوي واتخذ له أعوانًا واشتهر ذكره وعد من الكبار وترددت إليه الأمراء والأعيان وصار ذا صولة وهيبة ولما ظهر شأن علي بك كان يرعى له حقه وحالته التي وجده عليها ويقبل شفاعته ويكرمه حتى أنه كان يأتي إليه بداره التي بالجيزة فلما مات علي بك وانتقلت الرياسة الى محمد بك وكان له عناية بالشيخ الصعيدي ويسمع لقوله وكان السيد محمد بدوي بن فتيح القباني مباشر المشهد الحسيني يعلم كراهة الشيخ الصعيدي الباطنية للمترجم فيرصد الوقت الذي يحضر فيه الشيخ الصعيدي عند الأمير ويفتح مذاكرته والتكلم في حقه فيساعده الشيخ ويظهر المكمون في نفسه من المترجم ويذكرون مساويه وقبائحه وما بيده من الوظائف بغير حق وما تحت نظارته من الأوقاف المتخربة حتى أوغروا صدر الأمير عليه فنزع منه وظائفه وفرقها على من أشاروا عليه بتقليده إياها وأهانه فعند ذلك تسلطت عليه الألسن وكثرت فيه الشكاوى وتجاسر عليه الأنذال وتطاول عليه الأرذال وهدموا بيته الذي بالجيزة لأنه كان تعدى في بنائه وأخذ قطعة من الطريق التي يسلك منها الناس فعند ذلك خمل ذكره وبرد أمره واستمر على ذلك حتى توفي في هذه السنة غفر الله له وسامحه بمنه وكرمه‏.‏

سنة ثمان ومائتين وألف فيها أوفى النيل أذرعه في سادس عشر المحرم الموافق لثامن عشر مسرى القبطي وأول برج السنبلة وفيها انحلت الأسعار وبورك في رمي الغلال حتى أن الفدان الواحد زكا بقدر خمسة أفدنة وبلغ النيل الى الزيادة المتوسطة وثبت الى أول بابه وشمل الماء غالب الأرض بسبب التفات الناس لسد المجاري وحفر الترع وإصلاح الجسور‏.‏

وفي أوائل شهر صفر وصل قابجي من الديار الرومية بطلب مال المصلحة والحلوان فأنزلوه في دار وهادوه ورتبوا له مصروفًا‏.‏

ومن الحوادث أن الناس انتظروا جاويش الحاج وتشوفوا لحضوره ولم يذهب إليهم في هذه السنة ملاقاة بالوش ولا بالازلم وأرسل ابراهيم بك هجانًا يستخبر عن الحجاج فذهب ورجع ليلة الثالث والعشرين من شهر صفر وأخبر أن العرب تجمعوا على الحج من سائر النواحي عند مغاير شعيب ونهبوا الحجاج وكسروا المحمل وأحرقوه وقتلوا غالب الحجاج والمغاربة معهم وأخذوا أحمالهم ودوابهم ونهبوا أثقالهم وانجرح أمير الحج وأصابه ثلاث رصاصات وغاب خبره ثلاثة أيام ثم أحضره العرب وهو عريان في أسوأ حال وأخذوا النساء بأجمالهن والذي تبقى منهم أدخلوه الى قلعة العقبة وتركهم الهجان بها من غير ماء ولا زاد فنزل بالناس من الغم والحزن تلك الليلة ما لا مزيد عليه ثم إنهم عينوا محمد بك الألفي وعثمان بك الأشقر ليسافرا بسبب ذلك فخرجا في يوم الخميس سابع عشرين صفر وخطف أتباعهم في ذلك اليوم ما صادفوه من الجمال والبغال والحمير وقرب السقائين التي تنقل الماء من الخليج ونهبوا الخبز من الطوابين والمخابز والكعك والعيش من الباعة وفي يوم خروجهم وصل جماعة من الحجاج ودخلوا في أسوأ حال من العري والجوع والتعب فلما وصلوا الى نخل تلاقوا مع باقي الحجاج على مثل ذلك ووجدوا أمير الحاج ذهب الى غزة وصحبته جماعة من الحجاج وأرسل يطلب الأمان ولم يزوروا المدينة في هذه السنة وأرسل من صرة المدينة اثنين وثلاثين ألف ريال مع عرب حرب ضاع في هذه الحادثة من الأموال والمحزوم شيء كثير جدًا وأخبروا أن مواسم هذا العام كان من أعظم المواسم لم يتفق مثله من مدة مديدة وفي يوم الاثنين غرة ربيع الأول دخل باقي الحجاج على مثل حالة من وصل منهم قبل ذلك وفي صبحها يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة واجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ وقرئ المرسوم الذي حضر بصحبة الآغا فكان مضمونه طلب الحلوان والخزينة وقدر ذلك تسعة آلاف وأربعمائة كيس وعشرة آلاف وخمسة وأربعون نصفًا فضة تسلم ليد الآغا المعين من غير تأخير‏.‏

وفيه عملوا على زوجات أمير الحاج ثلاثين ألف ريال وأرسلوا الى بيت حسن كاشف المعمار فأخذوا ما فيه من الغلال وغيرها لأنه قتل في معركة العرب مع الحجاج وألبسوا زوجته الخاتم قهرًا عنها ليزوجوها لمملوك من مماليك مراد بك وهي بنت علي آغا المعمار ووجدت على زوجها وجدًا عظيمًا وأرسلت جماعة لإحضار رمته من قبره الذي دفن فيه في صندوق على هيئة تابوت‏.‏

وفيه شرع الأمراء في عمل تفريدة على البلاد بسبب الأموال المطلوبة وقرروها عال وهو أربعمائة ريال ووسط ثلثمائة والدون مائة وخمسون وكتبوا أوراقها على الملتزمين ليحصلوها منهم‏.‏

وفي يوم الخميس سافر حسن كتخدا أيوب بك بأمان لعثمان بك ليحضره من غزة ووصل المتسفرون بجثة حسن كاشف المعمار‏.‏

وفي عشرين جمادى الأولى وصل عثمان بك طبل الاسماعيلي أمير الحاج الى مصر مكسوف البال ودخل الى بيته‏.‏

وفيه حضر الصدر الأعظم يوسف باشا الى الاسكندرية ليتوجه الى الحجاز فاعتنى الأمراء بشأنه وأرسلوا له ملاقاة وتقادم وهدايا وفرشوا له قصر العيني ووصل الى مصر وطلع من المراكب الى قصر العيني وأرسلوا له تقادم وضيافات ثم حضروا للسلام عليه في زحمة وكبكبة فخلع على ابراهيم بك ومراد بك خلعًا ثمينة وقدم لهما حصانين بسرجين مرختين ثم نزل الباشا المتولي بعد يومين وسلم عليه ورجع القلعة وأقاموا لخفارته عبد الرحمن بك الابراهيمي جلس بالقصر المواجه لقصر العيني وقد تخيلوا من حضوره وظنوا ظنونًا وفي يوم الأحد ثالث جمادى الثانية طلع يوسف باشا الى القلعة باستدعاء من الباشا المتولي فجلس عنده الى بعد الظهر ونزل في موكب حافل الى محله بقصر العيني وأرسل له ابراهيم بك ومراد بك مع كتخدائهم هدية وهي خمسمائة أردب قمح ومائة أردب أرز وتعبيات أقمشة هندية وغير ذلك وأقام بالقصر أيامًا وقضوا أشغاله وهيؤوا له اللوازم والمراكب بالسويس وركب في أواسط جمادى الثانية وذهب الى السويس ليسافر الى جدة من القلزم وانقضت هذه السنة وحوادثها واستهلت أخرى‏.‏

من مات فيها من الأعيان ومن سارت بذكرهم الركبان مات نادرة الدهر وغرة وجه العصر إنسان عين الأقاليم فريد عقد المجد النظيم جامع الفضائل والمحاسن ومظهر اسم الظاهر والباطن من لبس رداء النجابة في صباه ولاح عنوان المكارم على صحائف علاه ولم تقصر عليه أثواب مجده التي ورثها عن أبيه وجده الحسيب النسيب والنجيب الأريب السيد محمد أفندي البكري الصديقي شيخ سجادة البكرية ونقيب السادة الأشراف بمصر المحمية تقلد بعد والده المنصبين وورث عنه السيادتين فسار فيهما سيرة الملوك ونثر فرائد المكارم من أسلاك السلوك فجوده حدث عن البحر ولا حرج وبراعة منطقه تلتج سلب الألباب والمهج مع حسن منظر تتزاحم عليه وفود الأبصار وفيض نوال تضطرب لغيرتها منه البحار وقد اجتمع فيه من الكمال ما تضرب به الأمثال وأخبار غنية عن البيان مسطرة في صحف الإمكان زمانه كأنه عروس الفلك فكم قال له الدهر أما الكمال فلك ولم يزل كذلك الى أن آذنت شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الإقبال وقطفت زهرة شبابه وقد سقتها دموع أحبابه وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الثامن وخرجوا بجنازته من بيتهم بالأزبكية وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن عند أجداده بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه وبالجملة فهو كان مسك الختام قلما تسمح بمثله الأيام ولما مات تولى سجادة الخلافة البكرية ابن خاله سيدي الشيخ خليل أفندي وتقلد النقابة السيد عمر أفندي الأسيوطي‏.‏

ومات علامة العلوم والمعارف وروضة الآداب الوريقة وظلها الوارف جامع المزايا والمناقب شهاب الفضل الثاقب الإمام العلامة الشيخ أحمد ابن موسى بن داود أبو الصلاح العروسي الشافعي الأزهري ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وقدم الأزهر فسمع على الشيخ أحمد الملوي الصحيح بالمشهد الحسيني وعلى الشيخ عبد الله الشبراوي الصحيح والبيضاوي والجلالين وعلى السيد البليدي البيضاوي في الأشرفية وعلى الشمس الحفني الصيح مع شرحه للقسطلاني ومختصر بن أبي جمرة والشمائل وابن حجر على الأربعين والجامع الصغير وتفقه على كل من الشبراوي والعزيزي والحفني والشيخ علي قايتباي الاطفيجي والشيخ حسن المدابغي والشيخ سابق والشيخ عيسى البراوي والشيخ عطية الأجهوري وتلقى بقية الفنون عن الشيخ علي الصعيدي لازمه السنين العديدة وكان معيدًا لدروسه وسمع عليه الصحيح بجامع مرزه ببولاق وسمع من الشيخ ابن الطيب الشمائل لما ورد مصر متوجهًا الى الروم وحضر دروس الشيخ يوسف الفني والشيخ ابراهيم الحلبي وابراهيم بن محمد الدلجي ولازم الشيخ الوالد وأخذ عنه وقرأ عليه في الرياضيات والجبر والمقابلة وكتاب الرقائق للسبط وقوللي زاده على المجيب وكفاية القنوع والهداية وقاضي زادة وغير ذلك وتلقن الذكر والطريقة عن السيد مصطفى البكري ولازمه كثيرًا واجتمع بعد ذلك على ولي عصره الشيخ أحمد العربان فأحبه ولازمه واعتنى به الشيخ وزوجه إحدى بناته وبشره بأنه سيسود ويكون شيخ الجامع الأزهر فظهر ذلك بعد وفاته بمدة لما توفي شيخنا الشيخ أحمد الدمنهوري واختلفوا في تعيين الشيخ فوقعت الإشارة عليه واجتمعوا بمقام الإمام الشافعي رضي الله عنه كما تقدم واختاروه لهذه الخطة العظيمة فكان كذلك واستمر شيخ الجامع على الإطلاق ورئيسهم بالاتفاق يدرس ويعيد ويملي ويفيد ولم يزل يراعي للحقير حق الصحبة القديمة والمحبة الأكيدة وسمعت من فوائده كثيرًا ولازمت دروسه في المغني لابن هشام بتمامه وشرح جمع الجوامع للجلال المحلي والمطول وعصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الورقات وغير ذلك وكان رقيق الطباع مليح الأوضاع لطيفًا مهذبًا إذا تحدث نفت الدر وإذا لقيته لقيت من لطفه ما ينعش ويسر ولم تزل كؤوس فضله على اطلبة مجلوة حتى ورد موارد الموت ودعاه الله تعالى بجوار الجنان وتلقاه جدثه بروح رحمة ورضوان وذلك في حادي عشرين شعبان وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بمدفن صهره الشيخ العريان تغمده الله بالرحمة والرضوان ومن تآليفه شرح على نظم التنوير في إسقاط التدبير للشيخ الملوي وهو نظم وحاشية على الملوي على السمرقندية وغير ذلك وخلف أولاده الأربعة كلهم فضلاء أذكياء نبلاء أحدهم الذي تعين بالتدريس في محله بالأزهر العلامة اللوذعي والفهامة الألمعي شمس الدين السيد محمد وأخوه النبيل الفاضل المتقن شهاب الدين السيد أحمد وأخوه الذكي اللبيب والفهيم النجيب السيد عبد الرحمن والنبيه الصالح والمفرد الناجح السيد مصطفى بارك الله فيهم‏.‏

ومات الخواجة المعظم والملاذ المفخم حائز رتب الكمال وجامع مزايا الأفضال سيدي الجامع محمود بن محرم أصل والده من الفيوم واستوطن مصر وتعاطى التجارة وسافر الى الحجاز مرارًا واتسعت دنياه وولد له المترجم فتربى في العز والرفاهية ولما ترعرع وبلغ رشده وخالط الناس وشارك وباع واشترى وأخذ وأعطى ظهرت فيه نجابة وسعادة حتى كان إذا مسك التراب صار ذهبًا فانجمع والده وسلم له قياد الأمور فاشتهر ذكره ونما أمره وشاع خبره بالديار المصرية والحجازية والشامية والرومية وعرف بالصدق والأمانة والنصح فأذعنت له الشركاء والوكلاء ووثقوا بقوله ورأيه وأحبه الأمراء المصرية وتداخل فيهم بعقل وحشمة وحسن سير وفطانة ومداراة وتؤدة وسياسة ولطف وأدب وحسن تخلص في الأمور الجسيمة وعمر داره ووسعها وأتحفها وزخرفها وأنشأ بها قاعة عظيمة وأمامها فسحة مليجة الشكل وحول القاعة بستان بديع المثال وهي مطلة عليه من الجهتين وزوج ولده سيدي أحمد الموجود الآن وعمل له مهمًا عظيمًا دعا إليه الأكابر والأعيان والتجار وتفاخر فيه الى الغاية وعمر مسجدًا بجوار بيته بالقرب من حبس الرحبة فجاء في غاية الإتقان والحسن والبهجة ووقف عليه بعض جهات ورتب فيه وظائف وتدريسًا وبالجملة كان إنسانًا حسنًا وقورًا محتشمًا جميل الطباع مليح الأوضاع ظاهر العفاف كامل الأوصاف حج في هذه السنة من القلزم ورجع في البر مع الحجاج في إمارة عثمان بك الشرقاوي على الحج في أحمال مجملة وهيئة زائدة مكملة فصادفتهم شوبة فقضي عليه فيها ودفن بالخوف ولم يخلف في بابه مثله رحمه الله‏.‏

ومات الأمير حسن كاشف المعمار وأصله مملوك محمود بك وأعطاه لعلي آغا المعمار أخذه صغيرًا ورباه ودربه في الأمور وزوجه ابنته وعمل لزواجهما مهمًا وولائم ولما مات سيده قام مقامه وفتح بيته ووضع يده على تعلقاته وبلاده ونما أمره وانتظم في سلك الأمراء المحمدية لكونه في الأصل مملوك محمد بك وخشداشهم وكان رئيسًا عاقلًا ساكن الجأش جميل الصورة واسع العينين أحورهما ولما حج في هذه السنة وخرجت عليهم العرب ركب وقاتلهم حتى مات شهيدًا ودفن بمغاير شعيب ونهب متاعه وأحماله وحزنت عليه زوجته الست حفيظة ابنة علي آغا حزنًا شديدًا وأرسلت مع العرب ونقلته الى مصر ودفنته عند أبيها بالقرافة وزوجته المذكورة هي الآن زوجة لسليمان بك المرادي‏.‏

ومات الأمير شاهين بك الحسني وقد تقدم أنه كان حضر الى مصر رهينة وسكن ببيت بالقرب من الموسكي وهو مملوك حسن بك الجداوي أمره أيام حسن باشا وسكن ببيت مصطفى بك الكبير الذي على بركة الفيل المعروف سابقًا بشكر فره وصار من جملة الأمراء المعدودين ولما مات اسمعيل بك وحصل على ما تقدم من قدوم المحمديين وخروجهم فحضر المترجم صحبة عثمان بك الشرقاوي رهينة عن سيده وأقام بمصر وكان سبب موته أن إنسانًا كلمه عن أصول الصبغة التي تنبت بالغيطان ولها ثمر يشبه عنب الديب في عناقيد يصبغ منه القراشون مياه القناديل في المواسم والأفراح وإن من أكل من أصولها شيئًا أسهله إسهالًا مفرطًا ولم يذكر له المسكن لذلك ولعله كان يجهله فأرسل من أتى له بشيء منها من البستان وأكل منه فحصل له إسهال مفرط حتى غاب عن حسه ومات وتسكين فعلها إذا بلغت غايتها أن يمتص شيئًا من الليمون المالح فإنها تسكن في الحال ويفيق الشخص كأن لم يكن به شيء ومات الأمير أحمد بك الوالي بقبلي وهو أيضًا مملوك حسن بك الجداوي وقد تقدم ذكره ووقائعه مع أهل الحسينية وغيرهم في أيام زعامته‏.‏

لم يقع بها شيء من الحوادث الخارجية سوى جور الأمراء وتتابع مظالمهم واتخذ مراد بك الجيزة سكنًا وزاد في عمارته واستولى على غالب بلاد الجيزة بعضها بالثمن القليل وبعضها غصبًا وبعضها معاوضة واتخذ صالح آغا أيضًا له دارًا بجانبه وعمرها وسكنها بحريمه ليكون قريبًا من مراد بك‏.‏

وفي سابع عشرين المحرم الموافق لعشرين شهر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وكسر السد في صبحها بحضرة الباشا والأمراء وجرى الماء في الخليج‏.‏

وفي شهر صفر ورد الخبر بوصول صالح باشا والي مصر الى اسكندرية وأخذ محمد باشا في أهبة السفر ونزل وسافر الى جهة اسكندرية‏.‏

وفي عشرين شهر ربيع الأول وصل صالح باشا الى مصر وطلع الى القلعة‏.‏

وفي أواخره ورد الخبر بوصول تقليد الصدارة الى محمد باشا عزت المنفصل عن مصر وورد عليه التقليد وهو باسكندرية وكان صالح آغا الوكيل ذهب صحبته ليشيعه الى اسكندرية فأنعم إليه بفرمان مرتب على الضربخانة باسم حريمه ألف نصف فضة في كل يوم‏.‏

وفي ليلة السبت خامس عشر ربيع الثاني أمطرت السماء مطرًا غزيرًا قبل الفجر وكان ذلك آخر بابه القبطي‏.‏

وفي شهر الحجة وقع به من الحوادث أن الشيخ الشرقاوي له حصة في قرية بشرقية بلبيس حضر إليه أهلها وشكوا من محمد بك الألفي وذكروا أن أتباعه حضروا إليهم وظلموهم وطلبوا منهم ما لا قدرة لهم عليه واستغاثوا بالشيخ فاغتاظ وحضر الى الأزهر وجمع المشايخ وقفلوا أبواب الجامع وذلك بعد ما خاطب مراد بك وابراهيم بك فلم يبديا شيئًا ففعل ذلك في ثاني يوم وقفلوا الجامع وأمروا الناس بغلق الأسواق والحوانيت ثم ركبوا في ثاني يوم واجتمع عليهم خلق كثير من العامة وتبعوهم وذهبوا الى بيت الشيخ السادات وازدحم الناس على بيت الشيخ من جهة الباب والبركة بحيث يراهم ابراهيم بك وقد بلغه اجتماعهم فبعث من قبله أيوب بك الدفتردار فحضر إليهم وسلم عليهم ووقف بين يديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا له‏:‏ نريد العدل ورفع الظلم والجور وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوسات التي ابتدعتموها وأحدثتموها فقال‏:‏ لا يمكن الإجابة الى هذا كله فإننا إن فعلنا ذلك ضاقت علينا المعايش والنفقات فقيل له‏:‏ هذا ليس بعذر عند الله ولا عند الناس وما الباعث على الإكثار من النفقات وشراء المماليك والأمير يكون أميرًا بالإعطاء لا بالأخذ فقال‏:‏ حتى أبلغ وانصرف ولم يعد لهم بجواب وانفض المجلس وركب المشايخ الى الجامع الأزهر واجتمع أهل الأطراف من العامة والرعية وباتوا بالمسجد وأرسل ابراهيم بك الى المشايخ يعضدهم ويقول لهم أنا معكم وهذه الأمور على غير خاطري ومرادي وأرسل الى مراد بك يخيفه عاقبة ذلك فبعث مراد بك يقول‏:‏ أجيبكم الى جميع ما ذكرتموه إلا شيئين ديوان بولاق وطلبكم المنكسر من الجامكية ونبطل ما عدا ذلك من الحوادث والظلم وندفع لكم جامكية سنة تاريخه أثلاثًا ثم طلب أربعة من المشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا إليه بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعي في الصلح على ما ذكر ورجعوا من عنده وباتوا على ذلك تلك الليلة وفي اليوم الثالث حضر الباشا الى منزل ابراهيم بك واجتمع الأمراء هناك وأرسلوا الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والسيد النقيد والشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ الأمير وكان المرسل إليهم رضوان كتخدا ابراهيم بك فذهبوا معه ومنعوا العامة من السعي خلفهم ودار الكلام بينهم وطال الحديث وانعقد الصلح على أن يدفعوا سبعمائة وخمسين كيسًا موزعة وعلى أن يرسلوا غلال الحرمين ويصرفوا غلال الشون وأموال الرزق ويبطلوا رفع الظلم المحدثة والكشوفيات والتفاريد والمكوس ما عدا ديوان بولاق وأن يكفوا أتباعهم عن امتداد أيديهم الى أموال الناس ويرسلوا صرة الحرمين والعوائد المقررة من قديم الزمان ويسيروا في الناس سيرة حسنة وكان القاضي حاضرًا بالمجلس فكتب حجة عليهم بذلك وفرمن عليها الباشا وختم عليها ابراهيم بك وأرسلها الى مراد بك فختم عليها أيضًا وانجلت الفتنة ورجع المشايخ وحول كل واحد منهم وأمامه وخلفه جملة عظيمة من العامة وهم ينادون حسب ما رسم ساداتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية وفرح الناس وظنوا صحته وفتحت الأسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان مما ذكر وزيادة ونزل عقيب ذلك مراد بك الى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير ذلك‏.‏

ومات الإمام العلامة والرحلة الفهامة بقية المحققين وعمدة المدققين الشيخ المعمر شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الوهاب السمنودي المحلي الشافعي من بيت العلم والصلاح والرشد والفلاح وأصلهم من سمنود ولد هو بالمحلة وقدم الجامع الأزهر وحضر على الشمس السجيني والعزيزي والملوي والشبراوي وتكمل في الفنون الغربية وتلقى عن السيد على الضرير والشيخ محمد الغلاني الكشناوي مشاركًا للشيخ الوالد والشيخ ابراهيم الحلبي وعاد الى المحلة فدرس في الجامع الكبير مدة ثم أتى الى مصر بأهله وعياله ومكث بها وأقرأ بالجامع الأزهر درسًا وتردد الى الأكابر والأمراء وأجلوه وقرأ في المحمدية بعد موت الشنويهي في المنهج وانضوى الى الشيخ أبي الأنوار السادات ويأتي إليه في كل يوم وكان إنسانًا حسنًا بهي الشكل لطيف الطباع عليه رونق وجلالة جميل المحادثة حسن الهيئة توفي بعد أن تعلل دون شهر عن مائة وست عشرة سنة كامل الحواس إذا قام نهض نهوض الشباب ودفن ببستان المجاورين وكان يتكتم سني عمره رحمه ومات الإمام العلامة واللوذعي الفهامة رئيس المحققين وعمدة المدققين النحوي المنطقي الجدلي الأصولي الشيخ أحمد بن يونس الخليفي الشافعي الأزهري من قرابة الشهاب الخليفي ولد سنة 131 كما سمعته من لفظه وقرأ القرآن وحفظ المتون وحضر على كل من الشبراوي والحفني وأخيه الشيخ يوسف والسيد البليدي والشيخ محمد الدقري والدمنهوري وسالم النفراوي والطحلاوي والصعيدي وسمع الحديث على الشهابين الملوي والجوهري ودرس وأفاد بالجامع الأزهر وتقلد وظيفة الإفتاء بالمحمدية عندما انحرف يوسف بك على الشيخ حسن الكفراوي كما تقدم فاتخذ الشيخ أحمد أبا سلامة أمينًا على فتاويه لجودة استحضاره في الفروع الفقهية وله مؤلفات منها حاشية على شرح شيخ الإسلام على متن السمرقندية في آداب البحث وأخرى على شرح الملوي في الاستعارات وأخرى على شرح المذكور على السلم في المنطق وأخرى على شرح شيخ الإسلام على آداب البحث وأخرى على شرح الشمسية في المنطق وأخرى على متن الياسمينية في الجبر والمقابلة وشرح على أسماء التراجم ورسالة متعلقة بالأبحاث الخمسة التي أوردها الشيخ الدمنهوري ولازم الشيخ الوالد مدة وتلقى عنه بعض العلوم الغريبة وكملها بعد وفاته على تلميذه محمود أفندي النيشي وكان جيد التقرير غاية في التحرير ويميل بطبعه الى ذوي الوسامة والصور الحسان من الجدعان والشبان فإذا رجع من درسه خلع زي العلماء ولبس زي العامة وجلس بالأسواق وخالط الرفاق ويمشي كثيرًا بين المغرب والعشاء بالخفيفة نواحي داره جهة بين السيارج وغيرها ويرى في بعض الأحيان على تلك الصورة في الأوقات المذكورة في نواح بعيدة عن داره وسافر مرة الى جهة قبلي في سفارة بين الأمراء أيام عابدي باشا ولم يزل على ذلك الى أن توفي في أوائل رجب من هذه السنة سامحه الله‏.‏ ومات

العمدة الجليل والنبيه النبيل العلامة الفقيه المفوه الشريف الضرير

السيد عبد الرحمن بن بكار الصفاقسي نزيل مصر قرأ في بلاده على علماء عصره ودخل كرسي مملكة الروم فأكرم وانسلخ عن هيئة المغاربة ولبس ملابس المشارقة مثل التاج والفراجة وغيرها وأثرى وقدم الى مصر وألقى دروسًا بالمشهد الحسيني وتأهل وولد له ولد به فضيلة ونجابة واتحد بشيخ السادات الوقائية السيد أبي الأنوار فراج حاله وزاده شوكته على أبناء جنس وتردد الى الأمراء وأشير إليه ودرس كتاب الغرر في مذهب الحنفية وتولى مشيخة رواق المغاربة بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن البناني وسار فيها أحسن سيرة مع شهامة وصرامة وفصاحة لفظ في الإلقاء وكان جيد البحث مليح المفاكهة والمحادثة واستحضار اللطائف والمناسبات ليس فيه عربدة ولا فظاظة ويميل بطبعه الى الحظ والخلاعة وسماع الألحان والآلات المطربة توفي رحمه الله في هذه السنة وولى بعده على مشيخة رواقهم الشيخ سالم بن مسعود‏.‏

ومات الفقيه العلامة الصالح الصوفي الشيخ أحمد بن أحمد السماليجي الشافعي الأحمدي المدرس بالمقام الأحمدي بطندتاء ولد ببلده سماليج بالمنوفية وحفظ القرآن وحضر على الشيخ عطية الأجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الخشني والشيخ أحمد الدردير ورجع الى طندتاء فاتخذها سكنًا وأقام بها يقرئ دروسًا ويفيد الطلبة ويفتي على مذهبه ويقضي بين المتنازعين من أهالي البلاد فراج أمره واشتهر ذكره بتلك النواحي ووثقوا بفتياه وقوله وأتوه أفواجًا بمكانه المسمى بالصف فوق باب المسجد المواجه لبيت الخليفة وتزوج بامرأة جميلة الصورة من بلد الفرعونية وولد منها ولد سماه أحمد كأنما أفرغ في قالب الجمال وأودع بعينيه السحر الحلال فلما ترعرع حفظ القرآن والمتون وحضر على أبيه في الفقه والفنون وكان نجيبًا جيد الحافظة يحفظ كل شيء سمعه من مرة واحدة ونظم الشعر من غير قراءة شيء في علم العروض أول ما رأيته في سنة 1189 في أيام زيارة سيدي أحمد البدوي فحضر إلي وسلم علي وآنسني بحسن ألفاظه وجذبني بسحر ألحاظه ولما بلغ زوجه والده بزوجتين في سنة واحدة ولم يزل يجتهد ويشتغل حتى مهر وأنجب ودرس لجماعة من الطلبة وحضر الى مصر مع والده مرارًا وتردد علينا واجتمع بنا كثيرًا في مواسم الموالد المعتادة الى أن اخترمته في شبابه المنية وحالت بينه وبين الأمنية وذلك في سنة ثلاث ومائتين وخلف ولدًا صغيرًا استأنس به جده المترجم وصبر على ومات الرجل المعظم والملاذ المفخم الأمير حسين بن السيد محمد الشهيد بدرب الشمس القادري وأبوه محمد أفندي كاتب صغير بوجاق التفكجيان وهو ابن حسين أفندي باش اختيار تفكجيان تابع المرحوم حسن جوربجي تابع المرحوم رضوان بك الكبير الشهير صاحب العمارة ولما مات والد المترجم اجتمع الاختيارية وقلدوا ابنه المذكور منصب والده في بايه وكان إذ ذاك مقتبل الشبيبة وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة وألف ونوه بشأنه وفتح بي أبيه وعد في الأعيان واشتهر ذكره وكان نجيبًا نبيهًا ولم يزل حتى صار من أرباب الحل والعقد وأصحاب المشورة ولما استقل علي بك بإمارة مصر أخرجه هو وإخوته من مصر ونفاهم الى بلاد الحجاز فأقاموا بها سبع سنوات الى أن استقل محمد بك الإمارة فأحضرهم وأكرمهم ورد إليهم بلادهم فاستمروا بمصر لا كالحالة الأولى مع الوجاهة والحرمة الوافرة وكان إنسانًا حسنًا فطنًا طعرف مواقع الكلام ويكره الظلم وهو الى الخير أقرب واقتنى كتبًا كثيرة نفيسة في الفنون وخصوصًا في الطب والعلوم الغريبة ويسمح بإعارتها لمن يكون أهلًا لها ولما حضرته الوفاة أوصى أن لا يخرجوا جنازته على الصورة المعتادة بمصر بل يحضرها مائة شخص من القادرية يمشون أمامه في المشهد وهم يقرأون الصمدية سر الأغير وأوصى لهم بقدر معلوم من الدراهم فكان كذلك‏.‏

ومات الأمير محمد آغا بن محمد كتخدا أباظة وقد تقدم أنه كان تولى الحسبة في أيام حسن باشا وسار فيها سيرًا بشهامة وأخاف السوقة وعاقبهم وزجرهم واتفق أنه وزن جانبًا من اللحم وجده مع من اشتراه ناقصًا وأخبره عن جزاره فذهب إليه وكملها بقطعة من جسد الجزار ثم انفصل عن ذلك وعمل كتخدا عند رضوان بك الى أن مات رضوان بك ولم يزل معدودًا في عداد الأمراء الأكابر الى أن توفي في هذه السنة‏.‏

ومات العمدة الصالح الورع الصوفي الضرير الشيخ محمد السقاط الخلوتي المغربي الأصل خليفة شيخنا الشيخ محمود الكردي حضر الى مصر وجاور بالأزهر وحضر على الأشياخ في فقه مذهبه وفي المعقول وأخذ الطريق على شيخنا الشيخ محمود المذكور ولقنه الأسماء على طريق الخلوتية والأوراد والأذكار وانسلخ من زي المغاربة وألبسه الشيخ التاج وسلك سلوكًا تامًا ولازم الشيخ ملازمة كلية بحيث أنه لا يفارق منزله في غالب أوقاته ولاحت عليه الأنوار وتحلى بحلل الأبرار وأذن له الشيخ بالتلقين والتسليك ولما انتقل الى رحمة الله تعالى صار هو خليفته بالإجماع من غير نزاع وجلس في بيته وانقطع للعبادة واجتمع عليه الجماعة في ورد العصر والعشاء ولقن الذكر للمريدين وسلك الطريق للطالبين وانجذبت القلوب إليه واشتهر ذكره وأقبلت عليه الناس ولم يزل على حسن حاله حتى توفي في منتصف شهر ربيع الأول وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل‏.‏

ومات الذمي المعلم ابراهيم الجوهري رئيس الكتبة الأقباط بمصر وأدرك في هذه الدولة بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة مع طول المدة بمصر ما لم يسبق لمثله من أبناء جنسه فيما نعلم وأول ظهوره من أيام المعلم رزق كاتب علي بك الكبير ولما مات علي بك والمعلم رزق ظهر أمر المترجم ونما ذكره في أيام محمد بك فلما انقضت أيام محمد بك وترأس ابراهيم بك قلده جميع الأمور فكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات حتى دفاتر الروزنامة والميري وجميع الإيراد والمنصرف وجميع الكتبة والصيارف من تحت يده وإشارته وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يعزب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور ويداري كل إنسان بما يليق به من المداراة ويحابي ويهادي ويواسي ويفعل ما يوجب انجذاب القلوب والمحبة ويهادي ويبعث الهدايا العظيمة والشموع الى بيوت الأمراء وعند دخول رمضان يرسل الى غالب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا والأرز والسكر والكساوي وعمرت في أيامه الكنائس وديور النصارى وأوقف عليها الأوقاف الجليلة والأطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدارة والغلال وحزن ابراهيم بك لموته وخرج في ذلك اليوم الى قصر العيني حتى شاهد جنازته وهم ذاهبون به الى المقبرة وتأسف على فقده تأسفًا زائد وكان ذلك في شهر القعدة من السنة‏.‏

لم يقع بها شيء من الحوادث التي يعتني بتقييدها سوى مثل ما تقدم من جور الأمراء والمظالم‏.‏

وفيها في غرة شهر الحجة عزل صالح باشا ونزل الى قصر العيني ليسافر فأقام هناك أيامًا وسافر الى الاسكندرية‏.‏

ومات بها الإمام العلامة المفيد الفهامة عمدة المحققين والمدققين الصالح الورع المهذب الشيخ عبد الرحمن النحراوي الأجهوري الشهير بمقرى الشيخ عطية خدم العلم وحضر فضلاء الوقت ودرس وتمهر في المعقول والمنقول ولازم الشيخ عطية الأجهوري ملازمة كلية وأعاد الدروس بين يديه واشتهر بالمقرئ وبالأجهوري لشدة نسبته الى الشيخ المذكور ودرس بالجامع الأزهر وأفاد الطلبة وأخذ طريق الخلوتية عن الشيخ الحفني ولقنه الأذكار وألبسه الخرقة والتاج وأجازه بالتلقين والتسليك وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات ويلازم المبيت في ضريح الإمام الشافعي في كل ليلة سبت يقرأ مع الحفظة بطول الليل وكان إنسانًا متواضعًا لا يرى لنفسه مقامًا يحمل طبق الخبز على رأسه ويذهب به الى الفران ويعود به الى عياله فإن اتفق أن أحدًا رآه ممن يعرفه حمله عنه وإلا ذهب به ووقف بين يدي الفران حتى يأتيه الدور ويخبز له وكان كريم النفس جدًا يجود وما لديه قليل ولم يزل مقبلًا على شأنه وطريقته حتى نزلت به الباردة وبطل شقه واستمر على ذلك نحو السنة وتوفي الى رحمة الله تعالى غفر الله له‏.‏

ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة الفقيه الفاضل ومن ليس له في الفضل مناضل الشيخ حسن بن سالم الهواري المالكي أحد طلبة شيخنا الصعيدي لازمه في دروسه العامة وحصل بجده ما به ناموس جاهه أقامه وبعد وفاة شيخه ولي مشيخة رواق الصعايدة وساس فيهم أحسن سياسة بشهامة زائدة مع ملازمته للدروس وتكلمه في طائفته مع الرئيس والمرؤوس وكان فيه صلابة زائدة وقوة جنان وشدة تجارى واشترى خرابة بسوق القشاشين بالقرب من الأزهر وعمرها دارًا لسكنه وتعدى حدوده وحاف على أماكن جيرانه وهدم مكتب المدرسة السنانية وكان مكتبًا عظيمًا ذا واجهتين وعامودين وأربع بوائك وزاوية جداره من الحجر النحيت عجيبة الصنعة في البروز والإتقان فهدمه وأدخله في بنائه من غير تحاش أو خشية لوم مخلوق أو خوف خالق وأوقف أعوانه من الصعايدة المنتسبين للمجاورة وطلب العلم يسخرون من يمر بهم من حمير الترابين وجمال الأعيان المارين عليهم فيستعملونها في نقل تراب الشيخ لأجل التبرك إما قهرًا أو محاباة ويأخذ من مياسير الناس والسوقة دراهم على سبيل القرض الذي لا يرد وكذلك المؤن حتى تممها على هذه الصورة وسكن فيها وأحدق به الجلاوزة من الطلبة يغدون ويروحون في الخصومات والدعاوى ويأخذون الجعالات والرشوات من المحق والمبطل ومن خالف عليهم ضربوه وأهانوه ولو عظيمًا من غير مبالاة ولا حياء ومن اشتد عليهم اجتمعوا عليه من كل فج حتى بوابين الوكائل وسكان الطباق وباعة النشوق وينسب الكل الى الأزهر ومن عذلهم أو لامهم كفروه ونسبوه الى الظلم والتعدي والاستهزاء بأهل العلم والشريعة وزاد الحال وصار كل من رؤساء الجماعة شيخًا على انفراده يجلس في ناحية ببعض الحوانيت يقضي ويأمر وينهي وفحش الأمر الى أن نادى عليهم حاكم الشرطة فانكفوا ومرض شيخهم بالتشيخ شهورًا وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى‏.‏

ومات الإمام الفقيه العلامة والفاضل الفهامة عثمان بن محمد الحنفي المصري الشهير بالشامي ولد بمصر وتفقه على علماء مذهبه كالسيد محمد أبي السعود والشيخ سليمان المنصوري والشيخ حسن المقدسي والشيخ الوالد وأتقن الآلات ودرس الفقه في عدة مواضع وبالأزهر وانتفع به الناس وقرأ كتاب الملتقى بجامع قوصون وكان له حافظة جيدة واستحضار في الفروع ولا يمسك بيده كراسًا عند القراءة ويلقي التقرير عن ظهر قلب مع حسن السبك وألف متنًا مفيدًا في المذهب ثم حج وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقطن بالمدينة وطلب عياله في ثاني عام وباع ما يتعلق به وتجرد على المجاورة ولازم قراءة الحديث والفقه بدار الهجرة وأحبه أهل المدينة وتزوج وولد له أولاد ثم تزوج بأخرى ولم يزل على ذلك حتى توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة‏.‏

ومات العمدة الفاضل المفوه النبيه المناضل الحافظ المجود الأديب الماهر صاحب الشيخ شمس الدين بن عبد الله بن فتح الفرغلي المحمدي الشافعي البربائي نسبة الى سبرباي قرية بالغربية قرب طندتا وبها ولد ونسبه يرجع الى القطب سيدي الفرغلي المحمدي من ولد سيدنا محمد بن الحنفية صاحب أبي تيج من قرى الصعيد تفقه على علماء عصره وأنجب في المعارف والفهوم وعانى الفنون فأدرك من كل فن الحظ الأوفر ومال الى فن الميقات والتقاويم فنال من ذلك ما يرومه وألف في ذلك وصنف زيجًا مختصرًا دل على سعة باعه ورسوخه في الفن ومعرفة القواعد والأصول ودقائق الحساب ونهج مسك الأدب والتاريخ والشعر ففاق فيه الأقران ومدح الأعيان وصاحبناه وساجلناه كثيرًا عندما كان يأتينا مصر وبطندتا في الموالد المعتادة فكان طودًا راسخًا وبحرًا زاخرًا مع دماثة الأخلاق وطيب الأعراق ولين العريكة وحسن العشرة ولطف الشمائل والطباع وكان يلي نيابة القضاء ببلده وبالجملة فكان عديم النظير في أقرانه لم أر من يدانيه في أوصافه الجميلة وله مصنفات كثيرة منها الضوابط الجليلة في الأسانيد العلية ألفه سنة 1177 وذكر فيه سنده عن الشيخ نور الدين أبي الحسن سيدي علي بن الشيخ العلامة أبي عبد الله سيدي محمد العربي الفاسي المغربي الشهير بالسقاط وسليقته في الشعر عذبة رائقة كلامه بديع مقبول في سائر أنواعه من المدح والرثاء والتشبيب والغزل والحماسة والجد والهزل وله ديوان جمع فيه أمداحه صلى الله عليه وسلم وسماه عقود الفرائد توفي في شهر ربيع الأول من السنة ببلده ودفن هناك رحمه الله تعالى‏.‏

سنة إحدى عشرة واثنتي عشرة ومائتين وألف لم يقع فيهما من الحوادث التي تتشوف لها النفوس أو تشتاق إليها الخواطر فتقيد في بطون الطروس سوى ما تقدمت إليه الإشارة من أسباب نزول النوازل وموجبات ترادف البلاء المتراسل ووقوع الإنذارات الفلكية والآيات المخوفة السماوية وكلها أسباب عادية وعلامات من غير أن ينسب لتلك الآثار تأثيرات فبالنظر في ملكوت السموات والأرض يستدلون وبالنجم هم يهتدون فمن أعظم ذلك حصول الخسوف الكلي في منتصف شهر الحجة ختان سنة اثنتي عشرة بطالع مشرق الجوزاء المنسوب إليه إقليم مصر وحضر طائفة الفرنسيس إثر ذلك في أوائل السنة التالية كما سيأتي خبر ذلك مفصلًا إن شاء الله تعالى‏.‏

من مات في هذين العامين ممن له ذكر وشهرة مات العمدة العلامة والفقيه الفهامة الشيخ علي بن محمد الأشبولي الشافعي كان والده أحد العدول بالمحكمة الكبرى وكان ذا ثروة وشهرة ولما كبر ولده المترجم حفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر الدروس وتفقه على أشياخ الوقت ولازم الشيخ عيسى البراوي وتمهر في المعقول وأنجب وتصدر ودرس وانتظم في سلك الفضلاء والنبلاء وصار له ذكر وشهرة ووجاهة ومات والده فأحرز طريفه وتالده وكان لأبيه دار بحارة كتامة المعروفة بالعينية بقرب الأزهر وأخرى عظيمة بقناطر السباع على الخليج وأخرى بشاطئ النيل بالجيزة فكان ينتقل في تلك الدور ويتزوج حسان النساء مع ملازمته للإقراء والإفادة وحدثته نفسه بمشيخة الأزهر وكان بيده عدة وظائف وتداريس مثل جامع الآثار والنظامية ولم يباشرها إلا نادرًا ويقبض معلومها المرتب لها ولم يزل حتى تعلل وتوفي سنة 111‏.‏

ومات الأديب الماهر الصالح الجليس الأنيس السيد ابراهيم بن قاسم ابن محمد بن محمد بن علي الحسني الرويدي المكتب المكنى بأبي الفتح ولد بمصر كما أخبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده على الشيخ الحجازي غنام وجود الخط على الشيخ أحمد بن اسمعيل الأفقم على الطريقة المحمدية فمهر فيه وأجازه فكتب بخطه الحسن الفائق كثيرًا من المصاحف والأحزاب والدلائل والأدعية والقطع وأشير إليه بالرياسة في الفن وكان إنسانًا حسنًا متمشدقًا يحفظ كثيرًا من نوادر الأشعار وغرائب الحكايات وعجائب المناسبات وروايتها على أحسن أسلوب وأبلغ مطلوب وسمعت كثيرًا من إنشاده لم يعلق بذهني منها شيء وقد تفرد بمحاسن لم يشاركه فيها أهل عصره منها صحة الوضع وتكمله على أصوله بغاية التحرير توفي سنة إحدى عشرة رحمه الله تعالى‏.‏

ومات النبيه الأريب والفاضل النجيب الناظم الناثر المفوه اسمعيل أفندي بن خليل بن علي بن محمد بن عبد الله الشهير بالظهوري المصري الحنفي المكتب كان إنسانًا حسنًا قانعًا بحاله يتكسب بالكتابة وحسن الخط وقد كان جوده وأتقنه على أحمد أفندي الشكري وكتب بخطه الحسن كثيرًا من الكتب والسبع المنجيات ودلائل الخيرات والمصاحف وكان له حاصل يبيع به من القهوة بوكالة البقل بقرب خان الخليلي وله معرفة جيدة بعلم الموسيقى والألحان وضرب العود وينظم الشعر وله مدائح وقصائد وموشحات توفي رحمه الله تعالى سنة 1211 ومات الأجل الأمثل والوجيه الأوحد المبجل حسين أفندي قلفة الشرقية والده الأمير عبد الله من مماليك داود صاحب عيار وتربى المترجم عند محمد أفندي البرقوقي وزوجه ابنته‏.‏

وعانى قلم الكتابة واصطلاح كتابة الروزنامة ومهر في ذلك فلما توفي محمد أفندي كتابة الروزنامة قلده قلفة الشرقية ولم تطل مدى محمد أفندي ومات بعد شهرين فاستولى المترجم على تعلقاته وراج أمره واشترى بيتًا جهة الشيخ الظلام وانتقل إليه وسكن به وساس أموره واشتهر ذكره وانتظم في عداد الأعيان واقتنى السراري والجواري والمماليك والعبيد وكان إنسانًا لا بأس به جميل الأخلاق حسن العشرة مع الرفاق مهذب الطباع لين العريكة واقفًا على حدود الشريعة لا يتداخل فيما لا يعنيه مليح الصورة والسيرة توفي رحمه الله أيضًا سنة 1211‏.‏

ومات العمدة العلامة النبيه الفهامة بضعة السلالة الهاشمية وطراز العصابة المطلبية الفصيح المفوه السيد حسين بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن أحمد بن أحمد بن حمادة المنزلاوي الشافعي خطيب جامع المشهد الحسيني وأم أبيه السيد عبد الرحمن فاطمة بنت السيد محمد العمري ومنها أتاه الشرف حضر على الشيخ الملوي والحفني والجوهري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والشيخ البسيوني والشيخ خليل المغربي وأخذ أيضًا عن سيدي محمد الجوهري الصغير والشيخ عبد الله إمام مسجد الشعراني والشيخ سعودي الساكن بسوق الخشب وتضلع بالعلوم والمعارف وصار له ملكة وحافظة ولسانة واقتدار تام واستحضار غريب وينظم الشعر الجيد والنثر البليغ وأنشأ الخطب البديعة وغالب خطبه التي كان يخطب بها بالمشهد الحسيني من إنشائه على طريقة لم يسبق إليها وانضوى الى الشيخ أبي الأنوار السادات وشملته أنواره ومكارمه ويصلي به في بعض الأحيان ويخطب بزاويتهم أيام المواسم ويأتي فيهما بمدائح السادات وما تقتضيه المناسبات توفي في منتصف شهر شعبان من السنة غفر الله لنا وله‏.‏

وهي أول سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة والوقائع النازلة والنوازل الهائلة وتضاعف الشرور وترادف الأمور وتوالي المحن واختلال الزمن وانعكاس المطبوع وانقلاب الموضوع وتتابع الأهوال واختلاف الأحوال وفساد التدبير وحصول التدمير وعموم الخراب وتواتر الأسباب وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون‏.‏

في يوم الأحد العاشر من شهر محرم الحرام من هذه السنة وردت مكاتبات على يد السعاة من ثغر الاسكندرية ومضمونها أن في يوم الخميس ثامنه حضر الى الثغر عشرة مراكب من مراكب الانكليز ووقفت على البعد بحيث يراها أهل الثغر وبعد قليل حضر خمسة عشر مركبًا أيضًا فانتظر أهل الثغر ما يريدون وإذا بقارب صغير واصل من عندهم وفيه عشرة أنفار فوصلوا البر واجتمعوا بكبار البلد والرئيس إذ ذاك فيها والمشار إليه بالإبرام والنقض السيد محمد كريم الآتي ذكره فكلموهم واستخبروهم عن غرضهم فأخبروا أنهم انكليز حضروا للتفتيش على الفرنسيس لأنهم خرجوا بعمارة عظيمة يريدون جهة من الجهات ولا ندري أين قصدهم فربما دهموكم فلا تقدرون على دفعهم ولا تتمكنوا من منعهم فلم يقبل السيد محمد كريم منهم هذا القول وظن أنها مكيدة وجاوبوهم بكلام خشن فقالت رسل الانكليز‏:‏ نحن نقف بمراكبنا في البحر محافظين على الثغر لا نحتاج منكم إلا الإمداد بالماء والزاد بثمنه فلم يجيبوهم لذلك وقالوا هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيس ولا لغيرهم عليها سبيل فاذهبوا عنا فعندها عادت رسل الانكليز وأقلعوا في البحر ليمتاروا من غير الاسكندرية وليقضي الله أمرًا كان مفعولًا ثم إن أهل الثغر أرسلوا الى كاشف البحيرة ليجمع العربان ويأتي معهم للمحافظة بالثغر فلما قرئت هذه المكاتبات بمصر حصل بها اللغط الكثير من الناس وتحدثوا بذلك فيما بينهم وكثرت المقالات والأراجيف‏.‏

ثم ورد في ثالث يوم بعد ورود المكاتيب الأول مكاتبات مضمونها أن المراكب التي وردت الثغر عادت راجعة فاطمأن الناس وسكن القيل والقال وأما الأمراء فلم يهتموا بشيء من ذلك ولم يكترثوا به اعتمادًا على قوتهم وزعمهم أنه إذا جاءت جميع الإفرنج لا يقفون في مقابلتهم وأنهم يدوسونهم بخيولهم‏.‏

فلما كان يوم الأربعاء العشرون من الشهر المذكور وردت مكاتبات من الثغر ومن رشيد ودمنهور بأن في يوم الاثنين ثامن عشره وردت مراكب وعمارات للفرنسيس كثيرة فأرسوا في البحر وأرسلوا جماعة يطلبون القنصل وبعض أهل البلد فلما نزلوا إليهم عوقوهم عندهم فلما دخل الليل تحولت منهم مراكب الى جهة العجمي وطلعوا الى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر فلم يشعر أهل الثغر وقت الصباح إلا وهم كالجراد المنتشر حول البلد فعندها خرج أهل الثغر وما انضم إليهم من العربان المجتمعة وكاشف البحيرة فلم يستطيعوا مدافعتهم ولا أمكنهم ممانعتهم ولم يثبتوا لحربهم وانهزم الكاشف ومن معه من العربان ورجع أهل الثغر الى التترس في البيوت والحيطان ودخلت الإفرنج البلد وانبث فيها الكثير من ذلك العدد كل ذلك وأهل البلد لهم بالرمي يدافعون وعن أنفسهم وأهليهم يقاتلون ويمانعون فلما أعياهم الحال وعلموا أنهم مأخوذون بكل حال وليس ثم عندهم للقتال استعداد لخلو الأبراج من آلات الحرب والبارود وكثرة العدو وغلبته طلب أهل الثغر الأمان فأمنوهم ورفعوا عنهم القتال ومن حصونهم أنزلوهم ونادى الفرنسيس بالأمان في البلد ورفع بنديراته عليها وطلب أعيان الثغر فحضروا بين يديه فألزمهم بجمع السلاح وإحضاره إليه وأن يضعوا الجوكار في صدورهم فوق ملبوسهم والجوكار ثلاث قطع من جوخ أو حرير أو غير ذلك مستديرة في قدر الريال سوداء وحمراء وبيضاء توضع بعضها فوق بعض بحيث تكون كل دائرة أقل من التي تحتها حتى تظهر الألوان الثلاثة كالدوائر المحيط بعضها ببعض ولما وردت هذه الأخبر مصر حصل للناس انزعاج وعول أكثرهم علي الفرار والهجاج وأما ما كان من حال الأمراء بمصر فإن ابراهيم بك ركب الى قصر العيني وحضر عنده مراد بك من الجيزة لأنه كان مقيمًا بها واجتمع باقي الأمراء والعلماء والقاضي وتكلموا في شأن هذا الأمر الحادث فاتفق رأيهم على أن يرسلوا مكاتبة بخبر هذا الحادث الى اسلامبول وأن مراد بك يجهز العساكر ويخرج لملاقاتهم وحربهم وانفض المجلس على ذلك وكتبوا المكاتبة وأرسلها بكر باشا مع رسوله على طريق البرلياتية بالترياق من العراق وأخذوا في الاستعداد للثغر وقضاء اللوازم والمهمات في مدة خمسة أيام فصاروا يصادرون الناس ويأخذون أغلب ما يحتاجون إليه بدون ثمن ثم ارتحل مراد بك بعد صلاة الجمعة وبرز خيامه ووطاقه الى الجسر الأسود فمكث به يومين حتى تكامل العسكر وصناجقه وعلي باشا الطرابلسي وناصف باشا فإنهم كانوا من أخصائيه ومقيمين معه بالجيزة وأخذ معه عدة كثيرة من المدافع والبارود وسار من البر مع العساكر الخيالة وأما الرجال وهم الألداشات القلينجية والأروام والمغاربة فإنهم ساروا في البحر مع الغلايين الصغار التي أنشأها الأمير المذكور ولما ارتحل من الجسر الأسود أرسل الى مصر يأمر بعمل سلسلة من الحديد في غاية الثخن والمتانة طولها مائة ذراع وثلاثون ذراعًا لتنصب على البغاز عند برج مغيزل من البر الى البر لتمنع مراكب الفرنسيس من العبور لبحر النيل وذلك بإشارة علي باشا وأن يعمل عندها جسر من المراكب وينصب عليها متاريس ومدافع ظنًا منهم أن الإفرنج لا يقدرون على محاربتهم في البر وأنهم يعبرون في المراكب ويقاتلونهم وهم في المراكب وأنهم يصابرونهم ويطاولونهم في القتال حتى تأتيهم النجدة وكان الأمر بخلاف ذلك فإن الفرنسيس عندما ملكوا الاسكندرية ساروا في طريق البر الغربي من غير ممانع وفي أثناء خروج مراد بك والحركة بدت الوحشة في الأسواق وكثر الهرج بين الناس والأرجاف وانقطعت الطرق وأخذت الحرامية في كل ليلة تطرق أطراف البلد وانقطع مشي الناس من المرور في الطرق والأسواق من المغرب فنادى الآغا الوالي بفتح الأسواق والقهاوي ليلًا وتعليق القناديل على البيوت والدكاكين وذلك لأمرين‏:‏ الأول ذهاب الوحشة من القلوب وحصول الاستئناس والثاني الخوف من الدخيل في البلد‏.‏

وفي يوم الاثنين وردت الأخبار بأن الفرنسيس وصلوا الى دمنهور ورشيد وخرج معظم أهل تلك البلاد على وجوههم فذهبوا الى فوة ونواحيها والبعض طلب الأمان وأقام ببلده وهم العقلاء وقد كانت الفرنسيس حين دخولهم بالاسكندرية كتبوا مرسومًا وطبعوه وأرسلوا منه نسخًا الى البلاد التي يقدمون عليها تطمينًا لهم ووصل هذا المكتوب مع جملة من الأسارى الذين وجدوهم بمالطة وحضروا صحبتهم وحضر منهم جملة الى بولاق وذلك قبل وصول الفرنسيس بيوم أو بيومين ومعهم منه عدة نسخ ومنهم مغاربة وفيهم جواسيس وهم على شكلهم من كفار مالطة ويعرفون باللغات‏.‏

وصورة ذلك المكتوب‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه من طرف الفرنساوية المبني على أساس الحرية والتسوية السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته يعرف أهالي مصر جميعهم أن من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية يظلمون تجارها بأنواع الإيذاء والتعدي فحضر الآن ساعة عقوبتهم وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من بلاد الأزابكة والجراكسة يفسدون في الإقليم الحسن الأحسن الذي لا يوجد في كرة الأرض كلها فأما رب العالمين القادر على كل شيء فإنه قد حكم على انقضاء دوتهم يا أيها المصريون قد قيل لكم إنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم فذلك كذب صريح فلا تصدقوه وقولوا للمفترين إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين وإنني أكثر من المماليك أعيد الله سبحانه وتعالى وأحترم نبيه والقرآن العظيم وقولوا أيضًا لهم إن جميع الناس متساوون عند الله وإن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب فماذا يميزهم عن غيرهم حتى يستوجبوا أن يتملكوا مصر وحدهم ويختصوا بكل شيء أحسن فيها من الجواري الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة فإن كانت الأرض المصرية التزامًا للمماليك فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم ولكن رب العالمين رؤوف وعادل وحليم ولكن بعونه تعالى من الآن فصاعدًا لا ييأس أحد من أهالي مصر عن الدخول في المناصب السامية وعن اكتساب المراتب العالية فالعلماء والفضلاء والعقلاء بينهم سيدبرون الأمور وبذلك يصلح حال الأمة كلها وسابقًا كان في الأراضي المصرية المدن العظيمة والخلجان الواسعة والمتجر المتكاثر وما أزال ذلك كله إلا الظلم والطمع من المماليك أيها المشايخ والقضاة والأئمة والجربجية وأعيان البلد قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في رومية الكبرى وخربوا فيها كرسي الباب الذي كان دائمًا يحث النصارى على محاربة الإسلام ثم قصدوا جزيرة مالطة وطردوا منها الكواللرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ومع ذلك الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني وأعداء أعدائه أدام الله ملكه ومع ذلك إن المماليك امتنعوا من إطاعة السلطان غير ممتثلين لأمره فما أطاعوا أصلًا إلا لطمع أنفسهم طوبى ثم طوبى لأهالي مصر الذين يتفقون معنا بلا تأخير فيصلح حالهم وتعلو مراتبهم طوبى أيضًا للذين يقعدون في مساكنهم غير مائلين لأحد من الفريقين المتحاربين فإذا عرفونا بالأكثر تسارعوا إلينا بكل قلب لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا فلا يجدون بعد ذلك طريقًا الى الخلاص ولا يبقى منهم أثر‏.‏

المادة الأولى - جميع القرى الواقعة في دائرة قريبة بثلاث ساعات من المواضع التي يمر بها عسكر الفرنساوية فواجب عليها أن ترسل للسر عسكر من عندها وكلاء كيما يعرف المشار إليه أنهم المادة الثانية - كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق بالنار‏.‏

المادة الثالثة - كل قرية تطيع العسكر الفرنساوي أيضًا تنصب صنجاق السلطان العثماني محبنا دام بقاؤه‏.‏

المادة الرابعة - المشايخ في كل بلد يختمون حالًا جميع الأرزاق والبيوت والأملاك التي تتبع المماليك وعليهم الاجتهاد التام لئلا يضيع أدنى شيء منها‏.‏

المادة الخامسة - الواجب على المشايخ والعلماء والقضاة والأئمة أنهم يلازمون وظائفهم وعلى كل أحد من أهالي البلدان أن يبقى في مسكنه مطمئنًا وكذلك تكون الصلاة قائمة في الجوامع على العادة والمصريون بأجمعهم ينبغي أن يشكروا الله سبحانه وتعالى لانقضاء دولة المماليك قائلين بصوت عالي أدام الله إجلال السلطان العثماني أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك وأصلح حال الأمة المصرية‏.‏

تحريرًا بمعسكر اسكندرية في 13 شهر سيدور سنة 1213 من إقامة الجمهور الفرنساوي يعني في آخر شهر محرم سنة هجرية اه - بحروفه‏.‏

وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر وردت الأخبار بأن الفرنسيس وصلوا الى نواحي فوة ثم الى الرحمانية‏.‏ واستهل

شهر صفر سنة 1213

- وفي يوم الأحد غرة شهر صفر وردت الأخبار بأن في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر محرم التقى العسكر المصري مع الفرنسيس فلم تكن إلا ساعة وانهزم مراد بك ومن معه ولم يقع قتال صحيح وإنما هي مناوشة من طلائع العسكرين بحيث لم يقتل إلا القليل من الفريقين واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية واحترق بها رئيس الطبجية خليل الكردلي وكان قد قاتل في البحر قتالًا عجيبًا فقدر الله أن علقت نار بالقلع وسقط منها نار الى البارود فاشتعلت جميعها بالنار واحترقت المركب بما فيه من المحاربين وكبيرهم وتطايروا في الهواء فلما عاين ذلك مراد بك داخله الرعب وولى منهزمًا وترك الأثقال والمدافع وتبعته عساكره ونزلت المشاة في المراكب ورجعوا طالبين مصر ووصلت الأخبار بذلك الى مصر فاشتد انزعاج الناس وركب ابراهيم بك الى ساحل بولاق وحضر الباشا والعلماء ورؤوس الناس وأعملوا رأيهم في هذا الحادث العظيم فاتفق رأيهم على عمل متاريس من بولاق الى شبرا ويتولى الإقامة ببولاق ابراهيم بك وكشافه ومماليكه وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالأزهر كل يوم ويقرأون البخاري وغيره من الدعوات وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية والبراهمة والقادرية والسعدية وغيرهم من الطوائف وأرباب الأشاير ويعملون لهم مجالس بالأزهر وكذلك أطفال المكاتب ويذكرون الاسم اللطيف وغير من وفي يوم الاثنين حضر مراد بك الى بر انبابة وشرع في عمل متاريس هناك ممتدة الى بشتيل وتولى ذلك هو وصناجقه وأمراؤه وجماعة من خشداشينه واحتفل في ترتيب ذلك وتنظيمه بنفسه هو وعلي باشا الطرابلسي ونصوح باشا وأحضروا المراكب الكبار والغلايين التي أنشأها بالجيزة وأوقفها على ساحل انبابة وشحنها بالعساكر والمدافع فصار البر الغربي والشرقي مملوئين بالمدافع والعساكر والمتاريس والخيالة والمشاة ومع ذلك فقلوب الأمراء لم تطمئن بذلك فإنهم من حين وصول الخبر من الاسكندرية شرعوا في نقل أمتعتهم من البيوت الكبار المشهورة المعروفة الى البيوت الصغار التي لا يعرفها أحد واستمروا طول الليالي ينقلون الأمتعة ويوزعونها عند معارفهم وثقاتهم وأرسلوا البعض منها لبلاد الأرياف وأخذوا أيضًا في تشهيل الأحمال واستحضار دواب للشيل وأدوات الارتحال فلما رأى أهل البلدة منهم ذلك داخلهم الخوف الكثير والفزع واستعد الأغنياء وأولو المقدرة للهروب ولولا أن الأمراء منعوهم من ذلك وزجروهم وهددوا من أراد النقلة لما بقي بمصر منهم واحد‏.‏

وفي يوم الثلاثاء نادوا بالنفير العام وخروج الناس للمتاريس وكرروا المناداة بذلك كل يوم فأغلق الناس الدكاكين والأسواق وخرج الجميع لبر بولاق فكانت كل طائفة من طوائف أهل الصناعات يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون لهم خيامًا أو يجلسون في مكان خرب أو مسجد ويرتبون لهم فيما يصرف عليهم ما يحتاجون له من الدراهم التي جمعوها من بعضهم وبعض الناس يتطوع بالإنفاق على البعض الآخر ومنهم من يجهز جماعة من المغاربة والشوام بالسلاح والأكل وغير ذلك بحيث أن جميع الناس بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم وطاقتهم وسمحت نفوسهم بإنفاق أموالهم فلم يشح في ذلك الوقت أحد بشيء يملكه ولكن لم يسعفهم الدهر وخرجت الفقراء وأرباب الأشاير بالطبول والزمور وأعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرون بأذكار مختلفة وصعد السيد عمر أفندي نقيب الأشراف الى القلعة فأنزل منها بيرقًا كبيرًا سمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة الى بولاق وأمامه وحوله ألوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك وأما مصر فإنها باقية خالية الطرق لا تجد بها أحدًا سوى النساء في البيوت والصغار وضعفاء الرجال الذين لا يقدرون على الحركة فإنهم مستترون مع النساء في بيوتهم والأسواق مصفرة والطرق مجفرة من عدم الكنس والرش وغلا سعر البارود والرصاص بحيث يبيع الرطل البارود بستين نصفًا والرصاص بتسعين وغلا جنس أنواع السلاح وقل وجوده وخرج معظم الرعايا بالنبابيت والعصي والمساوق وجلس مشايخ العلماء بزاوية علي بك ببولاق يدعون ويبتهلون الى الله بالنصر وأقام غيرهم من الرعايا البعض بالبيوت والبعض بالزوايا والبعض بالخيام‏.‏

ومحصل الأمر أن جميع من بمصر من الرجال تحول الى بولاق وأقام بها من حين نصب ابراهيم بك العرضي هناك الى وقت الهزيمة سوى القليل من الناس الذين لا يجدون لهم مكانًا ولا مأوى فيرجعون الى بيوتهم يبيتون بها ثم يصيحون الى بولاق وأرسل ابراهيم بك الى العربان المجاورة لمصر ورسم لهم أن يكونوا في المقدمة بنواحي شبرا وما والاها وكذلك اجتمع عند مراد بك الكثير من عرب البحيرة والجيزة والصعيد والخبيرية والقيعان وأولاد علي والهنادي وغيرهم وفي كل يوم يتزايد الجمع ويعظم الهول ويضيق الحال بالفقراء الذين يحصلون أقواتهم يومًا فيومًا لتعطل الأسباب واجتماع الناس كلهم في صعيد واحد وانقطعت الطرق وتعدى الناس بعضهم على بعض لعدم التفات الحكام واشتغالهم بما دهمهم‏.‏

وأما بلاد الأرياف فإنها قامت على ساق يقتل بعضهم بعضًا وينهب بعضهم بعضًا وكذلك العرب غارت على الأطراف والنواحي وصار قطر مصر من أوله الى آخره في قتل ونهب وإافة طريق وقيام شر وإغارة على الأموال وإفساد المزارع وغير ذلك من أنواع الفساد الذي لا يحصى وطلب أمراء مصر التجار من الإفرنج بمصر فحبسوا بعضهم بالقلعة وبعضهم بأماكن الأمراء وصاروا يفتشون في محلات الإفرنج على الأسلحة وغيرها وكذلك يفتشون بيوت النصارى الشوام والأقباط والأروام والكنائس والأديرة على الأسلحة والعامة لا ترضى إلا أن يقتلوا النصارى واليهود فيمنعهم الحكام عنهم ولولا ذلك المنع لقتلتهم العامة وقت الفتنة ثم في كل يوم تكثر الإشاعة بقرب الفرنسيس الى مصر وتختلف الناس في الجهة التي يقصدون المجيء منها فمنهم من يقول إنهم واصلون من البر الغربي ومنهم من يقول بل يأتون من الشرقي ومنهم من يقول بل يأتون من الجهتين هذا وليس لأحد من أمراء العساكر همة أن يبعث جاسوسًا أو طليعة تناوشهم بالقتال قبل دخولهم وقربهم ووصولهم الى فناء المصر بل كل من ابراهيم بك ومراد بك جمع عسكره ومكث مكانه لا ينتقل عنه ينتظر ما يفعل بهم وليس ثم قلعة ولا حصن ولا معقل وهذا من سوء التدبير وإهمال أمر العدو‏.‏

ولما كان يوم الجمعة سادس الشهر وصل الفرنسيس الى الجسر الأسود وأصبح يوم السبت فوصلوا الى أم دينار فعندها اجتمع العالم العظيم من الجند والرعايا والفلاحين المجاورة بلادهم لمصر ولكن الأجناد متنافرة قلوبهم منحلة عزائمهم مختلفة آراؤهم حريصون على حياتهم وتنعمهم ورفاهيتهم مختالون في رئيسهم مغترون بجمعهم محتقرون شأن عدوهم مرتبكون في رويتهم مغمورون في غفلتهم وهذا كله من أسباب ما وقع من خذلانهم وهزيمتهم وقد كان الظن بالفرنسيس أن يأتوا من البرين بل أشيع في عرضي ابراهيم بك أنهم قادمون من الجهتين فلم يأتوا إلا من البر الغربي‏.‏

ولما كان وقت القائلة ركب جماعة من العساكر التي بالبر الغربي وتقدموا الى ناحية بشتيل بلد مجاورة لانبابة فتلاقوا مع مقدمة الفرنسيس فكروا عليهم بالخيول فضربهم الفرنسيس ببنادقهم المتتابعة الرمي وأبلى الفريقان وقتل أيوب بك الدفتردار وعبده الله كاشف الجرف وعدة كثيرة من كشاف محمد بك الإلفي ومماليكهم وتبعهم طابور من الإفرنج في نحو الستة آلاف وكبيره ويزه الذي ولي على الصعيد بعد تملكهم وأما بونابارته الكبير فإنه لم يشاهد الواقعة بل حضر بعد الهزيمة وكان بعيدًا عن هؤلاء بكثير ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بك ترامى الفريقان بالمدافع وكذلك العساكر المحاربون البحرية وحضر عدة وافرة من عساكر الأرنؤد من دمياط وطلعوا الى انبابة وانضموا الى المشاة وقاتلوا معهم في المتاريس فلما غاين وسمع عسكر البر الشرقي القتال ضج العامة والغوغاء من الرعية واخلاط الناس بالصياح ورفع الأصوات بقولهم يا رب ويا لطيف ويا رجال الله ونحو ذلك وكأنهم يقاتلون ويحاربون بصياحهم وجلبتهم فكان العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك ويقولون لهم إن الرسول والصحابة والمجاهدين إنما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب وضرب الرقاب لا برفع الأصوات والصراخ والنباح فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه ومن يقرأ ومن يسمع وركب طائفة كبيرة من الأمراء والأجناد من العرضي الشرقي ومنهم ابراهيم بك الوالي وشرعوا في التعدية الى البر الغربي في المراكب فتزاحموا على المعادي لكون التعدية من محل واحد والمراكب قليلة جدًا فلم يصلوا الى البر الآخر حتى وقعت الهزيمة به على المحاربين هذا والريح النكباء اشتد هبوبها وأمواج البحر في قوة اضطرابها والرمال يعلو غبارها وتنسفها الريح في وجوه المصريين فلا يقدر أحد أن يفتح عينيه من شدة الغبار وكون الريح من ناحية العدو وذلك من أعظم أسباب الهزيمة كما هو منصوص عليه‏.‏

ثم إن الطابور الذي تقدم لقتال مراد بك انقسم على كيفية معلومة عندهم في الحرب وتقارب من المتاريس بحيث صار محيطًا بالعسكر من خلفه وأمامه ودق طبوله وأرسل بنادقه المتتالية والمدافع واشتد هبوب الريح وانعقد الغبار وأظلمت الدنيا دخان البارود وغبار الرياح وصمت الأسماع من توالي الضرب بحيث خيل للناس أن الأرض تزلزلت والسماء عليها سقطت‏.‏

واستمر الحرب والقتال نحو ثلاثة أرباع ساعة ثم كانت هذه الهزيمة على العسكر الغربي فغرق الكثير من الخيالة في البحر لإحاطة العدو بهم وظلام الدنيا والبعض وقع أسيرًا في أيدي الفرنسيس وملكوا المتاريس وفر مراد بك ومن معه الى الجيزة فصعد الى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ربع ساعة ثم ركب وذهب الى الجهة القبلية وبقيت القتلى والثياب والأمتعة والأسلحة والفرش ملقاة على الأرض ببر انبابة تحت الأرجل وكان من جملة من ألقى نفسه في البحر سليمان بك المعروف بالآغا وأخوه ابراهيم بك الوالي فأما سليمان بك فنجا وغرق ابراهيم بك الصغير وهو صهر ابراهيم بك الكبير ولما انهزم العسكر الغربي حول الفرنسيس المدافع والبنادق على البر الشرقي وضربوها وتحقق أهل البر الآخر الهزيمة فقامت فيهم ضجة عظيمة وركب في الحال ابراهيم بك والباشا والأمراء والعسكر والرعايا وتركوا جميع الأثقال والخيام كما هي لم يأخذوا منها شيئًا فأما ابراهيم بك والباشا والأمراء فساروا الى جهة العادلية وأما الرعايا فهاجوا وماجوا ذاهبين الى جهة المدينة ودخلوها أفواجًا أفواجًا وهم جميعًا في غاية الخوف والفزع وترقب الهلاك وهم يضجون بالعويل والنحيب ويبتهلون الى الله من شر هذا اليوم العصيب والنساء يصرخن بأعلى أصواتهن من البيوت وقد كان ذلك قبل الغروب فلما استقر ابراهيم بك بالعادلية أرسل يأخذ حريمه وكذلك من كان معه من الأمراء فأركبوا النساء بعضهن على الخيول وبعضهن على البغال والبعض على الحمير والجمال والبعض ماش كالجواري والخدم واستمر معظم الناس طول الليل خارجين من مصر البعض بحريمه والبعض ينجو بنفسه ولا يسأل أحد عن أحد بل كل واحد مشغول بنفسه عن أبيه وابنه فخرج تلك الليلة معظم أهل مصر البعض لبلاد الصعيد والبعض لجهة الشرق وهم الأكثر وأقام بمصر كل مخاطر بنفسه لا يقدر على الحركة ممتثلًا للقضاء متوقعًا للمكروه وذلك لعدم قدرته وقلة ذات يده وما ينفقه على حمل عياله وأطفاله ويصرفه عليهم في الغربة فاستسلم للمقدور ولله عاقبة الأمور والذي أزعج قلوب الناس بالأكثر أن في عشاء تلك الليلة شاع في الناس أن الإفرنج عدوا الى بولاق وأحرقوها وكذلك الجيزة وأن أولهم وصل الى باب الحديد يحرقون ويقتلون ويفجرون بالنساء وكان السبب في هذه الإشاعة أن بعض القلينجية من عسكر مراد بك الذي كان في الغليون بمرسي انبابة لما تحقق الكسرة أضرم النار في الغليون الذي هو فيه وكذلك مراد بك لما رحل من الجيزة أمر بانجرار الغليون الكبير من قبالة قصره ليصحبه معه الى جهة قبلي فمشوا به قليلًا ووقف لقلة الماء في الطين وكان به عدة وافرة من آلات الحرب والجبخانة فأمر بحرقه أيضًا فصعد لهيب النار من جهة الجيزة وبولاق ظنوا بل أيقنوا أنهم أحرقوا البلدين فماجوا واضطربوا زيادة عما هم فيه من الفزع والروع والجزع وخرج أعيان الناس وأفندية الوجاقات وأكابرهم ونقيب الأشراف وبعض المشايخ القادرين فلما عاين العامة والرعية ذلك اشتد ضجرهم وخوفهم وتحركت عزائمهم للهروب واللحاق بهم والحال أن الجميع لا يدرون أي جهة يسلكون وأي طريق يذهبون وأي محل يستقرون فتلاحقوا وتسابقوا وخرجوا من كل حدب ينسلون وبيع الحمار الأعرج أو البغل الضعيف بأضعاف ثمنه وخرج أكثرهم ماشيًا أو حاملًا متاعه على رأسه وزوجته حاملة طفلها ومن قدر على مركوب أركب زوجته أو ابنته ومشى هو على أقدامه وخرج غالب النساء ماشيات حاسرات وأطفالهن على أكتافهن يبكين في ظلمة الليل واستمروا على ذلك بطول ليلة الأحد وصحبها وأخذ كل إنسان ما قدر على حمله من مال ومتاع فلما خرجوا من أبواب البلد وتوسطوا الفلاة تلقتهم العربان والفلاحون فأخذوا متاعهم ولباسهم وأحمالهم بحيث لم يتركوا لمن صادفوه ما يستر به عورته أو يسد جوعته فكان ما أخذته العرب شيئًا كثيرًا يفوق الحصر بحيث أن الأموال والذخائر التي خرجت من مصر في تلك الليلة أضعاف ما بقي فيها بلا شك لأن معظم الأموال عند الأمراء والأعيان وحريمهم وقد أخذوه صحبتهم وغالب مساتير الناس وأصحاب المقدرة أخرجوا أيضًا ما عندهم والذي أقعده العجز وكان عنده ما يعز عليه من مال أو مصاغ أعطاه لجاره أو صديقه الراحل ومثل ذلك أمانات وودائع الحجاج من المغاربة والمسافرين فذهب ذلك جميعه وربما قتلوا من قدروا عليه أو دافع عن نفسه ومتاعه وسلبوا ثياب النساء وفضحوهن وهتكوهن وفيهم الخوندات والأعيان فمنهم من رجع من قريب وهم الذين تأخروا في الخروج وبلغهم ما حصل للسابقين ومنهم من جازف متكلًا على كثرته وعزوته وخفارته فسلم أو عطب وكانت ليلة وصباحها في غاية الشناعة جرى فيها ما لم يتفق مثله في مصر ولا سمعنا بما شابه بعضه في تواريخ المتقدمين فما راء كم سمعا ولما أصبح يوم الأحد المذكور والمقيمون لا يدرون ما يفعل بهم ومتوقعون حلول الفرنسيس ووقوع المكروه ورجع الكثير من الفارين وهم في أسوأ حال من العري والفزع فتبين أن الإفرنج لم يعدوا الى البر الشرقي وأن الحريق كان في المراكب المتقدم ذكرها فاجتمع في الأزهر بعض العلماء والمشايخ وتشاوروا فاتفق رأيهم على أن يرسلوا مراسلة الى الإفرنج ينتظروا ما يكون من جوابهم ففعلوا ذلك وأرسلوها صحبة شخص مغربي يعرف لغتهم وآخر صحبته فغابا وعاد فأخبرا أنهما قابلا كبير القوم وأعطياه الرسالة فقرأها عليه ترجمانه ومضمونها الاستفهام عن قصدهم فقال على لسان الترجمان‏:‏ وأين عظماؤكم ومشايخكم لم تأخروا عن الحضور إلينا لنرتب لهم ما يكون فيه الراحة وضمنهم وبش في وجوههم فقالوا‏:‏ نريد أمانًا منكم فقال‏:‏ أرسلنا لكم سابقًا يعنون الكتاب المذكور فقالوا وأيضًا لأجل اطمئنان الناس فكتبوا لهم ورقة أخرى مضمونها‏:‏ من معسكر الجيزة خطابًا لأهل مصر إننا أرسلنا لكم ف يالسابق كتابًا فيه الكفاية وذكرنا لكم أننا حضرنا إلا بقصد إزالة المماليك الذين يستعملون الفرنساوية بالذل والاحتقار وأخذ مال التجار ومال السلطان ولما حضرنا الى البر الغربي خرجوا إلينا فقابلناهم بما يستحقونه وقتلنا بعضهم وأسرنا بعضهم ونحن في طلبهم حتى لم يبق أحد منهم بالقطر المصري وأما المشايخ والعلماء وأصحاب المرتبات والرعية فيكونون مطمئنين وفي مساكنهم مرتاحين الى آخر ما ذكرته ثم قال لهم‏:‏ لابد أن المشايخ والشربجية يأتون إلينا لنرتب لهم ديوانًا ننتخبه من سبعة أشخاص عقلاء يدبرون الأمور ولما رجع الجواب بذلك اطمأن الناس وركب الشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي وآخرون الى الجيزة فتلقاهم وضحك لهم وقال‏:‏ أنتم المشايخ الكبار فأعلموه أن المشايخ الكبار خافوا وهربوا فقال‏:‏ لأي شيء يهربون اكتبوا لهم بالحضور ونعمل لكم ديوانًا لأجل راحتكم وراحة الرعية وأجراء الشريعة فكتبوا منه عدة مكاتبات بالحضور والأمان ثم انفصلوا من معسكرهم بعد العشاء وحضروا الى مصر واطمأن برجوعهم الناس وكانوا في وجل وخوف على غيابهم وأصبحوا فأرسلوا الأمان الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والشيخ الشرقاوي والمشايخ ومن انضم إليهم من الناس الفارين من ناحية المطرية وأما عمر أفندي نقيب الأشراف فإنه لم يطمئن ولم يحضر وكذلك الروزنامجي والأفندية وفي ذلك اليوم اجتمعت الجعيدية وأوباش الناس ونهبوا بيت ابراهيم بك ومراد بك اللذين بخطة قوصون وأحرقوهما ونهبوا أيضًا عدة بيوت من بيوت الأمراء وأخذوا ما فيها من فرش ونحاس وأمتعة وغير ذلك وباعوه بأبخس الأثمان‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عدت الفرنساوية الى بر مصر وسكن بونابارته ببيت محمد بك الالفي بالأزبكية بخط الساكت الذي أنشأه الأمير المذكور في السنة الماضية وزخرفه وصرف عليه أموالًا عظمية وفرشه بالفرش الفاخرة وعند تمامه وسكناه فيه حصلت هذه الحادثة فأخلوه وتركوه بما فيه فكأنه إنما كان يبنيه لأمير الفرنسيس وكذلك حصل في بيت حسن كاشف جركس بالناصرية ولما عدى كبيرهم وسكن بالأزبكية كما ذكر استمر غالبهم بالبر الآخر ولم يدخل المدينة إلا القليل منهم ومشوا في الأسواق من غير سلاح ولا تعديل صاروا يضاحكون الناس ويشترون ما يحتاجون إليه بأغلى ثمن فيأخذ أحدهم الدجاجة ويعطي صاحبهافي ثمنها ريال فرانسة ويأخذ البيضة بنصف فضة قياسًا على أسعار بلادهم وأثمان بضائعهم فلما رأى منهم العامة ذلك أنسوا بهم واطمأنوا لهم وخرجوا إليهم بالكعك وأنواع الفطير والخبز والبيض والدجاج وأنواع المأكولات وغير ذلك مثل السكر والصابون والدخان والبن وصاروا يبيعون عليهم بما أحبوا من الأسعار وفتح غالب السوق الحوانيت والقهاوي‏.‏

وفي يوم الخميس ثالث عشر صفر أرسلوا بطلب المشايخ والوجاقلية عند قائمقام صاري عسكر فلما استقر بهم الجلوس خاطبوهم وتشاوروا معهم في تعيين عشرة أنفار من المشايخ للديوان وفصل الحكومات‏.‏

فوقع الاتفاق على الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ خليل البكري والشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي والشيخ محمد المهدي والشيخ موسى السرسي والشيخ مصطفى الدمنهوري والشيخ أحمد العريشي والشيخ يوسف الشبرخيتي والشيخ محمد الدواخلي وحضر ذلك المجلس أيضًا مصطفى كتخدا بكر باشا والقاضي وقلدوا محمد آغا المسلماني أغات مستحفظان وعلي آغا الشعراوي والي الشرطة وحسن آغا محرم أمين احتساب وذلك بإشارة أرباب الديوان فإنهم كانوا ممتنين من تقليد المناصب لجنس المماليك فعرفوهم أن سوقة مصر لا يخافون إلا من الأتراك ولا يحكمهم سواهم وهؤلاء المذكورون من بقايا البيوت القديمة الذين لا يتجاسرون على الظلم كغيرهم وقلدوا ذا الفقار كتخدا محمد بك كتخدا بونابارته ومن أرباب المشورة الخواجا موسى كانوا وكلاء الفرنساوي ووكيل الديوان حنا بينو‏.‏

وفيه اجتمع أرباب الديوان عند رئيسه فذكر لهم ما وقع من نهب البيوت فقالوا له هذا فعل الجعيدية وأوباش الناس فقال لأي شيء يفعلون ذلك وقد أوصيناكم بحفظ البيوت والختم عليها فقالوا هذا أمر لا قدرة لنا على منعه وإنما ذلك من وظيفة الحكام فأمروا الآغا والوالي أن ينادوا بالأمان وفتح الدكاكين والأسواق والمنع من النهب فلم يسمعوا ولم ينتهوا واستمر غالب الدكاكين والأسواق معطلة والناس غير مطمئنين وفتح الفرنسيس بعض البيوت المغلوقة التي للأمراء ودخلوها وأخذوا منها أشياء وتركوها مفتوحة فعندما يخرجون منها يدخلها طائفة الجعيدية ويستأصلون ما فيها واستمروا على ذلك عدة أيام ثم أنهم تتبعوا بيوت الأمراء وأتباعهم وختموا على بعضها وسكنوا بعضها فكان الذي يخاف على داره من جماعة الوجاقلية أو من أهل البلد وفيه قلدوا برطلمين النصراني الرومي وهو الذي تسميه العامة فرط الرمان كتخدا مستحفظان وركب بموكب من بيت صاري عسكر وأمامه عدة من طوائف الأجناد والبطالين مشاة بين يده وعلى رأسه حشيشة من الحرير الملون وهو لابس فروة بزعادة وبين يديه الخدم بالحراب المفضضة ورتب له بيوك باشي وقلقات عينوا لهم مراكز باخطاط البلد يجلسون بها وسكن المذكور ببيت يحيى كاشف الكبير بحارة عابدين أخذه بما فيه من فرش ومتاع وجواري وغير ذلك والمذكور من أسافل نصارى الأروام العسكرية القاطنين بمصر وكان من الطبجية عند محمد بك الالفي وله حانوت بخط الموسكي يبيع فيه القوارير الزجاج أيام البطالة وقلدوا أيضًا شخصًا افرنجيًا وجعلوه أمين البحرين وآخر جعلوه آغات الرسالة وجعلوا الديوان ببيت قائد آغا بالأزبكية قرب الرويعي وسكن به رئيس الديوان وسكن روتوي قائمقام مصر ببيت ابراهيم بك الوالي المطل على بركة الفيل وسكن شيخ البلد ببيت ابراهيم بك الكبير وسكن مجلون ببيت مراد بك على رصيف الخشاب وسكن بوسليك مدير الحدود ببيت الشيخ البكري القديم ويجتمع عنده النصارى القبط كل يوم وطلبوا الدفاتر من الكتبة ثم إن عساكرهم صارت تدخل المدينة شيئًا فشيئًا حتى امتلأت منها الطرقات وسكنوا في البيوت ولكن لم يشوشوا علي أحد ويأخذون المشتروات بزيادة عن ثمنها ففجر السوقة وصغروا أقراص الخبز وطحنوه بترابه وفتح الناس عدة دكاكين بجواره ساكنهم يبيعون فيها أصناف المأكولات مثل الفطير والكعك والسمك المقلي واللحوم والفراخ المحمرة وغير ذلك وفتح نصارى الأروام عدة دكاكين لبيع أنواع الأشربة وخمامير وقهاوي وفتح بعض الإفرنج البلدين بيوتًا يصنع فيها أنواع الأطعمة والأشربة على طرائقهم في بلادهم فيشتري الأغنام والدجاج والخضارات والأسماك والعسل والسكر وجميع اللوازم ويطبخه الطباخون ويصنعون أنواع الأطعمة والحلاوات ويعمل على بابه علامة لذلك يعرفونها بينهم فإذا مرت طائفة بذلك المكان تريد الأكل دخلوا الى ذلك المكان وهو يشتمل على عدة مجالس دون وأعلى وعلى كل مجلس علامته ومقدار الدراهم التي يدفعها الداخل فيه فيدخلون الى ما يريدون من المجالس وفي وسطه دكة من الخشب وهي الخوان التي يوضع عليها الطعام وحولها كراسي فيجلسون عليها ويأتيهم الفراشون بالطعام على قوانينهم فيأكلون ويشربون على نسق لا يتعدونه وبعد فراغ حاجتهم يدفعون ما وجب عليهم من غير نقص ولا زيادة ويذهبون لحالهم‏.‏

وفيه تشفع أرباب الديوان في أسرى المماليك فقبلوا شفاعتهم وأطلقوهم فدخل الكثير منهم الى الجامع الأزهر وهم في أسوأ حال وعليهم الثياب الزرق المقطعة فمكثوا به يأكلون من صدقات الفقراء المجاورين به ويتكففون المارين وفي ذلك عبرة للمعتبرين‏.‏

وفي يوم السبت اجتمعوا بالديوان وطلبوا دراهم سلفة وهي مقدار خمسمائة ألف ريال من التجار المسلمين والنصارى القبط والشوام وتجار الافرنج أيضًا فسألوا التخفيف فلم يجابوا فأخذوا في تحصيلها‏.‏

وفيه نادوا من أخذ شيئًا من نهب البيوت يحضر به الى بيت قائمقام وإن لم يفعل وظهر بعد ذلك حصل له مزيد الضرر ونادوا أيضًا على نساء الأمراء بالأمان وأنهن يسكن بيوتهن وإن كان عندهن شيء من متاع أزواجهن يظهرنه فإن لم يكن عندهن شيء من منتاع أزواجهن يصالحن على أنفسهن ويأمن في دورهن فظهرت الست نفيسة زوجة مراد بك وصالحت على نفسها وأتباعها من نساء الأمراء والكشاف بمبلغ قدره مائة وعشرون ألف ريال فرانسا‏.‏

وأخذت في تحصيل ذلك من نفسها وغيرها ووجهوا عليها الطلب وكذلك بقية النساء بالوسائط المتداخلين في ذلك كنصارى الشوام والإفرنج البلديين وغيرهم فصاروا يعملون عليهن إرهاصات وتخويفات وكذلك مصالحات على الغز والأجناد المختفين والغائبين والفارين فجمعوا بذلك أموالًا كثيرة وكتبوا للغائبين أوراقًا بالأمان بعد المصالحة ويختم على تلك الأوراق المتقيدون بالديوان‏.‏

وفي يوم الأحد طلبوا الخيول والجمال والسلاح فكان شيئًا كثيرًا وكذلك الأبقار والأثوار فحصل فيها أيضًا مصالحات وأشاعوا التفتيش على ذلك وكسروا عدة دكاكين بسوق السلاح وغيره وأخذوا ما وجدوه فيها من الأسلحة هذا وفي كل يوم ينقلون على الجمال والحمير من الأمتعة والفرش والصناديق والسروج وغير ذلك مما لا يحصى ويستخرجون الخبايا والودائع ويطلبون البنائين والمهندسين والخدام الذين يعرفون بيوت أسيادهم بل يذهبون بأنفسهم ويدلونهم على أماكن الخبايا ومواضع الدفائن ليصير لهم بذلك قربة ووجاهة ووسيلة ينالون بها أغراضهم‏.‏

وفيه قبضوا على شيخ الجعيدية ومعه آخر وبندقوا عليهما بالرصاص ببركة الأزبكية ثم على آخرين أيضًا بالرميلة وأحضر النهابون أشياء كثيرة من الأمتعة التي نهبوها عندما داخلهم الخوف ودا على بعضهم البعض‏.‏

وفي يوم الثلاثاء طلبوا أهل الحرف من التجار بالأسواق وقرروا عليهم دراهم على سبيل القرض والسلفة مبلغًا يعجزون عنه وأجلوا لها أجلًا مقداره ستون يومًا فضجوا واستغاثوا وذهبوا الى الجامع الأزهر والمشهد الحسيني وتشفعوا بالمشايخ فتكلموا لهم ولطفوها الى النصف المطلوب ووسعوا لهم في أيام المهلة‏.‏

وفيه شرعوا في تكسير أبواب الدروب والبوابات النافذة وخرج عدة من عساكرهم يخلعون ويقلعون أبواب الدروب والعطف والحارات فاستمروا على ذلك عدة أيام وداخل الناس من ذلك وهم وخوف شديد وظنوا ظنونًا وحصل عندهم فساد مخيلة ووسوسة تجسمت في نفوسهم بألفاظ نطقوا بها وتصوروا حقيقتها وتناقلوها فيما بينهم كقولهم إن عساكر الفرنسيس عازمون على قتل المسلمين وهم في صلاة الجمعة ومنهم من يقول غير ذلك وذلك بعد أن كان حصل عندهم بعض اطمئنان وفتحوا بعض الدكاكين فلما حصلت هاتان النكتتان انكمش الناس ثانية وارتجفت قلوبهم‏.‏

وفي عشرينه حضرت مكاتيب الحجاج من العقبة فذهب أرباب الديوان الى باش العسكر وأعلموه بذلك وطلبوا منه أمانًا لأمير الحاج فامتنع وقال‏:‏ لا أعطيه ذلك إلا بشرط أن يأتي في قلة ولا يدخل معه مماليك كثيرة ولا عسكر فقالوا له‏:‏ ومن يوصل الحجاج فقال لهم‏:‏ أنا أرسل لهم أربعة آلاف من العسكر يوصلونهم الى مصر فكتبوا لأمير الحاج مكاتبة بالملاطفة وأنه يحضر بالحجاج الى الدار الحمراء وبعد ذلك يحصل الخير فلم تصل إليهم الجوابات حتى كاتبهم ابراهيم بك يطلبهم للحضور الى جهة بلبيس فتوجهوا على بلبيس وأقاموا هناك أيامًا وكان ابراهيم بك ومن معه ارتحل من بلبيس الى المنصورة وأرسلوا الحريم الى القرين وفي ثالث عشرينه خرجت طائفة من العسكر الفرنساوي الى جهة العادلية وصار في كل يوم تذهب طائفة بعد أخرى ويذهبون الى جهة الشرق فلما كان ليلة الأربعاء خرج كبيرهم بونابارته وكانت أوائلهم وصلت الى الخانكة وأبي زعبل وطلبوا كلفة من أبي زعبل فامتنعوا فقاتلوهم وضربوهم وكسروهم ونهبوا البلدة وأحرقوها وارتحلوا الى بلبيس وأما الحجاج فإنهم نزلوا ببلبيس واكترت حجاج الفلاحين مع العرب فأوصلوهم الى بلادهم بالغربية والمنوفية والقليبونجية وغيرها وكذلك فعل الكثير من الحجاج فتفرقوا في البلد بحريمهم ومنهم من أقام ببلبيس وأما أمير الحاج صالح بك فإنه لحق بابراهيم بك وصحبته جماعة من التجار وغيرهم وفي ثامن عشرينه ملك الفرنساوية مدينة بلبيس من غير قتال وبها من بقي من الحجاج فلم يشوشوا عليهم وأرسلوها الى مصر وصحبتهم طائفة من عساكرهم ومعهم طبل فلما كان ليلة الأحد غايته جاء الرائد الى الأمراء بالمنصورة وأخبرهم بوصول الإفرنج وقربهم منهم فركبوا نصف الليل وترفعوا الى جهة القرين وتركوا التجار وأصحاب الأثقال فلما طلع النهار حضر إليهم جماعة من العربان واتفقوا معهم على أنهم يحملونهم الى القرين وحلفوا لهم وعاهدوهم على أنهم لا يخونونهم فلما توسطوا بهم الطريق نقضوا عهدهم وخانوهم ونهبوا حملوهم وتقاسموا متاعهم وعروهم من ثيابهم وفيه كبير التجار السيد أحمد المحروقي وكان ما يخصه نحو ثلثمائة ألف ريال فرانسة نقودًا ومتجرًا م جميع الأصناف الحجازية وصنعت العرب معهم ما لا خير فيه ولحقهم عسكر الفرنساوية فذهب السيد أحمد المحروقي الى صاري العسكر وواجهه وصحبته جماعة من العرب المنافقين فشكا له ما حل به وبإخوانه فلامهم على تنقلهم وركونهم الى المماليك والعرب ثم قبض على أبي خشبة شيخ بلد القرين وقال له‏:‏ عرفني عن مكان المنهوبات فقال‏:‏ أرسل معي جماعة الى القرين فأرسل معه جماعة دلهم على بعض الأحمال فأخذها الإفرنج ورفعوها ثم تبعوه الى محل آخر فأوهمهم أنه يدخل ويخرج إليهم أحمالًا كذلك فدخل وخرج من مكان آخر وذهب هاربًا فرجع أولئك العسكر بجمل ونصف جمل لا غير وقالوا‏:‏ هذا الذي وجدناه والرجل فر من أيدينا فقال صاري عسكر‏:‏ لابد من تحصيل ذلك فطلبوا منه الإذن في التوجه الى مصر فأصحب معهم عدة من عسكره أوصلوهم الى مصر وأمامهم طبل وهم في أسوأ حال وصحبتهم أيضًا جماعة من النساء اللاتي كن خرجن ليلة الحادثة وهن أيضًا في أسوأ حالة تسكب عند مشاهدتهن العبرات‏.‏

واستهل

شهر ربيع الأول بيوم الاثنين سنة 1213

في ثانيه وصل الفرنساوية الى نواحي القرين وكان ابراهيم بك ومن معه وصلوا الى الصالحية وأودعوا مالهم وحريمهم هناك وضمنوا عليها العربان وبعض الجند فأخبر بعض العرب الفرنساوية بمكان الحملة فركب صاري عسكر وأخذ معه الخيالة وقصد الإغارة على الحملة وعلم ابراهيم بك بذلك أيضًا فركب هو وصالح بك وعدة من الأمراء والمماليك وتحاربوا معهم ساعة أشرف فيها الفرنسيس على الهزيمة لكونهم على الخيول وإذا بالخبر وصل الى ابراهيم بك بأن العرب مالوا على الحملة يقصدون نهبها فعند ذلك فر بمن معه على إثره وتركوا قتال الفرنسيس ولحقوا بالعرب وجلوهم عن متاعهم وقتلوا منهم عدة وارتحلوا الى قطيا ورجع صاري عسكر الى مصر وترك عدة من عساكره متفرقين في البلاد فدخل مصر ليلًا وذلك ليلة الخميس رابعه‏.‏

وفي يوم الجمعة خامسه لثالث عشر مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك فأمر صاري عسكر بالاستعداد وتزيين العقبة كالعادة وكذلك زينوا عدة مراكب وغلايين ونادوا على الناس بالخروج الى النزهة في النيل والمقياس والروضة على عادتهم أرسل صاري عسكر أوراقًا لكتخدا الباشا والقاضي وأرباب الديوان وأصحاب المشورة والمتولين للمناصب وغيرهم بالحضور في صحبها وركب صحبتهم بموكبه وزينته وعساكره وطبوله وزموره الى قصر قنطرة السد وكسروا الجسر بحضرتهم وعملوا شنك مدافع ونفوطًا حتى جرى الماء في الخليج وركب وهم صحبته حتى رجع الى داره وأما أهل البلد فلم يخرج منهم أحد تلك الليلة للتنزه في المراكب على العادة سوى النصارى الشوام والقبط والأروام والإفرنج البلديين ونسائهم وقليل من الناس البطالين حضروا في صبحها‏.‏

وفيه تواترت الأخبار بحضور عدة مراكب من الانكليز الى ثغر الاسكندرية وأنهم حاربوا مراكب الفرنساوية الراسية بالمينا وكانت أشيعت هذه الأخبار قبل وتحدث الناس بها فصعب ذلك على الفرنساوية واتفق أن بعض نصارى الشوام نقل عن رجل شريف يسمى السيد أحمد الزر ومن أعيان التجار بوكالة الصابون أنه تحدث بذلك فأمروا بإحضاره وذكروا له ذلك فقال أنا حكيت ما سمعته من فلان النصراني فأحضروه أيضًا وأمروا بقطع لسانيهما أو يدفع كل واحد منهما مائة ريال فرانسة نكالًا لهما وزجرًا عن الفضول فيما لا يعنيهما فتشفع المشايخ فلم يقبلوا فقال بعضهم أطلقوهما ونحن نأتيكم بالدراهم فلم يرضوا فأرسل الشيخ مصطفى الصاوي وأحضر مائتي ريال ودفعها في الحضرة فلما قبضها الوكيل ردها ثانيًا إليه وقال فرقها على الفقراء كما أشار وردها الى صاحبها فانكف الناس عن التكلم في شأن ذلك والواقع أن الانكليز حضروا في أثرهم الى الثغر وحاربوا مراكبهم فنالوا منهم وأحرقوا لقايق الكبير المسمى بنصف الدنيا وكان به أموالهم وذخائرهم وكان مصفحًا بالنحاس الأصفر واستمر الانكليز بمراكبهم بميناء الاسكندرية يغدون ويروحون يرصدون الفرنسيس وفي ذلك اليوم سافر عدة من عساكرهم الى بحري والى الشرقية ولما جرى الماء في الخليج منعوا دخول الماء الى بركة الأزبكية وسدوا قنطرة الدكة بسبب وطاقهم ومدافعهم وآلتهم التي فيها وفيه سأل صاري العسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الأمور وتوقف الأحوال فلم يقبل وقال لابد من ذلك وأعطى له ثلثمائة ريال فرانسا معاونة وأمر بتعلق تعاليق وأحبال وقناديل واجتمع الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم وأرسل الطبلخانة الكبيرة الى بيت الشيخ البكري واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة تحت داره وهي عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية وعدة آلات ومزامير مخلفة الأصوات مطربة وعملوا في الليل حراقة نفوط مختلفة وسواريخ تصعد في الهواء‏.‏

وفي ذلك اليوم ألبس الشيخ خليل البكري فروة وتقلد نقابة الأشراف ونودي في المدينة بأن كل من كان له دعوى على شريف فليفعها الى النقيب‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن ابراهيم بك والأمراء المصرية استقروا بغزة‏.‏

وفي خامس عشره سافر عدة كبيرة من عسكر الفرنساوية الى جهة الصعيد وكبيرهم ديزه وصحبتهم يعقوب القبطي ليعرفهم الأمور ويطلعهم على المخباءات‏.‏

وفي حضر القاصد الذي كان أرسله كبير الفرنساوية بمكاتبات وهدية الى أحمد باشا الجزار بعكا وذلك عند استقرارهم بمصر وصحبته أنفار من النصارى الشوام في صفة تجار ومعهم جانب أرز ونزلوا من ثغر دمياط في سفينة من سفائن أحمد باشا فلما وصلوا الى عكا وعلم بها أحمد باشا أمر بذلك الفرنساوي فنقلوه الى بعض النقاير ولم يواجهه ولم يأخذ منه شيئًا وأمره وفيه حضر جماعة من عسكر الفرنساوية الى بيت رضوان كاشف بباب الشعرية وصحبتهم ترجمان ومهندس فانزعجت زوجته وكان قبل ذلك بأيام صالحت على نفسها وبيتها بألف ريال وثلثمائة ريال وأخذت منهم ورقة ألصقتها على باب دارها وردت ما كانت وزعته من المال والمتاع عند معارفها واطمأنت فلما حضر إليها الجماعة المذكورون قالوا لها بلغ صاري عسكر أن عندك أسلحة وملابس للماليك فأنكرت ذلك فقالوا لازم من التفتيش فقالت دونكم فطلعوا من مكان وفتحوا مخبأة فوجدوا بها أربعة وعشرين شروالًا وبلكات وأمتعة وغير ذلك ووجدوا في أسلفها مخبأة أخرى بها عدة كثيرة من الطبنجات والأسلحة والبنادق وصناديق بارود وغير ذلك فاستخرجوا جميع ذلك ثم نزلوا الى تحت السلالم وفجروا الأرض وأخرجوا منها دراهم كثيرة وحجاب ذهب في داخله دنانير ثم أنزلوا صاحبة الدار ومعها جارية بيضاء وأخذوهما مع الجواري السود وذهبوا بهن فأقمن عندهم ثلاثة أيام ونهبوا ما وجدوه بالدار من فرش وأمتعة ثم قرروا عليها أربعة آلاف ريال أخرى قامت بدفعها وأطلقوها ورجعت الى دارها وبسبب هذه الحادثة شددوا في طلب الأسلحة ونادوا بذلك وإنهم بعد ثلاثة أيام يفتشون البيوت وقال الناس إن هذه حيلة على نهب البيوت ثم بطل ذلك وحصل بينها وبين مباشرها القبطي منافسة فذهب وأغرى بها ودل على ذلك‏.‏

وفي عشرينه قلدوا مصطفى بك كتخدا الباشا على إمارة الحاج فحضروا الى المحكمة عند القاضي ولبس الخلعة بحضرة مشايخ الديوان والتزم بونابارته بتشهيل مهمات الحج وعمل محلًا جديدًا‏.‏

وفيه سأل أصحاب الحصص الالتزام في التصرف في حصصهم فطلبوا منهم حلوانًا فلم يرتضوا بذلك فواعدهم لتمام التحرير والإملاء وقالوا كل من كان له التزام وتقسيط ناطق باسمه يحضره ويمليه ففعلوا ذلك في عدة أيام‏.‏

وفيه قدروا فرضة من المال على القرى والبلاد ونشروا بذلك أوراقًا وذكروا فيها أنها تحسب من المال وقيدوا بذلك الصيارف من القبط‏.‏

وفيه طلب صاري عسكر بونابارته المشايخ فلما استقروا عنده نهض بونابارته من المجلس ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاثة ألوان كل طيلسان ثلاثة عروض أبيض وأحمر وكحلي فوضع منها واحدًا على كتف الشيخ الشرقاوي فرمى به الى الأرض واستفى وتغير مزاجه ونزلوا في البلاد مثل الحكام يحبسون ويضربون ويشددون في الطلب وانتقع لونه واحتد طبعه فقال الترجمان يا مشايخ أنتم صرتم أحبابًا لصاري عسكر وهو يقصد تعظيمكم وتشريفكم بزيه وعلامته فإن تميزتم بذلك عظمتكم العساكر والناس وصار لكم منزلة في قلوبهم فقالوا له لكن قدرنا يضيع عند الله وعند إخواننا من المسلمين فاغتاظ لذلك وتكلم بلسانه وبلغ عنه بعض المترجمين أنه قال عن الشيخ الشرقاوي إنه لا يصلح للرياسة ونحو ذلك فلاطفه بقية الجماعة واستعفوه من ذلك فقال إن لم يكن ذلك فلازم من وضعكم الجوكار في صدوركم وهي العلامة التي يقال لها الوردة فقالوا أمهلونا حتى نتروى في ذلك واتفقوا على اثني عشر يومًا‏.‏

وفي ذلك الوقت حضر الشيخ السادات باستدعاء فصادفهم منصرفين فلما استقر به الجلوس بش له وضاحكه صاري عسكر ولاطفه في القول الذي يعربه الرجمان وأهدى له خاتم الماس وكلفه الحضور في الغد عنده وأحضر له جوكار وأوثقه بفراجته فسكت وسايره وقام وانصرف فلما خرج من عنده رفعه على أن ذلك لا يخل بالدين‏.‏

وفي ذلك اليوم نادى جماعة القلقات على الناس بوضع العلامات المذكورة المعروفة بالوردة وهي إشارة الطاعة والمحبة فأنف غالب الناس من وضعها وبعضهم رأى أن ذلك لا يخل بالدين إذ هو مكره وربما ترتب على عدم الامتثال الضرر فوضعها ثم في عصر ذلك اليوم نادوا بإبطالها من العامة وألزموا بعض الأعيان ومن يريد الدخول عندهم لحاجة من الحاجات بوضعها فكانوا يضعونها إذا حضر عندهم ويرفعونها إذا انفصلوا عنهم وذلك أيام قليلة وحصل ما يأتي ذكره فتركت‏.‏

وفي أواخره كانت انتقال الشمس لبرج الميزان وهو الاعتدال الخريفي فشرع الفرنساوية في عمل عيدهم ببركة الأزبكية وذلك اليوم كان ابتداء قيام الجمهور ببلادهم فجعلوا ذلك اليوم عيدًا وتاريخًا فنقلوا أخشابًا وحفروا حفرًا وأقاموا بوسط بركة الأزبكية صاريًا عظيمًا بآلة وبناء وردموا حوله ترابًا كثيرًا عاليًا بمقدار قامة وعملوا في أعلاه قالبًا من الخشب محددًا لأعلى مربع الأركان ولبسوا باقيه على سمت القالب قماشًا ثخينًا طلوه بالحمرة الجزعة وعملوا أسفله قاعدة نقشوا عليها تصاوير سواد في بياض ووضعوا قبالة باب الهواء بالبركة شبه بوابة كبيرة عالية من خشب مقفص وكسوها بالقماش المدهون مثل لون الصاري وفي أعلى القوصرة طلاء أبيض وبه تصاوير بالأسود مصور فيه مثل حرب المماليك المصرية معهم وهم في شبه المنهزمين بعضهم واقع على بعض وبعضهم ملتفت الى خلف وعلى موازاة ذلك من الجهة الأخرى بناحية قنطرة الدكة التي يدخل منها الماء الى البركة مثال بوابة أخرى على غير شكلها لأجل حراقة البارود وأقاموا أخشابًا كثيرة منتصبة مصطفة منها الى البوابة الأخرى شبه الدائرة متسعة محيطة بمعظم فضاء البركة بحيث صار عمود الصاري الكبير المنتصف المذكور في المركز وربطوا بين تلك الأخشاب حبالًا ممتدة وعلقوا بها صفين من القناديل وبين ذلك تماثيل لحراقة البارود أيضًا وأقاموا في عمل ذلك عدة أيام‏.‏

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الأربعاء سنة 1213 فيه وردت الأخبار بأن مراد بك ومن معه لما بلغهم ورود الفرنسيين عليهم رجعوا الى جهة الفيوم وأن عثمان بك الأشقر عدى الى البر الشرقي وذهب من خلف الجبل الى أستاذه ابراهيم بك بغزة وخرج جماعة من الفرنساوية الى جهة الشرق ومعهم عدة جمال وأحمال فخرج عليهم الغزو العرب الذين يصحبونهم فأخذوا منهم عدة جمال بأحمالها ولم يلحقوهم‏.‏

وفي ثالثه حشرت مكاتبة من ابراهيم بك خطابًا للمشايخ وغيرهم مضمونها أنكم تكونون مطمئنين ومحافظين على أنفسكم والرعية وأن حضرة مولانا السلطان وجه لنا عساكر وإن شاء الله تعالى عن قريب نحضر عندكم فلما وردت تلك المكاتبة وقد كان سأل عنها بونابارته فأرسلوها له وقرئت عليه فقال‏:‏ المماليك كذابون ووافق أيضًا أنه حضر آغا رومي وكان معوقًا بالاسكندرية فمر بالشارع وذهب لزيارة المشهد الحسيني فشاهده الناس فاستغربوا هيئته وفرحوا برؤيته وقالوا هذا رسول الحي حضر من عند السلطان بجواب للفرنسيس يأمرهم بالخروج من مصر واختلفت رواياتهم وآراؤهم وأخبارهم وتجمعوا بالمشهد الحسيني وتبعوا بعضهم بعضًا وصادف ذلك أن بونابارته في ذلك الوقت بلغه مما نقل وتناقل بين الناس أنه ورد مكتوب من المشايخ أيضًا وأخفوه فركب من فوره وحضر الى بيت الشيخ السادات بالمشهد الحسيني وكان الوقت بعد الظهر فدخل على حين غفلة ولم يكن تقدم له مجيء وهو في كبكبة وخيول كثيرة وعساكر فانزعج الشيخ وكان منحرف المزاج ونزل إليه وهو لا يعرف السبب في مجيئه في مثل هذا الوقت على هذه الصورة فعندما شاهده سأله عن ذلك المكتوب فقال‏:‏ لا علم لي بذلك ولم يكن بلغه الخبر ثم جلس مقدار ساعة وركب ومر بعسكره وطوافيه من باب المشهد والناس قد كثر ازدحامهم بالجامع والخطة وهم يلغطون ويخلطون فلما نظروه وشاهد هو جمعيتهم داخله أمر من ذلك فصاحوا بأجمعهم وقالوا بصوت عال‏:‏ الفاتحة فشخص إليهم وصار يسأل من معه عن ازدحامهم فلطفوا له القول وقالوا له إنهم يدعون لك وذهب الى داره وكانت نكتة غريبة وساعة اتفاقية عجيبة كاد ينشأ منها فنتة‏.‏

وفيه شرعوا في خلع البوابات والدروب غير النافذة أيضًا ونقلوا الجميع الى بركة الأزبكية عند رصيف الخشاب والبوابة الكبيرة يقطعونها نصفين ويرفعونها بالعتالين الى هناك فاجتمع من ذلك شيء كثير جدًا وامتلأ من رصيف الخشاب الى قريب وسط البركة‏.‏

وفي يوم السب حادي عشره كان يوم عيدهم الموعود به فضربوا في صبيحته مدافع كثيرة‏.‏

وضعوا على كل قائم من الخشب بنديرة من بنديراتهم الملونة وضربوا طبولهم واجتمعت عساكرهم بالبركة الخيالة والرجالة واصطفوا صفوفًا على طرائقهم المعروفة بينهم ودعوا المشايخ وأعيان المسلمين والقبطة والشوام فاجتمعوا ببيت صاري عسكر بونابارته وجلسوا حصة من النهار ولبسوا في ذلك اليوم ملابس الافتخار ولبس المعلم جرجس الجوهري كركه بطرز قصب على أكتافها الى أكمامها وعلى صدره شمسات قصب بأزرار وكذلك فلتيوس وتعمموا بالعمائم الكشميري وركبوا البغال الفارهة وأظهروا البشر والسرور في ذلك اليوم الى الغاية ثم نزل عظماؤهم وصحبتهم المشايخ والقاضي وكتخدا الباشا فركبوا وذهبوا عند الصاري الكبير الموضوع بوسط البركة وقد كانوا فرشوا في أسفله بسطًا كثيرة ثم إن العساكر لعبوا ميدانهم وعملوا هيئة حربهم وضربوا البنادق والمدافع فلما انقضى ذلك اصطفت العساكر صفوفًا حول ذلك الصاري وقرأ عليهم كبير قسوسهم ورقة بلغتهم لا يدري معناها الأهم وكأنها كالوصية أو النصيحة أو الوعظ ثم قاموا وانفض الجمع ورجع صاري عسكر الى داره فمد سماطًا عظيمًا للحاضرين فلما كان الغروب أوقدوا جميع القناديل التي على الحبال والتماثيل والأحمال التي على البيوت وعند العشاء عملوا حراقة بارود وسواريخ ونفوط وشبه سواقي ودواليب من قار ومدافع كثيرة نحو ساعتين من الليل واستمرت القناديل موقدة حتى طلع النهار ثم فكوا الحبال والتعاليق والتماثيل المصنوعة وبقيت البوابات المقابلة لباب الهواء والصاري الكبير وتحته جماعة ملازمون الإقامة عنده ليلًا ونهارًا من عساكرهم لأنه شعارهم وإشارة الى قيام دولتهم في وفي ثاني ليلة منه ركب كبيرهم الى بر الجيزة وسفر عساكر الى الجهة التي بها مراد بك وكذلك الى جهة الشرقية ومعهم مدافع على عجل وفيه أرسل دبوي قائمقام الى الست نفيسة وطلب منها إحضار زوجة عثمان بك الطنبرجي فأرسلت الى المشايخ تستغيث بهم فحضر إليها الشيخ محمد المهدي والشيخ موسى السرسي وقصدوا منعها فلم يمكنهم فذهبوا صحبتها ونظروا في قصتها والسبب في طلبها أنهم وجدوا رجلًا فراشًا معه جانب دخان وبعض ثياب فقبضوا عليه وقرروه فأخبر أنه تابعها وأنها أعطته ذلك ووعدته بالرجوع إليها لتسلمه شبكي دخان وفروة وخمسمائة محبوب ليوصل ذلك الى سيده فهذا هو السبب في طلبها فقالوا وأين الفراش فبعثوا لإحضاره وسألوها فأنكرت ذلك بالمرة فانتظروا حضور الفراش الى بعد الغروب فلم يحضر فقال لهم المشايخ‏:‏ دعوها تذهب الى بيتها وفي غد تأتي وتحقق هذه القضية فقال‏:‏ دبوي نو نو ومعناه بلغتهم النفي أي لا تذهب فقالوا له‏:‏ دعها تذهب هي ونحن نبيت عوضًا عنها فلم يرض أيضًا وعالجوا في ذلك بقدر طاقتهم فلما أيسوا تركوها ومضوا فباتت عندهم في ناحية من البيت وصحبتها جماعة من النساء المسلمات والنساء الإفرنجيات فلما أصبح النهار ركب المشايخ الى كتخدا الباشا والقاضي فركبا معًا وذهبا الى بيت صاري عسكر الكبير فأحضرها وسلمها الى القاضي ولم يثبت عليها شيء من هذه الدعوة وقرروا عليها ثلاثة آلاف ريال فرانسة وذهبت الى بيت لها مجاور لبيت القاضي وأقامت فيه لتكون في حمايته‏.‏

وفي يوم الخميس نادوا في الأسواق بأن كل من كان عنده بغلة يذهب بها الى بيت قائمقام ببركة الفيل ويأخذ ثمنها وإذا لم يحضرها بنفسه تؤخذ منه قهرًا ويدفع ثلثمائة ريال فرانسا وكان أحضرها باختياره يأخذ في ثمنها خمسين ريالًا قلت قيمتها أو كثرت فغنم صاحب الخسيس وخسر صاحب النفيس ثم ترك ذلك وفيه نادوا بوقود قناديل سهارى بالطرق والأسواق وأن يكون على كل دار قنديل وعلى كل ثلاثة دكاكين قنديل وأن يلازموا الكنس والرش وتنظيف الطرق من العفوشات والقاذورات‏.‏

وفيه نادوا على الأغراب من المغاربة وغيرهم والخدامين البطالين ليسافروا الى بلادهم وكل من وجد بعد ثلاثة أيام يستأهل الذي يجري عليه وكرروا المناداة بذلك وأجلوهم بعدها أربعة وعشرين ساعة فذهبت جماعة من المغاربة الى صاري عسكر وقالوا له أرنا طريقًا للذهاب فإن طريق البر غير مسلوكة والانكليز واقفون بطريق البحر يمنعون المسافرين ولا نقدر على المقام في الاسكندرية من الغلاء وعدم الماء بها فتركهم‏.‏

وفيه جعلوا ابراهيم آغات المتفرقة المعمار قبطان السويس وسافر معه أنفار ببيرق فرنساوي فخرج عليهم العربان في الطريق فنهبوهم وقتلوا ابراهيم آغا المذكور ومن بصحبته ولم يسلم منهم إلا القليل وفيه أهمل أمر الديوان الذي يحضره المشايخ ببيت قائد آغا فاستمروا أيامًا يذهبون فلم يأتهم أحد فتركوا الذهاب فلم يطلبوا‏.‏

وفيه شرعوا في ترتيب ديوان آخر وسموه محكمة القضايا وكتبوا في شأن ذلك طومارًا‏.‏

وشرطوا فيه شروطًا ورتبوا فيه ستة أنفار من النصارى القبط وستة أنفار من تجار المسلمين وجعلوا قاضيه الكبير ملطي القبطي الذي كان كاتبًا عند أيوب بك الدفتردار وفوضوا إليهم القضايا في أمور التجار والعامة والمواريث والدعاوى وجعلوا لذلك الديوان قواعد وأركانًا من البدع السيئة وكتبوا نسخًا من ذلك كثيرة أرسلوا منها الى الأعيان ولصقوا منها نسخًا في مفارق الطرق ورؤوس العطف وأبواب المساجد وشرطوا في ضمنه شروطًا وفي ضمن تلك الشروط شروطًا أخرى بتعبيرات سخيفة يفهم منها المراد بعد التأمل الكثير لعدم معرفتهم بقوانين التراكيب العربية ومحصله التحيل على أخذ الأموال كقولهم بأن أصحاب الأملاك يأتون بحججهم وتمسكاتهم الشاهدة لهم بالتمليك فإذا أحضروها وبينوا وجه تملكهم لها إما بالبيع أو الانتقال لهم بالإرث لا يكتفي بذلك بل يؤمر بالكشف عليها في السجلات ويدفع على ذلك الكشف دراهم بقدر عينوه في ذلك الطومار فإن وجد تمسكه مقيدًا بالسجل طلب منه بعد ذلك الثبوت ويدفع على ذلك الإشهاد بعد ثبوته وقبوله قدرًا آخر ويأخذ بذلك تصحيحًا ويكتب له بعد ذلك تمكين وينظر بعد ذلك في قيمته ويدفع على كل مائة اثنين فإن لم يكن له حجة أو كانت ولم تكن مقيدة بالسجل أو مقيدة ولم يثبت ذلك التقييد فإنها تضبط لديوان الجمهور وتصير من حقوقهم وهذا شيء متعذر وذلك أن الناس إنما وضعوا أيديهم على أملاكهم إما بالشراء أو بأيولتها لهم من مورثهم أو نحو ذلك بحجة قريبة أو بعيدة العهد أو بحجج أسلافهم ومورثيهم فإذا طولبوا باثبات مضمونها تعسر أو تعذر لحادث الموت أو الأسفار أو ربما حضرت الشهود فلم تقبل فإن قبلت فعل به ما ذكر ومن جملة الشروط مقررات على المواريث والموتى ومقاديرها متنوعة في القلة والكثرة كقولهم إذا مات الميت يشاورون عليه ويدفعون معلومًا لذلك ويفتحون تركته بعد أربع وعشرين ساعة فإذا بقيت أكثر من ذلك ضبطت للديوان أيضًا ولا حق فيها للورثة وإن فتحت على الرسم بإذن الديوان يدفع على ذلك الإذن مقررًا أو كذلك على ثبوت الوراثة ثم عليهم بعد قبض ما يخصهم مقرر وكذلك من يدعي دينًا على الميت يثبته بديوان الحشريات ويدفع على إثباته مقرر أو يأخذ له ورقة يستلم بها دينه فإذا استلمه رفع مقررًا أيضًا ومثل ذلك في الرزق والأطيان بشروط وأنواع وكيفية أخرى غير ذلك والهبات والمبايعات والدعاوى والمنازعات والمشاجرات والإشهادات الجزئية والكليات والمسافر كذلك لا يسافر إلا بورقة ويدفع عليها قدرًا وكذلك المولود إذا ولد ويقال له إثبات الحياة وكذلك المؤاجرات وقبض أجر الأملاك وغير ذلك‏.‏

وفي نادى أصحاب الدرك على العامة بترك الفضول والكلام في أمور الدولة فإذا مر عليهم جماعة من العسكر مجروحون أو منهزمون لا يسخرون بهم ولا يصفقون عليهم كما هي عادتهم‏.‏

وفيه نهبوا أمتعة عسكر القلينجية الذين كانوا عسكرًا عند الأمراء فأخذوا مكانًا بوكالة علي بك بساحل بولاق وبالجمالية وأخذوا متاعهم ومتاع شركائهم محتجين بأنهم قاتلوا مع المماليك وهربوا معهم‏.‏

وفيه أحضروا محمد كتخدا أبا سيف الذي كان سردارًا بدمياط من طرف الأمراء المصريين وكان سابقًا كتخدا حسن بك الجداوي فلما حضر حبسوه في القلعة وحبسوا معه فراشًا لابراهيم بك‏.‏

وفيه أمروا سكان القلعة بالخروج من منازلهم والنزول الى المدينة ليسكنوا بها فنزلوا وأصعدوا الى القلعة مدافع ركزوها بعدة مواضع وهدموا بها أبنية كثيرة وشرعوا في بناء حيطان وكرانك وأسوار وهدموا أبنية عالية وأعلوا مواضع منخفضة وبنوا على بدنات باب العزب بالرميلة وغيروا معالمها وأبدلوا محاسنها ومحوا ما كان بها من معالم السلاطين وآثار الحكماء والعظماء وما كان في الأبواب العظام من الأسلحة والدرق والبلط والحوادث والحرب الهندية وأكر الفداوية وهدموا قصر يوسف صلاح الدين ومحاسن الملوك والسلاطين ذوات الأركان الشاهقة والأعمدة الباسقة‏.‏

وفيه عينت عساكر الى مراد بك وذهبوا إليه ببحر يوسف جهة الفيوم‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشره نودي بأن كل من تشاجر مع نصراني أو يهودي يشهد أحد الخصمين على الآخر ويطلبه لبيت صاري عسكر‏.‏

وفيه قتلوا شخصين وطافوا برؤوسهما وهم ينادون عليهما يوقولون هذا جزاء من يأتي بمكاتيب من عند المماليك أو يذهب إليهم بمكاتيب‏.‏

وفيه نبهوا الناس بالمنع من دفن الموتى بالترب القريبة من المساكن كتربة الأزبكية والرويعي ولا يدفنون الموتى إلا في القرافات البعيدة والذي ليس له تربة بالقرافة يدفن ميته في ترب المماليك وإذا دفنوا يبالغون في تسفيل الحفر ونادوا أيضًا بنشر الثياب والأمتعة والفرش بالأسطحة عدة أيام وتبخير البيوت بالبخورات المذهبة للعفونة كل ذلك للخوف من حصول الطاعون وعدوه ويقولون إن العفونة تنحبس بأغوار الأرض فإذا دخل الشتاء وبردت الأغوار بسريان النيل والأمطار والرطوبات خرج ما كان منحبسًا بالأرض من الأبخرة الفاسدة فيتعفن الهواء فيحصل الوباء والطاعون ومن قولهم أيضًا إن مرض مريض لابد من الإخبار عنه فيرسلون من جهتهم حكيمًا للكشف عليه إن كان مرضه بالطاعون أو بغيره ثم يرون رأيه فيه‏.‏

وفي يوم السبت ثامن عشره ذهبت جماعة من القواسة الذين يخدمون الفرنساوية وشرعوا في هدم التراكيب المبنية على المقابر بتربة الأزبكية وتمهيدها بالأرض فشاع الخبر بذلك وتسامع أصحاب الترب بتلك البقعة فخرجوا من كل حدب ينسلون وأكثرهم النساء الساكنات بحارات المدابغ وباب اللوق وكرم الشيخ سلامة والفوالة والناصرة وقنطرة الأمير حسين وقلعة الكلاب الى أن صاروا كالجراد المنتشر ولهم صياح وضجيج واجتمعوا بالأزبكية ووقفوا تحت بيت صاري عسكر فنزل لهم المترجمون واعتذروا بأن صاري عسكر لا علم له بذلك الهدم ولم يأمر به وإنما أمر بمنع الدفن فقط فرجعوا الى أماكنهم ورفع الهدم عنهم‏.‏

وفيه كتبوا من المشايخ كتابًا ليرسلوه الى السلطان وآخر الى شريف مكة ثم إنهم بصموا منه عدة نسخ ولصقوها بالطرق والمفارق وصورته ملخصًا بعد الصدر وذكر ورودهم وقتالهم مع المماليك وهروبهم وأن جماعة من العلماء ذهبت إليهم بالبر الغربي فأمنوهم وكذلك الرعية دون المماليك وذكروا فيه أنهم من أخصاء السلطان العثماني وأعداء أعدائه وأن السكة والخطبة باسمه وشعائر الإسلام مقامة على ما هي عليه وباقية بمعنى الكلام السابق من قولهم إنهم مسلمون وإنهم محترمون القرآن والنبي وإنهم أوصلوا الحجاج المتشتتين وأكرموهم وأركبوا الماشي وأطعموا الجيعان وسقوا العطشان واعتنوا بيوم الزينة يوم جبر البحر وعملوا له شأنًا ورونقًا استجلا بالسرور المؤمنين وأنفقوا أموالًا برسم الصدقة على الفقراء وكذلك اعتنوا بالمولد النبوي وأنفقوا أموالًا في شأن انتظامه واتفق رأينا ورأيهم على لبس حضرة الجناب المحترم آغا كتخدا بكر باشا والي مصر حالًا فاستحسنا ذلك لبقاء علقة الدولة العلية وهم أيضًا مجتهدون في إتمام مهمات الحرمين وأمرونا أن نعلمكم بذلك والسلام‏.‏

وفيه وقعت حادثة جزئية من جملة الجزئيات وهو أن رجلًا صيرفيًا بجوار حارة الجوانية وقع من لفظه أنه قال السيد أحمد البدوي بالشرق والسيد ابراهيم الدسوقي بالغرب يقتلان كل من يمر عليهما من النصارى وكان هذا الكلام بمحضر من النصارى الشوام فجاوبه بعضهم وأسمعه قبيح القول ووقع بينهما التشاجر فقام النصراني وذهب الى دبوي وأخبره بالقصة فأرسل وقبض على ذلك الصيرفي وحبسه وسمر حانوته وختم على داره وتشفع فيه المشايخ عدة مرات فأطلقوه بعد يومين وأرسلوه الى بيت الشيخ البكري ليؤدب هناك بالضرب أو يدفع خمسمائة ريال فرانسة فضرب مائة سوط وأطلق الى سبيله وكذلك أفرجوا عن بقية المسجونين‏.‏

وفي يوم الاثنين طاف أصحاب الدرك على الأخطاط والوكائل فكتبوا أسماءها وأسماء البوابين وفي يوم الثلاثاء عمل المولد الحسيني وكان من العزم تركه في هذا العام فدس بعض المنافقين دسيسة عند الفرنسيس وذلك أنه وقعت المذاكرة بأن من المعتاد أن يعمل المولد الحسيني بعد المولد النبوي فقال بونابارته ولم لم يعملوه فقال ذلك المنافق غرض الشيخ السادات عدم عمله إلا إذا حضر المسلمون فبلغ شيخ السادات ذلك فشرع في عمله على سبيل الاختصار وحضر صاري عسكر وشاهد الوقدة ورجع داره بعد العشاء‏.‏

وفيه حضر علماء الاسكندرية وأعيانها وكذلك رشيد ودمياط وبقية البنادر باستدعاء صاري عسكر ليحضروا الديوان الشرعين فيه لترتيب النظام الذي سبقت الإشارة إليه‏.‏

وفيه سافر أيضًا جماعة من الفرنسيس الى جهة مراد بك ومن معه التقوا معهم وتراموا ساعة ثم انهزموا عنهم وأطمعوهم في أنفسهم فتتبعوهم الى أسفل جبل اللاهون ثم خرجوا عليهم على مثل حالهم رجالًا وتراموا معهم وأكمنوا لهم وثبتوا معهم وظهر عليهم المصريون وقتل من الفرنساوية مقتلة كبيرة‏.‏

وفيه سقطت البوابة المصنوعة ببركة الأزبكية المقابلة لباب الهواء التي كانوا وضعوها في يوم عيدهم وقد تقدم شرحها ووصفها وسبب سقوطها أنهم لما منعوا الماء من دخوله للبركة وسدوا القنطرة كما تقدم علا الماء في أرض البركة وتخلخلت الأرض فسقطت تلك البوابة‏.‏

وفي يوم الجمعة رابع عشرينه نبهوا على المشايخ والأعيان والتجار ومن حضر من الأقطار بالحضور الى الديوان العام ومحكمة النظام بكرة تاريخه وذلك ببيت مرزوق بك بحارة عابدين فلما أصبح يوم السبت أعادوا التنبيه بحضورهم بالديوان القديم ببيت قائد آغا بالأزبكية فتوجه المشايخ المصريخ والذين حضروا من الثغور والبلاد وحضر الوجاقات وأعيان التجار ونصارى القبط والشوام ومديرو الديوان من الفرنسيس وغيرهم جمعًا موفورًا‏.‏

فلما استقر بهم الجلوس شرع ملطي القبطي الذي عملوه قاضي في قراءة فرمان الشروط وفي المناقشة فابتدر كبير المديرين في إخراج طومار آخر وناوله للترجمان فنشره وقرأه‏.‏

وملخصه ومضمونه‏:‏ الأخبار بأن قطر مصر هو المركز الوحيد وأنه أخصب البلاد وكان يجلب إليه المتاجر من البلاد البعيدة وأن العلوم والصنائع والقراءة والكتابة التي يعرفها الناس في هذه الدنيا أخذت عن أجداد أهل مصر الأول ولكون قطر مصر بهذه الصفات طمعت الأمم في تملكه فملكه أهل بابل وملكه اليونانيون والعرب والترك الآن إلا أن دولة الترك شددت في خرابه لأنها إذا حصلت الثمرة قطعت عروقها فلذلك لم يبقوا بأيدي الناس إلا اقدر اليسير وصار الناس لأجل ذلك مختفين تحت حجاب الفقر وقاية لأنفسهم من سوء ظلمهم ثم إن طائفة الفرنساوية بعدما تمهد أمرهم وبعد صيتهم بقيامهم بأمور الحروب اشتاقت لأنفسهم لاستخلاص مصر مما هي فيه وإراحة أهلها من تغلب هذه الدولة المفعمة جهلًا وغباوة فقدموا وحصل لهم النصرة ومع ذلك لم يتعرضوا لأحد من الناس ولم يعاملوا الناس بقسوة وأن غرضهم تنظيم أمور مصر وإجراء خلجانها التي دثرت ويصير لها طريقان‏:‏ طريق الى البحر الأسود وطريق الى البحر الأحمر فيزداد خصبها وريعها ومنع القوي من ظلم الضعيف وغير ذلك استجلا بالخواطر أهلها وإبقاء للذكر الحسن فالمناسب من أهلها ترك الشغب وإخلاص المودة وإن هذه الطوائف المحضرة من الأقاليم يترتب على حضورها أمور جليلة لأنهم أهل خبرة وعقل فيسألون عن أمور ضرورية ويجيبون عنها فينتج لصاري عسكر من ذلك ما يليق صنعه الى آخر ما سطروه من الكلام قلت ولم يعجبني في هذا التركيب إلا قوله المفعمة جهلًا وغباوة بعد قوله بعد ذلك ومع ذلم لم يتعرضوا لأحد الى آخر العبارة ثم قال الترجمان نريد منكم مشايخ أن تختاروا شخصًا منكم يكون كبيرًا ورئيسًا عليكم ممتثلين أمره وإشارته فقال بعض الحاضرين الشيخ الشرقاوي فقال نونو إنما ذلك يكون بالقرعة فعملوا قرعة بأوراق فطلع الأكثر على الشيخ الشرقاوي فقال حينئذ يكون الشيخ عبد الله الشرقاوي هو الرئيس فما تم هذا الأمر حتى زالت الشمس فأذنوا لهم في الذهاب وألزموهم بالحضور في كل يوم‏.

وفيه وقعت كائنة الحاج محمد بن قيمو المغربي التاجر الطرابلسي وهو أنه كان بينه وبين بعض نصارى الشوام المترجمين مافسة فأنهى الى عظماء الفرنسيس أنه ذو مال وأنه شريك عبد الله المغربي تابع مراد بك فأرسلوا بطلبه فذهب الى بيت الشيخ عبد الله الشرقاوي لنسابة بينهما فقال الشيخ للقواسة المرسلين بعد سؤالهم عن سبب طلبهم له فقالوا لدعوة ليست شرعية فقال لهم في غد أحضروا خصمه ويتداعى معه فإن توجه الحق عليه ألزمناه بدفعه‏.‏

فرجعت الرسل وتغيب الرجل لخوفه فبعد مضي مقدار نحو ساعة حضر نحو الخمسين عسكريًا من الفرنسيس الى بيت الشيخ وطالبوه به فأخبرهم أنه هرب فلم يقبلوا عذره وألحوا في طلبه ووقفوا ببنادقهم وأرهبوا فركب المهدي والدواخلي الى صاري العسكر وأخبروه بالقضية وبهروب الرجل فقال ولأي شيء يهرب فقالوا من خوفه فقال لولا أن جرمه كبير لما هرب وأنتم غيبتموه وأظهر الحنق والغيظ فلاطفاه واستعطفا خاطر الترجمان فكلمه وسكن غيظه ثم سأل عن منزله ومخزنه فأخبراه عنهما فقال نذهب معكما من يختم عليهما حتى يظهر في غد فاطمأنوا لذلك ورجعوا عند الغروب وختموا على مخزنه ومنزله فلما أصبح النهار فلم يظهر الرجل فأخذوا ما وجدوه فيهما من البضائع والأمانات‏.‏

وفي يوم الأحد ذهبوا الى الديوان وعملوا مثل عملهم الأول حتى تمموا أسماء المنتخبين بديوان مصر من الثغور المشايخ والوجاقلية والقبط والشوام وتجار المسلمين وذلك الترتيب غير ترتيب الديوان وفي يوم الاثنين اجتمعوا بالديوان ونادى المنادي في ذلك اليوم بالأسواق على الناس بإحضارهم حجج أملاكهم الى الديوان والمهلة ثلاثون يومًا فإن تأخر عن الثلاثين يضاعف المقرر ومهلة البلاد ستون يومًا ولما تكامل الجميع شرع ملطي في قراءة المنشور وتعدد ما به من الشروط مسطور وذكر من ذلك أشياء منها أمر المحاكم والقضايا الشرعية وحجج العقارات وأمر المواريث وتناقشوا في ذلك حصة من الزمن وكتبوا هذه الأربعة أشياء أرباب ديوان الخاصة يدبرون رأيهم في ذلك وينظرون المناسب والأحسن وما فيه الراحة لهم وللرعية ثم يعرضون ما دبروه يوم الخميس وما بين ذلك له مهلة وانفض المجلس‏.‏ واستهل

شهر جمادى الأولى يوم الخميس الموعود سنة 1213

واجتمعوا بالديوان ومعهم ما لخصوه واستأصلوه في الجملة فأما أمر المحاكم والقضايا فالأولى إبقاؤها على ترتيبها ونظامها وعرفوهم عن كيفية ذلك ومثل ذلك ما عليه أمر محاكم البلاد فاستحسنوا ذلك إلا أنهم قالوا يحتاج الى ضبط المحاصيل وتقريرها على أمر لا يتعداه القضاة ولا نوابهم فقرروا ذلك وهو أنه كان عشرة آلاف فما دونها يكون على كل ألف ثلاثون نصفًا وإذا كان المبلغ مائة يكون على الألف خمسة عشر فإن زاد على ذلك فعشرة واتفقوا على تقرير القضاة ونوابهم على ذلك وأما حجج العقارات فإنه أمر شاق طويل الذيل فالمناسب فيه والأولى أن يجعلوا عليها دراهم من بادئ الرأي ليسهل تحصيلها ويحسن عليها السكوت ويكون المحصول أعلى وأدنى وأوسط وبينوا القدر المناسب بتفصيل الأماكن وكتبوه وأبقوه حتى يرى الآخرون رأيهم فيه وانفض الديوان وفي ذلك اليوم نودي في الأسواق بنشر الثياب والأمتعة خمسة عشر يومًا وقيدوا على مشايخ الأخطاط والحارات والقلقات بالفحص والتفتيش فعينوا لكل حارة امرأة ورجلين يدخلون البيوت للكشف عن ذلك فتصعد المرأة الى أعلى الدار وتخبرهم عن صحة نشرهم الثياب ثم يذهبون بعد التأكد على أهل المنزل والتحذير من ترك الفعل وكل ذلك لذهاب العفونة الموجبة للطاعون وكتبوا بذلك أوراقًا لصقوهم بحيطان الأسواق على عادتهم في ذلك‏.‏

وفيه حضر الى البيت البكري جم غفير من أولاد الكتاتيب والفقهاء والعميان والمؤذنين وأرباب الوظائف والمستحقين من الزمني والمرضى بالمرستان المنصوري وأوقاف عبد الرحمن كتخدا وشكوا من قطع رواتبهم وخبزهم لأن الأوقاف تعطل إيرادها واستولى على نظارتها النصارى القبط والشوام جعلوا ذلك مغنمًا لهم فواعدهم على حضورهم الديوان وينهوا شكواهم ويتشفع لهم فذهبوا راجعين‏.‏

وفيه قدمت مراكب من جهة الصعيد وفيها عدة من العسكر مجروحين‏.‏

وفيه وضعوا على التلال المحيطة بمصر بيارق بيضًا فأكثر الناس من اللغط ولم يعلموا سبب وفي يوم الأحد اجتمعوا في الديوان وأخذوا فيما هم فيه فذكروا أمر المواريث فقال ملطي مشايخ أخبرونا عما تصنعونه في قسمة المواريث فأخبروه بفروض المواريث الشرعية فقال ومن أين لكم ذلك فقالوا من القرآن وتلوا عليهم بعض آيات المواريث فقال الإفرنج نحن عندنا لا نورث الولد ونورث البنت ونفعل كذا وكذا بحسب تحسين عقولهم لأن الولد أقدر على التكسب من البنت فقال ميخائيل كحيل الشامي وهو من أهل الديوان أيضًا نحن والقبط يقسم لنا مواريثنا المسلمون ثم التمسوا من المشايخ أن يكتبوا لهم كيفية القسمة ودليلها فسايروهم ووعدوهم بذلك - وانفضوا وفي ذلك اليوم عزلوا محمد آغا المسلماني آغات مستحفظان وجعلوه كتخدا أمير الحاج واستقروا بمصطفى آغا تابع عبد الرحمن آغا مستحفظان سابقًا عوضًا عنه ونودي بذلك‏.‏

وفي يوم الاثنين عملوا لهم ديوانًا وكتبوا لهم كيفية قسمة المواريث وفروض القسمة الشرعية وحصص الورثة والآيات المتعلقة بذلك فاستحسنوا ذلك‏.‏

وفي يوم السبت عاشر جمادى الأولى عملوا الديوان وأحضروا قائمة مقررات الأملاك والعقار فجعلوا على الأقل ثمانية فرانسة والأوسط ستة والأدنى ثلاثة وما كان أجرته أقل من ريال في الشهر فهو معافى وأما الوكائل والخانات والحمامات والمعاصر والسيارج والحوانيت فمنها ما جعلوا عليه ثلاثين وأربعين بحسب الخمسة والرواج والاتساع وكتبوا بذلك مناشير على عادتهم وألصقوها بالمفارق والطرق وأرسلوا منها نسخًا للأعيان وعينوا المهندسين ومعهم أشخاص لتمييز الأعلى من الأدنى وشرعوا في الضبط والإحصاء وطافوا ببعض الجهات لتحرير القوائم وضبط أسماء أربابها ولما أشيع ذلك في الناس كثر لغطهم واستعظموا ذلك والبعض استسلم للقضاء فانتبذ جماعة من العامة وتناجوا في ذلك ووافقهم على ذلك بعض المتعممين الذي لم ينظر في عواقب الأمور ولم يتفكر أنه في القبضة مأسور فتجمع الكثير من الغوغاء من غير رئيس يسوسهم ولا قائد يقودهم وأصبحوا يوم الأحد متحزبين وعلى الجهاد عازمين وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح وآلات الحرب والكفاح وحضر السيد بدر وصحبته حشرات الحسينية وزعر الحارات البرانية ولهم صياح عظيم وهول جسيم ويقولون بصياح في الكلام نصر الله دين الإسلام فذهبوا الى بيت قاضي العسكر وتجمعوا وتبعهم ممن على شاكلتهم نحو الألف والأكثر فخاف القاضي العاقبة وأغلق أبوابه وأوقف حجابه فرجموه بالحجارة والطوب وطلب الهرب فلم يمكنه الهروب وكذلك اجتمع بالأزهر العالم الأكبر وفي ذلك الوقت حضر دبوي بطائفة من فرسانه وعساكره وشجعانه فمر بشارع الغورية وعطف على خط الصنادقية وذهب الى بيت القاضي فوجد ذلك الزحام فخاف وخرج من بين القصرين وباب الزهومة وتلك الأخطاط بالخلائق مزحومة فبادروا إليه وضربوه وأثخنوا جراحاته وقتل الكثير من فرسانه وأبطاله وشجعانه فعند ذلك أخذ المسلمون حذرهم وخرجوا يهرعون ومن كل حدب ينسلون ومسكوا أطراف الدائرة بمعظم أخطاط القاهرة كباب الفتوح وباب النصر والبرقية الى باب زويلة وباب الشعرية وجهة البندقانيين وما حاذاها ولم يتعدوا جهة سواها وهدموا مساطب الحوانيت وجعلوا أحجارها متاريس للكرنكة لتعوق هجوم العدو في وقت المعركة ووقف دون كل متراس جمع عظيم من الناس وأما الجهات البرانية والنواحي الفوقانية فلم يفزع منهم فازع ولم يتحرك منهم أحد ولم يسارع وكذلك شذ عن الوفاق مصر العتيقة وبولاق وعذرهم الأكبر قربهم من مساكن العسكر ولم تزل طائفة المحاربين في الأزقة متترسين فوصل جماعة من الفرنساوية وظهروا من ناحية المناخلية وبندقوا على متراس الشوائين وبه جماعة من مغاربة الفحامين فقاتلوهم حتى أجلوهم وعن المناخلية أزالوهم ذلك ذلك زاد الحال وكثر الرجف والزلزال وخرجت العامة عن الحد وبالغوا في القضية بالعكس والطرد وامتدت أيديهم الى النهب والخطف والسلب فهجموا على حارة الجوانية ونهبوا دور النصارى الشوام والأروام وما جاورهم من بيوت المسلمين على التمام وأخذوا الودائع والأمانات وسبوا النساء والبنات وكذلك نهبوا خان الملايات وما به من الأمتعة والموجودات وأكثروا من المعايب ولم يفكروا في العواقب وباتوا تلك الليلة سهرانين وعلى هذا الحال مستمرين وأما الإفرنج فإنهم أصبحوا مستعدين على تلال البرقية والقلعة واقفين وأحضروا جميع الآلات من المدافع والقنابر والبنبات ووقفوا مستحضرين ولأمر كبيرهم منتظرين وكان كبير الفرنسيس أرسل الى المشايخ مراسلة فلم يجيبوه عنها ومل من المطاولة هذا والرمي متتابع من الجهتين وتضاعف الحال ضعفين حتى مضى وقت العصر وزاد القهر والحصر فعند ذلك ضربوا بالمدافع والبنبات على البيوت والحارات وتعمدوا بالخصوص الجامع الأزهر وجرروا عليه المدافع والقنبر وكذلك ما جاوره من أماكن المحاربين كسوق الغورية والفحامين فلما سقط عليهم ذلك ورأوه ولم يكونوا في عمرهم عاينوه نادوا يا سلام من هذه الآلام يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف وهربوا من كل سوق ودخلوا في الشقوق وتتابع الرمي من القلعة والكيمان حتى تزعزعت الأركان وهدمت في مرورها حيطان الدور وسقطت في بعض القصور ونزلت في البيوت والوكائل وأصمت الآذان بصوتها الهائل فلما عظم هذا الخطب وزاد الحال والكرب ركب المشايخ الى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا النازل ويمنع عسكره من الرمي المتراسل ويكفهم كما تكف المسلمون عن القتال والحرب خدعة وسجال فلما ذهبوا إليه واجتمعوا عليه عاتبهم في التأخير واتهمهم في التقصير فاعتذروا إليه فقبل عذرهم وأمر برفع الرمي عنهم وقاموا من عنده وهم ينادون بالأمان في المسالك وتسامع الناس بذلك فردت فيهم الحرارة وتسابقوا لبعضهم بالبشارة واطمأنت منهم القلوب وكان الوقت قبل الغروب وانقضى النهار وأقبل الليل وغلب على الظن أن القضية لهاذل وأما الحسينية والعطوف البرانية فإنهم لم يزالوا مستمرين وعلى الرمي والقتال ملازمين ولكن خانهم المقصود وفرغ منهم البارود والإفرنج أثخنوهم بالرمي المتتابع بالقنابر والمدافع الى أن مضى من الليل نحو ثلاث ساعات وفرغت من عندهم الأدوات فعجزوا عن ذلك وانصرفوا وكف عنهم القوم وانحرفوا وبعد هجعة من الليل دخل الإفرنج المدينة كالسيل ومروا في الأزقة والشوارع لا يجدون لهم ممانع كأنهم الشياطين أو جند إبليس وهدموا ما وجدوه من المتاريس ودخل طائفة من باب البرقية ومشوا الى الغورية وكروا ورجعوا وترددوا ما هجعوا وعلموا باليقين أن لا دافع لهم ولا كمين وتراسلوا ارسالًا ركبانًا ورجالًا ثم دخلوا الى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيول وبينهم المشاة كالوعول‏.‏

وتفرقوا بصحته ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا بالأروقة والحارات وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف على الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا وشربوا الشراب وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه وكل من صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه وأصبح يوم الثلاثاء فاصطف منهم خرب بباب الجامع فكل من حضر للصلاةيراهم فيكر راجعًا ويسارع وتفرقت طوائفهم بتلك النواحي أفواجًا واتخذوا السعي والطواف بها منهاجًا وأحاطوا بها إحاطة السوار ونهبوا بعض الديار بحجة التفتيش على النهب وآلة السلاح والضرب وخرجت سكان تلك الجهة يهرعوا وللنجاة بأنفسهم طالبون وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد أن كانت أشرف البقاع ويرغب الناس في سكناها ويودعون عند أهلها ما يخافون عليه الضياع والفرنساوية لا يمرون بها إلا نادرًا ويحترمونها عن غيرها في الباطن والظاهر فانقلب بهذه الحركة منها الموضوع وانخفض على غير القياس المرفوع ثم ترددوا في الأسواق ووقفوا صفوفًا مئينًا وألوفًا فإن مر بهم أحد فتشوه وأخذوا ما معه وربما قتلوه‏.‏

ورفعوا القتلى والمطروحين من الإفرنج والمسلمين ووقف جماعة من الفرنسيس ونظفوا مراكز المتاريس وأزالوا ما بها من الأتربة والأحجار المتراكمة ووضعوها في ناحية لتصير طريق المرور خالية وتحزبت نصارى الشوام وجماعة أيضًا من الأروام الذين انتهبت دورهم بالحارة الجوانية ليشكوا لكبير الفرنسيس ما لحقهم من الزرية واغتنموا الفرصة في المسلمين وأظهروا ما هو بقلوبهم كمين وضربوا فيهم المضارب وكأنهم شاركوا الإفرنج في النوائب وما قصدهم المسلمون ونهبوا ما لديهم إلا لكونهم منسوبين إليهم مع أن المسلمين الذين جاوروهم نهبهم الذعر أيضًا وسلبوهم وكذلك خان الملايات المعلوم الذي عند باب حارة الروم فيه بضائع المسلمين وودائع الغائبين فسكت المصاب على غصته واستعوض الله في قضيته لأنه إن تكلم لا تسمع دعواه ولا يلتفت الى شكواه وانتدب برطلمين للعسس على من حمل السلاح أو اختلس وبث أعوانه في الجهات يتجسسون في الطرقات فيقبضون على الناس بحسب أغراضهم وما ينهيه النصارى من أبغاضهم فيحكم فيهم بمراده ويعمل برأيه واجتهاده‏.‏

ويأخذ منهم الكثير ويركب في موكبه ويسير وهم موثوقون بين يديه بالحبال ويسحبهم الأعوان بالقهر والنكال فيودعونهم السجونات ويطالبونهم بالمنهوبات ويقررونهم بالعقاب والضرب ويسألونهم عن السلاح وآلات الحرب ويدل بعضهم على بعض فيضعون على المدلول عليهم أيضًا القبض وكذلك فعل مثل ما فعله اللعين الآغا وتجبر في أفعاله وطغى‏.‏

وكثير من الناس ذبحوهم وفي بحر النيل قذفوهم ومات في هذين اليومين وما بعدهما أمم كثيرة لا يحصي عددها إلا الله وطال بالكفرة بغيهم وعناديهم ونالوا من المسلمين قصدهم ومرادهم وأصبح يوم الأربع فركب فيه المشايخ أجمع وذهبوا لبيت صاري عسكر وقابلوه وخاطبوه في العفو ولاطفوه والتمسوا منه أمانًا كافيًا وعفوًا ينادون به باللغتين شافيًا لتطمئن بذلك قلوب الرعية ويسكن روعهم من هذه الرزية فوعدهم وعدًا مشوبًا بالتسويف وطالبهم بالتبيين والتعريف عمن تسبب من المتعممين في إثارة العوام وحرضهم على الخلاف والقيام فغالطوه عن تلك المقاصد فقال على لسان الترجمان نحن نعرفهم بالواحد فترجوا عنده في إخراج العسكر من الجامع الأزهر فأجابهم لذلك السؤال وأمر بإخراجهم في الحال وأبقوا منهم السبعين أسكنوهم في الخطة كالضابطين ليكونوا للأمور كالراصدين وبالأحكام متقيدين‏.‏

ثم أنهم فحصوا على المتهمين في إثارة الفتنة فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان والشيخ أحمد الشرقاوي والشيخ عبد الوهاب الشبراوي والشيخ يوسف المصيلحي والشيخ اسمعيل البراوي وحبسوهم ببيت البكري وأما السيد بدر المقدسي فإنه تغيب وسافر الى جهة الشام وفحصوا عليهم فلم يجدوه وتردد المشايخ لتخليص الجماعة المعوقين فغولطوا واتهم أيضًا ابراهيم أفندي كاتب البهار بأنه جمع له جمعًا من الشطار وأعطاهم الأسلحة والمساوق وكان عنده عدة من المماليك المخيفين والرجال المعدودين فقبضوا عليه وحبسوه ببيت الآغا‏.‏

وفي يوم الأحد ثامن عشره توجه شيخ السادات وباقي المشايخ الى بيت صاري عسكر الفرنسيين وتشفعوا عنده في الجماعة المسجونين ببيت الآغا وقائمقام والقلعة فقيل لهم وسعوا بالكم ولا تستعجلوا فقاموا وانصرفوا‏.‏

وفيه نادوا في الأسواق ولا أحد يشوش على أحد مع استمرار القبض على الناس وكبس البيوت بأدنى شبهة ورد بعضهم الأمتعة التي نهبت للنصارى‏.‏

وفيه توسط القلقجي لمغاربة الفحامين وجمع منهم ومن غيرهم عدة وافرة وعرضهم على صاري عسكر فاختار منهم الشباب وأولي القوة وأعطاهم سلاحًا وآلات حرب ورتبهم عسكرًا ورئيسهم عمر المذكور وخرجوا وأمامهم البطل الشامي على عادة عسكر المغاربة وسافروا جهة بحري بسبب أن بعض البلاد قام على عسكر الفرنساوية وقت الفتنة وقاتلوهم وضربوا أيضًا مركبين بها عدة من عساكرهم فحاربواهم وقاتلوهم فلما ذهب أولئك المغاربة سكنوا الفتنة وضربوا عشمًا وقتلوا كبيرها المسمى بابن شعير ونهبوا داره ومتاعه وماله وبهائمه وكان شيئًا كثيرًا جدًا وأحضروا إخوته وأولاده وقتلوهم ولم يتركوا منهم سوى ولد صغير جعلوه شيخًا عوضًا عن أبيهم وسكن العسكر المغربي بدار عند باب سعادة ورتبوا له من الفرنسيس جماعة يأتون إليهم في كل يوم ويدربونهم على كيفية حربهم وقانونهم ومعنى إشاراتهم في مصافاتهم فيقف المعلم والمتعلمون مقابلون له صفًا وبأيديهم بناقدهم فيشير إليهم بألفاظ لغتهم كأن يقول مردبوش فيرفعونها قابضين بأكفهم على أسافلها ثم يقول مرش فيمشون صفوفًا الى غير ذلك‏.‏

وفيه سافر برطلمين الى ناحية سرياقوس ومعه جملة من العسكر بسبب الناس الفارين الى جهة الشرق فلم يدركهم وأخذ من في البلاد وعسف في تحصيلها ورجع بعد أيام‏.‏

وفي يوم الأربعاء خاطب الشيخ محمد المهدي صاري عسكر في أمر ابراهيم أفندي كاتب البهار وتلطف به بمعونة بوسليك المعروف بمدير الحدود وهو عبارة عن الروزنامجي ونقله من بيت الآغا الى داره وطلبوا منه قائمة كشف عما يتعلق بالمماليك بدفتر البهار‏.‏

وفي يوم الخميس سافر عدة من المراكب نحو الأربعين بها عسكر الفرنسيس الى جهة بحري‏.‏

وفي ليلة السبت رابع عشرينه حضر هجان من ناحية الشام وعلى يده مكاتبات وهي صورة فرمان وعليه طرة ومكتوب من أحمد باشا الجزار وآخر من بكر باشا الى كتخدائه مصطفى بك ومكتوب من ابراهيم بك خطابًا للمشايخ وذلك كله بالعربي ومضمون ذلك بعد براعة الاستهلال والآيات القرآنية والأحاديث والآثار المتعلقة بالجهاد ولعن طائفة الإفرنج والحط عليهم وذكر عقيدتهم الفاسدة وكذبهم ونحيلهم وكذلك بقية المكاتبات بمعنى ذلك فأخذها مصطفى بك كتخدا وذهب بها الى صاري عسكر فلما اطلع عليها قال هذا تزوير من ابراهيم بك ليوقع بيننا وبينكم العداوة والمشاحنة وأما أحمد باشا فهو رجل فضولي لم يكن واليًا بالشام ولا مصر لأن والي الشام ابراهيم باشا وأما والي مصر فهو عبد الله باشا بن العظم الذي هو الآن والي الشام فأنا أعلم بذلك وسيأتي بعد أيام والي ويقيم معه كما كانت المماليك مع الولاة‏.‏

وورد خبر أيضًا بانفصال محمد عزت عن الصدارة وعزل كذلك أنفار من رجال الدولة وفي مدة هذه الأيام بطل الاجتماع بالديوان المعتاد وأخذوا في الاهتمام في تحصين النواحي والجهات وبنوا أبنية على التلول المحيطة بالبلد ووضعوا بها عدة مدافع وقنابر وهدموا أماكن بالجيزة وحصنوها تحصينًا زائدًا وكذلك مصر العتيقة ونواحي شبرا وهدموا عدة مساجد منها المساجد المجاورة لقنطرة انبابة الرمة ومسجد المقس المعروف الآن بأولاد عنان على الخليج الناصري بباب البحر وقطعوا نخيلًا كثيرة وأشجار الجيزة التي عند أبي هريرة قطعوها وحفروا هناك خنادق كثيرة وغير ذلك وقطعوا نخيل جهة الحلي وبولاق وخربوا دورًا كثيرة وكسروا شبابيكها وأبوابها وأخذوا أخشابها لاحتياج العمل والوقود وغير ذلك‏.‏

وفي ليلة الأحد حضر جماعة من عسكر الفرنسيس الى بيت البكري نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند صاري عسكر ليتحدث معهم فلما صاروا خارج الدار وجدوا عدة كثيرة في انتظارهم فقبضوا عليهم وذهبوا بهم الى بيت قائمقام بدرب الجماميز وهو الذي كان به دبوي قائمقام المقتول وسكنه بعده الذي تولى مكانه فلما وصلوا بهم هناك عروهم من ثيابهم وصعدوا بهم الى القلعة فسجنوهم الى الصباح فأخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم من السور خلف القلعة وتغيب حالهم عن أكثر الناس أيامًا وفي ذلك اليوم ركب بعض المشايخ الى مصطفى بك كتخدا الباشا وكلموه في أن يذهب معهم الى صاري عسكر ويشفع معهم في الجماعة المذكورين ظنًا منهم أنهم في قيد الحياة فركب معهم إليه وكلموه في ذلك فقال لهم الترجمان اصبروا ما هذا وفي يوم الثلاثاء حضر عدة من عسكر الفرنسيس ووقفوا بحارة الأزهر فتخيل الناس منهم المكروه ووقعت فيهم كرشة وأغلقوا الدكاكين وتسابقوا الى الهروب وذهبوا الى البيوت والمساجد واختفت آراؤهم ورأوا في ذلك أقضية بحسب تخمينهم وظنهم وفساد مخيلهم فذهب بعض المشايخ الى صاري عسكر وأخبروه بذلك وتخوف الناس فأرسل إليهم وأمرهم بالذهاب فذهبوا وتراجع الناس وفتحوا الدكاكين ومر الآغا والوالي وبرطلمين ينادون بالأمان وسكن الحال وقيل إن بعض كبرائهم حضر عند القلق الساكن بالمشهد وجلس عنده حصة هؤلاء كانوا أتباعه ووقفوا ينتظرونه ولعل ذلك قصدًا للتخويف والإرهاب خشية من قيام فتنة لما أشيع قتل المشايخ المذكورين وهو الأرجح‏.‏

وفيه كتبوا أوراقًا وألصقوها بالأسواق تتضمن العفو والتحذير من إثارة الفتنة وأن من قتل من المسلمين في نظير من قتل من الفرنسيس‏.‏

وفيه شرعوا في إحصاء الأملاك والمطالبة بالمقرر فلم يعارض في ذلك معارض ولم يتفوه بكلمة والذي لم يرض بالتوت يرضى بحطبه‏.‏

وفيه أيضًا قلعوا أبواب الدروب والحارات الصغيرة غير النافذة وهي التي كانت تركت وسومح أصحابها وبرطلوا عليها وصالحوا عليها قبل الحادثة وبرطلوا القلقات والوسايط على إبقائها وكذلك دروب الحسينية فلما انقضت هذه الحادثة ارتجعوا عليها وقلعوها ونقلوها الى ما جمعوه من البوابات بالأزبكية ثم كسروا جميعها وفصلوا أخشابها ورفعوا بعضها على العربات الى حيث أعمالهم بالنواحي والجهات وباعوا بعضها حطبًا للوقود وكذلك ما بها من الحديد وغيره‏.‏

وفي ليلة الخميس هجم المنسر على بوابة سوق طولون وكسروها وعبروا منها الى السوق فكسروا القناديل وفتحوا ثلاثة حوانيت وأخذوا ما بها من متاع المغاربة التجار وقتلوا القلق الذي هناك وخرجوا بدون مدافع ولا منازع‏.‏

وفي يوم الخميس المذكور ذهب المشايخ الى صاري عسكر وتشفعوا في ابن الجوسقي شيخ العميان الذي قتل أبوه وكان معوقًا ببيت البكري فشفعهم فيه وأطلقوه‏.‏

واستهل شهر جمادى الثانية بيوم السبت سنة 1213‏.‏

فيه كتبوا عدة أوراق على لسان المشايخ وأرسلوها الى البلاد وألصقوا منها نسخًا بالأسواق والشوارع‏.‏

وصورتها‏:‏ نصيحة من كافة علماء الإسلام بمصر المحروسة نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ونبرأ الى الله من الساعين في الأرض بالفساد نعرف أهل مصر المحروسة من طرف الجعيدية وأشرار الناس حركوا الشرور بين الرعية وبين العساكر الفرنساوية بعدما كانوا أصحابًا وأحبابًا لسوية وترتب على ذلك قتل جملة من المسلمين ونهبت بعض البيوت ولكن حصلت ألطاف الله الخفية وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا عند أمير الجيوش بونابرته‏.‏

وارتفعت هذه البلية لأنه رجل كامل العقل عنده رحمة وشفقة على المسلمين ومحبة الى الفقراء والمساكين ولولاه لكانت العسكر أحرقت جميع المدينة ونهبت جميع الأموال وقتلوا كامل أهل مصر فعليكم أن لا تحركوا الفتن ولا تطيعوا أمر المفسدين ولا تسمعوا كلام المنافقين ولا تتبعوا الأشرار ولا تكونوا من الخاسرين سفهاء العقول الذين لا يقرأون العواقب لأجل أن تحفظوا أوطانكم وتطمئنوا على عيالكم وأديانكم فإن الله سبحانه وتعالى يؤتي ملكه من يشاء ويحكم ما يريد وتخبركم أن كل من تسبب في تحريك هذه الفتنة قتلوا من آخرهم وأراح الله منهم العباد والبلاد ونصيحتنا لكم أن لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة واشتغلوا بأسباب معايشكم وأمور دينكم وادفعوا الخراج الذي عليكم الدين النصيحة والسلام‏.‏

وفيه أمروا بقية السكان على بركة الأزبكية وما حولها بالنقلة من البيوت ليسكنوا بها جماعتكم المتباعدين منهم ليكون الكل في حومة واحدة وذلك لما دخلهم من المسلمين حتى أن الشخص منهم صار لا يمشي بدون سلاح بعد أن كانوا من حين دخولهم البلد لا يمشون به أصلًا إلا لغرض والذي لم يكن معه سلاح يأخذ بيده عصا أو سوطًا أو نحو ذلك وتنافرت قلوبهم من المسلمين وتحذروا منهم وانكف المسلمون عن الخروج والمرور بالأسواق من الغروب الى طلوع النهار ومن جملة من انتقل من الدرب الأحمر الى الأزبكية كفرلي المسمى بأبي خشبة وهو يمشي بها بدون معين ويصعد الدرج ويهبط منها أسرع من الصحيح ويركب الفرس ويرمحه وهو على هذه الحالة وكان من جملة المشار إليهم فيهم والمدبر لأمور القلاع وصفوف الحروب ولهم به عناية عظيمة واهتمام زائد كان يسكن ببيت مصطفى كاشف طرا وفي وقت الحادثة هجمت على الدار العامة ونهبوها وقتلوا منها بعض الفرنساوية وفر الباقون‏.‏

فأخبروا من بالقلعة الكبيرة فنزل منهم عدة وافرة وقف بعضهم خارج الدار بعد أن طردوا المزدحمين ببابها وضربوهم بالبندق ودخل الباقون فقتلوا من وجدوه بها من المسلمين وكانوا جملة كثيرة وكان بتلك الدار شيء كثير من آلات الصنائع والنظارات الغريبة والآلات الفلكية والهندسية والعلوم الرياضية وغير ذلك مما هو معدوم النظير كل آلة لا قيمة لها عند من يعرف صنعتها ومنفعتها فبدد ذلك كله العامة وكسروه قطعًا وصعب ذلك على الفرنسيس جدًا وقاموا مدة طويلة يفحصون عن تلك الآلات ويجعلون لمن يأتيهم بها عظيم الجعالات‏.‏

وممن قتل في وقعة هذه الدار الشيخ محمد الزهار‏.‏

وفي خامسه أفرجوا عن ابراهيم أفندي كاتب البهار وتوجه الى بيته‏.‏

وفي ثامنه قتلوا أربعة أنفار من القبط منهم إثنان من النجارين قيل إنهم سكروا في الخمارة ومروا في سكرهم وفتحوا بعض الدكاكين وسرقوا منها أشياء وقد تكرر منهم ذلك عدة مرار فاغتاظ لذلك القبطة‏.‏

وفيه كتبوا عدة أوراق وأرسلوا منها نسخًا للبلاد وألصقوا منها بالأخطاط والأسواق ذلك على لسان المشايخ أيضًا ولكن تزيد صورتها عن الأولى‏.‏

وصورتها نصيحة من علماء الإسلام بمصر المحروسة نخبركم يا أهل المدائن والأمصار من المؤمنين ويا سكان الأرياف من العربان والفلاحين أن ابراهيم بك ومراد بك وبقية دولة المماليك أرسلوا عدة مكاتبات ومخاطبات الى سائر الأقاليم المصرية لأجل تحريك الفتنة بين المخلوقات وادعوا أنها من حضرة مولانا السلطان ومن بعض وزرائه بالكذب والبهتان‏.‏

وبسبب ذلك حصل لهم شدة الغم والكرب الزائد واغتاظوا غيظًا شديدًا من علماء مصر ورعاياها حيث لم يوافقوهم على الخروج معهم وتركوا عيالهم وأوطانهم فأرادوا أن يوقعوا الفتنة والشر بين الرعية والعسكر الفرنساوية لأجل خراب البلاد وهلاك كامل الرعية وذلك لشدة ما حصل لهم من الكرب الزائد بذهاب دولتهم وحرمانهم من مملكة مصر المحمية ولو كانوا في هذه الأوراق صادقين بأنها من حضرة سلطان السلاطين لأرسلها جهارًا مع أغوات معينين ونخبركم أن الطائفة الفرنساوية بالخصوص عن بقية الطوائف الإفرنجية دائمًا يحبون المسلمين وملتهم ويبغضون المشركين وطبيعتهم أحباب لمولانا السلطان قائمون بنصرته وأصدقاء له ملازمون لمودته وعشرته ومعونته يحبون من والاه ويبغضون من عاداه ولذلك بين الفرنساوية والموسكوف غاية العداوة الشديدة من أجل عداوة المسكوف القبيحة الرديئة‏.‏

والطائفة الفرنساوية يعادون حضرة السلطان على أخذ بلادهم إن شاء الله تعالى ولا يبقون منهم بقية فننصحكم أيها الأقاليم المصرية أنكم لا تحركوا الفتن ولا الشرور بين البرية ولا تعارضوا العساكر الفرنساوية بشيء من أنواع الأذية فيحصل لكم الضرر والهلاك ولا تسمعوا كلام المفسدين ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وإنما عليكم دفع الخراج المطلوب منكم لكامل الملتزمين لتكونوا بأوطانكم سالمين وعلى أموالكم وعيالكم آمنين مطمئنين لأن حضرة صاري عسكر الكبير أمير الجيوش بونابارته اتفق معنا على أنه لا ينازع أحدًا في دين الإسلام ولا يعارضنا فيما شرعه الله من الأحكام ويرفع عن الرعية سائر المظالم ويقتر على أخذ الخراج ويزيل ما أحدثه الظلمة من المغارم فلا تعلقوا آمالكم بابراهيم ومراد وراجعوا الى مولاكم مالك الملك وخالق العباد فقد قال نبيه ورسوله الأكرم الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها بين الأمم عليه أفضل الصلاة والسلام‏.‏

وفيه أخرجوا من بيت نسيب ابراهيم كتخدا صناديق ضمنها مصاغ وجواهر وأواني ذهب وفضة وأمتعة وملابس كثيرة‏.‏

وفي خامس عشره حضر جماعة من الفرنساوية بباب زويلة وفتحوا بعض دكاكين السكرية وأخذوا منها سكرًا وضاع على أصحابه‏.‏

وفيه دلوا على إنسان عنده صندوقان وديعة لأيوب بك الدفتردار فطلبوه وأمروه بإحضارهما فأحضرهما بعد الإنكار والحجد عدة مرار فوجدوا ضمنهما أسلحة وجواهر وسبح لؤلؤ وخناجر مجوهرة وغير ذلك‏.‏

وفي عشرينه كتبوا عدة أوراق مطبوعة وألصقوها بالأسواق مضمونها أن في يوم الجمعة حادي عشرينه قصدنا أن نطير مركبًا ببركة الأزبكية في الهواء بحيلة فرنساوية فكثر لغط الناس في هذا كعادتهم فلما كان ذلك اليوم قبل العصر تجمع الناس والكثير من الإفرنج ليروا تلك العجيبة وكنت بجملتهم فرأيت قماشًا على هيئة الأدية على عمود قاتم وهو ملون أحمر وأبيض وأزرق على مثل دائرة الغربال وفي وسطه مسرجة بها فتيلة مغموسة ببعض الأدهان وتلك المسرجة مصلوبة بسلوك من حديد منها الى الدائرة وهي مشدودة ببكر وأحبال وأطراف الأحبال بأيدي أناس قائمين بأسطحة البيوت القريبة منها فلما كان بعد العصر بنحو ساعة أوقدوا تلك الفتيلة فصعد دخانها الى ذلك القماش وملأه فانتفخ وصار مثل البكرة وطلب الدخان الصعود الى مركزه فلم يجد منفذًا فجذبها معه الى العلو فجذبوها بتلك الأحبال مساعدة لها حتى ارتفعت عن الأرض فقطعوا تلك الحبال فصعدت الى الجو مع الهواء ومشت هنيهة لطيفة ثم سقطت طارتها بالفتيلة وسقط أيضًا ذلك القماش وتناثر منها أوراق كثيرة من نسخ الأوراق المبصومة فلما حصل لها ذلك انكسف طبعهم لسقوطها ولم يتبين صحة ما قالوه من أنها على هيئة مركب تسير في الهواء بحكمة مصنوعة ويجلس فيها أنفار من الناس ويسافرون فيها الى البلاد البعيدة لكشف الأخبار وإرسال المراسلات بل ظهر أنها مثل الطيارة التي يعملها الفراشون بالمواسم والأفراح‏.‏

وفي تلك الليلة طاف منهم أنفار بالأسواق ومعهم مقاطف بها لحوم مسمومة فأطعموها للكلاب فمات منها جملة كثيرة فلما طلع النهار وجد الناس الكلاب مرمية وطرحى بالأسواق وهي موتى فاستأجروا لها من أخرجها الى الكيمان وسبب ذلك أنهم لما كانوا يمرون في الليل وهم سكوت كانت الكلاب تنبحهم وتعدو خلفهم ففعلوا بها ذلك وارتاحوا هم والناس منها‏.‏

وفي خامس عشرينه سافر عدة عساكر الى جهة مراد بك وكذلك الى جهة كرداسة بسبب العربان وكذلك الى السويس والصالحية وأخذوا جمال السقائين برواياها وحميرهم ولكن يعطونهم وفيه ظفروا بعدة ودائع وخبايا بأماكن متعددة بها صناديق وأمتعة وأسلحة وأواني صيني وأواني نحاس قناطير وغير ذلك وانقضى هذا الشهر وما حصل به من الحوادث الكلية والجزئية التي لا يمكن ضبطها لكثرتها‏.‏

منها أنهم أحدثوا بغيط النوبي المجاور للأزبكية أبنية على هيئة مخصومة منتزهة يجتمع بها النساء والرجال للهو والخلاعة في أوقات مخصوصة وجعلوا على كل من يدخل إليه قدرًا مخصوصًا يدفعه أو يكون مأذونًا وبيده ورقة‏.‏

ومنها أنهم هدموا وبنوا بالمقياس والروضة وهدموا أماكن بالجيزة ومهدوا التل المجاور لنقطرة الليمون وجعلوا في أعلاه طاحونًا تدور في الهواء عجيبة وتطحن الأرادب من البر وهي بأربعة أحجار وطاحونًا أخرى بالروضة تجاه مساطب النشاب وهدموا الجامع المجاور لقنطرة الدكة وشرعوا في ردم جهات حوالي بركة الأزبكية وهدموا الأماكن المقابلة لبيت صاري عسكر حتى جعلوها رحبة متسعة وهدموا الأماكن المقابلة لها من الجهة الأخرى والجنائن التي خلف ذلك وقطعوا أشجارها وردموا مكانها بالأتربة الممهدة على خط معتدل من الجهتين مبتدأ من حد بيت صاري عسكر الى قنطرة المغربي وجددوا القنطرة المذكورة وكانت آلت الى السقوط وفعلوا بعدها كذلك على الوضع والنسق بحيث صار جسرًا عظيمًا ممتدًا ممهدًا مستويًا على خط مستقيم من الأزبكية الى بولاق قسمين‏:‏ قسم الى طريق أبي العلا وقسم يذهب الى جهة التبانة وساحل النيل وبطريقة الطريق المسلوكة الواصلة من طريق أبي العلا وجامع الخطيري الى ناحية المدابغ وحفروا في جانبي ذلك الجسر من مبدئه الى منتهاه خندقين وغرسوا بجانبه أشجارًا وسيسبانًا وأحدثوا طريقًا أخرى فيما بين باب الحديد وباب العدوى عند المكان المعروف بالشيخ شعيب حيث معمل الفواخير وردموا جسرًا ممتدًا ممهدًا مستطيلًا يبتدي من الحد المذكور وينتهي الى جهة المذبح خارج الحسينية وأزالوا ما يتخلل بين ذلك من الأبنية والغيطان والأشجار والتلول وقطعوا جانبًا كبيرًا من التل الكبير المجاور لنقطرة الحاجب وردموا في طريقهم قطعة من خليج بركة الرطلي وقطعوا أشجار بستان كاتب البهار المقابل لجسر بركة الرطلي وأشجار الجسر أيضًا والأبنية التي بين باب الحديد والرحبة التي بظاهر جامع المقس وساروا على المنخفض بحيث صارت طريقًا ممتدة من الأزبكية الى جهة قبة النصر المعروفة بقبة العزب جهة العادلية على خط مستقيم من الجهتين‏.‏

وقيدوا بذلك أنفارًا منهم يتعاهدون تلك الطرق ويصلحون ما يخرج منها عن قالب الاعتدال بكثرة الدوس وحوافر الخيول والبغال والحمير وفعلوا هذا الشغل الكبير والفعل العظيم في أقرب زمن ولم يسخروا أحدًا في العمل بل كانوا يعطون الرجال زيادة عن أجرتهم المعتادة ويصرفونهم من بعد الظهيرة ويستعينون في الأشغال وسرعة العمل بالآلات القريبة المأخذ السهلة التناول المساعدة في العمل وقلة الكلفة كانوا يجعلون بدل الغلقان والقصاع عربات صغيرة ويداها ممتدتان من خلف يملؤها الفاعل ترابًا أو طينًا أو أحجارًا من مقدمها بسهولة بحيث تسع مقدار خمسة غلقان ثم يقبض بيديه على خشبتيها المذكورتين ويدفعها أمامه فتجري على عجلتها بأدنى مساعدة الى محل العمل فيميلها بإحدى يديه ويفرغ ما فيها من غير تعب ولا مشقة وكذلك لهم فؤوس وقزم محكمة الصنعة متقنة الوضع وغالب الصناع من جنسهم ولا يقطعون الأحجار والأخشاب إلا بالطرق الهندسية على الزوايا القائمة والخطوط المستقيمة وجعلوا جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية قلعة ومنارته برجًا ووضعوا على أسواره مدافع وأسكنوا به جماعة من العسكر وبنوا في داخله عدة مساكن تسكنها العسكر المقيمة به وكان هذا الجامع معطل الشعائر من مدة طويلة وباع نظاره منه أنقاضًا وعمدًا كثيرة‏.‏

ومنها أنهم أحدثوا على التل المعروف بتل العقارب بالناصرية أبنية وكرانك وأبراجًا ووضعوا فيها عدة من آلات الحرب والعساكر المرابطين فيه وهدموا عدة دور من دور الأمراء وأخذوا أنقاضها ورخامها لأبنيتهم وأفردوا للمديرين والفلكيين وأهل المعرفة والعلوم الرياضية كالهندسة والهيئة والنقوشات والرسومات والمصورين والكتبة والحساب والمنشئين حارة الناصرية حيث الدرب الجديد وما به من البيوت مثل بيت قاسم بك وأمير الحاج المعروف بأبي يوسف وبيت حسن كاشف جركس القديم والجديد الذي أنشأه وشيده وزخفره وصرف عليه أموالًا عظيمة من مظالم العبادة وعند تمام بياضه وفرشه حدثت هذه الحادثة ففر مع الفارين وتركه فيه جملة كبيرة من كتبهم وعليها خزان ومباشرون يحفظونها ويحضرونها للطلبة ومن يريد المراجعة فيراجعون فيها مرادهم فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر بساعتين ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب على كراسي منصوبة موازية لتختاة عريضة مستطيلة فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها فيحضرها له الخازن فيتصفحون ويراجعون ويكتبون حتى أسافلهم من العساكر وإذا حضر إليهم بعض المسلمين ممن يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول الى أعز أماكنهم ويتلقونه بالبشاشة والضحك وإظهار السرور بمجيئه إليهم وخصوصًا إذا رأوا فيه قابلية أو معرفة أو تطلعًا للنظر في المعارف بذلوا له مودتهم ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها والأقاليم والحيوانات والطيور والنباتات وتواريخ القدماء وسير الأمم وقصص الأنبياء بتصاويرهم وآياتهم ومعجزاتهم وحوادث أممهم مما يحير الأفكار ولقد ذهبت إليهم مرارًا وأطلعوني على ذلك‏.‏

فمن جملة ما رأيته كتاب كبير يشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومصورون به صورته الشريفة على قدر مبلغ علمهم واجتهادهم وهو قائم على قدميه ناظرًا الى السماء كالمرهب للخليقة وبيده اليمنى السيف وفي اليسرى الكتاب وحوله الصحابة رضي الله عنهم بأيديهم السيوف وفي صفحة أخرى صورة الخلفاء الراشدين وفي الأخرى صورة المعراج والبراق وهو صلى الله عليه وسلم راكب عليه من صخرة بيت المقدس وصورة بيت المقدس والحرم المكي والمدني وكذلك صورة الأئمة المجتهدين وبقية الخلفاء والسلاطين ومثال اسلامبول وما بها من المساجد العظام كأياصوفية وجامع السلطان محمد وهيئة المولد النبوي وجمعية أصناف الناس لذلك وكذلك السلطان سليمان وهيئة صلاة الجمعة فيه وأبي أيوب الأنصاري وهيئة صلاة الجنازة فيه وصور البلدان والسواحل والبحار والأهرام وبرابي الصعيد والصور والأشكال والأفلام المرسومة وما يختص بكل بلد من أجناس الحيوان والطيور والنبات والأعشاب وعلوم الطب والتشريح والهندسيات وجر الأثقال وكثير من الكتب الإسلامية مترجم بلغتهم ورأيت عندهم كتاب الشفاء للقاضي عياض ويعبرون عنه بقولهم شفاء شريف والبردة للبوصيري ويحفظون جملة من أبياتها وترجموها بلغتهم ورأيت بعضهم يحفظ سورًا من القرآن ولهم تطلع زائد للعلوم وأكثرها الرياضة ومعرفة اللغات واجتهاد كبير في معرفة اللغة والمنطق ويدأبون في ذلك الليل والنهار وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات وتصاريفهما واشتقاقاتها بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون من أي لغة كانت الى لغتهم في أقرب وقت وعند توت الفلكي وتلامذته في مكانهم المختص بهم الآلات الفلكية الغريبة المتقنة الصنعة وآلات الارتفاعات البديعة العجيبة التركيب الغالية الثمن المصنوعة من الصفر المموه وهي تركب ببراريم مصنوعة محكمة كل آلة منها عدة قطع تركب مع بعضها البعض برباطات وبراريم لطيفة بحيث إذا ركبت صارت آلة كبيرة أخذت قدرًا من الفراغ وبها نظارات وثقوب ينفذ النظر منها الى المرئي وإذا انحل تركيبها وضعت في ظرف صغير‏.‏

وكذلك نظارات للنظر في الكواكب وأرصادها ومعرفة مقاديرها وأجرامها وارتفاعاتها واتصالاتها ومناظراتها وأنواع المنكابات والساعات التي تسير بثواني الدقائق الغريبة الشكل الغالية الثمن وغير ذلك وأفردوا لجماعة منها بيت ابراهيم كتخدا السناري وهم المصورون لكل شيء ومنهم اريجوا المصور وهو يصور صور الآدميين تصويرًا يظن من يراه أنه بارز في الفراغ بجسم يكاد ينطق حتى أنه صور صورة المشايخ كل واحد على حدته في دائرة وكذلك غيرهم من الأعيان وعلقوا ذلك في بعض مجالس صاري عسكر وآخر في مكان آخر يصور الحيوانات والحشرات وآخر يصور الأسماك والحيتان بأنواعها وأسمائها ويأخذون الحيوان أو الحوت الغريب الذي لا يوجد ببلادهم فيضعون جسمه بذاته في ماء مصنوع حافظ للجسم فيبقى على حالته وهيئته لا يتغير ولا يبلى ولو بقي زمنًا طويلًا‏.

وكذلك أفردوا أماكن للمهندسين وصناع الدقائق وسكن الحكيم رويًا ببيت ذي الفقار كتخدا بجوار ذلك ووضع آلاته ومساحقه وأهوانه في ناحية وركب له تنانير وكوانين لتقطير المياه والأدهان واستخراج الأملاح وقدورًا عظيمة وبرامات وجعل له مكانًا أسفل وأعلى وبهما رفوف عليها القدور المملوءة بالتراكيب والمعاجين والزجاجات المتنوعة وبها كذلك عدة من الأطباء والجرايحية‏.‏

وأفردوا مكانًا في بيت حسن كاشف جركس لصناعة الحكمة والطب الكيماوي وبنوا فيه تنانير مهندمة وآلات تقاطير عجيبة الوضع وآلات تصاعيد الأرواح وتقاطير المياه وخلاصات المفردات وأملاح الأرمدة المستخرجة من الأعشاب والنباتات واستخراج المياه الجلاءة والحلالة وحول المكان الداخل قوارير وأوان من الزجاج البلوري المختلف الأشكال والهيئات علي الرفوف والسدلات وبداخلها أنواع المستخرجات‏.‏

ومن أغرب ما رأيته في ذلك المكان أن بعض المفيدين لذلك أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة فصب منها شيئًا في كأس ثم صب عليها شيئًا من زجاجة أخرى فعلا المآن وصعد منه دخان ملون حتى انقطع وجف ما في الكأس وصار حجرًا أصفر فقلبه على البرجات حجرًا يابسًا أخذناه بأيدينا ونظرناه ثم فعل كذلك بمياه أخرى فجمد حجرًا أزرق وبأخرى فجمد حجرًا أحمر ياقوتيًا وأخذ مرة شيئًا قليلًا جدًا من غبار أبيض وضعه على السندال وضربه بالمطرقة بلطف فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة انزعجنا منه فضحكوا منا وأخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة في مقدار الشبر ضيقة الفم فغمسها في ماء قراح موضوع في صندوق من الخشب مصفح الداخل بالرصاص وأدخل معها أخرى على غير هيئتها وأنزلهما في الماء وأصعدهما بحركة انحبس بها الهواء في أحدهما وأتى آخر بفتيلة مشتعلة وأبرز ذلك فم الزجاجة من الماء وقرب الآخر الشعلة إليها في الحال فخرج ما فيها من الهواء المحبوس وفرقع بصوت هائل أيضًا وغير ذلك أمور كثيرة وبراهين حكيمة تتولد من اجتماع العناصر وملاقاة الطبائع ومثل الفلكة المستديرة التي يديرون بها الزجاجة فيتولد من حركتها شرر يطير بملاقاة أدنى شيء كثيف ويظهر له صوت وطقطقة وإذا مسك علقاتها شخص ولو خيطًا لطيفًا متصلًا بها ولمس آخر الزجاجة الدائرة أو ما قرب منها بيده الأخرى ارتج دنه وارتعد جسمه وطقطقت عظام أكتافه وسواعده في الحال برجة سريعة ومن لمس هذا اللامس أو شيئًا من ثيابه أو شيئًا متصلًا به حصل له ذلك ولو كانوا ألفًا أو أكثر ولهم فيه أمور وأحوال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج لا يسعها عقول أمثالنا‏.‏

وأفردوا أيضًا مكانًا للنجارين وصناع الآلات والأخشاب وطواحين الهواء والعربات واللوازم لهم في أشغالهم وهندساتهم وأرباب صنائعهم ومكانًا آخر للحدادين وبنوا فيه كوانين عظامًا وعليها منافيخ كبار يخرج منها الهواء متصلًا كثيرًا بحيث يجذبه النافخ من أعلى بحركة لطيفة وصنعوا السندانات والمطارق العظام لصناعات الآلات من الحديد والمخارط وركبوا مخارط عظيمة لخرط القلوزات الحديد العظيمة ولهم فلكات مثقلة يديرها الرجال للمعلم الخراط للحديد بالأقلام المتينة الجافية وعليها حق صغير معلق مثقوب وفيه ماء يقطر على محل الخرط لتبريد النارية الحادثة من الاصطكاك وبأعلى هذه الأمكنة صناع الأمور الدقيقة مثل البركارات وآلات الساعات والآلات الهندسية المتقنة وغير ذلك‏.‏

شهر رجب سنة 1213 استهل بيوم الأحد في ثالثه قتلوا شخص من الأجناد يقال له مصطفى كاشف من جماعة حسين بك المعروف بشفت وكان قد فر مع الفارين ثم رجع من غير استئذان وأقام أيامًا مستترًا ببيت الشيخ سليمان الفيومي فسلمه لمصطفى آغا مستحفظان ليأخذ له أمانًا فأخبر الفرنسيس بشأنه وأغراهم عليه فأمروه بقتله فقطع رأسه وطافوا بها ينادون عليها بقولهم‏:‏ هذا جزاء من يدلخ الى مصر بغير إذن الفرنسيس‏.‏

وفي يوم الخميس حضر كبير الفرنسيس الذي بناحية قليوب وصحبته سليمان الشواربي شيخ الناحية وكبيرها فلما حضر حبسوه بالقلعة قيل إنهم عثروا له على مكتوب أرسله وقت الفتنة السابقة الى سرياقوس لينهض أهل تلك النواحي في القيام ويأمرهم بالحضور وقت أن يرى الغلبة على الفرنسيس ولما حبسوه وحبسوا معه أربعة من الأجناد أيضًا‏.‏

وفيه أحدثوا مرمارًا يضربونه في كل يوم وقت الزوال لأن ذلك الوقت عندهم ابتداء اليوم‏.‏

وفي يوم الأربعاء عاشره نادوا في الأسواق بأن من أراد أن يشترى فرسًا أو حمارًا فليحضر يوم الجمعة ثالث عشره ببولاق ويشتري من الفرنساوية ما أحب ذلك وكتبوا بذلك أوراقًا وألصقوها بالأسواق والأزقة وهي مطبوعة وعليها الصورة ونصها‏:‏ فليكن معلومًا عند كافة الرعايا المصرية أن في يوم الجمعة ثلاثة عشر من شهر رجب الساعة اثنين يباع في بولاق جملة خيل من المشيخة الفرنساوية فلأجل هذا المشترى كل من أراد أن يقتني خيلًا فمنحنا له الإجازة أنه يقتني كما يريد ويشاء‏.‏

وفي يوم الاثنين سادس عشره سافر صاري عسكر بونابرته الى السويس وأخذ صحبته السيد أحمد المحروقي وابراهيم أفندي كاتب البهار وأخذ معه أيضًا بعض المدبرين والمهندسين والمصورين وجرجس الجوهري والطون أبو طاقية وغيرهم وعدة كثيرة من عساكر الخيالة والمشاة وبعض مدافع وعربات وتختروان وعدة جمال لحمل الذخيرة والماء والقومانية‏.‏

وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على تنظيم آخر وعينوا له ستين نفرًا منهم أربعة عشر يقال لهم خصوص وهم الذين يحضرون دائمًا ويقال لهم الديوان الخصوصي والديوان الديمومي‏.‏

والباقي بحسب الاقتضاء والأربعة عشر هم من المشايخ الشرقاوي والمهدي والصاوي والبكري والفيومي ومن التجار المحروقي وأحمد محرم ومن النصارى القبطة لطف الله المصري ومن الشوام يوسف فرحات ومخاييل كحيل ورواحة الانكليزي وبودني وموسى كافر الفرنساوي ومعهم وكلاء ومباشرون من الفرنسيس ومترجمون وأما العمومي فأكثره مشايخ حرف وكتبوا بذلك طومارًا كبيرًا بصموا منه نسخًا كثيرة وأرسلوا منها نسخًا كثيرة للأعيان وألصقوا منها بالأسواق على العادة وأرسلوا الذين عينوا بالديوان أوراقًا بأسمائهم شبه التقارير وصورة صدر ذلك الطومار المكتتب في شأن ذلك وقد أوردت ذلك وإن كان فيه بعض طول للاطلاع على ما فيه من التمويهات على العقول والتسلق على دعوى الخواص من البشر بفاسد التخيلات التي تنادي على بطلانها بديهة العقل فضلًا عن النظر وهي مقولة على لسان بونابارته كبير الفرنسيس ونصه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من أمير الجيوش الفرنساوية خطابًا الى كافة أهالي مصر الخاص والعام نعلمكم أن بعض الناس الضالين العقول الخليين من المعرفة وإدراك العواقب سابقًا أوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين بمصر فأهلكهم لله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة والباري سبحانه وتعالى أمرني بالشفقة والرحمة على العباد فامتثلت أمره وصرت رحيمًا بكم شفوقًا عليكم ولكن كان حصل عندي غيظ وغم شديد بحسب تحريك هذه الفتنة بينكم ولأجل ذلك أبطلت الديوان الذي كنت رتبته لنظام البلد وصلاح أموالكم من مدة شهرين والآن توجه خاطرنا الى ترتيب الديوان كما كان لأن حسن أحوالكم ومعاملتكم في المدة المذكورة إنسانًا ذنوب الأشرار وأهل الفتنة التي وقعت سابقًا أيها العلماء والأشراف أعلموا أمتكم ومعاشر رعيتكم بأن الذي يعاديني ويخاصمني إنما خصامه من ضلال عقله وفساد فكره فلا يجد ملجأ ولا مخلصًا ينجيه مني في هذا العالم ولا ينجو من بين يدي الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى والعاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير الله تعالى وإرادته وقضائه ومن يشك في ذلك فهو أحمق وأعمى البصيرة وأعلموا أيضًا أمتكم أن الله قدر في الأزل هلاك أعداء الإسلام وتكسير الصلبان على يدي وقدر في الأزل أني أجيء من المغرب الى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها وإجراء الأمر الذي أمرت به ولا يشك العاقل أن هذا كله بتقدير الله وإرادته وقضائه وأعلموا أيضًا أمتكم أن القرآن لعظيم صرح في آيات كثيرة بوقوع الذي حصل وأشار في آيات أخرى الى أمور تقع في المستقبل وكلام الله في كتابه صدق وحق لا يتخلف إذا تقرر هذا وثبتت هذه المقالات في آذانكم فلترجع أمتكم جميعًا الى صفاء النية وإخلاص الطوية فإن منهم من يمتنع عن الغي وإظهار عداوتي خوفًا من سلاحي وشدة سطوتي ولم يعلموا أن الله مطلع على السرائر يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والذي يفعل ذلك يكون معارضًا لأحكام الله ومنافقًا وعليه اللعنة والنقمة من الله علام الغيوب واعلموا أيضًا أني أقدر على إظهار ما في نفس كل أحد منكم لأنني أعرف أحوال الشخص وما انطوى عليه بمجرد ما أراه وإن كنت لا أتكلم ولا أنطق بالذي عنده ولكن يأتي وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة أن كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم إلهي لا يرد وأن اجتهاد الإنسان غاية جهده ما يمنعه عن قضاء الله الذي قدره وأجراه على يدي فطوبى للذين يسارعون في اتحادهم وهمتهم مع صفاء النية وإخلاص السريرة والسلام‏.‏

ورتبوا لأرباب الديوان الديمومي شهرية تدفع إليهم نظير تقيدهم بمصالح العامة والدعاوى وما يترتب عليه النظام بينهم وبين المسلمين‏.‏

وفي ثامن عشره طافوا على الطواحين واختاروا من كل طاحون فرسًا أخذوها‏.‏

وفي رابع عشرينه حضر السيد المحروقي وكاتب البهار من السويس وكان ساري عسكر ذهب الى ناحية بلبيس فاستأذنوه في ذهابهم الى مصر فأذن لهم وأرسل معهم خمسين عسكريًا ليوصلوهم الى مصر فلما حضروا حكوا أن أهل السويس لما بلغهم مجيء الفرنساوية هربوا وأخلوا البلدة فذهبوا الى الطور وذهب البعض الى العرب بالبادية فنهب الفرنسيس ما وجدوه بالبندر من البن والمتاجر والأمتعة وغير ذلك وهدموا الدور وكسروا الأخشاب وخوابي الماء فلما حضر كبيرهم وكان متأخرًا عنهم كلمه التجار الذاهبون معه وأعلموه أن هذا الفعل غير صالح فاسترد من العسكر بعض الذي أخذوه ووعدهم باسترجاع الباقي أو دفع ثمنه بمصر وأن يكتبوا قائمة بالمنهوبات ثم إنه وجد مركبان حضرا الى قريب من السويس بهما بن ومتاجر فغرقت إحداهما فنزلت طائفة من الفرنسيس في مراكب صغار وذهبوا إليها في الغاطس وأخرجوها بالآلات ركبوها واصطنعوها من علم جر الأثقال وفي مدة إقامته بالسويس صار يركب ويتأمل في النواحي وجهات ساحل البحر والميل ليلًا ونهارًا وكان معه من الأم في هذه السفرة ثلاثة طيور دجاج محمرة ملفوفة في ورق وليس معه طباخ ولا فراش ولا فرش ولا خيمة وكل شخص من عسكره معه رغيف كبير مرشوق في طرف خربته يتزود منه ويشرب من سقاء لطيف من صفيح معلق في عنقه‏.‏

وفي يوم السبت حضر عدة من العسكر الفرنساوية من ناحية بلبيس ومعهم عدة من العربان نحو الثلاثين نفرًا موثقون بالحبال وأسروا أيضًا عدة من أولادهم ذكورًا وإناثًا ودخلوا بهم الى مصر يزفونهم بالطبول أمامهم ومعهم أيضًا ثلاثة حمول من حمول التجار وبعض جمال مما كان نهب منهم وفي ليلة الاثنين غايته حضر ساري عسكر من ناحية بلبيس الى مصر ليلًا وأحضر معه عدة عربان وعبد الرحمن أباظة أخو سليمان أباظة شيخ العيايدة وخلافه رهائن وضربوا أبو زعبل والمنير وأخذوا مواشيهم وحضروا بهم الى القاهرة وخلفهم أصحابهم رجالًا ونساء وصغارًا وفي ذلك اليوم قتلوا شيخ العرب سليمان الشواربي شيخ قليوب ومعه أيضًا ثلاثة رجال يقال لهم عرب اشرقية فأنزلوهم من القلعة الى الرميلة على يد الآغا وقطعوا رؤوسهم وحملوا جثة الشواربي مع رأسه في تابوت وأخذه أتباعه في بلده قليوب ليدفن هناك عند أسلافه وانقضى هذا الشهر وحوادثه الجزئية والكلية‏.‏

منها أن في ليلة السابع والعشرين منه أتت جماعة الى دار الشيخ محمد ابن الجوهري الكائن بالأزبكية بالقرب من باب الهواء فخلعوا الشباك المطل على البركة ودخلوا منهم وصعدوا الى أعلى الدار وكان بها ثلاثة من النساء الخدامات وابنة خدامة أيضًا وبواب الدار ولم يكن رب الدار بها ولا الحريم بل كانوا قد انتقلوا الى دار أخرى لما سكن معظم العسكر بالأزبكية فاستيقظ النساء وصرخن فضربوهن وقتلوا منهن امرأة واختفت البنت في جهة وعاثوا في الدار وأخذوا متاعًا ومصاغًا ونزلوا واستيقظ البواب فاختفى خوفًا منهم فلما طلع النهار وشاع الخبر وكان ساري عسكر غائبًا فلم يقع كلام في شأن ذلك فلما قدم من سفره ركب مشايخ الديوان وأخبروه فاغتم لذلك وأظهر الغيظ وذم فاعل ذلك لما فيه من العار الذي يلحقه واهتم في الفحص عمن فعل ذلك وقت‏.‏

ومنها كثرة تعدي القلقات وتشديدهم على وقود القناديل بالأزقة هم من أهل البلد وإذا مروا بالليل ووجدوا قنديلًا أطفأه الهواء وفرغ زيته سمروا الحانوت أو الدار التي هو عليها ولا يقلعون مسمارًا حتى صالحهم صاحبها على ما أحبوه من الدراهم وربما تعمدوا كسر القناديل لأجل ذلك واتفق أن المطر أطفأ عدة قناديل بسوق أمير الجيوش بسبب كونها في ظروف من الورق والجريد فابتل الورق وسال الماء فأطفأ القناديل فسمروا حوانيت السوق وأصبح أهلها صالحوا عليها ووقع مثل ذلك في طرق عديدة فجمعوا في ذلك اليوم جملة من الدراهم وأمثال ذلك حتى في الأزقة والعطف غير النافذة حتى كان الناس ليس لهم شغل إلا القناديل وتفقد حالها وخصوصًا في ليل الشتاء الطويل‏.‏

شهر شعبان المعظم سنة 1213 استهل بيوم الثلاثاء فيه قتلوا ثلاثة أنفار من الفرنسيس وبندقوا عليهم بالرصاص بالميدان تحت القلعة قيل إنهم من المتسلقين على الدور‏.‏

وفيه أخبر بأن مراد بك ومن معه ترفعوا الى قبلي ووصلوا الى عقبة الهواء وكلما قرب منهم عسكر الفرنساوية انتقلوا وقبلوا ولقد داخلهم من الفرنساوية خوف شديد ولم يقع بينهم ملاقاة ولا قتال‏.‏

وفيه قدمت رباعة تحمل البن الذي حضر من السويس بالمركب الداو يصحبه جماعة من الفرنساوية لخفارتها من قطاع الطريق‏.‏وفي

يوم الأحد سادسه نادى القبطان الفرنساوي السكاكن بالهشد الحسيني

على أهل تلك الخطة وما جاورها بفتح الحوانيت والأسواق لأجل مولد الحسين وشدد في ذلك ووعد من أغلق حانوته بتسميره وتغريمه عشرة ريال فرانسة مكافأة له على ذلك وكان السبب في ذلك والأصل فيه أن هذا المولد ابتدعه السيد بدوي بن فتيح مباشر وقف المشهد فكان قد اعتراه مرض الحب الإفرنجي فنذر على نفسه هذا المولد إن شفاه الله تعالى فحصلت له بعض إفاقة فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض شموع ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة وآخرين بالمسجد يقرأون بالليل دلائل الخيرات للجزولي ثم زاد الحال وانضم إليهم كثير من أهل البدع كجماعة العفيفي والسمان والعربي والعيسوية فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها وينشد له المنشدون القصائد والموالات ومنهم من يقول أبياتًا من بردة المديح للبوصيري ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأما العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الأهواء ينسبون الى شيخ من أهل المغرب يقال له سيدي محمد بن عيسى وطريقتهم أنهم يجلسون قبالة بعضهم صفين ويقولون كلامًا معوجًا بلغتهم بنغم وطريقة مشوا عليها وبين أيديهم طبول ودفوف يضربون عليها على قدر النغم ضربًا شديدًا مع ارتفاع أصواتهم وتقف جماعة أخرى قبالة الذين يضربون بالدفوف فيضعون أكتافهم في أكتاف بعض لا يخرج واحد عن الآخر ويلتوون وينتصبون ويرتفعون وينخفضون ويضربون الأرض بأرجلهم كل ذلك مع الحركة العنيفة والقوة الزائدة بحيث لا يقوم هذا المقام إلا كل من عرف بالقوة وهذه الحركات والإيقاعات على نمط الضرب بالدفوف فيقع بالمسجد دوي عظيم وضجات من هؤلاء ومن غيرهم من جماعة الفقراء كل أحد له طريقة وكيفية تباين الأخرى هذا مع ما ينضم الى ذلك من جمع العوام وتحلقهم بالمسجد للحديث والهذيان وكثرة اللغط والحكايات والأضاحيك والتلفت الى حسبان الغلمان الذين يحضرون للتفرج والسعي خلفهم والافتتان بهم ورمي قشور اللب والمكسرات والمأكولات في المسجد وطواف الباعة بالمأكولات على الناس فيه وسقاة الماء فيصير المسجد بما اجتمع فيه من هذه القاذورات والعفوش ملتحقًا بالأسواق الممتهنة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

ثم زاد الحال على ذلك بقدوم جماعة الأشاير من الحارات البعيدة والقريبة وبين أيديهم مناور القناديل والجوامع العظيمة التي تحملها الرجال والشموع والطبول والزمور ويتكلمون بكلام محرف يظنون أنه ذكر وتوسلات يثابون عليها وينسبون من يلومهم أو يعترضهم الى الاعتزال والخروج والزندقة وغالبهم السوقة وأهل الحرف السافلة ومن لا يملك قوت ليلته فتجد أحدهم يجتهد بقوة سعيه ويبيع متاعه أو يستدين الجملة من الدراهم ويصرفها في وقود القناديل وأجرة الطبالة والزمارة وكل يجتمع عليه ما هو من أمثاله من الحرافيش ثم يقطع ليلته تلك سهرانًا ويصبح دايخًا كسلانًا ويظن أنه بات يتعبد ويذكر ويتهجد واستمر هذا المولد أكثر من عشر سنين ولم يزدد الناذر لذلك إلا مرضًا ومقتًا واستجلب خدمة الضريح ما لاح لهم من خساف العقول مثل الشمع والدراهم واتخذوا ذلك حبالة لأكل أموال الناس بالباطل فلما حصلت هذه الحادثة بمصر ترك هذا المولد في جملة المتروكات ثم حصلت الفتنة التي حصلت وسكن هذا الفرنساوي في خط المشهد الحسيني لضبط تلك الجهة وفيه مسايرة ومداهنة فصار يظهر المحبة للمسلمين ويلاطفهم ويدخل بيوت الجيران ويقبل شفاعة المتشفعين ويجل الفقهاء ويعظمهم ويكرمهم وأبطل وقوف عسكره بالسلاح كعادتهم في غير هذه الجهة وكذلك منع ما يفعله القلقات من أنواع التشديد على الناس في مثل القناديل فاطمأن به أهل الخطة وتراجعوا للبكور الى الصلاة في المساجد بعد تخوفهم من العسكر الذي رتب معهم وتركهم التكبير فلما أنسوا به وعرفوا أخلاقه رجعوا لعادتهم ومشوا بالليل أيضًا بدون فزع وخوف وترجمانه على مثل طريقته وهو رجل شريف من أهل حلب كان أسيرًا بمالطة فاستخلصه الفرنسيس من جملة ما استخلصوه من أسرى مالطة وقدم معهم مصر فلما أجلس هذا الضابط الخط كان ترجمانه يهوديًا فاحتال بعض أعيان الجهة ورتب هذا الشريف المذكور ليكون فيه راحة للناس ففتح له قهوة بالخط بالقرب من دار مخدومه وجمع الناس للجلوس فيها والسهر حصة من الليل وأمرهم بعدم غلق الحوانيت مقدارًا من الليل كعادتهم القديمة فاستأنسوا بالاجتماعات والتسلي والخلاعات وعم ذلك جهات تلك الخطة ووافق ذلك هوى العامة لأن أكثرهم مطبوع على المجون والخلاعة وتلك هي طبيعة الفرنساوية فصاروا يجتمعون عنده للسمر والحديث واللعب والممازحة ويحضر معهم ذلك الضابط ومعه زوجته وهي من أولاد البلد المخلوعين أيضًا فانساق الحديث لذكر هذا المولد الشهري وما يقع في لياليه من الجمعيات والمهرجان وحسنوا له إعادته فوافقهم على ذلك وأمر بالمناداة وفتح الحوانيت ووقود القناديل وشدد في ذلك‏.‏

وفي يوم الأربعاء كتبوا أوراقًا بتطيير طيارة ببركة الأزبكية مثل التي سبق ذكرها وفسدت‏.‏

فاجتمعت الناس لذلك وقت الظهر وطيروها وصعدت الى الأعلى ومرت الى أن وصلت تلال البرقية وسقطت ولو ساعدها الريح وغابت عن الأعين لتمت الحيلة وقالوا إنها سافرت الى البلاد البعيدة بزعمهم‏.‏

وفيه سافر الخواجة مجلون الى الصعيد واليًا على جرجا لتحرير البلاد وقبض الأموال والغلال المتأخرة بالنواحي للغز‏.‏

وفيه سافرت قافلة بها أحمال كثيرة ومواش ونساء إفرنجيات وصناديق قيل إنهم أرسلوها الى الطور وصحبتهم عدة من العسكر‏.‏

وفي يوم الخميس عاشره حضر طائفة من العسكر الفرنساوي الى وكالة ذي الفقار بالجمالية ففتحوا طبقة كانت لكتخدا علي باشا الطرابلسي وأخذوا ما وجدوه بها من الأمتعة وختموا عدة حواصل وطباق بذلك الخان وبالوكالة الجديدة وغيرها للمسافرين والهاربين والقليونجية‏.‏

وضبطوا ما بها وقبضوا على جماعة من الأتراك والقليونجية التجار وسجنوهم بالقلعة وصاروا يفتشون على من بقي منهم بالقاهرة وبولاق خصوصًا الكرتلية الذين كانوا عسكرًا لمراد بك وأخذوا الكثير من نصارى الأروام والقليونجية الذين كانوا مع مراد بك وبعضهم كان بمصر فأدخلوهم في عسكرهم وزيوهم بزيهم وأعطوهم أسلحة وانتظموا في سلكهم‏.‏

وفيه تواترت الأخبار أن علي باشا ونصوح باشا فارقا مراد بك وذهبا من خلف الجبل على وفيه نادوا بإبطال القناديل التي توقد في الليل على البيوت والدكاكين وأن يوقدوا عوضها في وسط السوق مجامع في كل مجمع أربع قناديل بين كل مجمع ثلاثون ذراعًا ويقوم بذلك الأغنياء دون الفقراء ولا علاقة للقلقات في ذلك ففرح بذلك فقراء الناس وانفرجت عنهم هذه الكربة‏.‏

وفيه نادوا أيضًا أن كل من كان له دعوى شرعية أو ظلامة فليذهب الى العلماء والقاضي‏.‏

وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب الكوامل ورجعوا بمنهوباتهم من الغنم والمعز والدجاج والاوز والحمير وغير ذلك‏.‏

وفيه حضر رجل من ناحية غزة يطلب أمانًا للست فاطمة زوجة مراد بك ولابنة المرحوم محمد أفندي البكري وزوجها الأمير ذي الفقار وخشداشينه والخطاب للشيخ خليل البكري‏.‏

فعرض ذلك على ساري عسكر وترجى عنده فكتب له أمانًا بحضورهم وأرسل لهم نفقة وكان ذلك حيلة منهم لتأتيهم النفقة وبعض الاحتياجات وأخبر ذلك الرسول أن عبد الله باشا ابن العظم بغزة وابراهيم بك ومن معه خارج البلد وهم في ضيق وحصر وحيز عنهم داخل البلد‏.‏

وفيه ذهب عدة من العسكر الفرنساوية الى قطيا وشرعوا في بناء أبنية هناك وأشيع سفر ساري عسكر الى جهة الشام والإغارة عليها‏.‏

وفي ليلة الأحد ثالث عشره كان انتقال الشمس لبرج الدلو وهو أول شهر من شهورهم وعملوا وفي يوم الاثنين رابع عشره نادى المحتسب على اللحم الضاني بسبعة أنصاف الرطل وكان بثمانية واللحم الجاموسي بخمسة وكان بستة‏.‏

وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب العيايدة نواحي الخانكة وقتلوا منهم طائفة ونهبوهم ووجدوا من منهوبات الناس وأمتعة عسكر الفرنساوية وأوسلحتهم جملة فأخذوا ذلك مع ما أخذوه وأحضروا معهم بعض رجال ونساء حبسوهم بالقلعة وفيه ذهب عدة من العسكر الى صنافير واجهور الورد وقرنفيل وكفر منصور وبلاد أخرى للتفتيش على العرب فأخذوا ما وجدوه للعرب من بهائم وغيرها والذي عصى عليهم ضربوه ونهبوه أيضًا ونهبوا جمالًا وبهائم ممن لم يعص أيضًا ودخلوا بذلك المدينة فصاروا يبيعون البقرة بريالين وثلاثة والنعجة وابنها بريال فاشترى غالب ذلك نصارى القبط‏.‏

وفي يوم السبت قتلوا بالقلعة نحو التسعين نفرًا وغالبهم من المماليك الذين وجدوهم هاربين في البلاد والذين عس عليهم الخبيث الآغا وبرطلمين والقلقات ووجدوهم مختفين في البيوت‏.‏

وفيه قبضوا على خمسة أنفار من اليهود وامرأتين فألقوا الجميع في بحر النيل وفيه نادوا بأن كل من اشترى شيئًا من منهوبات العرب التي نهبتها العسكر يحضره لبيت صاري عسكر‏.‏

وفيه كثر الاهتمام والحركة بسفر الفرنسيس الى جهة الشام وطلبوا وهيؤوا جملة من الهجن وأحضروا جمال عرب الترابين ليحملوا عليها الذخيرة والدقيق والعليق والبقسماط ثم رسموا على الأهالي عدة كبيرة من الحمير وكذلك عدة من البغال فطلب شيخ الحمارة وأمر بجمع ذلك وكذلك الركبدارية أمرهم بجمع البغال فاختفى غالب أصحاب الحمير وخاف الناس على حميرهم فامتنع خروج السائقين الذين ينقلون الماء بالقرب على الحمير وسقائين الجمال والبراسمية فحصل للناس ضيق بسبب ذلك‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشرينه كتبوا أوراقًا ولصقوها بالأسواق على العادة ونصها‏:‏ الحمد لله وحده هذا خطاب الى جميع أهل مصر من خاص وعام من محفل الديوان الخصوصي من عقلاء الأنام علماء الإسلام والوجاقات والتجار الفخام نعلمكم معاشر أهل مصر أن حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية صفح الصفح الكلي عن كامل الناس والرعية بسبب ما حصل من أراذل أهل البلد والجعيدية من الفتنة والشر مع العساكر الفرنساوية وعفا عفوًا شاملًا وأعاد الديوان الخصوصي في بيت قائد آغا بالأزبكية ورتبه من أربعة عشر شخصًا أصحاب معرفة وإتقان خرجوا بالقرعة من ستين رجلًا كان انتخبهم بموجب فرمان وذلك لأجل قضايا حوايج الرعايا وحصول الراحة لأهل مصر من خاص وعام وتنظيمها على أكمل نظام وإحكام كل ذلك من كمال عقله وحسن تدبيره ومزيد حبه بمصر وشفقته على سكانها من صغير القوم قبل كبيره رتبهم بالمنزل المذكور كل يوم لأجل خلاص المظلوم من الظالم وقد اقتص من عسكره الذين أساؤوا بمنزل الشيخ محمد الجوهري وقتل منهم اثنين بقراميدان وأنزل طائفة منهم عن مقامهم العالي الى أدنى مقام لأن الخيانة ليست من عادة الفرنسيس خصوصًا مع النساء الأرامل فإن ذلك قبيح عندهم لا يفعله إلا كل خسيس ووضع القبض بالقلعة على رجل نصراني مكاس لأنه بلغه أنه زاد المظالم في الجمرك بمصر القديمة على الناس ففعل ذلك بحسن تدبيره ليمتنع غيره من الظلم ومراده رفع الظلم عن كامل الخلق ويفتح الخليج الموصل من بحر النيل الى بحر السويس لتخف أجرة الحمل من مصر الى قطر الحجاز الأفخم وتحفظ البضائع من اللصوص وقطاع الطريق وتكثر عليهم أسباب التجارة من الهند واليمن وكل فج عميق فاشتغلوا بأمر دينكم وأسباب دنياكم واتركوا الفتنة والشرور ولا تطيعوا شيطانكم وهواكم وعليكم بالرضا بقضاء الله وحسن الاستقامة لأجل خلاصكم من أسباب العطب والوقوع في الندامة رزقنا الله وإياكم التوفيق والتسليم ومن كانت له حاجة فليأت الى الديوان بقلب سليم إلا من كان له دعوى شرعية فليتوجه الى قاضي العسكر المتولي بمصر المحمية بخط السكرية والسلام عن أفضل الرسل على الدوام‏.‏

وفيه أرسلوا الوالي لينبه على السقائين بنقل الماء وعدم التعرض لهم ولحميرهم‏.‏ وفي

ليلة الأربعاء ثالث عشرينه خرج عدة كبيرة من العسكر

وطلب كبير الفرنساوية بونابارته أن يأخذ معه مصطفى بك كتخدا الباشا المتولي أمير الحاج ويأخذ أيضًا قاضي العسكر بجمقشي زاده وأربعة أنفار من المتعممين وهم الفيومي والصاوي والعريشي والدواخلي وجماعة أيضًا من التجار والوجاقلية ونصارى القبط والشوام‏.‏

وفي سادس عشرينه نادوا للناس بالأمان وفتح الأسواق ليلًا في رمضان حكم المعتاد‏.‏

وفيه انتقل قائمقام من بيته المطل على بركة الفيل وهو بيت ابراهيم بك الوالي وسكن بيت أيوب بك الكبير المطل على بركة الفيل وانتقلوا جميعهم الى بركة الأزبكية‏.‏

وفيه أعرض حسن آغا محرم المحتسب لساري عسكر أمر ركوبه المعتاد لإثبات هلال رمضان فرسم له بذلك على العادة القديمة فاحتفل لذلك المحتسب احتفالًا زائدًا وعمل وليمة عظيمة في بيته أربعة أيام أولها السبت وآخرها الثلاثاء دعا في أول يوم العلماء والفقهاء والمشايخ والوجاقلية وغيرهم وفي ثاني يوم التجار والأعيان وكذلك ثالث يوم ورابع يوم دعا أيضًا أكابر الفرنساوية وأصاغرهم وركب يوم الثلاثاء بالأبهة الكاملة زيادة عن العادة وأمامه مشايخ الحرف بطبولهم وزمورهم وشق القاهرة على الرسم المعتاد ومر على قائمقام وأمير الحاج وساري عسكر بونابارته ثم رجع بعد الغروب الى بيت القاضي بين القصرين فأثبتوا هلال رمضان ليلة الأربعاء ثم ركب من هناك بالموكب وأمامه المشاعل الكثيرة والطبول والزمور والنقاقير والمناداة بالصوم وخلفه عدة خيالة عارية رؤوسهم وشعورهم مرخية على أقفيتهم بشكل بشيع مهول وانقضى شهر شعبان وحوادثه‏.‏

فمنها أن أهل مصر جروا على عادتهم في بدعهم التي كانوا عليها وانكمشوا عن بعضها واحتشموها خوفًا من الفرنسيس فلما تدرجوا فيها وأطلق لهم الفرنساوية القيد ورخصوا لهم وسايروهم رجعوا إليها وانهمكوا في عمل مواليد الأضرحة التي يرون فرضيتها وأنها قربة تنجيهم بزعمهم من المهالك وتقربهم الى الله زلفى في المسالك فرمحوا في غفلاتهم مع ما هم فيه من الأسر وكساد غالب البضائع وغلوها وانقطاع الأخبار ومنع الجالب ووقوف الانكليز في البحر وشدة حجزهم على الصادر والوارد حتى غلت أسعار جميع الأصناف المجلوبة من البحر الرومي وانقطع أثر كثير من أرباب الصنائع التي كسدت لعدم طلابها واحتاجوا الى التكسب بالحرف الدنيئة كبيع الفطير وقلي السمك وطبخ الأطعمة والمأكولات والأكل في الدكاكين وإحداث عدة قهاوي وأما أرباب الحرف الدنيئة الكاسدة فأكثرهم عمل حمارًا مكاريًا حتى صارت الأزقة خصوصًا جهات العسكر مزدحمة بالحمير التي تكرى للتردد في شوارع مصر فإن للفرنسيس بذلك عناية عظيمة ومغالاة في الأجرة بحيث أن الكثير منهم يظل طول النهار فوق ظهر الحمار بدون حاجة سوى أن يجري به مسرعًا في الشارع وكذلك تجتمع الباعة منهم ويركبون الحمير ويجهدونها في المشي والإسراع وهم يغنون ويضحكون ويصيحون ويتمسخرون ويشاركهم المكارية في ذلك كما أن لهم العناية وبذل الأموال والتردد الى حانات الراح والتغالي في شراء الفواكه والبوأطي والأقداح‏.‏

ومن طبعهم في الشرب أنهم يتعاطون لحد النشوة وترويح النفس فإن زادوا عن ذلك الحد لا يخرجون من منازلهم ومن سكر وخرج الي السوق ووقع منه أمر مخل عاقبوه وعزروه‏.‏

ومنها ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والأروام واليهود وركوبهم الخيول وتقلدهم بالسيوف بسبب خدمتهم للفرنسيس ومشيهم الخيلاء وتجاهرهم بفاحش القول واستذلالهم المسلمين كل ذلك بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد والحال الحال والمركوز في الطبع مازال والبعض استهوته الشياطين ومرق والعياذ بالله من الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

ومنها تواتر الأخبار من ابتداء شهر رجب بأن رجلًا مغربيًا يقال له الشيخ الكيلاني كان مجاورًا بمكة والمدينة والطائف فلما وردت أخبار الفرنسيس الى الحجاز وأنهم ملكوا الديار المصرية انزعج أهل الحجاز ويدعوهم الى الجهاد ويحضرهم على نصرة الحق والدين وقرأ بالحرم كتابًا مؤلفًا في معنى ذلك فاتعظ جملة من الناس وبذلوا أموالهم وأنفسهم واجتمع نحو الستمائة من المجاهدين وركبوا البحر الى القصير مع ما انضم إليهم من أهل ينبع وخلافه‏.‏

فورد الخبر في أواخره أنه انضم إليهم جملة من أهل الصعيد وبعض أتراك ومغاربة ممن كان خرج معهم مع غز مصر عند وقعة انبابة وركب الغز معهم أيضًا وحاربوا الفرنسيس فلم تثبت الغز كعادتهم وانهزموا وتبعهم هوارة الصعيد والمتجمعة من القرى وثبت الحجازيون ثم انكفوا لقلتهم وذكلك بناحية جرجا وهرب الغز والمماليك الى ناحية اسنا وصحبتهم حسن بك الجداوي وعثمان بك حسن تابعه ووقع بين أهل الحجاز والفرنسيس بعض حروب غير هذه المرة بعدة مواضع وينفصل الفريقان بدون طائل‏.‏

ومنها أن الفرنسيس عملوا كرنتيلة بجزيرة بولاق وبنوا هناك بناء فيحجزون بها القادمين من السفار أيامًا معدودة كل جهة من الجهات القبلية لذلك وضجوا بالحرم وجردوا الكعبة وأن هذا الشيخ صار يعظ الناس والبحرية بحسبها والله أعلم‏.‏

ثم استهل شهر رمضان المعظم بيوم الأربعاء سنة 1213‏.‏

فيه أخذ بونابارته في الاهتمام بالسفر الى جهة الشام وجهزوا طلبًا كثيرًا وصاروا في كل يوم يخرج منه طائفة بعد طائفة‏.‏

وفي يوم السبت عمل ساري عسكر ديوانًا وأحضر المشايخ والوجاقات وتكلم معهم في أمر خروجه للسفر وأنهم قتلوا المماليك الفارين بالصعيد وأجلوا باقيهم الى أقصى الصعيد وأنهم متوجهون الى الفرقة الأخرى بناحية غزة فيقطعونهم ويمهدون البلاد الشامية لأجل سلوك الطريق ومشي القوافل والتجارات برًا وبحرًا لعمار القطر وصلاح الأحوال وأننا نغيب عنكم شهرًا ثم نعود وعند عودنا نرتب النظام في البلاد والشرائع وغير ذلك فعليكم ضبط البلد والرعية في مدة غيابنا ونبهوا مشايخ الأخطاط والحارات كل كبير يضبط طائفته خوفًا من الفتن مع العسكر المقيمين بمصر فالتزموا له بذلك وكتبوا له أوراقًا مطبوعة على العادة في معنى ذلك وألصقوها بالطرق وفي ذلك اليوم خرج القاضي ومصطفى كتخدا الباشا والمشايخ المعينون للسفر الى جهة العادلية وخرج أيضًا عدة كبيرة من عسكرهم ومعهم أحمال كثيرة حتى الأسرة والفرش والحصر وعدة مواهي ومحفات للنساء والجواري البيض والسود والحبوش اللاتي أخذوها من بيت الأمراء وتزيا أكثرهن بزي نسائهم الإفرنجيات وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الأحد خامسه ركب ساري عسكر الفرنسيس وخرج أيضًا الى العادلية وذلك في الساعة الرابعة بطالع الحمل وفيه القمر في تربيع زحل وأبقى بمصر عدة من العسكر بالقلعة والأبراج التي بنوها على التلول وقائمقام وبوسليك وساري عسكر ويزه بجملة من العسكر في الصعيد وكذلك سواري عسكر الأقاليم كل واحد معه عسكر في جهة من الجهات وأخذ معه المديرين وأصحاب المشورة والمترجمين وأرباب الصنائع منهم كالحدادين والنجارين ومهندسي الحروب وكبيرهم أبو خشبة بمصر ثم تراسل المتخلفون في الخروج كل يوم تخرج منهم جماعة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سابعه انتدب للنميمة ثلاثة من النصارى الشوام وعرفوهم أن المسلمين قاصدون الوثوب على الفرنسيس في يوم الخميس تاسعه فأرسل قائمقام خلف المهدي والآغا فأحضرهما وذكر لهما ذلك فقالا له‏:‏ هذا كذب لا أصل له وإنما هذه نميمة من النصارى كراهة منهم في المسلمين ففحص عمن اختلق ذلك فوجدهم ثلاثة من النصارى الشوام فقبضوا عليهم وسجنوهم بالقلعة حتى مضى يوم الخميس فلم يظهر صحة ما نقلوه فأبقاهم في الاعتقال ثم أن نصارى الشوام رجعوا الى عادتهم القديمة في لبس العمائم السود والزرق وتركوا لبس العمائم البيض والشيلان الكشميري الملونة والمشجرات وذلك بمنع الفرنسيس لهم من ذلك ونبهوا أيضًا بالمناداة في أول رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين أولًا ولا يتجاهرون بالأكل ولا يشربون الدخان ولا شيئًا من ذلك بمرأى منهم كل ذلك لاستجلاب خواطر الرعية حتى أن بعض الرعية من الفقهاء مر على بعض النصارى وهو يشرب الدخان فانتهزه فرد عليه ردًا شنيعًا فنزل ذلك المتعمم وضرب النصراني واجتمع عليه الناس وحضر حاكم الخطة فرفعهما الى قائمقام فسأل من النصارى الحاضرين عن عادتهم في ذلك فأخبروه أن من عادتهم القديمة أنه إذا استهل شهر رمضان لا يأكلون ولا يأكلون في الأسواق ولا بمرأى من المسلمين أبدًا فضرب النصراني وترك المتعمم لسبيله‏.‏

وفي تاسع عشرينه أحضروا مراد آغا تابع سليمان بك الآغا ومعه آخر من الأجناد من ناحية قبلي فأصعدوهما القلعة قبل قتلهما‏.‏

وفي خامس عشرينه ورد الخبر بأن الفرنساوية ملكوا قلعة العريش وطاف رجل من أتباع الشرطة ينادي في الأسواق أن الفرنساوية ملكوا قلعة العريش وأسروا عدة من المماليك وفي غد يعملون شكنًا ويضربون مدافع فإذا سمعتم ذلك فلا تفزعوا فلما أصبح يوم الأحد حضر المماليك المذكورة وهم ثمانية عشر مملوكًا وأربعة من الكشاف وهم راكبون الحمير ومتقلدون بأسلحتهم ومعهم نحو المائة من عسكر الفرنسيس وأمامهم طبلهم وخرج بعض الناس فشاهدهم ولما وصلوا الى خارج القاهرة حيث الجامع الظاهري خرج الآغا وبرطلمين بطوافيهما ينتظرانهم ومعهم طبول وبيارق وطوائف ومشوا معهم الى الأزبكية من الطريق التي أحدثوها ودخلوا بهم الى بيت قائمقام فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم فذهبوا الى بيوتهم وفيهم أحمد كاشف تابع عثمان بك الأشقر وآخر يقال له حسن كاشف الدويدار وكاشفان آخران وهما يوسف كاشف الرومي واسمعيل كاشف تابع أحمد كاشف المذكور وكان من خبرهم أنهم كانوا مقيمين بقلعة العريش وصحبتهم نحو ألف عسكري مغاربة وأرنؤد فحضر لهم الفرنسيس الذين كانوا في المقدمة في أواخر شعبان فأحاطوا بالقلعة وحاربوهم من داخلها ونالوا منهم ما نالوه ثم حضر إليهم ساري عسكر بجموعه بعد أيام وألحوا في حصارهم فأرسل من بالعريش الى غزة فطلب نجدة فأرسلوا لهم نحو السبعمائة وعليهم قاسم بك أمين البحرين فلم يتمكنوا من الوصول الى القلعة لتحلق الفرنساوية بها وإحاطتهم حولها فنزلوا قريبًا من القلعة فكبستهم عسكر الفررنسيس بالليل فاستشهد قاسم بك وغيره وانهزم الباقون ولم يزل أهل القلعة يحاربون ويقاتلون حتى فرغ ما عندهم من البارود والذخيرة فطلبوا عند ذلك الأمان فأمنوهم ومن القلعة أنزلوهم وذلك بعد أربعة عشر يومًا فلما نزلوا على أمانهم أرسلوهم الى مصر مع الوصية بهم وتخلية سبيلهم فحضروا الى مصر كما ذكر وأخذوا سلاحهم وخلوا سبيلهم وصاروا يترددون عليهم ويظمونهم ويلاطفونهم ويفرجونهم على صنائعهم وأحوالهم‏.‏

وأما العسكر الذين كانوا معهم بقلعة العريش فبعضهم انضاف إليهم وأعطوهم جامكية وعلوفة وجعلوهم بالقلعة مع عسكر من الفرنسيس والبعض لم يرض بذلك فأخذوا سلاحه وأطلقوهم في حال سبيلهم وذهب الفرنسيس الى ناحية غزة وفي ذلك اليوم بعد الظهر عملوا الشنك الموعود به وضربوا عدة مدافع بالقلعة والأزبكية وأظهر النصارى الفرح والسرور بالأسواق والدور وأولموا في بيوتهم الولائم وغيروا الملابس والعمائم وتجمعوا للهو والخلاعة وزادوا في القبح والشناعة‏.‏

وفي يوم الأربعاء توفي أحمد كاشف المذكور فجأة وفي عصر ذلك اليوم حضر جماعة من الفرنسيس نحو الخمسة والعشرين هم راكبون الهجن وعلى رؤوسهم عمائم بيض ولابسون برانس بيضًا على أكتافهم فذهبوا الى بيت قائمقام بالأزبكية فلما أصبح يوم الخميس عملوا الديوان وقرأوا المكاتبة التي حضرت مع الهجانة حاصلها أن الفرنسيس أخذوا غزة وخان يونس وأخبار مختلفة‏.‏

منها أنهم وجدوا ابراهيم بك ومن معه ارتحلوا من هناك وكانوا أرسلوا حريمهم وأثقالهم الى جبل نابلس وقيل بل تحاربوا معهم وانهزموا وفي ذلك اليوم بعد العصر بنحو عشرين درجة حضر عدة من الفرنسيس ومهم كبير منهم وهم راكبون الخيول وعدة من المشاة وفيهم جماعة لابسون عمائم بيضًا وجماعة أيضًا ببرانيط ومعهم نفير ينفخ فيه وبيدهم بيارق وهي التي كانت عند المسلمين على قلعة العريش الى أن وصلوا الى الجامع الأزهر فاصطفوا رجالًا وركبانًا بباب الجامع وطلبوا الشيخ الشرقاوي فسلموه تلك البيارق وأمروه برفعها ونصبها على منارات الجامع الأزهر فنصبوا بيرقين ملونين على المنارة الكبيرة ذات الهلالين عند كل هلال بيرقًا وعلى منارة أخرى بيرقًا ثالثًا وعند رفعهم ذلك ضربوا عدة مدافع من القلعة بهجة وسرورًا وكان ذلك ليلة عيد الفطر فلما كان عند الغرب ضربوا عدة مدافع أيضًا إعلامًا بالعيد وبعد العشاء الأخيرة طاف أصحاب الشرطة ونادوا بالأمان وبخروج الناس على عادتهم لزيارة القبور بالقرافتين والاجتماع لصلاة العيد وأن يلبسوا أحسن ثيابهم ولما ملكوا العريش كتبوا أوراقًا وأرسلوها الى البلاد ونصها‏:‏ فرمان عام موجه من أمير الجيوش الى أهالي الشام قاطبة‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من طرف بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية الى حضرة المفتين والعلماء وكافة أهالي نواحي غزة والرملة ويافا حفظهم الله تعالى بعد السلام نعرفكم أننا حررنا لكم هذه السطور نعلمكم أننا حضرنا في هذا الطرف لقصد طرد المماليك وعسكر الجزار عنكم والى أي سبب حضور عسكر الجزار وتعديه على بلاد يافا وغزة التي ما كانت من حكمه والى أي سبب أيضًا أرسل عساكره الى قلعة العريش بذلك هجم على أراضي مصر فلا شك كان مراده إجراء الحروب معنا ونحن حضرنا لنحاربه فأما أنتم يا أهالي الأطراف المشار إليها فلم نقصد لكم أذية ولا أدنى ضرر فأنتم استمروا في محلكم ووطنكم مطمئنين ومرتاحين وأخبروا من كان خارجًا عن محله ووطنه أن يرجع ويقيم في محله ووطنه ومن قبلنا عليكم ثم عليهم الأمان الكافي والحماية التامة ولا أحد يتعرض لكم في مالكم وما تملكه يدكم وقصدنا أن القضاة يلازمون خدمهم ووظائفهم على ما كانوا عليه وعلى الخصوص أن دين الإسلام لم يزل معتزًا ومعتبرًا والجوامع عامرة بالصلاة وزيارة المؤمنين‏.‏

إذ كل خير يأتي من الله تعالى وهو يعطي النصر لمن يشاء ولا يخفاكم أن جميع ما تأمر به الناس ضدنا فيغدو باطلًا ولا نفع لهم به لأن كل ما نضع به يدنا لابد من تمامه للخير والذي يتظاهر بالغدر يهلك ومن كل ما حصل تفهمون جيدًا أننا نقمع أعداءنا ونعضد من يحبنا‏.‏

وعلى الخصوص من كوننا متصفين بالرحمة والشفقة على الفقراء المساكين‏.‏

ولما أخذوا غزة أرسلوا طومارًا بصورة الواقعة وبصموه نسخًا وقرئ بالديوان وألصقوا نسخه المطبوعة بالأسواق وصورته‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان إلا على الظالمين نخبر أهل مصر وأقاليمها أنه حضر فرمان مكتوب من غزة من حضرة الجنرال اسكندر يرتبه خطابًا الى حضرة ساري عسكر دوجا وكيل الجيوش بمصر يخبره فيه بأن العساكر الفرنساوية باتوا ليلة تسعة عشر شهر رمضان في خان يونس وفي فجر تلك الليلة توجهوا سائرين الى ناحية غزة فكشفوا قبل الظهر بساعة عسكر المماليك وعسكر الجزار جالسين تجاه غزة فتوجه إليهم الجنرال مرارًا مع عساكر الفرنساوية من خيالة ومشاة مراده اغتيال عسكر المماليك وعسكر الجزار فلما انتبهوا له فروا هاربين ووقع بينه وبين أطراف العساكر بعض مضاربة يسيرة لم ينجرح فيها إلا شخصان من الفرنساوية مات عسكري واحد ومات من عسكر المماليك والجزار ناس قلائل وحين تشاغل ساري عسكر مراد بالمضاربة والمقاتلة دخل حضرة ساري عسكر كلهبر الذي كان حاكمًا بالاسكندرية وكان ساكنًا بالأزبكية الى بندر غزة وملكها من غي ر معارض له ووجدوا فيها حواصل مشحونة بالذخائر من بقسماط وشعير وأربعمائة قنطار بارود واثني عشر مدفعًا وحاصلًا كبيرًا مملوءًا بالخيام الكثيرة وجللًا وبنبات مهيئات محضرات كصنعة الإفرنج هذا ما وقع لملكهم لغزة وقد أخبرناكم على ما وقع في كيفية ملك العريش سابقًا فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء الله وتأدبوا في أحكام مولاكم الذي خلقكم وسواكم والسلام ختام‏.‏

وانقضى شهر رمضان ووقع به قبل ورود هذه الأخبار من السكون والطمأنينة وخلو الطرقات من العسكر وعدم مرور المتخلفين منهم إلا في النادر واختفائهم بالليل جملة كافية وانفتاح الأسواق والدكاكين والذهاب والمجيء وزيارة الإخوان ليلًا والمشي على العادة بالفوانيس ودونها واجتماع الناس للسهر في الدور والقهاوي ووقود المساجد صلاة التراويح وطواف المسحرين والتسلي بالرواية والنقول وترجي المأمول وانحلال الأسعار فيما عدا المجلوبات من الأقطار‏.‏

ومنها أن الفرنساوية صاروا يدعون أعيان الناس والمشايخ والتجار للإفطار والسحور ويعملون لهم الولائم ويقدمون لهم الموائد على نظام المسلمين وعادتهم ويتولى أمر ذلك الطباخون والفراشون من المسلمين تطمينًا لخواطرهم ويذهبون هم أيضًا ويحضرون عندهم الموائد ويأكلون معهم في وقت الإفطار ويشاهدون ترتيبهم ونظامهم ويحذون حذوهم ووقع منهم من المسايررة للناس وخفض الجانب ما يتعجب منه والله أعلم‏.‏

شهر شوال سنة 1213 استهل بيوم الجمعة وفي صبح ذلك اليوم ضربوا عدة مدافع لشنك العيد واجتمع الناس لصلاة العيد في المساجد والأزهر واتفق أن إمام الجامع الأزهر نسي قراءة الفاتحة في الركعة الثانية فلما سلم أعاد الصلاة بعدما شنع عليه الجماعة وخرج الرجال والنساء لزيارة القبور‏.‏

فانتبذ بعض الحرافيش نواحي تربة باب النصر وأسرع في مشيه هو يقول‏:‏ نزلت عليكم العرب يا ناس فهاجت الناس وانزعجت النساء ورمحت الجعيدية والحرافيش وخطفوا ثياب النساء وأزرهن وما صادفوه من عمائم الرجال وغير ذلك واتصل ذلك بتربة المجاورين وباب الوزير والقرافة حتى أن بعض النساء مات تحت الأرجل ولم يكن لهذا الكلام صحة وإنما ذلك من مخترعات الأوباش لينالوا أغراضهم من الخطف بذلك‏.‏

وفيه ركب أكابر الفرنسيس وطافوا على أعيان البلد وهنوهم بالعيد وجاملهم الناس بالمدارة وفي أوائله وردت الأخبار بأن الأمراء المصرية القبليين تفرقوا من بعضهم فذهب مراد بك وآخرون الى نواحي ابراهيم بك ومنهم من ذهب الى ناحية أسوان والألفي عدى بجماعته الى ابر الشرقي‏.‏

وفي خامسه قدم الشيخ محمد الدواخلي من ناحية القرين متمرضًا وكان بصحبته الصاوي والفيومي متخلفين بالقرين وسبب تخلفهم أن كبير الفرنسيس لما ارتحل من الصالحية أرسل الى كتخدا الباشا والقاضي والجماعة الذين بصحبتهم يأمرهم بالحضور الى الصالحية لأنهم كانوا يباعدون عنه مرحلة فلما أرادوا ذلك بلغهم وقوف العرب بالطريق فخافوا من المرور‏.‏

فذهبوا الى العرين فأقاموا هناك واتخذ عسكر الفرنسيس جمالهم فأقاموا بمكانهم فتقلق هؤلاء الثلاثة وخافوا سوء العاقبة ففارقوهم وذهبوا للقرين وتخلف عنهم الفيومي فأقام مع كتخدا الباشا والقاضي فحصل للدواخلي توعك فحضر الى مصر وبقي رفيقاه في حيرة‏.‏

وفي سابعه أحضر الآغا رجلًا ورمى عنقه عند باب زويلة وشنق امرأة على شباك السبيل تجاه الباب والسبب في ذلك أن الفرنساوي حاكم خط الخليفة وجهة الركبية ويسي دلوي أحضر باعة الغلال بالرميلة وصادرهم ومنعهم من دفع معتاد الوالي فاجتمعوا وذهبوا الى كبير الفرنسيس الذي يقال له شيخ البلد وشكوا إليه وكان الأمير ذو الفقار حاضرًا وهو يسكن تلك الجهة فعضدهم وعرف شيخ البلد عن شكواهم فأرسل شيخ البلد الى دلوي فانتهره وأمره برد ما أخذه فأخبره أتباعه أن ذا الفقار هو الذي عضدهم وأنهى شكواهم الى كبيرهم فقام دلوي المذكور ودخل على ذي الفقار في بيته وسبه وشتمه بلغته وفزع عليه ليضربه فلما خرج من عنده قام وذهب الى كبيرهم وأخبره بفعل دلوي معه فأمر بإحضاره وحبسه بالقلعة‏.‏

ثم أخبر بعض الناس شيخ البلد أن التعرض الذي وقع من دلوي لباعة الغلة إنما هو بإغراء خادمه وعرفه أن خادمه المذكور مولع بامرأة رقاصة من الرميلة تأتيه بأشكالها هو وأضرابه وترقص لهم تلك المرأة في القهوة التي بخطهم ليلًا ونهارًا وتبيت معهم في البيت ويصبحون على حالهم فلما حبس أميرهم اختفوا فدلوا على الرجل والمرأة فقبضوا عليهما وفعلوا بهما ما ذكر ولا بأس بما حصل‏.‏

وفي ثامنه يوم الجمعة نودي في الأسواق بموكب كسوة الكعبة المشرفة من قراميدان والتنبيه باجتماع الوجاقات وأرباب الأشاير وخلافهم على العادة في عمل الموكب فلما أصبح يوم السبت اجتمع الناس في الأسواق وطريق المرور وجلسوا للفرجة فمروا بذلك وأمامها الوالي والمحتسب وعليهم القفاطين والبينشات وجميع الأشاير بطبولهم وزمورهم وكاساتهم ثم برطلمين كتخدا مستحفظان وأمامه نفر الينكجرية من المسلمين نحو المائتين أو أكثر وعدة كثيرة من نصارى الأروام بالأسلحة والملازمين بالبراقع وهو لابس فروة عظيمة ثم مواكب القلقات ثم موكب ناظر الكسوة وهو تابع مصطفى كتخدا الباشا وخلفه النوبة التركية فكانت هذه الركبة من أغرب المواكب وأعجب العجائب لما اشتملت عليه من اختلاف الأشكال وتنوع الأمثال واجتماع الملل وارتفاع السفل وكثرة الحشرات وعجائب المخلوقات واجتماع الأضداد ومخالفة الوضع المعتاد وكان نسيج الكسوة بدار مصطفى كتخدا المذكور وهو على خلاف العادة من نسجها بالقلعة‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثالث عشره حضر عدة من الفرنسيس وهم راكبون الهجن ومعهم عدة بيارق وأْلام بعد الظهر وأخبروا أن الفرنسيس ملكوا قلعة يافا وبيدهم مكاتبة من ساري عسكرهم بالإخبار عما وقع فلما كان يوم الخميس واجتمع أرباب الديوان فقرأ عليهم تلك المراسلة بعد تعريبها وترصيفها على هذه الكيفية وهي عن لسان رؤساء الديوان الى الكافة وذلك بإلزامهم وأمرهم بذلك‏.‏

وصورتها‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم مالك الملك يفعل في ملكه ما يريد سبحان الحكم العدل الفاعل المختار ذي البطش الشديد هذه صورة تمليك الله سبحانه وتعالى جمهور الفرنساوية لبندر يافا من الأقطار الشامية نعرف أهل مصر وأقاليمها من سائر البرية أن العساكر الفرنساوية انتقلوا من غزة ثالث عشرين رمضان ووصلوا الى الرملة في الخامس والعشرين منه في أمن واطمئنان فشاهدوا عسكر أحمد باشا الجزار هاربين بسرعة قائلين الفرار الفرار‏.‏

ثم أن الفرنساوية وجدوا في الرملة ومدينة لد مقدارًا كبيرًا من مخازن البقسماط والشعير ورأوا فيها ألفًا وخمسمائة قربة مجهزة جهزها الجزار يسير بها الى إقليم مصر مسكن الفقراء والمساكين ومراده أن يتوجه إليها بأشرار العربان من سطح الجبل ولكن تقادير الله تفسد المكر والحيل قاصدًا سفك دماء الناس مثل عوائده الشامية وتجبره وظلمه مشهور لأنه تربية المماليك الظلمة المصرية ولم يعلم من خسافة عقله وسوء تدبيره أن الأمر لله كل شيء بقضائه وتدبيره وفي سادس عشرين شهر رمضان وصلت مقدمات الفرنساوية الى بندر يافا من الأراضي الشامية وأحاطوا بها وحاصروها من الجهة الشرقية والغربية وأرسلوا الى حاكمها وتحيل الجزار أن يسلمهم القلعة قبل أن يحل به وبعسكره الدمار فمن خسافة رأيه وسوء تدبيره سعى في هلاكه وتدميره ولم يرد لهم جواب وخالف قانون الحرب والصواب‏.‏

وفي أواخر ذلك اليوم السادس والعشرين تكاملت العساكر الفرنساوية على محاصرة يافا وصاروا كلهم مجتمعين وانقسموا على ثلاثة طوابير‏:‏ الطابور الأول توجه على طريق عكا بعيدًا عن يافا أربع ساعات وفي السابع والعشرين من الشهر المذكور أمر حضرة ساري عسكر الكبير بحفر خنادق حول السور لأجل أن يعملوا متاريس أمينة وحصارات متقنة حصينة لأنه وجد سور يافا ملآنًا بالمدافع الكثيرة ومشحونة بعسكر الجزار الغزيرة‏.‏

وفي تاسع عشرين الشهر لما قرب حفر الخندق الى السور مقدار مائة وخمسين خطوة أمر حضرة ساري عسكر المشار إليه أن ينصب المدافع على المتاريس وأن يضعوا أهوان القنبر بإحكام وتأسيس وأمر بنصب مدافع أخر بجانب البحر لمنع الخارجين إليهم من مراكب المينا‏.‏

لأنه وجد في المينا بعض مراكب أعدها عسكر الجزار للهروب ولا ينفع الهروب من القدر المكتوب ولما رأت عساكر الجزار الكائنون بالقلعة المحاصرون أن عسكر الفرنساوية قلائل في رأي العين للناظرين لمداراة الفرنساوية في الخنادق وخلف المتاريس غرهم الطمع فخرجوا لهم من القلعة مسرعين مهرولين وظنوا أنهم يغلبون الفرنساوية فهجم عليهم الفرنسيس وقتلوا منهم جملة كثيرة في تلك الواقعة وألجؤوهم للدخول ثانيًا في القلعة‏.‏

وفي يوم الخميس غاية شهر رمضان حصل عند ساري عسكر شفقة قلبية وخاف على أهل يافا من عسكره إذا دخلوا بالقهر والإكراه فأرسل إليهم مكتوبًا من رسول مضمونه‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له بسم الله الرحمن الرحيم من حضرة ساري عسكر اسكندر برتيه كتخدا العسكر الفرنساوي الى حضرة حاكم يافا نخبركم أن حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته أمرنا أن نعرفك في هذا الكتاب أن سبب حضوره الى هذا الطرف إخراج عسكر الجزار فقط من هذه البلدة لأنه تعدى بإرسال عسكره الى العريش ومرابطته فيها والحال أنها من إقليم مصر التي أنعم الله بها علينا فلا يناسبه الإقامة بالعريش لأنها ليست من أرضه فقد تعدى على ملك غيره ونعرفكم يا أهل يافا أن بندركم حاصرناه من جميع أطرافه وجهاته وربطناه بأنواع الحرب وآلات المدافع الكثيرة والجلل والقنابر وفي مقدار ساعتين ينقلب سوركم وتبطل آلاتكم وحروبكم ونخبركم أن حضرة ساري عسكر المشار إليه لمزيد رحمته وشفقته خصوصًا بالضعفاء من الرعية خاف عليكم من سطوة عسكره المحاربين إذا دخلوا عليكم بالقهر أهلكوكم أجمعين فلزمنا أننا نرسل لكم هذا الخطاب أمانًا كافيًا لأهل البلد والأغراب ولأجل ذلك أخر ضرب المدافع والقنابر الصاعدة عنكم ساعة فلكية واحدة وإني لكم لمن الناصحين وهذا آخر جواب الكتاب فجعلوا جوابنا حبس الرسول مخالفين للقوانين الحربية والشريعة المطهرة المححمدية وحالًا في الوقت والساعة هيج ساري عسكر واشتد غضبه على الجماعة وأمر بابتداء ضرب المدافع والقنابر الموجب للتدمير وبعد مضي زمان يسير تعطلت مدافع يافا المقابلة لمدافع المتاريس وانقلب عسكر الجزار وبال وتنكيس وفي وقت الظهر من هذا اليوم انخرق سور يافا وارتج له القوم ونقب من الجهة التي ضرب فيها المدافع من شدة النار ولا راد لقضاء الله ولا مدافع وفي الحال أمر حضرة ساري عسكر بالهجوم عليهم وفي أقل من ساعة ملكت الفرنساوية جميع البندر والأبراج ودار السيف في المحاربين واشتد بحر الحرب وهاج وحصل النهب فيها تلك الليلة‏.‏ وفي

يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل

من حضرة ساري عسكر الكبير ورق قلبه على أهل مصر من غني وفقير الذين كانوا في يافا وأعطاهم الأمان وأمرهم برجوعهم الى بلدهم مكرمين وكذلك أمر أهل دمشق وحلب برجوعهم الى أوطانهم سالمين لأجل أن يعرفوا مقدار شفقته ومزيد رأفته ورحمته يعفو عند المقدرة ويصفح وقت المعذرة مع تمكينه ومزيد إتقانه وتحصينه وفي هذه الواقعة قتل أكثر من أربعة آلاف من عسكر الجزار بالسيف والبندق لما وقع منهم من الانحراف وأما الفرنساوية فلم يقتل منهم إلا القليل والمجروحون منهم ليسوا بكثير وسبب ذلك سلوكهم الى القلعة من طريق أمينة خافية عن العيون وأخذوا ذخائر كثيرة وأموالًا غزيرة وأخذوا المراكب التي في المينة واكتسبوا أمتعة غالية ثمينة ووجدوا في القلعة أكثر من ثمانين مدفع ولم يعلموا مع مقادير الله أن آلات الحرب لا تنفع فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء الله ولا تعترضوا على أحكام الله وعليكم بتقوى الله واعلموا أن الملك لله يؤتيه من يشاء والسلام عليكم ورحمة الله‏.‏

فلما تحقق الناس هذا الخبر تعجبوا وكانوا يظنون بل يتيقنون استحالة ذلك خصوصًا ف المدة القليلة ولكن المقضي كائن‏.‏

وفي يوم الجمعة خامس عشره شق جماعة من أتباع الشرطة في الأسواق والحمامات والقهاوي ونبهوا على الناس بترك الفضول والكلام واللغط في حق الفرنسيس ويقولون لهم‏:‏ من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فلينته ويترك الكلام في ذلك فإن ذلك مما يهيج العداوة وعرفوهم أنه إن بلغ الحاكم من المتجسسين عن أحد تكلم في ذلك عوقب أو قتل فلم ينتهوا وربما قبض على البعض وعاقبوه بالضرب والتغريم‏.‏

وفي ذلك اليوم كان التحويل الربيعي وانتقال الشمس الى برج الحمل وهو أول شهر من شهورهم فعملوا ليلة السبت شنكًا وحراقة وسواريخ وتجمعوا بدار الخلاعة نساء ورجالًا وتراقصوا وتسابقوا وأوقدوا سراجًا وشموعًا وغير ذلك وأظهر الأقباط والشوام مزيد الفرح والسرور‏.‏

وفي يوم السبت المذكور أرسلوا الأعلام والبيارق التي أحضروها من قلعة يافا وعدتها ثلاثة عشر وفيها من له طلائع فضة كبار الى الجامع الأزهر وكانوا أنزلوا أعلام قلعة العريش قبل ذلك بيوم من أعلى المنارات وأرسلوا بدلها أعلام يافا وعملوا لها موكبًا بطائفة من العسكر يقدمهم طبلهم وخلفهم الآغا بجماعته وطائفته والمحتسب ومدبرو الديوان وخلفهم طبل آخر يضربون عليه بإزعاج شديد وخلف ذلك الطبل جماعة من العسكر يحملون البنادق على أكتافهم كالطائفة الأولى وبعدهم عدة من العسكر على رؤوسهم عمائم بيض يحملون تلك الأعلام الكبار والبيارق المذكورة وخلفهم جماعة خيالة من كبار العسكر وآخرون راكبون على حمير المكارية فلما وصلوا الى باب الجامع الأزهر رتبوا تلك الأعلام ووضعوها على أعلى الباب الكبير فوق المكتب منشورة وبعضها على الباب الآخر من الجهة الأخرى عند حارة كتامة المعروفة الآن بالعينية ولم يصعدوا منها على المنارات كما صنعوا في أعلام العريش‏.‏

وفي يوم الأحد سابع عشره رتبوا أوامر وكتبوها في أوراق مبصومة وألصقوها بالأسواق إحداها بسبب مرض الطاعون وأخرى بسبب الضيوف الأغراب ومضمون الأولى بتقاسيمه ومقالاته خطابًا لأهل مصر وبلاق ومصر القديمة ونواحيها‏:‏ إنكم تمتثلون هذه الأوامر وتحافظون عليها ولا تخالفوها وكل من خالفها وقع له مزيد الانتقام والعقاب الأليم والقصاص العظيم وهي المحافظة من تشويش الكبة وكل من تيقنتم أو ظننتم أو توهمتم أو شككتم فيه ذلك في محل من المحلات أو بيت أو وكالة أو ربع يلزمهم ويتحتم عليكم أن تعملوا كرنتيلة ويجب قفل ذلك المكان ويلزم شيخ الحارة أو السوق الذي فيه ذلك أن يخبر حالًا قلق الفرنساوية حاكم ذلك الخط والقلق يخبر شيخ البلد قائمقام مصر وأقاليمها ويكون ذلك فورًا‏.‏

وكذلك كل ملة من سكان مصر وأقاليمها وجوانبها والأطباء إذا تحققوا وعلموا حصول ذلك المرض يتوجه كل طبيب الى قائمقام ويخبره ليأمره بما هو مناسب للصيانة والحفظ من التشويش وكل من كان عنده خبر من كبار الأخطاط أو مشايخ الحارات وقلقات الجهات ولم يخبر بهذا المرض يعاقب بما يراه قائمقام ويجازى مشايخ الحارات بمائة كرباج جزاء للتقصير وملزوم أيضًا من أصابه هذا التشويش أو حصل في بيته لغيره من عائلته أو عشيرته وانتقل من بيته الى آخر أن يكون قصاصه الموت وهو الجاني على نفسه بسبب انتقاله وكل رئيس ملة في خط إذا لم يخبر بالكبة الواقعة في خطه أو بمن مات بها أيضًا حالًا فوريًا كان عقاب ذلك الرئيس وقصاصه الموت والمغسل إن كان رجلًا أو امرأة إذا رأى الميت أنه مات بالكبة أوشك في موته ولم يخبر قبل مضي أربع وعشرين ساعة كان جزاؤه وقصاصه الموت وهذه الأوامر الضرورية بلزوم أغات الينكجرية وحكام البلد الفرنساوية والإسلامية تنبيه الرعية واستيقاظهم لها فإنها أمور مخفية وكل من خالف حصل له مزيد الانتقام من قائمقام وعلى القلقات البحث والتفتيش عن هذه العلة الردية لأجل الصيانة والحفظ لأهل البلد والحذر من المخالفة والسلام‏.‏

ومضمون الثانية‏:‏ الخطاب السابق من ساري عسكر دوجا الوكيل وحاكم البلد دسني قائمقام يلزم المدبرين بالديوان أنهم يشهرون الأوامر وينتبهوا لها وكل من خالف يحصل له مزيد الانتقام وهو أنه يتحتم ويلزم صاحب كل خمارة أو وكالة أو بيت الذي يدخل في محله ضيف أو مسافر أو قادم من بلدة أو إقليم أن يعرف عنه حالًا حاكم البلد ولا يتأخر عن الإخبار إلا مدة أربعة وعشرين ساعة يعرفه عن مكانه الذي قدمه منه وعن سبب قدومه وعن مدة سفره ومن أي طائفة أو ضيفًا أو تاجرًا أو زائرًا أو غريمًا مخاصمًا لابد لصاحب المكان من إيضاح البيان والحذر ثم الحذر من التلبيس والخيانة وإذا لم يقع تعريف عن كامل ما ذكر في شأن القادم بعد الأربعة وعشرين ساعة بإظهار اسمه وبلده وسبب قدومه يكون صاحب المكان متعديًا ومذنبًا وخائنًا وموالسًا مع المماليك‏.‏

ونخبركم معاشر الرعايا وأرباب الخمامير والوكائل أن تكونوا ملزومين بغرامة عشرين ريالًا فرانسة في المرة الأولى وأما في المرة الثانية فإن الغرامة تضاعف ثلاث مرات ونخبركم أن الأمر بهذه الأحكام مشترك بينكم وبين الفرنسيس الفاتحين للخمامير والبيوت والوكائل والسلام‏.‏

وفيه اجتمعوا بالديوان وتفاوضوا في شأن مصطفى بك كتخدا الباشا المولى أمير الحاج وهو أنه لما ارتحل مع ساري عسكر وصحبته القاضي والمشايخ الذين عينوا للسفر والوجاقلية والتجار وافترق منهم عند بلبيس وتقدم هو الى الصالحية ثم أنهم انتقلوا الى العرين فحضر جماعة من العساكر المسافرين فاحتاجوا الى الجمال فأخذوا جمالهم فلما وصل ساري عسكر الى وطنه أرسل يستدعيهم الى الحضور فلم يجدوا ما يحملون عليه متاعهم وبلغهم أن الطريق مخيفة من العرب فلم يمكنهم اللحاق به فأقاموا بالعرين بالعين المهملة عدة أيام وأهمل أمرهم ساري عسكر ثم أن الشيخ الصاوي والعريشي والدواخلي وآخرين خافوا عاقبة الأمر ففارقوهم وذهبوا الى القرين بالقاف وحصل للدواخلي توعك وتشويش فحضر الى مصر كما تقدم ذكر ذلك وانتقل مصطفى بك المذكور والقاضي وصحبتهم الشيخ الفيومي وآخرون من التجار والوجاقلية الى كفور نجم وأقاموا هناك أيامًا واتفق أن الصاوي أرسل الى داره مكتوبًا وذكر في ضمنه أن سبب افتراقهم من الجماعة أنهم رأوا من كتخدا الباشا أمورًا غير لائقة‏.‏

فلما حضر ذلك المكتوب طلبه الفرنساوية المقيمين في مصر وقرأوه وبحثوا عن الأمور اللائقة فأولها بعض المشايخ أنه قصر في حقهم والاعتناء بشأنهم فسكتوا وأخذوا في التفحص‏.‏

فظهر لهم خيانته ومخامرته عليهم واجتمع عليه الجبالي وبعض العرب العصاة وأكرمهم وخلع عليهم وانتقل بصحبتهم الى منية غمر ودقدوس وبلاد الوقف وجعل يقبض منهم الأموال وحين كانوا على البحر مر بهم مراكب تحمل الميرة والدقيق الى الفرنسيس بدمياط فقاطعوا عليهم وأخذوا منهم ما معهم قهرًا وأحضروا المراكبية بالديوان فحكوا على ما وقع لهم معه فأثبتوا خيانة مصطفى بك المذكور وعصيانه وأرسلوا هجانًا بإعلام ساري عسكرهم بذلك‏.‏

فرجع إليهم بالجواب يأمرهم فيه بأن يرسلوا له عسكرًا ويرسلوا الى داره جماعة ويقبضون عليه ويختمون على داره ويحبسون جماعته‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشرينه عينوا عليه عسكرًا وأرسلوا الى داره جماعة ومعهم وكلاء فقبضوا على كتخدائه الذي كان ناظرًا على الكسوة وعلى ابن أخيه ومن معهم وأودعوهم السجن بالجيزة وضبطوا موجوداته وما تركه مخدومه بكر باشا بقائمة وأودعوا ذلك بمكان بالقلعة فوجدوا غالب أمتعة الباشا وبرقه وملابسه وعبي الخيل والسروج وغيرها شيئًا كثيرًا‏.‏

وجدوا بعض خيول وجمال أخذوها أيضًا فانقبض خواطر الناس لذلك فإنهم كانوا مستأنسين بوجوده ووجود القاضي ويتوسلون بشفاعتهما عند الفرنسيس وكلمتهما عندهم مقبولة وأوامرهما مسموعة ثم انهم أرسلوا أمانًا للمشايخ والوجاقلية والتجار بالحضور الى مصر مكرمين ولا بأس عليهم‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن السيد عمر أفندي نقيب الأشراف حضر الى دمياط وصحبته جماعة من أفندية الروزنامة الفارين مثل عثمان أفندي العباسي وحسن أفندي كاتب الشهر ومحمد أفندي ثاني قلفة وباش جاجرت والشيخ قاسم المصلي وغيرهم وذلك أنهم كانوا بقلعة يافا فلما حاصرها الفرنساوية وملكوا القلعة والبلد لم يتعرضوا للمصريين وطلبهم إليه وعاتبهم على نقلهم وخروجهم من مصر وألبسهم ملابس وأنزلهم في مركب وأرسلهم الى دمياط من البحر‏.‏

وفي يوم الاثنين نادوا في الأسواق على المماليك والغز والأجناد الأغراب بأنهم يحضرون الى بيت الوكيل ويأخذون لهم أورقًا بعد معرفتهم والتضمين على أنفسهم ومن وجد من غير وثيقة في يده بعد ذلك يستأهل الذي يجري عليه وسبب ذلك إشاعة دخول الكثير منهم الى مصر خفية وفي يوم الثلاثاء نادوا في الأسواق والشوارع بأن من أراد الحج فليحج في البحر من السويس صحبة الكسوة والصرة وذلك بعد أن عملوا مشورة في ذلك‏.‏

وفيه حضر إمام كتخدا الباشا ومعه مكتوب فيه الثناء على الفرنساوية وشكر صنيعهم واعتنائهم بعملهم موكب الكسوة والدعاء لهم وأنه مستمر على مودته ومحبته معهم ويطلب منهم الإجازة بالحضور الى مصر ليسافر بصحبة الكسوة والحجاج فإن الوقت ضاق ودخل أوان السفر للحج وفي آخر المكتوب‏:‏ وإن بلغكم من المنافقين عنا شيء فهو كذب ونميمة فلا تصدقوه فقرئ كتابه بالديوان فلما فهمه الفرنسيس كذبوه ولم يصغوا إليه وقالوا إن خيانته ثبتت عندنا فلا ينفعه هذا الاعتذار ثم كتبوا له جوابًا وأرسلوه صحبة إمامه مضمونه إن كان صادقًا في مقالته فليذهب الى جهة ساري عسكر بالشام وأمهلوه ست ساعات بعد وصول الجواب إليه وإن تأخر زيادة عليها كان كاذبًا في مقالته وأمروا العسكر بمحاربته والقبض عليه‏.‏

وفيه كتبوا أوراقًا ونادوا بها في الشوارع وهي‏:‏ يا أهل مصر نخبركم أن أمير الحاج رفعوه عن سفره بالحاج بسبب ما حصل منه وأن أهل مصر علماء ووجاقات ورعايا لم يخالطوه في هذا الأمر ولم ينسب لهم شيء فالحمد لله الذي برأ أهل مصر من هذه الفتنة وهم حاضرون سالمون غانمون ما عليهم سوء ومن كان مراده الحج يؤهل نفسه ويسافر صحبة الصرة والكسوة في البحر والمراكب حاضرة والمعينون المحافظون من أهل مصر صحبة الحاج حاضرون يكون في علمكم أن تكونوا مطمئنين واتركوا كلام الحشاشين‏.‏

وفي يوم السبت غايته حضر المشايخ والوجاقات والتجار ما خلا القاضي فإنه لم يحضر وتخلف مع مصطفى كتخدا وانقضى هذا الشهر وما تجدد به من الحوادث التي منها أن الفرنساوية عملوا جسرًا من مراكب مصطفة وعليها أخشاب مسمرة من بر مصر بالقرب من قصر العيني الى الروضة قريبًا من موضع طاحون الهواء تسير عليه الناس بدوابهم وأنفسهم الى البر الآخر وعملوا كذلك جسرًا عظيمًا من الروضة الى الجيزة‏.‏

ومنها أن توت الفلكي رسم في فسحة دارهم العليا ببيت حسن كاشف جركس خطوط البسيطة لمعرفةفضل الدائر لنصف النهار على البلاط المفروش بطول الفسحة ووضع لها بدل الشاخص دائرة مثقوبة بثقب عديدة في أعلى الرفوف مقابلة لعرض الشمس ينزل الشعاع من تلك الثقب ويمر على الخطوط المرسومة المقسومة ويعرف منه الباقي للزوال ومدارات البروج شهرًا شهرًا وعلى كل برج صورته ليعلم منه درجة الشمس ورسم أيضًا مزولة بالحائط الأعلى على حوش المكان الأسفل المشترك بين الدارين بشاخص على طريق وضع المنحرفات والمزاول ولكن لساعات قبل الزوال وبعده خلاف الطريق المعروفة عندنا بوقت العصر وفضل دائر الغروب وقوس الشفق والفجر وسمت القبلة وتقسيم الدرج وأمثال ذلك لأجل تحقيق أوقات العبادة وهم لا يحتاجون الى ذلك فلم يعانوه ورسم أيضًا بسيطة على مربعة من نحاس أصفر منزلة بخطوط عديدة في قاعدة عامود قصير طوله أقل من قامة قايم بوسط الجنينة وشاخصها مثلث من حديد يمر ظل طرفه على الخطوط المتقاطعة وهي متقنة الرسم والصناعة وحولها معاريفها واسم واضعها بالخط الثلث العربي المجود حفرًا في النحاس وفيها تنازيل الفضة على طريقة أوضاع العجم وغير ذلك‏.‏

ومنها أنهم لما سخطوا على كتخدا الباشا وقبضوا على أتباعه وسجنوهم وفيهم كتخداه الذي كان ناظرًا على الكسوة فقيدوا في النظر على مباشرة إتمامها صاحبنا السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب أحد العدول بالمحكمة فنقلها لبيت أيوب جاويش بجوار مشهد السيدة زينب وتمموها هناك وأظهروا أيضًا الاهتمام بتحصيل مال الصرة وشرعوا في تحرير دفتر الإرسالية الخاصة‏.‏

واستهل شهر القعدة بيوم الأحد سنة 1213 في سادسه يوم الجمعة حضرت هجانة من الفرنسيس ومعهم مكاتبة مضمونها أنهم أخذوا حيفا وبعدها ركبوا على عكا وضربوا عليها وهدموا جانبًا من سورها وأنهم بعد أربعة وعشرين ساعة يملكونها وأنهم استعجلوا في إرسال هذه الهجانة لطول المدة والانتظار لئلا يحصل لأصحابهم القلق فكونوا مطمئنين وبعد سبعة أيام نحضر عندكم بسلام‏.‏

وفيه حضرت مغاربة حجاج الى بر الجيزة فتحدث الناس وكثر لغطهم وتقولوا بأنهم عشرون ألفًا حضروا لينقذوا مصر من الفرنسيس فأرسل الفرنسيس للكشف عليهم فوجدوهم طائفة من خلايا وقرى فاس مثل الفلاحين فأذنوا لهم في تعدية بعض أنفار منهم لقضاء أشغالهم فحضر شخص منهم الى الفرنسيس ووشى إليهم أنهم قدموا لمحاربهتم والجهاد فيهم وأنهم اشتروا خيلًا وسلاحًا وقصدهم إثارة فتنة فأرسل الفرنسيس إليهم جماعة ينظرون في أمرهم فذهبوا إليهم وتكلموا معهم ومع كبيرهم وعن الذي نقل عنهم فقالوا‏:‏ إنما جئنا بقصد الحج لا لغيره‏.‏

ثم رجعوا وصحبتهم كبير المغاربة فعملوا الديوان في صبحها وأحضروه وكذلك أحضروا الرجل الذي وشى عليهم فتكلموا مع كبير المغاربة وسألوه وناقشوه فقال‏:‏ إنا لم نأت إلا بقصد الحج فقيل له ولأي شيء تشترون الأسلحة والخيول فقال نعم لازم لنا ذلك ضرورة فقيل له إنه نقل عنكم أنكم تريدون محاربة الفرنساوية وتقولون الجهاد أفضل من الحج فقال هذا كلام لا أصل له فقيل له إن الناقل لذلك رجل منكم فقال إن هذا الرجل حرامي أمسكناه بالسرقة وضربناه فحمله الحقد على ذلك وإن هذه البلاد ليست لنا ولا لسلطاننا حتى نقاتل عليها ولا يصح أن نقاتلكم بهذه الشرذمة القليلة وليس معنا إلا نصف قنطار بارود ثم اتفقوا معه على أن يجمعوا سلاحهم ويقيم كبيرهم عندهم رهينة حتى يعدى جماعته ويسافروا ويلحقهم بعد يومين بالسلاح فأجابهم الى ذلك فشكروه وأهدوا له هدية فلما كان يوم السبت خرجت عدة من العسكر الى بولاق ومعهم مدفعان ليقفوا للمغاربة حتى يعدوا البحر ويمشوا معهم الى العادلية فلما رأى الناس خروج العسكر والمدافع فزعوا في المدينة وبولاق ورمحوا كعادتهم في كرشاتهم وصياحهم وأشاعوا أن الفرنسيس خرجت لقتال المغاربة فأغلقوا غالب الأسواق والدكاكين وأمثال ذلك من تخيلاتهم فلم يعد المغاربة ذلك اليوم وعدوا في ثاني يوم ومشى معهم عسكر الفرنسيس الى العادلية وهم يضربون الطبول وأمامهم مدفع وخلفهم مدفع مع جملة من العساكر‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر عدة من عسكر الفرنسيس الى عرب الجزيرة فإن مصطفى بك كتخدا الباشا ذهب إليهم والتجأ لهم فعينوا عليهم تلك العساكر‏.‏

وفي يوم الأربعاء فرجوا عن جماعة من القليونجية وغيرهم الذين كانوا محبوسين بالقلعة وفيهم المعلم نقولا النصراني الأرمني الذي كان رئيس مركب مراد بك الحربية التي أنشأها بالجيزة وأسكنوه ببيت حسن كتخدا بباب الشعرية‏.‏

وفيه حضر بن شديد شيخ عرب الحويطات بأمان وكان عاصيًا فأعطوه الأمان وخلعوا عليه وسفروا معه قافلة دقيق وبقسماط العسكر بالشام‏.‏

وفي يوم السبت حادي عشرينه حضر مجلون من الناحية القبلية وصحبته أموال البلاد والغنائم من بهائم وخلافها‏.‏

وفيه عملوا كرنتيلة عند العادلية لمن يأتي من بر الشام من العسكر الى ناحية شرق اطفيح بسبب محمد بيك الألفي‏.‏

وفيه حضر الذين كانوا ذهبوا الى عرب الجزيرة فضربوهم ونالوا منهم بعض النيل وأما مصطفى بك فلم تعلم عنه حقيقة حال قيل إنه ذهب الى الشام‏.‏

وفي خامس عشرينه وصلت مراسلة من المذكور خطابًا للمشايخ بالشام ويرجون الإفراج عن قريبه وكتخدائه ويتحفظون على الأمتعة التي أخذوها فإنها من متعلقات الدولة فلما أطلعوهم على تلك المكاتبة قالوا لا يمكن الإفراج عن المذكورين حتى نتحقق أنه ذهب الى ساري عسكر ويأتينا منه خطاب في شأنه فإنه من الجائز أنه يكذب في قوله‏.‏

وفيه ثبت أن محمد بك الألفي مر من خلف الجبل وذهب الى عرب الجزيرة ومعه من جماعته نحو المائة وقيل أكثر والتف عليه الكثير من الغز والمماليك المشردين بتلك النواحي وقدم له وفي سابع عشرينه لخص الفرنساوية طومارًا قرئ بالديوان وطبع منه عدة نسخ وألصقت بالأسواق على العادة وكان الناس أكثروا من اللغط بسبب انقطاع الأخبار عن الفرنسيس المحاصرين لعكا والروايات عمن بالصعيد والكيلاني والأشراف الذين معه وغير ذلك‏.‏

وصورتها‏:‏ من محفل الديوان الكبير بمصر بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان إلا على الظالمين نخبر أهل مصر أجمعين أنه حضر جواب من عكا من حضرة ساري عسكر الكبير خطابًا منه الى حضرة ساري عسكر الوكيل بثغر دمياط تاريخه تاسع القعدة سنة تاريخه‏.‏

يخبر فيه أننا أرسلنا لكم نقيرتين لدمياط الأولى أرسلنا في خمسة وعشرين شوالًا والثانية في ثمانية وعشرين منه أخبرناكم فيهما عن مطلوبنا إرسال جانب جلل وذخائر الى عساكرنا المحافظين في غزة ويافا لأجل زيادة المحافظة والصيانة وأما من قبل العرضي فإن الجلل عندنا كثيرة والذخائر والمآكل والمشارب والخيرات غزيرة حتى أنها زادت عندنا الجلل بكثرة جمعناها مما رمته الأعداء فكأن أعداءنا أعانونا ونخبركم أننا عملنا لغمًا مقدار عمقه ثلاثون قدمًا وسرنا به حتى قربناه الى السور الجواني بمسافة نحو ثمانية عشر قدمًا وقد قربت عساكرنا من الجهة التي تحارب فيها حتى صار بينهم وبين السور ثمانية وأربعون قدمًا بمشيئة الله تعالى عند وصول كتابنا إليكم وقبل إتمام قراءته عليكم نكون ظافرين بملك قلعة عكا أجمعين فإننا تهيأنا الى دخولها يأتيكم خبر ذلك بعد هذا الكتاب وأما بقية إقليم الشام وما يلي عكا من البلاد فإنهم لنا طائعون وبالاعتناء ومزيد المحبة راغبون يأتوننا بكل خير عظيم ويحضرون لنا أفواجًا بالهدايا الكثيرة والحب الجسيم من القلب السليم وهذا من فضل الله علينا ومن شدة بغضهم الجزار باشا ونخبركم أيضًا أن الجنرال بونوت انتصر على أربعة آلاف مقاتل حضروا من الشام خيالة ومشاة فقابلهم بثلثمائة عسكري مشاة من عسكرنا فكسروا التجريدة المذكورة وأوقع منهم نحو ستمائة نفس ما بين مقتول ومجروح وأخذ منهم خمسة بيارق وهذا أمر عجيب لم يقع نظيره في الحروب أن ثلثمائة نفس تهزم نحو أربعة آلاف نفس فعلمنا أن النصرة من عند الله لا بالقلة ولا بالكثرة هذا آخر كتاب ساري عسكر الكبير الى وكيله بدمياط وأرسل إلينا بالديوان حضرة الوكيل ساري عسكر دوجا الوكيل بمصر المحروسة يخبرنا بصورة هذا المكتوب ويأمرنا أننا نلزم الرعايا من أهل مصر والأرياف أن يلزموا الأدب والإنصاف ويتركوا الكذب والخراف فإن كلام الحشاشين يوقع الضرر للناس المعتبرين فإن حضرة ساري عسكر دوجا الوكيل بلغه أن أهل مصر وأهل الأرياف يتكلمون بكلام لا أصل له من قبل الأشراف والحال أن الأشراف الذين يذكرونهم ويكذبون عليهم جاءت أخبارهم من حضرة ساري عسكر الصعيد يخبر الوكيل دوجا بأن الأشراف المذكورين الذين صحبة الكيلاني قد مزقوا كل ممزق وانهزموا وتفرقوا فلم يكن الآن في بلاد الصعيد شيء يخالف المراد وسلم من الفتن والعناد فأنتم يا أهل مصر ويا أهل الأرياف اتركوا الأمور التي توقعكم في الهلاك والتلاف وامسكوا أدبكم قبل أن يحل بكم الدمار ويلحقكم الندم والعار والأولى للعاقل اشتغاله بأمر دينه ودنياه وأن يترك الكذب وأن يسلم لأحكام الله وقضاه فإن العاقل يقرأ العواقب وعلى نفسه يحاسب هذا شأن أهل الكمال يتركون القيل والقال ويشتغلون بإصلاح الأحوال ويرجعون الى الكبير المتعال والسلام‏.‏

وفي هذا الشهر كتبوا أوراقًا بأوامر ونصها‏:‏ من محفل الديوان العمومي الى جميع سكان مصر وبولاق ومصر القديمة إننا قد تأملنا وميزنا أن الواسطة الأقرب والأيمن لتلطيف أو لمنع الخطر الضروري وهو تشويش الطاعون عدم المخالطة مع النساء المشهورات لأنهن الواسطة الأولى للتشويش المذكور فلأجل ذلك حتمنا ورتبنا ومنعنا الى مدة ثلاثين يومًا من تاريخه أعلاه لجميع الناس إن كان فرنساويًا أو مسلمًا أو روميًا أو نصرانيًا أو يهوديًا من أي ملة كان كل من أدخل الى مصر أو بولاق أو مصر القديمة النساء المشهورات إن كان في بيوت العسكر أو من كان داخل المدينة فيكون قصاصه بالموت كذلك من قبل النساء والبنات المشهورات بالعسكر إن دخلن من أنفسهن أيضًا يقاصصن بالموت‏.‏

من حوادث هذا الشهر أنه حضر الى القلزم مركبان انكليزيان وقيل أربعة ووقفوا قبالة السويس وضربوا مدافع ففر أناس من سكان السويس الى مصر وأخبروا بذلك أنهم صادفوا بعض داوات تحمل البن والتجارة فحجزوها ومنعوها من الدخول الى السويس‏.‏

ومنها أن طائفة من عرب البحيرة يقال لهم عرب الغز جاءوا وضربوا دمنهور وقتلوا عدة من الفرنسيس وعاثوا في نواحي تلك البلاد حتى وصلوا الى الرحمانية ورشيد وهم يقتلون من يجدونه من الفرنسيس وغيرهم وينهبون البلاد والزروعات‏.‏

ومنها أن الكيلاني المذكور آنفًا توفي الى رحمة الله تعالى وتفرقت طائفته في البلاد حتى أنه حضر منهم جملة الى مصر وكان أكثر من يخامر عليهم أهل بلاد الصعيد فيوهمونهم معاونتهم وعند الحروب يتخلون عنهم وبعض البلاد يضيفون ويسلط عليهم الفرنسيس فيقبضون عليهم‏.‏

ومنها أنه حضر الى مصر الأكثر من عسكر الفرنسيس الذين كانوا بالجهة القبلية وضربوا في حال رجوعهم بني عدي من بلاد الصعيد مشهورة وكان أهلها ممتنعين عليهم في دفع المال والكلف ويرون في أنفسهم الكثرة والقوة والمنعة فخرجوا عليهم وقاتلوهم فملك عليهم الفرنسيس تلًا عاليًا وضربوا عليهم بالمدافع فأتلفوهم وأحرقوا جرونهم ثم كبسوا عليهم وأسرفوا في قتلهم ونهبهم وأخذوا شيئًا كثيرًا وأموالًا عظيمة وودائع جسيمة للغز وغيرهم من مساتير أهل البلاد القبلية لظن منعتهم وكذلك فعلوا بالميمون‏.‏

في ثانيه خرج نحو الألف من عسكر الفرنسيس للمحافظة على البلاد الشرقية لتجمع العرب والمماليك على الألفي وكذلك تجمع الكثير من الفرنسيس وذهبوا الى جهة دمنهور وفعلوا بها ما فعلوا في بني عدي من القتل والنهب لكونهم عصوا عليهم بسبب أنه ورد عليهم رجل مغربي يدعى المهدوية ويدعو الناس ويحرضهم على الجهاد وصحبته نحو الثمانين نفرًا فكان يكاتب أهل البلاد ويدعوهم الى الجهاد فاجتمع عليه أهل البحيرة وغيرهم وحضروا الى دمنهور وقاتلوا من بها من الفرنساوية واستمر أيامًا كثيرة تجتمع عليه أهل تلك النواحي وتفترق والمغربي المذكور تارة يغرب وتارة يشرق‏.‏

وفيه أشيع أن الألفي حضر الى بلاد الشرقية وقاتل من بها من الفرنسيس ثم ارتحل الى الجزيرة‏.‏

وفي سابعه حضر جماعة من فرنسيس الشام الى الكرنتيلة بالعادلية وفيهم مجاريح وأخبر عنهم بعضهم أن الحرب لم تزل قائمة بينهم وبين أحمد باشا بعكا وأن مهندس حروبهم المعروف بأبي خشبة عند العامة واسمه كفرللي مات وحزنوا لموته لأن كان من دهاتهم وشياطينهم وكان له معرفة بتدبير الحروب ومكايد القتال وإقدام عن المصاف مع ما ينضم لذلك من معرفة الأبنية وكيفية وضعها وكيفية أخذ القلاع ومحاصرتها‏.‏

وفي يوم الأربعاء كان عيد النحر وكان حقه يوم الخميس وعند الغروب من تلك الليلة ضربوا مدافع من القلعة أعلامًا بالعيد وكذلك عند الشروق ولم يقع في ذلك العيد أضحية على العادة لعدم المواشي لكونها محجزوة في الكرنتيلة في شغل عن ذلك‏.‏

ومن الحوادث في ذلك اليوم أن رجلًا روميًا من باعة الرقيق عنده غلام مملوك ساكن في طبقة بوكالة ذي الفقار بالجمالية خرج لصلاة العيد ورجع الى طبقته فوجد ذلك الغلام متقلدًا بسلاح ومتزييًا بمثل ملابس القليونجية فقال له من أين لك هذا اللباس فقال من عند جارنا فلان العسكري فأمره بنزع ذلك لم يستمع له ولم ينزعها فشتمه ولطمه على وجهه فخرج من الطبقة وحدثته نفسه بقتل سيده ورجع يريد ذلك فوجد عند سيده ضيفًا فلم يتجاسر عليه لحضور ذلك الضيف فوقف خارج الباب ورآه سيده فعرف من عينه الغدر فلما قام ذلك الضيف قام معه وخرج وأغلق الباب على الغلام فصعد الغلام على السطح وتسلق الى سطح آخر ثم تدلى بحبل الى أسفل الخان وخرج الى السوق وسيفه مسلول بيده ويقول‏:‏ الجهاد يا مسلمين اذبحوا الفرنسيس ونحو ذلك من الكلام ومر الى جهة الغورية فصادف ثلاثة أشخاص من الفرنسيس فقتل منهم شخصًا وهرب الإثنان ورجع على إثره والناس يعدون خلفه من بعد الى أن وصل الى درب بالجمالية غير نافذ فدخله وعبر الى دار وجدها مفتوحة وربها واقف على بابها والفرنسيس تجمع منهم طائفة وظنوا ظنونًا أخر وبادروا الى القلاع وحضرت منهم طائفة من القلق يسألون عن ذلك المملوك وهاجت العامة ورمحت الصغار وأغلق بعض الناس حوانيتهم ثم لم تزل الفرنسيس تسأل عن ذلك المملوك والناس يقولون لهم ذهب من هنا حتى وصلوا الى ذلك الدرب فدخلوه فلما أحس بهم نزع ثيابه وتدلى ببئر في تلك الدار فدخلوا الدار وأخرجوه من البئر وأخذوه وسكنت الفتنة فسألوه عن أمره وما السبب في فعله ذلك‏.‏

فقال إنه يوم الأضحية فأحببت أن أضحي على الفرنسيس وسألوه عن السلاح فقال إنه سلاحي فجسوه لينظروا في أمره وطلبوا سيده فوجدوه عند الشيخ المهدي وأخذوا بعض جماعة من أهل الخان ثم أطلقوهم بدون شرر وأخذوا سيده من عند المهدي وحبسوه وحضر الآغا وبرطلمين الى الخان بعد العشاء وطلبوا البواب والخانجي والجيران وصعدوا الى الطباق وفتشوا على السلاح حتى قلعوا البلاط فلم يجدوا شيئًا وأرادوا فتح الحواصل فمنعهم السيد أحمد بن محمود محرم فخرجوا وأخذوا معهم الخانجي وجيران الطبقة وجملة أنفار وحبسوهم أيضًا وقتلوا المملوك في ثاني يوم واستمر الجماعة في الحبس الى أن أطلقوهم بعد أيام عديدة من الحادثة‏.

وفي ذلك اليوم أيضًا مر نصراني من الشوام على المشهد الحسيني وهو راكب على حمار فرآه ترجمان ضابط الخطة ويسمى السيد عبد الله فأمره بالنزول إجلالًا للمشهد على العادة‏.‏

فامتنع فانتهزه وضربه وألقاه على الأرض فذهب ذلك النصراني الى الفرنسيس وشكا إليهم السيد عبد الله المذكور فأحضروه وحبسوه فشفع فيه مخدومه فلم يطلقوه وادعى النصراني أنه كان بعيدًا عن المشهد وأحضر من شهد له بذلك وأن السيد عبد الله متهور في فعله وادعى أنه ضاع له وقت ضربه دراهم كانت في جيبه واستمر الترجمان محبوسًا عدة أيام حتى دفع تلك الدراهم وهي ستة آلاف درهم‏.‏

وفيه أرسل فرنسيس مصر الى رئيس الشام ميرة على جمال العرب نحو الثمانمائة جمل وذهب صحبتها برطلمين وطائفة من العسكر فأوصلوها الى بلبيس ورجعوا بعد يومين‏.‏

وفيه حضر الى السويس تسعة داوات بها بن وبهار وبضائع تجارية وفيها لشريف مكة نحو خمسمائة فرق بن وكانت الانكليز منعتهم الحضور فكاتبهم الشريف فأطلقوهم بعد أن حددوا عليهم أيامًا مسافة التنقيل والشحنة وأخذوا منهم عشورًا وسامح الفرنسيس بن الشريف من العشور لأنه أرسل لهم مكاتبة بسبب ذلك وهدية قبل وصول المراكب الى السويس بنحو عشرين يومًا وطبعوا صورتها في أوراق وألصقوها بالأسواق وهي خطاب لبوسليك‏.‏

من مات في هذه السنة من الأعيان ومن له ذكر في الناس مات الإمام العمدة الفقيه العلامة المحقق الفهامة المتقن المتفنن المتجرعين أعيان الفضاء الأزهرية الشيخ أحمد بن موسى بن أحمد بن محمد البيلي العدوي المالكي ولد ببني عدي سنة إحدى وأربعين ومائة وألف وبها نشأ فقرأ القرآن وقدم الجامع الأزهر ولازم الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية حتى تمهر في العلوم وبهر فضله في الخصوص والعموم وكان له قريحة جيدة وحافظة غريبة يملي في تقريره خلاصة ما ذكره أرباب الحواشي مع حسن سبك والطلبة يكتبون ذلك بين يديه وقد جمع من تقاريره على عدة كتب كان يقرأها حتى صارت مجلدات وانتفع بها الطلبة انتفاعًا عامًا ودرس في حياة شيخه سنينًا عديدة واشتهر بالفتوح وكان الشيخ الصعيدي يأمر الطلبة بحضوره وملازمته وكان في اتصاف زائد وتؤدة ومروءة وتوجه الى الحق ولديه أسرار ومعارف وفوائد وتمائم وعلم بتنزيل الأوفاق والوفق المئيني العددي والحرفي وطرائق تنزيله بالتطويق والمربعات وغير ذلك ولما توفي الشيخ محمد حسن جلس موضعه للتدريس بإشارة من أهل الباطن ولما توفي الشيخ أحمد الدردير ولى مشيخة رواق الصعايدة وله مؤلفات منها مسائل كل صلاة بطلت على الإمام وغير ذلك‏.‏

ولم يزل على حالته وإفادته وملازمة دروسه والجماعة حتى توفي في هذه السنة ودفن في تربة المجاورين رحمة الله تعالى عليه‏.‏ومات

العلامة الفاضل الفقيه الشيخ أحمد بن إبراهيم الشرقاوي الشافعي الأزهري

قرأ على والده وتفقه وأنجب ولم يزل ملازمًا لدروسه حتى توفي والده فتصدر للتدريس في محله‏.‏

واجتمعت عليه طلبة أبيه وغيرهم ولازم مكانه بالأزهر طول النهار يملي ويفيد ويفتي على مذهبه ويأتي إليه الفلاحون من جيزة بلاده بقضاياها وخصوماتهم وأنكحتهم فيقضي بينهم ويكتب لهم الفتاوى في الدعاوى التي يحتاجون فيها الى المرافعة عند القاضي وربما زجر المعاند منهم وضربه وشتمه ويسمعون لقوله ويمتثلون لأحكامه وربما أتوه بهدايا ودراهم‏.‏

واشتهر ذكره وكان جسيمًا عظيم اللحية فصيح اللسان ولم يزل على حالته حتى اتهم في فتنة الفرنسيس المتقدمة ومات مع من قتل بيد الفرنساوية بالقلعة ولم يعلم له قبر‏.‏

ومات الشيخ الإمام العمدة الفقيه الصالح القانع الشيخ عبد الوهاب الشبراوي الشافعي الأزهري تفقه على أشياخ العصر وحضر دروس الشيخ عبد الله الشبراوي والحفني والبراوي وعطية الأجهوري وغيرهم وتصدر للإقراء والتدريس والإفادة بالجوهرية وبالمشهد الحسيني ويحضر درسه فيه الجم الغفير من العامة ويستفيدون منه ويقرأ به كتب الحديث كالبخاري ومسلم وكان حسن الإلقاء سلس التقرير جيد الحافظة جميل السيرة مقبلًا على شأنه ولم يزل ملازمًا على حالته حتى اتهم في إثارة الفتنة وقتل بالقلعة شهيدًا بيد الفرنسيس في أواخر جمادى الأولى من السنة ولم يعلم له قبر‏.‏

ومات الشاب الصالح والنبيه الفالح الفاضل الفقيه الشيخ يوسف المصيلحي الشافعي الأزهري‏.‏

حفظ القرآن والمتون وحضر دروس أشياخ العصر كالشيخ الصعيدي واليراوي والشيخ عطية الأجهوري والشيخ أحمد العمروسي وحضر الكثير على الشيخ محمد المصيلحي وأنجب وأملى دروسًا بجامع الكردي بسويقة اللالا وكان مهذب النفس لطيف الذات حلو الناطقة مقبول الطلعة خفيف الروح ولم يزل ملازمًا على حاله حتى اتهم أيضًا في حادثة الفرنسيس وقتل مع من قتل شهيدًا بالقلعة‏.‏

ومات العمدة الشهير الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان بزاويتهم المعروفة الآن بالشنواني تولى شيخًا على العميان المذكورين بعد وفاة الشيخ الشبراوي وسار فيهم بشهامة وصرامة وجبروت وجمع بجاههم أموالًا عظيمة وعقارات فكان يشتري غلال المستحقين المعطلة بالأبعاد بدون الطفيف ويخرج كشوفاتها وتحاويلها على الملتزمين ويطالبهم بها كيلًا وعينًا ومن عصى عليه أرسل إليه الجيوش الكثيرة من العميان فلا يجد بدًا من الدفع وإن كانت غلاله معطلة صالحة بما أحب من الثمن وله أعوان يرسلهم الى الملتزمين بالجهة القبلية يأتون إليه بالسفن المشحونة بالغلال والمعاوضات من السمن والعسل والسكر والزيت وغير ذلك ويبيعها في سني الغلوات بالسواحل والرقع بأقصى القيمة ويطحن منها على طواحينه دقيقًا ويبيع خلاصته في البطط بحارة اليهود ويعجن نخالته خبزًا لفقراء العميان يتقوتون به مع ما يجمعونه من الشحاذة في طوافهم آناء الليل وأطراف الهار بالأسواق والأزقة وتغنيهم بالمدائح والخرافات وقراءة القرآن في البيوت ومساطب الشوارع وغير ذلك ومن مات منهم ورثة الشيخ المترجم المذكور وأحرز لنفسه ما جمعه ذلك الميت وفيهم من وجد له الموجود العظيم ولا يجد له معارضًا في ذلك واتفق أن الشيخ الحفني نقم عليه في شيء فأرسل إليه من أحضره موثوقًا مكشوف الرأس مضروبًا بالنعالات على دماغه وقفاه من بيته الى بيت الشيخ بالموسكي بين ملأ العالم ولما انقضت تلك السنون وأهلها صار المترجم من أعيان الصدور المشار إليهم في المجالس تخشى سطوته وتسمع كلمته ويقال قال الشيخ كذا وكذا وأمر الشيخ بكذا وصار يلبس الملابس والفراوي ويركب البغال وأتباعه محدقة به‏.‏

وتزوج الكثير من النساء الغنيات الجميلات واشترى السراري البيض والحبش والسود وكان يفرض الأكابر المقادير الكثيرة من المال ليكون له عليهم الفضل والمنة ولم يزل حتى حمله التفاخر في زمن الفرنسيس على تولية كبر إثارة الفتنة التي أصابته وغيره وقتل فيمن قتل بالقلعة ولم يعلم له قبر وكان ابنه معوقًا ببيت البكري فلما علم بموته قلق وكاد يخرج من عقله خوفًا على ما يعلم مكانه من مال أبيه حتى خلص في ثاني يوم بشفاعة المشايخ ولم يكن مقصودًا بالذات بل حضر ليعود أباه فحجزه القومة عليهم زيادة في ومات الأجل المفوه العمدة الشيخ اسمعيل البراوي بن أحمد البراوي الشفعي الأزهري وهو ابن أخي الشيخ عيسى البراوي الشهير الذكر تصدر بعد وفاة والده في مكانه وكان قليل البضاعة إلا أنه تغلب عليه النباهة واللسانة والسلاطة والتداخل وذلك هو الذي أوقعه في حبائل الفرنساوية وقتل مع من قتل شهيدًا ولم يعلم له قبر غفر الله لنا وله‏.‏

ومات الوجيه الأجل الأمثل السيد محمد كريم وخبره أنه كان في أول أمره قبانيًا يزن البضائع في حانوت بالثغر وعنده خفة في الحركة وتودد في المعاشرة فلم يزل يتقرب الى الناس بحسن التودد ويستجلب خواطر حواشي الدولة وغيرهم‏:‏ من تجار المسلمين والنصارى ومن له وجاهة وشهرة في أبناء جنسه حتى أحبه واشتهر ذكره في ثغر الإسكندرية ورشيد ومصر واتصل بصالح بك حتى كان وكيلًا بدار السعادة وله الكلمة النافذة في ثغر رشيد وتملكها وضواحيها واسترق أهلها وقلد أمرها لعثمان خجا فاتحد به وبمخدومه السيد محمد المذكور واتصل بمراد بك بعد صالح آغا فتقرب إليه ووافق منه الغرض ورفع شأنه على أقرانه وقلده أمر الديوان والجمارك بالثغر ونفذت كلمته وأحكامه وتصدر لغالب الأمور وزاد في المكوسات والجمارك ومصادرات التجار خصوصًا من الإفرنج ووقع بينه وبين السيد شهبة الحادثة التي أوجبت له الاختفاء بالصهريج وموته فيه فلما حضر الفرنسيس ونزلوا الاسكندرية قبضوا على السيد محمد المذكور وطالبوه بالمال وضيقوا عليه وحبسوه في مركب ولما حضروا الى مصر وطلعوا الى قصر مراد بك وفيها مطالعته بأخبارهم وبالحث والاجتهاد على حربهم وتهوين أمرهم وتنقيصهم فاشتد غيظهم عليه فأرسلوا وأحضروه الى مصر وحبسوه فتشفع فيه أرباب الديوان عدة مرار فلم يمكن الى أن كانت ليلة الخميس‏.‏

فحضر إليه مجلون وقال له‏:‏ المطلوب منك كذا وكذا من المال وذكر له قدرًا يعجز عنه وأجله اثنتي عشرة ساعة وإن لم يحضر ذلك القدر وإلا يقتل بعد مضيها فلما أصبح أرسل الى المشايخ والى اسيد أحمد المحروقي فحضر إليه بعضهم فترجاهم وتداخل عليهم واستغاث وصار يقول لهم اشتروني يا مسلمون وليس بيدهم ما يفتدونه به وكل إنسان مشغول بنفسه ومتوقع لشيء يصيبه وذلك في مبادئ أمرهم فلما كان قريب الظهر وقد انقضى الأجل أركبوه حمارًا واحتاط به عدة من العسكر وبأيديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبل يضربون عليه وشقوا به الصليبة الى أن ذهبوا الى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحًا وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم فيمن يقتلونه ثم قطعوا رأسه ورفعوها على نبوت وطافوا بها بجهات الرميلة والمنادي يقول‏:‏ هذا جزاء من يخالف الفرنسيس ثم إن أتباعه أخذوا رأسه ودفنوها مع جثته‏.‏

وانقضى أمره وذلك يوم الخميس خامس عشر ربيع الأول‏.‏

ومات الأمير ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب‏.‏

وتقلد الزعامة بعد موت أستاذه ثم تقلد الإمارة والصنجقية في أواخر جمادى الأولى سنة 1192‏.‏

وهو أخو سليمان بك المعروف بالآغا وعندما كان هو واليًا كان أخوه أغات مستحفظان وأحكام مصر والشرطة بينهما وفي سنة سبع وتسعين تعصب مراد بك وابراهيم بك على المترجم وأخرجوه منفيًا هو وأخوه سليمان بك وأيوب بك الدفتردار ولما أمروه بالخروج ركب في طوائفه ومماليكه وعدى الى بر الجيزة فركب خلفه علي بك أباظة ولاجين بك ولحقوا حملته عند المعادي فحجزوها وأخذوها وأخذوا هجنه ومتاعه وعدوا خلفه فأدركوه عند الأهرام فاحتالوا عليه وردوه الى قصر العيني ثم سفروه الى ناحية السرو ورأس الخليج فأقام بها أيامًا وكان أخوه سليمان بك بالمنوفية فلما أرسلوا بنفيه الى المحلة ركب بطوائفه وحضر الى مسجد الخضيري وحضر إليه أخوه المترجم وركبا معًا وذهبا الى جهة البحيرة ثم ذهبا الى طندتا ثم ذهبا الى شرقية بلبيس ثم توجها من خلف الجبل الى جهة قبلي وكان أيوب بك بالمنصورة فلحق بهما أيضًا وكان بالصعيد عثمان بك الشرقاوي ومصطفى بك فالتفا عليهما وعصى الجميع وأرسل مراد بك وابراهيم بك محمد كتخدا أباظة وأحمد آغا شويكار الى عثمان بك ومصطفى بك يطلبانهما الى الحضور فأبيا وقالا‏:‏ لا نرجع الى مصر إلا بصحبة إخواننا وإلا فنحن معهم أينما كانوا ورجع المذكوران بذلك الجواب فجهزوا لهم تجريدة وسافر بها ابراهيم بك الكبير وضمهم وصالحهم وحضر بصحبة الجميع الى مصر فحنق مراد بك ولم يزل حتى خرج مغضبًا الى الجيزة ثم ذهب الى قبلي وجرى بينهما ما تقدم ذكره من إرسال الرسل ومصالحة مراد بك ورجوعه وإخراج المذكورين ثانيًا فخرجوا الى ناحية القليوبية وخرج مراد بك خلفهم ثم رجعوهم الى جهة الأهرام وقبض مراد بك عليهم ونفيهم الى جهة بحري وأرسل المترجم الى طندتا ثم ذهبوا الى قبلي خلا مصطفى بك وأيوب بك ثم رجعوا الى مصر بعد خروج مراد بك الى قبلي واستمر أمرهم على ما ذكر حتى ورد حسين باشا وخرج الجميع وجرى ما تقدم ذكره وتولى المترجم إمارة الحاج ولم يسافر به ولما رجعوا الى مصر بعد الطاعون وموت اسمعيل بك ورجب بك صاهره ابراهيم بك الكبير وزوجه ابنته كما تقدم ولم يزل في سيادته وإمارته حتى حضر الفرنساوية ووصلوا الى بر انبابة ومات هو في ذلك اليوم غريقًا ولم تظهر رمته وذلك يوم السبت سابع صفر من السنة‏.‏

ومات الأمير علي بك الدفتردار المعروف بكتخدا الجاويشية وأصله مملوك سليمان أفندي من خشداشين كتخدا ابراهيم القازدغلي وكان سيده المذكور رغب عن الإمارة ورضي بحاله وقنع بالكفاف ورغب في معاشرة العلماء والصلحاء وفي الانجماع عن أبناء جنسه والتداخل في شؤونهم وكان يأتي في كل يوم الى الجامع الأزهر ويحضر دروس العلماء ويستفيد من فوائدهم ولازم دروس الشيخ أحمد السليماني من الفقه الحنفي الى أن مات فتقيد بحضور تلميذه الشيخ أحمد الغزي كذلك واقترن في حضوره بالشيخ عبد الرحمن العريشي وكان إذ ذاك مقتبل الشبيبة مجردًا عن العلائق فكان يعيد معه الدروس فاتحد به لما رأى فيه من النجابة فجذبه الى داره وكساه وواساه واستمر يطالع معه في الفقه ويعيد معه الدروس ليلًا وزوجه وأغدق عليه وكان هو مبدأ زواجه ولم يزل ملازمًا حتى توفي سليمان أفندي المذكور في سنة 1175 فتزوج المترجم بزوجة سيده واستمر هو وخشداشه الأمير أحمد بمنزل أستاذهما وتتوق نفس المترجم للترفع والإمارة فتردد الى بيوت الأمراء كغيره من الأجناد فقلده علي بك الكبير كشوفية شرق أولاد يحيى في سنة 1182 فتقلدها بشهامة وقتل البغاة وأخاف الناحية وجمع منها أموالًا واستمر حاكمها بها الى أن خالف محمد بك أبو الذهب على سيده علي بك‏.‏

وخرج من مصر الى الجهة القبلية فلما وصل الى الناحية كان المترجم أول من أقبل عليه بنفسه وما معه من المال والخيام فسر به محمد بك وقربه وأدناه ولم يزل ملازمًا لركابه حتى جرى ما جرى وتملك محمد بك الديار المصرية فقلده أغاوية المتفرقة أيامًا قليلة ثم خيره في تقليد الصنجقية أو كتخدا الجاويشية فقال له حتى استخير في ذلك وحضر الى المرحوم الشيخ الوالد وذكر له ذلك فأشار عليه بأن يتقلد كتخدا الجاويشية فإنه منصب جليل واسع الإيراد وليس على صاحبه تعب ولا مشقة غفر ولا سفر تجاريد ولا كثرة مصايف فكان كذلك وذلك في سنة ست وثمانين وسكن ببيت سليمان آغا كتخدا الجاويشية بدرب الجماميز على بركة الفيل ونما أمره واتسع حاله واشتهر وانتظم في عداد الأمراء ولم يزل على ذلك الى أن مات محمد بك فاستقل بإمارة مصر ابراهيم بك ومراد بك فكان المترجم ثالثهما واتحد بابراهيم بك اتحادًا عظيمًا حتى كان ابراهيم بك لا يقدر على مفارقته ساعة زمانية وصار معه كالأخ الشقيق والصاحب الشفيق وصار في قبول ووجاهة عظيمة وكلمة نافذة في جميع الأمور ولم يزل على ذلك حتى حضر حسن باشا بالصورة المتقدمة وخرج ابراهيم بك ومراد بك وباقي الأمراء فتخلف عنهم المترجم وقد كان راسل حسن باشا سرًا فلما استقر حسن باشا أقبل عليه وسلمه مقاليد الأمور وقلده الصنجقية وأضاف إليه الدفتردارية وفوض إليه جميع الأمور الكلية والجزئية فانحصرت فيه رياسة مصر وصار عزيزها وأميرها ووزيرها وقائد جيوشها ولا يتم أمر إلا عن مشورته ورأيه واجتمع ببيته الدواوين وقلد الأمريات والمناصب كما يختار وقرب وأدنى وأبعد وأقصى من يختار واشتهر ذكره في إقليم مصر والشام والروم وأشار بتقليد مراد كاشف الصنجقية وإمارة الحاج وسموه محمد بك المبدول كراهة في اسم مراد واشتهر بالمبدول ونجز له لوازم الحاج والصرة في أيام قليلة وسافر بالحاج على النسق المعتاد وشهل أيضًا التجاريد والعساكر خلف ولما استهل رمضان أرسل لجميع الأمراء والأعيان البلكات والكساوي لهم ولحريمهم ومماليكهم بالأحمال وكذلك الى العلماء والمشايخ حتى الفقهاء الخاملين المحتاجين وظن أن الوقت قد صفا له ولم يزل على ذلك حتى استقر اسمعيل بك وسافر حسن باشا وظهر له أمر حسن بك الجداوي وخشداشينه أخذ يناكد المترجم ويعارضه في جميع أموره وهو يسامح له في كل ما يتعرض له فيه ويساير حاله بينهم ويكظم غيظه ويكتم قهره وهو مع ذلك وافر الحرمة واعتراه صداع في رأسه وشقيقة زاد ألمه بها ووجعه أشهرًا وأتلف إحدى عينيه وعوفي قليلًا واستمر على ذلك حتى وقع الطاعون بمصر سنة خمس ومات ابن له مراهق أحزنه موته وكذلك ماتت زوجته وأكثر جواريه ومماليكه ومات اسمعيل بك وأمراؤه ومماليكه ورضوان بك العلوي وبقي هو وحسن بك الجداوي فتجاذبا الإمارة ولم يرض أحدهما بالآخر فوقع الاتفاق على تأمير عثمان بك طبل تابع اسمعيل بك ظنًا منهما أنه يصلح لذلك وأنه لا يمالئ الأعداء فكان الأمر بخلاف ذلك وكره الإمارة هو أيضًا لمناكدة حسن بك له وراسل الأمراء القبليين سرًا حتى حضر وأعلى الصورة المتقدمة وقصد حسن بك وعلي بك الاستعداد لحربهم وخرجوا الى ناحية طرا وتأهبوا لمبارزتهم وصار عثمان بك يثبطهما ويظهر لهما أنه يدبر الحيل والمكايد ولم يعلما ضميره ولم يخطر ببالهما ولا غيرهما خيانته‏.‏

بل كان كل منهما يظن بالآخر حتى حصل ما تقدم ذكره في محله وفر المترجم وحسن بك الى ناحية قبلي فاستمر هناك مدة ثم انفصل عن حسن بك وسافر من القصير الى بحر القلزم وظلع الى المويلح وأرسل بعض ثقاته فأخذ بعض الاحتياجات سرًا وذهب من هناك الى الشام واجتمع بأحمد باشا الجزار ونزل بحيفا وأقام بها مدة راسل الدولة في أمره فطلبوه إليهم فلما قرب من اسلامبول أرسلوا إليه من أخذه وذهب به الى برصا فأقام هناك وعينوا له كفايته في كل شهر وولد له هناك أولاد ثم أحضروه في حادثة الفرنسيس وأعطوه مراسيم الى ابراهيم باشا ساري عسكر في ذلك الوقت فلما وصل بيروت راسل أحمد باشا وأراد الاجتماع به وعلم أحمد باشا ما بيده من المرسومات الى ابراهيم باشا فتنكر له وانحرف طبعه منه وأرسل إليه يأمره بالرحيل وصادف ذلك عزل ابراهيم باشا فارتحل مقهورًا الى نابلس فمات هناك بقهره وحضر من بقي من مماليكه الى مصر وسكنوا بداره التي بها مملوكه عثمان كاشف وابنته التي تركها بمصر صغيرة وقد كبرت وتأهلت للزواج فتزوج بها خازنداره الذي حضر وهو الى الآن مقيم معها صحبة خشداشينه ببيتها الذي بدرب الحجر‏.‏

وكان المترجم أميرًا لا بأس به يميل الى فعل الخير حسن الاعتقاد ويحب أهل العلم والفضائل ويعظمهم ويكرمهم ويقبل شفاعاتهم وفيه رقة طبع وميل للخلاعة والتجاهر غفر الله له وسامحه‏.‏

ومات أيضًا الأمير أيوب بك الدفتردار وهو من مماليك محمد بك تولى الإمارة والصنجقية بعد موت أستاذه وقد تقدم ذكره غير مرة وكان ذا دهاء ومكر ويتظاهر بالانتصار للحق وحب الأشراف والعلماء ويشتري المصاحف والكتب ويحب المسامرة والمذاكرة وسير المتقدمين‏.‏

ويواظب على اصلاة في الجماعة ويقضي حوائج السائلين والقاصدين بشهامة وصرامة وصدع للمعاند خصوصًا إذا كان الحق بيده ويتعلل كثيرًا بمرض البواسير وسمعت من لفظه رؤيا رآها قبل ورود الفرنسيس بنحو شهرين تدل على ذلك وعلى موته في حربهم‏.‏

ولما حصل ذلك وحضروا الى بر انبابة عدى المترجم قبل بيومين وصار يقول أنا بعت نفسي في سبيل الله فلما التقى الجمعان لبس سلاحه بعدما توضأ وصلى ركعتين وركب في مماليكه‏.‏

وقال اللهم إني نويت الجهاد في سبيلك واقتحم مصاف الفرنساوية وألقى نفسه في نارهم‏.‏

واستشهد في ذلك اليوم وهي منقبة اختص بها دون أقرانه بل ودون غيرهم من جميع أهل مصر‏.‏

ومات الأمير صالح بك أمير الحاج في تلك السنة وهو أيضًا من مماليك محمد بك أبي الذهب وتولى زعامة مصر بعد ابراهيم بك الوالي وأحسن فيها السيرة ولم يتشك منه أحد ولم يتعرض لأحد بأذية وتقلد أيضًا كتخدا الجاويشية عندما خرج ابراهيم بك مغاضبًا لمراد بك‏.‏

وكان خصيصًا به فلما اصطلحا ورجع ابراهيم بك وعلي آغا كتخدا الجاويشية تقلد على منصبه كما كان واستمر المترجم بطالًا لكنه وافر الحرمة معدودًا في الأعيان ولما خرجوا من مصر في حادثة حسن باشا أرسله وخشداشينه الى الروم وكاد يتم لهم الأمر فقبض عليه حسن باشا وكان إذ ذاك بالعرضي في السفر ولما رجعوا الى مصر بعد موت اسمعيل بك سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته وهي أم أيوب التي كان سرية مراد بك ثم سافر ثانيًا الى الروم بمراسلة وهدية وقضى أشغاله ورجع بالوكالة وأخذ بيت الحبانية من مصطفى آغا وعزله من وكالة دار السعادة وسكن بالبيت واختص بمراد بك اختصاصًا زائدًا وبنى له دارًا بجانبه بالجيزة وصار لا يفارقه قط وصار هو بابه الأعظم في المهمات وكان فصيح اللسان مهذب الطبع يفهم بالإشارة يظن من يراه أنه من أولاد العرب لطلاقة لسانه وفصاحة كلامه ويميل بطبعه الى الخلاعة وسماع الألحان والأوتار ويعرف طرقها ويباشر الضرب عليها بيده ثم ولي الصنجقية وتقلد إمارة الحج سنة 1213 وتمم أشغاله وأموره ولوازمه على ما ينبغي وطلع بالحج في تلك السنة في أبهة عظيمة على القانون القديم في أمن وأمان ورخاء وسخاء وراج موسم التجار في تلك السنة الى الغاية وفي أيام غيابه بالحج وصل الفرنساوية الى القطر المصري وطار إليهم الخبر بسطح العقبة وأرسلوا من مصر مكاتبة بالأمان وحضوره بالحج في طائفة قليلة فأرسل إليهم ابراهيم بك يطلبهم الى بلبيس فعرج المترجم بالحاج الى بلبيس وجرى ما تقدم ذكره ولم يزل حتى مات بالديار الشامية وبعد مدة أرسلت زوجته فأحضرت رمته ودفنتها بمصر بتربة المجاورين‏.‏

ومات العمدة الفاضل والتحرير الكامل الفقيه العلامة السيد مصطفى الدمنهوري الشافعي تفقه على أشياخ العصر وتمهر في المعقولات ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي ملازمة كلية‏.‏

واشتهر بنسبته إليه ولما ولي مشيخة الأزهر صار المترجم عنده هو صاحب الحل والعقد في القضايا والمهمات والمراسلات عند الأكابر والأعيان وكان عاقلًا ذكيًا وفيه ملكة واستحضار جيد للفروع الفقهية وكان يكتب على الفتاوي على لسان شيخه المذكور ويتحرى الصواب وعبارته سلسة جيدة وكان له شغف بكتب التاريخ وسير المتقدمين واقتنى كتبًا في ذلك مثل كتاب السلوك والخلط للمقريزي وأجزاء من تاريخ العيني والسخاوي وغير ذلك ولم يزل حتى ركب يومًا بغلته وذهب لبعض أشغاله فلما كان بخطة الموسكي قابله خيال فرنساوي يخج فرسه فجفلت بغلة السيد مصطفى المذكور وألقته من على ظهرها وصادف حافر فرس الفرنساوي أذنه فرض صماخه فلم ينطق ولم يتحرك فرفعوه في تابوت الى منزله ومات من ليلته رحمه الله‏.‏

ومات عبد الله كاشف الجرف وهو عبد اسمعيل كاشف الجرف تابع عثمان بك ذي الفقار الكبير وكان معروفًا بالشجاعة والإقدام كسيده وأدرك بمصر إمارة وسيادة ونفاذ كلمة‏.‏

واشترى المماليك الكثيرة والخيول المسومة والجواري والعبيد وعنده عدة من الأجناد والطوائف وعمر دارًا عظيمة داخل الدرب المحروق ولم يزل حتى قتل يوم السبت تاسع صفر بحرب الفرنساوية بانبابة وكان جسيمًا أسود ذا شهامة وفروسية مشهورة وجبروت‏.‏

ثم دخلت سنة أربع عشر ومائتين وألف استهل شهر المحرم بيوم الأربعاء فيه حضر جماعة من الفرنسيس الى العادلية فضربوا خمسة مدافع لقدومهم فلما كان في ثاني يوم عملوا الديوان وأبرزوا مكتوبًا مترجمًا ونسخته‏:‏ صورة جواب من العرضي قدام عكا وفي سابع عشرين فريبال الموافق لحادي عشر شهر الحجة 1213 من بونابارته ساري عسكر أمير الجيوش الفرنساوية الى محفل ديوان مصر نخبركم عن سفره من بر الشام الى مصر فإني بغاية العجلة بحضوري لطرفكم نسافر بعد ثلاثة أيام تمضي من تاريخه ونصل عندكم بعد خمسة عشر يومًا وجائب معي جملة محابيس بكثرة وبيارق ومحقت سراية الجزار وسور عكا وبالقنبر هدمت البلد ما أبقيت فيها حجرًا على حجر وجميع سكانها انهزموا من البلد الى طريق البحر والجزار مجروح ودخل بجماعته داخل برج من ناحية البحر وجرحه يبلغ لخطر الموت ومن جملة ثلاثين مركبًا موسوقة عساكر الذين حضروا يساعدون الجزار ثلاثة غرقت من كثرة مدافع مراكبنا وأخذنا منها أربعة موقرة مدافع والذي أخذ هذه الأربعة فرقاطة من بتوعنا والباقي تلف وتبهدل والغالب منهم عدم وإني بغاية الشوق الى مشاهدتكم لأني بشوف أنكم عملتم غاية جهدكم من كل قلبكم لكن جملة فلاتية دائرون بالفتنة لأجل ما يحركون الشر في وقت دخولي كل هذا يزول مثل ما يزول الغيم عند شروق الشمس ومنتوره مات من تشويش هذا الرجل صعب علينا جدًا والسلام‏.‏

منتوره هذا ترجمان ساري عسكر وكان لبيبًا متبحرًا ويعرف باللغة التركية والعربية والرومية والطلياني والفرنساوي ولما عجز الفرنساوية عن أخذ عكا وعزموا على الرجوع الى مصر أرسل بونابارته مكاتبة الى الفرنساوية المقيمين بمصر يقول فيها إن الأمر الموجب للانتقال عن محاصرة عكا خمسة عشر سببًا‏.‏

الأول الإقامة تجاه البلدة وعدم الحرب ستة أيام الى أن جاءت الانكليز وحصنوا عكا باصطلاح الإفرنج‏.‏

الثاني الستة مراكب التي توجهت من الاسكندرية فيها المدافع الكبار أخذها الانكليز قدام يافا‏.‏

الثالث الطاعون الذي وقع في العسكر ويموت كل يوم خمسون وستون عسكريًا‏.‏

الرابع عدم الميرة لخراب البلاد قريب عكا‏.‏

السادس بلغنا توجه أهل الحجاز صحبة الجيلاني لناحية الصعيد‏.‏

السابع المغربي محمد الذي صار له جيش كبير وادعى أنه من سلاطين المغرب‏.‏

الثامن ورود الانكليز تجاه الاسكندرية ودمياط‏.‏

التاسع ورود عمارة الموسقو قدام رودس‏.‏

العاشر ورود خبر نقض الصلح بين الفرنساوية والنيمساء‏.‏

الحادي عشر ورود جواب مكتوب منا لتيبو أحد ملوك الهند كنا أرسلناه قبل توجهنا لعكا‏.‏

وتيبو هذا هو الذي كان حضر الى اسلامبول بالهدية التي من جملتها طائران يتكلمان بالهندية والسرير والمنبر من خشب العود وطلب منه الإمداد والمعاونة على الانكليز المحاربين له في بلاده فوعدوه ومنوه وكتبوا له أوراقًا وأوامر وحضر الى وذلك في سنة 1202 أيام السلطان عبد الحميد وقد سبقت الإشارة إليه في حوادث تلك السنة وهو رجل كان مقعدًا تحمله أتباعه في تخت لطيف بديع الصنعة على أعناقهم ثم إنه توجه الى بلاد فرانسا واجتمع بسلطانها وذلك قبل حضوره الى مصر واتفق معه على أمر في السر لم يطلع أحد غيرهما ورجع الى بلاده على طريق القلزم فلما قدم الفرنساوية لمصر كاتبه كبيرهم بذلك السر لأنه اطلع عليه عند قيام الجمهور وتملكه خزانة كتب السلطان ثم إن تيبو المذكور بقي في حرب الانكليز الى أن ظفروا به الثاني عشر موت كفرللي الذي عملت المتاريس بمقتضي رأيه وإذا تولى أمرها غيره يلزم نقضها ويطول الأمر وكفرللي هذا هو المعروف بأبي خشبة المهندس‏.‏

الثالث عشر سماع أن رجلًا يقال له مصطفى باشا أخذه الانكليز من اسلامبول ومرادهم أن يرموه على بر مصر‏.‏

الرابع عشر أن الجزار أنزل ثقله بمراكب الانكليز وعزم على أنه عندما تملك البلد ينزل في مراكبهم ويهرب معهم‏.‏

الخامس عشر لزوم ومحاصرة عكا ثلاثة شهور أو أربعة وهو مضر لكل ما ذكرناه من الأسباب انتهى‏.‏وفي

يوم الثلاثاء سابعه حضر جماعة أيضًا من العسكر بأثقالهم

وحضرت مكاتبة من كبير الفرنساوية أنه وصل الى اصالحية وأرسل دوجا الوكيل ونبه على الناس بالخروج لملاقاته بموجب ورقة حضرت من عنده يأمر بذلك‏.‏

فلما كان ليلة الجمعة عاشره أرسلوا الى المشايخ والوجاقات وغيرهم فاجتمعوا بالأزبكية وقت الفجر بالمشاعل ودقت الطبول وحضر الحكام والقلات بمواكب وطبول وزمور ونوبات تركية وطبول شامية وملازمون وجاويشية وغير ذلك وحضر الوكيل وقائمقام وأكابر عساكرهم وركبوا جميعًا بالترتيب من الأزبكية الى أن خرجوا الى العادلية فقابلوا ساري عسكر بونابارته هناك وسلموا عليه ودخل معهم الى مصر من باب النصر بموكب هائل بعساكرهم وطبولهم وزمورهم وخيولهم وعرباتهم ونسائهم وأطفالهم في نحو خمس ساعات من النهار الى أن وصل الى داره بالأزبكية وانفض الجمع وضربوا عدة مدافع عند دخولهم المدينة وقد تغيرت ألوان العسكر القادمين واصفرت ألوانهم وقاسوا مشقة عظيمة من الحر والتعب وأقاموا على حصار عكا أربعة وستين يومًا حربًا مستقيمًا ليلًا ونهارًا وأبلى أحمد باشا وعسكره بلاء حسنًا وشهد له الخصم‏.‏

وفيه قبضوا على اسمعيل القلق الخربطلي وهو المتولي كتخدا العزب وكان ساكنًا بخط الجمالية وأخذوا سلاحه وأصعدوه الى القلعة وحبسوه والسبب في ذلك أنه عمل في تلك الليلة وليمة ودعا أحبابه وأصدقاءه وأحضر لهم آلات اللهو والطرب وبات سهرانًا بطول الليل فلما كان آخر الليل غلب عليهم السهر والسكر فناموا الى ضحوة النهار وتأخر عن الملاقاة فلما أفاق ركب ولاقاهم عند باب النصر فنقموا عليه بذلك وفعلوا معه ما ذكر ولما وصل ساري عسكر الفرنساوية الى داره بالأزبكية تجمع هناك أرباب الملاهي والبهالوين وطوائف الملاعبين والحواة والقرادين والنساء الراقصات والخلابيض ونصبوا أراجيح مثل أيام الأعياد والمواسم واستمروا على ذلك ثلاثة أيام وفي كل يوم من تلك الأيام يعملون شنكًا وحراقات ومدافع وسواريخ ثم انفض الجمع بعد ما أعطاهم ساري عسكر دراهم وبقاشيش‏.‏

وفي يوم الأحد عزلوا دستان قائمقام وتولى عوضه دوجا الذي كان وكيلًا عن ساري عسكر‏.‏

وتهيأ المعزول للسفر الى جهة بحري وأصبح مسافرًا وصحبته نحو الألف من العسكر وسافر أيضًا منهم طائفة الى جهة البحيرة‏.‏

وفيه طلبوا من طوائف النصارى دراهم سلفة مقدار مائة وعشرين ألف ريال‏.‏

وفي خامس عشره أرسلوا الى زوجات حسن بك الجداوي وختموا على دورهن ومتاعهن وطالبوهن بالمال وذلك لسبب أن حسن بك التف على مراد بك وصار يقاتل الفرنسيس معه‏.‏

وقد كانت الفرنسيس كاتبت حسن بك وأمنته وأقرته على ما بيده من البلاد وأن لا يخالف ويقاتل مع الأخصام فلم يقبل منهم ذلك فلما وقع لنسائه ذلك ذهبن الى الشيخ محمد المهدي ووقعن عليه فصالح عليهن بمبلغ ثلاثة آلاف فرانسة‏.‏

وفي تاسع عشره هلك مخاييل كحيل النصراني الشامي وهو من رجال الديوان الخصوصي فجأة وذلك لقهره وغمه وسبب ذلك أنهم قرروا عليه في السلفة ستة آلاف ريال فرانسة وأخذ في تحصيلها ثم بلغه أن أحمد باشا الجزار قبض على شريكه بالشام واستصفى ما وجده عنده من وفيه كتبوا أوراقًا وطبعوها وألصقوها بالأسواق وذلك بعد أن رجعوا من الشام واستقروا وهي من ترصيف وتنميق بعض الفصحاء‏.‏

وصورتها‏:‏ من محفل الديوان الخصوصي بمحروسة مصر خطابًا لأقاليم مصر الشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والجيزة والبحيرة النصيحة من الإيمان قال تعالى في محكم القرآن‏:‏ ولا تتبعوا خطوات الشيطان وقال تعالى وهو أصدق القائلين في الكتاب المكنون‏:‏ ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فعلى العاقل أن يتدبر في الأمور قبل أن يقع في المحذور نخبركم معاشر المؤمنين أنكم لا تسمعوا كلام الكاذبين فتصبحوا على ما فعلتم نادمين وقد حضر الى محروسة مصر المحمية أمير الجيوش الفرنساوية حضرة بونابارته محب الملة المحمدية ونزل بعسكره في العادلية سليمًا من العطب والأسقام ودخل الى مصر من باب النصر يوم الجمعة في موكب عظيم وشنك جليل فخيم وصحبته العلماء والوجاقات السلطانية وأرباب الأقلام الديوانية وأعيان التجار المصرية وكان يومًا عظيمًا مشهودًا وخرجت أهل مصر لملاقاته فوجدوه وهو الأمير الأول بذاته وصفاته وظهر لهم أن الناس يكذبون عليه شرح الله صدره للإسلام والذي أشاع عنه الأخبار الكاذبة العربان الفاجرة والغز الهاربة ومرادهم بهذه الإشاعة هلاك الرعية وتدمير أهل الملة الإسلامية وتعطيل الأموال الديوانية لا يحبون راحة العبيد وقد أزال الله دولتهم من شدة ظلمهم أن بطش ربك لشديد وقد بلغنا أن الألفي توجه الى الشرقية مع بعض المجرمين من عربان بلي والعيايدة الفجرة المفسدين يسعون في الأرض بالفساد وينهبون أموال المسلمين إن ربك لبالمرصاد ويزورون على الفلاحين المكاتيب الكاذبة ويدعون أن عساكر السلطان حاضرة والحال أنها ليس بحاضرة فلا أصل لهذا الخبر ولا صحة لهذا الأثر وإنما مرادهم وقوع الناس في الهلاك والضرر مثل ما كان يفعل ابراهيم بك في غزة حيث كان ويرسل فرمانات بالكذب والبهتان ويدعي أنها من طرف السلطان ويصدقه أهل الأرياف خسفاء العقول ولا يقرأون العواقب فيقعون في المصائب وأهل الصعيد طردوا الغز من بلادهم خوفًا على أنفسهم وهلاك عيالهم وأولادهم فإن المجرم يؤخذ مع الجيران وقد غضب الله على الظلمة ونعوذ بالله من غضب الديان فكان أهل الصعيد أحسن عقلًا من أهل بحري بسبب هذا الرأي السديد ونخبركم أن أحمد باشا الجزار سموه بهذا الاسم لكثرة قتله الأنفس ولا يفرق بين الأخيار والأشرار وقد جمع الطموش الكثيرة من العسكر والغز والعرب وأسافل العشيرة وكان مراده الاستيلاء على مصر وأقاليمها وأحبوا اجتماعهم عليه لأجل أخذ أموالها وهتك حريمها ولكن لم تساعده الأقدار والله يفعل ما يشاء ويختار وقد كان أرسل بعض هذه العساكر الى قلعة العريش ومراده أن يصل الى قطيا فتوجه حضرة ساري عسكر أمير الجيوش الفرنساوية وكسر عسكر الجزار الذين كانوا في العريش ونادوا‏:‏ الفرار الفرار بعدما حصل بعسكرهم القتل والدمار وكانوا نحو ثلاثة آلاف وملك قلعة العريش وأخذ غزة وهرب من كان فيها وفروا ولما دخل غزة نادى في رعيتها بالأمان وأمر بإقامة الشعائر الإسلامية وإكرام العلماء والتجار والأعيان ثم انتقل الى الرملة وأخذ ما فيها من بقسماط وأرز وشعير وقرب أكثر من ألفي قربة كبار كان قد جهزها الجزار لذهابه الى مصر ثم توجه الى يافا وحاصرها ثلاثة أيام ثم أخذها وأخذ ما فيها من ذخائر الجزار بالتمام ومن نحوسات أهلها أنهم لم يرضوا بأمانه ولم يدخلوا تحت طاعته وإحسانه فدور فيهم السيف من شدة غيظه وقوة بأسه وسلطانه وقتل منهم نحو أربعة آلاف أو يزيدون بعدما هدم سورها وأكرم من كان بها من أهل مصر وأطعمهم وكساهم وجهزهم في المراكب الى مصر وغفرهم بعسكره خوفًا عليهم من العربان وأجزل عطاياهم وكان في يافا نحو خمسة آلاف من عسكر الجزار هلكوا جميعًا وبعضهم ما نجاه إلا الفرار ثم توجه من يافا الى جبل نابلس فكسر من كان فيه من العساكر بمكان يقال له فاقوم وحرق خمسة بلاد من بلادهم وما قدر كان ثم أخرب سور عكا وهدم قلعة الجزار التي كانت حصينة لم يبق فيها حجر على حجر حتى إنه يقال كان هناك مدينة وقد كان بني حصارها وشيد بنيانها في نحو عشرين من السنين وظلم في بنيانها عباد الله وهكذا عاقبة بنيان الظالمين ولما توجه إليه أهل بلاد الجزار من كل ناحية كسرهم كسرة شنيعة فهل ترى لهم من باقية نزل عليهم كصاعقة من السماء ثم توجه راجعًا الى مصر المحروسة لأجل شيئين‏:‏ الأول‏:‏ أنه وعدنا برجوعه إلينا بعد أربعة أشهر والوعد عند الحردين‏.‏

والسبب الثاني‏:‏ أنه بلغه أن بعض المفسدين من الغز والعربان يحركون في غيابه الفتن والشرور في بعض الأقاليم والبلدان فلما حضر سكنت الفتنة وزالت الأشرار والفجرة من الرعية وحبه لمصر وأقاليمها شيء عجيب ورغبته في الخير لأهلها ونيلها بفكره وتدبيره المصيب ويرغب أن يجعل فيها أحسن التحف والصناعة ولما حضر من الشام أحضر معه جملة من الأسارى من خاص وعام وجملة مدافع وبيارق اغتنمها في الحروب من الأعداء والأخصام فالويل كل الويل لمن عاداه والخير كل الخيرلمن والاه فسلموا يا عباد الله وارضوا بتقدير الله وامتثلوا لأحكام الله ولا تسعوا في سفك دمائكم وهتك عيالكم ولا تتسببوا في نهب أموالكم ولا تسمعوا كلام الغز الهربانين الكاذبين ولا تقولوا إن في الفتنة إعلاء كلمة الدين حاشا الله لم يكن فيها إلا الخذلان وقتل الأنفس وذل أمة النبي عليه الصلاة والسلام‏.‏

والغز والعربان يطمعوكم ويغروكم لأجل أن يضروكم فينهبوكم وإذا كانوا في بلد وقدمت عليهم الفرنسيس فروا هاربين منهم كأنهم جند إبليس ولما حضر ساري عسكر الى مصر أخبر أهل الديوان من خاص وعام أنه يحب دين الإسلام ويعظم النبي عليه الصلاة والسلام ويحترم القرآن ويقرأ منه كل يوم بإتقان وأمر بإقامة شعائر المساجد الإسلامية وإجراء خيرات الأوقاف السلطانية وأعطى عوائد الوجاقلية وسعى في حصول أقوات الرعية فانظروا هذه الألطاف والمزية ببركة نبينا أشرف البرية وعرفنا أن مراده أن يبني لنا مسجدًا عظيمًا بمصر لا نظير له في الأقطار وأنه يدخل في دين النبي المختار عليه أفضل الصلاة وأتم السلام انتهى بحروفه‏.‏

وكان أشيع بمصر قبل مجيئهم وعودهم من الشام بأن ساري عسكر بونابارته مات بحرب عكا وتناقله الناس وأنهم ولوا أخلافه فهذا هو السبب في قولهم في ذلك الطومار‏:‏ وقد حضر سليمًا من العطب فوجدوه هو الأمير الأول بذاته وصفاته الى آخر السياق المتقدم‏.‏

وفي ثاني عشرينه أرسل ساري عسكر جماعة من العسكر وقبضوا على ملا زاده ابن قاضي العسكر ونهبوا بعضًا من ثيابه وكتبه وطلعوا به الى القلعة فانزعج عليه عياله وحريمه ووالدته انزعاجًا شديدًا وفي صبحها اجتمع أرباب الديوان بالديوان وحضر إليهم ورقة من كبير الفرنسيس قرئت عليهم مضمونها أن ساري عسكر قبض على ابن القاضي وعزله وأنه وجه إليكم أن تقترعوا وتختاروا شيخًا من العلماء يكون من أهل مصر ومولودًا بها يتولى القضاء ويقضي بالأحكام الشرعية كما كانت الملوك المصرية يولون القضاء برأي العلماء للعلماء فلما سمعوا ذلك أجاب الحاضرون بقولهم‏:‏ إننا جميعًا نتشفع ونترجى عنده في العفو عن ابن القاضي فإنه إنسان غريب ومن أولاد الناس الصدور وإن كان والده وافق كتخدا الباشا في فعله فولده مقيم تحت أمانكم والمرجو انطلاقه وعوده الى مكانه فإن والدته وجدته وعياله في وجد وحزن عظيم عليه وساري عسكر من أهل الشفقة والرحمة وتكلم الشيخ السادات بنحو ذلك وزاد في القول بأن قال‏:‏ وأيضًا إنكم تقولوا دائمًا إن الفرنساوية أحباب العثمانية وهذا ابن القاضي من طرف العثملي فهذا الفعل مما يسيء الظن بالفرنساوية ويكذب قولهم وخصوصًا عند العامة فأجاب الوكيل بعدما ترجم له الترجمان بقوله لا بأس بالشفاعة ولكن بعد تنفيذ أمر ساري عسكر في اختيار قاض خلافه وألا تكونوا مخالفين ويلحكم الضرر بالمخالفة فامتثلوا وعملوا القرعة فطلعت الأكثرية باسم الشيخ أحمد العريشي الحنفي ثم كتبوا عرضحال بصورة المجلس والشفاعة وكتب عليه الحاضرون وذهب به الوكيل الى ساري عسكر وعرفه بما حصل وبما تكلم به الشيخ السادات فتغير خاطره عليه وأمر بإحضاره آخر النهار فلما حضر لامه وعاتبه فتكلم بينهما الشيخ محمد المهدي ووكيل الديوان الفرنساوي بالديوان حتى سكن غيظه وأمره بالانصراف الى منزله بعد أن عوقه حصة من الليل فلما أصبح يوم الجمعة عملوا جمعية في منزل دوجا قائمقام وركبوا صحبته الى بيت ساري عسكر ومعهم الشيخ أحمد العريشي فألبسه فروة مثمنة وركبوا جميعًا الى المحكمة الكبيرة بين القصرين ووعدهم بالإفراج عن ابن القاضي بعد أربع وعشرين ساعة وقد كانت عياله انتقلوا من خوفهم الى دار السيد أحمد المحروقي وجلسوا عنده ولما كان في ثاني يوم أفرجوا عنه ونزل الى عياله وصحبته أرباب الديوان والآغا ومشوا معه في وسط المدينة ليراه الناس ويبطل القيل والقال‏.‏

وفي تلك الليلة قتلوا شخصين‏:‏ أحدهما علي جاويش رئيس الريالة الذي كان بالاسكندرية عند حضور الفرنسيس والثاني قبطان آخره فلم يزالا بمصر يحبسونهما أيامًا ثم يطلقونهما فحبسوهما آخرًا فلم يطلقوهما حتى قتلوهما‏.‏

وفي صبيحة ذلك اليوم قتلوا شخصين أيضًا من الأتراك بالرميلة‏.‏

وفيه أفرجوا عن زوجات حسن بك الجداوي‏.‏

وفي ثامن عشرينه جمعوا الوجاقلية وكتبوا أسماءهم‏.‏

وفي تاسع عشرينه قبضوا على ثلاثة أنفار أحدهم يسمى حسن كاشف من أتباع أيوب بك الكبير وآخر يسمى أبو كلس والثالث رجل تاجر من تجار خان الخليلي يسمى حسين مملوك الدالي ابراهيم فسجنوهم بالقلعة فتشفع الشيخ السادات في حسين التاجر المذكور فأطلقوه على خمسة آلاف فرانسة‏.‏

فيه أفرجوا عن بعض قرابة كتخدا الباشا وكان محبوسًا بالجيزة ثم نقل الى القلعة مع كتخدا قريبه فأطلق وبقي الآخر‏.‏

وفي يوم الأحد ثالثه حضر السيد عمر أفندي نقيب الأشراف سابقًا من دمياط الى مصر وكان مقيمًا هناك من بعد واقعة يافا ونزل مع الذين أنزلوهم من يافا الى البحر وفيهم عثمان أفندي العباسي وحسن أفندي كاتب الشهر وأخوه قاسم أفندي وأحمد أفندي عرفة والسيد يوسف العباسي والحاج قاسم المصلي وغيرهم فمنهم من عوق بالكرنتيلة ومنهم من حضر من البر خفية فحضر بعض الأعيان لملاقاة السيد عمر وركبوا معه بعد أن مكث هنيهة بزاوية علي بك التي بساحل بولاق حتى وصل الى داره وتوجه في ثاني يوم مع المهدي وقابل ساري عسكر فبش له ووعده بخير ورد إليه بعض تعلقاته واستمر مقيمًا بداره والناس تغدو وتروح إليه على العادة‏.‏

وفي رابعه حضر أيضًا حسن كتخدا الجربان بأمان وكان بصحبته عثمان بك الشرقاوي وفيه أشيع أن مراد بك ذهب الى ناحية البحيرة فرارًا من الفرنسيس الذين بالصعيد‏.‏

وفي خامسه قتلوا عبد الله آغا أمير يافا وكان أخذ أسيرًا وحبس ثم قتل‏.‏

وفيه قتل أيضًا يوسف جربجي أبو كلس ورفيقه حسن كاشف‏.‏

وفي سادسه عمل الشيخ محمد المهدي وليمة عرس لزواج أحد أولاده ودعا ساري عسكر وأعيان الفرنساوية فتعشوا عنده وذهبوا‏.‏

وفيه أحضروا أربعة عشر مملوكًا أسرى وأصعدوهم الى القلعة قيل إنهم كانوا لاحقين بمراد بك بالبحيرة فآووا الى قبة يستظلون بها وتركوا خيولهم مع السواس فنزل عليهم طائفة من العرب فأخذوا الخيول فمروا مشاة فدل الفلاحون عليهم عسكر الفرنسيس فمسكوهم وقيل إهم آووا الى بلده وطلبوا منهم غرامة فصالحوهم فلم يرضوا بذلك بدون ما طلبوا فوعدوهم بالدفع من الغد وكانوا أكثر من ذلك وفيهم كاشف من جماعة عثمان بك الطنبرجي فذهب الفلاحون الى الفرنسيس وأعلموهم بمكانهم فحضروا إليهم ليلًا وفر من فر منهم وقتل من قتل وأسر الباقي وأما الكاشف فيسمى عثمان التجأ الى كبير الفرنسيس فحماه وأخذه عنده وأحضروا الأسرى الى مصر وعليهم ثياب زرق وزعابيط وعلى رؤوسهم عراقي من لباد وغيره وأصعدوهم الى القلعة وقتلوا منهم في ثاني ليلة أشخاصًا‏.‏

وفي تاسعه أحضروا أيضًا ستة أشخاص من المماليك وأصعدوهم الى القلعة وفي ذلك اليوم قتلوا أيضًا نحو العشرة من الأسرى المحابيسز‏.‏

وفي يوم الأحد عاشره ركب في عصريته ساري عسكر وعدى الى بر الجيزة وتبعته العساكر ولم يعلم سبب ذلك ولما صاروا بالجيزة ضربوا نجع البطران ودهشور بسبب نزول مراد بك عندهم وفي هذا اليوم ظهر أن مراد بك رجع ثانيًا الى الصعيد وشاع الخبر أيضًا أن عثمان بك الشرقاوي وسليمان آغا الوالي وآخرين مروا من خلف الجبل وذهبوا الى ناحية الشرق فخرج عليهم جماعة من العسكر وفيهم برطلمين يني الرومي رئيس عسكر الأروام ومعهم عدة وافرة من أخلاط العسكر أروام وقبط والمماليك المنضمة إليهم وبعض فرنساوية‏.‏

فأدركوهم بالقرب من بلبيس وأتوهم من خلاف الطريق المسلوكة فدهموهم على حين غفلة‏.‏

وكان عثمان بك يغتسل فلما أحسوا بهم بادروا للفرار وركبوا وركب عثمان بك بقميص واحد على جسده وطاقية فوق رأسه وهربوا وتركوا ثيابهم ومتاعهم وحملتهم وقدور الطعام على النار ولم يمت منهم إلا مملوكان وأسروا منهم إثنين ووجدوا على فراش عثمان بك مكاتبة من ابراهيم بك يستدعيهم الى الحضور إليه بالشام‏.‏

وفي ليلة الاثنين حادي عشره وردت أخبار ومكاتيب مع السعاة لبعض الناس من الاسكندرية وأبي قير وأخبروا بأنه وردت مراكب فيها عسكر عثمانية الى أبي قير فتبين أن حركة الفرنساوية وتعديتهم الى البر الغربي بسبب ذلك وأخذوا صحبتهم جرجس الجوهري وفي ضحوة اليوم الثاني عدى الكثير من العسكر أيضًا واهتم حنا بينو المتولي على بحر بولاق بجمع المراكب وشحنها بالقومانية والذخيرة وداخل الفرنساوية من ذلك وهم كبير ولما عدى كبيرهم الى بر الجيزة أقام يوم الاثنين عند الأهرام حتى تجمعت العساكر وبعث بالمقدمة‏.‏

وركب هو في يوم الثلاثاء ثاني عشره وأرسل مكتوبًا الى أرباب الديوان بالسلام عليهم والوصية بالمحافظة وضبط البلد والرعية كما فعلوا في غيبته السابقة‏.‏

وفي سادس عشره ورد الخبر بأن عثمان خجا وصل الى قلعة أبي قير صحبة السيد مصطفى باشا فضربوا على القلعة وقاتلوا من بها من الفرنشاوية وملكوها وأسروا من بقي بها وعثمان خجا هذا هو الذي كان متوليًا إمارة رشيد من طرف صالح بك وحج معه ورجع صحبته الى اشام فلما توفي صالح بك سافر الى الديار الرومية وحضر صحبة مصطفى باشا المذكور‏.‏

فلما تحققت هذه الأخبار كثر اللغط في الناس وأظهروا البشر وتجاهروا بلعن النصارى واتفق أنه تشاجر بعض المسلمين بحارة البرابرة بالقرب من كوم الشيخ سلامة مع بعض نصارى الشوام فقال المسلم للنصراني إن شاء الله تعالى بعد أربعة أيام نشتفي منكم وكلام من هذا المعنى فذهب هذا النصراني الى الفرنسيس مع عصبة من جنسه وأخبروهم بالقصة وزادوا وحرفوا وعرفوهم أن قصد المسلمين إثارة فتنة فأرسل قائمقام الى الشيخ المهدي وتكلم معه في شأن ذلك وحاججه وأصبحوا فاجتمعوا بالديوان فقام المهدي خطيبًا وتكلم كثيرًا ونفى الريبة وكذب أقوال الأخصام وشدد في تبرئة المسلمين عما نسب إليهم وبالغ في الحطيطة والانتقاص من جانب النصارى وهذا المقام من مقاماته المحمودة ثم جمعوا مشايخ الأخطاط والحارات‏.‏

وفي ثامن عشره وردت أخبار وعدة مكاتيب لكثير من الأعيان والتجار وكلها على نسق واحد تزيد عن المائة مضمونها بأن المسلمين وعسكر العثمانيين ومن معهم ملكوا الاسكندرية في ثالث ساعة من يوم السبت سادس عشر صفر فصار الناس يحكي بعضهم لبعض ويقول ابعض‏:‏ أنا قرأت المكتوب الواصل الى فلان التاجر ويقول الآخر مثل ذلك ولم يكن لذلك أصل ولا صحة ولم يعلم من فعل هذه الفعلة واختلق هذه النكتة ولعلها من فعل بعض النصارى البلديين ليوقعوا بها فتنة في الناس ينشأ منها القتل فيهم والأذية لهم وسبحان الله علام الغيوب‏.‏

وفي ليلة الأربعاء عشرينه أشيع أن الفرنساوية تحاربوا مع العساكر الواردين على أبي قير‏.‏

وأخذوا مصطفى باشا أسيرًا وكذلك عثمان خجا وغيرهم وأخبر الفرنسيس أنه حضرت لهم مكاتبة بذلك من أكابرهم فلما طلع النهار ضربوا مدافع كثيرة من قلعة الجبل وباقي القلاع المحيطة وبصحن الأزبكية وعملوا في ليلتها أعني ليلة الأربعاء حراقة بالأزبكية من نفوط وبارود وسواريخ تصعد في الهواء‏.‏

وفي يوم الخميس ثامن عشرينه وصلت عدة مراكب وبها أسرى وعساكر جرحى وكذلك يوم الجمعة تاسع عشرينه حضرت مكاتبة من الفرنسيس بحكاية الحالة التي وقعت لم أقف على صورتها‏.‏

واستهل ربيع الأول بيوم السبت سنة 1214 في ثانيه وصلت مراكب من بحري وفيها جرحى من الفرنساوية‏.‏

وفيه قبضوا على الحاج مصطفى البشتيلي الزيات من أعيان أهالي بولاق وحبسوه ببيت قائمقام والسبب في ذلك أن جماعة من جيرانه وشوا عنه بأنه يدخل بعض حواصله الذي في وكالته عدة قدور مملوءة بالبارود فكبسوا على الحواصل فوجدوا بها ذلك أخبر الواشي فأخذوها وقبضوا عليه وحبسوه كما ذكر ثم نقلوه الى القلعة‏.‏

وفي سادسه حضر أيضًا جملة من العسكر وكثر لغط الناس على عادتهم في رواية الأخبار‏.‏

وفيه حضرت حجاج المغاربة ووصلت صحبة الحج الشامي وأخبروا أنهم حجوا صحبته وأمير الحاج الشامي عبد الله باشا ابن العظم‏.‏

وفي ليلة الأحد تاسعه حضر ساري عسكر الفرنساوية بونابارته ودخل الى داره بالأزبكية وحضر صحبته عدة أناس من أسرى المسلمين وشاع الخبر بحضوره فذهب كثير من الناس الى الأزبكية ليتحققوا الخبر على جليته فشاهدوا الأسرى وهم وقوف في وسط البركة ليراهم الناس ثم أنهم صرفوهم بعد حصة من النهار فأرسلوا بعضهم الى جامع الظاهر خارج الحسينية وأصعدوا باقيهم الى القلعة وأما مصطفى باشا ساري عسكر فإنهم لم يقدموا به لمصر بل أرسلوه الى الجيزة مكرمًا وأبقوا عثمان خجا بالاسكندرية ولما استقر بونابارته في منزله ذهب للسلام عليه المشايخ والأعيان وسلموا عليه فلما استقر بهم المجلس قال لهم على لسان الترجمان إن ساري عسكر يقول لكم إنه لما سافر الى الشام كانت حالتكم طيبة في غيابه وأما في هذه المرة فليس كذلك لأنكم كنتم تظنون أن الفرنسيس لا يرجعون بل يموتون عن آخرهم فكنتم فرحانين ومستبشرين وكنتم تعارضون الآغا في أحكامه وإن المهدي والصاوي ما هم بونو أي ليسوا بطيبين ونحو ذلك وسبب كلامه هذا الحكاية المتقدمة التي حبسوا بسببها مشايخ الحارات فإن الآغا الخبيث كان يريد أن يقتل في كل يوم أناسًا بأدنى سبب فكان المهدي والصاوي يعارضانه ويتكلمان معه في الديوان ويوبخانه ويخوفانه سوء العاقبة وهو يرسل الى ساري عسكر فيطالعه بالأخبار ويشكو منهما فلما حضر عاتبهم في شأن ذلك فلاطفوه حتى انجلى خاطره وأخذ يحدثهم على ما وقع له من القادمين الى أبي قير والنصر عليهم وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل المولد النبوي بالأزبكية ودعا الشيخ خليل البكري ساري عسكر الكبير مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده وضربوا ببركة الأزبكية مدافع وعملوا حراقة وسواريخ ونادوا في ذلك اليوم بالزينة وفتح الأسواق والدكاكين ليلًا وإسراج قناديل واصطناع مهرجان وورد الخبر بأن الفرنسيس أحضروا عثمان خجا ونقلوه من الاسكندرية الى رشيد فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس حافي القدمين وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم حتى وصلوا به الى داره فقطعوا رأسه تحتها ثم رفعوا رأسه وعلقوها من شباك داره ليراها من يمر بالسوق‏.‏

وفي ثالث عشره أشيع بأن كبير الفرنسيس سافر الى جهة بحري ولم يعلم أحد أي جهد يريد وسئل بعض أكابرهم فأخبر أن ساري عسكر المنوفية دعاه لضيافته بمنوف حين كان متوجهًا الى ناحية أبي قير ووعده بالعود إليه بعد وصوله الى مصر وراج ذلك على الناس وظنوا صحته‏.‏

ولما كان يوم الاثنين سادس عشره خرج مسافرًا من آخر الليل وخفي أمره على الناس‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشرينه الموافق التاسع مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك فنودي بوفائه على العادة وخرج النصارى من القبطة والشوام والأروام وتأهبوا للخلاعة والقصف والتفرج واللهو والطرب وذهبوا تلك الليلة الى بولاق ومصر العتيقة والروضة واكتروا المراكب ونزلوا فيها وصحبتهم الآلات والمغاني وخرجوا في تلك الليلة عن طورهم ورفضوا الحشمة وسلكوا مسلك الأمراء سابقًا من النزول في المراكب الكثيرة المقاذيف وصحبتهم نساؤهم وقحابهم وشرابهم وتجاهروا بكل قبيح من الضحك والسخرية والكفريات ومحاكاة المسلمين وبعضهم تزيا بزي أمراء مصر وليس سلاحًا وتشبه بهم وحاكى ألفاظهم على سبيل الاستهزاء والسخرية وغير ذلك وأجرى الفرنساوية المراكب المزينة وعليها البيارق وفيها أنواع الطبول والمزامير في البحر ووقع في تلك الليلة بالبحر وسواحله من الفواحش والتجاهر بالمعاصي والفسوق ما لا يكيف ولا يوصف وسلك بعض غوغاء العامة وأسافل العالم ورعاعهم مسالك تسفل الخلاعة ورذالة الرقاعة بدون أن ينكر أحد على أحد من الحكام أو غيرهم بل كل إنسان يفعل ما تشتهيه نفسه وما يخطر بباله وإن لم يكن من أمثاله‏.‏

وأكثر الفرنسيس في تلك الليلة وصباحها من رمي المدافع والسواريخ من المراكب والسواحل وباتوا يضربون أنواع الطبول والمزامير وفي الصباح ركب دوجا قائمقام وصحبته أكابر الفرنسيس وأكابر أهل مصر وحضروا الى قصر السد وجلسوا به واصطفت العساكر ببر الروضة وبر مصر القديمة بأسلحتهم وطبولهم وبعضهم في المراكب لضرب المدافع المتتالية الى أن انكسر السد وجرى الماء في الخليج فانصرف‏.‏

وفي خامس عشرينه طلبوا من كل طاحون من الطواحين فرسًا‏.‏

وفي سادس عشرينه كتبوا أوراقًا وألصقوها بالأسواق مضمونها أن الناس يذهبون الى بولاق يوم التاسع والعشرين ليحضروا سوق الخيل ويشتروا ما أحبوا من الخيل‏.‏

وفيه ألصقوا أوراقًا أيضًا مضمونها بأن من كان عليه مال ميري ملزوم بغلاقه ومن لم يغلق ما عليه بعد مضي عشرين يومًا عوقب بما يليق به ونادوا بموجب ذلك بالأسواق‏.‏

وفي سابع عشرينه كتبوا أوراقًا أيضًا مضمونها انقضاء سنة مؤاجرات أقلام المكوس ومن أراد استثمار شيء من ذلك فليحضر الى الديوان ويأخذ ما يريد بالمزاد‏.‏

وفيه أفرج عن الأنفار التي قدم بها الفرنساوية من غزة وحبست بالقلعة على مصلحة خمسة وسبعين كيسًا دفعوا بعضها وضمنهم أهل وكالة الصابون في البعض الباقي فأنزلوهم من القلعة على هذا الاتفاق بشرط أن لا يسافر منهم أحد إلا بعد غلاق ما عليه‏.‏

وفي ثامن عشرينه تشفع أرباب الديوان في أهل يافا المسجونين بالقلعة أيضًا فوقع التوافق معهم على الإفراج عنهم بمصلحة مائة كيس فاجتمع الرؤساء والتجار وترووا واشتوروا في مجلس خاص بينهم فاتفق الحال على تقسيطها وتأجيلها في كل عشرين يومًا خمسة وعشرين كيسًا فدفع التجار خمسة وعشرين كيسًا وأفرج عنهم من القلعة وأجلوا الباقي على الشرح المذكور‏.‏

وفيه ورد من بونابارته ساري عسكر الفرنساوية كتاب من الاسكندرية خطابًا لأهل مصر وسكانها فأحضر قائمقام دوجا الرؤساء المصرية وقرأ عليهم الكتاب مضمونه أنه سافر يوم الجمعة حادي عشرين الشهر المذكور الى بلاد الفرنساوية لأجل راحة أهل مصر وتسليك البحر فيغيب نحو ثلاثة أشهر ويقدم مع عساكره فإنه بلغه خروج عمارتهم ليصفوا له ملك مصر ويقطع دابر المفسدين وأن المولى على أهل مصر وعلى رياسة الفرنساوية جميعًا كهلبر ساري عسكر دمياط فتحير الناس وتعجبوا في كيفية سفره ونزوله البحر مع وجود مراكب الانكليز ووقوفهم بالثغر ورصدهم الفرنساوية من وقت قدومهم الديار المصرية صيفًا وشتاء ولكيفية خلوصه وذهابه أنباء وحيل لم أقف على حقيقتها‏.‏ وفي

يوم السبت تاسع عشرينه قدم ساري عسكر كلهبر صبيحة ذلك اليوم

فضربوا لقدومه المدافع من جميع القلاع وتلقته كبار الفرنساوية وأصاغرهم وذهب الى بيت بونابارته الذي كان ساكنًا به وهو بيت الألفي بالأزبكية وسكن مكانه وفي ذلك اليوم قدمت طائفة من العسكر من جهة الشرقية وصحبتهم منهوبات كثيرة من بلد عصت عليهم فضربوها ونهبوها ومعهم السبعين من الرجال والصغار وبعض النساء وهم موثوقون بالحبال فسجنوهم بالقلعة‏.‏

وفيه ذهب أكابر البلد من المشايخ والأعيان لمقابلة ساري عسكر الجديد للسلام عليه فلم يجتمعوا به ذلك اليوم ووعدوا الى الغد فانصرفوا وحضروا في ثاني يوم فقابلوه فلم يروا منه واستهل شهر ربيت الثاني بيوم الأحد سنة 1214 في أوائله ابتدأوا في عمل مولد المشهد الحسيني وقهروا الناس وكرروا المناداة بفتح الحوانيت والسهر ووقود القناديل عشر ليالي متوالية آخرها ليلة الخميس ثاني عشره‏.‏

وفيه طلب ساري عسكر الجديد من نصارى القبط مائة وخمسين ألف ريال فرانسة في مقابله بواقي سنة 1212 وشرعوا في تحصيلها‏.‏

وفي يوم الجمعة سادسه ركب ساري عسكر الجديد من الأزبكية ومشى في وسط المدينة في موكب حافل حتى صعد الى اقلعة وكان أمامه نحو الخمسمائة قواس وبأيديهم النبابيت وهم يأمرون الناس بالقيام والوقوف على الأقدام لمروره وكان صحبته عدة كثيرة من خيالة الإفرنج وبأيديهم السيوف المسلولة والوالي والآغا وبرطلمين بمواكبهم وكذلك القلقات والوجاقلية وكل من كان مولى من جهتهم ومنضمًا إليهم ما عدا رؤساء الديوان من الفقهاء فلم يطلبوهم للحضور ولا للمشي في ذلك الموكب ولما صعد الى القلعة ضربوا له عدة مدافع وتفرج على القلعة ثم نزل بذلك الموكب الى داره‏.‏

وفي يوم السبت سابعه ركب أغات الينكجرية في أبهة عظيمة وجبروت وأمامه عدة من عسكر الفرنسيس وأمامه المنادي يقول‏:‏ حكم ما رسم ساري عسكر خطابًا للآغا‏:‏ إن جميع الدعاوى والقضايا العامية لا تعمل إلا ببيت الآغا وكل من تعدى من الرعايا أو وقع منه قلة أدب يستأهل ما يجري عليه‏.‏

وفيه ركب ساري عسكر الكبير في موكب دون الأول ووصل الى بيت رئيس الديوان الشيخ عبد الله الشرقاوي ثم رجع الى داره‏.‏

وفي يوم الأحد ثامنه عمل ساري عسكر وليمة في بيته ودعا الأعيان والتجار والمشايخ فتعشوا عنده ثم انصرفوا الى ديارهم‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عاشره كان آخر المولد الحسيني وحضر ساري عسكر الفرنساوية مع أعيانهم الى بيت شيخ السادات بعد العصر في موكب عظيم وأمامه الآغا والمحتسب وعدة كبيرة من عسكرهم وبيدهم السيوف المسلولة فتعشوا هناك وركبوا بعد المغرب وشاهدوا وقود القناديل‏.‏

وفي سادس عشره نودي بنشر الحوائج وكتبوا بذلك أوراقًا وألصقوها بالأسواق وشددوا في ذلك بالتفتيش والنظر بجماعة من طرف مشايخ الحارات ومع كل منهم عسكري من طرف الفرنساوية وامرأة أيضًا للكشف عن أماكن النساء فكان الناس يأنفون من ذلك ويستثقلونه ويستعظمونه وتحدثهم أوهامهم بأمور يتخيلونها كقولهم‏:‏ إنما يريدون بذلك الاطلاع على أماكن الناس ومتاعهم مع أنه لم يكن شيء سوى التخوف من العفونة والوباء‏.‏

وفي عشرينه نودي بعمل مولد السيد علي البكري المدفون بجامع الشرايبي بالأزبكية بالقرب من الرويعي وأمروا الناس بوقود قناديل بالأزقة في تلك الجهات وأذنوا لهم بالذهاب والمجيء ليلًا ونهارًا من غير حرج وقد تقدم ذكر بعض خبر هذا السيد وأنه كان رجلًا من البله وكان يمشي بالأسواق عريانًا مكشوف الرأس والسوأتين غالبًا وله أخ صاحب دهاء ومكر لا يلتئم به واستمر على ذلك مدة سنين ثم بدا لأخيه فيه أمر لما رأى من ميل الناس لأخيه واعتقادهم فيه كما هي عادة أهل مصر في أمثاله فحجر عليه ومنعه من الخروج من البيت وألبسه ثيابًا وأظهر للناس أنه أذن له بذلك وأنه تولى القطبانية ونحو ذلك فأقبلت الرجال والنساء على زيارته والتبرك به وسماع ألفاظه والإنصات إلى تخليطاته وتأويلها بما في نفوسهم وطفق أخوه المذكور يرغبهم ويبث لهم في كراماته وأنه يطلع على خطرات القلوب والمغيبات وينطق بها في النفوس فانهمكوا على الترداد إليه وقلد بعضهم بعضًا وأقبلوا عليه بالهدايا والنذور والإمدادات الواسعة من كل شيء وخصوصًا من نساء الأمراء والأكابر وراج حال أخيه واتسعت أمواله ونفقت سلعته وصادت شبكته وسمن الشيخ من كثرة الأكل والدسومة والفراغ والراحة حتى صار مثل البو العظيم فلم يزل على ذلك الى أن مات في سنة سبع بعد المائتين كما تقدم فدفنوه بمعرفة أخيه في قطعة حجر عليها من هذا المسجد من غير مبالاة ولا مانع وعمل عليه مقصورة ومقامًا وواظب عنده بالمقرئين والمداحين وأرباب الأشاير والمنشدين بذكر كراماته وأوصافه في قصائدهم ومدحهم ونحو ذلك ويتواجدون ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به ويضعونه في أعبابهم وصار ذلك المسجد مجمعًا وموعدًا فلما حضر الفرنساوية الى مصر تشاغل عنه الناس وأهمل شأنه في جملة المهملات وترك مع المروكات فلما فتح أمر الموالد والجمعيات ورخص الفرنساوية ذلك للناس لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع واجتماع النساء واتباع الشهوات والتلاهي وفعل المحرمات أعيد هذا المولد مع جملة ما أعيد‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى بيوم الجمعة سنة 1214 فيه اهتم الفرنسيس بعمل عيدهم المعتاد وهو عند الاعتدال الخريفي وانتقال الشمس لبرج الميزان فنادوا بفتح الأسواق والدكاكين ووقود القناديل وشددوا في ذلك وعملوا عزائم وولائم وأطعمة ثلاثة أيام آخرها يوم الاثنين ولم يعملوه على هيئة العام الماضي من الاجتماع بالأزبكية عند الصاري العظيم المنتصب والكيفية المذكورة لأن ذلك الصاري سقط وامتلأت البركة بالماء فلما كان يوم الأحد نبهو على الأمراء والأعيان بالبكور الى بيت ساري عسكر‏.‏

فاجتمع الجمع في صبح يوم الاثنين فركب ساري عسكر معهم في موكب كبير وذهبوا الى قصر العيني فمكثوا هناك حصة وعرضت عليهم العساكر جميعها على اختلاف أنواعها من خيالة ورجالة وهم بأسلحتهم وزينتهم ولعبوا لعبهم في ميدان الحرب وخلع ساري عسكر على الشيخ الشرقاوي والقاضي وأغات الينكجرية خلع سمور ثم رجع الى منازلهم ثم نودي في جميع الأسواق بوقود أربع قناديل على كل دكان في تلك الليلة ومن لم يفعل ذلك عوقب‏.‏

ثم عملوا بالأزبكية حراقة نفوط ومدافع وسواريخ ولعبوا في المراكب طول ليلهم‏.‏

وفي سابعه بعد عيد الصليب نقص ماء النيل وكان من أول زيادته قاصرًا عن العادة وزيادته شحيحة فضج الناس وانكبوا على شراء الغلة وازدحموا في الرقع والسواحل وطلب باعة الغلة الزيادة في السعر فجمع الفرنساوية كل من كان له مدخل في تجارة الغلال وزجروهم وخوفوهم وقالوا لهم‏:‏ هذه الغلة الموجودة الآن إنما هي زراعة العام الماضي وأما هذا العام فلا تخرج زراعته إلا في العام المقبل فانزجروا وباعوا بالسعر الحاضر وقد كاد يقع الغلاء العظيم لولا ألطاف الله ورحمته ونعمه العميمة الشاملة حصلت‏.‏

وفيه أرسلوا جملة عساكر من الفرنساوية الى مراد بك بناحية الفيوم وعليهم كبير فوقع بينهم وبينه أمور لم أتحقق تفصيلها وترددت بينه وبين ساري عسكر الرسل والمراسلات ووقع بينه وبينهم الهدنة والمهاداة واصطلح معهم على شروط منها تقليده إمارة الصعيد تحت حكمهم‏.‏

وفي هذا الشهر كثرت الإشاعة باجتماع عساكر عثمانية جهة الشام فكثر اهتمام الفرنساوية بإخراج الجيخانات والمدافع وآلات الحرب والقومانية والعساكر وتحصين الصالحية والفرين وبلبيس‏.‏

واستهل شهر رجب بيوم الجمعة سنة 1214 وفيه كثرت الأقوال وتواترت الأخبار بوصول الوزير الأعظم يوسف باشا الى الديار الشامية وصحبته نصوح باشا وعثمان آغا كتخدا الدولة وحسين آغا نزله أمين ومصطفى أفندي الدفتردار وباقي رجال الدولة وعسفوا في البلاد الشامية وضربوا عليهم الضرائب العظيمة وجبوا الأموال فلما كان في منتصفه وردت الأخبار بوصولهم الى غزة والعريش وأنهم حاصروا قلعة العريش وقاتلوا من بها من عسكر الفرنساوية حتى ملكوها في تاسع عشره‏.‏

واحتووا على ما كان فيها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وصعد مصطفى باشا الذي باشر أخذ القلعة مع جملة من العسكر وبعض الأجناد المصرية وضربت النوبة وحصل لهم الفرح العظيم فاتفق أنه وقعت نار على مكان الجبخانة والبارود المخزون بالقلعة وكان شيئًا كثيرًا فاشتعلت وطارت القلعة بمن فيها واحترقوا وماتوا وفيهم الباشا المذكور ومن معه ومحمد آغا أرنؤد الجلفي وغيره من المصرلية ومات كثير ممن كان خارجًا عنها وبقربها مما نزل عليهم من النار والأحجار المتطايرة في أسرع وقت ولما تحقق الفرنساوية أخذ العريش وأن عساكر العثمانيين زاحفة الى جهة الصالحية تهيأ ساري عسكر الفرنساوية واستعد للخروج والسفر في أسرع وقت وخرج بعساكره وجنوده الى الصالحية وقد كان قبل أخذ العثمانيين قلعة العريش أرسل الفرنساوية الى سينت كبير الانكليز مراسلات ليتوسط بينهم وبين العثمانيين ثم ورد فرمان من حضرة الوزير قبل وصوله لجهة العريش خطابًا الى جمهور الفرنساوية باستدعاء رجلين من رؤسائهم وعقلائهم ليتشاور معهم ويتفق معهم على أمر يكون فيه المصلحة للفريقين على ما سيشترطونه بينهم فوجهوا إليه من طرفهم بوسليك رئيس الكتاب وديزه ساري عسكر الصعيد فنزلوا في البحر على دمياط وطالت مدة غيابهم وبعث كلهبر ساري عسكر رسلًا من طرفه لاستفسار الأخبار‏.‏

واستهل شهر شعبان المعظم سنة 1214 فورد الخبر بقدومهما في اثنين وعشرين فيه الى الصالحية فأرسلوا لهما الخيول وما يحتاجان إليه وحضرا الى مصر وشاع أمر الصلح وحضر من طرف العثمانيين رئيس الكتاب والدفتردار لتقرير الصلح وجنح كل من الفريقين الى ذلك لما فيه من كف الحرب وحقن الدماء وأظهر الفرنساوية الخداع والخضوع حتى تم عقد الصلح على اثنين وعشرين شرطًا رسمت وطبعت في طومار كبير وورد الخبر بذلك الى مصر وفرح الناس بذلك فرحًا شديدًا‏.‏

وأرسل ساري عسكر الفرنساوية مكاتبة بصورة الحال الى دوجا قائمقام فجمع أهل الديوان وقرأ عليهم ذلك ولما ورد ذلك الطومار المتضمن لعقد الصلح والشروط وعربوه وطبعوا منه نسخًا كثيرة فرقوا منها على الأعيان وألصقوا منها بالأسواق والشوارع‏.‏

وصورته‏:‏ بما فيه من الفصول والشروط بالحرف الواحد ما عدا ترجمة الأسطر التي باللغة الفرنساوية وهذه صورة الشروط الواقعة لخلو مصر ما بين حضرة الجنرال ديزه متفرقة وحضرة بسليغ مدير الحدود العام نواب ساري العسكر العام كلهبر المفوضين بكامل السلطان‏.‏

وجناب سامي المقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيه أفندي رئيس كتاب الوكلاء المفوضين بكامل السلطان عن جناب حضرة الوزير سامي المقام أن للجيش الفرنساوي بمصر عندما قصد أن يوضح ما في نفسه من وفور الشوق لحقن الدماء ويرى نهاية الخصام المضر الذي قد حصل ما بين المشيخة الفرنساوية والباب العالي فقد ارتضى أن يسلم بخلو الإقليم المصري بحسب هذه الشروط الآتي ذكرها يأمل أن بهذا التسليم يمكن أن يتجه ذلك الى صلح العام في بلاد المغرب قاطبة‏.‏

الشرط الأول - أن الجيش الفرنساوي يلزمه أن يتنحى بالأسلحة والعزال بالأمتعة الى الاسكندرية ورشيد وأبو قير لأجل أن يتوجه وينتقل بالمراكب الى فرانسا إن كان ذلك في مراكبهم الخاص بهم أم في تلك التي يقتضي للباب العالي أن يقدمها لهم بقدر الكفاية ولأجل تجهيز المراكب المذكورة بأقرب نوال فقد وقع الاتفاق بعد مضي شهر واحد من تقرير هذه الشروط يتوجه الى قلعة اسكندرية نائب من قبل الباب العالي وصحبته خمسون نفرًا‏.‏

الشرط الثاني - فلا يدعن المهلة وتوقيف الحرب بمدة ثلاثة أشهر بالإقليم المصري وذلك من عهد إمضاء شروط الاتفاق هذه وإذا صادف الأمر أن هذه المهلة تمضي قبل أن المراكب الواجب تجهيزها من قبل الباب العالي تحضر جاهزة فالمهلة المذكورة يقتضي مطاولتها الى أن ينجز الرحيل على التمام والكمال ومن الواضح أنه لابد عن إصراف الوسايط الممكنة من قبيل الفريقين لكي لا يحصل ما يمكن وقوعه من التجسس إن كان ذلك من الجيش أم من أهل البلاد إذا كانت هذه المهلة قد حصل الاتفاق بها لأجل راحتهم‏.‏

الشرط الثالث - فرحيل الجيش الفرنساوي يقتضي تدبيره بيد الوكلاء القادمين لهذه الغاية من قبل الباب الأعلى وساري العسكر كلهبر وإذا حصل خصام ما بين الوكلاء المذكورين بوقت الرحيل في هذا الصدد فلينتخب من قبل حضرة سيد نهي سميت رجل لينهي المخاصمات المذكورة بحسب قواعد السياسة البحرية السالكون عليها ببلاد الانكليز‏.‏

الشرط الرابع - قطية والصالحية لابد من خلوهما عن الجيش الفرنساوي في ثامن يوم وأعظم ما يكون في عاشر يوم من إمضاء شروط الاتفاق هذه ومدينة المنصورة يكون خلوها من بعد خمسة عشر يومًا وأما دمياط وبلبيس من بعد عشرين يومًا وأما السويس فيكون خلوه ستة أيام قبل مدينة مصر وأما المحلات الكائنة في الجهة الشرقية من بحر النيل فيكون خلوها في اليوم العاشر والدلطا أي الإقليم البحرية يكون خلوها خمسة عشر يومًا من بعد خلو مصر‏.‏

ولكن من حيث أنها لابد أن تستمر بيد الفرنساوية الى أن يكون انحدار العسكر من جهات الصعيد فجهة الغربية وتعلقاتها كما ذكر فممكن أنه لا يتيسر خلوها إلا من بعد انقضاء وقت المهلة المعين إذا لم يمكن خلوها قبل هذا الميعاد والمحلات التي تترك من الجيش فتسلم الى الباب الأعلى كما هي في حالها الآن‏.‏

الشرط الخامس - ثم إن مدينة مصر إن أمكن ذلك يكون خلوها بعد أربعين يومًا وأكثر ما الشرط السادس - إنه لقد وقع الاتفاق صريحًا على أن الباب الأعلى يصرف كل اعتناء في أن الجيش الفرنساوي الموجود في الجهة الغربية من بحر النيل عندما يقصد التنحي‏:‏ بكامل ما له من السلاح والعزال لنحو معسكرهم لا تصير عليه مشقة ولا أحد يشوش عليه إن كان ذلك مما يتعلق بشخص كل واحد منهم أو بأمتعته أو بكرامته وذلك إما من أهالي البلاد وإما من جهة العسكر السلطاني العثملي‏.‏

الشرط السابع - وحفظًا لإتمام الشرط المذكور أعلاه وملاحظة لمنع ما يمكن وقوعه من الخصام والمعاداة فلابد عن استعمال الوسائط في أن عسكر الإسلام يكون دائمًا متباعدًا عن العسكر الفرنساوي‏.‏

الشرط الثامن - فمن تقرير وإمضاء هذه الشروط فكل من كان من الإسلام أم من باقي الطوائف من رعايا البلم الأعلى بدون تمييز الأشخاص أولئك الواقع عليها الضبط أم الذين واقع عليهم الترسيم ببلاد فرانسا أو تحت أمر الفرنساوية بمصر يعطى لهم الإطلاق والتعلق‏.‏

وبمثل ذلك فكل الفرنساوية المسجونين في كامل البلدان والأساكل من مملكة العثملي وكذلك كامل الأشخاص من أيما طائفة كانت أولئك الذين كانوا في تعلق خدمة المراسلات والقناصل الفرنساوية لابد عن انعتاقهم‏.‏

الشرط التاسع - فترجيع الأموال والأملاك المتعلقة بسكان البلاد والرعايا من الفريقين أم دفع مبالغ أثمانها لأصحابها فيكون الشروع به حالًا من بعد خلو مصر والتدبير في ذلك يكون بيد الوكلاء في اسلامبول المقامين بوجه خاص من الفريقين لهذا الصدد‏.‏

الشرط العاشر - فلا يحصل التشويش لأحد من سكان الإقليم المصري من أي ملة كانت‏.‏

وذلك لا في أشخاصهم ولا في أموالهم نظرًا الى ما يمكن أن يكون قد حصل من الاتحاد ما بينهم وبين الفرنساوية من إقامتهم بأرض مصر‏.‏

الشرط الحادي عشر - ولابد أن يعطى للجيش الفرنساوي إن كان من قبل الباب الأعلى أو من قبل المملكتين المرتبطين معه أعني بها مملكة انكلترة ومملكة المسكوب فرمانات الإذن والأوراق المحافظة بالطريق وبمثل ذلك السفن اللازمة لرجع الجيش المذكور بالأمن والأمان الى بلاد فرانسا‏.‏

الشرط الثاني عشر - وعند نزول الجيش الفرنساوي المذكور الكائن بمصر الآن فالباب الأعلى وباقي الممالك المتحدة معه يعاهدون بأجمعهم أنهم من وقت ينزلون بالمراكب الى حين وصولهم الى أراضي فرانسا لا يحصل عليهم شيء قط مما يكدرهم وبنظير ذلك فحضرة الجنرال كلهبر ساري العسكر لعام يعاهد من قبله وصحبته الجيش الفرنساوي الكائن بمصر بأنه لا يصدر منهم ما يؤول الى المعاداة على الإطلاق مادامت المدة المذكورة وذلك لا ضد العمارة ولا ضد بلدة من بلدان الباب الأعلى وباقي الممالك المرتبطة معه وكذلك أن السفن التي يسافر بها الجيش المشار إليه ليس لها أن ترى في حد من الحدود إلا بتلك التي تختص بأراضي فرانسا ما لم يكن ذلك في حادث ما ضروري‏.‏

الشرط الثالث عشر - ونتيجة ما قد وقع الاتفاق عليه من الإمهال المشترط أعلاه بما يلاحظ خلو الإقليم المصري فالجهات الواقع بينهم هذا الاشتراط قد اتفقوا على أنه إذا حضر في حد هذه المدة المذكورة مركب من بلاد فرانسا بدون معرفة غلايين الممالك المتحدة ودخل بمينا اسكندرية فلازم عن سفره حالًا وذلك من بعد أن يكون قد تحوج بالماء والزاد اللازم ويرجع الى فرانسا وذلك بسندات أوراق الإذن من قبل الممالك المتحدة وإذا صادف الأمر أن مركبًا من هذه المراكب يحتاج الى الترقيع فهذه لا غير يباح لها الإقامة الى أن ينتهي إصلاحها المذكور وفي الحال من ثم تتوجه الى بلاد فرانسا نظير التي قد تقدم القول عنها عند أول ريح يوافقها‏.‏

الشرط الرابع عشر - وقد يستطيع حضرة الجنرال كلهبر ساري العسكر العام أن يرسل خبرًا الى أرباب الأحكام الفرنساوية في الحال ومن يصحب هذا الخبر لابد أن تعطى له أوراق الإذن بالإطلاق كما يقتضي ليسهل بهذه الواسطة وصول الخبر الى أصحاب الحكم بفرانسا‏.‏

الشرط الخامس عشر - وإذا قد اتضح أن الجيش الفرنساوي يحتاج الى المعاش اليومي مادامت الثلاثة أشهر المعينة لخلو الإقليم المصري وكذلك لمعاش الثلاثة الأشهر الأخرى التي يكون مبتدأها من يوم نزولهم بالمراكب فقد وقع الاتفاق على أنه يقدم له مقدار ما يلزم من القمح واللحم والأرز والشعير والتبن وذلك بموجب القائمة التي تقدمت الآن من وكلاء الجمهور الفرنساوي إن كان ذلك مما يخص إقامتهم أو ما يلاحظ سفرهم والذي يكون قد أخذه الجيش المذكور مقدار ما كان من شؤونه وذلك من بعد إمضاء هذه الشروط فينخصم مما قد لزم ذاته بتقدمته الباب الأعلى‏.‏

الشرط السادس عشر - ثم إن الجيش الفرنساوي منذ ابتدأ وقوع إمضاء هذه الشروط المذكورة ليس له أن يفرد على البلاد فردة ما من الفرائد قطعًا بالإقليم المصري لا بل وبالعكس فإنه يخلي للباب الأعلى كامل فرد المال وغيره مما يمكن توجيه قبضه وذلك الى حين سفرهم‏.‏

وبمثل ذلك الجمال والهجن والجبخانة والمدافع وغير ذلك مما يتعلق بهم ولا يريدون أن يحملوه معهم ونظير ذلك شون الغلال الواردة لهم من تحت المال وأخيرًا مخازن الخراج فهذه كلها لابد عن الفحص عنها وتسعيرها من أناس وكلاء موجهين من قبل الباب الأعلى لهذه الغاية ومن أمين البحر الانكليزي وبرفقة الوكلاء المتصرفين بأمر الجنرال كلهبر ساري العسكر وهذه الأمتعة لابد عن قبولها من وكلاء الباب الأعلى المتقدم ذكرهم بموجب ما وقع عليه السعر الى حد قدر مبلغ ثلاثة آلاف كيس التي تقتضي للجيش الفرنساوي المذكور لسهولة انتقاله عاجلًا ونزوله بالمراكب وإذا كانت الأسعار في هذه الأمتعة المذكورة لا توازي المبلغ المرقوم أعلاه فالخسيس والنقص في ذلك لابد عن دفعه بالتمام من قبل الباب الأعلى على جهة السلفة تلك التي يلزم بوفائها أرباب الأحكام الفرنساوية بأوراق التمسكات المدفوعة من الوكلاء المعينين من الجنرال كلهبر ساري العسكر العام لقبض واستلام المبلغ المذكور‏.‏

الشرط السابع عشر - ثم إنه إذا كانت تقتضي للجيش الفرنساوي بعض مصاريف لخلوهم مصر فلابد أن تقبض وذلك من بعد تقرير تمسك الشروط المذكورة القدر المحدد أعلاه بالوجه الآتي ذكره أعني فمن بعد مضي خمسة عشر يومًا خمسمائة كيس وفي غلاق الثلاثين يومًا خمسمائة كيس أخرى وبتمام الأربعين يومًا ثلثمائة كيس أخرى وعند تمام الخميس يومًا ثلثمائة كيس شرحه وعند غلاق الستين يومًا ثلثمائة كيس أخرى وفي السبعين يومًا ثلثمائة كيس أخرى وعند تمام الثمانين يومًا ثلثمائة كيس أخرى وعند غلاق التسعين يومًا خمسمائة كيس أخرى وكل هذه الأكياس المذكورة هي عن كل كيس خمسمائة غرش عثملي ويكون قبضها على سبيل السلفة من يد الوكلاء المعينين لهذه الغاية من قبل الباب الأعلى ولكي يسهل إجراء العمل بما وقع الاعتماد عليه فالباب الأعلى من بعد وضع الإمضاء على النسختين من الفريقين الشرط الثامن عشر - ثم إن فرد المال الذي يكون قد قبضه الفرنساوية من بعد تاريخ تحرير الشروط المذكورة وقبل أن يكون قد اشتهر هذا الاتفاق في الجهات المختلفة بالإقليم المصري فقد تخصم من قدر مبلغ الثلاثة آلاف كيس المتقدم القول عنها‏.‏

الشرط التاسع عشر - ثم إنه لكي يسهل خلو المحلات سريعًا فالنزول في المراكب الفرنساوية المختصة بالحمولة والموجودة في المين بالإقليم المصري مباح به مادامت مدة الثلاثة أشهر المذكورة المعينة للمهلة وذلك من دمياط ورشيد حتى الى الاسكندرية ومن اسكندرية حتى الى رشيد ودمياط‏.‏

الشرط العشرون - فمن حيث أنه للطمأن الكلي في جهات البلاد الغربية يقتضي الاحتراس الكلي لمنع الوبا الطاعوني عن أنه يتصل هناك فلا يباح ولا لشخص من المرضى أو من أولئك الذين مشكوك بهم برائحة من هذا الداء الطاعوني أن ينزل بالمراكب بل أن المرضى بعلة الطاعون أو بعلة أخرى أينما كانت تلك التي بسببها لا يقتضي أن يسمح بسفرهم بمدة خلو الإقليم المصري الواقع عليها الاتفاق يستمرو نفي بيمارستان المرضي حيث هم الآن تحت أمان جناب الوزير الأعظم عالي الشأن ويعالجونهم الأطباء من الفرنساوية أولئك الذين يجاورونهم بالقرب منهم الى أن يتم شفاهم يسمح لهم بالرحيل الشيء الذي لابد عن اقتضاء الاستعجال به بأسرع ما يمكن ويحصل لهم ويبدو نحوهم ما ذكر في الشرطين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الاتفاق نظير ما يجري على باقي الجيش ثم إن أمير الجيش الفرنساوي يبذل جهده في إبراز الأوامر الأشد صرامة لرؤساء العساكر النازلة بالمراكب بأن لا يسمحوا لهم بالنزول بمينا خلاف المين التيتتعين لهم من رؤساء الأطباء تلك المين التي يتيسر لهم بها أن يقضوا أيام الكارنتينة بأوفر السهولة من حيث أنها من مجرى العادة ولابد عنها‏.‏

الشرط الحادي والعشرون - فكل ما يمكن حدوثه من المشاكل التي تكون مجهولة ولم يمكن الاطلاع عليها في هذه الشروط فلابد عن تجاوزها بوجه الاستحباب ما بين الوكلاء المعينين لهذا القصد من قبل الجناب الوزير الأعظم عالي الشأن وحضرة الجنرال كلهبر ساري العسكر العام بوجه يسهل ويحصل الإسراع بالخلو‏.‏

الشرط الثاني والعشرون - وهذه الشروط لا تعد صحيحة إلا من بعد إقرار الفريقين وتبديل النسخ وذلك بمدة ثمانية أيام ومن بعد حصول هذا الإقرار لابد عن حفظ هذه الشروط الحفظ اليقين من الفريقين كليهما‏.‏

صح وثبت وتقرر بختوماتنا الخاصة بنا بالمعسكر حيث وقعت المداولة بحد العريش في شهر يلويوز سنة ثمان من إقامة المشيخة الفرنساوية وفي رابع عشرينه شهر كانون الثاني غربي من سنة ألف وثمانمائة الواقع في ثامن عشرين شهر شعبان هلالية سنة 1224 هجرية‏.‏

الممضيين الجنرال متفرقة ذره البلدي بوسيهلغ المفوضين بكامل سلطانه الجنرال كلهبر وجناب سامي مقام مصطفى رشيد أفندي دفتردار ومصطفى راسيسه أفندي رئيس الكتاب المفوضين بكامل سلطان جناب الوزير الأعظم عالي الشأن منقولة عن النسخة الأصلية الموافقة لتلك الموجهة بالفرنساوية الى الوكلاء العثملي بدلًا من التي قد وجهوها باللغة التركي ممضي دزه وبوسيهلغ تقرير الجنرال ساري العسكر العام محرر في آخر السنة التركية التي بقيت محفوظة بيد الوزير الأعظم إنني أنا الواضع اسمي أدناه الجنرال ساري العسكر العام أمير الجيش الفرنساوي بالإقليم المصري أثبت وأقرر شروط الاتفاق المذكور أعلاه للحصول على إجرائه بالعمل بالنوع والصورة إن كان من اللازم أن أتيقن بأن الاثنين وعشرين شرطًا المشروحة الى الآن هي موافقة على التدقيق باللغة الفرنساوية الممضي عليها من الوكلاء أصحاب ولاية الوزير الأعظم والمقررة من جناب عالي الشأن الترجمة التي لابد عن الاعتماد بإجرائها كل مرة إن كان لسبب أم لآخر ممكن حصول بعض الاختلافات ومن ثم فتقلد بعض المشاكل‏.‏

صح وجرى بمحل العسكر العام بالصالحية في ثامن شهر يلويوز سنة ثمان من المشيخة‏.‏

ممضي كلهبر عن نسخة صحيحة الجنرال متفرقة رأس صاحب ختام في الجيش الفرنساوي‏.‏

ممضي داماس انتهى بحروفه وما فيه من خطأ أو تحريف فهو طبق الأصل المطبوع بالمطبعة الفرنساوية باللغة العربية ولم أغير منه سوى ما في تواريخ الأشهر والسنين بالأرقام الهندية والله أعلم‏.‏

استهل شهر رمضان المعظم بيوم الأحد سنة 1214 في ثانيه حضر ساري عسكر الفرنساوية كلهبر الى ناحية العادلية وصحبته آغا من رجال الدولة العثمانية يسمى محمد آغا فأرسل ساري عسكر الى حسن آغا نجاتي المحتسب يأمره بأن يتلقاه وينزله في بيته ويكرمه إكرامًا زائدًا فلما كان بعد العشاء دخل ذلك الآغا الى مصر في موكب فحصل للناس ضجة عظيمة وازدحموا على مشاهدتهم له والفرجة عليه وارتفعت أصواتهم وعلا ضجيجهم وركبوا على مصاطب الدكاكين والسقائف وانطلقت النساء والزغاريت من الطيقان واختلفت آراؤهم في ذلك القادم ولم يعلموا ما هو فدخل من باب النصر وشق القاهرة ولم يزل سائرًا حتى وصل الى بيت حسن آغا بسويقة اللالا فنزل هناك فلما استقر به الجلوس ازدحم الناس والأعيان للسلام عليه ولمشاهدته بالمشاعل والفوانيس‏.‏

فلما كان صبح تلك الليلة عمل ديوانًا وجمع العلماء والوجاقلية وأعيان الناس وكبار النصارى من الأقباط والشوام فلما تكاملوا أبرز لهم فرمانًا من الوزير فقرئ عليهم بالمجلس فدل مضمونه على أنه أغات الجمارك أي المكوس بمصر بولاق ومصر القديمة وفيه التحكير على جميع الواردات من أصناف الأقوات فيشتريها بالثمن الذي يسعره هو بمعرفة المحتسب ويودعه في المخازن وأبرز فرمانًا آخر قرئ بالمجلس مضمونه أن الوزير أقام مصطفى باشا الذي كان أسر بأبي قير وكيلًا عنه وقائمقام بمصر الى حين حضوره وأن السيد أحمد المحروقي كبير التجار ملزوم ومقيد بتحصيل الثلاثة آلاف كيس المعينة لترحيل الفرنساوية‏.‏

وانفض المجلس على ذلك وأخذ السيد أحمد المحروقي في تحصيل ذلك القدر من الناس وفرضوه على التجار وأهل الأسواق والحرف وشرعوا في تحكير الأقوات فغلت أسعارها وضاقت مؤن الناس ودهى الناس من أول أحكامهم بهاتين الداهيتين وكان أول قادم منهم أمير المكوسات ومحكر الأقوات وأول مطلوبهم مصادرة الناس وأخذ المال منهم وتغريمهم واجتهد السيد أحمد المحروقي في توزيع ذلك وجمعه في أيام قليلة فكان كل من توجه عليه مقدار من ذلك اجتهد في تحصيله وأخرجه عن طيفه قلب وانشراح خاطر وبادر بالدفع من غير تأخير لعلمه أن ذلك لترحيل الفرنساوية ويقول سنة مباركة ويوم سعيد بذهاب الكلاب الكفرة كل ذلك بمشاهدة الفرنسيس ومسمعهم وهم يحقدون ذلك عليهم وحضر مصطفى باشا من الجيزة وسكن ببيت عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين‏.‏

وأرسل الوزير فرمانات الى البلاد وعين المعينين والمباشرين بطلب المال والغلال والكلف من الأقاليم وأرسل الى البنادر وجعل في كل بندر أميرًا ووكيلًا لجمع الغلال والمطلوبات من الذخيرة وجمعها بالحواصل ولا يخفى ما يحصل في ضمن ذلك من الجزئيات التي سيتضح بعضها فيما بعد وأما الرعايا وهمج الناس من أهل مصر فإنهم استولى عليهم سلطان الغفلة ونظروا للفرنسيس بعين الاحتقار وأنزلوهم عن درجة الاعتبار وكشفوا نقاب الحياء معهم بالكلية وتطاولوا عليهم بالسب واللعن والسخرية ولم يفكروا في عواقب الأمور ولم يتركوا معهم للصلح مكانًا حتى أن فقهاء المكاتب كانوا يجمعون الأطفال ويمشون بهم فرقًا وطوائف حسبة وهم يجهرون ويقولون كلامًا مقفى بأعلى أصواتهم بلعن النصارى وأعوانهم وأفراد رؤسائهم كقولهم‏:‏ الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان ونحو ذلك وظنوا فروغ القضية ولم يملكوا لأنفسهم صبرًا حتى تنقضي الأيام المشروطة على أن ذلك لم يثمر إلا الحقد والعداوة التي تأسست في قلوب الفرنسيس وأوجبت ما حصل بعد ذلك من وقوع العذاب البئيس‏.‏

وقال الشعبي من جملة كلام‏:‏ وصادفنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء وأخذ الفرنساوية في أهبة الرحيل وشرعوا في بيع أمتعتهم وما فضل عن سلاحهم ودوابهم وسلموا غالب الثغور والقلاع كالصالحية وبلبيس ودمياط والسويس ثم إن العثمانيين تدرجوا في دخول مصر وصار في كل يوم يدخل منهم جماعة بعد جماعة وأخذوا يشاركون الناس في صناعاتهم وحرفهم مثل القهوجية والحمامية والخياطين والمزينين وغيرهم فاجتمع العامة وأصحاب الحرف الى مصطفى باشا قائمقام وشكوا إليه فلم يلتفت لشكواهم لأن ذلك من سنن عساكرهم وطرائقهم القبيحة‏.‏

ووصل الخبر بوصول حضرة الوزير الى بلبيس وصحبته الأمراء المصرية وأرسلوا الى مراد بك ومن معه بالحضور الى العرضي فأجاب بالاعتذار عن الحضور لأنه في الصعيد‏.‏

فلم يقبلوا عذره فأكدوا عليه بالحضور فاستأذن الفرنساوية سرًا فاستأذنوا له في المقابلة وكان سفيره في ذلك عثمان بك البرديسي ثم إنه حضر وقابل الوزير بصحبة ابراهيم بك وخلع عليهما ورجع مراد بك فخيم جهة العادلية وحضر حسن آغا نزله أمين ودخل مصر وأخلى افرنساوية قلعة الجبل وباقي القلاع التي أحدثوها ونزلوا منها فلم يطلع إليها أحد من العثمانيين ولم يلتفتوا لتحصينها ولا ربطها بالعساكر والجبخانة وأعرضوا عن المحاذرة وركبهم الغرور لأجل نفاذ المقدور وحضر أيضًا غالب المصريين الفارين من مصر وقت مجيء الفرنساوية إليها من الأغوات والوجاقلية والأفندية والكتبة مثل ابراهيم أفندي الروزنامجي وثاني قلفة وغيرهما بنسائهم وأولادهم يظنون فروغ القضية والذي خافوا منه وقعوا فيه كما ستراه وأرسل ابراهيم بك الى السيد أحمد المحروقي يطلب كساوى وثيابًا وطرابيش وسراويل للمماليك ولخاصة نفسه فأرسل إليه مطلوبه وأخرجت لهم الخيام والتراتيب والنظام وهيأت نساء الأمراء والأجناد احتياجاتهم وترتيباتهم وجروا على عادتهم في العالي ولازمت الخدم والفراشون الغدو والرواح الى خيم ساداتهم وهم راكبون البغال والرهونات والحمير الفارهة وفي جحورهم تعابي الثياب والبقج المزركشة بالذهب والفضة‏.‏

وكذلك الخدم الذين يحملون الخوانات وطبالي الأطبخة والأطعمة وعليها الأغطية الحرير والوشي الملون وهم يتغنون برفع أصواتهم ويتجاوبون بكلام وسخريات ولعن للنصارى البلدية والفرنسيس بمرأى منهم ومسمع الى غير ذلك مما يحرك الحفائظ ويوغر الصدور‏.‏

ولما استقر الوزير بمدينة بلبيس وذلك في الثاني والعشرين من شهر رمضان استأذن العلماء والتجار والأعيان المصرية مصطفى باشا في التوجه للسلام فاستأذن ثم أذن لهم فذهبوا أيضًا الى ساري عسكر كلهبر واستأذنوه فأذن لهم أيضًا فذهبوا عند ذلك للسلام عليه فوصلوا الى نصوح باشا والي مصر وسلموا عليه وباتوا بوطاقه فلما وصلوا إليه واستقر بهم الجلوس سأل عن أسمائهم وكذلك عن التجار وأكابر النصارى ثم خلع عليهم خلعًا وانصرفوا من عنده فطافوا على أكابر الدولة بالعرضي وكذلك على الأمراء المصرية ورجعوا الى مصر ودخلوها وعليهم تلك الخلع وصحبتهم قاضي العسكر وهو لابس قبوط أسود ووصل نصوح باشا والأمراء الى جهة الخانكاه ثم الى المطرية‏.‏

وفيه حضر درويش باشا والي الصعيد الى خارج القاهرة جهة الشيخ قمر فمكث أيامًا ثم توجه الى قبلي وصحبته نحو المائة نفر وكذلك ذهبت طائفة الى السويس والى دمياط والمنصورة وانبثوا في البلاد ودخلوا مصر شيئًا فشيئًا‏.‏ واستهل

شهر شوال سنة 1214 في سابعه وقعت حادثة بين عسكر الفرنساوية والعثمانية

وهي أول الحوادث التي حصلت بينهم وهو أن جماعة من عسكر العثمانية تشاجروا مع جماعة من عسكر الفرنساوية فقتل بينهم شخص فرنساوي ووقعت في الناس زعجة وكرشة وأغلقوا الحوانيت وعمل العثمانية متاريس وتترسوا بها بناحية الجمالية وما والاها واجتمعوا هناك ووقع بينهم مناوشة قتل فيها أشخاص قليلة من الفريقين وكادت تكون فتنة وباتوا ليلتهم عازمين على الحرب فتوسطت بينهم كبراء العسكر في تمهيد ذلك وأزالوا المتاريس وانكف الفريقان وبحث مصطفى باشا عمن أثار الفتنة وهم ستة أنفار وأرسلهم الى ساري عسكر الفرنساوية فلم يطب خاطره بذلك‏.‏

وقال لابد من خروج عسكرهم الى عرضيهم حتى تنقضي الأيام المشروطة وإذا دخل منهم أحد الى المدينة لا يدخلون إلا بطريقة وبدون سلاح فعند ذلك أمر مصطفى باشا بخروج الداخلين من العساكر ولا يبقى منهم أحد ووقف جماعة من الفرنساوية خارج باب النصر فإذا أراد أحد من العسكر أو من أعيان العثمانية الدخول الى المدينة فعند وصوله إليهم ينزل عندهم وينزع ما عليه من السلاح ويدخل وصحبته شخص أو شخصان موكلان به يمشيان أمامه حتى يقضي شغله ويرجع فإذا وصل الى الفرنساوية الملازمين خارج البلد أعطوه سلاحه فيلبسه ويمضي الى أصحابه فكان هذا شأنهم‏.‏

وفي منتصفه توجه جماعة من أعيان الفرنساوية الى الاسكندرية بمتاعهم وأثقالهم وفيهم دوجا قائمققام وديزه ساري عسكر الصعيد وبوسليك رئيس الكتاب ومدير الحدود ونزل جماعة منهم الى البحر يريدون السفر الى بلادهم فتعرض لهم الانكليز يريدون معاكستهم فأرسلوا الى ساري عسكر بمصر وعرفوه الحال فأرسل بذلك الى الوزير فأجابه بجواب لم يرتضه وأصبح زاحفًا الى سطح الخانكاه وكان ذلك آخر أيام المهلة المتفق عليها في دخول الوزير الى مصر وخروج الفرنساوية منها فلما رأوا ذلك طلبوا ثمانية أيام أجلة زيادة على أيام المهلة فأجيبوا الى ذلك ووصل الأمراء المصرية وعرضي نصوح باشا وجملة من العساكر العثمانية الى ناحية المطرية ونصبوا خيامهم ووطاقهم هناك ثم إن الفرنساوية جعلوا الثمانية أيام المذكورة ظرفًا لجمع عساكرهم وطوائفهم من البلاد القبلية والبحرية ونصبوا وطاقهم بساحل البحر متصلًا بأطراف مصر ممتدًا من مصر القديمة الى شبرا وترددوا الى نواحي القلاع وهي لم يكن بها أحد وشرعوا واجتهدوا في رد الجبخانة والذخيرة وآلات الحرب والبارود والجلل والمدافع والبنب على العربات ليلًا ونهارًا والناس يتعجبون من ذلك‏.‏

ومصطفى باشا قائمقام ومن معه يشاهدون ذلك ولا يقولون شيئًا والبعض يقول إن الوزير أرسل إليهم وأمرهم برد ذلك كما كان ونحو ذلك من الخرافات التي لا تروج على الفطن‏.‏

ويقال إن الفرنساوية أرسل إليهم بعض أصدقائهم من الانكليز وعرفوهم أن الوزير اتفق مع الانكليز على الإحاطة بالفرنساوية إذا صاروا بظاهر البحر فلما حصل منهم معهم ما سبقت الإشارة إليه تحققوا ذلك وأرسلوا ليوسف باشا بذلك فلم يجبهم بجواب شاف وعجل بالرحيل والقدوم ناحية مصر وقد كان الفرنساوية عندما تراسلوا وترددوا جهة والعرضي تفرسوا في عرضي العثمانيين وعساكرهم وأوضاعهم وتحققوا حالهم وعلموا ضعفهم عن مقاومتهم فلما حصر ما ذكر تأهبوا للمقاومة والمحاربة وردوا آلاتهم الى القلاع فلما تمموا أمر ذلك وحصنوا الجهات وأبقوا من أبقوه وقيدوه بها من عساكرهم واستوثقوا من ذلك خرجوا بأجمعهم الى ظاهر المدينة جهة قبة النصر وانتشروا في تلك النواحي ولم يبق بداخل المدينة منهم إلا من كان بداخل القلاع وأشخاص ببيت الألفي بالأزبكية وبعض بيوت الأزبكية وغلب على ظن الناس أنهم برزوا للرحيل‏.‏

وفي العشرين منه طلبوا مصطفى باشا وحسن آغا نزله أمين فلما حضرا إليهم أرسلوهما للجيزة فلما كان اليوم الثالث والعشرين من شوال ركب ساري عسكر كلهبر قبل طلوع الفجر بعساكره وصحبتهم المدافع وآلات الحرب وقسم عساكره طوابير فمنهم من توجه الى عرضي الوزير ومنهم من مال على جهة المطرية فضربوا عليها فلم يسعهم إلا الجلاء والفرار وتركوا خيامهم ووطاقهم وركب نصوح باشا ومن كان معه وطلبوا جهة مصر فتركهم الفرنساوية ولحقوا بالذاهبين من إخوانهم الى جهة العرضي فلما قاربوه أرسلوا الى الوزير يأمرونه بالرحيل بعد أربع ساعات فلم يسعه إلا الارتحال والفرنساوية في أثره وغالب عساكره مفرقون ومنتشرون في البلاد والقرى والنواحي لجمع المال ومقررات الفرض وظلم الفقراء‏.‏

وأما أهل مصر فإنهم لما سمعوا صوت المدافع كثر فيهم اللغط والقيل والقال ولم يدركوا حقيقة الحال فهاجوا ورمحوا الى أطارف البلد وقتلوا أشخاصًا من الفرنساوية صادفوهم خارجين من البلد ليذهبوا الى أصحابهم وذهبت شرذمة من عامة أهل مصر فانتهبت الخشب وبعض ما وجدوه من نحاس وغيره حيث كان عرضي الفرنساوية وخرج السيد عمر أفندي نقيب الأشراف والسيد أحمد المحروقي وانضم إليهما أتراك خان الخليلي والمغاربة الذين بمصر وكذلك حسين آغا شتن أخو أيوب بك الصغير وتبعهم كثير من عامة أهل البلد وتجمعوا على التلول خارج باب النصر وبأيدي الكثير منهم النبابيت والعصي والقليل معه السلاح وكذلك تحزب كثير من طوائف العامة والأوباش والحشرات وجعلوا يطوفون بالأزقة وأطارف البلد ولهم صياح وضجيج وتجاوب بكلمات يقفونها من اختراعاتهم وخرافاتهم وقاموا على ساق وخرج الكثير منهم الى خارج البلدة على تلك الصورة فلما تضحى النهار حضر بعض الأجناد المصريين ودخلوا مصر وفيهم المجاريح وطفق الناس يسألونهم فلم يخبروهم بشيء لجهلهم أيضًا حقيقة الحال ثم لم يزل الحال كذلك الى أن دخل وقت العصر فوصل جمع عظيم من العامة ممن كان خارج البلدة ولهم صياح وجلبة على الشرح المتقدم وخلفهم ابراهيم بك ثم أخرى وخلفهم سليم آغا ثم أخرى كذلك وخلفهم عثمان كتخدا الدولة ثم نصوح باشا ومعه عدة وافرة من عساكرهم وصحبتهم السيد عمر النقيب والسيد أحمد المحروقي وحسن بك الجداوي وعثمان بك المرادي وعثمان بك الأشقر وعثمان بك الشرقاوي وعثمان آغا الخازندار وابراهيم كتخدا مراد بك المعروف بالسناري وصحبتهم مماليكهم وأتباعهم فدخلوا من باب النصر وباب الفتوح ومروا على الجمالية حتى وصلوا الى وكالة ذي الفقار فقال نصوح باشا عند ذلك للعامة‏:‏ اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم فعندما سمعوا منه ذلك القول صاحوا وهاجوا ورفعوا أصواتهم ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى القبط والشوام وغيرهم فذهبت طائفة الى حارات النصارى وبيوتهم التي بناحية بين الصورين وباب الشعرية وجهة الموسكي فصاروا يكسبون الدور ويقتلون من يصادفونه من الرجال والنساء والصبيان وينهبون ويأسرون حتى اتصل ذلك بالمسلمين المجاورين لهم فتحزبت النصارى واحترسوا وجمع كل منهم ما قدر عليه من العسكر الفرنساوي والأروام وقد كانوا قبل ذلك محترسين وعندهم الأسلحة والبارود والمقاتلون لظنهم وقوع هذا الأمر فوقع الحرب بين الفريقين وصارت النصارى تقاتل وترمي بالبندق والقرابين من طبقات الدور على المجتمعين بالأزقة من العامة والعسكر ويحامون عن أنفسهم والآخرون يرمون من أسفل ويكبسون الدور ويتسورون عليها وبات نصوح باشا وكتخدا الدولة وابراهيم بك وبعض من صناجق مصر والكشاف والأتباع وطوائف من العساكر بخط الجمالية بوكالة ذي الفقار فلما أصبح الصباح أرسلوا الى المطرية وأحضروا منها ثلاثة مدافع فوجدوها مسدودة الفالية فعالجوها حتى فتحوها وقام ناصف باشا وشمر عن ساعديه وشد وسطه ومشى وصحبته الأمراء المصرية على أقدامهم وجروا أمامهم الثلاثة مدافع وسحبوها الى الأزبكية وضربوا منها على بيت الألفي وكان به أشخاص مرابطون من عساكر الفرنساوية فضربوهم أيضًا بالمدافع والبنادق واستمر الحرب بين الفريقين الى آخر النهار فسكن الحرب وباتوا ينادون بالسهر وفي هذا اليوم وضع أهل مصر والعسكر متاريس بالأطراف كلها وبجهة الأزبكية وشرعوا في بناء بعض جهات السور واجتهدوا في تحصين البلد بقدر الطاقة وبات الناس في هذه الليلة خلف المتاريس فلما أظلم الليل أطلق الفرنساوية المدافع والبنب على البلد من القلاع ووالوا الضرب بالخصوص على خط الجمالية لكون المعظم مجتمعًا بها فلما عاين ذلك الجميع أجمع رأي الكبراء والرؤساء على الخروج من البلد في تلك الليلة لعجزهم عن المقاومة وعدم آلات الحرب وعزة الأقوات والقلاع بيد الفرنساوية ومصر لا يمكن محاصرتها لاتساعها وكثرة أهلها وربما طال الحال فلا يجدون الأقوات لأن غالب قوت أهلها يجلب من قراها في كل يوم وربما امتنع وصول ذلك إذا تجسمت الفتنة فاتفقوا على الخروج بالليل‏.‏

وتسامح الناس بذلك فتجهز المعظم للخروج وغصت الخطة الجمالية وما والاها من الأخطاط بازدحام الناس الذين يريدون الخروج من المدينة وركب بعضهم بعضًا وازدحمت تلك النواحي بالحمير والبغال والخيول والهجن والجمال المحملة بالأثقال وباتوا على تلك الصورة ووقع للناس في هذه الليلة من الكرب والمشقة والانزعاج والخوف ما لا يوصف وتسامع أهل خان الخليلي من الألداشات وبعض مغاربة الفجامين والغورية ذلك فجاءوا للجمالية وشنعوا على من يريد الخروج وعضدهم طائفة عساكر الينكجرية وعمدوا الى خيول الأمراء فحبسوها ببيت القاضي والوكائل وأغلقوا باب النصر وبات في تلك الليلة أصحابهم بالجمالية وفي أزقة الحارات أيضًا وكل متهيئ للخروج‏.‏

فلما حصل ذلك وأصبح يوم السبت فتهيأ كرباء العساكر والعساكر ومعظم أهل مصر ما عدا الضعيف الذي لا قوة له للحرب وذهب المعظم الى جهة الأزبكية وسكن الكثير في البيوت الخالية والبعض خلف المتاريس وأخذوا عدة مدافع زيادة عن الثلاثة المتقدمة وجدت مدفونة في بعض بيوت الأمراء وأحضروا من حوانيت العطارين من المثقلات التي يزنون بها البضائع من حديد وأحجار استعملوها عوضًا عن الجلل للمدافع وصاروا يضربون بها بيت ساري عسكر بالأزبكية واستمر عثمان كتخدا بوكالة ذي الفقار بالجمالية وكان كل من قبض على نصراني ويهودي أو فرنساوي أخذه وذهب به الى الجمالية حيث عثمان كتخدا ويأخذ عليه البقشيش فيحبس البعض حتى يظهر أمره ويقتل البعض ظلمًا وربما قتل العامة من قتلوه وأتوا برأسه لأجل البقشيش وكذلك كل من قطع رأسًا من رؤوس الفرنساوية يذهب بها إما لنصوح باشا بالأزبكية وإما لعثمان كتخدا بالجمالية ويأخذوا في مقابلة ذلك الدراهم وبعد أيام أغلقوا باب القرافة وباب البرقية وباقي الأبواب التي في أطراف البلد وزاد الناس في اصطناع المتاريس وفي الاحتراس وجلس عثمان بك الأشقر عند متاريس باب اللوق وناحية المدابغ وعثمان بك طبل عند متاريس المحجر ومحمد بك المبدول عند الشيخ ريحان ومحمد كاشف أيوب وجماعة أيوب بك الكبير والصغير عند الناصرية ومصطفى بك الكبير بقناطر السباع وسليمان كاشف المحمودي عند سوق السلاح وأولاد القرافة والعامة وزعر الحسينية والعطوف عند باب النصر مع طائفة من الينكجرية وباب الحديد وباب القرافة وجماعة خان الخليلي والجمالية عند باب البرقية المعروف الآن بالغريب وبالجملة كل من كان في حارة من أطراف البلد انضم الى العسكر الذي بجهته بحيث صار جميع أهل مصر والعساكر كلها واقفة بأطراف البلد عند الأبواب والمتاريس والأسوار وبعض عساكر من العثمانية وما انضم إليهم من أهل مصر المتسلحين مكثت بالجمالية إذا جاء صارخ من جهة من الجهات أمدوه بطائفة من هؤلاء وصار جميع أهل مصر إما بالأزقة ليلًا ونهارًا وهو من لا يمكنه القتال‏.‏

وأما بالأطراف وراء المتاريس وهو من عنده إقدام وتمكن من الحرب ولم ينم أحد ببيته سوى الضعيف والجبان والخائف وناصف باشا وابراهيم بك وجماعاتهم وعسكر من الينجرية والأرنؤد والدلاة وغيرهم جهة الأزبكية ناحية باب الهواء والرحبة الواسعة التي عند جامع أزبك والعتبة الزرقا وأنشاء عثمان كتخدا معملًا للبارود ببيت قائد آغا بخط الخرنفش وأحضر القندقجية والعربجية والحدادين والسباكين لإنشاء مدافع وبنبات وإصلاح المدافع التي وجدوها في بعض البيوت وعمل العجل والعربات والجلل وغير ذلك من المهمات الجزئية وأحضروا لهم ما يحتاجون إليه من الأخشاب وفوع الأشجار والحديد وجمعوا الى ذلك الحدادين والنجارين والسباكين وأرباب الصنائع الذين يعرفون ذلك فصار هذا كله يصنع ببيت القاضي والخان الذي بجانبه والرحبة التي عند بيت القاضي من جهة المشهد الحسيني واهتم لذلك اهتمامًا زائدًا وأنفق أموالًا جمة وأرسلوا فأحضروا المدافع الكائنة بالمطرية فكانوا كلما أدخلوا مدفعًا أدخلوه بجمع عظيم من الأوباش والحرافيش والأطفال ولهم صياح ونباح وتجاوب بكلمات مثل قولهم‏:‏ الله ينصر السلطان ويهلك فرط الرمان وغير ذلك وحضر محمد بك الألفي في ثاني يوم وتترس بناحية السويقة التي عند درب عبد الحق وعطفة البيدق وصحبته طوائفه ومماليكه وأشخاص من العثمانية وبذل الهمة وظهرت منه ومن مماليكه شجاعة وكذلك كشافة وخصوصًا اسمعيل بك كاشف المعروف بأبي قطية فإنه لم يزل يحارب ويزحف حتى ملك ناحية رصيف الخشاب وبيت مراد بك الذي أصله بيت حسن بك الأزبكاوي وبيت أحمد آغا شويكار وتترس فيهما وحسن بك الجداوي تترس بناحية الرويعي‏.‏

وربما فارق متراسه في بعض الليالي لنصرة جهة أخرى وحضر أيضًا رجل مغربي يقال إنه الذي كان يحارب الفرنسيس بجهة البحيرة سابقًا والتف عليه طائفة من المغاربة البلدية وجماعة من الحجازية ممن كان قدم صحبة الجيلاني الذي تقدم ذكره وفعل ذلك الرجل المغربي أمورًا تنكر عليه فكان يتجسس على البيوت التي بها الفرنسيس والنصارى فيكبس عليهم ومعه جمع من العوام والعسكر فيقتلون من يجدونه منهم وينهبون الدار ويسحبون النساء ويسلبون ما عليهن من الحلي والثياب ومنهم من قطع رأس البنية الصغيرة طمعًا فيما على رأسها وشعرها من الذهب وتتبع الناس عورات بعضهم البعض وما دعتهم إليه حظوظ أنفسهم وحقدهم وضغائنهم واتهم الشيخ خليل البكري بأنه يوالي الفرنسيس ويرسل إليهم الأطعمة‏.‏

فهجم عليه طائفة من العسكر مع بعض أوباش العامة ونهبوا داره وسجنوه مع أولاده وحريمه وأحضروه الى الجمالية وهو ماش على أقدامه ورأسه مكشوفة وحصلت له إهانة بالغة وسمع من العامة كلامًا مؤلمًا وشتمًا فلما مثلوه بين يدي عثمان كتخدا هاله ذلك واغتم غمًا شديدًا‏.‏

ووعده بخير وطيب خاطره وأخذه سيدي أحمد بن محمود محرم التاجر مع حريمه الى داره وأكرمهم وكساهم وأقاموا عنده حتى انقضت الحادثة وباشر السيد أحمد المحروقي وباقي التجار ومساتير الناس الكلف والنفقات والمآكل والمشارب وكذلك جميع أهل مصر كل إنسان سمح بنفسه وبجميع ما يملكه وأعان بعضهم بعضًا وفعلوا ما في وسعهم وطاقتهم من المعونة وأما الفرنساوية فإنهم تحصنوا بالقلاع المحيطة بالبلد وببيت الألفي وما والاه من البيوت الخاصة بهم والبيوت القبطة المجاورين لهم واستمر الناس بعد دخول الباشا والأمراء ومن معهم من العسكر الى مصر أيامًا قليلة وهم يدخلون ويخرجون من باب الفتوح وباب العدوى وأهل الأرياف القريبة تأتي بالميرة والاحتياجات من السمن والجبن واللبن والغلة والتبن والغنم فيبيعونه على أهل مصر ثم يرجعون الى بلادهم كل ذلك ولم يعلم أحد حقيقة حال الفرنساوية المتوجهين مع كبيرهم للحرب واختلفت الروايات والأخبار وأما الوزير فإنه لما ارتحل بالعرضي تخلف عنه ببلبيس جملة من العسكر وأما عثمان بك حسن وسليم بك أبو دياب ومن معهما فإنهما تقاتلا مع الفرنساوية ثم رجعا الى بلبيس فحاصروا من بها وكان عثمان بك وسليم بك وعلي باشا الطرابلسي وبعض وجاقلية خرجوا منها وذهبوا الى ناحية العرضي فحارب الفرنساوية من بلبيس من العسكر ولم يكن لهم بهم طاقة فطلبوا الأمان فأمنوهم وأخذوا سلاحهم وأخرجوهم حيث شاؤوا فذهبوا أشتاتًا في الأرياف يتكففون الناس ويأوون الى المساجد الخربة ومات أكثرهم من العري والجوع ثم لما لحق عثمان بك ومن معه بالعرضي ناحية الصالحية وتكلموا مع الوزير وأوجعوه بالكلام فاعتذر إليهم بأعذار ومنها عدم الاستعداد للحرب وتركه معظم الجبخانة والمدافع الكبار بالعريش اتكالًا على أمر الصلح الواقع بين الفريقين وظنه غفلة الفرنساوية عما دبره عليهم مع الانكليز فقال له عثمان بك‏:‏ أرسل معنا العساكر وانتظرنا هنا فخاطب العسكر وبذل لهم الرغائب فامتنعوا ولم يمتثل منهم إلا المطيع والمتطوع وهم نحو الألف وعادوا على أثرهم وجمعوا منهم من كان مشتتًا ومنتشرًا في البلاد ورجعوا يريدون محاربة الفرنساوية فنزلوا بوهدة بالقرب من القرين لكونهم نظروه في قلة من عسكره وعلمهم بقرب من ذكر منهم فضاربوهم بالنبابيت والحجارة وأصيب سرج ساري عسكر بنبوت فانكسر وسقط ترجمانه الى الأرض وتسامع المسلمون فركبوا لنجدتهم واستصرخ الفرنساوية عساكرهم فلحقوا بهم ووقع الحرب بين الفريقين حتى حال بينهما الليل فانكف الفريقان وانحاز كل فريق ناحية فلما دخل الليل واشتد الظلام أحاط العسكر الفرنساوي بعساكر المسلمين فأصبح المسلمون وقد رأوا إحاطة العسكر بهم من كل جانب فركبت الخيالة وتبعتهم المشاة واخترقوا تلك الدائرة وسلم منهم من سلم وعطب من عطب ورجعوا على إثرهم الى الصالحية فعند ذلك ارتحل الوزير ورجع الى الشام وأما مراد بك فإنه بمجرد ما عاين هجوم الفرنسيس على اباشا والأمراء بالمطرية‏.‏

وكان هو بناحية الجبل ركب من ساعته هو ومن معه ومروا من سفح الجبل وذهب الى ناحية دير الطين ينتظر ما يحصل من الأمور وأقام مطمئنًا على نفسه واعتزل الفريقين واستمر على صلحه مع الفرنساوية هذا حاصل خبر الشرقيين ولما تحقق الباشا والأمراء الذين انحصروا بمصر ذلك أخفوه بينهم وأشاعوا خلافة لئلا تنحل عزائم الناس عن القتال وتضعف نفوسهم واستمر الباشا يظهر كتابة المراسلات وإرسال السعاة في طلب النجدة والمعونة‏.‏

وربما افتعلوا أجوبة فزوروها على الناس فتزوج عليهم وتسرى في غفلتهم ويقولون للناس في كل وقت إن حضرة الصدر الأعظم مجتهد في محاربة الفرنسيس وفي غد أو بعد غد يقوم بالعساكر والجنود بعد قطع العدو وعند حضوره ووصوله يحصل تمام الفتح وتهدم العساكر القلاع وتقلبها على من يبقى من الفرنساوية وبعد ذلك ينظم البلاد ويريح العباد واجتهدوا فيما أنتم فيه وتابعوا المناداة على الناس والعسكر باللسان العربي والتركي بالتحريض والاجتهاد والحرص على الصبر والقتال وملاقاة العدو ونحو ذلك ووصل طائفة من عسكر الفرنساوية ورجعوا من عرضيهم نجدة لأصحابهم الذين بمصر فقويت بهم نفوس الكائنين بمصر ووقفت منهم طائفة خارج باب النصر وخارج باب الحسينية ونهبوا زاوية الدمرداش وما حولها كقبة الغوري والمنيل وحضر نحو خمسمائة من عسكر الأرنؤد وهم الذين كان الوزير وجههم الى القرى لقبض الكلف والفرض فلما قربوا من مصر عارضهم عسكر الفرنساوية الواقفة على التلول الخارجة فحاموا ودافعوا عن أنفسهم وخلصوا منهم ودخلوا الى مصر وفرح الناس لقدومهم وضجت القلعة بحضورهم واشتدت قواهم واتفقوا أن يقولوا للناس إذا سئلوا أنهم حاضرون مددًا وسيأتي في إثرهم عشرون ألفًا وعليهم كبير ونحو ذلك وأما بولاق فإنها قامت على ساق واحد وتحزم الحاج مصطفى ابشتيلي وأمثاله وهيجوا العامة وهيأوا عصيهم وأسلحتهم ورمحوا وصفحوا وأول ما بدؤوا به أنهم ذهبوا الى وطاق الفرنسيس الذي تركوه بساحل البحر وعنده حرسية منهم فقتلوا من أدركوه منهم ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره ورجعوا الى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع التي للفرنساوية وأخذوا ما أحبوا منها وعملوا كرانك حوالي البلد ومتاريس واستعدوا للحرب والجهاد وقوي في رأسهم العناد واستطالوا على من كان ساكنًا ببولاق من نصارى القبط والشوام فأوقعوا بهم بعض النهب وربما قتل منهم أشخاص هذا ما كان من أمر هؤلاء وأما ما كان من أمر ساري عسكر الفرنساوية ومن معه فإنه لما استوثق بهزيمة الوزير وعدم عوده ونجاته بنفسه لم يزل لخفه حتى بعد عن الصالحية فأبقى بها بعضًا من عسكر الفرنسيس محافظين وكذلك بالقرين وبلبيس ورجع الى مصر وقد بلغت الأخبار بما حصل من دخول ناصف باشا والأمراء وقيام الرعية فلم يزل حتى وصل الى داره بالأزبكية وأحاطت العساكر الفرنساوية بالمدينة وبولاق من خارج ومنعوا الداخل من الدخول والخارج من الخروج وذلك بعد ثمانية أيام من ابتداء الحركة وقطعوا الجالب عن البلدين وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم فكانت جماعة من المفوضين لهم المحصورين داخل المدينة كبعض القبطة ونصارى الشوام وغيرهم يهربون إليهم ويتسلقون من الأسوار والحيطان بحريمهم وأولادهم فعند ذلك اشتد الحرب وعظم الكرب وأكثروا من الرمي المتتابع بالمكاحل والمدافع وأكثروا وأوصلوا وقع القنابر والبنبات من أعالي التلول والقلعات خصوصًا البنبات الكبار على الدوام والاستمرار آناء الليل وأطراف النهار في الغدو والبكور والأسحار وعدمت الأقوات وغلت أسعار المبيعات وعزت المأكولات وفقدت الحبوب والغلات وارتفع وجود الخبز من الأسواق وامتنع الطوافون به على الأطباق وصارت العساكر الذين مع الناس بالبلد يحفظون ما يجدونه بأيدي الناس من المآكل والمشارب وغلا سعر الماء المأخوذ من الآبار أو الأسبلة حتى بلغ سعر القربة نيفًا وستين نصفًا وأما البحر فلا يكاد يصل إليه أحد وتكفل التجار ومساتير الناس والأعيان بكلف العساكر المقيمين بالمتاريس المجاورة لهم فألزموا الشيخ السادات بكلفة الذين عند قناطر السباع وهم مصطفى بك ومن معه من العساكر وأما أكابر القبط مثل جرجس الجوهري وفلتيوس وملطي فإنهم طلبوا الأمان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وهم في وسطهم وخافوا على نهب دورهم إذا خرجوا فارين فأرسلوا إليهم الأمان فحضروا وقابلوا الباشا والكتخدا والأمراء وأعانوهم بالمال واللوازم وأما يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعدادًا كبيرًا بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الأولى فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه هذا والمناداة في كل وقت بالعربي والتركي على الناس بالجهاد والمحافظة على المتاريس واتهم مصطفى آغا مستحفظان بموالاته للفرنساوية وأنه عنده في بيته جماعة من الفرنسيس‏.‏

فهجمت العساكر على داره بدرب الحجر فوجدوا أنفارًا قليلة من الفرنسيس فقاتلوا وحاموا عن أنفسهم وقتل منهم البعض وهرب البعض على حمية حتى خلصوا الى الناصرية وأما الآغا فإنهم قبضوا عليه وأحضروه بين يدي عثمان كتخدا ثم تسلمه الانكشارية وخنقوه ليلًا بالوكالة التي عند باب النصر ورموا جيفته على مزبلة خارج البلد واستقر عوضه شاهين كاشف الساكن بالخرنفش فاجتهد وشدد على الناس وكرر المناداة ومنعهم من دخول الدور وكل من وجده داخل داره مقته وضربه فكان الناس يبيتون بالأزقة والأسواق حتى الأمراء والأعيان وهلكت البهائم من الجوع لعدم وجود العلف من التين والفول والشعير والدريس‏.‏

بحيث صار ينادي على الحمار أو البغل المعدد الذي قيمته ثلاثون ريالًا وأكثر بمائة نصف فضة أو ريال واحدًا وأقل ولا يوجد من يشتريه وفي كل يوم يتضاعف الحال وتعظم الأهوال وزحف المسلمون على جهة رصيف الخشاب وترامى الفريقان بالمدافع والنيران حتى احترق ما بينهم من الدور وكان اسمعيل بك كاشف الألفي تحصن ببيت أحمد آغا شويكار الذي كان بيته وقد كان الفرنساوية جعلوا به لغمًا بالبارود المدفون فاشتعل ذلك اللغم ورفع ما فوقه من الأبنية والناس وطاروا في الهواء واحترقوا عن آخرهم وفيهم اسمعيل كاشف المذكور وانهدم جميع ما هناك من الدور والمباني العظيمة والقصور المطلة على البركة واحترق جميع البيوت التي من عند بين المفارق بقرب جامع عثمان كتخدا الى رصيف الخشاب والخطة المعروفة بالساكت بأجمعها الى الرحبة المقابلة لبيت الألفي سكن ساري عسكر الفرنساوية وكذلك خطة الفوالة بأسرها وكذلك خط الرويعي بالسباط العظيمين وما في ضمن ذلك من البيوت الى حد حارة النصارى وصارت كلها تلالًا وخرائب كأنها لم تكن مغني صبابات ولا مواطن أنس ونزاهات وقد جنت عليها أيدي الزمان وطوارق الحدثان حتى تبدلت محاسنها وأقفرت مساكنها وهكذا عقبى سوء ما عملوا فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا‏.‏

وأرسلوا الى مراد بك يطلبونه للحضور أو يرسلوا الأمراء والأجناد التي عنده فأرسل يعتذر عن الحضور ويقول إنه محافظ على الجهة التي هو فيها فأرسلوا إليه بالإرسال والاستكشاف عن أمر الوزير فأرسل يخبر أنه أرسل هجانًا الى الشرق من نحو عشرة أيام والى الآن لم يحضر وأن الفرنساوية إذا ظفروا بالعثمانية لا يقتلونهم ولا يضربونهم وأنتم كذلك معهم‏.‏

فاقبلوا نصحي واطلبوا الصلح معهم واخرجوا سالمين فلما بلغهم تلك الرسالة حنق حسن بك الجداوي وعثمان بك الأشقر وغيرهم وسفهوا رأيه وقالوا‏:‏ كيف يصح هذا الأمر وقد دخلنا الى البلد وملكناها فكيف نخرج منها طائعين ونحو ذلك هذا مما لا يكون أبدًا فأشار ابراهيم بك برجوع البرديسي وصحبته عثمان بك الأشقر ليقول الأشقر لمراد بك ما يقوله فلما اجتمع به ورجع لم يرجع على ما كان عليه حال ذهابه وفترت همته وجنح لرأي مراد بك واستمر الحال على ما هو عليه من اشتعال نيران الحرب وشدة البلاء والكرب ووقوع البنبات على الدور والمساكن من القلاع والهدم والحرق وصراخ النساء من البيوت والصغار من الخوف والجزع والهلع مع القحط وفقد المآكل والمشارب وغلق الحوانيت والطوابين والمخابز‏.‏

ووقوف حال الناس من البيع والشراء وتفليس الناس وعدم وجدان ما ينفقونه إن وجدوا شيئًا‏.‏

واستمر ضرب المدافع والقناير والبنادق والنيران ليلًا ونهارًا حتى كان الناس لا يهنأ لهم نوم ولا راحة ولا جلوس لحظة لطيفة من الزمن ومقامهم دائمًا أبدًا بالأزقة والأسواق وكأنما على رؤوسهم الجميع الطير وأما النساء والصبيان فمقامهم بأسفل الحواصل والعقودات تحت طباق الأبنية الى غير ذلك‏.‏

وفي أثناء ذلك فرضوا على الناس من أهل الأسواق وغيرهم مائة كيس فردوها على بعض الناس كالسادات والصاري وصار مؤونة غالب الناس الأرز ويطبخونه بالعسل واللبن‏.‏

ويبيعون ذلك في طشوت وأوان بالأسواق وفي كل ساعة تهجم العساكر الفرنساوية على جهة من الجهات ويحاربون الذين بها ويملكون منهم بعض المتاريس فيصيحون على بعضهم بالمناداة يتسامع الناس ويصرخون على بعضهم البعض ويقولون‏:‏ عليكم بالجهة الفلانية الحقوا إخوانكم المسلمين فيرمحون الى تلك الخطة والمتاريس حتى يجلوهم عنها وينتقلون الى غيرها فيفعلون كذلك وكان المحتمل لغالب هذه المدافعات حسن بك الجداوي فإنه كان عندما يبلغه زحف الفرنساوية على جهة من الجهات يبادر هو ومن معه للذهاب لنصرة تلك الجهة ورأى الناس من إقدامه وشجاعته وصبره على مجالدة العدو ليلًا ونهارًا ما ينبئ عن فضيلة نفس وقوة قلب وسمو همة وقل أن وقع حرب في جهة من الجهات إلا وهو مدير رحاها ورئيس كماتها هذا والآغا والوالي يكررون المناداة وكذلك المشايخ والفقهاء والسيد أحمد المحروقي والسيد عمر النقيب يمرون كل الوقت ويأمرون الناس بالقتال ويحرضونهم على الجهاد وكذلك بعض العثمانية يطوفون من أتباع الشرطة وينادون باللغة التركية مثل ذلك وجرى على الناس ما لا يسطر في كتاب ولم يكن لأحد في حساب ولا يمكن الوقوف على كلياته فضلًا عن جزئياته منها عدم النوم ليلًا ونهارًا وعدم الطمأينة وغلو الأقوات وفقد الكثير منها خصوصًا الأدهان وتوقع الهلاك كل لحظة والتكليف بما لا يطاق ومغالبة الجهلاء على العقلاء وتطاول السفهاء على الرؤساء وتهور العامة ولغط الحرافيش وغير ذلك مما لا يمكن حصره ولم يزل الحال على هذا المنوال الى نحو عشرة أيام وكل هذا والرسل من قبل الفرنساوية وهم عثمان بك البرديسي تارة ومصطفى كاشف ورستم تارة أخرى والاثنان من أتباع مراد بك يترددون في شأن الصلح وخروج العساكر العثمانية من مصر والتهديد بحرقها وهدمها إذا لم يتم هذا الغرض واستمروا على هذا العناد ثم نصب الفرنساوية في وسط البركة فساطًا لطيفًا وأقاموا عليه علمًا وأبطلوا الرمي تلك الليلة وأرسلوا رسولًا من قبلهم الى الباشا والكتخدا والأمراء يطلبون المشايخ يتكلمون معهم في شأن هذا الأمر فأرسلوا الشرقاوي والمهدي والسرسي والفيومي وغيرهم فلما وصلوا الى ساري عسكر وجلسوا خاطبهم على لسان الترجمان بما حاصله أن ساري عسكر قد أمن أهل مصر أمانًا شافيًا وأن الباشا والكتخدا ومن معهما من العساكر العثمانية يخرجون من مصر ويلحقون بالعرضي وعلى الفرنساوية القيام بما يحتاجون إليه من المؤونة والذخيرة حتى يصلوا الى معسكرهم وأما الأجناد المصرية الداخلة معهم فمن أراد منهم المقام بمصر من المماليك والغز الداخلين معهم فليقم وله الإكرام ومن أراد الخروج فليخرج والجرحى من العثملي يجردون من سلاحهم وإن كان يأخذه الكتخدا فليأخذه وعلينا أن نداويهم حتى يبرأوا ومن أقام بعد البرء منهم فعلينا مؤونته ومن أراد الخروج بعد برئه فليخرج وعلى أهل مصر الأمان فإنهم رعيتنا وتوافقوا على ذلك وتراضوا عليه ولما كان الغد وشاع أمر الموادعة واستفيض أمر الصلح على هذا قالوا لهم لأي شيء تفعلون هذا الفعل وهذه المحاربات والوزير ولى مهزومًا ورجع هاربًا ولا يمكن عوده في هذا الحين إلا أن يكون بعد ستة أشهر فاعتذروا له بأن هذا من فعل ناصف باشا وكتخدا الدولة‏:‏ وابراهيم بك ومن معهم فإنهم هم الذين أثاروا الفتنة وهيجوا الرعايا ومنوا الناس الأماني الكاذبة والعامة لا عقول لهم فقالوا لهم بعد كلام طويل‏:‏ قولوا لهم يتركون القتال ويخرجون فيلحقون بوزيرهم فإنهم لا طاقة لهم على حربنا ويكونون سببًا لهلاك الرعية وحرق البلدين مصر وبولاق فقالوا له‏:‏ نخشى أنهم إذا امتثلوا وجنحوا للموادعة وخرجوا وذهبوا الى ساري عسكرهم تنتقمون منا ومن الرعايا بعد ذلك فقالوا‏:‏ لا نفعل ذلك فإنهم إذا رضوا ومنعوا الحرب اجتمعنا معكم وإياهم وعقدنا صلحًا ولا نطالبكم بشيء والذي قتل منا في نظير الذي قتل منكم وزودناهم وأعطيناهم ما يحتاجون من خيل وجمال وأصبحنا معهم من يوصلهم الى مأمنهم من عسكرنا ولا نضر أحدًا بعد ذلك فلما رجع المشايخ بهذا الكلام وسمعه الانكشارية والناس قاموا عليهم وسبوهم وشتموهم وضربوا الشرقاوي والسرسي ورموا عمائمهم وأسمعوهم قبيح الكلام وصاروا يقولون‏:‏ هؤلاء المشايخ ارتدوا وعملوا فرنسيس ومرادهم خذلان المسلمين وأنهم أخذوا دراهم من الفرنسيس وتكلم السفلة والغوغاء من أمثال هذا الفضول وتشدد في ذلك الرجل المغربي الملتف عليه أخلاط العالم ونادى من عند نفسه‏:‏ الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر عنه ضرب عنقه وكان السادات ببيت الصاري فتحير واحتال بأن خرج وأمامه شخص ينادي بقوله‏:‏ الزموا المتاريس ليقي بذلك نفسه من العامة ووافق ذلك أغراض العامة لعدم إدراكهم لعواقب الأمور فالتوا عليهم وتعضد كل بالآخر وأن غرضه هو في دوام الفتنة فإن بها يتوصل لما يريد من النهب والسلب والتصور بصوره الإمارة باجتماع الأوغاد عليه وتكفل الناس له بالمأكل والمشرب هو ومن انضم إليه واشتطاط في المآكل مع فقد الناس لا دون ما يؤكل حتى أنه كان إذا نزل جهة من جهات المدينة لإظهار أنه يريد المعونة أو الحرس فيقدمون له بالطعام فيقول‏:‏ لا آكل إلا الفراخ ويظهر أنه صائم فيكلف أهل تلك الجهة أنواع المشقات والتكلفات بتعنته في هذه الشدة بطلب أفحش المأكولات وما هو مفقود ثم هو مع ذلك لا يغني شيئًا بل إذا دهم العدو تلك الجهة التي هو فيها فارقها وانتقل لغيرها وهكذا كان ديدنه ثم هو ليس ممن له في مصر ما يخاف عليه من مسكن أو أهل أو مال أو غير ذلك بل كما قيل‏:‏ لا ناقتي فيها ولا جملي فإذا قدر ما قدر تخلص مع حزبه الى بعض الجهات والتحق بالريف أو غيره وحينئذ يكون كآحاد الناس ويرجع لحالته الأولى وتبطل الهيئة الاجتماعية التي جعلها لجلب الدنيا فخًا منصوبًا ومخرق بها على سخاف العقول وإخفاء الأحلام وهكذا حال الفتن تكثر فيها الدجاجلة ولو أن نيته ممحضة لخصوص الجهاد لكانت شواهد علانيته أظهر من نار على علم أو اقتحم كغيره ممن سمعنا عنهم من المخلصين في الجهات وفي بيع أنفسهم في مرضاة رب العباد لظا الهيجاء ولم يتعنت على الفقراء ولم يجعل ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم وبالجملة فكان هذا الرجل سببًا في تهدم أغلب المنازل بالأزبكية ومن جملة ما رميت به مصر من البلاء وكان ممن ينادى به عليه حين أشيع أمر الصلح وتكلم به الأشياخ‏:‏ الصلح منقوض وعليكم بالجهاد ومن تأخر ضرب عنقه وهذا منه أفتيات وفضول ودخول فيما لا يعني حيث كان في البلد مثل الباشا والكتخدا والأمراء المصرية فما قدر هذا الأهوج حتى ينقض صلحًا أو يبرمه وأي شيء يكون هو حتى ينادي أو ينصب نفسه بدون أن ينصبه أحد لذلك‏:‏ لكنها الفتن يشتنسر بها البغات سيما عند هيجان العامة وثوران الرعاع والغوغاء إذ كان ذلك مما يوافق أغراضهم على أن المشايخ لم يأمروا بشيء ولم يذكروا صلحًا ولا غيره إنما بلغوا صورة المجلس الذي طلبوا لأجله لحضرة الكتخدا فبمجرد ذلك قامت عليهم العامة هذا المقام وسبوهم وشتموهم بل وضربوهم وبعضهم رموا بعمامته الى الأرض وأسمعوهم قبيح الكلام وفعلوا معهم ما فعلوا وصاروا يقولون‏:‏ لولا أن الكفرة الملاعين تبين لهم الغلب والعجز ما طلبوا المصالحة والموادعة وأن بارودهم وذخيرتهم فرغت ونحو ذلك من الظنون الفاسدة ولم يردوا عليهم جوابًا بل ضربوا بالمدافع والبنادق فأرسلوا أيضًا رسلًا يسألونهم عن الجواب الذي توجه به المشايخ فأرسل إليهم الباشا والكتخدا يقولان لهم‏:‏ إن العساكر لم يرضوا بذلك ويقولون لا نرجع عن حربهم حتى نظفر بهم أو نموت عن آخرنا وليس في قدرتنا قهرهم على الصلح فأرسل الفرنساوية جواب ذلك في ورقة يقولون في ضمنها‏:‏ قد عجبنا من قولكم إن العساكر لم ترض بالصلح وكيف يكون الأمير أميرًا على جيش ولا ينفذ أمره فيهم ونحو ذلك وأرسلوا أيضًا رسولًا الى أهل بولاق يطلبونهم للصلح وترك الحرب ويحذرونهم عاقبة ذلك فلم يرضوا وصمموا على العناد فكرروا عليهم المراسلة وهم لا يزدادون إلا مخالفة وشغبًا فأرسلوا في خامس مرة فرنساويًا يقول‏:‏ أمان أمان سوا سوا وبيده ورقة من ساري عسكر فأنزلوه من على فرسه وقتلوه وظن كامل أهل مصر أنهم إنما يطلبون صلحهم عن عجز وضعف وأشعلوا نيران القتال وجدوا في الحرب من غير انفصال‏.‏

والفرنساوية لم يقصروا كذلك وراسلوا رمي المدافع والقنابر والبندق المتكاثر وحضر الألفي الى عثمان كتخدا برأي ابتدعه ظن أن فيه الصواب وهو أن يرفعوا على هلالات المنارات أعلامًا نهارًا ويوقدون عليها القناديل ليلًا ليرى ذلك العسكر القادم فيهتدي ويعلمون أن البلد بيد المسلمين وأنهم منصورون وكذلك صنع معهم أهل بولاق وذلك لغلبة ظن الناس أن هناك عسكرًا قادمين لنجدتهم‏.‏

وظن أهل بولاق أن الباعث على ذلك نصرتهم فصمموا على ذلك للحرب واستمر هذا الحال بين الفريقين الى يوم الخميس ثاني عشرينه الموافق لعاشر برموده القبطي وسادس نيسان الرومي فغيمت السماء غيمًا كثيفًا وأرعدت رعدًا مزعجًا عنيفًا وأمطرت مطرًا غزيرًا وسيلت سيلًا كثيرًا فسالت المياه في الجهات وتوحلت جميع السكك والطرقات فاشتغل الناس بتجفيف المياه والأوحال ولطخت الأمراء والعساكر بسراويلهم ومراكيبهم بالطين‏.‏

والفرنساوية هجموا على مصر وبولاق من كل ناحية ولم يبالوا بالأمطار لأنهم في خارج الأفنية وهي لا تتأثر بالمياه كداخل الأبنية وعندهم الاستعداد والتحفظ والخفة في ملابسهم وما على رؤوسهم وكذلك أسلحتهم وعددهم وصنائعهم بخلاف المسلمين فلما حصل ذلك اغتنموا الفرصة وهجموا على البلدين من كل ناحية وعملوا فتائل مغمسة بالزيت والقطران وكعكات غليظة ملوية على أعناقهم معمولة بالنفط والمياه المصنوعة المقطرة التي تشتعل ويقوى لهبها بالماء وكان معظم كبستهم من ناحية باب الحديد وكوم أبي الريش وجهة بركة الرطلي وقنطرة الحاجب وجهة الحسينية والرميلة فكانوا يرمون المدافع والبنبات من قلعة جامع الظاهر وقلعة قنطرة الليمون ويهجمون أيضًا وأمامهم المدافع وطائفة خلفهم بواردية يقال لهم السلطات يرمون بالبندق المتتابع وطائفة بأيديهم الفتائل والكعكات المشتعلة بالنيران يلهبون بها السقائف وضرف الحوانيت وشبابيك الدور ويزحفون على هذه الصورة شيئًا فشيئًا‏.‏

والمسلمون أيضًا بذلوا جهدهم وقاتلوا بشدة همتهم وعزمهم وتحول الآغا وأكثر الناس الى تلك الجهة وزلزلوا في ذلك اليوم والليلة زلزالًا شديدًا وهاجت العامة وصرخت النساء والصبيان ونطوا من الحيطان والنيران تأخذ المتوسطين بين الفئتين من كل جهة هذا والأمطار تسح حصة من النهار وكذلك بالليل من ليلة الجمعة وكذلك الرعد والبرق وعثمان بك الأشقر الابراهيمي وعثمان بك البرديسي المرادي ومصطفى كاشف رستم يذهبون ويجيئون من الفرنسيس الى المسلمين ومن الفرنسيس إليهم ويسعون في الصلح بين الفريقين‏.‏

ثم إنهم هجموا على بولاق من ناحية البحر ومن ناحية بوابة أبي العلا بالطريقة المذكورة بعضها وقاتل أهل بولاق جهدهم ورموا بأنفسهم في النيران حتى غلب الفرنسيس عليهم وحصروهم من كل جهة وقتلوا منهم بالحرق والقتل وبلوا بالنهب والسلب وملكوا بولاق وفعلوا بأهلها ما يشيب من هوله النواصي وصارت القتلى مطروحة في الطرقات والأزقة واحترقت الأبنية والدور والقصور وخصوصًا البيوت والرباع المطلة على البحر وكذلك الأطارف وهرب كثير من الناس عندما أيقنوا بالغلبة فنجوا بأنفسهم الى الجهة القبلية ثم أحاطوا بالبلد ومنعوا من يخرج منها واستولوا على الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع وملكوا الدور وما بها من الأمتعة والأموال والنساء والخوندات والصبيان والبنات ومخازن الغلال والسكر والكتان والقطن والأبازير والأرز والأدهان والأصناف العطرية وما لا تسعه السطور ولا يحيط به كتاب ولا منشور والذي وجدوه منعكفًا في داره أو طبقته ولم يقاتل ولم يجدوا عنده سلاحًا نهبوا متاعه وعروه من ثيابه ومضوا وتركوه حيًا وأصبح من بقي من ضعفاء أهل بولاق وأهلها وأعيانها الذين لم يقاتلوا فقراء لا يملكون ما يستر عوراتهم‏.‏

وذلك يوم الجمعة ثالث عشرينه وكان محمد الطويل كاتب الفرنساوية أخذ منهم أمانًا لنفسه وأوهم أصحابه أنه يحارب معهم وفي وقت هجوم العساكر انفصل إليهم واختفى البشتيلي‏.‏

فدلوا عليه وقبضوا على وكيله وعلى الرؤساء فحبسوا البشتيلي بالقلعة والباقي ببيت ساري عسكر وضيقوا عليهم حتى منعوهم البول وفي اليوم الثالث أطلقوهم وجمعوا عصبة البشتيلي من العامة وسلموهم البشتيلي وأمروهم أن يقتلوه بأيديهم لدعواهم أنه هو الذي كان يحرك الفتنة ويمنعهم الصلح وأنه كاتب عثمان كتخدا بمكتوب قال فيه‏:‏ إن الكلب دعانا للصلح فأبينا منه وأرسله مع رجل ليوصله الى الكتخدا فوقع في يد ساري عسكر كلهبر فحركه ذلك على أخذ بولاق وفعله فيها الذي فعله وقوبل على ذلك بأن أسلم الى عصبته وأمروا أن يطوفوا به البلد ثم يقتلوه ففعلوا ذلك وقتلوه بالنبابيت وألزم أهل بولاق بأن يرتبوا ديوانًا لفصل الأحكام‏.‏

وقيدوا فيه تسعة من رؤسائهم ثم بعد مضي يومين ألزموا بغرامة مائتي ألف ريال وأما المدينة فلم يزل الحال بها على النسق المتقدم من الحرب والكرب والنهب والسلب الى سادس عشرينه حتى ضاق خناق الناس من استمرار الانزعاج والحريق والسهر وعدم الراحة لحظة من الليل والنهار مع ما هم فيه من عدم القوت حتى هلكت الناس وخصوصًا الفقراء والدواب وإيذاء عسكر العثمانلي للرعية وخطفهم ما يجدونه معهم حتى تمنوا زوالهم ورجوع الفرنسيس على حالتهم التي كانوا عليها والحال كل وقت في الزيادة وأمر المسلمين في ضعف لعدم الميرة والمدد والفرنساوية بالعكس وفي لك يوم يزحفون الى قدام والمسلمون الى وراء فدخلوا من ناحية باب الحديد وناحية كوم أبي الريش وقنطرة الحاجب وتلك النواحي وهم يحرقون بالفتائل والنيران الموقدة ويملكون المتاريس الى أن وصلوا من ناحية قنطرية الحروبي وناحية باب الحديد الى قرب باب الشعرية‏.‏

وكان شاهين آغا هناك عند المتاريس فأصابته جراحه فقام من مكانه ورجع القهقرى فعند رجوعه وقعت الهزيمة ورجع الناس يدوسون بعضهم البعض‏.‏

وملك الفرنساوية كوم أبي الريش وصاروا يحاربون من كوم أبي الريش وهم في العلو والمسلمون أسفل منهم وكان المحروقي زور كتابًا على لسان الوزير وجاء به رجل يقول إنه رسول الوزير وإنه اختفى في طريق خفية ونط من السور وإن الوزير يقدم بعد يومين أو ثلاثة وإنه ترك بالصالحية وإن ذلك كذب لا أصل له وأن يكتب جوابًا عن فرمان كتبوه على لسان المشايخ والتجار وأرسلوه الى الوزير في أثناء الواقعة‏.‏

هذا والبرديسي ومصطفى كاشف والأشقر يسعون في أمر الصلح الى أن تموه على كف الحرب وأن الفرنساوية يمهلون العثمانية والأمراء ثلاثة أيام حتى يقضوا أشغالهم ويذهبون حيث أتوا وجعلوا الخليج حدًا بين الفريقين لا يتعدى أحد من الفريقين بر الخليج الآخر وأبطلوا الحرب وأخمدوا النيران وتركوا القتال وأخذ العثمانية والأمراء والعسكر في أهبة الرحيل وقضاء أشغالهم وزودهم الفرنساوية وأعطوهم دراهم وجمالًا وغير ذلك وكتبوا بعقد الصلح فرمانًا مضمونه أنهم يعوقون عندهم عثمان بك البرديسي وعثمان بك الأشقر ويرسلون ثلاثة أنفار من أعيانهم يكونون بصحبة عثمان كتخدا حتى يصل الى الصالحية وأن يوصلهم ساري عسكر داماس بثلثمائة من العسكر خوفًا عليهم من العرب وأن من جاء منهم من جهة يرجع إليها ومن أراد الخروج من أهل مصر معكم فليخرج ما عدا عثمان بك الأشقر فإنه إذا رجع الثلاثة مع الفرنساوية يذهب مع البرديسي الى مراد بك بالصعيد وأرسلوا الثلاثة المذكورين الى وكالة ذي الفقار بالجمالية وأجلسوهم بمسجد الجمالي صحبة نصوح باشا فهاجت العامة وراموا قتلهم وهموا بقتل عثمان كتخدا فأغلق دونهم باب الخان ومنع نصوح باشا العامة من الهجوم على المسجد وركب المغربي فتوجه الى الحسينية وطلب محاربة الفرنسيس فحضر أهل الحسينية الى عثمان كتخدا يستأذنونه في موافقة ذلك المغربي أو منعه‏.‏

فأمر بمنعه وكفهم عن القتال وركب المحروقي عند ذلك ومر بسوق الخشب وقدامه المناداة بأن لا صلح ولزوم المتاريس ثم فتح باب الوكالة وخرج منها عسكر بالعصي فهاجوا في العامة ففروا وسكن الحال‏.‏ واستهل

شهر ذي الحجة بيوم الجمعة سنة 1215

فيه خرج العثمانية وعساكرهم وابراهيم بك وأمراؤه ومماليكه والألفي وأجناده ومعهم السيد عمر مكرم النقيب والسيد أحمد المحروقي الشاه بندر وكثيرون من أهل مصر ركبانًا ومشاة‏.‏

الى الصالحية وكذلك حسن بك الجداوي وأجاده وأما عثمان بك حسن ومن معه فرجعوا صحبة الوزير فلم يسع ابراهيم بك وحسن بك ترك جماعتهما خلفهما وذهابهم بأنفسهم الى قبلي بل رجعا بجماعتهما على إثرهما وذاقوا وبال أمرهم وانكشف الغبار عن تعسة المسلمين وخيبة أمل الذاهبين والمتخلفين وما استفاد الناس من هذه العمارة وما جرى من الغارة إلا الخراب والسخام والهباب فكانت مدة الحرب والحصر بما فيها من الثلاثة أيام الهدنة سبعة وثلاثين يومًا وقع بها من الحروب والكروب والانزعاج والشتات والهياج وخراب الدور وعظائم الأمور وقتل الرجال ونهب الأموال وتسلط الأشرار وهتك الأحرار وخصوصًا ما أوقع الفرنساوية بالناس بعد ذلك مما سيتلى عليك بعضه وخرب في هذه الواقعة عدة جهات من أخطاط مصر الجليلة مثل جهة الأزبكية الشرقية من حد جامع عثمان والفوالة وحارة كتخدا رصيف الخشاب وخطة الساكت الى بيت ساري عسكر بالقرب من قنطرة الدكة‏.‏

وكذلك جهة باب الهواء الى حارة النصارى من الجهة القبلية وأما بركة الرطلي وما حولها من الدور والمنتزهات والبساتين فإنها صارت كلها تلالًا وخرائب وكيمان أتربة وقد كانت هذه البركة من أجل منتزهات مصر قديمًا وحديثًا وبالقرب منها المقصف المعروف بدهليز الملك والبرنج والجسر وكانت تعرف ببركة الطوابين ثم عرفت ببركة الحاجب منسوبة للأمير بكتمر الحاجب من أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون لأنه هو الذي احتفرها وأجرى إليها الماء من الخليج الناصري وبنى القنطرة المنسوبة إليه وعمر عليها الدور والمناظر وبنى على الجسر الفاصل بينها وبين الخليج دورًا بهية وكان هذا الجسر من أجل المنتزهات وقد خربت منازله في القرن العاشر في واقعة السلطان سليم خان مع الغوري وصار محله بستانًا عظيمًا قطع أشجاره وغالب نخيله الفرنساوية‏.‏

ومما تخرب أيضًا حارة المقس من قبل سوق الخشب الى باب الحديد وجميع ما في ضمن ذلك من الحارات والدور صارت كلها خرائب متهدمة محترقة تسكب عند مشاهدتها العبرات ويتذكر بها ما يتلى في حق الظالمين من الآيات فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون وقال تعالى وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلًا وكنا نحن الوارثين وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولًا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون‏.‏

وقال تعالى وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرًا‏.‏

ودخل الفرنساوية الى المدينة يسعون والى الناس بعين الحقد ينظرون واستولوا على ما كان اصطنعه وأعده العثمانية والقنابر والبارود وآلات الحرب جميعها وقيل إنهم حاسبوهم على كلفته ومصاريفه وقبضوا ذلك من الفرنساوية‏.‏

وركب المشايخ والأعيان عصر ذلك اليوم وذهبوا الى كبير الفرنسيس فلما وصلوا الى داره ودخلوا عليه وجلسوا ساعة أبرز إليهم ورقة مكتوب فيها‏:‏ النصرة لله الذي يريد أن المنصور يعمل بالشفقة والرحمة مع الناس وبناء على ذلك ساري عسكر العام يريد أن ينعم بالعفو العام والخاص على أهل مصر وعلى أهل بر مصر ولو كانوا يخالطون العثملي في الحروب‏.‏

وأنهم يشتغلون بمعايشهم وصنائعهم ثم نبه عليهم بحضورهم الى قبة النصر بكرة تاريخه‏.‏

ثم قاموا من عنده وشقوا المدينة وطافوا بالأسواق وبين أيديهم المناداة للرعية بالاطمئنان والأمان فلما أصبح ذلك اليوم ركبت المشايخ والوجاقلية وذهبوا الى خارج باب النصر‏.‏

وخرج أيضًا القلقات والنصارى القبط والشوام وغيرهم فلما تكامل حضور الجميع رتبوا موكبًا وساروا ودخلوا من باب النصر وقدامهم جماعة من القواسة يأمرون الناس بالقيام وبعض فرنساوية راكبين خيلًا وبأيديهم سيوف مسلولة ينهرون الناس ويأمرونهم بالوقوف على أقدامهم ومن تباطأ في القيام أهانوه فاستمرت الناس وقوفًا من ابتداء سير الموكب الى انتهائه ثم تلا الطائفة الآمرة للناس بالوقوف جمع كثير من الخيالة الفرنساوية بأيديهم سيوف مسلولة وكلهم لابسون جوخًا أحمر وعلى رؤوسهم طراطير من الفراوي على غير هيئة خيالتهم ومشاتهم ثم تتالى بعد هؤلاء طوائف العساكر ببوقاتهم وطبولهم وزمورهم واختلاف أشكالهم وأجناسهم وملابسهم من خيالة ورجالة ثم الأعيان والمشايخ والوجاقلية وأتباعهم الى أن قدم ساري عسكر الفرنساوية وخلف ظهره عثمان بك البرديسي وعثمان بك الأشقر‏.‏

وخلفهم طوائف من خيالة الفرنسيس‏.‏

ولما انقضى أمر الموكب نادوا بالزينة فزينت البلد ثلاثة أيام آخرها يوم الثلاثاء مع السهر ووقود القناديل ليلًا ثم دعاهم في يوم الأربعاء وعمل لهم سماطًا عظيمًا على طريقة المصرلية‏.‏

وقلدوا في ذلك اليوم محمد آغا الطناني أغات مستحفظان وركب ونادى بالأمان وأعطوا البكري بيت عثمان كاشف كتخدا الحج وهو بيت البارودي الثاني فسكن به وشرع في تنظيمه وفرشه ولبسوه في ذلك اليوم فروة سمور فقاموا من عنده فرحين مطمئنين مستبشرين‏.‏

فلما كان يوم الخميس سابعه ذهب الى مراد بك بجزيرة الذهب باستدعاء فمد لهم أسمطة عظيمة وانبسط معهم وافتخر افتخارًا زائدًا وأهدى الى بعضهم هدايا جليلة وتقادم عظيمة‏.‏

وأعطاه ما كان أرسله درويش باشا معونة للباشا والأمراء من الأغنام وغيرها وكانت نحو الأربعة آلاف رأس وولوه إمارة الصعيد من جرجا الى أسنا ورجع عائدًا الى داره بالأزبكية فلما كان في صبحها يوم الجمعة ثامنه بكروا بالذهاب الى بيت ساري عسكر ولبسوا أفخر ثيابهم وأحسن هيآتهم وطمع كل واحد منهم وظن أن ساري عسكر يقله في هذا اليوم أجل المناصيب أو ربما حصل التغيير والتبديل في أهل الديوان فيكون في الديوان الخصوصي فلما استقربهم الجلوس في الديوان الخارج أهملوا حصة طويلة لم يؤذن لهم ولم يخاطبهم أحد ثم فتح باب المجلس الداخل وطلبوا الى الدخول فيه فدخلوا وجلسوا حصة مثل الأولى ثم خرج إليهم ساري عسكر وصحبته الترجمان وجماعة من أعيانهم فوضع له كرسي في وسط المجلس وجلس عليه ووقف الترجمان وأصحابه حواليه واصطف الوجاقلية والحكام من ناحية وأعيان النصارى والتجار من ناحية وعثمان بك الأشقر والبرديسي أيضًا حاضران وكلم ساري عسكر الترجمان كلامًا طويلًا بلغتهم حتى فرغ فالتفت الترجمان الى الجماعة وشرع يفسر لهم مقالة ساري عسكر ويترجم عنها بالعربي والجماعة يسمعون فكان ملخص ذلك القول إن ساري عسكر يطلب منكم عشرة آلاف ألف الى آخر العبارة الآتية وأما هذه العبارة فإنه قالها المهدي‏:‏ فقط إننا لما حضرنا الى بلدكم هذه نظرنا أن أهل العلم هم أعقل الناس والناس بهم يقتدون ولأمرهم يمتثلون ثم أنكم أظهرتم لنا المحبة والمودة وصدقنا ظاهر حالكم فاصطفيناكم وميزناكم على غيركم واخترناكم لتدبير الأمور وصلاح الجمهور فرتبنا لكم الديوان وغمرناكم بالإحسان وخفضنا لكم جناح الطاعة وجعلناكم مسموعين القول مقبولين الشفاعة وأوهمتونا أن الرعية لكم ينقادون ولأمركم ونهيكم يرجعون فلما حضر العثملي فرحتم لقدومهم وقمتم لنصرتهم وثبت عند ذلك نفاقكم لنا فقالوا له‏:‏ نحن ما قمنا مع العثملي إلا عن أمركم لأنكم عرفتمونا أننا صرنا في حكم العثملي من ثاني شهر رمضان وأن البلاد والأموال صارت له وخصوصًا وهو سلطاننا القديم وسلطان المسلمين وما شعرنا إلا بحدوث هذا الحادث بينكم وبينهم على حين غفلة ووجدنا أنفسنا في وسطهم فلم يمكننا التخلف عنهم‏.‏

فرد عليهم الترجمان ذلك الجواب ثم أجابهم بقوله‏:‏ ولأي شيء لم تمنعوا الرعية عما فعلوه من قيامهم ومحاربتهم بنا فقالوا‏:‏ لا يمكننا ذلك خصوصًا وقد تقوتوا علينا بغيرنا وسمعتم ما فعلوه معنا من ضربنا وبهدلتنا عندما أشرنا عليهم بالصلح وترك القتال فقال لهم‏:‏ وإذا كان الأمر كما ذكرتم ولا يخرج من يدكم تسكين الفتنة ولا غير ذلك فما فائدة رياستكم وايش يكون نفعكم إلا الضرر لأنكم إذا حضر أخصامنا قمتم معهم وكنتم وإياهم علينا وإذا ذهبوا رجعتم إلينا معتذرين فكان جزاؤكم أن نفعل معكم كما فعلنا مع أهل بولاق من قتلكم عن آخركم وحرق بلدكم وسبي حريمكم وأولادكم ولكن حيث أننا أعطيناكم الأمان فلا ننقض أماننا ولا نقتلكم وإنما نأخذ منكم الأموال فالمطلوب منكم عشرة آلاف ألف فرنك عن كل فرنك ثمانية وعشرون فضة يكون فيها ألف ألف فرانسة عنها خمس عشرة خزنة رومي بثلاث عشرة خزنة مصري منها خمسمائة ألف فرانسة على مائتين على الشيخ السادات خاصة من ذلك خمسمائة وخمسة وثلاثون ألفًا والشيخ محمد بن الجوهري خمسون ألفًا‏.‏

وأخيه الشيخ فتوح خمسون ألفًا والشيخ مصطفى الصاوي خمسون ألفًا والشيخ العناني مائتان وخمسون ألفًا نقطتعها من ذلك نظير نهب دور الفارين مع العثملي مثل المحروقي والسيد عمر مكرم وحسين آغا شتن وما بقي تدبرون رأيكم فيه وتوزعونه على أهل البلد وتتركون عندنا منكم خمسة عشر شخصًا انظروا من يكون فيكم رهينة عندنا حتى تغلقوا ذلك المبلغ وقام من فوره ودخل مع أصحابه الى داخل وأغلق بينه وبينهم الباب‏.‏

ووقف الحرس على الباب الآخر يمنعون من يخرج من الجالسين فبهت الجماعة وامتقعت وجوههم ونظروا الى بعضهم البعض وتحيرت أفكارهم ولم يخرج عن هذا الأمر إلا البكري والمهدي لكون البكري حصل له ما حصل في صحائفهم والمهدي حرق بيته بمرأى منهم‏.‏

وكان قبل ذلك نقل جميع ما فيه بداره بالخرنفش ولم يترك به إلا بعض الحصر ولم يكن به غير بعض الخدم وكان يستعمل المداهنة وينافق الطرفين بصناعته وعادته ولم تزل الجماعة في حيرتهم وسكرتهم وتمنى كل منهم أنه لم يكن شيئًا مذكورًا ولم يزالوا على ذلك الحال الى قريب العصر حتى بال أكثرهم في ثيابه وبعضهم شرشر ببوله من شباك المكان وصاروا يدخلون على نصارى القبط ويقعون في عرضهم فالذي انحشر فيهم ولم يكن معدودًا من الرؤساء أخرجوه بحجة أو سبب وبعضهم ترك مداسه وخرج حافيًا وما صدق بخلاص نفسه‏.‏

هذا والنصارى والمهدي يتشاورون في تقسيم ذلك وتوزيعه وتدبيره وترتيبه في قوائم حتى وزعوها على الملتزمين وأصحاب الحرف حتى على الحواة والقردتية والمخيظين والتجار وأهل الغورية وخان الخليلي والصاغة والنحاسين والدلالين والقبانين وقضاة المحاكم وغيرهم‏.‏

كل طائفة مبلغ له صورة ثمل ثلاثين ألف فرانسا وأربعين ألفًا وكذلك بياعون التنباك والدخان والصابون والخردجية والعطارون والزياتون والشواؤون والجزارون والمزينون وجميع الصنائع والحرف وعملوا على أجرة الأملاك والعقار والدور أجرة سنة كاملة ثم أنهم استأذنوا للمشايخ الخالص يتوجه حيث أراد والمشبوك يلزمون به جماعة من العسكر حتى يغلق المطلوب منه فأما الصاوي وفتوح بن الجوهري فحبسوهما ببيت قائمقام والعناني هرب فلم يجدوه وداره احترقت فأضافوا غرامته على غرامة الشيخ السادات كملت بها مائة وخمسون ألف فرانسة وانفض المجلس على ذلك وركب ساري عسكر من يومه ذلك وذهب الى الجيزة ووكل يعقوب القبطي يفعل في المسلمين ما يشاء وقائمقام والخازندار لرد الجوابات وقبض ما يتحصل وتدبير الأمور والرهونات ونزل الشيخ السادات وركب الى داره فذهب معه عشرة من العسكر وجلسوا على باب داره فلما مضت حصة من الليل حضر إليه مقدار عشرة من العسكر أيضًا فأركبوه وطلعوا به الى القلعة وحبسوه في مكان فأرسل الى عثمان بك البرديسي وتداخل عليه فشفع فيه فقالوا له‏:‏ أما القتل فلا نقتله لشفاعتك وأما المال فلابد من دفعه ولابد من حبسه وعقوبته حتى يدفعه وقبضوا على فراشه ومقدمه وحبسوهما‏.‏

ثم أنزلوه الى بيت قائمقام فمكث به يومين ثم أصعدوه الى القلعة ثانيًا وحبسوه في حاصل ينام على التراب ويتوسد بحجر وضربوه تلك الليلة فأقام كذلك يومين ثم طلب زين الفقار كتخدا فطلع إليه هو وبرطلمان فقال لهما‏:‏ أنزلوني الى داري حتى أسعى وأبيع متاعي وأشهل حالي‏.‏

فاستأذنوا له وأنزلوه الى داره فأحضر ما وجده من الدراهم فكانت تسعة آلاف ريال معاملة‏.‏

عنها ستة آلاف ريال فرانسة ثم قوموا ما وجدوه من المصاغ والفضيات والفراوي والملابس وغير ذلك بأبخس الثمن فبلغ ذلك خمسة عشر ألف فرانسة فبلغ المدفوع بالنقدية والمقومات أحدًا وعشرين ألف فرانسة والمحافظون عليه من العسكر ملازمونه ولا يتركونه يطلع الى حريمه ولا الى غيره وكان وزع حريمه وابنه الى مكان آخر وبعد أن فرغوا من الموجودات جاسوا خلال الدار يفتشون ويحفرون الأرض على الخبايا حتى فتحوا الكنيفات ونزلوا فيها فلم يجدوا شيئًا ثم نقلوه الى بيت قائمقام ماشيًا وصاروا يضربونه خمسة عشر عصا في الصباح ومثلها في الليل وطلبوا زوجته وابنه فلم يجدوهما فأحضروا محمدًا السندوبي تابعه وقرروه حتى عاين الموت حتى عرفهم بمكانهما فأحضروهما وأودعوا ابنه عند أغات الانكشارية وحبسوا زوجته معه فكانوا يضربونه بحضرتها وهي تبكي وتصيح وذلك زيادة في الإنكاء ثم أن المشايخ وهم الشرقاوي والفيومي والمهدي والشيخ محمد الأمير وزين الفقار كتخدا تشفعوا في نقلها من عنده فنقلوها الى بيت الفيومي وبقي الشيخ على حاله وأخذوا مقدمه وفراشه وحبسوهما وتغيب أكثر أتباعه واختفوا ثم وقعت المراجعة والشفاعة في غرامة الشيخ فتوح الجوهري والصاوي فأضعفوها وجعلوها على كل واحد منها خمسة عشر ألف فرانسة ورد الباقي على الفردة العامة‏.‏

وأما الشيخ محمد ابن الجوهري فإنه اختفى فلم يجدوه فنهبوا داره ودار نسيبه المعروف بالشويخ ثم أنه توسل بالست نفيسة زوجة مراد بك فأرسلت الى مراد بك وهو بالقرب من الفشن فأرسل من عنده كاشفًا وتشفع فيه فقبلوا شفاعته ورفعوها عنه وردوها أيضًا علي الفردة العامة ثم أنهم وكلوا بالفردة العامة وجميع المال يعقوب القبطي وتكفل بذلك وعمل الديوان لذلك ببيت البارودي وألزموا الآغا بعدة طوائف كتبوها في قائمة بأسماء أربابها وأعطوه عسكرًا وأمره بتحصيلها من أربابها وكذلك علي آغا الوالي الشعراوي وحسن آغا المحتسب وعلي كتخدا سليمان بك فنهبوا على الناس بذلك وبثوا الأعوان بطلب الناس وحبسهم وضربهم فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها‏.‏

ومضى عيد النحر ولم يلتفت إليه أحد بل ولم يشعروا به ونزل بهم من البلاء والذل ما لا يوصف فإن أحد الناس غنيًا كان أو فقيرًا لابد وأن يكون من ذروي الصنائع أو الحرف فيلزمه دفع ما وزع عليه في حرفته أو في حرفيته وأجرة داره أيضًا سنة كاملة فكان يأتي على الشخص غرامتان أو ثلاثة ونحو ذلك وفرغت الدراهم من عند الناس واحتاج كل الى القرض فلم يجد الدائن من يدينه لشغل كل فرد بشأنه ومصيبته فلزمهم بيع المتاع فلم يوجد من يشتري وإذا أعطوهم ذلك لا يقبلونه فضاق خناق الناس وتمنوا الموت فلم يجدوه ثم وقع الترجي في قبول المصاغات والفضيات فأحضر الناس ما عندهم فيقوم بأبخس الأثمان‏.‏

وأما أثاثات البيوت من فرش ونحاس وملبوس فلا يوجد من يأخذه وأمروا بجمع البغال ومنعوا المسلمين من ركوبها مطلقًا سوى خمسة أنفار من المسلمين وهم الشرقاوي والمهدي والفيومي والأمير وابن محرم والنصارى المترجمين وخلافهم لا حرج عليهم وفي كل وقت وحين يشتد الطلب وتنبث المعينون والعسكر في طلب الناس وهجم الدور وجرجرة الناس حتى النساء من أكابر وأصاغر وبهدلتهم وحبسهم وضربهم والذي لم يجدوه لكونه فر وهرب يقبضون على قريبه أو حريمه أو ينهبون داره فإن لم يجدوا شيئًا ردوا غرامته على أبناء جنسه وأهل حرفته‏.‏

وتطاولت النصارى من القبط والنصارى الشوام على المسلمين بالسب والضرب ونالوا منهم أغراضهم وأظهروا حقدهم ولم يبقوا للصلح مكانًا وصرحوا بانقضاء ملة المسلمين وأيام الموحدين هذا والكتبة والمهندسون والبناؤون يطوفون ويحررون أجر المكان والعقارات والوكائل والحمامات ويكتبون أسماء أربابها وقيمتها‏.‏

وخرجت الناس من المدينة وجلوا عنها وهربوا الى القرى والأرياف وكان ممن خرج من مصر صاحبنا النبيه العلامة الشيخ حسن المشار إليه فيما تقدم فتوجه لجهة الصعيد وأقام بأسيوط فأقام بها نحو ثمانية عشر شهرًا‏.‏

ثم أن أكثر الفارين رجع الى مصر لضيق القرى وعدم ما يتعيشون به فيها وانزعاج الريف بقطاع الطريق والعرب والمناسر بالليل والنهار والقتل فيما بينهم وتعدي القوي على الضعيف‏.‏

واستمرت الطرق محفرة والأسواق معفرة والحوانيت مقفولة والعقول مخبولة والنفوس مطبوقة والغرامات نازلة والأرزاق عاطلة والمطالب عظيمة والمصائب عميمة والعكوسات مقصودة والشفاعات مردودة وإذا أراد الإنسان أن يفر الى أبعد مكان وينجو بنفسه ويرضى بغير أبناء جنسه لا يجد طريقًا للذهاب وخصوصًا من الملاعين الأعراب الذين هم أقبح الأجناس وأعظم بلاء محيط بالناس وبالجملة فالأمر عظيم والخطب جسيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‏.‏

وفي عشرينه انتقلوا بديوان الفردة من بيت البارودي الى بيت القيسرلي بالميدان ووقع التشديد في الطلب والانتقام بأدنى سبب وانقضى هذا العام وما جرى فيه من الحوادث العظام إقليم مصر والشام والروم والبيت الحرام‏.‏

فمنها وهو أعظمها تعطيل الثغور ومنع المسافرين برًا وبحرًا ووقوف الانكليز بثغر الاسكندرية ودمياط يمنعون الصادر والوارد وتخطوا أيضًا بمراكبهم الى بحر القلزم‏.‏

ومنها انقطاع الحج المصري في هذا العام أيضًا حتى لم يرجع المحمل بل كان مودوعًا بالقدس فلما حضر العساكر الإسلامية أحضروه صحبتهم الى بلبيس‏.‏

فيقال إن السيد بذرا رجع به الى جبل الخليل‏.‏

ومنها وقوف العرب وقطاع الطريق بجميع الجهات القبلية والبحرية والشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والدقهلية وسائر النواحي فمنعوا السبيل ولو بالخفارة وقطعوا طريق السفار ونهبوا المارين من أبناء السبيل والتجار وتسلطوا على القرى والفلاحين وأهالي البلاد والحرف بالعري والخطف للمتاع والمواشي من البقر والغنم والجمال والحمير وإفساد المزارع ورعيها حتى كان أهل البلاد لا يمكنهم الخروج ببهائمهم الى خارج القرية للرعي أو للسقي لترصد العرب لذلك ووثب أهل القرى على بعضهم بالعرب فداخلوهم وتطاولوا عليهم وضربوا عليهم الضرائب وتلبسوا بأنواع الشرور واستعان بعضهم على بعض وقوي القوي على الضعيف وطمعت العرب في أهل البلاد وطلبوهم بالثارات والعوائد القديمة الكاذبة وآن وقت الحصاد فاضطروا لمسالمتهم لقلة الضم فلما انقضت حروب الفرنسيس نزلوا الى البلاد واحتجوا عليهم بمصادقتهم العرب فضربوهم ونهبوهم وسبوهم وطالبوهم بالمغارم والكلف الشاقة فإذا انقضوا وانتقلوا عنهم رجعت العرب على أثرهم وهكذا كان حالهم وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون‏.‏

ومنها أن النيل قصر مده في هذه السنة فشرقت البلاد وارتحل أهل البحيرة الى المنوفية والغربية فاستحسن رحيل عربان البحيرة لأنه بقي لهم في الحي نخيل‏.‏

ومنها أنه لما حضرت العثمانية وشاع أمر الصلح وخضوع الفرنساوية لهم نزل طائفة من الفرنسيس الى المنوفية وطلبوا من أهلها كلفة لرحيلهم فلما مروا بالمحلة الكبيرة تعصب أهلها واجتمعوا الى قاضيها وخرج لحربهم فأكمن الفرنسيس لهم وضربوا عليهم طلقًا بالمدافع البنادق فقتلوا منهم نيفًا وستمائة إنسان ومنهم القاضي وغيره ولم ينج منهم إلا من فر وكان طويل العمر وكذلك أهل طنتداء عند حضورهم إليهم وصل إليهم رجل من الجزارين المنتسبين للعثمانية من جهة الشرق لزيارة سيدي أحمد البدوي وهو راكب على فرس وحوله نحو الخمسة أنفار وكان بعض الفرنسيس بداخل البلدة يقضون بعض أشغالهم فصاحت السوقة والبياعون عند رؤية ذلك الرجل بقولهم‏:‏ نصر الله دين الإسلام وهاجوا وماجوا ولقلقت النساء بألسنتهن وصاحت الصبيان وسخروا بالفرنسيس وتراموا بما على رؤوسهم‏.‏

وضربوهم وجرحوهم وطردوهم فتسحبوا من عندهم فغابوا ثلاثة أيام ورجعوا بجمعي عسكرهم ومعهم الآلات من المدافع فاحتاطوا بالبلدة وضربوا عليهم مدفعًا ارتجوا له ثم هجموا عليه ودخلوا إليهم وبأيديهم السيوف المسلولة ويقدمهم طبلهم وطلبوا خدمة الضريح الذين يقال لهم أولاد الخادم وهم ملتزمو البلدة وأكابرها ومتهمون بكثرة الأموال من قديم الزمان وكانوا قبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر قبضوا عليهم بإغراء القبط وأخذوا منهم خمسة عشر ألف ريال فرانسة بحجة مسالمتهم للعرب فلما وصلوا الى دورهم طلبوهم فلم يمكنهم التغيب خوفًا على نهب الدور وغير ذلك فظهروا لهم فأخذوهم الى خارج البلد وقيدوهم وأقاموا نحو خمسة أيام خارجها يأخذون في كل يوم ستمائة ريال سوى الأغنام والكلف ثم ارتحلوا وأخذوا المذكورين صحبتهم الى منوف وحبسوهم أيامًا ثم نقلوهم الى الجيزة أيام الحرابة بمصر‏.‏

فلما انقضت تلك الأيام وسرحوا في البلاد نزلت طائفة في طنتداء وهم بصحبتهم وقرروا عليهم أحدًا وخمسين ألف ريال فرانسة وعلى أهل البلدة كذلك بل أزيد وأقاموا حول البلد محافظين عليهم وأطلقوا بعضهم وحجزوا المسمى بمصطفى الخادم لأنه صاحب الأكثر في الوظيفة والالتزام وطالبوه بالمال وفي كل وقت ينوعون عليه العقاب والعذاب والضرب حتى على كفوف يديه ورجليه ويربطونه في الشمس في قوة الحر والوقت مصيف وهو رجل جسيم كبير الكرش فخرجت له نفاخات في جسده ثم أخذوا خليفة المقام أيضًا وذهبوا به الى منوف ثم ردوه وولوه رئاسة جمع الدراهم المطلوبة من البلد فوزعت على الدور والحوانيت والمعاصر وغير ذلك واستمروا على ذلك الى انقضاء العام حتى أخذوا عساكر المقام وكانت من ذهب خالص زنتا نحو خمسة آلاف مثقال وأما المحلة الكبرى فإنهم رجعوا عليها وقرروا عليها نيفًا ومائة ألف ريال فرانسة وأخذوا في تحصيلها وتوزيعها وهجموا دورها وتتبع المياسير من أهلها كل ذلك مع استمرار طلب الكلف الشاقة في كل يوم منها ومن طنتداء والتعنت عليهم وتسلط طوائف الكشوفية التابعين لهم الذين هم أقبح في الظلم من الفرنسيس بل ومن العرب فإنهم معظم البلاد أيضًا فإنهم هم الذين يعرفون دسائس أهل البلاد ويشيعون أحوالهم ويتجسسون على عوراتهم ويغرون بهم‏.‏

واستمروا على ذلك أيضًا ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون‏.‏

ومنها أنه لما وقع الصلح بين العثمانية والفرنساوية أرسل الوزير فرمانات للثغور بإطلاق الأسافيل وحضور المراكب والتجار بالبضائع وغيرها الى ثغر الاسكندرية وصحبتها ثلاثة غلايين سلطانية وسفن مشحونة بالذخيرة لحضرة الوزير ولوازم العسكر العثماني فلما قربوا من الثغر أقاموا البنديرات وضربوا مدافع للشنك فطمعهم الفرنساوية وأظهروا لهم المسالمة وأظهروا لهم بنديرة العثماني فدخلوا الى المينا ورموا مراسيم ووقعوا في فخ الفرنسيس فاستولوا على الجميع وأخذوا مدافعهم وسلاحهم وحبسوا القبابطين وأعيان التجار وأخذوا الملاحين والمتسببين من البحرية والنصارى الأروام وهم عدة وافرة أعطوهم سلاحًا وزيوهم بزيهم وأضافوهم الى عسكرهم وأرسلوهم الى مصر فكانوا أقبح مذكور في تسلطهم على إيذاء المسلمين ثم أخرجوا شحنة المراكب من بضائع ويميش وحازوه بأجمعه لأنفسهم‏.‏

وبقي الأمر على ذلك وكان ذلك في أواسط شهر القعدة‏.‏

ومنها أنه بعد نقض الصلح أرسل الفرنسيس عسكرًا الى متسلم السويس الذي كان تولاها من طرف العثمانية فتعصب معه أهل البندر فحاربوهم فغلبهم الفرنسيس وقتلوهم عن آخرهم ونهبوا البندر وما فيه من البن والبهار بحواصل التجار وغير ذلك‏.‏

ومنها أن مراد بك عند توجهه للصعيد بعد انقضاء الصلح أخذ ما جمعه درويش باشا من الصعيد من أغنام وخيول وميرة وكان شيئًا كثيرًا فتسلم الجميع منه وعدى درويش باشا الى الجهة الشرقية متوجهًا الى الشام وأرسل مراد بك جميع ذلك للفرنساوية بمصر‏.‏

ومنها أيضًا انقضاء المحاربة واستيلاء الفرنسيس على المخازن والغلا التي كان جمعها العثمانية من البلاد الشرقية وبعض البلاد الغربية والقليوبية وكذلك الشعير والأتبان طلب الفرنساوية مثل ذلك من البلاد وقرروا على النواحي غلالًا وشعيرًا وفولًا وتبنًا وزادوا خيلًا وجمالًا فوقع على كل إقليم زيادة عن ألف فرس وألف جمل سوى ما يدفع مصالحة على قبولها للوسائط وهو نحو ثمنها أو أزيد وكذلك التعنت في نقض الغلال وغربلتها وغير ذلك‏.‏

وكل ذلك بإرشاد القبطة وطوائف البلاد لأنهم هم الذين تقلدوا المناصب الجليلة وتقاسموا الأقاليم والتزموا لهم بجمع الأموال ونزل كل كبير منهم الى إقليم وأقام بسرة الإقليم مثل الأمير والعساكر الفرنساوية وهو في أبهة عظيمة وصحبته الكتبة والصيارف والأتباع والأجناد من الغز البطالة وغيرهم والخيام والخدم والفراشون والطباخون والحجاب وتقاد بين يديه الجنائب والبغال والرهونات والخيول المسومة والقواسة والمقدمون وبأيديهم الحراب المفضضة والمذهبة والأسلحة الكاملة والجمال الحاملة ويرسل الى ولايات الإقليم من جهته المتسوفين من القبط أيضًا بمنزلة الكشاف ومعهم العسكر من الفرنساوية والطوائف والجاويشية والصرافين والمقدمين على الشرح المذكور فينزلون على البلاد والقرى ويطلبون المال والكلف الشاقة بالعسف ويؤجلونهم بالساعات فإن مضت ولم يوفوهم المطلوب حل بهم ما حل من الحرق والنهب والسلب والسبي وخصوصًا إذا فر مشايخ البلدة من خوفهم وعدم قدرتهم وإلا قبضوا عليهم وضربوهم بالمقارع والكسارات على مفاصلهم وركبهم وسحبوهم معهم في الحبال وأذاقوهم أنواع النكال وخاف من بقي فصانعوهم وأتباعهم بالبراطيل والرشوات وانضم إليهم الأسافل من القبط والأراذل من المنافقين وتقربوا إليهم بما يستميلون قلوبهم به وما يستجلبونه لهم من المنافع والمظالم وأجهدوا أنفسهم في التشفي من بعضهم وما يوجب الحقد والتحاسد الكامن في قلوبهم الى غير ذلك ما يتعذر ضبطه وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون‏.‏

ممن له ذكر مات الإمام الفاضل الصالح العلامة الشيخ عبد العليم ابن محمد بن محمد بن عثمان المالكي الأزهري الضرير حضر دروس الشيخ علي الصعيدي رواية ودراية فسمع عليه جملة من الصحيح والموطأ والشمائل والجامع الصغير ومسلسلات بن عقيلة وروى عن كل من الملوي والجوهري والبليدي والسقاط والمنير والدردير والتاودي بن سودة حين حج ودرس وأفاد من البكائين عند ذكر الله سريع الدمعة كثير الخشية وكان يعرف أشياء في الرقي والخواص وفوائد القرينة وأم الصبيان ثم ترك ذلك لرؤيا منامية رآها وأخبرني بها توفي في هذه السنة ودفن ببستان المجاورين‏.‏ ومات

العمدة الفاضل والنبيه الكامل صاحبنا العلامة الوجيه الشيخ شامل

أحمد بن رمضان بن مسعود الطرابلسي المقري الأزهري حضر من بلده طرابلس الغرب الى مصر في سنة إحدى وتسعين وجاور بالأزهر وكان فيه استعداد وحضر دروس الشيخ أحمد الدردير والبيلي والشيخ أبي الحسن الغلقي وسمع على شيخنا السيد مرتضى المسلسل بالأولية وغير المسلسل أيضًا وأخذ منه الإجازة في سنة اثنتين وتسعين ولما مات الخواجا حسن البناني من تجار المغاربة فتوصل الى أن تزوج بزوجته بنت الغرياني وسكن بدارها الواسعة بالكعكيين‏.‏

وتجمل بالملابس وتودد للناس بحس المعاشرة ومكارم الأخلاق وكان سموح النفس جدًا دمث الطباع والأخلاق جميل العشرة ولما عزل السيد عبد الرحمن السفاقسي الضرير من مشيخة رواقهم كان المترجم هو المتعين لذلك دون غيره فتولى مشيخة الرواق بشهامة وكرم ونوه بذكره وزادت شهرته وكان وجيهًا طويل القامة بهي الطلعة بشوشًا ولما حصلت واقعة الفرنسيس خرج تلك الليلة مع الفارين وذهب الى بيت المقدس وتوفي هناك في هذه السنة‏.‏

ومات السيد الأفضل والسند الأكمل المقري بن المقري والفهامة الذي بكل فن على التحقيق يدري بدر أضاء في سماء العرفان وعارف وضح دقائق المشكلات بإتقان فلله دره من فاضل أبرز درر اللطائف من كنوزها وكشف عن مخدرات الفهوم لثامها فأظهر الأنفس من نفيسها والأعز من عزيزها فلا غرو فإنه بذلك حقيق كيف لا وما ذكر من بعض صفاته التي به تليق العلامة الشريف الحسن بن علي البدري العوضي ربي في حجر أبيه وحفظ القرآن والمتون وأخذ عن أبيه علم القراءات وأتقن القراءات الأربعة عشر بعد أن أتقن العربية والفقه وباقي العلوم وحضر أشياخ الوقت وتمهر وأنجب وقرأ الدروس ونظم الشعر الجيد وشهد له الفضلاء وله ديوان مشهور بأيدي الناس وامتدح الأعيان وبينه وبين الصلاحي وقاسم ابن عطاء الله مطارحات ذكرنا منها طرفًا في ترجمتها وله أيضًا تآليف وتقييدات وتحقيقات ورسائل في فنون شتى ورسالة بليغة في قوله تعالى استكبرت أم كنت من العالين وكان الباعث على تأليفها مناقشة حصلت بينه وبين الشيخ أحمد يونس الخليفي في تفسير الآية بمجلس علي بك الدفتردار فظهر بها على الشيخ المذكور وأجاره الأمير المذكور بأن رتب له تدريسًا بالمشهد الحسيني ورتب له معلومًا بوقته وقدره كل يوم عشرة أنصاف فضة يستغلها من جانب الوقف في كل شهر واستمر بقبضها حتى ماتفي شعبان من هذه السنة رحمه الله ولم يخلف بعده مثله في الفضائل والمعارف‏.‏

ثم دخلت سنة خمسة عشر ومائتين وألف كان ابتداء المحرم يوم الأحد في خامسه أصعدوا الشيخ السادات الى القلعة وكان أرسل الى كبار القبط بأن يسعوا في قضيته ورهن حصصه ويغلق الذي عليه فردوا عليه بأنه لابد من تشهيل قدر نصف الباقي أولًا ولا يمكن غير ذلك وأما الحصص فليست في تصرفه ولما تكرر إرساله للنصارى وغيرهم نقلوهم الى القلعة ومنعوه الاجتماع بالناس وهي المرة الثالثة‏.‏

وفيه أشيع حضور مراكب وغلايين من ناحية الروم الى ثغر الاسكندرية وسافر ساري عسكر كلهبر وصحبته الفرنساوية فغاب أيامًا ثم عاد الى مصر ولم يظهر لهذا الخبر أثر‏.‏

وفيه طلبوا عسكرًا من القبط فجمعوا منهم طائفة وزيوهم بزيهم وقيدوا بهم من يعلمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك وأرسلوا الى الصعيد فجمعوا من شبانهم نحو الألفين وأحضروهم الى مصر وأضافوهم الى العسكر‏.‏

وفي حادي عشرينه أعادو الشيخ أحمد العريشي الى القضاء كما كان وعملوا له موكبًا وركب معه أعيان الفرنسيس وسواري عساكرهم بطبولهم وزمورهم والمشايخ والتجار والأعيان وبجانبه قائمقام عبد الله منو الذي كان ساري عسكر برشيد فلم يزالوا معه حتى أوصلوه الى المحكمة الكبرى بعد أن شقوا به المدينة‏.‏

وفي ذلك اليوم أعني يوم السبت وقعت نادرة عجيبة وهو أن ساري عسكر كلهبر كان مع كبير المهندسين يسيران بداخل البستان الذي بداره بالأزبكية فدخل عليه شخص حلبي وقصده فأشار إليه بالرجوع وقال له ما فيش وكررها فلم يرجع وأوهمه أن له حاجة وهو مضطر في قضائها فلما دنا منه مد إليه يده اليسار كأنه يريد تقبيل يده فمد إليه الآخر يده فقبض عليه وضربه بخنجر كان أعده في يده اليمنى أربع ضربات متوالية فشق بطنه وسقط الى الأرض صارخًا فصاح رفيقه المهندس فذهب إليه وضربه أيضًا ضربات وهرب فسمع العسكر الذين خارج الباب صرخة المهندس فدخلوا مسرعين فوجدوا كلهبر مطروحًا وبه بعض الرمق ولم يجدوا القاتل فانزعجوا وضربوا طبلهم وخرجوا مسرعين وجروا من كل ناحية يفتشون على القاتل واجتمع رؤساؤهم وأرسلوا العساكر الى الحصون والقلاع وظنوا أنها من فعل أهل مصر فاحتاطوا بالبلد وعمروا المدافع وحرروا القنابر وقالوا لابد من قتل أهل مصر عن آخرهم ووقعت هوجة عظيمة في الناس وكرشة وشدة انزعاج وأكثرهم لا يدري حقيقة الحال ولم يزالوا يفتشون عن ذلك القاتل حتى وجدوه منزويًا في البستان المجاور لبيت ساري عسكر المعروف بغيط مصباح بجانب حائط منهدم فقبضوا عليه فوجدوه شاميًا فأحضروه وسألوه عن اسمه وعمره وبلده فوجدوه حلبيًا واسمه سليمان فسألوه عن محل مأواه فأخبرهم أنه يأوي ويبيت بالجامع الأزهر فسألوه عن معارفه ورفقائه وهل أخبر أحدًا بفعله وهل شاركه أحد في رأيه وأقره على فعله أو نهاه عن ذلك وكم له بمصر من الأيام أو الشهور وعن صنعته وملته وعاقبوه حتى أخبرهم بحقيقة الحال فعند ذلك علموا ببراءة أهل مصر من ذلك وتركوا ما كانوا عزموا عليه من محاربة أهل البلد وقد كانوا أرسلوا أشخاصًا من ثقاتهم تفرقوا في الجهات والنواحي يتفرسون في الناس فلم يجدوا فيهم قرائن دالة على علمهم بذلك ورأوهم يسألون من الفرنسيس عن الخبر فتحققوا من ذلك براءتهم من ذلك ثم أنهم أمروا بإحضار الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ أحمد العريشي القاضي وأعلموهم بذلك وعوقوهم الى نصف الليل وألزموهم بإحضار الجماعة الذين ذكرهم القاتل وأنه أخبرهم بفعله فركبوا وصحبتهم الآغا وحضروا الى الجامع الأزهر وطلبوا الجماعة فوجدوا ثلاثة منهم ولم يجدوا الرابع فأخذهم الآغا وحبسهم ببيت قائمقام بالأزبكية ثم أنهم رتبوا صورة محاكمة على طريقتهم في دعاوى القصاص وحكموا بقتل الثلاثة أنفار المذكورين مع القاتل وأطلقوا مصطفى أفندي البرصلي لكونه لم يخبره بعزمه وقصده فقتلوا الثلاثة المذكورين لكونه أخبرهم بأنه عازم على قصده صبح تاريخه ولم يخبروا عنه الفرنسيس فكأنهم شاركوه في الفعل وانقضت الحكومة على ذلك وألقوا في شأن ذلك أوراقًا ذكروا فيها صورة الواقعة وكيفيتها وطبعوا منها نسخًا كثيرة باللغات الثلاث الفرنساوية والتركية والعربية وقد كنت أعرضت عن ذكرها لطولها وركاكة تركيبها لقصورهم في اللغة ثم رأيت كثيرًا من الناس تتشوق نفسه الى الاطلاع عليها لتضمينها خبر الواقعة وكيفية الحكومة ولما فيها من الاعتبار وضبط الأحكام من هؤلاء الطائفة الذين يحكمون العقل ولا يتدينون بدين وكيف وقد تجارى على كبيرهم ويعسوبهم رجل آفاقي أهوج وغدره وقبضوا عليه وقرروه ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الإقرار بعد أن عثروا عليه ووجدوا معه آلة القتل مضمخة بدم ساري عسكرهم وأميرهم بل رتبوا حكومة ومحاكمة وأحضروا القاتل وكرروا عليه السؤال والاستفهام مرة بالقول ومرة بالعقوبة ثم أحضروا من أخبر عنهم وسألوهم على انفرادهم ومجتمعين ثم نفذوا الحكومة فيهم بما اقتضاه التحكيم وأطلقوا مصطفى أفندي البرصلي الخطاط حيث لم يلزمه حكم ولم يتوجه عليه قصاص كما يفهم جميع ذلك من فحوى المسطور بخلاف ما رأيناه بعد ذلك من أفعال أوباش العساكر الذين يدعون الإسلام ويزعمون أنهم مجاهدون وقتلهم الأنفس وتجاريهم على هدم البنية الإنسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية مما سيتلى عليك بعضه بعد‏.‏

صورة ترجمة الأوراق المذكورة بيان شرح الاطلاع على جسم ساري عسكر العام كلهبر يوم الخامس والعشرين من شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحو الواضعون أسماءنا وخطنا فيه باش حكيم والجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انتهينا حصة ساعتين بعد الظهر الى بيت ساري عسكر العام في الأزبكية بمدينة مصر وكان سبب روحتنا هو أننا سمعنا دقة الطبل وغاغة الناس التي كانت تخبر أن ساري عسكر العام كلهبر انغدر وقتل وصلنا له فرأينا في آخر نفس فحصنا عن جروحاته فتحقق لنا أنه قد انضرب بسلاح مدبب وله حد وجروحاته كانت أربعة الأول منها تحت البز في الشقة اليمنى الثاني أوطى من الأول جنب السرة الثالث في الذراع الشمال نافذ من شقة لشقة والرابع في الخد اليمين فهذا حررنا البيان بالشرح في حضور الدفتردار سارتلون الذي وضع اسمه فيه كمثلنا لأجل أن يسلم البيان المذكور الى ساري عسكر مدير الجيوش تحريرًا في سراية ساري عسكر العام في النهار والسنة بعد الظهر بإمضاء باش حكيم وخط الجرايحي من أول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس نهار تاريخه خمسة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثالثة بعد الظهر نحن الواضعون أسماءنا وخطنا فيه باش حكيم وجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انطلبنا من الدفتردار سارتلون أننا نعمل بيان شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس وعضو من أعضاء مدرسة العلماء في بر مصر الذي انغدر هو أيضًا في جنب ساري عسكر العام كلهبر مدبر الجيوش ومضروب ستة أمرار بسلاح مدبب وله حد وهذا بيان الجروحات الأول في جنب الصدغ الثاني في الكف في عظمة الإصبع الخنصر الثالث بين الضلوع الشمالية الخامس في الشدق الشمالي والسادس في الصدر من الشقة الشمالية وشق نحو العرق ثم الى تأييد ذلك وضعنا أسماءنا وخطنا فيه برفقة الدفتردار سارتلون تحريرًا في سراية ساري عسكر مدبر الجيوش في اليوم والشهر والسنة والساعة المرموقة أعلاه بإمضاء باش حكيم وخط الجرايحي من أول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون عن‏.‏

نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في بيت ساري عسكر داماس مدبر الجيوش واحد فسيال من ملازمين بيت عسكر العام حضر وبيده ماسك راجل من أهل البلد مدعيًا أن هذا هو الذي قتل ساري عسكر العام كلهبر المتهوم المذكور انعرف من الستوين بروتاين المهندس الذي كان مع ساري عسكر حين انغدر لأنه أيضًا انضرب برفقته بالخنجر ذاته وانجرح بعض جروحات‏.‏

ثانيًا المتهوم المذكور كان انشاف بين جماعة ساري عسكر من حد الجيزة وانوجد مخبى في الجنينة التي حصل فيها القتل وفي الجنينة نفسها انوجد الخنجر الذي به انجرح ساري عسكر وبعض حوائج أيضًا بتوع المتهوم فحالًا بدئ الفحص بحضور ساري عسكر منو الذي هو أقدم أقرانه في العسكر وتسلم في مدينة مصر والفحص المذكور صار بواسطة الخواجا براشويش كاتم سر وترجمان ساري عسكر العام ومحرر من يد الدفتردار سارتلون الذي أحضره ساري عسكر منو لأجل ذلك المتهوم المذكور‏.‏

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى سليمان ولادة بر الشام وعمره أربعة وعشرون سنة ثم صنعته كاتب عربي وكانت سكنته في حلب‏.‏

سئل كم زمان له في مصر فجاوب أنه بقي له خمسة أشهر وأنه حضر في قافلة وشيخها يسمى سئل عن ملته فجاوب أنه من ملة محمد وأنه كان سابقًا سكن ثلاث سنين في مصر وثلاث سنين أخرى في مكة والمدينة‏.‏

سئل هل يعرف الوزير الأعظم وهل له مدة ما شافه فجاوب أنه ابن عرب ومثله ليس يعرف الوزير الأعظم‏.‏

وسئل عن معارفه في مدينة مصر فجاوب أنه لم يعرف أحدًا وأكثر قعاده في الجامع الأزهر وجملة ناس تعرفه وأكثرهم يشهدون في مشيه الطيب‏.‏

سئل هل راح صباح تاريخه الجيزة فجاوب نعم وأنه كان قاصد ينشبك كاتب عند أحد ولكن ما قسم له نصيب‏.‏

سئل عن الناس الذين كتب لهم أمس فجاوب أن كلهم سافروا‏.‏

سئل كيف يمكن أنه لم يعرف أحدًا من الذين كتب لهم في الأيام الماضية وكيف يكونون كلهم سافروا فجاوب أنه ليس يعرف الذين كان يكتب لهم وأن غير ممكن أن يفتكر أسماهم‏.‏

سئل من هو الآخر في الذين كتب لهم فجاوب أنه يسمى محمد مغربي السويسي بياع عرقسوس وأنه ما كتب لأحد في الجيزة‏.‏

سئل ثانيًا عن سبب روحته للجيزة فجاوب دائمًا أنه كان قاصدًا أن ينشبك كاتبًا‏.‏

سئل كيف مسكوه فيجنينة ساري عسكر فجاوب أنه ما انمسك في الجنينة بل في عارض الطريق فذاك الوقت انقال له انه ما ينجيك إلا الصحيح لأن عسكر الملازمين مسكوه في الجنينة وفي المحل ذاته انوجدت السكينة وفي الوقت انعرضت عليه فجاوب صحيح أنه كان في الجنينة ولكن ما كان مستخبي بل قاعد لأن الخيالة كانت ماسكة الطرق وما كان يقدر أن يروح للمدينة وأن ما كان عنده سكينة ولم يعرف أن كان هذا موجود في الجنينة‏.‏

سئل لأي سبب كان تابع ساري عسكر من الصبح فجاوب أنه كان مراده فقط يشوفه‏.‏

سئل هل يعرف حتة قماش خضرة التي باينة مقطوعة من لبسه وكانت انوجدت في المحل الذي انغدر فيه ساري عسكر فجاوب بأن هذه ما هي تعلقه‏.‏

سئل إن كان تحدث مع أحد في الجيزة وفي أي محل نام فجاوب أنه ما تكلم مع ناس إلا لأجل مشترى بعض مصالح وأنه نام في الجيزة في جامع فأشاروا له على جروحاته التي ظاهرة في دماغه وقيل له إن هذه الجروحات بينت أنه هو الذي غدر ساري عسكر لأن أيضًا الستوين بروتاين الذي كان معه عرفه وضربه كم عصاية الذين جرحوه فجاوب أنه ما انجرح إلا ساعة ما مسكوه‏.‏

سئل هل كان تحدث نهار تاريخه مع حسين كاشف أو مع مماليكه فجاوب أنه ما شافهم ولا كلمهم فلما أن كان المتهوم لم يصدق في جواباته أمر ساري عسكر أنهم يضربونه حكم عوائد البلاد فحالًا انضرب لحد أنه طلب العفو ووعد أنه يقر بالصحيح فارتفع عنه الضرب وانفكت له سواعده وصار يحكي من أول وجديد كما هو مشروح‏.‏

سئل كم يوم له في مدينة مصر فجاوب أنه له واحد وثلاثين يومًا وأنه حضر من غزة في ستة أيام على هجين‏.‏

سئل لأي سبب حضر من غزة فجاوب لأجل أن يقتل ساري عسكر العام‏.‏

سئل من الذي أرسله لأجل أن يفعل هذا الأمر فجاوب أنه أرسل من طرف أغات الينكجرية وأنه حين رجعل عساكر العثملي من مصر الى بر الشام أرسلوا الى حلب بطلب شخص يكون قادرًا على قتل ساري عسكر العام الفرنساوي ووعدوا لكل من يقدر على هذه المادة أن يقدموه في الوجاقات ويعطوه دراهم ولأجل ذلك هو تقدم وعرض روحه لهذا‏.‏

سئل من هم الناس الذين تصدروا له في هذه المادة في بر مصر وهل سارر أحدًا على نيته فجاوب أن ما أحد تصدر له وأنه راح سكن في الجامع الأزهر وهناك شاف السيد محمد الغزي والسيد أحمد الوالي والشيخ عبد الله الغزي والسيد عبد القادر الغزي الذين ساكنون في الجامع المذكور فبلغهم على مراده فهم أشاروا عليه أنه يرجع عن ذلك لأن غير ممكن أن يطلع من يده ويموت فرط وأن كان لازم يشخصوا واحدًا غيره في قضاء هذه المادة ثم أنه كل يوم كان يتكلم معه في الشغل المذكور وأن أمس تاريخه قال لهم إنه رائح يقضي مقصوده ويقتل ساري عسكر وأنه توجه الى الجيزة حتى ينظر إن كان يطلع من يده وأن هناك قابل النواتية بنوع قنجة ساري عسكر فاستخبر عليه منهم إن كان يخرج برًا فسألوه ايش طالب منه فقال لهم إن مقصوده يتحدث معه فقالوا له إنه كل ليلة ينزل في جنينة ثم صباح تاريخه شاف ساري عسكر معديًا للمقياس وبعده ماشي الى المدينة فتبعه لحين ما غدره هذا الفحص صار من حضرة ساري عسكر منو بحضور باقي سواري العساكر الكبار وملازمين ببيت ساري عسكر العام ثم انختم بإمضاء ساري منو والدفتردار سارتلون في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثم انقرا على المتهوم وهو أيضًا خط يده واسمه بالعربي سليمان إمضاء ساري عسكر عبد الله منو إمضاء عسكر داماس إمضاء الجنرال والتين إمضاء الجنرال موراند إمضاء الجنرال مارتينه إمضاء دفتردار البحر لروا إمضاء الدفتردار سارتلون إمضاء الترجمان لوماكا إمضاء الترجمان حنا روكه إمضاء داميانوس براشويش كاتم السر وترجمان ساري عسكر العام‏.‏

فحص الثلاثة مشايخ المتهمين نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثامنة بعد الظهر حضروا في منزل ساري عسكر العام أمير الجيوش الفرنساوية السيد عبد الله الغزي ومحمد الغزي والسيد أحمد الوالي وهم الثلاثة متهومين في قتل ساري عسكر العام كلهبر فساري عسكر منو أمر بفحصهم فبدئ ذلك حالًا في حضور بعض سواري العساكر المجتمعين لذلك وبواسطة الستوين لوماكا الترجمان كما يذكر أدناه السيد عبد الله الغزي هو الذي سئل أولًا لوحده‏.‏

سئل عن اسمه وعن مسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى السيد عبد الله الغزي ولادة غزة ومسكنه في مصر في الجامع الأزهر وهناك كان كاره مقرئ القرآن وأنه لم يعرف كم عمره ولكن تخمينه يجيء ثلاثين سنة‏.‏

سئل إن كانت سكنته في الجامع الأزهر هل يعرف جميع الغرباء الذين يدخلونه فجاوب أنه ساكن ليل ونهار ويعرف الغرباء الذين فيه‏.‏

سئل هل يعرف رجلًا حضر من بر الشام من مدة شهر فجاوب أن من مدة خمسين يوم ما شاف أحدًا حضر من بر الشام فقيل له إن رجلًا من طرف عرضي الوزير حضر من مدة ثلاثين يومًا قال إنه يعرفك والظاهر أنك لم تتكلم بالصدق فجاوب أنه ملهي دائمًا في وظيفته وأنه ما شاف أحدًا من بر الشام بل سمع أن قافلة كانت وصلت من ناحية الشرق فقيل له أيضًا إن ناسًا حضروا من بر الشام يقولون إنهم تكلموا معه ويعرفون فجاوب أن هذا غير ممكن وأنهم يقابلوه مع الذي فتن عليه‏.‏

سئل هل يعرف واحدًا اسمه سليمان كاتب عربي حضر من حلب من مدة ثلاثين يومًا فجاوب لا فقيل له إن هذا الرجل يحقق أنه شافه وأنه أخبره ببعض أشياء لازمة فجاوب أنه ما شافه وأن هذا الرجل كذاب وأنه يريد أن يموت إن كان ما يحكي الصحيح فحالًا ساري عسكر نده الى محمد الغزي الذي هو أيضًا متهوم في قتل ساري عسكر وبدئ الفحص كما يذكر‏.‏

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى الشيخ محمد الغزي وعمره نحو خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وسكن بمصر في الجامع الأزهر ثم صنعته مقرئ القرآن من مدة خمس سنين وما يخرج من الجامع إلا لكي يشتري ما يأكل‏.‏

سئل هل يعرف الغرباء الذين يجيئون يسكنون في الجامع فجاوب أن في بعض الأوقات يحضر ناس غرباء وأما البواب فهو الذي يقارشهم ومن قبله ينام بعض ليالي في الجامع والبعض في بيت الشيخ الشرقاوي‏.‏

سئل هل يعرف رجلًا يسمى سليمان حضر من بر الشام من مدة ثلاثين يومًا فجاوب أنه لم سئل أنه يحكي على الذي تكلم به معه سليمان فإن المذكور يحقق أنه تكلم معه في الجامع فجاوب أنه يعرفه من مدة ثلاث سنين وأنه كان عنده خبر أنه راح مكة وأما من بعده ما شافه ولم يعرف إن كان رجع أم لا‏.‏

سئل هل السيد عبد الله الغزي يعرفه أيضًا فجاوب نعم فقيل له محقق إن أمس تاريخه سليمان المذكور تحدث معه حصة طيبة وأن الشواهد موجودة فجاوب أن هذا صحيح سئل لأي سبب كان بدأ يقول إنه ما شافه فجاوب أن تخمينه ما قال هذا وأن المترجمين غلطوا‏.‏

سئل هل سليمان المذكور ما بلغه عن شيء مذنب قوي وتحقيقًا لذلك معلوم عندنا أنه كان قصده يحوشه فجاوب أنه لم يعرف هذا الأمر وأن سليمان المذكور راح وجاء كام مرة الى مصر وبقي له هنا مقدار شهر فقيل له إنه موجود شواهد أن سليمان المذكور كان أخبره أن مراده أن يغدر ساري عسكر العام وأنه أراد أن يمنعه فجاوب أنه ما بلغه عن هذا الأمر بل أمس تاريخه قال له إنه رائح ويمكن أن ما بقى يرجع فبعده أحضرنا عبد الله الغزي لأجل ينفحص ثانيًا كما يذكر أدناه‏.‏

سئل لأي سبب قال إنه لم يعرف سليمان الحلبي حين سألوه عنه بحيث أن موجودة شواهد أن هذا له في مصر واحد وثلاثون يومًا وأنه تقابل وإياه جملة مرات وتحدث معه أكثر الأيام فجاوب سئل هل يعرف واحد يسمى محمد الغزي الذي هو مثله مقرئ القرآن في جامع الأزهر فجاوب نعم‏.‏

سئل السيد عبد الله المذكور لأي سبب أنكر ذلك فجاوب أنهم لخبطوا عليه السؤال وأن هذا الوقت بحيث أنهم سألوه عن سليمان الذي في حلب فيقر أنه يعرفه فقيل له إنه معلوم عندنا أنه شافه مرارًا كثيرة وتحدث معه فجاوب أنه بقي له ثلاثة أيام ما شافه‏.‏

سئل هل أنه ما قصد يمنعه عن قتل ساري عسكر العام فجاوب أنه ما قال له أبدًا على هذا الأمر وأنه لو كان بلغه منه ذلك كان منعه بكل قدرته‏.‏

سئل لأي سبب ما يحكي الصحيح بحيث أنه موجودة عليه شواهد فجاوب أنه غير ممكن يوجد عليه شواهد وأنه ما شاف سليمان المذكور إلا لأجل أن يسلموا على بعض حين تقابلوا‏.‏

سئل هل سليمان ما أخبره أبدًا عن سبب مجيئه الى مصر فجاوب حاشا فبعد ذلك أخروا الاثنين المذكورين وأحضروا السيد أحمد الوالي الذي هو متهوم وسئل كما يذكر‏.‏

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى السيد أحمد الوالي ولادة غزة وصنعته مقرئ القرآن في الجامع الأزهر من مدة عشر سنين ولم يعرف كم عمره‏.‏

سئل هل يعرف الغرباء الذين يدخلون في الجامع فجاوب أن وظيفته يقرأ ولا ينتبه الى الغرباء فقيل له إن بعض الغرباء الذين حضروا هناك عن قريب يقولون إنهم شافوه في الجامع فجاوب أنه ما شاف أحدًا‏.‏

سئل هل شاف رجلًا حضر من بر الشام من طرف الوزير وهذا الرجل قال إنه يعرفه فجاوب لا وإن كانوا يقدروا يحضروا هذا الرجل حتى يقابله‏.‏

سئل هل يعرف سليمان الحلبي فجاوب أنه يعرف واحدًا يسمى سليمان الذي كان يروح يقرأ عند واحد أفندي وكان طالب أنه يستقيم في الجامع وأن هذا الرجل قال إنه من حلب ومن مدة عشرين يومًا كان شافه وبعدها ما قابله ثم كان قال له إن الوزير في يافا وإن عساكره ما كان عندهم دراهم وكانوا يفوتوه‏.‏

سئل هل هذا الرجل المذكور ما هو تحت حمايته فجاوب أنه لم يعرفه طيبًا حتى يضمنه‏.‏

سئل هل الاثنان الآخران المتهومان معارفه وهل أن الثلاثة تحدثوا سواء عن قريب أم أمس تاريخه مع سليمان المذكور فجاوب لا بل إنه يعرف أن سليمان المذكور كان حضر لزيارة الجامع وأنه وضع في الجامع جملة أوراق مضمونها أنه كان قوي متعبدًا لخالقه‏.‏

سئل هل المذكور أمس أيضًا ما وضع أوراقًا في الجامع فجاوب أن ما عنده خبر بذلك‏.‏

سئل هل ما منع سليمان عن فعل ذنب بليغ فجاوب أنه أبدًا ما حدثه بهذا الشيء ولكن قال له سئل ايش هو الجنان الذي قاصد يعمله وحدثه عليه فجاوب أنه قال له إنه كان مراده يغازي في سبيل الله وإن هذه المغازاة هي قتل واحد نصراني وليكن ما أخبره باسمه وأنه قصد يمنعه بقوله إن ربنا أعطى القوة للفرنساوية ما أحد يقدر يمنعهم حكم البلاد فبعد هذا المتهوم المذكور انشال لمحلة وهذا الفحص تحتم بحضور سواري العساكر المجموعين بإمضاء ساري عسكر منو والدفتردار سارتلون الذي هو ذاته حرر هذا الفحص ساري عسكر منو ثم بعد قراءته على المتهومين وضعوا أسماءهم وخطهم بالعربي تحريرًا في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثلاثة إمضاءات بالعربي إمضاء ساري عسكر منو إمضاء الدفتردار سارتلون إمضاء الترجمان لوماكا ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية في مصر‏.‏

المادة الأولى - أن ينشأ ديوان قضاة لأجل أن يشرعوا على الذين غدروا ساري عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال‏.‏

المادة الثانية - القضاة المذكورون يكونوا تسعة وهم ساري عسكر رينيه ساري عسكر فرياند ساري عسكر روبين الجنرال موراند رئيس المعمار بريراند الوكيل رجينيه دفتردار البحر لرو والدفتردار سارتلون في وظيفة مبلغ والوكيل لبهر في وظيفة وكيل الجمهور‏.‏

المادة الثالثة - القضاة المذكورون ينظر لهم كاتم سر‏.‏

المادة الرابعة - القضاة المذكورون مفوضون الأمر في الكشف والتفتيش وحوش كل من يريدوا حتى أنهم يطلعوا على الذين لهم حصة في الذنب المذكور أو يكون عندهم خبرة المادة الخامسة - القضاة المذكورون يتفقوا على العذاب اللائق الى موت القاتل ورفقائه‏.‏

المادة السادسة - القضاة المذكورون يجتمعوا من نهار تاريخه الذي هو السادس والعشرون من شهر برريال لحد خلاص الشريعة المذكورة إمضاء ساري عسكر منو وهذه نسخة من الأصل إمضاء الجنرال رنه كتخدا مدبر الجيوش الفرنسية‏.‏

شرح اجتماع القضاة في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في اليوم السادس والعشرين من شهر برريال حكم أمر ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوي المحرر في نهار تاريخه اجتمعوا في بيت ساري عسكر رينيه المذكور وساري عسكر وبين ودفتردار البحر لو والجنرال مارتينه عوضًا عن ساري عسكر فرياند حكم أمر ساري عسكر منو ثم الجنرال موراند ورئيس العسكر جرجه ورئيس العمارة برتراند ورئيس المدافع فاورو الوكيل رجيه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل أبهر في وظيفة وكيل الجمهور لأجل قضاء شريعة قتل ساري عسكر العام كلهبر الذي انغدر أمس تاريخه القضاة المذكورون اجتمعوا مع شيخهم ساري عسكر رينيه وعلى قرار أمر ساري عسكر منو المشروح أعلاه وحكم المادة الثالثة المحررة فيه استخصوا كاتم السر لهم الوكيل بينه الذي حلف كما هي العوائد ولزم وظيفته ثم القضاة المذكورون وكلوا ساري عسكر رينيه والمبلغ الدفتردار سارتلون في التفتيش والحبس لكل من اكتشفوا عليه حكم ما هو محرر في المادة الرابعة المحررة أعلاه وهذا لكي يظهروا رفقاء القاتل ثم أن السكينة التي وجدت مع القاتل حين انمسك تبقى عند كاتم السر لأجل يظهرها في الوقت الذي يلزم ثم وعدوا المجلس لصباح تاريخه في الساعة الرابعة قبل الظهر ثم حرروا خط يدهم مع كاتم السر إمضاء الوكيل رجنيه إمضاء رئيس المعمار بريراند إمضاء رئيس المدافع فاور إمضاء رئيس العسكر جرجه إمضاء الجنرال موراند إمضاء الجنرال مارتينه إمضاء دفتردار البحر لرو إمضاء ساري عسكر روبين إمضاء ساري عسكر رينيه إمضاء كاتم السر بينه إقرار الشهود نهار تاريخه في ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون أسماءنا فيه الدفتردار سارتلون المسمى من حضرة ساري عسكر العام منو أمير الجيوش في وظيفة مبلغ حكم الأمر الذي خرج من طرفه‏.‏

انتشار القضاة في شرع القاتلين ساري عسكر العام كلهبر والسيتوين بينه المسمى من القضاة المذكورين في مرتبة كاتم السر أنه حضر بين يدنا يوسف برين عسكري خيال من الطبجية الملازمين بيت ساري عسكر العام وقال لنا هو ورفيقه خيال أيضًا يسمى روبرت مسكوا المسلم سليمان المتهوم في غدر ساري عسكر العام وأنهم وجدوه في الجنينة التي معمول فيها الحمامان الفرنساويان الملتزقان بجنينة ساري عسكر وأنهم رأوه مخبأ بين حيطان الجنينة المهدودة وأن الحيطان المذكورة كانت ملغمطة بدم في بعض نواحي وأن سليمان المذكور كان أيضًا ملغمطًا بدم وأنهم مسكوه في هذه الحالة وأن بعده التزموا يضربوه بالسيف لأجل يمشوه ثم برين المذكور قال إن بعد حوشة سليمان بساعة في الموضع ذاته الذي كان مخبأ فيه شاف سكينة بدمها وأنه سلم السكينة في بيت ساري عسكر العام فقربنا إليه إقراره هذا وسألناه هل فيه شيء زائد أم ناقص فجاوب إن هذا كل الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا إمضاء برين الخيال إمضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه ثم حرر أيضًا بين أيدينا الشاهد الثاني وهو السيتوين روبرت الخيال أحد الطبجية الملازمين وقال إنه حين كان يفتش على الذي قتل ساري عسكر دخل في الجنينة التي فيها الحمامان الفرنساويان لزق جنينة ساري عسكر العام وهناك شاف برفقة برين المذكور سليمان الحلبي مستخبى في ركن حيطان مهدودة وكان ملغمط دم وفي رأسه شرموطة زرقاء وأن في هذه الحالة عرفت أن هذا هو القاتل وأن الحيطان التي كان فات عليها كانت أيضًا ملغمطة دم وأن حين مسكوه بان منه وهم وأن بعد حوشته بساعة شاف برفقة السيتوين برين في الموضع ذاته سكينة بدمها وأنهم سلموها في بيت ساري عسكر العام والسكينة المذكورة كانت مخبية تحت الأرض فقرأنا عليه إقراره هذا ثم سألناه إن كان ما فيه زائد أم ناقص فجاوب أن هذا هو الذي فعله وشافه ثم حرر خط يده معنا حرر بمدينة مصر في النهار والشهر والساعة المحررة أعلاه إمضاء روبرت الخيال إمضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه أنا الدفتردار سارتلون المبلغ رحت الى بيت السيتوين بروتاين لأنه كان راقدًا بسبب جروحاته ثم استلمت منه التبليغ الآتي أدناه‏:‏ أنا حنا قسطنطين بروتاين المهندس وعضو أعضاء مدرسة العلم في بر مصر أنني كنت أتمشور تحت الكعبية الكبيرة التي في جنينة ساري عسكر وتطل على بركة الأزبكية وكنت برفقة ساري عسكر العام فنظرت رجلًا لابسًا عثملي خارج من مبتدأ التكعيبة من جنب الساقية فأنا كنت بعيد كام خطوة عن ساري عسكر أنادي على الغفراء فانتبهت لأجل أشوف السيرة رأيت أن الرجل المذكور يضرب ساري عسكر بالسكينة ذاتها كام مرة فارتميت على الأرض وفي الوقت سمعت ساري عسكر يصرخ ثانيًا فهميت ورحت قريبًا من ساري عسكر فرأيت الرجل يضربه فهو ضربني ثانيًا كام سكينة التي رمتني وغيبت صوابي وما عدت نظرت شيا غير أنني أعرف طيب أننا قعدنا مقدار ستة دقائق قبل ما أحد يسعفنا فبعده قريت هذا الإقرار على السيتوين بروتاين وسألته هل فيه زائد أم ناقص فجاوب أن هذا الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا إمضاء بروتاين إمضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه والسيتوين بروتاين بعدما ختم الورقة أعلاه قال إن مقصوده يضيف عليها أن بعد غدر ساري عسكر بزمان قليل حين شاف سليمان الحلبي الذي هو متهوم في غدره وغدر ساري عسكر العام عرفه أنه هو ذاته الذي كان ضرب ساري عسكر وبعده ضربه سليمان المذكور كام سكينة غيبت صوابه فقرينا عليه أيضًا هذه الإضافة فجاوب أنها حاوية الحق وما فيها زائد ولا ناقص ثم ختمها معنا إمضاء بروتاين سارتلون إمضاء كاتم السر بينه نهار تاريخه ستة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المأمور في شرع قتلة ساري عسكر العام كلهبر ذهبت الى مساعدين ساري عسكر المذكور لأجل أن أسمع إقرارهم ثم كان معي كاتم السر بينه وهم قالوا لنا كما يذكر أدناه السيتوين فورتونه دهوج ابن أربعة وعشرين سنة فسيال في طابور الخيالة ومساعد عند ساري عسكر كلهبر قال إنه في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال كان ساري عسكر العام حين حضر الى الأزبكية يشوف بيته الذي كان داير فيه العمارة وأنه شاف رجلًا بعمة خضراء ودلق وحش وكان دائمًا تابع ساري عسكر حين كان دائر يتفرج على المحلات وأنه هو وخلافه حسبوا هذا الرجل من جملة الفعلة فما أحد سأله ولكن حين نزل ساري عسكر من بيته الى الجنينة لأجل ينفذ الى جنينة ساري عسكر داماس السيتوين دهوج شاف الرجل المذكور مدسوس بين جماعة ساري عسكر فنهره وطرده برا فبعد ساعتين حين انغدر ساري عسكر السيتوين دهوج المذكور عرف دلق الخائن لأنه كان رماه جنب ساري عسكر وبعده حين انمسك الرجل فعرفه أنه هو الذي قبل بشويه طرده من الجنينة ثم قرئ هذا المضمون على السيتوين دهوج المذكور لأجل بيان هل يوجد شيء خلافه يزيد أن ينقص فجاوب أن هذا الحق حكم ما عاين وفعل ثم حرر خط يده مع كاتم السر تحريرًا في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه إمضاء السيتوين دهوج إمضاء سارتلون إمضاء بينه كاتم السر‏.‏

ثاني فحص سليمان الحلبي نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهوري الفرنساوي نحن الواضعون أسماءنا فيه الدفتردار سارتلون برتيه مبلغ والوكيل بينه في رتبة كاتم سر القضاة المنقامين الى شرع كل من هو متهوم في غدر ساري عسكر العام كلهبر أحضر سليمان الحلبي لأجل نسأله من أول وجديد عن صورة غدر وقتل ساري عسكر وهذا صار بواسطة سئل المذكور عن قصة ساري عسكر فجاوب أنه حضر من غزة مع قافلة حاملة صابون ودخان وأنه كان راكب هجين وبحيث أن القافلة كانت خائفة أن تنزل بمصر توجهت الى ريف يسمى الغيطة في ناحية الألفية وهناك استكرى حمارًا من واحد فلاح وحضر لمصر ولكن لم يعرف الفلاح صاحب الحمار ثم أن أحد آغا وياسين آغا من أغوات الينكجرية بحلب وكلوه في قتل ساري عسكر العام بسبب أنه يعرف مصر طيب بحيث أنه سكن فيها سابق ثلاث سنوات وأنهم كانوا وصوه أنه يروح ويسكن في الجامع الأزهر وأن لا يعطي سره لأحد كليًا بل يوعي لروحه ويكسب الفرصة في قضاء شغله لأنها دعوة تحب السر والنباهة ثم يعمل كل جهده حتى يقتل ساري عسكر لكن حين وصل الى مصر التزم يسارر الأربعة مشايخ الذين أخبر عنهم لأنه لو كان ما قال لهم فما كانوا يسكنونه في الجامع وأنه كان كل يوم يتحدث معهم في هذا الأمر وأن المشايخ المذكورين قصدوا يغيروا عقله عن هذا الفعل بقولهم إنه ما يقدر عليه وهو ما دعاهم لمساعدته لأنه كان يعرفهم بليدين وأن اليوم الذي قصد التوجه فيه ليقتل ساري عسكر قابل أحدهم الذي هو محمد الغزي فعرفه أن مقصوده أن يتوجه الى الجيزة ليفعل هذا الغدر وأن تخمينه أنه مثل المجنون من حين أراد أن يقضي هذا الأمر لأنه لو كان له عقل ما حضر من غزة لهذا الأمر وأن الأوراق التي وضعها هي بعض آيات من القرآن لأنه عوائد الكتبة أولاد العرب وضعوا ذلك في الجامع وأنه ما أخذ دراهم من أحد في مصر لأن الأغوات كانوا أعطوا له كفايته وأن الأفندي الذي كان يروح يقرأ عنده يسمى مصطفى أفندي وكان يقرأ عليه نهار الاثنين والخميس تبع العادة ولكن ما أخبره بسر خوفًا أن ينشهر وأما من قبل الأربعة مشايخ المذكورين صحيح أنه قال لهم كل شيء لأنهم من أولاد بلاده ثم حقق لهم أنه ناوي أن يغازي في سبيل الله‏.‏

سئل أين كان هو حين رجع الوزير من بر مصر في ابتداء شهر جرمنيال الموافق لشهر الإسلام ذي القعدة فجاوب أنه كان في القدس حاجج من حين كان الوزير أخذ العريش‏.‏

سئل أين شاف أحمد آغا الذي يقول إنه عرض عليه مادة قتل ساري عسكر وفي أي يوم قال له ذلك فجاوب أنه حين انكسر الوزير رجع الى العريش وغزة في أواخر شوال أو في أوائل شهر ذي القعدة الموافق لشهر جرمنيال الفرنساوي وأن أحمد آغا المذكور هو من جملة أغوات الوزير ولكن كان رسم عليه في غزة من حين أخذ العريش وحين رجع أرسله الى القدس في بيت المتسلم ثم أنه يوم وصوله توجه سلم عليه في بيت المتسلم وشكا له من ابراهيم باشا متسلم حلب الذي كان يظلم أباه الذي يسمى الحاج محمد أمين بياع سمن وحططوه غرامات زائدة ومن الجملة واحدة قبل سفر الوزير من الشام ثم وقع بعرضه بشأن ذلك ثم أنه رجع عند أحمد آغا ثاني يوم وأن الآغا في وقتها قال له إنه محب ابراهيم باشا وأنه ما يقصر ويوصيه في راحة أبيه ولكن بشرط أنه يروح يقتل أمير الجيوش الفرنساوية ثم في ثالث ورابع يوم كرر عليه أيضًا هذا السؤال وحالًا أرسله الى ياسين آغا في غزة لأجل أن يعطي له مصروفه وأنه من بعد هذا الكلام بأربعة أيام سافر من القدس الى الخليل وهناك قعد كام يوم وما وصله ولا مكتوب من أحمد آغا وأما أحمد آغا المذكور كان أرسل خدامًا الى غزة لأجل يخبر ياسين آغا بالذي اتفقوا عليه‏.‏

سئل كم يوم قعد في الخليل فجاوب عشرين يومًا‏.‏

سئل لأي سبب قعد عشرين يومًا في الخليل وهل في هذه المدة ما وصله مكاتيب من الاثنين الأغوات فجاوب أن السكة كانت ملآنة عرب وأنه خائف منهم فالتزم يستنظر سفر القافلة التي سافر برفقتها وأنه كان في غزة في أواخر شهر ذي القعدة الموافق لغرة شهر فلوريال الفرنساوي‏.‏

سئل ايش عمل في غزة وايش قال له ياسين آغا فجاوب أن ثاني يوم وصوله راح شاف الآغا والمذكور قال له إنه يعرف الشغل الذي هو سبب مشواره هذا وإنه أسكنه في الجامع الكبير وهناك مرار عديدة كان يروح يشوفه ليلًا ونهارًا ويتحدث معه في هذا الأمر ووعده أنه يرفع الغرائم عن أبيه وأنه دائمًا يجعل نظره عليه في كل ما يلزمه ثم بلغه عن كل الذي كان لازم يفعله كما شرح أعلاه وهذا صار سرًا بينهم ثم أعطى له أربعين قرشًا لمصروف السفر وبعد عشرة أيام سافر من غزة راكب هجين ووصل هنا بعد ستة أيام كما عرف سابقًا وأن سفره من غزة كان في أوائل شهر ذي الحجة الموافق الى نصف شهر فلوريال الفرنساوي فبقي باين أنه حين غدر ساري عسكر كان له واحد وثلاثيون يومًا في مدينة مصر‏.‏

سئل هل يعرف الخنجر الملغمط دم الذي قتل به ساري عسكر فجاوب نعم يعرفه‏.‏

سئل من أين أحضر هذا الخنجر وهل أحد من الأغوات أعطاه له أم أحد خلافهم فجاوب أنه ما أحد أعطاه له وإنما بحيث أنه كان قاصد قتل ساري عسكر توجه الى سوق غزة واشترى أول سلاح شافه‏.

سئل هل أن أحمد آغا أو ياسين آغا ما حدثاه أصلًا عن الوزير

وعشموه بشيء من طرفه إن كان يقدر يقتل ساري عسكر فجاوب لا بل أنهم ذاتهم وعدوه أنهم يساعدوه في كل ما يلزمه إن كان يخرج هذا الشيء من يده‏.‏

سئل هل أن الوزير نادى في تلك النواحي بقتل الفرنساوية فجاوب أنه لا يعلم بل يعرف أن الوزير كان أرسل طاهر باشا لأجل يعين الذين كانوا بمصر وأنه رجع حين شاف العثملي مقبلين لبر الشام من مصر‏.‏

سئل هل هو فقط الذي توكل في هذه الإرسالية فجاوب أن تخمينه هكذا لأن هذا الكلام قد سئل كيف كان يعمل حتى أنه كان يعرف الأغوات بالذي فعله فجاوب أنه كان قصده يروح هو بنفسه يخبرهم أو يرسل لهم حالًا ساعي فبعد خلاص الفحص المذكور انقرأ على المتهوم وهو حرر خط يده مع المبلغ وكاتم السر والترجمان حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه إمضاء سليمان الحلبي بالعربي إمضاء كاتم السر بينه‏.‏

مقابلة المتهمين مع بعضهم نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المنقامين لشرع كل من هو متهوم في قتل ساري عسكر العام كلهبر أحضرنا الشيخ محمد الغزي لأجل تجدد فحصه ونقابله مع سليمان الحلبي قاتل ساري عسكر ولهذا كان موجود معنا السيتوين بينه كاتم سر القضاة المذكورين وصار كما يذكر أدناه‏.‏

سئل الشيخ محمد الغزي هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم‏.‏

سئل سليمان الحلبي هل يعرف الشيخ محمد الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم‏.‏

سئل محمد الغزي هل أن سليمان الحلبي ما قال له من قيمة واحد وثلاثين يومًا أنه حضر من بر الشام من طرف أحمد آغا وياسين آغا لأجل ساري عسكر العام وهو كل يوم ما حدثه في هذا الشغل حتى أنه في آخر يوم قال له إنه رائح الى الجيزة حتى يغدر ساري عسكر فجاوب أن هذا ما له أصل لكن حين شافوا بعضًا وقع بينهم سلام فقط ومن قبل آخر يوم الذي نوى فيه سليمان على الرواح الى الجيزة جاب له ورق وحبر وقال له إنه ما يرجع إلا غدًا فقيل إنه ما يخبر بالصحيح لأن سليمان يحقق أنه أخبره بهذه السيرة كل يوم وأن عشية قبل غدر ساري عسكر كان قال له إنه رائح لقضاء هذا الأمر فجاوب أن هذا الرجل يكذب‏.‏

سئل هل كان يروح مرارًا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي وهل في الأيام الأخيرة ما راح بات عنده فجاوب أن من حين دخول الفرنساوية ما راح أبدًا بات عنده وأما قبل دخول الفرنساوية كان يبيت عنده بعض مرار فقيل له إنه ما يحكي الصحيح لأن في فحص أمس قال إنه كان يروح مرارًا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما قال ذلك‏.‏

سئل سليمان الحلبي هل يقدر يثبت على الشيخ محمد الحاضر بأنه كل يوم كان يخبره على نيته في قتل ساري عسكر وخصوصًا عشية النهار الذي صباحه صار القتل فجاوب نعم وأنه ما قال إلا الصحيح وأن الشيخ محمد الغزي ما كان يقر بالحق أمرنا بضربه كعادة البلد فحالًا انضرب لحد أنه طلب العفو ووعد أنه يحكي على كل شيء فارتفع عنه الضرب‏.‏

سئل هل سليمان أخبره على ضميره في قتل ساري عسكر فجاوب أن سليمان كان قال له إنه حضر من غزة لأجل أنه يغازي في سبيل الله بقتل الكفرة الفرنساوية وأنه معه عن ذلك بقوله إنه يحصل له من ذلك ضرر وما عرفه أنه مراده يغدر ساري عسكر إلا الليلة التي راح فيها الى الجيزة وصباحها قتله‏.‏

سئل لأي سبب ما حضر أخبرنا على سليمان المذكور فجاوب أنه أبدًا ما كان يصدق أن واحدًا مثل هذا يقدر على قتل ساري عسكر الذي الوزير بذاته ما قدر عليه‏.‏

سئل هل أخبر بالذي قال له عليه سليمان لأحد من المدينة وخصوصًا الى الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما أخبر أحدًا بذلك وحتى إذا وضعوه تحت القتل ما يقول بذلك‏.‏

سئل هل يعرف أحدًا خلاف سليمان حضر لأجل غدر الفرنساوية وأين هم قاعدين فجاوب أنه ما يعرف وأن سليمان ما قال له على أحد‏.‏

سئل سليمان المذكور أنه يشهر رفقاءه فجاوب أنه لم يعرف أحد في مصر وأن تخمينه ما فيه غيره الذي قاصد قتله الفرنساوية فبعد هذا صرفنا محمد الغزي المذكور لحبسه وأبقينا سليمان لأجل نقابله مع السيد أحمد الوالي الذي حالًا أحضرنا لأجل ذلك‏.‏

سئل هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم‏.‏

سئل أيضًا سليمان هل يعرف السيد أحمد الوالي الموجود ههنا فجاوب هو أيضًا نعم‏.‏

سئل السيد أحمد الوالي هل أن سليمان ما أخبره على نيته في قتل ساري عسكر وخصوصًا في العشية التي قصد بها التوجه لذلك فجاوب أن سليمان حين وصل من مدة ثلاثين يومًا كان قال له إنه حضر حتى يغازي في الكفرة وأنه نصحه عن ذلك بقوله إن هذا شيء غير مناسب وما أخبره على سيرة ساري عسكر‏.‏

سئل سليمان المذكور أنه يبين هل حدثه أحمد الوالي في قتل ساري عسكر وكم يوم له ما حدثه فجاوب أن في أوائل وصوله قال له إنه حضر بصدد الغزو في الكفار وأن السيد أحمد ما رضي له بذلك ثم بعد ستة أيام أخبره على نيته في قتل ساري عسكر ومن بعدها عاد حدثه بذلك وقبل الغدر بأربعة أيام ما كان قابله فقيل للسيد أحمد الوالي إنه لم يصدق في قوله لأنه ينكر أن سليمان ما أخبره بأنه كان ناوي بقتل ساري عسكر فجاوب الآن لما فكره سليمان افتكر أنه أخبره‏.‏

سئل لأي سبب ما أشهر سليمان المذكور فجاوب أنه ما أشهره لسببين الأول أنه كان يخمن أنه يكذب والثاني ما كان مستعنيه في فعل مادة مثل هذه‏.‏

سئل هل سليمان ما عرفه برفقائه وهل هو ما تحدث مع أحد بذلك وخصوصًا مع الشيخ الجامع الذي هو ملزوم يخبره بكل ما يجري فجاوب أن سليمان ما قال له على رفقائه وهو ما أخبر بذلك أحدًا ولا أيضًا شيخ الجامع‏.

سئل هل يعرف الأمر الذي خرج من ساري عسكر العام بأن كل من شاف عثملي في البلد يخبر عنه فجاوب أنه ما دري بذلك‏.‏

سئل هل سكن سليمان بالجامع لسبب أنه قال على مراده في قتل ساري عسكر فجاوب لا لأن كل أهل الإسلام تقدر تسكن في الجمع‏.‏

سئل سليمان هل أنه ما قال بأنهم ما كانوا يريدون يسكنوه لولا أنه قال لهم على سبب مجيئه لمصر فجاوب أن كامل الغرباء لازم يخبروا عن سبب حضورهم وأما هو يقول الحق إن ما أحد من المشايخ ارتضى على مقصوده فبعد هذا أرسلنا السيد أحمد الوالي الى حبسه وبقي سليمان الحلبي لأجل مقابلة السيد عبد الله الغزي الذي أحضرناه في الحال‏.‏

سئل سليمان هل يعرف السيد عبد الله الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم‏.‏

سئل السيد عبد الله الغزي هل ما بلغه نية سليمان في قتل ساري عسكر فجاوب وأقر أن يوم حضور سليمان عرفه أنه حضر يغازي في الكفرة وأنه مراده يقتل ساري عسكر وأنه قصد يمنعه عن ذلك‏.‏

سئل لأي سبب ما شكاه فجاوب أنه كان يظن أن سليمان المذكور يتوجه عند المشايخ الكبار وأن المذكورين يمنعوه ولكن من الآن صار يخبر بالذين يحضرون بهذه النية‏.‏

سئل هل يعرف أنه موجود بمصر ناس خلاف سليمان متوكلين في قتل الفرنساوية فجاوب أن ما عنده خبر وأن تخمينه لم يوجد أحد‏.‏

فبعد ذلك انقرأ هذا الفحص على الأربعة المتهومين وهم سليمان الحلبي ومحمد الغزي والسيد أحمد الوالي والسيد عبد الله الغزي وسألوهم هل جواباتهم هذه صحيحة ولا فيها زائد ولا ناقص فأربعتهم جاوبوا لا ثم حرروا خط يدهم معنا بالعربي برفقة الاثنين المترجمين وكاتم السر حرر بمدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه إمضاء المتهومين بالعربي إمضاء الترجمان لوماكا إمضاء دمياسومر براشويش كاتم السر وترجمان ساري عسكر العام إمضاء المبلغ سرتلون إمضاء كاتم السر بينه بعد خلاص الفحص المشروح أعلاه أنا المبلغ سارتلون سألت الأربعة المتهومين المذكورين أنهم يختاروا لهم واحدًا ليتكلم عنهم قدام القضاة ويحامي عنهم والمذكورون قالوا إن ما هم عارفون من يختاروا فأورينا لهم الترجمان لوماكا لأجل يمشي لهم في ذلك‏.‏

بيان فحص مصطفى أفندي نهار تاريخه ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا المبلغ سارتلون وبينه كاتم سر القضاة المنتشرين لشرع كل من كان له جرة في قتل ساري عسكر العام سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب بأنه يسمى مصطفى أفندي ولادة برصة في بر أناضول وعمره واحد وثمانون سنة وساكن في مصر ثم صنعته معلم كتاب‏.‏

سئل هل من مدة شهر شاف سليمان الحلبي فجاوب أن هذا الرجل مشدوده من مدة ثلاث سنين وأنه من مدة عشرة أو عشرين يومًا حضر عنده وبات ليلة ومن حيث أنه رجل فقير قال له يروح يفتش له عن محل غيره‏.‏

سئل هل سليمان المذكور ما أخبره أنه حضر من بر الشام حتى يقتل ساري عسكر العام فجاوب لا بل حضر عنده ليسلم عليه فقط لكونه معلمه من قديم‏.‏

سئل هل سليمان ما عرفه عن سبب حضوره لهذا الطرف وهل هو نفسه ما استخبر عن ذلك فجاوب أن كل اجتهاده كان في أنه يصرفه من عنده بحيث أنه رجل فقير بل سأله عن سبب حضوره فأخبره لأجل يتقن القراءة‏.‏

سئل هل يعرف بأن سليمان راح عند ناس من البلد وخصوصًا عند أحد من المشايخ الكبار فجاوب أنه لا يعرف شيئًا لأنه ما شافه إلا قليلًا وأنه لم يقدر يخرج كثيرًا من بيته بسبب ضعفه وكبره‏.‏

سئل هل أنه ما يعلم القرآن إلا مشاديده فجاوب نعم‏.‏

سئل هل أن القرآن يرضى بالمغازاة ويأمر بقتل الكفرة فجاوب ما يعرف ايش هي المغازاة التي في القرآن ينبي عنها‏.‏

سئل هل يعلم مشاديده هذه الأشياء فجاوب واحد اختيار مثله ما له دعوة في هذه الأشياء بل أنه يعرف أن القرآن ينبي عن المغازاة وأن كل من قتل كافرًا يكسب أجرًا‏.‏

سئل هل علم هذا الغرض لسليمان فجاوب أنه ما علمه إلا الكتابة فقط‏.‏

سئل هل عنده خبر أن أمس تاريخه رجل مسلم قتل ساري عسكر الفرنساوية الذي ما هو من ملته وهو بموجب تعليم القرآن هذا الرجل فعل طيب ومقبول عند النبي محمد فجاوب أن القاتل يقتل وأما هو يظن أن شرف الفرنساوية هو من شرف الإسلام وإذا كان القرآن يقول غيره شيا هو ما له علاقة فحالًا قدمنا سليمان المذكور وقابلناه بمصطفى أفندي ثم سألناه هل شاف مصطفى أفندي مرارًا كثيرة وهل بلغه عن نيته فجاوب أنه ما شافه سوى مرة واحدة لأجل أنه يسلم عليه بحيث أنه معلمه القديم وبما أنه رجل اختيار وضعيف قوى ما رأى مناسب يخبره عن ضميره‏.‏

سئل هل هو من ملة المغازين وهل أن المشايخ سمحوا له في قتل الكفار في مصر ليكتب له أجر ويقبل عند النبي محمد فجاوب أنه ما فتح سيرة المغازاة إلا الى الأربعة مشايخ فقط الذين سئل هل أنه ما تحدث مع الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما شاف هذا الشيخ لأنه ما هو من ملته بسبب أن الشيخ الشرقاوي شافعي وهو حنفي فبعد هذا قرينا على سليمان ومصطفى أفندي إقرارهم هذا فجاوبوا أن هذا هو الحق وما عندهم ما يزيدوا ولا ينقصوا ثم حرروا خط يدهم برفقة الترجمان ونحن حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه إمضاء الاثنين المتهومين بالعربي إمضاء لوماكا الترجمان إمضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه‏.‏

هذه الرواية المنقولة في اليوم السابع والعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من إقامة الجمهور الفرنساوي عن الوكيل سارتلون بحضور مجمع القضاة المفوضين لمحاكمة قاتل ساري عسكر العام كلهبر وأيضًا لمحاكمة شركاء القاتل المذكور‏:‏ يا أيها القضاة إن المناحة العامة والحزن العظيم الذي نحن مشتملون بهما الآن يخبران بعظم الخسران الذي حصل الآن بعسكرنا لأن ساري عسكرنا في وسط نصراته ومماجده ارتفع بغتة من بيننا تحديد قاتل رذيل ومن يد مستأجرة من كبراء ذوي الخيانة والغيرة الخبيثة والآن أنا معين ومأمور لاستدعاء الانتقام للمقتول وذلك بموجب الشريعة من القاتل المسفور وشركائه كمثل أشنع المخلوقات لكن دعوني ولو لحظة خالطًا فيض دموع عيني وحسراتي بدموعكم ولوعاتكم التي سببها هذا المفدي الأسيف والمكرم المنيف فقلبي احتسب جدًا اهتياجه لتأدية تلك الجزية لمستحقها فوظيفتي كأنها ليست في الرؤية إلا ألمًا بتغريق المهيب بماء هذه المصنوعة الشنيعة التي بوقوعها ارتبكت سمعتم الآن قراءة إعلام وفحص المتهمين وباقي المكتوبات عما جرى منهم وقط ما ظهر سيئة أظهر من هذه السيئة التي أنتم محاكمون فيها من صفة الغدارين ببيان الشهود وإقرار القاتل وشركائه والحاصل كل شيء متحد ورامي الضياء المهيب لمناورة ذا القتل الكريه إني أنا راوي لكم سرعة الإعمال جاهد نفسي إن ظفرت لمنع غضبي منهم منها فلتعلم بلاد الروم والدنيا بكمالها أن الوزير الأعظم سلطنة العثمانية ورؤساء جنود جنود عسكرها رذلوا أنفسهم حتى أرسلوا قتال معدوم العرض الى الجريء والأنجب كلهبر الذي لا استطاعوا بتقهيره وكذلك ضعوا الى عيوب مغلوبيتهم المجرم الظالم بالذي ترأسوا قبل السماء والأرض تذكروا جملتكم تلك الدول العثمانية المحاربين من اسلامبول ومن أقاصي أرض الروم وأناضول واصلين منذ ثلاثة شهور بواسطة الوزير لتسخير وضبط بر مصر وطالبين تخليتها بموجب الشروط الذي بمتفقيتهم بذاتهم مانعوا إجراءها والوزير أغرق بر مصر وبر الشام بمناداته مستدعي بها قتل عام الفرنساوية وعلى الخصوص هو عطشان لانتقامه لقتل سر عسكرهم وفي لحظة الذين هم أهالي مصر محتفين بأغويات الوزير كانوا محرومين شفقات ومكارم نصيرهم وفي دقيقة الذين هم أسارى ومجروحين العثملية هم مقبولين ومرعبين في دور ضيوفنا وضعفائنا تقيد الوزير بكل وجوه بتكميل سوء غفارته تلوه منذ زمان طويل واستخدم لذلك آغا مغضوبًا منه ووعد له إعادة لطفه وحفظ رأسه الذي كان بالخطر إن كان يرتضي بذا الصنع الشنيع وهذا المغوي هو أحمد آغا المحبوس بغزة منذ ما ضبط العريش وذهب للقدس بعد انهزام الوزير في أوائل شهر جرمينال الماضي والآغا المرقوم محبوس هناك بدار متسلم البلد وفي ذلك الملجأ فهو مفتكر بإجراء السوء الخبيث الذي يستثقل التقدير لا فهيم ولا معه تدبير سيما هو عامل شيء لإجراء انتقام الوزير وسليمان الحلبي شب مجنون وعمره أربعة وعشرون سنة وقد كان بلا ريب متدنس بالخطايا ظهر عند ذا الآغا يوم وصوله القدس ويترجى صيانته لحراسة أبيه تاجر بحلب من أذيات ابراهيم باشا والي حلب يرجع له سليمان يوم غدره فقد كان استفتش الآغا عن احتيال أصل وفصل ذا الشب المجنون وعلم أنه مشتغل بجامع بين قراء القرآن وأنه هو الآن بالقدس للزيارة وأنه قد حج سابقًا بالحرمين وأن العته النسكي هو منصوب في أعلى رأسه المضطرب من زيغانه وجهالاته بكمالة إسلامه وباعتماده أن المسمى منه جهاد وتهليك غير المؤمنين فمما أنهى وأيقن أن هذا هو الإيمان ومن ذلك الآن مار ما بقي تردد أحمد أغا في بين ما نوى منه فوعد له حمايته وإنعامه وفي الحال أرسله الى ياسين آغا ضابط مقدار من جيوش الوزير بغزة وبعثه بعد أيام لمعاملته وأقبضه الدراهم اللازمة له وسليمان قد امتلأ من خباثته وسلك بالطرق فمكث واحد وعشرين يوم في بلد الخليل بجبرون منتظر فيه قبيلة لذهاب البادية وكل مستعجل ووصل غزة في أوائل شهر فلوريال الماضي وياسين آغا مسكنه بالجامع لاستحكام غيرته والمجنون يواجهه مرارًا وتكرارًا بالنهار والليل مدة عشرة أيام مكثه بغزة يعلمه وبعد ما أعطاه أربعين غرشًا أسديًا ركبه بعقبية الهجين الذي وصل مصر بعد ستة أيام وممتن بخنجر دخل بأواسط شهر فلوريال الى مصر التي قد سكنها سابقًا ثلاث سنين وسكن بموجب تربياته بالجامع الكبير ويتحضر فيه للسيئة التي هو مبعوث لها ويستدعي الرب تعالى بالمناداة وكتب المناجاة وتعليقها بالسور مكانه بالجامع المذكور‏:‏ علاه وتأنس مع الأربعة مشايخ الذين قرأ والقرآن مثله وهم مثله مولودين ببر الشام وسليمان أخبرهم بسبب مراسلته وكان كل ساعة معهم متآمرين به لكن ممنوعين بصعوبة ومخطرات الوحدة محمد الغزي والسيد أحمد الوالي وعبد الله الغزي وعبد القادر الغزي هم معتمدين سليمان بارتهان ما نواه ولا عاملوا شيء لممانعته أو لبيانه وعن مداومة سكونهم به صاروا مسامحين ومشتركين في قبحة القاتل هو منتظر واحد وثلاثين يوم معدودة بمصر فعقبة جزم توجهه الى الجيزة وبذاك اليوم أعقد سره الى الشركاء المذكورين أعلاه وكان كل شيء صار سهل جزم القاتل بمصنوعته الشنيعة وبيوم الغدوة طلع السر عسكر من الجيزة متوجهًا مصر وسليمان طوى الطرق ولحقه هلقدر حتى لزم أن يطردوه مرارًا مختلفة لكن هو المكار عقيب غدارًا تعداه وفي يوم الخامس والعشرين من شهرنا الجاري وصل واختفى في جنينة السر عسكر لتقبيل يده فالسر عسكر لا أبى على قيافة فقره وفي حال ما السر عسكر ترك له يده ضربه سليمان بخنجره ثلاثة جروح وقصد الستوين بروتاين الذي هو رئيس المعمار ومصاحب العرفاء وجاهد لحماية السر عسكر لكن ما نفع جسارته فهو بذاته وقع أيضًا مجروح عن يد القاتل المسفور بستة جروحات وبقي لا مستطيع شيء وهكذا وقع بلا صيانة وهو الذي كان من الأماجد في الحرب ومخاطرات الغزا وهو أول اذين مضوا برياسة عسكر دولة الجمهور الفرنساوي المنصور الرهن الرهين وهو فتح ثانيًا بر مصر حينئذ بهجوم سحائب من العثمانية فكيف اقتدر واضم الوجع العميق الجملة الى دموع الأجناد الى لوعات الرؤساء وجميع الجنرالية أصحابه بالمجاهدة والمماجدة بالمناحة وموالهة العسكر أنتم جميعًا تنعوه والمحاسنات تستأهله وتنبغي له القاتل سليمان ما قدر يهرب من مغاشاة الجيوش غضوبين له الدم ظاهر في ثيابه وخنجره واضطرابه ووحشة وجهه وحاله كشفوا جرمه وهو بالذات مقر بذنبه بلسانه ومسمي شركاء وهو كمادح نفسه للقتل الكريه صنع يديه وهو مستريح بجواباته للمسائل وينظر محاضر سياسات عذابه بعين رفيعة والرفاهية هي الثمر المحصول من العصمة والتفاوه فكيف تظهر بوجوه الآثمين ومسامحينهم شركاء سليمان الأثيم كانوا مرتهنين سره للقتل الذي حصل من غفلتهم وسكوتهم قالوا باطلًا أنهم ما صدقوا سليمان هو مستعدد بذا الإثم وقالوا باطلًا أيضًا أن لو كانوا صدقوا ذا المجنون كانوا في الحال شايعين خيانته لكن الأعمال شهود تزور وتنبئ أنهم قابلوا القاتل وما غيروا له نية إلا خوف مهلكتهم ومصممين تهلكة غيرهم ولا هم مستعذرين وجهًا من الوجوه لا حكى لهم شيء من مصطفى أفندي بما أن لا ظهر شيء عند ذاك الشيب يثبت معاقرته بشكل العذاب اللائق للمذنبين هو تحت اصطفاكم بموجب الأمر من الذي أنتم مأمورون بعقيبه لمحاكمة السيئين وأظن أن يليق أن تصنعوا لهم من العذابات العادية ببلاد مصر ولكن عظمة الإثم تستدعي أن يصير عذابه مهيبًا فإن سألتوني أجبت أنه يستحق الخوزقة وأن قبل كل شيء تحرق يد ذا الرجل الأثيم وأنه هو يموت بتعذيبه ويبقى جسده لمأكول الطيور وبجهة المسامحين له يستحقون الموت لكن بغير عقوبة كما قلت لكم ونبهت فليعلم الوزير والعملية الظالمين تحت أمره حد جزاء الآثمين الذين ارتكبوا بقصد انتقامهم لعدم المروءة أنهم عدموا من عسكرنا واحد مقدام سبب دائمي دموعنا ولوعتنا الأبدية فلا يحسبوا ولا يأملوا بإقلال جزائنا إنما خليفة السر عسكر المرحوم هو رجل قد شهر شجاعة ومضى قدماه بصفاء ضمير منير وهو مشار إليه بالبنان لمعرفته بتدبير الجنود والجمهور المنصور وهو يهدينا بالنصرة وأما أولئك المعدومون القلب والعرض فلا احمرت وجوههم بانتقامهم وانهزامهم باق ثم عدم اعتبارهم بالتواريخ لأبدانهم باقين بالرذالة لا نفع لهم قدام العالم إلا اكتساب خجالتهم ولعدم أولًا - أن سليمان الحلبي مثبت اسمه الكريه بقتل السر عسكر كلهبر فلهذا هو يكون مدحوضًا بتحريق يده اليمنى وبتحريقه حتى يموت فوق خازوقه وجيفته باقية فيه لمأكولات الطيور‏.‏

ثانيًا - أن الثلاثة مشايخ المسمين محمد الغزي وعبد الله الغزي وأحمد الغزي يكونون متبينين منكم أنهم شركاء لهذا القاتل فلذلك يكونون مدحوضين بقطع رؤوسهم‏.‏

ثالثًا - أن الشيخ عبد القادر الغزي يكون مدحوضًا بذلك العذاب‏.‏

رابعًا - أن إجراء عذابهم يصير بعودة المجتمعين لدفن السر عسكر وأمام العسكر وناس البلد لذاك الفعل موجودين فيه‏.‏

خامسًا - أن مصطفى أفندي تبين غير مثبوت مسامحته وهو مطلوق الى ما نرى‏.‏

سادسًا - أن ذا الإعلام وبيناته وما جرى بطبع في خمس نسخ ويؤول من لسان الفرنساوي بالعربي والتركي لتلزيقها بمحلات بلاد بر مصر بكمالها بموجب المأمور حرر بمصر القاهرة في اليوم السابع وعشرين من شهرنا برريال سنة ثمانية من إقامة الجمهور المنصور ممضي سارتلون‏.‏

الفتوى الخارجة من طرف ديوان القضاة المنتشرين بأمر ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية في مصر لأجل شرعية كل من له جرة في غدر وقتل ساري عسكر العام كلهبر في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي وفي اليوم السابع والعشرين من شهر برريال اجتمعوا في بيت ساري عسكر رينيه المذكور وساري عسكر روبين ودفتردار البحر لرو والجنرال مارتينه والجنرال مورانه ورئيس العسكر جوجه ورئيس المدافع فاور ورئيس المعمار برترنه والوكيل رجينه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل لبهر في ربتة وكيل الجمهور والوكيل بينه في رتبة كاتم السر وهذا ما صار حكم أمر ساري عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية الذي صدر أمس وأقام القضاة المذكورين لكي يشرعوا على الذي قتل ساري عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من الشهر ولكي يحكموا عليه بمعرفتهم فحين اجتمعوا القضاة المذكورون وساري عسكر رينيه الذي هو شيخهم أمر بقراءة الأمر المذكور أعلاه الخارج على يد ساري عسكر منو ثم بعده المبلغ قرأ كامل الفحص والتفتيش الذي صدر منه في حق المتهومين وهم سليمان الحلبي والسيد عبد القادر الغزي ومحمد الغزي وعبد الله الغزي وأحمد الوالي ومصطفى أفندي فبعد قراءة ذلك أمر ساري عسكر رينيه بحضور المتهومين المذكورين قدام القضاة وهم من غير قيد ولا رباط بحضور وكيلهم والأبواب مفتحة قدام كامل الموجودين فحين حضروا ساري عسكر رينيه وكامل القضاة سألوهم جملة سؤالات وهذا بواسطة الخواجا براشويش الترجمان فهم ما جاوبوا إلا بالذي كانوا قالوه حين انفحصوا فساري عسكر رينيه سألهم أيضًا إن كان مرادهم يقولوا شيئًا مناسبًا لتبرئتهم فأجابوه بشيء فحالًا ساري عسكر المذكور أمر بدرهم الى الحبس مع الخفراء عليهم ثم أن ساري عسكر رينيه التفت الى القضاة وسألهم إيش رأيهم في عدم حديث المتهومين وأمر بخروج كامل الناس من الديوان وقفل المحل عليهم لأجليستشاروا بعضهم من غير أن أحدًا يسمعهم ثم انوضع أول سؤال وقال‏:‏ سليمان الحلبي ابن أربعة وعشرين سنة وساكن بحلب متهم بقتل ساري عسكر العام وجرح السيتوين بروتاين المهندس وهذا صار في جنينة ساري عسكر العام في خمسة وعشرين من الشهر الجاري فهل هو مذنب فالقضاة المذكورون ردوا كل واحد منهم لوحده والجميع بقول واحد أن سليمان الحلبي مذنب‏.‏

السؤال الثاني - السيد عبد القادر الغزي مقرئ قرآن في الجامع الأزهر ولادة غزة وساكن في مصر متهوم أنه بلغه بالسر في غدر ساري عسكر العام وما بلغ ذلك وقصد الهروب فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تمامًا أنه مذنب‏.‏

ثم وضع السؤال الثالث وقال‏:‏ محمد الغزي ابن خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وساكن في مصر مقرئ قرآن في الجامع الأزهر متهوم أنه بلغه بالسر في غدر ساري عسكر وأنه حين ذلك الغادر كان نوى الرواح لقضاء فعله بلغه أيضًا وهو ما عرف أحدًا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تمامًا أنه مذنب‏.‏

السؤال الرابع‏:‏ - عبد الله الغزي ابن ثلاثين سنة ولادة غزة ومقرئ قرآن في الجامع الأزهر متهوم أنه كان يعرف في غدر ساري عسكر وأنه ما بلغ أحدًا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تمامًا أنه مذنب‏.‏

السؤال الخامس - أحمد الوالي ولادة غزة مقرئ قرآن في جامع الأزهر متهوم أن عنده خبر في غدر ساري عسكر وأنه ما بلغ أحدًا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تمامًا أنه مذنب‏.‏

السؤال السادس - مصطفى أفندي ولادة برصة في بر أناضول عمره واحد وثمانين سنة ساكن في مصر معلم كتاب ما عنده خبر بغدر ساري عسكر فهل هو مذنب فالقضاة تمامًا جاوبوا بأنه غير مذنب وأمروا بإطلاقه فبعد ذلك القاضي وكيل الجمهور طلب أنهم يفتوا بالموت على المذنبين المشروحين أعلاه فالقضاة تشاوروا مع بعضهم ليعتمدوا على جنس عذاب لائق لموت المذنبين أعلاه ثم بدؤوا بقراءة خامس مادة من الأمر الذي أخرجه أمس ساري عسكر منو بسبب ذلك والذي بموجبه أقامهم قضاة في فحص وموت كل من كان له جرة في غدر وقتل ساري عسكر العام كلهبر ثم اتفقوا جميعهم أن يعذبوا المذنبين ويكون لافق للذنب الذي صدر وأفتوا أن سليمان الحلبي تحرق يده اليمين وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور وهذا يكون فوق التل الذي برا قاسم بك ويسمى تل العقارب وبعد دفن ساري عسكر العام كلهبر وقدم كامل العسكر وأهل البلد الموجودين في المشهد ثم أفتوا بموت السيد عبد القادر الغزي مذنب أيضًا كما ذكر أعلاه وكل ما تحكم يده عليه يكون حلال للجمهور الفرنساوي ثم هذه الفتوى الشرعية تكتب وتوضع فوق الذيت الذي مختص بوضع رأسه وأيضًا أفتوا على محمد الغزي وعبد الله الغزي وأحمد الوالي أن تقطع رؤوسهم وتوضع على نبابيت وجسمهم يحرق بالنار وهذا يصير في المحل المعين أعلاه ويكون ذلك قدام سليمان الحلبي قبل أن يجري فيه شيء هذه الشريعة والفتوى لازم أن ينطبعا باللغة التركية والعربية والفرنساوية م كل لغة قدر خمسمائة نسخة لكي يرسلوا ويعلقوا في المحلات اللازمة والمبلغ يكن مشهل في هذه الفتوى تحريرًا في مدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثم ان القضاة حطوا خط يدهم بأسمائهم برفقة كاتم السر ممضي في أصله ثم هذه الشريعة والفتوى انقرت وتفسرت على المذنبين بواسطة السيتوين لو ما كان الترجمان قبل قصاصهم فهم جاوبوا أن ما عندهم شيء يزيدوا ولا ينقصوا على الذي أقروا به في الأول فحالًا قضوا أمرهم في ثمانية وعشرين من شهر برريال حكم الاتفاق وقبل نصف النهار بساعة واحدة حرر بمصر في ثمانية وعشرين برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي ثم ختموا بأصله الدفتردار سارتلون وكاتم السر بينه وهذه نسخة من الأصل إمضاء بينه كاتم السر آه وهذا آخر ما كتبوه في خصوص هذه القضية ورسموه وطبعوه بالحرف الواحد ولم أغير شيئًا مما رقم إذ لست ممن يحرف الكلم وما فيه من تحريف فهو كما في الأصل والله أعلم‏.‏

ولما فرغوا من ذلك اشتغلوا بأمر ساري عسكرهم المقتول وذلك بعد موته بثلاثة أيام كما ذكر ونصبوا مكانه عبد الله جاك منو ونادوا ليلة الرابع من قتلته وهي ليلة الثلاثاء خامس عشرين المحرم في المدينة بالكنس والرش في جهات حكام الشرطة فلما أصبحوا اجتمع عساكرهم وأكابرهم وطائفة عينها القبط والشوام وخرجوا بموكب مشهده ركبانًا ومشاة وقد وضعوه في صندوق من رصاص مسنم الغطاء ووضعوا ذلك الصندوق على عربة وعليه برنيطته وسيفه والخنجر الذي قتل به وهو مغموس بدمه وعملوا على العربة أربعة بيارق صغار في أركانها معمولة بشعر أسود ويضربون بطبولهم بغير الطريقة المعتادة وعلى اطبول خرق سود والعسكر بأيديهم البنادق وهي منكسة الى أسفل وكل شخص منهم معصب ذراعه بخرقة حرير سوداء ولبسوا ذلك الصندوق بالقطيفة السوداء وعليها قصب مخيش وضربوا عند خروج الجنازة مدافع وبنادق كثيرة وخرجوا من بيت الأزبكية على باب الخرق الى درب الجماميز الى جهة الناصرية فلما وصلوا الى تل العقارب حيث القلعة التي بنوها هناك ضربوا عدة مدافع وكانوا أحضروا سليمان الحلبي والثلاثة المذكورين فأمضوا فيهم ما قدر عليهم ثم ساروا بالجنازة الى أن وصلوا باب قصر العيني فرفعوا ذلك الصندوق ووضعوه على علوة من التراب يوسط تخشيبة صنعوها وأعدوها لذلك وعملوا حولها درابزين وفوقه كساء أبيض وزرعوا حوله أعواد سرو ووقف عند بابها شخصان من العسكر ببنادقهما ملازمان ليلًا ونهارًا يتناوبان الملازمة على الدوام وانقضى أمره واستقر عوضه في السر عسكرية قائمقام عبد الله جاك منو وهو الذي كان متوليًا على رشيد من قدومهم وقد كان أظهر أنه أسلم وتسمى بعبد الله وتزوج بامرأة مسلمة وقلدوا عوضه في قائمقامية بليار فلما أصبح ثاني يوم حضر قائمقام والآغا الى الأزهر ودخلا إليه وشقا في جهاته وأروقته وزواياه بحضرة المشايخ‏.‏

وفي يوم الخميس حضر ساري عسكر عبد الله جاك منو وقائمقام لو الآغا وطافوا به أيضًا وأرادوا حفر أماكن للتفتيش على السلاح ونحو ذلك ثم ذهبوا فشرعت المجاورون به في نقل أمتعتهم منه ونقل كتبهم وإخلًا الأروقة ونقلوا الكتب المرقوفة بها الى أماكن خارجة عن الجامع وكتبوا أسماء المجاورين في ورقة وأمروهم أن لا يبيت عندهم غريب ولا يؤوا إليهم آفاقيًا مطلقًا وأخرجوا منه المجاورين من طائفة الترك ثم أن الشيخ الشرقاوي والمهدي والصاوي توجهوا في عصريتها عند كبير الفرنسيس منو واستأذنوه في قفل الجامع وتسميره فقال بعض القبطة الحاضرين للأشياخ وهذا لا يصح ولا يتفقهذا لا يصح ولا يتفق فحنق عليه الشيخ الشرقاوي وقل اكفونا شر دسائسكم يا قبطة وقصد المشايخ من ذلك منع الريبة فإن للأزهر سعة لا يمكن الإحاطة بمن يدخله فربما دس العدو من يبيت به واحتج بذلك على إنجاز غرضه ونبل مراده من المسلمين والفقهاء ولا يمكن الاحتراس من ذلك فإذن كبير الفرنسيي بذلك لما فيه من موافقة غرضه باطنًا فلما أصبحوا قفلوه وسمروا أبوابه من سائر الجهات‏.‏

وفي غايته جمعوا الوجاقلية وأمروهم بإحضار ما عندهم من الأسلحة فأحضروا ما أحضروه فشددوا عليهم في ذلك فقالوا لم يكن عندنا غير الذي أحضرناه فقالوا وأين الذي كنا نرى لمعانه عند متاريسكم فقالوا تلك أسلحة العساكر العثمانية والأجناد المصرية وقد سافروا بها‏.‏ واستهل

شهر صفر بيوم الثلاثاء سنة 1215

في أوائله سافر بعض الأعيان من المشايخ وغيرهم الى بلاد الأرياف بعيالهم وحريمهم وبعض بعث حريمه وأقام هو مسافر الشيخ محمد الحريري وصحب معه حريم الشيخ السحيمي وصهره الشيخ المهدي فلما رآهم الناس عزم الكثير منهم على الرحلة وأكثروا المراكب والجمال وغير ذلك فلما أشيع ذلك كتب الفرنسيس أوراقًا ونادوا في الأسواق بعدم انتقال الناس ورجوع المسافرين ومن لم يرجع بعد خمسة عشر يومًا نهبت داره فرجع أكثر الناس ممن سافر أو عزم على السفر إلا من أخذ له ورقة بالإذن من مشاهير الناس أو احتج بعذر كائن في خدمة لهم أو قبض خراج أو مال أو غلال من التزامه‏.‏

وفيه قرروا فردة أخرى وقدرها أربعة ملايين وقدر المليون مائة وستة وثمانون ألف فرانسة وكان الناس ما صدقوا قرب تمام الفردة الأولى بعدما قاسوا من الشدائد ما لا يوصف ومات أكثرهم في الحبوس وتحت العقوبة وهرب الكثير منهم وخرجوا على وجوههم الى البلاد ثم دهوا بهذه الداهية أيضًا فقرروا على العقار والدور مائتي ألف فرانسة وعلى الملتزمين مائة وستين ألفًا وعلى التجار مائتي ألف وعلى أرباب الحرف المستورين ستين ألفًا وأسقطوا في نظير المنهوبات مائة ألف وقسموا البلدة ثمانية أخطاط وجعلوا على كل خطة منها خمسة وعشرين ألف ريال ووكلوا بقبض ذلك مشايخ الحارات والأمير الساكن بتلك الخطة مثل المحتسب بجهة الحنفي وعمر شاه وسويقة السباعين ودرب الحجر ومثل ذي الفقار كتخدا جهة المشهد الحسيني وخان الخليلي والغورية والصنادقية والأشرفية وحسن كاشف جهة الصليبة والخليفة وما في ضمن كل من الجهات والعطف والبيوت فشرعوا في توزيع ذلك على الدور الساكنة وغير الساكنة وقسموها عال وأوسط ودون وجعلوا العال ستين ريالًا والوسط أربعين والدون عشرين ويدفع المستأجر قدر ما يدفع المالك والدار التي يجدونها مغلقة وصاحبها غائب عنها يأخذون ما عليها من جيرانها‏.‏

وفي سادس عشرينه أفرجوا عن الشيخ السادات ونزل الى بيته بعد أن غلق الذي تقرر عليه واستولوا على حصصه وأقطاعه وقطعوا مرتباته وكذلك جهات حريمه والحصص الموقوفة على زاوية أسلافه وشرطوا عليه عدم الاجتماع بالناس وأن لا يركب بدون إذن منهم ويقتصد في أمور معاشه ويقلل أتباعه‏.‏

شهر ربيع الأول سنة 1215 فيه نادوا على الناس الخارجين من مصر من خوف الفردة وغيرها بأن من لم يحضر من بعد اثنين وثلاثين يومًا من وقت المناداة نهبت داره وأحيط بموجوده وكان من المذنبين واشتد الأمر بالناس وضاقت منافسهم وتابعوا نهب الدور بأدنى شبهة ولا شفيع تقبل شفاعته أو متكلم تسمع كلمته واحتجب ساري عسكر عن الناس وامتنع من مقابلة المسلمين وكذلك عظماء الجنرالات وانحرفت طباعهم عن المسلمين زيادة عن أول واستوحشوا منهم ونزل بالرعية الذل والهوان وتطاولت عليهم الفرنساوية وأعوانهم وأنصارهم من نصارى البلد الأقباط والشوام والأروام بالإهانة حتى صاروا يأمرونهم بالقيام إليهم عند مرورهم ثم شددوا في ذلك حتى كان إذا مر بعض عظمائهم بالشارع ولم يقم إليه بعض الناس على أقدامه رجعت إليه الأعوان وقبضوا عليه وأصعدوه الى الحبس بالقلعة وضربوه واستمر عدة أيام في الاعتقال ثم يطلق بشفاعة بعض الأعيان‏.‏

وفيه أنزلوا مصطفى باشا من الحبس وأهدوا إليه هدايا وأمتعة وأرسلوه الى دمياط فأقام بها أيامًا وتوفي الى رحمة الله تعالى‏.‏

شهر ربيع الثاني سنة 1215 فيه اشتد أمر المطالبة بالمال وعين لذلك رجل نصراني قبطي يسمى شكر الله فنزل بالناس منه ما لا يوصف فكان يدخل الى دار أي شخص كان لطلب المال وصحبته العسكر من الفرنساوية والفعلة وبأيديهم القزم فيأمرهم بهدم الدار إن لم يدفعوا له المقرر وقت تاريخه من غير تأخير الى غير ذلك وخصوصًا ما فعله ببولاق فإنه كان يحبس الرجال مع النساء ويدخن عليهم بالقطن والمشاق وينوع عليهم العذاب ثم رجع الى مصر يفعل كذلك‏.‏

وفيه أغلقوا جميع الوكائل والخانات على حين غفلة في يوم واحد وختموا على جميعها ثم كانوا يفتحونها وينهبون ما فيها من جميع البضائع والأقمشة والعطر والدخان خانًا بعد خان فإذا فتحوا حاصلًا من الحواصل قوموا ما فيه بما أحبوا بأبخس الأثمان وحسبوا غرامته فإن بقي لهم شيء أخذوه من حاصل جاره وإن زاد له شيء أحالوه على جاره الآخر كذلك وهكذا ونقلوا البضائع على الجمال والحمير والبغال وأصحابها تنظر وقلوبهم تتقطع حسرة على مالهم وإذا فتحوا مخزنًا دخله أمناؤهم ووكلاؤهم فيأخذون من الودائع الخفيفة أو الدراهم وصاحب المحل لا يقدر على التكلم بل ربما هرب أو كان غائبًا‏.‏

وفيه حرروا دفاتر العشور وأحصوا جميع الأشياء الجليلة والحقيرة ورتبوها بدفاتر وجعلوها أقلامًا يتقلدها من يقوم بدفع مالها المحرر وجعلوا جامع أزبك الذي بالأزبكية سوقًا لمزاد ذلك بكيفية يطول شرحها وأقاموا على ذلك أيامًا كثيرة يجتمعون لذلك في كل يوم ويشترك الإثنان فأكثر في القلم الواحد وفي الأقلام المتعددة‏.‏

وفيه كثر الهدم في الدور وخصوصًا في دور الأمراء ومن فر من الناس وكذلك كثر الاهتمام بتعمير القلاع وتحصينها وإنشاء قلاع في عدة جهات وبنوا بها المخازن والمساكن وصهاريج الماء وحواصل الجبخانات حتى ببلاد الصعيد القبلية‏.‏

والأمور من أنواع ذلك تتضاعف والظلومات تتكاثف وشرعوا في هدم أخطاط الحسينية وخارج باب الفتوح وباب النصر من الحارات والدور والبيوت والمساكن والمساجد والحمامات والحوانيت والأضرحة فكانوا إذا دهموا دارًا وركبوها للهدم لا يمكنون أهلها من نقل متاعهم ولا أخذ شيء من أنقاض دارهم فينهبونها ويهدمونها وينقلون الأنقاض النافعة من الأخشاب والبلاط الى حيث عمارتهم وأبنيتهم وما بقي يبيعون منه ما أحبوا بأبخس الأثمان ولوقود النيران وما بقي من كسارات الكشاب يحزمه الفعلة حزمًا ويبيعونه على الناس بأغلى الأثمان لعدم حطب الوقود ويباشر غالب هذه الأفاعيل النصارى البلدية فهدم للناس من الأملاك والعقار ما لا يقدر قدره وذلك مع مطالبتهم بما قرر على أملاكهم ودورهم من الفردة فيجتمع على الشخص الواحد النهب والهدم والمطالبة في آن واحد وبعد أن يدفع ما على داره أو عقاره وما صدق أنه غلق ما عليه إلا وقد دهموه بالهدم فيستغيث فلا يغاث فترى الناس سكارى وحيارى ثم بعد ذلك كله يطالب بالمنكسر من الفردة وذلك أنهم لما قسموا الأخطاط كما تقدم وتولى ذلك أمير الخطة وشيخ الحارة والكتبة والأعوان وزعوا ذلك برأيهم ومقتضي أغراضهم فأول ما يجتمعون بديوانهم يشرع الكتبة في كتابة التنابيه وهي أوراق صغار باسم الشخص والقدر المقرر عليه وعلى عقاره بحسب اجتهادهم ورأيهم وعلى هامشها كراء طريق المعينين ويعطون لكل واحد من أولئك القواسة عدة من تلك الأوراق فقبل أن يفتح الإنسان عينيه ما يشعر إلا والمعين واقف بابه وبيده ذلك التنبيه فيوعدوه حتى ينظر في حاله فلا يجد بدًا من دفع حق الطريق فما هو إلا أن يفارقه حتى يأتيه المعين الثاني بتنبيه آخر فيفعل معه كالأول وهكذا على عدد الساعات فإن لم يوجد المطلوب وقف ذلك القواس على داره ورفع صوته وشتم حريمه أو خادمه فيسعى الشخص جهده حتى يغلق ما تقرر عليه بشفاعة ذي وجاهة أو نصراني وما يظن أنه خلص إلا والطلب لاحقه أيضًا بمعين وتنبيه فيقول ما هذا فيقال له إن الفردة لم تكمل وبقي منها كذا وكذا وجعلنا على العشرة خمسة أو ثلاثة أو ما سولت لهم أنفسهم فيرى الشخص أن لابد من ذلك فما هو إلا أن خلص أيضًا إلا وكرة أخرى وهكذا أمرًا مستمرًا ومثل ذلك ما قرر على الملتزمين فكانت هذه الكسورات من أعظم الدواهي المقلقة ونكسات الحمى المطبعة‏.‏

وفي خامسه كان عيد الصليب وهو انتقال الشمس لبرج الميزان والاعتدال الخريفي وهو أول سنة الفرنسيس وهي السنة التاسعة من تاريخ قيامهم ويسمى عندهم هذا الشهر وندميير وذلك يوم عيدهم السنوي فنادوا بالزينة بالنهار والوقدة بالليل وعملوا شنكات ومدافع وحراقات ووقدات بالأزبكية والقلاع وخرجوا صبح ذلك اليوم بمواكبهم وعساكرهم وطبولهم وزمورهم الى خارج باب النصر وعملوا مصافهم فقرئ عليهم كلام بلغتهم على عادتهم وكأنه مواعظ حربية ثم رجعوا وفي هذه السنة زاد النيل زيادة مفرطة لم يعهد مثلها فيما رأينا حتى انقطعت الطرقات وغرقت البلدان وطف الماء من بركة الفيل وسال الى درب الشمسي وكذلك حارة الناصرية وسقطت عدة دور من المطلة على الخليج ومكث زائدًا الى آخر توت‏.‏

واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1215 فيه قرروا على مشايخ البلدان مقررات يقومون بدفعها في كل سنة أعلى وأوسط وأدنى فالأعلى وهو ما كانت بلده ألف فدان فأكثر خمسمائة ريال والأوسط وهو ما كانت خمسمائة فأزيد ثلثمائة ريال والأدنى مائة وخمسون ريالًا وجعلوا الشيخ سليمان الفيومي وكيلًا في ذلك فيكون عبارة عن شيخ المشايخ وعليه حساب ذلك وهو من تحت يد الوكيل الفرنساوي الذي يقال له بريدون فلما شاع ذلك ضجت مشايخ البلاد لأن منهم من لا يملك عشاءه فاتفقوا على أن وزعوا ذلك على الأطيان وزادت في الخراج واستملوا البلاد والكفور من القبطة فأملوها عليهم حتى الكفور التي خربت من مدة سنين بل سموا أسماء من غير مسميات‏.‏

وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على نسق غير الأول من تسعة أنفار فيه خصوصي وعمومي على ما سبق شرحه بل هو ديوان واحد مركب من الشيخ الأمير والشيخ الصاوي وكاتبه والشيخ موسى السرسي والشيخ تسعة رؤساء هم الشيخ الشرقاوي رئيس الديوان والمهدي كاتب السر خليل البكري والسيد علي الرشيدي نسي ساري عسكر والشيخ الفيومي والقاضي الشيخ اسمعيل الزرقاني وكاتب سلسلة التاريخ السيد اسمعيل الخشاب والشيخ علي كاتب عربي وقاسم أفندي كاتب رومي وترجمان كبير القس رفائيل وترجمان صغير الياس فخر الشامي والوكيل الكمثاري فوريه ويقال له مدبر سياسة الأحكام الشرعية ومقدم وخمسة قواسة متعممين لا غير وليس فيهم قبطي ولا وجاقلي ولا شامي ولا غير ذلك وليس واختاروا لذلك بيت رشوان بك الذي بحارة عابدين وكان يسكنه برطلمان فانتقل منه الى بيت الجلفي بالخرنفش وعمر وبيض وفرشت قاعة الحريم بمجلس الديوان فرشًا فاخرًا وعينوا عشر جلسات في كل شهر وانتقل إليها فوريه وسكنها بأتباعه وأعدوا للمترجمين والكتبة من الفرنساوية مكانًا خاصًا يجلسون به في غير وقت الديوان على الدوام لترجمة أوراق الوقائع وغيرها وجعلوا لها خزائن للسجلات وفتحوا أيضًا بجانبها دارًا نفذوها إليها وشرعوا في تعميرها وتأنيقها وسموها بمحكمة المتجر وأخذوا يرتبون أنفارًا من تجار المسلمين والنصارى يجلسون بها للنظر في القضايا المتعلقة بقوانين التجار والكبير على ذلك كله فوريه ولم يتم ذلك المكان الثاني‏.‏

وفي خامس عشره شرعوا في جلسة الديوان وصورته أنه إذا تكامل حضور المشايخ يخرج إليهم الوكيل فوريه وصحبته المترجمون فيقومون له فيجلس معهم ويقف الترجمان الكبير رفائيل ويجتمع أرباب الدعاوى فيقفون خلف الحاجز عند آخر الديوان وهو من خشب مقفص وله باب كذلك وعنده الجاويش يمنع الداخلين خلاف أرباب الحوائج ويدخلهم بالترتيب الأسبق فالأسبق فيحكي صاحب الدعوة قضيته فيترجمها له الترجمان فإن كانت من القضايا الشرعية فإما أن يتمها قاضي الديوان بما يراه العلماء أو يرسلوها الى القاضي الكبير بالمحكمة إن احتاج الحال فيها الى كتابة حجج أو كشف من السجل وإن كانت من غير جنس القضايا الشرعية كأمور الالتزام أو نحو ذلك يقول الوكيل ليس هذا من شغل الديوان فإن ألح على أرباب الديون في ذلك يقول اكتبوا عرضًا لساري عسكر فيكتب الكاتب العربي والسيد اسمعيل يكتب عنده في سجله كل ما قال المدعى عليه وما وقع في ذلك من المناقشة وربما تكلم قاضي الديوان في بعض ما يتعلق بالأمور الشرعية ومدة الجلسة من قبيل الظهر بنحو ثلاث ساعات الى الأذان أو بعده بقليل بحسب الاقتضاء ورتبوا لكل شخص من مشايخ الديوان التسعة أربعة عشر ألف فضة في كل شهر عن كل يوم أربعمائة نصف فضة وللقاضي والمقيد والكاتب العربي والمترجمين وباقي الخدم مقادير متفاوتة تكفيهم وتغنيهم عن الارتشاء وفي أول جلسة من ذلك اليوم عملت المقارعة لرئيس الديوان وكاتب السر فطلعت للشرقاوي والمهدي على عادتهما وكذلك الجاويشية والترجمان وكتبت تذكرة من أهل الديوان خطًا بالساري عسكر يخبرونه فيها بما حصل من تنظيم الديوان وترتيبه وسر الناس بذلك لظنهم أنه انفتح لهم باب الفرج بهذا الديوان ولما كانت الجلسة الثانية ازدحم الديوان بكثرة الناس وأتوا إليه من كل فج يشكون‏.‏

وفي ثالث عشرينه أمروا بجمع الشحاذين أي السؤال بمكان وينفق عليهم نظار الأوقاف‏.‏

وفيه أيضًا أمروا بضبط إيراد الأوقاف وجمعوا المباشرين لذلك وكذلك الرزق الأحباسية والأطيان المرصدة على مصالح المساجد والزوايا وأرسلوا بذلك الى حكام البلاد والأقاليم‏.‏

وفي غايته حضر رجل الى الديوان مستغيث بأهله وإن قلق الفرنسيس قبض على ولده وحبسه عند قائمقام وهو رجل زيات وسبب ذلك أن امرأة جاءت إليه لتشتري سمنًا فقال لها لم يكن عندي سمن فكررت عليه حتى حنق منها فقالت له كأنك تدخره حتى تبيعه على العثملي تريد بذلك السخرية فقال لها نعم رغمًا عن أنفك وأنوف الفرنسيس فنقل عنه مقالته غلام كان معها حتى أنهوه الى قائمقام فأحضره وحبسه ويقول أبوه أخاف أن يقتلوه فقال الوكيل لا لا يقتل بمجرد هذا القول وكن مطمئنًا فإن الفرنساوية لا يظلمون كل هذا الظلم فلما كان في اليوم الثاني قتل ذلك الرجل ومعه أربعة لا يدري ذنبهم وذهبوا كيوم مضى‏.‏

والطلب والنهب والهدم مستمر ومتزايد وأبرزوا أوامر أيضًا بتقرير مليون على الصنائع والحرف يقومون بدفعه في كل سنة قدره مائة ألف وستة وثمانون ألف ريال فرانسة ويكون الدفع على ثلاث مرات كل أربعة أشهر يدفع من المقرر الثلث وهو إثنان وستون ألف فرانسة فدهى الناس وتحيرت أفكارهم واختلطت أذهانهم وزادت وساوسهم وأشيع أن يعقوب القبطي تكفل بقبض ذلك من المسلمين ويقلد في ذلك شكر الله وأضرابه من شياطين أقباط النصارى واختلفت الروايات فقيل إن قصده أن يجعلها على العقار والدور وقيل بل قصده توزيعها بحسب الفردة وذلك عشرها لأن الفردة كانت عشرة ملايين فالذي دفع عشرة يقوم بدفع واحد على الدوام والاستمرار ثم قيدوا لذلك رجلًا فرنساويًا يقال له دناويل وسموه مدبر الحرف فجمع الحرف وفرض عليهم كل عشرة أربعة فمن دفع عشرة في الفردة يدفع أربعة الآن فعورض في ذلك بأن هذا غير منقول فقال هذا باعتبار من خرج من البلد ومن لم يدخل في هذه الفردة كالمشايخ والفارين فإن الذي جعل عليهم أضيف على من بقي فاجتمع التجار وتشاوروا فيما بينهم في شأن ذلك فرأوا أن هذا شيء لا طاقة للناس به من وجوه الأول وقف الحال وكساد البضائع وانقطاع الأسفار وقلة ذات اليد وذهاب البقية التي كانت في أيدي الناس في الفرد والدواهي المتتابعة الثاني أن الموكلين بالفردة السابقة وزعوا على التجار والمتسببين وكل من كان له اسم في الدفتر من مدة سنين ثم ذهب ما في يده وافتقر حاله وخلا حانوته وكيسه فألزموه بشخص من ذلك وكلفوه به وكتب اسمه في دفتر الدافعين ويلزم ما يلزمهم وليس ذلك في الإمكان الثالث أن الحرفة التي دفعت مثلًا ثلاثين ألفًا يلزمها ثلاث آلاف في السنة على الرأي الأول وعلى الثاني اثنا عشر ألفًا وقد قل عددهم وغلقت أكثر حوانيتهم لفقرهم وهجاجهم وخصوصًا إذا ألزموا بذلك المليون فيفر الباقي ويبقى من لا يمكنه الفرار ولا قدرة للبعض بما يلزم الكل‏.‏

وفيه أمر الوكيل بتحرير قائمة تتضمن أسماء الذين تقلدوا قضاء البلاد من طرف القاضي والذين لم يتقلدوا وأخبر أن السر في ذلك أن مناصب الأحكام الشرعية استقر النظر فيها له وأنه لابد من استئناف ولايات القضاة حتى قاضي مصر بالقرعة من ابتداء سنة الفرنساوية ويكتب لمن تطلع له القرعة تقليد من ساري عسكر الكبير فكتبت له القائمة كما أشار‏.‏

وفي رابعه قتل جماعة بالرميلة وغيرها ونودي عليهم هذا جزاء من يتداخل في الفرنسيس والعثملي‏.‏

وفي سادسه عملت القرعة على طهابل زاد تكرارها ثلاث مرات لقاضي مصر واستقرت للعريشي على ما هو عليه وخرج له التقليد بعد مدة طويلة‏.‏

وفي ثامنه قتل غلام وجارية بباب الشعرية ونودي عليهما هذا جزاء من خان وغش وسعى وفي تاسعه حضر جماعة من الوجاقلية الى الديوان وهم يوسف باشا جاويش ومحمد آغا سليم كاتب الجاويشية وعلي آغا يحيى باشجاويش الجراكسة ومصطفى آغا أبطال ومصطفى كتخدا الرزاز وذكروا أنهم كانوا تعهدوا بباقي الفردة المطلوبة من الملتزمين وقدرها خمسة وعشرين ألف ريال وقد استدانوا لذلك قدرًا من البن بخمسة وثالثين ألف ريال فرانسة ليوفوا ما عليهم من الديون وأنهم أرسلوا الى حصصهم يطالبون الفلاحين بما عليهم من الخراج فامتنع الفلاحون من الدفع وأخبروا أن الفرنساوية خرجوا عليهم ومنعوهم من دفع المال للملتزمين فكتب لهم عرض حال في شأن ذلك وأرسل الى ساري عسكر ولم يرجع جوابه‏.‏

وفي رابع عشره صنع الجرنال بليار المعروف بقائمقام عزومة لمشايخ الديوان والوجاقلية وأعيان التجار وأكابر نصارى القبط والشوام ومد لهم أسمطة حافلة وتعشوا عنده ثم ذهبوا الى بيوتهم‏.‏

وفي ثاني عشرينه طيف بامرأتين في شوارع مصر بين يدي الحاكم ينادي عليهما هذا جزاء من يبيع الأحرار وذلك أنها باعتا امرأة لبعض نصارى الأروام بتسعة ريالات‏.‏

وفيه طلب الخواجة الفرنسيسي المعروف بموسى كافو من الوجاقلية بقية الفردة المتقدم ذكرها فأجابوا بأن سبب عجزهم عن غلاقها توقف الفلاحين عن دفع المال بأمر الفرنساوية وعدم تحصيلهم المال من بلادهم ثم أحيلوا بعد كلام طويل على استيفاء الخازندار لأن ذلك من وظائفه وفي سابع عشرينه حضر الوجاقلية ومعهم بعض الأعيان وحريمات ملتزمات يستغيثون بأرباب الديوان ويقولون إنه بلغنا أن جمهور الفرنساوية يريدون وضع أيديهم على جميع الالتزام المفروج عنه الذي دفعوا حلوانه ومغارمه ولا يرفع أيدي الملتزمين عن التصرف في الالتزام جملة كافية وقد كان قبل ذلك أنهى الملتزمون الذين لم يفرجوا لهم عن حصصهم إما لفرارهم وعودهم بالأمان وإما لقصر أيديهم عن الحلوان وإما لشراقي بلادهم وإما لانتظارهم الفرج وعود العثمانيين فيتكرر عليهم الحلوان والمغارم فلما طال المطال وضاق حال الناس عضروا أمرهم وطلبوا من مراحم الفرنساوية الإفراج عن بعض ما كان بأيديهم ليتعيشوا به ووقع في ذلك بحث طويل ومناقشات يطول شرحها ثم ما كفى حتى بلغهم أن القصد نزع المفروع عنه أيضًا ونزع أيدي المسلمين بالكلية وأنهم يستشفعون بأهل الديوان عند ساري عسكر بأن يبقى عليهم التزامهم يتعيشون به ويقضون ديونهم التي استدانوها في الحلوان ومغارم الفردة فقال فوريه الوكيل هل بلغكم ذلك من طريق صحيح فقالوا نعم بلغنا من بعض الفرنساوية وقال الشيخ خليل البكري وأنا سمعته من الخازندار وقال الشيخ المهدي مثل ذلك وأنهم يريدون تعويضهم من أطيان الجمهور فقال الملتزمون إن بيدنا الفرمانات والتمسكات من سلفكم بونابارته ومن السلاطين السابقين ونوابهم وقائمون بدفع الخراج وأنهم ورثوا ذلك عن آبائهم وأسلافهم وأسيادهم وإذا أخذ منهم الالتزام اضطروا الى الخروج من البلد والهجاج وخراب دورهم ويصبحون صعاليك ولا يأتمنهم الناس وطال البحث في ذلك والوكيل مع هذا كله ينكر وقوع ذلك مرة ويناقش أخرى الى أن انتهى الكلام بقوله إن الكلام في هذا وأمثاله ليس من وظيفتي فإني حاكم سياسة الشريعة لا مدبر أمر البلاد نعم من وظيفتي المعاونة والنصح فقط‏.‏

وفي خامس عشرينه اتفق أن جماعة من أولاد البلد خرجوا الى النزهة جهة الشيخ قمر ومعهم جماعة آلاتية يغنون ويضحكون فنزل إليهم جماعة من العسكر الفرنساوية المقيمين بالقلعة الظاهرية خارج الحسينية وقبضوا عليهم وحبسوهم وأرسلوا شخصًا منهم الى شيخ البلد بليار وأخبروه بمكانهم ليستفسر عن شأنهم فلقيه ثم رده الى القلعة الظاهرية ثانيًا فبات عند أصحابه ثم طلبهم في ثاني يوم فذهبوا وصحبتهم جماعة من العسكر بالبندق تحرسهم فقابلوه ومن عليهم بالإطلاق وذهبوا الى منازلهم‏.‏

وفيه منعوا الآغا والوالي والمحتسب من عوائدهم على الحرف والمتسببين فإنها اندرجت في أقلام العشور ورتبوا لهم جامكية من صندوق الجمهور يقبضونها في كل شهر‏.‏

واستهل شهر شعبان سنة 1215 فيه أجيب الملتزمون بإبقاء التزامهم عليهم وأنكروا ما قيل في رفع أيديهم وعوتب من صدق هذه الأكذوبة وإن كانت صدرت من الخازندار فإنما كانت على سبيل الهزل أو يكون التحريف من الترجمان أو الناقل‏.‏

وفيه حضر التجار الى الديوان وذكروا أمر المليون وأن قصدهم أن يجعلوه موزعًا على الرؤوس ولا يمكن غير ذلك وطال الكلام والبحث في شأن ذلك ثم انحط الأمر على تفويض ذلك لرأي عقلاء المسلمين وأنهم يجتمعون ويدبرون ويعملون رأيهم في ذلك بشرط أن لا يتداخل معهم في هذا الأمر نصراني أو قبطي وهم الضامنون لتحصيله بشرط عدم الظلم وأن لا يجعلوا على النساء ولا الصبيان ولا الفقهاء ولا الخدامين شيئًا وكذلك الفقراء ويراعى في ذلك حال الناس وقدرهم وصناعتهم ومكاسبهم ثم قالوا نرجو أن تضيفوا إلينا بولاق ومصر القديمة فلم يجابوا الى ذلك لكونهم جعلوهما مستقلين وقرروا عليهما قدرًا آخر خلاف الذي قرروه على مصر‏.‏

وفيه لخصوا عرضًا ولطفوا فيه العبارة لساري عسكر فأجيبوا الى طلبهم ما عدا بولاق ومصر القديمة وأخرجوا من أرباب الحرف الصيارفة والكيالين والقبانية وجعلوا عليهم بمفردهم ستين ألف ريال خلاف ما يأتي عليهم من المليون أيضًا يقومون بدفعها في كل سنة والسر في تخصيص الثلاث حرف المذكورة دون غيرها أن صناعتهم من غير رأس مال‏.‏

وفيه أفردوا ديوانًا لذلك ببيت داود كاشف خلف جامع الغورية وتقيد لذلك السيد أحمد الزرو وأحمد بن محمود محرم وابراهيم أفندي كاتب البهار وطائفة من الكتبة وشرعوا في تحرير دفاتر بأسماء الناس وصناعاتهم وجعلوها طبقات فيقولون فلان من نمرة عشرة أو خمسة أو ثلاثة أو اثنين أو واحد ومشوا على هذا الاصطلاح‏.‏

وفيه أبطلوا عشور الحرير الذي يتوجه من دمياط الى المحلة الكبرى‏.‏

وفيه أرسل ساري عسكر يسأل المشايخ عن الذين يدورون في الأسواق ويكشفون عوراتهم ويصيحون ويصرخون ويدعون الولاية وتعتقدهم العامة ولا يصلون صلاة المسلمين ولا يصومون هذا جائز عندكم في دينكم أو هو محرم فأجابوه بأن ذلك حرام ومخالف لديننا وشرعنا وسنتنا فشكرهم على ذلك وأمر الحكام بمنعهم والقبض على من يرونه كذلك فإن كان مجنونًا ربط بالمارستان أو غير مجنون فإما أن يرجع عن حالته‏.‏

وفيه أرسل رئيس الأطباء الفرنساوي نسخًا من رسالة ألفها في علاج الجدري لأرباب الديوان لكل واحد نسخة على سبيل المحبة والهدية ليتناقلها الناس ويستعملوا ما أشار إليه فيها من العلاجات لهذا الداء العضال فقبلوا منه ذلك وأرسلوا له جوابًا شكرًا له على ذلك وهي رسالة لا بأس بها في بابها‏.‏وفي

حادي عشره وجدت امرأة مقتولة

بغيط عمر كاشف بالقرب من قناطر السباع فتوجه بسبب الكشف عليها رسول القاضي والآغا وأخذوا الغيطانية وحبسوهم وكان بصحبتهم أيضًا القبطان الحاكم بالخط ولم يظهر القاتل ثم أطلقوا الغيطانية بعد أيام‏.‏

وفيه كمل المكان الذي أنشؤوه بالأزبكية عند المكان المعروف بباب الهواء وهو المسمى في لغتهم بالكمرى وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل عشر ليال واحدة يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل وذلك بلغتهم ولا يدخل أحد إليه إلا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة‏.‏

وفي سادس عشره ذكروا في الديوان أن ساري عسكر أمر وكيل الديوان أنه يذكر لمشايخ الديوان أن قصده ضبط وإحصاء من يموت ومن يولد من المسلمين وأخبرهم أن ساري عسكر بونابارته كان في عزمه ذلك وأن يقيد له من يتصدى لذلك ويرتبه ويدبره ويعمل له جامكية وافرة فلم يتم مرامه والآن يريد تتميم ذلك ويطلب منه التدبير في ذلك وكيف يكون وذكر لهم أن في ذلك حكمًا وفوائد منها ضبط الأنساب ومعرفة الأعمار فقال بعض الحاضرين وفيه معرفة انقضاء عدة الأزواج أيضًا ثم اتفق الرأي على أن يعلموا بذلك قلقات الحارات والأخطاط وهم يقيدون على مشايخ الحارات والأخطاط بالتفحص عن ذلك من خدمة الموتى والمغسلين والنساء القوابل وما في معنى ذلك ثم ذكر الوكيل أن ساري عسكر ولد له مولود فينبغي أن تكتبوا له تهنئة بذلك المولود الذي ولد له من المرأة المسلمة الرشيدية وجوابًا عن هذا الرأي فكتبوا ذلك في ورقة كبيرة وأوصلها إليه الوكيل فوريه‏.‏

وفي غايته سقطت منارة جامع قوصون سقط نصفها الأعلى فهدم جانبًا من بوائك الجامع ونصفها الأسفل مال على الأماكن المقابلة له بعطفة الدرب النافذ لدرب الأغوات وبقي مسندًا كذلك قطعة واحدة الى يومنا هذا وأظن أن سقوطها من فعل الفرنسيس بالبارود‏.‏

واستهل شهر رمضان سنة 1215 ثبت هلاله ليلة الجمعة وعملت الرؤية وركب المحتسب ومشايخ الحرف بالطبول والزمور على العادة وأطلقوا له خمسين ألف درهم لذلك نظير عوائده التي كان يصرفها في لوازم الركبة‏.‏

وفي خامسه وقع السؤال والفحص عن كسوة الكعبة التي كانت صنعت على يد مصطفى آغا كتخدا الباشا وكملت بمباسرة حضرة صاحبنا العمدة الفاضل الأريب الأديب الناظم الناثر السيد اسمعيل الشهير بالخشاب ووضعت في مكانها المعتاد بالمسجد الحسيني وأهمل أمرها الى حد تاريخه وربما تلف بعضها من رطوبة المكان وخرير السقف من المطر فقال الوكيل إن ساري عسكر قصده التوجه بصحبتكم يوم الخميس قبل الظهر بنصف ساعة الى المسجد الحسيني ويكشف عنها فإن وجد بها خللًا أصلحه ثم يعيدها كما كانت وبعد ذلك يشرع في إرسالها الى مكانها بمكة وتكسى بها الكعبة على اسم المشيخة الفرنساوية فقالوا لهم شأنكم وما تريدون وقرئ في المجلس فرمان بمضمون ذلك‏.‏

وفي ذلك اليوم قرئ فرمان مضمونه أنه وردت مكاتبات من فرانسا بوقوع الصلح بينهم وبين أهل الجزائر وتونس بشروط ممضاة مرضية وقد أطلقا الإذن للتجار من أهل الجهتين بالسفر للتجارة فمن سافر له الحماية والصيانة في ذهابه وإيابه وإقامته باسم دولة الجمهور الفرنساوية الى آخره ولم يظهر لذلك أثر‏.‏

وفيه قرئ تقليد الشيخ أحمد العريشي بقضاء مصر ووصل أيضًا تقليد القضاء بدمياط لأحمد أفندي عبد القادر وأبيار للعلامة الشيخ رضوان نجا ومحلة مرحوم للشيخ عبد الرحمن طاهر الرشيدي وذلك على موجب القرعة السابقة من مدة شهرين أو أكثر وقرئ ذلك بالديوان ولم يحصل بعد ذلك غيرهم فلما كان صبح ذلك اليوم أرسل شيخ البلد بليار الى العريشي ومشايخ الديوان والوجاقلية فلما تكاملوا خلع على القاضي العريشي فروة سمور بولايته القضاء وركب بصحبته الجميع وجملة من العساكر الفرنساوية وشيخ البلد بجانبه ومشوا من وسط المدينة الى أن وصلوا المحكمة بين القصرين فجلسوا ساعة من النهار وقرئ تقليده بحضرة الجميع ووكيل الديوان فوريه ثم رجعوا الى منازلهم‏.‏

وفي يوم الخميس الموعود بذكره توجه الوكيل ومشايخ الديوان الى المشهد الحسيني لانتظار حضور ساري عسكر الفرنسيس بسبب الكشف على الكسوة وازدحم الناس زيادة على عادتهم في الازدحام في رمضان فلما حضر ونزل عن فرسه عند الباب وأراد العبور للمسجد رأى ذلك الازدحام فهاب الدخول وخاف من العبور وسأل ممن معه عن سبب هذا الازدحام فقالوا له هذه عادة الناس في نهار رمضان يزدحمون دائمًا على هذه الصورة في المسجد ولو حصل منكم تنبيه كنا أخرجناهم قبل حضوركم فركب فرسه ثانيًا وكر راجعًا وقال نأتي في يوم آخر وانصرف حيث جاء وانصرفوا‏.‏

وفي ليلة السبت تاسعه حصلت كائنة سيدي محمود وأخيه سيدي محمد المعروف بأبي دفية وذلك أن سيدي محمود المذكور كان بينه وبين علي باشا الطرابلسي صداقة ومحبة أيام إقامته بالجيزة وحج صحبته في سنة تسع ومائتين وألف فلما وقعت حادثة الفرنساوية وخرج علي باشا المذكور مع من خرج الى الشام ووردت العساكر العثمانية صحبة يوسف باشا الوزير في العام الماضي وصحبته علي باشا المذكور وله به مزيد الوصلة والعناية والمرجع في المشورة لخبرته بالأقطار المصرية ومعرفته أهالي البلاد استثاره في شخص يعرفه يكون عينًا بمصر ليراسله ويطالعه بالأخبار فأشار عليه بمحمود أفندي المذكور فكانوا يراسلونه ويطالعهم بالأخبار سرًا فلما قدموا الى مصر في السنة الماضية وجرى ما جرى من نقض الصلح ورجوع الوزير ولم يزل سيدي محمود تأتيه المراسلات بواسطة السيد أحمد المحروقي أيضًا ولأن علي باشا ارتحل الى الديار الرومية فيطالعهم كذلك بالأخبار مع شدة الحذر خوفًا من سطوة الفرنساوية وتجسس عيونهم المقيدة لذلك فكان يذهب القاصد ويرد له الجواب فلما كان في التاريخ ورد عليه رسول ومعه جواب وأربعة أوراق مكتوبة باللغة الفرنساوية وفيها الأمر بتوزيعها ووضعها في أماكن معينة حيث سكن الفرنساوية فوزع اثنين وقصد وضع الثالثة في موضع جمعيتهم فلم يمكنه ذلك إلا ليلًا فأعطاها خادمه وأمره أن يشكها بمسمار في حائط ذلك المكان وهو بالقرب من الحمام المعروف بحمام الكلاب ففعل وتلكأ في الذهاب فاطلع عليه بعض الفرنسيس من أعلى الدار فنزل إليه وأخذ الورقة وقبضوا على ذلك الخادم وصادف ذلك مرور حسن القلق وهو يتوقع نكتة تكون له بها الوجاهة عند الفرنساوية فاغتنم هذه الفرصة وقبض على الخادم مع الفرنساوية وسيده ينظر إليه من بعيد وعلم أنه وقع في خطب لا ينجيه منه إلا الفرار فرفع الى داره وتناجي مع أخيه واستشاره فيما وقع فيه وكيف يكون العمل فأشار عليه بالاختفاء ويستمر أخوه بالمنزل مستهدفًا للقضاء وليكون وقاية على منزله وعرضه وليس هو مقصودًا بالذات فكان كذلك وتغيب سيدي محمود وأصبح الطلب قاصده فلما لم يجده قبضوا على أخيه سيدي محمد أفندي ومن كان معه بالبيت وهو الشيخ خليل المنير وقرابته اسمعيل حلبي ونسيبه البرنوسي والسقاء وشيخ حارتهم وحبسوهم ببيت قائمقام وهم سبعة أنفار بالخادم المقبوض عليه أولًا وأوقفوا حرسًا بدارهم واجتهدوا في الفحص عن سيدي محمود وتكرار السؤال عليه من أخيه ورفقائه أيامًا فلما لم يقفوا له على خبر أحاطوا بالدار ونهبوا ما فيها وصحبتهم الخادم يدلهم على المتاع والمخبآت ثم أصعدوهم الى القلعة وضيقوا عليهم وأرسلوا خلف الشواربي شيخ قليوب ومن كان ينتقل عندهم وألزموهم بإحضاره فأنكروه وجحدوه ثم أطلقوا خادمه بعد أن أعطوه خمسين ريالًا فرانسة وجعلوا له ألفًا إن دلهم عليه وقيدوا به عينًا يتبعه أينما توجه فاستمر أيامًا يغدو ويروح في مظناته فلما لم يقع له على خبر فردوه الى السجن ثانيًا عند أصحابه ولم يزالوا حتى فرج الله عنهم وأما المطلوب فوقع له مزيد المشقة في مدة اختفائه وتبرأ منه غالب أصحابه ومعارفه من العربان وغيرهم وتنكروا منه ولم يزل حتى استقر عند شيخ العرب موسى أبي حلاوة وأولاده بناحية أمييه بالقليوبية باطلاع الشواربي فأكرموه وواسوه وأخفوا أمره ولم يزل مقيمًا عندهم في غاية الإكرام حتى فرج الله عنه‏.‏

ولما كان يوم الخميس رابع عشره تقيد للحضور بسبب الكشف على الكسوة استوفوا خازندار الجمهور وفوريه وكيل الديوان فحضر صحبتهم المشايخ والقاضي والآغا والوالي والمحتسب بعدما أخلى المسجد من الناس وأحضروا خدامين الكسوة الأقدمين وحلوا رباطاتها وكشفوا عليها فوجدوا بها بعض خلل فأمروا بإصلاحه ورسموا لذلك ثلاثة آلاف فضة وكذلك رسموا للخدمة الذين يخدمونها ألف نصف فضة ولخدمة الضريح ألف نصف ثم ركبوا الى منازلهم ثم طويت ووضعت في مكانها بعد إصلاحها‏.‏

وفي رابع عشرينه ضربت مدافع كثيرة بسبب ورود مركبين عظيمين من فراسن افيهما عساكر وآلات حرب وأخبار بأن بونابارته أغار على بلاد النيمسا وحاربهم وحاصرهم وضايقهم وأنهم نزلوا على حكمه وبقي الأمر بينهم وبينه على شروط الصلح وأنه استغنى عن هذه الأشياء المرسلة وسيأتي في أثرهم مركبان آخران فيهما أخبار تمام الصلح ويستدل بذلك على أن مملكة مصر صارت في حكم الفرنسيس لا يشركهم غيرهم فيها هكذا قالوا وقرؤوه في ورقة بالديوان‏.‏

واستهل شهر شوال سنة 1215 فيه بدا أمر الطاعون فانزعج الفرنساوية من ذلك وجردوا مجالسهم من الفرش وكنسوها وفي ثامنه قال وكيل الديوان للمشايخ إن حضرة ساري عسكر بعث إلي كتابًا معناه إيضاح ما يتعلق بأمر الكرنتينه ويرى رأيكم في ذلك وهل توافقون على رأي الفرنساوي أم تخالفون فقالوا حتى تنظر ما هو المقصود فقال حضرة أرباب الديون يجب عليهم أن يعملوا الطريق الذي يكون سببًا لانقطاع هذه العلة فإننا نبغي لهم ولغيرهم الخير فإن أجابوا فذاك وإلا فليزموا ولو قهرًا وربما استعملنا القصاص ولو بالموت عند المخالفة ومن الذي يتغافل عما يكون سببًا لقطع هذا الداء فإن رأينا قد انعقد على ذلك ويجب أن يتفق معنا أرباب الديوان لأن حفظ الصحة واجب ولذا نرى كثيرًا من الناس ولاسيما المتشرعون يستعمل الطبيب عند المرض وغايته حفظ الصحة وما نحن فيه من ذلك ونذكر لكم أن بلاد الغرب قد اعتمدوا فعل الكرنتينة الآن فعلماء القاهرة أولى بأن لا يتأخروا عن استعمال الوسائط إذ قد ربطت الأسباب بالمسببات فقيل له وما الذي تأمرون به أن يفعل فقال هو الحذر لا غير وهو الغاية والنتيجة وهو أنه إذا دخل الطاعون بيتًا ألا يدخل فيه أحد ولا يخرج منه أحد مع ما يترتب على ذلك من القوانين المختصة به وخدمة المريض وعلاجه وسيوضح لكم ذلك فيما بعد يعني أن تذعنوا للطاعة وعدم المخالفة وظل البحث والمناقشة في ذلك بين أرباب الديوان والوكيل وانفض المجلس على أن الوكيل سيفاوض ساري عسكر في ذلك ثم يدبرون أمرًا وطريقة يكون فيها الراحة للناس البلدية وفي ثالث عشره ضربت عدة مدافع من القلاع لا يدرى سببها‏.‏

وفي رابع عشره قرئ فرمان من ساري عسكر بالديوان وألصقت منه نسخ في مفارق الطرق والأسواق‏.‏

ونصه‏:‏ بعد البسملة والحمدلة من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالًا الى كامل الأهالي كبير وصغير غني وفقير المقيمين حالًا بمحروسة مصر وبمملكة مصر الناس الذين هم من الأشقياء والمفسدين ولا يفتشون إلا على الإضرار بالناس وإضراركم يظهرون في وسط المدينة بينكم أخبارًا رديئة تزويرًا لتخويفكم وتخويف المملكة وكل ذلك كذب وافتراء فإنما نحن نخبركم جميعًا أن كلًا من الأهالي المذكورة من أي طائفة وملة كان الذي يثبت عليه بالإشهاد أو النشر من نفسه بينكم تلك الأخبار الرديئة المكذوبة تخويفًا لكم وإضلالًا بالناس ففي الحال ذلك الرجل يمسك وترمى رقبته بوسط واحدة طرق مصر ويا أهالي مصر انتبهوا وتذكروا هذه الكلمات وكونوا مسترحين البال ومترفهين الحال إنما دولة الجمهور الفرنساوي حاضرة لحمايتكم وصيانتكم ولكن ناظر كذلك الى تعذيب العصاة والسلام على من اتبع الهدى والصدق والاستقامة تحرير في شهر وافتور سنة تسع الموافق لحادي عشر شهر شوال انتهى‏.‏

فعلم الناس من ذلك الفرمان ورود شيء وحصول شيء على حد كاد المرتاب أن يقول خذني وليس للناس ذكر ولا فكر إلا في بواقي الفردة وما لزمهم في المليون ولا شغل لكل فرد إلا بتحصيل ما فرض عليه ولعل ذلك بسبب الأوراق الواصلة على يد سيدي محمود أبي دفية باللغة الفرنساوية التي تقدم ذكرها واشتهر أيضًا أنه وردت عليهم أخبار بوصول مراكب انكليز جهة أبي قير وفي ذلك المجلس سئل الوكيل عن ضرب المدافع لأي شيء فقال لابد وأن أحيط علمكم ببعض ذلك في هذا المجلس وهو أن الفرنساوية كانت تحارب القرانات والآن وقع صلح بينهم وبين القرانات ما عدا الانكليز فإنه الآن مضيق عليه وربما كان ذلك سببًا لرضاه بالدخول في الصلح وقد خرج من فرانسا عمارة ربما توجهت على الهند وربما أنهم يقدمون الى مصر وقد وصل لساري عسكر أمر من المشيخة بوصول مراكب الموسقو التي تحمل الذخائر الى الفرنساوية وأن يمكنهم من دخول اسكندرية وقد خرج سنة غلايين من فرانسا الى بحر الهند فربما قدموا بعد ذلك الى جهة السويس وبورود هذه الأخبار تعين خلوص مصر الى جمهور الفرنساوية وفي سالف الزمان كانت جميع القرانات التي بالجهة الشمالية ضدًا للفرنساوية وقد زالت الآن هذه الضدية ومتى انقضى أمر الحرب عمت الرحمة والرأفة والنظر بالملاطفة للرعية والذي أوجب الاغتصاب والعسف إنما هو الحرب ولو دامت المسالمة لما وقع شيء من هذا فقال بعض أهل الديوان سنة الملوك العفو والصفح وما مضى لإبعاد فارحموا واعفوا عما سلف فقال الوكيل قد وقع الامتحان ولم يبق إلا السلم والمسامحة‏.‏

وفيه قبضوا على القلق المعروف بعمر آغا وهو أغات المغاربة المرتبة عندهم عسكرًا وعلى شخصين آخرين يدعى أحدهما علي جلبي والآخر مصطفى جلبي وسجنا بالقلعة وسبب ذلك أنه حضر الى مصطفى جلبي مكتوب من نسيبه بجهة الشام يطلب منه بعض حوائج فقرئ ذلك المكتوب بحضرة عمر القلق ورفيقه الآخر فوشي بهم رجل قواس فقبضوا على الجميع وكان مصطفى جلبي المذكور سكن ببيته محمد أفندي ثاني قلفة فدخلوا يفتشون عليه في الدار فلم يجدوه فألزموا به محمد أفندي المذكور وأزعجوه وأحاط به عدة من العسكر ولم يمكنوه من القيام من مجلسه ولا من اجتماعه بأحد وبعد أن وجدوا ذلك الإنسان لم يفرجوع عن محمد أفندي بل استمر معهم في الترسيم ووجدوا مكانًا بالدار به أسلحة وأمتعة فنهبوه وانتهبت الدار والحارة وحصل عندهم غاية الكرب والمشقة حتى أن بعض جيران ذلك المحل كبر عنده الخوف وغلب عليه الوهم فمات فجأة رحمه الله ثم فرج الله عن محمد أفندي بعد ثلاثة أيام وأطلق عمر القلق لظهور براءته ولم يكن له جرم غير العلم والسكوت وانتقل محمد أفندي من تلك الدار وما صدق بخلاصة منها وبقي علي جلبي ومصطفى جلبي في الحبس وفي سابع عشره استفيضت وفي ثامن عشره خرج جملة من العسكر الفرنساوية وسافروا الى الجهة البحرية برًا وبحرًا‏.‏

وفي عشرينه اجتمع أهل الديوان فيه على العادة فبدأ الوكيل يقول إنه كان يظن أنه يكون حرب ولكن وردت أخبار أن المراكب التي حضرت الى اسكندريةوهي نحو مائة وعشرين مركبًا قد رجعت فقيل له وما هذه المراكب فقال مراكب فيها طائفة من الانكليز وصحبتهم جماعة من الأروام ليس فيها مراكب كبار إلا قليل جدًا وباقيها صغار تحمل الذخيرة ثم قال إن حضرة ساري عسكر قد كان وجه إليكم فرمانًا في شأن ذلك قبل أن يتبين الأمر وهو وإن كان قد فات موضعه من حيث أنه كان يظن أن هناك حربًا ولكن من حيث كونه قد برز الى الوجود فينبغي أن يتلى على مسامعكم ثم أمر رفائيل الترجمان بقراءته ونصه‏:‏ من عبد الله جاك منو سر عسكر أمين عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالًا الى جميع الكبير والصغير الأغنياء والفقراء المشايخ والعلماء وجميعهم الذين يتبعون الدين الحق والحاصل لجميع أهالي بر مصر سلمهم الله بمقام السر عسكر الكبير بمصر في أربعة عشر شهر ونتوز سنة تسع من قيام الجمهور الفرنساوية واحد ولا ينقسم ثم كتب تحت ذلك البسملة ولفظ الجلالة وتحته أن الله هو هادي الجنود ويعطي النصرة لمن يشاء والسيف الصقيل في يد ملاكه يسابق دائمًا الفرنساوية ويضمحل أعداؤهم أن الانكليزية الذين يظلمون كل جنس للشر في كل المواضع فهم ظهروا في السواحل وإن كان يتجرأوا يضعوا أرجلهم في البر فيرتدوا في الحال على أعقابهم في البحر والعثمانيين متحركين كهؤلاء الانكليزية يعملون أيضًا بعض حركات فإن كان يقدموا ففي الحال يرتدوا وينقلعوا في غبار وعفار البادية فأنتم يا أهالي مملكة ومحروسة مصر إني أنا أخبركم إن كان تسلكوا في طريق الخائفين الله وتبقوا مستريحين في بيوتكم ومقيمين كما كنتم في أشغالكم وأغراضكم فحينئذ لا خوف عليكم ولكن إن كان واحد منكم يسلك للفساد وإضلالكم بالعداوة ضد دولة الجمهور الفرنساوي فأقسمت بالله العظيم وبرسوله الكريم أن رأس ذلك المفسد ترمى تلك الساعة فتذكروا في كل المواقع حين محاصرة مصر الأخيرة وجرى دماء آفائكم ونسائكم وأولادكم في كل مملكة مصر وخصوصًا محروسة مصر وخواصكم انتهبوا تحت الغارات وطرحوا عليكم فردة قوية غير المعتاد فأدخلوا في عقولكم وأذهانكم كل ما قلت لكم الآن والسلام على كل من هو في طريق الخير فالويل ثم الويل على كل من يبعد من طريق الخير ممضي خالص الفؤاد عبد الله جاك منو‏.‏

وفي ذلك اليوم عملوا شنكًا وضربوا عدة مدافع من القلاع فارتاع الناس لذلك واضطربوا اضطرابًا شديدًا فسئل من الفرنسيس فأخبروا أن ذلك سرور بقدوم مركبين من فرانسة الى اسكندرية‏.‏

وفي ذلك اليوم أيضًا وقع بمجلس الديوان بين الوكيل والمشايخ مفاوضة ومناقشة وذلك أنه لما أشيع خبر ورود المراكب الى أبي قير شحت الخلال وارتفعت من الرقع على العادة وزادت أثمانها فتفاوضوا في شأن ذلك وأنه لابد من الاعتناء من الحكام وزجر الباعة وطواف المحتسب وشيخ البلد على الرقع والسواحل ولما قرئ الفرمان المذكور قال بعض الحاضرين العقلاء لا يسعون في الفساد وإذا تحركت فتنة لزموا بيوتهم فقال الوكيل ينبغي للعقلاء ولأمثالكم نصيحة المفسدين فإن البلاء يعم المفسد وغيره فقال بعضهم هذا ليس بجيد بل العقاب لا يكون إلا على المذنب قال تعالى كل نفس بما كسبت رهينة وقال آخر من أهل المجلس ولا تزروا وزرة وزر أخرى فقال الوكيل المفسدون فيما تقدم وهاجوا الفتنة فعمت العقوبة والمدافع والبنبات لا عقل لها حتى تميز بين المفسد والمصلح فإنها لا تقرأ القرآن وقال آخر المخلص نيته تخلصه فقال الوكيل إن المصلح من يشمل صلاحه الرعية فإن صلاحه في حد ذاته يخصه فقط والثاني أكبر نفعًا وطال البحث والمناقشة في نحو ذلك فلما كان عصر ذلك اليوم ورد فرمان من ساري عسكر الى وكيل الديوان فأرسل خلف الشيخ اسمعيل الزرقاني فاستداعاه وسلمه إليه وأمره أن يطوف به على مشايخ الديوان في بيوتهم فيقرؤه وهو مبني على جواب المناقشة المذكورة وصورته بعد البسملة والجلالة من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالًا الى كافة المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله تعالى فضائلهم وألهمهم الحكمة الواجبة لإجراء فرائضهم نرسل لحضراتكم يا مشايخ ويا علماء الكرام نداء جديدًا خطابًا الى جميع أهالي مملكة مصر وخصوصًا أهل محروسة مصر ولا شبهة لي في تقييدكم لتنبيههم بكل ما هو محرر فيها وغير ذلك تذكروا أن هذا التنبيه هو غرضكم إنما حضراتكم ههنا رجال دولة الجمهور الفرنساوي فيبقى في عقولكم وأذهانكم كل ما وقع حين قصاص مصر الأخيرة تفهموا بناء على ذلك كيف هو واجب الى أمنيتكم وراحتكم ضبط الخلائق لأه إن كان يصير أصغر الحركات فلابد ثقلها يقع على رؤوسكم وغير ذلك ورد لنا في الحال أخبار من فرانسا أنه كملت المصالحة مع إمبراطور النمسا وأن قيصر الروسيا بيزو أقام المحاربة ضد دولة العثمانية والسلام‏.‏

ولما أصبح ثاني يوم اجتمع المشايخ ببيت الشيخ عبد الله الشرقاوي وحضر الآغا والوالي والمحتسب وأحضروا مشايخ الحارات وكبراء الأخطاط ونصحوهم وأنذروهم وأمروهم بضبط من هو دونهم وأن لا يغفلوا أمر عامتهم وحذروهم وخوفوهم العاقبة وما يترتب على قيام المفسدين وجهل الجاهلين وأنهم هم المأخوذون بذلك كما أن من فوقهم مأخوذ عنهم فالعاقل يشتغل بما يعنيه على أنه لم يبق في الناس إلا رسوم هافتة وانفصلوا على ذلك هذا وديوان المليون يعملون فيه بالجد والاجتهاد وبث المعينين من القواسة والفرنساوية في المطالبة بالثلث والكسرة الباقية من الفردة والتشديد في أمر الكرنتينة وإزعاج الناس من ذلك وخوفهم من حصول الطاعون وأشاعوا فيما بينهم أن من أصابه هذا الداء في مكان كشفوا عليه فإن كان مريضًا بذلك الداء أخذوا ذلك المصاب الى الكرنتينة عندهم وانقطع خبره عن أهله إلا أن كان له أجل باق ويشفى من ذلك ويعود إليهم صحيحًا وإلا فلا يراه أهله بعد ذلك أصلًا ولا يدرى خبره لأنه إذا مات أخذه الموكلون بالكرنتينة ودفنوه بثيابه في حفرة وردموا عليه التراب وأما داره فلا يدخلها أحد ولا يخرج منها مدة أربعة أيام ويحرقون ثيابه التي تختص به ويقف على بابه حرس فإن مر أحد ولمس الباب أو الحد المحدود قبضوا عليه وأدخلوه الدار وكرتنوه وإن مات الشخص في بيته وظهر أنه مطعون جمعوا ثيابه وفرشه وأحرقوها وغسله الغاسل وحمله الحمالون لا غير وأخرجوه من غير مشهد وأمامه ناس تمنع المارين من التقرب منه فإن قرب منه أحد كرتنوه في الحال وبعد دفنه يكرتنون على كل من باشره بغسل أو حمل أو دفن فلا يخرجون إلا لخدمة أخرى مثلها بشريط لا مساس فهال الناس هذا الفعل واستبشعوه وأخذوا في الهرب والخروج من مصر الى الأرياف لذلك والتوهم وقوع الفتنة بورود أخبار المراكب الى أبي قير وتحذر الفرنساوية واستعدادهم وتأهبهم ونقل أمتعتهم الى القلعة‏.‏

وفي تاسع عشره خرجت عساكر كثيرة بحمولهم وفرشهم وذهبوا الى جهة الشرق وأشيع حضور عرضي العثمانية ووصولهم الى العريش صحبة يوسف باشا الوزير‏.‏

وفيه أصعدوا الشيخ السادات الى القلعة من غير إهانة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه قبضوا أيضًا على حسن آغا المحتسب وأصعدوه الى القلعة أيضًا بشخص يخدمه فحبسوه بالبرج الكبير فأما الشيخ السادات فسأل الموكل به عن ذنبه وجرمه الموجب لحبسه فقال لم يكن إلا الحذر من إثارة تلك الفتن في البلد وإهاجة العامة لبغضك الفرنسيس لما سبق لك منهم من الإيذاء وأما المحتسب فإن الشيخ البكري والسيد أحمد الزور ذهبا الى قائمقام والى ساري عسكر وتكلما في شأنه فأجابهما بأن هذا لم يكن من شغلكما وقيل للسيد أحمد إنك رجل تاجر وذاك أمير وليس من جنسك حتى تشفع فيه فقال إننا محتاجون إليه لأجل مساعدته معنا في قبض المليون ولا نعرف له ذنبًا يوجب حبسه لأنه ناصح في خدمة الفرنسيس فقالا على لسان الترجمان الله يعلم ذنبه وساري عسكر وهو أيضًا يعلم ذلك من نفسه ولما سجنوه لم يقلدوا مكانه غيره فكان كتخداه يركب مع الآغا وأمامهم الميزان ونوبة الحسبة وفيه نادوا في الأسواق بالأمان وعدم الانزعاج من أمر الكرنتينه وأن من مات لا تحرق إلا ثيابه التي على بدنه لا غير وكان أشيع في الناس ما تقدم وزادوا على ذلك حرق الدار التي يموت فيها أيضًا وأن قصدهم أيضًا عمل كرنتينه على البلد بتمامها فحصل من هذا المشاع في الناس كرب عظيم ووهم جسيم فنودي بذلك ليسكن روع الناس‏.‏

وفي يوم الخميس سادس عشرينه أرسل كبير الفرنسيس وطلب رؤساء الديوان والتجار فحضروا الى منزله فأعلمهم أنه مسافر الى بحري وترك بمصر قائمقام بليار وجملة من العسكر والكتبة والمهدنسي وأوصاهم بأن يكون نظرهم على البلد وكان في العزم حبسهم رهينة فاستثار في ذلك فاقتضى رأيهم تأخير ذلك وركب من فوره مسافرًا ولم يرجع من هذه السفرة الى مصر وحضر الجماعة الى اديوان واجتمعوا بالوكيل فوريه فأخبرهم أنه حضر الى ناحية أبي قير طائفة من الانكليز وصحبتهم طائفة من المالطية وأخرى نابلطية وطلعوا الى قطعة أرض رخوة بين سلسولين من الماء وأن الفرنساوية محيطون بهم من كل جهة‏.‏

وفي سابع عشرينه رجعت العساكر التي كانت توجهت الى جهة الشرق بحمولهم وأثقالهم وصحبتهم ساري عسكر الشرقية رينه فسافروا من يومهم ولحقوا بكبيرهم برًا وبحرًا أو أخبروا عنهم أنهم لم يزالوا سائرين حتى وصلوا الى الصالحية وأرسلوا هجانة الى العريش فلم يجدوا أحدًا فكروا راجعين وأشاعوا أن الجهة الشرقية لم يأت إليها أحد مطلقًا وأصل الخبر أن ساري عسكر رينه كاشف القليوبية والشرقية أخبره بعض عربان المويلح بأنهم شاهدوا مراكب انكليزية ترددت بالقلزم فأرسل بخبر ذلك الى ساري عسكر منو ويقول له في ضمن ذلك ويشير عليه بأن تيوجه صحبة جانب من العسكر ويحصن نواحي الاسكندرية خوفًا من ورود الانكليز تلك الناحية وأن رينه يتكفل له بمن يرد الى ناحية الشرق وأكد عليه في ذلك فأجابه ساري عسكر بقوله إن الانكليز لا يأتون من هذه الناحية وأنهم يأتون من ساحل الشام ويأمره الارتحال والذهاب الى الصالحية يرابط فيها فتوانى في الحركة وأرسل إليه ثانيًا بمعنى الجواب الأول ويحثه على تحصين ثغور الاسكندرية وترددت بينهما المراسلات في ذلك ومضت أيام فيما بين ذلك فورد الخبر للفرنساوية بورود مراك الانكليز وتردادها تجاه الاسكندرية ثم رجوعها فكتب ساري عسكر منو يقول لرينه إنهم تراؤوا ليوهموا بأن قصدهم ورود الاسكندرية ثم غابوا وأنهم رجعوا ليطلعوا بناحية الطينة ويستحثه على الرحلة والذهاب الى الصالحية فلم يسعه إلا الامتثال والارتحال وكتب إليه كتابًا يقول فيه إنهم لا يريدون إلا ثغر الاسكندرية وإنما لم يسعفهم الريح فلا تغتر برجوعهم وأنه رحل امتثالًا للأمر ويشير عليه هو أيضًا بعدم تأخره عن الذهاب الى الاسكندرية ويقبل إشارته فلم يستمع وتأخر عن ذلك ورحل رينه الى جهة البركة ولم يستعجل الذهاب ثم انتقل الى الزوامل ثم الى بلبيس وفي كل يوم ووقت يرسل إليه ساري عسكر منو ويأمره بالذهاب الى الصالحية وهو يتلكأ في الرحيل ثم أرسل له آخرًا يقول له إنه وردت علينا أخبار بأن يوسف باشا الوزير متحرك الى القدوم ويحتم عليه في الرحيل الى الصالحية فعند ذلك جمع رينه سواري عسكره وعرض عليهم ذلك وسفه رأيه وأن هذا الخبر لا أصل له وأنا أعلم أننا لا نصل الى الصالحية حتى يأتي الخبر بخلاف ذلك ويأتينا الأمر بالرجوع والذهاب الى الاسكندرية فلا نستفيد إلا التعب والمشقة وارتحل بمن معه من غير استعجال فوصلوا الى القرين في ثلاثة أيام وإذا بمراسلة ساري عسكر منو الى رينه يخبره بأن الانكليز وصلوا الى أبي قير وطلعوا الى البر وتحاربوا مع أمير الاسكندرية ومن معه من الفرنساوية وظهروا عليهم ويستعجله في الرجوع والذهاب الى الاسكندرية فقال رينه هذا ما كنت أخمنه وأظنه وارتحل راجعًا وعدى على بر انبابة بعساكره وتقدم ساري عسكر منو وسبقه الى الاسكندرية‏.

شهر القعدة سنة 1215

في ثالثه أمر وكيل الديوان أرباب الديوان بأن يكتبوا لساري عسكر مكتوبًا بالسلام ففعلوا ما أمروا به‏.‏

وفي سادسه توفي محمد آغا مستحفظان مطعونًا مرض يوم السبت وتوفي ليلة الأحد فوضعوه في نعش وخرج به الحمالون لا غير وأمامه الطرادون ولم يعملوا له مشهدًا ولا جماعة وكرتنوا داره وأغلقوها على من فيها ولم يقلدوا عواضه أحدًا بل أذنوا لعبد العال أن يركب عوضًا عنه وذلك بمعونة نصر الله النصراني ترجمان قائمقام فاستقر عبد العال المذكور أغات مستحفظان ومحتسبًا فكان ذلك من جملة النوادر والعبر فإن عبد العال هذا كان من أسافل العامة وكان أجبر البعض من نصارى الشوام بخان الحمزاوي يخدمه ثم توسط بمصطفى آغا السابق بسبب معرفته للنصارى المترجمين حتى تقدم بوساطته وقلدوه الأغاوية فجعله كتخداه ومشيره فلما تولى محمد آغا تقيد معه كما كان مع مصطفى آغا ولكن دون الحالة التي كان عليها مع ذلك لصلاحية محمد آغا المقتول فلما توفي في هذا الوقت ترك لعبد العال أمر المنصب لإشغال الفرنساوية بما هو الأهم من انفتاح الحروب والطاعون وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الثلاثاء تاسعه أشيع في الناس وصول العثمانيين الى ناحية غزة وأن جواسيسهم وصلوا الى العريش وقدمت الهجانة الى الفرنساوية بالخبر فلما كان عشاء تلك الليلة طلبوا المشايخ الى الديوان فلما تكامل حضورهم حضر فوريه الوكيل وصحبته آخر من الفرنسيس من طرف قائمقام فتكلم فوريه كلامًا كثيرًا ليزيل عنهم الوهم ويؤانسهم بزخرف القول كقوله إنه يحب المسلمين ويميل بطبعه إليهم وخصوصًا العلماء وأهل الفضائل ويفرح لفرحهم ويغتم لغمهم ولا يحب لهم إلا الخير وسياسة الأحكام تقتضي بعض الأمور المخالفة للمزاج وأن ساري عسكر قبل ذهابه رسم لهم رسومًا وأمرهم بإجرائها والمشي عليها في أوقاتها وأنه عند سفره قصد أن يعوق المشايخ وأعيان الناس ويتركهم في الترسيم رهينة عن المسلمين فلما ظهر له وتحقق أن الذين وردوا الى أبي قير ليسوا من المسلمين وإنما هم انكليزية ونابلطية وأعداء للفرنساوية وللمسلمين أيضًا وليسوا من ملتهم حتى يتعصبوا من أجلهم والآن بلغنا أن يوسف باشا الوزير وعساكر العثمانية تحركوا الى هذا الطرف فلزم الأمر لتعويق بعض الأعيان وذلك من قوانين الحروب عندنا بل وعندكم ولا يكون عندكم تكدر ولا هم بسبب ذلك فليس إلا الإعزاز والإكرام أينما كنتم والوكيل دائمًا نظره معهم ولا يغفل عن تعليل مزاجهم في كل وقت ويوم ثم انتهى الكلام وانقضى المجلس على تعويق أربعة أشخاص من المشايخ وهم الشيخ الشرقاوي والشيخ المهدي والشيخ الصاوي والشيخ الفيومي فأصعدوهم الى القلعة في الساعة الرابعة من الليل مكرمين وأجلسوهم بجامع سارية ونقلوا الى مكانهم الشيخ السادات فاستمر معهم بالمسجد وأمروا الأربعة الباقية من أعضاء الديوان وهم البكري والأمير السرسي وكاتبه أن يكون نظرهم على البلد ويجتمعون بشيخ البلد ولا ينقطعون عنه وأن المشايخ المحجوزين لا خوف عليهم ولا ضرروهم معززون مكرمون وأطلقوا لكل شيخ منهم خادمًا يطلع إليه وينزل ليقضي له أشغاله وما يحتاج إليه من منزله والذي يريد من أحبابهم وأصحابهم زيارتهم يأخذ له ورقة بالإذن من قائمقام ويطلع بها فلا يمنع وكذلك أصعدوا ابراهيم أفندي كاتب البهار وأحمد ابن محمود محرم وحسين قرا ابراهيم ويوسف باشجاويش تفكجيان وعلي كتخدا يحيى أغات الجراكسة ومصطفى آغا أبطال وعلي كتخدا النجدلي ومحمد أفندي سليم ومصطفى أفندي جمليان ورضوان كاشف الشعراوي وغيرهم وأمروا المشايخ الباقية والذين لم يحبسوا بتقيدهم ونظرهم الى البلدة والعامة وأنهم يترددون على بليار قائمقام ويعلمونه بالأمور التي ينشأ عنها الشرور والفتن وأهمل ديوان المليون والمطالبة بثلثه وكذلك كسرة الفردة ونفس الله عن الناس وكذلك تسوهل في أمر الكرنتينة وإجازة الأموات وعدم الكشف عليهم وتصديق الناس بما يخبرون به في مرض من يموت وذلك لكثرة أشغالهم وحركاتهم وتحصنهم ونقل متاعهم وصناديقهم وفرشهم وذخائرهم الى القلعة الكبيرة على الجمال والحمير ليلًا ونهارًا والطاعون متعلق فيهم ويموت منهم العدة الكثيرة في كل يوم‏.‏

وفي حادي عشره أفرجوا عن الشيخ سليمان الفيومي وأنزلوا من القلعة ليكون مع من لم يحبس وأمرهم الوكيل بالتقيد والحضور الى الديوان على عادتهم ولا يهملونه فكانوا يحضرون ويجلسون حصة يتحدثون مع بعضهم ولا يرد عليهم إلا القليل من الدعاوى ثم ينصرفون الى منازلهم وكذلك أمروا الشيخ أحمد العريشي القاضي بأن يحضر ويجلس من غير سابقة له بذلك وذلك حفظًا للناموس لا غير‏.‏

وفي ثالث عشره نقل الكمثاري فوريه الوكيل متاعه الى القلعة وصعد إليها فلم ينزل وأرسل الى الشيخ سليمان الفيومي تذكرة يأمره فيها بأن ينقل فراش المجلس ويودعه في مكان بداره ففعل ما أمره به ولم يتركوا به إلا الحصر وأمر بحضور أرباب الديوان على عادتهم فكانوا يفرشون سجاجيدهم ويجلسون عليها حصة الجلوس ثم ينصرفون‏.‏

وفي رابع عشره نقلوا حسن آغا المحتسب من البرج الى جامع سارية صحبة المشايخ وكذلك فوريه الوكيل جعل سكنه الجامع المذكور وأظهر أن قصده مؤانستهم وليس إلا لضيق مساكن القلعة وازدحام الفرنسيس وكثرة ما نقلوه إليها من الأمتعة والذخائر والفلال والأحطاب مع ما هدموه من أماكنها حتى أنهم سدوا أبواب الميدان وجعلوه من جملة حقوقها فكانوا ينزلون إليه ويصعدون منه من باب السبع حدرات‏.‏

وفي تاسع عشره ورد مكتوب من كبير الفرنسيس من ناحية اسكندرية مؤرخ بثالث عشر القعدة وهو جواب عن المكتوب المرسل إليه السابق ذكره وصورته بعد الصدر المعتاد من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالًا الى كامل المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بالديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله فضائلهم ورد لنا مكتوبكم العزيز ورأينا بكامل السرور ما فصلتم لنا به وثبت من مفهومنا صدق ودادكم لنا ولعساكر دولة جمهور الفرنساوية ودمتم حضراتكم وكافة أهالي مصر بالحمية والاستقامة الموعودة ومعلوم على فضائلكم أن الله يهدي كلا فما النصر إلا منه ووضعت عليه اعتمادي وما توفيقي إلا به وبرسوله الكريم عليه السلام الدائم وإن ابتغيت النصرة فما هو إلا لسهولة خيراتي الى بر مصر وسكان ولايتها وخير أمور أهلها والله تعالى يكون دائمًا معكم ويكرم وجوهكم بالسلامة‏.‏

وفيه سمع ونقل عن بعض الفرنسيس أنه وقع الحرب بين الفرنساوية والانكليزية وكانت الهزيمة على الفرنساوية وقتل بينهم مقتلة كبيرة وانحازوا الى داخل الاسكندرية ووقع بينهم الاختلاف واتهم منو ساري عسكر رينه وداماص ورابه منهما ما رابه وكان سببًا لهزيمته فيما يظن ويعتقد فقبض عليهما وعزلهما من إمارتهما وذلك أن رينه وداماص لما ذهبا على الصورة المتقدمة ونظر رينه وأرسل من كشف على متاريس الانكليز فوجدها في غاية الوضع والإتقان فاجتمعوا للمشورة على عادتهم ودبروا بينهم أمر المحاربة فرأى ساري عسكر منو رأيه فلم يعجب رينه ذلك الرأي وإن فعلنا ذلك وقعت الغلبة علينا وإنما الرأي عندي كذا وكذا ووافقه على ذلك داماص وكثير من عقلائهم فلم يرض بذلك منو وقال أنا ساري عسكر وقد رأيت رأيي فلم يسعهم مخالفته وفعلوا ما أمر به فوقعت عليهم الهزيمة وقتل منهم في تلك الليلة خمسة عشر ألفًا وتنحى رينه وداماص ناحية ولم يدخلا في الحرب بعسكرهما فاغتاظ منه ونسبهما للخيانة والمخامرة عليه وتسفيههم لرأيه وأكد ذلك عنده أنهما لما حضرا الى الاسكندرية أخذا معهما أثقالهما وما كان لهما بمصر لعلمهما عاقبة الأمر وسوء رأي كبيرهما فاشتد إنكاره عليهما وعزل عنهما العسكر وحبسهما ثم أطلقهما ونزلا الى المراكب مع عدة من أكابرهم وسافر الى بلادهما وكان منو أرسل الى بونابارته يخبر عن ورود الانكليز ويستنجده فأرسل إليه عسكرًا فصادفوا الجماعة المذكورين في الطريق فأخبروهم عن الواقع وردوهم من أثناء الطريق وقد أشاروا لذلك في بعض مكاتباتهم وأخبر أيضًا المخبرون أن الانكليز أطلقوا حبوس المياه الملحة حتى أغرقت طرق الاسكندرية وصارت جميعها لجة ماء ولم يبق لهم طريق مسلوك إلا من جهة العجمي الى البرية وأن الانكليز تترسوا اقبالهم من جهة الباب الغربي‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن حسين باشا القبطان ورد بعساكره جهة أبي قير وطلع عسكره من المراكب الى البر وقويت القرائن الدالة على صحة هذه الأخبار وظهرت لوائح ذلك الفرنسيس مع شدة تجلدهم وكتمان أمرهم وتنميق كلامهم‏.‏

وفيه سدوا باب البرقية المعروف بباب الغريب وبنوه فضاق خناق الناس بسبب الخروج الى القرافة بالأموات فكان الذي مدفنه ببستان المجاورين يخرج بجنازته من باب النصر ويمرون بها من خلف السور المسافة الطويلة حتى ينتهوا الى مدفنهم فحصل للناس مشقة شديدة وخصوصًا مع كثرة الأموات فكلم يوم الأحد حادي عشرينه بعض المشايخ قائمقام في شأن ذلك فأرسل الى قبطان الحنطة ففتح بابًا صغيرًا من حائط السور جهة كفر الطماعين على قدر النعش والحمالين والمشاة‏.‏

وفي ثاني عشرينه سافر جماعة من أعيان الفرنساوية الى جهة بحري وهم استوف الخازندار العام ومدبر الحدود وفوريه وكيل الديوان وشنانيلو مدبر أملاك الجمهور وبرنار وكيل دار الدرب وريج خازندار دار الضرب ولابرت رئيس مدرسة المكتب وحافظ سجلاتهم وكتبهم وأخذوا معهم طائفة من رؤساء القبط وفيهم جرجس الجوهري وأشيع في الناس بأن سفرهما لتقرير الصلح وليس كذلك‏.‏

وفي ثالث عشرينه توكل بحضور الديوان كمثاري يقال له جيرار‏.‏

وحضر يوم الجمعة سادس عشرينه بصحبة كاتب سلسلة التاريخ محبنا الفاضل العمدة السيد اسمعيل المعروف بالخشاب وحضرة قاسم أفندي أمين الدين كاتب الديوان فلما استقر به الجلوس أخبر أنه ورد كتاب من كبيرهم جاك منو باللغة الفرنساوية مضمونه أنه مقيم بسكندرية وهو مؤرخ بعشرين القعدة ومثل ذلك من الكلام فارغ‏.‏

وفيه قدم ثلاثة أنفار من العرب صحبة جماعة من الفرنسيس وذهبوا بهم الى بيت قائمقام فاستفسر منهم فاختل كلامهم وتبين كذبهم فأمر بحبسهم‏.‏

وفيه حضر جماعة من الفرنسيس من جهة الشرق ومعهم دواب كثيرة وآلات حرب ومروا في شارع المدينة ومنعوا الناس من شرب الدخان خوفًا على البارود من النار ولم يعلم سبب قدومهم ثم تبين أنهم الذين كانوا محافظين بالصالحية وبعد أيام حضر أيضًا الذين كانوا بالقرين وكذلك الذين كانوا ببلبيس وناحية الشرق شيئًا بعد شيء‏.‏

شهر ذي الحجة الحرام سنة 1215 فيه حصل الاجتماع بالديوان وأخبر الوكيل أن كبيرهم قد بعث أخبارًا بالأمس منها أنه قد مات جماعة من كبراء الانكليز وأن أكثر عساكرهم مريضون بمرض الزحير والرمد وربما يحصل الصلح عن قريب ويرجعون الى بلادهم وأن العطش مضارهم وبعثوا عدة مراكب لتأتيهم بالماء فتعذر عليهم ذلك ثم سأل عن أحوال البلد وسكون الرعية والغلال والأقوات فأجيب بأن البلد مطمئنة والرعية ساكنة والغلال موجودة فقال لابد من اعتنائكم بجميع هذه الأمور الموجبة للراحة‏.‏

وفيه أشيع أن الانكليز ومن معهم من العثمانية ملكوا ثغر رشيد وأبراجها وحاربوا من كان بها من الفرنسيس حتى أجلوهم عنها ودخلوها‏.‏

وفي ذلك اليوم قبضوا على نيف وستين من مغاربة الفحامين وطولون والغورية ونفوهم وذلك من فعل عبد العال الآغا‏.‏

وفيه أمر بليار قائمقام بركوب أحد المشايخ صحبة عبد العال ويمرون بشوارع المدينة فكان يركب معه مرة الشيخ محمد الأمير ومرة الشيخ سليمان الفيومي وذلك لتطمئن الرعية‏.‏

وفي سادسه قرئ مكتوب زعموا أنه حضر من ساري عسكر منو من جهة الاسندرية وصورته بعد البسلمة والجلالة والصدر المعتاد الى حضرات كافة المشايخ العلماء الكرام المستشارين بمحفل اديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله تعالى فضائلهم وما النصرة إلا من الله وبشفاعة رسوله الكريم عليه السلام الدائم العساكر الفرنساوية والانكليزية هما الى هذا الآن حصيران قبلهما فحصنا أطرافنا بمتاريس وخنادق لا تغلب ولا تهجن وغير ذلك يلزم نخبر حضراتكم لتهدية تمشياتكم ولأجل انتظامها أن سلطان الروسية المحمية أعلن ببواسطة مرسله الى حضرة السلطان سليم أذعن الأمر الى عساكره لأجل مايتجانبوا ويتراووا ويخلو من بر مصر جميعًا وإلا لابد من سلطان الروسيات الجمعية الإقامة بالمحاربة بمعية مائة ألف عسكرية ضد العثمانية وضد قسطنطينية فبناء على ذلك أرسل السلطان سليم أوامره بفرمانه خطابه الى عساكره لتخلية بر مصر ولكامل من بالبر المذكور لكي وثم ولكن ذهب الانكليزية كفًا للارتشاء بعض من مقدار العسكر العثمانية وبتقديم امتثالهم الى أوامر سلطانهم فأعلنوا وأخبروا كل ذلك الى أهالي مصر فانتظموا كما كنتم دائمًا بالخير واعتمدوا واعتنوا بحماية وصيانة دولة الجمهور الفرنساوية والله تعالى يديم فضائلكم عن الإلهام بالخير والسلامات حرر في الخامس والعشرين من شهر جرمينيال سنة تسعة الموافق لثلاثة ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر وكتب بألفاظه وحروفه من خط منشئه لوماكا الترجمان ثم قال الترجمان إن الفرنساوي الذي حمل هذا الكتاب نقل لي عن سر عسكر أنه ناشر لكم ألوية الشكر على قيامكم بوظائفكم فدوموا على ذلك فأجيب السمع والطاعة ثم أن بعض الحاضرين من المشايخ أخبر بأن رجلًا من المنوفية يقال له موسى خالد كان الفرنساوية أحسنوا إليه وقدموه على أقرانه فلما خرجوا من الموفية أفسد في البلاد وقطع الطريق ولا يتمكن أحد من أهل هذه الجهة أن يخرج من بلده لتحصيل معاشه وأنه قبض على الشيخ عابدين القاضي وصادره في نحو ثلاثة آلاف ريال وكذلك صادر كثيرًا من أغنياء منوف وغيرها وأخذ أموالهم فقال الوكيل ستسكن الفتنة ويعاقب المفسدون ثم أمر بكتابة مكاتيب ممضاة من مشايخ الديوان خطابًا للتجار والمتسببين ولمشايخ البلاد يأمرونهم وفيه كتبوا جوابًا من مشايخ الديوان لكبير الفرنسيس جوابًا عن المكتوب المذكور آنفًا‏.‏

وفيه ذكر قائمقام بليار لبعض الرؤساء أنه إذا رجع ساري عسكر منصورًا ودامت أهل البلد على طاعتهم وسكونهم رفع عنهم نصف المليون والظلم‏.‏

وفي عاشره أفرجوا عن ابن محرم التاجر بتوسل والدته بقائمقام بليار على مصلحة ألفين ريال فرانسة‏.‏

وفيه خرج عبد العال الى ناحية أبي زعبل ورجعل ومعه ثلاثة أشخاص من الفلاحين ضرب عنق أحدهم‏.‏

وفي ثاني عشره قبض عبد العال على أناس من الغورية والصاغة ومرجوش وغيرهم وألزمهم بمال وسئل عن ذلك فقال لهم أفعله من قبل نفسي بل عن أمر من الفرنسيس‏.‏

وفيه حفروا خندقًا عند تلال البرقية فكان الذين يخرجون بالأموات يصعدون بهم من فوق التل ثم ينزلون ويمرون على سقالة من الخشب على الخندق المحفور فحصل للناس غاية المشقة واتفق أن ميتًا سقط على رقاب الحمالين وتدحرج الى أسفل التل‏.‏

وفيه ورد الخبر بموت مراد بك بالوجه القبلي بالطاعون وكان موته رابع الشعر ودفن بسوهاج عند الشيخ العارف وأقيم عزاؤه عند زوجته الست نفيسة وبنت له قبرًا بمدفن علي بك واسمعيل بك بالقرافة بالقرب من قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وأشيع نقله إليه ثم ترك ذلك وبطل وكان الفرنساوية عندما اصطلح معهم وأعطوه إمارة الصعيد رتبوا لزوجته المذكورة في كل شهر مائة ألف فضة واستمرت تقبض ذلك حتى أخرج الفرنساوية جوابات الى اأمراء المرادية يعزونهم في أستاذهم وتقريرًا الى عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي بأن يكون أميرًا ورئيسًا على خشداشينه وعوضًا عن مراد بك ويستمرون على أمريتهم وطاعتهم‏.‏

وفيه حضرت جوابات المراسلات التي أرسلت الى البلاد بسبب الغلال والأقوات بأن المتسببين والتجار أجابوا بالسمع والطاعة غير أن المانع لهم قطاع الطريق وتعدى العرب ومنعهم السبيل وأن أبواب البلدان مغلوقة بحيث لا يمكن الخروج منها فإذا أمنت الطرق حضر المطلوب وكلام هذا معناه وأما الساعي المرسل الى المنصورة فإنه رجع من أثناء لطريق ولم يمكنه الوصول إليها لأن العساكر القادمة قد دخلوها وصارت في حكمهم‏.‏

وفيه أي في هذا الشهر زاد أمر الطاعون وطعن مصطفى آغا أبطال بالقلعة فلما ظهر فيه ذلك رفعوه بطريق مهانة وأنزلوه الى الكرنتينه بباب العزب وألقوه بها ثم تكلم في شأنه أرباب الديوان فأنزلوه الى داره فمات بها وكذلك وقع لحسين قرا ابراهيم التاجر وعلي كتخدا النجدلي وذلك في أوائله وفي كل يوم يموت من الفرنسيس الكائنين بالقلعة الثلاثون والأربعون وينزلون بهم من كرنتينة القلعة على الأخشاب مثل الأبواب كل ثلاثة أو أربعة سواء يحملهم الحمالون وأمامهم إثنان من الفرنسيس يمنعون الناس ويباعدونهم عن القرب منهم الى أن يخرجوا بهم من باب القرافة فيلقونهم في حفر عميقة قد أعدها الحفارون ويهيلون عليهم التراب حتى يعلوهم ثم يلقون صفا آخر ويغطونهم بالتراب وهكذا حتى تمتلئ الحفرة ويبقى بينها وبين الأرض نحو الذراع فيكبسونها بالتراب والأحجار ويحفرون أخرى غيرها كذلك فيكون في الحفرة الواحدة إثنا عشر وستة عشر وأكثر فوق بعضهم البعض وبينهم التراب ويرمونهم بثيابهم وأغطيتهم وتواسيمهم التي في أرجلهم وذلك المكان الذي يدفنون به في العلوة الكائنة خارج مزار القادرية بين الطريقين الموصلين الى جهة مزار الإمام الشافعي رضي الله عنه وفيه أنهى مشايخ الديوان تعرض عبد العال لمصادرة الناس وطلب المال بعد تأمينهم وتبشيرهم برفع نصف المليون عنه فأجيبوا بأن ذلك على سبيل القرض لتعطل المال الميري واحتياج العسكر الى النفقة وقيل لهم أيضًا إن كان يمكنكم أن تكتبوا الى البلاد بدفع الميري رفعنا الطلب عن الناس فقالوا هذا غير ممكن لحصول البلاد في حيازة القادمين وقطع الطريق من وقوف العرب بها وعدم الانتظام وإنما القصد الملاطفة والرفق فإن وظيفتنا النصح والوساطة في الخير‏.‏

وفي يوم الخميس سادس الحجة حضر استوف الخازندار وجرجس الجوهري ومن معهما من القبطة وغيرهم ما عدا الفرنسيس الذين ذهبوا معهم فأرسلت أوراق بحضور مشايخ الديوان والتجار والأعيان من الغد فلما كان في صبحها حصلت الجمعية وأحضر الخازندار والوكيل وعبد العال وعلي آغا الوالي وبعض التجار كالسيد أحمد الزور والحاج عبد الله التاودي شيخ الغورية والحاج عمر الملطيلي التاجر بخان الخليلي ومحمود حسن وكليمان الترجمان فتكلم استوف وترجم عنه الترجمان بقوله إن ساري عسكر الكبير منو يقرئكم السلام ويثني عليكم كثيرًا وسينجلي هذا الحادث إن شاء الله تعالى ويقدم في خير ويرى أهل مصر ما يسرهم وقد هلك من الانكليز خلق كثير وباقيهم أكثرهم مرمودون الأعين وبمرض الزحير وجاءت طائفة منهم الى الفرنساوية وانضموا إليهم من جوعهم وعطشهم ولتعلموا أن الفرنساوية لميسلموا في رشيد قهرًا عنهم بل تركوها قصدًا وكذلك أخلينا دمياط لأجل أن يطمعوا ويدخلوا الى البلاد وتتفرق عساكرهم فنتمكن عند ذلك من استئصالهم ونخبركم أنه قد وردت الى اسكندرية مركب من فرانسا وأخبرت أن الصلح قد تم مع كامل القرانات ما عدا الانكليز فإنهم لم يدخلوا في الصلح وقصدهم عدم سكون الحرب والفتن ليستولوا على أموال الناس واعلموا أن المشايخ المحبوسين بالقلعة وغيرهم لا بأس عليهم وإنما القصد من تعويقهم وحبسهم رفع الفتن والخوف عليهم وشريعة الفرنساوية اقتضت ذلك ولا يمكن مخالفتها ومخالفتها كمخالفة القرآن العظيم عندكم وقد بلغنا أن السلطان العثملي أرسل الى عسكره بالكف عن الفرنساوية والرجوع عن قتالهم فخالف عليه بعض السفهاء منهم وخرجوا عن طاعته وأقاموا الحرب بدون إذنه فأجابه بعض الحاضرين بقوله إن القصد حصول الراحة والصلح والفرنساوية عندنا أحسن حالًا من الانكليز لأننا قد عرفنا أخلاقهم ونعلم أن الانكليز إنما يريدون بانضمامهم الى العثملية تنفيذ أغراضهم فقط فإنهم يدلون العثملي ويغرونه حتى يوقعوه في المهالك ثم يتركوه كما فعلوا سابقًا ثم قال الخازندار إن الفرنساوية لا يحبون الكذب ولم يعهد عليهم فلازم أن تصدقوا كل ما أخبروكم به فقال بعض الحاضرين إنما يكذب الحشاشون والفرنساوية لا يأكلون الحشيش ثم قال الخازندار إن وقع من أهل مصر فشل أو فساد عوقبوا أكثر من عام أول واعلموا أن الفرنساوية لا يتركون الديار المصرية ولا يخرجون منها أبدًا لأنها صارت بلادهم وداخلة في حكمهم وعلى الفرض والتقدير إذا غلبوا على مصر فإنهم يخرجون منها الى الصعيد ثم يرجعون إليها ثانيًا ولا يخطر في بالكم قلة عساكرهم فإنهم على قلب رجل واحد وإذا اجتمعوا كانوا كثيرًا وطال الكلام في مثل هذه التمويهات والخرافات وأجوبة الحاضرين بحسب المقتضيات ثم قال الخازندار القصد منكم معاونة الفرنساوية ومساعدتهم وغلاق نصف المليون وتشفع بعد ذلك عند ساري عسكر في فوات النصف الثاني حكم ما عرفكم قائمقام بليار فاجتهدوا في غلاقه من الأغنياء واتركوا الفقراء فأجابوا في آخر الكلام بالسمع والطاعة فقال لكن ينبغي التعجيل فإن الأمر لازم لأجل نفقة العسكر ثم قال لهم ينبغي أن تكتبوا جوابًا بالساري عسكر تعرفوانه فيه عن راحة أهل البلد وسكون الحال وقيامكم بوظائفكم وهو إن شاء الله يحضر إليكم عن قريب وانفض المجلس وكتب الجواب المأمورية وأرسل‏.‏

وفيه ورد الخبر بوصول طاهر باشا الأرنؤدي بجملة من العساكر الأرنؤدية الى أبي زعبل‏.‏

وفيه خرج عدة من عساكر الفرنساوية وضربوا أربع قرى من الريف بعلة موالاة العرب وقطاع الطريق فنهبوهم وحضروا الى مصر بمتاعهم ومواشيهم‏.‏

وفيه أرسل بليار قائمقام يطلب من الوجاقلية بقية ما عليهم من المال المتأخر من فردة الملتزمين وقدره اثنا عشر ألف ريال وإن تأخروا عن الدفع أحاط العسكر بيوتهم ونقلهم الى أضيق الحبوس بل واستعملهم في شيل الأحجار فاعتذروا بضيق ذات يدهم وحبسهم فتصدر إليهم السيد أحمد الزور وتشفع عند قائمقام بأن يقوموا بدفع أربعة آلاف ريال ويؤجلوا بالباقي وينزلوا من القلعة لتحصيل ذلك فأجابه وأنزل علي آغا يحيى أغات الجراكسة ويوسف باشجاويش الى بيت عبد العال وحبسهم بمكان بداره وحبس معهم مصطفى كتخدا الرزاز فكان يتهددهم ويرسل إليهم أعوانه يقولون لهم شهلوا ما عليكم وإلا ضربكم الآغا بالكرابيج فسبحان الفعال لما يريد فإن عبد العال هذا الذي يتهددهم ربما كان لا يقدر على الوصول الى الوقوف بين يدي بعض أتباعهم فضلًا عنهم‏.‏

وفيه أحاط الفرنسيس بمنزل حسن آغا الوكيل المتوفي قبل تاريخه وذلك بسبب أنه وجد ببيته غلام فرنساوي مختف أسلم وحلق رأسه وقبضوا على أحد خشداشينه وحبسوه لكونه علم ذلك ولم يخبر به‏.‏

وفيه حضرت رسل من طرف عرضي الوزير لقائمقام بليار فاجتمعوا به وخلا بهم ووجههم من ليلتهم فلما حصلت الجمعية بالديوان سئل الوكيل عن ذلك فقال نعم إنهم أرسلوا يطلبون الصلح‏.‏

وفي ثامن عشره أفرجوا عن ابراهيم أفندي كاتب البهار ليساعد في قبض نصف المليون وفي رابع عشرينه قبضوا على أبي القاسم المغربي شيخ رواق المغاربة وحبسوه بالقلعة بسبب أنه كان يتكلم في بعض المجالس ويقول أنا شيخ المغاربة وأحكم عليهم ويتباهى بمثل هذا القول فنقل عنه ذلك الى عبد العال والفرنسيس وظنوا صحة قوله وأنه ربما أثار فتنة فقبضوا عليه وحبسوه وكذلك حبسوا محمد أفندي يوسف ثاني قلفة وآخر يقال له عبيد السكري‏.‏

وفي خامس عشرينه أبرزوا مكتوبًا وزعموا أنه حضر من ساري عسكرهم وقرئ بالديوانية وصورته بعد الصدر خطابًا الى كافة العلماء والمشايخ الكرام بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر حالًا أدام الله تعالى فضائلهم ورد لنا مكتوبكم وانشرح قلبي من كل ماشهدتم لنا فيه بأنه يثبت عقلكم السليم وصدقكم وتقييد قلوبكم في طارق الدستور فدوموا مهتدين بهذه الملكة ولابد لفضائلكم من دولة جمهورنا كامل الوفاء من حسن رضا واطمئنان عليكم منها ومن طرف عمدة أصحاب الجراءة والشجاعة حضرة القونصل أولها بونابارته وعلى الخصوص من طرفنا وكان ضد أوامري أن الستويان فوريه الذي كنت وضعته قرب فضائلكم ترك ذلك الموضع وتوجه الى اسكندرية وما تلك الفعلة إلا من نقص جسارته في ذي الوقعة فبدلناه جنب فضائلكم بالستويان جيرار رجل واجب الاستوصاء لأجل عرضه وفضله وخصوصًا لأجل غيرته وجسارته فلذلك هو كسب اعتمادي فاعتمدوا الى كل ما هو قائل بفضائلكم من جانبنا وبمنه وعونه تعالى عن قرب نواجهكم بمصر بخير وسلامة ودوموا حسب تدبيراتكم لتنظيم البلد ومماسكة الطاعة بين الأمة الحامدة والسياسة بين غيرهم وكذلك نرجو من رب الأجناد بحرمة سيد العباد أن تشدوا قلوبكم توكلًا له لأن عوننا اسمه العظيم حرر في ثلاثة عشر فلوريال سنة تسعة موافقًا لثمانية عشر ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر ممضي عبد الله جاك منو انتهى بألفاظه وحروفه‏.‏

وفيه أفرجوا عن محمد كاشف سليم الشعراوي بشفاعة حسين كاشف وسافر الى جهة الصعيد‏.‏

وفي ثامن عشرينه وردت الأخبار بوصول ركاب الوزير يوسف باشا الى مدينة بلبيس وذلك يوم الجمعة رابع عشرينه‏.‏

وفيه أخبر وكيل الديوان أن ساري عسكر أرسل كتابًا الى الست نفيسة بالتعزية ورتب لها في كل شهر مائة ألف نصف وأربعين‏.‏

وانقضت هذه السنة بحوادثها وما حصل فيها فمنها توالي الهدم والخراب وتغيير المعالم وتنويع المظالم وعم الخراب خطة الحسينية خارج باب الفتوح والخروبي فهدموا تلك الأخطاط والجهات والحارات والدروب والحمامات والمساجد والمزارات والزوايا والتكايا وبركة جناق وما بها من الدور والقصور المزخرفة وجامع الجنبلاطية العظيم بباب النصر وما كان به من القباب العظام المعقودة من الحجر المنحوت المربعة الأركان الشبيهة بالأهرام والمنارة العظيمة ذات الهلالين واتصل هدم خارج باب النصر بخارج باب الفتوح وباب القوس الى باب الحديد حتى بقي ذلك كله خرابًا متصلًا واحدًا وبقي سور المدينة الأصلي ظاهرًا مكشوفًا فعمروه ورموا ما تشعث منه وأوصلوا بعضه ببعض بالبناء ورفعوا بنيانه في العلو وعملوا عند كل باب كرانك وبدنات عظامًا وأبوابًا داخلة وخارجة وأخشابًا مغروسة بالأرض مشبكة بكيفية مخصوصة وركزوا عند كل باب عدة من العسكر مقيمين وملازمين ليلًا ونهارًا ثم سدوا باب الفتوح بالبناء وكذلك باب البرقية وباب المحروق وأنشأوا عدة قلاع فوق التلال البرقية ورتبوا فيها العساكر وآلات الحرب والذخيرة وصهاريج الماء وذلك من حد باب النصر الى باب الوزير وناحية الصوة طولًا فمهدوا أعالي التلال وأصلحوا طرقها وجعلوا لها مزالق وانحدارات لسهولة الصعود والهبوط بقياسات وتحريرات هندسية على زوايا قائمة ومنفرجة وبنوا تلك القلاع بمقادير بين أبعادها وهدموا أبنية رأس الصوة حيث الحطابة وباب الوزير تحت القلعة الكبيرة وما بذلك من المدارس القديمة المشيدة والقباب المرتفعة وهدموا أعالي المدرسة النظامي ومنارتها وكانت في غاية من الحسن وجعلوها قلعة ونبشوا ما بها من القبور فوجدوا الموتى في توابيت من الخشب فظنوا داخلها دراهم فكسروا بعضها فوجدوا بها عظام الموتى فأنزلوا تلك التوابيت وألقوها الى خارج فاجتمع أهل تلك الجهة وحملوها وعملوا لها مشهدًا بجمع من الناس ودفنوها داخل التكية المجاورة لباب المدرج وجعلوا تلك المدرسة قلعة أيضًا بعد أن هدموا منارتها أيضًا وكذلك هدموا مدرسة القانبية والجامع المعروف بالسب سلاطين وجامع الجركسي وجامع خوند بركة الناصرية خارج باب البرقية وكذلك أبنية باب القرافة ومدارسها ومساجدها وسدوا الباب وعملوا الجامع الناصري الملااصق له قلعة بعد أن هدموا منارته وقبابه وسدوا أبواب الميدان من ناحية الرميلة وناحية عرب اليسار وأوصلوا سهور باب القرافة بجامع الزمر وجعلوا ذلك الجامع قلعة وكذلك عدة قلاع متصلة بالمجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة الكبيرة وسدوا عيونها وبواكيها وجعلوها سورًا بذاتها ولم يبقوا منها إلا قوصرة واحدة من ناحية الطبي جهة مصر القديمة جعلوها بابًا ومسلكًا وعليها الكرنك والغفر والعسكر الملازمين الإقامة بها ولقبض المكس من الخارج والداخل وسدوا الجهة المسلوكة من ناحية قنطرة السد بحاجز خشب مقفص وعليه باب بقفل مقفص أيضًا وعليه حرسجية ملازمون القيام عليه وذلك حيث سواقي المجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة وحفروا خلف ذلك خندقًا‏.‏

وأما ما أنشأوه وعمروه من الأبراج والقلاع والحصون بناحية ثغر الاسكندرية ورشيد ودمياط وبلاد الصعيد فشيء كثير جدًا وذلك كله في زمن قليل‏.‏

ومنها تخريب دور الأزبكية وردم رصيفاتها بالأتربة وتبديل أوضاعها وهدم خطة قنطرة الموسكي وما جاورها من أول القنطرة المقابلة للحمام الى البوابة المعروفة بالعتبة الزرقاء حيث جامع أزبك وما كان في ضمن ذلك من الدور والحوانيت والوكائل وكوم الشيخ سلامة فيسلك المار من على القنطرة في رحبة متسعة تنتهي الى رحبة الجامع الأزبكي وهدموا بيت الصابونجي ووصلوه بجسر عريض ممتد ممهد حتى ينتهي الى قنطرة الدكة وفي متوسط ذلك الجسر ينعطف جسرآخر الى جهة اليسار عند بيت الألفي حيث سكن ساري عسكر ممتد ذلك الجسر الى قنطرة المغربي ومنها يمتد الى بولاق على خط مستقيم الى ساحل البحر حيث موردة التبن والشون وزرعوا بحافتيه السيسبان والأشجار وكذلك برصيفات الأزبكية وهدموا المسجد المجاور لقنطرة الدكة مع ما وجدوه من الأبنية والغيطان وعملوا هناك بوابة وكرنكًا وعسكرًا ملازمين الإقامة والوقوف ليلًا ونهارًا وذلك عند مسكن بليار قائمقام وهي دار جرجس الجوهري وما جاوره وكان في عزمهم إيصال ما انتهوا الى هدمه بقنطرة الموسكي الى سور باب البرقية ويهدمون من حد حمام الموسكي حتى يتصل المهدوم بناحية الأشرفية ثم الى خان الخليلي الى اسطبل الطارمة المعروف الآن بالشنواني الى ناحية كفر الطماعين الى البرقية ويجعلون ذلك طريقًا واحدًا متسعًا وبحافتيه الحوانيت والخانات وبها أعمدة وأشجار وتكاعيب وتعاريش وبساتين من أولها الى آخرها من حد باب البرقية الى بولاق فلما انتهوا في الهدم الى قنطرة الموسكي تركوا الهدم ونادوا بالمهلة ثلاثة أشهر وشرعوا في أبنية حوائط بحافتي القنطرة ومعاطف ومزالق الى حارة الإفرنج وحارة النباقة وذلك بالجر النحت المتقن الوضع وكذلك عمروا قناطر الخليج المتهدمة داخل مصر وخارجها على ذلك الشكل مثل قنطرة السد والقنطرة التي من بين أراضي الناصرية وطريق مصر القديمة وقنطرة الليمون وقنطرة قدبدار وقنطرة الأوز وغير ذلك ثم فاجأهم حادث الطاعون ووصول القادمين فتركوا ذلك واشتغلوا بأمور التحصين وسيأتي تتمة ذلك ومنها توالي خراب بركة الفيل وخصوصًا بيوت الأمراء التي كانت بها وأخذوا أخشابها لعمارة القلاع ووقود النيران والبيع وكذلك ما كان بها من الرصاص والحديد والرخام وكانت هذه البركة من جملة محاسن مصر وفيها يقول أبو سعيد الأندلسي وقد ذكر القاهرة وأعجبني في ظاهرها بركة الفيل لأنها دائرة كالبدر والمناظر فوقها كالنجوم وعادة السلطان أن يركب فيها بالليل ويسرج أصحاب المناظر على قدر هممهم وقدرتهم فيكون بذلك لها منظر عجيب‏.‏

وتخرب أيضًا جامع الرويعي وجعلوه خمارة وبعض جامع عثمان كتخدا القزدغلي الذي بالقرب من رصيف الخشاب وجامع خير بك حديد الذي يدرب الحمام بقرب بركة الفيل وجامع البنهاوي والطرطوشي والعدوي وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا المقابل لباب الفتوح حتى لم يبق به إلا بعض الجدران وجعلوا جامع أزبك سوقًا لبيع أقلام المكوس‏.‏

ومنها أنهم غيروا معالم المقياس وبدلوا أوضاعه وهدموا قبته العالية والقصر البديع الشاهق والقاعة التي بها عامود المقياس وبنوها على شكل آخر لا بأس به لكنه لم يتم وهي على ذلك باقية الى الآن ورفعوا قاعدة العامود العليا ذراعًا وجعلوا تلك الزيادة من قطعة رخام مربعة ومنها أنهم هدموا مساطب الحوانيت التي بالشوارع ورفعوا أحجارها مظهرين أن القصد بذلك توسيع الأزقة لمرور العربات الكبيرة التي ينقلون عليها المتاع واحتياجات البناء من الأحجار والجبس والجير وغيره والمعنى الخفي الشافي خوفًا من التترس بها عند حدوث الفتن كما تقدم وكانوا وصلوا في هدم المساطب الى باب زويلة ومن الجهة الأخرى الى عطفة مرجوش فهدموا مساطب خط قناطر السباع والصليبة ودرب الجماميز وباب سعادة وباب الخرق الى آخر باب الشعرية ولو طال الحال لهدموا مساطب العقادين والغورية والصاغة والنحاسين الى آخر باب النصر وباب الفتوح فحصل لأرباب الحوانيت غاية الضيق لذلك وصاروا يجلسون في داخل فجوات الحوانيت مثل الفيران في الشقوق وبعض الزوايا والجوامع والرباع التي درجها خارج عن سمت حائط البناء لما هدموا درجه وبسطته بقي باب مدخله معلقًا فكانوا يتوصلون إليه بدرج من الخشب مصنوع يضعونه وقت الحاجة ويرفعونه بعدها وذلك عمل كثير‏.‏

ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو أنه لما حضر الفرنسيس الى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات المصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقًا عنيفًا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت إليهم نفوس أهل الأهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذلك الأموال لهن وكان ذلك التداخل أولًا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في إخفائه فلما وقعت الفتنة الأخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهن من النساء الفواجر‏.‏

ولما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع الخيرات في حور الفرنسيس ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهن لهن وموافقة مرادهم وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته أو ضربته بتاسومتها فطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن لميل النفوس الى الشهوات وخصوصًا عقول القاصرات وخطب الكثير منهم بنات الأعيان وتزوجوهن رغبة في سلطانهم ونوالهم فيظهر حالة العقد الإسلام وينطق بالشهادتين لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها وصار مع حكام الأخطاط منهم النساء المسلمات متزييات يزهم ومشوا معهم في الأخطاط للنظر في أمور الرعية والأحكام العادية والأمر والنهي والمناداة وتمشي المرأة بنفسها أو معها بعض أترابها وأضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل ما ومنها أنه لما أوفى النيل أذرعه ودخل الماء الى الخليج وجرت فيه السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في المراكب والرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب وملاحو السفن يكثرون من الهزل والمجون ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المقاديف بسخيف موضوعاتهم وكتائف مطبوعاتهم وخصوصًا إذا دبت الحشيشة في رؤوسهم وتحكمت في عقولهم فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم وتقليد كلامهم شيء كثير‏.‏

وأما الجواري السود فإنهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الأنثى ذهبن إليهم أفجواجًا فرادى وأزواجًا فنططن الحيطان وتسلقن إليهم من الطيقان ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك‏.‏

ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه ساري عسكر القبطة جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رؤوسهم مشابه لشكل البرنيطة وعليه قطعة فروة سوداء من جلد الغنم في غاية البشاعة مع ما يضاف إليها من قبح صورهم وسواد أجسامهم وزفارة أبدانهم وصيرهم عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الأحمر وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وأبراج وباب كبير يحيط به بدنات عظام وكذلك بنى أبراجًا في ظاهر الحارة جهة بركة الأزبكية وفي جميع السور المحيط والأبراج طيقانًا للمدافع وبنادق الرصاص على هيئة سور مصر الذي رمه الفرنساوية ورتب على باب القلعة الخارج والداخل عدة من العسكر الملازمين للوقوف ليلًا ونهارًا وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنساوية ومنها قطعهم الأشجار والنخيل من جميع البساتين والجنائن الكائنة بمصر وبولاق ومصر القديمة والروضة وجهة قصر العيني وخارج الحسينية وبساتين بركة الرطلي وأرض الطبالة وبساتين الخليج بل وجيمع القطر المصري كالشرقية والغربية والمنوفية ورشيد ودمياط كل ذلك لاحتياجات عمل القلاع وتحصين الأسوار في جميع الجهات وعمل العجل والعربات والمتاريس ووقود النار وكذلك المراكب والسفن وأخذ أخشابها أيضًا مع شدة الاحتياج إليها وعدم إنشاءالناس سفنًا جديدة لفقرهم وعدم الخشب والزفت والقار والحديد وباقي اللوازم حتى أنهم حال حلولهم الديار المصرية وسكنهم بالأزبكية كسروا جميع القنج والأغربة التي كانت موجودة تحت بيوت الأعيان بقصد التنزه وكذلك ما كان ببركة الفيل وبسبب ذلك شحت البضائع وغلت الأسعار وتعطلت الأسباب وضاقت المعايش وتضاعفت أجر حمل التجارات في السفن ومنها هدم القباب والمدافن الكائنة بالقرافة تحت القلعة خوفًا من تترس المحاربين بها فكانوا يهدمون ذلك بالبارود على طريقة اللغم فيسقط المكان بجميع أجزائه من وقود البارود وانحباسه في الأرض فيسمع له صوت عظيم ودوي فهدموا شيئًا كثيرًا على هذه الصورة وكذلك أزالوا جانبًا كبيرًا من الجبل المقطم بالبارود من الجهة المحاذية للقلعة خوفًا من تمكن الخصم منها والرمي على القلعة‏.‏ ومنها

زيادة النيل الزيادة المفرطة التي لم يعد مثلها

في هذه السنين حتى غرقت الأراضي وحوصرت البلاد وتعطلت الطرق فصارت الأرض كلها لجة ماء وغرق غالب البلاد التي على السواحل فتهدم من دورها شيء كثير وأما المدينة فإن الماء جرى من جهة الناصرية الى الطريق المسلوكة وطفح من بركة الفيل الى درب الشمسي وطريق قنطرة عمر شاه‏.‏

ومنها استمرار انقطاع الطرق وأسباب المتاجر وغلول البضائع المجلوبة من البلاد الرومية والشامية والهندية والحجازية والمغرب حتى غلت أسعار جميع الأصناف وانتهى سعر كل شيء الى عشرة أمثاله وزيادة على ذلك فبلغ الرطل الصابون الى ثمانين نصفًا واللوزة الواحدة بنصفين وقس على ذلك وأما الأشياء البلدية فإنها كثيرة موجودة وغالبها يباع رخيصًا مثل السمن والعسل النحل والأرز والغلال وخصوصًا الأرز فإنه بيع في أيامهم بخمسمائة نصف فضة الأردب وكانت النصارى باعة العسل النحل يطوفون به في بلاليص محملة على الحمير ينادون عليه في الأزقة بأرخص الأثمان‏.‏

ومنها وقوع الطاعون بمصر والشام وكان معظم عمله ببلاد الصعيد أخبرني صاحبنا العلامة الشيخ حسن المعروف بالعطار المصري نزيل أسيوط مكاتبة ونصه ونعرفكم يا سيدي أنه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم تسمع بمثله وخصوصًا ما وقع منه بأسيوط وقد انتشر هذا البلاء في جميع البلاد شرقًا وغربًا وشاهدنا منه العجائب في أطواره وأحواله وذلك أنه أباد معظم أهل البلاد وكان أكثره في الرجال سيما الشبان والعظماء وكل ذي منقبة وفضيلة وأغلقت الأسواق وعزت الأكفان وصار المعظم من الناس بين ميت ومشيع ومريض وعائد حتى أن الإنسان لا يدري بموت صاحبه أو قريبه إلا بعد أيام ويتعطل الميت في بيته من أجل تجهيزه فلا يوجد النعش ولا المغسل ولا من يحمل الميت إلا بعد المشقة الشديدة وأن أكبر كبير إذا مات لا يكاد يمشي معه ما زاد على عشرة أنفار تكترى وماتت العلماء والقراء والملتزمون والرؤساء وأرباب الحرف ولقد مكثت شهرًا بدون حلق رأسي لعدم الحلاق وكان مبدأ هذا الأمر من شعبان وأخذ في الزيادة في شهر ذي القعدة والحجة حتى بلغ النهاية القصوى فكان يموت كل يوم من أسيوط خاصة زيادة على الستمائة وصار الإنسان إذا خرج من بيته لا يرى إلا جنازة أو مريضًا أو مشتغلًا بتجهيز ميت ولا يسمع إلا نائحة أو باكية وتعطلت المساجد من الأذان والإمامة لموت أرباب الوظائف واشتغال من بقي منهم بالمشي أمام الجنائز والصبح والسهر وتعطيل الزرع من الحصاد ونشف على وجه الأرض وأبادته الرياح لعدم وجدان من يحصده وعلى التخمين أنه مات الثلثان من الناس هذا مع سعي العرب في البلاد بالفساد والتخويف بسبب خلو البلاد من الناس والحكام الى أن قال ولو شئت أن أشرح لك يا سيدي ما حصل من أمر الطاعون لملأت الصحف مع عدم الإيفاء وتاريخه ثامن عشرين الحجة سنة تاريخه‏.‏

من مات في هذه السنة من الأعيان مات الإمام الألمعي والذكي اللوذعي من عجنت طينته بماء المعارف وتآخت طبيعته مع العوارف العمدة العلامة والنحرير الفهامة فريد عصره ووحيد دهره الشيخ محمد بن أحمد بن حسن بن عبد الكريم الخالدي الشافعي الشهير بابن الجوهري وهو أحد الإخوة الثلاثة وأصغرهم ويعرف هو بالصغير ولد سنة إحدى وخمسين ومائة وألف ونشأ في حجر والده في عفة وصون وعفاف وقرأ عليه وعلى أخيه الأكبر الشيخ أحمد ابن أحمد وعلى الشيخ خليل المغربي والشيخ محمد الفرماوي وغيرهم من فضلاء الوقت وأجازه الشيخ محمد الملوي بما في فهرسته وحضر دروس الشيخ عطية الأجهوري في الأصول والفقه وغير ذلك فلازمه وبه تخرج في الإلقاء وحضر الشيخ علي الصعيدي والبراوي وتلقى عن الشيخ الوالد حسن الجبرتي كثيرًا من العلوم ولازم التردد عليه والأخذ منه مع الجماعة ومنفردًا وكان يحبه ويميل إليه ويقبل بكليته عليه وحج مع والده في سنة ثمان وستين وجاور معه فاجتمع بالشيخ السيد عبد الله الميرغني صاحب الطائف واقتبس من أنواره واجتنى من ثماره وكان آية في الفهم والذكاء والغوص والاقتدار على حل المشكلات وأقرأ الكتب وألقى الدروس بالأشرفية وأظهر التعفف والانجماع عن خلطة الناس والذهاب والترداد الى بيوت الأعيان والتزهد عما بأيديهم فأحبه الناس وصار له أتباع ومحبون وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده وإقبال الناس عليه ومدحتهم له وترغيبهم في زيادته وتزوج ببنت الخواجا الكريمي وسكن بدارها المجاورة لبيت والده بالأزبكية واتخذ له مكانًا خاصًا بمنزل والده يجلس فيه في أوقات وكل من حضر عند أبيه في حال انقطاعه من الأكابر أو من غيرهم للزيارة أو للتلقي يأمره بزيارة ابنه المترجم والتلقي عنه وطلبهم الدعاء منه ويحكي لهم عنه مزايا وكرامات ومكاشفات ومجاهدات وزهديات فازداد اعتقاد الناس فيه وعاشر العلماء والفضلاء من أهل عصره ومشايخه وقرنائه وتردد عليهم وترددوا عليه ويبيتون عنده ويطعمهم ويكرمهم ويتنزه معهم في أيام النيل مع الحشمة والكمال ومجانبة الأمور المخلة بالمروءة ولما مات أخوه الكبير الشيخ أحمد وقد كان تصدر بعد والده في إقراء الدروس أجمع الخاص والعام على تقدم المترجم في إقراء الدروس في الأزهر والمشهد الحسيني في رمضان فامتنع من ذلك وواظب على حالة انجماعه وطريقته وإملائه الدروس بالأشرفية وحج في سنة سبع وثمانين ومائة وألف وجاور سنة وعقد دروسًا بالحرم وانتفع به الطلبة ثم عاد الى وطنه وزاد في الانجماع والتحجب عن الناس في أكثر الأوقات فعظمت رغبة الناس فيه ورد هداياهم مرة بعد أخرى وأظهر الغنى عنهم فازداد ميل الناس إليه وجبلت قلوبهم على حبه واعتقاده وتردد الأمراء وسعوا لزيارته أفواجًا وربما احتجب عن ملاقاتهم وقلد بعضهم بعضًا في السعي ولم يعهد عليه أنه دخل بيت أمير قط أو أكل من طعام أحد قط إلا بعض أشياخه المتقدمين وكانت شفاعته لا ترد عند الأمراء والأعيان مع الشكيمة والصدع بالأمر والمناصحة في وجوههم إذا أتوا إليه وازدادت شهرته وطار صيته ووفدت عليه الوفود من الحجاز والغرب والهند والشام والروم وقصدوا زيارته والتبرك به وحج أيضًا في سنة تسع وتسعين لما حصلت الفتنة بين أمراء مصر فسافر بأهله وعياله وقصد المجاورة فجاور سنة وأقرأ هناك دروسًا واشترى كتبًا نفيسة ثم عاد الى مصر واستمر على حالته في انجماعه وتحجبه عن الناس بل بالغ في ذلك ويقرئ ويملي الدروس بالأشرفية وأحيانًا براويتهم بدرب شمس الدولة وأحيانًا بمنزله بالأزبكية ولما توفي الشيخ أحمد الدمنهوري وتولى مشيخة الأزهر الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي باتفاق الأمراء والمتصدرين من الفقهاء وهاجت حفائظ الشافعية ذهبوا إليه وطلبوه للمشيخة فأبى ذلك ووعدهم بالقيام لنصرتهم وتولية من يريدونه فاجتمعوا ببيت الشيخ البكري واختاروا الشيخ أحمد العروسي لذلك وأرسلوا الى الأمراء فلم يوافقوا على ذلك فركب المترجم بصحبة الجمع الى ضريح الإمام الشافعي ولم يزل حتى نقض ما أبرمه العلماء والأمراء ورد المشيخة الى الشافعية وتولى الشيخ أحمد العروسي وتم له الأمر كما تقدم ذلك في ترجمة العريشي ولما توفي الشيخ أحمد العروسي كان المترجم غائبًا عن مصر في زيارة سيدي أحمد البدوي فأهمل الأمر حتى حضر وتولى الشيخ عبد الله الشرقاوي بإشارته ولم يزل وافر الحرمة معتقدًا عند الخاص والعام حتى حضر الفرنساوية واختلت الأمور وشارك الناس في تلقي البلاء وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها وتراكمت عليه الهموم والأمراض وحصل له اختلاط ولم يزل حتى توفي يوم الأحد حادي عشرين شهر القعدة سنة تاريخه بحارة برجوان وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن عند والده وأخيه بزاوية القادرية بدرب شمس الدولة وبالجملة فكان من محاسن مصر والفريد في العصر ذهنه وقاد ونظمه مستجاد وكان رقيق الطبع لطيف الذات مترفهًا في مأكله وملبسه‏.‏

ومات الأجل الأمثل العمدة الوجيه السيد عبد الفتاح بن أحمد ابن الحسن الجوهري أخو المترجم المذكور وهو أسن منه وأصغر من أخيه الشيخ أحمد ولد سنة إحدى وأربعين ومائة وألف ونشأ في حجر أبيه وحضر الشيخ الملوي وبعض دروس أبيه وغيره ولم يكن معتنيًا بالعلم ولم يلبس زي الفقهاء وكان يعاني التجارة ويشارك ويضارب ويحاسب ويكاتب فلما توفي أخوه الأكبر الشيخ أحمد وامتنع أخوه الأصغر الشيخ محمد من التصدر للإقراء في محله اتفق الحال على تقدم المترجم حفظًا للناموس وبقاء لصورة العلم الموروث فعند ذلك تزيا بزي الفقهاء ولبس التاج والفراجة الواسعة وأقبل على مطالعة العلم وخالط أهله وصار يطالع ويذاكر وأقرأ دروس الحديث بالمشهد الحسيني في رمضان مع قلة بضاعته وذلك بمعونة الشيخ مصطفى بن الشيخ محمد الفرماوي فكان يطالع الدرس الذي يمليه من الغد ويتلقى عنه مناقشات الطلبة وثبت على ذلك حتى ثبتت المشيخة وتقررت العالمية كل ذلك مع معاناته التجارة وتردد الى الحرمين وأثرى واقتنى كتبًا نفيسة وعروضًا وحشمًا واشترى المماليك والعبيد والجواري والأملاك والالتزام ولم يزل حتى حصلت حوادث الفرنساوية وصادروه وأخذوا منه خمسة عشر ألف فرانسة وداخله من ذلك كرب وانفعال زائد فسافر الى بلدة جارية في التزامه يقال لها كوم النجار فأقام بها أشهرًا ثم ذهب الى شيبين الكوم بلدة أقاربه وأقام بها الى أن مات في هذه السنة وذلك بعد وفاة ومات الإمام العلامة الثقة الهمام النحرير الذي ليس له في فضله نظير أبو محمد أحمد بن سلامة الشافعي المعروف بأبي سلامة اشتغل بالعلم وحضر العلوم النقلية والنحوية والمنطقية وتفقه على كثير من علماء الطبقة الأولى كالشيخ علي قايتباي والحفني والبراوي والملوي وغيرهم وتبحر في الأصول والفروع وكان مستحضرًا للفروع الفقهية والمسائل الغامضة في المذاهب الأربعة ويغوص ذهنه وقياسه في الأصول الغريبة ومطالعة كتب الأصول القديمة التي أهملها المتأخرون وكان الفضلاء يرجعون في ذلك إليه ويعتمدون قوله ويعولون في الدقائق عليه إلا أن الدهر لم يصافه على عادته وعاش في خمول وضيق عيش وخشونة ملبس وفقد رفاهية بحيث أن من يراه لا يعرفه لرثاثة ثيابه وكان مهذبًا حسن المعاشرة جميل الخلق والنادرة مطبوعًا فيه صلاح وتواضع ونزل مؤقتًا في مسجد عبد الرحمن كتخدا الذي أنشأه تجاه باب الفتوح بمعلوم قدره ثمانية أنصاف يتعيش بها مع ما يرد عليه من بعض الفقهاء والعامة الذين يحتاجون إليه في مراجعة المسائل والفتاوى فلما خرب المسجد المذكور في حادثة الفرنسيس وجهات أوقافه انقطع عنه ذلك المعلوم وكان ذا عائلة ومع ذلك لا يسأل شيئًا ولا يظهر فاقة توفي يوم الأحد حادي عشرين جمادى الآخرة من السنة عن خمسة وسبعين سنة تقريبًا رحمه الله‏.‏

ومات الأمير مراد بك محمد مات بسهاج قادمًا الى مصر باستدعاء الفرنسيس ودفن بها عند الشيخ العارف وكان موته رابع شهر الحجة كما تقدم وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب ومحمد بك مملوك علي بك وعلي بك مملوك ابراهيم كتخدا القازدغلي اشترى محمد بك مراد بك المذكور في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك في اليوم الذي قتل فيه صالح بك الكبير فأقام في الرق أيامًا قليلة أعتقه وأمره وأنعم عليه بالإقطاعات الجليلة وقدمه على أقرانه وتزوج بالست فاطمة زوجة الأمير صالح بك وسكن باره العظيمة بخط الكبش‏.‏

ولما مات علي بك تزوج بسريته أيضًا وهي الست نفيسة الشهيرة الذكر بالخير ولما انفرد محمد بك بإمارة مصر كان هو وابراهيم بك أكبر أمرائه المشار إليهما دون غيرهما فلما سافر محمد بك الى الديار الشامية محاربًا للظاهر عم أقام عوضه في إمارة مصر ابراهيم بك وأخذ صحبته مراد بك وباقي أمرائه فلما مات محمد بك بعكا اجتمع أمراؤه على رأي مماليكه في رئاسة مراد بك فتقدم وقدمه عليهم وحملوا جثة سيدهم وحضروا بأجمعهم الى مصر فاتفق رأي الجميع على إمارة من استخلفه سيدهم وقدمه دون غيره وهو ابراهيم بك ورضي الجميع بتقدمه ورياسته لوفور عقله وسكون جأشه فاستقر بمشيخة مصر ورياستها ونائب نوابها ووزرائها وعكف مراد بك على لذاته وشهواته وقضى أكثر زمانه خارج المدينة مرة بقصره الذي أنشأه بالروضة وأخرى بجزيرة الذهب وأخرى بقصر قايماز جهة العادلية كل ذلك مع مشاركته لابراهيم بك في الأحكام والنقض والإبرام والإيراد والإصدار ومقاسمة الأموال والدواوين وتقليد مماليكه وأتباعه الولايات والمناصب وأخذ في بذل الأموال وإنفاقها على أمرائه وأتباعه فانضم إليه بعض أمراء علي بك وغيره ممن مات أسيادهم كعلي بك المعروف بالملط وسليمان بك الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان فأكرمهم وواساهم ورخص لمماليكه في هفواتهم وسامحهم في زلاتهم وحظي عنده كل جريء غشوم عسوف ذميم ظلوم فانقلبت أوضاعهم وتبدلت طباعهم وشرهت نفوسهم وعلت رؤوسهم فتناظروا وتفاخروا وطمعوا في أستاذهم وشمخت آنافهم عليه وأغاروا حتى على ما في يده واشتهر بالكرم والعطاء فقصده الراغبون وامتدحه الشعراء والغاوون وأخذا الشيء من غير حقه وأعطاه لغير مستحقه‏.‏

ثم لما ضاف عليه المسلك ورأى أن رضا العالم غاية لا تدرك أخذ يتحجب عن الناس فعظم فيه الهاجس والوسواس وكان يغلب على طبعه الخوف والجبن مع التهور والطيش والتورط في الإقدام مع عدم الشجاعة ولم يعهد عليه أنه انتصر في حرب باشرها أبدًا على ما فيه من الادعاء والغرور والكبر والخيلاء والصلف والظلم والجور‏.‏

ولما قدم حسن باشا الى مصر وخرج المترجم مع خشداشينه وعشيرته هاربين الى الصعيد حتى انقضت أيام حسن باشا واسمعيل بك ومن كان معه ورجعوا ثانيًا بعد أربع سنين وشيء من الشهور من غير عقد ولا حرب تعاظم في نفسه جدًا واختص بمساكن اسمعيل بك وجعل إقامته بقصر الجيزة وزاد في بنائه وتنميقه وبنى تحته رصيفًا محكمًا وأنشأ بداخله بستانًا عظيمًا نقل إليه أصناف النخيل والأشجار والكروم واستخلص غالب بلاد إقليم الجيزة لنفسه شراء ومعاوضة وغصبًا وعمر أيضًا قصر جزيرة الذهب وجعل بها بستانًا عظيمًا وكذلك قصر ترسا وبستان المجنون وصار يتنقل في تلك القصور والبساتين ويركب للصيد في غالب أوقاته واقتنى المواشي من الأبقار والجواميس الحلابة والأغنام المختلفة الأجناس فكان عنده بالجيزة من ذلك شيء كثير جدًا وعمل له ترسخانة عظيمة وطلب صناع آلات الحرب من المدافع والقنابر والبنب والجلل والمكاحل واتخذ بها أيضًا معامل البارود خلاف المعامل التي في البلد وأخذ جميع الحدادين والسباكين والنجارين فجمع الحديد المجلوب والرصاص والفحم والحطب حتى شحت جميع هذه الأدوات لكونه كان يأخذ كل ما وجده منها وكذلك حطب القرطم والترمس والذرة لحرق قمام الجير والجبس للعمارة وأوقف الأعوان في كل جهة يحجزون المراكب التي تأتي من البلاد بالأحطاب يأخذونها ويجمعونها للطلب ويبيعون لأنفسهم ما أحبوا ويأخذون الجعالات على ما يسمحون به أو يطلقونه لأربابه بالوسائط والشفاعات وأحضر أناسًا من القليونجية ونصارى الأروام وصناع المراكب فأنشأوا له عدة حربية وغلايين وجعلوا بها مدافع وآلات حرب على هيئة مراكب الروم صرف عليها أموالًا عظيمة ورتب بها عساكر وبحرية وأدر عليهم الجماكي والأرزاق الكثيرة وجعل عليهم رئيسًا كبيرًا رجلًا نصرانيًا وهو الذي يقال له نقولا بنى له دارًا عظيمة بالجيزة وأخرى بمصر وله عزوة وأتباع من نصارى الأروام المرتبين عسكرًا وكان نقولا المذكور يركب الخيل ويلبس الملابس الفاخرة ويمشي في شوارع مصر راكبًا وأمامه وخلفه قواسة يوسعون له الطريق في مروره على هيئة ركوب الأمراء كل ذلك خطرات من وساوسه لا يدري أحد لأي شيء هذا الاهتمام ولأي حاجة إنفاق هذا المال في الخشب والحديد وإعطاؤه لنصارى الأروام واختلفت آراء الناس في ذلك من قائل إن ذلك خوفًا من خشداشينه وقائل من مخافة العثمانية كما تقدم في قضية حسن باشا والبعض يظن خلاف ذلك وليس غير الوهم والتخيل الفاسد والخوف شيء وبقيت آلات الحرب جميعها والبارود بحواصله والجلل والبنبات حتى أخذ جميعه الفرنسيس فيقال إنه كان بحواصل الترسخانة من جنس الجلل أحد عشر ألف جلة كذا نقل عن معلم الترسخانة أخذ جميع ذلك الفرنسيس يوم استيلائهم على الجيزة والقصر‏.‏

ومما اتفق أنه وقعت مشاجرة في بعض نصارى الأروام القليونجية وبعض السوقة بمصر القديمة فتعصب النصارى على أهل البلد وحاربوهم وقتلوا منهم نيفًا وعشرين رجلًا وانتهت الشكوى الى الأمير فطلب كبيرهم فعصى عليه وامتنع من مقابلته وعمر مدافع المراكب ووجهها جهة قصره فلم يسعه إلا التغافل وراحت على من راح واستوزر رجلًا بربريًا وهو المسمى بابراهيم كتخدا السناري وجعله كتخداه ومشيره وبلغ من العظمة ونفوذ الكلمة بإقليم مصر ما لم يبلغه أعظم أمير بها وبنى له دارًا بالناصرية واقتنى المماليك الحسان والسراري البيض والحبوش والخدم وتعلم اللغة التركية والأوضاع الشيطانية واختص ذلك السناري أيضًا ببعض رعاع الناس وجعله متخدا يأتمر بأمره ويتوصل به أعاظم الناس في قضاء أشغالهم ولما حسن لمراد بك الإقامة بالجيزة واختار السكن بها وزين له شيطانه العزلة عن خشداشينه وأقرانه وترك لابراهيم بك أمر الأحكام والدواوين ومقتضيات نواب السلطنة العثمانية مع كونه لا ينفذ أمرًا دون رأيه ومشورته واحتجب هو عن الاجتماع بالناس بالكلية‏.‏

حتى عن الأمراء الكبار من أقرانه كان السفير بينه وبينهم ابراهيم كتخدا المذكور فكان هو عبارة عنه وربما نقض القضايا التي انبرم أمرها عند ابراهيم بك أو غيره بنفسه أو عن لسان مخدومه وأقام المترجم على عزلته بالبر الغربي نحو الست سنوات متوالية لا يعدى الى البر الشرقي أبدًا ولا يحضر الديوان ولا يتردد الى اأقران وإذا حضر الباشا المولى على مصر ووصل الى بر انبابة ركب وسلم عليه مع الأمراء ورجع الى قصره فلا يراه بعد ذلك أبدًا‏.‏

وتعاظم في نفسه وتكبر على أقرانه وأبناء جنسه فتزاحمت على سدته الطلاب وتكالبت على جيفته الكلاب فانزوى من نبشهم وتوارى من نهشهم فإذا بلغه قدوم من يختشيه أو وصول من يرتجيه وكان يستحي من رده أو يخشى عاقبة صده ركب في الحال وصعد الى الجبال وربما وصله الغريم على غفلة فيجده قد شمع الفتلة فإن صادفه واجتمع عليه أعطاه ما في يديه أو وعده بالخير أو وهبه ملك الغير فما يشعر الميسور إلا ولقمته قد اختطفتها النسور‏.‏

ثم أخذ يعبث بدواوين الأعشار والمكوسات والبهار فيحول عليهم الحوالات ويتابع لمماليكه ختم الوصولات فتجاذب هو وابراهيم بك ذلك الإيراد وتعارضت أوراقهما وخافا في المعتاد ثم اصطلحا على أن تكون له الدواوين البحرية ولقسيمه ما يرد من الأصناف الحجازية وما انضاف الى قلم البهار وحسب في دفاتر التجار فانفرد كل منهما بوظيفته وفعل بها من الإجحاف ما سطر في صحيفته فأحدث المترجم ديوانًا خاصًا بنفر رشيد على الغلال التي تحمل الى بلاد الافرنج وسموه ديوان البدعة وأذن ببيع الغلال لمن يحملها الى بلاد الإفرنج أو غيرها وجعل على كل أردب دينارًا خلاف البراني والتزم بذلك رجل سراج من أعوانه الموصوفين بالجور وسكن برشيد وبقيت له بها وجاهة وكلمة نافذة فجمع من ذلك أموالًا وإيرادًا عظيمًا وكانت هذه البدعة السيئة من أعظم أسباب قوة الفرنسيس وطمعهم في الإقليم المصري مع ما أضيف الى ذلك من أخذ أموالهم ونهب تجاراتهم وبضاعاتهم من غير ثمن واقتدى به أمراؤه وتناظروا في ذلك وفعل كل منهم ما وصلت إليه همته واستخرجته فطنته واختص بالسيد محمد كريم الاسكندري ورفع شأنه بين أقرانه فمهد له الأمور بالثغر به وأجرى أحكامه به وفتح له باب المصادرات والغرامات ودله على مخبآت الأمور وأخذ أموال التجار من المسلمين وأجناس الإفرنج حتى تجسمت العداوة بين المصريين والفرنسيس وكان هو من أعظم الأسباب في تملك الفرنسيس للثغر كما ذكر ذلك في قتلته وذلك أنه لما خرجت مراكب الفرنساوية وعمارتهم لا يدري أحد لأي جهة يقصدون تبعهم طائفة الانكليز الى الاسكندرية فلم يجدوهم وكانوا ذهبوا أولًا الى جهة مالطة فوقف الانكليزية قبالة الاسكندرية وأرسلوا قاصدهم الى الثغر يسألون عن خبر الفرنساوية فردهم الكذور ردًا عنيفًا فأخبروه الخبر على جليته وأنهم أخصامهم وعلموا بخروجهم فاقتفوا أثرهم ونريد منكم أن تعطونا الماء والزاد بثمنه ونقف لهم على ظهر البحر فلا نمكنهم من العبور الى ثغركم فلم يقبل منهم ولم يأذن في تزويدهم فذهبوا ليتزودوا من بعض الثغور فما هو إلا أن غابوا في البحر نحو الأربعة أيام إلا والفرنسيس قد حضروا وكان ما كان‏.‏

ومما سولت به نفس المترجم بإرشاد بعض الفقهاء عمارة جامع عمرو ابن العاص وهو الجامع العتيق وذلك أنه لما خرب هذا الجامع بخراب مدينة الفسطاط وبقيت تلالًا وكيمانًا وخصوصًا ما قرب من ذلك الجامع ولم يبق بها بعض العمار إلا ما كان من الأماكن التي على ساحل النيل وخربت في دولة القزدغلية وأيام حسن باشا لما سكنتها عساكره ولم يبق بساحل النيل إلا بعض أماكن جهة دار النحاس وفم الخليج يسكنها أتباع الأمراء ونصارى المكوس وبها بعض مساجد صغار يصلي بها السواحلية والنواتية وسكان تلك الخطة من القهوجية والباعة والجامع العتيق لا يصل إليه أحد لبعده وحصوله بين الأتربة والكيمان وكان فيما أدركنا الناس يصلون به آخر جمعة في رمضان فتجتمع به الناس على سبيل التسلي من القاهرة ومصر وبولاق وبعض الأمراء أيضًا والأعيان ويجتمع بصحنه أرباب الملاهي من الحواة والقراداتية وأهل الملاعب والنساء الراقصات المعروفات بالغوازي فبطل ذلك أيضًا من نحو ثلاثين سنة لهدمه وخراب ما حوله وسقوط سقفه وأعمدته وميل شقته اليمنى بل وسقوطها بعد ذلك فحسن ببال المترجم هذه وتجديده بإرشاد بعض الفقهاء ليرقع به دينه الخلق فاهتم لذلك وقيد به نديمه الحاج قاسم المعروف بالمصلي فجعله مباشرًا على عمارته وصرف عليه أموالًا عظيمة أخذها من غير حلها ووضعها في غير محلها وأقام أركانه وشيد بنيانه ونصب أعمدته وكمل زخرفته وبنى به منارتين وجدد جميع سقفه بالخشب النقي وبيضه جميعه فتم على أحسن ما يكون وفرشه بالحصر الفيومي وعلق به القناديل وحصلت به الجمعية آخر جمعة برمضان سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فحضر الأمراء والأعيان والمشايخ وأكابر الناس وعامتهم وبعد انقضاء الصلاة عقد له الشيخ عبد الله الشرقاوي مجلسًا وأملى حديث من بنى لله مسجدًا وآية إنما يعمر مساجد الله وعند فراغه ألبس فروة من السمور وكذلك الخطيب فلما حضرت الفرنساوية في العام القابل جرى عليه ما جرى على غيره من الهدم والتخريب وأخذ أخشابه حتى أصبح بلقعًا أشوه مما كان فيا ليتها لم تتصدق وبالجملة فمناقب المترجم لا تحصى وأوصافه لا تستقصى وهو كان من أعظم الأسباب في خراب الإقليم المصري بما تجدد منه ومن مماليكه وأتباعه من الجور والتهور ومسامحته لهم فلعل الهم يزول بزواله‏.‏ومات

الأمير حسن بك الجداوي مملوك علي بك

وهو من خشداشين محمد بك أبي الذهب مات بغزة بالطاعون وكان من الشجعان الموصوفين والأبطال المعروفين ولما انفرد علي بك بمملكة مصر ولاه إمارة جدة فلذلك لقب بالجداوي وذلك سنة أربع وثمانين ومائة وألف وابتلي فيها بأمور ظهرت بها شجاعته وعرفت فروسيته ولذلك خير يطول شرحه ولما حصلت الوحشة بين اسمعيل بك والمحمديين كان المترجم ممن نافق معه وعضده هو وخشداشينه رضوان بك وعبد الرحمن بك وكانت لهم الغلبة ونما أمره عند ذلك وظهر شأنه بعد أن كان خمل ذكره وهو الذي تجاسر على قتل يوسف بك في بيته بين مماليكه وعزوته ثم خامر على اسمعيل بك وانقلب مع المحمديين عندما خرج لمحاربتهم بالصعيد فخادعوه وراسلوه وانضم إليهم بمن معه ورجعوا الى مصر وفر اسمعيل بك بمن معه الى الشام واستقر هو وخداشينه في مملكة مصر مشاركين لهم مظهرين عليهم الشمم طامعين في خلوص الأمر لهم متوقعين بهم الفرصة مع التهور الموجب لتحذر الآخرين منهم الى أن استعجلوا إشعال نار الحرب فجرى ما جرى بينهم من الحروب والمحاصرة بالمدينة وانجلت عن خذلانهم وهزيمتهم وظهور المحمديين عليهم وقتل بها عدة من أعيانهم ومواليهم ومن انضم إليهم وربما عوقب من لا جناية له كما سطر ذلك في محله وفر المترجم مع بعض من بقي من عشيرته الى القليونجية فقبض عليه وأتى به أتى مصر ففر الى بولاق بمفرده والتجأ الى بيت الشيخ الدمنهوري فأحاط به العساكر فنط من سطح الدار وخلص الى الزقاق وسيفه مشهور في يده فصادف جنديًا فقتله وأخذ فرسه فركبه وفر والعساكر خلفه تريد أخذه وتتلاحق به من كل جهة وهو يراوغهم ويقاتلهم حتى خلص الى بيت ابراهيم بك فأمنه واتفقوا على إرساله الى جدة فلما أقلع به في القلزم أمر رئيس المركب أن يذهب به الى القصير وخوفه القتل إن لم يفعل فذهب به الى القصير فتوجه منها الى أسنا وعلمت به عشيرته وخشداشينه ومماليكه فتلاقوا به واستقر أمرهم بها بعد وقائع يطول شرحها فأقام نيفًا وعشر سنين حتى رجع إليهم اسمعيل بك بعد غيبته الطويلة وانضم إليهم واصطلح معهم الى أن كان ما كان من وصول حسن باشا الى الديار المصرية وإخراج المحمديين وإدخاله للمذكور مع اسمعيل بك ورضوان بك وأتباعهم وتأميرهم بمصر واستقرارهم بها بعد رجوع حسن باشا الى بلاده ووقوع الطاعون الذي مات به اسمعيل بك ورضوان بك وغيرهم من الأمراء فاستقل بمن بقي من الأمراء وفعل معهم من التهور والحمق والشر ما أوجب لهم بغض النعيم والحياة معه وخامر عليه من كان يأمن إليه فلم يسعه ومن معه إلا الفرار ورضي ذاك لنفسه بالذل والعار ودخلت المحمديون الى مصر المحمية واستقر هو كما كان بالجهة القبلية فأقام على ذلك سبع سنين وبعض أشهر الى أن وقعت حادثة الفرنسيس واستولوا على الإقليم المصري وحضرت العساكر بصحبة الوزير يوسف باشا ووقع ما وقع من الصلح ونقضه وانحصر المترجم مع من انحصر بالمدينة المصرلية والعثمانية فقاتل وجاهد وأبلى بلاء حسنًا شهد له بالشجاعة والإقدام كل من العثمانية والفرنساوية والمصرلية فلما انفصل الأمر وخرجوا الى الجهة الشامية لم يزل محرصًا ومرابطًا ومجتهدًا حتى مات بالطاعون في هذه السنة وفاز بالشهادتين وقدم على كريم يغفر الذنوب جميعًا أنه هو الغفور الرحيم وأمراؤه الموجودون الآن عثمان بك المعروف بالحسيني وأحمد بك أمره الوزير عوضًا عن أستاذه‏.‏

ومات الأمير عثمان بك المعروف بطبل وهو من مماليك اسمعيل بك أمره في سنة اثنتين وتسعين ثم خرج مع سيده وتغرب معه في غيبته الطويلة فلما رجع الى مصر في أيام حسن باشا تولى إمارج الحج في سنة خمس ومائتين وألف وكان سيده يقدمه على أقرانه ويظن به النجاح ولما طعن وعلم أنه مفارق الدنيا أحضره وأوصاه وحذره من أعدائه وقال له إني حصنت لك مصر وسورتها وصيرتها بحيث تملكها بنت عمياء فلما مات سيده تشوق للإمارة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار فلم يرض كل منهما بالآخر وتخوفا من بعضهما فاتفق رأيهما على تأمير عثمان بك المذكور كبيرًا عوضًا عن سيده وسكن داره وعقدوا الدواوين عنده فنزل عن إمارة الحج لحسن بك تابع حسن بك قصبة رضوان واشتغل هو بأمور الدولة ومشيخة مصر فلم يفلح وخامر مع أخصامه وأخصام سيده والتف عليهم سرًا وصدق تمويهاتهم وخذل نفسه ودولته وذلك غيظًا من حسن بك كما سبقت إليه الإشارة وكل من حسن بك وعثمان بك الجداوي وعلي بك الدفتردار يتخوف نفاق صاحبه لتكرر ذلك منهما في الوقائع السابقة وانحراف طبع كل عن صداقة الآخر الباطنية ولم يخطر ببالهما بل ولا ببال أحد من المجانين فضلًا عن العقلاء ركون المشار إليه الى أعدائه وأعداء سيده العداوة الموروثة فكانا كلما شرعا في تدبير شيء من مكايد الحرب ثبطهما وأقعدهما وهما يظنان نصحه وقعتقدان خلوصه ومعرفته ولكونه تعلم سياسة الحروب من سيده لكثرة تجاربه وسياحته ولم يعلما أنه يمهد لنفسه طريقًا مع الأعداء الى أن كان ما كان من مساعدته لهم بالتغافل والتقاعد حتى تحولوا الى الجهة الشرقية وخص إليهم بمن انضم إليه من عشيرته فلم يسع الباقين إلا الهرب وأسلم هو نفسه لأعدائه فأظهروا له المحبة وولوه إمارة الحج حكم عهدهم بذلك وأن تكون له إمارة الحج مادام حيًا فخرج في تلك السنة أميرًا على الحج أعني سنة ست ومائتين وألف وكذلك سنة سبع ونهب الحج في تلك السنة وفر المترجم الى غزة فصودرت زوجاته واقتسمت أقطاعه ورجع بعد حين الى مصر وأهمل أمره وأقام بطالًا واستمر كآحاد الطائفة من الأجناد ويغدو ويروح إليهم ويرجو رفدهم الى أن حدثت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج الى الشام ولم يزل هناك حتى مات بالطاعون في السنة المذكورة وكان دائمًا يقول عند تذكره الدولة والنعيم ذلك تقدير العزيز العليم‏.‏

ومات الأمير عثمان بك المعروف بالشرقاوي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب أيضًا الكبار وتأمر في أيامه وعرف بالشرقاوي لكونه تولى الشرقية ووقع منه ظلم وجبروت بعد موت أستاذه وصادر كثيرًا من الناس في أموالهم ثم انكف عن ذلك وزعم أن ذلك كان بإغراء مقدمه فشهره وقتله ولم يزل في إمارته حتى مات في الشام بالطاعون‏.‏

ومات أيوب بك الكبير وهو أيضًا من مماليك محمد بك وكان من خيارهم يغلب عليه حب الخير والسكون ويدفع الحق لأربابه وتأمر على الحج وشكرت سيرته واقتنى كتبًا نيسة واستكتب الكثير من المصاحف والكتب بالخطوط المنسوبة وكان لين الجانب مهذب النفس يحب أهل الفضائل ذا ثروة وعزوة وعفة لا يعرف إلا الجد ويجتنب الهزل ويلوم ويعترض على خشداشينه في أفعالهم ولا يعجبه سلوكهم ولا يهمل حقًا توجه عليه وإذا ساوم شيئًا وقال له البائع هذا بعشرة يقول له بل هو بخمسة مثلًا وهذا ثمنها حالًا وقد يكون ذلك رأس مالها أو بزيادة قليلة ويرضي البائع بذلك ويقبض الثمن في المجلس وهكذا كان شأنه وطريقته‏.‏

ومات الأمير مصطفى بك وهو أيضًا من مماليك محمد بك تولى الصعيد وإمارة الحج عدة مرار وكان فظًا غليظًا متمولًا بخيلًا شحيحًا في إمارته على الحج ترك زيارة المدينة لخوفه من العرب وشحه بعوائدهم وقلة اعتنائه بشعائر الدين وانتقد ذلك على المصريين من الدولة وغيرها وكان ذلك من أعظم ما اجترحه من القبائح‏.‏

ومات الأمير سليمان بك المعروف بالآغا توفي بأسيوط بالطاعون وهو أيضًا من مماليك محمد بك الكبير وهو أخو ابراهيم بك المعروف بالوالي صهر ابراهيم بك الكبير وهو الذي مات غريقًا في وقعة الفرنسيس الأولى بإنبابة مدبرًا فارًا فسقط في البحر وغرق وكان هو وأخوه المترجم قبل تقلدهما الصنجقية أحدهما والي الشرطة والآخر أغات مستحفظان فلم يزالا يلقبان بذلك حتى ماتا وكان المترجم محبًا لجمع المال وله أقطاع واسعة خصوصًا بجهة قبلي وفي آخر أمره استوطن أسيوط لأنها كانت في أقطاعه وبنى بها قصرًا عظيمًا وأنشأ بعض بساتين وسواقي واقتنى أبقارًا وأغنامًا كثيرة ومما اتفق له أنه جز صوف الأغنام وكانت أكثر من عشرة آلاف ثم وزعه على الفلاحين وسخرهم في غزله بعد أن وزنه عليهم ثم وزعه على القزازين فنسجوه أكسية ثم جمع التجار وباعه عليهم بزيادة عن السعر الحاضر فبلغ ذلك مبلغًا عظيمًا‏.‏

ومات الأمير قائد آغا وهو من مماليك محمد بك أيضًا وكان يلقب أيام كشوفيته بقائد نار لظلمه وتجبره وولي أغات مستحفظان في سنة ثمان وتسعين ومائة وألف فأخاف العامة وكان يتنكر ويتزيا بأشكال مختلفة ويتجسس على الناس وذلك أيام خروج ابراهيم بك الى قبلي ووحشته من مراد بك وانفراد مراد بك بإمارة مصر فلما تصالحا ورجع ابراهيم بك رد الأغاوية لعلي بك فحنق المترجم لذلك وقلق قلقًا عظيمًا وترامى على الأمراء وصار يقول إن لم يردوا لي منصبي قتلت علي آغا أو قتلت نفسي فلما حصل منه ذلك عزلوا علي آغا وقلدوا سليم آغا أمين البحرين أغاوية مستحفظان ولم يبلغ غرضه ولم ترض نفسه بالخمول وأكثر عنده من الأعوان والأتباع فيحضرون بين يديه الشكاوى والدعاوى ويضرب الناس ويحبسهم ويصادرهم في أموالهم ويركب وبين يديه العدة الوافرة من القواسة والخدم يحملون بين يديه الحراب والقرابين والبنادق وخلفه الكثير من الأجناد والمماليك واتخذ له جلساء وندماء يباسطونه ويضاحكونه ولم يزل كذلك حتى خرج مع عشيرته الى الصعيد عند حضور حسن باشا فاستولى على كثير من حصص الأقطاع فلما رجعوا في أواخر سنة خمس بعد المائتين سكن دار جوهر آغا دار السعادة سابقًا بالخرنقش وقد كان مات في الطاعون وتزوج سريته قهرًا واستكثر من المماليك والجند وتاقت نفسه للإمارة وتشوف الى الصنجقية وسخط على زملائه والأمراء الذين لم يلبوا دعوته ولم يبلغوه أمنيته وصارت جلساؤه وندماؤه لا يخاطبونه إلا بالإمارة ويقولون له يا بك ويكره من يخاطبه بدون ذلك وكان له من الأولاد الذكور اثنا عشر ولدًا لصلبه يركبون الخيول ماتوا في حياته وكان له أخ من أقبح خلق الله في الظلم اتخذ له أعوانًا وأتباعًا وليس عنده ما يكفيهم فكان يخطف كل ما مر بخطته بباب الشعرية من قمح وتين وشعير وغير ذلك ولا يدفع له ثمنًا هلك قبله بنحو ست سنين بناحية قبلي وأتوا بجيفته الى مصر مقرفصًا ودفن بمدفن أخيه بتربة المجاورين ومن جملة أفاعيله القبيحة أنه كان يجرد سيفه ويضرب رقاب الحمير ويزعم أنه يقطعها في ضربة واحدة ولم يزل المترجم أخوه على حالته حتى خرج من مصر عند مجيء الفرنسيس وعاد بصحبة عرضي العثملي ومات قاسم بك مع من مات من الأمراء والصناجق بالشام فقلده الوزير الصنجقية فيمن تقلد وأدرك أمنيته فأقام قليلًا وهلك فيمن هلك بالطاعون فكان كما قال القائل فكان كالمتمني أن يرى فلقًا من الصباح فلما آن رآه عمي‏.‏

ومات أيضًا حسن كاشف المعروف بجركس وهو أيضًا من مماليك محمد بك وإشراق عثمان بك الشرقاوي وكان من الفراعنة وهو الذي عمر الدار العظيمة بالناصرية وصرف عليها أموالًا عظيمة فما هو إلا أن تمم بناءها ولم يكمل بياضها حتى وصلت الفرنسيس فسكنها الفلكيون والمدبرون وأهل الحكمة والمهندسون فلذلك صينت من الخراب كما وقع بغيرها من الدور لكون عسكرهم لم يسكنوا بها وتقلد المذكور الصنجقية بالشام أيضًا ثم هلك بالطاعون‏.‏

ومات الأمير حسن كتخدا المعروف بالجربان بالشام أيضًا وأصله من مماليك حسن بك الأزبكاوي وكان ممتهنًا في المماليك فسموه بالجربان لذلك فلما قتل أستاذه بقي هو لا يملك شيئًا فجلس بحانوت جهة الأزبكية يبيع فيها تنباكًا وصابونًا ثم سافر الى المنصورة فأقام بها مدة تحت قصر محمود جربجي ثم رجع الى مصر في أيام دولة علي بك وتنقلت به الأحوال فأنعم عليه علي بك بآمرية بناحية قبلي فلما حصلت الوحشة بين علي بك ومحمد بك وخرج محمد بك من مصر الى قبلي خرج إليه المترجم ولاقاه وقدم بين يديه ما كان عنده من الخيام واليرق والخيول وانضم إليه ولم يزل حتى تملك محمد بك واستوزر اسمعيل آغا الجلفي وكان يبغض المترجم لأمور بينهما فلم يزل حتى أوغر عليه صدر مخدومه وأدى به الحال الى الإقصاء والبعد الى أن انضم الي مراد بك وتقرب منه وكان مفوهًا لينًا مشاركًا قد حنكته الأيام والتجارب فجعله كتخداه ووزيره واشتهر ذكره وعمر دارًا بناحية باب اللوق بالقرب من غيظ الطواشي وصار من الأعيان المعدودين وقصدته أرباب الحاجات واحتجب في غالب الأوقات واتحد به محمد آغا البارودي فقربه من مراد بك وبلغ الى ما بلغ معه وكان يعتري المترجم مرض شبيه بالصرع فينقطع به أيامًا عن السعي والركوب ولم يزل حتى مات مع من مات بالشام‏.‏

ومات الأمير قاسم بك المعروف بالموسقو وكان من مماليك ابراهيم بك وكان لين الجانب قليل الأذى إلا أنه كان شيخًا لا يدفع حقًا توجه عليه ولما مات خشداشه حسن بك الطحطاوي تزوج بزوجته وشرع في بناء السبيل المجاور لبيته بحارة قوصون بالقرب من الداودية فما قرب إتمامه إلا وقد قدمت الفرنسيس لمصر فخربوه وشعثوا بنيانه وخرقوا حيطانه وأخذوا عواميده وبقي على حالته مثل ما فعلوه بدور تلك الخطة وغيرها ومات أيضًا المترجم بالشام‏.‏

ومات علي آغا كتخدا الجاويشية وهو من مماليك الدمياطي ونسب الى محمد بك وأخيه ابراهيم بك ورقاه واختص به ووالاه أغات مستحفظان في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف فلم يزل الى سنة ثمان وتسعين فخرج مع ابراهيم بك الى المنية عندما تغاضب مع مراد بك فلما تصالحها قلد الأغاوية كما كان فحنق قائد آغا وكان ما كان من عزله وولاية سليم آغا كما سبق الإلماع بذلك عند ذكر قائد آغا ثم تقلد كتخدا الجاويشيه في سنة ست ومائتين وألف ولم يزل متقلدًا ذلك حتى خرج مع من خرج في حادثة الفرنسيس وكان ذا مال وثروة مع مزيد شح وبخل واشترى دار عبد الرحمن كتخدا القازدغلي العظيمة التي بحارة عابدين وسكنها وليس له من المآثر إلا السبيل والكتاب الذي أنشأه بجوار داره الأخرى بدرب الحجر وهو من أحسن المباني وقد حماه الله من تخريب الفرنسيس وهو باق الى يومنا هذا ببهجته ورونقه‏.‏

ومات الأمير يحيى كاشف الكبير وهو من مماليك ابراهيم بك الأقدمين وكان لطيف الطباع حسن الأوضاع وعنده ذوق وتودد عطارديًا يحسب الرسومات والنقوش والتصاوير والأشكال ودقائق الصناعات والكتب المشتملة على ذلك مثل كليلة ودمنة والنوادر والأمثال واهتم في بناء السبيل المجاور لداره بخطة عابدين فرسم شكله قبل الشروع فيه في قرطاس بمعونة الأسطا حسن الخياط ثم سافر الى الاسكندرية وأحضر ما يحتاجه من الرخام والأعمدة المرمر الكبيرة والصغيرة وأنواع الأخشاب وحفر أساسه وأحكم وضعه واستدعى الصناع والمرخمين فتأنقوا في صناعته ونقش رخامه على الرسم الذي رسمه لهم كل ذلك بالحفر بالآلات في الرخام وموهوه بالذهب فما هو إلا أن ارتفع بنيانه وتشيدت أركانه وظهر للعيان حسن قالبه وكاد يتم ما قصده من حسن مآربه حتى وقعت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج قبل إتمامه وبقي على حالته الى الآن ولما خرج سكن داره برطلمين واستخرج مخبأة بين داره والسبيل فيها ذخائره ومتاعه فأوصلها للفرنسيس‏.‏

ومات الأمير رشوان كاشف وهو من مماليك مراد بك وكان له أقطاع بالفيوم فكان معظم إقامته بها فاحتكر الورد وما يخرج من مائه والخل المتخذ من العنب والخيش واتجر في هذه البضائع بمراده واختياره وتحكم في الإقليم تحكم الملاك في أملاكهم وعبيدهم وذلك قوة واقتدار‏.‏

ومات الأمير سليم كاشف بأسيوط مطعونًا وهو من مماليك عثمان بك المعروف بالجرجاوي من البيوت القديمة وخشداش عبد الرحمن بك عثمان المتوفى في سنة خمس ومائتين وألف بالطاعون الذي مات به اسمعيل بك وخلافه وتزوج ابنته بعد موته وكان ملتزمًا بحصة من أسيوط وشرق الناصري واستوطن بأسيوط وبنى بها دارًا عظيمة وعدة دور صغار وأنشأ بها عدة بساتين وغرس بها وبشرق الناصري أشجارًا كثيرة وعمر عدة قناطر وحفر ترعًا وصنع جسورًا وأسبلة في مفاوز الطرق وأنشأ دارًا بمصر بالمناخلية بسوق الأنماطيين واشترى دارًا جليلة كانت لسليمان بك المعروف بأبي نبوت بحارة عابدين وعمرها وزخرفها وأنشأ بأسيوط جامعًا عظيمًا ومكتبًا فما هو إلا أن أكمل بنيانه حتى قدمت الفرنسيس فاتخذوه سجنًا يسجنون به ثم لما قابل المذكور الفرنسيس وأمنوه أخذ في إصلاح ما تشعث من البناء وتقيم العمارة ولم يساعده الوقت إذ ذاك لقلة الأخشاب وآلات البناء فاشتغل بذلك على قدر طاقته فلما فرغ البناء وقارب التمام ولم يبق إلا اليسير وقع الطاعون بأسيوط فمات والمسجد باق على ما هو عليه الآن وهو من المباني العظيمة المزخرفة على هيئة مساجد مصر وكان المذكور ذا بأس وشدة وإقدام وشجاعة وتهور مشابه لحسن بك الجداوي في هذه الفعال وموائده مبسوطة وطعامه مبذول وداره بأسيوط مقصدًا للوارد والقاصد والصادر من الأمراء وغيرهم وله إغداقات وصدقات وأنواع من البر ومحبة في العمارة وغراس الأشجار واقتناء الأنعام وكان متزوجًا بثلاث زوجات إحداهن ابنة سيده عثمان بك توفيت بعصمته والثانية ابنة خشداشه عبد الرحمن المذكور آنفًا والثالثة زوجة علي كاشف المعروف بجمال الدين وكان ذا بأس وله صولة وظلم وتجاوزو على سفك الدماء فبذلك خافته عرب الناحية وأهل القرى وقاتل العرب مرارًا وقتل منهم الكثير وبسكناه بأسيوط كثرت عمارتها وأمنت طرقها برًا وبحرًا واستوطنها الكثير من الناس لحمايتها وعدم صولة أحد على أهلها وله مهاداة مع الأمراء المصرية وأرباب الحل والعقد بها والمتكلمين عندهم فيرسل إليهم الغلال والعبيد والجواري السود والطواشية وغير ذلك وله عدة مماليك بيض وسود أعتق كثيرًا من جملتهم عزيرتا الأمير أحمد كاشف المعروف بالشعراوي رقيق حواشي الطبع مهذب الأخلاق ذو فروسية في ركوب الخيل ومحبة في العلماء واللطفاء وهو من جملة محاسن سيده‏.‏

ومات كل من الأمير باكير بك والأمير محمد بك تابع حسين بك كشكش كلاهما بالشام ومات غير هؤلاء ممن لم تحضرني أسماؤهم‏.‏

وباستهلالها خف أمر الطاعون وفي ليلة الجمعة تلك أرسل عبد العال الآغا وأحضر الشيخ محمد الأمير ليلًا الى منزله فبيته عنده ولما أصبح النهار طلع به الى القلعة وحبسه عند المشايخ بجامع سارية والسبب في ذلك أن ولد الشيخ المذكور كان من جملة من يستحث الناس على قتال الفرنسيس في الواقعة السابقة بمصر فلما انقضت هرب الى جهة بحري ثم حضر بعد مدة الى مصر فأقام أيامًا ثم رجع الى قوة بإذن من الفرنسيس فلما حصلت هذه الحركة وتحذروا شدة التحذر وآخذوا الناس بأدنى شبهة وتقرب إليهم المنافقون بالتجسس والإغراء ذكر بعضهم ذلك لقائمقام وأدخل في مسامعه أن ابن الشيخ المذكور ذهب الى عرضي الوزير والتف عليهم فأرسل قائمقام الى الشيخ قبل تاريخه فلما حضر سأله عن ولده المذكور فأخبره أنه مقيم بفوة فقال له‏:‏ لم يكن هناك وإنما هو عند القادمين قال له‏:‏ لم يكن ذلك وإن شئتم إرسلت إليه بالحضور فقال له‏:‏ أرسل إليه وأحضره فقام من عنده على ذلك وأمهله ثمانية أيام مدة مسافة الذهاب والمجيء ثم خاطبه على لسان وكيل الديوان أيضًا فوعده بحضوره أو حضور الجواب بعد يومين واعتذر بعدم أمن الطريق فلما انقضى اليومان أمروا عبد العال بطلبه وإصعاده الى القلعة ففعل‏.‏

وفيه حضر جملة من عساكر الفرنساوية من جهة بحري وتواترت الأخبار بوصول القادمين من الانكليز والعثمانية الى الرحمانية وتملكهم القلعة ومابالقرب منها من الحصون الكائنة بالعطف وغيره وذلك يوم السبت خامس عشرين الحجة‏.‏

وفيه حضرت زوجة ساري عسكر كبير الفرنسيس بصحبة أخيها السيد علي الرشيدي أحد أعضاء الديوان وكان خرج بها من رشيد حين ما ملكها القادمون ونزل بها في مركب وأرسى بها قبالة الرحمانية فلما حصلت واقعة الرحمانية وأخذت قلعتها حضر بها الى مصر بعد مشقة وخوف من العربان وقطاع الطريق وغير ذلك فأقامت هي وأخوها ببيت الألفي بالأزبية نحو ثلاثة أيام ثم صعدا الى القلعة‏.‏

وفيه قربت العساكر القادمة من الجهة الشرقية وحضرت طوالعهم الى القليوبية والمنير والخانكة لأخذ الكلف فتأهب قائمقام بليار للقائهم وأمر العساكر بالخروج من أول الليل ثم خرج هو في آخر الليل فلما كان يوم الأحد رابعه رجع قائمقام ومن معه ووقع بينه وبينهم مناوشة فلم يثبت الفرنسيس لقلتهم ورجعوا مهزومين وكتموا أمرهم ولم يذكروا شيئًا‏.‏

وفي خامسه رفعوا الطلب عن الناس بباقي نصف المليون وأظهروا الرفق بالناس والسرور بهم لعدم قيامهم عند خروجهم للحرب وخلوا البلدة منهم وكان يظنون منهم غير ذلك‏.‏

وفيه أخذت جملة من عدد الطواحين وأصعدت الى القلعة وأكثروا من نقل الماء والدقيق والأقوات إليها وكذلك البارود والكبريت والجلل والقنابر والبنب ونقلوا ما في الأسوار والبيوت من الأمتعة والفرش والأسرة وحملوه إليها ولم يبقوا بالقلاع الصغار إلا مهمات الحرب‏.‏

وفيه طلبوا الزياتين وألزموهم بمائتي قنطار شيرج وسمروا جملة من حوانيتهم وخرج جماعة من الجزارين لشراء الغنم من القرى القريبة فقبض عليهم عساكر العثمانية القادمة ومنعوهم من العود بالغنم والبقر وكذلك منعوا الفلاحين الذين يجلبون الميرة والأقوات الى المدينة‏.‏

فانقطع الوارد من الجهات البحرية والقليوبية وعزت الأقوات وشح اللحم والسمن جدًا وأغلقت حوانيت الجزارين واجتهد الفرنساوية في وضع متاريس خارج البلد من الجهة الشرقية والبحرية وحفروا خنادق وطلبوا الفعلة للعمل فكانوا يقبضون على كل من وجدوه ويسوقونهم للعمل وكذلك فعلوا بجهة القرافة وألقوا الأحجار العظيمة والمراكب ببحر انبابة لتمنع المراكب من العبور وابتدأوا المتاريس البحرية من باب الحديد ممدودة الى قنطرة الليمون الى قصر إفرنج أحمد إلى السبتية إلى مجرى البحر‏.

وفي ثامنه بعث قائمقام بليار فأحضر التجار وعظماء الناس وسألهم عن سبب غلق الحوانيت فقالوا له من وقف الحال والكساد والجلاء والموت فقال لهم‏:‏ من كان موجودًا حاضرًا فألزموه بفتح حانوته وإلا فأخبروني عنه ونزلت الحكام فنادت بفتح الحوانيت والبيع والشراء‏.‏

وفي عاشره شرعوا في هدم جانب من الجيزة من الجهة البحرية وقربت عساكر الانكليز القادمة من البر الغربي الى البلد المسماة بنادر عند رأس ترعة الفرعونية‏.‏

وفيه تواترت الأخبار بأن العساكر الشرقية وصلت أوائلها الى بنها وطحلا بساحل النيل وأن طائفة من الانكليز رجعوا الى جهة اسكندرية وأن الحرب قائم بها وأن الفرنساوية محصورون بداخل الاسنكدرية والانكليز ومن معهم من العساكر يحاربون من خارج وهي في غاية المنعة والتحصين وأن الانكليز بعد قدومهم وطلوعهم الى البر ومحاربتهم لهم المرات السابقة أطلقوا الحبوس عن المياه السائلة من البحر المالح منه الى الجسر المقطوع حتى سالت المياه وعمت الأراضي المحيطة بالاسكندرية وأغرقت أطيانًا كثيرة وبلادًا ومزارع وأنهم قعدوا في الأماكن التي يمكن الفرنسيس النفوذ منها بحيث أنهم قطعوا عليهم الطرق من كل ناحية‏.‏وفي

ثاني عشرة نزلت امرأة من القلعة بمتاعها واختفت بمصر

فأحضر الفرنسيس حكام الشرطة وألزموهم بإحضارها وهذه المرأة اسمها هوى كانت زوجة لبعض الأمراء الكشاف‏.‏

ثم أنها خرجت عن طورها وتزوجت نقولا وأقامت معه مدة فلما حدثت هذه الحوادثت جمعت ثيابها واحتالت حتى نزلت من القلعة وهي على حمار ومتاعها محمول على حمار آخر فنزلت عند بعض العطف وأعطت المكارية الأجرة وصرفتهم من خارج واختفت فلما وقع عليها التفتيش وأحضروا المكارية قالوا‏:‏ لا نعلم غير المكان الذي أنزلناها به وأعطتنا الأجرة عنده‏.‏

فشددوا على المكارية ومنعوهم من السروح وقبضوا على أهل الحارة وحبسوهم ثم أحضروا مشايخ الحارات وشددوا عليهم وعلى سكان الدور وأعلموهم أنه إن وجدت المرأة في حارة من الحارات ولم يخبروا عنها نهبوا جميع دور الحارة وعاقبوا سكانها فحصل للناس غاية الضجر والقلق بسبب اختفائها وتفتيش أصحاب الشرطة وخصوصًا عبد العال فإنه كان يتنكر ويلبس زي النساء ويدخل البيوت بحجة التفتيش عليها فيزعج أرباب البيوت والنساء ويأخذ منهن مصالح ومصاغًا ويفعل ما لا خير فيه ولا يخشى خالقًا ولا مخلوقًا‏.‏

وفي خامس عشره قبضوا على ألطون أبي طاقية النصراني القبطي وحبسوه بالقلعة وألزموه بمبلغ دراهم تأخرت عليه من حساب البلاد‏.‏

وفي سادس عشره أفرجوا عن محمد أفندي يوسف ونزل الى بيته وكذلك الشيخ مصطفى الصاوي لمرضه‏.‏

وفيه انقضت دعوة تهمة الشيخ خليل البكري ومحصلها أن خادم مملوكه ذهب عن لسان المملوك الى بليار قائمقام وأخبره أنه وصل الى أستاذه الشيخ خليل البكري المذكور فرمان من عرضي الوزير بالأمان وكان هذا بإغراء عبد العال ليوقعه في الوبال ويحرك عليه الفرنسيس لحزازة بينه وبينه فلما حضر الشيخ خليل على عادته عند قائمقام سأله عن ذلك‏.‏

فجحده فأحضروا الخادم الذي بلغ ذلك فصدق على ذلك وأسند الى المملوك سيده فأحضروا المملوك وسألوه فقال نعم فقالوا له وأين الفرمان فقال قرأه وقطعه فقال الفرنساوية وكيف يقطعه هذا دليل الكذب لأنه لا يصح أن يتلقاه بالقبول ثم يقطعه فقيل له ومن أتى به قال فلان فألزموا الشيخ بإحضار ذلك الرجل وحبس المملوك عند عبد العال يومين وحضر الرجل فسألوه فجحد ولم يثبت عليه وظهر كذب الغلام والخادم فعند ذلك طلب الشيخ غلامه فقال قائمقام إن قصاصه في شريعتنا أن يقطع لسانه فتشفع فيه سيده وأخذه بعد أمور وكلام قبيح قاله الغلام في حق سيده‏.‏

وفيه حضر حسين كاشف اليهودي الى قائمقام وأخبره أن الأمراء الذين بالصعيد خرجوا عن طاعة الفرنساوية وردوا مكاتبتهم التي أرسلوها لهم بعد موت مراد بك وأنهم مروا وتوجهوا الى بحري من البر الغربي وعثمان بك الأشقر ذهب من خلف الجبل الى جهة الشرق فلما حصل ذلك ركب قائمقام وذهب للست نفيسة وأمنها وطيب خاطرها وأخبرها أنها في أمان هي وجميع نساء الأمراء والكشاف والأجناد ولا مؤاخذة عليهن بما فعله رجالهن‏.‏

وفي عشرينه توكل رجل قبطي يقال له عبد الله من طرف يعقوب بجمع طائفة من الناس لعمل متاريس فتعدى على بعض الأعيان وأنزلهم من على دوابهم وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسال دمه فتشكى الناس من ذلك القبطي وأنهوا شكواهم الى بليار قائمقام فأمر بالقبض على ذلك القبطي وحبسه بالقلعة ثم فردوا على كل حارة رجلين يأتي بهما شيخ الحارة وتدفع لهما أجرة من شيخ الحارة‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الوزير وصل دجوة‏.‏

وفي يوم الاثنين سمع عدة مدافع على بعد وقت الضحوة‏.‏

وفي ذلك اليوم قبل العصر طلبوا مشايخ الديوان فاجتمعوا بالديوان وحضر الوكيل والترجمان وطلبهم للحضور الى قائمقام فلما حصلوا عنده قال لهم على لسان الترجمان نخبركم أن الخصم قد قرب منا ونرجوكم أن تكونوا على عهدكم مع الفرنساوية وأن تنصحوا أهل البلد والرعية بأن يكونوا مستمرين على سكونهم وهدوهم ولا يتداخلوا في الشر والشغب فإن الرعية بمنزلة الولد وأنتم بمنزلة الوالد والواجب على الوالد نصح ولده وتأديبه وتدريبه على الطريق المستقيم التي يكون فيها الخير والصلاح فإنهم إن داموا على الهدوء حصل لهم الخير ونجوا من كل شر وإن حصل منهم خلاف ذلك نزلت عليهم النار وأحرقت دورهم ونهبت أموالهم ومتاعهم ويتمت أولادهم وسبيت نساؤهم وألزموا بالأموال والفرد التي لا طاقة لهم بها فقد رأيتم ما حصل في الوقائع السابقة فاحذروا من ذلك فإنهم لا يدرون العاقبة ولا نكلفكم المساعدة لنا ولا المعاونة لحرب عدونا وإنما نطلب منكم السكون والهدوء لا غير فأجابوه بالسمع والطاعة وقولهم كذلك وقرئ عليهم ورقة بمعنى ذلك وأمروا الآغا وأصحاب الشرطة بالمناداة على الناس بذلك وأنهم ربما سمعوا ضرب مدافع جهة الجيزة فلا ينزعجوا من ذلك فإنه شنك وعيد لبعض أكابرهم وأن يجتمع من الغد بالديوان الأعيان والتجار وكبار الأخطاط ومشايخ الحارات ويتلى عليهم ذلك فلما كان ضحوة يوم الثلاثاء اجتمعوا كما ذكر وحصلت الوصية والتحذير وانتهى المجلس وذهبوا الى محلاتهم‏.‏

وفي ذلك اليوم أشيع حضور الوزير الى شلقان وكذلك عساكر الانكليز بالناحية الغربية وصلوا الى أول الوراريق‏.‏

وفي يوم الجمعة غايته اجتمع المشايخ والوكيل بالديوان على العدة وحضر استوف الخازندار وترجم عنه رفاييل بقوله إنه يثني على كل من القاضي والشيخ اسمعيل الزرقاني باعتنائهما فيما يتعلق بأمر المواريث وبيت المال والمصالح على التركات المختومة لأن الفرنساوية لم يبق لهم من الإيراد إلا ما يتحصل من ذلك والقصد الاعتناء أيضًا بأمر البلاد والحصص التي انحلت بموت أربابها فلازم أيضًا من المصالحة والحلوان والمهلة في ذلك ثمانية أيام فمن لم يصالح على الالتزام الذي له فيه شبهة في تلك المدة ضبطت حصته ولا يقبل له عذر بعد ذلك واعلموا أن أرض مصر استقر ملكها للفرنساوية فلازم من اعتقادكم ذلك وأركزوه في أذهانكم كما تعتقدون وحدانية الله تعالى ولا يغرنكم هؤلاء القادمون وقربهم فإنه لا يخرج من أيديهم شيء أبدًا وهؤلاء الانكليز ناس خوارج حرامية وصناعتهم إلقاء العداوة والفتن والعثملي مغتر بهم فإن الفرنساوية كانت من الأحباب الخلص للعثملي فلم يزالوا حتى أوقعوا بينه وبينهم العداوة والشرور وأن بلادهم ضيقة وجزيرتهم صغيرة ولو كان بينهم وبين الفرنساوية طريق مسلوك من البر لا تمحي أثرهم ونسي ذكرهم من زمان مديد وتأملوا في شأنهم وأي شيء خرج من أيديهم فإن لهم ثلاثة أشهر من حين طلوعهم الى البر والى الآن لم يصلوا إلينا والفرنسيس عند قدومهم وصلوا في ثمانية عشر يومًا فلو كان فيهم همة أو شجاعة لوصلوا مثل وصولنا وكلام كثير من هذا النمط في معنى ذلك من بحر الغفلة ثم ذكر البكري والسيد أحمد الزر وأنه حضر مكتوب من رشيد على يد رجل حناوي لآخر من منية كنانة يذكر فيه أنه حضر الى اسكندرية مراكب وعمارة من فرانسا وأن الانكليز رجعت إليهم وأن الحرب قائمة على ظهر البحر فقال الخازندار يمكن ذلك وليس ببعيد ثم نقلوا ذلك الى بليار قائمقام فطلب الرجل الراوي لذلك فأحضر الزر ورجلًا شرقاويًا حلف لهم أنه سمع ذلك بأذنه من الرجل الواصل الى منية كنانة من شهر صفر الخير سنة 1216 استهل بيوم السبت وفي ذلك اليوم قبل المغرب مشى عبد العال الآغا وشق في شوارع المدينة وبين يديه منادي يقول‏:‏ الأمن والأمان على جميع الرعايا وفي غد تضرب مدافع وشنك من الفلا في الساعة الرابعة فلا تخافوا ولا تنزعجوا فإنه حضرت بشارة بوصول بونابارته بعمارة عظيمة الى الاسكندرية وأن الانكليز رجعوا القهقرى فلما أصبح يوم الأحد في الساعة الرابعة من الشروق ضربت عدة مدافع وتابعوا ضربها من جميع القلاع وصعد أناس الى المنارات ونظروا بالنظارات فشاهدوا عساكر الانكليز بالجهة الغربية وصلوا الى آخر الورايق وأول انبابة ونصبوا خيامهم أسفل انبابة وعند وصولهم الى مضاربهم ضربوا عدة مدافع فلما سمعها الفرنساوية ضرب الآخرون تلك المدافع التي ذكروا أنها شنك وأما العساكر الشرقية فوصلت أوائلهم الى منية الأمراء المعروفة بمنية السيرج والمراكب فيما بينها من البرين بكثرة فعند ذلك عزت الأقوات وشبحت زيادة على قلتها وخصوصًا السمن والجبن والأشياء المجلوبة من الريف ولم يبق طرق مسلوكة الى المدينة إلا من جهة باب القرافة وما يجلب من جهة البساتين من القمح والتبن فيأتي ذلك الى عرصة الغلة بالرميلة ويزدحم عليه النساء والرجال بالمقاطف فيسمع لهم ضجة عظيمة وشح اللحم أيضًا وغلا سعره لقلة المواشي والأغنام فوصل سعر الرطل تسعة أنصاف والسمن خمسة وثلاثين نصفًا والبصل بأربعمائة فضة القنطار والرطل الصابون بثمانين فضة والسيرج عشرين نصفًا وأما الزيت فلا يوجد البتة وغلت الأبزاز جدًا واتفق الى قصة غريبة وهو أني احتجت الى بعض أنيسون فأرسلت خادمي الى الأبزارية على العادة يشتري لي منه بدرهم فلم يجده وقيل له إنه لا يوجد إلا عند فلان هو يبيع الأوقية بثلاثة عشر نصفًا ثم أتاني منه بأوقيتين بعد جهد في تحصيله فحسبت على ذلك سعر الأردب فوجدته يبلغ خمسمائة ريال أو قريبًا من ذلك فكان ذلك من النوادر الغريبة‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالثه حصلت الجمعية بالديوان وحضر التجار ومشايخ الحارات والآغا وحضر مكتوب من بليار قائمقام خطابًا بالأرباب الديوان والحاضرين يذكر فيه أن حضر إليه مكتوب من كبيرهم منوبًا بالإسكندرية صحبة هجانة فرنسيس وصلوا إليهم من طريق البرية‏.‏

مضمونه أنه طيب بخير والأقوات كثيرة عندهم يأتي بها العربان إليهم وبلغهم خبر وصول عمارة مراكب الفرنساوية الى بحر الخزر وأنها من قريب تصل الاسكندرية وأن العمارة حاربت بلاد الانكليز واستولت على شقة كبيرة منها فكونوا مطمئنين الخاطر من طرفنا ودوموا على هدوئكم وسكونكم الى آخر ما فيه من التمويهات وكل ذلك لسكون الناس وخوفًا من قيامهم في هذه الحالة وكان وصول هذا المكتوب بعد نيف وأربعين يومًا من انقطاع أخبر من في اسكندرية ولا أصل لذلك‏.‏

وفي ذلك اليوم قتل عبد العال رجلًا ذكروا أنه وجد معه مكتوب من بعض النساء مرسل الى بعض أزواجهن بالعرضي قتل ذلك الرجل بباب زويلة ونودي عليه‏:‏ هذا جزاء من ينقل الأخبار الى العثملي والانكليز‏.‏

وفيه وصلت العساكر الشرقية الى العادلية وامتد العرضي منها الى قبلي منية السيرج وكذلك الغربية الى انبابة ونصبوا خيامهم بالبرين والمراكب بينهم في النيل وضربوا عدة مدافع وخرج عدة من الفرنساوية خيالة فترامحوا معهم وأطلقوا بنادق ثم انفصلوا بعد حصة من الليل ورجع كل الى مأمنه واستمر هذا الحال على هذا المنوال يقع بينهم في كل يوم‏.‏

وفي سادسه زحفت العساكر الشرقية حتى قربوا من قبة النصر وسكن ابراهيم بك زاوية الشيخ دمرداش وحضر جماعة من العسكر وأشرفوا على الجزارين من حائط المذبح وطلبوا شيخ الجزارين ووجدوا ثلاثة أنفار من الفرنسيس فضربوا عليهم بنادق فأصيب أحدهم في رجله فأخذوه وهرب الإثنان وأصيب جزار يهودي ووقع بين الفريقين مضاربة على بعد وقتل بعض قتلى وأسر بعض أسرى ولم يزل الضرب بينهم الى قريب العصر والفرنسيس يرمون من وفي سابعه وقعت مضاربة بين الفريقين ببنادق ومدافع من الصباح الى العصر أيضًا‏.‏

وفيه أشيع موت السيد أحمد لمحروقي بدجوة وكان مريضًا بها وامتنع الوارد من الجهة البحرية بالكلية‏.‏

وفيه قبضوا على رجل يشبه خدام ظنوه جاسوسًا فأحضروه عند قائمقام فسألوه فلم يقر بشيء فضربوه عدة مرار حتى ذهل عقله وصار كالمختل وكرروا عليه الضرب والعقاب وضربوه بالكرابيج على كفوفه ووجهه وراسه حتى قيل إنهم ضربوه نحو ستة آلاف كرباج وهو على حاله ثم أودعوه الحبس‏.‏

وفيه أطلقوا محبوسًا يقال الشيخ سليمان حمزة الكاتب وكان محبوسًا بالقلعة من مدة أشهر فطلق على مصلحة ألفي ريال‏.‏

وفي ثامنه وقعت مضاربة أيضًا بطول النهار ودخل نحو خمسة وعشرين نفرًا من عسكر العثمانية الى الحسينة وجلسوا على مساطب القهوة وأكلوا كعكًا وخبزًا وفولًا مصلوقًا وشربوا قهوة ثم انصرفوا الى مضربهم وأخذ الفرنساوية عسكريًا من أتباع محمد باشا والى غزة والقدس المعروف بأبي مرق فحبسوه ببيت قائمقام وأغلقوا في ذلك اليوم باب النصر وباب العدوي‏.‏

وفيه زحفت عساكر البر الغربي الى تحت الجيزة فحضر في صبحها بني وأخبر قائمقام فركب من ساعته وعدى الى بر الجيزة فسمع الضرب أيضًا من ناحية الجيزة وسمعت طبول الأمراء ونقاقيرهم واستمر الأمر الى يوم الثلاثاء حادي عشره فبطل الضرب في وقت الزوال ولما حصلوا جهة الجيزة انتشروا الى قبلي منها ومنعوا المعادي من تعدية البر الشرقي فانقطع الجالب من الناحية القبلية أيضًا فامتنع وصول الغلال والأقوات والبطيخ والعجور والخضراوات والخيار والسمن والجبن والمواشي فعزت الأقوات وغلت الأسعار في الأشياء الموجودة منها جدًا واجتمع الناس بعرصة الغلة بالرميلة يريدون شراء الغلة فلم يجدوها فكثر ضجيجهم وخرج الأكثر منهم بمقاطفهم الى جهة البساتين ورجع الباقون من غير شيء فأحضر عبد العال القبانية وألزمهم بإحضار السمن وضرب البعض منهم فأحضروا له في يومين أربعة عشر رطلًا بعد الجهد في تحصيلها وبيعت الدجاجة بأربعين نصفًا وامتنع وجود اللحم من الأسواق واستمر الأمر على ذلك الأربعاء والخميس والمضاربة بين الفريقين ساكنة وأشيع وقوع المسالمة والمراسلة بينهما والمتوسط في ذلك الانكليز وحسين قبطان باشا فانسر الناس وسكن جأشهم لسكون الحرب‏.‏

وفي ذلك اليوم أغلقوا باب القرافة وباب المجراة ولم يعلم سبب ذلك ثم فتحوهما عند الصباح من يوم الجمعة ورفعوا عشور الغلة‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشره أطلقوا المحبوسين بالقلعة من أسرى العثمانية وأعطوا كل شخص مقطع قماش وخمسة عشر قرشًا وأرسلوهم الى عرضي الوزير وكان بلغ بهم الجهد من الخدمة والفعالة وشيل التراب والأحجار وضيق الحبس والجوع ومات الكثير منهم وكذلك أفرجوا عن جملة من العربات والفلاحين‏.‏

وفي ليلة الاثنين المذكور سمع صوت مدفع بعد الغروب عند قلعة جامع الظاهر خارج الحسينية ثم سمع منها أذان العشاء والفجر فلما أضاء النهار نظر الناس فإذا البيرق العثماني بأعلاها والمسلمون على أسوارها فعلموا بتسليمها وكان ذلك المدفع إشارة الى ذلك ففرح الناس وتحققوا أمر المسالمة وأشيع الإفراج عن الرهائن من المشايخ وغيرهم وباقي المحبوسين في الصباح وأكثر الفرنساوية من النقل والبيع في أمتعتهم وخيولهم ونحاسهم وجواريهم وعبيدهم وقضاء أشغالهم‏.‏

وفي ذلك اليوم أنزلوا عدة مدافع من القلعة وكذلك من قلعة باب البرقية وأمتعة وفرش وبارود وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وحضر الوكيل وأعلن بوقوع الصلح والمسالمة ووعد أن في الجلسة الآتية يأتي إليهم فرمان الصلح وما اشتمل عليه من الشروط ويسمعونه جهارًا‏.‏

وفي ذلك اليوم أكثر اهتمام الفرنساوية بنقل الأمتعة من القلعة الكبيرة وباقي القلاع بقوة السعي‏.‏

وفيه أفرجوا عن محمد جلبي أبي دفية واسمعيل القلق ومحمد شيخ الحارة بباب اللوق والبرنوسي وفيه سافر عثمان بك البرديسي الى الصعيد وعلى يده فرمانات للبلاد بالأمن والأمان وسوق المراكب بالغلال والأقوات الى مصر ويلاقي ستة آلاف من عسكر الانكليز حضروا من القلزم الى القصير‏.‏

وفيه شنق الفرنساوية شخصًا منهم على شجرة ببركة الأزبكية قيل إنه سرق‏.‏

وفيه أرسل الفرنساوية الى الوزير وطلبوا منه جمالًا ينقلون عليها متاعهم فأمر لهم بإرسال مائتي جمل وقيل أربعمائة مساعدة لهم وفيها من جمال طاهر باشا وابراهيم بك‏.‏

وفي يوم الخميس عشرينه أفرجوا عن بقية المسجونين والمشايخ وهم الشيخ السادات والشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والشيخ محمد المهدي وحسن آغا المحتسب ورضوان كاشف الشعراوي وغيرهم فنزلوا الى بيت قائمقام وقابلوه وشكروه فقال للمشايخ إن شئتم اذهبوا فسلموا على الوزير فإني كلمته ووصيته عليكم‏.‏

وفيه حضر الوزير ومن معه من العساكر الى ناحية شبرا وكذلك الانكليز وصحبتهم قبطان باشا الى الجهة الغربية والعساكر تجاههم ونصبوا الجسر فيما بينهم أعلى البحر وهو من مراكب مرصوصة مثل جسر الجيزة بل يزيد عنه في الإتقان بكونه من ألواح في غاية الثخن وله درابزين من الجهتين أيضًا وهو عمل الانكليز‏.‏

وفيه ألصقوا أوراقًا بالطرق مكتوبة بالعربي والفرنساوي وفيها شرطان من شروط الصلح التي تتعلق بالعامة ونصها‏:‏ ثم أنه أراد الله تعالى بالصلح ما بين عسكر الفرنساوية وعساكر الانكليز وعساكر العثمانية ولكن مع هذا الصلح أنفسكم وأديانكم ومتاعكم ما أحد يقارشكم ورؤوس عساكر الثلاثة جيوش قد اشترطوا بهذا كما ترونه الشرط الثاني عشر‏:‏ كل واحد من أهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت الذي يريد أن يسافر مع الفرنساوية يكون مطلق الإرادة وبعد سفره كامل ما يبقى عياله ومصالحه ما أحد يعارضهم الشرط الثالث عشر‏:‏ لا أحد من أهالي مصر المحروسة من كل ملة كانت يكون قلقًا من قبل نفسه ولا من قبل متاعه‏.‏

جميع الذين كانوا بخدمة الجمهور الفرنساوي بمدة إقامة الجمهور بمصر ولكن الواجب أن يطيعوا الشريعة ثم يا أهالي مصر وأقاليمها جميع الملل أنتم ناظرون لحد آخر درجة الجمهور الفرنساوي ناظر لكم ولراحتكم فيلزم أنتم أيضًا تسلكون في الطريق المستقيمة وتفتكرون أن الله جل جلاله هو الذي يفعل كل شيء وعليه إمضاء بليار قائمقامز وفي يوم الجمعة عملوا الديوان وحضر المشايخ والوكيل فقال الوكيل هل بلغكم بقية الشروط الثلاثة عشر فقالوا لا فأبرز ورقة من كمه بالقلم الفرنساوي فشرع يقرؤها والترجمان يفسرها وهي تتضمن الأحد عشر شرطًا الباقية فقال إن الجيش الفرنساوي يلزم أن يخلوا القلاع ومصر ويتوجهوا على البر بمتاعهم الى رشيد وينزلوا في مراكب ويتوجهوا الى بلادهم وهذا الرحيل ينبغي أن يسرع به وأقل ما يكون في خمسين يومًا وأن يساق الجيش من طريق مختصر وسر عسكر الانكليز والمساعد يلزم أن يقوما لهم بجميع ما يحتاجونه من نفقة ومؤونة وجمال ومراكب والمحل الذي يبدأ منه السعي يكون بالتراضي بين الجمهور والانكليز والمساعد وكامل الأمتعة والأثقال تتوجه من البحر ومعهم جيش من الفرنساوي لأجل الحراسة ولابد من كون المؤونة التي تترتب لهم كالمؤونة التي كانوا يعطونها هم لجيش الانكليز ورؤسائهم وعلى رؤساء عساكر الانكليز وحضرة العثملي القيام بنفقة الجميع‏.‏

والحكام المتقيدون بذلك يحضرون لهم المراكب ليسفروهم الى فرانسا من جهة البحر المحيط‏.‏

ولن يقدم كل من حضرة العثملي والانكليز أربعة مراكب للعليق والعلف للخيل التي يأخذونها في المراكب وأن يسيروا معهم مراكب للمحافظة عليهم الى أن يصلوا الى فرانسا وأن الفرنساوية لا يدخلون مينة إلا مينة فرانسا والأمناء والوكلاء يقدمون لهم ما يحتاجون إليه نظرًا لكفاية عساكرهم والمدبرون والأمناء والوكلاء والمهندسون الفرنساوية يستصحبون معهم ما يحتاجونه من أوراقهم وكتبهم ولو التي شروها من مصر وكل من أهل الإقليم المصري إذا أراد التوجه معهم فهو مطلق السراح مع الأمن على متاعه وعياله وكذلك من داخل الفرنساوية من أي ملة كانت فلا معارضة له إلا أن يجري على أحواله السابقة‏.‏

ويجرحى الفرنساوية يتخلفون بمصر ويعالجهم الحكماء وينفق عليهم حضرة العثلمي وإذا عوفوا توجهوا الى فرانسا بالشروط المتقدم ذكرها وحكام العثملي يتعهدون من بمصر منهم ولابد من حاكمين من طرف الجيشين يتوجهان بمركبين الى طولون فيرسلون خبرًا الى فرانسا ليطلعوا حكامها على الصلح وسائر الرسوم وكل جدال وخصام صدر بين شخصين من الفرنساوية فلابد أن يقام شخصان حاكمان من الطائفتين ليتكلما في الصلح ولا يقع في ذلك نقض عهد الصلح وعلى كل طائفة معين من العثملي والفرنساوي أن تسلم ما عندها من الأسرى ولابد من رهائن من كل طائفة واحد يكون عند الطائفة الأخرى حتى يتوصلوا الى فرانسا ثم قال الوكيل‏:‏ وقد علمنا بالشروط وما ندري ماذا يكون فقيل له هذه شروط عليها علامة القبول وهذا الصلح رحمة للجميع وسيكون الصلح العام قال الوكيل إني أرجو أن يكون هذا الصلح الخصوصي مبدأ للصلح العمومي‏.‏

وفيه كثر خروج الناس ودخولهم من الأتباع والباعة والمتنكرين من نقب البرقية المعروف بالغريب فصار الحرسجية من الفرنساوية يأخذون من الداخل والخارج دراهم ولا يمنعونهم‏.‏

فلما علم الناس بذلك كثر ازدحامهم فلما أصبحوا منعوهم فدخلوا وخرجوا من باب القرافة فلم يمنعهم الواقفون به من الفرنسيس بل كانوا يفتشون البعض ويمنعون البعض وكل ذلك حذرًا من أفعال الطموش وسوء أخلاقهم وتولد الشر بسببهم وقد دخل بعضهم أكابر الانكليز وصحبتهم فرنساوية يفرجونهم على البلدة والأسواق وكذلك دخل بعض أكابر العثمانية فزاروا قبر الإمام الشافعي والمشهد الحسيني والشيخ عبد الوهاب الشعراوي والفرنساوية ينتظرونهم بالباب‏.‏

وفي ليلة الاثنين رابع عشرينه نادوا في الأسواق برمي مدافع في صبحه وذلك لنقل رمة كلهبر فلا يرتاع الناس من ذلك فلما كان في صبح ذلك اليوم أطلقوا مدافع كثيرة ساعة نبش القبر بالقرب من قصر العيني وأخرجوا الصندوق الرصاص الموضوع فيه رمته ليأخذوه معهم الى بلادهم‏.‏

وفيه أرسلوا أوراقًا ورسلًا للاجتماع بالديوان وهو آخر الدواوين فاجتمع المشايخ والتجار وبعض الوجاقلية واستوف الخازندار والوكيل والترجمان فلما استقر بم الجلوس أخرج الوكيل كتابًا مختومًا وأخبر أن ذلك الكتاب من ساري عسكر منو بعث به الى مشايخ الديوان ثم ناوله لرئيس الديوان ففضه وناوله للترجمان فقرأه والحاضرون يسمعون وصورته‏:‏ بعد البسملة والجلاة والصدر نخبركم أنا علمنا بكثرة الانبساط أنكم تهتدون بكثرة الحكمة والإنصاف في الموضع الذي أنتم مستمرون فيه وإن لم تقدروا لتنظيم أهالي البلد بالهدى والطاعة الموجبة منه لحكومة الفرنساوي فالله تعالى بسعادة رسوله الكريم عليه السلام الدائم ينعم عليكم في الدارين عض خيراتكم وأخبرنا المقدام الجسور بونابارته المشهور عن كل ما فعلتم حاكمًا ونافعًا بوصايا لأجلكم سارة رضي واستراح لتلك الفعال الجيدة وعرفني أيضًا أنه عن قريب يرسل لكم بذاته جواب جميع مكاتيبكم إليه فدمتم الآن بخير الهدى وبقوته تعالى نرى فضائلكم عن قريب ونواجه سكان محروسة مصر كما هو مأمولنا لكن يسركم أن الجمهور المنصور غلب في أقاليم الروم جميع أعدائه وبعون الله هادي كل شيء سيغلب كذلك العدا في مصر‏.‏

واعتمدوا بأكثر الاعتماد على الستويان جيرار هذا الذي وضعناه قربكم لأنه هو رجل مشهور بالعدل والاستقامة ونوجه إلى هممكم النصيحة الى زوجتنا الكريمة السيدة زبيدة وولدنا العزيز سليمان مراد أن كليهما حالا كائنان في حصننا في مصر الخ وذكر كثيرًا من أمثال هذه الخرافات والتمويهات ثم أخرج ورقة بالفرنساوي وقرأها بنفسه حتى فرغ منها ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان رفاييل ومضمونها‏:‏ حصول الصلح وتمويهات وهلسيات ليس في ذكرها فائدة ولما انتهى من قراءتها أبرز أيضًا استوف الخازندار ورقة وقرأها بالفرنساوي‏.‏

ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان وهي في معنى الأولى‏.‏

وركب المشايخ وخرجوا للسلام على الوزير يوسف باشا الذي يقال له الصدر الأعظم‏.‏

والسلام على القادمين معه أيضًا من أعيان دولتهم والأمراء المصرية وكانوا عزموا على الذهاب في الصباح فعوقوا لبعد الديوان وأما الشيخ السادات فإنه خرج للسلام من أول النهار‏.‏

وكتب لهم قائمقام أوراقًا للحرسجية لأنهم مستمرون في منع الناس من الدخول والخروج وأبواب البلد مغلقة وكان خروجهم من طريق بولاق فلما وصلوا الى العرضي سلموا على ابراهيم بك وتوجه معهم الى الوزير فلما وصلوا الى اصيوان أمروهم برفع الطياسانات التي على أكتافهم وتقدموا للسلام عليه فلم يقم لقدومهم فجلسوا ساعة لطيفة وخرجوا من عنده‏.‏

وسلموا أيضًا على محمد باشا المعروف بأبي مرق وعلي المحروقي والسيد عمر مكرم وباتوا تلك الليلة بالعرضي ثم عادوا الى بيوتهم‏.

وفي ثاني يوم عدوا الى البر الغربي وسلموا على قبطان باشا ورجعوا الى منازلهم‏.‏

وفيه أرسل ابراهيم بك أمانًا لأكابر القبط فخرجوا أيضًا وسلموا ورجعوا الى دورهم‏.‏

وأما يعقوب فإنه خرج بمتاعه وعازقه وعدى الى الروضة وكذلك جمع إليه عسكر القبط وهرب الكثير منهم واختفى واجتمعت نساؤهم وأهلهم وذهبوا الى قائمقام وبكوا وولولوا وترجوه في إبقائهم عند عيالهم وأولادهم فإنهم فقراء وأصحاب صنائع ما بين نجار وبناء وصائغ وغير ذلك فوعدهم أنه يرسل الى يعقوب أنه لا يقهر منهم من لا يريد الذهاب والسفر معه‏.‏

وفيه ذهب بليار قائمقام وصحبته ثلاثة أنفار من عظماء الفرنسيس الى العرضي وقابلوا وفي يوم الأربعاء تاسع عشره خرج المسافرون مع الفرنساوية الى الروضة والجيزة بمتاعهم وحريمهم وهم جماعة كثيرة من القبط وتجار الإفرنج والمترجمين وبعض مسلمين ممن تداخل معهم وخاف على نفسه بالتخلف وكثير من نصارى الشوام والأروام مثل يني وبرطلمين ويوسف الحموي وعبد العال الآغا أيضًا طلق زوجته وباع متاعه وفراشه وما ثقل عليه حمله من طقم وسلاح وغيره فكان إذا باع شيئًا يرسل خلفه المشتري ويلزمه بإحضار ثمن في الحال قهرًا ولم يصحب معه إلا ما خف حمله وغلا ثمنه‏.‏

وفيه حضر وكيل الديوان الى الديوان وأحضر جماعة من التجار وباع لهم فراش المجلس بثمن قدره ستة وثلاثون ألف فضة على ذمة السيد أحمد الزرو‏.‏

وفي ذلك اليوم أيضًا فتحوا باب الجامع الأزهر وشرعوا في كنسه وتنظيفه‏.‏

وفي ذلك اليوم وما بعده دخل بعض الانكليز ومروا بأسواق المدينة يتفرجون وصحبتهم إثنان أو واحد من الفرنسيس يعرفونهم الطرق‏.‏

وأشيع في ذلك اليوم ارتحال الفرنساوية ونزولهم من القلاع وتسليمهم الحصون من الغد وقت الزوال‏.‏

فلما أصبح يوم الخميس ومضى وقت الزوال لم يحصل ذلك فاختلفت الروايات فمن الناس من يقول ينزلون يوم الجمعة ومنهم من يقول إنهم أخذوا مهلة ليوم الاثنين وبات الناس يسمعون لغط العساكر العثمانية وكلامهم ووطء نعالاتهم فنظروا فإذا الفرنساوية خرجوا بأجمعهم ليلًا وأخلوا القلعة الكبيرة وباقي القلاع والحصون والمتاريس وذهبوا الى الجيزة والروضة وقصر العيني ولم يبق منهم شبح يلوح بالمدينة وبولاق ومصر العتيقة والأزبكية ففرح الناس كعادتهم بالقادمين وظنوا فيهم الخير وصاروا يتلقونهم ويسلمون عليهم ويباركون لقدومهم والنساء يلقلقن بألسنتهن من الطيقان وفي الأسواق وقام للناس جلبة وصياح وتجمع الصغار والأطفال كعادتهم ورفعوا أصواتهم بقولهم نصر الله السلطان ونحو ذلك وهؤلاء الداخلون ودخلوا من نقب الغريب المثقوب في السور وتسلقوا أيضًا من ناحية العطوف والقرافة وأما باب النصر والعدوي فهما على حالهما مغلوقان لم يأذنوا بفتحهما خوفًا من تزاحم العسكر ودخولهم المدينة دفعة واحدة فيقع فيهم الفشل والضرر بالناس وباب الفتوح مسدود بالبناء فلما تضحى النهار حضر قبي قول وفتح باب النصر والعدوي وأجلس بهما جماعة من الينكجرية ودخل الكثير من العساكر مشاة وركبانًا أجناسًا مختلفة ودخلت بلوكات الينكجرية وطافوا بالأسواق ووضعوا نشاناتهم وزنكهم على القهاوي والحوانيت والحمامات فامتعض أهل الأسواق من ذلك وكثر الخبز واللحم والسمن والشيرج بالأسواق وتواجدت البضائع وانحلت الأسعار وكثرت الفاكهة مثل العنب والخوخ والبطيخ وتعاطى بيع غالبها الأتراك والأرنؤد فكانوا يتلقون من يجلبها من الفلاحين بالبحر والبر ويشترونها منهم بالأسعار الرخيصة ويبيعونها على أهل المدينة وبولاق بأغلى الأثمان ووصلت مراكب من جهة بحري وفيها البضائع الرومية واليميش من البندق واللوز والجوز والزبيب والتين والزيتون الرومي‏.‏

فلمما كان قبل صلاة الجمعة وإذا بجاويشية وعساكر وأغوات وتلا ذلك حضرة يوسف باشا الصدر فشق من وسط المدينة وتوجه الى المسجد الحسيني فصلى فيه الجمعة وزار المشهد الحسيني ودعاه حضرة الشيخ السادات الى داره المجاورة للمشهد فأجابه فدخل معه وجلس هنيهة ثم ذهب الى الجامع الأزهر فتفرج عليه وطاف بمقصورته وأروقته وجلس ساعة لطيفة وأنعم على الكناسين والخدمة بدراهم وكذلك خدمة المسجد الحسيني ثم ركب راجعًا الى وطاقه بناحية الحلي بشاطئ النيل وعملوا في ذلك الوقت شنكًا وضربوا مدافع كثيرة من العرضي والقلعة ودخل قلقات الينكجرية وجلسوا برؤوس العطف والحارات وكل طائفة عندها بيرق ونادوا بالأمان البيع والشراء وطلب أولئك القلقات من أهل الأخطاط المآكل والمشارب والقهوات وألزموهم بذلك وانحاز الفرنساوية الى جهة قصر العيني والروضة والجيزة الى حد قلعة الناصرية وفم الخليج وعليها بنديراتهم ووقف حرسهم عند حدهم يمنعون من يأوي الى جهتهم من العثمانية فلا يمر العثماني إلا الى الجهة الموصلة الى بولاق وأما إذا كان من أهل البلد فيمر حيث أراد وفي مدة إقامة المشار إليه بساحل الحلي ببولاق خرب عساكره ما قرب منهم من الأبنية والسواقي والمتريز الذي صنعه الفرنساوية من حد باب الحديد الى البحر وأخذوا ما بذلك من الأفلاق الكثيرة المتهدمة والأخشاب المنجرة المرصوصة فوق المتريز وتحته وف يالخندق فخربوا ذلك جميعه في هذه المدة القليلة وذلك لأجل وجود النار والمطابخ‏.‏

وفي يوم السبت دخل قبي قول وهو المسمى عند المصريين كتخدا الينكجرية وشق المدينة وأمر بمحو نشانات الانكشارية من الحوانيت ولم يترك إلا القهاوي‏.‏ واستهل

شهر ربيع الأول بيوم الأحد سنة 1216

فيه ركب أغات الينكجرية الكبير العثملي وشق المدينة وخلفه سليم آغا المصري ودخل الكثير من العساكر والأجناد المصرية بمتاعهم وعازقهم وأحمالهم وطلبوا البيوت وسكنوها ودخل محمد باشا المعروف بأبي مرق الغزي وهو المرشح لولاية مصر وسكن ببيت الهياتم بالقرب من مشهد الأستاذ الحنفي وأرسل الى المشايخ وكبار الحارات وطلب منهم التعريف عن البيوت الخالية بالأخطاط‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثالثه حضر حسين باشا القبطان من الجيزة ودخل المدينة وتوجه الى المشهد الحسيني فزاره وذبح به خمس جواميس وسبعة كباش واقتمتها خدمة الضريح وحلق تاج المقام بأربعة شيلان كشميري وأخذ قياس المقام ليصنع له سترًا جديدًا وفرق عليهم وعلى الفقراء نحو ألفي محبوب ذهب اسلامبولي‏.‏

وفي ذلك اليوم وقعت حادثة وهو أن شخصًا من العسكر بالجمالية شرب من العرقسوسي شربة عرقسوس ولم يدفع له ثمنها فكلم العرقسوسي القلق الانكشاري فأحضره وأمره بدفع ثمنها ونهره وأراد ضربه فاستل ذلك العسكري الطبنجة وضرب ذلك الحاكم فقتله وهرب الى حارة الجوانية ودخل الى دار وامتنع فيها وصار يضرب بالرصاص على كل من قصده فقتل خمسة أنفار ومر شخصان من الأرنؤد بتلك الخطة فقتلهما الانكشارية لكون الغريم أرنؤديًا من جنسهما فلما أعياهم أمره حرقوا عليه الدار فخرج خاربًا من النار فقبضوا عليه وقتلوه ومات تسعة أشخاص في شربة عرقسوس‏.‏

ووقع في ذلك اليوم أيضًا أن شخصين من القليونجية دخلا الى دار رجل نصراني فأخذا من بيته بقعتين من الثياب وخرجا فوجدا شخصين مارين من الفلاحين فسخراهما في حمل البقجتين فخرج النصراني وشكا الى القلق فأمر بالقبض على الشخصين العسكريين فتخلصا وهربا بعد أن انجرح أحدهما وأخذوا الشخصين المسخرين فقطعوا رؤسوهما ظلمًا وعدوانًا وذلك من مبدائ قبائحهم‏.‏

وفي يوم الأربعاء رابعه ارتحل الفرنساوية وأخلوا قصر العيني والروضة والجيزة وانحدروا الى بحر الوراريق وارتحل معهم قبطان باشا ومعظم الانكليز ونحو الخمسة آلاف من عسكر الأرنؤد ومن الأمراء المصرية عثمان بك الأشقر ومراد بك الصغير وأحمد بك الكلارجي وأحمد بك حسن فكانت مدة الفرنساوية وتحكمهم بالديار المصرية ثلاث سنوات واحدًا وعشرين يومًا فإنهم ملكوا بر انبابة والجيزة وكسروا الأمراء المصرية يوم السبت تاسع شهر صف سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وكان انتقالهم ونزولهم من القلاع وخلو المدينة منهم وانخلاعهم عن التصرف والتحكم ليلة الجمعة الحادي والعشرين من شهر صفر سنة ست عشرة ومائتين وألف فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتحول سلطانه‏.‏

وفي ذلك اليوم حضر السيد عمر أفندي نقيب الأشراف وصحبته السيد أحمد المحروقي شاه بندر التجار بمصر وعليهما خلعتا سمور وتوجها الى دورهما‏.‏

وفيه نبهوا على موكب حضرة الوزير يوسف باشا من الغد فلما أصبح يوم الخميس خامسه اجتمع الناس من جميع الطوائف وسائر الأجناس وهرع الناس للفرجة وخرجت البنت من خدرها واكتروا الدور المطلة على الشارع بأغلى الأثمان وجلس الناس على السفائف والحوانيت صفوفًا وانجر الموكب من أول النهار الى قريب الظهر ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وأمامه العساكر المختلفة من الأرنؤد وأرط الينكجرية والعساكر الشامية والأمراء المصرلية والمغاربة والقليونجية وطاهر باشا باشة الأرنؤد وابراهيم باشا والي حلب ومحمد باشا والي مصر والكتبة ورئيس الكتاب وكتخدا الدولة والأغوات الكبار بالطبول والنقرزانات وقاضي العسكر ونواب القضاء والعلماء المصرية ومشايخ التكايا والدراويش وأقبل المشار إليه وأمامه الملازمون بالبراقع والجاويشية والسعاة والجوخدارية وعليه كرك صوف سنجاني مطرز مخبش وعلى رأسه شلنج بفصوص الماس وخلفه إثنان عن يمينه وشماله ينثرون دراهم الفضة البيضاء ضربخانة اسلامبول على المتفرجين من النساء والرجال وخلفه أيضًا العدة الوافرة من أكابر أتباعه وبعدهم الكثير من عسكر الأرنؤد وموكب الخازندار وخلفه النوبة التركية المختصة به ثم المدافع وعربات الجبخانات وعملوا وقت الموكب شنكًا ضربوا فيه مدافع كثيرة فكان ذلك اليوم يومًا مشهودًا وموسمًا وبهجة وعيدًا عمت المسلمين فيه المسرات ونزلت في قلوب الكافرين الحسرات ودقت البشائر وقرت النواظر وأمروا بوقود المنارات سبع ليال متواليات فلله الحمد والمنة على هذه النعمة ونرجو من فضله أن يصلح فساد القلوب ويوفق أولي الأمر للخير والعدل المطلوب ويلهمهم سلوك سواء السبيل القويم ويهديهم الى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين وممن قدم بصحبة ركاب المشار إليه من أكابر دولتهم ابراهيم باشا والي حلب وابراهيم باشا المعروف بأبي مرق وخليل أفندي الرجائي الدفتردار ومحمود أفندي رئيس الكتاب وشريف آغا نزله أمين ومحمد آغا جيجي باشا الشهير بطوسون ووقع الاختيار بأن يكون سكن المشار إليه ببيت رشوان بك بحارة عابدين تجاه بيت عبد الرحمن كتخدا القزدغلي‏.‏

وفي يوم الجمعة نودي بإبطال كلف القلفات وإبطال شرك العسكر لأرباب الحرف إلا من شارك برضاه وسماحة نفسه فلم يمتثلوا لذلك واستمر أكثرهم على الطلب من الناس‏.‏

وفي يوم الأحد نودي بأن لا أحد يتعرض بالأذية لنصراني ولا يهودي سواء كان قبطيًا أو روميًا أو شاميًا فإنهم من رعايا السلطان والماضي لا يعاد والعجيب أن بعض نصارى الأروام الذين كانوا بعسكر الفرنسيس تزيوا بزي العثمانية وتسلحوا بالأسلحة واليطقانات ودخلوا في ضمنهم وشمخوا بآنافهم وتعرضوا بالأذية للمسلمين في الطرقات بالضرب والسب باللغة التركية ويقولون في ضمن سبهم للمسلم فرنسيس كافر ولا يميزهم إلا الفطن الحاذق أو يكون له بهم معرفة سابقة‏.‏

وفيه أرسلوا هجانًا الى الحجاز ومعه فرمان بخبر الفتح والنصر وارتحال الفرنساوية من أرض وفيه أرسلوا فرمانات أيضًا الى اأقاليم المصرية والقرى بعدم دفع المال الى الملتزمين ولا يدفعون شيئًا إلا بفرمان من الوزير‏.‏

وفي يوم الاثنين قتلوا شخصًا بالرميلة يسمى حجاجًا كان متولي الأحكام ببولاق أيام لفرنسيس وجار وعسف وقتل معه آخر يقال إنه أخوه‏.‏

وفيه أيضًا قتلوا أشخاصًا بالأزبكية وجهات مصر‏.‏

وفيه ركب الوزير بثياب التخفيف وشق المدينة وتأمل في الأسواق وأمر بمنع العسكر من الجلوس على حوانيت الباعة وأرباب الصنائع ومشاركتهم في أرزاقهم ثم توجه الى المشهد الحسيني فزاره ثم عبر الى دار السيد أحمد المحروقي وشرفه بدخوله إليه فجلس ساعة ثم ركب وأعطى أتباعه عشرين دينارًا وذكر له أنه إنما قصد بحضوره إليه تشريفه وتشريف أقرانه وتكون له منقبة وذلك على ممر الأزمان وأما العسكر فلم يمتثلوا ذلك الأمر إلا أيامًا قليلة ووقع بسبب ذلك شكاوي ومشاكلات ومرافعات عند العظماء‏.‏

وفي يوم الثلاثاء وصل قاصد من دار السلطنة على يده شال شريف من حضرة الهنكار السلطان سليم خان خطابًا لحضرة الوزير ومعه خنجر مرصع بفصوص الماس وهو جواب عن رسالته بدخول بلبيس‏.‏

وفيه نودي بتزيين الأسواق من الغد تعظيمًا ليوم المولد النبوي الشريف فلما أصبح يوم الأربعاء كررت المناداة والأمر بالكنس والرش فحصل الاعتناء وبذل الناس جهدهم وزينوا حوانيتهم بالشقق الحرير والزردخان والتفاصيل الهندية مع تخوفهم من العسكر وركب المشار إليه عصر ذلك اليوم وشق المدينة وشاهد الشوارع وعند المساء أوقدوا المصابيح والشموع ومنارات المساجد وحصل الجمع بتكية الكلشني على العادة وتردد الناس ليلًا للفرجة وعملوا مغاني ومزامير في عدة جهات وقراءةقرآن وضجت الصغار في الأسواق وعم ذلك سائر أخطاط المدينة العامرة ومصر وبولاق وكان من المعتاد القديم أن لا يعتني بذلك إلا بجهة الأزبكية حيث سكن الشيخ البكري لأن عمل المولد من وظائفه وبولاق فقط‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشره سافر سليمان آغا وكيل دار السعادة وصحبته عدة هجانة الى ناحية الشام لإحضار المحمل الشريف وحريمات الأمراء الى مصر‏.‏

وفيه افتتحوا ديوان مزاد الأعشار والمكوس وذلك ببيت الدفتردار ولله الأمر من قبل ومن بعد‏.‏

وفيه حضر اليسرجي الذي جلب مملوك الشيخ البكري الذي تقدم ذكره الى بيت القاضي وأحضروا الشيخ خليلًا البكري وادعى عليه أنه قهره في أخذ المملوك بالفرنسيس وأخذه منه بدون القيمة وأنه كان أحضره على ذمة مراد بك وطال بينهما النزاع وآل الأمر بينهما الى انتزاع المملوك من المذكور وقد كان أعتقه وعقد له على ابنته فأبطلوا العتق وفسخوا النكاح وأخذ المملوك عثمان بك الطنبرجي المرادي ودفع للشيخ دراهمه ولجلابه باقي الثمن وتجرع فراقه‏.‏

وفي يوم الجمعة ركب الوزير وحضر الى الجامع الأزهر وصلى به الجمعة وخلع على الخطيب فرجية صوف وفي ذلك اليوم احترق جامع قايتباي الكائن بالروضة المعروف بجامع السيوطي والسبب في ذلك أن الفرنسيس كانوا يصنعون البارود بالجنينة المجاورة للجامع فجعلوا ذلك الجامع مخزنًا لما يصنعوه فبقي ذلك بالمسجد وذهب الفرنسيس وتركوه كما هو وجانب كبريت في أنخاخ أيضًا فدخل رجل فلاح ومعه غلام وبيده قصبة يشرب بها الدخان وكأنه فتح ماعونًا من ظروف البارود لأخذ منه شيئًا ونسي المسكين القصبة بيده فأصابت البارود فاشتغل جميعه وخرج له صوت هائل ودخان عظيم واحترق المسجد واستمرت النار في سقفه بطول النهار واحترق الرجل والغلام‏.‏

وفي يوم الأحد خامس عشره أشيع بأنه كتب فرمان على النصارى أنهم لا يلبسون الملونات ويقتصرون على لبس الأزرق والأسود فقط فبمجرد الإشاعة وسماع ذلك ترصد جماعة القلقات لمن يمر عليهم من النصارى ومن لم يجدوه بثياب ملونة يأخذوا طربوشه ومداسه الأحمر ويتركوا له الطاقية والشد الأزرق وليس القصد من أولئك القلقات الانتصار للدين بل استغناء السلب وأخذ الثياب ثم أن النصارى صرخوا الى عظمائهم فأنهوا شكواهم فنودي بعدم التعرض لهم وأن كل فريق يمشي على طريقته المعتادة‏.‏

وفي يوم الاثنين طلب الوزير من التجار مائة كيس وعشرة أكياس سلفة من عشور البهار وألزمهم بإحضارها من الغد فاجتمع المستعدون لجمع الفردة في أيام الفرنساوية كالسيد أحمد الزور وكاتب البهار وأرادوا توزيعها على المحترفين كعادتهم فاجتمع أرباب الحرف الدنيئة وذهبوا الى بيت الوزير والدفتردار واستغاثوا وبكوا فرفعوا عنهم الطلب وألزموا بها المياسر‏.‏

وفيه قلدوا محمد آغا تابع قاسم بك موسقو الابراهيمي وجعلوه واليًا عوضًا عن علي آغا الشعراوي‏.‏

وفي ثامن عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وركب محمد باشا المعروف بأبي مرق المرشح لولاية مصر في صبحها الى قنطرة السد وكسروا جسر الخليج بحضرته وفرق العوائد وخلع الخلع ونثر الذهب والفضة‏.‏

وفيه عزل الوزير القاضي وهو قاضي العرضي الذي كان ولاه الوزير قاضي العسكر بمصر نائبًا عمن يؤول إليه القضاء باسلامبول فلما تولى ذلك حصل منه تعنت في الأحكام وطمع فاحش وضيق على نواب القضاء بالمحاكم ومنعهم من سماع الدعاوي ولم يجرهم على عوائدهم وأراد أن يفتح بابًا في الأملاك والعقار ويقول إنها صارت كلها ملكًا للسلطان لأن مصر قد ملكها الحربيون وبفتحها صارت ملكًا للسلطان فيحتاج أن أربابها يشترونها من الميري ثانيًا ووقع بينه وبين الفقهاء المصرية مباحثات ومناقشات وفتاوى وظهروا عليه ثم تحامل عليه بعض أهل الدولة وشكوه الى الوزير فعزله وقلد مكانه قدسي أفندي نقيب الأشراف بحلب سابقًا ونقل المعزول متاعه من المحكمة مدة ولايته خمسة عشر يومًا‏.‏

وفي ذلك اليوم أيضًا خلع الوزير على الأمير محمد بك الألفي فروة سمور وقلده إمارة الصعيد وليرسل المال والغلال ويضبط مواريث من مات بالصعيد بالطاعون فبرز خيامه من يومه الى ناحية الآثار وأسكن داره بالأزبكية رئيس أفندي‏.‏

وفي يوم الجمعة حضر الوزير الى جامع المؤيد وصلى به الجمعة‏.‏

وفيه قبضوا على عرفة بن المسرى وحبس ببيت الوزير بسبب أخيه ابراهيم كان شيخ مرجوش وتقيد بقبض فردة الفرنسيس ثم ذهب الى المحلة وتوفي بها فغمزوا على أخيه عرفة المذكور وقبضوا عليه وحبسوه وأرسلوا فرمانًا الى المحلة بضبط ماله وما يتعلق به وبأخيه عند شركائهما ثم نهبوا بيت المذكور‏.‏

وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه طلبت ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس بمعينين من طرف الوزير فحضروا الى دار أمها بالجودرية بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها عما كانت تفعله فقالت إني تبت من ذلك فقالوا لوالدها ما تقول أنت فقال أقول إني بريء منها فكسروا رقبتها وكذلك المرأة التي تسمى هوى التي كانت تزوجت نقولا القبطان‏.‏

ثم أقامت بالقلعة وهربت بمتاعها وطلبها الفرنساوية وفتش عليها عبد العال وهجم بسببها عدة أماكن كما تقدم ذكر ذلك فلما دخلت المسلمون وحضر زوجها مع من حضر وهو اسمعيل كاشف المعروف بالشامي أمنها وطمنها وأقامت معه أيامًا فاستأذن الوزير في قتلها فأذنه فخنقها في ذلك اليوم أيضًا ومعها جاريتها البيضاء أم ولده وقتلوا أيضًا امرأتين من أشباههن‏.‏

وفي يوم الأربعاء أرسلوا طائفة معينين من طرف محمد باشا أبي مرق الى أخي الشواربي شيخ قليوب فأحضروه على غير صورة ماشيًا مكتوفًا مسحوبًا مضروبًا من قليوب الى مصر فحبسوه ببيت الوزير ثم حضر أخوه وصالح عليه بعشرة أكياس قام بدفعها وأطلق قيل إن السبب في ذلك أن جماعة من أتباع محمد باشا ذهبوا الى قليوب وطلبوا تبنًا فطردهم الساكن وأعطاهم دارهم ذهبوا عنه وتركوه وإن عاند سبوه وضربوه وشتمهم وردهم من غير شيء وقيل إن ذلك بإغراء ابن المحروقي لضغين بينه وبينهم قديم‏.‏

وفي آخره تحرر ديوان العشور فكان المتحصل ستة عشر ألف كيس‏.‏

وفيه تشاجر طائفة من الينكجرية مع طائفة من الانكليز بالجيزة وقتل بينهما أشخاص فنودي على الينكجرية ومنعوا من التعدي الى بر الجيزة‏.‏

وفيه كثر اشتغال طائفة العسكر بالبيع والشراء في أصناف المأكولات وتسلطوا على الناس بطلب الكلف ورتبوا على السوقة وأرباب الحوانيت دراهم يأخذونها منهم في كل يوم ويأخذون من الخابز الخبز من غير ثمن وكذلك يشربون والقهوة من القهاوي ويحتكرون ما يريدون من الأصناف ويبيعونها بأغلى الأثمان ولا يسري عليهم حكم المحتسب وكذلك تسلطوا على الناس بالأذية بأدنى سبب وتعرضوا للسكان في منازلهم فتأتي منهم الطائفة ويدخلون الدار ويأمرون أهلها بالخروج منها ليسكونها فإن لاطفهم الساكن وأعطاهم دراهم ذهبوا عنهم وتركوه وإن عاند سبوه وضربوه ولو عظيمًا وإن شكا الى كبيرهم قوبل بالتبكيت ويقال له ألا تفسحوا لإخوانكم المجاهدين الذين حاربوا عنكم وأنقذوكم من الكفار الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب ويأخذون أموالكم ويفجرون بنسائكم وينهبون بيوتكم وهم ضيوفكم أيامًا قليلة فما يسع المسكين إلا يكلفهم بما قدر عليه وإن أسعفته العناية فانصرفوا عنه بأي وجه فيأتي إليه خلافهم وإن سكنوا دارًا أخربوها وأما القلقات والينكجرية الذين تقيدوا بحارات النصارى فإنهم كلفوهم أضعاف ما كلفوا به المسلمين ويطلبون منهم بعد كلف المأكل واللوازم مصروف الجيب وأجرة الحمام وغير ذلك وتسلطت عليهم المسلمون بالدعاوي والشكاوي على أيدي أولئك القلقات فيخلصون منهم ما لزمهم بأدنى شبهة ولا يعطون المدعي إلا القليل من ذلك والمدعي يكتفي بما حصل له من التشفي والظفر بعدوه وإذا تداعي شخص على شخص أو امرأة مع زوجها ذهب معهم أتباع القلق الى المحكمة إن كانت الدعوى شرعية فإذا تمت الدعوى أخذ القاضي محصوله ويأخذ مثله أتباع القلق على قدر تحمل الدعوى‏.‏

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الثلاثاء سنة 1216 فيه أفرج عن عرفة بن المسيري وصولح عليه بخمسة عشر كيسًا وكتب له فرمان برد منهوباته وعدم التعرض لتعلقاته بالمحلة‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثانيه أمر الوزير الوجاقلية بلبس القواويق على عادتهم القديمة فأخبروا ابراهيم بك فقال الأمر عام لنا ولكم أو لكم فقط فقالوا لا ندري فسأل ابراهيم بك الوزير المشار إليه فقال له بل ذلك عام فلما كان يوم الجمعة حادي عشره لبس الوجاقلية والأمراء المصرية زيهم من القواويق المختلفة الأشكال على عادتهم القديمة حسب الأمر بذلك وكذلك الأمراء الصناجق وحضروا في يوم الجمعة بديوان الوزير ونظر إليهم وأعجب بهيآتهم واستحسن زيهم ودعا لهم وأثنى عليهم وأمرهم أن يستمروا على هيئتهم وذلك على ما هم فيه من التفليس وغالبهم لا يملك عشاء ليلته فضلًا عن كونه يقتني حصانًا وشنشارًا وخدمًا ولوازم لابد منها ولا غنى للمظهر عنها‏.‏

وفيه حضرت جماعة من عسكر القبط الذين كانوا ذهبوا بصحبة الفرنساوية فتخلفوا عنهم ورجعوا الى مصر‏.‏

وفيه أرسلوا تنابيه للملتزمين بطلب بواقي مال سنة ثلاث عشرة وأربع عشرة فاعتذروا بأنهم ممنوعون من التصرف فمن أين يدفعون البواقي‏.‏

وفي يوم الخميس نبهوا على العساكر المتداخلة في الينكجرية وغيرهم بالسفر‏.‏

وفيه كتبت فرمانات باللغة العربية بترصيف صاحبنا العلامة السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب وأرسلت الى البلاد الشرقية والمنوفية والغربية مضمونها الكف عن أذية النصارى واليهود أهل الذمة وعدم التعرض لهم وفي ضمنه آيات قرآنية وأحاديث نبوية والاعتذار عنهم بأن الحامل لهم على تداخلهم مع الفرنساوية صيانة أعراضهم وأموالهم‏.‏

وفي يوم الجمعة أحضروا رمة زوجة ابراهيم بك وعملوا لها قبرًا بجانب أخيها محمد بك أبي الذهب بمدرسته المقابلة للجامع الأزهر ودفنوها به‏.‏

وفي يوم السبت خامسه ورد الخبر بوفاة أحمد بك حسن أحد الأمراء الذين توجهوا صحبة حسين باشا القبطان والفرنساوية وكان القبطان وجهه الى عرب الهنادي الذين يحملون الميرة الى الفرنسيس المحصورين باسكندرية وضم إليه عدة من العسكر فحاربهم وقاتلهم عدة مرار فأصابته رصاصة دخلت في جوفه فرجع الى مخيمه ومات من ليلته وكان يضاهي سيده في الشجاعة والفروسية‏.‏

وفيه اطلعوا للملتزمين التصرف في سنة خمس عشرة ليقضوا ما لهم وما عليهم من البواقي ومال الميري والمضاف ويدفعوا جميع ذلك الى الخزينة بأوراق مختومة من ابراهيم بك وعثمان بك والقصد من ذلك اطمئنانهم بالجباية والرجاء بالتصرف في المستقبل ووعدهم بذلك سنة تاريخه بعد دفعهم الحلوان مع أن الفرنساوية لما استقر أمرهم بمصر ونظروا في الأموال الميرية والخراج فوجدوا ولاة الأمور يقبضون سنة معجة ونظروا في الدفاتر القديمة واطلعوا على العوائد السالفة ورأوا ذلك كان يقبض أثلاثًا مع المراعاة في ري الأراضي وعدمه فاختاروا الأصلح في أسباب العمار وقالوا ليس من الإنصاف المطالبة بالخراج قبل الزراعة بسنة وأهملوا وتركوا سنة خمس عشرة فلم يطالبوا الملتزمين بالأموال الميرية ولا الفلاحين بالخراج فتنفست الفلاحون وراج حالهم وتراجعت أرواحهم مع عدم تكليفهم كثرة المغارم والكلف وحق طرق المعينين ونحو ذلك‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثامنه وصلت قافلة شامية وبها بضائع وصابون ودخان وحضر السيد بدر الدين المقدسي والحاج سعودي الحناوي وآخرون وتراجع سعر الصابون والقناديل الخليلي والدخان‏.‏

وفيه ورد الخبر بسفر الفرنساوية ونزولهم المراكب من ساحل أبي قير‏.‏

وفي يوم الأحد حبس حسن آغا محرم المنفصل عن الحسبة وطولب بمائتي كيس وذلك معتاد الحسبة في الثلاث سنوات التي تولاها أيام الفرنساوية فإنه لما تقلد أمر الحسبة في أيامهم منعوه من أخذ العوائد والمشاهرات من السوقة وجعلوا له مرتبًا في كل يوم يأخذه من الأموال الديوانية نظير خدمته وكذلك أتباعه وطالبوه أيضًا بأربعة آلاف قرش كان أعطاها له نزله أمين عند حضورهم في العام الماضي لمشتروات الذخيرة ثم نقض الصلح عقيب ذلك وخرجوا من مصر وبقيت بذمته فأخبر أن الفرنساوية علموا بها وأخذوها منه وأعطوه ورقة بوصول ذلك إليهم فلم يقبلوا منه ذلك وبقي معتقلًا وادعوا عليه أيضًا بتركة الآغا الذي كان نزيله ومات عنده واحتوى على موجوده فأخبر أيضًا أن الفرنسيس أخذوا منه ذلك أيضًا وأعطوه سندًا فلم يقبلوا منه ذلك واستمر محبوسًا‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشره نودي على أن أهل البلدة لا يصاهرون العساكر العثمانية ولا يزوجونهم النساء وكان هذا الأمر كثر بينهم وبين أهل البلد وأكثرهم النساء اللاتي دون مع الفرنساوية ولما حضر العثمانية تحجبن وتنقبن وتوسط لهن أشباههن من الرجال والنساء وحسنوهن للطلاب ورغبوا فيهن الخطاب فأمهروهن المهور الغالية وأنزلوهن الناصب العالية وفي ذلك اليوم أيضًا نودي على أهل الذمة بالأمن والأمان وأن المطلوب منهم جزية أربع سنوات‏.‏

وفي قبض على جربجي موسى الجيزاوي وعمل عليه عشرون كيسًا‏.‏

وفيه قبض محمد باشا أبو مرق على مقدمه مصطفى الطاراتي وضربه علقة وحبسه وألزمه بمبلغ دراهم‏.‏

وفيه سافر الانكليزية الذين بالجيزة والروضة الى جهة الاسكندرية وأشيع أن الحرب قائمة بين العساكر والفرنسيس الاسكندرانية من يوم الاثنين سابعه فطلبوا المراكب حتى شح وجودها وضاق الحال بالمسافرين واستمر طلبهم ونزولهم عدة أيام وكذلك نبهوا على الكثير من العساكر الإسلامية بالسفر‏.‏

وفي يوم الخميس نقضت الأوامر بتصرف الملتزمين في البلاد وقيدت صيارف من نصارى القبط بالنزول الى البلاد لقبض الأموال في غير أوانها لطرف الدولة‏.‏

وفي يوم الجمعة ثامن عشره لبس الأمراء الكبار القواويق على رؤوسهم‏.‏

وفيه قبض من مصطفى الطاراتي المعتقل المتقدم ذكره خمسة عشر ألف ريال ولم يزل معتقلًا وقيل إنه غمز عليه فوجد له في مكان صندوقان ضمنهما ذهب نقد عين ومصطفى هذا كان كلارجيًا عند قائد آغا حين كان بمصر فلما خرج الأمراء مقدمًا عند بونابارته ثم عند كلهبر‏.‏

فلما وقعت الفتنة السابقة وظهر يعقوب القبطي وتولى أمر الفردة وجمع المال تقيد بخدمته وتولى أمر اعتقال المسلمين وحبسهم وعقوبتهم وضربهم فكان يجلس على الكرسي وقت القائلة ويأمر أعوانه بإحضار أفراد المحبوسين من التجار وأولاد الناس فيمثل بين يديه ويطالبه بإحضار ما فرض عليه مما لا طاقة له به ولا قدرة له على تحصيله فيعتذر بخلو يده ويترجى إمهاله فيزجره ويسبه ويأمر بضربه فيبطحونه ويضرب بين يديه ويرده الى السجن بعد أن يأمر أعوانه أن يذهب الى داره وصحبته الجماعة من عسكر الفرنسيس ويهجمون على حريمه وأمثال ذلك‏.‏ وفي

يوم الأحد وردت أخبار من اسكندرية بتملك العساكر الإسلامية

والانجليزية متاريس الفرنساوية وأخذهم المتاريس الى جهة العجمي وباب رشيد وجانبًا من اسكندرية القديمة وتخطت المراكب وعبرت الى المينة وأن الفرنساوية انحصروا داخل الأبراج وأخذ منهم نحو المائة وسبعين أسيرًا وقتل منهم عدة وافرة ووقعت بين الفريقين مقتلة عظيمة لم يقع نظيرها وقتل الكثير من عسكر قبطان باشا وكذلك من الانجليز ثم انجلت الحرب عما ذكر فلما ورد الخبر بذلك وفيه ورد الخبر بوصول سليمان صالح الى بلبيس وصحبته المحمل والحريمات وأحضر معه رمة سيده صالح بك ليدفنها بمصر بالقرافة فخرج أناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لكراوي النساء وهدبه‏.‏

وفي يوم الاثنين وصل سليمان آغا الى بركة الحاج وصحبته المحمل ونساء الأمراء القادمين من الشام ومعه أيضًا رمة صالح بك ليدفنها بقرافة مصر فخرج الناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء وهديات ونودي في عصريته بعمل موكب من الغد وطاف ألاي جاويش بزيه المعتاد وخلفه القلبجية وهم ينادون يارن ألاي فلما أصبح يوم الثلاثاء ثاني عشرينه عمل الموكب وانجر الألاي ودخل المحمل من باب النصر وشقوا به من الشارع الأعظم وصادف ذلك اليوم يوم مولد المشهد الحسيني والأسواق مزينة وعلى الحوانيت الشقق الحرير والزردخات والتفاصيل وتعاليق القناديل ومشى في الموكب رسوم لوجاقلية والأوده باشية وأكثر الأمراء والمشايخ والعلماء ونقيب الأشراف ونبه على جميع الأشراف تلك الليلة بالحضور في صبح ذلك اليوم للمشي في ذلك الموكب فمشى كل من كان له عمامة خضراء يكبرون ويهللون فكانوا عددًا كثيرًا وكل من وجدوه بالطريق وعلى رأسه خضار جذبوه وسحبوه قهرًا وأمروه بالمشي وإن أبى ضربوه وسبوه وبكتوه بقولهم ألست من المسلمين وكذلك تجمع أرباب الأشاير ومشوا على عادتهم بطبولهم وزمورهم وخباطهم وخرقهم وخورهم وصياحهم فلم يزالوا حتى وصلوا الى قراميدان وتسلم المحمل محمد باشا أبو مرق من سليمان آغا الذي وصل به ولكونه عوضًا عن سيده أمير الحاج صالح بك ثم صعدوا به الى القلعة وأودعوه هناك وعملت وقدة وشنك تلك الليلة‏.‏

وفي ذلك اليوم شرعوا في فتح باب الفتوح وكان القصد إدخال المحمل منه لضيق باب الاستثناء الثاني الذي جدده الفرنساوية عند باب النصر فلم يتأت ذلك لمتانة البناء واستمروا ثلاثة أيام يهدمون في البناء الذي على الباب من داخل فلم يمكن ودفنوا صالح بك بتربة أعدت له بقرافة المجاورين والعجب أن الناس من القديم يتمنون أن يقبروا بالأرض المقدسة لكونها عش الأنبياء والصديقين وهؤلاء الثلاثة بالعكس فما هو إلا لتطهيرها منهم‏.‏

وفيه ورد خبر باسكندرية بانقضاء الحرب وطلب الفرنسيس الصلح بعد وقوع الغلبة ليهم وهزيمتهم وأخذ منهم عدة أسرى وانحصروا في الأبراج فأمنوهم وأجلوهم خمسة أيام آخرها يوم الخميس سابع عشرينه‏.‏

وفيه ألزموا حسن آغا المحتسب بالنقلة من داره وهو في الحبس فأرسل الى حريمه وأتباعه فانتقلوا الى مكان آخر‏.‏

وفيه ورد الخبر أيضًا بورود عثمان كتخدا الدولة الذي كان بمصر في العام السابق وباشر الحروب بمصر وصحبته آخر يقال له شريف أفندي‏.‏

وفي سادس عشرينه قدم محمد أفندي المعروف بشريف أفندي الدفتردار وقدم بصحبته عثمان كتخدا الدولة وسكن شريف أفندي بدرب الجماميز وسكن الكتخدا بمنزل حسن آغا المحتسب سابقًا بسويقة اللالا‏.‏

وفي غايته عمل شنك ومدافع كثيرة وذلك لوصول خبر بتسليم الاسكندرية وسبب تأخرهم الى هذه المدة بعد وقوع الصلح انتظار الأمر بالانتقال من بونابارته وذلك أنه لما وقع الصلح المتقدم أرسل ساري عسكر منو تطريدة الى فرانسا بالخبر الى بونابارته وانتظر الجواب فورد عليه الأمر بالانتقال والحضور فعند ذلك نزلوا متاعهم الى المراكب وسافروا الى بلادهم‏.‏

شهر جمادى الأولى استهل بيوم الخميس سنة 1216 فيه قرئت فرمانات صحبة عثمان كتخدا وفيها التنويه بذكر أعيان الكتبة الأقباط والوصية بهم مثل جرجس الجوهري واصف وملطي ومقدمهم في تحرير الأموال الميرية‏.‏

وفيه انفصل مولانا السيد محمد المعروف بقدسي أفندي عن القضاء وسافر ذلك اليوم وذلك بمراده واستعفائه وطلبه وتقلد القضاء عوضه عبد الله أفندي قاضي الميري وكاتب الجمرك وحضر في ذلك اليوم الى المحكمة‏.‏

وفي يوم السبت ثالثه أفرج عن حسن آغا المحتسب بشفاعة عثمان كتخدا وحسن آغا وكيل قبطان باشا من غير شيء وتوجه الى دار بجوار داره‏.‏

وفيه تجمع النساء والفلاحون والملتزمون والوجاقلية ببيت الوزير بسبب الالتزام والمنع من التصرف وحضور الفلاحين للضيق عليهم بطلب المال الى ملتزميهم ومطالبتهم إياهم بما قبضوه منهم فلما اجتمعوا وصرخوا سأل الوزير عن ذلك فأخبروه فأمر بكتابة فزمان بالإطلاق والإذن للملتزمين بالتصرف ووجهوا الأمر الى الدفتردار فكتب عليه ثم الى الروزنامجي كذلك ثم توجهوا الى دفتردار الدولة فتوقف وبقي الأمر زجاجًا أيامًا وذلك أن القوم يريدون أمورًا مبطونة في نفوسهم وأطماعًا مركوزة في طباعهم‏.‏

وفي يوم الاثنين نودي بالزينة ثلاثة أيام أولها الأربعاء وآخرها الجمعة تاسعه سرورًا بتسليم الاسكندرية فزينت المدينة وعملت الوقدات بالأسواق والمغاني للفرجة ليلًا ونهارًا وكل ليلة يعمل شنك نفوط وسواريخ وبارود ببركة الغرابين المطل عليها بيت الوزير‏.‏

وفيه حضر نحو ستة أنفار من أعيان الانكليز وصحبتهم جماعة من العثمانية يفرجونهم على وفيه تحاسب السيد أحمد المحروقي مع السيد أحمد الزرو على شركة بينهما فتأخر علي الزرو أحد وعشرون كيسًا فألزمه بإحضارها وحبسه بسجن قواس باشا وأمره بالتضييق عليه ولما أصبح يومالسبت لغط الناس باستمرار الزينة سبعة أيام وانتظروا الإذن في رفع التعاليق فلم يؤذن لهم بشيء فاستمروا طول النهار في اختلاف وحل وربط ثم أذن لهم قبيل الغروب برفعها بعدما عمروا القناديل وكان الناس يبيتون سهارى بالحوانيت والقلقات يطوفون بالأسواق فمن وجدوه نائمًا نبهوه بإزعاج‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني عشره وقع من طوائف العسكر عربدة بالأسواق وتخطفوا أمتعة الناس ومن باعة المآكل كالشواء والفطير والبطيخ والبلح فانزعجت الناس ورفعوا متاعهم من الحوانيت وأخلوا منها وأغلقوها فحضر إليهم بعض أكابرهم وراطنهم فانكفوا ورق الحال وتبين أن السبب في ذلك تأخير علائفهم وذلك أن من عادتهم القبيحة أنه إذا تأخرت عنهم علائفهم فعلوا مثل ذلك بالرعية وأثاروا الشرور فعند ذلك يطلبون خواطرهم ويعدونهم أو يدفعون لهم‏.‏

وفيه ورد الخبر بتولية محمد باشا خسرو على مصر وهو كتخدا حسين باشا القبودان فألبس الوزير وكيله خلعة عوضًا عنه وأشيع عزل محمد باشا أبي مرق وسفره الى بلاده وحضر السفار أيضًا من جهة رشيد واسكندرية وأخبروا بأن الفرنساوية لم يزالوا باسكندرية وبنديراتهم على الأبراج وأن القبطان ومن معه لم يدخلوها وإنما يدخلها معهم الانكليزية وأنهم ينتظرون الى الآن الجواب والإذن من شيختهم وما أشيع قبل ذلك فلا أصل له وأما الطائفة الأخرى التي سافرت من مصرفاتهم نزلوا وسافروا على وفق الشرط من أبي قير كما تقدم‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وردت مكاتبة من قبطان باشا بطلب عثمان بك المرادي وعثمان بك البرديسي وابراهيم كتخدا السناري والحاج سلامة تابعه وآخرين فسافروا في يوم السبت رابع عشرينه‏.‏

وفي ليلة السبت المذكور قتلوا شخصًا يسمى مصطفى الصيرفي من خط الصاغة قطعوا رأسه تحت داره عند حانوته وسبب ذلك أنه كان يتداخل في نصارى القبط والذين يتعاطون الفرد ويوزعونها وتولى فردة أهل الصاغة وسوق السلاح وتجاهر بأمور نقمت عليه وأضر أشخاصًا وأغري به فحبس أيامًا ثم قتل بأمر الوزير وترك مرميًا ثلاث ليال ثم دفن وفي صبيحة قتله طاف المشاعلي بالخطة ودوائرها مثل الجمالية والضببية والنحاسين وباب الزهومة وخان الخليلي فجبي من أرباب الحوانيت دارهم ما بين خمسة أنصاف فضة وعشرة وعند شيله جبى القلقات أيضًا ما يزيد على المائة قرش وذلك من جملة عوائدهم القبيحة‏.‏

وفيه هرب السيد أحمد الزرو فلم يعلم له خبر وذلك بعدما أطلق بضمانة السيد أسعد وابن محرم فكتب الوزير عدة فرمانات وأرسلها صحبة هجانة الى جهة الشام وختموا على دوره ولم يعلم هروبه إلا بعد أربعة أيام لما داخله من الخوف بقتل الصيرفي المذكور‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع عشرينه عقد ابراهيم بك الكبير عقد ابنته عديلة هانم التي كانت تحت ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي الذي غرق بواقعة الفرنسيس بانبابة على الأمير سليمان كاشف مملوك زوجها الأول على صداق ألفين ريال وحضر العقد الشيخ السادات والسيد عمر النقيب والفيومي وبعض الأعيان‏.‏

وفي يوم الجمعة غايته قتل شخص أيضًا بسوق السلاح وهو من ناحية المنصورة وجبى المشاعلية والقلقات دراهم من أرباب الحوانيت مثل ذلك المذكور فيما تقدم وانقضى هذا الشهر وحوادثه التي منها الارتباك في أمر حصص الالتزام والمزاد في المحلول وعدم الراحة والاستقرار على شيء يرتاح الناس عليه ومثل ذلك الرزق الأحباسية والأوقاف وحضر شخص تولى النظر والتفتيش على جميع الأوقاف المصرية السلطانية وغيرها وبيده دفاتر ذلك فجمع المباشرين واستملاهم وكذلك كاتب المحاسبة وبث المعينين لإحضار النظار بين يديه وحسابهم على الإيراد والمصرف وأظهر أنه يريد بذلك تعمير المساجد وإجراء شروطات الأوقاف وآخر مثله لتحرير الأوقاف والمساجد الكائنة بالقرى المصرية وانضمت إليه الأغوات وطلب كل من كان له أدنى علاقة بذلك واستمروا على ذلك بطول السنة ثم انكشف الأمر وظهر أن المراد من ذلك ليس إلا تحصيل الدراهم فقط وأخذ المصالحات والرشوات بقدر الإمكان بعد التعنت في التحرير والتعلل بإثبات المدعي في الإيراد والمصرف خصوصًا إذا كان الشخص ضعيفًا وليس من أرباب الوجاهة والمتجوهين أو بينه وبين الكتبة حزازة باطنية‏.‏

ثم يحررون دفترًا ويحررون الفائظ ثم يطلبون منه إيراد ثلاث سنوات أو أربع ولم يزل حتى يصالح على نفسه بما أمكنه ثم يختمون له ذلك الدفتر ويتركونه وما يدين إن شاء عمر‏.‏

وإن شاء آخر فإن انتهت إليهم بعد ذلك شكوى في ناظر وقف سبقت له مصالحة لا تسمع شكوى الشاكي ولا يلتفت إليها ويفعلون هذا الفعل في كل سنة‏.‏

ومنها زيادة النيل الزيادة المفرطة عن المعتاد وعن العام الماضي أيضًا حتى غطى الذراع زاده الفرنساوية على عامود المقياس فإن الفرنساوية لما غيروا معالم المقياس رفعوا الخشبة المركبة على العامود وزادو فوق العامود قطعة رخام مربعة مهندمة وجعلوا ارتفاعها مقدار ذراع مقسوم بأربعة وعشرين قيراطًا وركبوا عليها الخشبة فسترها الماء أيضًا ودخل الماء بيوت الجيزة ومصر القديمة وغرقت الروضة ولم يقع في هذا النيل حظوظ ولا نزهة للناس كعادتهم في البرك والخلجان والمراكب وذلك لاشتغال الناس بالهموم المتوالية وخصوصًا الخوف من أذى العسكر وانحراف طباعهم وأوضاعهم وعدم المراكب وتخريب الفرنسيس أماكن النزاهة وقطع الأشجار وتلف المقاصف التي كانت تجلس بها أولاد البلد مثل دهليز الملك والجسر والرصيف وغير ذلك مثل الكازروني والمغربي وناحية قنطرة السد وقصر العيني والقصور‏.‏

ومنها أن محمد بك المعروف بالمنفوخ المرادي حصل عنده وحشة من قبطان باشا فحضر الى ناحية الأهرام بالجيزة وطلب الحضور عند الوزير يستجير به فذهب إليه خشداشه عثمان بك البرديسي وحادثه وأشار عليه بالرجوع الى جهة القبطان فأقام أيامًا ثم رجع الى ناحية اسكندرية والسبب في ذلك ما حصل في الواقعة التي قتل بها أحمد بك الحسيني قيل إن ذلك بنفاقه عليه واتضح ذلك للقبطان وأحضرت العرب مراسلته إليهم بذلك فانحرف عليه القبطان فلما علم ذلك داخله الخوف ثم أرسل إليه الأمراء والقبطان أمانًا فرجع بعد أيام‏.‏

ومنها حضور الجمع الكثير من أهالي الصعيد هروبًا من الألفي وما أوقعه بهم من الجور والمظالم والتقارير والضرائب والغرائم وحضر أيضًا الشيخ عبد المنعم الجرجاوي والشيخ العارف وخلافهم يتشكون مما أنزله على بلادهم وطلب متروكات الأموات وأحضر ورثتهم وأولادهم وأطفالهم ومن توسط أو ضبط أو تعاطى شيئًا من القضاة والفقهاء وحبسهم وعاقبهم وطالبهم وطلب استئصال ما بأيديهم ونحو ذلك كل ذلك بأمن من الدولة وغير ذلك معين‏.‏

فحضروا فصالحوا على تركة سليم كاشف بإثنين وعشرين ألف ريال بعد أن ختموا على دوره بعد أن أزعجوا حريمه وعياله ونطوا من الحيطان ثم حضروا الى مصر وأمثال ذلك‏.‏

ومنها كثرة تعدي العسكر بالأذية للعامة وأرباب الحرف فيأتي الشخص منهم ويجلس على بعض الحوانيت ثم يقوم فيدعي ضياع كيسه أو سقوط شيء منه وإن أمكنه اختلاس شيء فعل أو يبدلون الدنانير الزيوف الناقصة النقص الفاحش بالدراهم الفضة قهرًا أو يلاقشون النساء في مجامع الأسواق من غير احتشام ولا حياء وإذا صرفوا دراهم أو أبدلوها اختلسوا منها وانتشروا في القرى والبلدان ففعلوا كل قبيح فتذهب الجماعة منهم الى القرية وبيدهم ورقة مكتوب باللغة التركية يوهمونهم أنهم حضروا إليهم بأوامر ما برفع الظلم عنهم أو ما يبتدعونه من الكلام المزور ويطلبون حق طريقهم مبلغًا عظيمًا ويقبضون على مشايخ القرية ويلزمونهم بالكلف الفاحشة ويخطفون الأغنام ويهجمون على النساء وغير ذلك مما لا يحيط به العلم فطفشت الفلاحون وحضر أكثرهم الى المدينة حتى امتلأت الطرق والأزقة منهم أو يركب العسكري حمار المكاري قهرًا ويخرج به الى جهة الخلاء فيقتل المكاري ويذهب بالحمار فيبيعه بساحة الحمير وإذا انفردوا بشخص أو بشخصين خارج المدينة أخذوا دراهمهم أو شلحوهم ثيابهم أو قتلوهم بعد ذلك وتسلطوا على الناس بالسب والشتم ويجعلونهم كفرة وفرنسيس وغير ذلك وتمنى أكثر ومنها أن أكثرهم تسبب في المبيعات وسائر أصناف المأكولات والخضارات ويبيعونها بما أحبوا من الأسعار ولا يسري عليهم حكم المحتسب ولا غيره وكذلك من تولى منهم رياسة حرفة من الحرف كالمعمارجية أو غيرهم قبض من أهل الحرفة معلوم أربع سنوات وتركهم‏.‏

وما يدينون فيسعرون كل صنف بمرادهم وليس له هو التفات لشيء سوى ما يأخذه من دراهم الشكاوي فغلا بسبب ذلك الجبس والجير وأجر الفعلة والبنائين خصوصًا وقد احتاج الناس لبناء ما هدمه الفرنسيس وما تخرب في الحروب بمصر وبولاق وجهات خارج البلد حتى وصل الأردب الجبس الى مائة وعشرين نصف فضة والجير بخمسين نصف فضة وأجرة البناء أربعين فضة والفاعل عشرين وأما الغلة فرخيصة وكذلك باقي الحبوب بكثرتها مع أن الرغيف ثلاثة آواق بنصف لما ذكر من عدم الاتفات الى الأحكام والتسعيرات‏.‏

واستهلت جمادى الثانية بيوم السبت سنة 1216 فيه تفكك الجسر الكبير المنصوب من الروضة الى الجيزة وذلك من شدة الماء وقوته فتحللت رباطاته وانتزعت مراسيه وانتشرت أخشابه تفرقت سفنه وانحدرت الى بحري‏.‏

وفي ليلة الأحد ثانيه حصلت زلزلة في ثالث ساعة من الليل‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالثه قطعوا رأس مصطفى المقدم المعروف بالطاراتي بين المفارق بباب الشعرية وذلك بعد حبسه أيامًا عديدة وضربه وعقابه حتى تورمت أقدامه وطاف مع المعينين عدة أيام يتداين بواقي ما قرر عليه ودخل دارًا نافذة وأجلس الملازمين له ببابها وهم لا يعلمون بنفوذها وأوهم أنه يريد التداين من صاحب الدار ونفذ من الجهة الأخرى واختفى في بعض الزوايا فاستعوقه الجماعة ودخلوا الى الدار فلم يجدوه وعلموا بنفوذها فقبضوا على خدمة الدار وضربوهم فلم يجدوا عندهم علمًا منه فأطلقوهم وأوقعوا عليه الفحص والتفتيش فرآه شخص ممن صادره في أيام الفردة فصادفه في صبحها خارج باب القرافة فقبض عليه‏.‏

وأحضره بين يدي جماعة القلق فدل عليه فقبضوا عليه وقتلوه بعد القبض عليه بثلاثة أيام وتركوه مرميًا تحت الأرجل وسط الطريق وكثرة الازدحام ثلاث ليال وفعلوا عادتهم في جبي الدراهم من تلك الخطة‏.‏

وفيه ورد فرمان من محمد باشا والي مصر بأن يتأهبوا لموكبه على القانون القديم فكتبوا تنابيه للوجاقلية والأجناد بالتهيؤ للموكب‏.‏

وفي يوم الثلاثاء وصل شمس الدين بك أمير اخور كبير ومرجان آغا دار السعادة فأرسلوا تنابيه الى الوجاقلية والأمراء والمشايخ ومحمد باشا وابراهيم باشا فاجتمعوا ببيت الوزير‏.‏

وحضر المذكوران بعد الظهر فخرج الوزير ولاقاهما من المجلس الخارج فسلماه كيسًا بداخله خط شريف فأخذه وقبله وأحضرا له بقجة بداخلها خلعة سمور عظيمة فلبسها وسيفًا تقلد به وشلنج جوهر وضعه على رأسه ودخل صحبتهما الى القاعة حيث الجمع ففتح الكيس وأخرج منه الفرمان ففتحه وأخرج منه ورقة صغيرة فسلمها لرئيس أفندي فقرأها باللغة التركية والقوم قيام على أقدامهم مضمونها الخطاب لحضرة الوزير الحاج يوسف باشا وحسين باشا القبطان والباشات والأمراء والعساكر المجاهدين والثناء عليهم والشكر لصنيعهم وما فتحه الله على يديهم وإخراجهم الفرنسيس ونحو ذلك ثم وعظ بعض الأفندية بكلمات معتادة ودعوا السلطان والوزير والعساكر الإسلامية وتقدم ابراهيم باشا ومحمد باشا وطاهر باشا وباقي الأمراء فقبلوا ذيل الخلعة وانصرفوا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة في ذلك الوقت وفي ذلك اليوم ألبس الوزير الأمراء والبلات فراوي وخلعًا وشلنجات ذهب على رؤوسهم‏.‏

وفيه حضرت أطواخ بولاية جدة لمحمد باشا توسون أغات الجبجية وهو إنسان لا بأس به‏.‏

وفيه حضر القاضي الجديد من الروم ووصل الى بولاق وهو صاحب المنصب فأقام ثلاثة أيام وصحبته عياله وحريمه فلما كان يوم السبت ثامنه حضر بموكبه الى المحكمة وذهب إليه الأعيان في صبحها وسلموا عليه وله مسيس بالعلم‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل الوزير الديوان وحضر عنده الأمراء فقبض على ابراهيم بك الكبير وباقي الأمراء الصناجق وحبسهم وأرسل طاهر باشا بطائفة من العسكر الأرنؤد الى محمد بك الألفي بالصعيد وكان أشيع هروبه الى جهة الواحات وذهبت طائفة الى سليم بك أبي دياب وكان مقيمًا بالمنيل فلما أخذ الخبر طلب الهرب وترك حملته فلما حضرت العسكر إليه فلم يجدوه فنهبوا القرية وأخذوا جماله وهي نحو السبعين وهجنه وهي نيف وثلاثون هجينًا وذهبت إليه طائفة بناحية طرا فقاتلهم ووقع بينهم بعض قتلى ومجاريح‏.‏

ثم هرب الى جهة قبلي من على الحاجز ووقفت طائفة العسكر والأرنؤد بالأخطاط والجهات‏.‏

وخارج البلد يقبضون على من يصادفونه من المماليك والأجناد ونودي في ذلك اليوم بالأمن والأمان على الرعية والوجاقلية وأطلق الوزير مرزوق بك ورضوان كتخدا ابراهيم بك وسليمان آغا كتخداه المسمى بالحنفي وأحاطت العسكر بالأمراء المعتقلين واختفى باقيهم‏.‏

ونودي عليهم وبالتوعد لمن أخفاهم أو آواهم وباتوا بليلة كانت أسوأ عليهم من ليلة كسرتهم وهزيمتهم من الفرنسيس وخاب أملهم وضاع تعبهم وطمعهم وكان في ظنهم أن العثملي يرجع الى بلاده ويترك لهم مصر ويعودون الى حالتهم الأولى يتصرفون في الأقاليم كيفما شاؤوا فاستمروا في الحبس ثم تبين أن سليم بك أبا دياب ذهب الى عند الانكليز والتجأ إليهم بالجيزة وألبس لوزير سليمان آغا تابع صالح آغا زي وفي يوم الاثنين سابع عشره سافر اسمعيل أفندي شقبون كاتب حوالة الى رشيد باستدعاء من الباشا والي مصر‏.‏

وورد الخبر بوصول كسوة للكعبة من حضرة السلطان فلما كان يوم الأربعاء حضر واحد أفندي وآخرون وصحبتهم الكسوة فنادوا بمرورها في صبحها يوم الخميس فلما أصبح يوم الخميس المذكور ركب الأعيان والمشايخ والأشاير وعثمان كتخدا المنوه بذكره لإمارة الحج وجمع من الجاويشية والعساكر والقاضي ونقيب الأشراف وأعيان الفقهاء وذهبوا الى بولاق‏.‏

وأحضروها وهم أمامها وفردوا قطع الحزام المصنوع من المخيش ثلاث قطع والخمسة مطوية وكذلك البرقع ومقام الخليل كل ذلك مصنوع بالمخيش العال والكتابة غليظة مجوفة متقنة وباقي الكسوة في سحاحير على الجمال وعليها أغطية جوخ أخضر ففرح الناس بذلك‏.‏

وكان يومًا مشهودًا وأخبر من حضر أنه عندما وصل الخبر بفتح مصر أمر حضرة السلطان بعملها فصنعت في ثلاثين يومًا وعند فراغها أمرهم بالسير بها ليلًا وكان الريح مخالفًا فعندما حلوا المراسي اعتدل الريح بمشيئة الله تعالى وحضروا الى اسكندرية في أحد عشر يومًا‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن حسين باشا القبطان لم يزل يتحيل وينصب الفخاخ للأمراء الذين عنده وهم محترزون منه وخائفون من الوقوع في حباله فكانوا لا يأتون إليه إلا وهم متسلحون ومحترزون وهو يلاطفهم ويبش في وجوههم الى أن كان اليوم الموعود به عزم عليهم في الغليون الكبير الذي يقال له أزج عنيرلي فلما طلعوا الى الغليون وجلسوا فلم يجدوا القبودان فأحسوا بالشر وقيل إنه كان بصحبتهم فحضر إليه رسول وأخبره أنه حضر معه ثلاثة من السعاة بمكاتبة فقام ليرى تلك المراسلة فما هو إلا أن حضر إليهم بعض الأمراء وأعلمهم أنه ورد خط شريف باستدعائهم الى حضرة مولانا السلطان وأمرهم بنزع السلاح فأبوا ونهض محمد بك المنفوخ وسل سيفه وضرب ذلك الكبير فقتله فما وسع البقية إلا أنهم فعلوا كفعله وقاتلوا من بالغليون من العساكر وقصدوا الفرار فقتل عثمان بك المرادي الكبير وعثمان بك الأشقر ومراد بك الصغير وعلي بك أيوب ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الحسيني الذي قامر عوضًا عن أحمد بك الحسيني وابراهيم كتخدا السناري وقبض على الكثير منهم وأنزلوهم المراكب وفر البقية مجروحين الى عند الانكليز وكانوا واقعين عليهم من ابتداء الأمر فاغتاظ الانكليز وانحازوا الى اسكندرية وطردوا من بها من العثمانيين وأغلقوا أبواب الأبراج وحضر منهم عدة وافرة وهم طوابير بالسلاح والمدافع واحتاطوا بقبطان باشا من البر والبحر فتهيأ عساكره لحربهم فمنعهم فطلب الانجليز بروزه بعساكره لحربهم فقال لم يكن بيننا وبينكم حرب واستمر جالسًا في صيوانه فحضر إليه كبير الانجليز وتكلم معه كثيرًا وصمم على أخذ بقية الأمراء المسجونين فأطلقهم له فتسلمهم وأخذ أيضًا المقتولين ونقل عرضي الأمراء من محطتهم الى جهة الاسكندرية وعملوا مشهدًا للقتلى مشى به عساكر الانجليز على طريقتهم في موت عظمائهم ووصل الخبر الى من بالجيزة من الانكليز وذلك ثاني يوم من قبض الوزير على الأمراء ففعلوا كفعلهم وأخذوا حذرهم وضربوا بعض المدافع ليلًا وشرعوا في ترتيب آلة الحرب‏.‏

وفي ذلك اليوم طلع محمد باشا توسون والي جدة الساكن بيت طرا الى القلعة وصعد معه جملة من العسكر وشرعوا في نقل قمح ودقيق وقومانية وملؤوا الصهاريج وشاع ذلك بين الناس فارتاعوا وداخلهم الوسواس من ذلك واستمروا ينقلون الى القلعة مدافع وبارود أو آلات حرب‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشرينه حضر كبير الانجليز الذي بالجيزة فألبسه الوزير فروة وشلنجًا‏.‏

وفي ذلك اليوم خلع الوزير على عثمان آغا المعروف بقبي كتخدا وقلده على إمارة الحج‏.‏

وفي ذلك اليوم وقع بين عسكر المغاربة والانكشارية فتنة ووقفوا قبالة بعضهم ما بين الغورية والفحامين وأغلقت الناس حوانيتهم بسوق الغورية والعقادين والصاغة والنحاسين ولم يزالوا على ذلك حتى حضر أغات الانكشارية وسكنت الفتنة بين الفريقين‏.‏

وفي الخميس سابع عشرينه مروا بزفة عروس بسوق النحاسين وبها بعض انكشارية فحصلت فيهم ضجة ووقع فيهم فشل فخطفوا ما على العروس وبعض النساء من المصاغ المزينات به وفي أثناء ذلك مر شخص مغربي فضربه عسكري رومي ببارودة فسقط ميتًا عند الأشرفية فبلغ ذلك عسكر المغاربة فأخذوا سلاحهم وسلوا سيوفهم وهاجت حماقتهم وطلعوا يرمحون من كل جهة وهم يضربون البندق ويصرخون فأغلقت الناس الحوانيت وهرب قلق الأشرفية بجماعته وكذلك قلق الصنادقية وفزعت الناس ولم يزالوا على ذلك من وقت الظهر الى الغروب ثم حال بينهم الليل وقتل المغاربة أربعة أشخاص وأصبحوا محترسين من بعضهم فحضر أغات الانكشارية على تخوف وجلس بسبيل الغورية وحضر الكثير من عقلاء الانكشارية وأقاموا بالغورية وحوالي جهة الكعكيين والشوائين حيث سكن المغاربة واستمر السوق مغلقًا ذلك اليوم ورجعت القلقات الى مراكزها وبردت القضية وكأنهم اصطلحوا وراحت على من راح‏.‏

وانقضى هذا الشهر بحوادثه التي منها استمرار نقل الأدوات الى القلعة وكذلك مراكز باقي القلاع مع أنهم حربوا أكثرها‏.‏

ومنها زيادة تعدي العسكر على السوقة والمحترفين والنساء وأخذ ثياب من ينفردون به من الناس في أيام قليلة‏.‏

ومنها استمرار مكث النيل على الأرض وعدم هبوطه حتى دخل شهر هاتور وفات أوان الزراعة وعدم تصرف الملتزمين وهجاج الفلاحين من الأرياف لما نزل بهم من جور العسكر وعسفهم في البلاد حتى امتلأت المدينة من الفلاحين ونودي عليهم عدة مرار بذهابهم الى بلادهم‏.‏

ومنها أن الوزير أمر المصرلية بتغيير زيهم وأن يلبسوا زي العثمانية فلبس أرباب الأقلام والأفندية والقلقات القواويق الخضر والعنتريات وضيقوا أكمامهم ولبس مصطفى آغا وكيل دار السعادة سابقًا وسليمان آغا تابع صالح آغا وخلافهما‏.‏

واستهل شهر رجب الفرد سنة 1216 سافر سليمان آغا تابع صالح آغا الى اسلامبول‏.‏

وفيه أمر الوزير الأمراء المحبوسين بأن يكتبوا كتابًا الى الانكليز بأنهم أتباع السلطان وتحت طاعته وأمره إن شاء أبقاهم في إمارتهم وإن شاء قلدهم مناصب في ولايات أخرى وإن شاء طلبهم يذهبون إليه فلا دخل لكم بيننا وبينه وكلام في معنى ذلك فأرسلوا يقولون إن هذا الكلام لا عبرة به فإنهم مسجونون وتحت أمركم ومكتوب المقهور المكره لا يعمل به فإن كان ولابد فأرسلوهم إلينا لنخاطبهم ونعلم ضميرهم وحقيقة حالهم فلما كان ليلة الاثنين تاسعه أحضر الوزير ابراهيم بك والأمراء وأعلمهم أن قصده إرسالهم الى بر الجيزة عند الانجليز ليتفسحوا ذلك اليوم ويخبروهم أنهم مطيعون للسلطان وتحت أوامره وأن المراسلة التي أرسلوها عن طيب قلب أمنهم وليسوا مكرهين في ذلك فأظهر ابراهيم بك القنع عن الذهاب وأنه لا غرض له في الذهاب الى مخالفين الدين فجزن عليه ووعده خيرًا وعاهدهم وحلفهم فنزلوا وركبوا من عنده في الصباح وما صدقوا بالخلاص وعدوا الى الجيزة وذهبوا الى عند الانجليز فتبعهم أتباعهم ومماليكهم يرمحون إليهم ويلحقون بهم فأقاموا هناك ولم يرجعوا فانتظر الوزير رجوعهم خمسة أيام وأرسل إليهم يدعوهم الى الرجوع حكم عهدهم فامتنع ابراهيم بك وتكلم بما في ضميره من قهره من الوزير وخيانته له‏.‏وفي

يوم السبت عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات

واجتمع المشايخ والوجاقلية وذلك بأمر من الوزير وأرسل إليهم مكاتبة وفي ضمنها النصيحة والرجوع الى الطاعة فأرسلوا في جواب الرسالة يقولون إنهم ليسوا مخافين ولا عاصين وأنهم مطيعون لأمر الدولة وإنما تأخرهم بسبب خوفهم وخصوصًا ما وقع لإخوانهم باسكندرية وأنهم لم يذهبوا الى عند الانجليز إلا لعلمهم أنهم عسكر السلطان ومن المساعدين له على أعدائه ومتى ظهر لهم أمر يرتاحون فيه رجعوا الى الطاعة ونحو ذلك من الكلام‏.‏

وفي يوم الجمعة سابع عشرينه حضر عابدي بك نسيب مولانا الوزير فخرج إليه غالب أعيان العثمانية والجاويشية وطاهر باشا وعسكر الأرنؤد وتلقوه ودخل بحموله في موكب جليل وكان حضرة الوزير حاصلًا عنده توعك وغالب أوقاته محتجب عن ملاقاة الناس‏.‏

وفيه ورد الخبر بسفر قبطان باشا من ساحل أبي قير الى اديار الرومية في منتصف الشهر وأما محمد باشا الوالي على مصر فإنه لم يزل مقيمًا بأبي قير وحضر خازنداره وسكن ببيت البكري بالأزبكية‏.‏

واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة 1216 فيه حضر يوسف أفندي وبيده مرسوم بولايته على نقابة الأشراف فبات ببولاق وأرسل ناسًا يعلمون بحضوره فلم يخرج لملاقاته أحد ثم أن بعض الناس أحضر إليه فرسًا فركبه في ثاني يوم وحضر الى مصر وأشاع أنه متولي نقابة الأشراف ومشيخة المدرسة الحبانية وخبر ذلك الإنسان أنه كان يبيع الخدرة واليميش بحانوت بخان الخليلي وهو من متصوفة الأتراك الذين يتعاطون الوعظ والإقراء باللغة التركية فمات شيخ رواق الأروام بالأزهر فاشتاقت نفسه للمشيخة على الرواق المذكور فتولاها بمعونة بعض سفهائهم فنقم عليه الطائفة أمورًا واختلاسات من الوقف فتعصبوا عليه وعزلوه وولوا مكانه السيد حسين أفندي المولى الآن فحنق من ذلك وداخله قهر عظيم وحقد على حسين أفندي المذكور وأضمر له في نفسه المكروه فدعاه يومًا الى داره ودس له سمًا في شرابه فنجاه الله من ذلك وشربت ابنة يوسف أفندي الداعي تلك الكاسة المسمومة غلطًا وماتت وشاع ذلك وتواترت حكايته بين الناس ورجع كيده عليه وذاق وبال أمره‏.‏

ثم أنه سافر الى اسلامبول وأقام هناك مدة إقامة الفرنسيس بمصر ولم يزل يتحيل ويتداخل في بعض حواشي الدولة وعرض بطلب النقابة ومشيخة الحبانية فأعطوه ذلك لعدم علمهم بشأنه وظنهم أنه أهل لذلك بقوله لهم إنه كان شيخًا على الأزهر ومعرفته بالعلم فلما حصل بمصر وظهر أمره تجمعت أعيان الأشراف وقالوا لا يكون هذا حاكمًا ولا نقيبًا علينا أبدًا وتنوقل خبره وظهر حاله لأكابر الدولة وحضرة الصدر الأعظم فلم يصغوا إليه ولم يسعفوه وأهمل أمره وهكذا شأن رؤساء الدولة أدام الله بقاءهم إذا تبين لهم الصواب في قضية لا يعدلون الى خلافه‏.‏

من الحوادث أنه تقيد بأبواق القاهرة بعض من نصارى القبط ومعهم بعض من العسكر فصاروا يأخذون دراهم من كل من وجدوا معه شيئًا سواء كان داخلًا أو خارجًا بحسب اجتهادهم وكذلك ما يجلب من الأرياف وزاد تعديهم فعم الضرر وعظم الخطب وغلت الأسعار وكل من ورد بشيء يبيعه يشتط في ثمنه ويحتج بأنه دفع عليه كذا وكذا من دراهم المكس فلا يسع المشتري إلا التسليم لقوله والتصديق له وقبول عذره والسبب في ذلك أن الذين تقيدوا بديوان العشور بساحل بولاق دس عليهم بعض المتقيدين معهم من الأقباط بأن كثيرًا من المتاجر التي يؤخذ عليها العشور يذهب بها أربابها من طريق البر ويدخلون بها في أوقات الغفلة تحاشيًا عن دفع ما عليها وبذلك لا يجتمع المال المقرر بالديوان فيلزم أن يتقيد بكل باب من يترقب لذلك ويرصده ويأخذ ما يخص الديوان من ذلك فأذن كبراء الديوان بذلك فانفتح لهم بذلك الباب فولجوه ولم يحسبوا للعاقبة من حساب وزادوا في الجور والفضائح وأظهروا ما في نفوسهم من القبائح فساءت الظنون واستغاثت المستغيثون وأكثر سخاف الأحلام مما لا طائل تحته من الكلام إلى أن زاد التشكي وأنهى الأمر الى الوزير فأمر بإبطال ذلك وانجلت تلك الغمة‏.‏

وفيه أيضًا عرض طائفة القبانية وتشكوا مما رتب عليهم من الجمرك السنوي فأطلق لهم الأمر برفعه عنهم‏.‏

وفيه قبضوا على رجل من المفسدين بإقليم المنوفية يقال له راضي النجار وأحضروه الى مصر وقطعت رأسه بالرميلة‏.‏

وفي خامسه نزل محمد باشا توسون والي جدة من القلعة في موكب وتوجه الى العادلية قاصدًا وفي يوم الأربعاء تاسعه قبضوا على ثلاثة من النصارى الأروام المتزيين بزي العساكر الانكشارية ويعملون القبائح بالرعية فرموا رقابهم أحدهم بالدرب الأحمر والثاني بسوق السلاح عند الرفاعي والثالث بالرميلة‏.‏

وفي يوم الخميس عاشره أيضًا قطعوا رأس علي جلبي تابع حسين أغاشنن بباب الخرق بين المفارق بأمر من الوزير والسبب في ذلك أن المرحوم يوسف باشا المذكور الكبير المتوفى بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كان أودع عند حسين أغاشنن وديعة فلما ملك الفرنسيس مصر وجرى ما جرى من ورود العرضي والصلح ونقضه فاعتقد قصار العقول أن الأمر انتهى للفرنسيس فتجاوزوا الحد وأغروا ببعضهم وتتبعوا العورات وكشفوا عن المستورات ودلوا الفرنسيس على المخبآت وتقربوا إليهم بكل ما وصلت إليه همتهم وراجت به سلعتهم والمسكين المقتول مد يده الى بعض ودائع سيده فاختلس منها وتوسع في نفسه وركب الخيول واتخذ له خدمًا وتداخل مع الفرنسيس وحواشيهم فاستخفوا عقله فاستفسروا منه فأخبرهم بالوقائع والخبايا فاستخرجوها ونقلوها وكانت شيئًا كثيرًا جدًا وأظهر أن ذلك لم يكن بواسطته ليواري ما اختلسه لنفسه ويكون له عذر في ذلك فلما حضر له سيده صحبة العرضي ذهب إليه وتملق له وربط في رقبته منديلًا فأهمل أمره الى هذا الوقت حتى اطمأن خاطره ثم أنه أخبر بقصته الوزير لعلمه أنه سيطالب بوديعة يوسف باشا فأمره بأن يرفع قصته الى القاضي ويثبت تلك الدعوى لتبرأ ساحته عند الدولة ففعل ثم أمر الوزير بقتل علي جلبي المذكور فقتل وترك من ميا ثلاثة أيام بلياليها‏.‏

شهر رمضان المعظم سنة 1216 استهل بيوم الأربعاء ولم يعمل فيه شنك الرؤيا على العادة خوفًا من عربدة العساكر والمحتسب كان غائبًا فركب كتخداه بدلًا عنه بموكبه فقط ولم يركب معه مشايخ الحرف فذهب الى المحكمة وثبت الهلال تلك الليلة ونودي بالصوم من الغد‏.‏

وفيه أمر الوزير محمد باشا العربي بالسفر الى البلاد الشامية فبرز خيامه الى خارج باب النصر وخرج هو في ثالثه وسافر وأشيع سفر الوزير أيضًا وذلك بعد أن حضرت أجوبة من الباب الأعلى‏.‏

وفي ثالثه ارتحل محمد باشا المذكور‏.‏

وفي خامسه انتقل رئيس أفندي من بيت الألفي وسكن في بيت اسمعيل بك وشرعوا في تعميره وإصلاحه لسكن والي مصر‏.‏

وفي ثاني عشره وصل محمد باشا والي مصر الى شلقان‏.‏

وفي ثالث عشره ضربت عدة مدافع من الجيزة صباحًا ومساء فقيل إنه حضر ستة قناصل الى وفي خامس عشره حضر القناصل المذكورون الى بيت الوزير وقابلوه فخلع عليهم خلعًا ورجعوا الى أماكنهم في الجيزة‏.‏

وفي ذلك اليوم وصل محمد باشا والي مصر الى جهة بولاق ونصب وطاقه بالقرب من المكان المعروف بالحلي ثم انتقل الى جهة قبة النصر فلما كان يوم الجمعة سابع عشره وصل الى المدينة من باب النصر في موكبه وطوائفه على غير الهيئة المعتادة ولم يلبس الطلخان تأدبًا مع الوزير لحصوله بمصر فتوجه الى بيت الوزير وأفطر معه‏.‏

وفي تلك الليلة عزل خليل أفندي الرجائي من دفتردارية الدولة وقلد عوضه حسن أفندي باش محاسب وسببه أن الوزير طلب خلعًا ليخلعها على والي مصر وقناصل الانكليز فتأخر حضورها فحنق وسأل عن سبب تأخير المطلوب فقال الرسول إن الخازندار قال حتى استأذن الدفتردار فحنق الوزير وأمر بحبس الخازندار وعزل الدفتردار وهرب السفير الذي كان بينهما‏.‏

وفيه انتقل الأمراء المصرلية المرادية من الجيزة الى جزيرة الذهب ونصبوا وطاقهم بها وأرسلوا ما كان عندهم من الحريم الى دورهم بمصر واستمر ابراهيم بك وعثمان بك الحسيني ومحمد بك المبدول وقاسم بك أبو سيف بالجيزة ولم يعلم حقيقة حالهم ثم في ثاني يوم لحق ابراهيم بك وباقي الجماعة بالآخرين وخرج إليهم طلبهم ومتاعهم وأغراضهم فلما كان ليلة الاثنين تاسع عشره ركبوا ليلًا بأجمعهم الى الصعيد من الجهة الغربية وتخلف عنهم قاسم بك أبو سيف لمرضه وكذلك تخلف عنهم محمد آغا أغات المتفرقة وآخرون‏.‏

وفي عشرينه نودي بالأمان على المماليك وأتباعهم ومن تخلف عنهم أو انقطع منهم وكذلك في ثاني يوم‏.‏

وفيه قلد محمد باشا والي مصر حسن آغا وألبسه على جرجا‏.‏

وفي ثامن عشرينه عزل الباشا محمد آغا المعروف بالزربة من الكتخدائية وهو من المصرلية وولاه كشوفية الغربية وتقلد عوضه في الكتخدائية يوسف آغا أمين الضربخانة سابقًا وتقلد كشوفية المنوفية وتقلد كشوفية القليوبية‏.‏

وفي ليلة الأربعاء تاسع عشرينه ذهب يوسف أفندي الى عند والي مصر فقلده نقابة الأشراف وألبسه فروة بعد أن كان أهمل أمره‏.‏

وفيه عزل أغات الانكشارية وتولى آخر عوضه من العثمانية ونزل المعزول الى بولاق ليسافر الى جهة الصعيد‏.‏

شهر شوال سنة 1216 استهل بيوم الخميس في ثالثه يوم السبت خرج جاليش الوزير الى قبة النصر ونودي بخروج العساكر ويكون آخر خروجهم يوم الاثنين فشرعوا في الخروج بأحمالهم ودوابهم فلما كان يوم الاثنين خامسه خرج الوزير على حين غفلة الى قبة النصر وتتابع خروج الأثقال والأحمال والعساكر وحصل منهم في الناس عربدة وأذية وأخذ بعضهم من عطارين القصر ابن ثلاثة أرطال بن ثمنها مائة وعشرون نصفًا فرمى له عشرين نصفًا فصرخ الرجل وقال أعطني حقي فضربه وقتله فأغلق الناس الحوانيت وانكفوا في دورهم فاستمرت جميع حانيت البلدة مغلوقة حتى سافرت العساكر وانتقلت من قبة النصر ولازم حضرة محمد باشا والي مصر وطاهر باشا على المرور والطواف بالشوارع بالتبديل وثياب التخفيف ليلًا ونهارًا ولولا ذلك لحصل من العسكر ما لا خير فيه‏.‏

وفيه كتبت فرمانات وألصقت بالشوارع ومفارق الطرق مضمونها بأن لا أحد يتعرض بأذية لغيره وكل من كان له دعوى أو شكية فليرفع قصته الى الباشا وكل إنسان يمشي في زيه وقانونه القديم ويلازموا على الصلوات بالجماعة في المساجد ويوقدوا قناديل ليلًا على البيوت والمساجد والوكائل والخانات التي بالشوارع ولا يمر أحد من العسكر من بعد الغروب والذي يمشي بعد الغروب من أهل البلد يكون معه فانوس أو سراج ويبيعون ويشترون بالحظ والمصلحة ولا أحد يخفي عنده أحدًا من عسكر العرضي والذي يبقى منهم بيده يعاقب وأن القهاوي المحدثة جميعها تغلق ولا يفتح لا القهاوي القديمة الكبار ولا يبيت أحد من العسكر في قهوة ولا يبيعون المسكرات ولا يشترونها إلا الكفرة سرًا وأمثال ذلك فانسرت القلوب بتلك الفرمانات واستبشروا بالعدل‏.‏

وفيه خرجت عساكر وسافرت الى جهة قبلي وعدتهم ستة آلاف وذلك بسبب الأمراء المصرلية الهربانين وقرر لهم بأن من أتى برأس صنجق فله ألف دينار أو كاشف فله ثلثمائة أو جندي أو مملوك فله مائة‏.‏

وفي يوم السبت ركب الوزير من قبة النصر وارتحل العرضي الى الخانكة وعند ركوبه حضر إليه السيد عمر أفندي النقيب وبعض المتعممين لوداعه فأعطاهم صررًا وقرؤوا له الفاتحة وركب وخرج أيضًا في ذلك اليوم بقية المشايخ وذهبوا الى الخانكة أيضًا ودعوه ورجعوا‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني عشره أحضر الباشا محمد آغا الوالي وسليم آغا المحتسب وأمر برمي رقابهما فقطعوا رأس الوالي تحت بيت الباشا على الجسر والمحتسب عند باب الهواء وختم على دورهما في تلك الساعة وشاع خبر ذلك في البلد فارتاع الناس لذلك واستعظموه وداخل الخوف أهل الحرف مثل الجزارين والخبازين وغيرهم وعلقوا اللحم الكثير بحوانيتهم وباعوه بتسعة أنصاف بعد أن كانوا يبيعونه بأحد عشر مع قلته واحتكاره وكانوا نبهوا عليهم قبل ذلك فلم وفي صبحها يوم الثلاثاء قلد علي آغا الشعراوي الزعامة عوضًا عن محمد آغا المقتول وزين الفقار كتخدا أمين احتساب عوضًا عن سليم آغا أرنؤد المقتول أيضًا واجتمعوا ببيت القاضي وحضر أرباب الحرف وعملوا قائمة تسعيرة لجميع المبيعات من المأكولات وغيرها فعملوا اللحم الضاني بثمانية أنصاف والماعز بسبعة والجاموسي بستة وأن لا يباع فيه شيء من السقط مثل الكبدة والقلب وغير ذلك والسمن المسلي بمائة وثمانين نصفًا العشرة أرطال بعد أن كانت بثلثمائة وأربعين والزبد العشرة بمائتين وستين بعد أن كانت بمائتين وأربعين‏.‏

وجميع الخضراوات تباع بالرطل حتى الفجل والليمون والجبل الذي بخيره بثلاثة أنصاف بعد عشرة والخبز رطل بنصف فضة وكذلك جميع الأشياء العطرية والأقمشة العشرة أحد عشر والراوية الماء بعشرة أنصاف بعد عشرين وغير ذلك ورسموا بأن الرطل في الأوزان مطلقًا يكون قباني اثنى عشر وقية وأبطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به الأدهان والأجبان والخضراوات وهو أربعة عشر وقية فلم يستمر من هذه الأوامر بعد ذلك سوى نقص الأرطال ولما برزت هذه الرسوم هرع الناس لشراء اللحم والمأكولات حتى فرغ الخبز من الأفران وشق المحتسب فقبض على جماعة من الخبازين وخزم آنافهم وعلق فيها الخبز وكذلك الجزارون خزمهم وعلق في آنافهم اللحم وأكثر حضرة الباشا وعظماء أتباعه من التجسس وتبديل الشكل والملبوس والمرور والمشي ولزموا الأدب ومشى كل أحد في طريقته ودربه ومشت النساء كعادتهن في الأسواق لقضاء أشغالهن فلم يتعرض لهن أحد من العسكر كما كانوا يفعلون‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشره ارتحل الوزير من بلبيس‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشره سافر خليل أفندي الرجائي الدفتردار المعزول في البحر من طريق دمياط وانتقل شريف أفندي الدفتردار الى الدار التي كان بها الأول وهي دار البارودي بباب الخرق‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسع عشره كان موكب أمير الحاج عثمان بك وصحبته المحمل على العادة وخرج في أبهة ورونق وانسرت القلوب في ذلك اليوم الى لقائه ونجز له جميع اللوازم مثل الصرة وعوائد العربان وغير ذلك وكان المتقيد بتشهيل ذلك وبجميع اللوازم حضرة شريف أفندي الدفتردار‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه شنقوا ثلاثة أنفار في جهات مختلفة تزيوا بزي العسكر يقال إنهم من الفرنسيس افتقدوهم من العسكر المتوجه الى الحج‏.‏

وفي ذلك اليوم عمل حضرة الباشا ديوانًا وأرسل الجاويشية الى جميع المشايخ والعلماء وخلع عليهم خلعًا سنية زيادة على العادة أكثر من سبعين خلعة وكذلك على الوجاقلية والأفندية وجبر خاطر الجميع وكانت العادة في هذا التلبيس أن يكون عند قدومه والسبب في تأخيره لهذا وفي يوم الخميس تاسع عشرينه انتقل أمير الحاج بالركب من الحصوة الى البركة‏.‏

وفيه ركب حضرة محمد باشا الى الإمام الشافعي فزاره وأنعم على الخدمة بستين ألف فضة وألبسهم خلعًا وفرق دنانير ودراهم كثيرة في غير محلها وكذلك يوم الجمعة ركب وتوجه الى المشهد الحسيني فصلى الجمعة وخلع على الإمام الراتب والخطيب وكبير الخدمة فراوي وفرق دراهم كثيرة في طريقه ورجع من ناحية الجمالية وكان في موكب جليل على الغاية‏.‏

وفيه أمر المشار إليه بنصف عدة مشانق عند أبواب المدينة برسم الباعة والمتسببين والخبازين وغيرهم وأكثر أرباب الدرك من المرور والتجسس والتخويف وعلقوا عدة أناس من الباعة على حوانيتهم وخزموهم من آنافهم فرخص السعر وكثرت البضائع والمأكولات وحصل الأمن في الطرق وانكفت العربان وقطاع الطريق فحضرت الفلاحون من البلاد وكثر السمن والجبن والأغنام وكبر العيش وكثر وجوده وانحط سعر السمن عن التسعيرة عشرين نصفًا لكثرته ولله الحمد وهاب الناس هذا الباشا وخافوه وصاروا يترنمون به في البلاد والأرياف ويغنون بذكره حتى الصبيان في الأسواق ويقولون سيدي يا محمد باشا يا صاحب الذهب الأصفر وغير ذلك وكان في مبدأ أره يظنه الظمآن ماء‏.‏

استهل بيوم السبت فيه نهبت العربان قافلة التجار الواصلة من السويس‏.‏

وفي ثانيه حضر السيد أحمد الزرو الخليلي التاجر بوكالة الصابون بديوان الباشا وتداعى على جماعة من التجار وثبت له عليهم عشرة آلاف ريال فأمر الباشا بسجنهم‏.‏

وفي رابعه يوم الثلاثاء حضر السيد أحمد المذكور الى بيت الباشا فأمر بقتله فقبض عليه جماعة من العسكر وقطعوا رأسه عند المشنقة حيث قنطرة المغربي على قارعة الطريق وختموا على موجوده وأخذ الباشا ما ثبت له على المحبوسين والسبب في ذلك أوشى الى الباشا أنه كان يحب الفرنسيس ويميل إليهم ويسالمهم وعند خروجهم هرب الى الطور خوفًا من العثمانية ثم حضر بأمان من الوزير‏.‏

وفي يوم الجمعة حضر المشار إليه الى الجامع الأزهر بالموكب فصلى به الجمعة وخلع على الخطيب فروة سمور وفرق ونثر دراهم ودنانير على الناس في ذهابه وإيابه وتقيد قبي كتخداه واسمعيل أفندي شقبون بتوزيع دراهم على الطلبة والمجاورين بالأروقة والعميان والفقراء ففرقوا فيهم نحو خمسة أكياس‏.‏

وفيه عمل الشيخ عبد الله الشرقاوي وليمة لزواج ابنه ودعا حضرة المشار إليه فحضر في يوم الأحد ثانيه وحضر أيضًا شريف أفندي وعثمان كتخدا الدولة فتغدوا عنده وأنعم على ولد الشيخ بخمسة أكياس رومية وألبسه فروة سمور وفرق على الخدم والفراشين والقراء دنانير ودراهم بكثرة وكذلك دفع عثمان كتخدا وشريف أفندي كل واحد منهم كيسًا وانصرفوا‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامسه حضر الباشا محمد أغات المعروف بالوسيع أغات المغاربة وأمر بقتله فقطعوا رأسه على الجسر ببركة الأزبكية قبالة بيت الباشا لأمور نقمها عليه وكتبت في ورقة وضعت عند رأسه‏.‏

وفي يوم الخميس سادسه توفي قاسم بك أبو سيف على فراشه‏.‏

وفي منتصفه وردت الأخبار من الجهة البحرية بضياع نحو الخمسين مركبًا حلت مراسيها من ثغر اسكندرية مشحونة بمتاجر وبضائع وكانت معوقة بكرنتينة الانكليز فلما أذنوا لهم بالسراح فما صدقوا بذلك فصادفتهم فرتونة خرجت عليهم فضاعوا بأجمعهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

وفيه طلب الباشا المشايخ وتكلم معهم في شأن الشيخ خليل البكري وعزله عن وظيفته وسأل رأيهم في ذلك فقالوا له الرأي لحضرتكم فقال إن الشيخ خليلًا لا يصلح لسجادة الصديق وأريد عزله عنها من غير ضرر عليه بل أعطيه إقطاعًا لنفقته والقصد أن تروا رأيكم بعد اختلاف كبير على تقليد ذلك لمحمد سعد من أولاد جلال الدين فلما حضروا في اليوم الثاني أخبروه بذلك وأنه يستحقها إلا أنه فقير فقال إن الفقر ليس بعيب فأحضروه وألبسه فروة سمور وأركبه فرسًا بعباءة مزركشة وأنعم عليه بثمانين ألف درهم وكان من الفقراء المحتاجين للدرهم الفرد ولما ذهب للسلام على الشيخ السادات خلع أيضًا فروة سمور عليه‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشرينه توفي الى رحمة الله الشيخ مصطفى الصاوي الشافعي وكان عالمًا نجيبًا وشاعرًا لبيبًا وقد ناهز الستين‏.‏

وفيه جهزت عدة من العسكر الى قبلي‏.‏

وفيه نودي بأن خراج الفدان مائة وعشرون نصفًا وكذلك نودي برفع عوائد القاضي والأفندي التي كانت تؤخذ على إثبات الجامكية والجراية والرفق بعوائد تقاسيط الالتزام والإقطاع‏.‏

وكتبوا بذلك أوراقًا وألصقت بالأسواق وفي آخرها لا ظلم اليوم أي مما تقرر قبل اليوم فإن الفدان بلغ في بعض القرى بمصاريفه ومغارمه أربعة آلاف نصف فضة وأما بدعة القاضي وعوائد التقاسيط فزادت عن أيام الوزير وزاد على ذلك إهمال الأوراق ببيت الباشا لأجل العلامة شهرين وأربعة حتى يسأم صاحبها وتحفى أقدامه من كثرة الذهاب والمجيء ومقاساة الذل من الخدل والأتباع ورفع التفتيش والرشوة على التعجيل أو يتركها وربما ضاعت بعد طول المدة فيحتاج الى استئناف العمل‏.‏

استهل بيوم الأحد في رابعه حضر خمسة أشخاص من الكشاف القبالي من أتباع ابراهيم بك الوالي الى مصر بأمان فقابلوا حضرة والي مصر وأنعم عليهم وألبسهم خلعًا‏.‏

وفيه أنعم على خدامهم وفيه عمل الانكليز كرنتينة بالجيزة ومنعوا من يدخلها ومن يخرج منها وذلك لتوهم وقوع الطاعون وورود الأخبار بكثرته في جهة قبلي وبعض البلاد البحرية وأما المدينة ففيها بعض تنقير‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وعملوا في ذلك اليوم شنكًا ومدافع وحضرت أغنام وعجول كثيرة للأضحية حتى امتلأت منها الطرقات وازدحمت الناس وأفراد العسكر على الشراء وغيمت السماء في ذلك اليوم وأمطرت مطرًا كثيرًا حتى توحلت الأزقة ونودي بفتح الحوانيت والقهاوي والمزينين ليلًا وإظهار الفرح ولاسرور وإظهار بهجة العيد واستمر ضرب المدافع في الأوقات الخمسة ونودي أيضًا بالمواظبة على الاجتماع للصلوات في المساجد وحضور الجمعة من قبل الصلاة بنصف ساعة وأن يسقوا العطاش من الأسبلة ولا يبيعون ماءها وأشيع سفر الانكليز وسفر عثمان كتخدا الدولة وتشهيل الخزينة‏.‏

وفي خامس عشره حضر قاصد من الديار الرومية بمكاتبات وتقرير نقابة الأشراف للسيد عمر وعزل يوسف أفندي فلما كان في صبحها يوم الأحد ركب السيد عمر المذكور وتوجه الى عند الباشا فألبسه خلعة سمور ثم حضر الى عند الدفتردار كذلك وكانت مدة ولاية يوسف أفندي المعزول شهرين ونصفًا‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثامن عشره خرج أحمد آغا خورشيد أمير الاسكندرية الى بولاق قاصدًا السفر الى منصبه وركب الباشا لوداعه في عصريته وضربوا عدة مدافع من بولاق وبر انبابة ونودي في ذلك اليوم بأن لا أحد يواري أحدًا من الانكليز أو يخبيه وكل من فعل ذلك عوقب‏.‏

وفي خامس عشرينه قبضوا على امرأة سرقت أمتعة من حمام وشنقوها عند باب زويلة وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث التي جملتها أن شريف أفندي الدفتردار أحدث على الرزق الأحباسية المرصدة على الخيرات والمساجد وغيرها مال حماية على كل فدان عشرة أنصاف فضة وأقل وأكثر في جميع الأراضي المصرية القبلية والبحرية وحرروا بذلك دفاتر فكل من كان تحت يده شيء من ذلك قل أو كثر يكتب له عرضحال ويذهب به الى ديوان الدفتردار فيعلم عليه علامته وهي قوله قيد بمعنى أنه يطلب قيوده من محله التي تثبت دعواه ثم يذهب بذلك العرضحال الى كاتب الرزق فيكشف عليها في الدفاتر المختصة بالإقليم الذي فيه الارصاد بموجب الإذن بتلك العلامة فيكتب له ذلك تحتها بعد أن يأخذ منه دراهم ويطيب خاطره بحسب كثرة الطين وقلته وحال الطالب ويكتب تحته علامته فيرجع به الى الدفتردار فيكتب تحته علامة غير الأولى فيذهب به الى كاتب الميري فيطالبه حينئذ بسنداته وحجج تصرفه ومن أين وصل إليه ذلك فإن سهلت عليه الدنيا ودفع له ما أرضاه كتب له تحت ذلك عبارة بالتركيب لثبوت ذلك وإلا نعنت على الطالب بضروب من العلل وكلفه بثبوت كل دقيقة يراها في سنداته وعطل شغله فما يسع ذلك الشخص إلا بذل همته في تتميم غرضه بأي وجه كان إما أن يستدين أو يبيع ثيابه ويدفع ما لزمه فإن ترك ذلك وأهمله بعد اطلاعهم عليه حلوه عنه ورفعوه وكتبوه لمن يدفع حلوانه ثلاث سنوات أو أكثر وكتبوا له سندًا جديدًا يكون هو المعول عليه بعد ويقيد بالدفاتر ويبطل اسم الأول وما بيده من الوقفيات والحجج والإفراجات القديمة ولو كانت عن أسلافه ثم يرجع كذلك الى الدفتردار فيكتب له علامة لكتابة الاعلام فيذهب به الى الإعلامجي فيكتب له عبارة أيضًا في معنى ما تقدم ويختم تحتها بختم كبير فيه اسم الدفتردار ويأخذ على ذلك دراهم أيضًا وبعد ذلك يرجع الى الدفتردار فيقرر ما يقرره عليها من المال يقال له مال الحماية ثم يذهب بها الى بيت الباشا ليصحح عليها بعلامته ويطول عند ذلك انتظاره لذلك ويتفق إهمالها الشهرين والثلاثة عند الفرمانجي‏.‏

وصاحبها يغدو ويروح في كل يوم حتى تحفى قدماه ولا يسهل به تركها بعدما قاساه من التعب وصرفه من الدراهم فإذا تمت علامتها دفع أيضًا المعتاد الذي على ذلك ورجع بها الى بيت الدفتردار فعند ذلك يطلبون منه ما تقرر عليها فيدفعه عن تلك السنة ثم يكتبون له سندًا جديدًا ويطالب بمصروفه أيضًا وهو شيء له صورة أيضًا فلا يجد بدًا من دفعه ولايزال كذلك يغدو ويروح مدة أيام حتى يتم له المراد‏.‏

ومنها المعروف بالجامكية ومرتبات الغلال بالأنبار وذلك أن من جملة الأسباب في رواج حال أهل مصر المتوسطين وغناهم ومدار حال معاشهم وإيرادهم في السابق هذان الشيئان وهما الجامكية والغلال التي يقال لها الجرايات التي رتبها الملوك السالفة من الأموال الميرية للعساكر المنتسبة للوجاقات والمرابطين بالقلاع الكائنة حوالي الإقليم ومنها ماهو للأيتام والمشايخ والمتقاعدين ونحوهم وكانت من أرواج الإيراد لأهل مصر وخصوصًا أهل الطبقة الذين ليس لهم إقطاع ولا زراعات ولا تجارات كأهل العلم ومساتير أولاد البلد والأرامل ونحوهم وثبت وتقرر إيرادها وصرفها في كل ثلاثة أشهر من أول القرن العاشر الى أواخر الثاني عشر بحيث تقرر في الأذهان عدم اختلالها أصلًا ولما صارت بهذه المثابة تناقلوها بالبيع والشراء والفراغ وتغالوا في أثمانها ورغبوا فيها وخصوصًا لسلامتها من عوارض الهدم والبناء كما في العقار وأوقفوها وأرصدوها ورتبوها على جهات الخيرات والصهاريج والمكاتب ومصالح المساجد ونفقات أهل الحرمين وبيت أهل المقدس وأفتى العلماء بصحة وقفها لعلة عدم تطرق الخلل فلما اختلت الأحوال وحدثت الفتن وطمع الحكام والولاة في الأموال الميرية ضعف شأنها ورخص سعرها وانحط قدرها وافتقر أربابها ولم تزل في الانحطاط والتسفل حتى بيع الأصل والإيراد بالغين الفاحش جدًا وتعطل بسبب ذلك متعلقاتها‏.‏

ولم يزل حالها في اضطراب الى أن وصل هؤلاء القادمون وجلس شريف أفندي الدفتردار المذكور ورأى الناس فيه مخايل الخير لما شاهدوه فيه من البشاشة وإظهار الرفق والمكارم غرض الناس عليه شأن العلوفة المذكورة والغلال فلم يمانع في ذلك وكتب الإذن على الأوراق كعادته وذهب بها أربابها الى ديوان الكتبة وكبيرهم يسمى حسن أفندي باش محاسب وهو من العثمانيين عارض في حسابها وقال‏:‏ إن العثماني اسم لواحد الأقجة وصرفه عندنا بالروم كل ثلاث أقجات بنصف فضة وما في دفاتركم يزيد في الحساب الثلث فعورض وقيل له إن الأقجة المصري كل اثنين بنصف بخلاف اصطلاح الروم وهذا أمر تداولنا عليه من قديم الزمان ولم يزل حتى فقد ذلك المشروع ومشوا على فقد الثلاث ورضي الناس بذلك لظنهم رواج الباقي وعند استقرار الأمر بذلك أخذوا يتعنتون على الناس في الثبوت وقد كان الناس اصطلحوا في أكثرها عند فراغها على عدم تغيير الأسماء التي رقمت بها وخصوصًا بعد ضعفها فيبيعها البائع ويأخذها المشتري بتمسك البيع فقط ويترك سند الأصل بما فيه من الاسم القديم عنده أو تكون باسم الشخص ويموت وتبقى عند أولاده فجعلوا معظمها بهذه الصورة وأخذوه لأنفسهم وأعطوا منه لأغراضهم بعد رفع الثلث الأصل وثلث الإيراد وضاعت على أربابها مع كونهم فقراء وكذلك فعلوا في أوراق الغلال وجعلوها بدارهم عن كل أردب خمسون نصفًا غلا أو رخص وزاد في القيود التي تكتب على العرضحالات المصطلحين عليها بأن يكتب عليها أيضًا قاضي العسكر بعد حسابهم مقدار العلوفة والغلال ويأخذ على كل عثماني نصفين أو أقل أو أكثر وعلى كل أردب قرشًا روميًا وكل ذلك حيلة على أخذ المال بطريق شيطاني وحرروا ما حرروه ودفعوا للناس ما دفعوه مقسطًا على الجمع والشهور‏.‏

رضوا بذلك وفرحوا به لظنهم دوامه واستعوضوا الله فيما ذهب لهم وختموا الدفتر على مقدار ما عرض عليهم وما ظهر بعد ذلك لا يعمل به ويذهب في المحلول ولما انقضت هذه السنة الأخرى وافتتح الناس الطلب قيل لهم إن الذي أخذتموه هو عن السنة القابلة وقد قبضتموها معجلة وعزل شريف أفندي الدفتردار في إثرها ووصف خليل أفندي الرجائي واضطربت الأحوال ولم ينفع القيل والقال كما يأتي‏.‏

من مات في هذه السنة

مات الشيخ العمدة الإمام خاتمة العلماء والأعلام ومسك ختام الجهابذة ذوي الإفهام ومن افتخر به عصره على الأعصار وصاح بلبل فصاحته في الأمصار يتيمة الدهر وشامة وجه أهل العصر العالم المحقق والنحرير المدقق بديع الزمان والتاج المرصع على رؤوس الأقران الناظم الناثر الفصيح الباهر الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاوي والده كان من أعيان التجار بمصر وأصل مرباهم بالسويس بساحل القلزم وصاوي نسبة الى بلدة بشرقية بلبيس تسمى الصوة وهي على غير القياس وهي بلدة والده ثم انتقل منها الى السويس وكان يبيع بها الماء وولد له بها المترجم فارتحل به الى مصر وسكن بحارة الحسينية مدة وأتى بولده المترجم الى الجامع الأزهر واشتغل بالقراءة فحفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر دروس الأشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وتخرج به ومهر وأنجر وأقرأ الدروس وختم الختوم وشهد له الفضاء وكان لطيف الذات مليح الصفات رقيق حواشي الطبع مشارًا إليه في الإفراد والجمع مهذب الأخلاق جميل الأعراق وحاله وفضله كثير ولم يزل يقرر ويفيد ويملي ويعيد حتى قطفت يد الأجل نواره وأطفأت رياح المنية أنواره‏.‏

ومات الأمير عثمان بك الأشقر الإبراهيمي وهو من مماليك ابراهيم بك الكبير الموجود الآن اشتراه ورباه وأعتقده وجعله خازنداره مدة ثم قلده الإمارة والصنجقية في سنة 1129 وعرف بالأشقر لشقرته ولما انتقل أستاذه الى بيت سيده محمد بك بعطفة قوصون سكن مكانه بدرب الجماميز وصار له مماليك وأتباع وانتظم في عداد الأمراء وخرج مع سيده في الحوادث وتغرب معه في البلاد القبلية وطلع أميرًا بالحج في سنة 1210 وعاد في أمن وأمان ولما حصلت حادثة الفرنسيس كان هو مع من كان بالبر الغربي وذهب الى الصعيد ثم مر من خلف الجبل ولحق بأستاذه ببر الشام ولم يزل حتى رجع مع أستاذه والأمراء بصحبة عرضي الوزير في المرة الثانية ثم سافر مع حسين باشا القبودان فقتل مع من قتل بأبي قير ودفن بالاسكندرية وكان ذا حشمة وسكون وحسن عشرة مع ما فيه من الشح‏.‏

ومات الأمير عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي المرادي وهو من مماليك مراد بك‏.‏

اشتراه ورباه ورقاه وقلده الإمارة والصنجقية في سنة 1197 ولما وصل حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج مع سيده وباقي الأمراء من مصر على الصورة المتقدمة ووقع بينهم ما وقع من الحروب والمهادنة حضر هو وحسين بك المعروف بشفت وعبد الرحمن بك الابراهيمي الى مصر رهائن ولما سافر حسن باشا الى الروم أخذهم صحبته بإغراء اسمعيل بك فأقاموا هناك ثم نفوهم الى ليميا فاستمروا بها ومات بها حسين بك خشداشه المذكور ثم رجع المترجم وعبد الرحمن بك بعد وقوع الطاعون وموت اسمعيل بك وأتباعهما الى مصر‏.‏

فلم يزالوا حتى حصل ما حصل من ورود الفرنسيس وموت مراد بك في أخريات أيامهم‏.‏

فوقع اختيار المرادية على تأميره عوضًا عن سيده بإشارة خشداشه محمد بك الألفي وانتقل بعشيرته الى الجهة البحرية وانضموا الى عرضي الوزير ووصلوا الى مصر فكان هو وابراهيم بك الألفي ثاني اثنين يركبان معًا وينزلان معًا ولم يزل حتى سافر القبودان بعدما مكر مكره مع الوزير سرًا على خيانة المصريين فأرسل يستدعيه هو وعثمان بك البرديسي فسافرًا امتثالًا للأمر فأوقع بهما ما تقدم وقتل المترجم ونجا البرديسي ودفن بالاسكندرية‏.‏

وكان أميرًا لا بأس به وجيه الشكل عظيم اللحية ساكن الجأش فيه تؤدة وعقل وسبب تلقبه بالطنبرجي أنه كان في عنفوان أمره مولعًا بسماع الآلات وضرب الطنبور‏.‏

ومات الأمير مراد بك المعروف بالصغير وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب وانتمى الى سليمان بك الآغا واستمر ملازمًا له ومنسوبًا إليه مدة أعوام وكان يعرف بمراد كاشف وله إيراد واسع ومماليك ثم تقلد الإمارة والصنجقية في 1206 فزادت وجاهته ولم يزل كذلك حتى سافر مع عثمان بك الأشقر وأحمد بك الحسني مع القبودان وقتل كذلك بأبي قير ودفن بالاسكندرية‏.‏

ومات الأمير قاسم بك أبو سيف وهو مملوك عثمان بك أبي سيف الذي سافر بالخزينة ومات بالروم وذلك سنة 1180 وهي آخر خزينة رأيناها سافرت الى اسلامبول على الوضع القديم وعثمان بك هذا مملوك عثمان بك أبي سيف الذي كان من جملة القاتلين لعلي بك الدمياطي وخليل بك قطامش ومحمد بك قطامش في ولاية راغب باشا كما تقدم وخدم المترجم مراد بك وكان يعرف بقاسم كاشف أبي سيف وكان له إقطاع والتزام وإيراد واشتهر ذكره في أيام مراد بك وبنى داره التي بالناصرية وأنفق عليها أموالا جمة وكان له ملكة وفكرة في هندسة البناء واستأجر قطعة عظيمة من أراضي البركة الناصرية اتجاه داره من وقف المولوية وسورها بالبناء وبنى في داخلها قصرًا مزخرفًا برحبة متسعة وقسم تلك الأرض بتقاسيم للمزارع وحولها طرق ممهدة مستطيلة ومجار للمياه التي تصل إليها أيام النيل ومجار أخرى عالية مبنية بالمؤن والخافقي من داخلها تجري فيها المياه من السواقي ويحيط بذلك جميعه أشجار الصفصاف المتدانية القطاف وبداخل تلك البركة المنقسمة النخيل والأشجار ومرارع المقاثئ والبرسيم والغلة وغيرها يسرح فيها النظر من سائر جهاتها وتنشرح النفوس في أرجائها ومساحاتها وجعل السواقي في ناحية تجتمع مياهها في حوض وبأسفله أنابيب تتدفق منها المياه الى حوض أسفل منه وعنده مجلس ومساطب للجلوس وتجري منه المياه الى المجاري المخففة المرتفعة ومنها تنصب من مصبات من حجر الى أحواض أسفل منها صغار وتجري الى مساقي المزارع وعند كل مصب منها محل للجلوس وعليه أشجار تظله وبوسطه أيضًا ساقية بفوهتين تجري منها المياه أيضًا والقصر يشرف على ذلك كله وحول رحبة القصر وطرق الممشاة كروم العنف والتكاعيب وأباح للناس الدخول إليها والتنزه في رياضها والتفسح في غياضها والسروح في خلالها والتفيؤ في ظلالها وسماها حديقة الصفصاف والآس لمن يريد لحظو والائتناس ونقش ذلك في لوح من الرخام وسمره في أصل شجرة يقرؤها الداخلون إليها فأقبل الناس على الذهاب إليها للنزاهة ووردوا عليها من كل جهة وعملوا فيها قهاوي ومساقي ومفارش واتخاخًا يفرشها القهوجية للعامة وقللًا وأباريق واجتمع بها الخاص والعام وصار بها مغان وآلات وغواني ومطربات والكل يرى بعضهم بعضًا وجعل بها كراسي للجلوس وكنيفات لقضاء الحاجة وجعل للقصر فرشًا ومساند ولوازم ومخادع لنفسه ولمن يأتي إليه بقصد النزاهة من أعيان الأمراء والأكابر فيبيتون به الليالي ولا يحتاجون لسوى الطعام فيأتي إليهم من دورهم وزاد بها الحال حتى امتنع من الدخول إليها أهل الحياء والحشمة وأنشأ تجاهها أيضًا على يسار السالك الى طريق الخلاء بستانًا آخر على خلاف وضعها وأخبرني المترجم أيضًا من لفظه أنه أنشأ بستانًا بناحية قبلي أعجب وأغرب من ذلك ولما حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج منها أمراؤها تخلف المترجم عن مخدومه واستقر بمصر فقلدوه الإمارة والصنجقية في سنة 1201 فعظمت أمرته وزادت شهرته وتقلد إمارة الحج مرتين ولما أوقع العثمانية بالأمراء المصرلية ما أوقعوه وانفصلوا من حبس الوزير وانضموا الى الانكليز بالجيزة ثم انتقلوا الى جزيرة الذهب وارتحلوا منها الى قبلي تخلف عنهم المترجم لمرض اعتراه وحضر الى مصر ولازم الفراش ولم يزل حتى مات في يوم الخميس سادس القعدة من السنة وكان يخضب لحيته بالسواد مدة سنين رحمه الله‏.‏

ومات ابراهيم كتخدا السناري الأسود وأصله من برابرة نقلة وكان بوابًا في مدينة المنصور وفيه نباهة فتداخل في الغز القاطنين هناك مثل الشابوري وغيره بكتابة الرقى وضرب الرمل ونحو ذلك ولبس ثيابًا بيضاء ثم تعاشر مع بعضهم وركب فرسًا وانتقل الى الصعيد مع من اختلط بهم وتداخل في أتباع مصطفى بك الكبير ولم يزل حتى اعتشر بالأمير المذكور وتعلم اللغة التركية فاستعمله في مراسلاته وقضاياه فنقل فتنة ونميمة بين الأمراء فأراد مراد بك قتله فالتجأ الى حسين بك وخدمه مدة ثم تحيل والتجأ الى مراد بك وعاشره وألبه ولازمه في الغربة والأسفار واشتهر ذكره وكثر ماله وصار له التزام وإيراد وبنى داره التي بالناصرية وصرف عليها أموالًا واشترى المماليك الحسان والسراري البيض وتداخل في القضايا والمهمات العظيمة والأمور الجسيمة وصار من أعظم الأعيان المشار إليهم بمصر ونمى ذكره وعظم شأنه وباشر بنفسه الأمور من غير مشورة الأمراء فكان يحل ما يعقده الأمراء الكبار ولما تحجب مخدومه بقصر الجيزة كان المترجم لسان حاله في الأمر والنهي وبيده مقاليد الأشياء الكلية والجزئية ولا يحجب عن ملاقاة مخدومه في أي وقت شاء فينهي إليه ما يريد تنفيذه بحسب غرضه واتخذ له أتباعًا وخدمًا يقضون القضايا ويسعون في المهمات ويتوسطون لأرباب الحاجات ويصانعهم الناس حتى الأكابر ويسعون الى دورهم وصاروا من أرباب الوجاهات والثروات ولم يزل ظاهر الأمر نامي الذكر حتى وقعت الحوادث وسافر الفرنساوية ودخل العثمانية ورجع قبودان باشا الى أبي قير فأرسل يطلبه في جملة من استدعاهم إليه وقتل مع من قتل ودفن بالاسكندرية‏.‏

محرم الحرام ابتداء سنة ألف ومائتين وسبع عشرة هجرية استهل بيوم الاثنين فيه تواترت الأخبار بحصول الصلح العمومي بين القرانات جميعًا ورفع الحروب فيما بينهم‏.‏

وفيه ترادفت الأخبار بأمر عبد الوهاب وظهور شأنه من مدة ثلاث سنوات من ناحية نجد ودخل في عقيدته قبائل من العرب كثيرة وبث دعاته في أقاليم الأرض ويزعم أنه يدعو الى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله ويأمر بترك البدع التي ارتكبها الناس ومشوا عليها الى غير ذلك‏.‏

وفيه سافر عثمان كتخدا الدولة الى الديار الرومية ونزل الى بولاق وضربوا له عدة مدافع وفي هذه الأيام حصلت أمطار متتابعة وغيام ورعود وبروق عدة أيام وذلك في أواسط نيسان الرومي‏.‏

وفي ذلك اليوم نبهوا على الوجاقات والعساكر بالحضور من الغد الى الديوان لقبض الجامكية فلما كان في صبحها يوم الثلاثاء نصبوا صيوانًا كبيرًا ببركة الأزبكية وحضر العساكر والجاقلية بترتيبهم ونزل الباشا بموكبه الى ذلك الصيوان وهو لابس على رأسه الطلخان والقفطان الأطلس وهو شعار الوزارة ووضعوا الأكياس وخطفوها على العادة القديمة فكان وقتًا مشهودًا‏.‏

وفي يوم الثلثاء تاسعهو حضر كبير الانكليز من الاسكندرية ونصبوا وطاقهم ببر انبابة فلما كان يوم الأربعاء يوم عاشوراء عدى كبير الانكليز ومعه عدة من أكابرهم فتهيأ لملاقاته الباشا واصطفت العساكر عند بيت الباشا ووصل الانكليز الى الأزبكية وطلعوا الى عند الباشا وقابلوه فخلع عليهم وقدم لهم خيلًا وهدية ثم نزلوا وركبوا ورجعوا الى وطاقهم وعند ركوبهم ضربوا لهم عدة مدافع فلم يعجب الباشا ضربها فأمر الطبجية لكونهم لم يضربوها على نسق واحد‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الانكليز أخلوا القلاع بالاسكندرية وسلموها لأحمد بك خورشيد وذلك يوم الاثنين ثامنه وأبطلوا الكرنتيبه أيضًا وحصل الفرج للناس وانطلق سبيل المسافرين برًا وبحرًا وأخذ الباشا في الاهتمام بتشهيل الانكليز المسافرين الى السويس والقصير وما يحتاجون إليه من الجمال والأدوات وجميع ما يلزم ولما حضر الانكليز الى عند الباشا فدعوه الى الحضور الى عندهم فوعدهم على يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة ثالث عشره ركب الباشا وصحبته طاهر باشا في نحو الخمسين وعدى الى الجيزة بعد الظهر ووقفت عساكر الانكليز صفوفًا رجالًا وركبانًا وبأيديهم البنادق والسيوف وأظهروا زينتهم وأبهتهم وذلك عندهم من التعظيم للقادم فنزل الباشا ودخل القصر فوجدهم كذلك صفوفًا بدهليز القصر ومحل الجلوس فجلس عندهم ساعة زمانية وأهدوا له هدايا وتقادم وعند قيامه ورجوعه ضربوا له عدة مدافع على قدر ما ضرب لهم هو عند حضورهم إليه فلقد أخبرني بعض خواصهم أن الباشا ضرب لهم سبعة عشر مدفعًا ولقد عددت ما ضربه الانكليز للباشا فكان كذلك وأخبرني حسين بك وكيل قبطان باشا وكان بصحبة الباشا عند ذهابه الى الانكليز قال كنا في نحو الخمسين والانكليز في نحو الخمسة آلاف فلو قبضوا علينا في ذلك الوقت لملكوا الإقليم من غير ممانع فسبحان المنجي من المهالك وإذا تأمل العاقل في هذه القضية يرى فيها أعظم الاعتبارات والكرامة لدين الإسلام حيث سخر الطائفة الذين هم أعداء للملة هذه لدفع تلك الطائفة ومساعدة المسلمين عليهم وذلك مصداق الحديث الشريف وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فسبحان القادر الفعال واستمرت طائفة كبيرة بالاسكندرية من الانكليز حتى يريد الله‏.‏

وفي ذلك اليوم سافرت الملاقاة للحجاج بالوش‏.‏

وفيه وصلت مكاتبات من أهل القدس ويافا والخليل يشكون ظلم محمد باشا أبي مرق وأنه أحدث عليهم مظالم وتفاريد ويستغيثون برجال الدولة وكذلك عرضوا أمرهم لأحمد باشا الجزار وحضر الكثير من أهل غزة ويافا والخليل والرملة هروبًا من المذكور وفي ضمن المكاتبات أنه حفر قبور المسلمين والأشراف والشهداء بيافا ونبشهم ورمى عظامهم وشرع يبقى في تلك الجبانة سورًا يتحصن به وأذن للنصارى ببناء دير عظيم لهم ومكنهم أيضًا من مغارة السيدة مريم بالقدس وأخذ منهم مالًا عظيمًا على ذلك وفعل من أمثال هذه الفعال أشياء كثيرة‏.‏

وفيه حضر جماعة من العسكر القبالي وصحبتهم أربعة رؤوس من المصرلية وفيهم رأس علي كاشف أبي دياب وتواترت الأخبار بوقوع معركة بين العثمانية والمصرلية وكانت الغلبة على العثمانية وقتل منهم الكثير وذلك عند أرمنت ورأس عصبة المصرلية الألفي وصحبته طائفة من الفرنسيس وتجمع عليهم عدة من عسكر الفرنساوية والعثمانية طمعًا في بذلهم وأن عثمان بك حسن انفرد عنهم وأرسل يطلب أمانًا ليحضر فأرسلوا له أمانًا فحضر الى باشة الصعيد وخلع وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا توسون والي جدة وكذلك خازنداره‏.‏

وفي يوم السبت رابع عشره شرع الانكليز المتوجهون الى جهة السويس في تعدية البر الشرقي ونصبوا وطاقهم عند جزيرة بدران وبعضهم جهة العادلية وذهبت طائفة منهم جهة البر الغربي متوجهين الى القصير واستمروا يعدون عدة أيام ويحضر أكابرهم عند الباشا ويركبون فيرمون لهم مدافع حال ركوبهم الى أماكنهم‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه عدى حسين بك وكيل القبطان الى الجيزة وتسلمها من الانكليز وأقام بها وسكن بالقصر‏.‏

وفي خامس عشرينه وصل الى ساحل بولاق آغا وعلى يده مثالات وأوامر وحضر أيضًا عساكر رومية فأرسلوا عدة منهم الى الجيزة فركب ذلك الآغا في موكب من بولاق الى بيت الباشا فخلع عليه وقدم له تقدمة وضربوا له عدة مدافع‏.‏

وفيه حضر ططري من ناحية قبلي بالأخبار بما حصل بين العثمانية والمصرلية وطلب جبخانة ولوازمها‏.‏

وفيه وصلت الأخبار بأن أحمد باشا أرسل عسكر الى أبي مرق من البر والبحر فأحاطوا بيافا وقطعوا عنها الجالب واستمروا على حصاره‏.‏

وفيه اتخذ الباشا عسكرًا من طائفة التكرور الذين يأتون الى مصر بقصد الحج فعرضهم واختار منهم جملة وطلبوا الخياطين ففصلوا لهم قناطيش قصارًا من جوخ أحمر وألبسة من جوخ أزرق وصدريات وجميعها ضيقة مقطمة مثل ملابس الفرنسيس وعلى رؤوسهم طراطير حمر وأعطوهم سلاحًا وبنادق وأسكنوهم بقلعة الجامع الظاهري خارج الحسينية وجعلوا عليهم كبيرًا يركب فرسًا ويلبس فروة سمور وجمع الباشا أيضًا العبيد السود وأخذهم من أسيادهم بالقهر وجعلهم طائفة مستقلة وألبسهم شبه ما تقدم وأركبهم خيلًا وجعلهم فرقتين صغارًا وكبارًا واختارهم للركوب إذا خرج الى الخلاء وعليهم كبير يعلمهم هيئة اصطفاف الفرنسيس وكيفية أوضاعهم والإشارات بمرش وأردبوش وكذلك طلب المماليك وغصب ما وجده منهم من أسيادهم واختص بهم وألبسهم شبه لبس المماليك المصرلية وعمائم شبه البحرية الأروام وبلكات وشراويل وأدخل فيهم ما وجده من الفرنسيس وجعل لهم كبيرًا أيضًا من الفرنسيس يعلمهم الكر والفر والرمي بالبنادق وفي بعض الأحيان يلبسون زرديات وخودًا وبأيديهم السيوف المسلولة وسموا ذلك كله النظام الجديد‏.‏

واستهل شهر صفر الخير بيوم الأربعاء سنة 1217 في ثانيه وصل سعيد آغا وكيل دار السعادة وهو فحل أسمر فحضر عند الباشا فقابله وخلع عليه وقدم له تقدمة وضربوا له عدة مدافع أيضًا‏.‏

وفي يوم الخميس تاسعه عمل الباشا ديوانًا وحضر القاضي والعلماء والأعيان وقرأوا خطًا شريفًا حضر بصحبة وكيل دار السعادة بأنه ناظر أوقاف الحرمين‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالث عشره قتل الباشا ثلاثة أشخاص من النصارى المشاهير وهم ألطون أبو طاقية وابراهيم زيدان وبركات معلم الديوان سابقًا وفي الحال أرسل الدفتردار فختم على دورهم وأملاكهم وشرعوا في نقل ذلك الى بيت الدفتردار على الجمال ليباع في المزاد فبدأوا بإحضار تركة ألطون أبي طاقية فوجد له موجود كثير من ثياب وأمتعة ومصاغ وجواهر وغيرها وجوار سود وحبوش وساعات واستمر سوق المزاد في ذلك عدة أيام‏.‏

وفيه تواترت الأخبار بأن بونابارته خرج بعمارة كبيرة ليحارب الجزائر وأنه انضم الى طائفة الفرنسيس الاسبانيول والنامرطان وتفرقوا في البحر وكثر اللغط بسبب ذلك وامتنع سفر المراكب ورجع الانكليز الى قلاع الاسكندرية واستمرت هذه الإشاعة مدة أيام ثم ظهر عدم صحة هذه الأخبار وأن ذلك من اختلافات الانكليز‏.‏

وفي يوم الخميس سابع عشره حضر جاويش الحاج وصحبته مكاتبات الحجاج من العقبة وضربوا لحضوره مدافع وأخبروا بالأمن والرخاء والراحة ذهابًا وإيابًا ومشوا من الطريق السلطاني وتلقتهم العربان وفرحوا بهم فلما كان يوم الاثنين وصل الحجاج ودخلوا الى مصر‏.‏

وفي صبحها دخل أمير الحاج وصحبته المحمل‏.‏

وفي يوم الخميس ثالث عشرينه سافر حسين آغا شنن وزين الفقار كتخدا وصحبتهما علي كاشف لملاقاة عثمان بك حسن وأخلوا له دار عبد الرحمن كتخدا بحارة عابدين‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه حضر عثمان بك حسن فأرسل إليه الباشا أعيان أتباعه من الأغوات وغيرهم والجنائب فحضر بصحبتهم وقابل حضرة الباشا وخلع عليه خلعة وقدم له تقدمة وذهب الى الدار التي أعدت له حضر صحبته صالح بك غيطاس وخلافه من الأمراء البطالين ومعهم نحو المائتين من الغز والمماليك سكن كل من الأمراء والكشاف في مساكن أزواجهم فكانوا يركبون في كل يوم الى بيت عثمان بك ويذهبون صحبته الى ديوان الباشا‏.‏

ورتب له خمسة وعشرين كيسًا في كل شهر‏.‏

واستهل شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1217 فيه شرعوا في عمل المولد النبوي وعملوا صواري ووقدة قبالة بيت الباشا وبيت الدفتردار والشيخ البكري ونصبوا خيامًا في وسط البركة ونودي في يوم الخميس ثامنه بتزيين البلد وفتح الأسواق والحوانيت والسهر بالليل ثلاث ليال أولها صبح يوم الجمعة وآخرها الأحد ليلة المولد الشريف فكان كذلك‏.‏

وفي ليلة المولد حضر الباشا الى بيت الدفتردار باستدعاء وتعشى هناك واحتفل لذلك الدفتردار وعمل له حراقة نفوط وسواريخ حصة من الليل‏.‏

وفيه وصلت الأخبار بكثرة عربدة الأمراء القبالي وتجمع عليهم الكثير من غوغاء الخوف والهوارة والعربان ووصلوا الى غربي أسيوط وخافتهم العساكر العثمانية وداخلهم الرعب منهم وتحصن كل فريق في الجهة التي هو فيها وانكمشوا عن الإقدام عليهم وهابوا لقاءهم مع ما هم عليه من الظلم والفجور والفسق بأهل الريف والعسف بهم وطلبهم الكلف الشاقة والقتل والحرق وذلك هو السبب الداعي لنفور أهل الريف منهم وانضمامهم الى المصرلية ومن جملة أفاعيلهم التي ضيقت المنافس وأحرجت الصدور حتى أعاظم الدولة حجزهم المراكب ومنعهم السفار حتى تعطلت الأسباب وامتنع حضور الغلال من الجهة القبلية وخلت عرصات الغلة والسواحل من الغلال مع كثرتها في بلاد الصعيد ولولا تشديد الباشا في عدم زيادة سعر الغلة لغلت أسعارها وأمر بأن لا يدخلوا الى الشون والحواصل شيئًا من الغلة بل يباع ما يرد على الفقراء حتى يكتفوا وفي كل وقت يرسلون أوراقًا وفرمانات الى العساكر بإطلاق المراكب فلا يمتثلون ويحجز الواحد منهم أو الإثنان المركب التي تحمل الألف أردب‏.‏

ويربطونها بساحل الجهة التي هم بها وتستمر كذلك من غير منفعة وربما مرت بهم شرعوا في تسفير عساكر أيضًا وساري عسكرهم طاهر باشا وأخذ في المراكب الحشونة بالغلة فيأخذون منها النواتية والريس يستخدمونهم في مركبهم ويأخذ غيرهم المركب فيرمي ما بها من الغلال على بعض السواحل إن لم يجدوا من يشتريه ويأخذون المراكب فيربطونها عندهم وأمثال ذلك مما تقصر عنه العبارة ولما تواترت هذه الأخبار عن الأمراء القبالي التشهيل والسفر فلما كان يوم الخميس خامس عشره عدى الى البر الغربي وتبعته العساكر‏.‏

وفي ذلك اليوم حضرت مكاتبة من الأمراء القبالي ملخصها أن الأرض ضاقت عليهم واضطرهم الحال والضيق وفراق الوطن الى ما كان منهم وأنهم في طاعة الله والسلطان ولم يقع منهم ما يوجب إبعادهم وطردهم وقتلهم فإنهم خدموا وجاهدوا وقاتلوا مع العثمانية وأبلوا مع الفرنساوية فجوزوا بضد الجزاء ولا يهون بالنفس الذل والإقبال على الموت فإما أن تعطونا جهة نتعيش فيها أو ترسلوا لنا أهلنا وعيالنا وتشهلوا لنا مراكب على ساحل القصير فنسافر فيها الى جهة الحجاز أو تعينوا لنا جهة نقيم بها نحن خمسة أشهر مسافة ما نخاطب الدولة في أمرنا ويرجع لنا الجواب ونعمل في رقابكم لأرقابنا وورد الخبر عنهم أنهم رجعوا القهقرى الى قبلي فلما حضرت تلك المكاتبة فاشتوروا في ذلك وكتبوا لهم جوابًا بإمضاء الباشا والدفتردار والمشايخ حاصله الأمان لما عدا ابراهيم بك والألفي والبرديسي وأبا دياب‏.‏

فلا يمكن أن يؤذن لهم بشيء حتى يرسلوا الى الدولة ويأتي الإذن بما تقتضيه الآراء وأما بقيتهم فلهم الأمان والإذن بالحضور الى مصر ولهم الإعزاز والإكرام ويسكنون فيما أحبوا من البيوت ويرتب لهم ما يكفيهم من التراتيب والالتزام وغير ذلك مثل ما وقع لعثمان بك حسن فإنهم رتبوا له خمسة وعشرين كيسًا في كل شهر ومكنوه مما طلبه من خصوص الالتزام‏.‏

ورفعوها عمن كان أخذها بالحلوان وهذه أول قضية شنيعة ظهرت بقدومهم واستمر طاهر باشا مقيمًا بالبر الغربي‏.‏

وفي هذا الشهر كمل تتميم عمارة المقايس على ما كان عمره الفرنسيس على طرف الميري وأنشأ به الباشا طيارة في علوه عوضًا عن الطيارة القديمة التي هدمها الفرنسيس وأنشأ أيضًا مصطبة في مرمى النشاب بالناصرية وجعل فيها كشكًا لطيفًا مزينًا بالأصباغ ودرابزين حول المصطبة المذكورة‏.‏

ومن الحوادث بسكندرية حضر قليون وفيه تجار وبزرجانية يقال له قليون مهر دار الدولة فأرسلوا بالمينة الغربية‏.‏

وطلع منه قبطان وبعض التجار الى البلدة وأقام نحو يومين أو ثلاثة فطلع رجل نصراني وأخبر الانكليز أنه مات به رجل بالطاعون ومات قبله ثلاثة أيضًا فطلبوا القبطان فهرب‏.‏

فأرسلوا الى المركب وأحضروا اليازجي وتحققوا القضية وأحرقوا المراكب بما فيها وأشهروا اليازجي وعروه من ثيابه وسحبوه بينهم في الأسواق وكلما مروا به على جماعة من العثمانية مجتمعين على مصاطب القهاوي بطحوه بين أيديهم وضربوه ضربًا شديدًا ولم يزالوا يفعلون به ذلك حتى قتلوه‏.‏

ووقع أيضًا أن خورشيد حاكم الاسكندرية أحدث مظالم ومكوسًا على الباعة والمحترفين‏.‏

فذهب بعض الانكليز يشتري سمكًا فطلب السماك منه زيادة في الثمن عن المعتاد فقال له الانكليز لأي شيء تطلب زيادة عن العادة فعرفه بما أحدث عليهم من المكس فرجع الانكليزي وأخبر كبراءه فتحققوا القضية وأحضروا المنادي وأمروه بالمناداة بإبطال ما أحدثه العثمانية من المكوس والمظالم فخرج المنادي وقال حسبما رسم الوزير محمد باشا وخورشيد آغا بأن جميع الحوادث المحدثة بطالة فسمعوه يقول ذلك فأحضروه وضربوه ضربًا شديدًا وعزروه على ذلك القول وقالوا له قل في مناداتك حسبما رسم ساري عسكر الانكليز‏.‏

ووقع أيضًا أن جماعة من العسكر أرادوا القبض على امرأة من النساء اللاتي يصاحبن الانكليز فمنعها منهم عسكر الانكليز فتضاربوا معهم فقتل من الانكليز إثنان فاجتمع الانكليز وأرسلوا الى خورشيد بأن يخرج الى خارج البلدة ويحاربهم فامتنع من ذلك فأمروه بالنزول من القلعة وأسكنوه في دار بالبلد ومنعوا عسكره من حمل السلاح مطلقًا مثل الانكليزية‏.‏

واستمروا على ذلك‏.‏

واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1217 فيه حضر أحمد آغا شويكار من عند القبالي ومحمد كاشف صحبته من جماعة الألفي ومعهم مكاتبات وأشيع طلبهم الصلح فأقاموا عدة أيام محجوبين عن الاجتماع بالناس ثم سافروا في أواسطه ولم يظهر كيفية ما حصل وبطل سفر طاهر باشا الى الجهة القبلية ورجع الى داره بعد أيام من رجوعه‏.‏

وفيه عمل مولد المشهد الحسيني ودعا شيخ السادات الباشا في خامسه وتعشى هناك ورجع الى داره‏.‏

وفيه تقلد السيد أحمد المحروقي أمين الضربخانة وفرق ذهبًا كثيرًا في ذلك اليوم ببيت الباشا وعمل له ليلة بالمشهد الحسيني ودعا الباشا والدفتردار وأعيان الدولة والعلماء وأولم لهم وليمة عظيمة وأوقد بالمسجد وقدة كبيرة وقدم للباشا تقدمة وفي صبحها أرسل مع ولده هدية وتعبية أقمشة نفيسة فخلع عليه الباشا فروة سمور‏.‏

وفي غرة هذا الشهر شرع الباشا في هدم الأماكن المجاورة لمنزله التي تهدمت واحترقت في واقعة الفرنسيس ليبنيها مساكن للعساكر المختصة به وتسمى عندهم بالقشلة وذلك قبالة منزله من المكان المعروف بالساكت الى جامع عثمان كتخدا حيث رصيف الخشاب واهتم لذلك اهتمامًا عظيمًا ورسم بعمل فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى وأرسلوا المعينين لقبض ذلك من البلاد مع ما الفلاحون فيه من الظلم والجور من العساكر والمباشرين وحق الطرد وفرد الانكليز‏.‏

وفي منتصفه كملت عمارة مشهد السيدة زينب بقناطر السباع وكان من خبره أن هذا المشهد كان أنشأه وعمره عبد الرحمن كتخدا القازدغلي في جملة عمائره وذلك في سنة 1174 فلم يزل على ذلك الى أن ظهر به خلل ومال شقه فانتدب لعمارته عثمان بك المعروف بالطنبرجي المرادي في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فهدمه وكشف أنقاضه وشرع في بنائه وأقام جدرانه ونصبوا أعمدته وأرادوا عقد قناطره فحصلت حادثة الفرنسيس وجرى ما جرى فبقي على حالته الى أن خرج الفرنسيس من أرض مصر وحضرت الدولة العثمانية فعرض خدمة الضريح الى الوزير يوسف باشا فأمر بإتمامه وإماله على طرف الميري ثم وقع التراخي في ذلك الى أن استقر قدم محمد باشا في ولاية مصر فاهتم لذلك فشرعوا في إكماله وتتميمه وتسقيفه وتقيد لمباشرة ذلك ذو الفقار كتخدا فتم على أحسن ما كان وأحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والأصباغ ولما كان يوم الجمعة رابع عشره حصلت به الجمعية وحضر الباشا والدفتردار والمشايخ وصلوا به الجمعة وبعد انقضاء الصلاة عقد الشيخ محمد الأمير المالكي درس وظيفته وأملى إنما يعمر مساجد الله الآية والأحاديث المتعلقة بذلك وثم المجلس وخلع عليه الباشا بعد ذلك خلعة وكذا الإمام‏.‏

وفيه نصب الباشا خيمة عند بيته بقرب الهدم يجلس بها حصة كل يوم لمباشرة العمل وربما باشر بنفسه ونقل بعض الأنقاض فلما عاينه الأغوات والجوخدارية بادروا الى الشيل ونقل التراب بالغلقان فلما أشيع ذلك حضر طاهر باشا وأعيان العساكر فنقلوا أيضًا وطلبوا المساعدة وحضر طائفة من ناحية الرميلة وعرب اليسار ومعهم طبول وزمور فسأل عن ذلك فقال له المحتسب ذو الفقار‏:‏ هؤلاء طائفة من طوائفي حضروا لأجل المساعدة فشكرهم على ذلك وأمرهم بالذهاب فبقي منهم طائفة وأخذوا في شيل التراب بالأغلاق ساعة والطبول تضرب لهم فانسر الباشا من ذلك وحسن القرناء للباشا المساعدة وأن الناس تحب ذلك فرتبوا ذلك وأحضروا قوائم أرباب الحرف التي كتبت أيام فرد الفرنسيس ونبهوا عليهم بالحضور‏.‏

فأول ما بدأوا بالنصارى الأقباط فحضروا ويقدمهم رؤساؤهم جرجس لجوهري وواصف وفلتيوس ومعهم طبول وزمور وأحضر لهم أيضًا مهتار باشا النوبة التركية وأنواع الآلات والمغنين حتى البرامكة بالرباب فاشتغلوا نحو ثلاث ساعات وفي ثاني يوم حضر منهم أيضًا كذلك طائفة‏.‏

ولما انقضت طوائف الأقباط حضر النصارى الشوام والأروام ثم طلبوا أرباب الحرف من المسلمين فكان يجتمع الطائفتان والثلاثة ويحضرون معهم عدة من الفعلة يستأجرونهم ويحضرون الى العمل ويقدمهم الطبول والزمور والمجرية وذلك خلاف ما رتبه مهتار باشا‏.‏

فيصير بذلك ضجة عظيمة مختلطة من نوبات تركية وطبول شامية ونقاقير كشوفية ودبادب حربية وآلات موسيقية وطبلات بلدية وربابات برامكية كل ذلك في الشمس والغبار والعفار‏.‏

وزادوا في الطنبور نغمة وهي أنهم بعد أن يفرغوا من الشغل ويأذنوا لهم بالذهاب يلزمونهم بدارهم يقبضها مهتار باشا برسم البقشيش على أولئك الطبالين والزمارين فيعطيهم النزر اليسير ويأخذ لنفسه الباقي وذلك بحسب رسمه واختياره فيأتي على الطائفة المائة قرش والخمسون قرشًا ونحو ذلك فيركب في ثاني يوم وبذهب الى خطتهم ويلزمهم بإحضار الذي قرره عليهم فيجمعونه من بعضهم ويدفعونه وإذا حضرت طائفة ولم تقدم بين يديها هدية أو جعالة طولوا عليهم المدة وأتعبوهم ونهروهم واستحثوهم في الشغل ولو كانوا من ذوي الحرف المعتبرة كما وقع لتجار الغورية والحريرة وإذا قدموا بين أيديهم شيئًا خففوا عليهم وأكرموهم ومنعوا أعيانهم وشيوخهم من الشغل وأجلسوهم بخيمة مهتار باشا وأحضر لهم الآلات والمغاني فضربت بين أيديهم كما وقع ذلك لليهود واستمر هذا العمل بقية الشهر الماضي الى وقتنا هذا فاجتمع على الناس عشرة أشياء من الرذالة وهي السخرة والمعونة وأجرة الفعلة والذل ومهنة العمل وتقطيع الثياب ودفع الدراهم وشماتة الأعداء من النصارى وتعطيل معاشهم وعاشرها أجرة الحمام‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثاني عشره الموافق لسادس مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم الخميس بحضرة الباشا والقاضي والشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ولم يطف مثل العادة ومنعوا دخول السفن والمراكب المعدة للنزهة وذلك بسبب أذية العساكر العثمانية‏.

وفي منتصفه حضر قصاد

من الططر وعلى يدهم مكاتبات من الدولة بوقوع الصلح العام من الدولة والقرانات وعثمان باشا ومن معه من المخالفين على الدولة من جهة الروملي فعملوا شنكًا ومدافع ثلاثة أيام تضرب في كل وقت من الأوقات الخمسة وكتبوا أوراقًا وألصقوها في مفارق الطرق بالأسواق وقد تقدم مثل ذلك وأظنه من المختلقات‏.‏

وفي أواخره حضر حريم الباشا من الجهة الرومية وهما اثنتان إحداهما معتوقة أم السلطان والأخرى معتوقة أخته زوجة قبطان باشا وصحبتهما عدة سراري فأسكنهن ببيت الشيخ خليل البكري وقد كان عمره قبل حضورهن وزخرفه ودهنوه بأنواع الصباغات والنقوش وفرشوه بالفرش الفاخرة وفرش المحروقي مكانًا وكذلك جرجس الجوهري فرش مكانًا وأحمد بن محمد واعتنوا بذلك اعتناءً زائدًا حتى أن جرجس فرش بساطًا من الكشمير وغير ذلك وعمل وليمة العقد وعقد على الثنتين في آن واحد بحضرة القاضي والمشايخ وأهدوا لكل من الحاضرين بقجة من ظرائف الأقشمة الهندية والرومية وعملوا شنكًا وحراقة بالأزبكية عدة ليال‏.‏

واستهل شهر جمادى الأولى بيوم الاثنين سنة 1217 في يوم الاثنين ثامنه شنقوا ثلاثة من عساكر الأروام أحدهم بباب زويلة والثاني بباب الخرق والثالث بالأزبكية بالقرب من جامع عثمان كتخدا وقتلوا أيضًا شخصًا بالنحاسين‏.‏

وفي يوم الثلاثاء تاسعه عمل الباشا ديوانًا وفرق الجامكية على الوجاقلية‏.‏ وفيه

وردت الأخبار بوقوع حادثة بين الأمراء القبالي والعثمانية

وذلك أن شخصًا من العثمانية يقال له أجدر موصوفًا بالشجاعة والإقدام أراد أن يكبس عليهم على حين غفلة ليكون له ذكر ومنقبة في أقرانه فركب في نحو الألف من العسكر المعدودين وكانوا في طرف الجبل بالقرب من الهو فسبق العين الى الى الأمراء وأخبرهم بذلك فلما توسطوا سطح الجبل وإذا بالمصرلية أقبلت عليهم في ثلاثة طوابير فأحاطوا بهم فضرب العثمانية بنادقهم طلقًا واحدًا لا غير ونظروا وإذا بهم في وسطهم وتحت سيوفهم ففتكوا فيهم وحصدوهم ولم ينج منهم إلا القليل وأخذ كبيرهم أجدر المذكور أسيرًا وانجلت الحرب بينهم وأحضروا أجدر بين يدي الألفي فقال له لأي شيء سموك أجدر فقال الأجدر معناه الأفعى العظيم وقد صرت من أتباعك فقال لكن يحتاج الى تطريمك وإخراج سمك أولًا وأمر به فأخذوه وقلعوا أسنانه ثم قتلوه وأخذوا جميع ما كان معهم ومن جملة ذلك أربعة مدافع كبار‏.‏

وفيه قلدوا أحمد كاشف سليم إمارة أسيوط وعزل أميرها مقدار بك العثماني بسبب شكوى أهل النواحي من ظلمه‏.‏

وفي منتصفه تواترت الأخبار برجوع الأمراء القبالي الى بحري وأنهم وصلوا الى بني عدي فنهبوا غلالها ومواشيها وقبضوا أموالها وأعطوهم وصولات بختمهم وكذلك الحواوشة وما جاور ذلك من البلاد فشرع العثمانية بمصر في تشهيل جريدة وعساكر‏.‏

وفيه حضرت أيضًا عساكر كثيرة من هبود الأتراك والأرنؤد فأحضروا مشايخ الحارات وأمروهم بإخلاء البيوت لسكناهم فأزعجوا الكثير من الناس وأخرجوهم من دورهم بالقهر‏.‏

فحصل للناس غاية الضرر وضاق الحال بالناس وكلما سكنت منهم طائفة بدار أخربوها وأحرقوا أخشابها وطيقانها وأبوابها وانتقلوا الى غيرها فيفعلون بها كذلك ومن تكلم أو دافع عن دار وبخ بالكلام وقيل له عجب كنتم تسكنون الفرنسيس وتخلون لهم الدور وأمثال ذلك من الكلام القبيح الذي لا أصل له ولما شرعوا في تشهيل التجريدة حصلت منهم أمور وأذية في الناس كثيرة فمنها أنهم طلبوا الحمّارة المكارية وأمروهم بإحضار ستمائة حمار وشددوا عليهم في ذلك فقيل إنهم لما جمعوها أعطوهم أثمانها في كل حمار خمسة ريالات بعدته ولجامه مع أن فيها ما قيمته خمسون ريالًا خلاف عدته ثم ما كفاهم ذلك بل صاروا يخطفون حمير الناس من أولاد البلد بالقهر وكذلك حمير السقائين التي تنقل الماء من الخليج حتى امتنعت السقاؤون بالكلية وبلغ ثمن القربة الكتافي من الخليج عشرة أنصاف فضة وتعدى بالخطف أيضًا من ليس بمسافر فكانوا ينزلون الناس من على حميرهم ويذهبون بها الى الساحة ويبيعونها والبعض تبعهم واشترى حماره بالثمن فخبى جميع الناس حميرهم في داخل الدور فكان يأتي الجماعة من العسكر وينصتون بآذانهم على باب الدار ويتبعون نهيق الحمير وبعض شياطينهم يقف على الدور ويقول رز ويكررها فينهق الحمار فيعلمون به ويطلبونه من البيت فإما أخذوه أو افتداه وفيه حضر قاضي سكندرية الى مصر وذلك أنه لما حضر من اسلامبول طلع الى داره وحضرت إليه الدعاوى فأخذ منهم المحصول على الرسم المعتاد فأرسل إليه الانجليز ولاموه على عدم حضوره إليهم وقت قدومه وقالوا له إن أقمت هنا بتقليدنا إياك فلا نأخذ من أحد شيئًا ونرتب لك ثلاثة قروش في كل يوم وإلا فاذهب حيث شئت فحضر الى مصر بذلك السبب‏.‏

شهر جمادى الثانية سنة 1217 في خامسه سافرت العساكر الى الأمراء القبالي وسافر أيضًا عثمان بك الحسني وباقي العساكر المعزولين وأمير العساكر العثمانية محمد علي سرششمه وكان الباشا أرسل ابراهيم كاشف الشرقية بجواب إليهم فرجع في ثامنه بجواب الرسالة وأعطاه الألفي ألفي ريال وقدم له حصانين وحاصل تلك الرسالة كما تقدم الأمان لجميع الأمراء المصرلية وأنهم يحضرون الى مصر ويقيمون بها ولهم ما يرضيهم من الفائظ وغيره ما عدا الأربعة الأمراء وهم ابراهيم بك والألفي والبرديسي وأبا دياب فإنهم مطلوبون الى حضرة السلطان يتوجهون إليه مع الأمن عليهم ويعطيهم مناصب وولايات كما يحبون فإن لم يرضوا بذلك فيأخذوا إقطاع أسنا ويقيمون بها فلما وصل ابراهيم آغا المذكور الى أسيوط وأرسل إليهم أرسلوا إليه أحمد آغا شويكار ومحمد كاشف الألفي فانتظروه خارج الجبانة فخرج إليهم ولاقوه وأخذوه وصحبتهم الى عرضيهم وأنزلوه بوطاق بات به فلما أصبح الصباح طلبوه الى ديوانهم فحضر ووقف عساكرهم صفوفًا ببنادقهم وفيهم كثير على هيئة اصطفاف الفرنسيس وعملوا له شنكًا ومدافع‏.‏

ثم أعطاهم المكاتبة بحضرة الجميع فقرؤوها ثم تكلم الألفي وقال‏:‏ أما قولكم نذهب الى اسلامبول ونقابل السلطان ينعم علينا فهذا مما لا يمكن وإن كان مراده أن ينعم علينا فإننا في بلاده وأنعامه لا يتقيد بحضورنا بين يديه وأما بقية إخواننا فهم بالخيار إن شاؤوا أقاموا معنا وإلا ذهبوا وكل إنسان أمير نفسه وأما كون حضرة الباشا يعطينا إقطاع أسنا فلا يكفينا هذا وإنما يكفينا من أسيوط الى آخر الصعيد ونقوم بدفع خراجه فإن لم يرضوا بذلك فإن الأرض لله ونحن خلق الله نذهب حيث شئنا ونأكل من رزق الله ما يكفينا ومن أتى إلينا حاربناه حتى يكون من أمرنا ما يكون ثم استقروا بنقطرة اللاهون وكسروا القنطرة وشرعوا في قبض الأموال من بلاد الفيوم فلما رجع ابراهيم كاشف بذلك الجواب ركب الباشا في صبحها الى الآثار واستعجل العسكر بالذهاب فعدوا الى البر الغربي وتأخر عنهم عثمان بك الحسني والغز المصرلية وباتوا بطرا‏.‏

وفيه شنق الباشا رجلا طبجيًا في المشنقة التي عند قنطرة الغربي ثم أن عثمان بك أرسل الى الباشا يطلب حسين آغا شنن ومصطفى آغا الوكيل ليتفاوض معهما في كلام فأرسل له ابراهيم آغا كاشف الشرقية فأعطاه الخلعة التي خلعها الفرنسيس وبلوت معهم ثم أني حضرت بأمان طائعًا فلم أجاز ولم يحصل ما كنت أؤمله ولم يوفوا معي وعدًا وأنا لا أقاتل إخواني المسلمين وأختم عملي بذلك ولا أقيم بمصر آكل الصدقة وإنما أذهب سانحًا في بلاد الله وكان في ظن عثمان بك أنه إذا أتى الى مصر على هذه الصورة يجعله الباشا أمير البلد أو أمير الحاج‏.‏

وفيه أمر الباشا محمد كتخدا المعروف بالزربة بالسفر الى جهة قبلي فاستعفى من ذلك فأمر بقتله فشفع فيه يوسف كتخدا الباشا وقال إن له حرمة وقد كان في السابق كتخدا لأفندينا ولا يناسب قتله على هذه الصورة فأمر بسفره الى جهة البحيرة محافظًا فسافر من يومه وأما عثمان بك فإنه ركب وذهب الى جهة قبلي مشرقًا على غير الرسم وأشيع ذلك في الناس ولغطوا به فلما تحقق العثمانية ذلك رسموا الطوائف العسكر أن يقيموا منهم طوائف بالقلاع التي على التلول ونصبوا عليها بيارق وأوقفوا حرسًا على أبواب المدينة يمنعون من يخرج من المدينة من الغز الخيالة المصرلية فمن خرج الى بولاق أو غيرها فلا يخرج إلا بورقة من كتخدا الباشا‏.‏

وفي ليلة الجمعة عاشره أمر الباشا بكبس بيوت الأمراء الحسنية ونهب ما بها من الخيول والجمال والسلاح‏.‏

وفيه حضر أغات التبديل الى بيت الخربطلي بعطفة خشقدم وبه جماعة من عسكر المغاربة فكبس عليهم وقبض على جماعة منهم وكتفهم وكشف رؤوسهم وأحاطت بهم عساكره وسحبوهم وأخذوا ما وجدوه في جيوبهم على هيئة شنيعة ومروا بهم على الغورية ثم على النحاسين وباب الشعرية حتى انتهوا بهم الى الأزبكية على حارة النصارى ودخلوا بهم بيت الباشا وهم لا يعملون لهم ذنبًا فلما مثلوا بين يدي كتخدا الباشا ذكر لهم أن بجوارهم دير للنصارى وأنهم فتحوا طاقًا صغيرًا يطل على الدير فقالوا لا علم لنا بذلك وأخبروا أن جماعة من الأرنؤد ساكنون معهم بأعلى الدار فيحتمل أن ذلك من فعلهم فأرسلوا من كشف على ذلك فوجدوه كما قال المغاربة فأطلقوهم بعد هذه الجرسة الشنيعة ومرورهم بهم الى حارة النصارى وأخذ دراهمهم ومتاعهم والأمر لله وحده‏.‏

وفيه أشيع مرور جماعة من الغز القبالى على جهة الجيزة الى جهة سكندرية وكذلك جماعة من الانجليز من سكندرية الى قبلي‏.‏

وفيه تداعى مصطفى خادم مقام سيدي أحمد البدوي مع نسيبه سعد بسبب ميراث أخته فقال مصطفى أنا أحاسبه على خمسين ألف ريال فقال سعد أنا أستخرج منه مائتي ألف ريال بشرط أن تعوقوه هنا وتعطوني خادمه وجماعة من العسكر ففعلوا ذلك وعوقوه ببيت السيد عمر النقيب وتسلم سعد خادمه والعسكر ذهب بهم الى طندتا فعاقبوا الخادم فأقر على مكان أخرجوا منه ستة وثلاثين ألف ريال فرانسه ثم فتحوا بئرًا مردومة بالأتربة وأخرجوا منها ريالات فرانسه وأنصافًا وأرباعًا وفضة عددية كلها مخلوطة بالأتربة وقد ركبها الصدأ والسواد فأحضروها وجلوها في قاعة اليهود ولم يزالوا يستخرجون حتى غلقوا مائة وسبعة وثمانين ألف وسبعمائة وكسورًا وآخر الأمر أخرجوا خبيئة لا يعلم قدرها ثم حصل العفو ورجع العسكر وأخذوا كراء طريقهم وأخذوا من أولاد عمه عشرة أكياس‏.‏

وفي يوم السبت حادي عشره كان آخر التسخير في نقل التراب من العمارة وكان آخر ذلك طائفة الخردة من الغياش والقرادتية وأرباب الملاعيب وبطل الزمر والطبل واستمر الفعلة في حفر الأساس ورشح عليهم الماء بأدنى حفر لكون أن ذلك في وقت النيل والبركة ملآنة بالماء حول ذلك‏.‏

وفي خامس عشره خرجت عساكر ودلاة أيضًا وسافروا الى قبلي‏.‏

وفي ثالث عشرينه سافر عساكر في نحو الأربعين مركبًا الى جهة البحيرة بسبب عرب بني علي فإنهم عانوا بالبحيرة ودمنهور‏.‏

ومن الحوادث السماوية أن في تلك الليلة وهي ليلة الأربعاء ثاني عشرينه احمرت السماء بالسحاب عند غروب الشمس حمرة مشوبة بصفرة ثم انجلت وظهر في أثرها برق من ناحية الجنوب في سحاب قليل متقطع وازداد وتتابع من غير فاصل حتى كان مثل شعلة النفط المتوقدة المتوجة بالهواء واستمر ذلك الى ثالث ساعة من الليل ثم تحول الى جهة المغرب وتتابع لكن بفاصل على طريقة البرق المعتاد واستمر الى خامس ساعة ثم أخذ في الاضمحلال وبقي أثره غالب الليل وكان ذلك ليلة سادس عشرين درجة من برج الميزان وحادي عشر بابه القبطي وثامن تشرين أول الرومي ولعل ذلك من الملاحم المنذرة بحادث من الحوادث‏.‏

وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا وبها الجي وقنصل وصحبتهما عدة فرنسيس فعمل لهم الانكليز شنكًا ومدافع بالاسكندرية فلما كان ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الألجي لملاقاتهم خازنداره وصحبته عدة عساكر خيالة وبأيديهم السيوف المسلولة فقابلوهم وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والأزبكية وركبوا الى دار أعدت لهم بحارة البنادقة وحضروا في صبحها الى عند الباشا وقابلوه وقدم لهم خيلًا معدة وأهدى لهم هدايا وصاروا يركبون في هيئة وأبهة معتبرة وكان فيهم جبير ترجمان بونابارته‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الغز القبالي نهبوا بلاد الفيوم وقبضوا أموالها ونهبوا غلالها ومواشيها وحرقوا البلاد التي عصت عليهم وقتلوا ناسها حتى قتلوا من بلدة واحدة مائة وخمسين نفرًا وأما العثمانية الكائنون بالفيوم فإنهم تحصنوا بالبلدة وعملوا لهم متاريس بالمدينة وأقاموا داخلها‏.‏

شهر رجب الفرد سنة 1217 استهل بيوم الجمعة فيه رموا أساس عمارة الباشا وكان طلب من الفلكيين أن يختاروا له وقتًا لوضع الأساس ففعلوا ذلك وكان بعد اثني عشر يومًا من يوم تاريخه فاستبعده وأمر برمي الأساس في اليوم المذكور‏.‏

ورب النجم يفعل ما يشاء‏.‏

وفيه أحضروا أربعة رؤوس فوضعت عند باب الباشا زعموا أنهم من قتلى الغز المصرلية‏.‏

وفي خامسه يوم الثلاثاء سافر الألجي الفرنساوي وأصحابه فنزلوا الى بولاق وأمامهم مماليك الباشا بزينتهم وهم لابسون الزروخ والخود وبأيديهم السيوف المسلولة وخلفهم العبيد المختصة بالباشا وعلى رؤوسهم طراطير حمر وبأيديهم البنادق على كواهلهم فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتو ببولاق ثم رجعوا ثم نزلوا المراكب الى دمياط وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن‏.‏

وفيه أشيع انتشار الأمراء القبالي الى جهة بحري وحضروا الى إقليم الجيزة وطلبوا منها الكلف حتى وصلوا الى وردان‏.‏

وفيه حضر محمد كتخدا المعروف بالزربة الذي كان كتخدا الباشا وتقدم أنه كان أمره بالسفر الى قبلي فامتنع وأذن له بالسفر الى البحيرة محافظًا فلما تقدم طوائف الأمراء الى بحري فمر منهم جماعة قليلة على محمد كتخدا الزربة المذكور فلم تيعرض لهم مع قدرته على تعويقم فبلغ الباشا ذلك فحقدها عليه وأرسل إليه وطلبه الى الحضور فحضر فلما كان يوم السبت تاسعه طلبه الباشا في بكرة النهار فلما أحضر بقتله فنزل به العسكر ورموا رقبته عند باب الباشا ثم نقلوه الى بين المفارق قبالة حمام عثمان كتخدا فاستمر مرميًا عريانًا الى قبيل الظهر ثم شالوه الى بيته وغسلوه في حوش البيت سكنه ودفنوه وعند موته أرسل الدفتردار فختم على داره وأخرج حريمه وفي ثاني يوم أحضروا تركته ومتاعه وباعوا ذلك ببيت الدفتردار‏.‏

وفيه وردت مكاتبات من الديار الرومية وفيها الخبر بعزل شريف أفندي الدفتردار وولاية خليل أفندي الرجائي المنفصل عن الدفتردارية عام أول فحزن الناس لذلك حزنًا عظيمًا فإن أهل مصر لم يروا راحة من وقت دخول العثمانية الى مصر بل من نحو أربعين سنة سوى هذه السنة التي باشرها هو فإنه أرضى خواطر الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني وصرف الجامكية وغلال الأنبار عينًا وكيلًا وكان كثير الصدقات ويحب فعل الخير والمعروف وكان مهذبًا في نفسه بشوشًا متواضعًا وهو الذي أرسل يطلب الاستعفاء من الدفتردارية لما رأى من اختلال أحكام الباشا‏.‏

وفي يوم الاثنين حادي عشره عدى يوسف كتخدا الباشا الى بر انبابة وعدى معه الكثير من العسكر ونصب العرضي ببر انبابة على ساحة البحر وأشيع وصول الأمراء الى ناحية الجسر الأسود وقطعوا الجسر لأجل تصفية المياه وانحدارها من الملق لأجل مشي الحافر ثم رجعوا الى ناحية المنصورية وبشتيل واستمر خروج العساكر العثمانية التي كانت جهة قبلي الى بر انبابة وهم كالجراد المنتشر ونصبوا وطاقهم ظاهر انبابة واستمر خروج العساكر والطلب ونقل البقسماط والجبخانة على الجمال والحمير ليلًا ونهارًا وأخذوا المراكب ووسقوها معهم في البحر وغصبوا ما وجدوه من السفن قهرًا وانتشرت عساكرهم وخيامهم ببر انبابة حتى ملأوا الفضاء بحيث يظن الرائي لهم أنهم متى تلاقوا مع الغز المصرلية أخذوهم تحت أقدامهم لكثرتهم واستعدادهم بحيث كان أوائل العرضي عند الوراريق وآخرهم بالقرب من بولاق التكر ورطولا ثم أن الأمراء رجعوا الى ناحية وردان والطرانة‏.‏

وفي يوم الجمعة خامس عشره انتقل العرضي من بر انبابة وحلوا الخيام وفي ثاني يوم خرجت عساكر خلافهم ونصبت مكانهم وسافروا وخرج خلافهم وهكذا دأبهم في كل يوم تخرج طائفة بعد أخرى‏.‏

وفيه رسم الباشا بألف أردب فتح أنعام تفرق على طلبة العلم المجاورين والأروقة بالجامع الأزهر ففرقت بحسب الأغراض وأنعم أيضًا بعد أيام بألف أردب أخرى فعل بها كذلك‏.‏

وإنها خطرات من وساوسه يعطي ويمنع لا بخلًا ولا كرما وفي يوم الأحد سابع عشره وصلت جماعة ططر وأخبروا بتقليد شريف محمد أفندي الدفتردار ولاية جدة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره خرج طاهر باشا ونصب وطاقه جهة انبابة للمحافظة وخرجت عساكره ونصبت وطاقاتهم ببر انبابة أيضًا متباعدين عن بعضهم البعض واستمروا على ذلك‏.‏

وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه حضر رجل من طرف الدولة يقال له حجان وهو رجل عظيم من أرباب الأقلام وعلى يده فرمان فأرسل الباشا الى شريف أفندي الدفتردار والقاضي والمشايخ وجمعهم بعد صلاة الجمعة وقرئ عليهم ذلك الفرمان وهو خطاب الى حضرة الباشا وملخصه أننا اخترناك لولاية مصر لكونك ربيت بالسراية ولما نعلمه منك من العقل والسياسة والشجاعة وأرسلنا إليك عساكر كثيرة وأمرناك بتقال الخائنين وإخراج الأربعة أنفار من المناصب في غير إقليم مصر وإكرامهم غاية الإكرام إن امتثلوا الأوامر السلطانية وأطلقنا لك التصرف في الأموال الميرية لنفقة العسكر واللوازم وما عرفناه موجب تأخير أمرهم لهذا الوقت فإن كان لقلة العساكر أرسلنا إليك كذلك إن لم يمتثلوا وكل من انضم إليهم كان مثلهم ومن شذ عنهم وطلب الأمان فهو مقبول وعليه الأمان الى آخر ما ذكر من ذلك المعنى‏.‏

وفي يوم السبت ثالث عشرينه كتبت أوراق بمعنى ذلك وألصقت بالطرقات‏.‏

وفي خامس عشرينه تواترت الأخبار بوقوع معركة بين العثمانيين والأمراء المصرلية بأراضي دمنهور وقتل من العساكر العثمانية مقتلة عظيمة وكانت الغلبة للمصرليين وانتصروا على العثمانيين وصورة ذلك أنه لما تراءى الجمعان واصطفت عساكر العثمانيين الرجالة ببنادقهم واصطفت الخيالة بخيولهم وكان الألفي بطائفة من الأجناد نحو الثلاثمائة قريبًا منهم وصحبتهم جماعة من الانكليز فلما رأوهم مجتمعين لحربهم قال لهم الانكليز ماذا تصنعون قالوا نصدمهم ونحاربهم قال الانكليز انظر واما تقولون إن عساركرهم الموجهين إليكم أربعة عشر ألفًا وأنتم قليلون قالوا النصر بيد الله فقالوا دونكم فساقوا إليهم خيولهم واقتحموا الى الخيالة فقتل منهم من قتل فانهزم الباقون وتركوا الرجالة خلفهم ثم كروا على الرجالة فلم يتحركوا بشيء وطلبوا الأمان فساقوا منهم نحو السبعمائة مثل الأغنام وأخذوا الجبخانة والمدافع وغالب الحملة والانكليز وقوف على علوة ينظرون الى الفريقين بالنظارات فلما تحقق الباشا ذلك اهتم في تشهيل عساكر ومدافع وعدوا الى بر انبابة ونصبوا وطاقهم هناك‏.‏

وانتقل طاهر باشا الى ناحية الجيزة‏.‏

استهل شهر شعبان بيوم السبت سنة 1217 فيه شرعوا في عمل متاريس جهة الجيزة وقبضوا على أناس كثيرة من ساحل مصر القديمة ليسخروهم في العمل‏.‏

وفيه حضر الكثير من العساكر المجاريح وجمع الباشا النجارين والحدادين وشرع في عمل شركفلك فاشتغلوا فيه ليلًا ونهارًا حتى تمموه في خمسة أيام وحملوه على الجمال وأنزلوه المراكب وسفروه الى دمنهور‏.‏

في سادسه وفي عاشره كتبوا عدة أوراق وختم عليها المشايخ ليرسلوها الى البلاد خطا بالمشايخ البلاد والعربان مضمونها معنى ما تقدم وكتبوا كذلك نسخًا وألصقت بالأسواق وذلك بإشارة بعض قرناء الباشا المصرلية وهي بمعنى التحذير والتخويف لمن يسالم الأمراء المصرلية وخصوصًا المغضوب عليهم مطرودين السلطنة العصاة الى آخر معنى ما تقدم‏.‏

وفي هذه الأيام كثرت الغلال حتى غصت بها السواحل والحواصل ورخص سعرها حتى بيع القمع بمائة وعشرين نصفًا الأردب واستمرت الغلال معرمة في السواحل ولا يوجد من يشتريها وكان شريف أفندي الدفتردار أنشأ أربعة مراكب كبار لغلال الميري ولما حصلت النصرة للمصرلية على العثمانية خصوصًا هذه المرة مع كثرتهم وقوتهم واستعدادهم ضبغوا فيها واحتكروها ووقفوا على سواحل النيل يمنعون الصادر والوارد منهم ومن غيرهم وأما الباشا فإنه سخط على العساكر وصار يلعنهم ويشتمهم في غيابهم وحضورهم‏.‏

وفيه حضرت جماعة من أشراف مكة وعلمائها هروبا من الوهابيين وقصدهم السفر الى اسلامبول يخبرون الدولة بقيام الوهابيين ويستنجدون بهم لينقذوهم منهم ويبادروا لنصرهم عليهم فذهبوا الى بيت الباشا والدفتردار وأكابر البلد وصاروا يحكون ويشكون وتنقل الناس أخبارهم وحكاياتهم‏.‏

استهل شهر رمضان المعظم سنة 1217 عملت الرؤية ليلة الأحد وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة ولم ير الهلال وكان غيمًا مطبقًا فلزم إتمام عدة شعبان ثلاثين يومًا فانتدب جماعة ليلة الأحد وشهدوا أنهم رأوا هلال شعبان ليلة الجمعة فقبله القاضي وحكم به تلك الليلة على أن ليلة الجمعة التي شهدوا برؤيته فيها لم يكن للهلال وجود البتة وكان الاجتماع في سادس ساعة من ليلة الجمعة المذكور بإجماع الحساب والدساتير المصرية والرومية على أنه لم ير الهلال ليلة السبت الأحد يد البصر في غاية العسر والعجب وشهر رجب كان أوله الجمعة وكان عسر الرؤية أيضًا وأن الشاهد بذلك لم يتفوه به إلا تلك الليلة فلو كانت شهادته صحية لأشاعها في أول الشهر ليوقع ليلة النصف التي هي من المواسم الإسلامية في محلها حيث كان حريصًا على إقامة شعائر الإسلام‏.‏

وفيه حضرت جماعة من أشراف مكة وغيرها‏.‏

وفي خامس عشرينه حضر خليل أفندي الرجائي الدفتردار في قلة من أتباعه وترك أثقاله بالمراكب وركب من مدينة فوة وحضر على البر وذلك بسبب وقوف جماعة من الأمراء المصرلية ناحية النجيلة يقطعون الطريق على المارين في المراكب ولما حضر نزل ببيت اسمعيل بك بالأزبكية‏.‏

وفي غايته وقع ما هو أشنع مما وقع في غرته وذلك أن ليلة الاثنين غايته كان بالسماء غيم مطبق ومطر ورعد وبرق متواتر وأوقدت قناديل المنارات والمساجد وصلى الناس التراويح واستمر الحال الى سابع ساعة من الليل وإذا بمدافع كثيرة وشنك من القلعة والأزبكية ولغط الناس بالعيد وذكروا أن جماعة حضروا من دمنهور البحيرة وشهدوا أنهم رأوا هلال رمضان ليلة السبت فذهبوا الى بيت الباشا فأرسلهم القاضي فتوقف القاضي في قبول شهادتهم فذهبوا الى الشيخ الشرقاوي فقبلهم وأيدهم وردهم الى القاضي وألزمه بقبول شهادتهم فكتبوا بذلك إعلامًا الى الباشا وقضوا بتمام عدة رمضان بيوم الأحد ويكون غرة شوال صبحها يوم الاثنين وأصبح الناس في أمر مريج منهم الصائم ومنهم الفاطر فلزم من ذلك أنهم جعلوا رجب ثمانية وعشرين يومًا وشعبان تسعة وعشرين وكذلك رمضان والأمر لله وحده‏.‏

شهر شوال سنة 1217 كان أوله الحقيقي يوم الثلاثاء وجزم غالب الناس المفطرين بقضاء يوم الاثنين‏.‏

وفي خامسه وصلت أثقال خليل أفندي الرجائي الدفتردار‏.‏

وفيه طلبوا ألف كيس سلعة من التجار وأرباب الحرف فوزعت وقبضت على يد السيد أحمد المحروقي وهي أول حادثة وقعت بقدوم الدفتردار‏.‏

وفي يوم الخميس عاشره نصب جاليش شريف باشا المعبر عنه بالطوخ عند بيته بالأزبكية وضربت له النوبة التركية وأهدى له الباشا خيامًا كثيرة وطقمًا ولوازم‏.‏

وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه كان خروج أمير الحاج بالموكب والمحمل المعتاد الى الحصوة وكان ركب الحجاج في هذه السنة عالمًا عظيمًا وحضر الكثير من حجاج المغاربة من البحر وكذلك عالم كثير من الصعيد وقرى مصر البحرية والأروام وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشرينه خرج شريف باشا في موكب جليل ونصب وطاقه عند بركة الشيخ قمر فأقام به الى أن يسافر الى جدة من القلزم وانتقل خليل أفندي الرجائي الدفتردار الى دار شريف باشا بالأزبكية‏.‏

وفي غايته حضر أولاد الشريف سرور شريف مكة هروبًا من الوهابيين ليستنجدوا بالدولة فنزلوا ببيت المحروقي بعدما قابلوا محمد باشا والي مصر وشريف باشا والي جدة‏.‏

شهر ذي القعدة الحرام سنة 1217 استهل بيوم الأربعاء فيه تقدم الناس بطلب الجامكية فأمرهم الدفتردار بكتابة عرض حالات فثقل عليهم ذلك فقالوا إننا كتبنا عرضحالات في السنة الماضي وأخذنا سنداتنا من الدفتردار المنفصل ودفع لنا سنة ستة عشر فقيل لهم إنه دفع لكم سنة معجلة والحساب لا يكون إلا من يوم التوجيه فضجوا من ذلك وكثر لغط الناس بسبب ذلك وأكثروا من التشكي من الدفتردار‏.‏

وفي سادسه اجتمع الكثير من النساء بالجامع الأزهر وصاحوا بالمشايخ وأبطلوا دروسهم فاجتمعوا بقبلته ثم ركبوا الى الباشا فوعدهم بخير حتى ينظر في ذلك وبقي الأمر وهم في كل يوم يحضرون وكثر اجتماعهم بالأزهر وباب الباشا فلم يحصل لهم فائدة من ذلك سوى أن رسم لهم بمواجب آخر سنة تاريخه معجلة ولم يقبضوا منها إلا ما قل بسبب تتابع الشرور والحوادث‏.‏

وفي حادي عشره يوم السبت ارتحل شريف باشا الى بركة الحج متوجهًا الى السويس‏.‏

وفيه ارتحل حجاج المغاربة وكانوا كثيرين فسافر أغنياؤهم والكثير من فقرائهم من طريق البر وآخرون من السويس على القلزم‏.‏

وفي رابع عشره حضر ططريات الى الباشا وعلى يدهم شالات شريفة وبشارة بتقريره على السنة الجديدة وزيد له تشريف تترخانية ومعناه مرتبة عالية في الوزارة فضربوا شنكًا ومدافع متوالية يومين‏.‏

وفيه أشيع انتقال الأمراء المصرلية من جهة البحيرة وقبلوا الى ناحية الجسر الأسود وأشيع أيضًا أن جماعة منهم نزلوا بصحبة جماعة من الانكليز الى البحر قاصدين التوجه الى اسلامبول وانتقل كتخدا بك خلفهم بعساكره ولكن لم يتجاسروا على الإقدام عليهم‏.‏

وفيه وصلت الأخبار من الجهات الشامية بهروب محمد باشا أبي مرق من يافا واستيلاء وفي رابع عشره حضر كتخدا الباشا وتقدم الأمراء المصرلية الى جهة قبلي حتى عدوا الجيزة وحصل منهم ومن العساكر العثمانية الضرر الكثير في مرورهم على البلاد من التفاريد والكلف ورعي الزروع وقطع الطرق برًا وبحرًا وكان أغات الجو الى القبلية وهو نجيب أفندي كتخدا الدفتردار وصحبته أرباب مناصب عدوا الى الجيزة متوجهين الى الصعيد ونصبوا خيامهم ببر الجيزة فصادفوهم وهجموا عليهم وقتلوا منهم من وجدوه وهرب الباقون‏.‏

فاستولوا على خيامهم ووطاقهم وكذلك كتخدا الدفتردار خرج الى مصر القديمة متوجهًا الصعيد لقبض الغلال والأموال فاستمر مكانه وتأخر لعدم المراكب وخوفًا من المذكورين‏.‏

وفيه ورد الخبر بنزول شريف باشا الى المراكب بالقلزم يوم الخميس سادس عشره‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثاني عشرينه طلبوا أيضًا خمسة آلاف كيس سلفة من التجار ثلاثة آلاف كيس ومن الملتزمين ألفا كيس وشرعوا في توزيعها فانزعج الناس وأغلق أهل الغورية حوانيتهم وكذا خلافهم وهرب أهل وكالة الصابون الى الشام على الهجن واختفى أكثر الناس مثل السكرية وأهل مرجوش وخلافهم فطلبهم المعينون ولزموا بيوتهم وسمروا مطابخ السكر وكذلك عملوا فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى الأعلى خمسمائة ريال والأوسط ثلثمائة والأدنى مائة وخمسون‏.‏

وفيه تحقق الخبر بنزول طائفة الانكليز وسفرهم من ثغر الاسكندرية في

يوم السبت حادي عشرة وفي خامس عشرينه حضر أحمد باشا والي دمياط

وكانوا أرسلوا له طوخًا ثالثًا وأنه يحضر ويتوجه لمحافظة مكة وكذلك قلدوا آخر باشاوية المدينة يسمى أحمد باشا وضعوا لهما عسكرًا يسافرون صحبتهم للمحافظة من الوهابيين وأخذوا في التشهيل‏.‏

وفي هذه الأيام كثر تشكي العسكر من عدم الجامكية والنفقة فإنه اجتمع لهم جامكية نحو سبعة أشهر وقد قطع عليهم الباشا رواتبهم وخرجهم لقلة الإيراد وكثرة المطلوبات وكراهته لهم فصار كبراؤهم يرترددون ويكثرون من مطالبة الدفتردار حتى كان يهرب من بيته غالب الأيام وأشيع بالمدينة قيام العسكر وأنهم قاصدون نهب أمتعة الناس فنقل أهل الغورية وخلافهم بضائعهم من الحوانيت وامتنع الكثير منهم من فتح الحوانيت وخافهم الناس حتى في المرور‏.‏

وخصوصًا أوقات المساء فكانوا إذا انفردوا بأحد شلحوه من ثيابه وربما قتلوه وكذلك أكثروا من خطف النساء والمردان‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه كان انتقال الشمس لبرج الحمل وأول فصل الربيع وفي تلك الليلة هبت رياح شمالية شرقية هبوبًا شديدًا مزعجًا واستمرت بطول الليل قبل افجر اشتد هبوبها ثم سكنت عند الشروق وسقط تلك الليلة دار بالحبالة بالرميلة ومات بها نحو ثلاثة أشخاص وداران أيضًا بطولون وغير ذلك حيطان وأطارف أماكن قديمة ثم تحولت الريح غربية قوية وفيه وصل الأمراء المصرلية الى الفيوم فأخذوا كلفًا ودراهم كثيرة فردوها على البلاد ثم سافروا الى الجهة القبلية‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن المراكب التي بها ذخيرة أمير الحاج بالقلزم المتوجهة الى الينبع والمويلح غرقت بما فيها ومركب الجميعي من جملتها‏.‏

وفيه حضر مصطفى بينباشا الذي كان أيام الوزير بمصر الى بلبيس وهو موجه بطلب مبلغ دراهم فأقام ببلبيس حتى أرسلوها له ثم ذهب الى دمياط وصحبته نحو الأربعمائة من الأرنؤد ليسافر من البحر‏.‏

وفيه توجه المحروقي والكثير من الناس لزيارة سيدي أحمد البدوي لمولد الشرنبلالية وأخذ معه عدة كثيرة من العسكر خوفًا من العربان ووصل إليه فرمان بطلب دراهم من أولاد الخادم ومن أولاد البلد فدلوا على مكان لمصطفى الخادم فاستخرجوا منه ستة آلاف ريال وطلبوا من كل واحد من أولاد عمه مثلها‏.‏

شهر ذي الحجة الحرام سنة 1217 استهل بيوم الجمعة في يوم الاثنين رابعه قتلوا شخصًا عسكريًا نصرانيًا عند باب الخرق قتله أغات التبديل بسبب أنه كان يقف عند باب داره بحارة عابدين هو ورفيقان له ويخطفون من يمر بهم من النساء في النهار الى أن قبض عليه وهرب رفيقاه‏.‏

وفيه أيضًا أخرجوا من دار بحارة خشقدم قتلى كثيرة نساء ورجالًا من فعل العسكر‏.‏

وفيه عدى ابراهيم باشا الى بر الجيزة‏.‏

وفي يوم الأحد عاشره كان عيد الأضحى في ذلك اليوم حضر من الأمراء القبالي مكاتبة على يد الشيخ سليمان الفيومي خطابًا للمشايخ فأخذها بختمها وذهب بها الى الباشا ففتحها واطلع على ما فيها ثم طلب المشايخ فحضروا إليه وقت العصر‏.‏

وفي يوم الجمعة خامس عشره حضرت مكاتبات من الديار الحجازية يخبرون فيها عن الوهابيين أنهم حضروا الى جهة الطائف فخرج إليهم شريف مكة الشريف غالب فحاربهم فهزموه فرجع الى الطائف وأحرق داره التي بها وخرج هاربًا الى مكة فحضر الوهابيون الى البلدة وكبيرهم المضايفي نسيب الشريف وكان قد حصل بينه وبين الشريف وحشة فذهب مع الوهابيين وطلب من مسعود الوهابي أن يؤمره على العسكر الموجه لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء ولاأطفال وهذا دأبهم مع من يحاربهم‏.‏

وفي ذلك اليوم مر أربعة أنفار من العسكر وأخذوا غلامًا لرجل حلاق بخط بين السورين عند القنطرة الجديدة فعارضهم الأوسط الحلاق في أخذ الغلام فضربوا الحلاق وقتلوه ثم ذهبوا بالغلام الى دارهم بالخطة فقامت في الناس ضجة وكرشة وحضر أغات التبديل فطلبهم فكرنكوا بالدار وضربوا عليه البنادق من الطيقان فقتلوا من أتباعه ثمانية أنفار ولم يزالوا على ذلك الى ثاني يوم فركب الباشا في التبديل ومر من هناك وأمر بالقبض عليهم فثقبوا عليهم من خلف الدار وقبضوا عليهم بعدما قتلوا وجرحوا آخرين فشنقوهم ووجدوا بالدار مكانًا خربًا أخرجوا منه زيادة عن ستين امرأة مقتولة وفيهن من وجودها وطفلها مذبوح معها في حضنها‏.‏

وفيه حضر علي آغا الوالي الى بيت أحمد آغا شويكار بضرب سعادة وأخرج منه قتلى كثيرة وأمثال ذلك شيء كثير‏.‏

وفي خامس عشره أيضًا أمر الباشا الوجاقلية أن يخرجوا جهة العادلية لأجل الخفر من العربان فإنهم فحش أمرهم وتجاسروا في التعرية والخطف حتى على نواحي المدينة بل وطريق بولاق وغير ذلك فلما كان في ثاني يوم ركب الوجاقلية بأبهتهم وبيارقهم وحضروا الى بيت الباشا وخرجوا من هناك الى وطاقهم الذي أعدوه لأنفسهم خارج القاهرة وشرعوا أيضًا في تعمير قصر من القصور الخارجة التي خربت أيام الفرنسيس‏.‏

وفي تاسع عشره سافر جماعة الوجاقلية المذكورين وصحبتهم عدة من العسكر الى جهة عرب الجزيرة بسبب إغارة موسى خالد ومن معه على البلاد وقطع الطرق فلاقاهم المذكور وحاربهم وهزمهم الى وردان وذهب هو الى جهة البحيرة‏.‏

وفي رابع عشرينه يوم الأحد كان عيد النصارى الكبير في ليلتها وهي ليلة الاثنين وقع الحريق في الكنيسة التي بحارة الروم وفي صبحها أشاع ذلك فركب إليها أغات الانكشارية والوالي وأحضروا السقائين والفعلة الذين يعملون في عمارة الباشا حتى أخذوا الناس المجتمعة بسوق المؤيد بالأنماطيين وحضر الباشا أيضًا في التبديل واجتهدوا في إطفائها بالماء والهدم حتى طفئت في ثاني يوم واحترق بها أشياء كثيرة وذخائر وأمتعة ونهبت أشياء‏.‏

وفيه وردت أخبار بأن الأمراء المصرلية وصلوا الى منية بن خصيب فأرسلوا الى حاكمها بأن ينتقل منها ويعدي هو ومن معه من العسكر الى البر الشرقي حتى أنهم يقيمون بها أيامًا ويقضون أشغالهم ثم يرحلون فأبوا عليهم وحصنوا البلدة وزادوا في عمل المتاريس وحاكمها المذكور سليم كاشف تابع عثمان بك الطنبرجي المرادي المقتول فإنه سالم العثمانيين وانضم إليهم فألبسوه حاكمًا على المنية وأضافوا إليه عساكر فذهب إليها ولم يزل مجتهدًا في عمل متاريس ومدافع حتى ظن أنه صار في منعة عظيمة فلما أجابهم بالامتناع حضروا الى البلدة وحاربهم أشد المحاربة مدة أربعة أيام بلياليها حتى غلبوا عليهم ودخلوا البلدةوأطلقوا فيها النار وقتلوا أهلها وما بها من العسكر ولم ينج منهم إلا من ألقى نفسه في البحر وعام الى البر الآخر أو كان قد هرب قبل ذلك وأما سليم كاشف فإنهم قبضوا عليه حيًا وأخذوه أسيرًا الى ابراهيم بك فوبخه وأمر بضربه فضربوه علقة بالنبابيت‏.‏

وفيه وصلت هجانة من شريف باشا بمكاتبة للباشا والدفتردار يخبر فيها أنه وصل الى الينبع وهو عازم على الركوب من هناك على البر ليدرك الحج ويترك أثقاله تتوجه في المركب الى جدة‏.‏

وفي غايته وصل سلحدار باشا وصحبته أغات المقرر الذي تقدمت بشارته فلما وصلوا الى بولاق أرسل الباشا في صبحها إليهم فركبوا في موكب الى بيت الباشا وضربوا لهم مدافع وحضر المشايخ والقاضي والأعيان والوجاقات فقرئ عليهم ذلك وفيه الأمر بتشهيل غلال للحرمين والحث والأمر بمحاربة المخالفين‏.‏

وفيه بعثوا نحو ألف من العسكر الى جهة أسيوط للمحافظة فساروا على الهجن من البر الشرقي‏.‏

وفيه أرسلوا أوراقًا الى التجار وأرباب الحرف بطلب باقي الفردة وهو القدر الذي كان تشفع فيه المحروقي وأخذوا في تحصيله‏.‏

وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الكلية التي ذكر بعضها وأما الجزئية فلا يمكن الإحاطة ببعضها فضلًا عن كلها لكثرتها واختلاف جهاتها واشتغال البال عن تتبع حقائقها ونسيان الغائب بالأشنع القبيح بالأقبح فمن الكلية التي عم الضرر بها زيادة المكوس أضعاف المعتاد في كل ثغر ذهابًا وإيابًا ومنها توالي الفرد والسلف والمظالم على أهل المدينة والأرياف وحق طرق المعينين وكلفهم الخارجة عن الحد والمعقول بأدنى شكوى ولو بالباطل فبمجرد ما يأتي الشاكي بعرضحال شكواه يكتب له ورقة ويعين بها عسكري أو اثنان أو أكثر بحسب اختيار الشاكي وطلبه للتشفي من خصمه فبمجرد وصوله الىالمشكي بصورة منكرة وسلاح كثير متقلد به فلا يكون له شغل إلا طلب خدمته ولا يسأل عن الدعوى ولا عن صورتها ويطلب طلبًا خارجًا عن المعقول كألف قرش في دعوى عشرة قروش وخصوصًا إذا كانت الشكوى على فلاح في قرية فيحصل أشنع من ذلك من إقامتهم عندهم وطلبهم وتكليفهم الذبائح والفطور بما يشترطونه ويقترحونه عليهم وربما يذهب الشخص الذي يكون بينه وبين آخر عداوة قديمة أو مشاحنة أو دعوى قضى عليه فيها بحرق من زمان طويل فيقدم له عرضحال ويعين له مباشرًا بفرمان ويذهب هو فلا يظهر ويذهب المعين في شغله والمشكي لا يرى الشامي ولا يدري من أين جاءته هذه المصيبة ويمكن أنه من بعد خلاصه من أمر المباشر يحضر الى بيت الباشا ويفحص عن خصمه ويعرفه فينهي دعواه ويظهر حجته بأنه على الحقث وأن خصمه على الباطل فيقال له عين على خصمك أيضًا فإن أجاب الى ذلك رسم له بفرمان ومعين آخر كذلك وإلا ترك أجره على الله ورجع فضاق ذرع الناس من هذه الحال وكرهوا هذه الأوضاع وربما قتل الفلاحون المعينين وهربوا من بلادهم وجلوا عن أوطانهم خوف الغائلة ولم يزل هذا دأبهم حتى نفرت منهم القلوب وكرهتهم النفوس وتمنوا لهم الغوائل وعصت أهل النواحي وعربدت العربان وقطعوا الطرق وعلموا خيانتهم فخانوهم ومكالبتهم فكالبوهم وانتمى عربان الجهة القبلية الى الأمراء المصرلية وساعدوهم عليهم ولما انحدر الأمراء الى جهة بحري انضمت إليهم جميع قبائل الجهة العربية والهنادي وعرب البحيرة وخلافهم فلما وقعت الحروب بين الأمراء والعثمانيين وكانت الغلبة للأمراء والعربان زادت جسارتهم عليهم ورصدوا لهم الغوائل وقطعوا عليهم وعلى المسافرين الطرق بحرًا وبرًا فمن ظفروا به ومانعهم نهبوا متاعه وقتلوه وإلا سلبوه وتركوه فحش الأمر جدًا قبلي وبحري حتى وقف حال الناس ورضوا عن أحكام الفرنسيس ومنها أن الباشا لم قتل الوالي والمحتسب وعمل قائمة تسعيرة للمبيعات وأن يكون الرطل اثنتي عشرة أوقية في جميع الأوزان وأبطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به السمن والجبن والعسل واللحم وغير ذلك وهو أربع عشرة أوقية لم ينفذ من تلك الأوامر شيء سوى نقص الأرطال ولم يزل ذو الفقار محتسبًا حتى رتب المقررات على المتسببين زيادة عن القانون الأصلي وجعل منها قسط الخزينة للباشا وللكتخدا وخلافهما ورجعت الأمور في الأسعار أقبح وأغلى مما كانت عليه في كل شيء واستمر الرطل اثنتي عشرة أوقية لا غير وكثر ورود الغلال أيام النيل ورخص سعرها والرغيف على مقدار رغيف الغلاء ومنها أن الفضة الأنصاف العددية صاروا يأخذونها من دار الضرب أول بأول ويرسلونها الى الروم والشام زيادة الصرف ولا ينزل الى الصيارف منها إلا القليل حتى شحت بأيدي الناس جدًا ووقف حالهم في شراء لوازم البيوت ومحقرات الأمور ويدور الأسانن بالريال أو المجبوب أو المجر وهو في يده طول النهار فلا يجد مصارفته وأغلقت غالب الصيارف حوانيتهم بسبب ذلك وبسبب أذية العسكر فإنهم يأتون إليهم ويلزمونهم بالمصارفة فيقول له الصيرفي ليس عندي فضة فلا يقبل عذره ويفزع عليه بيطقانه أو بارودته وإن وجد عنده المصارفة وكان المحبوب أو البندقي ناقصًا في الوزن لا يستقيم في نقصه ولا يأخذ إلا صرفه كاملًا وإذا اشترى شيئًا من سوقي أعطاه بندقيًا وطلب باقيه ولم يكن عند البائع باقيه أخذ الذي اشتراه والبندقي وذهب ولا يقدر المسبب على استخلاص حقه منه وإن وجد معه باقي الصارفة وأخذ ذلك البندقي ونقد عند الصراف وكان ناقصًا وهو الغالب لا يقدر الصيرفي أن يذكر نقصه فإن قال إنه ينقص كذا فزع عليه وسبه وبعضهم أدخل إصبعه في ومنها شحة المراكب حتى أن المسافر يمكث الأيام الكثيرة ينتظر مركبًا فلا يجد وربما أخذوها بعد تمام وسقها فنكتوه وأخذوها وإن مرت على الأمراء المصرلية ومن انضم إليهم تعرضوا لها ونهبوا ما بها من الشحنة وأخذوا المركب واستمر هذا الحال على الدوام فكان ذلك من أعظم أسباب التعطيل أيضًا‏.‏

ومنها تسلط العسكر على خطف الناس وسلبهم وقتلهم وخصوصًا في أواخر هذه السنة حتى امتنعت الناس من المرور في جهات سكنهم إلا أن يكونوا في عزوة ومنعة وقوة ولا تكاد ترى شخصًا يمر في الأسواق السلطانية من بعد المغرب وقبيل العشاء وإذا اضطر الإنسان الى المرور تلك الأوقات فلا يمر إلا كالمجازف على نفسه وكأنما على رسه الطير فيقال إن فعلهم هذه الفعائل من عوائدهم الخبيثة إذا تأخرت نفقاتهم فعلوا ذلك مع العامة على حد قول القائل خلص تارك من جارك وذلك كله بسبب تأخير جماكيهم وقطع خرجهم نحو خمسة أشهر والباشا يسوقهم ويقول هؤلاء لا يستحقون فلسًا وأي شيء خرج من يدهم وطول المدى نكلفهم ونعطيهم وما ستروا أنفسهم مع الغز المصرلية ولا مرة فلا حاجة لنا بهم بل يخرجون عني ويذهبون حيث شاؤوا فليس منهم إلا الزرية والفنطزية وهم يقولون لا نخرج ولا نذهب حتى نستوفي حقنا على دور النصف الفضة الواحد وإن شئنا أقمنا وإن شئنا ذهبنا‏.‏

ومنها استمرار الباشا على الهمة والاجتهاد في العمارة والبناء وطلب الأخشاب والمؤن حتى عز جميع أدوات العمارة وضاق حال الناس بسبب احتياجهم لعمارة أماكنهم التي تخربت في الحوادث السابقة وبلغ سعر الأردب الجبس مائة وعشرين نصفًا والجير المخلوط أربعين نصفًا وأجرة المعلم في اليوم خمسة وأربعين نصفًا ويتبعه آخر مثل ذلك والفاعل اثنين وعشرين نصفًا وأحدثوا أخذ إجازة من المعمارجي وهو أن الذي يريد بناء ولو كانونًا لا يقدر أن يأتيه البناء حتى يأخذ ورقة من المعمارجي ويدفع عليها خمسين نصفًا ولم يزل الاجتهاد في العمارة المذكورة حتى أقاموا جانبًا من القشلة وهي عبارة عن وكالة يعلوها طباق وأسفلها اصطبلات وحولها من داخل حواصل ومن خارج حوانيت وقهوة فعندما تمت الحوانيت ركبوا عليها درفها وأسكنوا بها قهوجيًا ومزينًا من أتباع الباشا وخياطين وعقادين وسروجية الباشا وغير ذلك ولم يكمل تسقيف الطباق وعملوا لها بوابة عظيمة بمصاطب وهدموا حائط الرحبة المقابلة لبيت الباشا الخارجة وعمرت وأنشئت بالحجر النحت المحكم الصنعة وعملوا لها بابًا عظيمًا ببدنات وأبراج عظيمة وبها طاقات عليا وسفلى وصفوا بها المدافع العظيمة وبركة الرحبة مثل ذلك وعملوا لها بابًا آخر قبالة باب القشلة بحيث صار بينها وبين القشلة رحبة متسعة يسلك منه المارون الى جهة بولاق على الجسر الذي عمله الفرنسيس ويخرجون أيضًا في سلوكهم من بوابة عظيمة الى طريق بولاق من الجهة الغربية بحائط حجر متصلة من الرحلة حيث البوابة المواجهة للقشلة الى آخر القشلة وعلى هذه البوابة من الجهتين مدافع مركبة على بدنات وأبراج وطيقان مهندمة وبأسفلها من داخل مصطبة كبيرة من حجر وبها باب يصعد منه الى تلك الأبراج والجبخانة والعساكر جلوس على تلك المصاطب الخارجة والداخلة لابسين الأسلحة وبنادقهم مرصوصة بدائر الحيطان وبداخل الرحبة الوسطانية مدافع عظيمة مرصوصة بطول الرحبة يمينًا وشمالًا وكذلك بداخل الحوش الجواني الأصلي وبأسفل البركة نحو المائتي مدفع مرصوصة أيضًا وعربيات وصناديق جبخانة وآلات حرب وغير ذلك والجبخانة الكبيرة لها محل مخصوص بالحوش الداخل الأصلي ولها خزنة وطبجية وعربجية‏.‏

ومنها أنه عدم البصل الأحمر حتى بيع الرطل بسعر القنطار في الزمن السابق وعدم الملح أيضًا بسبب احتكاره وعدم المراكب التي تجلبه من بحري لما ترتب عليهم من زيادة الجمرك‏.‏

وعدم مكاسبهم فيه لأن الذي تولى على جمرك الملاحة صار يأخذه من أصحابه على ذمته بسعر قليل معلوم ويبيعه على ذمته بسعر كثير لمن يسافر به الى جهة قبلي وذلك خلاف ما يأخذه من المراكب التي تحمله فامتنع المتسببون فيه من تجارته فعز وجوده في آخر السنة حتى بيع الربع بثمانين نصفًا من ثلاثة أنصاف وضجت الناس من ذلك فأرسل ذلك الملتزم ثلاثة مراكب على ذمته ووسقها ملحًا وصار يبيع الربع بعشرين نصفًا ويبيعه المسبب بثلاثين‏.‏

وهذا لم يعهد فيما تقدم من السنين وعدم أيضًا الصابون بسبب تأخر القافلة حتى بيع بأغلى ثمن ثم حضرت القافلة فانحل سعره وتواجد وغير ذلك مما لا يمكن الإحاطة به ونسأل الله تعالى حسن العاقبة‏.‏

سنة ثمان عشرة ومائتين وألف شهر محرم الحرام سنة 1218 استهل بيوم السبت في ذلك اليوم وقعت زعجة عظيمة في الناس وحصلت كرشات في مصر وبولاق حوانيتهم ورفعوا منهاما خف من متاعهم من الدكاكين وبعضهم ترك حانوته وهرب والبعض سقط متاعه من يده ولم يشعر من شدة ما لحقهم من الخوف والإرجاف ولم يعلم سبب ذلك فيقال إن السبب في ذلك أن جماعة من كبار العسكر ذهبوا الى الباشا وطلبوا جماكيهم المنكسرة وخرجهم فقال لهم اذهبوا الى الدفتردار فذهبوا الى الدفتردار فقال لهم حمكيتكم عند محمد علي فذهبوا الى محمد علي وكانوا وعدوهم بقبض جامكيتهم في ذلك اليوم فلما ذهبوا الى محمد علي قال لهم لم أقبض شيئًا فعملوا معه شراسة وضرب بيتهم بعض بنادق وهاجت العسكر عند بيت محمد علي سرششمه فحصلت هذه الزعجة في مصر وفيه وردت عدة تقارير وبها جبخانة وجملة من العسكر وصحبتهم ابراهيم آغا الذي كان كاشف الشرقية عام أول وكان توجه الى اسلامبول فحضر وصحبته ذلك فحملوا الجبخانة وطلعوها الى القلعة فيقال إنها متوجهة الى جدة بسبب فتنة الحجاز وقيل غير ذلك‏.‏

وفي يوم الجمعة سابعه ثارت العسكر وحضروا الى بيت الدفتردار فاجتمعوا بالحوش وقفلوا باب القيطون وطردوا القواسة وطلع جمع منهم فوقفوا بفسحة المكان الجالس به الدفتردار ودخل أربعة منهم عند الدفتردار فكلموه في إنجاز الوعد فقال لهم إنه اجتمع عندي نحو الستين ألف قرش فإما أن تأخذوها أو تصبروا كم يوم حتى يكمل لكم المطلوب فقالوا لابد من التشهيل فإن العسكر تلقلقوا من طول المواعيد فكتب ورقة وأرسلها الى الباشا بأن يرسل إليه جانب دراهم تكملة للقدر الحاصل عنده في الخزينة فرجع الرسول وهو يقول لا أدفع ولا آذن بدفع شيء فإما أن يخرجوا ويسافروا من بلدي أو لابد من قتلهم عن آخرهم فعندما رجع بذلك الجواب قال له ارجع إليه وأخبره أن البيت قد امتلأ بالعساكر فوق وتحت وإني محصور بينهم فعند وصول المرسال وقبل رجوعه أمر الباشا بأن يديروا المدافع ويضربوها على بيت الدفتردار وعلى العسكر فما يشعر الدفتردار إلا وجلة وقعت بين يديه فقام من مجلسه الى مجلس آخر وتتابع الرمي واشتعلت النيران في البيت وفي الكشك الذي أنشأه ببيت جده المجاور لبيته وهو من الخشب والحجنة من غير بياض فلم يكمل فالتهب بالنار فنزل الى أسفل والأرنؤد محيطة به وبات تحت السلالم الى الصباح ونهب العسكر الخزينة والبيت‏.‏

ولم يسلم إلا الدفتردار والأوراق وضعوها في صناديق وشالوها وكان ابتداء رمي المدافع وقت صلاة الجمعة وأما أهل البلد فإنهم كانوا متخوفين ومتطيرين من قومة أو فزعة تحصل من العسكر قبل ذلك فلما عاين الناس تجمعهم ببيت الدفتردار شاع ذلك في المدينة ومر الوالي يقول للناس ارفعوا متاعكم واحفظوا أنفسكم وخذوا حذركم وأسلحتكم فأغلق الناس الدكاكين والدروب وهاجوا وماجوا فلما سمعوا ضرب المدافع زاد تطيرهم وتخيلوا هجوم العسكر ونهب البلد بل ودخول البيوت ولا راد يردهم ولا حاكم يمنعهم ونادى المنادي معاشر الناس وأولاد البلد كل من كان عنده سلاح فليلبسه واجتمعوا عند شيخ مشايخ الحارات يذهب بكم الى بيت الباشا وحضرت أوراق من الباشا لأهل الغورية ومغاربة الفحامين وتجار خان الخليلي وأهل طولون يطلبهم بأسلحتهم والحضور عنده والتحذير من التخلف فذهب بعض الناس فأقاموهم عند بيت حريم الباشا وبيت بن المحروقي المجاور له وهو بيت البكري القديم فباتوا ليلتهم هناك وحضر حسن آغا والي العمارة عشاء تلك الليلة وطاف على الناس يحرضهم على القيام ومعاونة الباشا وتجمع بعض الأوباش بالعصي والمساوق وتحزبوا أحزابًا وعملوا متاريس عند رأس الوراقين وجهة العقادين والمشهد الحسيني فلما دخل الليل بطل الرمي الى الصباح فشرعوا في الرمي بالمدافع والقنابر من الجهتين وتترست العساكر بجامع أزبك وبيت الدفتردار وبيت محمد علي وكوم الشيخ سلامة وداخل الناس خوف عظيم من هذه الحادثة وأما القلعة الكبيرة فإن الباشا مطمئن من جهتها لأنه مقيد بها الخازندار ومعه عدة من الأرنؤد وغيرهم وقافل أبوابها ولما كان يوم الجمعة أمس تاريخه قبل حصول الواقعة وحضر أغات الانكشارية والوجاقلية لأجل السلام على عادتهم ودخلوا عند كتخدا بك فقال لهم نبهوا على أهل البلد بغلق الدكاكين والأسواق والاستعداد فإن العكر حاصل عندهم قلة أدب فلما طلعوا عند الباشا أعلموه بمقالة كتخدا بك فقال لهم نعم فقال له أغات الانكشارية يا سلطانم ينبغي الاحتفاظ بالقلعة الكبيرة قبل كل شيء فقال إن بها الخازندار وأوصيته بالاحتفاظ وغلق الأبواب فقال له الآغا لكن ينبغي أن نترك عند كل باب من خارج قدر خمسين انكشاريًا فقال وايش فائدتهم ما عليكم من هذا الكلام تريدون تفريق عساكري اذهبوا لما أمرتكم به وذلك لأحل إنقاذ القضاء وحضر طاهر باشا أيضًا في ذلك الوقت وهو كالمحب ومكمن العداوة فلم يقابله الباشا وأمره بأن يذهب الى داره ولا يقارش فلما كان في صبحها يوم السبت رتب الباشا عساكره على طريقة الفرنسيس وهو المسمى بالنظام الجديد فخرجوا بأسلحتهم وبنادقهم وخيولهم وهم طوابير ومروا حوالي البركة وانقسموا فرقتين فرقة أتت على رصيف الخشاب وفرقة على جهة باب الهواء ليأخذوا الأرنؤدية بينهم ويحصروهم من الجهتين فلما حضرت الفرقة التي من ناحية رصيف الخشاب قاتلوا الأرنؤدية فعند ذلك أركبوا الدفتردار وأخذوه الى بيت طاهر باشا ومعه أتباعه وانهزم الأرنؤدية من تلك الجهة وانحصروا جهة جامع أزبك واشتغلوا بمحاربة الفرقة الأخرى وتحققوا الهزيمة والخذلان وعندما وصلت عساكر الباشا الى بيت الدفتردار والمحروقي وبيت حريم الباشا اشتغلوا بالنهب وإخراج الحريم وتركوا القتال وتفرقوا بالمنهوبات وفترت همة الفرقة الأخرى وجرى أكثرهم ليخطف شيئًا ويغنم مثلهم وقالوا نحن نقاتل ونموت لا على شيء وأصحابنا ينهبون ويغنمون فهزموا أنفسهم لذلك وتراجع الأرنؤدية واشتدت عزيمتهم ورجع البعض منهم الى عساكر الباشا فهزموا من بقي منهم وملكوا الجهة التي كانوا أجلوهم عنها فعند ذلك ظهر طاهر باشا وركب الى الرميلة وتقدم الى باب العزب فوجده مغلوقًا فعالج الطاقات الصغار التي في حائط باب العزب القريبة من الأرض المعدة لرمي المدافع من أسفل ففتح بعضها ودخل منها بعض عسكر فتلاقوا مع الأرنؤد المحافظين داخل الباب فالتف بعضهم على بعض‏.‏

ثم طلعوا عند الخازندار وكان عنده ابن أخت طاهر باشا ممرضًا قبل ذلك بأيام وصحبته طائفة أيضًا فالتفوا على بعضهم وصاروا عصبة وطلبوا مفاتيح القلعة من الخازندار فمانعهم ولما رأى منهم العين الحمراء سلمهم المفاتيح فنزلوا وفتحوا الأبواب لطاهر باشا وحبسوا الخازندار وأنزلوا من القلعة مدافع وبنبات وجبخانة الى الأزبكية لجماعتهم وكذلك قيدوا بالقلعة طبجية وعساكر كل ذلك ومحمد باشا لا يدري بشيء من ذلك فلم يشعر إلا والضرب نازل عليه من القلعة فسأل ما هذا فقيل له إنهم ملكوا القلعة فسقط في يده وعند ذلك نزل طاهر باشا من القلعة وشق من وسط المدينة وهو يقول بنفسه مع المنادي أمان واطمئنان افتحوا دكاكينكم وبيعوا واشتروا ما عليكم بأس وطاف يزور الأضرحة والمشايخ والمجاذيب ويطلب منهم الدعاء ورفع الناس المتاريس من الطرق وانكفوا عن مقارشة العسكر وكذلك لم يحصل أذية من العسكر لأحد من الرعية وأمروا بفتح مخابز العيش والمآكل وأخذوا واشتروا عن غير إجحاف ولا بخس فلما علم الباعة منهم ذلك ذهبوا إليهم بالعيش والكعك والجبن والفطير والسميط وغير ذلك ودخلوا فيهم يبيعون عليهم وهم يشترون منهم بالمصلحة وصار بعض أولاد البلد يذهب الى الفرجة ويدخل بينهم ويمر من وسطهم فلا يتعرضون لهم ويقولون نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا ووجدوا مع البعض سلاحًا ذهب به عندما أرسل الباشا ونادى بالناس فردوهم بلطف وكل ذلك على غير القياس وطاهر باشا لم يكن له شغل إلا الطواف بالمدينة والأسواق وخارج البلد ويقول للفلاحين الذين يجلبون الحطب والجلة والسمن والجبن من الأرياف كونوا على ما أنتم عليه وهاتوا أسبابكم وبيعوا واشتروا وليس عليكم باس وحضر إليه الوالي فأمره بالمرور والمناداة بالأمن للناس واستمر الحرب بين الفريقين نهار السبت واشتد ليلة الأحد طول الليل فما أصبح النهار حتى زحف عساكر الأرنؤد الى جامع عثمان كتخدا والي حارة النصارى من الجهة الأخرى وطلعوا الى التلول التي بناحية بولاق وملكوا بولاق وهجموا على مناخ الجمال الذي بالقبر من الشيخ فرج فقتلوا من به من عسكر التكرور وهرب من بقي منهم عريانًا وقبضوا على منش القبطان وعدوا بالغليون الى بر انبابة ونهبوا ما فيه وكان به مال القبطان وذخائره التي جمعها من مظالم المراكب والمسافرين والقادمين شيئًا كثيرًا وكذلك ذهبت طائفة منهم الى قصر العيني وقبضوا على من به من عبيد الباشا وعروهم وأخذوهم أسرى ونهبوا بيت السيد أحمد المحروقي بالأزبكية وهو بيت البكري القديم وقد كان أخلاه لنفسه وعمره وسكنه بحريمه فنهبوا منه شيئًا كثيرًا يفوق الحصر وأخرجوا منه النساء بعدما فتشوهن أو افتدين أنفسهن وكذلك بيت حريم الباشا الملاصق له بعدما أرسل الباشا عساكره قبل بيوم فنقل منه الحريم عنده بطولهن لا غير ونهبوا بيت جرجس الجوهري وأخذوا منه أشياء نفيسة كثيرة وفراوي مثمنة وحريم بيت الباشا لم يتمكنوا منه إلا بعد انفضاض القضية بيومين بسبب أن المحافظين عليه كانوا ثمانية عشر فرنساويًا فحاصروا فيه هذه المدة حتى خرجوا منه بأمان وأما سكان تلك الخطة فإنهم كانوا يذهبون الى طاهر باشا أو محمد علي فيرسل معهم عسكرًا لخفارتهم حتى ينقلوا أمتعتهم أو أمكنهم الى جهات بعيدة عن ذلك المحل ليأمنوا على أنفسهم من الحرب وهرب المحروقي وابنه عند الباشا ولاحت لوائح الخذلان على الباشا واستعد للفرار فإنه لما بات تلك الليلة لم يجد عليقًا ولا خبزًا فعلقوا على الخيل أرزًا وتعشى الباشا بالبقسمات وأرسل الى حارة النصارى فطلب منهم خبزًا فأرسلوا له خبزًا فخطفه الأرنؤد في الطريق ولم يصل إليه ثم أن عسكر الأرنؤد أحضروا آلة بنية ووضعوها بالبركة وضربوا بها على بيت الباشا فوقعت واحدة الى الباذاهنج فالتهب فيه النار فأرادوا إطفاءها فلم يجدوا سقائين تنقل الماء ويقال إن الخازندار الذي كان بالقلعة لما قبضوا عليه التزم لهم بحرق بيت الباشا ويطلقوه فأرسل بعض أتباعه الى مكانه الذي ببيت الباشا فأوقدوا فيه النار في ذلك الوقت واشتعلت في الأخشاب والسقوف وسرت الى مساكن الباشا فعند ذلك نزل الباشا الى أسفل وأنزل الحريم وعددهن سبع عشرة امرأة فأركبهن بغالًا وأمر الدلاة والهوارة أن يتقدموهن وركب صحبتهن المحروقي وابنه وترجمانه وصيرفيه وعبيده وفراشوه وتأخر الباشا حتى أركب الحريم ثم ركب في مماليكه ومن بقي من عسكره وأتباعه وركب معه حسين أغاشنن وبعض أغوات وصحبته ثلاث هجن وخرج الى جزيرة بدران فعندما أشيع ركبوه هجمت عساكر الأرنؤد على البيت واشتغلوا بالنهب هذا والنار تشتعل فيه وكان ركوبه قبيل أذان العصر من يوم الأحد تاسع المحرم وخرج خلفه عدة وافرة من عسكر الأرنؤد فرجع عليهم وهزمهم مرتين وقيل ثلاثًا وأما المحروقي ومن معه فإنهم تشتتوا من بعضهم خلف الدلاة ولم يلحقوهم وانقطع حزام بغلته فنزل عنها فأدركه العساكر المتلاحقة بالباشا فعروه وشلحوه هو وأتباعه وابنه وأخذوا منهم نحو عشرين ألف دينار اسلامبولي نقدية وقيل جواهر بنحو ذلك فأدركهم عمر آغا بيناشي المقيم ببولاق فوقعوا عليهم فأمنهم وأخذهم معه الى بولاق وباتوا عنده الى ثاني يوم وأخذ لهم أمانًا وحضر الى طاهر باشا وقابله وكذلك جرجس الجوهري ونهب العسكر بيت الباشا وأخذوا منه شيئًا كثيرًا وباتت النار تلتهب فيه والدخان صاعد الى عنان السماء حتى لم يبق فيه إلا الجدران التحتانية الملاصقة للأرض واحترقت وانهدمت تلك الأبنية العظيمة المشيدة العالية وما به من قصور والمجالس والمقاعد والرواشن والشبابيك والقمريات والمناظر والتنهات والخزائن والمخادع وكان هذا البيت من أضخم المباني المكلفة فإنه إذا حلف الحالف أنه صرف على عمارته من أول الزمان الى أن احترق عشر خزائن من المال أو أكثر لا يحنث فإن الألفي لما أنشأه صرف عليه مبالغ كثيرة وكان أصل هذا المكان قصرًا عمره وأنشأه السيد ابراهيم ابن السيد سعودي اسكندر من فقهاء الحنفية وجعل في أسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة وجعلها برسم النزهة لعامة الناس فكان يجتمع بها عالم من أجناس الناس وأولاد البلد شيء كثير وبها قهاوي وبياعون وفكهانية ومغاني وغير ذلك ويقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الأجناس فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار الى آخر الليل من الخط والنزاهة ما لا يوصف ثم تداول ذلك القصر أيدي الملاك وظهر علي بك وقساوة حكمه فسدوا تلك البوائك ومنعوا الناس عنها لما كان يقع بها في الأحيان من اجتماع أهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الأمير أحمد آغا شويكار وباعه بعد مدة فاشتراه الأمير محمد بك الألفي في سنة إحدى عشرة ومائتين وألف وشرع في هدمه وتعميره وإنشائه على الصورة التي كان عليها وكان غائبًا جهة الشرقية فرسم لكتخداه صورته في كاغد بكيفية وضعه فحضر ذو الفقار كتخدا وهدم ذلك القصر وحضر الجضران ووضع الأساس وأقام الدعائم ووضع سقوف الدور السفلى فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم الذي حدده له فهدمه ثانيًا وأقام دعائمه على مراده واجتهد في عمارته وطلب له الصناع والمؤن من الأحجار والأخشاب المتنوعة حتى شجت المؤن في ذلك الوقت وأوقفت أربعة من أمرائه على أربع جهاته وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس وقمن الجير وأحضر البلاط من الجبل قطعًا كبارًا ونشرها على قياس مطلوبه وكذلك الرخام وذلك خلاف أنقاض رخام المكان وأنقاض الأماكن التي اشتراها وهدمها وأخذ أخشابها وأنقاضها ونقلها على الجمال‏.‏

وفي المراكب لأجل ذلك فمنها البيت الكبير الذي أنشأه حسن كتخدا الشعراوي على بركة الرطلي وكان به شيء كثير من الأخشاب والأنقاض والشبابيك والرواشن نقلت جميعها الى العمارة فصار كل من الأمراء المشيدين يبني وينقل ويبيع ويفرق على من أحب حتى بنوا دورًا من جانب تلك العمارة والطلب مستمر حتى أتموه في مدة يسيرة وركب على جميع الشبابيك شرائح الزجاج أعلى وأسفل وهو شيء كثير جدًا وفي المخادع المختصة به ألواح الزجاج البلور الكبار التي يساوي الواحد منها خمسمائة درهم وهو كثير أيضًا ثم فرشه جميعه بالبسط الرومي والفرش الفاخر وعلقوا به الستائر والوسائل المزركشة وطوالات المراتب كلها مقصبات وبنى به حمامين علويًا وسفليًا الى غير ذلك فما هو إلا أن تم ذلك فأقام به نحو عشرين يومًا ثم خرج الى الشرقية فأقام هناك وحضر الفرنسيس فسكنه ساري عسكر بونابارته فعمر فيه أيضًا عمارة ولما سافر وأقام مكانه كلهبر عمر فيه أيضًا فلما قتل كلهبر وتولى عوضه عبد الله منو لم يزل مجتهدًا في عمارته وغير معاليمه وأدخل فيه المسجد وبنى الباب على الوضع الذي كان عليه وعقد فوقه القبة المحكمة وأقام في أركانها الأعمدة بوضع محكم متقن وعمل السلالم العراض التي يصعد منها الى الدور العلوي والسفلي من على يمين الداخل وجعل مساكنه كلها تنفذ الى بعضها البعض على طريقة وضع مساكنهم واستمر يبني فيه ويعمر مدة إقامته الى أن خرج من مصر فلما حضر العثمانية وتولى على مصر محمد باشا المذكور رغب في سكنى هذا المكان وشرع في تعميره هذه العمارة العظيمة حتى أنه رتب لحرق الجير فقط إثنى عشر قمينًا تشتغل على الدوام والجمال التي تنقل الحجر من الجبل ثلاث قطارات كل قطار سبعون جملًا وقس على ذلك بقية اللوازم ورموا جميع الأتربة في البركة حتى ردموا منها جانبًا كبيرًا ردمًا غير معتدل حتى شوهوا البركة وصارت كلها كيمانًا وأتربة والعجب أن منتهى الرغبة في سكن هذه البركة وأمثالها إنما هو تسريح النظر وانبساط النفس باتساعها وإطلاقها وخصوصًا أيام النيل حين تمتلئ بالماء فتصير لجة ماء بركارية مملوءة بالزوارق والقنج والشطيات المعدة للنزهة تسرح فيها ليلًا ونهارًا وعند دخول المساء يوقدون القناديل بدائرها في جميع قواطين البيوت فيصير لذلك منظر بهيج لاسيما في الليالي المقمرة فيختلط ضحك الماء في وجه البدر والقناديل وانعكاس خيالها كأنها أسفل الماء أيضًا وصدى أصوات القيان والأغاني في ليال لا تعد من الأعمار إذ الناس ناس والزمان زمان فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الى أن كان ما كان ووقعت هذه الحوادث فتضاعف المسخ والتشويه والعجب أنه لما وقعت الحرابة بين الفرنساوية والعثمانية وأهل مصر وأقام الحرب 36 يومًا وهم يضربون على ذلك البيت بالمدافع والقنابر لم يصبه شيء ولم ينهدم منه حجرًا واحدًا ولما وقعت هذه الحرابة بين الباشا وعسكره احترق وانهدم في ليلة واحدة وكذلك احترق بيت الدفتردار وهو بيت ثلاثة ولية الذي كان أنشأه رضوان كتخدا الجلفي وكان بيتًا عظيمًا ليس له نظير في عمارته وزخرفته وكلفته وسقوفه من أغرف ما صنعته أيدي بني آدم في الدقة والصنعة وكله منقوش بالذهب واللازورد والأصباغ وعلى مجالسه العليا قباب مصنعة وأرضه كلها بالرخام الملون فاحترق جميعه ولم يبق به شيء إلا بعض الجدران اللاطئة بالأرض وسكنت الفتنة وشق الوالي علي آغا الشعراوي وذو الفقار المحتسب وأغات الانكشارية ونادوا بالأمان والبيع والشراء فكانت مدة ولاية هذا الباشا على مصر سنة وثلاثة أشهر وواحدًا وعشرين يومًا وكان سيئ التدبير ولا يحسن التصرف ويحب سفك الدماء ولا يتروى في ذلك ولا يضع شيئًا في محله ويتكرم على من لا يستحق ويبخل على من يستحق وفي آخر مدته داخله الغرور وطاوع قرناء السوق المحدقين به والتفت الى المظالم والفرد على الناس وأهل القرى حتى أنهم كانوا حرروا دفاتر فردة عامة على الدور الأماكن بأجرة ثلاث سنوات وقيل أشنع من ذلك فأنقذ الله منه عباده وسلط عليه جنده وعساكره وخرج مرغومًا مقهورًا على هذه الصورة ولم يزل في سيره الى أن نزل بقليوب بعد الغروب فعشاه الشواربي شيخ قليوب ثم سار ليلًا الى دجوة فأنزل الحريم والأثقال في ثلاثة مراكب وسار هو الى جهة بنها وغالب جماعته تخلفوا عنه بمصر وكذلك الكتخدا وديوان أفندي والخازندار الذي كان بالقلعة

وفي يوم الاثنين عاشره

نودي بالأمان أيضًا وأن العساكر لا يتعرضون لأحد بأذية وكل من تعرض له عسكري بأذية ولو قليلة فليشتكه الى القلق الكائن بخطته ويحضره الى طاهر باشا فينتقم له منه‏.‏ وفي

يوم الخميس وقت العصر حضر الآغا والوجاقلية إلى بيت القاضي

وأعلموه باجتماعهم في غد عند طاهر باشا ويتفقون على تلبيسة قائمقام ويكتبون عرض محضر بحاصل ما وقع‏.‏

وفي ذلك اليوم حضر جعفر كاشف تابع ابراهيم بك وبيده مراسلة خطابًا للعلماء والمشايخ وقيل إنه كان بمصر من مدة أيام وكان يجتمع بطاهر باشا كل وقت بالشيخونية فلما أصبح يوم الجمعة رابع عشره اجتمع المشايخ عند القاضي وركبوا صحبته وذهبوا عند طاهر باشا وعملوا ديوانًا وأحضر القاضي فروة سمور ألبسها لطاهر باشا ليكون قائمقام حتى تحضر له الولاية أو يأتي وال وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية واتفقوا على كتابة عرضحال بصورة ما وقع وقرأوا المكتوب الذي حضر من عند الأمراء القبالى وهو مشتمل على آيات وأحاديث وكلام طويل ومحصله أنهم طائعون وسممتثلون ولم يحصل منهم تعد ولا محاربة وإنما إذا حضروا الى جهة أو بلدة وطلبوا المرور عليها أو قضاء حاجة من بندر منعهم الحاكم والعساكر التي بها ونابذ بالمحاربة والطرد ومع ذلك إذا وقعت بيننا محاربة لا يثبتون لنا وينهزمون ويفرون وقد تكرر ذلك المرة بعد المرة ولا يخفى ما يترتب على ذلك من النهب والسلب وهتك الحرائر وقد وقع لنا لما حضرنا بالمنية فحصل ما حصل وبدؤونا بالطرد والإبعاد حصل ما حصل مما ذكر وعوقب من لا جنى وذنب الرعية والعباد في رقابكم وقد التمسنا من ساداتنا المشايخ أن يتشفعوا لنا عند حضرة الوزير ويعطينا ما يقوم بمؤونتنا ومعايشنا فأبى حضرة الوزير إلا إخراجنا من القطر المصري كليًا وبعثتم تحذرونا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول أولي الأمر منكم‏.‏

ولم تذكروا لنا آية تدل على أننا نخرج من تحت السماء ولا آية تدل على أننا نلقى بأيدينا الى التهلكة وذكرتم لنا أن حريمنا وأولادنا بمصر وربما ترتب على المخالفة وقوع الضرر بهم وقد تعجبنا من ذلك فإننا إنما تركنا حريمنا ثقة بأنهم في كفالتكم وعرضكم على أن المروءة تأبى صرف الهمة الى امتداد الأيدي للحريم والرجال للرجال على أن أملك دورًا والله يقلب الليل والنهار والملك بيد الله يؤتيه من يشاء قل الله مالك الملك الآية فلما قرئ ذلك بتفاصيله تعجب السامعون له فكأنما كانوا ينظرون من خلف حجاب الغيب وأخذ ذلك المكتوب طاهر باشا وأودعه في جيبه ثم قال الحاضرون فما يكون الجواب قال حتى نتروى في ذلك ثم كتب لهم جوابًا يخبرهم فيه بما وقع ويأمرهم بأنهم يحضرون بالقرب من مصر لربما اقتضى الحال الى المعاونة‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشره كتبوا العرض المحضر بصورة ما وقع وختم عليه المشايخ والوجاقلية وأرسلوه الى اسلامبول وأما محمد باشا المهزوم فإنه لم يزل في سيره حتى وصل الى المنصورة وفرد على أهلها تسعين ألف ريال وكذلك فرد على علي ما أمكنه من بلاد الدقهلية والغربية فردًا ومظالم وكلفًا وصادف في طريقه بعض المعينين حاضرين بمبالغ الفردة السابقة فأخذها منهم‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء بعد المغرب ثامن عشره أرسل طاهر باشا عدة من العسكر فقبضوا على جماعة من بيوتهم وهم أغات الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز ومصطفى آغا الوكيل وأيوب كتخدا الفلاح وأحمد كتخدا علي والسيد أحمد المحروقي فأنزلوه الى بيته في ثاني يوم وعملوا عليه ستمائة ولزم العسكر بيته وكذلك بقية الجماعة منهم من عمل عليه مائتا كيس وأقل وأكثر وأقاموا في الترسيم‏.‏

وفي يوم الجمعة حادي عشرينه ركب طاهر باشا بالموكب والملازمين وصلى الجمعة بجامع الحسين‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الأمراء المصرية رجعوا الى قبلي ووصلوا الى قرب بني سويف‏.‏

وفيه تشفع شيخ السادات في مصطفى آغا الوكيل وأخذه الى بيته وعملوا عليه مائتين وعشرين كيسًا فلما كان يوم الأحد أرسل طاهر باشا يطلب مصطفى آغا الوكيل من عند شيخ السادات فركب معه شيخ السادات وسعيد آغا وكيل دار السعادة وذهبا صحبته الى بيت طاهر باشا‏.‏

فلما طلعوا الى أعلى الدرج خرج عليهم جماعة من العسكر وجذبوا مصطفى آغا من بينهم وقبضوا عليه وأنزلوه الى أسفل وأخذوه الى القلعة ماشيًا على أقدامه فحنق الشيخ السادات ودخل على طاهر باشا وتشاجر معه فأطلعه على مكتوب مرسل من محمد باشا إليه فقال هذا لا يؤاخذ به وإنما يؤاخذ إذا كان المكتوب منه الى محمد باشا ثم انحط الأمر على أنه لا يقتله ولا يطلقه ثم أن طاهر باشا ركب ليلًا وذهب الى شيخ السادات وأخذ خاطره بعد ما فزع من حضوره إليه في ذلك الوقت‏.‏

وفي ثالث عشرينه أطلعوا يوسف كتخدا الباشا الى القلعة وألزموه بمال وكذلك خزنة كاتب‏.‏

وفيه خرج أمير الأزلام لملاقاة الحجاج فنصب وطاقه بقبة النصر وأقام هناك‏.‏

وفيه حضر هجان على يده مكاتيب كر مؤرخة في عشرين شهر الحجة مضمونها أن الوهابيين أحاطوا بالديار الحجازية وأن شريف مكة غالب تداخل مع شريف باشا وأمير الحاج المصري والشامي وأرشاهم على أن يتعوقوا معه أيامًا حتى ينقل ماله ومتاعه الى جدة وذلك بعد اختلاف كبير وحل وربط وكونهم يجتمعون على حربه ثم يرجعون على ذلك الى أن اتفق رأيهم على الرحيل فأقاموا مع الشريف اثني عشر يومًا ثم رحلوا ورحل الشريف بعد أن أحرق داره وفيه قبضوا على أنفار من الوجاقلية أيضًا المستورين وطلبوا منهم دراهم وعملوا على طائفة القبط الكتبة خمسمائة كيس بالتوزيع‏.‏

وفي خامس عشرينه قبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وكذلك عملوا على طائفة اليهود مائة كيس‏.‏

وفيه حضر أحمد آغا شويكار الى مصر بمراسلة من الأمراء القبالى‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه سافرت التجريدة المعينة لمحمد باشا وكبيرها حسن بك أخو طاهر باشا فنزلوا في مراكب وفي البر أيضًا‏.‏

وفي يوم الخميس قبضوا على المعلم ملطي القبطي من أعيان كتبة القبط وهو الذي كان قاضيًا أيام الفرنسيس فرموا رقبته عند باب زويلة وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني أخي يوسف الصبحاني من تجار الشوام عند باب الخرق في ذلك اليوم وأقاما مرميين الى ثاني يوم‏.‏

وفي يوم السبت غايته رجع أحمد آغا شويكار بجواب من الباشا الى رفقائه وأشيع وصول ابراهيم بك ومن معه الى زاوية المصلوب ووصلت مقدماتهم الى بر الجيزة يقبضون الكلف من البلاد‏.‏

وفيه أفرجوا عن يوسف كتخدا الباشا بعد أن دفع ثمانين كيسًا ونزل من القلعة الى داره‏.‏

وفيه أرسل طاهر باشا الى مصطفى أفندي رامز الكاتب وابراهيم أفندي الروزنامجي وسليمان أفندي فأخذوهم عند عبد الله أفندي رامز الروزنامجي الرومي‏.‏

شهر صفر 1218 استهل بيوم الأحد في ثانيه حضر الأمراء القبالي الى الشيخ الشيمي‏.‏

وفي ليلة الأربعاء رابعه خنقوا أحمد كتخدا علي باش اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما الى الخارج‏.‏

وفي صبحها يوم الأربعاء حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا لمحاربة محمد باشا مضمونه أنه انتقل من مكانه وذهب الى جهة دمياط وأنه تخلف عنه من العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الأمان فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أمانًا ويضموهم إليهم‏.‏

وفي ذلك اليوم أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية الى البر الغربي ليسلم على الأمراء المصرلية في ذلك الوقت أمر بإحضار حسن آغا محرم فارتاع من ذلك وأيقن بالموت فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا وأعطاه ألفي فرانسه وأمره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق أن خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر إليه طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة ليتوجهوا الى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الأرنؤد شمخوا على الانكشارية وصاروا ينظرون إليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية ونظرهم في أنفسهم أنهم فخذ السلطنة وأن الأرنؤد خدمهم وعسكرهم وأتباعهم ولما فرد الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع الى طائفة الأرنؤد جماكيهم المنكسرة أو يحولهم بأوراق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئًا من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا أعطيكم إلا من وقت ولايتي فإن كان لكم شيء فاذهبوا وخذوه من محمد باشا فضاق خناقهم وأوعز صدورهم وبيتوا أمرهم مع أحمد باشا والي المدينة فلما كان في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرًا بعددهم وأسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم وهم اسمعيل آغا ومعه آخر يقال له موسى آغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم ليس لكم عندي إلا من وقت ولايتي وإن كان لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا فألحوا عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك الى الحوش وسحبت طوائفهم الأسلحة وهاجوا في أتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الأسلحة والبارود الذي في أماكن أتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في الناس كرشات وخرجت العساكر الانكشارية وبأيديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب فانزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا الى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والآغا ينادون بالأمن والأمان حسب ما رسم أحمد باشا وكرروا المناداة بذلك ثم نادوا باجتماع الانكشارية البلدية وخلافهم عند أحمد باشا على طائفة الأرنؤد وقتلهم وأخرجهم من المدينة فتحزبوا أحزابًا ومشوا طوائف طوائف وتجمع الأرنؤد جهة الأزبكية وفي بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية إذا ظفروا بأحد من الأرنؤد أخذوا سلاحه وربما قتلوه وكذلك الأرنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة طاهر باشا مرمية لم يلتفت إليها أحد ولم يجسر أحد من أتباعه على الدخول الى البيت وإخراجها ودفنها وزالت دولته انقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين يومًا ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته أسمر اللون نحيف البدن أسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلًا عن العربي ويغلب عليه لغة الأرنؤدية وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية وكان يبيت فيها كثيرًا ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي الى السطح في الليل ويذكر معه ثم سكن هناك بحريمه وقد كان تزوج بامرأة من نساء الأمراء وكان يجتمع عنده أشكال مختلفة الصور فيذكر معهم ولما رأوا منه ذلك خرج الكثير من الأوباش وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطورًا طويلًا ومرقعة ودلفًا وعلق له جلاجل وبهرجان وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة وألفاظ موهمة بأنه من أرباب الأحوال ونحو ذلك ولما قتل أقام مرميًا الى ثاني يوم لم يدفن ثم دفنوه من غير رأس بقبة عند بركة الفيل وأخذ بعض الينكجرية رأسه وذهبوا بها ليوصلوها الى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من الأرنؤد فقتلوهم وأخذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب أحمد باشا مكتوبًا الى محمد باشا يعلمه بصورة الواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد آغا أرسل كل واحد مكتوبًا بمعنى ذلك وظنوا تمام المنصف ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من دور الناس من الحبانية الى ضلع السمكة الى درب الجماميز ثم ان أحمد باشا أحضر المشايخ وأعلمهم بما وقع وأمرهم بالذهاب الى محمد علي ويخاطبوه بأن يذعن الى الطاعة فلما ذهبوا إليه وخاطبوه في ذلك أجاب بأن أحمد باشا لم يكن واليًا على مصر بل إنما هو والي المدينة المنورية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وليس له علاقة بمصر وأنا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة وأما أحمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج البلدويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر الى ولايته فقاموا من عنده على ذلك واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الأرنؤد وتحزبوا وتسلحوا وعملوا متاريس على جهاتهم ونواحيهم الى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تخوف ولما أصبح نهار الخميس مر الوالي والآغا ينادون بالأمان برسم حكم أحمد باشا ثم أن أحمد باشا أرسل أوراقًا الى المشايخ بالحضور فذهبوا إليه فقال لهم أريد منكم أن تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم بالخروج على الأرنؤد وقتلهم فقالوا سمعًا وطاعة وأخذوا في القيام فقال لهم لا تذهبوا وكونوا عندي وأرسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له إن عادتنا أن يكون جلوسنا في المهمات بالجامع الأزهر ونجتمع به ونرسل الى الرعية فإنهم عند ذلك لا يخالفون وكان مصطفى آغا الوكيل حاضرًا فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا وخرجوا وكان أحمد باشا أرسل أحضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله أفندي رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى آغا الوكيل كان مرهونًا عند شيخ السادات كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وأبهته وأخذ معه عدة من الانكشارية وذهب الى عند أحمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي والأرنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الأمراء فلما أصبح ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف الى بر مصر ومروا في الأسواق وعدى أيضًا محمد علي وقابلهم في بر الجيزة ورجع وعدى الكثير منهم من ناحية انبابة ومعهم عربان كثيرة وساروا الى جهة خارج باب النصر وباب الفتوح وأقاموا هناك وأرسل ابراهيم بك ورقة الى أحمد باشا يقول فيها إنه بلغنا موت المرحوم طاهر باشا عليه الرحمة والرضوان فأنتم تكونون مع أتباعكم الأرنؤد حالًا واحدًا ولا تتداخلوا مع الانكشارية فلما كان ضحوة النهار ذهب جماعة من الانكشارية الى جهة الرميلة فضربوا عليهم من القلعة مدافع فولوا وذهبوا ثم بعد حصة ضربوا أيضًا عدة مدافع متراسلة على جهة بيت أحمد باشا وكان ساكنًا في بيت علي بك الكبير بالداودية فعند ذلك أخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الانكشارية البلدية ووافق أن المشايخ لما خرجوا من عنده وركبوا لم يزالوا سائرين الى أن وصلوا جامع الغورية فنزلوا به وجلسوا وهم في حيرة متفكرين فيما يصنعون فعندما سمعوا صوت المدافع قاموا وتفرقوا وذهبوا الى بيوتهم ثم أن ابراهيم بك أرسل ورقة الى أحمد باشا قبيل العصر يأمره فيها بتسليم الذين قتلوا طاهر باشا ويخرج الى خارج البلد ومعه مهلة الى حادي عشر ساعة من النهار ولا يقيم الى الليل وإن خالف فلا يلومن إلا نفسه فلما رأى حال نفسه مضمحلًا لم يجد بدًا من الامتثال إلا أنه يجد جمالًا يحمل عليها أثقاله فقال للرسول سلم عليه وقل له يرسل لي جمالًا وأنا أخرج وأما تسليم القاتلين فلا يمكن فقال له أما بحضور الجمال فغير متيسر في هذا الوقت لبعد المسافة فقال له وكيف يكون العمل فقال يركب حضرتكم ويخرج ووقت ما حضرت الجمال الليلة أو غدًا حملت الأثقال ولحقتكم خارج البلد فعند ذلك قام وركب وقت العصر وتفرق من كان معه من أعيان العثمانية مثل الدفتردار وكتخدا بك والروزنامجي وذهبوا الى محمد علي والتجؤوا إليه فأظهر لهم البشر والقبول وخرج أحمد باشا في حالة شنيعة وأتباعه مشاة بين يديه وهم يعدون في مشيهم وعلى أكتافهم وسائد وأمتعة خفيفة فعندما خرج من البيت دخل الأرنؤد ونهبوا جميع ما فيه ولم يزل سائرًا حتى خرج من المدينة من باب الفتوح فوجد العسكر والعربان وبعض كشاف ومماليك مصرية محدقة بالطرق فدخل مع الانكشارية الى قلعة الظاهر وأغلقوها عليهم وخرج خلفهم عدة وافرة من الأرنؤد والكشاف المصرلية والعرف والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وأمامه المناداة بالأمان حسب ما رسم ابراهيم بك حاكم الولاية وأفندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لأحمد باشا يومًا وليلة لا غير وفي ذل اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه أشياء كثيرة أخذ ذلك جميعه الأرنؤد وأصبح يوم الجمعة فركب المشايخ والأعيان وعدوا الى بر الجيزة وسلموا على ابراهيم بك والأمراء‏.‏

وفيه استأذن الدفتردار وكتخدا بك محمد علي في الإقامة عنده أو الذهاب فأذن لهما بالتوجه الى بيوتهما فركبا قبيل الظهر وسارا الى بيت الدفتردار وهو بيت البارودي فدخل كتخدا بك مع الدفتردار لعلمه بنهب بيته فنزلا وجلسا مقدار ساعة وإذا بجماعة من كبار الأرنؤد ومعهم عدة من العسكر وصلوا إليهما وعند دخولهم طلبوا المشاعلي من بيت علي آغا الشعراوي وهو تجاه بيت البارودي فلم يجدوه فذهب معهم رفيق له وليس معه سلاح فدخلوا الدار وأغلقوا الباب وعلم أهل الخطة مرادهم فاجتمع الكثير من الأوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب ولما دخلوا عليهما قبضوا أولًا على الدفتردار وشلحوه من ثيابه وهو يقول عيبتر وأصابه بعضهم بضربة على يده اليمنى وأخرجوه الى فسحة المكان وقطعوا رأسه بعد ضربات وهو يصيح مع كل ضربة لكون المشاعلي لا يحسن الضرب ولم يكن معه سلاح بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم وأخذوا الرأسين وتركوهما مرميين وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه من الثياب والأمتعة بالمكان وكذلك ثياب أتباعهم وخرج أتباعهم في أسوأ حال يطلبون النجاح بأرواحهم ومنهم من هرب وطلع الى حريم البارودي الساكنات في البيت وصرخ النساء وانزعجن وكانت الست نفيسة المرادية في ذلك المنزل أيضًا في تلك الأيام فعندما رأت وصول الجماعة أرسلت الى سليم كاشف المحرمجي فحضر في ذلك الوقت فكلمته في أن يتلافى الأمر فوجده قد تم فخرج بعد خروجهم بالرأسين فظن الناس أنها فعلته ثم حضر محمد علي في إثر ذلك وطرد الناس المجتمعين للنهب وختم على المكان وركب الى داره ثم أن علي آغا الشعراوي استأذن محمد علي في دفنهما فأذن له فأعطى شخصًا ستمائة نصف فضة لتجهيزهما وتكفينهما فأخذها وأعطى منها الآخر مائتين نصف لا غير فأخذها وذهب فوضعهما في تابوت واحد من غير رؤوس وكانوا ذهبوا برؤوسهما الى الأمراء بالجيزة ولم يردوهما ولم يدفنا معهما ثم رفعهما بالتابوت الى ميضاة جامع السلطان شاه المجاور للمكان وهو مكان قذر فغسلهما وكفنهما في كفن حقير ودفنهما في حفرة تحت حائط بتربة الأزبكية من غير رؤوس فهذا ما كان من أمرهما وأما الذين في قلعة الظاهر فإنهم انحصروا وأحاط بهم الأرنؤد والغز والعربان وليس عندهم ما يأكلون ولا ما يشربون فصاروا يرمون عليهم من السور القرابين والبارود وهم كذلك يرمون عليهم من أسفل وجمعوا أتربة وعملوها كيمانًا عالية وصاروا يرمون عليهم منها كذلك بقية نهار الجمعة وليلة السبت اشتد الحرب بينهم بطول الليل وفي الصباح أنزلوا من القلعة مدافع كبارًا وبنبة وجبخانة وأصعدوها على التلول وضربوا عليهم من قبيل العصر فعند ذلك طلبوا الأمان وفتحوا باب القلعة وخرج أحمد باشا وصحبته شخصان وهما اللذان قتلا طاهر باشا فأخذوهم وعدوا بهم الى الجيزة وبطل الحرب والرمي وبقي طائفة الانكشارية دال القلعة وحولهم العساكر فلما ذهبوا بهم الى الجيزة أرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وأبقوا الاثنين وهم اسمعيل آغا وموسى آغا بالقصر الذي بالجيزة ونودي بالأمان للرعية حسب ما رسم ابراهيم بك وعثمان بك البرديسي ومحمد علي‏.‏

وفي يوم السبت حضر أحمد بك أخو محمد علي الى جهة خان الخليلي لإجراء التفتيش على منهوبات الأرنؤد التي نهبها الانكشارية وأودعوها عند أصحابهم الأتراك ففتحوا عدة حوانيت وقهاوي وأماكن وأخذوا ما فيها وأجلسوا طوائف من عسكر الأرنؤد على الخانات والوكائل والأماكن وشلحوا ناسًا كثيرة من ثيابهم وربما قتلوا من عصي عليهم فتخوف أهل خان الخليلي ومن جاورهم واستمر الأرنؤد كلما مرت منهم طائفة ووجدوا شخصًا في أي جهة قبة شبه ما بالأتراك قبضوا عليه وأخذوا ثيابه وخصوصًا إن وجدوا شيئًا معه من السلاح أو سكينًا فتوقى أكثر الناس وانكفوا عن المرور في أسواق المدينة فضلًا عن الجهات البرانية‏.‏

وفيه كثر مرور الغز والكشاف المصرلية وترددوا الى المدينة وعلى أكتافهم البنادق والقرابين وخلفهم المماليك والعربان فيذهبون الى بيوتهم ويبيتون بها ويدخلون الحمامات ويغيرون ثيابهم ويعودون الى بر الجيزة وبعضهم أمامه المناداة بالأمان عند مروره بوسط المدينة‏.‏

وفيه كتبت أوراق بطلب دراهم فردة على البلاد الموفية والغربية كل بلد ألف ريال وذلك خلاف مضايف العرب وكلفهم‏.‏

وفي يوم الاثنين قتلوا شخصًا بباب الخرق يقال إنه كان من أكبر المتحزبين على الأرنؤد وجمع منهوبات كثيرة‏.‏

وفيه أيضًا قتلوا اسمعيل آغا وموسى آغا وهما اللذان كان قتلا طاهر باشا وتقدم أنهم كانوا أخذوهما بالأمان صحبة أحمد باشا فأرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وبقي الإثنان بقصر الجيزة فأخذوهما وعدوا بهما الى البر الآخر وقطعوا رأسيهما عند الناصرية وأخذوا الرأسين وذهبوا بهما الى زوجة طاهر باشا بالشيخونية ثم طلعوهما الى أخي طاهر باشا بالقلعة‏.‏

وفيه تقلد سليم آغا أغات مستحفظان سابقًا الأغاوية كما كان وركب وشق المدينة بأعوانه وأمامه جماعة من العسكر الأرنؤد وليسوا أيضًا حسين آغا أمين خزنة مراد بك وقلدوه والي الشرطة ولبسوا محمدًا المعروف بالبرديسي كتخدا قائد آغا وجعلوه محتسبًا وشق كل منهم بالمدينة وأمامهم المناداة بالأمن والأمان والبيع والشراء‏.‏

وفيه أخرجوا الانكشارية الذين بقلعة الظاهر وسفروهم الى جهة الصالحية وصحبتهم كاشفان وطائفة من العرب بعدما أخذوا سلاحهم ومتاعهم بل وشلحوهم ثيابهم والذي بقي لهم بعد ذلك أخذته العرب وذهبوا في أسوأ حال وأنحس بال وهم نحو الخمسمائة إنسان ومنهم من التجأ الى بعض المماليك والغز فستر عليه وغير هيئته وجعله من أتباعه وكذلك الانكشارية الذين كانوا مخفيين التجأوا الى المماليك وانتموا إليهم وخدموهم فسبحان مقلب الأحوال وحضر سليم كاشف المحرمجي وسكن بقلعة الظاهر وكتب الى إقليم القليوبية أوراقًا وقرر على كل بلد ألف ريال ومن كل صنف من الأصناف سبعين مثل سبعين خروف وسبعين رطل سمن وسبعين رطل بن وسبعين فرخة وهكذا وحق طريق المعين لقبض ذلك خمسة وعشرون ألف فضة من كل بلد‏.‏

وفي يوم الأربعاء حادي عشره حضر محمد عليوعبد الله أفندي رامز الروزنامجي ورضوان كتخدا ابراهيم بك الى بيت الدفتردار المقتول وضبطوا تركته فوجد عنده نقود ثلثمائة كيس وقيمة عروض وجواهر وغيرها نحو ألف كيس‏.‏

وفيه أرسل ابراهيم بك فجمع الأعيان والوجاقلية وأبرز لهم فرمانات وجدوها عند الدفتردار المقتول مضمونها تقريرات مظالم منها أن المماليك المصرلية كانوا أحدثوا على الغلال التي تباع الى بحربرا علن كل أردب محبوب فيقرر ذلك بحيث يتحصل من ذلك للخزينة العامة عشرة آلاف كيس في السنة فإن نقصت عن ذلك القدر أضر ذلك بالخزينة ومنها تقرير المليون الذي كان قرره الفرنسيس على أهالي مصر في آخر مدتهم ويوزع ذلك على الرؤوس والدور والعقار والأملاك ومنها أن الحلوان عن المحلول ثلاث سنوات ومنها أنه يحسب المضاف والبراني الى ميري البلاد وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشره عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر ابراهيم بك والأمراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعًا وقدموا لهم تقادم‏.‏

وفي يوم الجمعة كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدي بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضًا‏.‏

وفي يوم الأحد خامس عشره نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الأرنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جدًا وسلموا القلعة الى الأمراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي الى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك ابراهيم الى باب العزب وسليم آغا مستحفظان الى القصر فعند ذلك اطمأن الناس بنزولهم من القلعة فإنهم كانوا على تخوف من إقامتهم بها وكثر فيهم اللغط بسبب ذلك فلم يزل الأمراء وفيه ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل الى دمياط كما تقدم‏.‏

وفي يوم الاثنين وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الإخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وأن الشريف غالب أحرق داره وارتحل الى جدة وأن الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه الى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثامن عشره أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على أن يذهبوا الى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون إليه والى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الأمراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق أن جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دارهم فمر بهم بعض مماليك من أتباع البرديسي فاستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا الى سيدهم وأعلموه فأرسل الى ابراهيم بك فركب الى العرضي ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الألفي وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر الى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة الى جهة العادلية وأمامهم وخلفهم بعض الأمراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو ألف وخمسمائة وأزيد فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتأخرين عنهم وأخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيرًا منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الأرنؤدية على أبواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم وأغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الألفي يذهب معهم الى القنطرة ونودي في عصريته بالأمان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله هدر‏.

وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة أمامه على الأتراك والانكشارية

والبشناق والسجمان بالخروج من مصر والتحذير لمن آواهم أو ثاواهم وكلما صادف في طريقه شخصًا من الأتراك قبض عليه وسأله عن تخلفه فيقول أنا من المتسببين والمتأهلين من زمان بمصر فيطلب منه بينة على ذلك ويسلمه عسكر الأرنؤد فيودعونه في مكان مع أمثاله حتى يتحققوا أمره‏.‏

وفيه مر بعض المماليك بجهة الميدان ناحية باب الشعرية فصادفوا جماعة من العسكر المذكورين يحملون متاعًا لهم فاشتكوا بهم وأرادوا أخذ سلاحهم ومتاعهم فمانعوهم وتضاربوا معهم فقتل بينهم شخصان من الانكشارية وشخصان من المماليك أحدهما فرنساوي‏.‏

وفيه حضر أيضًا ثلاثة من المماليك الى وكالة الصاغة الى رجل رومي ططري وسألوه عن جواري سود عنده لمحمد باشا وأنهم يطلبونهن لعثمان بك البرديسي فأنكر ذلك وشهد جيرانه أنهن ملكه واشتراهن ليتجر فيهن فلم يزالوا حتى أخذوا منه ثلاثة على سوم الشراء وذهب معهن فلما بعدوا عن الجهة فزعوا عليه وطردوه وذهبوا بالجواري فذهب ذلك الططري الى محمد علي فأرسل الى البرديسي ورقة بطلب الجواري أو ثمنهن ففحص عنهن حتى ردهن الى صاحبهن‏.‏

وفيه حضر أيضًا جماعة من المماليك الى بيت عثمان أفندي بجوار ضريح الشيخ الشعراني وهو من كتبة ديوان محمد باشا فأخذوا خيله وسلاحه ومتاعه التي بأسفل الدار‏.‏

وفي يوم الجمعة نهبوا دار أحمد أفندي الذي كان شهر حوالة وكاشف الشرقية في العام الماضي فأخذوا جميع ما عنده حتى ثيابه التي على بدنه وقتلوا خادمه على باب داره قتله الوالي زاعمًا أنه هو الذي دل عليه‏.‏

وفي يوم السبت مر سليم آغا وأمامه المناداة على الأغراب الشوام والحلبية والرومية يجتمعون بالجمالية يوم تاريخه فلم يجتمع منهم أحدز وفي يوم الأحد حضر الشريف عبد الله ابن سرور وصحبته بعض أقاربه من شرفاء مكة وأتباعهم نحو ستين نفرًا وأخبروا أنهم خرجوا من مكة مع الحجاج وأن عبد العزيز بن مسعود الوهابي دخل الى مكة من غير حرب وولى الشريف عبد المعين أميرًا على مكة والشيخ عقليًا قاضيًا وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والأبنية التي أعلى من الكعبة وذلك بعد أن عقد مجلسًا بالحرم وباحثهم على ما الناس عليهم من البدع والمحرمات المخالفة للكتاب والسنة وأخبروا أن الشريف غالبًا وشريف باشا ذهبا الى جدة وتحصنا بها وأنهم فارقوا الحجاج في الجديدة‏.‏

وفيه كتبوا عرضحالين أحدهما بصورة ما وقع لمحمد باشا مع العساكر ثم قيام الانكشارية وقتلهم لطاهر باشا ثم كرة الأرنؤد على الانكشارية لما أثاروا الفتنة مع أحمد باشا حتى اختلت أحوال المدينة وكاد يعمها الخراب لولا قرب الأمراء المصرلية وحضورهم فسكنوا الفتنة وكفوا أيدي المتعدين والثاني يتضمن رفع الإحداثات التي في ضمن الأوامر التي كانت مع الدفتردار التي تقدمت الإشارة إليها‏.‏

وفيه عزم الأمراء على التوجه الى جهة بحري فقصد البرديسي وصحبته محمد بك تابع محمد بك المنفوخ جهة دمياط ومعهم محمد علي وعلي بك أيوب وغيرهم وصحبتهم الجم الكثير من العساكر والعربان ولم يتخلف إلا ابراهيم بك وأتباعه والحكام وسافر سليمان كاشف البواب الى جهة رشيد وصحبته عساكر أيضًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عدى الكثير الى البر الشرقي‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه قدم جاويش الحجاج بمكاتيب العقبة وأخبروا بموت الكثير من الناس بالحمى والإسهال وحصل لهم تعب شديد من الغلاء أيضًا ذهابًا وإيابًا ومات الشيخ أحمد العريشي الحنفي ودفن بنبط ومات أيضًا محمد أفندي باش جاجرت ودفن بالينبع والشيخ علي الخياط الشافعي‏.‏

وفيه عدى ابراهيم بك الى قصر العيني وركب مع البرديسي الى جهة الحلي وودعه ورجع الى قصر العيني فأقام به وجلس ابنه مرزوق بك في مضرب النشاب واستمر وكيل الألفي مقيمًا بقصر الجيزة‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن محمد باشا لما ارتحل من المنصورة الى دمياط أبقى بفارسكور ابراهيم باشا ومملوكه سليم كاشف المنوفية بعدة من العسكر فتحصنوا بها فلما حضر رليهم حسن بك أخو طاهر باشا بالعساكر تحاربوا معهم وملكوا منهم فارسكور فنهبوها وأحرقوها وفسقوا بنسائها وفعلوا ما لا خير فيه قتل سليم كاشف المنوفية المذكور أيضًا ثم أن بعض أكابر العسكر المنهزمين أرسل الى حسن بك يطلب منه أمانًا وكان ذلك خديعة منهم فأرسل لهم أمانًا فحضروا إليه وانضموا لعسكره وسهلوا له أمر محمد باشا وأنه في قلة وضعف وهم مع ذلك يراسلون أصحابهم ويشيرون عليهم بالعود والتثبت الى أن عادوا وتأهبوا للحرب ثانيًا وخرج إليهم حسن بك بعساكره وخلفه المنضافون إليه من أولئك فلما أن نشبت الحرب بينهم أخذوهم مواسطة فأثخنوهم ووقعت فيهم مقتلة عظيمة وانهزموا الى فارسكور فتلقاهم أهل البلدة وكملوا قتلهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمساوق والحجارة جزاء لما فعلوه معهم حتى اشتفوا منهم ولم ينج منهم إلا من كان في عزوة أو هرب الى جهة أخرى وحضر الكثير منهم الى مصر في أسوأ حال‏.‏

وفي يوم الجمعة والسبت حضر الكثير من حجاج المغاربة وصحبتهم مصاروة وفلاحون كثيرة‏.‏

وفي حضرت مكاتبة من الديار الرومية على يد شخص يسمى صالح أفندي الى سكندرية فأرسل خورشيد أفندي حاكم الاسكندرية يستأذن في حضوره بمكاتبة على يد راشته قنصل النيمسا فذهب راشته الى ابراهيم بك وأخبره وأطلعه على المكتوب الذي حضر له فبعد ساعة وصل الخبر بوصول صالح أفندي المذكور الى بولاق فأرسل ابراهيم بك رضوان كتخدا وأحمد بك الأرنؤدي وأمرهما بأن يأخذا ما معه من الأوراق ويأمراه بالرجوع بغير مهلة ولا يدعاه يطلع الى البر ففعلا ذلك ومضمون ما في تلك الأوراق خطاب لطاهر باشا وأنه بلغنا ما حصل من محمد باشا من الجور والظلم وقطع علوفات العسكر وأنهم قاموا عليه وأخرجوه وهذه عادة العساكر إذا انقطعت علوفاتهم وأننا وجهنا له ولاية سنانيك وأن طاهر باشا يستمر على المحافظة وأحمد باشا قائمقام الى أن يأتي المتولي وخطاب لمحمد باشا بمعنى ذلك والسر في تقليد أحمد باشا قائمقام دون طاهر باشا أن طاهر باشا أرنؤد وليس له إلا طوخان ومن قواعدهم القديمة أنهم لا يقلدون الأرنؤد ثلاثة أطواخ أبدًا‏.‏

وفي يوم السبت المذكور دخل الكثير من الحجاج آخر النهار وفي الليل‏.‏

وفي يوم الأحد دخل الجم الغفير من الحجاج ومات الكثير من الداخلين في ذلك اليوم وكثير مرضى وحصل لهم مشقة عظيمة وشوب وغلاء وخصوصًا بعد مجاوزتهم العقبة وبلغت الشربة الماء دينارًا والبطيخة دينارين وكان حجاج كثير وأكثرهم أوباش الناس من الفلاحين والنساء وغير ذلك وخرج سليم آغا مستحفظان وصحبته جماعة من الانكشارية والكشاف والأجناد والعسكر فاستلموا المحمل من أمير الحاج وأمروه لا يدخل المدينة بل يقيم بالبركة حتى يحاسبوه ويسافر بمن معه من العسكر الى جهة الشام ثم رجعوا بالمحمل ودخلوا به المدينة وقت الظهر على خلاف العادة وحضر صحبة الحجاج كثير من أهل مكة هروبًا من الوهابي ولغط الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خاريجًا وكافرًا وهم المكيون ومن تابعهم وصدق أقوالهم ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه وأرسل الى شيخ الركب المغربي كتابًا ومعه أوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئًا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد فقد قال الله تعالى قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين وقال الله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف وقال تعالى اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكرون وقال تعالى وإن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بأن أمته تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرًا بشبر وذراعًا بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوًا القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن وأخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه الى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد الى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه وتعالى أغنى الأغنياء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا كما قال تعالى فاعبد الله مخلصًا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصًا لوجهه وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم الى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار وقال تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون فأخبر أنه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وقال تعالى فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم وقال تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولًا وهو سبحانه وتعالى لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله كما قال تعالى وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا وقال تعالى ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذًا من الظالمين فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجدًا فيحمده بمحامد يعلمه إياها ثم يقال ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع‏.‏

ثم يحد له حدًا فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من العلماء المسلمين بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الأصحاب والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهاجهم وأما ما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعيادًا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طريق يؤدي الى الشرك فنهى أن يجصص القبر وأن يبني عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه أيضًا أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبرًا مشرفًا إلا سواه ولا تمثالًا إلا طمسه ولهذا ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر الى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف الصالح من الأمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قالتناه بالسيف والسنان كما قال تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وندعو الناس الى إقامة الصلوات في الجماعات الى الوجه المشروع وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر كما قال تعالى الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور فهذا هو الذي نعتقده وندين الله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا ونعتقد أيضًا أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وأنه لاتزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أقول إن كاد كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضًا وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان والحافظ المقريزي في تجريد التوحيد والإمام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد الشيطان وغير ذلك انتهى‏.‏

وفي ذلك اليوم نودي على المتخلفين من الانكشارية بالسفر صحبة أمير الحاج وقبضوا على أنفار منهم وأخرجوهم ومنعوا أيضًا حجاج المغاربة من الدخول الى المدينة ومن دخل منهم لأجل حاجة فليدخل من غير سلاح فذهبوا الى بولاق وأقاموا هناك‏.‏

وفي يوم الاثنين مر الوالي بناحية الجمالية فوجد إنسانًا من أكابر غزة يسمى علي آغا شعبان حضر الى مصر من جملة من حضر مع العرضي وكان مهندسًا في عمارة الباشا ثم عين لسد ترعة الفرعونية لمعرفة بأمور الهندسة فوجده جالسًا على دكان يتنزه حصة وفرسه وخدمه وقوف أمامه فطلبه وأمره بالركوب معه فركب وذهب صحبته فكان آخر العهد به وكان في جيبه ألف دينار ذهبًا بإخبار أخيه خلاف الورق فأخذ ثيابه وفرسه وما معه وخنقه وأخفى أمره وأنكره وكان رجلًا لا بأس به‏.‏

شهر ربيع الأول سنة 1218 استهل بيوم الثلاثاء وفي يوم السبت خامسه أحمد باشا والعساكر الانكشارية الذين جمعوهم من المدينة وسافر صحبتهم من العساكر الذين كانوا صحبة أمير الحاج والجميع كانوا نحو ألفين وخمسمائة وأما أمير الحاج فإنهم عفوا عنه من السفر ودخل المدينة بخاصته‏.‏

وفي هذا اليوم حضر علي كتخدا من جهة قبلي وهو كتخدا حسن باشا الى جرجا ومعه مكاتبة الى الأمراء المصرلية وأنه وصل الى أسيوط فكتبوا له أمانًا بالحضور الى مصر بمن معه من العسكر ورجع علي كتخدا بذلك في ثاني يومه فقط‏.‏

وفيه ورد الخبر بوصول أنجد بك الى ثغر دمياط بالريالة الى محمد باشا‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسعه سافر الشريف عبد الله ابن سرور الى سكندرية متوجهًا الى اسلامبول وأنعم عليه ابراهيم بك بخمسين ألف فضة‏.‏

وفي يوم الجمعة كان المولد النبوي ونادوا بفتح الدكاكين ووقود القناديل فأوقدت الأسواق تلك الليلة والليلة التي قبلها ولكن دون ذلك وأما الأزبكية فلم يعمل بها وقدة إلا قبالة بيت البكري لاستيلاء الحراب عليها‏.‏

وفي ثاني عشره سفروا جبخانة وجللًا وبارودًا الى جهة بحري وأشيع بأن كثيرًا من العسكر المصحوبين بالتجريدة ذهبوا الى محمد باشا وكذلك طائفة من الانكشارية المطرودين الذين خلصوا الى طريق دمياط‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشره وردت مكاتبات من عثمان بك البرديسي بالخبر بوقوع الحرب بينهم وبين محمد باشا وعساكره‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشره وقع بين الفريقين مقتلة عظيمة وكانوا ملكوا منه متاريس القنطرة البيضاء قبل ذلك ثم هجم المصريون في ذلك اليوم عليهم هجمة عظيمة وكبسوا على دمياط بمخامرة بعض رؤساء عساكر الباشا وفتكوا في عسكر الباشا بالقتل وقتلت خواصه وأتباعه وقتل حسين كتخدا شنن ومصطفى أغات التبديل ونهبوا دمياط وأسروا النساء وافتضوا الأبكار وأخذوهم أسرى وصاروا يبيعونهم على بعضهم وفعلوا أفعالًا شنيعة من الفسق والفجور وأخذوا حتى ما على أجساد الناس من الثياب ونهبوا الخانات والبيوت والوكائل وجميع أسباب التجار التي بها من أصناف البضائع الشامية والرومية والمصرية وكان شيئًا كثيرًا يفوق الحصر وما بالمراكب حتى بيع الفرد الأرز الذي هو نصف أردب بثلاثة عشر نصفًا وقيمته ألف نصف والكيس الحرير الذي قيمته خمسمائة ريال بريالين الى غير ذلك والأمر لله وحده والتجأ الباشا الى القرية وتترس بها فأحاطوا به من كل جهة فطلب الأمان فأمنوه فنزل من القرية وحضر الى البرديسي وخطف عمامته بعض العسكر ولما رآه البرديسي ترجل عن مركوبه إليه وتمنى بالسلام عليه وألبسه عمامة وأنزله في خيمة بجانب خيمته متحفظًا به ولما وصل الخبر بذلك الى مصر ضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة والجيزة ومصر العتيقة واستمر ذلك ثلاثة أيام بلياليها في كل وقت‏.‏

وفي عصريتها حضر جوخدار البرديسي وهو الذي قتل حسين آغا شنن وحكى بصورة الحال فألبسه ابراهيم بك فروة وأنعم عليه ببلاد المقتول وبيته وزوجته وأملاكه وجعله كاشف الغربية وذهب الى وكيل الألفي أيضًا فخلع عليه فروة سمور وصار يبدر الذهب في حال ركوبه‏.‏

وفي يوم الجمعة ذهب المذكور الى مقام الإمام الشافعي وأرخى لحيته على عادتهم التي سنها السدنة ليعفيها بعد ذلك من الحلق‏.‏

وفي ذلك اليوم عمل ابراهيم بك ديوانًا ببيت ابنته بدرب الجماميز وحضر القاضي والمشايخ ولبس خلعة وتولى قائمقام مصر وضربت في بيته النوبة التركية‏.‏

وفي عشرينه ورد الخبر بوصول علي باشا الطرابلسي الى اسكندرية واليًا على مصر عوضًا عن محمد باشا وحضر منه فرمان خطابًا للأمراء يعلمهم بوصوله ويذكر لهم أنه متولي على الأقطار المصرية عوضًا عن محمد باشا من اسكندرية الى أسوان ولم يبلغ الدولة موت طاهر باشا ولا دخولكم الى مصر ومعنا أوامر لطاهر باشا وأحمد باشا أنهم يتوجهون بالعساكر الى الحجاز بسبب الوهابيين فلما وصلنا الى اسكندرية بلغنا موت طاهر باشا وحضوركم الى المدينة بمعاونة الأرنؤدية وقتل رجال الدولة والانكشارية وقتل من معهم وإخراج من بقي على غير صورة الى غير ذلك وهذا غير مناسب ولا نرضى لكم بهذا على هذا الوجه فإننا نحب لكم الخير ولنا معكم عشرة سابقة ومحبة أكيدة ونطلب راحتكم في أوطانكم ونسعى لكم فيها على وجه جميل وكان المناسب أن لا تدخلوا المدينة إلا بإذن الدلوة فإن تظاهركم بالخلاف والعصيان مما يوجب لكم عدم الراحة فإن سيف السلطنة طويل فربما استعان السلطان عليكم ببعض المخالفين الذين لا طاقة لكم بهم ثم قال لهم في ضمن ذلك إن لنا معكم بعض كلام لا يحتمله الكتاب وعن قريب يأتيكم إثنان من طرفنا عاقلان تعملون معهما مشاورة فكتبوا له جوابًا حاصله أن محمد باشا لما كان متوليًا لم نزل تترجى مراحمه وهو لا يزداد معنا إلا قسوة ولا يسمح لنا بالإقامة بالقطر المصري جملة وجرد علينا التجاريد والعساكر من كل جهة وينصرنا الله عليه في كل مرة الى أن حصل بينه وبين عساكره وحشة بسبب جماكيهم وعلوفاتهم فقاموا عليه وحاربوه وأخرجوه من مصر بمعونة طاهر باشا ثم قامت الانكشارية على طاهر باشا وقتلوه ظلمًا وقامت العساكر على بعضهم البعض وكنا حضرنا الى جهة الجيزة باستدعاء طاهر باشا فلما قتل طاهر باشا بقيت المدينة رعية من غير راع وخافت الرعية من جور العساكر وتعديهم فحضر إلينا المشايخ والعلماء واختيارية الوجاقلية واستغاثوا بنا فأرسلنا من عندنا من ضبط العساكر وأمن المدينة والرعية وأما محمد باشا فإنه نزل الى دمياط وظلم البلاد والعباد وفرد عليها الفرد الشاقة وحرقها فتوجه عثمان بك البرديسي لتأمين أهالي القرى الى أن وصل ال ظاهر دمياط فأقام بمن معه خارج المدينة فما يشعر إلا ومحمد باشا صدمهم ليلًا وحاربهم فحاربوه فنصرهم الله عليه وانهزمت عساكره وقبض عليه وهو الآن عندنا في الإعزاز والإكرام ونحن الآن على ذلك حتى يأتينا العفو وأما قولكم إننا نخرج من مصر فهذا لا يمكن ولا تطاوعنا جماعتنا وعساكرنا على الخروج من أوطانهم بعد استقرارهم فيها وأما قولكم إن حضرة السلطان يستعين علينا ببعض المخالفين فإننا لا نستعين إلا بالله وإننا أرسلنا عرضحال نطلب العفو ونترجى الرضا ومنتظرون الجواب‏.‏

وفي ثاني عشرينه حضر واحد آغا ومعه آخر فضربوا له مدافع وعملوا ديوانًا وتكلم معهم وتكلم المشايخ الحاضرون في ظلم العثمانيين وما أحدثوه من المظالم والمكوس واتفقوا على كتابة عرضحال الى الباشا فكتبوا ذلك وأمضوا عليه ونادوا في الأسواق برفع ما أحدثه الفرنساوية والعثمانية من المظالم وزيادة المكوس ودفعوا الى الآغا الواصل ألف ريال حق طريقه وسافر‏.‏

وفيه وصل الخبر بأن سليمان كاشف لما وصل الى رشيد وبها جماعة من العثمانية وحاكمها ابراهيم أفندي فلما بلغه وصول سليمان كاشف أخلى له البلد وتحصن في برج مغيزل فعبر سليمان كاشف الى البلد وخرج يحاصر ابراهيم أفندي فهم على ذلك وإذا بالسيد علي باشا القبطان وصل الى رشيد وأرسل الى سليمان كاشف يعلمه بحضوره وحضور علي باشا والي مصر ويقول ما هذا الحصار فقال له نحن نقاتل كل من كان من طرف حسين قبطان باشا وأما من كان من طرف الوزير يوسف باشا فلا نقاتله وارتحل من رشيد الى الرحمانية ودخل السيد علي القبطان الى رشيد‏.‏

وفي ثالث عشرينه سافر جوخدار البرديسي الى ولاية الغربية وكان شاهين كاشف المرادي هناك يجمع الفردة وتوجه الى طندتا وعمل على أولاد الخادم ثمانين ألف ريال فحضروا الى مصر ومعهم مفاتيح مقام سيدي أحمد البدوي هاربين وتشكوا وتظلموا وقالوا لابراهيم بك لم يبق عندنا شيء فإن الفرنساوية نهبونا وأخذوا أموالنا ثم أن محمد باشا أرسل المحروقي فحفر دارنا وأخذ منا نحو ثلثمائة ألف ريال ولم يبق عندنا شيء جملة كافية‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه وصل محمد باشا الى ساحل بولاق وصحبته المحافظون عليه وهم جماعة من عسكر الأرنؤد الذين كانوا سابقًا في خدمته وجماعة من الأجناد المصرلية ولم يكن معه من أتباعه إلا ست مماليك فقط فإن مماليكه المختصين به اختار منهم البرديسي من اختاره واقتسم باقيهم الأرنؤد ومنهم من يخدم الأرنؤد المحافظين عليه ووافق أن ذلك اليوم كان جمع سيدي أحمد البدوي ببولاق على العادة فنصبوا له خيمة لطيفة بساحل البحر وطلع إليها فرأى جمع الناس فظن أنهم اجتمعوا للفرجة عليه فقال ما هذا فأخبروه بصورة الحال‏.‏

وكان ابراهيم بك في ذلك اليوم حضر الى بولاق ودخل الى بيت السيد عمر النقيب الأشراف باستدعاء فجلس عنده ساعة ثم ركب الى ديوان بولاق فنزل هناك ساعة أيضًا ثم ركب الى بيته بحارة عابدين فلما وصل الباشا كما ذكر حضر إليه سليم كاشف المحرمجي وأركبه حصانًا وركب مماليكه حميرًا وذهبوا به الى بيت ابراهيم بك بحارة عابدين فوجدوا ابراهيم بك طلع الى الحريم فلم ينزل إليه ولم يقابله فرجع به سليم كاشف الى بيت حسن كاشف جركس وهو بيت البرديسي فبات به فلما كان في الصباح ركب ابراهيم بك الى قصر العيني فركب المحرمجي وأخذ معه الباشا وذهب به الى قصر العيني فقابل ابراهيم بك هناك وسلم عليه وحضر الألفي وباقي الأمراء بجموعهم وخيولهم فترامحوا تحت القصر وتسابقوا ولعبوا بالجريد ثم طلع أكابرهم الى أعلى القصر فصاروا يقبلون يد ابراهيم بك والباشا جالس حتى تحلقوا حواليهما ثم أن ابراهيم بك قدم له حصانًا وقام وركب مع المحرمجي الى بيت حسن كاشف بالناصرية فسبحان المعز المذل القهار‏.‏

وفي ثاني يوم غايته ركب ابراهيم بك الألفي وذهبا الى الباشا وسلما عليه في بيت البرديسي وهادياه بثياب وأمتعة وبعد أن كانوا يترجون عفوه ويتمنون الرضا منه ويكونوا تحت حكمه صار هو يترجى عفوهم ويؤمل رفدهم وإحسانهم وبقي تحت حكمهم فالعياذ بالله م زوال النعم وقهر الرجال‏.‏

استهل بيوم الأربعاء في ثانيه ضربت مدافع كثيرة بسبب إقامة بنديرة الانجليز بمصر‏.‏

وفيه عدى البرديسي من المنصورة الى البر الغربي متوجهًا الى جهة رشيد‏.‏

وفي يوم السبت رابعه وردت هجانة من ناحية الينبع وأخبروا أن الوهابيين جلوا عن جدة ومكة بسبب أنهم جاءتهم أخبار بأن العجم زحفوا على بلادهم الدرعية وملكوا بعضها والأوراق فيها خطاب من شريف باشا وشريف مكة لطاهر باشا على ظن حياته‏.‏

وفي يوم الاثنين نادى الآغا والوالي بالأسواق على العثمانية والأتراك والأغراب من الشوام والحلبية بالسفر والخروج من مصر فكل من وجد بعد ثلاثة أيام فدمه هدر وأمروا عثمان بك أمير الحاج بالسفر على جهة الشام من البر ويسافر المنادي عليهم صحبته وكذلك ابراهيم باشا‏.‏

وفي يوم الأربعاء خرج عثمان بك الى جهة العادلية وخرج الكثير من أعيان العثمانية معه وتتابع خروجهم في كل يوم وصاروا يبيعون متاعهم وثيابهم وهم خزايا حيارى في أسوأ حال وأكثرهم متأهل ومتزوج ومنهم من نهب وسلب وصار لا يملك شيئًا فلما تكامل خروجهم وسافروا في عاشره وهم زيادة عن ألفين وبقي منهم أناس التجأوا الى بعض المصرلية والانجليز وانتموا إليهم‏.‏ وفيه

وصلت الأخبار بأن البرديسي وصل إلى رشيد

وأن السيد علي باشا ريس القبطانية تحصن ببرج مغيزل وغالب أهلها جلا عنها خوفًا من مثل حادثة دمياط ولما دخل عثمان بك وفي ثالث عشره حضر قنصل الفرنسيس فعملوا له شنكًا ومدافع وأركبوه من بولاق بموكب جليل وقدامه أغات الانكشارية والوالي وأكابر الكشاف وحسين كاشف المعروف بالإفرنجي وعساكره الذين مثل عسكر الفرنسيس وهيئته لم يتقدم مثلها بين المسلمين ونصب بنديرته في بركة الأزبكية من ناحية قنطرة الدكة على صاري طويل مرتفع في الهواء واجتمع إليه كثير من النصارى الشوام والأقباط وعملوا جمعيات وولائم وازدحموا على بابه وحضر صحبة كثير من الذين هربوا عند دخول المسلمين مع الوزير وكان المحتفل بذلك حسين كاشف الإفرنجي‏.‏

وفي ثامن عشره وصلت مكاتبة من البرديسي الى ابراهيم بك يخبر فيها أنه لما وصل الى رشيد وتحصن السيد علي باشا بالبرج أرسل إليه فبعث له حسن بك قرابة علي باشا الطرابلسي الوالي فتكلم معه وقال له ما المراد إن كان حضرة الباشا واليًا على مصر فليأت على الشرط والقانون القديم ويقيم معنا على الرحب والسعة وإن كان خلاف ذلك فأخبرونا به الى أن انتهى الكلام بيننا وبينه على مهلة ثلاثة أيام ورجع وانتظرنا بعد مضي الميعاد بساعتين فلم يأتنا منهم جواب فضربنا عليهم في يوم واحد مائة وخمسين قنطارًا من البارود وأنكم ترسلون لنا أعظم ما يكون عندكم في البنب والمدافع والبارود فشهلوا المطلوب وأرسلوه في ثاني يوم صحبة حسين الإفرنجي وتراسل الطلب خلفه ولحقوا به عدة أيام‏.‏

وفي عشرينه وصل حسن باشا الذي كان والي جرجا الى مصر العتيقة فركب ابراهيم بك للسلام عليه وحضر الطبجية الى جبهانته فأخذوها وطلعوا بها الى القلعة وكذلك الجمال أخذها الجمالة والعسكر ذهبوا الى رفقائهم الذين بمصر وطولب بالمال واستمر بمصر العتيقة مستحفظًا به من كل ناحية‏.‏

وفي يوم السبت خامس عشرينه وقعت نادرة وهي أن محمد باشا طلب من سليم كاشف المحرمجي أن يأذن له في أن يركب الى خارج الناصرية بقصد التفسح فأرسل سليم كاشف يستأذن ابراهيم بك في ذلك فأذن له بأن يركب ويعمل رماحة ثم يأتي إليه بقصر العيني فيتغدى عنده ثم يعود وأوصى على ذبح أغنام ويعملون له كبابًا وشواء فأركبه سليم كاشف بمماليكه وعدة من مماليك المحرمجي وصحبته ابراهيم باشا فلما ركب وخرج الى خارج الناصرية أرسل جواده ورمحه وتبعه مماليكه من خلفه فظن المماليك المصرلية أنهم يعملون رماحة ومسابقة فلما غابوا عن أعينهم ساقوا خلفهم ولم يزالوا سائقين الى الأزبكية وهو شاهر سيفه وكذلك بقية الطاردين والمطرودين فدخل الى أحمد بك الأرنؤدي وضرب بعض المماليك فرسه ببارودة فسقط وذلك عند وصوله الى بيت أحمد بك المذكور ووصل الخبر الى سليم كاشف فركب على مثل ذلك بباقي أتباعه وهم شاهرون السيوف ورامحون الخيول واتصل الخبر بابراهيم بك فأمر الكشاف بالركوب وأرسل الى البواقي بالطلوع الى القلعة وحفظ أطارف البلد فركب الجميع وتفرقوا رامحين وبأيديهم السيوف والبنادق فانزعجت الناس وترامحوا وأغلقوا الحوانيت واختلفت رواياتهم وظنوا وقوع الشقاق بين الأرنؤد والمصرلية وكذلك المماليك المصرلية أيقنوا ذلك وطلع الكثير منهم الى القلعة ولما دخل محمد باشا عند أحمد بك ومن معه من أكابر الأرنؤد قاموا في وجهه ووبخوه بالكلام وقبضوا عليه وعلى مماليكه وأخذوا ما وجدوه معهم من الدراهم وكان في جيب الباشا خاصة ألف وخمسمائة دينار وحضر سليم كاشف المحرمجي عند ذلك فسلموه له فأركبه الباشا اكديشًا لأن فرسه أصيب ببارودة من بعض المماليك اللاحقين به وذلك عند وصوله الى بيت أحمد بك وركب معه أحمد بك أيضًا وأخذوه الى عند ابراهيم بك بقصر العيني فخلع ابراهيم بك على أحمد بك فروة سمور وقدم له حصانًا بسرجه وسكنت الفتنة ونعوذ بالله من الخذلان ومعاداة الزمان‏.‏

وفي يوم الأحد سادس عشرينه وردت الأخبار ومكاتبة من البرديسي بنصرتهم على العثمانية واستيلائهم على برج رشيد بعد أن حاربوا عليه نيفًا وعشرين يومًا وأسروا السيد علي القبطان وآخرين معه وعدة كثيرة من العسكر وأرسلوهم الى جهة الشرقية ليذهبوا على ناحية الشام بعد أن قتل منهم من قتل فعند ذلك عملوا شنكًا وضربوا مدافع كثيرة وكذلك في ثاني يوم وثالث وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف تسعة أصابع وهو نحو الثلثين وأظلم الجو وابتداؤه الساعة واحدة وثمان دقائق ونصف وتمام الانجلاء في ثالث ساعة وست عشرة دقيقة وكان ذلك في أيام زيادة النيل نسأل الله عفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة‏.‏

شهر جمادى الأولى سنة 1218 استهل بيوم الجمعة في ثانيه الموافق لخامس عشر مسرى القبطي وفي النيل سبعة عشر ذراعًا وكسر سد الخليج صبحها بحضرة ابراهيم بك قائمقام والقاضي وجرى الماء في الخليج على العادة‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن علي باشا كسر السد الذي ناحية أبي قير الحاجز على البحر المالح وهذا السد من قديم الزمان من السدود العظام المتينة السلطانية وتتفقده الدول على ممر الأيام بالمرمة والعمارة إذا حصل به أدنى خلل فلما اختلت الأحوال وأهمل غالب الأمور وأسباب العمارات انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الأراضي والقرى التي بين رشيد وسكندرية وذلك من نحو ستة عشر عامًا فلم يتدارك أمره واستمر حاله يزيد وخرقه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك الى واقعة الفرنسيس فلما حضرت الانكليز والعثمانية شرموه أيضًا من الناحية البحرية لأجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه المالحة على الأراضي الى قريب دمنهور واختلطت بخليج الأشرفية وشرقت الأراضي وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق وحول الاسكندرية من البر وامتنع وصول ماء النيل الى أهل الاسكندرية فلم يصل إليهم إلا ما يصلهم من جهة البحر في النقاير أو ما خزنوه من مياه الأمطار بالصهاريج وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون بمصر حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح أفندي معين لخصوص السد وأحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة والاجتهاد في سد الجسر فأقام العمل في ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الإتمام وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر أهل القرى والنواحي فما هو إلا وقد حصلت هذه الحوادث وحضر علي باشا الى الثغر وخرج الأجناد المصرلية وحاربوا السيد علي باشا القبطان على برج وشيد فخاخ حضورهم الى الاسكندرية ففتحه ثانيًا ورجع التلف كما كان وهذهب ما صنعه صالح أفندي المذكور في الفارغ بعدما صرف عليه أموالًا عظيمة وأما أهل سكندرية فإنهم جلوا عنها ونزل البعض في المراكب وسافر الى أزمير وبعضهم الى قبرص ورودس والأضات وبعضهم اكترى بالأيام وأقاموا بها على الثغر ولم يبق بالبلدة إلا الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه على الرحلة وهم أيضًا مستوفزون وعم بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق وقيل إن علي باشا المذكور فرد عليهم مالًا وقبض على ستة أنفار من أغنياء المغاربة واتهمهم أنهم كتبوا كتابًا للبرديسي يعدونه أنه إذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلد بمعونة عسكر المغاربة فأخذ منهم مائة وخمسين كيسًا بشفاعة القبطان الذي في البيليك بالثغر واجتهد في حفر خندق حول البلد واستعملهم في ذلك الحفر وفي عزمه أن يطلق فيه ماء البحر المالح فإن فعل ذلك حصل به ضرر عظيم فقد أخبر من له معرفة ودراية بالأمور أنه ربما خرب إقليم البحيرة بسبب ذلك واجتهدوا أيضًا في تحصين المدينة زيادة عن فعل الفرنسيس والانكليز‏.‏

وفي يوم السبت تاسعه وصل السيد علي القبطان الى مصر وطلع الى قصر العيني وقابل ابراهيم بك فخلع عليه فروة سمور وقدم له حصانًا معددًا وأكرمه وعظمه وأنزلوه عند علي بك أيوب وأعطوه سرية بيضاء وجارية حبشية وجاريتين سوداوين للخدمة ورتبوا له ما يليق به وهو رجل جليل من عظماء الناس وعقلائهم وأخبر القادمون البرديسي والأجناد المصريين ارتحلوا من رشيد الى دمنهور قاصدين الذهاب الى سكندرية وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة ومماليك وعساكر‏.‏

وفي أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا منه واستمر الرجاء والخوف أيامًا ثم انحط الرأي على قبض مال الجهات ورفع المظالم والتحرير من البلاد والميري عن سنة تاريخه من الملتزمين ويؤخذ من القبط ألف وأربعمائة كيس هذا مع توالي وتتابع الفرد والكلف على البلاد حتى خرب الكثير من القرى والبلاد وجلا أهلها عنها خصوصًا إقليم البحيرة فإنه خرب عن آخره ثم أن البرديسي استقر بدمنهور وبعدما أبقى برشيد مملوكه يحيى بك ومعه جملة من العساكر وكذلك بناحية البغاز وهم كانوا من وقت محاصرة البرج حتى منعوا عنه الإمداد الذي أتاه من البحر وكان ما كان وشحن البرديسي برج مغيزل بالذخيرة والجبخانة وأنزلوا برشيد عدة فرد ومغارم وفتحوا بيوت الراحلين عنها ونهبوها وأخذوا أموالهم من الشوادر والحواصل والأخشاب والأحطاب والبن والأرز وقلت الأقوات فيهم والعليق فعلفوا الدواب بشعير الأرز بل والأرز المبيض وغير ذلك مما لا تضبطه الأقلام ولا تحيط به الأوهام‏.‏

وفي منتصف هذا الشهر في أيام النسئ نقص النيل نقصًا فاحشًا وانحدر من على الأراضي فانزعج الناس وازدحموا على مشترى الغلال وزاد سعرها ثم استمر يزيد قيراطًا وينقص قيراطين الى أيام الصليب وانكبت الخلائق على شراء الغلال ومنع الغنى من شراء ما زاد على الأردب ونصف أردب والفقير لا يأخذ الأويبة فأقل ويمنعون الكيل بعد ساعتين فتذهب الناس الى ساحل بولاق ومصر القديمة ويرجعون من غير شيء واستمر سليم آغا مستحفظان ينزل الى بولاق في كل يوم صار الأمراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرًا عن أصحابها ويخزنوها لأنفسهم حتى قلت الغلة وعز وجودها في العرصات والسواحل وقل الخبز من الأسواق والطوابين وداخل الناس وهم عظيم وخصوصنا مع خراب البلاد بتوالي الفرد والمغارم وعز وجود الشعير والتبن وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب قلة العلف واجتمع بعض المشايخ وتشاوروا في الخروج الى الاستسقاء فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها وذهبوا الى ابراهيم بك وتكلموا معه في ذلك فقال لهم وأنا أحب ذلك فقالوا له وأين الشروط التي من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والإقلاع عن الذنوب وغير ذلك فقال لهم هذا أمر لا يمكن ولا يتصور ولا أقدر عليه ولا أحكم إلا على نفسي فقالوا إذًا نهاجر من مصر فقال وأنا معكم ثم قاموا وذهبوا‏.‏

وفي أواخره وردت الأخبار برجوع البرديسي ومن معه من العساكر وقد كان أشيع أنهم متوجهون الى الاسكندرية ثم ثنى عزمه عن ذلك لأمور الأول وجود القحط فيهم وعدم الذخيرة والعلف والثاني إلحاح العسكر بطلب جماكيهم المنكسرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل في حساب جماكيهم والثالث العجز عن أخذ الاسكندرية لوعر الطريق وانقطاع الطرق بالمياه المالحة فلو وصلوها وطال عليهم الحصار لا يجدون ما يأكلون ولا ما يشربون‏.‏

في أوائله نقص ماء النيل ووقف ماء الخليج وازدحم السقاؤون على نقل الماء الى الصهاريج والأسبلة ليلًا ونهارًا من الخليج وقد تغير ماؤه بما يصب فيه من الخرارات والمراحيض ولم ينزل بالأراضي التي بين بولاق والقاهرة قطرة ماء وزاد ضجيج الناس وارتفعت الغلات من السواحل والعرصات بالكلية فكانت الفقراء من الرجال والنساء يذهبون بغلقانهم الى السواحل ويرجعون بلا شيء وهم يبكون ويولولون‏.‏

وفي سادسه وصل البرديسي ومن معه من العساكر الى بر الجيزة وخرج الأمراء وغيرهم وعدوا لملاقاتهم فلما أصبح يوم السبت عدى محمد علي والعساكر الأرنؤدية الى بر مصر وكذلك البرديسي فخرجت إليهم الفقراء بمقاطفهم وغلقانهم وعيطوا في وجوههم فوعدهم بخير وأصبح البرديسي مجتهدًا في ذلك وأرسل محمد علي وخازنداره ففتحوا الحواصل التي ببولاق ومصر العتيقة وأخرجوا منها الغلال الى السواحل واجتمع العالم الكثير من الرجال والنساء فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبه غله لا غير فكان الذي يريد الشراء يذهب الى خازندار البرديسي ويأخذ منه ورقة بعد المشقة والمزاحمة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة وما رتبوه عليها فحصل للناس اطمئنان واشترى الخبازون أيضًا وفتحوا الطوابين والخابز وخبزوا وباعوا فكثر الخبز والكعك بالأسواق وجعلوا سعر القمح ستة ريالات الأردب والفول خمسة ريالات وكذلك الشعير إن وجد وكان السعر لا ضابط له منهم من كان يشتريه بثمانية وتسعة وسبعة خفية ممن توجد عنده الغلة في مصر أو الأرياف فعند ذلك سكن روع الناس واطمأنت نفوسهم وشبعت عيونهم ودعوا لعثمان بك البرديسي‏.‏

وفي هذا الشهر تحقق الخبر بجلاء الوهابي عن جدة ومكة ورجوعه الى بلاده وذلك بعد أن حاصر جدة وحاربها تسعة أيام وقطع عنها الماء ثم رحل عنها وعن مكة ورجع الشريف غالب الى مكة وصحبته شريف باشا ورجع كل شيء الى حاله الأول ورد المكوس والمظالم‏.‏

وفي يوم الأحد وصل البرديسي الى بيته بالناصرية وهو بيت حسن كاشف جركس وبيت قاسم بك وقد فرشا له ونقلوا محمد باشا من بيت جركس الى دار صغيرة بجواره وعليه الحرس‏.‏

وفي يوم الاثنين عملوا ديوانًا عند ابراهيم بك فاجتمع فيه هو والبرديسي والألفي وتشاوروا في أمر جامكية العسكر فوزعوا على أنفسهم قدرًا وكذلك على باقي الأمراء والكشاف والأجناد كل منهم على قدر حاله في الإيراد والمراعاة فمنهم من وزع عليه عشرون كيسًا ومنهم عشرة وخمسة وإثنان وواحد ونصف واحد وطلبوا من جمرك البهار قدرًا كبيرًا فعملوا على كل فرقتين مائة ريال وفتحوا الحواصل وأخرجوا منها متاع الناس وباعوه بالبخس على ذلك الحساب وأصحابه ينظرون وأخذوا ابن الحضارمة والينبعاوية بحيث وقف الفرق البن بستة ريالات على صاحبه وأخذوا من ذلك الأصل ألف فرق بن وأخرجت من الحواصل وحملت‏.‏

وفي يوم السبت رابع عشره أنزلوا فردة أيضًا على أهل البلد ووزعوها على التجار وأرباب الحرف كل طائفة قدرًا من الأكياس خمسين فما دونها الى عشرة وخمسة وبثت الأعوان للمطالبة فضج الناس وأغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات والرشوات للوسائط والنصارى فخفف عن البعض وبعد منتصف الشهر انقلب الوضع المشروع في الغلة وانعكس الحال الى أمر شنيع وهو أنهم سعروها كل أردب بستة ريالات بظاهر الحال ولا يبيع صاحب الغلة غلته إلا بإذن من القيم بعدما يأخذ منه نصف الغلة أو الثلث أو الربع على حسب ضعفه وقوته من غير ثمن وإذا أراد ذو الجاه الشراء ذهب أولًا سرًا وقدم المصلحة والهدية الى بيت القيم فعند ذلك يؤذن له في مطلوبه فيكيلون له الغلة ليلًا وصار يتأخر في حضوره الى الساحل الى قريب الظهر فيذهب الناس والفقراء فينتظرونه وإذا حضر ازدحموا عليه وتقدم أرباب المصانعات والوسايط فيؤذن لهم ويؤخذ منهم عن كل أردب ريال يأخذها القيم لنفسه زيادة عن الثمن وعن الكلفة وهي نحو الخمسين فضة خلاف الأجرة ويرجع الفقراء من غير شيء وأطلقوا للمحتسب أن يأخذ في كل يوم أربعمائة أردب منها مائتان للخبازين ومائتان توضع بالعرصات داخل البلد فكان يأخذ ذلك الى داره ولا يضعون بالعرصات شيئًا ويعطي للخبازين من المائتين خمسين أردبًا أو ستين ويبيع الباقي بأغراضه بما أحب من الثمن ليلًا فضج الناس وشح الخبز من الأسواق وخاطب بعض الناس الأمراء الكبار في شأن ذلك واستمر الحال على ذلك الى آخر الشهر والأمر في شدة وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة أو التبن أو السمن فلا يقدر من يشتري شيئًا من ذلك أن يمر به ولو قل حتى يكتري واحدًا عسكريًا أو مملوكًا يحرسه حتى يوصله الى داره وإن حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحري أخذوها ونهبوا ما فيها جملة فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء‏.‏

وفي عشرينه مات محمد بك الشرقاوي وهو الذي كان عوض سيده عثمان بك الشرقاوي‏.‏

شهر رجب الفرد سنة 1218 استهل بيوم الثلاثاء فيه رفعوا خازندار البرديسي من الساحل وقلدوا محمد كاشف تابع سليمان بك الآغا أمين البحرين والساحل ورفق بالأمر واستقر سعر الغلة بألف ومائتين نصف فضة الأردب فتواجدت بالرقع والساحل وقل الخطف وأما السمن فقل وجوده جدًا حتى بيع الرطل بستة وثلاثين نصفًا فيكون القنطار بأربعين ريالًا وأما التبن فصار يباع بالقدح إن وجد وفيه حضر واحد انكليزي وصحبته مملوك الألفي وبعض من الفرنسيس فعملوا لهم شنكًا ومدافع وأشيع حضور الألفي الى سكندرية ثم تبين أن هذا الانكليزي أتى بمكاتبات فلما مر على مالطة وجد ذلك المملوك وكان قد تخلف عن سيده لمرض اعتراه فحضر صحبته الى مصر فأشيع في الناس أن الألفي حضر الى الاسكندرية وأن هذا خازنداره سبقه بالحضور الى غير ذلك‏.‏

وفيه حضر أيضًا بعض الفرنسيس بمكاتبة الى القنصل بمصر وفيها الطلب بباقي الفردة الى بذمة الوجاقلية فخاطب القنصل الأمراء في ذلك فعملوا جمعية وحضر المشايخ وتكلموا في شأن ذلك ثم قالوا إن الوجاقلية الذين كانت طرفهم تلك الفردة مات بعضهم وهو يوسف باشجاويش ومصطفى كتخدا الرزاز وهم عظماؤهم ومن بقي منهم لا يملك شيئًا فلم يقبلوا هذا القول ثم اتفق الأمر على تأخير هذه القضية الى حضور الباشا ويرى رأيه في ذلك‏.‏

وحضر أيضًا صحبة أولئك الفرنسيس الخبر بموت يعقوب القبطي فطلب أخوه الاستيلاء على مخلفاته فدافعته زوجته وأرادت أخذ ذلك على مقتضى شريعة الفرنسيس فقال أخوه إنها ليست زوجته حقيقة بل هي معشوقته ولم يتزوج بها على ملة القبط ولم يعمل لها الإكليل الذي هو عبارة عن عقد النكاح فأنكرت ذلك فأرسل الفرنسيس يستخبرون من قبط مصر عن حقيقة ذلك فكتبوا لهم جوابًا بأنها لم تكن زوجته على مقتضى شرعهم وملتهم ولم يعمل بينهم الإكليل فيكون الحق في تركته لأخيه لا لها‏.‏

وفيه ورد الخبر بوقوع حادثة بالاسكندرية بين عساكر العثمانية وأجناس الإفرنج المقيمين بها واختلفت الرواة في ذلك وبعد أيام وصل من أخبر بحقيقة الواقعة وهي أن علي باشا رتب عنده طائفة من عسكره على طريقة الإفرنج فكان يخرج بهم في كل يوم الى جهة المنشية ويصطفون ويعملون مرش وأردبوش ثم يعودون ذلك مع انحراف طبيعتهم عن الوضع في كل شيء فخرجوا في بعض الأيام ثم عادوا فمروا بمساكن الإفرنج ووكالة القنصل فأخرج الإفرنج رؤوسهم من الطيقان نساء ورجالًا ينظرون ركبهم ويتفرجون عليهم كما جرت به العادة فضربوا عليهم من أسفل بالبنادق فضرب الإفرنج عليهم أيضًا فلم يكن إلا أن هجموا عليهم دخلوا يحاربونهم في أماكنهم والإفرنج في قلة فخرج القناصل الستة ومن تبعهم ونزلوا الى البحر وطلعوا غليون الريالة وكتبوا كتابًا بصورة الواقعة وأرسلوه الى اسلامبول والى بلادهم وأما العسكر أتباع الباشا فإنه لما خرج الإفرنج وتركوا أماكنهم دخلوا إليها ونهبوا متاعهم وما أمكنهم وأرسل الى القناصل خورشيد باشا فصالحهم وأخذ بخواطرهم واعتذر إليهم وضمن لهم ما أخذ منهم فرجعوا بعد علاج كبير وجمع الباشا علماء البلدة وأعيانها‏.‏

وطلب منهم كتابة عرض محضر على ما يمليه على غير صورة الحال فامتنعوا عن الكتابة إلا بصورة الواقع وكان المتصدر للرد الشيخ محمد المسيري المالكي فمقته ووبخه ومن ذلك الوقت صار يتكلم في حقه ويزدريه إذا حضر مجلسه وسكنت على ذلك‏.‏

وفي يوم الجمعة رابعه اجتمع المشايخ وذهبوا الى ابراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين ثم استولى على ذلك جماعتهم وأمروهم فطمنهم بالكلام اللين على عادته وكلموه أيضًا على خبز الجراية المرتبة لفقراء الأزهر فأطلق لهم دراهم تعطى للخباز يعمل بها خبزًا‏.‏

وفي ثامنه كتبوا مراسلة على لسان المشايخ وأرسلوها الى علي باشا باسكندرية مضمونها طلبه لمنصبه والحضور الى مصر ليحصل الاطمئنان والسكون وتأمين الطرقات ويبطل أمر الاهتمام بالعساكر والتجاريد ولأجل الأخذ في تشهيل أمور الحج وإن تأخر عن الحضور ربما تعطل الحج في هذه السنة ويكون هو السبب في ذلك الى غير ذلك من الكلام‏.‏

وفي عاشره سافر جعفر كاشف الابراهيمي رسولًا الى أحمد باشا الجزار بعكا لغرض باطني لم يظهر‏.‏

وفي هذه الأيام كثرت الغلال بالساحل والعرصات ووصلت مراكب كثيرة وكثر الخبز بالأسواق وفي منتصفه فتحوا طلب مال الميري ومال الجهات ورفع المظالم عن سنة تاريخه وعين لطلبها من البلاد أمراء كبار ووجهت الغربية والمنوفية لعسكر الأرنؤد فزاد على ذلك حق الطرق للمعينين للطلب والاستعجالات وتكثير المغارم والمعينين وكلفهم على من يتوانى في الدفع هذا وطلب الفردة مستمر حتى على أعيان الملتزمين ومن تأخر عن الدفع ضبطوا حصته وأخذوها وأعطوها لمن يدفع ما عليها من مياسير المماليك فربما صالح صاحبها بعد ذلك عليها واستخلصها من واضع اليد إن أمكنه ذلك‏.‏

وفي أواخره نبهوا على تعمير الدور التي أخربها الفرنسيس فشرع الناس في ذلك وفردوا كلفها على الدور والحوانيت والرباع والوكائل وأحدثوا على الشوارع السالكة دروبًا كثيرة لم تكن قبل ذلك وزاد الحال وقلد أهل الأخطاط بعضهم كما هو طبيعة أهل مصر في التقليد في كل شيء حتى عملوا في الخطة الواحدة دربين وثلاثة واهتموا لذلك اهتمامًا عظيمًا وظنوا ظنونًا بعيدة وأنشأوا بدنات وأكتافًا من أحجار منحوتة وبوابات عظيمة ولزم لبعضها هدم حوانيت اشتروها من أصحابها وفردوا أثمانها عن أهل الخطة‏.‏

وفي أواخره أيضًا نجزت عمارة عثمان بك البرديسي في الأبراج والبوابات التي أنشأها بالناصرية فإنه أنشأ بوابتين عظيمتين بالرحبة المستطيلة خارج بيته الذي هو بيت حسن كاشف جركس إحداهما عند قناطر السباع والأخرى عند المزار المعروف بكعب الأحبار وبنى حولهما أبراجًا عظيمة وبها طيقان وبداخلها مدافع أفواهها بارزة تضرب الى خارج ونقل إليها مدافع الباشا التي كانت بالأزبكية فسبحان مقلب الأحوال‏.‏

وفيه نزل ابراهيم بك والبرديسي وحسين بك اليهودي الى بولاق وأخذوا ما وجدوه بساحل الغلة وأرسلوه الى بحري فارتج الناس من ذلك وعزت الغلال وزاد سعرها بعد الانحلال‏.‏

شهر شعبان سنة 1218 أوله يوم الأربعاء وفيه وصل كاتب ديوان علي باشا الذي يقال له ديوان أفندي وعلى يديه مكاتبة وهي صورة خط شريف وصل من الدولة مضمونه الرضا عن الأمراء المصرلية بشفاعة صاحب الدولة الصدر الأعظم يوسف باشا وشفاعة علي باشا والي مصر وأن يقيموا بأرض مصر ولكل أمير فائظ خمسة عشر كيسًا لا غير وحلوان المحلول ثمان سنوات وأن الأوسبة والمضاف والبراني يضم الى الميري وأن الكلام في الميري والأحكام والثغور الى الباشا والروزنامجي الذي يأتي صحبة الباشا والجمارك والمقاطعات على النظام الجديد للدفتردار الذي يحضر أيضًا فلما قرئ ذلك بحضرة الجمع من الأمراء والمشايخ أظهروا البشر وضربوا مدافع ثم اتفق الرأي على إرسال جواب ذلك الفرمان فكتبوا جوابًا مضمونه مختصرًا أنه وصل إلينا صورة الخط الشريف وحصل لنا بوروده السرور بالعفو والرضا وتمام السرور حضوركم لتنتظم الأحوال وأعظمها تشهيل الحج الشريف وأرسلوه ليلة الاثنين ثانية صحبة رضوان كتخدا ابراهيم بك ومحمود باشجاويش الانكشارية وصحبتهما من الفقهاء السيد محم ابن الدواخلي من طرف الشيخ الشرقاوي‏.‏

وفي هذه الأيام كثر عيث العسكر وعربتهم في الناس فخطفوا ععمائن وثيابًا وقبضوا على بعض أفراد وأخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم‏.‏

وفيه وصل قاضي عسكر مصر وكان معوقًا بالاسكندرية من جملة المحجوز عليهم‏.‏

وفي يوم الجمعة عاشره وقف جماعة من العسكر في خط الجامع الأزهر في طلوع النهار وشلحوا عدة أناس وأخذوا ثيابهم وعمائمهم فانزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وصلت الى بولاق ومصر العتيقة وأغلقوا الدكاكين واجتمع الناس وذهبوا الى الشيخ الشرقاوي والسيد عمر النقيب والشيخ الأمير فركبوا الى الأمراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم ثم ركب الآغا والوالي وأمامه عدة كبيرة من عسكر الأرنؤد وخلافهم والمنادي ينادي بالأمن والأمان للرعية وإن وقع من العسكر والمماليك خطف شيء يضربوه وإن لم يقدروا عليه فليأخذوه الى حاكمه ومثل هذا الكلام الفارغ وبعد مرور الحكام بالمناداة خطفوا عمائم ونساء‏.‏

وفي ليلة الأربعاء ثامنه حضر الوالي الى قصر الشوك ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي يسمى عثمان كجك فتعشى عنده ثم قبض عليه وختم على بيته وأخذه صحبته وخنقه تلك الليلة ورماه في بئر فاستمر بها أيامًا حتى انتفخ فأخرجوه وأخذته زوجته فدفنته وسببه أنه كان يجتمع بالعثمانيين ويغريهم بنساء الأمراء وأن بعضهم اشترى منه أواني نحاسًا ولم يدفع له الثمن فطالب حريمه أيام محمد باشا فلم تدفع له فعين عليها جماعة من عسكر محمد باشا ودخل بها الى دارها وطالبها فقالت ليس عندي شيء فطلع الى داخل الحريم وصحبته العسكر ودخل الى المطبخ وأخذ قدور الطعام من فوق الكوانين وقلب ما فيها من الطعام وأخذها وخرج‏.‏

وفي يوم الأحد ثاني عشره نبه القاضي الجديد على أن نصف شعبان ليلة الثلاثاء وأخبر أن أتباعه شاهدوا الهلال ليلة الثلاثاء وهم عند البغاز على أن الهلال كان ليلة الأربعاء عسر الرؤية جدًا فكان هذا أول أحكامه الفاسدة‏.‏

وفي يوم الأربعاء أشيع أن الأمراء في صبحها قاصدون عمل ديوان ببيت ابراهيم بك ليلبسوا ستة من الكشاف ويقلدوهم صناجق عوضًا عمن هلك منهم وهم سليمان كاشف مملوك ابراهيم بك الوالي الذي تزوج عديلة بنت ابراهيم بك الكبير عوضًا عن سيده وعبد الرحمن كاشف مملوك ابراهيم عثمان بك المرادي الذي قتل بأبي قير الذي تزوج امرأج سيده أيضًا وعمر كاشف مملوك عثمان بك الأشقر الذي تزوج امرأة سيده أيضًا ومحمد كاشف مملوك المنفوخ ورستم كاشف مملوك عثمان بك الشرقاوي ومحمد كاشف مملوك سليمان بك الآغا وتزوج ابنته أيضًا فلما وقع الاتفاق على ذلك تجمع الكشاف الكبار ومماليك مراد بك وآخرون من طبقتهم وخرجوا غضابًا نواحي الآثار ثم اصطلحوا على تلبيس خمسة عشر صنجقًا‏.‏

فلما كان يوم الأحد تاسع عشره عملوا ديوانًا بالقلعة وألبسوا فيه خمسة عشر صنجقًا‏.‏

وهم أربعة من طرف ابراهيم بك الكبير وهم صهراه سليمان زوج عديلة هاشم ابنة الأمير ابراهيم بك الكبير عوضًا عن سيده واسمعيل كاشف مملوك رشوان بك الذي تزوج بزوجة سيدة زينب هانم ابنة الأمير ابراهيم بك أيضًا ومحمد كاشف الغربية وعمر تابع عثمان كاشف الأشقر الذي تزوج بامرأته وخليل آغا كتخدا ابراهيم بك ومن طرف البرديسي حسين آغا الوالي وسليمان خازندار مراد بك وشاهين كاشف مراد ومحمد تابع محمد بك المنفوخ المرادي ورستم تابع عثمان الشرقاوي وعبد الرحمن كاشف تابع عثمان الطنبرجي الذي تزوج بامرأته ومن طرف الألفي عثمان آغا الخازندار وحسين كاشف المعروف بالوشاش وصالح كاشف وعباس كاشف تابع سليمان بك الآغا ولبسوا حسن آغا مراد واليًا عوضًا عن حسين المذكور وفيه ورد بوصول طائفة من الانكليز الى القصير وهم يزيدون على الألفين‏.‏

وفي عشرينه حضر مكتوب من رضوان كتخدا ابراهيم بك من اسكندرية يخبر فيه أنه وصل الى اسكندرية وقابل الباشا ووعد بالحضور الى مصر وأنه يأمر بتشهيل أدوات الحج ولوازمه وأطلق أربعة وأربعين نقيرة حضرت الى رشيد ببضائع للتجار‏.‏

وفيه حضر جعفر كاشف الابراهيمي من الديار الشامية وقد قابل أحمد باشا الجزار وأكرمه ورجع بجواب الرسالة وسافر ثانيًا بعد أيام‏.‏

وفيه قلدوا سليمان بك الخازندار ولاية جرجا وخرج بعسكره الى مصر القديمة وجلس هناك بقصر المحرمجي فاتفق أن جماعة من عسكره الأتراك الذين انضموا إليهم من العثمانية تشاجروا مع العساكر البحرية جماعة حسين بك اليهودي بسبب امرأة رقاصة في قهوة فقتل من الأتراك ثلاثة ومن البحرية أربعة وانجرح منهم كذلك جماعة فحنق حسين بك وتترس بالمقياس وبالمراكب ووجه المدافع الى القصر وضرب بها عليه وكان سليمان بك غائبًا عن القصر فدخلت جلة داخل القصر من الشباك بين جماعة من الأمراء كانوا جالسين هناك ينتظرون رب المكان ففزعوا وخرجوا من المجلس وبلغ سليمان بك الخبر فذهب الى البرديسي وأعلمه فأرسل البرديسي يطلب حسين بك فامتنع من الحضور والتجأ الى الألفي فأرسل البرديسي خبرًا الى الألفي بعزل حسين بك عن قبطانية البحر وتولية خلافه فلم يرض الألفي بعزله وقال لا يذهب ولا يعزل وترددت بينهم الرسل وكادت تكون فتنة ثم انحط الأمر على أن حسين بك يطلع الى القلعة يقيم بها يومين أو ثلاثة تطبيبًا لخاطر سليمان بك وإخمادًا للفتنة فكان كذلك واستمر على ما هو عليه‏.‏

وفي يوم الأحد سادس عشرينه ألبس ابراهيم بك عثمان كاشف تابع علي آغا كتخدا جاويشان واستقروا به كتخدا جاويشان عوضًا عن سيده وكان شاغرًا من مدة حلول الفرنساوية‏.‏وفي

يوم الثلاثاء ثامن عشرينه

ركب حسن بك أخو طاهر باشا في عدة وافرة وحضر الى بيت عثمان بك البرديسي بعد العصر على حين غفلة وكان عند الحريم فانزعج من ذلك ولم يكن عنده في تلك الساعة إلا أناس قليلة فأرسل الى مماليكه فلبسوا أسلحتهم وأرسلوا الى الأمراء والكشاف والأجناد بالحضور وتوانى في النزول حتى اجتمع الكثير منهم وصعد بعض الأمراء الى القلعة وحصل بعض قلقة ثم نزل الى التنهة وأذن لأخي طاهر باشا بالدخول إليه في قلة من أتباعه وسأله عن سبب حضوره على هذه الصورة فقال نطلب العلوفة ووقع بينهما بعض كلام وقام وركب ولم يتمكن من غرضه وأرسل البرديسي الى محمد علي فحضر إليه وفاوضه في وفي تلك الليلة نادوا بعمل الرؤية فاجتمع المشايخ عند القاضي وكلموه في ذلك فرجع عما كان عزم عليه ونادوا بها ليلة الخميس فعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب بموكبه على العادة الى بيت القاضي فلم يثبت الهلال تلك الليلة ونودي بأنه من شعبان وأصبح الناس مفطرين فلما كان في صبحها حضر بعض المغاربة وشهدوا برؤيته فنودي بالإمساك وقت الضحى وترقب الناس الهلال ليلة الجمعة فلم يره إلا القليل من الناس بغاية العمر وهو في غاية الدقة والخفاء‏.‏

شهر رمضان المعظم سنة 1218 استهل بيوم الجمعة في ثانيه قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر أعلى وأوسط وأدنى ستين ألفًا وعشرين ألفًا وعشرة مع ما الناس فيه من الشراقي والغلاء والكلف والتعايين وعيت العسكر وخصوصًا بالأرياف‏.‏

وفيه نزلت الكشاف الى الأقاليم وسافر سليمان بك الخازندار الى جرجا واليًا على الصعيد وصالح بك الألفي الى الشرقية‏.‏

وفي ثامنه وصل الى ساحل بولاق عدة مراكب بها بضائع رومية ويميش وهي التي كان أطلقها الباشا وفيها حجاج وقرمان‏.‏

وفيه حضر ساع من اسكندرية وعلى يده مكتوب من رضوان كتخدا ومن بصحبته يخبرون بأن الباشا كان وعدهم بالسفر يوم الاثنين وبرز خيامه وخازنداره الى خارج البلد فورد عليه مكاتبة من أمراء مصر يأمرونه بأن يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب الى رشيد فانحرف مزاجه م ذلك وأحضر الرسل الذين هم رضوان كتخدا ومن معه وأطلعهم على المكاتبة وقال لهم كيف تقولون إني حاكمكم وواليكم ثم يرسلون يتحكمون على أني لا أذهب الى مصر على هذا الوجه فأرسلوا بخبر ذلك‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثالث عشره غيمت السماء غيمًا مطبقًا وأمطرت مطرًا متتابعًا من آخر ليلة الأربعاء الى سادس ساعة من ليلة الخميس وسقط بسببها عدة أماكن قديمة في عدة جهات وبعضها على سكانها وماتوا تحت الردم وزاد منها بحر النيل وتغير لونه حتى صار لونه أصفر مما سال فيه من جبل الطفل وبقي على ذلك التغير أيامًا إلا أنه حصل بها النفع في الأراضي والمزارع‏.‏

وفي منتصفه ورد الخبر بخروج الباشا من الاسكندرية وتوجهه الى الحضور الى مصر على طريق البر وشرعوا في عمل المراكب التي تسمى بالعقبة لخصوص ركوب الباشا وهي عبارة عن موكب كبير قشاشي يأخذونها من أربابها قهرًا وينقشونها بأنواع الأصباغ والزينة والألوان ويركبون عليها مقعدًا مصنوعًا من الخشب المصنع وله شبابيك وطيقان من الخرط وعليه بيارق ملونة وشراريب مزينة وهو مصفح بالنحاس الأصفر ومزين بأنواع الزينة والستائر والمتكفل بذلك أغات الرسالة فلما خرج الباشا من الاسكندرية أرسل محمود جاويش والسيد محمد الدواخلي الى يحيى بك يقولان له إن حضرة الباشا يريد الحضور الى رشيد في قلة وأما العساكر فلا يدخل أحد منهم الى البلد بل يتركهم خارجها فلما وصلوا الى يحيى بك وأرادوا يقولون له ذلك وجدوه جالسًا مع عمر بك كبير الأرنؤد الذي عنده وهم يقرؤون جوابًا أرسله الباشا الى عمر بك المذكور يطلبه لمساعدته والخروج معه أمسكه بعض أتباع يحيى بك مع الساعي فلما سمعوا ذلك قالوا لبعضهم أي شيء هذا وتركوا ما معهم من الكلام وحضروا الى حصر صحبة رضوان كتخدا‏.‏

وفي يوم الجمعة سادس عشره ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها لورود الخبر بموت حسين قبطان باشا وتولية خلافه‏.‏

وفي عشرينه أشيع سفر الألفي لملاقاة الباشا وصحبته أربعة من الصناجق وأبرز الخيام من الجيزة من جهة انبابة وأخذوا في تشهيل ذخيرة وبقسماط وجبخانة وغير ذلك‏.‏

وفي رابع عشرينه عدى الألفي ومن معه الى البر الشرقي وأشيع تعدية الباشا الى بر المنوفية فلما عدوا الى البر الشرقي انتقلوا بعرضيهم وخيامهم الى جهة شبرا وشرعوا في عمل مخابز العيش في شلقان‏.‏

وفيه حضر واحد بيان آغا يسمى صالح أفندي وعلى يده فرمان فأنزلوه ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك ولا يجتمع به أحد‏.‏

وفي غايته وصل الباشا الى ناحية منوف وفردوا له فردًا على البلاد وأكلوا الزروعات وما أنبتته الأرض وانقضى هذا الشهر وما حصل به من عربدة الأرنؤد وخطفهم عمائم الناس وخصوصًا بالليل حتى كان الإنسان إذا مشى يربط عمامته خوفًا عليها وإذا تمكنوا من أحد شلحوا ثيابه وأخذوا ما معه من الدراهم ويترصدون لمن يذهب الى الأسواق مثل سوق انبابة في يوم السبت لشراء الجبن والزبد والأغنام والأبقار فيأخذون ما معهم من الدراهم ثم يذهبون الى السوق وينهبون ما يجلبه الفلاحون من ذلك للبيع فامتنع الفلاحون عن ذلك إلا في الناد خفية وقل وجوده وغلا السمن حتى وصل الى ثلثمائة وخمسين نصف فضة العشرة أرطال قباني وأما التبن فصار أعز من التبر وبيع قنطاره بألف نصف فضة إن وجد وعز وجود الحطب الرومي حتى بلغ سعر الحملة ثلثمائة فضة وكذا غلا سعر باقي الأحطاب وباقي الأمور المعدة للوقود مثل البقمة وجلة البهائم وحطب الذرة ووقفت الأرنؤد لخطف ذلك من الفلاحين فكانوا يأتون بذلك في آخر الليل وقت الغفلة ويبيعونه بأغلى الأثمان وعلم الأرنؤد ذلك فرصدوهم وخطفوهم ووقع منهم القتل في كثير من الناس حتى في بعضهم البعض وغالبهم لم يصم رمضان ولم يعرف لهم دين يتدينون به ولا مذهب ولا طريقة يمشون عليها إباحية أسهل ما عليهم قتل النفس وأخذ مال الغير وعدم الطاعة لكبيرهم وأميرهم وهم أخبث منهم فقطع الله دابر الجميع وأما ما فعله كشاف الأقاليم في القرى القبلية والبحرية من المظالم والمغارم وأنواع الفرد والتساويف فشيء لا تدركه الأفهام ولا تحيط به الأقلام وخصوصًا سليمان كاشف البواب بالمنوفية فنسأل الله العفو والعافية وحسن العاقبة في الدين والدنيا والآخرة‏.‏

استهل شهر شوال بيوم السبت 1218 وفي ثانيه سبع رجلًا تاجرًا من وكالة التفاح ثلاثة من العسكر فهرب منهم الى حمام الطنبدي فدخلوا خلفه وقتلوه داخل الحمام وأخذوا ما في جيبه من الدراهم وغيرها وذهبوا وحضر أهله وأخذوه في تابوت ودفنوه ولم ينتطح فيه شاتان وقتل في ذلك اليوم أيضًا رجل عند حمام القيصرلي وغير ذلك‏.‏

وفيه وصل الباشا الى ناحية شلقان وصحبته عساكر كثيرة انكشارية وغيرهم وأكثرهم من الذين خرجوا مطرودين من مصر وصحبته نحو ستين مركبًا في البحر بها أثقاله ومتاعه وعساكر أيضًا‏.‏

وفيه ركب الألفي والأمراء ما عدا ابراهيم بك والبرديسي فإنهما لم يخرجا من بيوتهما وذهبوا الى مخيمهم بشبرا وخرج أيضًا محمد علي وأحمد بك وأتباعهم وأبقوا عند بيوتهم طوائف منهم‏.‏

وفيه وقعت مشاجرة بين الأرنؤدية جهة بيوت سواري العسكر بسبب امرأة قتل فيها نحو خمسة أنفار بالأزبكية‏.‏

وفي ثالثه أوقفوا على أبواب المدينة جماعة من العسكر بأسلحتهم فانزعج الناس وارتاعوا من ذلك وأغلقوا الدروب والبوابات ونقلوا أمتعتهم وبضائعهم من الدكاكين وأكثروا من اللغط وصار العسكر الواقفون بالأبواب يأخذون من الداخل والخارج دراهم ويفتشون جيوبهم ويقولون لهم معكم أوراق فيأخذون بحجة ذلك ما في جيوبهم‏.‏

وفي رابعه غيروا العسكر بأجناد من الغز المصرلية فجلس على كل باب كاشف ومعه جماعة من العسكر فكان الكاشف الذي على باب الفتوح يأخذ ممن يمر به دراهم فإن بزي الفلاح بأن كان لابس جبة صوف أو زعبوط أخذ منه ما في جيبه أو عشرة أنصاف إن كان فقيرًا وإن كان من أولاد البلد ومجمل الصورة أو لابس جوخة ولو قديمة طالبه بألف نصف فضة أو حبسه حتى يسعى عليه أهله ويدفعوها عنه ويطلقه وسدوا باب الوزير وباب المحروق وقفلوا باب البرقية المعروف بالغريب بعد أن كانوا عزموا على سده بالبناء ثم تركوه بسبب خروج الأموات‏.‏

وفيه نودي بوقود القناديل ليلًا على البيوت والوكائل وكل ثلاثة دكاكين قنديل وفي صبحها خامسه شق الوالي وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل وشدد في ذلك‏.‏

وفيه انتقل الألفي ومن معه من الأمراء الى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم قبال عرضي الباشا فحضر إليه بعض أتباع الباشا وكلموه عن نزوله في ذلك المكان ونصب الخيام في داخل الخيام ودوسهم لهم فقال لهم هذه منزلتنا ومحطنتا فلم يسع الباشا وأتباعه إلا قلعهم الخيام والتأخر فهذه كانت أول حقارة فعلها المصرلية في العثمانية ونصب محمد علي وأحمد بك وعساكرهم جهة البحر ثم أن خدم الألفي أخذوا جمالًا ليحملوا عليها البرسيم فنزلوا بها الى بعض الغيطان فحضر أميراخور الباشا بالجمال لأخذ البرسيم أيضًا فوجدوا جمال الألفي وأتباعه فنهروهم وطردوهم فرجعوا الى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب إليهم فركب رامحًا الى الغيظ وأحضر أميراخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا ورجع الى سيده بالجمال ورأس أميراخور فذهب أتباع الباشا وأخبروه بقتل أميراخور وأخذ الجمال فحنق وأحضر رضوان كتخدا ابراهيم بك وتكلم معه ومن جملة كلامه أنا فعلت معكم ما فعلت وصالحت عليكم الدولة ولم تزل تضحك على ذقني وأنا أطاوعك وأصدق تمويهاتك الى أن سرت الى ههنا فأخذتم تفعلون معي هذه الفعال وتقتلون أتباعي وترذلوني وتأخذون حملتي وجمالي فلاطفه رضوان كتخدا في الجواب واعتذر إليه وقال له هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون في الأمور وحضرة أفندي شأنه العفو والمسامحة ثم خرج من بين يديه وأرسل الى أتباع الألفي فأحضر منهم الجمال وردها الى وطاق الباشا وحضر إليه عثمان بك يوسف المعروف بالخازندار وأحمد آغا شويكار فقابلاه وأخذا بخاطره ولم يخرج إليه أحد من الأمراء سواهما‏.‏

وفي خامسه نادوا بخروج العساكر الأرنؤدية الى العرضي وكل من بقي منهم ولم يكن معه ورقة من كبيره فدمه هدر وصار الوالي بعد ذلك كلما صادف شخصًا عسكريًا من غير ورقة قبض عليه وغيبه واستمر يفتش عليهم ويتجسس على أماكنهم ليلًا ونهارًا ويقبض على من يجده متخلفًا والقصد من ذلك تمييز الأرنؤدية من غيرهم المتداخلين فيهم وكذلك من مر على المتقيدين بأبواب المدينة وذلك باتفاق بين المصرلية والأرنؤدية لأجل تميزه من بعضهم وخروج غيرهم‏.‏

وفيه أطلعوا السيد على القبطان أخا علي باشا الى القلعة وفي سادسه خرج البرديسي الى جهة شلقان ولم يخرج ابراهيم بك ولم ينتقل من بيته فنصب خيامه على موازاة خيام الألفي وباقي الأمراء كذلك الى الجبل والأرنؤدية جهة البحر وقد كان الباشا أرسل الى محمد علي وكبار الأرنؤدية وغيرهم من قبائل العربان ومشايخ البلاد المشهورين مكاتبات قبل خروجه من الاسكندرية يستميلهم إليه وبعدهم ويمنيهم إن قاموا بنصرته ويحذرهم ويخوفهم إن استمروا على الخلاف وموافقة العصاة المتغلبين فنقل الأرنؤدية ذلك الى المصرلية وأطلعوهم على المكاتبات سرًا فيما بينهم واتفقوا على رد جواب المراسلة من الأرنؤدية بالموافقة على القيام معه إذا حضر الى مصر وخرج الأمراء لملاقاته والسلام عليه فيكون هو وعساكره من أمامهم والأرنؤدية المصرية من خلفهم فيأخذونهم مواسطة فيستأصلونهم والموعد بشلفان‏.‏

وسهلوا له أمر الأمراء المصرلية وأنهم في قلة لا يبلغون ألفا ولول بلغوا ذلك فمن المنضمين إليهم من خلاف قبيلتهم وهم أيضًا معنا في الباطن ودبروا له تدبيرًا ومناصحات تروج على الأباليس منها أن يختار من عسكره قدر كذا من الموصوفين بالشجاعة والمعرفة بالسباحة والقتال في البحر ويجعلهم في السفن قبالته في البحر وأن يعدوا بالعساكر البرية الى البر الشرقي من مكان كذا ويجعل الخيالة والرجالة معه على صفة ذكروها له ولما وصل الى الرحمانية أرسل لهالأرنؤد مكاتبة سرًا بأن يعدي الى البر الشرقي وبينوا له صواب ذلك‏.‏

وهو يعتقد نصحهم فعدى الى البر الشرقي فلما حضر الى شلقان رتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بينباشا في طابور وعملوا متاريس ونصبوا المدافع وأوقفوا المراكب بما فيها من العساكر والمدافع بالبحر على موازاة العرضي فخرج الألفي كما ذكر بمن معه من الأمراء المصرلية والعساكر الأرنؤدية وأرسل الى الباشا بالانتقال والتأخر فلم يجد بدًا من ذلك فتأخر الى زفيتة ونزل ونصب هناك وطاقه ومتاريسه وفي وقت تلك الحركة تسلل حسين بك الإفرنج ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعلوا على مراكب الباشا واحتاطوا بها وضربوا عليهم بالبنادق والمدافع وساقوهم الى جهة مصر وأخذوهم أسرى وذهبوا بهم الى الجيزة بعدما قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين وكبيرهم يسمى مصطفى باشا أخذوه أسيرًا أيضًا وكان بالمراكب أناس كثيرة من التجار وصحبتهم بضائع وأسباب رومية كان الباشا عوقهم بسكندرية فنزلوا في المراكب ليصلوا ببضائعهم وطمعًا في عدم دفعهم الجمرك فوقعوا أيضًا في الشرك وارتكبوا فيمن ارتبك ولما تأخر الباشا عن منزلته واستقر بأراضي زفيتة أحاطت به المصريون والعربان وتحلقوا حوله ووقفوا لعرضيه بالرصد فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه وأرسل إليه الألفي علي كاشف الكبير فقال له حضرة ولدكم الألفي يسلم عليكم ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم وما الموجب لكثرتها وهذه هيئة النابذين لا مسالمين والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون إلا بأتباعهم وخدمهم المختصين بخدمتهم وقد ذكروا لكم ذلك وأنتم بسكندرية فقال‏:‏ نعم وإنما هذه العساكر متوجهة الى الحجاز تقوية لشريف باشا على الخارجي وعندما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشلهم ونرسلهم فقال‏:‏ إهم أعدوا لكم قصر العيني تقيمون به فإن القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم كا لا يخفاكم ذلك وأما العسكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون الى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى نشهل لهم احتياجاتهم ونرسلهم ولسنا نقول ذلك خوفًا منهم وإنما البلدة في قحط وغلاء والعساكر العثمانية منحرفوا الطباع ولا يستقيم حالهم مع الأرنؤدية ويقع بينهم ما يوجب الفشل والتعب لنا ولكم‏.‏

وفي ليلة الجمعة رابع عشره حصل خسوف للقمر جزئي بعد رابع ساعة من الليل ومقدار المنخسف أربع أصابع وثلث وانجلى في سابع ساعة إلا شيئًا يسيرًا‏.‏

وفي ذلك اليوم أرسل البرديسي الى شيخ السادات تذكرة صحبة واحد كاشف من أتباعه يطلب عشرين ألف ريال سلفة فلاطفه ورده بلطف فرجع الى مخدومه وأبقى ببيت الشيخ جماعة من العسكر فوبخه على الرجوع من غير قضاء حاجة وأمره بالعود ثانيًا فعاد إليه في خامس ساعة من الليل وصحبته جماعة أخرى من العسكر فأزعجوا أهل البيت وأرسلت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك الى المعينين تأمرهم أن لا يعملوا قلة أدب وأرسلت الى أبيها لأن منزلها بجواره فاهتم لذلك وأرسل خليل بك الى البرديسي فكفه عن ذلك بعد علاج وسعي ورفع المعينين‏.‏

وفي ليلة الخميس عشرينه وصلت أخبار ومكاتبات من الأمراء الذين ذهبوا بصحبة الباشا يخبرون فيها بموت الباشا بالقرين فضربوا مدافع كثيرة بعد العشاء ونصف الليل ومضمون ما ذكروه في المراسلة أن الباشا أراد أن يكسبهم بمن معه ليلًا وكان معهم سائس يعرف بالتركي فحضر إليهم وأخبرهم فتحذروا منهم فلما كبسوهم وقعت بينهم محاربة وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بك المنفوخ وانجرح المنفوخ أيضًا جرحًا بليغًا وأصيب الباشا وصاحبه من غير قصد والليل ليس له صاحب فقضى عليه وكان ذلك مقدورًا وفي الكتاب مسطورًا وأنكم ترسلوا لنا أمانًا بالحضور الى مصر ولا ذهبنا الى الصعيد هذا ما قالوه والواقع أنهم لما سافروا معه كان بصحبته خمسة وأربعون نفسًا لا غير والعساكر التي كانت سافرت قبله نجعت الى الصالحية أو ذهبت حيث شاء الله وكان أمامه عسكر المغاربة وخلفه الأمراء المصرلية فلما وصلوا الى أراضي القرين ونزلوا هناك عمل المغاربة مع الخدم مشاجرة وجسموها الى أن تضاربوا بالسلاح فقامت الأجناد المصرلية من خلفهم فصار الباشا ومن معه في الوسط والتحموا عليهم بالقتال ففر من أتباعه أربعة عشر نفسًا الى الوادي وثلاثة عشر رموا بأنفسهم في ساقية قريبة منهم من حلاة الروح وضرب الباشا بعض المماليك منهم بقرابينة فأصابته وقتل معه ابن أخته حسن بك وكتخداه وباقي الثمانية عشر‏.‏

فلما سقط الباشا وبه رمق رأى أحد الأميرين فقال له‏:‏ في عرضك يا فلان إن معي كفنًا داخل الخرج فكفني فيه وادفني ولا تتركني مرميًا فلما انقضى ذلك أعطى ذلك الأمير لبعض العرب دنانير وأعطاه الكفن الذي أوصاه عليه وقال له‏:‏ اذهب الى مقتلهم وخذ الباشا فكفنه وادفنه في تربة ففعل كما أمره وحفروا لباقيهم حفرًا ووارهم فيها وانقضى أمرهم هذا أخبار بعض تلك البلاد المشاهدين للواقعة وكل ذلك وبال فعله وسوء سريرته وخبث ضميره فلقد بلغنا أنه قال لعسكره‏:‏ إن بلغت مرادي من الأمراء المصريين وظفرت بهم وبالأرنؤد أبحت لكم المدينة والرعي ثلاثة أيام تفعلون بها ما شئتم والدليل على ذلك ما فعله بالاسكندرية مدة إقامته بها من الجور والظلم ومصادرات الناس في أموالهم وبضائعهم وتسلط عساكره عليهم بالجور والخطف والفسق وترذيله لأهل العلم وإهانته لهم حتى أنه كان يسمى الشيخ محمد المسيري الذي هو أجل مذكور في الثغر بالمزور وإذا دخل عليه مع أمثاله وكان جالسًا اتكأ ومد رجليه قصدًا لإهانتهم‏.‏

كان أصله من الجزائر مملوك محمد باشا حاكم الجزائر فلما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره أرسله بمراسلة الى حسين قبطان باشا وكان أخوه المعروف بالسيد علي مملوكًا للدولة ومذكورًا عند قبطان باشا ومتولي الريالة فنوه بذكره فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس وأعطاه فرمانات ويرق فذهب إليها وجيش له جيوشًا ومراكب وأغار على متوليها وهو أخو حمودة باشا صاحب تونس وحاربه عدة شهور حتى ملكها بمخامرة أهلها لعلمهم أنه متوليها من طرف الدولة وهرب أخو حمودة باشا عند أخيه بتونس فلما استولى علي باشا المذكور على طرابلس أباحها لعسكره ففعلوا بها أشنع وأقبح من التمرلكنية من النهب وهتك النساء والفسق والفجور وسبه حريم متوليها وأخذهن أسرى وفضحهن بين عسكره ثم طالبهم بالأموال وأخذ أموال التجار وفرد على أهل البلد وأخذ أموالهم ثم أن المنفصل حشد وجمع جموعًا ورجع الى طرابلس وحاصره أشد المحاصرة وقام معه المغرضون له من أهل البلدة والمقروصون من علي باشا فلما رأى الغلبة على نفسه نزل الى المراكب بما جمعه من الأموال والذخائر وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الأعيان شبه الرهائن وهرب الى اسكندرية وحضر الى مصر والتجأ الى مراد بك فأكرمه وأنزله منزلًا حسنًا عنده بالجيزة وصار خصيصًا به وسبب مجيئه الى مصر ولم يرجع الى القبطان علمه أنه صار ممقوتًا في الدولة لأن من قواعد الدولة العثمانيين أنهم إذا أمروا أميرًا في الولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصًا إذا كان ذا مال ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما ولما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان ذهبوا الى أمير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وأنه يفعل بهما الفاحشة فأرسل معهم جماعة من أتباعه في حصة مهملة وكبسوا عليه على حين غفلة فوجدوه راقدًا ومعه أحد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحًا بالغًا وأهانوه وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة أمير الحاج ثم رجع الى مصر من البحر أيضًا وأقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات الى أن حضر الفرنسيس الى الديار المصرية فقاتل مع الأمراء وتغرب معهم في قبلي وغيره ثم انفصل معهم وذهب الى خلف الجبل وسار الى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات الى الدولة فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا وأخرجوه ووصل الخبر الى اسلامبول فطلب ولاية مصر على على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية وأوامرها بمصر وليس بها إلا طاهر باشا والأرنؤد وجعل على نفسه قدرًا عظيمًا من المال ووصل الى الاسكندرية وبلغه انعكاس الأمر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الأرنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة فأراد أن يدبر أمرًا ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه الجادع بيده مارن أنفه ولم يعلم أنها القاهرة كما قهرت جبابرة وكادت فراعنة‏.‏

إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده وكان صفته أبيض اللون عظيم اللحية والشوارب أشقرهما قليل الكلام بالعربي يحب اللهو والخلاعة‏.‏

ولما انقضى أمره وأرسل سليمان بك ومحمد بك مكاتبات الى شاهين بك ونظرائه بما ذكروا أن يأخذوا لهم أمانًا من ابراهيم بك البرديسي فكتبوا لهم أمانًا بعد امتناع منهما وإظهار التغير والغضب والتأسف على التفريط منهما في قتله‏.‏

وفي يوم الخميس المذكور عملوا ديوانًا وأحضروا صالح آغا قابجي باشا الذي حضر أولًا‏.‏

ونزل ببيت رضوان كتخدا ابراهيم بك وقرأوا الفرمان الذي معه وهو يتضمن ولاية علي باشا والأوامر المعتادة لا غير وليس فيها ما كان ذكره علي باشا من الجمارك والالتزام وغيره‏.‏

وتكلم الشيخ الأمير في ذلك المجلس وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب وشكا الأمراء المتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدى الكشاف النازلين في الأقاليم وجورهم على البلاد وأنه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم فاتفق الحال على إرسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد‏.‏

وأما مصطفى باشا فإنهم أنزلوه في مركب مع أتباع الباشا الذين كانوا بقصر العيني وسفروهم الى حيث شاء الله‏.‏

وفيه وصل الألفي من سرحته الى مصر القديمة فأقام في قصره الذي عمره هناك وهو قصر البارودي يومين ثم عدى الى الجيزة ودخل أتباعه بالمنهوبات من الجمال والأبقار والأغنام‏.‏

ومعهم الجمال محملة بالقمح الأخضر والفول والشعير لعدم البرسيم فإنهم رعوا ما وجدوه في حال ذهابهم وفي رجوعهم لم يجدوا خلاف الغلة فرعوها وحملوا باقيها على الجمال ولو شاء ربك ما فعلوه‏.‏

وفي ثاني عشرينه وقعت معركة بين الأرنؤدية وعسكر التكرور بالقرب من الناصرية بسبب حمل برسيم وضربوا على بعضهم بنادق رصاص وقتل بينهم أنفار واستمروا على مضاربة بعضهم البعض نحو سبعة أيام وهم يترصدون لبعضهم في الطرقات‏.‏

وفي خامس عشرينه عملوا ديوانًا وقرأوا فرمانًا وصل من الدولة مع الططر خطابًا لعلي باشا والأمراء بتشهيل أربعة آلاف عسكري وسفرهم الى الحجاز لمحاربة الوهابيين وإرسال ثلاثين ألف أردب غلال الى الحرمين وأنهم وجهوا أربع باشات من جهة بغداد بعساكر‏.‏

وكذلك أحمد باشا الجزار أرسلوا له فرمانًا بالاستعداد والتوجه لذلك فإن ذلك من أعظم ما تتوجه إليه الهمم الإسلامية وأمثال ذلك من الكلام والترفق وفيه بعض القول بالحسب والمروءة بتنجيز المطلوب من الغلال وإن لم تكن متيسرة عندكم تبذلوا الهمة في تحصيلها من النواحي والجهات بأثمانها على طرف الميري بالسعر الواقع‏.‏

وفيه تقيد لضبط مخلفات علي باشا صالح أفندي ورضوان كتخدا ونائب القاضي وباشكاتب‏.‏

وفيه حضر الأمراء الذين توجهوا بصحبة الباشا الى الشرقية وفي هذا اليوم حضر عثمان كاشف البواب الذي كان بالمنوفية وترك خيامه وأثقاله وأعوانه على ما هم عليه وحضر في قلة من أتباعه‏.‏

وفيه نقلوا عسكر التكرور من ناحية قناطر السباع الى جهة أخرى وأخرجوا سكانًا كثيرة من دورهم جهة الناصرية وأزعجوهم من مواطنهم وأسكنوا بها عساكر وطبجية‏.‏

وفيه أنزلوا السيد علي القبطان من القلعة الى بيت علي بك أيوب كما كان وهذا السيد علي‏.‏

هو أخو علي باشا المقتول كما ذكر وأصله مملوك وليس شريف كما يتبادر الى الفهم من لفظ سيد أنها وصف خاص للشريف بل هي منقولة من لغة المغاربة فإنهم يعبرون عن الأمير بالسيد بمعنى المالك وصاحب السيادة‏.‏

وفي سادس عشرينه أنزلوا محمل الحاج من القلعة مطويًا من غير هيئة وأشيع في الناس دورانه الى بيت ابراهيم بك صحبة أحد الكشاف وطائفة من المماليك واتفق الرأي على سفره من طريق بحر القلزم صحبة محمود جاويش مستحفظان ومعه الكسوة والصرة وكان حضر الكثير من حجاج الجهة القبلية بجمالهم ودوابهم ومتاعهم فلما تحققوا عدم السفر حكم المعتاد‏.‏

باعوا جمالهم ودوابهم بالرميلة بأبخس الأثمان لعدم العلف بعدما كلفوها بطول السنة وما قاسوه أيضًا في الأيام التي أقاموها بمصر في الانتظار والتوهم‏.‏

شهر ذي القعدة سنة 1218 استهل بيوم الاثنين فيه أنزلوا حسين قبطان ومن معه من عسكر الأرنؤد من القلعة وكانوا نحو الأربعمائة فذهبوا الى بولاق وسكنوا بها بعدما أخرجوا السكان من دورهم بالقهر عنهم‏.‏

ولم يبق بالقلعة من أجناسهم سوى الطبجية المتقيدين بخدمة المصرلية‏.‏

وفيه ألبس ابراهيم بك كتخداه رضوان خلعة وأشيع أنه قلده دفتردارية مصر وذهب الى البرديسي فخلع عليه أيضًا وكذلك الألفي وذلك إكرامًا له وتنويهًا بذكره جزاء فعله ومجيئه بالباشا وتحيله عليه‏.‏وفي

ليلة الجمعة خامسه وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي

حاكم رشيد يخبر فيها بوصول محمد بك الألفي الكبير الى ثغر رشيد يوم الأربعاء ثالثه وقد طلع على أبي قير وحضر الى ادكو ثم الى رشيد في يوم الأربعاء المذكور وقصده الإقامة برشيد ستة أيام‏.‏

فلما وصلت تلك الأخبار عملوا شنكًا وضربوا مدافع كثيرة بعد الغروب وكذلك بعد العشاء وفي طلوع النهار من جميع الجهات من الجيزة ومصر القديمة وبيت البرديسي والقلعة‏.‏

وأظهروا البشر والفرح وشرعوا في تشهيل الهدايا والتقادم وأضمروا في نفوسهم السوء له ولجماعته المتآمرين حسدًا لرئاسته عليهم وخمولهم بحضوره فهاجت حفائظهم وكتموا حقدهم وتناجوا فيما بينهم وبيتوا أمرهم مع كبار العسكر وأرسل البرديسي كتابًا الى مملوكه يحيى بك نابعه حاكم رشيد يأمره فيه بقتل الألفي هناك وركب هو الى المنيل وعدى شاهين بك ومحمد بك المنفوخ واسمعيل بك صهر ابراهيم بك وعمر بك الإبراهيمي الى بر الجيزة ليلة الأحد ونصبوا خيامهم ليستعدوا الى السفر من آخر الليل صحبة الألفي الصغير وعدى أيضًا قبلهم حسين بك الوشاش الألفي ونصب خيامه بحري منهم فلما كان في خامس ساعة من الليل أرسلوا الى حسين بك يطلبونه إليه فحضر مع مماليكه وقد رتبوا جماعة منهم تأتي بخيول ومشاعل من جهة القصر فقالوا له‏:‏ أين الخيول فإننا راكبون في هذا الوقت للملاقاة‏.‏

وها هو أوك الألفي قد ركب وهو مقبل فنظر فرأى المشاعل والخيول فلم يشك في صحة ذلك ولم يخطر بباله خيانتهم له فأمر مماليكه أن يذهبوا الى خيولهم ويركبوا ويأتوه بفرسه‏.‏

فأسرعوا الى ذلك وبقي هو وحده ينتظر فرهسه فعاجلوه وغدروه وقتلوه بينهم وأرسلوا الى ابرديسي بالخبر وكان محمد علي وأحمد بك والأرنؤدية عدوا قبلي الجيزة ليلًا وكمنوا بمكان ينتظرون الإشارة ويتحققون وقوع الدم بينهم فلما علموا ذلك حضروا الى القصر وأحاطوا به وكان طبجي الألفي مخامرًا أيضًا فعطل فوالي المدافع واستمروا في ترتيب الأمراء على القصر الى آخر الليل فحضر الى األفي من أيقظه وأعلمه بقتل حسين بك وإحاطتهم بالقصر‏.‏

فأراد الاستعداد للحرب وطلب الطبجي فلم يجده وأعلموه بما فعل بالمدافع فأمر بالتحميل وركب في جماعته الحاضرين وخرج من الباب الغربي وسار مقبلًا فركب خلفه الأمراء المذكورون وساروا مقدار ملقتين حتى تعبت خيولهم ولم يكن معهم خيول كثيرة لأنهم لم يكونوا يظنون خروجه من القصر واشتغل أكثر أتباعهم بالنهب لأنه عندما ركب الألفي وخرج من القصر دخله العسكر والأجناد ونهبوا ما فيه من الأثقال والأمتعة والفرش وغيرها‏.‏

وكان كاتبه المعلم غالي ساكنًا بالجيزة وكذلك كثير من أتباعه ومقدميه فذهبوا الى دورهم فنهبوها وأخذوا ما عند كاتبه المذكور من الأموال ثم نهبوا دور الجيزة عن آخرها ولم يتركوا بها جليلًا ولا حقيرًا حتى عروا ثياب النساء وفعلوا بها مثل ما فعلوا بدمياط وأصبح الناس بالمدينة يوم الأحد لايعلمون شيئًا من ذلك إلا أنهم سمعوا الصراخ ببيت حسين بك جهة التبانة وقيل إنه قتل ببر الجيزة فصار الناس في تعجب وحيرة واختلفت رواياتهم ولم يفتحوا دكاكينهم ونقلوا أسبابهم منها وظلوا غالب اليوم لم يعلموا سر قتل حسين بك إلا من صراخ أهل بيته وكل ذلك وقع وابراهيم بك جالس في بيته ويسأل ممن يدخل إليه عن الخبر وأحضر محمود جاويش المعين للسفر بالمحمل وصير في الصرة والكتبة واشتغل معهم ذلك اليوم في عدد مال اصرة وحسابها ولوازم ذلك وبعد العصر أشيع المرور بالمحمل فاجتمع الناس للفرجة فمروا به من الجمالية الى قراميدان قبل الغروب وأصبح يوم الاثنين ثامنه ركب ابراهيم بك وأمراؤه الى قراميدان وسلم المحمل واجتمع الناس للفرجة على العادة فمروا به من الشارع الأعظم الى العادلية وأمامه الكسوة في أناس قليلة وطبل وأشاير وعينوا للذهاب معه أربعمائة مغربي من الحجاج رتبوا لهم جامكية ثلاثين نفرًا من عسكر الأرنؤد هذا ما كان من هؤلاء وأما ما كان من أمر الألفي الكبير فإنه لما حضر الى رشيد يوم الأربعاء ثالثه كما تقدم قابله يحيى بك وعمل له شنكًا وطعامًا وما يليق به وسأله عن مدة إقامته برشيد فقال له أريد الإقامة ستة أيام حتى نستريح ونزل ببيت مصطفى عبد الله التاجر ولم يكن معه إلا خاصة مماليكه وجوخداره تتمة ستة عشر فاستأذنه يحيى بك في إرسال الخبر الى مصر ليأتي الأمراء الى ملاقاته فلم يرض بذلك ثم أنه لم يقم برشيد إلا ليلة واحدة وأنزل أمتعته في أربع مراكب من الرواحل وانتقل آخر الليل الى بيت البطروشي القنصل وأمر بتنقيل المتاع الى مراكب النيل وأهدى له البطروشي غرابًا من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار الى مصر وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك جهز له الألفي الصغير بحض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه‏.‏

فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت فاجتمعوا به عند نادر نصف الليل فلما أصبح الصباح حضر إليه سليمان كاشف البواب وقابله ورجع معه الى منوف العلا فأقام هناك يوم الأحد وبات هناك ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح فلم يزل سائرًا الى الظهيرة فلاقاه عدة من عسكر الأرنؤد الموجهة إليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة فسلم عليهم فرودا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم‏:‏ أين تريدون فقال نريد الألفي فقال لهم ها هو الألفي فسكتوا ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه الى الألفي فكذب ذلك وقال‏:‏ هذا شيء لا يكون ولا يصح إن إخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لأجل راحتنا ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر ثم أن طائفة منهم أدركت الغراب الذي قدمهله البطروشي وكان متأخرًا عن المراكب فصعدوا إليه وأخذوا ما فيه من المتاع فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك‏.‏

فأرسل إليهم بعض من معه من الأتراك ليستخبر عن شأنهم وأمرهم ولم ينتظر رجوعه بالجواب ولكنه أخذ بالجزم ونزل في الحال الى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن وأمرهم أن يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة الى البحر فلاقاهم طائفة أخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي وكان بعيدًا عنهم فأعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه إياه ولم يزل يجد في السير حتى وصل الى شبرا الشهابية‏.‏

فنظر الى رجل ساع وأعلمه أنه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب بخبر الواقع فعند ذلك تحقق الخبر وطلع الى البر وأمر بتغريق القنجة ومشى مع المماليك على أقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا الى ناحية قرنفيل‏.‏

ودخل الى نجع عرب الحويطات والتجأ الى امرأة منهم فأجارته ولبت دعوته وركبته فرسًا وأصحبت معه شخصين هجانين وركب معهما وصار الى قرب الخانكة ليلًا والمماليك معه مشاة فقابلهم جماعة من عرب بلي وكبيرهم يقال له سعد ابراهيم فاحتاطوا به فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع الهجانة الى ناحية الجبل ومضى فسمع الأجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك فأسرعوا إليهم وسألوهم عن سيدهم فقالوا إنه كان معنا وفارقنا الساعة فأمر البرديسي من معه من المماليك والأجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من أدركه فليقتله في الحال فذهبوا خلفه فلم يعثر به أحد منهم وخرم عليه سعد ابراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذي على ظهره فاشتغلوا به وتركهم وسار وغاب أمره‏.‏

وفي حال جلوسه عند العرب مر عليهم طائفة من الأجناد سائرين لأنهم لما فعلوا فعلتهم في الجيزة لم يبق لهم شغل إلا هو وأخذوا في الاحتياط عليه ما أمكن فأرسلوا عسكرًا في المراكب وانبثت طوائفهم في الجهات البحرية شرقًا وغربًا فذهبت طائفة منهم الى الشرقية وطائفة الى القليوبية وكذلك المنوفية والغربية والبحيرة وسلكوا طريق الجبل الموصلة الى قبلي وذهب حسين بك ورستم بك الى صالح بك الألفي الذي بالشرقية وذهب شاهين بك الى سليمان كاشف البواب من البر الغربي ليقطع عليه الطريق وذهب علي بك أيوب ومحمد علي على جهة القليوبية ليلحقه بمنوف فلما وصل الى دجوة تعوق بسبب قلة المعادي فلما وصل الى منوف فوجدوه عدى الى الجهة الأخرى فأخذوا متروكاته التي تركها وهي بعض خيول وجمال وخمسين زلعة سمن مسلي وعملوا على أهل البلد أربعة آلاف ريال قبضوها منهم ورجعوا وكان عندما بلغه الخبر الإجمالي لم يكذب المخبر وذلك بعد مفارقة الألفي له بنحو ثلاث ساعات فعدى في الحال الى الجهة الغربية بأثقاله وعساكره فوجد أمامه شاهين بك فأرسل يطلب منه أمانًا فأجابه الى ذلك وأرسل الى مصر من يأتي بالأمان واطمأن شاهين ليلًا فلما أصبح شاهين بك وجده قد ارتحل فرجع بخفي حنين وعدى الى القليوبية فبلغه خبر الألفي وما وقع له مع العرب فطلبهم فأخبروه أنه غاب عنهم في الجبل من الطريق الفلاني‏.‏

فقبل عليهم وأحضرهم صحبته مشنوقين في عمائمهم ووجد المماليك فقبض عليهم وأرسلهم الى البرديسي‏.‏

وأما مراكبه فإنه عندما نزل الى القنجة وفارقها أردكها العسكر الذين قابلوه في المراكب‏.‏

ونهبوا ما فيها وكان بها شيء كثير من الأموال وظرائف الانكليز والأمتعة والجوخ والأسلحة والجواهر فإنه لما وصل الى اقرالي أكرمه إكرامًا كثيرًا وأهدى إليه تحفًا غريبة وكذلك أكابرهم وأعطاه جملة كبيرة من المال على سبيل الأمانة يرسل له بها غلالًا وأشياء من مصر واشترى هو لنفسه أشياء بأربعة آلاف كيس يدفعها الى القنصل بمصر وأرسل له بها القرالي بوليصة وأهدى له صورة نفسه من جوهر ونظارات وآلات وغير ذلك وأما الألفي الصغير فإنه ذهب الى جهة قبلي وفرد الفرد والكلف على ابلاد ومن عصي عليه أو توانى في دفع المطلوب نهبهم وحرقهم وأما صالح بك الألفي فإنه لما وصل إليه الخبر وقدوم الموجهين إليه ركب في الحال من زنكلون وترك حملته وأثقاله فلم يدركوه أيضًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء أحضروا مماليك الألفي الكبير وجوخداره الى بيت البرديسي وأرسل ابراهيم بك والبرديسي مكاتبات الى الأمراء بقبلي وهم سليمان بك الخازندار حاكم جرجا‏.‏

وعثمان بك حسن بقنا ومحمد بك المعروف بالغربية الابراهيمي يوصونهم ويحذرونهم من التفريط في الألفي الصغير والكبير إن وردا عليهما وأما شاهين بك فإنه عدى الى الشرقية واجتهد في التفتيش ثم رجع يوم الثلاثاء المذكور وأمامه العرب المتهمون بأنهم يعرفون طريقه وأنهم أدركوه فأعطاهم جوهرًا كثيرًا وتركوه وأحضروا صحبتهم حقًا من خشب وجدوه مرميًا في بعض الطرق فأحضر البرديسي مماليك الألفي وأراهم ذلك الحق فقالوا نعم كان مع أستاذنا وفي داخله جوهر ثمين وأرسلوا عدة من المماليك والهجانة الى الطريق التي ذكرها العرب وأحضر البرديسي ابن شديد وسأله فأخبره أنه لم يكن حاضرًا في نجعه وأن أمه أو خالته هي التي أعطته الفرس والهجانة فوبخه ولامه فقال له‏:‏ هذه عادة العرب من قديم الزمان يجيرون طنيبهم ولا يخفرون ذمتهم فحبسه أيامًا ثم أطلقه وقيل إنه مر عليه علي بك أيوم ومحمد علي ومن معهم من العسكر وهو في خيش العرب وهو يراهم وأعماهم الله عن تفتيش النجع وعن السؤال وفي ذلك اليوم خرج عثمان بك يوسف وحسين بك الوالي وأحمد آغا شويكار الى جهة الشرقية ومرزوق بك الى اقليوبية يفتشون على الألفي‏.‏

وفيه شرعوا في تشهيل تجريدة الى الألفي الصغير وأميرها شاهين بك وصحبته محمد بك المنفوخ وعمر بك وابراهيم كاشف‏.‏

وفي يوم الجمعة ثاني عشره سافرت قافلة الحجاج بالمحمل الى السويس‏.‏

وفي يوم السبت حضر علي بك أيوب ومحمد علي من سرحتهما على غير طائل‏.‏

وفيه سافر قنصل الانكيز من مصر بسبب هذه الحادثة فإنه لما وقع ذلك اجتمع بابراهيم بك والبرديسي وتكلم معهما ولامهما على هذه الفعلة وكلمهما كلامًا كثيرًا منه أنه قال لهما‏:‏ هذا الذي فعلتماه لأجل نهب مال القرالي ومطلوب مني أربعة آلاف كيس وهي البوليصة الموجهة الى الألفي وغير ذلك فلاطفاه وأرادا منعه من السفر فقال‏:‏ لا يمكن أني أقيم ببلدة هذا شأنها‏.‏

وطريقتنا لا نقيم إلا في البلدة المستقيمة الحال ثم نزل مغضبًا وسافر وأراد أيضًا قنصل الفرنسيس السفر فمنعاه‏.‏

وفي يوم السبت طلب العسكر جماكيهم من الأمراء وشددوا في الطلب واستقلوا الأمراء في أعينهم وتكلموا مع محمد علي وأحمد بك وصادق آغا كلامًا كثيرًا فسعوا في الكلام مع الأمراء المصرلية فوعدوهم الى يوم الثلاثاء ومات بقطر المحاسب كاتب البرديسي يوم الأحد فلما كان يوم الثلاثاء اجتمع العسكر ببيت محمد علي وحصل بعض قلقة فحولهم على القبط بمائتي ألف ريال منها خمسون على غالي كاتب الألفي وثلاثون على تركة بقطر المحاسب والمائة والعشرون موزعة عليهم فسكن الاضطراب قليلًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء المذكور رجع مرزوق بك من القليوبية‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشره توفي ابراهيم أفندي الروزنامجي وفيه حصل رجات وقلقات بسبب العسكر وجماكيهم وأرادوا أخذ القلعة فلم يتمكنوا من ذلك وقفل الناس دكاكينهم ‏.‏

وقتلوا رجلًا نصرانيًا عند حارة الروم وخطفوا بعض النساء وأمتعة وغير ذلك وركب محمد علي ونادى بالأمان‏.‏

وفي يوم السبت عشرينه حضر سليمان كاشف البواب بالأمان ودخل الى مصر‏.‏

وفي يوم الأحد أفرجوا عن كشاف الألفي المحبوسين‏.‏

وفيه حضر عثمان بك يوسف من ناحية الشرقية واستمر هناك حسين بك الوالي ورستم بك وذهب المنفوخ واسمعيل بك الى ناحية شرق اطفيح لأنه أشيع أن الألفي ذهب عند عرب المعازة فقبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وأرسلوا مائة هجان الى جميع النواحي وأعطوهم وفيه شرعوا في عمل فردة على أهل البلد وتصدى لذلك المحروقي وشرعوا في كتب قوائم لذلك وزعوها على العقار والأملاك أجرة سنة يقوم بدفع نصفها المتستأجر والنصف الثاني يدفعه صاحب الملك‏.‏

وفي يوم الأربعاء رابع عشرينه شرح كتاب الفردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الأجناد وطافوا بالأخطاط يكتبون قوائم الأملاك ويصقعون الأجر فنزل بالناس ما لا يوصف من الكدر مع ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال وذلك خلاف ما قرروه على قرى الأرياف فلما كان في عصر ذلك اليوم نطق أفواه الناس بقولهم الفردة بطالة وباتوا على ذلك وهم ما بين مصدق ومكذب‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشرينه أشيع إبطال الفردة مع سعي الكتبة والمهندسين في التصقيع والكتابة وذهبوا الى نواحي باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى فضج الفقراء والعامة والنساء وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلامًا على الأمراء مثل قولهن‏:‏ ايش تأخذ من تفليسي يا برديسي وصبغن أيديهن بالنيلة وغير ذلك فاقتدى بهن خلافهن وخرجوا أيضًا ومعهم طبول وبيارق وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع الكثير الى الجامع الأزهر وذهبوا الى المشايخ فركبوا معهم الى اأمراء ورجعوا ينادون بأبطالهم وسر الناس بذلك وسكن اضطرابهم وفي وقت قيام العامة كان كثير من العسكر منتشرين في الأسواق فداخلهم الخوف وصاروا يقولون لهم‏:‏ نحن معكم سوا سوا أنتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفردة وعلوفاتنا على الميري ليست عليكم أنتم أناس فقراء فلم يتعرض لهم أحد وحضر كتخدا محمد علي مرسلًا من جهته الى الجامع الأزهر وقال مثل ذلك ونادى به في الأسواق ففرح الناس وانحرفت طباعهم عن الأمراء ومالوا الى العسكر‏.‏

وكانت هذه الفعلة من جملة الدسائس الشيطانية فإن محمد علي لما حرش العساكر على محمد باشا خسروا وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والأرنؤد ثم بالأتراك عليه حتى أوقع به أيضًا وظهر أمر أحمد باشا وعرف أنه إن تم له الأمر ونما أمر الأتراك لا يبقون عليه فعاجله وأزاله بمعونة الأمراء المصرلية واستقر معهم حتى أوقع باشتراكهم قتل الدفتردار والكتخدا ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيرًا ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصًا البرديسي فإنه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر‏.‏

واغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدق وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه وتحصن بعساكره وأقامهم حوله في الأبراج وفعل بمعونتهم ما فعله بالألفي وأتباعه وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعملوا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستضعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الأحجام خوفًا من قيام أهل البلد معهم ولعلمهم بميلهم الباطني إليهم فاضطروهم الى عمل ذهه الفردة ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل وعند ذلك تبرأ محمد علي والعسكر من ذلك وساعدوهم في رفعها عنهم فمالت قلوبهم إليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا الى الله في إزالة الأمراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم وتحقق العسكر منهم ذلك وانحرف الأمراء على الرعية باطنًا بل أظهر البرديسي الغيظ والانحراف من أهل مصر وخرج من بيته مغضبًا الى جهة مصر القديمة وهو يلعن أهل مصر ويقول لابد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لأوامرنا ثم أخذوا يدبرون على العسكر وأرسلوا الى جماعتهم المتفرقين في الجهات القبلية والبحرية يطلبونهم للحضور فأرسلوا الى حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية واسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومحمد بك المنفوخ ليأتينا من شرق اطفيح والفريقان كانوا لرصد الألفي وانتظاره وأرسلوا الى سليما بك حاكم الصعيد بالحضور من أسيوط بمن حوله من الكشاف والأمراء والى يحيى بك حاكم رشيد وأحمد بك حاكم دمياط وأصعدوا محمد باشا المحبوس الى القلعة وعلم الأرنؤدية منهم ذلك فبادروا واجتمعوا بالأزبكية في يوم الأحد ثامن عشرينه فارتاع الناس وأغلقوا الحوانيت والدروب وذهب جمع من العسكر الى ابراهيم بك واحتاطوا بمهمات بيته بالداودية وكذلك ببيت البرديسي بالناصرية وتفرقوا على بيوت باقي الأمراء والكشاف والأجناد وكان ذلك وقت العصر والبرديسي عنده عدة كبيرة من العسكر المختصين به ينفق عليهم ويدر عليهم الأرزاق والجماكي والعلوفات ومنهم الطبجية وغيرهم‏.‏

وعمر قلعة الفرنسيس التي فوق تل العقارب بالناصرية وجددها بعد تخريبها ووسعها وأنشأ بها أماكن وشحنها بآلات الحرب والذخيرة والجبخانة وقيد بها طبجية وعساكر من الأرنؤدية وذلك خلاف المتقيدين بالأبراج والبوابات التي أنشأها قبالة بيته بالناصرية جهة قناطر السباع والجهة الأخرى كما سبق ذكر ذلك فلما علم بوصول العساكر حول دائرته وكان جالسًا صحبة عثمان بك يوسف فقال وقال له‏:‏ كن أنت في مكاني هنا حتى أخرج وأرتب الأمر وأرجع إليك وتركه وركب الى خارج فضربوا عليه الرصاص فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة وذهب الى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب وكان العسكر نقبوا نقبًا من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والأجناد فقاتلوا من وجدوه وأوقعوا النهب في الدار وانضم إليهم أجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤوس وفي سابع ساعة من الليل أرسل محمد علي جماعة من العسكر ومعهم فرمان وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الاسكندرية بولايته على مصر فذهبوا به الى القاضي وأطلعوه عليه وأمروه أن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط علم الناس بذلك فلما أصبح أرسل إليهم فقالوا لا تصح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة فأرسله إليهم واطلعوا عليه‏.‏

وأشيع ذلك بين الناس وأما ابراهيم بك فإنه استمر مقيمًا ببيته بالداودية وأمر مماليكه وأتباعه أن يجلسوا برؤوس الطرق الموصلة إليه فجلس منهم جماعة وفيهم عمر بك تابعه بسبيل الدهشة المقابل لباب زويلة وكذلك ناحية تحت الربع والقريبة وجهة سويقة لاجين والداودية‏.‏

وصار العسكر يضربون عليهم وهم كذلك ودخل عليهم الليل فلم يزالوا على ذلك الى اصباح‏.‏

واضمحل حالهم وقتل الكثير من المماليك والأجناد ووصل إليهم خبر خروج البرديسي فعند ذلك طلبوا الفرار والنجاة بأرواحهم وعلم ابراهيم بك بخروج البرديسي وأنه إن استمر على حاله أخذ فركب في جماعة في ثاني ساعة من النهار وخرجوا على وجوههم والرصاص يأخذهم من كل ناحية فلم يزل سائرًا حتى خرج الى الرميلة وهدم في طريقه أربعة متاريس‏.‏

وأصيب بعض مماليك وخيول وخدامين وأصيب رضوان كتخداه وطلعت روحه عند الرميلة‏.‏

فأنزلوه عند باب العزب وأخذوا ما معه من جيوبه ثم شالوه الى داره ودفنوه وقبضوا على عمر بك تابع الأشقر الابراهيمي من سبيل الدهيشة هو ومماليكه وأما الذين بالقلعة من الأمراء فإنهم أصبحوا يضربون بالمدافع والقنابر على بيوت الأرنؤد بالأزبكية الى الضحوة الكبرى فلما تحققوا خروج ابراهيم بك والبرديسي ومن أمكنه الهروب لم يسعهم إلا أنهم أبطلوا الرمي وتهيؤوا للفرار ونزلوا من باب الجبل ولحقوا بابراهيم بك فقام عليهم عسكر المغاربة ومنعوهم من أخذهم ونهب المغاربة الضربخانة وما فيها من الذهب والفضة والسبائك حتى العدد والمطارق وتسلم العسكر القلعة من غير مانع ولم تثبت المصرلية للحرب نصف يوم في القلعة ولم ينفع اهتمامهم بها طول السنة من التعمير والاستعداد وما شحنوه بها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وملأوا ما بها من الصهاريج بالماء الحلوة وقام أحمد بك الكلارجي وعبد الرحمن بك الابراهيمي وسليم آغا مستحفظان من وقت مجيئهم الى مصر متقيدين ومرتبطيهن بها ليلًا ونهارًا لا ينزلون الى بيوتهم إلا ليلة في الجمعة بالنوبة إذا نزل أحدهم أقام الآخران وطلع محمد علي إليها ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه وأمامهم المنادي ينادي بالأمان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي وأشيع في الناس رجوع محمد باشا الى ولاية مصر فبادر المحروقي الى المشايخ فركبوا الى بيت محمد علي يهنون الباشا بالسلامة والولاية وقدم له المحروقي هدية وأقام على ذلك بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فكان مدة حبسه ثمانية أشهر كاملة فإنه حضر الى مصر بعد كسرته بدمياط في آخر ربيع الأول وهو آخر يوم منه وأطلق في آخر يوم من ذي القعدة وخرج الأمراء على أسوأ حال من مصر ولم يأخذوا شيئًا مما جمعوه وكنزوه من المال وغيره إلا ما كان في جيوبهم أو كان منهم خارج البلد مثل سليم كاشف أبي دياب فإنه كان مقيمًا بقصر العيني أو الغائبين منهم جهة قبلي وبحري وأما من كان داخل البلد فإنه لم يخلص له سوى ما كان في جيبه فقط ونهب العسكر أموالهم وبيوتهم وذخائرهم وأمتعتهم وفرشهم وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن وتسلطوا على بعض بيوت الأعيان من الناس المجاورين لهم ومن لهم بهم أدنى نسبة أو شبهة بل وبعض الرعية إلا من تداركه الله برحمته أو التجأ الى بعض منهم أو صالح على بيته بدراهم يدفعها لمن التجأ إليه منهم ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها ما لا يوصف من تلك الأمور وخربوا أكثر البيوت وأخذوا أخشابها ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والأدهان وكان شيئًا كثيرًا وصاروا يبيعونه على من يشتريه من الناس ولولا اشتغالهم بذلك لما نجا من الأمراء المصرلية الذين كانوا بالبلدة أحد ولو رجع الأمراء عليهم وهم مشتغلون بالنهب لتمكنوا منهم ولكن غلب عليهم الخوف والحرص على الحياة والجبن وخابت فيهم الظنون وذهبت نفختهم في الفارغ وجازاهم الله ببغيهم وظلمهم وغرورهم وخصوصًا ما فعلوه مع علي باشا من الحيل حتى وقع في أيديهم ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله ثم طردوه وقتلوه فإنه وإن كان خبيثًا لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الألفي الكبير بعدما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة وقاسى هول الأسفار والفراتين في البحر فجاوزه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل أتباعه وحبسهم وبصلهم واتخذوهم أعداء وأخصامًا من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم إلا الحسد والحقد وحذرًا من رئاسته عليهم وكانت هذه الفعلة سببًا لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في أعينهم فإن الألفي وأتباعه وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم فيه من مغارم الفلاحين وطلب الكلف فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى الى أن حصل ونزل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة وخصوصًا كونها على يد هؤلاء وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا أنهم صاروا أتباعهم وجندهم مع أنهم كانوا قادرين على إزالتهم من الإقليم وخصوصًا عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا وأخرجوا جميع العسكر وحازوهم الى جهة البحر‏.‏

وحصنوا أبواب البلد بمن يثقون به من أجنادهم ورسموا لهم رسومًا امتثلوها فلو أرسلوا لهم بعد إيقاعهم بعلي باشا أقل أتباعهم وأمروهم بالرحلة لما وسعتهم المخالفة حتى ظن كثير ممن له أدنى فطنة حصول ذلك فكان الأمر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم ودخولهم الى المدينة ثانيًا وعند ذلك تحقق لذوي الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الألفي وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون أتباعه ويخشونهم وخصوصًا لما سمعوه بوصوله على الهيئة المجهولة لهم داخلهم من ذلك أمر عظيم استمر في أخلاطهم يومًا وليلة الى أن أجلاه البرديسي ومن معه بشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم وفرقوا جمعهم في النواحي حرصًا على قتل الألفي وأتباعه فعند ذلك زالت هيبتم من قلوب العسكر وأوقعوا بهم ما أوقعوه ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله‏.‏

شهر ذي الحجة الحرام استهل بيوم الثلاثاء سنة 1218

فيه تقلدوا علي آغا الشعراوي واليًا على مصر‏.‏

وفيه نهبوا بيت محمد آغا المحتسب وقبضوا عليه وحبسوه‏.‏

وفي ليلة الأربعاء أنزلوا محمد باشا خسرو وابراهيم باشا الى بولاق وسفروهما الى بحري ومعهما جماعة من العسكر وكانت ولايته هذه الولاية الكذابة شبيهة بولاية أحمد باشا الذي تولى بعد قتل طاهر باشا يومًا ونصفًا وكان قد اعتقد في نفسه رجوعه لولاية مصر حتى أنه لما نزل من القلعة الى بيت محمد علي نظر الى بيته من الشباك مهدومًا منخربًا فطلب في ذلك الوقت المهندسين وأمرهم بالبناء وذلك من وساوسه يقال إن السبب في سفره إخوة طاهر باشا فإنهم داخلهم غيظ شديد ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم أنه لا يستقيم حاله معهم وربما تولد بذلك شر فعجل بسفره وذهابه‏.‏

ومن الاتفاقات العجيبة أيضًا أن طاهر باشا لما غدر بمحمد باشا أقام بعده اثنين وعشرين يومًا وكذلك لما غدر المصرلية بالألفي لم يقيموا بعد ذلك إلا مثل ذلك‏.‏

وفيه صعد عابدي بك أخو طاهر باشا بالقلعة وأقام بها‏.‏

وفي ليلة الخميس ثالثه أطلقوا عثمان بك يوسف وسافر الى جماعته جهة قبلي يقال إنه افتدى نفسه منهم بمال وأطلقوه ومعه خمسة مماليك وأعطوه خمسة جمال وأربعة هجن وخيلًا‏.‏

وفيه أفرجوا عن محمد آغا المحتسب وأبقوه في الحسبة على مصلحة عملوها عليه وقام بدفعها وركب وشق في المدينة وعمل تسعيرة ونادى بها في الشوارع والأسواق وأما الأمراء فإنهم باتوا أول ليلة جهة البساتين وفي ثاني يوم ذهبوا الى حلوان وحضر إليهم حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية ومروا من تحت القلعة وانفصلوا من العسكر الذين كانوا معهم في المطرية وتركوا لهم الحملة ووصل إليهم أيضًا يحيى بك من ناحية رشيد وأحمد بك من دمياط وذهبوا إليهم ووصل يحيى بك من ناحية الجيزة وأحضر معه عربانًا كثيرة من الهنادي وبني علي وغيرهم ونزلوا بإقليم الجيزة ونهبوا البلاد وأكلوا المزروعات واستمروا على ذلك وانتشروا الى أن صارت أوائلهم بزاوية المصلوب وأواخرهم بالجيزة‏.‏

وفيه كتبوا مكاتبات من نساء الأمراء المصرلية بأنهم لا يتعرضون لأحد من العساكر الكائنة بقبلي وإن قتل منهم أحد اقتصوا من حريمهم وأولادهم بمصر‏.‏

وفي يوم الجمعة حضر محمد بك المبدول بأمان ودخل الى مصر‏.‏

وفي يوم الأحد سادسه أصعدوا عمر بك وبقية الكشاف وبعض الأجناد المصرية الى القلعة‏.‏

وفي عدى كثير من العسكر الى بر الجيزة ووقع بينهم وبين العرب بعض مناوشات وقتل أناس كثيرة من الفريقين‏.‏

وفي سابعه ظهر محمد بك الألفي الكبير من اختفائه وكان متواريه بشرقية بلبيس برأس الوادي عند شخص من العربان يسمى عشيبة فأقام عنده مدة هذه الأيام وخلص إليه صالح تابعه بما معه من المال وكان البرديسي استدل على مكانه وأحضر أناسًا من العرب وجعل لهم مالًا كثيرًا عليه وأخذوا في التحيل عليه فحصلت هذه الحوادث وجوزي البرديسي بنيته وخرج من مصر كما ذكر وكانوا في تلك المدة يشيعون عليه إشاعات مرة بموته ومرة بالقبض عليه وغير ذلك فلما حصل ما حصل وانجلت الطرق من المراصدين اطمأن حينئذ‏.‏

وركب في عدة من الهجانة وصحبته صالح بك تابعه ومروا من خلف الجبل وذهب الى شرق اطفيح ونزل عند عرب المعازة وتواتر الخبر بذلك‏.‏

وفي تاسعه وصل أحمد باشا خورشيد الى منوف فتقيد السيد أحمد المحروقي وجرجس الجوهري بتصليح بيت ابراهيم بك بالداودية وفرشه‏.‏

وفي ليلة الاثنين رابع عشره وصل الباشا الى ثغر بولاق فضربوا شنكًا ومدافع وخرج العساكر في صبحها والوجاقلية وركب ودخل من باب النصر وأمامه كبار العساكر بزينتهم‏.‏

ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية ودخل الى الدار التي أعدت له بالداودية وقدموا له التقادم وعملوا بها تلك الليلة شنكًا وسواريخ‏.‏

وفي يوم الثلاثاء خامس عشره مر الوالي وأمامه المنادي وبيده فرمان من الباشا ينادي به على الرعية بالأمن والأمان والبيع والشراء‏.‏

وفي منتصفه حضر عبد الرحمن بك الابراهيمي وكان في بشبيش بناحية بحري فطلب أمانًا وفي يوم الجمعة تحول الباشا من الداودية الى الأزبكية وسكن ببيت البكري حيث كان حريم محمد باشا فركب قبل الظهر في موكب وذهب الى المشهد الحسيني وصلى الجمعة هناك‏.‏

ورجع الى الأزبكية‏.‏

وفيه فتحوا طلب مال الميري من السنة القابلة لضرورة النفقة فاغتنم الملتزمون لذلك لضيق الحال وتعطل الأسباب وعدم الأمن وتوالى طلب الفرد من البلاد فلو فضل للملتزم شيء لا يصل إليه إلا بغاية المشقة وركوب الضرر لوثوب الخلائق من العربان والفلاحين والأجناد والعساكر على بعضهم البعض من جميع النواحي القبلية والبحرية ثم أن الوجاقلية وبعض المشايخ راجعوا في ذلك فانحط الأمر بعد ذلك على طلب نصف مال الميري من سنة تسعة عشر وبواقي سنة سبعة عشر وثمانية عشر وكذلك باقي الحلوان الذي تأخر على المفلسين‏.‏

وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد هذا والأجناد والعرب محيطة ببر الجيزة والعسكر من داخل الأسواد لا يجسرون على الخروج إليهم‏.‏

وحجزوا المراكب الواردة بالغلال وغيرها حتى لم يبق بالسواحل شيء من تلك الغلة أبدًا‏.‏

ووصل سعر الأردب القمح إن وجد خمسة عشر ريالًا‏.‏

وفي يوم الأحد عشرينه وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد فدخلوا الى البلدة وأزعجوا كثيرًا من الناس وسكنوا البيوت بمصر القديمة بعدما أخرجوهم منها وأخذوا فرشهم ومتاعهم وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحري‏.‏

وفيه قلدوا الحسبة لشخص عثمانلي من طرف الباشا وعزلوا محمد آغا المحتسب وكذلك عزلوا علي آغا الشعراوي وقلدوا الزعامة لشخص آخر من أتباع الباشا وقلدوا آخر أغات مستحفظان‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه خرجت عساكر كثيرة وعدت الى البر الغربي ووقعت في صبحها حروب بينهم وبين المصرلية والعربان وكذلك في ثاني يوم ودخلت عساكر جرحى كثيرة وعملوا لهم متاريس عند ترسة والمعتمدية وتترسوا بها والمصرلية والعربان يرمحون من خارج وهم لا يخرجون إليهم من المتاريس واستمروا على ذلك الى يوم الأحد سابع عشرينه‏.‏

وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع ورجع محمد علي والكثير من العساكر وأشيع ترفع المصرلية الى فوق ووقع بين العربان اختلاف وأشاعوا نصرتهم على المصرلية وأنهم قتلوا منهم أمراء وكشافًا ومماليك وغير ذلك‏.‏

وفي ذلك اليوم شنقوا شخصًا بباب زويلة وآخر بالحبانية وهما من الفلاحني ولم يكن لهما ذنب قيل إنه وجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب فقالوا إنكم تأخذونه وفيه نزل جماعة من العسكر جهة قبة الغوري ومعهم نحو ثلاثين نفرًا بجمالهم فقرطوا القمح المزروع وكان قد بدا صلاحه فطارت عقول الفلاحين واجتمعوا وتكاثروا عليهم وقبضوا على ثلاثة أشخاص منهم وهرب الباقون فدخلوا بهم المدينة ومعهم الأحمال وصحبتهم طبل وأطفال ونساء وذهبوا تحت بيت الباشا فأمر بقتل شخص منهم لأنه شامي وليس بأرنؤدي ولا انكشاري فقتلوه بالأزبكية فوجدوا على وسطه ستمائة بندقي ذهب وثلثمائة محبوب ذهب والله أعلم وانقضت السنة وما حصل بها من الحوادث‏.‏

وأما من مات فيها ممن له ذكر فمات الفقيه العلامة والنحرير الفهامة الشيخ أحمد اللحام اليونسي المعروف بالعريشي الحنفي حضر من بلدته خان يونس في سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وحضر أشياخ الوقت وأكب على حضور الدروس وأخذ البيلي والشيخ محمد الجناحي والصبان والفرماوي وغيرهم وتفقه على الشيخ عبد الرحمن العريشي ولازمه وبه تخرج وحضر على شيخ الوالد في الدر المختار من أول كتاب البيوع الى كتاب الإجارة بقراءته وذلك سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف ولم يزل ملازمًا للشيخ عبد الرحمن ملازمة كلية‏.‏

وسافر صحبته الى اسلامبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم وعاد صحبته الى مصر ولم يزل ملازمًا له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته فأوصى إليه بجميع كتبه واستمر عوضه في مشيخة روانق الشوام وقرأ الدروس في محله وكان فصيحًا مستحرًا متفسلفًا من المعقولات والمنقولات وقصدته الناس في الإفتاء واعتمدوا أجوبته وتداخل في القضايا والدعاوى واشتهر ذكره واشترى دارًا واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له أتباع وخدم وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم إليه وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر أشهرًا ولما حضرت الفرنساوية الى مصر وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة‏.‏

وألبسه كلهبر ساري عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة وركب بصحبة قائمقام في موكب الى المحكمة وفوضوا إليه أمر النواب بالأقاليم ولما قتل كلهبر انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه ثم تبينت براءته من ذلك الى أن رتبوا الديوان في آخر مدتهم ورسم عبد الله جاك منو باختيار قاضي بالقرعة فلم تقم إلا على المترجم فتولاه أيضًا وخلعوا عليه وركب مثل الأول الى المحكمة واستمر بها الى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والإفتاء ثم قصد الحج في هذه السنة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه وتوفي ودفن بنبط رحمه الله‏.‏

ومات الشيخ الإمام العمدة الفقيه الصالح المحقق الشيخ علي المعروف بالخياط الشافعي حضر أشياخ الوقت وتفقه على الشيخ عيسى البراوي ولازم دروسه وبه تخرج واشتهر بالعلم والصلاح وأقرأ الدروس الفقهية والمعقولية وانتفع به الطلبة وانقطع للعلم والإفادة ولما وردت ولاية جدة لمحمد باشا توسون طلب إنسانًا معروفًا بالعلم والصلاح فذكر له الشيخ المترجم فدعاه إليه وأكرمه وآساه وأحبه وأخذه صحبته الى الحجاز وتوفي هناك رحمه الله‏.‏

ومات الرئيس المبجل المهذب محمد أفندي باش جاجرت الروزنامة وأصله تربية محمد أفندي كاتب كبير الينكجرية وتمهر في صنعة الكتابة وقوانين الروزنامة وكان لطيف الطبع سليم الصدر محبوبًا للناس مشهور بالذوق وحسن الأخلاق مهذبًا في نفسه متواضعًا يسعى في حوائج إخوانه وقضاء مصالحهم المتعلقة بدفاترهم قانعًا بحاله مترفهًا في مآكله وملبسه واقتنى كتبًا نفيسة ومصاحف وتجتمع ببيته الأحباب ويدير عليهم سلاف أنسه المستطاب مع الحشمة والوقار وعدم الملل والغفار ولما اختلفت الأحوال وترادفت الفتن ضاق صدره من ذلك واستوحش من مصر وأحوالها فقصد الهجرة بأهله وعياله الى الحرمين وعزم على الإقامة هنا فلما حصل هناك رأى فيها الاختلاف والخلل كذلك بسبب ظلم الشريف غالب وأتباعه وإغارة الوهابيين على الحرمين وفتن العربان فلم يستحسن الإقامة هناك واشتاق لوطنه فعزم ومات الأمير حسين بك الذي عرف بالوشاش وهو من مماليك محمد بك الألفي وكان يعرف أولًا بكاشف الشرقية لأنه كان تولى كشوفيتها وكان صعب المراس شديد البأس قوي الجنان‏.‏

قلبه مع نحافة جسمه أعظم من جبل لبنان لا يهاب كثرة الجنود وتخشى سطوته الأسود ولما أجمعوا على خيانة الألفي وأتباعه قال لهم ابراهيم بك الكبير على ما بلغنا لا يتم مرامكم بدون البداءة بالمترجم فإن أمكنكم ذلك وإلا فلا تفعلوا شيئًا فلم يزالوا يديرون عليه ويتملقونه له ويظهرون له خلاف ما يبطنون حتى تمكنوا من غدره على اصورة المتقدمة وسبب تلقبه بالوشاش أنه كان طلع لملاقاة الحجاج بمنزلة الوش في سنة ورود الفرنساوية فلما لاقى الحجاج وأمير الحاج صالح بك رجع صحبتهم الى اشام وحصل منه بعد ذلك المواقف الهائلة مع الفرنساوية مع أستاذه ومنفردًا في الجهات القبلية والشامية ولما انجلت الحوادث وارتحلت الفرنساوية من الديار المصرية واستقرت المصريون بعد حوادث العثمانية تآمر المترجم في ستة عشر صنجقًا المتآمرين وظهر شأنه واشتهر فيما بينهم ونفذت أوامره فيهم ونغص عليهم وناكدهم وعاندهم وأغار على ما بأيديهم حتى ثقلت وطأته عليهم فلم يزالوا يحتالون عليه حتى أوقعوه في حبال صيدهم وهو لا يخطر بباله خيانتهم وغدروه بينهم كما ذكر‏.‏

ومات الأمير رضوان كتخدا ابراهيم بك وهو أغنى مماليكه رباه وأعتقه وجعله جوخداره‏.‏

وكان يعرف أولًا برضوان الجوخدات واستمر في الجوخدارية مدة طويلة ولما رجع مع أستاذه في أواخر سنة خمس ومائتين وألف بعد موت اسمعيل بك وأتباعه الى مصر أرخى لحيته وتقلد كتخدائية أستاذه وتزوج ببعض سراريه وسكن دار عبدي بك بناحية سويقة العزى ثم انتقل منها الى دار مكة على بركة الفيل تجاه بيت شكر فره وعمرها وصارت له وجاهة بين الأمراء والأعيان وباشر فصل الخصومات والدعاوى وازدحم الناس ببيته واشتهر ذكره وعظم شأنه وقصدته أرباب الحاجات وأخذ الرشوات والجعالات وكان يقرأ ويكتب ويناقش ويحاجج ويعاشر الفقهاء ويباحثهم ويميل بطبعه إليهم ويحب مجالستهم ولا يمل منهم وعنده حلم وسعة صدر وتؤدة وتأن في الأمور وإذا مهر له الحق لا يعدل عنه وعنده دهقنة ومداهنة وقوة خرم ولما حضر علي باشا الطرابلسي على الصورة المتقدمة كان المترجم والمتعين في الإرسال إليه فلم يزل يتحيل عليه حتى انخدع له وأدخل رأسه الجراب وصدق تمويهاته وحضر به الى مصر وأوردوه بعد الموارد وحاز بذلك منقبة بين أقرانه ونوه بعد بشأنه وخلعوا عليه الخلع وعرضوا عليه الإدارة فأباها واستمر على حالته معدودًا في أرباب الرياسة وتأتي الأمراء الى داره ولم يزل حتى ثارت العسكر على من بالبلدة من الأمراء‏.‏

وحصروا ابراهيم بك ببيته وخرج في ثاني يوم هاربًا والمترجم خلفه والرصاص يأخذهم من كل ناحية فأصيب في دماغه فمال عن جواده واستند على الخدم وذلك جهة الدرب الأحمر فلم يزل في غشوته حتى خرجت روحه بالرميلة فأنزلوه عند باب العزب واحتاط به المتقيدون بالباب وأخذوا ما في جيوبه ثم أحضروا له تابوتًا وحملوه فيه الى داره فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة سامحه الله فإنه كان من خيار جنسه لولا طمع فيه ولقد بلوته سفرًا وحضرًا يافعًا وكهلًا فلم أر ما يشينه في دينه عفوفًا طاهر الذيل وقورًا محتشمًا فصيح اللسان حسن الرأي قليل الفضول بعيد النظر‏.‏

ومات العمدة الشريف السيد ابراهيم أفندي الروزنامجي وهو ابن أخي السيد محمد الكماحي الروزنامجي المتوفى سنة سبعة ومائتين وألف وأصلهم روميون الجنس وكان في الأصل جربجيًا ثم عمل كاتب كشيدة وكان يسكن دارًا صغيرة بجوار دار عمه واستمر على ذلك خامل الذكر فلما توفي عمه السيد محمد انتبذ عثمان أفندي العباسي المنفصل عن الروزنامة سابقًا يريد العود إليها عن شوق وتطلع لها وظنه شغور المنصب عن المتأهل إليه سواه فلم تساعده الأقدار لشدة مراسه وسأل ابراهيم بك عن شخص من أهل بيت المتوفى فذكر له السيد ابراهيم المرقوم وخوله وعدم تحمله لأعباء ذلك المنصب فقال لابد من ذلك قطعًا لطمع المتطلعين والتزم بمراعاته ومساعدته وطلبه ونقله من حضيض الخمول الى أوج السعادة والقبول فتقلد ذلك وساس الأمور بالرفق والسير الحسن واشترى دارًا عظيمة بدرب الأغوات وسكنها واستمر على ذلك الى أن ورد الفرنساوية الى مصر فخرج مع من خرج هاربًا الى اشام ثم رجع مع من رجع ولم يزل حتى تمرض وتوفي في يوم الأربعاء سادس عشر القعدة من السنة رحمه الله‏.‏

واستهلت سنة تسعة عشر ومائتين وألف فكان ابتداء المحرم بيوم الخميس فيه ركب الوالي العثملي وشق من وسط المدينة فمر على سوق الغورية فأنزل شخصًا من أبناء التجار المحتشمين وكان يتلو في القرآن فأمر الأعوان فسحبوه من حانوته وبطحوه على الأرض وضربوه عدة عصي من غير جرم ولا ذنب وقع منه ثم تركه وسار الى الأشرفية فأنزل شخصًا من حانوته وفعل به مثل ذلك فانزعج أهل الأسواق وأغلقوا حوانيتهم واجتمع الكثير منهم وذهبوا الى بيت الباشا يشكون فعل الوالي‏.‏

وسمع المشايخ بذلك فركبوا أيضًا الى بيت الباشا وكلموه فأظهر الحنق والغيظ على الوالي ثم قاموا وخرجوا من عنده فتبعهم بعض المتكلمين في بيت الباشا وقال لهم‏:‏ إن الباشا يريد قتل الوالي والمناسب منكم الشفاعة فرجعوا الى الباشا وشفعوا في الوالي وأرسل سعيد آغا الوكيل وأحضروا له المضروب وأخذ بخاطره وطيب نفسه بكلمات ورجع الجميع كما ذهبوا وظنوا عزل الوالي فلم يعزل‏.‏

وفيه رجع المصرلية والعربان وانتشروا بإقليم الجيزة حتى وصلوا الى انبابة وضربوها ونهبوها وخرج أهلها على وجوههم وعدوا الى البر الشرقي وأخذ العسكر في أهبة التشهيل والخروج لمحاربتهم‏.‏

وفي يوم الجمعة ثانيه سافر السيد علي القبطان الى جهة رشيد وخرج بصحبته جماعة كثيرة من العساكر الذين غنموا الأموال من المنهوبات فاشتروا بضائع وأسبابًا ومتاجر ونزلوا بها صحبته وتبعهم غيرهم من الذين يريدون الخلاص والخروج من مصر فركب محمد علي الى وداع السيد علي المذكور ورد كثيرًا من العساكر المذكورة ومنعهم عن السفر‏.‏

وفي سادسه خرج محمد علي وأكابر العسكر بعساكرهم وعدوا الى بر انبابة ووصلوا ونصبوا وطاقهم وعملوا لهم عدة متاريس وركبوا عليها المدافع واستعدوا للحرب فلما كان يوم الأحد حادي عشره كبس المماليك والعربان وقت الغلس على متاريس العسكر وحملوا على متراس حملة واحدة فقتلوا منهم وهرب من بقي وألقوا بأنفسهم في البحر فاستعد من كان بالمتاريس الأخرى وتابعوا رمي المدافع وخرجوا للحرب ووقع بينهم مقتلة عظيمة أبلى فيها الفريقان نحو أربع ساعات ثم انجلت الحرب بينهم وترفع المصرلية والعربان وانكفوا عن بعضه وفي وقت الظهر أرسلوا سبعة رؤوس من الذين قتلوا من المصرلية في المعركة وشقوا بهم المدينة ثم علقوها بباب زويلة وفيهم رأس حسين بك الوالي وكاشفين ومنهم حسن كاشف الساكن بحارة عابدين ومملوكان وعلقوا عند رأس حسين بك الوالي المذكور صليبًا من جلد زعموا أنهم وجدوه معه وأصيب اسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومات بعد ذلك ودفن بأبي صير‏.‏

وفي ثاني عشره حصلت أعجوبة ببيت بالغربية به بغلة تدور بالطاحون فزنقوها بالإدارة فأسقطت حملًا ليس فيه روح فوضعوه في مقطف ومروا به من وسط المدينة وذهبوا به الى بيت القاضي وأشيع ذلك بين الناس وعاينوه‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشره حضر علي كاشف المعروف بالشغب بثلاث معجمات وتشديد الشين وفتح الغين وسكون الباء رسولًا من جهة الألفي ووصل الى جهة البساتين وأرسل الى المشايخ يعلمهم بحضوره لبعض أشغال فركب المشايخ الى الباشا وأخبروه بذلك فأذن بحضوره فحضر ليلًا ودخل الى بيت الشيخ الشرقاوي فلما أصبح النهار أشيع ذلك وركب معه المشايخ والسيد عمر النقيب وذهبوا به الى بيت الباشا فوجدوه راكبًا في بولاق فانتظروه حصة الى أن حضر فتركوا عنده علي كاشف المذكور ورجعوا الى بيوتهم واختلى به الباشا حصة وقابله بالبشر ثم خلع عليه فروة سمور وقدم له مركوبًا بعدة كاملة وركب الى بيته وأمامه جملة من العسكر مشاة وقدم له محمد علي أيضًا حصانًا‏.‏

وفي شرعوا في عمل شركفلك للحرب بالأزبكية‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسع عشره ورد ططري وعلى يده بشارة الباشا بتقليده ولاية مصر ووصول القابجي الذي معه التقليد والطوخ الثالث الى رشيد وطوخان لمحمد علي وحسن بك أخي طاهر باشا أحمد بك فضربوا عدة مدافع وذهب المشايخ والأعيان للتهنئة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء قتل الباشا ثلاثة أشخاص أحدهم رجل سروجي وسبب ذلك أن الرجل السروجي له أخ أجير عند بعض الأجناد المصرلية فأرسل لأخيه فاشترى له بعض ثياب ونعالات وأرسلها مع ذلك الرجل فقبضوا عليه وسألوه فأخبرهم فأحضروا ذلك الرجل السروجي وأحضروا أيضًا رجلًا بيطارًا متوجهًا الى بولاق معه مسامير ونعالات فقبضوا عليه واتهموه أنه يعدي الى ابر الآخر ليعمل لأخصامهم نعالات للخيل فأمر الباشا بقتله وقتل السروجي والرجل الذي معه الثياب فقتلوهم ظلمًا‏.‏

وفي يوم الأربعاء حضر القابجي الذي على يده البشرى وهو خازندار الباشا وكان أرسله حين كان بسكندرية ويسمونها المجسدة ولم يحضر معه أطواخ ولا غير ذلك فضربوا له شنكًا ومدافع‏.‏

وفيه خلع الباشا على السيد أحمد المحروقي فروة سمور وأقره على ما هو عليه أمين الضربخانة وشاه بندر وكذلك خلع على جرجس الجوهري وأقره باش مباشر الأقباط علي ما هو عليه‏.‏

وفيه تحقق الخبر بموت يحيى بك وكان مجروحًا من المعركة السابقة‏.‏

وفي يوم الخميس عمل الباشا الديوان وحضر المشايخ والوجاقلية وقرأوا المرسوم بحضرة الجمع ومضمونه‏:‏ إننا كنا صفحنا رضينا عن الأمراء المصرلية على موجب الشروط التي شرطناها عليهم بشفاعة علي باشا والصدر الأعظم فخانوا العهود ونقضوا الشروط وطقوا وبغوا وظلموا وقتلوا الحجاج وغدروا علي باشا المولى عليهم وقتلوه ونهبوا أمواله ومتاعه فوجهنا عليهم العساكر في ثمانين مركبًا بحرية وكذلك أحمد باشا الجزار بعساكر البرية للانتقام منهم ومن العسكر الموالين لهم فورد الخبر بقيام العساكر عليهم ومحاربتهم له وقتلهم وإخراجهم فعند ذلك رضينا عن العسكر لجبرهم ما وقع منهم من الخلل الأول وصفحنا عنهم صفحًا كليًا وأطلعنا لهم السفر والإقامة متى شاؤوا وأينما أرادوا من غير حرج عليهم ولينا حضرة أحمد باشا خورشيد كامل الديار المصرية لما علمنا فيه من حسن التدبير والسياسة ووفور العقل والرئاسة الى غير ذلك وعملوا شنكًا وحراقة وسواريخ بالأزبكية ثلاث ليال ومدافع تضرب في كل وقت من الأوقات الخمسة من القلعة وغيرها‏.‏

وفيه تواترت الأخبار بأن الأمراء القبالي عملوا وحسات وقصدهم التعدية الى البر الشرقي‏.‏

وفي يوم الأحد خامس عشرينه عدى الكثير منهم على جهة حلوان وانتقل الكثير من العسكر من بر الجيزة الى بر مصر فخاف أهل المطرية وغيرها وجلوا عنها وهربوا الى البلاد وحضر كثير منهم الى مصر خوفًا من وصول القبالي‏.‏

وفي يوم الخميس حادي عشرينه سافر الشيخ الشرقاوي الى مولد سيدي أحمد البدوي واقتدى به كثير من العامة وسخاف العقول وكان المحروقي وجرجس الجوهري مسافرين أيضًا وشهلوا احتياجاتهم واستأذنوا الباشا فأذن لهم فلما تبين لهم تعدية المصرلية الى الجهة الشرقية امتنعوا من السفر ولم يمتنع الشيخ الشرقاوي ومن تابعه‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه وصل فريق منهم الى جهة قبة باب النصر والعادلية من خلف الجبل ورمحوا خلف باب النصر من خارج وباب الفتوح ونواحي الشيخ قمر والدمرداش ونهبوا الوايلي وما جاوره وعبروا الدور وعروا النساء وأخذوا دسوتهم وغلالهم وزروعهم وخرج أهل تلك القرى على وجوههم ومعهم بعض شوالي وقصاع ودخل الكثير منهم الى مصر‏.‏

وفي يوم الأربعاء جمع الباشا ومحمد علي العسكر واتفقوا على الخروج والمحاربة وأخرجوا المدافع والشركفلكات الى خارج باب النصر وشرعوا في عمل متاريس وفي آخر النهار ترفع المصرلية والعرب وتفرقوا في إقليم الشرقية والقليوبية وهم يسعون في الفساد ويهلكون الحصاد فما وجدوه مدروسًا من البيادر أخذوه أو قائمًا على ساقه رعوه أو غير مدروس أحرقوه أو كان من المتاع نهبوه أو من المواشي ذبحوه وأكلوه وذهب منهم طائفة الى بلبيس فحاصروا بها كاشف الشرقية يومين ونقبوا عليه الحيطان حتى غلبوه وقتلوا من معه من العسكر وأخذوه أسيرًا ومعه إثنان من كبار العسكر ثم نهبوا البلد وقتلوا من أهلها نحو المائتين وحضر أبو طويلة شيخ العائد عند الأمراء ولامهم وكلمهم على هذا النهب وقال لهم‏:‏ هذه الزروعات غالبها للعرب والذي زرعه الفلاح في بلاد الشرق شركة مع العرب وأن هبود العرب المصاحبين لكم ليس لهم رأس مال في ذلك فكفوهم وامنعوهم ويأتيكم كفايتكم وأما النهب فإنه يذهب هدرًا فلما سمع كبار العرب المصاحبين لهم من الهنادي وغيرهم قوله‏.‏

هبود العرب اغتاظوا منه وكادوا يقتلونه ووقع بين العربان منافسة واختلاف وكذلك حصروا كاشف القليوبية فدخل بمن معه جامع قليوب وتترس به وحارب ثلاث ليال وأصيب كثير من المحاربين له ثم تركوه ففر بمن بقي معه الى البحر ونزل في قارب وحضر الى مصر وأخذوا حملته ومتاعه وجبخانته وطلبوا مشايخ النواحي مثل شيخ الزوامل والعائد وقليوب وألزموهم بالكلف وفردوا على القرى الفرد والكلف الشاقة مثل ألف ريال وألفين وثلاثة وعينوا بطلبها العرب وعينوا لهم خدمًا وحق طرق خلاف المقرر عشرين ألف فضة وأزيدز ومن استعظم شيئًا من ذلك أو عصى عليهم حاربوا القرية ونهبوها وسبوا نساءها وقتلوا أهلها وأحرقوا جرونهم وقل الواردون الي المدينة بالغلال وغيرها فقلت من الرقع وازدحم الناس على ما يوجد من القليل فيها واحتاج العسكر الى الغلال لأخبازهم لأنهم لم يكن عندهم شيء مدخر فأخذوا ما وجدوه في العرصات فزاد الكرب ومنعوا من يشتري زيادة على ربع من الكيل ولا يدركه إلا بعد مشقة بستين نصفًا وإذا حضر للبعض من الناس غلة من مزرعته القريبة لا يمكنه إيصالها الى داره إلا بالتجوه والمصانعة والمغرم لقلقات الأبواب وأتباعهم فيحجزون ما يرونه داخل البلد من الغلة متعللين بأنهم يريدون وضعها في العرصات القريبة منهم فيعطونها للفقراء بالبيع فيعطونهم درهم ويطلقونهم‏.‏

وفي أواخره طلبوا جملة أكياس لنفقة العسكر فوزعوا جملة أكياس على الأقباط والسيد أحمد المحروقي وتجار البهار ومياسير التجار والملتزمين وطلبوا أيضًا مال الجهات والتحرير وباقي مسميات المظالم عن سنة تاريخه معجلة‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع عشرينه خرج الكثير من العسكر ورتبوا أنفسهم ثلاث فرق في ثلاث جهات وردوا الخيول إلا القليل ووقع بينهم مناوشات قتل فيها أنفار من الفريقين‏.‏

شهر صفر الخير سنة 1219 استهل بيوم الجمعة فيه نادوا على الفلاحين والخدامين البطالين بالخروج من مصر وكل من وجد وفي ثانيه طاف الأعوان وجمعوا عدة من الناس العتالين وغيرهم ليسخروهم في عمل المتاريس وجر المدافع‏.‏

وفي خامسه قبض الوالي على شخص يشتري طربوشًا عتيقًا من سوق العصر بسويقة لاجين‏.‏

واتهمه أنه يشتري الطرابيش للأخصام من غير حجة ولا بيان ورمى رقبته عند باب الخرق ظلمًا‏.‏

وفي سابعه نزل الأرنؤد من القلعة وتسلمها الباشا وطلع إليها وضربوا لطلوعه عدة مدافع ورجع الى داره آخر النهار‏.‏

وفيه أشيع قدوم سليمان بك حاكم جرجا ووصوله الى بني سويف وفي عقبه الألفي الصغير أيضًا‏.‏

وفيه هجم طائفة من الخيالة في طلوع الفجر على المذبح السلطاني وأخذوا ثورين أحدهما من المذبح والآخر من بعض الغيطان وهرب الجزارون‏.‏

وفي يوم السبت تاسعه طلع الباشا الى القلعة وسكن بها وضربوا له عدة مدافع‏.‏

وفيه حضر كاشف الشرقية المقبوض عليه ببلبيس ومعه إثنان وقد أفرج عنهم الأمراء المصرلية وأطلقوهم فلما وصلوا الى الباشا خلع عليهم وألبسهم فراوي جبرًا لخاطرهم‏.‏

وفيه وصل الخبر بوقوع حرب بين العسكر والمصرلية والعربان وحضر عدة جرحى وكانت لواقعة عند الخصوص وبهتيم وجلا أهل تلك القرى وخرجوا منها وحضروا الى مصر بأولادهم وقصاعهم فلم يجدوا لهم مأوى ونزل الكثير منهم بالرميلة‏.‏

وفيه حضر أناس من الذين ذهبوا الى مولد السيد البدوي وفيهم عرايا ومجاريح وقتلى وقد وقفت لهم العرب وقطعت عليهم الطرق فتفرقوا فرقًا في البحر والبحر وحصر العرب طائفة كبيرة منهم بالقرطيين وحصل لهم ما لا خير فيه وأما الشيخ الشرقاوي فإنه ذهب الى المحلة الكبيرة وأقام بها أيامًا ثم ذهب مشرقًا الى بلده القرين‏.‏

وفيه حضر مصطفى آغا الأرنؤدي هجانًا برسالة من عند الألفي وفيها طلب أتباعه الذين بمصر فلم يأذنوا لهم في الذهاب إليه واحتجوا بعدم تحقق صداقته للعثمانية‏.‏

وفيه ورد الخبر بتوجه سليمان بك الخازندار حاكم جرجا الى جهة بحري وأنه وصل الى بني سويف وأن الألفي الصغير في أثره بحري منية ابن خصيب والألفي الكبير مستقر بأسيوط يقبض في الأموال الديوانية والغلال وأشيع صلحه مع عشيرته سرًا ومظهر خلاف ذلك مع العثمانية‏.‏

وفي يوم الأحد عاشره أحضروا جماعة من الوجاقلية عند كتخدا الباشا فلما استقروا في الجلوس كلموهم وطلبوا منهم سلفة وحبسوا رضوان كاشف الذي بباب الشعرية وطلبوا منه عشرين كيسًا وكذلك طلبوا من باقي الأعيان مثل مصطفى آغا الوكيل وحسن آغا محرم ومحمد أفندي سليم وابراهيم كتخدا الرزاز وخلافهم مبالغ مختلفة المقادير وعملوا على اأقباط ألف كيس وحلف الباشا أنها لا تنقص عن ذلك وفردوا عن البنادر مثل دمياط ورشيد وفوة ودمنهور والمنصورة وخلافها مبالغ أكياس ما بين ثمانين كيسًا ومائة كيس وخمسين كيسًا وغير ذلك لنفقة العسكر وأحضر الباشا الروزنامجي واتهمه في التقصير‏.‏

وفي يوم الاثنين أرسل الباشا الوالي والمحتسب الى بيت الست نفيسة زوجة مراد بك وطلبها فركبت معهما وصحبتها امرأتان فطلعا بهن الى القلعة وكذلك أرسلوا بالتفتيش على باقي نساء الأمراء فاختفى غالبهن وقبضوا على بعضهن وذلك كله بعد عصر ذلك اليوم فلما حصلت الست نفيسة بين يديه قام إليها أجلها ثم أمرها بالجلوس وقال لها على طريق اللوم يصح أن جاريتك منور تتكلم مع صادق آغا وتقول له يسعى في أمر المماليك العصاة وتلتزم له بالمكسور من جامكية العسكر فأجابته إن ثبت أن جاريتي قالت ذلك فأنا المأخوذة به دونها فأخرج من جيبه ورقة وقال لها وهذه وأشار الى الورقة فقالت‏:‏ وما هذه الورقة أرنيها فإني أعرف أن أقرأ لأنظر ما هي فأدخلها ثانيًا في جيبه ثم قالت له أنا بطول ما عشت بمصر وقدري معلوم عند الأكابر وخلافهم والسلطان ورجال الدولة وحريمهم يعرفوني أكثر من معرفتي بك ولقد مرت بنا دولة الفرنسيس الذين هم أعداء الدين فما رأيت منهم إلا التكريم‏.‏

وكذلك سيدي محمد باشا كان يعرفني ويعرف قدري ولم نر منه إلا المعروف وأما أنت فلم يوافق فعلك فعل أهل دولتك ولا غيرهم فقال ونحن أيضًا لا نفعل غير المناسب فقالت له وأي مناسبة في أخذك لي من بيتي بالوالي مثل أرباب الجرائم فقال أنا أرسلته لكونه أكبر أتباعي فإرساله من باب التعظيم ثم اعتذر إليها وأمرها بالتوجه الى بيت الشيخ السحيمي بالقلعة وأجلسوها عنده بجماعة من العسكر وأصبح الخبر شائعًا بذلك فتكدرت خواطر الناس لذلك‏.‏

وركب القاضي ونقيب الأشراف والشيخ السادات والشيخ الأمير وطلعوا الى الباشا وكلموه في أمرها فقال لا بأس عليها وإني أنزلتها ببيت الشيخ السحيمي مكرمة حسمًا للفتنة لأنها حصل منها ما يوجب الحجز عليها فقالوا نريد بيان الذنب وبعد ذلك إما العفو أو الانتقام فقال‏:‏ إنها سعت مع بعض كبار العسكر تستميلهم الى المماليك العصاة ووعدتهم بدفع علوفاتهم وحيث أنها تقدر على دفع العلوفة فينبغي أنها تدفع العلوفة فقالوا له إن ثبت عليها ذلك فإنها تستحق ما تأمرون به فيحتاج أن تتفحص على ذلك فقام إليها الفيومي والمهدي وخاطباها في ذلك‏.‏

فقالت هذا كلام لا أصل له وليس لي في المصرلية زوج حتى أني الخاطر بسببه فإن كان قصده مصادرتي فلم يبق عندي شيء وعلي ديون كثيرة فعالوا إليه وتكلموا معه وراددهم فقال‏:‏ الشيخ الأمير للترجمان قل لأفندينا هذا أمر غير مناسب ويترتب عليه مفاسد وبعد ذلك يتوجه علينا اللوم فإن كان كذلك فلا علاقة لنا بشيء من هذا الوقت أو نخرج من هذه البلدة وقام قائمًا على حيله يريد الذهاب فأمسكه مصطفى آغا الوكيل وخلافه وكلموا الباشا في إطلاقها وأنها تقيم ببيت الشيخ السادات فرضي بذلك وأنزلوها ببيت الشيخ السادات وكانت عديلة هانم ابنة ابراهيم بك عندما وصلها الخبر ذهبت الى بيته أيضًا‏.‏

وفيه شنقوا شخصًا على السبيل بباب الشعرية شكا منه أهل حارته وأنه يتعاطى القيادة ويجمع بين الرجال والنساء وغير ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس رابع عشره كتبوا أوراقًا وألصقوها بالأسواق بطلب ميري سنة تاريخه المعجلة بالكامل وكانوا قبل ذلك طلبوا نصفها ثم اضطرهم الحال بطلب الباقي وعملوا قوائم بتوزيع خمسة آلاف كيس استقر منها على طائفة القبطة خمسمائة كيس بعد الألف وجملة على الملتزمين خلاف ما أخذ منهم قبل ذلك وعلى الست نفيسة وبقية نساء الأمراء ثمانمائة كيس‏.

 

=

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ط اخري مجلد 3. عجائب الآثار في التراجم والأخبار (المجلد الثالث) عبد الرحمن الجبرتي

  مجلد 3. عجائب الآثار في التراجم والأخبار (المجلد الثالث) عبد الرحمن الجبرتي   خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء ...