ج3.كتاب تاريخ عجائب
الآثار في التراجم والأخبار ج3.
المؤلف : عبد الرحمن
بن حسن الجبرتي
أغاوية المتفرقة
وكتخدا الجاويشية وكان انسانا حسنا صافي الباطن لا يميل طبعه لسوى عمل الخير ويحب
أهل العلم وممارستهم وكان له ميل عظيم واعتقاد حسن في المرحوم الشيخ الوالد ويزوره
في كل جمعة مع غاية الادب والامتثال ومما شاهدته من كمال أدبه وشدة اعتقاده وحبه
أنه صادفه مرة بالطريق وهو إذ ذاك كتخدا الجاويشية وهو راكب في أبهته وأتباعه
والشيخ راكب على بغلته فعندما رآه ترجل ونزل عن جواده وقبل يده فأنكر عليه فعله
واستعظمه واستحى منه والتمس منه أن يقيد به بعض الطلبة ليقرئه شيئا من الفقه
والدين فقيد به الشيخ عبد الرحمن العريشي فكان يذهب اليه ويطالع له القدورى وغيره
وكان يكرمه ويواسيه ولم يزل على حسن حالته حتى توفي في سابع جمادى الاولى من السنة
وكان له في منزله خلوة ينفرد فيها بنفسه ويخلع ثياب الابهة ويلبس كساء صوف أحمر
على بدنه ويأخذ سبحة كبيرة يذكر ربه عليها
ومات الامير الصالح
خليل أغا مملوك الامير عثمان بك الكبير تابع ذي الفقار وهو استاذ الامير علي خليل
توفي ببلد له بالفيوم وجيء به ميتا في عشية نهار السبت حادى عشرين جمادى الثانية
من السنة فغسل وكفن ودفن بالقرافة وكان انسانا دينا خيرا محبا للعلماء والصلحاء
ومات الامير اسمعيل
أفندي تابع المرحوم الشريف محمد أغا كاتب البيورلدى وكان انسانا خيرا صالحا توفي
يوم الاحد ثاني عشرين جمادى الثانية
ومات السيد المعمر
الشريف عبد اللطيف أفندي نقيب الاشراف بالقدس وابن نقبائها عن تسعين سنة تقريبا
وولى بعده أكبر أولاده السيد عبد الله أفندي رحمه الله
ومات الامير المبجل
محمد أفندي جاوجان ميسو وكان حافظ لكتاب الله موفقا وفيه فضيلة وفصاحة ويحب
العلماء والاشراف ويحسن اليهم
توفي ليلة الاثنين
عشرين ربيع الاول وصلى عليه بالازهر ودفن بالمجاورين
ومات الامير مصطفى بك
الصيداوى تابع الامير علي بك القازدغلي
وكان سبب موته انه
خرج الى الخلاء جهة قصر العيني وركض جواده فسقط عنه ومات لوقته وحمل الى منزله
بدرب الحجر وجهز وكفن ودفن بالقرافة وذلك في منتصف ربيع الاول من السنة
ومات الامير علي أغا
ابو قوره من جماعة الوكيل سادس عشر ربيع الاول سنة تاريخه
ومات الامير محمد
أفندي الزاملي كاتب قلم الغربية وكان صاحب بشاشة وتودد وحسن اخلاق
توفي في رابع عشرين
صفر من السنة وخلف ولده حسن أفندي قلفة الغربية الآتي ذكره في سنة 1202
ومات الخواجا المكرم
الحاج محمد عرفات الغزاوي التاجر وهو والد عبد الله ومصطفى
توفي يوم الثلاثاء
ثامن صفر من السنة والله تعالى أعلم
سنة تسع وثممانين
ومائة وألف فيها عزم محمد بك أبو الذهب على السفر والتوجه الى البلاد الشامية بقصد
محابة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز خيامه الى العادلية وفرق
الاموال والتراحيل على الامراء والعساكر والمماليك واستعد لذلك استعدادا عظيما في
البحر والبر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجبخانة والمدافع والقنابل والمدفع الكبير
المسمى بأبو مايلة الذى كان سبكه في العام الماضي
وسافر بجموعه وعساكره
في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد بك وابراهيم بك طنان واسمعيل بك تابع اسمعيل بك
الكبير لا غير وترك بمصر ابراهيم بك وجعله عوضا عنه في امارة مصر واسمعيل بك وباقي
الامراء والباشا الذي بالقلعة وهو مصطفى باشا
النابلسي وارباب
العكاكيز والخدم والوجاقلية
ولم يزل في سيره حتى
وصل الى جهة غزة وارتجت البلاد لوروده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها
وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما وصل الى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا هم
ايضا عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر
عدة أيام وليالي فكانوا يصعدون الى أعلى السور ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحا
فلم يزالوا بالحرب
عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا
على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير وسبوا النساء والصبيان وقتلوا منهم مقتلة
عظيمة
ثم جمعوا الاسرى خارج
البلد ودوروا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم ولم يميزوا بين الشريف والنصراني
واليهودي والعالم والجاهل والعامي والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من
لا جنى وبنوا من رؤوس القتلى عدة صوامع ووجوهها بارزة تنسف عليها الاتربة والرياح
والزوابع ثم ارتحل عنها طالبا عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج
من عكا هاربا وتركها وحصونها فوصل اليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له
باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافوا سطوته وداخل محمد بك من الغرور والفرح مالا
مزيد عليه وما آل به الى الموت والهلاك
وأرسل بالبشائر الى
مصر والامراء بالزينة فنودى بذلك وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة
وعمل بها وقدات وشنكات وحراقات وأفراح ثلاثة أيام بلياليها وذلك في أوائل ربيع
الثاني
فعند انقضاء ذلك ورد
الخبر بموت محمد بك واستمر في كل يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكد حتى
وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع في الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى حتى اذا
فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون
وذلك انه لما تم له
الامر وملك البلاد المصرية والشامية واذعن الجميع لطاعته وقد ارسل اسمعيل أغا اخا
علي بيك الغزاوى الى اسلامبول يطلب امرية مصر والشام وأرسل صحبته أموالا وهدايا
فأجيب الى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع والبرق والداقم وأرسل له المراسلات والبشائر
بتمام الامر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا فامتلأ فرحا وحم بدنه في الحال فأقام محموما
ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن ربيع الثاني
ووافى خبر موته
اسمعيل آغا عندما تهيأ ونزل في المراكب يريد المسير الى مخدومه فانتقض الامر وردت
التقاليد وباقي الاشياء
ولما تم له أمر يافا
وعكا وباقي البلاد والثغور فرح الامراء والاجناد الذين بصحبته برجوعهم الى مصر
وصاروا متشوقين للرحيل والرجوع الى الاوطان
فاجتمعوا اليه في
اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته فتبين لهم من كلامه عدم العود وانه يريد
تقليدهم المناصب والاحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بارسال المكاتبات
الى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنوهم ويطلبوا
احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين اليها من مصر
فعند ذلك اغتموا
وعلموا انهم لا براح لهم وان أمله غير هذا وذهب كل الى مخيمه يفكر في أمره قال
الناقل وأقمنا على ذلك الثلاثة ايام التي تمرض فيها وأكثرنا لا يعلم بمرضه ولا
يدخل اليه الا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك الا بقولهم في اليوم الثالث انه منحرف
المزاج
فلما كان في صبح
الليلة التي مات بها نظرنا الى صيوانه وقد انهدم ركنه وأولاد الخزنة في حركة ثم
زاد الحال وجردوا على بعضهم السلاح بسبب المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي وحضر
مراد بيك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراءهم وتشاوروا في أمرهم وأرضى خواطرهم خوفا
من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم فيهم
واتفق رأيهم على
الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم
ولما تحقق عندهم انهم
ان دفنوه هناك في بعض المواضع أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه
ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة وارتحلوا به طالبين الديار المصرية
فوصلوا في ستة عشر
يوما ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني أواخر النهار فأرداوا دفنه بالقرافة
وحضر الشيخ الصعيدي
فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الازهر فحفروا له قبرا في الليوان الصغير الشرقي وبنوه
ليلا ولما أصبح النهار عملوا له مشهدا وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى
امامه المشايخ والعلماء والامراء وجميع الاحزاب والاوراد وأطفال المكاتب وأمام
نعشه مجامر العنبر والعود سترا على رائحته ونتنه حتى وصلوا به الى مدفنه وعملوا
عنده ختمات وقراءات وصدقات عدة ليال وأيام نحو أربعين يوما
واستقرأ تباعه امراء
ورئيسهم ابراهيم بيك ومراد بيك وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بيك
واحمد بيك الكلارجي ومصطفى بيك الكبير وأيوب بيك الكبير وذو الفقار بيك ومحمد بيك
طبال ورضوان بيك والذين تأمروا بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بيك الاغا وابراهيم
بيك الوالي وأيوب بيك الصغير وقاسم بيك الموسقو وعثمان بيك الشرقاوى ومراد بيك
الصغير وسليم بيك أبو دياب ولاجين بيك وسيأتي ذكر أخبارهم
من مات في هذه السنة
من الاعيان مات الامام الهمام شيخ مشايخ الاسلام عالم العلماء الاعلام امام
المحققين وعمدة المدققين الشيخ علي بن أحمد بن مكرم الله الصعيدى العدوى المالكي
ولد ببني عدى كما أخبر عن نفسه سنة 1112 ويقال له أيضا المنفيسي لان أصوله منها
وقدم الى مصر وحضر دروس المشايخ كالشيخ عبد الوهاب الملوى والشيخ شلبي البرلسي
والشيخ سالم النفراوى
والشيخ عبد الله
المغربي والسيد محمد السلموني ثلاثتهم عن الخرشي وأقرانه وكسيدي محمد الصغير
والشيخ ابراهيم الفيومي ومحمد بن زكريا والشيخ محمد السجبيني والشيخ ابراهيم شعيب
المالكي والشيخ أحمد الملوى والشيخ احمد الديربي والشيخ عيد النمرسي والشيخ مصطفى
العزيزى والشيخ محمد العشماوى والشيخ محمد ابن يوسف والشيخ أحمد الاسقاطي والبقرى
والعماوى والسيد علي السيواسي والمدابغي والدفرى والبليدى والحفني وآخرين وبآخرة
تلقن الطريقة الاحمدية عن الشيخ على بن محمد الشناوى ودرس بالازهر وغيره
وقد بارك الله في
أصحابه طبقة بعد طبقة كما هو مشاهد وكان يحكي عن نفسه أنه طالما كان يبيت بالجوع
في مبدأ اشتغاله بالعلم وكان لا يقدر على ثمن الورق ومع ذلك ان وجد شيئا تصدق به
وقد تكررت له بشارات
حسنة مناما ويقظة وله مؤلفات دالة على فضله منها حاشية على ابن تركي وأخرى على
الزرقاني على العزية وأخرى على شرح أبي الحسن على الرسالة في مجلدين ضخمين وأخرى
على الخرشي وأخرى على شرح الزرقاني على المختصر وأخرى على الهدهدى على الصغرى
وحاشيتان على عبد السلام على الجوهرة كبرى وصغرى وأخرى على الاخضرى على السلم
وأخرى على بن عبد الحق على بسملة شيخ الاسلام وأخرى على شرح شيخ الاسلام على الفية
المصطلح للعراقي وغير ذلك
وكان قبل ظهوره لم
تكن المالكية تعرف الحواشي على شروح كتبهم الفقهية فهو أول من خدم تلك الكتب بها
وله شرح على خطبة كتاب امداد الفتاح على نور الايضاح في مذهب الحنفية للشيخ
الشرنبلالي وكان رحمه الله شديد الشكمية في الدين يصدع بالحق ويأمر بالمعروف واقامة
الشريعة ويحب الاجتهاد في طلب العلم ويكره سفاسف الامور وينهى عن شرب الدخان ويمنع
من شربه بحضرته وبحضرة اهل العلم
تعظيما لهم
واذا دخل منزل من
منازل الامراء ورأى من يشرب الدخان شنع عليه وكسر آلته ولو كانت في يد كبير
الامراء
وشاع عنه ذلك وعرف في
جميع الخاص والعام وتركوه بحضرته فكانوا عندما يرونه مقبلا منن بعيد نبه بعضهم
بعضا ورفعوا شبكاتهم وأقصابهم واخفوها عنه وان رأى شيئا منها أنكر عليهم ووبخهم
وعنفهم وزجرهم حتى ان علي بك في أيام امارته كان اذا دخل عليه في حاجة أو شفاعة
أخبروه قبل وصوله الى مجلسه فيرفع الشبك من يده ويخفوه من وجهه وذلك مع عتوه
وتجبره وتكبره
واتفق انه دخل عليه
في بعض الاوقات فتلقاه على عادته وقبل يده وجلس فسكت الامير مفكرا في أمر من
الامور فظن الشيخ اعراضه عنه فأخذته الحدة وقال مخاطبا له باللغة الصعيدية يامين
يامين هو غضبك ورضاك على حد سواء بل غضبك خير من رضاك
وكرر ذلك وقام قائما
وهو يأخذ بخاطره ويقول انا لم أغضب من شيء ويستعطفه
فلم يجبه ولم يجلس
ثانيا وخرج ذاهبا
ثم سأل علي بك عن
القضية التي أتى بسببها فأخبروه فأمر بقضائها
واستمر الشيخ منقطعا
عن الدخول اليه مدة حتى ركب في ليلة من ليالي رمضان مع الشيخ الوالد في حاجة عند
بعض الامراء ومرا ببيت علي بك فقال له ادخل بنا نسلم عليه فقال يا شيخنا أنا لا
ادخل فقال لا بد من دخولك معي
فلم تسعه مخالفته
وانسر بذلك علي بك تلك الليلة سرورا كثيرا
ولما مات علي بك
واستقل محمد بك أبو الذهب بامارة مصر كان يجل من شأنه ويحبه ولا يرد شفاعته في شيء
أبدا وكل من تعسر عليه قضاء حاجة ذهب الى الشيخ وأنهى اليه قصته فيكتبها مع غيرها
في قائمة حتى تمتلىء الورقة ثم يذهب الى الامير بعد يومين أو ثلاثة فعندما يستقر
في الجلوس يخرج القائمة من جيبه ويقص ما فيها من القصص والدعاوى واحدة بعد واحدة
ويأمره بقضاء كل منها والامير لا يخالفه ولا ينقبض
خاطره في شيء من ذلك
ولما بنى الامير
المذكور مدرسته كان المترجم هو المتعين في التدريس بها داخل القبة على الكرسي
وابتدأ بها البخارى وحضره كبار المدرسين فيها وغيرهم ولم يترك درسه بالازهر ولا
بالبرديكية
وكان يقرأ قبل ذلك
بمسجد الغريب عند باب البرقية في وظيفة جعلها له الامير عبد الرحمن كتخدا وكذلك
وظيفة بعد الجمعة بجامع مرزه ببولاق
وكان على قدم السلف
في الاشتغال والقناعة وشرف النفس وعدم التصنع والتقوى ولا يركب الا الحمار ويؤاسي
أهله واقاربه ويرسل الى فقرائهم ببلده الصلات والاكسية والبز والطرح للنساء
والعصائب والمداسات وغير ذلك
ولم يزل مواظبا على
الاقراء والافادة حتى تمرض بخراج في ظهره اياما قليلة وتوفي في عاشر رجب من السنة
وصلي عليه بالازهر بمشهد عظيم ودفن بالبستان بالقرافة الكبرى رحمه الله ولم يخلف
بعده مثله ولم أعثر على شيء من مراثيه
ومات الامام العلامة
الفقيه الصالح الشيخ احمد بن عيسى بن احمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى البراوى
الشافعي ولد بمصر وبها نشأ وحفظ القرآن والمتون وتفقه على والده وغيره وحضر
المعقول وتمهر وأنجب ودرس في حياة والده وبعد وفاته تصدر للتدريس في محله وحضره
طلبة أبيه واتسعت حلقة درسه مثل أبيه واشتهر ذكره وانتظم في عداد العلماء
وكان نعم الرجل شهامة
وصرامة وفيه صداقة وحب للاخوان
توفي بطندتا ليلة
الاربعاء ثالث شهر ربيع الاول فجأة اذ كان ذهب للزيارة المعتادة وجيء به الى مصر
فغسل في بيته وكفن وصلي عليه بالجامع الازهر ودفن بتربة والده بالمجاورين
ومات الامام الفاضل
المسن الشيخ أحمد بن رجب بن محمد البقرى الشافعي المقرى حضر دروس كل من الشيخ
المدابغي والحفني ولازم الاول كثيرا فسمع منه البخاري بطرفيه والسيرة الشامية كلها
وكتب
بخطه الكثير من الكتب
الكبار وكان سريع الفهم وافر العلم كثير التلاوة للقرآن مواظبا على قيام الليل
سفرا وحضرا ويحفظ أورادا كثيرة واحزابا ويجيز بها وكان يحفظ غالب السيرة ويسردها
من حفظه ونعم الرجل كان متانة ومهابة
توفي وهو متوجه الى
الحج في منزله النخل آخر يوم من شوال من السنة ودفن هناك
ومات عالم المدينة
ورئيسها الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان ولد بالمدينة ونشأ في حجر والده واشتغل
يسيرا بالعلم وأرسله والده الى مصر في سنة 1174 فتلقته تلامذة أبيه بالاكرام وعقد
حلقة الذكر بالمشهد الجسيني وأقبلت عليه الناس ثم توجه الى المدينة
ولما توفي والده أقيم
شيخا في محله ولم يزل على طريقته حتى مات في رابع الحجة من السنة عن ثمانين سنة
ومات العلامة المعمر
الصالح الشيخ احمد الخليلي الشامي أحد المدرسين بالازهر تلقى عن أشياخ عصره ودرس
وأفاد وكان به انتفاع للطلبة تام عام وألف اعراب الآجرومية وغيره
توفي في عاشر صفر من
السنة
ومات الامير الكبير
محمد بك أبو الذهب تابع علي بك الشهير اشتراه استاذه في سنة خمس وسبعين فأقام مع
أولاد الخزنة أياما قليلة وكان اذ ذاك اسمعيل بك خازندار فلما أمر اسمعيل بك قلده
الخازندارية مكانه وطلع مع مخدومه الى الحج ورجع أوائل سنة ثمان وسبعين وتامر في
تلك السنة وتقلد الصنجقية وعرف بأبي الذهب
وسبب تلقبه بذلك انه
لما لبس الخلعة بالقلعة صار يفرق البقاشيش ذهبا وفي حال ركوبه ومروره جعل ينثر
الذهب على الفقراء والجعيدية حتى دخل الى منزله فعرف بذلك لانه لم يتقدم نظيره
لغيره ممن تقلد الامريات واشتهر عنه هذا اللقب وشاع وسمع عن نفسه شهرته بذلك فكان
لا يضع في جيبه الا الذهب ولا يعطي الا الذهب ويقول أناا أبو الذهب فلا أمسك
الا الذهب
وعظم شأنه في زمن
قليل ونوه مخدومه بذكره وعينه في المهمات الكبيرة والوقائع الشهيرة وكان سعيد
الحركات مؤيد العزمات لم يعهد عليه الخذلان في مصاف قط وقد تقدمت أخباره ووقائعه
في أيام استاذه علي بك وبعده واستكثر من شراء المماليك والعبيد حتى اجتمع عنده في
الزمن القليل مالا يتفق لغيره في الزمن الكثير وتقلدوا المناصب والامريات
فلما تمهدت البلاد
بسعده المقرون ببأس استاذ خالف عليه وضم المشردين وغمرهم بالاحسان واستمال بواقي
أركان الدولة واستلين الجميع جانبه وجنحوا اليه وأحبوه وأعانوه وتعصبوا له وقاتلوا
بين يديه حتى أراحوا علي بك وخرج هاربا من مصر الى الشام واستقر المترجم بمصر وساس
الامور وقلد المناصب وجبى الاموال والغلال وراسل الدولة العثمانية واظهر لهم
الطاعة وقلد مملوكه ابراهيم بك امارة الحج تلك السنة وصرف العلائف وعوائد العربان
وأرسل الغلال للحرمين والصرر وتحرك علي بك للرجوع الى مصر وجيش الجيوش فلم يهتم المترجم
لذلك وكاد له كيدا بان جمع القرانصة والذين يظن فيهم النفاق وأسر اليهم ان يراسلوا
علي بك ويستعجلوه في الحضور ويثقوا مساوىء للمترجم ومنفرات ويعدوه بالمخامرة معه
والقيام بنصرته متى حضر وأرسلوها اليه بالشريطة السرية
فراج عليه ذلك واعتقد
صحته وأرسل إليهم بالجوابات وأعادوا له الرسالة كذلك باطلاع مخدومهم واشارته فعند
ذلك قوى عزم علي بك على الحضور وأقبل بجنوده الى جهة الديار المصرية فخرج اليه
المترجم ولاقاه بالصالحية وأحضره أسيرا كما تقدم
ومات بعد أيام قليلة
وانقضى أمره وارتاح المترجم من قبله وجمع باقي الامراء المطرودين والمشردين
وأكرمهم واستخدمهم وواساهم واستوزرهم وقلدهم المناصب ورد اليهم بلادهم وعوائدهم
واستعبدهم بالاحسان والعطايا واستبدلهم العز بعد الذل والهوان وراحة الاوطان بعد
الغربة والتشريد والهجاج
في البلدان
فثبتت دولته وارتاحت
النواحي من الشرور والتجاريد وهابته العربان وقطاع الطريق وأولاد الحرام وأمنت
السبل وسلكت الطرق بالقوافل والبضائع ووصلت المجلوبات من الجهات القبلية والبحرية
بالتجارات والمبيعات
وحضر والي مصر خليل
باشا وطلع الى القلعة على العادة القديمة وحضر للمترجم من الدولة المرسومات
والخطابات ووصل اليه سيف وخلعة فلبس ذلك في الديوان في أبهة عظيمة وعظم شأنه
وانفرد بامارة مصر
واستقام أمره وأهمل
أمر اتباع استاذه علي بك وأقام أكثرهم بمصر بطالا
وحضر الى مصر مصطفى
باشا النابلسي من أولاد العضم والتجأ اليه فأكرم نزله ورتب له الرواتب وكاتب
الدولة وصالح عليه وطلب له ولاية مصر فأجيب الى ذلك ووصلت اليه التقاليد والداقم
في ربيع الثاني سنة ثمان وثمانين
ووجه خليل باشا الى
ولاية جدة وسافر من القلزم في جمادى الثانية وتوفي هناك وفي اواخر سنة سبع وثمانين
شرع في بناء مدرسته
التي تجاه الجامع الازهر وكان محلها رباع متخربة فاشتراها من اربابها وهدمها وأمر
ببنائها على هذه الصفة وهي على أرنيك جامع السنانية الكائن بشاطىء النيل ببولاق
فرتب لنقل الاتربة
وحمل الجير والرماد والطين عدة كبيرة من قطارات البغال وكذلك الجمال لشيل الاحجار
العظيمة كل حجر واحد على جمل وطحنوا لها الجبس الحلواني المصيص ورموا أساسها في
أوائل شهر الحجة ختام السنة المذكورة ولما تم عقد قبتها العظيمة وما حولها من
القباب المعقودة على اللواوين وبيضوها ونقشوا داخل القبة بالالوان والاصباغ وعمل
لها شبابيك عظيمة كلها من النحاس الاصفر المصنوع وعمل بظاهرها فسحة مفروشة بالرخام
المرمر وبوسطها حنفية وحولها مساكن لمتصوفة الاتراك وبداخلها عدة كراسي راحة وكذلك
بدورها العلوى وباسفل من ذلك ميضاة عظيمة تمتلىء بالماء من نوفرة بوسطها تصب في
صحن
كبير من الرخام
المصنوع نقلوه اليها من بعض الاماكن القديمة ويفيض منه فيملأ الميضاة وحول الميضاة
عدة كراسي راحة وأنشأ ساقية لذلك فحفروها وخرج ماؤها حلوا فعد ذلك ايضا من سعده مع
ان جميع الآبار والسواقي التي بتلك الخطة ماؤها في غاية الملوحة وأنشأ سفل ذلك
صهريجا عظيما يملأ في كل سنة من ماء النيل وحوضا عظيما لسقي الدواب وعمل بأعلى
الميضاة ثلاثة أماكن برسم جلوس المفتين الثلاثة يجلسون بها حصة من النهار لافادة
الناس بعد املاء الدروس وقرر فيها الشيخ أحمد الدردير مفتي المالكية والشيخ عبد
الرحمن العريشي مفتي الحنفية والشيخ حسن الكفراوي مفتي الشافعية
ولما تم البناء فرشت
جميعها بالحصر ومن فوقها الابسطة الرومي من داخل وخارج حتى فرجات الشبابيك ومساكن
الطباق
ولما استقر جلوس
المفتين المذكورين بالثلاثة اماكن التي اعدت لهم أضربهم الرائحة الصاعدة اليهم من
المراحيض التي من أسفل واعلموا الامير بذلك فأمر بابطالها وبنوا خلافها بعيدا عنها
وتقرر في خطابتها الشيخ أحمد الراشدى وغالب المدرسين بالازهر مثل الشيخ علي
الصعيدي مدرس البخارى والشيخ أحمد الدردير والشيخ محمد الامير والشيخ عبد الرحمن
العريشي والشيخ حسن الكفراوى والشيخ أحمد يونس والشيخ أحمد السمنودى والشيخ علي
الشنويهي والشيخ عبد الله اللبان والشيخ محمد الحفناوى والشيخ محمد الطحلاوى
والشيخ حسن الجداوى والشيخ أبي الحسن القلعي والشيخ البيلي والشيخ محمد الحريرى
والشيخ منصور المنصورى والشيخ أحمد جاد الله والشيخ محمد المصيلحي ودرسا ليحيى
أفندي شيخ الاتراك
وتقرر السيد عباس
اماما راتبا بها وفي وظيفة التوقيت الشيخ محمد الصبان وجعل بهاى خزانة كتب محمد
أفندى حافظ وينوب عنه الشيخ محمد الشافعي الجناحي ورتب للمدرسين الكبار في كل يوم
مائة وخمسين
نصفا فضة ولمن دونهم
خمسون وكذلك للطلبة منهم من له عشرة انصاف في كل يوم ومنهم من له أكثر وأقل ويقدر
عدد الدراهم أرداب من البر في كل سنة
ولما انتهى أمرها
وصلى بها الجمعة في شهر شعبان سنة ثمان وثمانين حضر الامير المذكور واجتمع المشايخ
والطلبة وأرباب الوظائف وصلوا بها الجمعة وبعد انقضاء الصلاة جلس الشيخ الصعيدي
على الكرسي وأملى حديث من بني لله مسجدا ولو كفحص قطاة بنى الله له بيت في الجنة
فلما انقضى ذلك أحضرت
الخلع والفراوى فالبس الشيخ الصعيدى والشيخ الراشدى الخطيب والمفتين الثلاثة فراوى
سمور وباقي المدرسين فراوى نافا بيضاء وانعم في ذلك اليوم على الخدمة والمؤذنين
وفرق عليهم الذهب والبقاشيش وتنافس الفقهاء والاشياخ والطلبة وتحاسدوا وتفاتنوا
ووقف على ذلك امانة قويسنا وغيرها والحوانيت التي أسفل المدرسة ولم يصرف ذلك الا
سنة واحدة فان المترجم سافر في أوائل سنة تسع وثمانين الى البلاد الشامية كما تقدم
ومات هناك ورجعوا برمته وتآمر اتباعه وتقاسموا البلاد فيما بينهم ومن جملتها امانة
قويسنا الموقوفة فبرد أمر المدرسة وعوضوا عن ذلك الوكالة التي أنشأها علي بك
ببولاق لمصرف أجرة الخدمة وعليق الاثوار بعد ما أضعفوا المعاليم ونقصوها ووزعوا
عليهم ذلك الايراد القليل ولم يزل الحال يتناقص ويضعف حتى بطل منها غالب الوظائف
والخدم الى ان بطل التوقيت والاذان بل والصلاة في أكثر الاوقات وأخلق فرشها وبسطها
وعتقت وبليت وسرق بعضها وأغلق أحد أبوابها المواجه للقبوة الموصل للمشهد الحسيني
بل أغلقت جميعها شهورا مع كون الامراء أصحاب الحل والعقد اتباع الواقف ومماليكه
لكن لما فقدت منهم القابلية واستولى عليهم الطمع والتفاخر والتنافس والتغاضي خوف
الفشل وتفرق الكلمة من الانحراف عن الاوضاع ظهر الخلل في كل شيء حتى في الامور
الموجبة لنظام دولتهم
واقامة ناموسهم كما يتضح ذلك فيما بعد
وبالجملة فان المترجم
كان آخر من أدركنا من الامراء المصريين شهامة وصرامة وسعدا وخرما وعزما وحكما
وسماحة وحلما وكان قريبا للخير يحب العلماء والصلحاء ويميل بطبعه اليهم ويعتقد
فيهم ويعظمهم وينصت لكلامهم ويعطيهم العطايا الجزيلة ويكره المخالفين للدين ولم
يشتهر عنه شيء من الموبقات والمحرمات ولا ما يشينه في دينه أو يخل بمروءته بهي
الطلعة جميل الصورة أبيض اللون معتدل القامة والبدن مسترسل اللحية مهاب الشكل
وقورا محتشما قليل الكلام والالتفات ليس بمهدا ولا خوار ولا عجول مبجلا في ركوبه
وجلوسه يباشر الاحكام بنفسه ولولا ما فعله آخرا من الاسراف في قتل أهل يافا باشارة
وزرائه لكانت حسناته أكثر من سيآته
ولم يتفق لامير مثله في
كثرة المماليك وظهور شأنهم في المدة اليسيرة وعظم أمرهم بعده وانحرفت طباعهم عن
قبول العدالة ومالوا الى طرق الجهالة واشتروا المماليك فنشؤا على طرائقهم وزادوا
عن سوابقهم وألفوا المظالم وظنوها مغانم وتمادوا على الجور وتلاحقوا في البغي على
الفور الى ان حصل ما حصل ونزل بهم وبالناس ما نزل
وسيتلى عليك من ذلك
أنباء وأخبار وما حل بالاقليم بسببهم من الخراب والدمار والله تعالى أعلم
سنة تسعين ومائة وألف
كان سلطان العصر فيها السلطان عبد الحميد بن أحمد خان العثماني ووالي مصر الوزير
محمد باشا عزت الكبير وأمراؤها ابراهيم بيك ومراد بيك مملوكا محمد بيك أبي الذهب
وخشداشينهما أيوب بيك الكبير ويوسف بيك أمير الحاج ومصطفى بيك الكبير وأحمد بيك
الكلارجي وأيوب بيك الصغير ومحمد بيك طبل وحسن بيك سوق السلاح وذو الفقار
بيك ولاجين بيك
ومصطفى بيك الصغير وعثمان بيك الشرقاوى وخليل بيك الابراهيمي ومن البيوت القديمة
حسن بيك قصبة رضوان ورضوان بيك بلفيا وابراهيم بيك طبان وعبد الرحمن بيك عثمان
الجرجاوى وسليمان بيك الشابورى وبقايا اختيارية الوجاقات مثل أحمد باشجاويش اآرنؤد
واحمد جاويش المجنون واسمعيل أفندى الخلوتي وسليمان البرديسي وحسن أفندى درب
الشمسي وعبد الرحمن أغا مجرم ومحمد أغا محرم وأحمد كتخدا المعروف بوزير وأحمد
كتخدا الفلاح وباقي جماعة الفلاح وابراهيم كتخدا مناو وغيرهم والامرا والنهي
للامراء المحمدية المتقدم ذكرهم وكبيرهم وشيخ البلد ابراهيم بيك ولا ينفذ أمر بدون
اطلاع قسيمة مراد بيك واسمعيل بيك الكبير متنزه ومنعكف في بيته وقانع بايراده
وبلاده ومنزو عن التداخل فيهم من موت سيدهم وعمر داره التي بالازبكية وأقام بها
وفيها في يوم الخميس
سابع شهر صفر وصل الحج الى مصر ودخل الركب وأمير الحاج يوسف بيك
وفي ليلة الجمعة تاسع
صفر وقع حريق بالازبكية وذلك في نصف الليل بخطة الساكت احترق فيها عدة بيوت عظام
وكان شيئا مهولا ثم انها عمرت في أقرب وقت والذي لم يقدر على العمارة باع أرضه
فاشتراها القادر وعمرها فعمر رضوان بيك بلفيا دارا عظيمة وكذلك الخواجا السيد عمر
غراب والسيد أحمد عبد السلام والحاج محمود محرم بحيث انه لم يأت النيل القابل الا
وهي أحسن وأبهج مما كانت عليه
وفيها سقط ربع بسوق
الغورية ومات فيه عدة كثيرة من الناس تحت الردم ثم ان عبد الرحمن أغا مستحفظان اخذ
تلك الاماكن من أربابها شراء وأنشأ الحوانيت والربع علوها والوكالة المعروفة الآن
بوكالة الزيت
والبوابة التي يسلك
منها من السوق
وفيها حضر جماعة من
الهنود ومعهم فيل صغير ذهبوا به الى قصر العيني وادخلوه بالاسطبل الكبير وهرع
الناس للفرجة عليه ووقف الخدم على ابواب القصر يأخذون من المتفرجين دراهم وكذلك
سواسة الهنود جمعوا بسببه دراهم كثيرة وصار الناس يأتون اليه بالكعك وقصب السكر
ويتفرجون على مصه في القصب وتناوله بخرطومه وكان الهنود بخاطبونه بلسانهم ويفهم
كلامهم واذا احضروه بين يدي كبير كلموه فيبرك على يديه ويشير بالسلام بخرطومه
وفيها في شهر رمضان
تعصب مراد بيك وتغير خاطره على ابراهيم بيك طنان ونفاه الى المحلة الكبيرة وفرق
بلاده على من أحب ولم يبق له الا القليل
وفيها شرع الامير
اسمعيل بك في عمل مهم لزواج ابنه وهي من زوجته هانم بنت سيدهم ابراهيم كتخدا الذي
كان تزوجها في سنة أربع وسبعين بالمهم المذكور في حوادث تلك السنة وكان ذلك المهم
في اوائل شهر ذي الحجة وكان قبل هذا المهم حصل بينه وبين مراد بك منازعة ومخاصمة
وسببها ان مراد بك اراد ان يأخذ من اسمعيل بك السرور وراس الخليج فوقع بينهما
مشاحنة ومخاصمة كاد يتولد منها فتنة فسعى في الصلح بينهما ابراهيم بك فاصطلحا على
غل وشرع في اثر ذلك اسمعيل بك في عمل الفرح فاجتمعوا يوم العقد في وليمة عظيمة
ووقف مراد بك وفرق المحارم والمناديل على الحاضرين وهو يطوف بنفسه على اقدامه وعمل
المهم اياما كثيرة ونزل محمد باشا عزت باستدعاء الى بيت اسمعيل بك وعندما وصل الى
حارة قوصول نزل الامراء باسرهم مشاة على اقدامهم لملاقاته فمشوا جميعا امامه على
اقدامهم وبأيديهم المباخر والقماقم ولم
يزالوا كذلك حتى طلع
الى المجلس ووقفوا في خدمته مثل المماليك حتى انقضى الطعام والشربات وقدموا له
الهدايا والتقادم والخيول الكثيرة المسمومة ولما انقضت ايام الولائم زفوا العروس
الى زوجها ابراهيم أغا الذي صنجقه إسمعيل بك وهو خازنداره ومملوكه ويسمونه قشطة
وكانت هذه الزفة من المواكب الجليلة ومشى فيها الفيل وعليه خلعة جوخ احمر فكان ذلك
من النوادر
ومات في هذه السنة
الفقية المتفنن العلامة الشيخ احمد بن محمد ابن محمد السجاعي الشافعي لازهرى ولد
بالسجاعية قرب المحلة وقدم الازهر صغيرا فحضر دروس الشيخ العزيزي والشيخ محمد
السجيني والشيخ عبده الديوى والسيد علي الضرير فقهر ودرس وأفتى وألف وكان ملازما
على زيارة قبور الاولياء ويحيي الليالي بقراءة القرآن مع صلاح وديانة وولاية وجذب
وله مع الله حال غريب وهو والد الشيخ الاوحد احمد الآتي ذكره في تاريخ موته
توفي المترجم رحمه
الله تعالى في عصر يوم الاربعاء ثامن عشرين ذي القعدة
ومات الشيخ الامام
الفقية العلامة الشيخ عطية بن عطية الاجهورى الشافعي البرهاني الضرير ولد بأجهور
الورد احدى قرى مصر وقدم مصر فحضر دروس الشيخ العشماوى والشيخ مصطفى العزيزى وتفقه
عليها وعلى غيرهما واتقن في الاصول وسمع الحديث ومهر في الآلات وأنجب ودرس المنهج
والتحرير مرارا وكذا جمع الجوامع بمسجد الشيخ مطهر وله في أسباب النزول مؤلف حسن
في بابه جامع لما تشتت من أبوابه وحاشية على الجلالين مفيدة وكذلك حاشية على شرح الزرفاني
على البيقونية في مصطلح الحديث وغير ذلك وقد حضر عليه غالب علماء مصر الموجودين
واعترفوا بفضله وأنجبوا ببركته وكان يتأنى في تقريره ويكرر الالقاء مرارا مراعاة
للمستملين الذين يكتبون ما يقوله ولما بنى
المرحوم عبد الرحمن
كتخدا هذا الجامع المعروف الآن بالشيخ مطهر الذي كان أصله مدرسة للحنفية وكانت
تعرف بالسيوفيين بنى للمترجم بيتا بدهليزها وسكن فيه بعياله وأولاده
توفي في أواخر رمضان
ومات الشيخ الفاضل
النجيب أحمد بن محمد بن العجمي الشافعي كان شابا فهيما دراكا ذا حفظ جيد حضر على
علماء العصر وحصل المعقول والمنقول وأدرك جانبا من العلوم والمعارف ودرس وأملي ولو
عاش لانتظم في سلك أعاظم العلماء ولكن اخترمته المنية في يوم الاثنين حادي عشرين
جمادى الآخرة
ومات الشيخ الصالح
الورع الناسك أحمد بن نور الدين المقدسي الحنفي امام جامع قجماس وخطيبه بالدرب
الاحمر وهو أخو الشيخ حسن المقدسي مفتي السادة الحنفية شارك أخاه الشيخ حسنا
المذكور في شيوخه واشتغل بالعلم وكان شيخا وقورا بهى الشكل مقبلا على شأنه منجمعا
عن الناس
توفي ليلة الاثنين
سادس عشر ربيع الاول
ومات الفقيه الفاضل
الشيخ ابراهيم بن خليل الصيحاني الغزى الحنفي ولد بغزة وبها نشأ وقرأ بعض المتون
على فضلاء بلده وورد الجامع الازهر فحضر الدروس ولازم المرحوم الوالد حسنا الجبرتي
وتلقى عنه الفقه وبعض العلوم الغريبة ثم عاد الى غزة وتولى الافتاء بالمذهب وكان يرسل
الى الوالد في كل سنة جانبا من الموز المر في غلق مقدار عشرين رطلا فنخرج دهنه
ونرفعه في الزجاج لنفع الناس في الدهن ومعالجات بعض الامراض والجروحات ولم يزل على
ذلك حتى ارتحل الى دمشق وتولى أمانة الفتوى بعد الشيخ عبد الشافعي فسار أحسن سير
وتوفي بها في هذه السنة
في عشر التسعين رحمه الله
ومات الفقيه الفاضل
الصالح الشيخ علي بن محمد بن نصر بن هيكل
ابن جامع الشنويهي
تفقه على جماعة من فضلاء العصر وكان يحضر درس الحديث في كل جمعة على السيد البليدى
ودرس بالازهر وانتفع به الطلبة وكان مشهورا بمعرفة الفروع الفقهية وكان درسه حافلا
جدا وله حظ في كثرة الطلبة وكان الاشياخ يتضايقون من حلقة درسه فيطردونه من
المقصورة فيخرج الى الصحن فتملأ حلقة درسه صحن الجامع وفي بعض الاحيان ينتقل الى
مدرسة السنانية بجماعته وكان يخطب بجامع الاشرفية بالوراقين وخطبته لطيفة مختصرة
وقرأ المنهج مرارا وكان شديد الشكيمة على نهج السلف الاول لا يعرف التصنع وكان
يخبر عن نفسه انه كان كثير الرؤيا للنبي صلى الله عليه و سلم انه لما تنزل مدرسا
في المحمدية من جملة الجماعة انقطع عنه ذلك وكان يبكي ويتأسف لذلك
توفي في ثامن عشر
شعبان وأملى نسبه على الدكة الى سيدنا علي رضي الله عنه
ومات الامير الكبير
الشهير عثمان بك الفقارى باسلامبول في هذه السنة وكان مدة غربته ببرصا واسلامبول
نيفا وأربعا وثلاثين سنة وقد تقدم ذكره وذكر مبدأ أمره وظهوره وسبب خروجه من مصر
ما يغنى عن اعادة بعضه وهو أمر مشهور والى الآن بين الناس مذكور حتى انهم جعلوا
سنة خروجه تاريخا يؤرخون به وفياتهم ومواليدهم فيقولون ولد فلان سنة خروج عثمان بك
ومات فلان بعد خروج عثمان بك بسنة أو شهر مثلا
ومات الامير عبد
الرحمن كتخدا وهو بن حسن جاويش القازدغلي أستاذ سليمان جاويش أستاذ ابراهيم كتخدا
مولى جميع الامراء المصريين الموجودين الآن
وخبره ومبدأ اقبال
الدنيا عليه انه لما مات عثمان كتخدا القازدغلي واستولى سليمان جاويش الجوخدار على
موجوده ولم يعط المترجم الذي هو ابن سيد أستاذه شيئا ولم يجد من ينصفه في ايصال
حقه من طائفة باب الينكجرية حسدا منهم وميلا لاهوائهم واغراضهم فحنق منهم وخرج من
بابهم وانتقل الى وجاق العزب وحلف انه لا يرجع الى
وجاق الينكجرية ما
دام سليمان جاويش الجوخدار حيا وبر في قسمه فانه لما مات سليمان جاويش ببركة الحاج
سنة 1152 كما تقدم بادر سليمان كتخدا الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا واستأذن
عثمان بك في تقليد عبد الرحمن جاويش السردارية عوضا عن سليمان جاويش لانه وارثه
ومولاه وأحضروه ليلا وقلدوه ذلك وأحضر الكاتب والدفاتر وتسلم مفاتيح الخشخانات
والتركة بأجمعها وكان شيئا يجل عن الوصف وكذلك تقاسيط البلاد ولم تطمع نفس عثمان
بك لشيء من ذلك وأخذ المترجم غرضه من باب العزب ورجع الى باب الينكجرية ونما امره
من حينئذ وحج صحبة عثمان بك في سنة خمس وخمسين وأقام هناك الى سنة احدى وستين فحضر
مع الحجاج وتولى كتخدا الوقت سنتين وشرع في بناء المساجد وعمل الخيرات وابطال
المنكرات فأبطل خمامير حارة اليهود فأول عماراته بعد رجوعه السبيل والكتاب الذي
يعلوه بين القصرين وجاء في غاية الظرف وأحسن المباني وأنشأ جامع المغاربة وعمل عند
بابه سبيلا وكتابا وميضاة تفتح بطول النهار وأنشأ تجاه باب الفتوح مسجدا ظريفا
بمنارة وصهريج وكتاب ومدفن السيدة السطوحية وأنشأ بالقرب من تربة لازبكية سقاية
وحوضا لسقي الدواب ويعلوه كتاب وفي الحطابة كذلك وعند جامع الدشطوطي كذلك وأنشأ
وزاد في مقصورة الجامع الازهر مقدار النصف طولا وعرضا يشتمل على خمسين عامودا من
الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة المرتفعة المتسعة من الحجر المنحوت وسقف
اعلاها بالخشب النفي وبنى به محرابا جديدا ومنبرا وأنشأ له بابا عظيما جهة حارة
كتامة وبنى باعلاه مكتبا بقناطر معقودة على أعمدة أعمدة من الرخام لتعليم الايتام
من أطفال المسلمين القرآن وبداخله رحبة متسعة وصهريج عظيم وسقاية لشرب العطاش
المارين وعمل لنفسه مدفنا بتلك الرحبة وعليه قبة معقودة وتركيبة من رخام بديعة
الصنعة وبها أيضا
رواق مخصوص بمجاورى
الصعائدة لطلب العلم يسلك اليه من تلك الرحبة بدرج يصعد منه الى الرواق وبه مرافق
ومنافع ومطبخ ومخادع وخزائن كتب وبنى بجانب ذلك الباب منارة وأنشأ بابا آخر جهة
مطبخ الجامع وعليه منارة ايضا
وبنى المدرسة
الطيبرسية وأنشأها نشوأ جديدا وجعلها مع مدرسة الآقبغاوية المقابلة لها من داخل
الباب الكبير الذى أنشأه خارجهما جهة القبو الموصل للمشهد الحسيني وخان الجراكسة
وهو عبارة عن بابين عظيمين كل باب بمصراعين وعلى يمينهما منارة وفوقه مكتب ايضا
وبداخله على يمين السالك بظاهر الطيبرسية ميضاة وأنشأ لها ساقية لخصوص اجراء الماء
اليها وبداخل باب الميضاة درج يصعد منه للمنارة ورواق البغداديين والهنود فجاء هذا
الباب وما بداخله من الطيبرسية والآقبغاوية والاورقة من أحسن المباني في العظم
والوجاهة والفخامة وعمل عند باب القبة الصهريج والمقصورة الكبيرة التي بها ضريح
شيخ الاسلام زكريا الانصاري فيما بين المسجد ودهليز القبة وفرش طريق القبة بالرخام
الملون يسلك اليه الدهليز طويل متسع وعليه بوابة كبيرة من داخل الدهليز البراني
وعلى لدهليز البرااني من كلتا الجهتين بوابتان
وعمر أيضا المشهد
النفيسي ومسجده وبنى الصهريج على هذه الهيئة الموجودة وجعل لزيارة النساء طريقا
بخلاف طريق الرجال
وبنى أيضا مشهد
السيدة زينب بقناطر السباع ومشهد السيدة سكينة بخط الخليفة والمشهد المعروف
بالسيدة عائشة بالقرب من باب القرافة والسيدة فاطمة والسيدة رقية والجامع والرباط
بحارة عابدين وكذلك مشهد أبي السعود الجارحي على الصفة التي هو عليها الآن ومسجد
شرف الدين الكردى بالحسينية
ومسجدا بخط الموسكى
وبنى للشيخ الحفني دارا بجوار ذلك المسجد وينفذ اليه من داخل
وعمر المدرسة
السيوفية المعروفة بالشيخ مطهر بخطبات الزهومة وبنى
لوالدته بها مدفنا
وأنشأ خارج باب
القرافة حوضا وسقاية وصهريجا وجدد المارستان المنصورى وهدم أعلى القبة الكبيرة
المنصورية والقبة التي كانت بأعلى الفسحة من خارج ولم يعد عمارتهما بل سقف قبة
المدفن فقط وترك الاخرى مكشوفة ورتب له خيرات وأخبازا زيادة على البقايا القديمة
ولما عزم على ترميمه وعمارته أراد ان يحتاط بجهات وقفه فلم يجد له كتاب وقف ولا
دفترا وكانت كتب أوقافه ودفاتره في داخل خزانة المكتب فاحترقت بما فيها من كتب
العلم والمصاحف ونسخ الوقفيات والدفاتر ووقفه يشتمل على وقف الملك المنصور قلاون
الكبير الاصلي ووقف ولده الملك الناصر محمد ووقف بن الناصر أبي الفدا اسمعيل بل
وغير ذلك من مرتبات الملوك من أولادهم ثم أنه وجد دفترا من دفاتر الشطب المستجدة
عند بعض المباشرين وذلك بعد الفحص والتفتيش فاستدل به على بعض الجهات المحتكرة
وللمترجم عمائر كثيرة
وقناطر وجسور في بلاد الارياف وبلاد الحجاز حين كان مجاورا هناك
وبنى القناطر بطندتا
في الطريق الموصلة الى محلة مرحوم والقنطرة الجديدة الموصلة الى حارة عابدين من
ناحية الخلوتي على الخليج وقنطرة بناحية الموسكى ورتب للعميان الفقراء الاكسية
الصوف المسماة بالزعابيط فيفرق عليهم جملة كثيرة من ذلك عند دخول الشتاء في كل سنة
فيأتون الى داره أفواجا في أيام معلومة ويعودون مسرورين بتلك الكساوى وكذلك
المؤذنون يفرق عليهم جملة من الاجرامات الطولونية يرتدون بها وقت التسبيح في ليالي
الشتاء وكذلك يفرق جملة من الحبر المحلاوى والبر الصعيدى والملايات والاخفاف
والبوابيج القيصرلي على النساء الفقيرات والارامل ويخرج عند بيته في ليالي رمضان
وقت الافطار عدة من القصاع الكبار المملوءة بالثريد المسقي بمرق اللحم والسمن
للفقراء المجتمعين ويفرق عليهم النقيب هبر اللحم النضيج فيعطى لكل فقير جعله وحصته
في يده
وعندما يفرغون من
الاكل يعطى لكل واحد منهم رغيفين ونصفي فضة برسم سحوره الى غير ذلك
ومن عمائره القصر
الكبير المعروف به بشاطىء النيل فيما بين بولاق ومصر القديمة وكان قصرا عظيما من
الابنية الملوكية وقد هدم في سنة 1205 بيد الشيخ علي بن حسن مباشرا لوقف وبيعت
أنقاضه وأخشابه ومات المباشر المذكور بعد ذلك بنحو ثلاثة أشهر
ومن عمائره أيضا دار
سكنه بحارة عابدين وكانت من الدور العظيمة المحكمة الوضع والاتقان لا يماثلها دار
بمصر في حسنها وزخرفة مجالسها وما بها من النقوش والرخام والقيشاني والذهب المموه
واللازورد وأنواع الاصباغ وبديع الصنعة والتأنق والبهجة وغرس بها بستانا بديعا
بداخله قاعة متسعة مربعة الاركان بوسطها فسقية مفروشة بالرخام البديع الصنعة
وأركانها مركبة على أعمدة من الرخام الابيض وغير ذلك من العمارات حتى اشتهر ذكره
بذلك وسمى بصاحب الخيرات والعمائر في مصر والشام والروم وعدة المساجد التي أنشأها
وجددها وأقيمت فيها الخطبة والجمعة والجماعة ثمانية عشر مسجدا وذلك خلاف الزوايا
والاسبلة والسقايات والمكاتب والاحواض والقناطر والمربوط للنساء الفقيرات
والمنقطعات
وكان له في هندسة
الابنية وحسن وضع العمائر ملكة يقتدر بها على ما يروعه من الوضع من غير مباشرة ولا
مشاهدة
ولو لم يكن له من
المآثر الا ما أنشأ بالجامع الازهر من الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم الملوك
لكفاه ذلك وأيضا المشهد الحسيني ومسجده والزيني والنفيسي وضم لوقفه ثلاث قرى من
بلاد الارز بناحية رشيد وهي تفينة وديبي وحصة كتامة وجعل ايرادها وما يتحصل من غلة
أرزها لمصارف الخيرات وطعام الفقراء والمنقطعين وزاد في طعام المجاورين بالازهر
ومطبخهم الهريسة في يومي الاثنين والخميس وقد تعطل غالب ذلك في هذا التاريخ الذى
نحن فيه لغاية سنة 1220 بسبب استيلاء الخراب وتوالي المحن وتعطل الاسباب
ولم يزل
هذا شأنه الى ان
استفحل أمر علي بك وأخرجه منفيا الى الحجاز وذلك في أوائل شهر القعدة 1178 فأقام
بالحجاز اثنتي عشرة سنة فلما سافر يوسف بك أميرا بالحاج في السنة الماضية صمم على
احضاره صحبته الى مصر فأحضره في تختروان وذلك في سابع شهر صفر سنة 1190 وقد استولى
عليه العي والهرم وكرب الغربة فدخل الى بيته مريضا فأقام احد عشر يوما ومات فغسلوه
وكفنوه وخرجوا بجنازته في مشهد حافل حضره العلماء والامراء والتجار ومؤذنو المساجد
وأولاد المكاتب التي أنشأها ورتب لهم فيها الكساوى والمعاليم في كل سنة وصلوا عليه
بالازهر ودفن بمدفنه الذى أعده لنفسه بالازهر عند الباب القبلي
ولم يخلف بعده مثله
رحمه الله
ومن مساويه قبول
الرشا والتحيل على مصادرة بعض الاغنياء في اموالهم واقتدى به في ذلك غيره حتى صارت
سنة مقررة وطريقة مسلوكة ليست منكرة وكذلك المصالحة على تركات الاغنياء التي لها
وارث ومن سيآته العظيمة التي طار شررها وتضاعف ضررها وعم الاقليم خرابها وتعدى إلى
جميع الدنيا هبابها معاضدته لعلي بك ليقوى به على أرباب الرئاسة فلم يزل يلقي
بينهم الفتن ويغرى بعضهم على بعض ويسلط عليهم علي بك المذكور حتى أضعف شوكات
الاقوياء وأكد العداوة بين الاصفياء واشتد ساعد علي بك فعند ذلك التفت اليه وكلب
بنابه عليه واخرجه من مصر وأبعده عن وطنه فلم يجد عند ذلك من يدافع عنه وأقام هذه
المدة في مكة غريبا وحيدا وأخرج أيضا في اليوم الذي أخرجه فيه نيفا وعشرين اميرا
من الاختيارية كما تقدم
فعند ذلك خلا لعلي بك
وخشداشينه الجو فماضوا وأفرخوا وامتد شرهم الى الآن الذي نحن فيه كما سيتلى عليك
بعضه فهو الذي كان السبب بتقدير الله تعالى في ظهور أمرهم فلو لم يكن له من
المساوىء الا هذه لكفاه ولما رجع من الحجاز متمرضا ذهب اليه ابراهيم بك ومراد بك
وباقي خشداشينهم
ليعودوه ولم يكن رآهم
قبل ذلك فكان من وصيته لهم كونوا مع بعضكم واضبطوا أمركم ولا تداخلوا الاعادى
بينكم
وهذا بدل عن قوله
أوصيكم بتقوى الله تعالى وتجنبوا الظلم وافعلوا الخير فان الدنيا زائلة وانظروا
حالي ومالي أو نحو ذلك هكذا أخبرني من كان حاضرا في ذلك الوقت وكان سليط اللسان
ويتصنع الحماقة فغفر الله لنا وله رأيته مرة وانا اذ ذاك في سن التمييز قبل ان
ينفي الى الحجاز وهو ماش في جنازة مربوع القامة أبيض اللون مسترسل اللحية ويغلب
عليها البياض مترفها في ملبسه معجبا بنفسه يشار اليه بالبنان
(
سنة احدى وتسعين ومائة
وألف )
فيها في أوائل شهر
ربيع الاول ورد أغا من الديار الرومية بطلب عساكر لسفر العجم فأجتمع الامراء
وتشاوروا في ذلك فاتفق رأيهم على احضار ابراهيم بك طنان فأحضروه من المحلة وقلدوه
امارة ذلك
وفيها في أوائل شهر
جمادى الاولى وقعت حادثة في طائفة المغاربة المجاورين بالجامع الازهر وذلك انه آل
اليهم مكان موقوف وحجد واضع اليد ذلك والتجأ الى بعض الامراء وكتبوا فتوى في شأن
ذلك واختلفوا في ثبوت الوقف بالاشاعة ثم أقاموا الدعاوى في المحكمة وثبت الحق
للمغاربة ووقع بينهم منازعات وعزلوا شيخهم وولوا آخر وكان المندفع في الخصومة
واللسانة شيخا منهم يسمى الشيخ عباس والامير الملتجىء اليه الخصم يوسف بك فلما
ترافعوا وظهر الحق على خلاف غرض الامير حنق لذلك ونسبهم الى ارتكاب الباطل فأرسل
من طرفه من يقبض على الشيخ عباس المذكور من بين المجاورين فطردوا المعينين وشتموهم
وأخبروا الشيخ أحمد الدردير فكتب مراسلة الى يوسف بك تتضمن عدم تعرضه لاهل العلم
ومعاندة الحكم الشرعي
وأرسلها صحبة الشيخ
عبد الرحمن الفرنوى وآخرين فعندما وصلوا اليه وأعطوه التذكرة نهرهم وأمر بالقبض
عليهم وسجنهم بالحبس
ووصل الخبر الى الشيخ
الدردير وأهل الجامع فأجتمعوا في صبحها وأبطلوا الدروس والاذان والصلوات وقفلوا
أبواب الجامع وجلس المشايخ بالقبلة القديمة وطلع الصغار على المنارات يكثرون
الصياح والدعاء على الامراء
وأغلق أهل الاسواق
القريبة الحوانيت وبلغ الامراء ذلك فأرسلوا الى يوسف بك فأطلق المسجونين وأرسل
ابراهيم بك من طرفه ابراهيم أغابيت المال فلم يأخذ جوابا وحضر الاغا الى الغورية
ونزل هناك ونادى بالامان وأمر بفتح الحوانيت فبلغ مجاورى المغاربة ذلك فذهب اليه
طائفة منهم وتبعهم بعض العوام وبأيديهم العصي والمسلوق وضربوا اتباع الآغا ورجموه
بالاحجار فركب عليهم وأشهر فيهم السلاح هو ومماليكه فقتل من مجاورى المغاربة ثلاثة
انفار وانجرح منهم كذلك ومن العامة
وذهب الأنما ورجع
الفريق الآخر وبقي المهرج الى ثاني يوم فحضر اسمعيل بك والشيخ السادات وعلي أغا
كتخدا الجاويشية وحسن أغا اغات المتفرقة والترجمان وحسن أفندي كاتب حوالة وغيرهم
فنزلوا الاشرفية وأرسلوا الى أهل الجامع تذكرة بانفضاض الجمع وتمام المطلوب
وكان ذلك عند الغروب
فلم يرضوا بمجرد الوعد وطلبوا الجامكية والجراية فركبوا ورجعوا وأصبح يوم الأربعاء
والحال على ما هو عليه وإسمعيل بك مظهر الإهتمام لنصرة أهل الازهر فحضر مع الشيخ
السادات وجلسوا بالجامع المؤيدى وأرسلوا للمشايخ تذكرة صحبة الشيخ ابراهيم
السندوبي ملخصها ان اسمعيل بك تكفل بقضاء أشغال المشايخ وقضاء حوايجهم وقبول
فتواهم وصرف جماكيهم وجراياتهم وذلك بضمان الشيخ السادات له فلما حضر الشيخ
ابراهيم بالتذكرة وقرأها الشيخ عبد الرحمن العريشي جهارا وهو
قائم على أقدامه
فلما سمعوها أكثروا
من الهرج واللغط وترددت الارساليات والذهاب والمجيء بطول النهار ثم اصطلحوا وفتحوا
الجامع في آخر النهار وأرسلوا لهم في يوم الخميس جانبا من دراهم الجامكية
ومن جملة ما اشترطوه
في الصلح عدم مرور الاغا والوالي والمحتسب من حارة الازهر وغير ذلك شروط لم ينفذ
منها شيء
وعمل ابراهيم بك
ناظرا على الجامع عوضا عن الاغا وأرسل من طرفه جنديا للمطبخ وسكن الاضطراب
وبعد مضي أربعة من
هذه الحادثة مر الاغا وبعده الوالي كذلك فارسل المشايخ الى ابراهيم بك يخبروه فقال
ان الطريق يمر بها البر والفاجر ولا يستغني الحكام عن المرور
وفي أوائله أيضا أحضر
مراد بك شخصا يقال له سليمان كاشف من أتباع يوسف بك وضربه علقة بالنبابيت لسبب من
الاسباب فحقدها عليه يوسف بك واستوحش من طرفه
وفي ثاني عشر جمادى
الثانية قبض الاغا على انسان شريف من أولاد البلد يسمى حسن المدابغي وضربه حتى مات
وسبب ذلك أنه كان في جملة من خرج على الاغا بالغورية يوم فتنة الجامع وكان انسانا
لا بأس به
وفي ليلة الجمعة رابع
عشر جامدى الثانية خرج اسمعيل بك جهة العادلية مغضبا وسبب ذلك ان مراد بك زاد في
العسف والتعدى خصوصا في طرف اسمعيل بك وابراهيم بك يسعى بينهما في الصلح واجتمعوا
في آخر مجلس عند ابراهيم بك فتكلم اسمعيل بك كلاما مفحما وقال انا تارك لكم مصر
وامارتها وجاعلكم مثل أولادى ولا أريد الا المعيشة وراحة السر وأنتم لا تراعون لي
حقا وأمثال ذلك من الكلام
فحضر في هذه الايام
الى اسمعيل بك مركب غلال فأرسل مراد بك وأخذ ما فيها وعلم ان اسمعيل بك يغتاظ لذلك
ثم اتفق مع بعض اغراضه انهم يركبون من الغد الى اسمعيل بك ويدخلون عليه في بيته
ويقتلونه فعلم اسمعيل
بك بذلك فركب في
الصباح وخرج الى العادلية بعد أن عزل بيته وحريمه ليلا وجلس بالاشبكية وركب مراد
بك ذاهبا الى اسمعيل بك فوجده قد خرج الى الاشبكية وكان ابراهيم بك طلع الى قصر
العيني فذهب الى مراد بك ولما أشيع خروج اسمعيل بك ركب يوسف بك وخرج اليه وتبعه
محمد بك طبل وحسن بك وابراهيم بك طنان وذو الفقار بك وغيرهم
ووصل الخبر الى
ابراهيم بك ومراد بك ومن انضم اليهم فركبوا وحضروا الى القلعة وملكوا الابواب
وامتلأت الرميلة والميدان بعساكرهم وصحبتهم أحمد بك الكلارجي ولاجين بك وأيوب بك
ورضوان بك وخليل بك ومصطفى بك واضطربت المدينة وأغلق الناس الدكاكين واستمروا على
ذلك يوم السبت ويوم الاحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء وتسحب من أهل القلعة جماعة
خرجوا الى اسمعيل بك ويوسف بك ومن معهما وهم اسمعيل اغا أخو علي بك الغزاوى وأخوه
سليم أغا وعبد الرحمن اغا اغات الينكجرية سابقا فأرسل اهل القلعة ابراهيم اغا
الوالي فجلس بباب النصر واغلق الباب ونزل الباشا الى باب العزب
فحضر قاسم كتخدا
عزبان أمين البحرين وعبد الرحمن أغا وصحبتهم جماعة الى باب النصر وفتحوا الباب
وطردوا الوالي وذلك في يوم الاثنين وملكوا باب النصر فأرسلوا اليهم طائفة من عسكر
المغاربة فضربوا عليهم بالرصاص وحمل عليهم الآخرون فشتتوهم ورجعوا الى خلف وقتل من
المغاربة انفارا وانجرح منهم كذلك وانتشر البرانيون حوالي جهات مصر وذهب منهم
طائفة الى جهة بولاق وفيهم محمد بك طبل فوجدوا طائفة من الكشاف والاجناد حضروا الى
بولاق لاجل العليق والتبن فوقعت بينهم وقعة فأنهزموا الى قصر عبد الرحمن كتخدا وأخذ
اولئك العليق والتبن وطلع منهم طائفة الى الجبل واشتد الحال وعظمت الفتنة فأراد
الباشا اجراء الصلح فأرسل أيوب أغا ورجع بجواب عدم رضاهم بالصلح ثم ارسل اليهم
أحمد
جاويش المجنون فذهب
ولم يرجع والتف عليهم فأرسل الباشا ولده وكتخداه سعيد بك مرارا
ثم دخل في يوم
الاربعاء عبد الرحمن أغا من باب النصر وشق من وسط المدينة وامامه المنادى ينادى
على الناس برفع بضائعهم من الحوانيت فرفع الناس بواقي بضائعهم من الدكاكين ولم يزل
سائرا حتى وصل الى باب زويلة ونزل بجامع المؤيد وجلس به مقدار ساعتين ورتب عسكرا
هناك على السقائف والاسبلة ثم ركب راجعا وعاد وصحبته ابراهيم بك الطناني ومعهم عدة
اجناد وعساكر وخرجوا من باب زويلة الى الدرب الاحمر الى جامع المرداني فجلسوا عنده
الى بعد الظهر ثم زحفوا الى التبانة الى قرب المحجر وعملوا هناك متاريس ورتبوا بها
جماعة وكذلك ناحية سويقة العزى فنزل اليهم جماعة من القلعة وتراموا بالرصاص وقطعوا
الطرق على من بالقلعة إلى بعد العصر فنزل اليهم خيالة مدرعين فحمل عليهم عسكر
المغاربة فوقع منهم أربعة خيالة وانجرح لاجين بك فحملوه الى بيته في شنف وقتل
أنفار من عسكر المغاربة وولى القلعاوية الى جهة القلعة وبعد الغروب انفصل عنهم
عسكر المغاربة ونكسوا أعلامهم وحضروا عند أجناسهم والتفوا عليهم ولاحت لوائح
الخذلان على من بالقلعة ودخل عليهم الليل وانكف الفريقان
وأصبح يوم الخميس
فدخل الكثير من البرانيين الى المدينة شيئا فشيئا وربطوا في جميع الجهات حتى
انحصروا بالقلعة وأخذوا ينقبون عليهم فلما شاهدوا الغلب فيهم نزلوا من باب الميدان
وذهبوا جهة البساتين الى الصعيد فتخلف عنهم أحمد بك الكلارجي وأيوب بك وابراهيم بك
أوده باشه ولاجين بك مجروح وخرج المتخلفون الى اسمعيل بك ويوسف بك وطلبوا منهما
الامان وانضموا اليهم
وعندما أشيع نزول
ابراهيم بك ومراد بك من القلعة هجم المرابطون بالمحجر وسوق السلاح على الرميلة
ونهبوا خيامهم وعازقهم الذى بها وبالميدان حتى جمال الباشا وخيول الدلاة
وذلك يوم الخميس قبل
العصر بنصف ساعة فدخل اسمعيل بك ويوسف بك بعد العصر من ذلك اليوم من باب النصر
وتوجهوا الى بيوتهم وأصبح يوم الجمعة فشق عبد الرحمن أغا ونادى بالامان والبيع
والشراء وراق الحال
ولما كان يوم الاحد
ثاني عشرين جمادى الثانية طلعوا الى الديوان فخلع الباشا على اسمعيل بك ويوسف بك
خلعتي سمور واستقر اسمعيل بك شيخ البلد ومدبر الدولة وقلدوا حسن بك الجداوى صنجقا
كما كان وكانت الصنجقية مرفوعة عنه من موت سيده علي بك وكذلك رضوان بك قرابة علي
بك قلدوه صنجقية وقلدوا اسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى صنجقية أيضا وسكن ببيت
إبراهيم بك الكبير وقلدوا سليمان كاشف من اتباع يوسف بك وهو الذى كان ضربه علقة
مراد بك بالنبوت كما تقدم صنجقية ولقبه الناس أبا نبوت وقلدوا أيضا سليم كاشف من
اتباع اسمعيل بك صنجقية وقلدوا عبد الرحمن أغا أغاوية مستحفظان كما كان ومحمد كاشف
والى الشرطة
وفي عشية ذلك اليوم
انزلوا سليمان أغا مستحفظان الى بولاق وانزلوه في مكرب منفيا الى دمياط بعدما صودر
في نحو اربعين ألف ريال
وفي يوم الثلاثاء
خامس عشرينه انزلوا ايضا سليمان كتخدا مستحفظان وعثمان كتخدا باش اختيار مستحفظان
المعروف يأبي مساوق والامير عبد الله أغا وانزلوهم الى المراكب ثم حصل عنهم العفو
فردوهم الى بيوتهم
وفي ذلك اليوم طلعوا
الى الديوان فقلدوا ذا الفقار بك دفتردار عوضا عن رضوان بك بلفيا وذلك باشارة يوسف
بك لكونه كان مع مراد بك وابراهيم بك حتى انه اراد أن يسلب نعمته فمنعه عنه اسمعيل
بك
وفي يوم الاربعاء
ثاني شهر رجب حضر عند يوسف بك حسن بك
الجداوى وصحبته
اسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وسليم بك الاسماعيلي وعبد الرحمن بك
العلوى فجلسوا معه ساعة لطيفة بالمقعد المطل على البركة فجلس حسن بك امامه وكان
جالسا على الدكة المرتفعة عن المرتبة وجلس تحت شماله على المرتبة اسمعيل بك الصغير
وسليم بك وعبد الرحمن بك استمر واقفا وحادثوه في شىء وتناجوا مع بعضهم وتأخر عنهم
الواقفون من المماليك والاجناد فسحب عبد الرحمن بك النمشاة وضرب بها يوسف بك فأراد
ان يهم قائما فداس على ملوطة اسمعيل بك فوقع على ظهره فنزلوا عليه بالسيوف وضربوا
في وجوه الواقفين طلق بارود فهربوا الى خلف الضاربون من القيطون وركبوا وذهبوا الى
اسمعيل بك فركب في تلك الساعة وطلع الى القلعة وأرسل اسمعيل كتخدا عزبان الى
الباشا وكان بقصر العيني بقصد التنزه فركب من هناك وطلع الى القلعة وجلس بباب
العزب صحبة اسمعيل بك فلما بلغ الامراء الذين هم خشداشين يوسف بك ركبوا وخرجوا من
المدينة وذهبوا الى قبلي وهم احمد بك الكلارجي وذو الفقار بك ورضوان بك الجرجاوى
فركب خلفهم طائفة فلم يدركوهم وارسلوا الى محمد بك طبل فكرنك في بيته ونصب له
مدافع وابى من الخروج لانه صار من المذبذبين
فلما وقع منه ذلك ذهب
اليه حسن بك سوق السلاح وأخذه بالامان الى اسمعيل بك بعدما نزل الى بيته فأمره ان
يأخذه عنده في بيته فلما اصبح استأذنه في زيارة الامام الشافعي فأذن له فركب الى
جهة القرافة وذهب الى جهة الصعيد
وانقضت الفتنة ودفن
يوسف بك
وفي يوم الخميس طلعوا
الى الديوان فخلع الباشا على اسمعيل بك الكبير فروة سمور وأقره على مشيخة البلد
وقلدوا حسن بك قصبة رضوان امارة الحج عوضا عن يوسف بك وقلدوا عبد الرحمن بك العلوى
صنجقا كما كان وقلدوا ابراهيم أغا خازندار واسمعيل بك الذى زوجه ابنته
صنجقية وتلقب
بابراهيم بك قشطة وسكن ببيت محمد بك وقلدوا حسين أغا خازندار اسمعيل بك سابقا
صنجقية أيضا وسكن ببيت أحمد بك الكلارجي وقلدوا كاشفين أيضا لاسمعيل بك يسمى كل
واحد منهما بعثمان صنجقين وسكن أحدهما ببيت مصطفى بك الذى كان سكن محمد بك طبل وهو
على بركة الفيل حيث جامع أزبك اليوسفي وهو الذى يسمى بعثمان بك طبل وعثمان الثاني
وهو الذي لقب بقفا الثور وسكن ببيت ذى الفقار المقابل لبيت بلفيا وقلدوا علي أغا
جوخدار اسمعيل بك صنجقية أيضا وسكن ببيت مراد بك عند الكبش وهو ببيت صالح بك
الكبير وكان يسكنه سليمان بك أبو نبوت اليوسفي
وأما بيت يوسف بك
فسكن به سليم بك وقلدوا يوسف آغا من اتباع إسمعيل بك واليا ونفوا أيوب بك وسليمان
بك الى المنصورة
وفي صبحها يوم الجمعة
رابع شهر رجب الفرد الموافق لرابع مسرى القبطي نودى بوفاء النيل ونزل الباشا صبح
يوم السبت وكسر السد على العادة وجرى الماء في الخليج وعاد الباشا الى القلعة
وفي سابعة اتفقوا على
ارسال تجريدة الى الصعيد وسر عسكرها إسمعيل بك الصغير وعينوا للتوجه صحبته حسن بك
الجداوي وابراهيم بك الطناني وسليم بك الطناني وسليم بك الاسمعيلي وابراهيم بك
أوده باشا وحسن بك الشرقاوى المعروف بسوق السلاح وقاسم كتخدا عزبان وعلي أغا
المعمار وكان غائبا بالمنية فلما قبل الجماعة تخلص وترك أحواله وغلامه وحضر الى
مصر وصحبته طائفة من الهوارة والعربان فلما حضر أرادوا أن يقلدوه صنجقية فأمتنع من
ذلك وشرعوا في تشهيل التجريدة وطلبوا طلبا عظيما وصرف الباشا ألف كيس من الخزينة
لنفقة العسكر وخلعوا على الهوارة ومشايخ العربان ووعدوهم بالخير
وفيه جاءت الاخبار
بان علي بك السروجي ساق خلف محمد بك طبل فلحقه عند مكان تجاه
البدرشين واحتاط به
العربان وقتلوا مماليكه وشرد من نجا منهم وتفرق ونهبوا ما معه وعروه وسلموه لكاشف
هناك من اتباع اسمعيل بك فوقع في عرضه وعرض مشايخ البلد فألبسوه حوائج وهربوه
وصحبته اثنان من الاجناد فلما حضر علي بك السروجي أخبره العرب بما حصل فأخذ ذلك
الكاشف وحضر صحبته الى اسمعيل بك فضرب الكاشف عقلة ونفاه
وفيه ورد الخبر أيضا
عن ذي الفقار بك بان العرب عروه أيضا فهرب فلحقوه وأرادوا قتله فألقى نفسه في
البحر بفرسه وغرق ومات
وفي يوم الاثنين رابع
عشر رجب برزت عساكر التجريدة الى جهة البساتين
وفي يوم الخميس خرج
أيضا غالب الامراء وبرزوا خيامهم
وفي يوم الجمعة ثامن
عشر رجب سافرت التجريدة برا وبحرا
وفي يوم السبت سادس
عشرين رجب وصلت الاخبار بان التجريدة تلاقت مع الامراء القبالي ووقع بينهم معركة
قوية فكانت الهزيمة على التجرية
فلما وصلت هذه
الاخبار اضطرب إسمعيل بك وتخبل غزله وكذلك أمراؤه ودخل في يومها الاجناد مشتتين
مهزومين وكانت الوقعة يوم الجمعة في بياضة من أعمال الشرق فكبسوهم على حين غفلة
وقت الفجر فركب علي أغا المعمار وقاسم كتخدا عزبان وابراهيم بك طنان فحاربوا جهدهم
فأصيب علي اغا وقاسم كتخدا ووقعت خيولهما وذلك بعد أن ساق علي أغا وصحبته رضوان
اغا طنان وقصد مراد بك وضربه رضوان في وجهه بالسيف فلمحه خليل بك كوسه الابراهيمي
وضرب علي أغا بالقرابينة فأصابته في عنقه ووقع فرسه وسقط ميتا
فلما قتل هذان
الاميران ولي ابراهيم بك طنان فأنهزم بقية الامراء لانه لم يكن فيهم أشجع من هؤلاء
الثلاثة وباقيهم ليس له دربة في الحرب وسر عسكر مقصوب
ومريض واحتاط الامراء
القبليون بخيامهم وحملاتهم ومراكبهم بما فيها وكانت نيفا وخمسمائة مركب وكان كبير
العسكر في قنجة صغيرة فلما عاين الكسرة أسرع في الانحدار وكذلك بعض الامراء
انحدروا معه وباقيهم وصلوا في البر على هيئة شنيعة وكان اسمعيل بك بمصر القديمة
ينتظر امراء التجريدة
فلما حصل ذلك نزل
الباشا في يوم الاحد وخرج الى الآثار وجلس مع الصنجق ونادوا بالنفير العام فخرج
القاضي والمشايخ والتجار وأرباب الصنائع والمغاربة وأهل الحارات والعصب وغلقت
الاسواق
وخرج الناس في يوم
الاثنين حتى ملأوا الفضاء فلما عاين ذلك اسمعيل بك وعلم انهم يحتاجون الى مصروف
ومأكل وأكثرهم فقراء وذلك غاية لا تدرك أشار على تجار المغاربة والالضاشات بالمكث
ورجع بقية العامة وأرباب الحرف ومشايخ الاشاير والفقراء من اهل الزوايا والبيوت
ووصل القبليون الى حلوان وطمعوا في أخذ مصر بعد الكسرة قبل الاستعداد ثانيا
وفي يوم الاثنين أرسل
اسمعيل بك عدة من الاجناد وأصحبهم عسكر المغاربة ومعهم الجبخانة والمدافع فنصبوا
المتاريس ما بين التبين وحلوان تجاه الاخصام وركب في ليلتها اسمعيل بك وامراؤه
وأجناده وأحضر الباشا قليون رومي من دمياط ورئيسه يسمى حسن الغاوى مشهور بمعرفة
الحرب في البحر يشتمل ذلك القليون على خمسة وعشرين مدفعا فأقلع به ليلا تجاه
العسكر وارتفع حتى تجاوز مراكبهم وضرب بالمدافع على وطاقهم في البر وعلى مراكبهم
في البحر وساق جميع المراكب بما فيها ووقع المصاف واشتد الجلاد بين الفريقين فكان
بينهم وقعة قوية وقتل فيها من أولئك رضوان بك الجرجاوى وخليل بك كوسه الابراهيمي
وخازنداره وكشاف وأجناد ووقعت على القبالي الهزيمة ولم يظهر مراد بك في هذه
المعركة بسبب جراحته
ثم هجموا على وطاقهم
وخيامهم ونهبوها ونزل محمد بك طبل بفرسه الى البحر وغرق ومات
ورجع ابراهيم بك
ومراد
بك وهو مجروح ومصطفى
بك وأحمد بك الكلارجي وأتباعهم وذهبوا الى قبلى وساقوا خلفهم فلم يدركوهم
ودخل اسمعيل بك
والامراء والاجناد والعسكر الى مصر منصورين مؤيدين وكانت هذه النصرة بخلاف المظنون
وكان رجوعهم يوم الاربعاء غرة شهر شعبان
وفي ليلة السبت رابع
شعبان حضر كاشف وصحبته جملة من المماليك وكان هذا الكاشف مأسورا عند القبالي فلما
انهزموا أذنوا له بالرجوع الى بيته وانضم اليه عدة مماليك ماتت أسيادهم فلما حضروا
عند اسمعيل بك فرقهم على الامراء
وفي سابعه أحضروا رمة
علي أغا المعمار الى بيته فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه في مشهد حافل ودفنوه بالقرافة
وفيه تقلد حسن بك
الجداوى ولاية جرجا وجاءت الاخبار بان القبليين استقروا بشرق أولاد يحيى
وفي آخر شعبان سافر
حسن بك الجداوى الى جرجا وصحبته كشاف الولايات وحكام الاقاليم فضج لنزولهم ساحل
البحر بسبب أخذهم المراكب
وفي منتصف شهر رمضان
ولدت امرأة مولودا يشبه خلقة الفيل مثل وجهه وآذانه وله نابان خارجان من فمه وأبوه
رجل جمال وامرأته لما رأت الفيل وكانت في أشهر وحامها نقلت شبهه في ولدها وأخذه
الناس يتفرجون عليه في البيوت والازقة
وفي يوم الجمعة تاسع
عشرين شهر رمضان ركب أمراء اسمعيل بك وصناجقه وعساكره في آخر الليل واحتاطوا ببيت
اسمعيل بك الصغير أخي علي بك الغزاوى فركب في مماليكه وخاصته وخرج من البيت فوجدوا
الطرق كلها مسدودة بالعسكر والاجناد فدخل من عطفة الفرن يريد الفرار وخرج على جهة
قنطرة عمر شاه فوجد العسكر والاجناد أمامه وخلفه
فصار يقاتلهم ويتخلص
منهم من عطفة الى عطفة حتى وصل الى عطفة البيدق وأصيب بسيف على عاتقه وسقطت عمامته
وصار مكشوف الرأس الى أن وصل الى تجاه درب عبد الحق بالازبكية فلاقاه عثمان بك أحد
صناجق اسمعيل بك فرده وسقط واحتاطوا به فنزل على دكان في أسوأ حال مكشوف الرأس
والدم خارج من كركه فعصبوا رأسه بعمامة رجل جمال وأخذه عثمان بك الى بيته وتركه
وذهب الى سيدة فأخبره فخلع عليه فروة وفرسا مرختا وأرسلوا اليه الوالي فخنقه
ووضعوه في تابوت وأرسلوه الى بيته الصغير فبات به ميتا وأخرجوه في صبحها في مشهد
ودفنوه
وكان اسمعيل بك قد
استوحش منه وظهر عليه في أحكامه وأوامره وكلما أبرم شيئا عارضه فيه
وازدحم الناس على
بيته وأقبلت اليه أرباب الخصومات والدعاوى وصار له عزوة كبيرة وانضم اليه كشاف
واختيارية وحدثته نفسه بالانفراد وتخيل منه اسمعيل بك فتركه وما يفعله واظهر انه
مرمود في عينيه وانقطع بالحريم من اول شهر رمضان ثم سافر في اواخره في النيل
لزيارة سيدى احمد البدوى ثم رجع وبيت مع اتباعه ومن يثق به وقاموا عليه وقتلوه كما
ذكر
ولما انقضى امره شرع
اسمعيل بك في ابعاد ونفي من كان يلوذ به وينتمي اليه فأنزلوا ابراهيم بك بلفيا
ومحمد اغا الترجمان وعلي كتخدا الفلاح وبعض كشاف الى بولاق وأراد قتل اخيه سليم
آغا المعروف بتمرلنك فأقتدى نفسه بثلاثين ألف ريال ثم نفوه ثالث شوال ونفى ابراهيم
بك بلفيا الى المحلة
وفي تلك الايام قرر
اسمعيل بك على كل بلد من القرى ثلثمائة ريال وهي أول سيآته
وفي يوم الاحد ثاني
عشرين شوال عملوا موكب المحمل وأمير الحاج حسن بك رضوان
وفي يوم الخميس رابع
ذي القعدة تقلد عبد الرحمن بك عثمان صنجقية وكانت مرفوعة عنه وكذلك علي بك
وفي يوم الاثنين
ثامنه سافرت تجريدة لجهة الصعيد للامراء القبالي لانهم تقووا واستولوا على البلاد
وقبضوا الخراج وملكوا من جرجا الى فوق وحسن بك أمير الصعيد مقيم وليس فيه قدرة على
مقاومتهم ومنعوا ورود الغلال حتى غلا سعرها فعينوا لهم التجريدة وسر عسكرها رضوان بك
وعلي الجوخدار وسليم بك وابراهيم بك طنان وحسن بك سوق السلاح
وفي يوم الاحد حادى
عشرين القعدة خرج اسمعيل بك الى ناحية دير الطين وعزم على التوجه الى قبلي بنفسه
وأرسل الباشا فرماتات لسائر الامراء والوجاقلية وأمرهم جميعا فخرجوا جمعيا ونصبوا
وطاقاتهم عند المعادى ونزل الباشا وجلس بقصر العيني وطلبوا طلبا عظيما
وفي يوم الجمعة عدى
اسمعيل بك الى البر الثاني وترك بمصر عبد الرحمن اغا مستحفظان كتخدا ورضوان بك
بلفيا وعثمان بك طبل وابراهيم بك قشطة صهره وحسين بك ومقادم الابواب لحفظ البلد
فكان المقادم يدورون بالطوف في الجهات ليلا ونهارا مع هدوء سر الناس وسكون الحال
في مدة غياب الجميع
وفي سادس شهر الحجة
وصلت مكاتبات من اسمعيل بك ومن الامراء الذين بصحبته بانهم وصلوا الى المنية فلم
يجدوا بها أحدا من القبليين وانهم في أسيوط ومعهم اسمعيل أبو علي من كبار الهوارة
وفي سابع عشرة حضر
الوجاقلية الذين بالتجريدة وحضر ايضا أيوب اغا وكان عند القبالي فحضر عند اسمعيل
بك بامان واستأذنه في التوجه الى بيته ليرى عياله فأذن له وأرسله صحبة الوجاقلية
وسبب رجوع الوجاقلية لما رأى اسمعيل بك بعد الامراء وأراد ان يذهب خلفهم فأمرهم
بالرجوع للتخفيف وانقضت هذه السنة
من مات في هذه السنة
من الاعيان مات الشريف الصالح المرشد الواصل السيد محمد هاشم الاسيوطي ولد بأسيوط
وبيتهم يعرف ببيت فاضل نشأ ببلده على قدم الخير والصلاح وحضر دروس الشيخ حسن
الجديرى ثم ورد الى مصر فحضر دروس كل من الشيخ محمد البليدى والشيخ محمد الشماوى
والشيخ عطية الاجهورى وأخذ الطريق على الشيخ عبد الوهاب العفيفي وكان منقطعا
للعبادة متقشفا متواضعا وكان غالب جلوسه بالاشرفية ومسجد الشيخ مطهر
وكان لا يزاحم الناس
ولا يداخلهم في احوال دنياهم ولهم فيه اعتقاد عظيم ويذهبون لزيارته ويقتبسون من
اشارته واستخارته ويتبركون بأجازته في الاوراد والاسماء
ويسافر لزيارة سيدى
أحمد البدوى ثم يعود الى خلوته وربما مكث عند بعض اصدقائه اياما بقصد البعد عن
الناس عندما يعلمون استقراره بالخلوة ويزدحمون على زيارته وكان نعم الرجل سمتا
وورعا
توفي في سابع شعبان
في بيته بالازبكية وصلوا عليه بالازهر ودفن بالمجاورين رحمه الله
ومات الشيخ الامام
الاديب الفاضل الفقيه أحد العلماء الاعلام الشيخ محمد بن ابراهيم العوفي المالكي
لازم الشمس الحفني وأخاه الشيخ يوسف وحضر دروس الشيخ علي العدوى والشيخ عيسى
البراوى وأفتى ودرس
وكان شافعي المذهب
فسعى فيه جماعة عند الشيخ الحفني فأحضره وأثبت عليه بخطه ما نقل عنه فتوعده فلحق
بالشيخ علي العدوى وانتقل لمذهب مالك وكان رحمه الله عالما محصلا بحاثا متفننا غير
عسر البديهة شاعرا ماجنا خليعا ومع ذلك كانت حلقة درسه تزيد على الثلثمائة في
الازهر
مات رحمه الله مفلوجا
وحين أصابه المرض رجع الى مذهب الشافعي وقرأ ابن قاسم بمسجد قريب من منزله ويحمله
الطلبة الى المسجد فيقرأ وهو
يتلعثم لتعقد لسانه
بالفالج مع ما كان فيه من الفصاحة أولا ثم برىء يسيرا ولم يلبث أن عاوده المرض
وتوفي الى رحمة الله تعالى
ومات الاديب الماهر
الشيخ رمضان بن محمد المنصورى الاحمدى الشهير بالحمامي سبط آل الباز ولد بالمنصورة
وقرأ المتون على مشايخ بلده وانزوى الى شيخ الادب محمد المنصورى الشاعر فرقاه في
الشعر وهذبه وبه تخرج وورد الى مصر مرارا وسمعنا من قصائده وكلامه الكثير وله
قصائد سنية في المدائح الاحمدية تنشد في الجموع
وبينه وبين الاديب
قاسم وعبد القادر المدني محاورات ومداعبات واخبر انه ورد الحرمين من مدة ومدح كلا
من الشريف والوزير وأكابر الاعيان بقصائد طنانة كان ينشد منها جملة مستكثرة مما
يدل على سعة باعه في الفصاحة
ولم يزل فقيرا مملقا
يشكو الزمان واهليه ويذم جني بنيه وبآخرة تزوج امرأة موسرة بمصر وتوجه بها الى مكة
فأتاه الحمام وهو في ثغر جدة في سنة تاريخه
ومات الامير يوسف بك
الكبير وهو من امراء محمد بك الذهب أقره في سنة ست وثمانين وزوجه باخته وشرع في
بناء ولده على بركة الفيل داخل درب الحمام تجاه جامع الماس وكان يسلك اليها من هذا
الدرب ومن طرق الشيخ الظلام وكان هذا الدرب كثير العطف ضيق المسالك فأخذ بيوته
بعضها شراء وبعضها غصبا وجعلها طريقا واسعة وعليها بوابة عظيمة
واراد ان يجعل امام
باب داره رحبة متسعة فعارضه جامع خير بك حديد فعزم على هدمه ونقله الى آخر الرحبة
واستمر يعمر في تلك الدار نحو خمس سنوات
واخذ بيت الداودية
الذى بجواره وهدمه جميعه وادخله فيها وصرف في تلك الدار اموالا عظيمة فكان يبني
الجهة منها حتى يتمها بعد تبليطها وترخيمها بالرخام الدقي الخردة المحكم الصنعة
والسقوف والاخشاب والرواشن له شيطانه فيهدمها الى آخرها ويبنيها ثانيا على وضع آخر
وهكذا كان دأبه واتفق
انه ورد اليه من بلاده القبلية ثمانون الف اردب غلال فوزعها بأسرها على الموانة في
ثمن الجبس والجير والاحجار والاخشاب والحديد وغير ذلك
وكان فيه حدة زائدة
وتخليط في الامور والحركات ولا يستقر بالمجلس بل يقوم ويقعد ويصرخ ويروق حاله في
بعض الاوقات فيظهر فيه بعض انسانية ثم يتغير ويتعكر من ادنى شيء
ولما مات سيده محمد
بك وتولى امارة الحج ازداد عتوا وعسفا وانحرافا خصوصا مع طائفة الفقهاء والمتعممين
لامور نقمها عليهم منها ان شيخا يسمى الشيخ احمد صادومة وكان رجلا مسنا ذا شيبة
وهيبة واصله من سمنود وله شهرة عظيمة وباع طويل في الروحانيات وتحريك الجمادات
والسميات ويكلم الجن ويخاطبهم مشافهة ويظهرهم للعيان كما اخبرني عنه من شاهده
وللناس اختلاف في شأنه وكان للشيخ الكفراوى به التئام وعشرة ومحبة اكيدة واعتقاد
عظيم ويخبر عنه انه من الاولياء وارباب الاحوال والمكاشفات بل يقول انه هو الفرد
الجامع ونوه بشأنه عند الامراء وخصوصا محمد بك أبا الذهب فراج حال كل منهما بالآخر
فاتفق ان الامير
المذكور اختلى بمحظيته فرأى على سوأتها كتابة فسألها عن ذلك وتهددها بالقتل
فأخبرته ان المرأة الفلانية ذهبت بها الى هذا الشيخ وهو الذى كتب لها ذلك ليحببها
الى سيدها فنزل في الحال وأرسل فقبض على الشيخ صادومة المذكور وأمر بقتله والقائه
في البحر ففعلوا به ذلك وأرسل الى داره فاحتاط بما فيها فأخرجوا منها أشياء كثيرة
وتماثيل ومنها تمثال من قطيفة على هيئة الذكر فأحضروا له تلك الاشياء فصار يريها
للجالسين عنده والمترددين عليه من الامراء وغيرهم ووضع ذلك التمثال بجانبه على
الوسادة فيأخذه بيده ويشير لمن يجلس معه ويتعجبون ويضحكون وعزل الشيخ حسن الكفراوى
من افتاء الشافعية ورفع عنه وظيفة المحمدية وأحضر الشيخ أحمد بن يوسف الخليفي وخلع
عليه وألبسه فروة وقرره في ذلك عوضا
عن الشيخ الكفراوى
واتفق أيضا ان الشيخ
عبد الباقي ابن الشيخ عبد الوهاب العفيفي طلق على زوج بنت أخيه في غيابه على يد
الشيخ حسن الجداوى المالكي على قاعدة مذهبه وزوجها من آخر وحضر زوجها من الفيوم
وذهب الى ذلك الامير وشكا له الشيخ عبد الباقي في فطلبه فوجده غائبا في منية عفيف
فأرسل اليه اعوانا أهانوه وقبضوا عليه ووضعوا الحديد في رقبته ورجليه وأحضروه في
صورة منكرة وحبسه في حاصل أرباب الجرائم من الفلاحين
فركب الشيخ علي
الصعيدي العدوى والشيخ الجداوى وجماعة كثيرة من المتعممين وذهبوا اليه وخاطبه
الشيخ الصعيدي فقال له هذا قول في مذهب المالكية معمول به فقال من يقول ان المرأة
تطلق زوجها اذا غاب عنها وعندها ما تنفقه وما تصرفه ووكيله يعطيها ما تطلبه ثم
يأتي من غيبته فيجدها مع غيره
فقالوا له نحن أعلم
بالاحكام الشرعية
فقال لو رأيت الشيخ
الذي فسخ النكاح
فقال الشيخ الجداوى
أنا الذي فسخت النكاح على قاعدة مذهبي
فقام على أقدامه وصرخ
وقال والله أكسر رأسك
فصرخ عليه الشيخ علي
الصعيدي وسبه وقال له لعنك الله ولعن اليسرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن
جعلك اميرا
فتوسط بينهم الحاضرون
من الامراء يسكنون حدته وحدتهم وأحضروا الشيخ عبد الباقي من الحبس فأخذوه وخرجوا
وهم يسبونه وهو يسمعهم
واتفق أيضا ان الشيخ
عبد الرحمن العريشي لما توفي صهره الشيخ أحمد المعروف بالسقط وجعله القاضي وصيا
على اولاده وتركته وكان عليه ديون كثيرة اثبتها اربابها بالمحكمة واستوفوها واخذ
عليهم صكوكا بذلك ذهبت زوجة المتوفي الى يوسف بك بعد ذلك بنحو ست سنوات وذكرت له
ان الشيخ عبد الرحمن انتهب ميراث زوجها وتواطا مع ارباب الديون وقاسمهم فيما اخذوه
فأحضر الشيخ عبد الرحمن وكان اذ ذاك مفتي الحنفية وطالبه بأحضار المخلفات او
قيمتها فعرفه انه وزعها
على ارباب الديون
وقسم الباقي بين الورثة وانقضى امرها وابرز له الصكوك والحجج ودفتر القسام فلم
يقبل وفاتحه في عدة مجالس وهو مصر على قوله وطلبه للتركة
ثم احضره يوما وجبسه
عند الخازندار فركب شيخ السادات اليه وكلمه في امره وطلبه من محبسه
فلما علم الشيخ عبد
الرحمن حضور شيخ السادات هناك رمى عمامته وفراجته وتطور وصرخ وخرج يعدو مسرعا ونزل
الى الحوش صارخا بأعلى صوته وهو مكشوف الرأس فلما عاينه يوسف بك وهو يفعل ذلك احتد
الآخر وكان جالسا مع شيخ السادات في المقعد المطل على الحوش فقام على اقدامه وصار
يصرخ على خدمه ويقول امسكوه اقتلوه ونحو ذلك وشيخ السادات يقول له اى شيء هذا
الفعل اجلس يا مبارك وارسل اليه تابعه الشيخ ابراهيم السندوبي فنزل اليه والبسه
عمامته وفراجته ونزل الشيخ فركب وأخذه صحبته الى داره وتلافوا القضية وسكتوها ثم
حصل منه ما حصل في الدعوى المتقدمة وما ترتب عليها من الفتنة وقفل الجامع وقتل
الانفس وثقل أمره على مراد بك واضمر له السوء فلما سافر أميرا بالحج في السنة
الماضية قصد مراد بك اغتياله أو نفيه عند رجوعه بالحج واتفق مع أمرائه وضايع
القضية وسافر الى جهة الغريبة والمنوفية وعسف في البلاد ويريد أن يجعل عوده على
نصف الشهر في أوان رجوع الحج
ووصل الخبر الى يوسف
بك فأستعجل الحضور فصار يجعل كل مرحلتين في مرحلة حتى وصل محترسا في سابع صفر حضور
مراد بك من سرحته وعندما قرب وصول مراد بك الى دخول مصر ركب يوسف بك في مماليكه
وطوائفه وعدده وخرج الى خارج البلد فسعى ابراهيم بك بينهما وصالحهما واستمرت
بينهما المنافرة القلبية من حينئذ الى أن حصل ما حصل وانضم الى اسمعيل بك ثم قتله
اسمعيل بك بيد حسن بك واسمعيل بك الصغير كما تقدم
ومات الامير أغا
المعمار وهو من مماليك مصطفى بك المعروف بالقرد وخشداش صالح بك الكبير وكان من
الابطال المعروفين والشجعان المعدودين فلما قتل كبيرهم صالح بك استمر في بلاد قبلي
على ما يتعلق به من الالتزام ويدفع ما عليه من المال والغلال الى أن استوحش محمد
بك أبو الذهب من سيده علي بك وخرج الى الصعيد وقتل خشداشه أيوب بك وتحقق الاجانب
بذلك صحة العداوة فأقبلوا على محمد بك من كل جانب برجالهم وأموالهم ومنهم علي أغا
المذكور وكان ضخما عظيم الخلقة جهورى الصوت شهما يصدع بالكلام فأنس به محمد بك
واكرمه واجتهد هو في نصرته ومناصحته وجمع اليه الامراء والاجناد المنفيين والمطرودين
الذين شتتهم علي بك وقتل أسيادهم وكبار الهوارة الذين قهرهم علي بك أيضا واستولى
على بلادهم مثل أولادهم وأولاد نصير واولاد وافي واسمعيل أبي علي وابي عبد الله
وغيرهم وحضر معه الجميع الى جهة مصر كما تقدم
ولما وصلوا الى تجاه
التبين وأبرج لهم علي بك التجريدة وأميرها علي بك الطنطاوى خرج علي اغا هذا الى
الحرب هو ومن معه وبأيديهم مساوق غلاظ قصيرة ولها جلب حديد وفي طرفها أزيد من قبضة
بها مسامير متينة محددة الرؤوس الى خارج يضربون بها خوذة الفارس ضربة واحدة فتنخسف
في دماغه وكانت هذه من مبتكرات المترجم حتى أنه سمى بأبي الجلب
ولما خلصت امارة مصر
الى محمد بك جعل كتخداه اسمعيل أغا أخا علي بك الغزاوى المذكور فنقم عليه امورا
فأهمله وأحضر علي أغا هذا وخلع عليه وجعله كتخداه فسار في الناس سيرا حسنا ويقضي
حوائج الناس من غير تطلع الى شيء ويقول الحق ولو على مخدومه وكان مخدومه أيضا يحبه
ويرجع الى رأيه في الامور لما تحققه فيه من المناصحة وعدم الميل الى هوى النفس
وعرض الدنيا وكان يجب أهل العلم والفضل والقرآن ويميل بكليته اليهم مع لين الجانب
والتواضع وعدم الانفة
ولما
أنشأ محمد بك مدرسته
المحمدية تجاه الازهر وقرر فيها الدروس كان يحضر معنا المترجم على شيخنا الشيخ علي
العدوى في صحيح البخارى مع الملازمة واتخذ لنفسه خلوة بالمدرسة المذكورة يستريح
فيها وتأتيه أرباب الحوايج فيقضي لهم أشغالهم وكان يلم بحضرة الشيخ محمد حفيد
الاستاذ الحفني ويحبه وأخذ عنه طريق السادة الخلوتية وحضر دروسه مع المودة وحسن
العشرة ويحضر ختوم دروس المشايخ ويقرأ عشرا من القرآن بأعلى صوته عند تمام المجلس
ومملوكه حسن أغا الذى زوجه ابنته واشتهر بعده وحج المترجم في السنة الماضية في
هيئة جليلة وآثار جميلة
وتوفي في وقعة بياضة
قتيلا كما تقدم
ومات الامير اسمعيل
بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى وهم خمسة أخوة علي بك واسمعيل بك هذا وسليم أنما
المعروف بتمرلنك وعثمان وأحمد ولما تأمر علي بك كان اخوته الاربعة باسلامبول
مماليك عند بشير أغا القزلار واعتقهم وتسامعوا بامارة أخيهم بمصر فحضر اليه اسمعيل
وأحمد وسليم واستمر عثمان باسلامبول وأقام اسمعيل وسليم وأحمد بمصر وعمل اسمعيل
كتخدا عند أخيه علي بك وعمل سليم خازندار عند ابراهيم كتخدا أياما ثم قامت عليه
مماليكه وعزلوه لكونه أجنبيا منهم وصار لهم امرة وبيوت والتزام
وتزوج اسمعيل بهانم
ابنة رضوان كتخدا الجلفي وهي المسماة بفاطمة هانم وذلك أن رضوان كتخدا كان عقد لها
على مملوكه علي أغا الذي قلده الصنجقية ولم يدخل بها ولما خرج رضوان كتخدا وخرج
معه علي المذكور فيمن خرج كما تقدم وذهب الى بغداد أرسل يطلبها اليه من مصر وارسل
لها مع وكيله عشرة آلاف دينار واشياء فلم يسلموا في ارسالها وكتبوا فتوى بفسخ
النكاح على قاعدة مذهب مالك وتزوجها اسمعيل أغا هذا وظهر ذكره بها وسكن بها في دار
أبيها العظيمة بالازبكية وصار من أرباب الوجاهة
فلما استقل محمد بك
أبو الذهب بملك مصر
بعد سيده استوزره
وجعله كتخداه مدة واراد أن يتزوج بالست سلن محظية رضوان كتخدا وكان تزوج بها أخوه
علي بك ومات عنها فصرفه مخدومه محمد بك ابو الذهب وعرفه انها ربما امتنعت عليه
مراعاة لها ثم ابنة سيدها فركب محمد بك واتى عند علي أغا كتخدا الجاويشية المجاور
لسكنها بدرب السادات وارسل اليها علي أغا فلم يمكنها الامتناع فعقد عليها وماتت
هانم بعد ذلك وباع بيت الازبكية لمخدومه محمد بك وبنى داره المجاورة لبيت
الصابونجي وصرف عليها اموالا كثيرة واضاف اليها البيت الذى عند باب الهواء المعروف
ببيت المرحوم من الشرايبية
وسكنها مدة وزوجه
محمد بك سرية من سراريه أيضا ثم باع تلك الدار لايوب بك الكبير وسكنها
ولما سافر محمد بك
الى الشام ومحاربة الظاهر عمر ارسل المترجم من هناك الى اسلامبول بهدايا واموال
للدولة ومكاتبات بطلب ولاية مصر والشام وأجيب الى ذلك
وكتب له التقليد
واعطوه رقم الوزارة وتم الامر وأراد المسير بذلك الى محمد بك فورد الخبر بموته
فبطل ذلك ورجع المترجم الى مصر وأقام بها في ثروة الى أن حصلت الوحشة بين اسمعيل
بك ويوسف بك والجماعة المحمدية وكانت الغلبة عليهم فقلده اسمعيل بك الصنجقية وقدمه
في الامور ونوه بشأنه وأوهمه انه يريد تفويض الامور اليه لما يعلمه فيه من العقل
والرئاسة فاغتر بذلك وباشر قتل يوسف بك هو وحسن بك الجداوى كما تقدم وظن ان الوقت
صفا له
فأندفع في الرئاسة
وازدحمت الرؤوس عليه واخذ في النقض والابرام فعاجله اسمعيل بك وأحاطوا به وقتلوه
كما ذكر وكان ذا دهاء ومعرفة وفيه صلابة وقوة جنان وخرم مع التواضع وتهذيب الاخلاق
وكان يحب أهل العلم ويكره النصارى كراهة شديدة وتصدى لاذيتهم ايام كتخدائية لمحمد
بك وكتب في حقهم فتاوى بنقضهم العهد وخروجهم عن طرائفهم التي أخذ عليهم بها من
ايام سيدنا عمر رضي الله عنه ونادى عليهم ومنعهم
من ركوب الحمير
ولبسهم الملابس الفاخرة وشرائهم الجوارى والعبيد واستخدامهم المسلمين وتقنع نسائهم
بالبراقع البيض ونحو ذلك
وكذلك فعل معهم مثل
ذلك عندما تلبس بالصنجقية وكان له اعتقاد عظيم في الشيخ محمد الجوهرى ويسعى بكليته
في قضاء اشغاله وحوايجه وكان لا بأس به
ومات الامير قاسم
كتخدا عزبان وكان من مماليك محمد بك أبي الذهب وتقلد كتخدائية العزب وأمين البحرين
وكان بطلا شجاعا موصوفا ومال عن خشداشيته كراهة منه لافعالهم حتى خرج الى محاربتهم
وقتل غفر الله له
سنة اثنتين وتسعين
ومائة والف في يوم الخميس سابع المحرم حضر اسمعيل كتخدا عزبان وبعض صناجق اسمعيل
بك وفي يوم السبت تاسعه وصل اسمعيل بك وعدى من معادى الخبيرى ودخل الى مصر وذهب
الى بيته وكثر الهرج في الناس بسبب حضوره ومن وصل قبله على هذه الصورة
ثم تبين الامر بأن
حسن بك الجداوى وخشداشينه وهم رضوان بك وعبد الرحمن بك وسليمان كتخدا وتبعهم حسن
بك سوق السلاح واحمد بك شنن وجماعة الفلاح بأسرهم وكشاف ومماليك واجناد ومغاربة
خامر الجميع على اسمعيل بك والتفوا على ابراهيم بك ومراد بك ومن معهم فعند ذلك ركب
اسمعيل بك بمن معه وطلب مصر حتى وصلها في أسرع وقت وهو في اشد ما يكون من القهر
والغيظ
وأصبح يوم الاربعاء
فأرسل اسمعيل بك ومنع المعادى من التعدية
وفي يوم الاثنين
طلعوا الى القلعة وعملوا ديوانا عند الباشا وحضر الموجودون من الامراء والوجاقلية
والمشايخ وتشاوروا في هذا الشأن فلم يستقر الرأى على شيء ونزلوا الى بيوتهم وشرعوا
في توزيع امتعتهم
وتعزيل بيوتهم
واضطربت احوالهم وطلب اسمعيل بك تجار اليها والمباشرين وطلب منهم دراهم سلفة فدخل
عليه الخبيرى واخبره بان الجماعة القبليين وصلت اوائلهم الى البساتين وبعضهم وصل
الى بر الجيزة بالبر الآخر
فلما تحقق ذلك أمر
بالتحميل وخرجوا من مصر شيئا فشيئا من بعد العصر الى رابع ساعة من الليل ونزلوا
بالعادلية وذلك ليلة الثلاثاء رابع عشر المحرم وهم اسمعيل بك وصناجقه ابراهيم بك
قشطة وحسين بك وعثمان بك طبل وعثمان بك قفا الثور وعلي بك الجوخدار وسليم بك
وابراهيم بك طنان وابراهيم أوده باشه وعبد الرحمن اغا مستحفظان واسمعيل كتخدا
عزبان ويوسف اغا الوالي وغيرهم وباتت الناس في وجل
واصبح يوم الثلاثاء
واشيع خروجهم ووقع النهب في بيوتهم وركبوا في صبح ذلك اليوم وذهبوا الى جهة الشام
فكانت مدة امارة اسمعيل بك واتباعه على مصر في هذه المرة ستة اشهر واياما بما فيها
من ايام سفره الى قبلي وجوعه
وعدى مراد بك ومصطفى
بك وآخرون في ذلك اليوم وكذلك ابراهيم اغا الوالي الذى كان في ايامهم وشق المدينة
ونادى بالامان وارسل ابراهيم بك يطلب من الباشا فرمانا بالاذن بالدخول فكتب لهم
الباشا فرمانا وأرسله صحبة ولده وكتخدائه وهو سعيد بك
فدخل بقية الامراء
يوم الاربعاء ما عدا ابراهيم بك فانه بات بقصر العيني ودخل يوم الخميس الى داره
وصحبته اسمعيل ابو علي كبير من كبار الهوارة
وفي يوم الاحد ثامن
عشرة طلعوا الى الديوان وقابلوا الباشا وخلع عليهم القدوم ونزلوا الى بيوتهم
وفي يوم الخميس حادى
عشرينه طلعوا ايضا الى الديوان فخلع الباشا على ابراهيم بك واستقر في مشيخة البلد
كما كان واستقر احمد بك شنن صنجقا كما كان وتقلد عثمان اغا خازندار ابراهيم بك
صنجقية وهو الذى عرف بالاشقر وقلدوا مصطفى كاشف المنوفية صنجقية ايضا وعلي كاشف
أغات مستحفظان وموسى
اغا من جماعة علي بك واليا كما كان ايام سيده
وفي أواخره وردت
اخبار بان اسمعيل بك ومن معه وصلوا الى غزة واستقر المذكورون بمصر علوية ومحمدية
والعلوية شامخة على المحمدية ويرون المنة لانفسهم عليهم والفضيلة لهم بمخامرتهم
معهم ولولا ذلك ما دخلوا الى مصر ولا يمكن المحمدية التصرف في شيء الا بأذنهم
ورأيهم بحيث صاروا كالمحجوز عليهم لا يأكلون الا ما فضل عنهم
وفي يوم الخميس ثامن
من جمادى الاولى حضر الى مصر ابراهيم بك أوده باشه من غزة مفارقا لاسمعيل بك وقد
كان أرسل قبل وصوله يستأذن في الحضور فأذنوا له وحضر وجلس في بيته وتخيل منه رضوان
بك وقصد نفيه فالتجأ الى مراد بك وانضم اليه
فلما كان يوم السبت
سابع عشر جمادى الاولى ركب مراد بك وخرج الى مرمى النشاب منتفخا من القهر مفكرا في
أمره مع العلوية فحضر اليه عبد الرحمن بك وعلي بك الحبشي من العلوية فعندما أراد
عبد الرحمن بك القيام عاجله مراد بك ومن معه وقتلوه وفر علي بك الحبشي وغطى رأسه
بفوقانيته وانزوى في شجر الجميز فلم يروه
فلما ذهبوا ركب وسار
مسرعا حتى دخل على حسن بك الجداوى في بيته وركب مراد بك وذهب الى بيته
واجتمع على حسن بك
اغراضه وعشيرته وأحمد بك شنن وسليمان كتخدا وموسى اغا الوالي وحسن بك رضوان امير
الحاج وحسن بك سوق السلاح وابراهيم بك بلفيا وكرنكوا في بيت حسن بك الجداوى
بالداودية وعملوا متاريس في ناحية باب زويلة وناحية باب الخرق والسروجية والقنطرة
الجديدة
واجتمع على مراد بك
خشداشينه وعشيرته وهم مصطفى بك الكبير ومصطفى بك الصغير وأحمد بك الكلارجي وركب
ابراهيم بك من قبة العزب وطلع الى القلعة وملك الابواب وضرب المدافع على بيت حسن
بك الجداوى ووقع الحرب بينهم بطول نهار يوم السبت وغلقت الاسواق والحوانيت
وباتوا على ذلك ليلة
الاحد ويوم الاحد والضرب من الفريقين في الازقة والحارات رصاص ومدافع وقرابين
ويزحفون على بعضهم تارة ويتأخرون اخرى وينقبون البيوت على بعضهم
فحصل الضرر للبيوت
الواقعة في حيزهم من النهب والحرق والقتل
ثم ان المحمدية تسلق
منهم طائفة من الخليج وطلعوا من عند جامع الحين من بين المتاريس وفتحوا بيت عبد
الرحمن أغا من ظاهرة وملكوه وركبوا عليه المدافع وضربوا على بيت الجداوى فعند ذلك
عاين العلوية الغلب فركبوا وخرجوا من باب زويلة الى باب النصر والمحمدية خلفهم
شاهرين السيوف يخجون بالخيل فلما خرجوا الى الخلاء التقوا معهم فقتل حسن بك رضوان
أمير الحاج وأحمد بك شنن وابراهيم بك بلفيا المعروف بشلاق وغيرهم اجناد وكشاف
ومماليك وفر حسن بك الجداوى ورضوان بك وكان ذلك وقت القائلة من يوم الاحد وكان
يوما شديد الحر
ولم يقتل أحد من
المحمديين سوى مصطفى بك الكبير اصابته رصاصة في كتفه انقطع بسببها أياما ثم شفى
وأما حسن بك ورضوان
بك فهربا في طائفة قليلة وخرج عليهما العربان فقاتلوهما قتالا شديدا وتفرقا من
بعضهما وتخلص رضوان بك وذهب في خاصته الى شيبين الكوم
وأما حسن بك الجداوى
فلم تزل العرب تحاوره حتى أضعفوه وتفرق من حوله وشيخ العرب سعد صحصاح يتبعه ثم حلق
عليه رتعة شيخ عرب بلي فتقنطر به الحصان في مبلة كتان فقبضوا عليه وأخذوا سلاحه
وعروه وكتفوه وصفعه رتيمة على قفاه ووجهه ثم سحبوه بينهم ماشيا على اقدامه وهو حاف
وأرسلوا الى الامراء بمصر يخبرونهم بالقبض عليه وكان السيد ابراهيم شيخ بلقس لما
بلغه ذلك ركب اليه وخلصه من تلك الحالة وفك كتافه وألبسه ثيابا وأعطاه دراهم
ودنانير
فلما بلغ الخبر
ابراهيم بك ومراد بك أرسلوا له كاشفا فلما حضر اليه وواجهه لاطفه ثم دخل الى مصر
وسار الى بولاق ودخل الى بيت الشيخ
أحمد الدمنهوري فركب
جماعة كثيرة من المحمدية وذهبوا الى بولاق وطلبوه فامتنع من اجابتهم فلم يجسروا
على أخذه قهرا من بيت الشيخ فداخله الوهم وطلع الى السطح ونط الى سطح آخر ولم يزل
حتى نزل بالقرب من وكالة الكتان فصادف بعض المماليك فضربه وأخذ حصانه وركبه وذهب
رامحا بمفرده واشيع هروبه فركبت الاجناد وحلقوا عليه الطرق فصار يقاتل من يدركه
ولم يجد طريقا مسلوكا الى الخلاء فدخل المدينة وذهب الى بيت ابراهيم بك فوجده
جالسا مع مراد بك فاستجار بابراهيم بك فأجاره وأمنه ومكث في بيته خمسة أيام وهو
كالمختل في عقله مما قاساه من معاينة الموت مرارا
ثم رسموا له أن يذهب
الى جدة وأرسلوه الى السويس في يوم الاربعاء ثامن عشرين جمادى الاولى في محفة
فلما انزل بالمركب
أمر الريس أن يذهب به الى القصير فامتنع فأراد قتله فذهب بالمركب الى القصير فطلع
الى الصعيد وأما حسن بك سوق السلاح فانه التجأ الى حريم ابراهيم بك وعلي بك الحبشي
وسليمان كتخدا دخلا الى مقام سيدي عبد الوهاب الشعراني وحمزة بك ذهب الى بيته
لكونه كان بطالا فلم يداخله الرعب كغيره وهرب موسى أغا الوالي الى شبرا
ثم أنهم رسموا بنفي علي
بك الحبشي وحسن بك وسليمان كتخدا الى رشيد وأحضروا موسى أغا الوالي الى بيته
بشفاعة علي أغا مستحفظان وأرسلوا لرضوان بك الاذن بالاقامة في شيبين وبنى له بها
قصرا على البحر وجلس فيه وانقضت هذه الحادثة الشنيعة
وفي يوم الخميس غاية
جمادى الاولى عملوا ديوانا بالقلعة وقلدوا ايوب بك الكبير صنجقية وكان اسمعيل بك
رفعها عنه ونفاه الى دمياط ثم نقله الى طندتا فلما رجع خداشينه مع العلوية طلبوه
الى مصر وأرادوا رد صنجقيته فلم يرض حسن بك الجداوى فأقام بمصر معزولا حتى
وقعت هذه الحادثة
فرجع كما كان
وقلدوا أيوب بك كاشف
خازندار محمد بك أبي الذهب كما كان صنجقية أيضا وعرف بك الصعيد وقلدوا سليمان بك
أبا نبوت صنجقية أيضا كما كان وقلدوا ابراهيم أغا الوالي سابقا صنجقية وركبوا في
مواكبهم الى بيوتهم وضربت لهم الطبلخانات
وفي يوم الخميس سابع
جمادى الثانية طلعوا الى الديوان وقلدوا سليمان أغا مستحفظان سابقا صنجقية وقلدوا
يحيى أغا خازندار مراد بك صنجقية أيضا وقلدوا على أغا خازندار ابراهيم بك صنجقية
أيضا وهو الذى عرف بعلي بك أباظة
وفيه حضر الى مصر
سليمان كتخدا الشرايبي كتخدا اسمعيل بك وعلى يده مكاتبة من اسمعيل بك مضمونها يريد
الاذن يالتوجه الى أخميم أو الى السرور رأس الخليج يقيم هناك ويبقى ابراهيم بك
قشطة بمصر رهينة ويكون وكيله في تعلقاته وقبض فائظه والصلح أحسن وأولى فعملوا
ديوانا واحضروا المشايخ والقاضي وعرضوا عليهم تلك المكاتبة وتشاوروا في ذلك فانحط
الرأى بان يرسلوا له جوابا بالسفر الى جدة من السويس ويطلقوا له في كل سنة اربعين
كيسا وستة آلاف اردب غلال وحبوب وان يرسل ابراهيم بك صهره كما قال الى مصر ويكون
وكيلا عنه ومن بصحبته من الامراء يحضرون الى مصر بالامان ويقيمون برشيد ودمياط
والمنصورة ونحو ذلك وارسلوا المكاتبة صحبة سليم كاشف تمرلنك اخي اسمعيل بك المقتول
وآخرين
وفيه رسموا بنفي
ابراهيم بك أوده باشه وسليمان كتخدا الشرايبي وكان اشيع تقليد ابراهيم بك الصنجقية
في ذلك اليوم وتهيأ لذلك وحضر في الصباح عند ابراهيم بك فلما دخل رأى عنده مراد بك
فاختليا معه فأخرج ابراهيم بك من جيبه مكتوبا مسكوه عليه من اسمعيل
بك خطابا له مضمونه
انه بلغنا ما صنعت في ايقاع الفتنة بين الجماعة وهلاك الطائفة الخائنة وفيه ان
يأخذ من الرجل المعهود كذا من النقود يوزعها على جهات كناها له وربنا يجمعنا في
خير
فلما تناوله من
ابراهيم بك وقرأه قال في الجواب كل منكم لا يجهل مكايد اسمعيل بك وانكر ذلك
بالكلية
فلم يقبلوا عذره ولم
يصدقوه وقام وذهب الى بيته
فأرسلوا خلفه محمد
كتخدا اباظة فأخذه وصحبته مملوكين فقط ونزل به الى بولاق ونفوه الى رشيد وكذلك
نفوا سليمان كتخدا الشرايبي واحتاطوا بموجود ابراهيم بك
وفي يوم الاثنين حادى
عشر جمادى الثانية وصل ابراهيم باشا والي جدة وذهب الى العادلية وجلس هناك بالقصر
حتى شهلوه وسفروه الى السويس بعد ما ذهبوا اليه وودعوه وكان سفره يوم الاحد سابع
عشر جمادى الثانية
وفي ذلك اليوم حضر
جماعة من الاجناد من ناحية غزة من الذين كانوا بصحبة اسمعيل بك
وفي يوم الثلاثاء
تاسع عشرة ركب الامراء وطلعوا الى باب الينكجرية والعزب وارسلوا الى الباشا كتخدا
الجاويشية واغات المتفرقة والترجمان وكاتب حوالة وبعض الاختيارية يأمرونه بالنزول
الى بيت حسن بك الجداوى وهو بيت الداودية
فلما قالوا له ذلك
طلعوا الى حوش الديوان واجتمعوا به حتى امتلأ منهم فارتعب الباشا منهم فركب من
ساعته ونزل من القلعة الى بيت الداودية واحضروا الجمال وعزلوا متاعه في ذلك اليوم
فكانت مدة ولايته سنتين وثلاثة أشهر
وفي يوم الجمعة حادى
عشرين شهر رجب الموافق لعاشر مسري القبطي كان وفاء النيل المبارك
وفي يوم الاثنين ثاني
عشرين شهر شعبان حضر من اخبر ان جماعة من الاجناد حضروا من ناحية غزة وصحبتهم عبد
الرحمن اغا مستحفظان
على الهجن ومروا من
خلف الجرة وذهبوا الى قبلي وتخلف عنهم عبد الرحمن أغا في حلوان لغرض من الاغراض
ينتظره من مصر فركب من ساعته مراد بك في عدة وذهبوا الى حلوان ليلا على حين غفلة
واحتاطوا بها وبدار الاوسية وقبضوا على عبد الرحمن اغا وقطعوا رأسه ورجع مراد بك
وشق المدينة والرأس أمامه على رمح ثم أحضروا جثته الى بيته الصغير بالكعكيين
وغسلوه وكفنوه وخرجوا بجنازته وصلوا عليه بالمارداني
ثم الحقوا به الرأس
في الرميلة ودفنوه بالقرافة
ومضى أمره وزاد النيل
في هذه السنة زيادة مفرطة حتى انقطعت الطرقات من كل ناحية واستمر الى آخر توت
وفي اواخر رمضان هرب
رضوان بك على من شيبين الكوم وذهب الى قبلي فلما فعل ذلك عينوا ابراهيم بك الوالي
فنزل الى رشيد وقبض على علي بك الحبشي وسليمان كتخدا وقتلهما وأما ابراهيم بك أوده
باشه فهرب الى القبطان واستجار به
وفي تاسع عشر شوال
خرج المحمل والحجاج صحبة أمير الحاج رضوان بك بلفيا وسافر من البركة في يوم
الثلاثاء سابع عشرين شوال
وفيه جاءت الاخبار
بورود اسمعيل باشا والي مصر الى سكندرية
وفي يوم الخميس تاسع
عشرين شوال ركب محمد باشا عزت من الداودية وذهب الى قصر العيني ليسافر
وفي يوم الاثنين ثالث
ذى القعدة نزل الباشا في المراكب وسافر الى بحرى
وفي منتصف شهر القعدة
المذكور نزل أرباب العكاكيز وهم علي أغا كتخدا جاوجان واغات المتفرقة والترجمان
وكاتب حوالة وأرباب الخدم وسافروا لملاقاة الباشا الجديد
من مات في هذه السنة
من أعيان العلماء والمشاهير مات الشيخ الامام العلامة المتفنن اوحد الزمان وفريد
الاوان أحمد ابن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهورى المذاهبي الازهرى ولد
بدمنهور الغريبة سنة 1101 وقدم الازهر وهو صغير يتيم لم يكلفه أحد فاشتغل بالعلم
وجال في تحصيله واجتهد في تكميله وأجازه علماء المذاهب الاربعة وكانت له حافظة
ومعرفة في فنون غريبة وتآليف وأفتى على المذاهب الاربعة ولكن لم ينتفع بعلمه ولا
بتصانيفه لبخله في بذله لاهله ولغير أهله وربما يبيح في بعض الاحيان لبعض الغرباء
فوائد نافعة وكان له دروس في المشهد الحسيني في رمضان يخلطها بالحكايات وبما وقع
له حتى يذهب الوقت
وولي مشيخة الجامع
الازهر بعد وفاة الشيخ الحفني وهابته الامراء لكونه كان قوالا للحق إمارا بالمعروف
سمحا بما عنده من الدنيا
وقصدته الملوك من
الاطراف وهادته بهدايا فاخرة وسائر ولاة مصر من طرف الدولة كانوا يحترمونه وكان
شهير الصيت عظيم الهيبة منجمعا عن المجالس والجمعيات
وحج سنة 1177 مع
الركب المصرى واتى رئيس مكة وعلماؤها لزيارته وعاد الى مصر
وتوفي يوم الاحد عاشر
شهر رجب من السنة المذكورة وكان مسكنه ببولاق وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل جدا
وقرىء نسبه الى أبي محمد البطل الغازى ودفن بالبستان وكان آخر من أدركنا من
المتقدمين
ومات الامام العلامة
المحقق والفهامة المدقق شيخنا الشيخ مصطفى ابن محمد بن يونس الطائي الحنفي ولد
بمصر سنة 1138 وتفقه على والده وبه تخرج وبعد وفاة والده تصدر في مواضعه ودرس
وافتى وكان اماما ثبتا متقنا مستحضرا مشاركا في العلوم والرياضيات فرضيا حيسوبا
وله مؤلفات كثيرة في فنون شتى تدل على رسوخه وكتب شرحا على الشمائل
وحاشية على الاشموني
اجاد فيها وكان رأسا في العلوم والمعارف توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات سيدي ابو مفلح
احمد بن ابي الفوز بن الشهاب أحمد بن أبي العز محمد بن العجمي ويعرف بالشيشيني
وكان كاتب الكني بمنزل السادات الوقائية وكان انسانا حسنا بهيا ذا تودد ومرؤة
وعنده كتب جيدة يعير منها لمن يثق به للمطالعة والمراجعة
توفي يوم السبت آخر
المحرم
ومات شيخنا الامام
القطب وجيه الدين أبو المراحم عبد الرحمن الحسيني العلوى العيدروسي التريمي نزيل
مصر ولد بعد الغروب ليلة الثلاثاء تاسع صفر سنة 1135 ووالده مصطفى بن شيخ بن علي
زين العابدين ابن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ بن القطب الاكبر عبد الله
العيدروس بن أبي بكر السكران بن القطب عبد الرحمن السقاف ابن محمد مولى الدويلة بن
علي بن علوى بن محمد مقدم التربة بتريم ابن علي بن محمد بن علي بن علوى بن محمد بن
علوى بن عبد الله بن أحمد العراقي بن عيسى النقيب بن محمد بن علي بن جعفر الصادق
بن محمد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة ابنة عبد الله الباهر
ابن مصطفى بن زين العابدين العيدروس نشأ على عفة وصلاح في حجر والده وجده وأجازه
والده وجده وألبساه الخرقة وصافحاه وتفقه على السيد وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد
الله بلفقيه وأجازه بمروياته
وفي سنة 1153 توجه
صحبة والده الى الهند فنزلا بندر الشحر واجتمع بالسيد عبد الله بن عمر المحضار
العيدروس فتلقن منه الذكر وصافحه وشابكه وألبسه الخرقة وأجازه اجازة مطلقة مع
والده ووصلا بندر سورت واجتمع بأخيه السيد عبد الله الباصر وزارا من بها من
القرابة والاولياء ودخلا مدينة بروج فزارا محضار الهند السيد أحمد بن الشيخ
العيدروس
وذلك ليلة النصف من
شعبان سنة واحد وستين
ثم رجعا الى سورت
وتوجه والده الى تريم وترك المترجم عند أخيه وخاله زين العابدين ابن العيدروس
وفي أثنناء ذلك رجع
الى بلاد جادة وظهرت له في هذه السفرة كرامات عدة ثم رجع الى سورت وأخذ اذ ذاك من
السيد مصطفى ابن عمر العيدروس والحسين بن عبد الرحمن بن محمد العيدروس والسيد محمد
فضل الله العيدروس اجازة السلاسل والطرق وألبسه الخرقة ومحمد فاخر العباسي والسيد
غلام علي الحسيني والسيد غلام حيدر الحسيني والبارع المحدث حافظ يوسف السورتي
والعلامة عزيز الله الهندى والعلامة غياث الدين الكوكبي وغيرهم وركب من سورت الى
اليمن فدخل تريم وجدد العهد بذوى رحمه وتوجه منها الى مكة للحج وكانت الوقفة نهار
الجمعة
ثم زار جده صلى الله
عليه و سلم وأخذ هناك عن الشيخ محمد حياة السندى وأبي الحسن السندى وابراهيم بن
قيض الله السندى والسيد جعفر بن محمد البيتي ومحمد الداغستاني ورجع الى مكة فأخذ
عن الشيخ السند السيد عمر بن أحمد وابن الطيب وعبد الله ابن سهل وعبد الله بن
سليمان ما جرمي وعبد الله بن جعفر مدهور ومحمد باقشير ثم ذهب الى الطائف وزار
الحبر بن عباس ومدحه بقصائد واجتمع اذ ذاك بالشيخ السيد عبد الله ميرغني وصار
بينهما الود الذى لا يوصف
وفي سنة ثمان وخمسين
أذن له بالتوجه الى مصر فنزل الى جدة وركب منها الى السويس ومصر هرعت اليه اكابر
مصر من العلماء والصلحاء وأرباب السجاجيد والامراء وصارت له معهم المطارحات
والمذاكرات ما هو مذكور في رحلته وجمع حواسه لنشر الفضائل واخلاها عن السوى وهرعت
اليه الفضلاء للاخذ والتلقي وتلقي هو عن كل من الشيخ الملوى والجوهرى والحفني
واخيه يوسف وهم تلقوا عنه تبركا وصار أوحد وقته حالا وقالا مع تنويه الفضلاء به
وخضعت له أكابر الامراء على اختلاف طبقاتهم
وصار مقبول الشفاعة
عندهم لا ترد رسائله ولا يرد سائله وطار صيته في المشرق والمغرب
وفي اثناء هذه المدة
تعددت له رحلات الى الصعيد الاعلى والى طندتا والى دمياط والى رشيد واسكندرية وفوة
وديروط واجتمع بالسيد علي الشاذلي وكل منهما أخذ عن صاحبه
وزار سيدى ابراهيم
الدسوقي وله في كل هؤلاء قصائد طنانة
ثم سافر الى الشام
فتوجه الى غزة ونابلس ونزل بدمشق ببيت الجناب حسين افندى المرادى وهرعت اليه علماء
الشام وأدباؤها وخاطبوه بمدائح واجتمع بالوزير عثمان باشا في ليلة مولد النبي صلى
الله عليه و سلم في بيت السيد علي افندى المرادى ثم رجع الى بيت المقدس وزار وعاد
الى مصر وتوجه الى الصعيد ثم عاد الى مصر وزار السيد البدوى ثم ذهب الى دمياط
كعادته في كل مرة ثم
رجع الى مصر ثم توجه الى رشيد ثم الاسكندرية ومنها الى اسلامبول فحصل له بها غاية
الحظ والقبول ومدح بقصائد وهرعت اليه الناس أفواجا ورتب له في جوالي مصر كل يوم
قرشان ولم يمكث بها الا نحو أربعين يوما وركب منها الى بيروت ثم الى صيدا ثم الى
قبرص ثم الى دمياط وذلك غاية شعبان سنة تسعين
ثم دخل المنصورة وبات
بها ليلة ثم دخل مصر في سابع عشر رمضان
وكان مدة مكثه في
الهند عشرة أعوام وحج سبع عشرة مرة منها ثلاث بالجمعة وسفره من الحجاز الى مصر
ثلاث مرات وللصعيد ست مرات ولدمياط ثمان مرات
ولم يزل يعلو ويرقى
الى ان توفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر محرم من هذه السنة وخرجوا بجنازته من بيته الذى
تحت قلعة الكبش بمشهد حافل وصلي عليه بالجامع الازهر وقرىء نسبه على الدكة وصلي
عليه اماما الشيخ أحمد الدردير ودفن بمقام ولي الله العتريس تجاه مشهد السيدة زينب
ورثي بمرات كثيرة ربما يأتي ذكرها في تراجم العصريين ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
ومات الوجيه المبجل
عبد السلام أفندى بن أحمد الازرجاني مدرس
المحمودية كان اماما
فاضلا محققا له معرفة بالاصول قرأ العلوم ببلاده وأتقن في المعقول والمنقول وقدم
مصر ومكث بها مدة ولما كمل بناء المدرسة المحمودية بالحبانية تقرر مدرسا فيها وكان
يقرأ فيها الدرر لمنلاخسرو وتفسير البيضاوي ويورد ابحاثا نفيسة
وكان في لسانه جبسة
وفي تقريره عسر وبأخرة تولى امامتها وتكلف في حفظ بعض القرآن وجوده على الشيخ عبد
الرحمن الاجهوري المقرىء وابتنى منزلا نفيسا بالقرب من الخلوتي وكان له تعلق
بالرياضيات وقرأ على المرحوم الوالد أشياء من ذلك واقتنى آلات فلكية نفيسة بيعت في
تركته
مات بعد أن تعلل
بالحصبة اياما في يوم الثلاثاء سادس جمادى الاولى من السنة ولم يخلف بعده في
المحمودية مثله وجاهة وصرامة واحتشاما وفضيلة رحمه الله
ومات الامام العلامة
والحبر الفهامة الشيخ أحمد بن عيسى بن أحمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى الشافعي
البراوى ولد بمصر وبها نشأ وقرأ الكثيرى على والده وبه تفقه وحضر دروس مشايخ الوقت
في المعقول والمنقول وتمهروا نجب وعد من ارباب الفضائل
ولما توفي والده أجلس
مكانه بالجامع الازهر واجتمع عليه طلبة أبيه وغيرهم واستمرت حلقة درس والده على ما
هي عليها من العظم والجلالة والرونق وافادة الطلبة وكان نعم الرجل صلاحا وصرامة
توفي بطندتا في ليلة
الاربعاء ثالث شهر ربيع الاول فجأة وجيء به الى مصر فغسل في بيته وصلي عليه
بالازهر ودفن عند والده بتربة المجاورين رحمه الله
ومات الوجيه المبجل
بقية السلف سيدى عامر بن الشيخ عبد الله الشبراوى تربى في عز ودلال وسيادة ورفاهية
وكان نبيلا الا انه لم يلتفت الى تحصيل المعارف والعلوم ومع ذلك كان يقتني الكتب
النفيسة ويبذل فيها الرغائب واستكتب عدة كتب بخط المرحوم الشيخ حسن الشغراوى
المكتب وهو في غاية الحسن والنورانية
ومن ذلك مقامات
الحريرى
وشروحها للزمزمي
وغيره وجلدها وذهبها ونقشوا اسمه في البصمات المطبوعة في نقش الجلود بالذهب وعندى
بعض على هذه الصورة ورسم باسمه الشيخ محمد النشيلي عدة آلات فلكية وارباع وبسائط
وغير ذلك واعتنى بتحريرها واتقانها وأعطاه في نظير ذلك فوق مأموله وحوى من كل شيء
أظرفه وأحسنه من ان الذى يرى ذاته يظنه غليظ الطبع
توفي رحمه الله يوم
الجمعة تاسع عشرين المحرم من السنة
ومات العلامة الفقيه
الفاضل الشيخ محمد سعيد بن محمد صفر ابن محمد بن أمين المدني الحنفي نزيل مكة
والمدرس بحرمها تفقه على جماعة من فضلاء مكة وسمع الحديث على الشيخ محمد بن عقيلة
والشيخ تاج الدين القلعي وطبقتهما وبالمدينة على الشيخ أبي الحسن السندى الكبير
وغيره وكان حسن التقرير لما يمليه في دروسه حضره السيد العيدروس في بعض دروسه
وأثنى عليه
وفي آخر عمره كف بصره
حزنا على فقد ولده
وكان من نجباء عصره
أرسله الى الروم وكان زوجا لابنة الشيخ ابن الطيب فغرق في البحر
وفي أثناء سنة 1174
ورد مصر ثم توجه الى الروم على طريق حلب فقرأ هناك شيئا من الحديث وحضره علماؤها
ومنهم الشيخ السيد أحمد بن محمد الحلوى وذكره في جملة شيوخه واثنى عليه ورجع الى
الحرمين وقطن بالمدينة المنورة
ومن مؤلفاته الاربعة
أنهار في مدح النبي المختار صلى الله عليه و سلم وله قصيدة مدح بها الشيخ العيدروس
ولما حج الشيخ أحمد
الحلوى في سنة تسعين اجتمع به بالمدينة المنورة وذاكره بالعهد القديم فهش له وبش
واستجاز منه ثانيا فأجازه ولم يزل على حاله المرضية من عبادة وافادة حتى توفي في
هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامير عبد
الرحمن أغا أغات مستحفظان وهو من مماليك ابراهيم كتخدا وتقلد الاغاوية في سنة
سبعين كما تقدم واستمر فيها الى
سنة تسع وسبعين
فلما نفي علي بك
النفية الاخيرة عزله خليل بك وحسين بك وقلدوا عوضه قاسم أغا فلما رجع علي بك ولاه
ثانيا وتقلد قاسم أغا صنجقا فاستمر فيها الى سنة ثلاث وثمانين فعزله وقلد عوضه
سليم أغا الوالي وقلد موسى أغا واليا عوضا عن سليم المذكور وكلاهما من مماليكه
وأرسل المترجم الى
غزة حاكما وأمره أن يتحيل على سليط
ويقتله
وكان رجلا ذا سطوة
عظيمة وفجور فلم يزل يعمل الحيلة عليه حتى قتله في داره وأرسل برأسه الى علي بك
بمصر وهي أول نكتة تمت لعلي بك بالشام وبها طمع في استخلاص الشام فلما حصلت الوحشة
بين محمد بك وسيده علي بك انضوى الى محمد بك
فلما استبد بالامر
قلده أيضا الاغاوية فاستمر فيها مدته
ولما مات محمد بك
انحرف عليه مراد بك وعزله وولى عوضه سليمان أغا وذلك في سنة تسعين ولما وقعت
المنافرة بين اسمعيل بك والمحمدية انضم الى اسمعيل بك ويوسف بك واجتهد في نصرتهما
وصار يكر ويفر ويجمع الناس ويعمل المتاريس ويعضد المتاريس ويعمل الحيل والمخادعات
ويذهب ويجيء الليل والنهار حتى تم الامر وهرب ابراهيم بك ومراد بك واستقر اسمعيل
بك ويوسف بك فقلداه الاغاوية أيضا فاستمر فيها مدته فلما خرج اسمعيل بك الى الصعيد
محاربا للمحمديين تركه فاستقل بأحكامها وكذلك مدة غياب محمد بك بالشام
فلما خان العلوية
اسمعيل بك وانضموا الى المحمدية ورجع اسمعيل بك على تلك الصورة كما ذكر خرج معه
الى الشام الى ان تفرق أمرهم فأراد التحول الى جهة قبلي فأنضم معه كثير من الاجناد
والمماليك وساروا الى أن وصلوا قريبا من العادلية فأرسل مملوكا له أسود ليأتيه
بلوازم من داره ويأتيه بحلوان فانه ينتظره هناك وحلوان كانت في التزامه وعدى مع
الجماعة من خلف الجبل ونزلوا بحلوان وركبوا وساروا وتخلف هو عنهم للقضاء المقدر
ينتظر خادمه فبات
هناك
وحضر بعض العرب وأخبر
مراد بك فأرسل الرصد لذلك العبد وركب هو في الحال وأتاه الرصد بالعبد في طريق
ذهابه فأستخبره فأعلمه بالحقيقة بعد التنكر فسار مستعجلا الى ان أتى حلوان واحتاط
بها وهجمت طوائفه على دوار الاوسية وأخذوه قبضا باليد وعروه ثيابه حتى السراويل
وسحبوه بينهم عريانا مكشوف الرأس والسوأتين وأحضروه بين يدي مراد بك فلما وقعت
عينيه عليه أمر بقطع يديه وسلموه لسواس الخيل يصفعونه ويضربونه على وجهه ثم قطعوا
رقبته حزا بسكين ويقولون له انظر قرص البرغوث يذكرونه قوله لمن كان يقتله لا تخف
يا ولدى انما هي كقرصة البرغوث ليسكن روع المقتول على سبيل الملاطفة
فكانوا يقولون ذلك
على سبيل التبكيت
ودخل مراد بك في
صبحها برأسه امامه على رمح ودفن كما ذكر ولم يأت بعده في منصبه من يدانيه في سياسة
الاحكام والقضايا والتحيلات على المتهومين حتى يقروا بذنوبهم وكان نقمة الله على
المعاكيس وخصوصا الخدم الأتراك المعروفين بالمسراجين
واتفق له في مبادى
ولايته انه تكرر منه اذيتهم فشكوا منه الى حسين بك المقتول فخاطبه في شأنهم فقال
له هؤلاء أقبح خلق الله وأضرهم على المسلمين وأكثرهم نصارى ويعملون أنفسهم مسلمين
ويخدمونكم ليتوصلوا بذلك الى ايذاء المسلمين وان شككت في قولي أعطني اذنا بالكشف
عليهم لا ميز المختون من غيره
فقال له الصنجق
افعل ما بدا لك
فلما كان في ثاني يوم
هرب معظم سراجين الصنجق ولم يتخلف منهم الا من كان مسلما ومختونا وهو القليل فتعجب
حسين بك من فطانته ومن ذلك الوقت لم يعارضه في شيء يفعله وكذلك علي بك ومحمد بك
ولما خالف محمد بك
على سيده وانفصل عنه وذهب الى قبلي وانضم اليه خشداشة أيوب بك وتعاقدا وتحالفا على
المصحف والسيف ونكث ايوب بك العهدوقضى محمد بك عليه بقطع يده ولسانه ارسل اليه عبد
الرحمن
أغا هذا ففعل به ذلك
ولما حضر اليه ليمثل به ودخل اليه وصحبته الجلاد وصار يقول للجلاد ارفق بسيدي ولا
نؤلمه ونحو ذلك
ولما ملك محمد بك
ودخل مصر أرسله الى عبد الله بك كتخدا الباشا الذى خامر على سيده وانضم الى علي بك
فذهب اليه وقيض عليه ورمى عنقه في وسط بيته ورجع برأسه الى مخدومه وباشر الحسبة
مدة مع الاغاوية
وكان السوقة يحبونه
وتولى ناظرا على الجامع الازهر مدة وكان يحب العلماء ويتأدب مع أهل العلم ويقبل
شفاعاتهم وله دهقنة وتبصر في الامور وعنده قوة فراسة وشدة حزم حتى غلب القضاء على
حزمة عفا الله عنه
ومات الامير عبد
الرحمن بك وهو من مماليك علي بك وصناجقة الذين أمرهم ورقاهم فهو خشداش محمد بك ابي
الذهب وحسن بك الجداوي وأيوب بك ورضوان بك وغيرهم
وكان موصوفا بالشجاعة
والاقدام فلما انقضت أيام علي بك وظهر أمر محمد بك خمل ذكره مع خشدشينه الى أن
حصلت الحادثة بين المحمديين واسمعيل بك فرد لهم امرياتهم الا عبد الرحمن هذا فبقى
على حاله مع كونه ظاهر الذكر
فلما كان يوم قتل
يوسف بك وكان هو أول ضارب فيه
وهرب في ذلك اليوم من
بقى من المحمدية وأخرج باقيهم منفيين ردوا له صنجقيته كما كان ثم طلع مع خشداشينه
لمحاربتهم بقبلي ثم والسوا على اسمعيل بك وانضموا اليهم ودخلوا معهم الى مصر كما
ذكر
ثم وقع بينهم التحاقد
والتزاحم على انفاذ الامر والنهي وكان اعظم المتحاقدين عليهم مراد بك وهم له كذلك
وتخيل الفريقان من بعضهم البعض ودخل المحمدية الخوف الشديد من الطلوية الى أن
صاروا لا يستقرون في بيوتهم فلازموا الخروج الى خارج المدينة والمبيت بالقصور
وخرج ابراهيم بك
واتباعه الى جهة العادلية ومراد بك واتباعه الى جهة مصر القديمة
فلما كان يوم السبت
سابع عشر جمادى الاولى اصبح مراد بك منتفخ الاوداج من القهر فاختلى مع من
يركن اليهم من خاصته
وقال لهم اني عازم في هذا اليوم على طلب الشر مع الجماعة
وقالوا وكيف نفعل
قال نذهب الى مرمى
النشاب ولا بد أن يأتينا منهم من يأتي فكل من حضر عندنا منهم قتلناه ويكون ما يكون
بعد ذلك
ثم ركب ونزل بمصاطب
النشاب وجلس ساعة فحضر اليه عبد الرحمن بك المذكور وعلي بك الحبشي فجلسا معه حصة
ومراد بك يكرر لاتباعه الاشارة بضربهما وهم يهابون ذلك ففطن له سلحدار عبد الرحمن
بك فغمز سيده برجله فهم بالقيام فابتدره مراد بك وسحب بالته وضربه في رأسه فسحب
الآخر بالته واراد ان يضربه فألقى بنفسه من فوق المصطبة الى اسفل وعاجل أتباع عبد
الرحمن بك وقتلوه
وفي وقت الكبكبة غطى
علي بك الحبشي رأسه بجوخته واختفى في شجر الجميز وركب في الحال مراد بك وجمع
عشيرته وأرسل الى ابراهيم بك فحضر من القبة الى القلعة وكان ما ذكر واستمر عبد
الرحمن بك مرميا بالمصطبة حتى حضر اليه اتباعه وشالوه ودفنوه بالقرافة
ومات الامير أحمد بك
شنن واصله مملوك الشيخ محمد شنن المالكي شيخ الازهر فحصل بينه وبين ابن سيده وحشة
ففارقه ودخل في سلك الجندية وخدم علي بك واحبه ورقاه وأمره الى أن قلده كتخدا
الجاويشية فلم يزل منسوبا اليه ومنضما الى اتباعه
وتقلد الصنجقية
وصاهره حسن بك الجداوى وتزوج بأبنته وبنى لها البيت بدرب سعادة ولم يزل حتى قتل في
هذه الواقعة وكان فيه لين جانب ظاهري ويعظم اهل العلم ويظهر لهم المحبة والتواضع
ومات الامير ابراهيم
بك طنان وهو من مماليك حسن افندي مملوك ابراهيم أفندي المسلماني وكانوا عدة وعزوة
معروفين ومشهورين في البيوت القديمة ومنهم مصطفى جربجي وأحمد جربجي
ثم لما ظهر أمر علي
بك انتسبوا اليه وخرجوا مع محمد بك عندما ذهب لمحاربة خليل بك
وحسين بك كشكش ومن
معهم بناحية المنصورة فوقع في المقتلة احمد جربجي المذكور وأعجب بهم محمد بك في
تلك الواقعة فأحبهم وضمهم اليه ولازموه في الأسفار والحروبات
ولما خالف علي سيده
علي بك وهرب الى الصعيد خرجوا معه كذلك ومات مصطفى جربجي على فراشه بمصر أيام علي
بك وصار كبيرهم والمشار اليه فيهم ابراهيم جربجي
فلما محمد بك وتعين
في رياسة مصر قلده صنجقا ونوه بشأنه وانعم عليه واعطاه بلادا مضافة الى بلاده منها
سندبيس ومنية حلفة وباقي الامانة
وكان عسوفا ظالما
الفلاحين لا يرحمهم وله مقدم من أقبح خليقة الله من منية حلفة فيغرى بالفلاحين
ويسجنهم ويعذبهم ويستخلص لمخدومه منهم الاموال ظلما وعداونا
فلما حصلت تلك الحادثة
وهرب ابراهيم بك المذكور مع اسمعيل بك اجتمع الفلاحون على ذلك المقدم وقتلوه
وحرقوه بالنار
وكان ابراهيم بك هذا
ملازما على زيارة ضرائح الاولياء في كل جمعة يركب بعد صلاة الصبح الى القرافة
ويزور قبور البستان وقبور اسلافه ثم يذهب الى زيارة الشافعي ويخرج منه ماشيا فيزور
الليث وما جاوزهما من المشاهد المعروفة كيحيى الشييه والسادات الثعالبة والعز وابن
حجر وابن جماعة وابن ابي جمرة وغير ذلك وكان هذا دأبه في كل جمعة
ولما وقعت الحوادث
خرج مع اسمعيل بك الى غزة فلما سافر اسمعيل بك ونزل البحر تخلف عنه ومات ببعض ضياع
الشام وظهر له بمصر ودائع اموال لها صورة
ومات الامير ابراهيم
بك بلفيا المعروف بشلاق وهو مملوك عبد الرحمن أغا بلفيا بن ابراهيم بك وعبد الرحمن
أغا هذا هو أخو خليل بك
وكان علي بك ضمه اليه
وأعجبه شجاعته فقلده صنجقا وصار من جملة صناجقه وامرائه ومحسوبا منهم
فلما حصلت هذه
الحادثة كان فيهم وقتل معهم
ومات الامير الكبير
حسن بك رضوان أمير الحاج وهو مملوك عمر بك بن حسين رضوان تقلد الصنجقية بعد موت
سيده وجلس في بيته
وطلع اميرا بالحج سنة
ثمان وسبعين وتسع وسبعين وعمل دفتردار مصر ثم عزل عنها وطلع بالحج في سنة احدى وثمانين
وسنة اثنتين وثمانين وقلد رضوان بك مملوكه صنجقا
فلما تملك علي بك نفى
رضوان بك هذا فيمن نفاهم في سنة واحد وثمانين ثم رده ثم نفاه مع سيده بعد رجوعه من
الحج في سنة ثلاث وثمانين الى مسجد وصيف ثم نقل الى المحلة الكبرى فأقام بها الى
سنة احدى وتسعين فكانت مدة اقامته بالمحلة نحو ثمان سنين
فلما تملك اسمعيل بك
احضره الى مصر وقلده امارة الحج سنة واحد وتسعين كما ذكر فلما انضم العلوية الى
المحمدية ورجعوا الى مصر وهرب اسمعيل بك بمن معه الى الشام لم يخرج معه وبقي بمصر
لكونه ليس من قبيلتهم وانضوى الى العلوية كغيره لظنهم نجاحهم فوقع لهم ما وقع وقتل
مع احمد بك شنن بشير او أوتوا بهما الى بيوتهما وكل منهما ملفوف في قطعة خيمة ودفن
حسن بك المذكور عليه رحمة الله وكان أميرا جليلا مهذبا كريم الاخلاق لين الجانب
يحب اهل الصلاح والعلم وعاشر بالمحلة صاحبنا الفاضل اللبيب الاديب الشيخ شمس الدين
السمربائي الفرغلي واحبه واغتبط به كثيرا واكرمه وحجزه عنده مدة اقامته بالمحلة
ومنعه عن الذهاب الى بلده الا لزيارة عياله فقط في بعض الاحيان ثم يعود اليه سريعا
ويستوحش لغيابه عنه فكان لا يأتنس الا به
وللشيخ شمس الدين فيه
مدائح ومقامات وقصائد
سنة ثلاث وتسعين والف
في يوم السبت خامس المحرم وصل الى مصر اسمعيل باشا والي مصر وبات ببر انبابة ليلة
السبت المذكور وركب الامراء في صبحها وقابلوه
ورجعوا وعدى الآخر
وركب الى العادلية وجلس بالقصر وتولى أمر السماط مصطفى بك الصغير
وفي يوم الثلاثاء من
المحرم ركب الباشا بالموكب ودخل من باب النصر وشق القاهرة وطلع الى القلعة وعملوا
له شنكا ومدافع ووصل الخبر بنزول اسمعيل بك الى البحر وسفره من الشام الى الروم
وغاب أمره
وفي أواخر شهر ربيع
الاول وقعت حادثة بالجامع الازهر بين طائفة الشوام وطائفة الاتراك بين المغرب والعشاء
فهجم الشوام على الاتراك وضربوهم فقتلوا منهم شخصا وجرحوا منهم جماعة فلما أصبحوا
ذهب الاتراك الى ابراهيم بك وأخبروه بذلك فطلب الشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي
الحنفية والمتكلم على طائفة الشوام وسأله عن ذلك فأخبره عن أسماء جماعة وكتبهم في
ورقة وعرفه ان القاتلين تغيبوا وهربوا ومتى ظهروا أحضرهم اليه ولما توجه من عنده
تفحص ابراهيم بك عن مسميات الاسماء فلم يجد لهم حقيقة فأرسل الى الشيخ احمد
العروسي شيخ الازهر وأحضر بقية المشايخ وطلب الشيخ عبد الرحمن فتغيب ولم يجدوه
فاغتاظ ابراهيم بك ومراد بك وعزلوه عن الافتاء وأحضروا الشيخ محمد الحريرى وألبسوه
خلعة ليكون مفتي الحنفية عوضا عن الشيخ عبد الرحمن وحثوا خلفه بالطلب ليخرجوه من
البلدة منفيا فشفع فيه شيخ السادات وهرب طائفة الشوام بأجمعهم وسمر الاغا رواقهم
ونادوا عليهم
واستمر الامر على ذلك
اياما ثم منعوا المجادلة والطبرية من دخول الرواق ويقطع من خبزهم مائة رغيف تعطى
للاتراك دية المقتول وكتب بذلك محضر باتفاق المشايخ والامراء وفتحوا الرواق ومرض
الشيخ العريشي من قهره وتوفي رابع جمادى الاولى
وفي أواخر شهر جمادى
الثانية توفي الشيخ محمد عبادة المالكي
وفيهه جاءت الاخبار
بان حسن بك ورضوان بك قوى أمرهم وجمعوا جموعا وحضروا الى دجرجا والتف عليهم أولاد
همام والجعافرة واسمعيل ابو علي فتجهز مراد بك وسافر قبله أيوب بك الصغير ثم سافر
هو أيضا فلما قربوا من دجرجا ولى القبالي وصعدوا الى فوق فأقام مراد بك في دجرجا
الى أوائل رجب وقبض على اسمعيل أبي علي وقتله ونهب ماله وعبيده وفرق بلاده على
كشافه وجماعته
وفي منتصف شهر رجب
ظهر بمصر وضواحيها مرض سموه بأبي الركب وفشا في الناس قاطبة حتى الاطفال وهو عبارة
عن حمى ومقدار شدته ثلاثة أيام وقد يزيد على ذلك وينقص بحسب اختلاف الامزجة ويحدث
وجعا في المفاصل والركب والاطراف ويوقف حركة الاصابع وبعض ورم ويبقى أثره اكثر من
شهر ويأتي الشخص على غفلة فيسخن البدن ويضرب على الانسان دماغه وركبه ويذهب بالعرق
والحمام وهو من الحوادث الغريبة
وفي عشرين رجب وصل
مراد بك من ناحية قبلي وصحبته منهوبات وأبقار وأغنام كثيرة
وفي يوم الجمعة ثاني
عشرينه الموافق لثاني شهر مسرى القبطي وفا النيل المبارك ثم زاد في ليلتها زيادة
كثيرة حتى علا على السد وجرى الماء في الخليج بنفسه وأصبح الناس فوجدوا الخليج
جاريا وفيه المراكب فلم تحصل الجمعية ولم ينزل الباشا على العادة
وفي أواخر شهر شعبان
وصل الى مصر قابجي باشا وبيده أوامر بعزل اسمعيل باشا عن مصر ويتوجه الى جدة وان
ابراهيم باشا والي جدة يأتي الى مصر وفرمان آخر بطلب الخزينة
وفي شهر شوال وصلت
الاخبار بموت علي بك السروجي وحسن بك سوق السلاح بغزة
وفي يوم الخميس ثامن
عشر شوال عمل موكب المحمل وخرج الحجاج وأمير الحاج مراد بك وخرج في موكب عظيم وطلب
كثير وتفاخر وماجت مصر وهاجت في أيام خروج الحج بسبب الاطلاب وجمع الاموال وطلب
الجمال والبغال والحمير وغصبوا بغال الناس ومن وجدوه راكبا على بغلة أنزلوه عنها
وأخذوها منه قهرا فان كان من الناس المعتبرين أعطوه ثمنها والا فلا وغلت أسعارها
جدا ولم يعهد حج مثل هذه السنة في كل شيء
وسافر فيه خلائق
كثيرة من سائر الاجناس وسافر صحبة مراد بك اربع صناجق وهم عبد الرحمن بك عثمان
وسليمان بك الشابورى وعلي بك المالطي وذو الفقار بك وأمراء واغوات وغير ذلك أكابر
كثيرة وأعيان وتجار
وفيه حضر واحد أغا
وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على مصر كما كان وكان لما أتاه العزل نزل من القلعة
في غرة رمضان وصام رمضان في مصر العتيقة
ولما انقضى رمضان
تحول الى العادلية ليتوجه الى السويس ويذهب الى جدة حسب الاوامر السابقة فقدر الله
بموت ابراهيم باشا وحضر التقرير له بالولاية ثانيا فركب في يوم الاثنين سادس
القعدة وطلع الى القلعة من باب الجبل
من مات في هذه السنة
من الاعيان مات الشيخ الفقيه الامام الفاضل شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن عمر العريشي
الحنفي الازهرى ولد بقلعة العريش من اعمال غزة وبها نشأ وحفظ بعض المتون ولما مر
عليه الشيخ العرف السيد منصور السرميني في بلده وجده متيقظا نبيها وفيه قوة
استعدادية وحافظة جيدة فأخذه صحبته في صورة معين في الخدمة وورد معه مصر فكان
ملازما له لا يفارقه وأذن له بالحضور في الازهر فكان يحضر دروس الشيخ أحمد البيلي
وغيره في النحو والمعقول
ولما توجه السيد
المشار اليه الى البلاد تركه
ليشتغل بالعلم فلازم
الشيخ أحمد السليماني ملازمة جيدة وحضر عليه غالب الكتب المستعملة في المذهب وحضر
دروس الشيخ الصعيدى والشيخ الحفني ولقنه الذكر وأجازه والبسه التاج الخلوتي
ثم اجتمع بالمرحوم
الوالد حسن الجبرتي ولازمه كلية ودرجة في الفتوى ومراجعة الاصول والفروع وأعانه
على ذلك وجد ان الكتب الغريبة عند المرحوم فترونق ونوه بشأنه وعرفه الناس وتولى
مشيخة رواق الشوام وبه تخرج الحقير في الفقه
فأول ما حضرت عليه
متن نور الايضاح للعلامة الشرنبلالي ثم متن الكنز وشرحه لملا مسكين والدر المختار
شرح تنوير الابصار ومقدار النصف من الدرر وشرح السيد علي السراجية في الفرائض
وكان له قوة حافظة
وجودة فهم وحسن ناطقة فيقرر ما يطالعه من المواد عن ظهر قلبه من حفظه بفصاحة من
غير تلعثم ولا تركيز
وحج في سنة تسع
وسبعين من القلزم منفردا متقشفا وأدرك بالحرمين الاخيار وعاد إلى مصر وحصلت له
جذبة في سنة ست وثمانين وترك عياله وانسلخ عن حاله وصار يأوى الى الزوايا والمساجد
ويلقي دروسا من الشفاء وطرق القوم وكلام سيدي محي الدين والغزالي
ثم تراجع قليلا وعاد
الى حالته الاولى ولما توفي مفتي الحنفية الشيخ أحمد الحماقي تعين المترجم في
الافتاء وعظم صيته وتميز على أقرانه واشترى دارا حسنة بالقرب من الجامع الازهر وهي
التي كانت سكن الشيخ الحفني في السابق وتعرف بدار القطرسي
وتردد الاكابر
والاعيان اليه وانكبت عليه اصحاب الدعاوى والمستفتون وصار له خدم واتباع وفراشون
وغير ذلك
وسافر الى اسلامبول
بعد موت الامير محمد بك لقضاء بعض الاغراض وقرأ هناك كتاب الشفاء ورجع الى مصر
وكان كريم النفس سمحا بما في يده يحب اطعام الطعام ويعمل عزائم للامراء ويخلع
عليهم الخلع ولما زاد انحطاط الشيخ أحمد الدمنهورى وتبين قرب وفاته وفراغ اجله
تاقت نفس المترجم
لمشيخة الازهر اذ هي
أعظم مناصب العلماء فاحب الاستيلاء عليها والتوصل اليها بكيفية وطريقة فحضر مع شيخ
البلد ابراهيم بك الى الجامع الازهر وجمع الفقهاء والمشايخ وعرفهم ان الشيخ أحمد
الدمنهورى اقامه وكيلا عنه وبعد ايام توفي الشيخ الدمنهورى فتعين هو للمشيخة بتلك
الطريقة وساعده استمالة الامراء وكبار الاشياخ والشيخ أبو الانوار السادات وما
مهده معهم في تلك الايام وكاد يتم الامر فأنتدب لنقض ذلك بعض الشافعية الخاملين
وذهبوا الى الشيخ محمد الجوهرى وساعدهم وركب معهم الى بيت الشيخ البكرى وجمعوا
عليهم جملة من أكابر الشافعية مثل الشيخ أحمد العروسي والشيخ احمد السمنودى والشيخ
حسن الكفراوى وغيرهم وكتبوا عرضحال الى الامراء مضمونه ان مشيخة الازهر من مناصب
الشافعية وليس للحنفية فيها قديم عهد أبدا وخصوصا اذا كان آفاقيا وليس من أهل
البلدة
فان الشيخ عبد الرحمن
كذلك وموجود في العلماء الشافعية من هو أهل لذلك في العلم والسن وانهم اتفقوا على
ان يكون المتعين لذلك الشيخ أحمد العروسي وختم الحاضرون على ذلك العرضحال وأرسلوه
الى ابراهيم بك ومراد بك فتوقفوا وأبوا وثارت فيهم العصبية وشددوا في عدم النقض
ورجع الجواب للمشايخ بذلك فقاموا على ساق وشدد الشيخ محمد الجوهري في ذلك وركبوا
بأجمعهم وخرجوا الى القرافة وجلسوا بجامع الامام الشافعي وباتوا به
وكان ذلك ليلة الجمعة
واجتماع الناس للزيارة فهرعت الناس واجتمع الكثير من العامة ينظرون فيما يؤول اليه
هذا الامر وكان للامراء اعتقاد وميل للشيخ محمد بن الجوهرى وكذلك نساؤهم وأغواتهم
بسبب تعففه عنهم وعدم دخول بيوتهم ورد صلاتهم وتميزه بذلك عن جميع المتعممين
فسعى أكثرهم في انفاذ
غرضه وراجعوا مراد بك وأوهموه حصول العطب له ولهم أو ثوران فتنة في البلد وحضر
اليهم علي
أغا كتخدا الجاويشة
وحاججهم وحاججوه ثم قام وتوجه وحضر مراد بك أيضا للزيارة فكلمه الشيخ محمد وقال لا
بد من فروة تلبسها للشيخ العروسي وهو يكون شيخا على الشافعية وذاك شيخا على
الحنفية كما ان الشيخ أحمد الدردير شيخ المالكية والبلد بلد الامام الشافعي وقد
جئنا اليه وهو يأمرك بذلك وان خالفت يخشى عليك
فما وسعه الا أنه
أحضر فروة وألبسها للشيخ العروسي عند باب المقصورة وركب مراد بك متوجها وركب
المشايخ وبينهم الشيخ العروسي وذهبوا الى ابراهيم بك ولم يكن الامراء رأوا الشيخ
العروسي ولا عرفوه قبل ذلك فجلسوا مقدار مسافة شرب القهوة وقاموا متوجهين ولم
يتكلم ابراهيم بك بكلمة
فذهب الشيخ العروسي
الى بيته وهو بيت نسيبه الشيخ أحمد العريان واجتمع عليه الناس وأخذ شأنه في الظهور
واحتد العريشي وذهب
الى الشيخ السادات والامراء فألبسوه فروة أيضا فتفاقم الامر وصاروا حزبين وتعصب
للمترجم طائفة الشوام للجنسية وطائفة المغاربة لانضمام شيخهم الشيخ أبي الحسن
القلعي معه من أول الامر وتوعدوا من كان مع الفرقة الاخرى وحذروهم ووقفوا لمنعهم
من دخول الجامع وابن الجوهرى يسوس القضية ويستميل الامراء وكبار المشايخ الذين
كانوا مع العريشي مثل الشيخ الدردير والشيخ أحمد يونس وغيرهم واستمر الأمر على ذلك
نحو سبعة أشهر الى ان اسعفت العروسي العناية ووقعت الحادثة المذكورة بين الشوام
والاتراك واحتد الامراء الاتراك للجنسية وأكدوا في طلب المحاققة وتصدى العريشي
للشوام المذب عنهم وحصل منه ما حصل لاجل خلاصهم
فعند ذلك انطلقت عليه
الالسن وأصبح الصديق عدوا وانحرف عنه الامراء وطلبوه فاختفى وعين لطلبه الوالي
واتباع الشرطة وعزلوه من الافتاء أيضا
وحضر الاغا وصحبته
الشيخ العروسي الى الجامع للقبض على الشوام فأختفوا وفروا وغابوا عن الاعين
فأغلقوا
رواقهم وسمروه أياما
ثم اصطلحوا على الكيفية المذكورة آنفا وظهر العروسي من ذلك اليوم وثبتت مشيخته
ورياسته وخمل العريشي وأمروه بلزوم بيته ولا يقارش في شيء ولا يتداخل في أمر فعند
ذلك اختلى بنفسه وأقبل على العبادة والذكر وقراءة القرآن ونزلت له نزلة في أنثييه
من القهر فأشاروا عليه بالفصد وفصدوه فازداد تألمه وتوفي ليلة الخميس سابع جمادى
الاولى من السنة وجهز بصباحه وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل وحضره مراد بك وكثير
من الامراء وعلي أغا كتخدا الجاويشية ودفن برحاب السادة الوقائية وذلك بعد الحادثة
بتسعة وثلاثين يوما رحمه الله تعالى
ومن آثاره رسالة
ألفها في سر الكنى باسم السيد أبي الانوار بن وفي أجاد فيها ووصلت الى زبيد وكتب
عليها الشيخ عبد الخالق بن الزين حاشية وقرظ عليها الشيخ العروسي والشيخ الصبان
وله غير ذلك
ومات الشريف السيد
قاسم بن محمد التونسي كان اماما في الفنون وله يد طولى في العلوم الخارجة مثل الطب
والحرف وكان معه وظيفة تدريس الطب بالبيمارستان المنصورى وتولى مشيخة رواق
المغاربة مرتين والاولى استمر فيها مدة وفي تلك المدة حصلت الفتن ثم عزل عنها
وأعاد الدروس في مدرسة السيوفيين المعروفة الآن بالشيخ مطهر وله تقريظ على المدائح
الرضوانية جمع الشيخ الاكاوى أحسن فيها وكان ذا شهامة وصرامة في الدين صعبا في
خلقه وربما أهان بعض طائفة النصارى عند معارضتهم له في الطريق وأهين بسبب ذلك من
طرف بعض الامراء وتحزبت له العلماء وكادت ان تكون فتنة عظيمة ولكن الله سلم
توفي بعد ان تعلل
كثيرا وهو متولي مشيخة رواقهم وهي المرة الثانية وكان له باع في النظم والنثر
فممنها مدائحه في الامير رضوان كتخدا الجلفي له فيه عدة قصائد فرائد مذكورة في
الفوائح الجنانية
ومات الامام الفهامة
الالمعي الاديب واللوذعي النجيب الشيخ محمد لهباوى الشهير بالدمنهورى اشتغل بالعلم
حتى صار اماما يقتدى به ثم اشتغل بالطريق وتلقن الاسماء وأخذت عليه العهود وصار
خليفة مجازا بالتلقين والتسليك وحصل به النفع
وكان فقيها دراكا
فصيحا مفوها أديبا شاعرا له باع طويل في النظم والنثر والانشاء ولما تملك علي بك
بعد موت شيخه الحفني طلبه اليه وجعله كاتب انشائه ومراسلاته وأكرمه اكراما كثيرا
ومدحة بقصائد ولم يزل منضويا اليه مدة دولته
ومات السيد قاسم بن
محمد بن محمد علي بن أحمد بن عامر بن عبد الله ابن جبريل بن كامل بن حسن بن عبد
الرحمن بن عثمان بن رمضان بن شعبان ابن أحمد بن رمضان بن محمد بن القطب أبي الحسن
علي بن محمد ابن أبي تراب علي بن أبي عبد الله الحسين بن ابراهيم بن محمد بن أحمد
ابن محمد بن محمد بن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الحسن بن اسمعيل الديباج بن
ابراهيم بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب أحد الاشراف الصحيحي
النسب بمصر فجده أبو جعفر يعرف بالثج لثجثجة في لسانه وحفيده الحسين بن ابراهيم
يعرف بأبن بنت الروبدى وحفيده علي بن محمد مدفون بالصعيد في بلد يقال له دمشاو
باشم والمترجم هو والد السيدين الجليلين اسمعيل وابراهيم المتقدم ذكرهما صحح هذا
النسب شيخنا السيد محمد مرتضى كما ترى وكان حمام البابا في ملكه مما خلفه له سلقه
فكان يجلس فيه وكان شيخا مهيبا معمرا منور الشيبة كريم الاخلاق متعففا مقبلا على
شأنه رحمه الله تعالى
ومات الامام العارف
الصوفي الزاهد أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ابن سعيد بن حم الكتاني السوسي ثم
التونسي ولد بتونس ونشأ في حجر والده في عفة وصلاح وعفاف وديانة وقرأ عليه وعلى
شيخ الجماعة سيدى محمد الغرباوى وعلى آخرين وتكمل في العلوم والمعارف مع صفاء
ذهنه وسرعة ادراكه
وتوقد خاطره وكمال حافظته وكان والده يحبه ويعتمد على ما يقوله في تحرير نقله
ويصرح بذلك في اثناء درسه
وقد بلغ المترجم من
الصلاح والتقوى الى الغاية واشتهر أمره في بلاد افريقية اشتهارا كليا حتى أحبه
الصغير والكبير وكان منفردا عن الناس منقبضا عن مجالسهم فلا يخرج عن محله الا
لزيارة ولي أو في العيدين لزيارة والده وكان المرحوم علي باشا والي تونس فيه
اعتقاد عظيم وعرض عليه الدنيا مرارا فلم يقبلها وعرضت عليه تولية المدارس التي
كانت بيد والده فأعرض عنها وتركها لمن يتولاها وعكف نفسه على مذاكرة العلوم مع خواص
أصحابه ومطالعة الكتب الغريبة واجتمع عنده منها شيء كثير وكان يرسل في كل سنة
قائمة الى شيخنا السيد مرتضى فيشتري له مطلوبه وكان يكاتبه ويراسله كثيرا
ومات الفقيه الاديب
الماهر أحمد بن عبد الله بن سلامة الادكاوى نزيل الاسكندرية وأمه شريفة من ذرية
السيد عيسى بن نجم خفير بحر البرلس كان حسن المحاورة ولديه فضل ويحفظ كثيرا من
الاشياء منها المقامات الحريرية وغيرها من دواوين الشعر
وناب عن القضاء في
الثغر مدة وكان يتردد الى مصر احيانا وجمع عدة دواوين شعرية من المتقدمين
والمتأخرين نحو المائتين وطالع كثيرا منها مما لم يملكه
ولم يزل على حالة
مرضية حتى توفي بالثغر سنة تاريخه
ومات الشيخ الصالح
المعمر خالد أفندى بن يوسف الديار بكرلي الواعظ كان يعظ الاتراك بمكة على الكرسي
ثم ورد مصر ولازم حضور الاشياخ بمصر والوعظ للاتراك وحضر معنا كثيرا على شيخنا
السيد محمد مرتضى في دروس الصحيح بجامع شيجون في سنة 1190 وفي الامالي والشمائل في
جامع أبي محمود الحنفي وأخبر انه دخل دمشق وحضر دروس الشيخ اسمعيل العجلوني وأجازه
وأدرك جلة الاشياخ بديار
بكر والرها وازروم
وكان رجلا صالحا
منكسرا وله مرأى حسنة ولا زال على طريقته في الحب والملازمة حتى مرض أياما وانقطع
في بيته ومات في رابع جمادى الاولى
ومات الشيخ الفقيه
الكامل والنجيب الفاضل أحد العلماء الاعلام واوحد فضلاء الانام الشيخ محمد بن
عبادة بن برى العدوى ينتهي نسبه الى علي علي أبي صالح المدفون بالعلوة في بني عدي
قدم الى مصر سنة 1164 وجاور بالازهر وحفظ المتون ثم حضر شيوخ الوقت ولازم دروس
علماء العصر ومهر في الفنون وتفقه على علماء مذهبه من المالكية مثل الشيخ علي
العدوى والشيخ عمر الطحلاوى والشيخ خليل والشيخ الدردير والبيلي وأخذ المعقولات عن
شيخه الشيخ علي العدوى الصعيدى وغيره ولازمه ملازمة كلية وانتسب اليه حسا ومعنى
وصار من نجباء تلامذته ودرس الكتب الكبار في الفقه والمعقول ونوه الشيخ بفضله وأمر
الطلبة بالاخذ عنه وصار له باع طويل وذهن وقاد وقلم سيال وفصاحة في اللسان
والتقرير وصواب في التحرير وقوة استعداد واستحضار وسليفة
ومن تآليفه حاشية على
شذور الذهب لابن هشام متداولة بأيدى الطلبة نافعة وحاشية على مولد النبي صلى الله
عليه و سلم للغيطي وابن حجر والهدهدى وحاشية على شرح بن جماعة في مصطلح الحديث
وحاشية عجيبة على جمع الجوامع وعلى السعد والقطب وعلى ابي الحسن وحاشية على شرح
الخرشي وعلى فضائل رمضان وكتابة محررة على الورقات والرسالة العضدية وعلى آداب
البحث والاستعارات
ولم يزل يملي ويقرىء
ويفيد ويحرر ويجيد حتى وافاه الحمام وتوفي في أواخر ششهر جمادى الثانية من السنة
بعد ان تعلل بعلة الاستسقاء سنين وكان يقرأ ليالي المواسم مثل نصف شعبان والمعراج
وفضائل رمضان وغير ذلك نيابة عن شيخه الشيخ
علي الصعيدى العدوى
ويجتمع بدرسه الجم الكثير من طلبة العلم والعامة رحمه الله
ومات الامير علي بك
السروجي وهو من مماليك ابراهيم كتخدا واشرافات علي بك أمره وقلده الصنجقية بعد موت
سيدهم ولقب بالسروجي لكونه كان ساكنا بخط السروجية
ولما أمره علي بك هو
وأيوب بك مملوكه ركب معهما الى بيت خليل بك بلفيا وخطب لعلي بك هذا اخت خليل بك
وهي ابنة ابراهيم بلفيا الكبير وعقد عقده عليها ثم خطب لايوب بك ابنة خليل بك وعقد
للاخرى على أيوب بك في ذلك المجلس وشربوا الشربات وفرقوا المحارم والهدايا وانصرفوا
وعملوا العرس بعد أن جهزهما بما يليق بأمثالهما وزفوا واحدة بعد أخرى الى الزوج
ولما حصلت الوحشة بين
المحمدية واسمعيل بك انضم الى اسمعيل بك لكونه خشداشه وخرج الى الشام صحبته فلما
سافر اسمعيل بك الى الديار الرومية تخلف المترجم مع من تخلف ومات ببعض ضياع الشام
كما ذكر
ومات أيضا الامير حسن
بك المعروف بسوق السلاح لسكنه في تلك الخطة ببيت الست البدوية وأصله مملوك صفية
جارية الشيخ أبي المواهب البكرى وكان بن أخيها فأشترته واستمر في خدمة الشيخ أبي
المواهب الى أن مات فسلك في طريق الاجناد وخدم علي بك الى أن جعله كاشفا في جهة من
الجهات القبلية فأقام بها الى أن خالف محمد بك على سيده علي بك وذهب الى قبلي
واجتمعت عليه الكشاف والاجناد وكان حسن هذا من جملة من حضر اليه بماله ونواله
وخيامه وحضر محمد بك الى مصر وملكها من سيده علي بك
ولم يزل حسن هذا في
خدمة محمد بك أبي الذهب فرقاه في الخدم والمناصب وصنجقه ولم يزل في الامارة مدة
محمد بك وأتباعه الى أن خرج مع من خرج صحبة اسمعيل بك ومات ببعض ضياع الشام والله
الموفق
سنة أربع وتسعين
ومائة وألف فيها في يوم الخميس حادى عشر صفر دخل الحجاج الى مصر وامير الحاج مراد
بك ووقف لهم االعريان في الصفرة والجديدة وحصروا الحجاج بين الجبال وحاربوهم نحو
عشر ساعات ومات كثير من الناس والغزو الاجناد ونهبت بضائع وأحمال كثيرة وكذلك من
الجمال والدواب والعرب بأعلى الجبال والحج أسفل كل ذلك والحج سائر
وفي يوم الخميس ثالث
شهر رجب اجتمع الأمراء وارسلوا الى الباشا أرباب العكاكيز وأمروه بالنزول من
القلعة معزولا فركب في الحال ونزل الى مصر العتيقة ونقلوا عزاله ومتاعه في ذلك
اليوم واستلموا منه الضربخانة وعمل ابراهيم بك قائمقام مصر
فكانت مدة ولاية
اسمعيل باشا في هذه المرة ثمانية أشهر تنقص ثلاثة أيام وكان أصله رئيس الكتاب
باسلامبول من أرباب الأقلام
وكان مراد بك هذا
أصله من مماليكه فباعه لبعض التجار في معارضة وحضر الى مصر ولم يزل حتى صار أميرها
وحضر سيده هذا في
أيام امارته وهو الذي عزله من ولايته ولكن كان يتأدب معه ويهابه كثيرا ويذكر سيادة
عليه وكان هذا الباشا أعوج العنق للغاية وكان قد خرج له خراج فعالجه بالقطع فعجزت
العروق وقصرت فاعوج عنقه وصارت لحيته عند صدره ولا يقدر على الألتفات الا بكليته
الا أنه كان رئيسا عاقلا صاحب طبيعة ويحب المؤانسة والمسامرة
ولما حضر الى مصر
وسمع باوصاف شيخنا الشيخ محمود الكردى أحبه واعتقده وأرسل له هدية وأخذ عليه العهد
بواسطة صديقنا نعمان افندى وكان به آنسا وقلده أمين الضربخانة
ولما أخذ العهد على
الشيخ اقلع عن استعمال البرش والقاه بظروفه وقلل من استعمال الدخان
وكان عنده
أصناف الطيور المليحة
الأصوات وعمل بستانا لطيفا في الفسحة التي كانت بداخل السراية زرع بها أصناف
الزهور والغراس والورود والياسمين والفل وبوسطه قبة على أعمدة لطيفة من الرخام
وحولها حاجز من السلك النحاس الرفيع الاصفر وبداخلها كثير من عصافير القنارية وعمل
لهم أوكارا يأوون اليها ويطيرون صاعدين هابطين بداخل القبة ويطرب لاصواتهم اللطيفة
وانغامهم العذبة وذلك خلاف ما في الاقفاص المعلقة في المجالس وتلك الاقفاص كلها
بديعة الشكل والصنعة
ولما أنزلوه على هذه
الصورة انتهب الخدم تلك الطيور والاقفاص وصاروا يبيعونها في أسواق المدينة على
الناس
وفي يوم الجمعة عاشر
شعبان الموافق لسابع مسرى القبطي أوفى النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم السبت
بحضرة ابراهيم بك قائمقام مصر والامراء
وفي أواخر شعبان شرع
الامراء في تجهيز تجريدة وسفرها الى جهة قبلي لاستفحال امر حسن بك ورضوان بك فانه
انضم اليهم كثير من الاجناد وغيرهم وذب اليهم جماعة اسمعيل بك وهم ابراهيم بك قشطة
وعلي بك الجوخدار وحسين بك وسليم بك من خلف الجبل فعندما تحققوا ذلك أخذوا في
تجهيز تجريدة وأميرها مراد بك وصحبته سليمان بك ابو نبوت وعثمان بك الاشقر ولاجين
بك ويحيى بك وطلبوا الاحتياجات واللوازم وحصل منهم الضرر وطلب مراد بك الاموال من
التجار وغيرهم مصادرة وجمعوا المراكب وعطلوا الاسباب وبرزوا بخيامهم الى جهة
البساتين
وفيه حضر من الديار
الرومية أمير اخور وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فوجده معزولا
وأنزلوه في بيت بسويقه العزى
وفي يوم الخميس عشرين
شوال وكان خروج المحمل والحجاج صحبة أمير الحج مصطفى بك الصغير
من مات في هذه السنة
مات السيد الاجل الوجيه الفاضل السيد محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد
بن عبد الرحيم بن مصطفى بن القطب الكبير سيدى محمد دمرداش الخلوتي ولد بزاوية جدة
ونشأ بها ولما توفي والده السيد عثمان جلس مكانه في خلافتهم وسار سيرا حسنا مع
الابهة والوقار وتردد الافاضل اليه على عادة اسلافه
وكان يعاني طلب العلم
مع الرفاهية وبعض الخلاعة ولازم المرحوم الوالد هو وأولاده السيد عثمان والسيد
محمد المتولي الا آن في مطالعة الفقه الحنفي وغيره في كل يوم بالمنزل ويحضرون أيضا
بالازهر وعلى الاشياخ المترددين عليهم بالزاوية مثل الشيخ محمد الامير والشيخ محمد
العروسي والشيخ محمد بن اسمعيل النفراوى والشيخ محمد عرفة الدسوقي وغيرهم وكان
انسانا حسن العشرة والمودة
توفي في رابع عشر
رمضان من السنة ودفن بزاويتهم عند اسلافهم
ومات الفقيه النبيه
المتقن المتفنن الاصولي النحوى المعقولي الجدلي الشيخ مصطفى المعروف بالريس
البولاقي الحنفي كان في الاصل شافعي المذهب ثم تحنف وتفقه على الشيخ الاسقاطي
والسيد سعودى والدلجي وحضر المعقولات على الشيخ علي الصعيدي والشيخ علي قايتباى
والاسكندراني وكان ملازما للسيد سعودى فلما توفي لازم ولده السيد ابراهيم ولم تطل
أيامه فلما مات لازم الشيخ الوالد حسن الجبرتي ملازمة كلية في المدينة وبولاق وكان
يحبه لنجابته واستحضاره ونوه بشأنه ولاحظه بأنظاره واخذ له تدريس الحنفية بجامع
السنانية وجامع الواسطي وعاونه في امور من الاحكام العامة ببولاق حتى اشتهر ذكره
بها وعظم شأنه عند أهلها وصار بيته مثل المحكمة في القضايا والدعاوى
والمناكحات والخصومات
وكان فيه شهامة وقوة جنان وصلابة رحمه الله تعالى وعفا عنه
ومات الوالي الصالح
الفاضل الشيخ عبد الله بن محمد بن حسين السندى نزيل المدينة المنورة المشهور بجمعة
حضر دروس الشيخ محمد حياة السندى وغيره من الواردين وجاور بالمدينة نحوا من أربعين
سنة وانتفع به طلبة المدينة واشتهرت بركنه
فكل من قرأ عليه شيئا
فتح الله عليه وصار من العلماء وكان ذا كرم ومروءة وحياء وشفقة توفي في هذه السنة
ومات الشيخ الصالح
الوجيه احمد بن عبد الله الرومي الاصل المصري المكتب الخطاط الملقب بالشكرى جود
الخط على جماعة من المشاهير ومهر فيه حتى برع وأجيز وأجاز على طريقتهم ونسخ بيده
عدة مصاحف ودلائل الخيرات وغير ذلك وانتفع به الناس انتفاعا عاما واشتهر خطه في
الآفاق واجاز لجماعة وكان وجيها منور الشيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى نظيف
الثياب حسن الاخلاق مهذبا متواضعا
توفي عشية يوم
الاربعاء ثالث جمادى الاولى من السنة وصلي عليه بالازهر ودفن بالقرافة رحمه الله
تعالى
سنة خمس وتسعين ومائة
والف في منتصف المحرم قبض ابراهيم بك على ابراهيم أغا ببيت المال المعروف
بالمسلماني وضربه بالنبابيت حتى مات وأمر بالقائه في بحر النيل فالقوه وأخرجه
عياله بعد أيام من عند شبر افاتوا به الى بيته وغسلوه وكفنوه ودفنوه ولم يعلم لذلك
سبب
وفي يوم السبت سادس
عشر صفر نزل الحجاج ودخلوا الى مصر صحبة المحمل وامير الحاج مصطفى بك في يوم
الثلاثاء تاسع عشرة
وفيه جاءت الاخباريات
اسمعيل بك وصل من الديار الرومية الى ادرنه
وطلع من هناك ولم يزل
يتحيل حتى خلص الى الصعيد وانضم الى حسن بك ورضوان بك وباقي الجماعة
وفي اواخر شهر صفر
وصلت الاخبار من ناحية قبلي بان مراد بك خنق ابراهيم بك أوده باشا قيل انه اتهمه
بمكاتبات الى اسمعيل بك وحبس جماعة آخرين خلافه
وفيه وصلت الاخبار
بورود باشا الى ثغر سكندرية واليا على مصر وهو محمد باشا ملك
وفي سادس جمادى
الاولى وصل مراد بك ومن معه الى مصر وصحبته ابراهيم بك قشطة صهر اسمعيل بك وسليم
بك أحد صناجق اسمعيل بك بعد ما عقد الصلح بينه وبينهم وأحضر هؤلاء صحبته رهائن
واعطى لاسمعيل بك اخميم واعمالها وحسن بك قنا وقوص واعمالها ورضوان بك اسنا ولما
تم الصلح بينه وبينهم على ذلك أرسل لهم هدايا وتقادم وأحضر صحبته من ذكر فكانت مدة
غيابه ثمانية أشهر وأياما ولم يقع بينهم مناوشات ولا حرب بل كانوا يتقدمون بتقدمه
ويتأخرون بتأخره حتى تم ما تم
وفي منتصف شهر جمادى
الاولى سافر علي أغا كتخدا الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وباقي أرباب الخدم
لملاقاة الباشا
وفي غرة شهر رجب وصل
الباشا الى بر انبابه وبات هناك وعدت الامراء في صبحها للسلام عليه ثم ركب الى
العادلية
وفي يوم الاثنين ركب
الباشا بالموكب من العادلية ودخل باب النصر وشق من وسط المدينة وطلع الى القلعة
وضربوا له المدافع من باب الينكجرية وكان وجيها جليلا منور الوجه والشيبة
وفي يوم الخميس عملوا
الديوان وحضر الامراء والمشايخ وقرىء التقليد بحضرتهم وخلع على الجميع الخلع
المعتادة
وفي يوم الاحد
المبارك ليلة النصف من شعبان الموافق لاول مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك
ونزل الباشا وكسروا السد بحضرته على العادة صبح يوم الاثنين
من مات في هذه السنة
من الائمة والاعيان توفي شيخنا الامام العارف كعبة كل ناسك عمدة الواصلين وقدوة
السالكين صاحب الكرامات الظاهرة والاشارات الباهرة شيخنا وأستاذننا الشيخ محمود
الكردي الخلوتي حضر الى مصر متجردا مجاهدا مجتهدا في الوصول الى مولاه زاهدا كل ما
سوأه فأخذ العهد وتلقن الذكر من الاستاذ شمس الدين الحفني وقطع الاسماء وتنزلت
عليه الاسرار وسطعت على غرته الانوار وأفيض على نفسه القدسية انواع العلوم المدنية
وله رسالة في الحكم
ذكر ان سبب تأليفه لها انه رأى الشيخ محي الدين العربي رضي الله عنه في المنام
أعطاه مفتاحا وقال له افتح الخزانة
فاستيقظ وهي تدور على
لسانه ويرد على قلبه انه يكتبها
قال فكنت كلما صرفت
الوارد عني عاد الي فعلمت أنه أمر الهي فكتبتها في لمحة يسيرة من غير تكلف كأنما
هي تملي على لساني من قلبي وقد شرحها خليفته شيخ الاسلام والمسلمين سيدي الشيخ عبد
الله الشرقاوي شيخ الجامع الازهر شرحا لطيفا جامعا مانعا استخرج به من كنوز
معانيها ما اخفاها فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها وشرحها أيضا أحد خلفائه
الاستاذ العلامة السيد عبد القادر بن عبد اللطيف الرافعي البيارى العمرى الحنفي
الطرابلسي شكر الله صنيعهما ذكر في اولها ترجمة الاستاذ كما سمعه من لفظه ان مولده
ببلدة صاقص من بلاد كوران ونشأ في المجاهدة وهو ابن خمسة عشرة سنة صائم الدهر محيي
الليل كله في مسجد ببلدته معروف حتى اشتهر أمره وقصده الناس بالزيارة فهجر ذلك
المكان وصار
يأوى الخراب خارج
بلدته بحيث لا يشعر به أحد
وأخبرني غير مرة انه
كان لا يغمه بالليل الا سماع صوت الديكة لانذارها بطلوع النهار لما يجده في ليله
من المواهب والاسرار
وكان جل نومه في
النهار وكثيرا ما كان يجتمع بالخضر عليه السلام فيراه بمجرد ما ينام فيذكر الله
معه حتى يستيقظ
وكان لا يفتر عن ذكر
الله لا نوما ولا يقظة
وقال مرة جميع ما في
كتب احياء العلوم للغزالي عملت به قبل ان أطالعه فلما طالعته حمدت الله تعالى على
توفيقه اياى وتوليته تعليمي من غير معلم
وكان كثير التقشف من
الدنيا يأكل خبز الشعير وفي بيته يصنع خاص دقيق البر وكثيرا ما كان يلومه أخوه على
ذلك وكان أخوه الكبير كثير اللوم له على ما يفعله من مجاهداته وتقشفاته
ولما مات والده ترك
ما يخصه من ارثه لهم وكان والده كثير المال والخير وعليق دوابه في كل ليلة اكثر من
نصف غرارة من الشعير
ولما صار عمره ثمان
عشرة سنة رأى في منامه الشيخ محمد الحفناوى فقيل له هذا شيخك فتعلق قلبه به وقصده
بالرحلة حتى قدم مصر واجتمع به وأخذ عنه الطريق الخلوتية وسلك على يديه بعد ان كان
على طريقة القصيرى رضي الله عنه
وقال له في مبدأ أمره
يا سيدي اني أسلك على يديك ولكن لا أقدر على ترك أوراد الشيخ علي القصيرى فأقرأ
اوراده واسلك طريقتك
فأجابه الشيخ الى ذلك
ولم يشدد عليه في ترك أوراد الشيخ القصيرى لما عرفه من صدقه من المذكور فلازمه مدة
طويلة ولقنه اسماء الطريقة السبعة في قطع مقاماتها وكتب له اجازة عظيمة شهد له
فيها بالكمال والترقي في مقامات الرجال وأذن له بالارشاد وتربية المريدين
فكان الشيخ في آخر
أمره اذا أراد أحد ان يأخذ عنه الطريق يرسله الى الشيخ محمود ويقول لغالب جماعته
عليكم بالشيخ محمود فاني لولا اعلم من نفوسكم ما أعلم لامرتكم كلكم بالاخذ عنه
والانقياد اليه
ولما قدم شيخ شيخه
السيد مصطفى البكرى لازمه وأخذ
عنه كثيرا من علم
الحقائق وكان كثير الحب فيه فلما رآه لا يقرأ أوراد الطريقة الخلوتية ويقتصر على
أوراد القصيرى عاتبه في ذلك وقال له أيليق بك ان تسلك على ايدينا وتقرأ أوراد
غيرنا اما ان تقرأ أورادنا واما ان تتركنا
فقال يا سيدي أنتم
جعلكم الله رحمة للعالمين وأنا اخاف من الشيخ القصيرى ان تركت أوراده وشيء لازمته
في صغرى لا أحب ان اتركه في كبرى
فقال له السيد البكرى
استخر الله وانظر ماذا ترى لعل الله يشرح صدرك
قال فاستخرت الله
العظيم ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم والقصيرى عن يمينه والسيد البكرى عن
يساره وانا تجاههم فقال القصيرى للرسول صلى الله عليه و سلم يا رسول الله أليست
طريقتي على طريقتك اليست اورادي مقتبسة من أنوارك فلم يأمر السيد البكرى هذا بترك
أورادى فقال السيد البكرى يا رسول الله رجل سلك على أيدينا وتولينا تربيته أيحسن
منه ان يقرأ أوراد غيرنا ويهجر أورادنا فقال الرسول عليه السلام لهما اعملا فيه
القرعة واستيقظ الشيخ من منامه فأخبر السيد البكرى فقال له السيد معنى القرعة
انشراح صدرك انظره واعمل به قال الشيخ رضي الله عنه ثم بعد ليلة وأكثر رأيت سيدى
أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المنام وهو يقول لي يا محمود خليك مع ولدى السيد
مصطفى ورأى ورد سحر الذى ألفه المذكور مكتوبا بين السماء والارض بالنور المجسم كل
حرف منه مثل الجبل فشرح الله بعد ذلك صدره ولازم أوراد السيد البكرى وأخذ من أوراد
القصيرى ما استطاع
وأخبر رضي الله عنه
انه رأى حضرة الرسول صلى الله عليه و سلم في بعض المرائي وكان جمع الفقراء في ليلة
مباركة وذكر الله تعالى بهم الى الفجر وكان معه شىء قليل من الدنيا فورد على قلبه
وارد زهد ففرق ما كان معه على المذكورين وفي أثناء ذلك صرخ من بين الجاعة صارخ
يقول الله بحال قوى فلما فرغوا قال للشيخ يا سيدى سمعت هاتفا
يقول يا شيخ محمود
ليلتك قبلت عند الله تعالى قال ثم اني بعدما صليت الفجر نمت فرأيت رسول الله صلى
الله عليه و سلم قال لي يا شيخ محمود ليلتك قبلت عند الله تعالى وهات يدك حتى
أجازيك فأخذ صلى الله عليه و سلم بيد الشيخ والسيد البكرى حاضر بالمجلس فأخذ يده
ووضع يده الشريفة بين يديهما وقال أريد ان أخاوى بينك وبين السيد البكرى وأتخاوى
معكما الناجي منا يأخذ بيد أخيه فأستيقظ فرحا بذلك فلم يلبث الا يسيرا ورسول السيد
البكرى يطلبه فتوضأ وذهب الى زيارته وكان من عادته انه يزوره كل يوم ولا يدخل عليه
الا على طهارة فلما رآه قال له ما أبطاك اليوم عن زيارتنا فقال له يا سيدي سهرنا
البارحة الليل كله فنمت فتأخرت عنكم فقال له السيد هل من بشارة أو اشارة فقلت يا
سيدى البشارة عندكم فقال قل ما رأيت قال متعجبت من ذلك وقلت يا سيدي رأيت كذا وكذا
فقال يا ملا محمود منامك حق وهذه مبشرة لنا ولك فانه صلى الله عليه و سلم ناج قطعا
ونحن ببركته ناجون ومناقبه رضي الله عنه كثيرة لا تحصر
وكان كثير المرأى
لرسول الله صلى الله عليه و سلم قل ما تمر به ليلة الا ويراه فيها وكثيرا ما يرى
رب العزة في المنام ورآه مرة يقول له يا محمود اني احبك وأحب من يحبك فكان رضي
الله عنه يقول من أحبني دخل الجنة
وقد أذن لي أن اتكلم
بذلك واما مجاهداته فالديمة المدرار كما قالت عائشة رضي الله عنها في جنابه صلى
الله عليه و سلم كان عمله ديمة وأيكم يستطيع عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم
وبلغ من مجاهداته رضي
الله عنه انه لما ضعف عن القيام في الصلاة لعدم تماسكه بنفسه صنع له خشبة قائمة
يستند عليها ولم يدع صلاة النقل قائما فضلا عن الفرض ولم يدع صلاة الليل والوظائف
التي عليه مرتبة في حال من الاحوال وكان لا ينام من الليل الا قليلا وكان ربما
يمضي عليه الليل وهو يبكي وربما تمر عليه الليلة كلها وهو يردد
آية من كتاب الله
تعالى
وكثيرا ما كان يقتصر
على الخبز والزيت ويؤكل في بيته خواص الاطعمة وكان غالب أكله الرز بالزيت وتارة
بالسمن البقرى وقل ما تراه في خلوته أو مع اصحابه الا وهو مشغول في وظائف اوراد
وقال لي مرة ربما
أكون مع أولادى ألاعبهم وأضاحكهم وقلبي في العالم العلوى في السماء الدنيا أو
الثانية او الثالثة او العرش وكثيرا ما كان تفيض على قلبه معرفة الحق سبحانه
وتعالى فيجعل يبكي ولا يشعر به جليسه
وقلت يوما للعارف
بالله تعالى خليفته سيدى محمد بدير القدسي من كرامات الاستاذ انه لا يسمع شيئا من
العلم الا حفظه ولا يزول من ذهنه ولو بعد حين فقال لي رضي الله عنه بل الذي يعد من
كرامات الشيخ انه لا يسمع شيئا من العلم النافع الا ويعمل به في نفسه ويداوم عليه
فقلت صدقت هذا والله
حاله وكنت مرة أسمعته رياض الرياحين لليافعي فلما أكملته قال لي بمحضر من أصحابه
هل يوجد الآن مثل هؤلاء الرجال المذكورين في هذا الكتاب تكون لهم الكرامات فقال له
بعض الحاضرين الخير موجود يا سيدى في أمة الرسول عليه الصلاة و السلام فقال الشيخ
قد وقع لي في الطريق أبلغ من ذلك واحكي لكم عما وقع لي في ليلتي هذه كنت قاعدا أقرأ
في أورادي فعطشت وكان الزمن مصيفا والوقت حارا وأم الاولاد نائمة فكرهت ان اوقظها
شفقة عليها فما استتم هذا الخاطر حتى رأيت الهواء قد تجسم لي ماء حتى صرت كأني في
غدير من الماء وما زال يعلو حتى وصل الى فمي فشربت ماء لم أشرب مثله ثم انه هبط
حتى لم يبق قطرة ماء ولم يبتل مني شيء
وبردت ليلة في ليالي
الشتاء بردا شديدا وأنا قاعد أقرأ في وردى وقد سقط عني حرامي الذي أتغطى به وكان
اذا سقط عنه غطاؤه لا يستطيع أن يرفعه بيده لضعف يده قال فأردت ان أوقظ أم الاولاد
فأخذتني الشفقة عليها فما تم هذا الخاطر حتى رأيت كانونا عظيما ملآنا من الجمر وضع
بين يدى وبقى
عندي حتى دفىء بدني
وغلب وهج النار علي فقلت في سرى هذه النار حسية أم هي خيال فقربت أصبعي منها
فلذعتني فعلمت أنها كرامة من الله تعالى ثم رفعت
والحاصل ان مناقبه
رضي الله عنه لا تكاد تنحصر وكان لكلامه وقع في النفوس عظيم اذا تكلم كأنما كلماته
خرزات نظمن في جيد حسناء لا ينطق الا بحكمة أو موعظة أو مسائل دينية او حكاية
تتضمن جوابا عن سؤال يسأله بعض الحاضرين بقلبه ولا تكاد تسمع في مجلسه ذكر أحد
بسوء وكان كثير الشفقة والرحمة على خلق الله لا سيما أرباب الذنوب والمعاصي كثير
التواضع كثير الاحسان للفقراء والمساكين لا يمسك من الدنيا شيئا جميع ما يأيتة
ينفقة في طاعة الله
ما امسك بيده درهما
ولا دينار قط آخذا بالورع في جميع أموره ليس له هم الا أمور الآخرة لا يهتم لشأن
الدنيا أقبلت أو أدبرت كفاه الله مؤنة الدنيا عنده خادم يقبض ما يأتي له من الدنيا
ويصرف عليه فلا يزيد ذلك على حاجته ولا ينقص شيئا قال السيد شارح الرسالة خدمته
نحو عشر سنوات ما رأيته ارتكب صغيرة قط وللاستاذ رضي الله عنه رسالة سماها السلوك
لابناء الملوك وهي صورة مكتوب من املائه أرسله الى رجل من أعيان المغرب يقال له
ابن الظريف وكان الشيخ رضي الله عنه ارسل له جوابا عن مكاتبة أرسلها فأرسل مراسلة
أخرى والتمس الجواب ويكون متضمنا بعض النصائح فأملى تلك المراسلة فبلغت نحو ستة
كراريس وصارت كتابا عظيم النفع سارت به الركبان وانتفع به القاصي والداني وكتب
عليه كثير من العلماء وكانت وفاة الاستاذ رضي الله عنه ثالث المحرم من هذه السنة
وتولى غسله الشيخ سليمان الجمل وصلي عليه بالازهر ودفن بالصحراء بجوار شيخه السيد
مصطفى البكرى رضي الله عنهما
ومات الاديب الماهر
واللبيب الشاعر الشيخ علي بن عنتر الرشيدى كان
متضلعا فصيحا مفوها
له موشحات ومقاطيع كثيرة ونظم البحور الستة عشر كلها بالاقتباس منها قوله في
الطويل ... أطلت الجفا فأسمح بوصلك يا رشا ... ولا تبدلن وعد الكئيب بضده ...
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ... ولا تحسبن الله مخلف وعده ...
وقال في المديد ومنه
الاكتفاء ... في مديد الهجر قال اللواحي ... دع هواه فالغرام جنون ... فاعلاتن
فاعلن فاعلاتن ... واصطبر عن حبه قلت كونوا ...
وقال في الرجز ...
كملت محاسن منيتي فهديت في ... روض غدا في وجنتيه نضيرا ... متفاعلن متفاعلن متفاعلن ... وكفى بربك
هاديا ونصيرا ...
وقال في الرجر ...
ارجزفاني في هوى حلو اللما ... مسى الورى أضحيت صبا هائما ... مستفعلن مستفعلن
مستفعلن ... ان قل صبرى قال صبرى وما ...
وقال في الوافر ...
بوافر لوعتي صل يا غزالي ... فكل متيم فان وبالي ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن ...
ويبقى وجه ربك ذو الجلال ...
وقال في البسيط ...
بسطت في شادن حلو اللما غزلى ... وقلت جدلي بوصل منك يا أملي ... مستفعلن فاعلن
مستفعلن فعلن ... فقال لي خلق الانسان من عجل ...
وقال في الرمل ... قد
رملت الوصف فيه قائلا ... مذبدا الهندى من أهدا به ... فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ...
قل هو الرحمن آمنا به
وقال في الخفيف ...
خفف الهجر عن فؤاد كليم ... وامل كاس الوصال لي يانديمي ... فاعلاتن مستفعلن
فاعلاتن ... وتوكل على العزيز الرحيم ...
وله ديوان شعر مشهور
ولم يزل حتى مات بالثغر في ربيع الاول من السنة
ومات الشيخ الصالح
الدين بقية السلف ونتيجة الحلف الشيخ أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد المنعم بن أبي
السرور والبكرى الشافعي شيخ سجادة البكرية بمصر كان صاحب همة ومروءة وديانة وعفاف
ومحبة وانصاف وتولى بعد موته أبيه فسار سيرا وسطا مع صفاء الباطن وكان الغالب عليه
الجذب والصلاح والسلوك على طريق أهل الفلاح مع أوراد وأذكار يشتغل بها توفي يوم
السبت ثاني عشر ربيع الثاني من السنة وصلي عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن
اسلافه قرب مقام الامام الشافعي رضي الله عنه
ومات الامام الفصيح
المعتقد الشهير الذكر الشيخ ابراهيم بن محمد ابن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي
الشافعي مؤقت حرم الله الامين ولد بمكة سنة 1110 وسمع من ابن عقيلة وعمر بن احمد
بن عقيل والشيخ سالم البصري والشيخ عطاء الله المصري وابن الطيب وحضر على الشيخ
أحمد الاشبولي الجامع الصغير وغيره واخذ عن السيد عبد الله ميرغني ومن الواردين من
أطراف البلاد كالشيخ عبد الله الشبراوى والشيخ عمر الدعوجي والشيخ أحمد الجوهرى
واجازه شيخنا السيد عبد الرحمن العيدروس بالذكر على طريقة السادة النقشبندية وألف
بأسمه رسالة سماها البيان والتعليم لمتبع ملة ابراهيم ذكر فيها سنده وأجازه السيد
مصطفى البكرى في الخلوتية وجعله خليفته في فتح مجالس الذكر وفي
ورد سحر ولازم
المرحوم الوالد حسن الجبرتي سنة مجاورته بممكة وهي سنة خمس وخمسين ملازمة كلية
وأخذ عنه علم الفلك والاوفاق والاستخراجات والرسم وغير ذلك ومهر في ذلك واقتنى
كتبا نفيسة في سائر العلوم بددها أولاده من بعده وباعوها بأبخس الاثمان
وكان عنده من جملة
كتبه زيج الراصد الغيبك السمرقندى نسخة شريفة بخط العجم في غاية الجودة والصحة
والاتقان وعليها تقييدات وتحريرات وفوائد شريفة لا يسمح الدهر بمثل تلك النسخة
وكنت كثيرا ما أسمع من المرحوم الوالد ذكرها ومدحتها ونسخة الوالد مكتوب عليها بخط
رستم شاه ما نصه قد اشترينا هذا الكتاب في دار سلطنة هراة بأثنى عشر ألف دينار
وتحت ذلك اسمه وختمه
فلما كان في سنة ست
وتسعين ورد علينا بعض الحجاج الجزائرية وسألني عن كتب يشتريها من جملتها الزيج
المذكور وأرغبني في زيادة الثمن فلم تسمح نفسي بشيء من ذلك ثم سافر الى الحج ورجع
وأتاني ومع خادمه رزمة كبيرة فوضعها بين أيدينا وفتحها وأخرج منها نسخة الزيج
المذكورة وفرجني عليها وقال أيهما أحسن نسختك التي ضننت بها أو هذه
وكنت لم أرها قبل ذلك
فرأيتها شقيقتها وتزيد عنها في الحسن بصغر حجمها وكثرة التقييدات بهامشها وطيارات
كثيرة بداخلها في المسائل المعضلة مثل التسييرات والانتهاءات والنمودارات وغير ذلك
وجميعها بحسن الخط والوضع فرأيتها المخدرة التي كشف عنها القناع وانما هي المعشوقة
بالسماع فقلت له كيف وصلت الى هذه اليتيمة وما مقدار ما دفعته فيها من المهر
والقيمة
فأخبرني انه اشتراها
من ابن الشيخ بعشرين ريالا وكتاب المجسطي وكتاب التبصرة وشرح التذكرة ونسخة البارع
في غاية الجودة وزيج ابن الشاطر وغير ذلك من الكتب التي لا توجد في خزائن الملوك
وكلها بمثل ذلك الثمن البخس
فقضيت أسفا واخذ
الجميع مع ما أخذ وذهب الى بلاده
وهكذا حال
الدنيا ولم يزل
المترجم على حالة حميدة واشتهر أمره في الآفاق وعرف بالصلاح والفضل وأتته الهدايا
والمراسلات من جميع الاطراف والجهات حتى لحق بربه عز و جل سابع عشر ربيع الاول من
السنة
ومات الشيخ الفاضل
الصالح أحمد بن محمد الباقاني الشافعي النابلسي سمع الاولية من محمد بن محمد
الخليلي ورافق الشيخ السفاريني في بعض شيوخه من اهل البلد وأجازه السيد مصطفى
البكرى في الورد والطريقة ورد مصر أيام تولية المرحوم مصطفى باشا طوقان وكان له
مذاكرة حسنة وورع وصلاح وعبادة وانتفع به الطلبة في بلاده ثم عاد الى بلاده فتوفي
في ثالث جمادى الثانية
ومات الاجل المفوه
الشريف الفاضل السيد حسين بن شرف الدين ابن زين العابدين بن علاء الدين بن شرف
الدين بن موسى بن يعقوب ابن شرف الدين بن يوسف بن شرف الدين بن عبد الله بن أحمد
ابي ثور ابن عبد الله بن محمد بن عبد الجبار الثورى المقدسي الحنفي جده الاعلى
أحمد بن عبد الله دخل حين فتح بيت المقدس راكبا على ثور فعرف بأبي ثور وأقطعه
الملك العزيز عثمان بن يوسف بن ايوب ديرمار يقوص وبه دفن وذلك في سنة خمسمائة
وأربعة وتسعين وجده الادنى زين العابدين أمه الشريفة راضية بنت السيد محب الدين
محمد بن كريم الدين عبد الكريم ابن داود بن سليمان بن محمد بن داود بن عبد الحافظ
بن أبي الوفاء محمد بن يوسف بن بدران بن يعقوب بن مطر بن السيد زكي الدين سالم
الحسيني الوفائي البدرى المقدسي ومن هنا جاء لحفيده المترجم الشرف وهي أخت الجد
الرابع للسيد علي المقدسي ويعرف المترجم أيضا بالعسيلي وكأنه من طرف الامهات ولد
ببيت المقدس وبها نشأ وقرأ شيئا من المبادىء ثم ارتحل الى دمشق فحضر دروس الشيخ
اسمعيل العجلوني
ولازمه وأجازه
بمروياته وجود الخط على مستعد زاده فمهر فيه وكتب بخطه اشياء ودخل مصر ونزل في
رواق الشوام بالازهر واقبل على تحصيل العلم والمعارف فحضر دروس مشايخ الوقت
كالشبراوى والحفني والجوهرى ولازم السيد البليدى واستكتب حاشية على البيضاوى وسافر
الى الحرمين وجاور بهما وأخذ عن الشيخ محمد حياة والشيخ ابن الطيب ثم قدم مصر
وتوجه منها لدار ملك الروم وأدرك بها بعض ما يروم وعاشر الاكابر وعرف اللسان وصار
منظورا اليه عند الاعيان ثم قدم مصر مع بعض أمراء الدولة في أثناء سنة 1172 وانضوى
الى الشيخ السيد محمد أبي هادى بن وفا وكان صغير السن فألفه وأحبه وادبه وصار
يذاكره بالعلم واتحد معه حتى صار مشارا اليه في الامور معولا عليه في المهمات
ولما تولى نقابة
السادة الاشراف مضافة الى خلافة الوفائية كان هو كالكتخدا له في أحواله معتمدا
عليه في أفعاله وأقواله وداوم على ذلك برهة من الزمان وهو نافذ الكلمة مسموع
المقال حسن الحركات والاحوال الى أن توفي الشيخ المشار اليه فضاقت مصر عليه فتوجه
الى دار السلطة وقطنها واتخذها دارا وسكنها وأقبل على الافادة ونشر العلوم
بالاعادة
وبلغني انه كتب في
تلك الايام شرحا على بعض متون الفقه في مذهب الامام وصار مرجع الخواص والعوام
مقبولا بالشفاعة عند أرباب الدولة حتى وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله وكان
اودع جملة من كتبه بمصر فأرسل بوقفها برواق الشوام فوضعوها في خزانة لنفع الطلبة
ومات الفقيه العلامة
الصالح المعمر الشيخ عبد الله بن خزام أبو الطوع الفيومي وغيره وقدم الجامع الازهر
فأخذ عن فضلاء عصره وهو احد من يشار اليه في بلده بالفضل وتولى الافتاء فسار بغاية
التحرى وبلغني من تواضعه انه كان يأتي اليه احد العوام فيقول له حاجتي في بلد
كذا فقم معي تقضيها
فيطيعه ويذهب معه
الميلين والثلاثة ويقضيها وقد تكرر ذلك منه وكان له في كل يوم صدقات الخبز على
الفقراء والمساكين يفرقها عليهم بيده ولا يشمئز وكانت له معرفة تامة في علم المذهب
وغيره من الفنون الغريبة كالفلك والهيئة والميقات وعند آلات لذلك
وكان انسانا حسنا
جامعا لادوات الفضائل
توفي يوم الجمعة حادى
عشر ربيع الثاني من السنة ولم يخلف بعده مثله
ومات الفاضل الصالح
الشيخ علي بن محمد الحباك الشافعي الشاذلي تفقه على الشيخ عيسى البراوى وبه تخرج
وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ محمد كشك واليه انتسب ولما توفي جعل شيخا على
المريدين وسار فيهم سيرا مليحا
وكان يصلي اماما
بزاوية بقلعة الجبل وكان شيخا حسن العشرة لطيف المجاورة طارحا للنكات متواضعا وقد
صارت له مريديون وأتباع خاصة غير أتباع شيخه توفي في يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان
من السنة
ومات من الامراء
الامير ابراهيم بك أوده باشه خنقه مراد بك عفا الله عنه والمسلمين
سنة ست وتسعين ومائة
والف فيها في صفر نزل مراد بك وسرح بالاقاليم البحرية وطاف البلاد بالشرقية وطلب
منهم اموالا وفرض عليهم مقادير من المال عظيمة وكلفا وحق طرق معينين وغير ذلك مالا
يوصف ثم نزل الى الغربية وفعل بها كذلك ثم الى المنوفية
وفي منتصف شعبان ورد
اغا بطلب محمد باشا ملك الى الباب ليتولى الصدارة فنزل من القلعة الى قصر العيني
واقام بقية شهر شعبان ونزل في غرة رمضان وسافر الى سكندرية
فكانت مدة ولايته
ثلاثة عشر
شهرا ونصفا
وهاداه الامراء ولم
يحاسبوه على شيء ونزل في غاية الاعزاز والاكرام وكان من افاضل العلماء متضلعا من
سائر الفنون ويحب المذاكرة والمباحثة والمسامرة واخبار التورايخ وحكايات الصالحين
وكلام القوم وكان طاعنا في السن منور الشيبة متواضعا وحضر الباشا الجديد في اواسط
رمضان ونزل اليه الملاقاة وحضر الى مصر في عاشر شوال وطلعوه قصر العيني فبات به
وركب بالموكب في صبحها ومر من جهة الصليبة وطلع الى القلعة وذلك على خلاف العادة
وفيه جاءت الاخبار
على أيدى السفار الواصلين من اسلامبول بانه وقع بها حريق عظيم لم يسمع بمثله
واحترق منها نحو الثلاثة ارباع واحترق خلق كثير في ضمن الحريق وكان أمرا مهولا
وبعد ذلك حصل بها فتنة أيضا ونفوا الوزير عزت محمد باشا وبعض رجال الدولة
وفي ليلة السبت ثامن
عشر القعدة هرب سليم بيك وابراهيم بيك قشطة وتبعهم جماعة كثيرة نحو الثمانين
فخرجوا ليلا على الهجن وجرائد الخيل وذهبوا الى الصعيد وأصبح الخبر شائعا بذلك
فأرتبك ابراهيم بيك ومراد بيك ونادى الاغا والوالي بترك الناس المشي من بعد العشاء
من توفي في هذه السنة
من الاعيان توفي الاستاذ الوجيه العظيم السيد محمد افندى البكرى الصديقي نقيب
السادة الاشراف بالديار المصرية كان وجيها مبجلا محتشما سار في نقابة الاشراف سيرا
حسنا مع الامارة وسلوك الانصاف وعدم الاعتساف ولما توفي ابن عمه الشيخ احمد شيخ
السجادة البكرية تولاها بعده بأجماع الخاص والعام مضافة لنقابة الاشراف فحاز
المنصبين وكمل له الشرفان
ولم يقم في ذلك الا
نحو سنة ونصف
وتوفي يوم السبت عاشر
شعبان فحضر مراد بيك الى منزله وخلع على ولده السيد محمد
افندى ما كان على
والده من مشيخة السجادة البكرية ونقابة الاشراف وجهز وكفن وخرجوا بجنازته من بيتهم
بالازبكية وصلوا عليه بالجامع الازهر في مشهد حافل ودفن بمشهد اجداده بالقرافة
ومات الشريف العفيف
الوفي الصديق محمد بن زين بأحسن جمل الليل الحسيني باعلوى التريمي الاصل نزيل
الحرمين سكن بهما مدة واتصل بخدمة الشيخ القطيب السمد الشيخ باعبود فلوحظ بأنظاره
وكان يحترمه ويعترف بمقامه ويحكي عن بعض مكاشفاته ووارداته وصحب كلا من القطب
السيد عبد الله مدهر وعارفة وقتها الشريفة فاطمة العلوية والشيخ محمد ابن عبد
الكريم السمان والشيخ عبد الله ميرغني وجماعة كثيرين من السادة والواردين على
الحرمين من الافاضل وله محاورة لطيفة ولديه محفوظة ومعرفة بدقائق علم الطب وسليقة
في التصوف
ورد الى مصر سنة 1181
هو عائد من الروم واجتمع بافاضلها وعاشر شيخنا السيد محمد مرتضى وأفاده وأرشده الى
امور مهمة وسافر صحبته لزيارة الشهداء بدمياط ولاقاه أهلها بالاحترام
ثم توجه الى الحرمين
الشريفين واقام هناك واجتمع به الشيخ محمد الجوهرى وآخاه في الصحبة وكان مع ما
أعطى من الفضائل يتجر بالبضائع الهندية ويتعلل بما يتحصل منها وبآخرة سافر الى
الديار الهندية وبها توفي في هذه السنة
ومات العمدة الفاضل
واللوذعي الكامل الرحلة الدراكة بقية السلف الورع الصالح الزاهد الشيخ موسى بن
داود الشيخوني الحنفي امام جامع شيبون وخطيبه وخازن كتبه وكان انسانا حسنا عظيم
النفس منور الشيبة ضخم البدن فقيها مستحضرا المناسبات مهذب النفس لين الجانب تقيا
معتقدا ولما توقف الامير أحمد باشجاويش كتبه التي جمعها وضعها بخزانة كتب الوقف
تحت يد المترجم لاعتقاده فيه الديانة والصيانة رحمهما الله تعالى
سنة سبع وتسعين ومائة
والف فيها تسحب ايضا جماعة من الكشاف والمماليك وذهبوا الى قبلي فشرعوا في تجهيز
تجريدة وعزم مراد بك على السفر وأخذ في تجهيز اللوازم فطلب الاموال فقبضوا على
كثير من مساتير الناس والتجار والمتسببين وحبسوهم وصادروهم في اموالهم وسلبوا ما
بأيديهم
فجمعوا من المال ما
جاوز الحد ولا يدخل تحت العد
وفي منتصف ربيع الآخر
برز مراد بك للسفر وأخرج خيامه الى جهة البساتين وخرج صحبته الامير لاجين بك
وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر وسليمان بك أبو نبوت وكشافهم ومماليكهم
وطوائفهم وسافروا بعد ايام
وفي أواخر جمادى
الثانية وردت الاخبار بان رضوان بيك قرابة علي بك حضر الى مراد بك وانضم اليه فلما
فعل ذلك انكسرت قلوب الآخرين وانخذلوا ورجعوا القهقرى ورجع مراد بك أيضا الى مصر
في منتصف شهر رجب وترك هناك مصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر
وفي يوم الخميس سادس
عشرين رجب اتفق مراد بك وابراهيم بك على نفي جماعة من خشداشينهم وهم ابراهيم بك
الوالي وأيوب بك الصغير وسليمان بك الاغا ورسموا لايوب بك أن يذهب الى المنصورة
فأبى وامتنع من الخروج فذهب اليه حسن كتخدا الجربان كتخدا مراد بك واحتال عليه
فركب وخرج الى غيظ مهمشة ثم سافر الى المنصورة
واما ابراهيم بك
الوالي فركب بطوائفه ومماليكه وعدى الى بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظة ولاجين
بك وحجزوا هجنه وجماله عند المعادى وعدوا خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه
وردوه الى قصر العيني ثم سفروه الى ناحية السرو
ورأس الخليج
واما سليمان بك فانه
كان غائبا بأقليم الغربية والمنوفية يجمع من الفلاحين فردا وأموالا ومظالم فلما
بلغه الخبر رجع الى منوف فحضر اليه المعينون لنفيه وأمروه بالذهاب الى المحلة
الكبرى فركب بجماعته واتباعه فوصل الى مسجد الخضر فاجتمع بأخيه ابراهيم بك الوالي
هناك فأخذه صحبته وذهبا الى جهة البحيرة
وفي يوم الاحد غاية
شهر رجب طلع الامراء الى الديوان وقلدوا خمسة من اغوات الكشاف صناجق وهم عبد
الرحمن خازندار ابراهيم بك سابقا وقاسم أغا كاشف المنوفية سابقا وعرف بالموسقو وهو
من مماليك محمد بك واشراق ابراهيم بك وحسين كاشف وعرف بالشفت بمعنى اليهودى وعثمان
كاشف ومصطفى كاشف السلحدار وهؤلاء الثلاثة من طرف مراد بك
وفي شهر شعبان وردت
الاخبار من ثغر سكندرية بوصول باشا الى الثغر واسمه محمد باشا السلحدار واليا على
مصر فنزل الباشا القديم من القلعة الى القصر بشاطىء النيل
وفي أواخر شعبان وصل
سلحدار الباشا الجديد بخلعة قائمقامية لابراهيم بك
وفيه وصلت الاخبار
بأن سليمان بك وابراهيم بك رجعوا من ناحية البحيرة الى طندتا وجلسوا هناك وأرسلوا
جوابات الى الامراء بمصر بذلك وانهم يطلبون أن يعينوا لهم ما يتعيشون به
وفيه أرسلوا خلعة الى
عثمان بك الشرقاوى بان يستقر حاكما بجرجا زطلبوا مصطفى بك وسليمان بك أبا نبوت
وعثمان بك الاشقر للحضور الى مصر فحضروا واستقر عثمان بك الشرقاوى بجرجا
وفي غرة رمضان هرب
سليمان بك الاغا وابراهيم بك الوالي من طندتا وعدوا الى شرقية بلبيس ومروا من خلف
الجبل وذهبوا الى جهة الصعيد
رجع علي كتخدا ويحيى
كتخدا وسليمان بك الى مصر بالحملة والجمال وبعض مماليك وأجناد
وفي أواخر رمضان هرب
أيضا أيوب بك من المنصورة وذهب الى الصعيد أيضا وتواترت الأخبار بأنهم اجتمعوا مع
بعضهم واتفقوا على العصيان فأرسلوا لهم محمد كتخدا أباظة واحمد اغا جمليان وطلبوهم
الى الصلح ويعينون لهم أماكن يقيمون بها ويرسلون لهم احتياجاتهم فأتوا ذلك فطلبوا
عثمان بك الشرقاوى ومصطفى بك للحضور فامتنعا أيضا وقالا لا نحضر ولا نصلح الا ان
رجع اخواننا رجعنا معهم ويردون لهم امرياتهم وبلادهم وبيوتهم ويعطلوا من صنجوقه
وامروه عوضهم
فلما حضر الجواب بذلك
شرعوا في تجهيز تجريدة وأخذوا يفتشون أماكن الامراء المذكورين فأخذوا ما وجدوه
بمنزل مصطفى بك واتهموا أناسا بأمانات وودائع لمصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى منهم
الدالي ابراهيم وغيره فجمعوا بهذه النكتة أموالا كثيرة حقا وباطلا
وفي يوم الخميس عشرين
شهر شوال كان خروج المحمل والحجاج وأمير الحاج مصطفى بك الكبير ولما انقضى أمر
الحج برزوا للتجريدة وأميرها ابراهيم بك الكبير وجمعوا المراكب وحجزوها من أربابها
وعطلوا أسباب التجار والمسافرين وجمعوا الاموال كما تقدم من المصادرات والملتزمين
والفلاحين وغير ذلك وكان أمرا مهولا أيضا وبعد أيام وصل الخبر بان ابراهيم بك
ضمنهم للصلح واصطلح معهم وانه واصل صحبتهم جميعا
وفي سادس عشر ذى
القعدة حضر ابراهيم بك ووصل بعده الجماعة ودخلوا الى مصر وسكنوا في بيوت صغار ما
عدا عثمان بك ومصطفى بك فانهم نزلوا في بيوتهم وحضر صحبتهم أيضا علي بك وحسين بك
الاسماعيلية فلم يعجب مراد بك ما فعله ابراهيم بك ولكن اسره في نفسه ولم يظهره
وركب للسلام على
ابراهيم بك فقط في الخلاء ولم يذهب الى أحد من القادمين وسكن الحال على ذلك أياما
وشرع ابراهيم بك في اجراء الصلح وصفاء الخاطر بينهم وبين مراد بك وأمرهم بالذهاب
اليه فذهبوا اليه وسلموا عليه ثم ركب هو الآخر اليهم ما عدا الثلاثة المعزولين وكل
ذلك وهو ينقل في متاع بيته وتعزيل ما فيه ثم إنه ركب في يوم الجمعة وعدى الى جزيرة
الذهب وتبعه كشافه وطوائفه وأرسل الى بولاق واخذ منها الارز والغلة والشعير
والبقسماط وغير ذلك فأرسل له ابراهيم بك لاجين بك وسليمان بك أبا نبوت ليردوه عن
ذلك فنهرهم وطردهم فرجعوا ثم انه عدى الى ناحية الشرق وذهب الى قبلي وتبعه اغراضه
وأتباعه وحملته من البر والبحر
وفي هذه السنة قصر مد
النيل وانهبط قبل الصليبة بسرعة فشرقت الاراضي القبلية والبحرية وعزت الغلال بسبب
ذلك وبسبب نهب الامراء وانقطاع الوارد من الجهة القبلية وشطح سعر القمح الى عشرة
ريالات الاردب واشتد جوع الفقراء
ووصل مراد بك الى بني
سويف وأقام هناك وقطع الطريق على المسافرين ونهبوا كل ما مر بهم في المراكب
الصاعدة والهابطة
من مات في هذه السنة
من الاعيان توفي الفقيه النبيه العمدة الفاضل حاوى أنواع الفضائل الشيخ أحمد ابن
الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد السجاعي الشافعي الازهري ولد بمصر ونشأ بها
وقرأ على والده وعلى كثير من مشايخ الوقت وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعد موته في
مواضعه وصار من اعيان العلماء وشارك في كل علم وتميز بالعلوم الغربية ولازم الوالد
وأخذ عنه علم الحكمة والهداية وشرحها للقاضي زاده قراءة بحث وتحقيق
والجغميني ولقط
الجواهر والمجيب والمقنطر وشرح اشكال التأسيس وغير ذلك وله في تلك الفنون تعاليق
ورسائل مفيدة وله براعة في التأليف ومعرفة باللغة وحافظة في الفقه
ومن تأليفه شرح على
دلائل الخيرات كالحاشية مفيد وشرح على اسماء الله الحسنى قرظ عليه الشيخ عبد الله
الادكاوى رحمه الله تعالى هذا وكان ممن منحه الله أسرارها وأظهر أنوارها فأوضح من
معانيها ما خفي ومنح طلابها كنزا يتنافس في مثله انبل الفضلاء وافضل النبلاء احمد
الاسم محمود الصفات على الفعل حسن القول والذات نجل العلم العلامة العمدة الفهامة
كعبة الافضال وقبلة الاجلال من تقصر عن تعداد محاسنه ولو طولت باعي مولانا الشيخ
احمد السجاعي حفظ الله عليه نجله الرشيد واراه منه ما يسر القريب والبعيد وحين
لمحت عيني ما كتب مما حقه ان يرقم بدل الحبر بالذهب عوذته بالله من عين كل حسود
وعملت انه ان شاء الله تعالى سيسود وتطأ اخمصه اعناق الاسود
وسمع المترجم معنا
كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى من الامالي وعدة مجالس من البخارى وجزء بن شاهد
الجيش والعوالي المروية عن احمد عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر المسماة
بسلسلة الذهب وغير ذلك
ومن فوائد المترجم
انه رأى في المنام قائلا يقول له من قال كل يوم يا الله يا جبار يا قهار يا شديد
البطش ثلثمائة وستين مرة أمن من الطاعون
توفي ليلة الاثنين
سادس عشر صفر من السنة بعد ان تعلل بالاستسقاء وصلي عليه بالغد بالجامع الازهر
ودفن عند أبيه بالبستان رحمه الله تعالى
ومات الشيخ الصالح
الناسك الصوفي الزاهد سيدي احمد بن علي ابن جميل الجعفرى الجزولي السوسي من ولد
جعفر الطيار ولد بالسوس واشتغل بالعلم قليلا على علماء بلاده ثم ورد الى مصر في
1182 فحج ورجع وقرأ معنا على الشيخ الوالد كثيرا من الرياضيات مع مشاركة
سيدى محمد وسيدى أبي
بكر ولدى الشيخ التاودى بن سودة حين وردا مع ابيهما في تلك السنة للحج والشيخ سالم
القيرواني ثم غلب عليه الجذب فساح وذهب الى الروم مجاهدا وأصيب بجراحات في بدنه
وعولج حتى برأ وتعلم اللغة التركية وعرضت عليه الدنيا فلم يقبلها والغالب عليه
اخفاء الحال
وورد الى مصر في سنة
احدى وتسعين وتزوج بمصر وأقام بها مع كمال العفة والديانة وسلامة الباطن والانجماع
عن الناس مع صفاء الخاطر والذوق المتين والميل الى كتب الشيخ الاكبر والشعراني
وزيارة القرافتين في كل جمعة على قدميه
أحببت لقاء الله
تعالى توفي في ثالث ربيع الاول من السنة ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى
ومات العمدة العلامة
والحبر الفهامة قدوة المتصدرين ونخبة المفهمين النبيه المتفنن الشيخ محمد بن
ابراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني الشافعي الازهري الشهير بأبي الارشاد ولد سنة
1154 وحفظ القرآن وتفقه على الشيخ المدابغي والبراوى والشيخ عبدالله السجيني وحضر
دروس الشيخ الصعيدي وغيره وأجاز أشياخ العصر وافتى ودرس وتولى مشيخة رواق الشراقوة
بالازهر بعد وفاة خاله الشيخ عبدالرؤوف واشتهر ذكره وانتظم في عداد المشايخ المشار
اليهم بالازهر وفي الجمعيات والمجالس عند الامراء ونظار الازهر وفي الاخبار وله
مؤلفات في الفنون وكتب حاشية على الخطيب على أبي شجاع الا أنها لم تكمل ورسائل في
مستصعبات المسائل بالمنهج وصنف رسالة تتعلق بنداء المؤمنين بعضهم بعضا في الجنة
توفي في أواخر القعدة
ومات الامام الهمام
العلامة المقدام المتقن المتفنن المفيد الشيخ يوسف الشهير برزة الشافعي الازهرى
أحد العلماء المحصلين والاجلاء المفيدين تفقه على الشيخ العلامة الشيخ أحمد رزة
واليه انتسب وبه اشتهر وحضر على كل من الشيخ الحفناوى والشيخ أحمد البجرمي والشيخ
عيسى
البراوى ودرس الفقه
والمعقول بالازهر وأفاد وأفتى وصار في عداد المتصدرين المشار اليهم مع الانجماع
والحشمة والكمال والرئاسة وحسن الحال ولم يتداخل كغيره في الامور المخلة
ولم يزل مقبلا على
شأنه حتى توفي في عاشر جمادى الاولى من السنة
ومات الشيخ الصالح
الورع علي بن عبد الله مولى الامير بشير جلبه مولاه من بلاد الروم وحبب اليه
السلوك فلازم الشيخ الحفني ملازمة كلية وأخذ عنه الطريق وحضر دروسه وسمع الصحيح
على السيد مرتضى بتمامة في منزله بدرب الميضاة بالصليبة وكذلك مسلم وأبو داود وغير
ذلك من الاجزاء الحديثة ومسلسلات بن عقيلة بشروطها وغالبها بقراءة السيد حسين
الشيخوني
وكان انسانا حلو
المعاشرة كثير التودد لطيف الصحبة مكرما محسنا خيرا له بر وصدقات خفية توفي في يوم
الاحد تاسع عشرين رجب بعد ان تعلل بالفتق عن كبر وصلي عليه بسبيل المؤمنين ودفن
بالقرب من شيخنا محمود الكردى بالصحراء
وكان منور الوجه
والشيبة وعليه جلالة ووقار وهيبة يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى رحمه الله تعالى
ومات الشيخ الصالح
عيسى بن أحمد القهاوى الوقاد بالمشهد الحسيني وخادم النعال بالموضع المذكور كان
رجلا مسنا سخيا بما يملك مطعاما للواردين من الغرباء المنقطعين وأدرك جماعة من
الصالحين وكان يحكي لنا عليهم امورا غريبة وله مع الله حال وفي فهم كلام القوم
وذوق حسن وللناس فيه اعتقاد عظيم
وفي أخرة أعجزة الهرم
والقعود فتوجه الى طندتا في آخر ربيع الثاني ومكث هناك برحاب سيدي احمد البدوى الى
أن توفي يوم الاربعاء ثاني عشر جمادى الثانية ودفن عند مقام الولي الصالح سيدي عز
الدين خارج البلد في موضع كان أعده السيد محمد مجاهد لنفسه فلم يتفق دفنه فيه
ومات العلامة الفاضل
المحدث الصوفي الشيخ أحمد بن أحمد بن احمد ابن جمعة البجيرمي الشافعي قرأ على أبيه
وحضر درس العشماوى والعزيزى والجوهرى والشيخ أحمد سابق والحفني وآخرون ودرس واكب
على اقراء الحديث وألف في الفن وانتفع به الناس وكان يسكن في خانقاه سعيد السعداء
مع سكون الاخلاق والانجماع عن الناس وملازمة محله ولا زال يفيد ويسمع حتى وافاه
الحمام في يوم الجمعة ثاني رمضان وكانت جنازته خفيفة لاشتغال الناس بالصيام وكان
يخبر عن والده ان جنازته كانت خفيفة رحمه الله
ومات الفاضل المبجل
سيدى عيسى جلبي بن محمود بن عثمان ابن مرتضى القفطانجي الحنفي المصرى ولد بمصر
ونشأ صالحا في عفاف وصلاح وديانة وملازمة لحضور دروس الاشياخ وتفقه على فضلاء وقته
مثل الشيخ الوالد والشيخ حسن المقدسي وأخذ العربية والكلام عن الشيخ محمد الامير
والشيخ أحمد البيلي وغيرهما واقتنى كتبا نفيسة وكان منزله موردا للفضلاء وكان يعزم
عليهم ويعمل لهم الضيافات في كل عام ببستان خارج مصر يعرف ببستان القفطانجي ورثه
عن آبائه وكان نعم الرجل مودة وصيانة رحمه الله تعالى وسامحه
سنة ثمان وتسعين
ومائة والف فيها في المحرم سافر مراد بك الى منية بن خصيب مغضبا وجلس هناك
وفيه حضر الى مصر
محمد باشا والي مصر فأنزلوه بقصر عبد الرحمن كتخدا بشاطىء النيل فأقام به يومين ثم
عملوا له موكبا وطلع الى القلعة من تحت الربع على الدرب الأحمر
وفي منتصفه اتفق رأى
ابراهيم بك والامراء الذين معه على ارسال محمد افندى البكرى والشيخ أبي الانوار
شيخ السادات والشيخ أحمد
العروسي شيخ الازهر
الى مراد بك ليأخذوا خاطره ويطلبوه للصلح مع خشداشينه ويرجع اليهم ويقبلوا شروطه
ما عدا اخراج احد من خشداشينهم
فلما سافروا اليه
وواجهوه وكلموه في الصلح تعلل باعذار واخبر انه لم يخرج من مصر الا هروبا خوفا على
نفسه فانه تحقق عنده توافقهم على غدره فان ضمنتهم وحلفتم لي بالايمان انه لا يحصل
لي منهم ضرر وافقتكم على الصلح والا فدعوني بعيدا عنهم
فقالوا له لسنا نطلع
على القلوب حتى نحلف ونضمن ولكن الذى نظنه ونعتقده عدم وقوع ذلك بينكم لانكم اخوة
ومقصودنا الراحة فيكم وبراحتكم ترتاح الناس وتأمن السبل فأظهر الامتثال ووعد
بالحضور بعد ايام وقال لهم اذا وصلتم الى بني سويف ترسلون لي عثمان بك الشرقاوى
وأيوب بك الدفتردار لاشترط عليهم شروطي فان قبلوها توجهت معهم والا عرفت خلاصي
معهم
وانفصلوا عنه على ذلك
وودعوه وسافروا وحضروا الى مصر في ليلة الجمعة ثالث عشرين شهر صفر
وفي ذلك اليوم وصل
الحجاج الى مصر ودخل أمير الحج مصطفى بك بالمحمل في يوم الاحد
وفي يوم السبت مستهل
ربيع الاول خرج الامراء الى ناحية معادي الخبير وحضر مراد بك الى بر الجيزة وصحبته
جمع كبير من الغز والاجناد والعربان والغوغاء من أهل الصعيد والهوارة ونصبوا
خيامهم ووطاقهم قبالتهم في البر الآخر فأرسل اليه ابراهيم بك عبد الرحمن بك عثمان
وسليمان بك الشابورى وآخرين في مركب فلما عدوا اليه لم يأذن لهم في مقابلته وطردهم
ونزل ايضا كتخدا الباشا وصحبته اسمعيل افندى الخلوتي في مراكب أخرى ليتوجهوا اليه
ايضا لجريان الصلح فلما توسطوا البحر ووافق رجوع الاولين ضربوا عليهم بالمدافع
فكادت تغرق بهم السفن ورجعوا وهم لا يصدقون بالنجاة
فلما رأى ذلك ابراهيم
بك ونظر امتناعه
عن الصلح وضربه
بالمدافع امر هو الآخر بضرب المدافع عليهم نظير فعالهم
وكثر الرمي بينهم من
الجهتين على بعضهم البعض وامتنع كل من الفريقين عن التعدية الى الجهة الاخرى
وحجزوا المعادى من الطرفين
واستمر الحال بينهم على
ذلك من أول الشهر الى عشرين منه واشتد الكرب والضنك على الناس وأهل البلاد وانقطعت
الطرق القبلية والبحرية برا وبحرا وكثر تعدى المفسدين وغلت الاسعار وشح وجود
الغلال وزادت أسعارها
وفي تلك المدة كثر
عبث المفسدين وأفحش جماعة مراد بك في النهب والسلب في بر الجيزة وأكلوا الزروعات
ولم يتركوا على وجه الارض عودا اخضر وعين لقبض الاموال من الجهات وغرامات الفلاحبن
وظن الناس حصول الظفر لمراد بك واشتد خوف الامراء بمصر منه
وتحدث الناس بعزم
ابراهيم بك على الهروب فلما كان ليلة الخميس المذكور أرسل ابراهيم بك المذكور خمسة
من الصناجق وهم سليمان بك الاغا وسليمان ابو نبوت وعثمان بك الاشقر وابراهيم بك
الوالى وايوب بك فعدوا الى البر الآخر بالقرب من أنبابه ليلا وساروا مشاة فصادفوا
طابورا فضربوا عليهم بالبندق فانهزموا منهم وملكوا مكانهم وذلك بالقرب من بولاق
التكرور كل ذلك والرمى بالمدافع متصل من عرضى ابراهيم بك ثم عدى خلفهم جماعة اخرى
ومعهم مدفعان وتقدموا قليلا من عرضى مراد بك وضربوا على العرضى بالمدفعين فلم
يجبهم احدا فباتوا على ذلك وهم على غاية من الحذر والخوف
وتتابع بهم طوائفهم
وخيولهم فلما ظهر نور النهار نظروا فوجدوا العرضى خاليا وليس بة احد وارتحل مراد
بك ليلا وترك بعض اثقالة ومدافعة فذهبوا الى العرضى وأخذوا ما وجدوه وجلسوا مكانة
ونهب اوباشة المراكب التى كانت محجوزة للناس
وعدى ابراهيم بك
وتتابعوا فى التعدية وركبوا خلفهم الى الشيمى فلم يجدوا احدا فأقاموا هناك السبت
والاثنين والثلاثاء ورجع ابراهيم بك
وبقية الامراء الى
مصر ودخلوا بيوتهم
وانقضت هذة الفتنة
الكذابة على غير طائل ولم يقع بينهم مصاف ولا مقاتلة وهرب مراد بك وذهب بمن معة
يهلكون الزرع حصادا ويسعون فى الارض فسادا
وفي أواخر شهر جمادى
الاولى اتفق رأى ابراهيم بك على طلب الصلح مع مراد بك فسافر لذلك لاجين بك وعلي
أغا كتخدا جاووجان وسبب ذلك ان عثمان بك الشرقاوى وأيوب بك ومصطفى بك وسليمان بك
وابراهيم بك الوالي تحزبوا مع بعضهم واخذوا ينقضون على ابراهيم بك الكبير واستخفوا
بشأنه وقعدوا له كل مرصد وتخيل منهم وتحزر وجرت مشاجرة بين أيوب بك أغا كتخدا
جاوجان بحضرة ابراهيم بك وسبه وشتمه وأمسك عمامته وحل قولانه وقال له ليس هذا
المنصب مخلدا عليك فاغتاظ ابراهيم بك لذلك وكتمه في نفسه وعز عليه علي أغا لانه
كان بينه وبينه محبة أكيدة ولا يقدر على فراقه فشرع في اجراء الصلح بينه وبين مراد
بك فاجتمع اليه الامراء وتكلموا معه فقال نصطلح مع أخينا أولى من التشاحن ونزيل
الغل بيننا لاجل راحتنا وراحة الناس ويكون كواحد منا وان حصل منه خلل أكون انا
وأنتم عليه
وتحالفوا على ذلك
وسافر لاجين بك وعلي أغا وبعد أيام حضر حسن كتخدا الجريان كتخدا مراد بك الى مصر
واجتمع بابراهيم بك ورجع ثانيا وارسل ابراهيم بك صحبته ولده مرزوق بك طفلا ومعه
الدادة والمرضعة فلما وصلوا الى مراد بك أجاب بالصلح وقدم لمرزوق بك هدية وتقادم
ومن جملتها بقرة ولابنتها رأسان
وفي عاشر رجب حضر
مرزوق بك وصحبته حسن كتخدا الجريان فأوصله الى أبيه ورجع ثانيا الى مراد بك وشاع
الخبر بقدوم مراد بك وعمل مصطفى بك وليمة وعزم من بصحبته واحضر لهم آلات الطرب
واستمروا على ذلك الى آخر النهار
وفي ثاني يوم اجتمعوا
عند ابراهيم بك وقالوا له كيف يكون قدوم مراد بك ولعله لا يستقيم حاله معنا فقال
لهم حتى يأتي فان استقام معنا فيها والا اكون انا وأنتم عليه
فتحالفوا وتعاهدوا
واكدوا المواثيق
فلما كان يوم الجمعة
وصل مراد بك الى غمازة فركب ابراهيم بك على حين غفلة وقت القائلة في جماعته
وطائفته وخرج الى ناحية البساتين ورجع من الليل وطلع الى القلعة وملك الابواب
ومدرسة السلطان حسن والرميلة والصليبة والتبانة وأرسل الى الأمراء الخمسة يأمرهم
بالخروج من مصر وعين لهم اماكن يذهبون اليها فمنهم من يذهب الى دمياط ومنهم من
يذهب الى المنصورة وفارسكور فامتنعوا من الخروج واتفقوا على الكرنكة والخلاف ثم لم
يجدوا لهم خلاصا بسبب ان ابراهيم بك ملك القلعة وجهاتها ومراد بك واصل يوم تاريخه
وصحبته السواد الاعظم من العساكر والعربان ثم انهم ركبوا وخرجوا بجمعيتهم الى
ناحية القليوبية ووصل مراد بك لزيارة الامام الشافعي فعندما بلغه خبر خروجهم ذهب
من فوره من خلف القلعة ونزل على الصحراء واسرع في السير حتى وصل الى قناطر ابي
المنجا ونزل هناك وارسل خلفهم جماعة فلحقوهم عند شبرا شهاب وادركهم مراد بك
والتطموا معهم فتقنطر مراد بك بفرسه فلحقوه واركبوه غيره فعند ذلك ولى راجعا
وانجرح بينهم جماعة قلائل واصيب سليمان بك برصاصة نفذت من كتفه ولم يمت ورجع مراد
بك ومن معه الى مصر على غير طائل وذهب الامراء الخمسة المذكورون وعدوا على وردان
وكان بصحبتهم رجل من كبار العرب يقال له طرهونة يدلهم على الطريق الموصلة الى جهة
قبلي فسار بهم في طريق مقفرة ليس بها ماء ولا حشيش يوما وليلة حتى كادوا يهلكون من
العطش وتأخر عنهم اناس من طوائفهم وانقطعوا عنهم شيئا فشيئا الى ان وصلوا الى
ناحية سقارة فرأوا أنفسهم بالقرب من الاهرام فضاق خناقهم وظنوا الوقوع
فأحضروا الهجن
وارادوا الركوب عليها والهروب ويتركوا اثقالهم فقامت عليهم طوائفهم وقالوا لهم كيف
تذهبون وتتركونا مشتتين
وصار كل من قدر على
خطف شيء أخذه وهرب فسكنوا عن الركوب وانتقلوا من مكانهم الى مكان آخر
وفي وقت الكبكبة ركب
مملوك من مماليكهم وحضر الى مراد بك وكان بالروضة فاعلمه الخبر فأرسل جماعة الى
الموضع الذى ذكره له فلم يجدوا أحدا فرجعوا واغتم اهل مصر لذهابهم الى جهة قبلي
لما يترتب على ذلك من التعب وقطع الجالب مع وجود القحط والغلاء
وبات الناس في غم
شديد
فلما طلع نهار يوم
الاربعاء حادى عشرين رجب شاع الخبر بالقبض عليهم وكان من أمرهم انهم لما وصلوا الى
ناحية الاهرام ووجدوا أنفسهم مقابلين البلد أحضروا الدليل وقالوا له انظر لنا
طريقا تسلك منه فركب لينظر في الطريق وذهب الى مراد بك وأخبره بمكانهم فأرسل لهم
جماعة فلما نظروهم مقبلين عليهم ركبوا الهجن وتركوا اثقالهم وولوا هاربين وكانوا
كمنوا لهم كمينا فخرج عليهم ذلك الكمين ومسكوا بزمامهم من غير رفع سلاح ولا قتال
وحضروا بهم الى مراد بك بجزيرة الذهب فباتوا عنده ولما أصبح النهار أحضر لهم مراد
بك مراكب وأنزل كل امير في مركب وصحبته خمسة مماليك وبعض خدام وسافروا الى جهة
بحرى فذهبوا بعثمان بك وأيوب بك الى المنصورة ومصطفى بك الى فارسكور وابراهيم بك
الوالي الى طندتا واما سليمان بك فاستمر ببولاق التكرور حتى برأ جرحه
وفي منتصف شهر رمضان
اتفق الامراء المنفيون على الرهوب الى قبلي فأرسلوا الى ابراهيم بك الوالي ليأتي
اليهم من طندتا وكذلك الى مصطفى بك من فارسكور وتواعدوا على يوم معلوم بينهم فحضر
ابراهيم بك الى عثمان بك وايوب بك خفية في المنصورة وأما مصطفى بك فإنه نزل في
المراكب وعدى الى البر الشرقي بعد الغروب وركب
وسافر فركب خلفه رجل
يسمى طه شيخ فارسكور وكان بينه وبين مصطفى بك خرازة وأخذ صحبته رجلا يسمى الاشقر
في نحو ثلثمائة فارس وعدوا خلفه فلحقوه آخر الليل والطريق ضيقة بين البحر والارز
المزروع فلم يمكنهم الهروب ولا القتال
فأراد الصنجق ان يذهب
بمفرده فدخل في الارز بفرسه فانغرز في الطين فقبضوا عليه هو وجماعته فعروهم وأخذوا
ما كان معهم وساقوهم مشاة الى البحر وانزلوهم المراكب وردوهم الى مكانهم محتفظين
عليهم
وارسلوا الخبر الى
مصر بذلك
واما الجماعة الذين
في المنصورة فانهم انتظروا مصطفى بك في الميعاد فلم يأتهم ووصلهم الخبر بما وقع له
فركب عثمان بك وابراهيم بك وساروا وتخلف ايوب بك المنصورة فلما قربوا من مصر
سبقتهم الرسل الى سليمان بك فركب من الجيزة وذهب اليهما وذهبوا الى قبلي وارسل
مراد بك محمد كاشف الالفي وايوب كاشف فأخذا مصطفى بك من فارسكور وتوجها به الى ثغر
سكندرية وسجنوه بالبرج الكبير
وعرف من اجل ذلك
بالاسكندراني
واحضروا ايوب بك الى
مصر واسكنوه في بيت صغير وبعد ايام ردوه الى بيته الكبير وردوا له الصنجقية ايضا
في منتصف شوال
وفي يوم الاثنين سادس
شهر شوال الموافق التاسع عشر مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا يوم
الثلاثاء في عربة وكسر السد على العادة
وفي يوم الاثنين حادى
عشرين شوال كان خروج المحمل صحبة امير الحاج مصطفى بك الكبير في موكب حقير جدا
بالنسبة للمواكب المتقدمة ثم ذهب الى البركة في يوم الخميس وقد كان تأخر له مبلغ
من مال الصرة وخلافها فطلب ذلك من ابراهيم بك فأحاله على مراد بك من الميرى الذى
طرفه وطرف اتباعه واحال عليه امير الحاج وركب من البركة راجعا الى مصر وتركه واياه
فلم يسع مراد بك الا الدفع وتشهيل الحج وعاد الى مصر
وخرج الى قصره
بالروضة وارسل الى الجماعة الذين بالوجه القبلي فلما علم ابراهيم بك بذلك ارسل
اليه يستعطفه وترددت بينهما الرسل من العصر الى بعد العشاء ونظر ابراهيم بك فلم
يجد عنده احدا من خشداشينه
واجتمه واكلهم على
مراد بك فضاق صدره وركب الى الرميلة فوقف بها ساعة حتى أرسل الحملة صحبة عثمان بك
الأشقر وعلي بك أباظة وصبر حتى ساروا وتقدموا عليه مسافة ثم سار نحو الجبل وذهب
الى قبلي وصحبته علي اغا كتخدا الجاويشية وعلي أغا مستحفظان والمحتسب وصناجقه
الاربعة فلما بلغ مراد بك ركوبه وذهابه ركب خلفهم حصة من الليل ثم رجع الى مصر
واصبح منفردا بها وقلد قائد اغا اغات مستحفظان وصالح اغا الوالي القديم وجعله
كتخدا الجاويشية وحسن اغا كتخدا ومصطفى بك محتسب وأرسل الى محمد كاشف الالفي ليحضر
مصطفى بك من محبسه بثغر اسكندرية ونادى بالامان في البلد وزيادة وزن الخبز وأمر
باخراج الغلال المخزونة لتباع على الناس
وفي ليلة الثلاثاء
خامس القعدة حضر مصطفى بك ونزل في بيته اميرا وصنجقا على عادته كما كان
وفيه قلد مراد بك
مملوكه محمد كاشف الألفي صنجقا مصطفى كاشف وصنجقا الاخميمي صنجقا أيضا
وفي يوم الاحد سابع
عشر القعدة حضر عثمان بك الشرقاوى وسليمان بك الاغا وابراهيم بك الوالي وسليمان بك
أبو نبوت وكان مراد بك أرسل يستدعيهم كما تقدم
فلما حضروا الى مصر
سكنوا بيوتهم كما كانوا على امارتهم
وفي اواخره وصل واحد
أغا من الدولة وبيده مقرر للباشا على السنة الجديدة فطلب الباشا الامراء لقراءاته
عليهم فلم يطلع منهم أحد واهمل ذلك مراد بك ولم يلتفت اليه
وفي يوم الجمعة رابع
عشر الحجة رسم مراد بك بنفي رضوان بك قرابة علي بك الكبير الذى كان خامر على
اسمعيل بك وحسن بك الجداوى وحضر مصر صحبة مراد بك كما تقدم وانضم اليه وصار من
خاصته فلما خرج ابراهيم بك من مصر اشيع انه يريد صلحه مع اسمعيل بك وحسن بك بك
فصار رضوان بك كالجملة المعترضة فرسم مراد بك بنفيه فسافر من ليلته الى الاسكندرية
وفي يوم السبت خامس
عشرة أرسل مراد بك الى الباشا وأمره بالنزول فأنزلوه الى قصر العيني معزولا وتولى
مراد بك قائم مقام وعلق الستور على بابه فكانت ولاية هذا الباشا احد عشر شهرا سوى
الخمسة أشهر التي أقامها بثغر سكندرية وكانت أيامه كلها شدائد ومحنا وغلاء
وفي أواخر شهر الحجة
شرع مراد بك في اجراء الصلح بينه وبين ابراهيم بك فأرسل له سليمان بك الاغا والشيخ
أحمد الدردير ومرزوق بك ولده فتهيأوا وسافروا في يوم السبت ثامن عشرينه
وانقضت هذه السنة
كالتي قبلها في الشدة والغلاء وقصور النيل والفتن المستمرة وتواتر المصادرات
والمظالم من الامراء وانتشار أتباعهم في النواحي لجبي الاموال من القرى والبلدان
واحداث أنواع المظالم ويسمونها مال الجهات ودفع المظالم والفردة حتى أهلكوا
الفلاحين وضاق ذرعهم واشتد كربهم وطفشوا من بلادهم فحولوا الطلب على الملتزمين
وبعثوا لهم المعينين في بيوتهم فاحتاج مساتير الناس لبيع أمتعتهم ودورهم ومواشيهم
بسبب ذلك مع ما هم فيه من المصادرات الخارجة عن ذلك وتتبع من يشم فيه رائحة الغنى
فيؤخذ ويحبس ويكلف بطلب اضعاف ما يقدر عليه وتوالى طلب السلف من تجار البن والبهار
عن المكوسات المستقيلة
ولما تحقق التجار عدم
الرد استعوضوا خساراتهم من زيادة الاسعار ثم مدوا أيديهم الى المواريث فاذا مات
الميت أحاطوا بموجوده
سواء كان له وارث
أولا
وصار بيت المال من
جملة المناصب التي يتولاها شرار الناس بجملة من المال يقوم بدفعه في كل شهر ولا
يعارض فيما يفعل في الجزئيات وأما الكليات فيختص بها الامير
فحل بالناس مالا يوصف
من أنواع البلاء الا من تداركه الله برحمته او اختلس شيئا من حقه فان اشتهروا عليه
عوقب على استخراجه
وفسدت النيات وتغيرت
القلوب ونفرت الطباع وكثر الحسد والحقد في الناس لبعضهم البعض فيتتبع الشخص عورات
اخيه ويدلي به الى الظلم حتى خرب الاقليم وانقطعت الطرق وعربدت أولاد الحرام وفقد
الامن ومنعت السبل الا بالخفارة وركوب الغرر وجلت الفلاحون من بلادهم من الشراقي
والظلم وانتشروا في المدينة بنسائهم وأولادهم يصيحون من الجوع ويأكلون ما يتساقط
في الطرقات من قشور البطيخ وغيره فلا يجد الزبال شيئا يكنسه من ذلك واشتد بهم
الحال حتى أكلوا الميتات من الخيل والحمير والجمال فاذا خرج حمار ميت تزاحموا عليه
وقطعوه وأخذوه ومنهم من يأكله نيئا من شدة الجوع ومات الكثير من الفقراء بالجوع
هذا والغلاء مستمر
والاسعار في الشدة وعز الدرهم والدينار من أيدى الناس وقل التعامل الا فيما يؤكل
وصار سمر الناس وحديثهم في المجالس ذكر المآكل والقمح والسمن ونحو ذلك لاغير ولولا
لطف الله تعالى ومجيء الغلال من نواحي الشام والروم لهلكت أهل مصر من الجوع
وبلغ الاردب من القمح
ألفا وثلثمائة نصف فضة والفول والشعير قريبا من ذلك وأما بقية الحبوب والابزار فقل
ان توجد
واستمر ساحل الغلة
خاليا من الغلال بطول السنة والشون كذلك مقفولة وارزاق الناس وعلائفهم مقطوعة وضاع
الناس بين صلحهم وغبنهم وخروج طائفة ورجوع الاخرى ومن خرج الى جهة قبض أموالها
وغلالها
وإذا سئل المستقر في
شيء تعلل بما ذكر
ومحصل هذه الافاعيل
بحسب الظن الغالب انها حيل على سلب الاموال والبلاد
وفخاخ ينصبونها
ليصيدوا بها اسمعيل بك
وفي أواخره وصلت
مكاتبة من الديار الحجازية عن الشريف سرور ووكلاء التجار خطابا للامراء والعلماء
بسبب منع غلال الحرمين وغلال المتجر وحضور المراكب مصبرة بالاتربة والشكوى من
زيادة المكوسات عن الحد فلما حضرت قرىء بعضها وتغوفل عنها وبقي الامر على ذلك
رجع لخبر العجلة التي
لها رأسان وهو انه لما أرسل ابراهيم بك ولده مرزوق بك غلاما صغيرا لمصالحة الامير
مراد بك واعطاه هدية ومن جملتها بقرة وخلفها عجلة برأسين وحضر بهما الى مصر وشاع
خبرها فذهبت بصحبة أخينا وصديقنا مولانا السيد اسمعيل الوهبي الشهير بالخشاب
فوصلنا الى بيت ام مرزوق بك الذى بحارة عابدين ودخلنا الى اسطبل مع بعض السواس
فرأينا بقرة مصفرة اللون مبياض وابنتها خلفها سوداء ولها رأسان كاملتا الاعضاء وهي
تأكل بفم احدى الرأسين وتشتر بفم الرأس الثانية فتعجبنا من عجيب صنع الله وبديع
خلقته فكانت من العجائب الغريبة المؤرخة
من مات في هذه السنة
من أعيان الناس مات الشيخ الفقيه الصالح المشارك الشيخ درويش بن محمد بن محمد ابن
عبد السلام البوتيجي الحنفي نزيل مصر حضر دروس كل من الشيخ محمد ابي السعود والشيخ
سليمان المنصورى والشيخ محمد الدلجي وغيرهم وتميز في معرفة فروع الفقه وافتى ودرس
وكان انسانا حسنا لا بأس به توفي في هذه السنة
ومات العمدة العلامة
والرحلة الفهامة المفوه المتكلم المتفقه النحوى الاصولي الشيخ عبد الله بن أحمد
المعروف باللبان الشافعي الازهرى احد
المتصدرين في العلماء
الازهرية حضر أشياخ الوقت كالملوى والجوهري والحفني والصعيدي والعشماوي والدفرى
وتمهر في الفقه والمعقول وقرأ الدروس وختم الختوم وتنزل اياما عند الامير ابراهيم
كتخذا القازدغلي واشتهر ذكره في الناس وعند الامراء بسبب ذلك وتحمل حاله وكان فصيحا
ملسانا مفوها يخشى من سلاطة لسانه في المجالس العلمية والعرفية
وسافر مرة الى
اسلامبول في بعض الارساليات وذلك سنة ست وثمانين عندما خرج علي بك من مصر ودخل
محمد بك وكان بصحبة أحمد باشجاويش أرنؤد
ومات الامام العلامة
الشيخ عبد الرحمن جاد الله البناني المغربي وبنانه قرية من قرى منستير بافريقية
ورد الى مصر وجاور بالجامع الازهر وحضر دروس الشيخ الصعيدي والشيخ يوسف الحفني
والسيد محمد البليدى وغيرهم من أشياخ العصر ومهر في المعقول وألف حاشية على جمع
الجوامع اختصر فيها سياق بن قاسم وانتفع بها الطلبة ودرس برواق المغاربة وأخذ
الحديث عن الشيخ أحمد الاسكندرى وغيره وتولى مشيخة رواقهم مرارا بعد عزل السيد
قاسم التونسي وبعد عزل الشيخ أبي الحسن القلعي فسار فيها سيرا حسنا
ولم يتزوج حتى مات
ومن آثاره ما كتبه
على المقامة التصحيفية للشيخ عبد الله الادكاوى
ولم يزل مواظبا على
التدريس ونفع الطلبة حتى تعلل أياما وتوفي ليلة الثلاثاء ختام شهر صفر
ومات الشيخ الفاضل
العلامة عبد الرحمن بن حسن بن عمر الاجهورى المالكي المقرى سبط القطب الخضيرى أخذ
علم الاداء عن كل من الشيخ محمد بن علي السراجي اجازة في سنة 1156 وعن الشيخ عبد
ربه ابن محمد السجاعي اجازة في سنة أربع وخمسين وعن شمس الدين السجاعي فس سنة ثلاث
وخمسين وعن عبد الله بن محمد بن يوسف القسطنطيني جود عليه الى قوله المفلحون
بطريقة الشاطبية والتيسير بقلعة الجبل حين
ورد مصر حاجا في سنة
ثلاث وخمسين وعلى الشيخ أحمد بن السماح البقرى والشهاب الاسقاطي وآخرين وأخذ
العلوم عن الشبراوى والعماوى والسجيني والشهاب النفراوى وعبد الوهاب الطندتاوى
والشمس الحفني وأخيه الشيخ يوسف والشيخ الملوى وسمع الحديث من الشيخ محمد الدفرى
والشيخ أحمد الاسكندراني ومحمد بن محمد الدقاق واجازه الجوهرى في الاحزاب الشاذلية
وكذا يوسف بن ناصر واجازه السيد مصطفى البكرى في الخلوتية والاوراد السرية ودخل
الشام فسمع الاولية على الشيخ اسمعيل العجلوني وسمع عليه الحديث وأخذ فن القراءات
على الشيخ مصطفى الخليجي ومكث هناك مدة ودخل حلب فسمع من جماعة وعاد الى مصر فحضر
على السيد البليدى في تفسير البيضاوى بالازهر وبالاشرفية وكان السيد يعتني به
ويعرف مقامه
وله سليقة تامة في
الشعر وله مؤلفات منها الملتاذ في الاربعة الشواذ ورسالة في وصف أعضاء المحجوب
نظما ونثرا وشرح تشنيف السمع ببعض لطائف الوضع للشيخ العيدروس شرحين كاملين قرظ
عليهما علماء عصره
ولا زال يملي ويفيد
ويدرس ويجيد ودرس بالازهر مدة في أنواع الفنون واتقن العربية والاصول والقراءات
وشارك في غيرها وعين للتدريس في السنانية ببولاق فكان يقرأ فيها الجامع الصغير
ويكتب على أطراف النسخة من تقاريره المبتكرة ما لو جمع لكان شرحا حسنا
وتوفي المترجم رحمه
الله تعالى في سابع عشرين رجب
ومات الاجل المبجل
والعمدة المفضل الحسيب النسيب السيد محمد ابن احمد بن عبد اللطيف بن محمد بن تاج
العارفين بن أحمد بن عمر ابن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن محمد بن
شرشيق بن محمد ابن عبد العزيز بن عبد القادر الحسيني الجيلي المصرى ويعرف بأبن بنت
الجيزى من بيت العز والسيادة والكرامة والمجادة جدهم تاج العارفين
تولى الكتابة بباب
النقابة ولا زالت في ولده مضافة لمشيخة السادة القادرية ومنزلهم بالسبع قاعات ظاهر
الموسكي مشهور بالثروة والعز وكان المترجم اشتغل بالعلم حتى أدرك منه حظا وافرا
وصار له ملكة يقتدر بها على استحضار النكات والمسائل والفروع وكان ذا وجاهة وهيبة
واحتشام وانجماع عن الناس ولهم منزل ببركة جناق يذهبون اليه في ايام النيل وبعض
الاحيان للنزاهة توفي رحمه الله تعالى في هذه السنة وتولى منصبه أخوه السيد عبد
الخالق
ومات السيد الفاضل
السالك على بن عمر بن محمد بن علي بن احمد ابن عبد الله بن حسن بن احمد بن يوسف بن
ابراهيم بن احمد ابن ابي بكر بن سليمان بن يعقوب بن محمد بن القطب سيدى عبد الرحيم
القناوى الشريف الحسيني ولد بقنا وقدم مصر وتلقن الطريقة عن الاستاذ الحفني ثم حبب
اليه السياحة فورد الحرمين وركب من جدة الى سورت ومنها الى البصرة وبغداد وزار من
بهما من المشاهد الكرام ثم دخل المشهد فزار امير المؤنين علي بن ابي طالب رضي الله
عنه ثم دخل جراسان ومنها الى غزنين وكابل وقندهار واجتمع بالسلطان احمد شاه فأكرمه
واجزل له العطاء ثم عاد الى الحرمين وركب من هناك الى بحر سيلان فوصل الى بنارس
واجتمع بسلطانها وذهب الى بلاد جاوة ثم رجع الى الحرمين ثم سار الى اليمن ودخل
صنعاء واجتمع بأمامها ودخل زبيد واجتمع بمشايخها واخذ عنهم واستأنسوا به وصار يعقد
لهم حلق الذكر على طريقته وأكرموه ثم عاد الى الحرمين ثم الى مصر وذلك سنة اثنتين
وثمانين وكانت مدة غيبته نحو عشرين سنة
ثم توجه في آخر هذه
السنة الى الصعيد واجتمع بشيخ العرب همام رحمه الله تعالى فأكرمه اكراما زائدا
ودخل قنا فزار جده ووصل رحمة ومكث هناك شهورا ثم رجع الى مصر وتوجه الى الحرمين من
القلزم وسافر الى
اليمن وطلع الى صنعاء ثم عاد الى كوكبان وكان امامها اذ ذاك العلامة السيد ابراهيم
بن احمد الحسيني وانتظم حاله وراج أمره وشاع ذكره وتلقن منه الطريقة جماعة من أهل
زبيد واستمال بحسن مذاكرته ومداراته طائغة من الزيدية ببلدة تسمى زمرمر
وهي بلدة باليمن
بالجبال وهم لا يعرفون الذكر ولا يقولون بطرق الصوفية فلم يزل بهم حتى أحبوه واقام
حلقة الذكر عندهم وأكرموه ثم رجع من هناك الى جدة وركب من القلزم الى السويس
ووصل مصر سنة اربع
وتسعين فنزل بالجمالية فذهبت اليه بصحبته شيخنا السيد مرتضى وسلمنا عليه وكنت أسمع
به ولم أره قبل ذلك اليوم فرأيت منه كمال المودة وحسن المعاشرة وتمام المروءة وطيب
المفاكهة وسمعت منه أخبار رحلته الاخيرة وترددنا عليه وتردد علينا كثيرا وكان ينزل
في بعض الاحيان الى بولاق ويقيم أياما بزاوية علي بك يصحبة العلامة الشيخ مصطفى
الصاوى والشيخ بدوى الهيتمي وحضر الى منزلي ببولاق مرارا باستدعاء وبدون استدعاء
ثم تزوج بمصر واتى اليه ولده السيد مصطفى من البلاد زائرا وما زال على حاله في
عبادة وحسن توجه الى الله مع طيب معاشرة وملازمة الاذكار صحبة العلماء الاخيار حتى
تمرض بعلة الاستسقاء مدة حتى توفي ليلة الثلاثاء غرة جمادى الاولى من السنة وصلي
عليه بالازهر ودفن بالقرافة بين يدى شيخه الحفني
وكان ابنه غائبا فحضر
بعد مدة من موته فلم يحصل من ميراثه الا شيئا نزرا وذهب ما جمعه في سفر الله حيث
ذهب
ومات الوجيه النبيل
والجيلي الاصيل السيد حسين باشيجاويش الاشراف بن ابراهيم كتخدا تفكجيان بن مصطفى
افندى الخطاط كان انسانا حسنا جامعا للفضائل واللطف والمزايا واقتنى كتبا كثيرة في
الفنون وخصوصا في التاريخ وكان مألوف الطباع ودودا شريف النفس
مهذب الاخلاق فلم
يخلف بعده مثله رحمه الله تعالى
ومات الامير محمد
كتخدا أباظة وأصله من مماليك محمد جربجي الصابونجي ولما مات سيده كما تقدم تركه
صغيرا فخدم ببيتهم ثم عند حسين بك المقتول ولم يزل ينمو ويترقى في الخدم حتى تقلد
كتخدائية محمد بك أبي الذهب فسار فيها بشهامة وصرامة ولم يزل مبجلا بعده في أيام
مماليكه معدودا من الامراء وله عزوة مماليك واتباع حتى تعلل ومات في هذه السنة
ومات التاجر الخير
الصدوق الصالح الحاج عمر بن عبد الوهاب الطرابلسي الاصل الدمياطي سكن دمياط مدة
وهو يتجر واختص بالشيخ الحفني فكان يأتي اليه في كل عام يزوره ويراسله بالهدايا
ويكرم من يأتي من طرفه وكان منزله مأوى الوافدين من كل جهة ويقوم بواجب اكرامهم
وكان من عادته انه لا يأكل مع الضيوف قط انما يخدم عليهم ما داموا يأكلون ثم يأكل
مع الخدم وهذا من كمال التواضع والمروءة
واذا قرب شهر رمضان
وفد عليه كثير من مجاورى رواق الشوام بالازهر وغيره فيقيمون عنده حتى ينقضي شهر
الصوم في الاكرام ثم يصلهم بعد ذلك بنفقة وكساوى ويعودون من عنده مجبورين
وفي سنة ثلاث وثمانين
حصلت له قضية مع بعض اهل الذمة التجار بالثغر فتطاول عليه الذمي وسبه فحضر الى مصر
وأخبر الشيخ الحفني فكتبوا له سؤالا في فتوى وكتب عليه الشيخ جوابا وأرسله الى
الشيخ الوالد فكتب عليه جوابا وأطنب فيه ونقل من الفتاوى الخيرية جوابا عن سؤال
رفع للشيخ خير الدين الرملي في مثل هذه الحادثة بحرق الذمي ونحو ذلك وحضر ذلك
النصراني في اثر حضور الحاج عمر خوفا على نفسه وكان اذ ذاك شوكة الاسلام قوية
فأشتغل مع جماعة الشيخ بمعونة كبار النصارى بمصر بعد ان تحققوا حصول الانتقام
وفتنوهم بالمال فأدخلوا على
الشيخ شكوكا وسبكوا
الدعوى في قالب آخر وذلك انه لم يسبه بالالفاظ التي ادعاها الحاج عمر وانه بعد
التسابب صالحه وسامحه وغيروا صورة السؤال الاول بذلك واحضروه الى الوالد فامتنع من
الكتابة عليه فعاد به الشيخ حسن الكفراوى فحلف لا يكتب عليه ثانيا ابدا وتغير خاطر
الحاج عمر من طرف الشيخ واختل اعتقاده فيه وسافر الى دمياط ولم يبلغ قصده من
النصراني ومات الشيخ بعد هذه الحادثة بقليل
وانتهت رياسة مصر الى
علي بك وارتفع شأن النصارى في ايامه بكاتبه المعلم رزق والمعلم ابراهيم الجوهرى
فعملوا على نفي المترجم من دمياط فأرسلوا له من قبض عليه في شهر رمضان ونهبوا
امواله من حواصله وداره ووضعوا في رقبته ورجليه القيد وانزلوه مهانا عريانا مع
نسائه واولاده في مركب وارسلوه الى طرابلس الشام فاستمر بها الى ان زالت دولة علي
بك واستقل بامارة مصر محمد بك وأظهر الميل الى نصرة الاسلام فكلم السيد نجم الدين
الغزى محمد بك في شأن رجوعه الى دمياط فكان ان يجيب لذلك وكنت حاضرا في ذلك المجلس
والمعلم مخاييل الجمل والمعلم يوسف بيطار وقوف أسفل السدلة يغمزان الامير بالاشارة
في عدم الاجابة لانه من المفسدين بالثغر ويكون السبب في تعطيل الجمارك فسوف السيد
نجم الدين بعد أن كان قرب من الاجابة
فلما تغيرت الدولة
وتنوسيت القضية وصار الحاج عمر كأنه لم يكن شيئا مذكورا رجع الى الثغر وورد علينا
مصر وقد تقهقر حاله وذهبت نضارته وصار شيخا هرما ثم رجع الى الثغر واستمر به حتى
توفي في السنة وكان له مع الله حال يداوم على الاذكار ويكثر من صلاة التطوع ولا
يشتغل الا بما يهمه رحمه الله تعالى
ومات الامير الجليل
ابراهيم كتخدا البركاوى وأصله مملوك يوسف كتخدا عزبان البركاوى نشأ في سيادة سيده
وتولى في مناصب وجاقهم
وقرأ القرآن في صغره
وجود الخط وحبب اليه العلم وأهله
ولما مات سيده كان هو
المتعين في رئاسة بيتهم دون خشداشينه لرئاسته وشهامته ففتح بيت سيده وانضم اليه
خشداشينه واتباعه واشترى المماليك ودربهم في الآداب والقراءة وتجويد الخط وأدرك
محاسن الزمن الماضي
وكان بيته مأوى الفضلاء
وأهل المعارف والمزايا والخطاطين واقتنى كتبا كثيرة جدا في كل فن وعلم حتى ان
الكتاب المعدوم اذا احتيج اليه لا يوجد الا عنده ويعير للناس ما يرومونه من الكتب
للانتفاع في المطالعة والنقل وبآخره اعتكف في بيته ولازم حاله وقطع أوقاته في
تلاوة القرآن والمطالعة وصلاة النوافل الى ان توفي في هذه السنة وتبردت كتبه
وذخائره رحمه الله تعالى
سنة تسع وتسعين ومائة
وألف استهل العام بيوم الاثنين فكان الفال بالمنطق واخذت الاشياء في الانحلال
قليلا
وفي سابعه جاءت
الاخبار بان الجماعة المتوجهين لابراهيم بك في شأن الصلح وهم الشيخ الدردير
وسليمان بك الآغا ومرزوق جلبي اجتمعوا بابراهيم فتكلموا معه في شأن ذلك فأجاب
بشروط منها ان يكون هو على عادته امير البلد وعلى أغا كتخدا الجاويشية على منصبه
فلما وصل الرسول
بالمكاتبة جمع مراد بك الامراء وعرفهم ذلك فأجابوا بالسمع والطاعة وكتبوا جواب
الرسالة وارسلوها صحبه الذى حضر بها
وسافر ايضا احمد بك
الكلارجي وسليم اغا امين البحرين في حادى عشرة
وفي عشرينه وصلت
الاخبار بان ابراهيم بك نقض الصلح الذى حصل وقيل أن صلحه كان مداهنة لاغراض لا تتم
له بدون ذلك فلما تمت احتج باشياء اخر ونقض ذلك
وفي سادس صفر حضر
الشيخ الدردير واخبر بما ذكر وان سليمان بك وسليم اغا استمروا معه
وفي منتصفه وصل
الحجاج مع امير الحاج مصطفى بك وحصل للحجاج في هذه السنة مشقة عظيمة من الغلاء
وقيام العربان بسبب عوائدهم القديمة والجديدة ولم يزوروا المدينة المنورة على
صاحبها افضل الصلاة وازكى السلام لمنع السبل وهلك عالم كثير من الناس والبهائم من
الجوع وانقطع منهم جانب عظيم
ومنهم من نزل في
المراكب الى القلزم وحضر من السويس الى القصير ولم يبق الا امير الحج واتباعه
ووقفت العربان لحجاج المغاربة في سطح العقبة وحصروهم هناك ونهبوهم وقتلوهم عن
آخرهم ولم ينج منهم الا نحو عشرة انفار
وفي اثناء نزول الحج
وخروج الامراء لملاقاة امير الحج هرب ابراهيم بك الوالي وهو اخو سليمان بك الاغا
وذهب الى اخيه بالمنية وذهب صحبته من كان بمصر من اتباع اخيه وسكن الحال اياما
وفي اواخر شهر صفر
سافر ايوب بك الكبير وايوب بك الصغير بسبب تجديد الصلح فلما وصلوا الى بني سويف
حضر اليهم سليمان بك الاغا وعثمان بك الاشقر باستدعاء منهم ثم اجاب ابراهيم بك الى
الصلح ورجعوا جميعا الى المنية
وفي اوائل ربيع الاول
حضر حسن اغا بيت المال بمكاتبات بذلك وفي اثر ذلك حضر ايوب بك الصغير وعثمان بك
الاشقر فقابلا مراد بك وقدم مراد بك لعثمان بك تقادم ثم رجع ايوب بك الى المنية
ثانيا
وفي يوم الاثنين رابع
ربيع الثاني وصل ابراهيم بك الكبير ومن معه من الامراء الى معادى الخبيرى بالبر
الغربي فعدى اليه مراد بك وباقي الامراء والوجاقلية والمشايخ وسلموا عليه ورجعوا
الى مصر وعدى في أثرهم ابراهيم بك ثم حضر ابراهيم بك في يوم الثلاثاء الى مصر
ودخل الى بيته وحضر
اليه في عصريتها مراد بك في بيته وجلس معه حصة طويلة
وفي يوم الاحد عاشره
عمل الديوان وحضرت لابراهيم بك الخلع من الباشا فلبسها بحضرة مراد بك والامراء والمشايخ
وعند ذلك قام مراد بك وقبل يده وكذلك بقية الامراء وتقلد علي أغا كتخدا الجاويشية
كما كان وتقلد علي أغا اغات مستحفظان كما كان فاغتاظ لذلك قائد أغا الذي كان ولاه
مراد بك وحصل له قلق عظيم وصار يترامى على الامراء ويقع عليهم في رجوع منصبه وصار
يقول ان لم يردوا الى منصبي والا قتلت علي أغا
وصمم ابراهيم بك على
عدم عزل علي أغا واستوحش علي أغا وخاف على نفسه من قائد أغا ثم ان ابراهيم بك قال
ان عزل علي أغا لا يتولاها قائد أغا أبدا
ثم انهم لبسوا سليما
أغا امين البحرين وقطع منها امل قائد أغا وما وسعه الا السكوت
وفي منتصف جمادى
الآخرة خرج عثمان بك المذكور بمماليكه وأجناده مسافرا الى الصعيد بنفسه ولم يسمع
لقولهم ولم يلبس تقليدا لذلك على العادة فأرسلوا له جماعة ليردوه فأبى من الرجوع
وفيه كثر الموت
بالطاعون وكذلك الحميات ونسي الناس أمر الغلاء
وفي يوم الخميس مات
علي بك أباظة الابراهيمي فأنزعج عليه ابراهيم بك وكان الامراء خرجوا بأجمعهم الى
ناحية قصر العيني ومصر القديمة خوفا من ذلك
فلما مات علي بك
وكثير من مماليكهم داخلهم الرعب ورجعوا الى بيوتهم
وفي يوم الاحد طلعوا
الى القلعة وخلعوا علي لاجين وجعلوه حاكم جرجا ورجع ابراهيم بك الى بيته أيضا وكان
ابراهيم بك اذ ذاك قائمقام
وفيه مات أيضا سليمان
بك ابو نبوت بالطاعون
وفي منتصف رجب خف أمر
الطاعون
وفي منتصف شعبان ورد
الخبر بوصول باش مصر الجديد الى ثغر سكندرية وكذلك باش جدة ووقع قبل ورودهما بأيام
فتنة بالاسكندرية بين أهل البلد وأغات القلعة والسردار بسبب قتيل من أهل البلد
قتله بعض أتباع السردار فثار العامة وقبضوا على السردار وأهانوه وجرسوه على حمار
وحلقوا نصف لحيته وطافوا به البلد وهو مشكوف الرأس وهم يضربونه ويصعفونه بالنعالات
وفيه أيضا وقعت فتنة
بين عربان البحيرة وحضر منهم جماعة الى ابراهيم بك وطلبوا منه الاعانة على أخصامهم
فكلم مراد بك في ذلك فركب مراد بك وأخذهم صحبته ونزل الى البحيرة فتواطأ معه
الاخصام ورشوه سرا فركب ليلا وهجم على المستعينين به وهم في غفلة مطمئنين فقتل
منهم جماعة كثيرة ونهب مواشيهم وابلهم واغنامهم ثم رجع الى مصر بالغنائم
وفي غاية شعبان حضر
باشة جدة الى ساحل بولاق فركب علي أغا كتخدا الجاويشية وارباب العكاكيز وقابلوه
وركبوا صحبته الى العادلية ليسافر الى السويس
وفي غرة رمضان ثارت
فقراء المجاورين والقاطنين بالازهر وقفلوا أبواب الجامع ومنعوا منه الصلوات
وكان ذلك يوم الجمعة
فلم يصل فيه ذلك اليوم وكذلك أغلقوا مدرسة محمد بك المجاورة له ومسجد المشهد
الحسيني وخرج العميان والمجاورون يرمحون بالاسواق ويخطفون ما يجدونه من الخبز
وغيره وتبعهم في ذلك الجعيدية وأراذل السوقة
وسبب ذلك قطع رواتبهم
واخبازهم المعتادة واستمروا على ذلك الى بعد العشاء فحضر سليم أغا أغات مستحفظان
الى مدرسة الاشرفية وأرسل الى مشايخ الاروقة والمشار اليهم في السفاهة وتكلم معهم
ووعددهم والتزم لهم باجراء رواتبهم فقبلوا منه ذلك وفتحوا المساجد
وفي يوم الاحد ثامن
شهر شوال الموافق لتاسع مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وكانت زيادته كلها في
هذه التسعة ايام فقط ولم يزد قبل ذلك واستمر بطول شهر أبيب وماؤه أخضر فلما كان
أول شهر مسرى زاد في ليلة واحدة أكثر من ثلاثة أذرع واستمرت دفعات الزيادة حتى
اوفى أذرع الوفاء يوم التاسع وفيه وقع جسر بحر أبي المنجا بالقلوبية فعينوا له
أميرا فأخذ معه جملة أخشاب ونزل وصحبته ابن ابي الشوارب شيخ قليوب وجمعوا الفلاحين
ودقوا له أوتاد عظيمة وغرقوا به نحو خمسة مراكب واستمروا في معالجة سده مدة أيام
فلم ينجع من ذلك شيء وكذلك وقع ببحر مويس
وفي يوم الخميس خرج
أمين الحاج مصطفى بك بالمحمل والحجاج وذلك ثاني عشر شوال
وفي يوم الاثنين ثامن
عشر القعدة سافر كتخدا الجاويشية وصحبته أرباب الخدم الى الاسكندرية لملاقاة
الباشا والله تعالى اعلم
من مات في هذه السنة
ممن له ذكر مات الشيخ الامام العارف المتفنن المقرىء المجود الضابط الماهر المعمر
الشيخ محمد بن حسن بن محمد بن أحمد جمال الدين بن بدر الدين الشافعي الاحمدى ثم
الخلوتي السمنودى الازهرى المعروف بالمنير ولد بسمنود سنة 1099 وحفظ القرآن وبعض
المتون وقدم الجامع الازهر وعمره عشرون سنة فجود القرآن على الامام المقرىء علي بن
محسن الرملي وتفقه على جماعة منهم الشيخ شمس الدين محمد السجيمي والشيخ علي أبي
الصفا الشنواني وسمع الحديث على أبي حامد البديرى وابي عبد الله محمد بن محمد
الخليلي وأجازه في سنة 1132 وأجازه كذلك الشيخ محمد عقيلة في آخرين وأخذ الطريقة
ببلده على سيدى
علي زنفل الاحمدى
ولما ورد مصر اجتمع بالسيد مصطفى البكرى فلقنه طريقة الخلوتية وانضوى الى الشيخ
شمس الدين محمد الحفني فقصر نظره عليه واستقام به عهده فأحياه ونور قلبه واستفاض
منه فلم يكن ينتسب في التصوف الا اليه
وحصل جملة من الفنون
الغريبة كالزايرجة والاوفاق على عدة من الرجال وكان ينزل وفق المائة في المائة وهو
المعروف بالمئيني ويتنافس الامراء والملوك لاخذه منه وأحدث فيه طرقا غريبة غير ما
ذكره أهل الفن وقد قرأ القرآن مدة وانتفع به الطلبة وقرأ الحديث
وكان سنده عاليا
فتنبه بعض الطلبة في الاواخر فأكثروا الاخذ عنه
وكان صعبا في الاجازة
لا يجيز أحدا الا اذا قرأ عليه الكتاب الذى يطلب الاجازة فيه بثمامه ولا يرى
الاجازة المطلقة ولا المراسلة حتى ان جماعة من اهالي البلاد البعيدة أرسلوا يطلبون
منه الاجازة فلم يرض بذلك وهذه الطريقة في مثل هذه الازمان عسرة جدا
وفي أواخره انتهى
اليه الشأن وأشير اليه بالبنان وذهبت شهرته في الآفاق وأتته الهدايا من الروم
والشام والعراق وكف بصره وانقطع الى الذكر والتدريس في منزله بالقرب من قننطرة
لموسكى داخل العطفة بسويقة الصاحب ولازم الصوم نحو ستين عاما ووفدت عليه الناس من
كل جهة وعمر حتى الحق الاحفاد بالاجداد واجاز وخلف وربما كتب الاجازات نظما على
هيئة اجازات الصوفية لتلامذتهم في الطريق ولم يزل يبدى ويعيد ويعقد حلق الذكر
ويفيد الى ان وافاه الاجل المحتوم في هذه السنة وجهز وكفن وصلي عليه بالازهر في
مشهد حافل وأعيد الى الزاوية الملاصقة لمنزله وكثر عليه الاسف
ومات الشيخ الإمام
الفاضل الصالح علي بن علي بن علي بن علي ابن مطاوع العزيزى الشافعي الازهرى أدرك
الطبقة الاولى من المشايخ كالشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد السحيمي والدفرى
والملوى
واضرابهم وتفقه ودرس
بالجامع الازهر وانتفع به الطلبة وقرأ دروسا بمشهد شمس الدين الحنفي وكان يسكن في
بولاق ويأتي كل يوم الى مصر لالقاء الدروس
وكان انسانا حسنا
صبورا محتسبا فصيحا مفوها له اعتقاد في اهل الله
توفي تاسع ربيع
الثاني سنة تسع وتسعين هذه
ومات الامام الصالح
الناسك المجود السيد علي بن محمد الغوصي البدرى الرفاعي المعروف بالقراء وهو والد
صاحبنا العلامة السيد حسن البدرى ولد بمصر وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شهاب
الدين أحمد بن عمر الاسقاطي وبه تخرج واقرأ القرآن بالسبعة كثيرا بالجامع الازهر
وبرواق الاروام وانتفع به الطلبة طبقة بعد طبقة
وكان لع معرفة ببعض
الاسرار والروحانيات وغير ذلك
ومات الاختيار المفضل
المبجل علي بن عبد الله الرومي الاصل مولى درويش أغا المعروف الآن بمحرم افندى باش
اختيار وجاق الجاويشية كان لكونه خدم عنده وهو صغير اشتغل بالخط وجوده على المرحوم
حسن الضيائي وعبد الله الانبس وادرك الطبقة منهم ومهر فيه وانجب ولم يكونا اجازاه
فعمل له مجلسا في منزل المرحوم علي أغا وكيل دار السعادة واجتمع فيه ارباب الفن من
الخطاطين واجازه حسن افندى الرشدى مولى علي أغا المشار اليه وكان يوما مشهودا
ولقب بدرويش وكتب
بخطه كثيرا وحج سنة 1171 واجتمع بالحرمين على الافاضل وتلقى منهم اشياء وعاد الى
مصر واجتمع بأديب عصره محمد بن عمر الخوانكي أحد تلامذة الشهاب الخفاجي فتعلق
بعناية بالادب وصار في محفوظيته جملة من أشعاره وقصائده وجملة من قصائد الارجاني
وجملة من المقامات الحريرية وعني بحفظ القرآن فحفظه على كبره وتعب فيه وحفظ أسماء
أهل بدر وكان دائما يتلوها
ولاجله ألف شيخنا
السيد محمد مرتضى شرح الصدر في شرح أسماء اهل بدر في عشرين كراسا والتفتيش في
معنى لفظ درويش كراسا
ولازم المذكور منذ
قدم مصر وسمع عليه مجالس من الصحيح والمسلسل بالاسودين وبالعيد والشمائل والامالي
وجود عليه شيخنا المذكور في الخط وقد صاهرت المترجم وتزوجت بربيبته في أواخر سنة
خمس وتسعين برغبة منه وهي أم الولد خليل فتح الله عليه ولما حصلت النسابة
والمصاهرة حولته بعياله الى منزلي لتعب الوقت وتعطيل أسباب المعايش
ولما عاشرته بلوت منه
خيرا ودينا وصلاحا وكان لا ينام من الليل الا قليلا ويتبتل الى مولاه تبتيلا فيصلي
ما تيسر من النوافل ثم يكمل بتلاوة القرآن المرتلة مع التدبر لمعاني الآيات
المنزلة وكان حسن السمت نظيف الثياب عظيم الشيبة منور الوجه وجيه الطلعة مهيب
الشكل سليم الطوية مقبول الروحانية ملازما على حضور الجماعة حريصا على ادراك
الفضائل
توفي في جمادى الاولى
عن نيف وتسعين سنة ولم تهن قواه ولم يسقط له سن ويكسر اللوز باسنانه ودفناه بجوار
الامام ابي جعفر الطحاوى لانه كان ناظرا عليه رحمه الله
ومات الاستاذ الفاضل
والمستعد الكامل ذو النفحات والاشارات السيد علي بن عبد الله بن أحمد العلوى
الحنفي سبط آل عمر صاحبنا ومرشدنا ووالده أصله من توقاد وولد
هو في مصر سنة 1173
وعانى الفنون ومهر وانجب في كل شيء عاناه في أقل زمن بحيث انه اذا توجهت همته لعلم
من العلوم الصعبة وطالع فيه أدركه وأظهر مخبئاته وثمراته وألف فيه وأظهر عجائب
أسراره ومعانيه في زمن قليل وكان حاد الذهن جدا دراكا قوى الحافظة يحفظ كل شيء
سمعه أومر عليه ببصره ولازم في مبتدأ أمره شيخنا السيد محمد مرتضى كثيرا وقرأ عليه
الفصيح لثعلب وفقه اللغة للثعالبي وأدب الكاتب لابن قتيبة في مجالس دراية وسمع منه
كثيرا من شرحه على القاموس وكتب عنه بيده اجزاء كثيرة وقرأ عليه الصحيح في اثنى
عشر مجلسا في رمضان سنة ثمان وثمانين وسمع عليه
أيضا الصحيح مرة
ثانية مشاركا مع الجماعة مناوبة في القراءة في أربع مجالس ومدة القراءة من طلوع
الشمس الى بعد كل عصر وصحيح مسلم في ستة مجالس مناوبة بمنزل الشيخ بخان الصاغة
وكتب الامالي والطباق وضبط الاسماء وقلد خط الصلاح الصفدى في وضعه فأدركه وقرأ
عليه أيضا المقامات الحريرية ورسائل في التصريف وغير ذلك مما لا يدخل تحت الضبط
لكثرته
وسمع المسلسل بالعيد
وبالاسودين التمر والماء
وسمع عليه أوائل
الكتب الستة والمعاجم والمسانيد في سنة تسعين بمنهل شيخه مع الجماعة وجزء نبيط بن
شريط الاشجعي وبلدانيات السلفي وبلدانيات بن عساكر واحاديث عاشوراء تخريج المنذرى
واحاديث يوم عرفة تخريج بن فهد وعوالي بن مالك وثلاثيات البخارى والدارمي وجزأ فيه
أخبار الصبيان والخلعيات بتمامها وهي عشرون جزءا وعرف المترجم العالي من النازل واجتمع
بشيخنا السيد العيدروس وقربه وادناه ولازمه وقرأ عليه أشياء من كتب الصوفية ومال
اليه وصار ينطق بالشعر وأقبل على الادب والتصوف ولا زال كذلك حتى صار يتكلم بكلام
عال
والف كتابا في علم
الاوفاق في كراريس لطيفة على نسق عجيب مفيد وامتزج بالروحانية حتى اني رأيته ينزل
الوفق في الكاغد ويضعه على راحة كفه فيرتعش ويلتف ببعضه ثم ينبسط بنفسه كما كان
واذا أخذه غيره ووضعه على مثل وضعه لا يتحرك ابدا
ومارس في علم الرمل
اياما فأدرك منتهاه واستخرج منه مالا يستخرج الممارس فيه سنين من الضمير والمدة
وغير ذلك في أسرع وقت وألف فيه كتابا لخص فيه قواعده من غير مشقة
ومارس في الفلكيات مع
سليمان أفندى كنباذ وصنف فيه وفي غيره
وبآخرة انجمع عن خلطة
الناس واقبل على ربه وكان قد تزوج بامرأة وكانت تؤذيه وتشتمه وربما كانت تضربه وهو
صابر عليها مقبل على شأنه وألف أورادا واحزابا واسماء على طريقة الاسماء
السهروردية عجيبة
المشرب بنفس عال غريب وصار يتكلم بكلام لا يطرق الاسماع نظيره ولم يزل على ذلك حتى
تعلل ولحق بربه وتوفي في سادس ربيع الاول من السنة وأعقب ولدا من تلك المرأة التي
كان تزوج بها وبالجملة والانصاف انه كان من آيات الله الباهرة
ودفن بالقرافة بتربة
علي أغا صالح رضي الله عنا وعنه ورحمنا أجمعين
ومات الشيخ الفقيه
الدراكة العلامة السيد سليمان بن طه بن ابي العباس الحريثي الشافعي المقرى الشهير
بالاكراشي وهي قرية شرقي مصر وحفظ القرآن وقدم الجامع الازهر وطلب العلم وحضر
الاشياخ وجود القرآن على الشيخ مصطفى العزيزى خادم النعال بمشهد الشيدة سكينة
واعاده بالعشر على الشيخ عبد الرحمن الاجهوزى المقرى واجازه في محفل عظيم في جامع
ألماس وسمع وحضر دروس فضلاء وقته ومهر في فقه المذهب ودرس في جامع الماس وغيره
وسمع من شيخنا السيد مرتضى المسلسل وبالاولية بشرطه والمسلسل بالعيد وبالمحبة
وبالقسم وبقراءة الفاتحة في نفس واحد وبالالباس والتحكيم وسمع الصيحين بطرفيهما في
جماعة بجامع شيخون بالصليبة وسمع اجزاء البلدانيات للحافظ أبي طاهر السلفي وجزء
النيل وجزء يوم عرفة ويوم عاشوراء وغير ذلك
وله تآليف وجمعيات
ورسائل في علوم شتى
ولما اجتمع بشيخنا
المذكور ورأى ملازمة السيد علي المترجم آنفا به في أكثر أوقاته ونظر نجابته وما
فيه من قوة الفهم والاستعداد لامه على ملازمته للسيد وانقطاعه عن بقية العلوم وقال
له هذا شيء سهل يمكن تحصيله في زمن قليل وقد قرأت وحصلت ما فيه الكفاية والاولى ان
تشغل بعض الزمن بتحصيل المعقولات وغيرها فان مثلك لا يقتصر على فن من الفنون
والاقتصار ضياع
فقبل منه واشتغل عليه
وعلى غيره وانقطع بسبب الاشتغال عن كثرة الترداد على الشيخ كعادته وعلم ذلك فأنحرف
على كل منهما
وبالخصوص على السيد
علي وصعب عليه جدا وأدى ذلك الى الانقطاع الكلي
ولما مات الشيخ
العزيزى تنزل المترجم في مشيخة القراء بمقام السيدة نفيسة رضي الله عنها وكان
انسانا حسنا جامعا للفضائل وحضر معنا الهداية في فقه الحنفية على شيخنا المرحوم
العلامة الشيخ مصطفى الطائي الحنفي وكان يناقش في بعض المسائل المخالفة لمذهبه الى
ان وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله
ومات أوحد الفضلاء
وأعظم النبلاء العلامة المحقق والفهامة المدقق الفقيه النبيه الاصولي المعقولي
المنطقي الشيخ أبو الحسن بن عمر القلعي ابن علي المغربي المالكي قدم الى مصر في
سنة 1154 وكان لديه استعداد وقابلية وحضر اشياخ الوقت مثل البليدى والملوى
والجوهرى والحفني والشيخ الصعيدى واتحد بالشيخ الوالد وزوجه زوجة مملوكه مصطفى بعد
وفاته وهي خديجة معتوقة المرحوم الخواجا المعروف بمدينة واقامت معه نحو الاربعين
سنة حتى كبر سنها وهرمت وتسرى عليها مرتين ولما حضر المرحوم محمد باشا راغب واليا
على مصر اجتمع به ومارسه وأحبه وشرح رسالته التي ألفها في علم العروض والقوافي
ولما عزل راغب وذهب الى دار السلطنة وتولى الصدارة سافر اليه المترجم فأجله وأكرمه
ورتب له جامكية بالضربخانة بمصر ورجع الى مصر وتولى مشيخة رواق المغاربة ثلاث مرات
بشهامة وصرامة زائدة
وسبب عزله في المرة
الوسطى ان بعض المغاربة تشاجر مع الشيخ علي الشنويهي وانتصر هو للمغاربة لحمية
الجنسية ونهر الشيخ علي فذهب الشيخ علي واشتكاه الى علي بك في ايام امارته فأحضره
علي بك فتطاول على الشيخ علي بحضرة الامير وادعى الشيخ علي بانه لطمه على وجهه في
الجامع فكذبه المترجم فحلف الشيخ علي بالله على ذلك فقال له المترجم احلف بالطلاق
فاغتاظ منه الامير علي بك وصرفهما وارسل في الحال واحضر الشيخ عبد الرحمن
البناني وولاه مشيخة
الرواق وعزل الشيخ أبا الحسن وانكسف باله لذلك ثم اعيد بعد مدة الى المشيخة وكان
وافر الحرمة نافذ الكلمة معدودا من المشايخ الكبار مهاب الشكل منور الشيبة مترفها
في ملبسه ومأكله يعلوه حشمة وجلالة ووقار اذا مر راكبا او ماشيا قام الناس اليه
وبادروا الى تقبيل يده حتى صار ذلك لهم عادة وطبيعة لازمة يرون وجوبها عليهم
وللمترجم تأليفات
وتقييدات وحواش نافعة منها حاشية على الاخضرى على سلمه وحاشية على رسالة العلامة
محمد أفندى الكرماني في علم الكلام في غاية الدقة تدل على رسوخه في علم المنطق
والجدل والمعاني والبيان والمعقولات وشرح على ديباجه شرح العقيدة المسماة بأم
البراهين للامام السنوسي وله كتاب ذيل الفوائد وفرائد الزوائد على كتاب الفوائد
والصلاة والعوائد وخواص الآيات والمجريات التي تلقاها من أفواه الاشياخ وكتاب في
خواص سورة يس وغير ذلك
وأخذ عن المرحوم
الوالد كثيرا من الحكميات والمواقف والهداية للابهرى والهيئة والهندسة
ولم يزل مواظبا على
تردده عليه وزيارته في الجمعة مرتين أو ثلاثة ويراعي له حق المشيخة والصحبة في
حياته وبعدها وكان سليم الباطن مع ما فيه من الحدة الى أن توفي في ربيع الاول من
هذه السنة رحمه الله
ومات الشيخ المعتقد
عبد الله بن ابراهيم بن أخي الشيخ الكبير المعروف بالموافي الشافعي السندوبي
الرفاعي نزيل المنصورة ولد ببلدة منية سندوب سنة 1140 وحفظ القرآن وبعض المتون
وقدم المنصورة فمكث تحت حيازة عمه في عفة وصلاح وحضر دروس الشيخ أحمد الجالي وأخيه
محمد الجالي وانتفع بهما في فقه المذهب فلما توفي عمه في سنة احدى وستين اجلس
مكانه في زاويته التي أنشأها عمه في مؤخر الجامع الكبير بالمنصورة وسلك على نهجه
في أحياء الليالي بالذكر وتلاوة القرآن وكان يختم في كل يوم وليلة مرة وربى
التلاميذ وصارت
له شهرة زائدة مع
الانجماع عن الناس لا يقوم لاحد ولا يدخل دار احد وفيه الاستئناس وعنده فوائد
يذاكر بها ويشتغل دائما بالمطالعة والمذاكرة واعتقده الخاص والعام
ولما سافرنا الى
دمياط سنة تسع وثمانين وجزنا بالمنصورة وطلعناها ذهبنا الى جامعها الكبير ودخلنا
اليه في حجرته فوجدته جالسا على فراش عال بمفرده بجانب ضريح عمه وهو رجل نير بشوش
فرحب بنا وفرح بقدومنا وأحضر لنا طبقا فيه قراقيش وكعك وشريك وخبز يابس ولبن
وبوسطة دقة وجبن فأكلنا ما تيسر وسقانا قهوة في فنجان كبير وتحدث معنا ساعة ودعا
لنا بخير وودعناه وسافرنا في الوقت
ولم أره غير هذه
المرة
وهو انسان حسن جامع
للفضائل توفي في السنة ولم يخلف بعده مثله
ومات السيد الامام
العلامة الفقيه النبيه السيد مصطفى بن أحمد ابن محمد البنوفرى الحنفي أخذ الفقه عن
والده وعن السيد محمد ابي السعود والشيخ محمد الدلجي والشيخ الزيادى وغيرهم وحضر
المعقول على علماء العصر كالشيخ عيسى البراوى وغيره ودرس في محل والده بالقرب من
رواق الشوام الا انه لم يكن له حظ في الطلبة فكان يأتي كل يوم الجامع ويجلس وحده
ساعة ثم يقوم ويذهب الى بيته بسويقة العزى وكان لا يعرف التصنع وفيه جذب ويعود
المرضى كثير الاغنياء والفقراء توفي في السنة رحمه الله
ومات العلامة المتقن
والفهامة المتفنن احد الاعلام الرواسخ وشيخ المشايخ الفقيه النحوى الاصولي
المعقولي المنطقي ذو المعاني والبيان وحلال المشكلات باتقان الصالح لقانع الورع
الزاهد الشيخ محمد ابن محمد بن محمد بن محمد بن مصطفى بن خاطر الفرماوى الازهرى
الشافعي البهوتي نسبة الى قبيلة البهتة جهة الشرق ولد بمصر رباه والده وحفظ القرآن
والمتون وحضر على أشياخ العصر الملوى والجوهرى والطحلاوى
والبراوى والبليدى
والصعيدى والشيخ علي قايتباى والمدابغي والاجهورى وأنجب في الفقه والمعقول ودرس
وأفاد الطلبة واشتهر بالفتوح على كل من أخذ عنه حتى صار له المشيخة على غالب أهل
العلم من الطبقة الثانية
وكان مهذب النفس جدا
لين الجانب متواضعا منكسر النفس لا يرى لنفسه مقاما يجلس حيث ينتهي به المجلس ولا
يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على شأنه ملازما على الاشتغال والافادة والمطالعة
ومما اتفق له انه قرأ
البخارى والمنهج صبيحة النهار والقطب على الشمسية في الضحوة والاشموني وقت الظهر
وابن عقيل بعد العصر والشنشورى بعد المغرب كل ذلك في آن واحد ويحضره في ذلك جل
الافاضل وهذا لم يتفق لغيره من أقرانه ولم يزل على حالته حتى توفي في آخر يوم من
رجب من السنة وخلف ولده العمدة الفاضل الصالح الشيخ مصطفى على قدم والده واسلافه
من الافادة وملازمة الاقراء أعانه الله على وقته ونفع به
ومات الشيخ الامام
العلامة والنحرير الفهامة محمد بن عبد ربه ابن علي العزيزى الشهير بأبن الست ولد
سنة 1118 بمصر وسبب تسميته بأبن الست أن والدته كانت سرية رومية اشتراها أبوه
وأولدها اياه وكان قد تزوج بحرائر كثيرة فلم يلدن الا الاناث حتى قيل انه ولد له
نحو ثمانين بنتا فأشترى أم ولده هذا فولدته ذكرا ولم تلد غيره ففرح به كثيرا ورباه
في عز ورفاهية وقرأ القرآن مع الشيخ علي العدوى في مكتب واحد فلذلك اعتشر بالمالكية
وصار مالكي المذهب
ولما ترعرع أراد
الانتقال الى مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه فرأى الشافعي في المنام وأشار عليه
بعدم الانتقال فاستمر مالكي المذهب وتفقه على الشيخ سالم النفراوى واللقاني
والشبراملسي وسمع على الشيخ عبد ابن علي النمرسي المسلسل بالاولية وأوائل الكتب
الستة وسنن النسائي الصغرى المسماة بالمجتبي والمسلسل بالمصافحة والمشابكة والسبحة
وغير
ذلك وأخذ عليه أيضا
ملا عصام على السمرقندية وشرح رسالة الوضع وشرح الجزرية لشيخ الاسلام وأوائل تفسير
القاضي البيضاوى مع البحث والتدقيق وأجازه بما يجوز له وعنه روايته بشرطه وأخذ
المعقول عن الشيخ أحمد الملوى والشيخ عبده الديوى والشيخ الاطفيحي والخليفي وأخذ
طريق الشاذلية عن الشيخ أحمد الجوهرى والشيخ الملوى وهما اخذاها عن سيدى عبد الله
بن محمد المغربي القصرى الكنكسي
وكان المترجم على قدم
السلف لا يتداخل في أمور الدنيا ولا يتفاخر في ملبس ولا يركب دابة ولا يدخل بيت
أمير ولا يشتغل بغير العلم ومدارسته ويشهد له معاصروه بالفضل واتقان العلوم
والديانة
وسمعت منه المسلسل
بالاولية وأجازني بمسموعاته ومروياته وتلقيت عنه دائرة الشاذلي وأجازني بوضعها
ورسمها ونقطة مركزها كل ذلك في مجلس واحد بمنزلي ببولاق بشاطىء النيل سنة 1190
وكان يجيئني ويودني
ويقول لي أنت ابن خالتي لكون والدتي ووالدته من السرارى
وصنف حاشية على
الزرقاني على العزية وهي مستعملة بأيدى الطلبة وديباجة وخاتمه على أبي الحسن على
الرسالة وخاتمة على شرح الخرشي وديباجة على أيساغوجي في المنطق وحاشية علي الحفيد
على العصام وتكملة على العشماوية وشرحا على آية الكرسي وشرحا على الحوضية في
التوحيد ولم يزل مقبلا على شأنه وحاله حتى توفي في هذه السنة عن أربع وثمانين سنة
رحمه الله تعالى
ومات السيد الاجل
المبجل السيد أحمد بن عبد الفتاح بن طه ابن عبد الرزاق الحسيني الحموى القادرى ولد
أبوه السيد عبد الفتاح بحماه وارتحل بكريميه رقية وفاطمة ابنة السيد طه فزوج
الاولى باحد أعيان مصر بن حسين الشمسي وهي أم أولاده حسن وحسين وعثمان ومحمود
ورضوان وتزوجت السيدة فاطمة بعلي أفندى البكرى أخي سيدى
بكرى الصديقي فأولدها
محمد أفندى نقيب السادة الاشراف وهو والد محمد أفندى الاخير وأقام والده السيد عبد
الفتاح بمصر مدة وتنزل في بعض المناصب ثم توجه الى ملك الروم فأكرمه ووجه له
بعناية بعض الاعيان نقابة الاشارف بمصر وحضر الى مصر وقرىء المرسوم الوارد بذلك
وكاد أن يتم له الامر فلم يمكن من ذلك بتقوية بعض الامراء وحنقوا عليه حيث توجه من
مصر الى الروم خفية ولم يأخذ منهم عرضا وجعل له شيء معلوم من بيت النقابة وبقي
ممنوعا عنها
وكان سيدا محتشما
فصيح اللسان بهي الشكل وتزوج ببنت سيدى مكي الوارثي وولد له منها السيد أحمد المترجم
وتربى في العز والرفاهية ببيتهم المعروف بهم بالازبكية بخط الساكت وكان انسانا
حسنا مترفها في مأكله وملبسه منجمعا عن الناس الا لمقتضيات لا بد له منها
توفي رحمه الله في
هذه السنة ولم يعقب
ومات الشيخ الصالح
الماهر الموفق علي بن خليل شيخ القبان بمصر وكان ماهرا في علم الحساب وممعرفة
الموازين والقرسطون المعروف بالقبان ودقائقه وصناعته ولما عني المرحوم الوالد أمر
الموازين وتصحيحها وتحريرها في سنة اثنتين وسبعين وصنف في ذلك العقد الثمين فيما
يتعلق بالموازين طالعه عليه وتلقاه عنه مع مشاركة الشيخ حسن بن ربيع البولاقي
واتقنا ذلك وتميزا به دون أهل فنهما
وكان المترجم انسانا
بشوشا منور الشيبة ولديه آداب ونوادر ومناسبات وحج مرارا او أثرى وتمول ثم تقهقر
حاله ولزم بيته الى ان توفي في هذا العام ولم يخلف بعده مثله
ومات الشريف الحسيب
النسيب السيد مصطفى بن السيد عبد الرحمن العيدروس وهو مقتبل الشيبية وصلي عليه
بالازهر ودفن عند والده بمقام العتريس تجاه مشهد السيدة زينب وكانت وفاته رابع
عشرين ربيع
الاول من السنة رحمه
الله
سنة مائتين وألف كان
اول المحرم يوم الجمعة وفي ذلك اليوم وصل الباشا الجديد الى برانبابة واسمه محمد
باشا يكن فبات ليلة الجمعة هناك وفي الصباح ذهب اليه الامراء وسلموا عليه على
العادة وعدوا به الى قصر العيني فجلس هناك الى يوم الاثنين رابعه وركب بالموكب وشق
من الصليبة وطلع الى القلعة واستبشر الناس بقدومه
وفي يوم الخميس ثاني
عشر صفر حضر مبشر الحاج بمكاتيب العقبة وأخبر أن الحجاج لم يزوروا المدينة أيضا في
هذه السنة مثل العام الماضي بسبب طمع أمير الحاج في عدم دفع العوائد للعربان وصرة
المدينة وأن أحمد باشا أمير الحاج الشامي اكد عليه في الذهاب وأنعم عليه بجملة من
المال والعليق والذخيرة فاعتل بان الامراء بمصر لم يوفوا له العوائد ولا الصرة في
العام الماضي وهذا العام واستمر على امتناعه
وحضر الشريف سرور
شريف مكة وكلمه بحضرة أحمد باشا وقال اذا كان كذلك فنكتب عرض محضر ونخبر السلطان
بتقصير الامراء وتضع عليه خطك وختمك وللسلطان النظر بعد ذلك
فأجاب الى ذلك ووضع
خطه وختمه وحضر اليهم الجاويش في صبحها فخلعوا عليه كالعادة ورجع بالملاقاة وخرج
الامراء في ثاني يوم الى خارج باجمعهم ونصبوا خيامهم
وفي يوم الاثنين وصل
الحجاج ودخلوا الى مصر ونزل أمير الحج بالجنبلاطية بباب النصر ولم ينزل بالحصوة
اولا على العادة وركب في يوم الثلاثاء ودخل بالمحمل بموكب دون المعتاد وسلم المحمل
الى الباشا
وفي يوم الاربعاء
اجتمع الامراء ببيت ابراهيم بك وأحضروا مصطفى بك أمير الحج وتشاجر معه ابراهيم بك
ومراد بك بسبب هذه الفعلة
وكتابة العرضحال
وادعوا انه تسلم جميع الحمائل وطلبوا منه حساب ذلك واستمروا على ذلك الى قرب
المساء
ثم ان مراد بك أخذ
أمير الحاج الى بيته فبات عنده وفي صبحها حضر ابراهيم بك عند مراد بك وأخذ أمير
الحاج الى بيته ووضعه في مكان محجورا عليه وأمر الكتاب بحسابه فحاسبوه فاستقر في
طرفه مائة الف ريال وثلاثة آلاف وذلك خلاف ما على طرفه من الميرى
وفي يوم الجمعة طلع
ابراهيم بك الى القلعة واخبر الباشا بما حصل وانه حبسه حتى توفي ما استقر بذمته
فاستمر أياما وصالح وذهب الى بيته مكرما
وفي ذلك اليوم بعد
صلاة الجمعة ضج مجاورو الازهر بسبب أخبازهم وقفلوا ابواب الجامع فحضر اليهم سليم
أغا والتزم لهم باجراء رواتبهم بكرة تاريخه فسكنوا وفتحوا الجامع وانتظروا ثاني
يوم فلم يأتهم شيء فأغلقوه ثانيا وصعدوا على المنارات يصيحون فحضر سليم أغا بعد
العصر ونجز لهم بعض المطلوبات وأجرى لهم الجراية أناما ثم انقطع ذلك وتكرر الغلق
والفتح مرارا
وفي ليلة خروج
الامراء الى ملاقاة الحجاج ركب مصطفى بك الاسكندرى وأحمد بك الكلارجي وذهبا الى
جهة الصعيد والتفا على عثمان بك الشرقاوى ولاجين بك وتقاسموا الجهات والبلاد
وافحشوا في ظلم العباد
وفي منتصف ربيع الاول
شرع مراد بك في السفر الى جهة بحرى بقصد القبض على رسلان والنجار قطاع الطريق
فسافر وسمع بحضوره المذكوران فهربا فأحضر بن حبيب وابن حمد وابن فودة وألزمهم
باحضارهما فأعتذروا اليه فحبسهم ثم أطلقهم على مال وذلك بيت القصيد وأخذ منهم
رهائن ثم سار الى طملوها وطالب أهلها برسلان
ثم نهب القرية وسلب
أموال أهلها وسبى نساءهم وأولادهم ثم أمر بهدمها وحرقها عن آخرها ولم يزل ناصبا
وطاقه عليها حتى أتى على آخرها هدما وحرقا وجرفها بالجراريف حتى محوا أثرها وسووها
بالارض وفرق كشافه في مدة اقامته عليها في البلاد والجهات لجبي الاموال وقرر على
القرى ما سولته له نفسه ومنع من الشفاعة وبث المعينين لطلب الكلف الخارجة عن المعقول
فاذا استوفوها طلبوا حق طرقهم فاذا استوفوها طلبوا المقرر وكل ذلك طلبا حثيثا والا
أحرقوا البلدة ونهبوها عن آخرها ولم يزل في سيره على هذا النسق حتى وصل الى رشيد
فقرر على أهلها جملة كبيرة من المال وعلى التجار وبياعي الارز فهرب غالب أهلها
وعين على اسكندرية صالح أغا كتخدا الجاويشية سابقا وقرر له حق طريقه حمسة آلاف
ريال وطلب من أهل البلد مائة ألف ريال وأمر بهدم الكنائس فلما وصل الى اسكندرية
هربت تجارها الى المراكب وكذلك غالب النصارى فلم يجد الا قنصل الموسقو فقال أنا
أدفع لكم المطلوب بشرط ان يكون بموجب فرمان من الباشا أحاسب به سلطانكم فانكف عن
ذلك وصالحوه على كراء طريقه ورجع وارتحل مراد بك من رشيد
ولما وصل الى جميجون
هدمها عن آخرها وهدم أيضا كفرد سوق واستمر هو ومن معه يعبثون بالاقاليم والبلاد
حتى أخربوها واتلفوا الزروعات الى غرة جمادى الاولى
فوصلت الاخبار بقدومه
الى زنكلون ثم ثنى عنانه وعرج على جهة الشرق يفعل بها فعله بالمنوفية والغربية
واما صناجقه الذين تركهم بمصر فانهم تسلطوا على مصادرات الناس في أموالهم وخصوصا
حسين بك المعروف بشفت بمعنى يهودى فانه تسلط على هجم البيوت ونهبها بأدنى شبهة
وفي عصرية يوم الخميس
المذكور ركب حسين بك المذكور بجنوده وذهب الى الحسينية وهجم على دار شخص يسمى احمد
سالم الجزار
متولي رياسة دراويش
الشيخ البيومي ونهبه حتى مصاغ النساء والفراش ورجع والناس تنظر اليه
وفي عصريتها أرسل
جماعة من سراجينه بطلب الخواجا محمود ابن حسن محرم فلاطفهم وارضاهم بدراهم وركب
الى ابراهيم بك فأرسل له كتخداه وكتخدا الجاويشية فتلطفوا به وأخذوا خاطره وصرفوه
عنه وعبى له الخواجا هدية بعد ذلك وقدمها اليه
وفي صبحها يوم الجمعة
ثارت جماعة من اهالي الحسينية بسبب ما حصل في أمسه من حسين بك وحضروا الى الجامع
الازهر ومعهم طبول والتف عليهم جماعة كثيرة من اوباش العامة والجعيدية وبأيديهم
نبابيت ومساوق وذهبوا الى الشيخ الدردير فوافقهم وساعدهم بالكلام وقال لهم انا
معكم فخرجوا من نواحي الجامع وقفلوا أبوابه وطلع منهم طائفة على أعلى المنارات
يصيحون ويضربون بالطبول وانتشروا بالاسواق في حالة منكرة واغلقوا الحوانيت
وقال لهم الشيخ
الدردير في غد نجمع أهالي الاطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب
بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم فلما كان بعد المغرب
حضر سليم أغا مستحفظان ومحمد كتخدا ارنؤد الجلفي كتخدا ابراهيم بك وجلسوا في
الغورية ثم ذهبوا الى الشيخ الدردير وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال وقالوا
للشيخ اكتب لنا قائمة بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون
واتفقوا على ذلك
وقرأوا الفاتحة وانصرفوا وركب الشيخ في صبحها الى ابراهيم بك وأرسل الى حسين بك
فأحضره بالمجلس وكلمه في ذلك فقال في الجواب كلنا نهابون أنت تنهب ومراد بك ينهب
وأنا أنهب كذلك
وانفض المجلس وبردت
القضية
وفي عقبها بأيام
قليلة حضر من ناحية قبلي سفينة وبها تمر وسمن
وخلافه فأرسل سليمان
بك الاغا وأخذ ما فيها جميعه وادعى إن له عند أولاد وافي مالا منكسرا ولم يكن ذلك
لاولاد وافي وانما هو لجماعة يتسببون فيه من مجاورى الصعايدة وغيرهم فتعصب مجاورو
الصعايدة وأبطلوا دروس المدرسين وركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ محمد
المصيلحي وآخرون وذهبوا الى بيت ابراهيم بك وتكلموا معه بحضرة سليمان بك كلاما
كثيرا مفحما
فاحتج سليمان بك بأن
ذلك متاع أولاد وافي وأنا أخذته بقيمته من أصل مالي عندهم فقالوا هذا لم يكن لهم
وانما هؤلاء ربابه ناس فقراء فان كان لك عند أولاد وافي شيء فخذه منهم فرد بعضه
وذهب بعضه
وفي يوم الجمعة عاشر
جمادى الاولى قدم مراد بك من ناحية الشرق ودخل في ليلتها من المنهوبات من الجمال
والاغنام والابقار والجواميس وغير ذلك كثير يجل عن الحصر
وفيه سافر أيوب بك
الى ناحية قبلي لمصالحة الامراء الغضاب وهم مصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وعثمان بك
الشرقاوى ولاجين بك لانهم بلغوا قصدهم من البلاد وظلم العباد
وفي منتصف جمادى
الثانية حضر عثمان بك الشرقاوى من ناحية قبلي
وفيه أنعم مراد بك
على بعض كشافه بفردة دراهم على بلاد المنوفية كل بلد مائة وخمسون ريالا
وفيه اجتمع الناس
بطندتا لعمل مولد سيدى أحمد البدوى المعتاد المعروف بمولد الشرنبابلية وحضر كاشف
الغربية والمنوفية على جارى العادة وكاشف الغربية من طرف ابراهيم بك الوالي المولى
امير الحاج فحصل منه عسف وجعل على كل جمل يباع في سوق المولد نصف ريال فرانسة
فاغار اعوان الكاشف على بعض الاشراف وأخذوا جمالهم
وكان ذلك في آخر أيام
المولد فذهبوا الى الشيخ الدردير وكان هناك بقصد الزيارة وشكوا اليه ما حل بهم
فأمر الشيخ بعض اتباعه بالذهاب اليه فامتنع الجماعة من مخاطبة ذلك الكاشف فركب
الشيخ بنفسه وتبعه جماعة كثيرة من العامة
فلما وصل الى خيمة
كتخدا الكاشف دعاه فحضر اليه والشيخ راكب على بغلته فكلمه ووبخه وقال له أنتم ما
تخافون من الله
ففي أثناء كلام الشيخ
لكتخدا الكاشف هجم على الكتخدا رجل من عامة الناس وضربه بنبوت فلما عاين خدامه ضرب
سيدهم هجموا على العامة بنبابيتهم وعصيهم وقبضوا على السيد أحمد الصافي تابع الشيخ
وضربوه عدة نبابيت
وهاجت الناس على
بعضهم ووقع النهب في الخيم وفي البلد ونهبت عدة دكاكين وأسرع الشيخ في الرجوع إلى
محله وراق الحال بعد ذلك وركب كاشف المنوفية وهو من جماعة ابراهيم بك الكبير وحضر
الى كاشف الغربية وأخذه وحضر به الى الشيخ وأخذوا بخاطره وصالحوه ونادوا بالامان
وانفض المولد ورجع
الناس الى اوطانهم وكذلك الشيخ الدردير فلما استقر بمنزله حضر اليه ابراهيم بك
الوالي وأخذ بخاطره أيضا وكذلك براهيم بك الكبير وكتخدا الجاويشية
وفي سابع عشرة ركب
حسين بك الشفت وقت القائلة وحضر الى بيت صغير بسوق الماطيين وصحبته امرأة فصعد
اليه ونقب في حائط وأخرج منه برمة مملوءة ذهبا فأخذها وذهب وخبر ذلك ان هذا البيت
كان لرجل زيات في السنين الخالية فاجتمع لديه هذه الدنانير فوضعها في برمة من
الفخار وافرج لها نقبا في كتف الحائط ووضعها فيه وبنى عليها وسواها بالجبس
وكانت هذه المرأة
ابنة صغيرة تنظر اليه ومات ذلك الرجل وبيعت الدار بعد مدة ووقفها الذى اشتراها
وتداولت الاعوام وآل البيت الى وقف المشهد الحسيني وسكنه الناس بالاجرة ومضى
على ذلك نحو الاربعين
عاما وتلك المرأة تتخيل ذلك في ذهنها وتكتمه ولا يمكنها الوصول الى ذلك المكان
بنفسها وقلت ذات يدها واحتاجت فذهبت الى حريم حسين بك المذكور وعرفتهن القضية
واخبر الامير بذلك فقال لعل بعض الساكنين أخذها فقالت لا يعرفها أحد غيرى
فأرسل الى ساكن الدار
واحضره وقال له أخل دارك في غد وانتظرني ولا تفزع من شيء ففعل الرجل وحضر الصنجق
وصحبته المرأة فارته الموضع فنقبوه وأخرجوا منه تلك البرمة وأعطي صاحب المكان
احسانا وركب وصاحب المكان يتعجب وركب أيضا قبل ذلك وذهب الى بيت رجل يقال له الشيخ
عبد الباقي أبو قليطة ليلا وأخذ منه صندوقا مودعا عنده امانة لنصر ابن شديد البدوى
شيخ عرب الحويطات يقال ان فيه شيئا كثيرا من الذهب العين وغيره وهجم ايضا على بيت
بالقرب من المشهد الحسيني في وقت القائلة وكان ذلك البيت مقفولا وصاحبه غائب فخلع
الباب وطلع اليه وأخذه منه عشرة اكياس مملوءة ذهبا وخرج وأغلق الباب كما كان وركب
هو ومماليكه والاكياس في أحضانهم على قرابيس سروج الخيل وهو بجملتهم يحمل كيسا
امامه والناس تنظرهم
وفي هذا الشهر ثقب
الشطار حاصلا في وكالة المسايرة التي بباب الشعرية وكان بظاهر الحاصل المذكور قهوة
متخربة فتسلق اليها بعض الحرامية ونقبوا الحاصل وأخذوا منه صندوقا في داخله اثنا
عشر ألف بندقي عنها ثلاثون ألف ريال في ذلك الوقت وفيه من غير جنس البندقي ايضا
ذهب ودراهم وثياب حرير وطرح النساء المحلاوى التي يقال لها الحبر
وبعد أيام قبضوا على
رجلين أحدهما فطاطرى والآخر مخللاتي بتعريف الخفراء بعد حبسهم ومعاقبتهم فأخذوا
منهما شيئا واستمرا محبوسين
وفي عشرينه حضر أيوب
بك ولاجين بك وأحمد بك من ناحية قبلي
ودخلوا بيوتهم
بالمنهوبات والمواشي وتأخر مصطفى بك
وفي يوم الثلاثاء
سابع عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية نسفت رمالا واتربة مع غيم مطبق وأظلم منها الجو
واستمرت من الظهر الى الغروب
وفي يوم الخميس تاسع
عشرينه حضر مصطفى بك أيضا
وفي غرة شهر رجب عزم
مراد بك على التوجه الى سد خليج منوف المعروف بالفرعونية وكان منذ سنين لم يحبس
واندفع اليه الشرقي حتى تهور وشرق بسببه بحر دمياط وتعطلت مزارع الارز
وفيه وصلت الاخبار من
ثغر الاسكندرية بانه ورد اليها مركب البيليك وذلك على خلاف العادة وذلك ان مراكب
البيليكات لا تخرج الا بعد روز خضر ثم حضره عقيبة أيضا قليون آخر وفيه احمد باشا
والي جدة ثم تعقبهما آخر وفيه غلال كثيرة نقلوها الى الثغر وشرعوا في عملها
بقسهاطا فكثر اللغط بمصر بسبب ذلك
وفي عاشره ورد ططرى
من البر وقابجي من البحر ومعهما مكاتبات قرئت بالديوان يوم الخميس ثاني عشرة
مضمونها طلب الخزائن المنكسرة وتشهيل مرتبات الحرمين من الغلال والصرر في السنين
الماضية واللوم على عدم زيارة المدينة
وفيه الحث والوعد
والوعيد والامر بصرف العلوفات وغلال الانبار
وفيه المهلة ثلاثون
يوما
فكثر لغط الناس
والقال والقيل واشيع ورود مراكب أخر الى ثغر سكندرية وأن حسن باشا القبطان واصل
أيضا في أثر ذلك وصحبته عساكر محاربون
وفيه حضر معلم ديوان
الاسكندرية قيل انه هرب ليلا ثم ان ابراهيم بك أرسل يستحث مراد بك في الحضور من سد
الفرعونية ثم بعث اليه علي أغا كتخدا جاووجان والمعلم ابراهيم الجوهرى وسليمان اغا
الحنفي وحسن كتخدا الجربان وحسن افندي شقبون كاتب الحوالة سابقا وأفندى الديوان
حالا فأحضروه الى مصر في يوم الثلاثاء ولم يتم سد الترعة
بعد ان غرق فيها عدة
مراكب ومراسي حديد وأخشاب أخذوها من أربابها من غير ثمن وفرد على البلاد الاموال
وقبض أكثرها وذهب ذلك جميعه من غير فائدة
ثم ان الامراء عملوا
جمعيات وديوانا ببيت ابراهيم بك وتشاوروا في تنجيز الاوامر
وفي أثناء ذلك تشحطت
الغلال وارتفع القمح من السواحل والعرصات وغلا سعره وقل وجوده حتى امتنع بيع الخبز
من الاسواق واغلقت الطواجين
فنزل سليم اغا وهجم
المخازن واخرج الغلال وضرب القماحين والمتسببين ومنعهم من زيادة الاسعار فظهر
القمح والخبز بالاسواق وراق الحال وسكنت الاقاويل
وفي هذا الشهر أعني
شهر رجب حصلت عدة حريقات منها حريقتان في ليلة واحدة
احداهما بالازبكية
واخرى بخطتنا بالصنادقية
وظهرت النار من دكان
رجل صناديقي وهي مشحونة بالاخشاب والصناديق المدهونة عند خان الجلاية فرعت النار
في الاخشاب ووجت في ساعة واحدة وتعلقت بشبابيك الدور وذلك بعد حصة من الليل وهاج
الناس والسكان وأسرعوا بالهدم وصب المياه وأحضر الوالي القصارين حتى طفئت
وفيه أيضا من الحوادث
المستهجنة أن امرأة تعلقت برجل من المجاذيب يقال له الشيخ علي البكرى مشهور ومعتقد
عند العوام وهو رجل طويل حليق اللحية يمشي عريانا واحيانا يلبس قميصا وطاقية
ويمشي حافيا فصارت
هذه المرأة تمشي خلفه أينما توجه وهي بازارها وتخلط في ألفاظها وتدخل معه الى
البيوت وتطلع الحريمات واعتقدها النساء وهادوها بالدراهم والملابس وأشاعوا ان
الشيخ لحظها وجذبها وصارت من الاولياء ثم ارتقت في درجات الجذب وثقلت عليها الشربة
فكشفت وجهها ولبست ملابس كالرجال ولازمته أينما توجه ويتبعهما الاطفال والصغار
وهوام العوام ومنهم من اقتدى بهما ايضا ونزع ثيابه وتخجل في مشيه وقالوا انه اعترض
على الشيخ والمرأة فجذبه الشيخ ايضا
وأن الشيخ لمسه فصار
من الاولياء
وزاد الحال وكثر
خلفهم أوباش الناس والصغار وصاروا يخطفون اشياء من الاسواق ويصير لهم في مرورهم
ضجة عظيمة واذا جلس الشيخ في مكان وقف الجميع وازدحم الناس للفرجة عليه وتصعد
المرأة على دكان أو علوة وتتكلم بفاحش القول ساعة بالعربي ومرة بالتركي والناس
تنصت لها ويقبلون يدها ويتبركون بها وبعضهم يضحك ومنهم من يقول الله الله وبعضهم
يقول دستور يا أسيادى وبعضهم يقول لا تعترض بشيء
فمر الشيخ في بعض
الاوقات على مثل هذه الصورة والضجة ودخلوا من باب بيت القاضي الذى من ناحية بين
القصرين وبتلك العكفة سكن بعض الاجناد يقال له جعفر كاشف فقبض على الشيخ وادخله
الى داره ومعه المرأة وباقي المجاذيب فأجلسه وأحضر له شيئا يأكله وطرد الناس عنه
وأدخل المرأة والمجاذيب الى الحبس وأطلق الشيخ لحال سبيله وأخرج المرأة والمجاذيب
فضربهم وعزرهم ثم أرسل المرأة الى المارستان وربطها عند المجانين وأطلق باقي
المجاذيب بعد ان استغاثوا وتابوا ولبسوا ثيابهم وطارت الشربة من رؤوسهم وأصبح
الناس يتحدثون بقصتهم
واستمرت المرأة
محبوسة بالمارستان حتى حدثت الحوادث فخرجت وصارت شيخة على انفرادها ويعتقدها الناس
والنساء وجمعت عليها الجمعيات وموالد واشباه ذلك
وفيه ورد الخبر من
الديار الشامية بحصول طاعون عظيم في بلادهم حصل عندهم ايضا قحط وغلاء في الاسعار
وفي يوم الثلاثاء
ثاني شهر شعبان ركب سليم أغا في عصريته الى جامع السلطان حسن بن قلاون الذى بسوق
السلاح وأحضر معه فعلة وفتح باب المسجد المسدود وهو الباب الكبير الذى من ناحية
سوق السلاح فهدموا الدكاكين التي حدثت أسفله والبناء الذى بصدر الباب وكان
مدة سده في هذه المرة
احدى وخمسين سنة وكان سببها المقتلة التي قتل فيها الاحد عشر اميرا ببيت محمد بك
الدفتردار في سنة تسع وأربعين وتقدم ذكرها في أول التاريخ
وسبب فتحه ان بعض اهل
الخطة تذاكر مع الاغا في شأنه واعلمه بحصول المشقة على الناس المصلين في الدخول
اليه من باب الرميلة وربما فاتهم حضور الجماعة في مسافة الذهاب وان الاسباب التي
سد الباب من أجلها قد زالت وانقضت ونسيت فاستأذن سليم أغا ابراهيم بك ومراد بك في
فتحه فأذنا له ففتحه وصنع له بابا جديدا عظيما وبنى له سلالم ومصاطب واحضر نظاره
وأمرهم بالصرف عليه ويأتي هو في كل يوم يباشر العمل بنفسه وعمروا ما تشعث منه
ونظفوا حيطانه ورخامه وظهر بعد الخفاء وازدحم الناس للصلاة فيه وأتوا اليه من
الاماكن البعيدة
وفي يوم الجمعة خامسة
توفي مصطفى بك المرادى المجنون
وفي عشرين شعبان كثر
الارجاف بمجيء مراكب الاسكندرية وعساكر وغير ذلك
وفي يوم السبت خامس
رمضان حضر واحد أغا من الديار الرومية وعلى يده مكاتبة بالحث على المطلوبات
المتقدم ذكرها فطلع الامراء الى القلعة ليلا واجتمعوا بالباشا وتكلموا مع بعضهم
كلاما كثيرا وقال مراد بك للباشا ليس لكم عندنا الا حساب أمهلونا الى بعد رمضان
وحاسبنا على جميع ما هو في طرفنا نورده وأرسل الى من وصل الاسكندرية يرجعون الى
حيث كانوا والا فلا نشهل حجا ولا صرة ولا ندفع شيئا
وهذا آخر الكلام كل
ذلك وابراهيم بك يلاطف كلا منهما ثم اتفقوا على كتابة عرضحال من الوجاقلية
والمشايخ ويذكر فيه انهم أقلعوا وتابوا ورجعوا عن المخالفة والظلم والطريق التي
ارتكبوها وعليهم القيام باللوازم وقرروا على أنفسهم مصلحة يقومون بدفعها لقبطان
باشا والوزير
وباشة جدة وقدرها
ثلثمائة وخمسون كيسا وقاموا على ذلك ونزلوا الى بيوتهم
وفي ليلة الاثنين جمع
ابراهيم بك المشايخ وأخبرهم بذلك الاتفاق وشرعوا في كتابة العرضحالات أحدها للدولة
وآخر لقبطان باشا بالمهلة حتى يأتي الجواب وآخر لباشة جدة الذى في الاسكندرية
وفي صبحها وردت
مكاتبة من أحمد باشا الجزار يخبر فيها بالحركة والتحذير واخبار بورود مراكب أخرى
باسكندرية ومراكب وصلت الى دمياط فزار اللغط والقال والقيل
وفيه ركب سليم أغا
مستحفظان ونادى في الاسواق على الاروام والقليونجية والاتراك بانهم يسافرون الى
بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة أيام قتل
وفيه اتفق رأى
ابراهيم بك ومراد بك انهم يرسلون لاجين بك ومصطفى بك السلحدار الى رشيد لاجل
المحافظة والاتفاق مع عرب الهنادى ويطلبون أحمد باشا والي جدة ليأتي الى مصر ويذهب
الى منصبه
فسافر وافي ليلة
الخميس عاشر رمضان
وفي تلك الليلة ركب
ابراهيم بك بعد الافطار وذهب الى مراد بك وجلس معه ساعة ثم ركبا جميعا وطلعا الى
القلعة وطلع أيضا المشايخ باستدعاء من الامراء وهم الشيخ البكرى والشيخ السادات
والشيخ العروسي والشيخ الدردير والشيخ الحريرى وقابلوا الباشا وعرضوا عليه
العرضحالات
وكان المنشي لبعضها
الشيخ مصطفى الصاوى وغيره فأعجبهم انشاء الشيخ مصطفى وامروا بتغيير ما كان من
انشاء غيره
وانخضع مراد بك في
تلك الليلة للباشا جدا وقبل أتكه وركبتيه ويقول له يا سلطانم نحن في عرضك في تسكين
هذا الامر ودفعه عنا ونقوم بما علينا ونرتب الامور وننظم الاحوال على القوانين
القديمة
فقال الباشا ومن
يضمنكم ويتكفل
بكم قال أنا الضامن
لذلك ثم ضماني على المشايخ والاختيارية
وفي ليلة الاحد ثالث
عشرة وصلت الاخبار بوصول حسن باشا القبطان الى ثغر الاسكندرية وكان وصوله يوم
الخميس عاشره قبل العصر وصحبته عدة مراكب فزاد الاضطراب وكثر اللغط
فتمموا أمر
العرضحالات وأرسلوها صحبة سلحدار الباشا والططرى وواحد أغا ودفعوا لكل فرد منهم
ألف ريال وسافروا من يومهم
وفيه وردت الاخبار
بان مشايخ عرب الهنادى والبحيرة ذهبوا الى الاسكندرية وقابلوا أحمد باشا الجداوى
فألبسهم خلعا وأعطاهم دراهم وكذلك أهل دمنهور
وفيه حضر صدقات من
مولاى محمد صاحب المغرب ففرقت على فقراء الازهر وخدمة الاضرحة والمشايخ المفتين
والشيخ البكرى والشيخ السادات والعمريين على يد الباشا بموجب قائمة ومكاتبة
وفي يوم الثلاثاء حضر
مصطفى جربجي باش سراجين مراد بك سابقا وسردار ثغر رشيد حالا وكان السبب في حضوره
انه حضرت الى رشيد أحد القباطين وصحبته عدة وافرة من العسكر فطلع الى بيت السردار
المذكور وأعطاه مكاتبة من حسن باشا خطابا للامراء بمصر وامره بالتوجه بها فحضر
بتلك المكاتبة مضمونها التطمين ببعض ألفاظ
وفيه اتفق رأى
الامراء على ارسال جماعة من العلماء والوجاقلية الى حسن باشا فتعين لذلك الشيخ
أحمد العروسي والشيخ محمد الامير والشيخ محمد الحريري ومن الوجاقلية اسمعيل افندى
الخلوتي وابراهيم أغا الورداني وذهب صحبتهم أيضا سليمان بك الشابورى وارسلوا
صحبتهم مائة فرد بن ومائة قنطار سكر وعشر بقج ثياب هندية وتفاصيل وعودا وعنبرا
وغير ذلك فسافروا في يوم الجمعة ثامن عشر رمضان على انهم يجتمعون به ويكلمونه
ويسألونه عن مراده ومقصده ويذكرون
له امتثالهم وطاعتهم
وعدم مخالفتهم ورجوعهم عما سلف من افاعيلهم ويذكرونه حال الرعية وما توجبه الفتن
من الضرر والتلف
وفي يوم السبت حضر
تفكجي باشا من طرف حسن باشا وذهب الى ابراهيم بك وأفطر معه وخلع عليه خلعة سمور
وأعطاه مكاتبات وكان صحبته محمد أفندى حافظ من طرف ابراهيم بك ارسله الامراء قبل
بأيام عندما بلغهم خبر القادمين ليستوعب الاحوال ثم ان ذلك التفكجي جلس مع ابراهيم
بك حصة من الليل وذهب الى محله وحضر علي أغا كتخدا الجاويشية فركب مع ابراهيم بك
وطلعا الى الباشا في سادس ساعة من الليل ثم نزلا وسافر التفكجي في صبحها وصحبته
الحافظ
وكان فيما جاء به ذلك
التفكجي طلب ابراهيم بك أمير الحاج فلم يرض بالذهاب وكان لاجين بك ومصطفى بك لما
سافرا للمحافظة بعد التوبة بيومين فعلوا أفاعيلهم بالبلاد وطلبوا الكلف وحرقوا
وردان فضجت أهالي البلاد وذهبوا الى عرضي حسن باشا وشكوا ما نزل بهم فأخذ بخواطرهم
وكتب لهم فرمانا برفع الخراج عنهم سنتين وأرسل مع ذلك التفكجي العتاب واللوم في
شأن ذلك
وفي تلك الليلة ذهب
سليم أغا الى ناحية باب الشعرية وقبض على الحافظ اسحق وأخذه على صورة أرباب
الجرائم من أسافل الناس وذهب به الى بولاق فلحقه مصطفى بك الاسكندراني ورده
وفي يوم الاثنين وصلت
الاخبار بورود حسن باشا الى ثغر رشيد يوم الاربعاء سادس عشرة وانه كتب عدة فرمانات
بالعربي وارسلها الى مشايخ البلاد وأكابر العربان والمقادم وحق طريق المعينين
بالفرمانات ثلاثون نصفا فضة لا غير وذلك من نوع الخداع والتحيل وجذب القلوب ومثل
قولهم انهم يقرروا مال الفدان سبعة أنصاف ونصف نصف حتى كادت الناس تطير من الفرح
وخصوصا الفلاحين لما سمعوا ذلك
وانه
يرفع الظلم ويمشي على
قانون دفتر السلطان سليمان وغير ذلك
وكان الناس يجهلون
أحكامهم فمالت جميع القلوب اليهم وانحرفت عن الامراء المصرية وتمنوا سرعة زوالهم
وصورة ذلك الفرمان
وهو الذي أرسل الى أولاد حبيب من جملة ما أرسل صدر هذا الفرمان الشريف الواجب
القبول والتشريف من ديوان حضرة الوزير المعظم والدستور المكرم عالي الهمم وناصر
المظلوم على من ظلم مولانا العزيز غازى حسن باشا ساري عسكر السفر البحري المنصور
حالا ودونانمة همايون أيدت سيادته السنية وزادت رتبته العلية الى مشايخ العرب
أولاد حبيب بناحية دجوة وفقهم الله تعالى نعرفكم انه بلغ حضرة مولانا السلطان نصره
الله ما هو واقع بالقطر المصرى من الجور والظلم للفقراء وكافة الناس وان سبب هذا
خائنون الدين ابراهيم بك ومراد بك واتباعها فتعينا بخط شريف من حضرة مولانا
السلطان أيده الله بعساكر منصورة بحرا لدفع الظلم ولايقاع الانتقام من المذكورين
وتعين عليهم عساكر منصورة برا يسارى عسكر عليهم من حضرة مولانا السلطان نصره الله
وقد وصلنا الى ثغر اسكندرية ثم الى رشيد في سادس عشر رمضان فحررنا لكم هذا الفرمان
لتحضروا تقابلونا وترجعوا الى أوطانكم مجبورين مسرورين ان شاء الله تعالى فحين
وصوله اليكم تعملوا به وتعتمدوه والحذر ثم الحذر من المخالفة وقد عرفناكم
ثم ان الامراء زاد
قلقهم واجتمعوا في ليلتها ببيت ابراهيم بك وعملوا بينهم مشورة في هذا الامر الذى
دهمهم وتحققوا اتساع الخرق والنيل آخذ في الزيادة فعند ذلك تجاهروا بالمخالفة
وعزموا على المحاربة واتفق الرأى على تشهيل تجريدة وأميرها مراد بك فيذهبون الى
جهة فوة ويمنعون الطريق ويرسلون الى حسن باشا مكاتبات بتحرير الحساب والقيام بغلاق
المطلوب ويرجع من حيث أتى
فان امتثل والا
حاربناه وهذا آخر الكلام
ثم جمعوا المراكب
وعبوا
الذخيرة والبقسماط
وذلك كله في يوم الثلاثاء والاربعاء ونقلوا عزالهم ومتاعهم من البيوت الكبار الى
اماكن لهم صغار جهة المشهد الحسيني والشنواني والازهر وعطلوا القناديل والتعاليق
المعدة لمهرجان رمضان وزاد الارجاف وكثر اللغط ولاحت عليهم لوائح الخذلان ورخص
أسعار الغلال بسبب بيعهم الغلال المخزونة عندهم
وفي يوم الخميس رابع
عشرينه خرج مراد بك والامراء المسافرون معه الى ناحية بولاق وبرزوا خيامهم وعدوا
في ليلتها الى برانبابة ونصبوا وطاقهم هناك
وتعين للسفر صحبة
مراد بك مصطفى بك الداوودية الذى عرف بالاسكندراني ومحمد بك الالفي وحسين بك الشفت
ويحيى بك وسليمان بك الاغا وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر وركب ابراهيم بك
بعد المغرب وذهب اليهم وأخذ بخاطرهم ورجع فأقاموا في برانبابة يوم الجمعة حتى
تكامل خروج العسكر وأخذ مراد بك ما احتاجه من ملائل الحج جمالا وبقسماطا وغيره حتى
الذى قبض من مال الصرة وأرسلوا في ليلتها على أغا كتخدا الجاويشية وسليمان أغا
الحنفي الى الباشا وطلبوا منه الدراهم التي كانوا استخلصوها من مصطفى بك أمير
الحاج وأودهوها عند الباشا فدفعها لهم بتمامها
وفي يوم السبت سادس
عشرينه سافر مراد بك من برانبابة وأصحب ليكون سفيرا بينه وبين قبطان باشا وفي ليلة
الإثنين ثامن عشرينه مسافر مصطفى بك الكبير أيضا ولحق بمراد بك
وفي ليلة الثلاثاء
حضر المشايخ ومن معهم من ثغر رشيد فوصلوا الى بولاق بعد العشاء وباتوا هناك وذهبوا
الى بيوتهم في الصباح
فأخبروا انهم اجتمعوا
على حسن باشا ثلاث مرات الاولى للسلام فقابلهم بالاجلال والتعظيم وأمر لهم بمكان
نزلوا فيه ورتب لهم ما يكفيهم من
الطعام المهيأ في
الافطار والسحور ودعاهم في ثاني يوم وكلمهم كلمات قليلة وقال له الشيخ العروسي يا
مولانا رعية مصر قوم ضعاف وبيوت الامراء مختلطة ببيوت الناس
فقال لا تخشوا من شيء
فان أول ما أوصاني مولانا السلطان أوصاني بالرعية وقال ان الرعية وداعة الله عندى
وانا استودعتك ما أودعنيه الله تعالى
فدعوا له بخير ثم قال
كيف ترضون أن يملككم مملوكان كافران وترضونهم حكاما عليكم يسومونكم العذاب والظلم
لماذا لم تجتمعوا عليهم وتخرجوهم من بينكم
فأجابه اسمعيل أفندى
الخلوتي بقوله يا سلطانم هؤلاء عصبة شديد والباس ويد واحدة
فغضب من قوله ونهره
وقال تخوفني ببأسهم فاستدرك وقال انما أعني بذلك انفسنا لانهم بظلم أضعفوا الناس
ثم أمرهم بالانصراف
واجتمعوا عليه مرة
ثالثة بعد صلاة الجمعة فأستأذنوه في السفر ثم تركهم يومين وكتب لهم مكاتبات وسلمها
ليد سليمان بك الشابورى وأمرهم بالانصراف فودعوه وساروا وأخفيت تلك المكاتبات
وفي غاية رمضان أرسل
الباشا عدة أوراق الى افراد المشايخ وذكر انها وردت من صدر الدولة وأما العرضحالات
التي أرسلوها صحبة السلحدار والططرى فانهما لما وصلا الى اسكندرية واطلع عليها حسن
باشا حجزها ومنع المراسلة الى اسلامبول وقال أنا دستور مكرم والامر مفوض الي في
أمر مصر
وسأل السلحدار عن
الاوراق التي من صدر الدولة هل أرسلها الباشا الى أربابها فأخبره انه خاف من
اظارها فاشتد غضبه على الباشا وسبه بقوله خائن منافق
فلما رجع السلحدار في
تاريخه واخبر الباشا فعند ذلك ارسلها كما تقدم
وفي ثاني شوال اشيع
مراد بك ملك مدينة فوة وهرب من بها من العسكر ووقع بينهم مقتلة عظيمة وانه اخذ
المراكب التي وجدها على ساحلها ثم ظهر صحة ذلك
وفي يوم السبت نزلت
الكسوة من القلعة على العادة الى المشهد الحسيني وركب ابراهيم بك الكبير وابراهيم
بك امير الحاج الى قراميدان ونزل الباشا كذلك واكد على امير الحاج في التشهيل
فأعتذر اليه بتعطيل الاسباب فوعده بالمساعدة
وفي يوم الاحد اشاعوا
اشاعة مثل الاولى مصطنعة واظهروا البشر والسرور وركب ابراهيم بك في ذلك اليوم وذهب
الى الشيخ البكرى وعيد عليه ثم الى الشيخ العروسي والشيخ الدردير وصار يحكي لهم
وتصاغر في نفسه جدا
واوصاهم على المحافظة وكف الرعية عن امر يحدثوه او قومة او حركة في مثل هذا الوقت
فانه كأنه يخاف ذلك جدا وخصوصا لما اشيع امر الفرمانات التي ارسلها الباشا للمشايخ
وتسامع بها الناس وفي وقت ركوب ابراهيم بك من بيت الشيخ البكرى حصلت زعجة عظيمة
ببركة الأزبكية وسببها أن مملوكا أسود ضرب رجلا من زراع الملقاتى فجرحه فوقع
الصياح من رفقائه واجتمع عليهم خلق كثير من الاوباش وزاد الحال حتى امتلأت البركة
من المخلوقات وكل منهم يسأل عن الخبر من الآخر ويختلقون انواعا من الاكاذيب
فلما رجع ابراهيم بك
الى داره ارسل من طرد الناس وفحصوا عن اصل القضية وفتشوا على الضارب فلم يجدوه
فأخذوا المضروب فطيبوا خاطره واعطوه دراهم
وفيه ارسل مراد بك
بطلب ذخيرة وبقسماط وركب ايوب بك الصغير وذهب الى مصر العتيقة وعثمان بك الطنيرجي
الى بولاق ونزلوا جملة مدافع ومنها الغضبان وابو مايلة وكان ايوب هذا متمرضا مدة
شهور ومنقطعا في الحريم فغرق وشفي في ساعة واحدة
وفي يوم الاثنين كان
مولد السيد احمد البدوى ببولاق وكراء مشايخ الاشاير المراكب ليسافروا فيها فأخذوها
بأجمعها لاجل الذخيرة والمدافع
ووسقوها وارسلوا منها
جملة
وفي ليلة الثلاثاء
حضرت مراكب من مراكب الغائبين وفيها مماليك ومجاريح واجناد واخبروا بكسرة مراد بك
ومن معه واصبح الخبر شائعا في المدينة وثبت ذلك ورجعت المراكب بما فيها واخبروا
عما وقع وهو انه لما وصل مراد بك الى الرحمانية عدى سليمان بك الاغا وعثمان بك
الشرقاوى والالفي الى البر الشرقي فحصل بينهم اختلاف وغضب بعضهم ورجع القهقرى فكان
ذلك اول الفشل
ثم تقدموا الى محلة
العلويين فأخلوا منها الاورام فدخلوا اليها وملكوها وارسلوا الى مراد بك يطلبون
منه الامداد فأمر بعض الامراء بالتعدية اليهم فامتنعوا وقالوا نحن لا نفارقك ونموت
تحت اقدامك فحنق منهم وارسل عوضهم جماعة من العرب ثم ركبوا وقصدوا ان يتقدموا الى
فوة فوجدوا امامهم طائفة من العسكر ناصبين متاريس فلم يمكنهم التقدم لوعر الطريق
وضيق الجسر وكثرة القنى ومزارع الارز فتراموا بالبنادق فرمح سليمان بك فعثر بقناة
وسقط فحصلت فيهم ضجة وظنوها كسرة فرجعوا القهقرى ودخل الرعب في قلوبهم ورجعت عليهم
العرب ينهبونهم
فعدوا الى البر الآخر
وكان مراد بك مستقرا في مكان توصل اليه من طريق ضيقة لاتسع الا الفارس بمفرده
فاشاروا عليه بالانتقال من ذلك المكان وداخلهم الخوف وتخيلوا تخيلات
وما زالوا في نقض
وابرام الى الليل ثم أمر بالاتحال فحملوا حملاتهم ورجعوا القهقرى وما زالوا في
سيرهم وأشيع فيهم الانهزام وتطايرت الاخبار بالكسرة وتيقن الناس ان هذا أمر الهي
ليس بفعل فاعل
وفي ذلك اليوم حصلت
كرشة من ناحية الصاغة وسببها عبد مملوك أراد الركوب على حمار بعض المكارية
فازدحموا عليه الحمارة ورمحوا خلفه فصارت كرشة ورمحت الصغار فاغلقوا الدكاكين
بالاشرفية
والغورية والعقادين
وغير ذلك ثم تبين ان لا شيء ففتح الناس الدكاكين
وفي ذلك اليوم حضر
أناس من المماليك مجاريح وزاد الارجاف فنزل الباشا وقت الغروب الى باب العزب واراد
ابراهيم بك ان يملك أبواب القلعة فلم يتمكن من ذلك
وأرسل الباشا فطلب
القاضي والمشايخ فطلع البعض وتأخر البعض إلى الصباح وبات السيد عند الباشا ذكرها
بعد ذلك الباشا لحسن باشا وشكره عليها واحبه وذهب للسلام عليه عند قدومه دون غيره
من بقية المشايخ فلما أصبح نهار الاربعاء طلعوا بأجمعهم وكذلك جماعة الوجاقلية
ونصب الباشا البيرق على باب العزب ونزل جاويش مستحفظان وجاويش العزب وامامهم
القابجية والمناداة على الالضاشات وغيرهم وكل من كان طائعا لله وللسلطان يأتي تحت
البيرق فطلع عليه جميع الالضاشات والتجار واهل خان الخليلي وعامة الناس وظهرت الناس
المخفيون والمستضعفون والذين أنحلهم الدهر والذى لم يجد ثياب زيه استعار ثيابا
وسلاحا حتى امتلأت الرميلة وقراميدان من الخلائق وأرسل محمد باشا يستحث حسن باشا
في سرعة القدوم ويخبره بما حصل وكان قصد حسن باشا التأخر حتى يسافر الحاج وتأتي
العساكر البرية فاقتضى الحال ولزم الامر في عدم التأخر
وأما ابراهيم بك فانه
اشتغل في نقل عزاله ومتاعه بطول الليل في بيوته الصغار فلم يترك الا فرش مجلسه
الذى هو جالس فيه ثم انه جلس ساعة وركب الى قصر العيني وجلس به
وأما ابراهيم بك أمير
الحج فانه طلع الى باب العزب وطلب الامان فأرسل له الباشا فرمانا بالامان واذن له
في الدخول وكذلك حضر أيوب بك الكبير وأيوب بك الصغير وكتخدا الجاويشية وسليمان بك
الشابورى وعبد الرحمن بك وعثمان وأحمد جاويش المجنون ومحمد كتخدا أزنور ومحمد
كتخدا اباظة وجماعة كثيرة من الغز والاجناد وكذلك رضوان بك بلغيا فكان كل من حضر
لطلب الامان فان كان من الامراء الكبار فانه يقف عند الباب ويطرقه ويطلب الامان
ويستمر
واقفا حتى يأتيه
فرمان الامان ويؤذن له في الدخول من غير سلاح وان كان من الاصاغر فانه يستمر
بالرميلة أو قراميدان أو يجلس على المساطب
فلما تكامل حضور
الجميع أبرز الباشا خطا شريفا وقرأه عليهم وفيه المأمورات المتقدم ذكرها وطلب
ابراهيم بك ومراد بك فقط وتأمين كل من يطلب الامان
واستمر امير الحج على
منصبه ثم انه خلع على حسن كاشف تابع حسن بك قصبة رضوان وقلده أغاة مستحفظان وخلع
على محمد كتخدا أزثور وقلده الزعامة وقلد محمد كتخدا اباظة أمين احتساب ونزلوا الى
المدينة ونادوا بالامان والبيع والشراء وكذلك نزل الأمراء إلى دورهم ما عدا
إبراهيم بك أمير الحاج فإن الباشا عوقه عنده ذلك اليوم
وكذلك اذنوا للناس
بالتوجه الى اماكنهم بشرط الاستعداد والاجابة وقت الطلب ولم يتأخر الا المحافظون
على الابواب
واما مراد بك فانه
حضر الى برانبابة واستمر هناك ذلك اليوم ثم ذهب في الليل الى جزيرة الذهب وركب
ابراهيم بك ليلا وذهب الى الآثار
وفي عصر ذلك اليوم
نزل الآغا ونبه على الناس بالطلوع الى الابواب
وفيه حضر سليمان بك
الاغا وطلب الامان فأعطوه فرمان الامان وذهب الى بيته وأصبح يوم الخميس فنزلت
القابجية ونبهت على الناس بالطلوع فطلعوا واجتمعت الخلائق زيادة على اليوم الاول
وحضر أهالي بولاق ونزل الاغا فنادى بالامن والامان
وفي ذلك اليوم قبل
العصر ركب عثمان خازندار مراد بك سابقا وذهب الى سيده وكان من جملة من أخذ فرمانا
بالامان فلما نزل الى داره أخذ ما يحتاجه وذهب فلما بلغ الباشا هروبه اغتاظ من
فعله
ثم ان الباشا تخيل من
ابراهيم بك امير الحاج فأمره بالنزول الى بيته فنزل الى جامع السلطان حسن وجلس به
فأرسل له الباشا بالذهاب الى منزله
فذهب
وفي صباح ثاني يوم ركب
سليمان بك وأيوب بك الكبير والصغير وخرجوا الى مضرب النشاب وركب ابراهيم بك أمير
الحاج وذهب الى بولاق واحب ان يأخذ الجمال من المناخ فمنعه عسكر المغاربة ثم ذهب
عند رفقائه بمضرب النشاب فلما بلغ الباشا ذلك أرسل لهم فرمانا بالعودة فطردوا
الرسول ومزقوا الفرمان وأقاموا بالمصاطب حتى اجتمعت عليهم طوائفهم وركبوا ولحقوا
بأخوانهم فلما حصل ذلك اضطربت البلد وتوهموا صعودهم على الجبل بالمدافع ويضربوا
على القلعة وغير ذلك من التوهمات وركب قائد أغا بعد صلاة الجمعة وعلي أغا خازندار
مراد بك سابقا وصحبتهم جملة من المماليك والعسكر وهم بالطرابيش وبيدهم مكاحل
البندق والقرابينات وفتائلها موقودة فوصلوا الى الرميلة فضربوا عليهم مدفعين
فرجعوا الى ناحية الصليبة ونزلوا الى باب زويلة ومروا على الغورية والاشرفية وبين
القصرين وطلعوا من باب النصر وامامهم المناداة أمان واطمئنان حكم ما رسم ابراهيم
بك ومراد بك وحكم الباشا بطال فلما سمع الناس ذلك ورأوه على تلك الصورة انزعجوا
واغلقوا الدكاكين المفتوحة وهاجت الناس وحاصوا حيصة عظيمة وكثر فيهم للغط
ولما بلغ الباشا هروب
المذكورين حصن القلعة والمحمودية والسلطان حسن وأرسل الاغا فنادى على الالضاشات
بالطلوع الى القلعة
وفي تلك الليلة ضرب
المنسر كفر الطماعين ونهبوا منه عدة أماكن وقتل بينهم اشخاص وانقطعت الطرق حتى الى
بولاق ومصر القديمة وصارت التعرية من عند رصيف الخشاب
وفي يوم السبت ركب
ابراهيم بك وحسين بك وأتوا الى المناخ أيضا وأرادوا أخذ الجمال فمنعهم المغاربة
وقيل أخذوا منهم جملة وعربدوا في ذلك اليوم عربدة عظيمة من كل ناحية وارسل الباشا
قبل المغرب فطلب=
مجلد4.
كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
أغاوية المتفرقة وكتخدا الجاويشية وكان انسانا حسنا صافي
الباطن لا يميل طبعه لسوى عمل الخير ويحب أهل العلم وممارستهم وكان له ميل عظيم
واعتقاد حسن في المرحوم الشيخ الوالد ويزوره في كل جمعة مع غاية الادب والامتثال
ومما شاهدته من كمال أدبه وشدة اعتقاده وحبه أنه صادفه مرة بالطريق وهو إذ ذاك
كتخدا الجاويشية وهو راكب في أبهته وأتباعه والشيخ راكب على بغلته فعندما رآه ترجل
ونزل عن جواده وقبل يده فأنكر عليه فعله واستعظمه واستحى منه والتمس منه أن يقيد
به بعض الطلبة ليقرئه شيئا من الفقه والدين فقيد به الشيخ عبد الرحمن العريشي فكان
يذهب اليه ويطالع له القدورى وغيره وكان يكرمه ويواسيه ولم يزل على حسن حالته حتى
توفي في سابع جمادى الاولى من السنة وكان له في منزله خلوة ينفرد فيها بنفسه ويخلع
ثياب الابهة ويلبس كساء صوف أحمر على بدنه ويأخذ سبحة كبيرة يذكر ربه عليها
ومات الامير الصالح خليل أغا مملوك الامير عثمان بك
الكبير تابع ذي الفقار وهو استاذ الامير علي خليل توفي ببلد له بالفيوم وجيء به
ميتا في عشية نهار السبت حادى عشرين جمادى الثانية من السنة فغسل وكفن ودفن
بالقرافة وكان انسانا دينا خيرا محبا للعلماء والصلحاء
ومات الامير اسمعيل أفندي تابع المرحوم الشريف محمد أغا
كاتب البيورلدى وكان انسانا خيرا صالحا توفي يوم الاحد ثاني عشرين جمادى الثانية
ومات السيد المعمر الشريف عبد اللطيف أفندي نقيب الاشراف
بالقدس وابن نقبائها عن تسعين سنة تقريبا وولى بعده أكبر أولاده السيد عبد الله
أفندي رحمه الله
ومات الامير المبجل محمد أفندي جاوجان ميسو وكان حافظ
لكتاب الله موفقا وفيه فضيلة وفصاحة ويحب العلماء والاشراف ويحسن اليهم
توفي ليلة الاثنين عشرين ربيع الاول وصلى عليه بالازهر
ودفن بالمجاورين
ومات الامير مصطفى بك الصيداوى تابع الامير علي بك القازدغلي
وكان سبب موته انه خرج الى الخلاء جهة قصر العيني وركض
جواده فسقط عنه ومات لوقته وحمل الى منزله بدرب الحجر وجهز وكفن ودفن بالقرافة
وذلك في منتصف ربيع الاول من السنة
ومات الامير علي أغا ابو قوره من جماعة الوكيل سادس عشر
ربيع الاول سنة تاريخه
ومات الامير محمد أفندي الزاملي كاتب قلم الغربية وكان
صاحب بشاشة وتودد وحسن اخلاق
توفي في رابع عشرين صفر من السنة وخلف ولده حسن أفندي
قلفة الغربية الآتي ذكره في سنة 1202
ومات الخواجا المكرم الحاج محمد عرفات الغزاوي التاجر
وهو والد عبد الله ومصطفى
توفي يوم الثلاثاء ثامن صفر من السنة والله تعالى أعلم
سنة تسع وثممانين ومائة وألف فيها عزم محمد بك أبو الذهب
على السفر والتوجه الى البلاد الشامية بقصد محابة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من
البلاد فبرز خيامه الى العادلية وفرق الاموال والتراحيل على الامراء والعساكر
والمماليك واستعد لذلك استعدادا عظيما في البحر والبر وأنزل بالمراكب الذخيرة
والجبخانة والمدافع والقنابل والمدفع الكبير المسمى بأبو مايلة الذى كان سبكه في
العام الماضي
وسافر بجموعه وعساكره في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد
بك وابراهيم بك طنان واسمعيل بك تابع اسمعيل بك الكبير لا غير وترك بمصر ابراهيم
بك وجعله عوضا عنه في امارة مصر واسمعيل بك وباقي الامراء والباشا الذي بالقلعة
وهو مصطفى باشا
النابلسي وارباب العكاكيز والخدم والوجاقلية
ولم يزل في سيره حتى وصل الى جهة غزة وارتجت البلاد
لوروده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما
وصل الى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا هم ايضا عليه وحاربوه من داخل
وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليالي فكانوا
يصعدون الى أعلى السور ويسبون المصريين وأميرهم سبا قبيحا
فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها
من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير
وسبوا النساء والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة
ثم جمعوا الاسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف وقتلوهم
عن آخرهم ولم يميزوا بين الشريف والنصراني واليهودي والعالم والجاهل والعامي
والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من لا جنى وبنوا من رؤوس القتلى عدة
صوامع ووجوهها بارزة تنسف عليها الاتربة والرياح والزوابع ثم ارتحل عنها طالبا عكا
فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هاربا وتركها وحصونها
فوصل اليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته
وخافوا سطوته وداخل محمد بك من الغرور والفرح مالا مزيد عليه وما آل به الى الموت
والهلاك
وأرسل بالبشائر الى مصر والامراء بالزينة فنودى بذلك
وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة وعمل بها وقدات وشنكات وحراقات
وأفراح ثلاثة أيام بلياليها وذلك في أوائل ربيع الثاني
فعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموت محمد بك واستمر في كل
يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكد حتى وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع في
الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى حتى اذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة
فاذا هم مبلسون
وذلك انه لما تم له الامر وملك البلاد المصرية والشامية
واذعن الجميع لطاعته وقد ارسل اسمعيل أغا اخا علي بيك الغزاوى الى اسلامبول يطلب
امرية مصر والشام وأرسل صحبته أموالا وهدايا فأجيب الى ذلك وأعطوه التقاليد والخلع
والبرق والداقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الامر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا
فامتلأ فرحا وحم بدنه في الحال فأقام محموما ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن
ربيع الثاني
ووافى خبر موته اسمعيل آغا عندما تهيأ ونزل في المراكب
يريد المسير الى مخدومه فانتقض الامر وردت التقاليد وباقي الاشياء
ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فرح
الامراء والاجناد الذين بصحبته برجوعهم الى مصر وصاروا متشوقين للرحيل والرجوع الى
الاوطان
فاجتمعوا اليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته
فتبين لهم من كلامه عدم العود وانه يريد تقليدهم المناصب والاحكام بالديار الشامية
وبلاد السواحل وأمرهم بارسال المكاتبات الى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله
عليهم وما سيفتح لهم ويطمنوهم ويطلبوا احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين اليها من مصر
فعند ذلك اغتموا وعلموا انهم لا براح لهم وان أمله غير
هذا وذهب كل الى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل وأقمنا على ذلك الثلاثة ايام التي
تمرض فيها وأكثرنا لا يعلم بمرضه ولا يدخل اليه الا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك الا
بقولهم في اليوم الثالث انه منحرف المزاج
فلما كان في صبح الليلة التي مات بها نظرنا الى صيوانه
وقد انهدم ركنه وأولاد الخزنة في حركة ثم زاد الحال وجردوا على بعضهم السلاح بسبب
المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي وحضر مراد بيك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع
كبراءهم وتشاوروا في أمرهم وأرضى خواطرهم خوفا من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد
الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم فيهم
واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم
ولما تحقق عندهم انهم ان دفنوه هناك في بعض المواضع
أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة
وارتحلوا به طالبين الديار المصرية
فوصلوا في ستة عشر يوما ليلة الرابع والعشرين من شهر
ربيع الثاني أواخر النهار فأرداوا دفنه بالقرافة
وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الازهر
فحفروا له قبرا في الليوان الصغير الشرقي وبنوه ليلا ولما أصبح النهار عملوا له
مشهدا وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى امامه المشايخ والعلماء والامراء
وجميع الاحزاب والاوراد وأطفال المكاتب وأمام نعشه مجامر العنبر والعود سترا على
رائحته ونتنه حتى وصلوا به الى مدفنه وعملوا عنده ختمات وقراءات وصدقات عدة ليال
وأيام نحو أربعين يوما
واستقرأ تباعه امراء ورئيسهم ابراهيم بيك ومراد بيك
وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بيك واحمد بيك الكلارجي ومصطفى بيك
الكبير وأيوب بيك الكبير وذو الفقار بيك ومحمد بيك طبال ورضوان بيك والذين تأمروا
بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بيك الاغا وابراهيم بيك الوالي وأيوب بيك الصغير
وقاسم بيك الموسقو وعثمان بيك الشرقاوى ومراد بيك الصغير وسليم بيك أبو دياب
ولاجين بيك وسيأتي ذكر أخبارهم
من مات في هذه السنة من الاعيان مات الامام الهمام شيخ
مشايخ الاسلام عالم العلماء الاعلام امام المحققين وعمدة المدققين الشيخ علي بن
أحمد بن مكرم الله الصعيدى العدوى المالكي ولد ببني عدى كما أخبر عن نفسه سنة 1112
ويقال له أيضا المنفيسي لان أصوله منها وقدم الى مصر وحضر دروس المشايخ كالشيخ عبد
الوهاب الملوى والشيخ شلبي البرلسي والشيخ سالم النفراوى
والشيخ عبد الله المغربي والسيد محمد السلموني ثلاثتهم
عن الخرشي وأقرانه وكسيدي محمد الصغير والشيخ ابراهيم الفيومي ومحمد بن زكريا
والشيخ محمد السجبيني والشيخ ابراهيم شعيب المالكي والشيخ أحمد الملوى والشيخ احمد
الديربي والشيخ عيد النمرسي والشيخ مصطفى العزيزى والشيخ محمد العشماوى والشيخ
محمد ابن يوسف والشيخ أحمد الاسقاطي والبقرى والعماوى والسيد علي السيواسي
والمدابغي والدفرى والبليدى والحفني وآخرين وبآخرة تلقن الطريقة الاحمدية عن الشيخ
على بن محمد الشناوى ودرس بالازهر وغيره
وقد بارك الله في أصحابه طبقة بعد طبقة كما هو مشاهد
وكان يحكي عن نفسه أنه طالما كان يبيت بالجوع في مبدأ اشتغاله بالعلم وكان لا يقدر
على ثمن الورق ومع ذلك ان وجد شيئا تصدق به
وقد تكررت له بشارات حسنة مناما ويقظة وله مؤلفات دالة
على فضله منها حاشية على ابن تركي وأخرى على الزرقاني على العزية وأخرى على شرح
أبي الحسن على الرسالة في مجلدين ضخمين وأخرى على الخرشي وأخرى على شرح الزرقاني
على المختصر وأخرى على الهدهدى على الصغرى وحاشيتان على عبد السلام على الجوهرة
كبرى وصغرى وأخرى على الاخضرى على السلم وأخرى على بن عبد الحق على بسملة شيخ
الاسلام وأخرى على شرح شيخ الاسلام على الفية المصطلح للعراقي وغير ذلك
وكان قبل ظهوره لم تكن المالكية تعرف الحواشي على شروح
كتبهم الفقهية فهو أول من خدم تلك الكتب بها وله شرح على خطبة كتاب امداد الفتاح
على نور الايضاح في مذهب الحنفية للشيخ الشرنبلالي وكان رحمه الله شديد الشكمية في
الدين يصدع بالحق ويأمر بالمعروف واقامة الشريعة ويحب الاجتهاد في طلب العلم ويكره
سفاسف الامور وينهى عن شرب الدخان ويمنع من شربه بحضرته وبحضرة اهل العلم
تعظيما لهم
واذا دخل منزل من منازل الامراء ورأى من يشرب الدخان شنع
عليه وكسر آلته ولو كانت في يد كبير الامراء
وشاع عنه ذلك وعرف في جميع الخاص والعام وتركوه بحضرته
فكانوا عندما يرونه مقبلا منن بعيد نبه بعضهم بعضا ورفعوا شبكاتهم وأقصابهم
واخفوها عنه وان رأى شيئا منها أنكر عليهم ووبخهم وعنفهم وزجرهم حتى ان علي بك في
أيام امارته كان اذا دخل عليه في حاجة أو شفاعة أخبروه قبل وصوله الى مجلسه فيرفع
الشبك من يده ويخفوه من وجهه وذلك مع عتوه وتجبره وتكبره
واتفق انه دخل عليه في بعض الاوقات فتلقاه على عادته
وقبل يده وجلس فسكت الامير مفكرا في أمر من الامور فظن الشيخ اعراضه عنه فأخذته
الحدة وقال مخاطبا له باللغة الصعيدية يامين يامين هو غضبك ورضاك على حد سواء بل
غضبك خير من رضاك
وكرر ذلك وقام قائما وهو يأخذ بخاطره ويقول انا لم أغضب
من شيء ويستعطفه
فلم يجبه ولم يجلس ثانيا وخرج ذاهبا
ثم سأل علي بك عن القضية التي أتى بسببها فأخبروه فأمر
بقضائها
واستمر الشيخ منقطعا عن الدخول اليه مدة حتى ركب في ليلة
من ليالي رمضان مع الشيخ الوالد في حاجة عند بعض الامراء ومرا ببيت علي بك فقال له
ادخل بنا نسلم عليه فقال يا شيخنا أنا لا ادخل فقال لا بد من دخولك معي
فلم تسعه مخالفته وانسر بذلك علي بك تلك الليلة سرورا
كثيرا
ولما مات علي بك واستقل محمد بك أبو الذهب بامارة مصر
كان يجل من شأنه ويحبه ولا يرد شفاعته في شيء أبدا وكل من تعسر عليه قضاء حاجة ذهب
الى الشيخ وأنهى اليه قصته فيكتبها مع غيرها في قائمة حتى تمتلىء الورقة ثم يذهب
الى الامير بعد يومين أو ثلاثة فعندما يستقر في الجلوس يخرج القائمة من جيبه ويقص
ما فيها من القصص والدعاوى واحدة بعد واحدة ويأمره بقضاء كل منها والامير لا
يخالفه ولا ينقبض
خاطره في شيء من ذلك
ولما بنى الامير المذكور مدرسته كان المترجم هو المتعين
في التدريس بها داخل القبة على الكرسي وابتدأ بها البخارى وحضره كبار المدرسين
فيها وغيرهم ولم يترك درسه بالازهر ولا بالبرديكية
وكان يقرأ قبل ذلك بمسجد الغريب عند باب البرقية في
وظيفة جعلها له الامير عبد الرحمن كتخدا وكذلك وظيفة بعد الجمعة بجامع مرزه ببولاق
وكان على قدم السلف في الاشتغال والقناعة وشرف النفس
وعدم التصنع والتقوى ولا يركب الا الحمار ويؤاسي أهله واقاربه ويرسل الى فقرائهم
ببلده الصلات والاكسية والبز والطرح للنساء والعصائب والمداسات وغير ذلك
ولم يزل مواظبا على الاقراء والافادة حتى تمرض بخراج في
ظهره اياما قليلة وتوفي في عاشر رجب من السنة وصلي عليه بالازهر بمشهد عظيم ودفن
بالبستان بالقرافة الكبرى رحمه الله ولم يخلف بعده مثله ولم أعثر على شيء من
مراثيه
ومات الامام العلامة الفقيه الصالح الشيخ احمد بن عيسى
بن احمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى البراوى الشافعي ولد بمصر وبها نشأ وحفظ القرآن
والمتون وتفقه على والده وغيره وحضر المعقول وتمهر وأنجب ودرس في حياة والده وبعد
وفاته تصدر للتدريس في محله وحضره طلبة أبيه واتسعت حلقة درسه مثل أبيه واشتهر
ذكره وانتظم في عداد العلماء
وكان نعم الرجل شهامة وصرامة وفيه صداقة وحب للاخوان
توفي بطندتا ليلة الاربعاء ثالث شهر ربيع الاول فجأة اذ
كان ذهب للزيارة المعتادة وجيء به الى مصر فغسل في بيته وكفن وصلي عليه بالجامع
الازهر ودفن بتربة والده بالمجاورين
ومات الامام الفاضل المسن الشيخ أحمد بن رجب بن محمد
البقرى الشافعي المقرى حضر دروس كل من الشيخ المدابغي والحفني ولازم الاول كثيرا
فسمع منه البخاري بطرفيه والسيرة الشامية كلها وكتب
بخطه الكثير من الكتب الكبار وكان سريع الفهم وافر العلم
كثير التلاوة للقرآن مواظبا على قيام الليل سفرا وحضرا ويحفظ أورادا كثيرة واحزابا
ويجيز بها وكان يحفظ غالب السيرة ويسردها من حفظه ونعم الرجل كان متانة ومهابة
توفي وهو متوجه الى الحج في منزله النخل آخر يوم من شوال
من السنة ودفن هناك
ومات عالم المدينة ورئيسها الشيخ محمد بن عبد الكريم
السمان ولد بالمدينة ونشأ في حجر والده واشتغل يسيرا بالعلم وأرسله والده الى مصر
في سنة 1174 فتلقته تلامذة أبيه بالاكرام وعقد حلقة الذكر بالمشهد الجسيني وأقبلت
عليه الناس ثم توجه الى المدينة
ولما توفي والده أقيم شيخا في محله ولم يزل على طريقته
حتى مات في رابع الحجة من السنة عن ثمانين سنة
ومات العلامة المعمر الصالح الشيخ احمد الخليلي الشامي
أحد المدرسين بالازهر تلقى عن أشياخ عصره ودرس وأفاد وكان به انتفاع للطلبة تام
عام وألف اعراب الآجرومية وغيره
توفي في عاشر صفر من السنة
ومات الامير الكبير محمد بك أبو الذهب تابع علي بك
الشهير اشتراه استاذه في سنة خمس وسبعين فأقام مع أولاد الخزنة أياما قليلة وكان
اذ ذاك اسمعيل بك خازندار فلما أمر اسمعيل بك قلده الخازندارية مكانه وطلع مع
مخدومه الى الحج ورجع أوائل سنة ثمان وسبعين وتامر في تلك السنة وتقلد الصنجقية
وعرف بأبي الذهب
وسبب تلقبه بذلك انه لما لبس الخلعة بالقلعة صار يفرق
البقاشيش ذهبا وفي حال ركوبه ومروره جعل ينثر الذهب على الفقراء والجعيدية حتى دخل
الى منزله فعرف بذلك لانه لم يتقدم نظيره لغيره ممن تقلد الامريات واشتهر عنه هذا
اللقب وشاع وسمع عن نفسه شهرته بذلك فكان لا يضع في جيبه الا الذهب ولا يعطي الا الذهب
ويقول أناا أبو الذهب فلا أمسك
الا الذهب
وعظم شأنه في زمن قليل ونوه مخدومه بذكره وعينه في
المهمات الكبيرة والوقائع الشهيرة وكان سعيد الحركات مؤيد العزمات لم يعهد عليه
الخذلان في مصاف قط وقد تقدمت أخباره ووقائعه في أيام استاذه علي بك وبعده واستكثر
من شراء المماليك والعبيد حتى اجتمع عنده في الزمن القليل مالا يتفق لغيره في
الزمن الكثير وتقلدوا المناصب والامريات
فلما تمهدت البلاد بسعده المقرون ببأس استاذ خالف عليه
وضم المشردين وغمرهم بالاحسان واستمال بواقي أركان الدولة واستلين الجميع جانبه
وجنحوا اليه وأحبوه وأعانوه وتعصبوا له وقاتلوا بين يديه حتى أراحوا علي بك وخرج
هاربا من مصر الى الشام واستقر المترجم بمصر وساس الامور وقلد المناصب وجبى
الاموال والغلال وراسل الدولة العثمانية واظهر لهم الطاعة وقلد مملوكه ابراهيم بك
امارة الحج تلك السنة وصرف العلائف وعوائد العربان وأرسل الغلال للحرمين والصرر
وتحرك علي بك للرجوع الى مصر وجيش الجيوش فلم يهتم المترجم لذلك وكاد له كيدا بان
جمع القرانصة والذين يظن فيهم النفاق وأسر اليهم ان يراسلوا علي بك ويستعجلوه في
الحضور ويثقوا مساوىء للمترجم ومنفرات ويعدوه بالمخامرة معه والقيام بنصرته متى
حضر وأرسلوها اليه بالشريطة السرية
فراج عليه ذلك واعتقد صحته وأرسل إليهم بالجوابات
وأعادوا له الرسالة كذلك باطلاع مخدومهم واشارته فعند ذلك قوى عزم علي بك على
الحضور وأقبل بجنوده الى جهة الديار المصرية فخرج اليه المترجم ولاقاه بالصالحية
وأحضره أسيرا كما تقدم
ومات بعد أيام قليلة وانقضى أمره وارتاح المترجم من قبله
وجمع باقي الامراء المطرودين والمشردين وأكرمهم واستخدمهم وواساهم واستوزرهم
وقلدهم المناصب ورد اليهم بلادهم وعوائدهم واستعبدهم بالاحسان والعطايا واستبدلهم
العز بعد الذل والهوان وراحة الاوطان بعد الغربة والتشريد والهجاج
في البلدان
فثبتت دولته وارتاحت النواحي من الشرور والتجاريد وهابته
العربان وقطاع الطريق وأولاد الحرام وأمنت السبل وسلكت الطرق بالقوافل والبضائع
ووصلت المجلوبات من الجهات القبلية والبحرية بالتجارات والمبيعات
وحضر والي مصر خليل باشا وطلع الى القلعة على العادة
القديمة وحضر للمترجم من الدولة المرسومات والخطابات ووصل اليه سيف وخلعة فلبس ذلك
في الديوان في أبهة عظيمة وعظم شأنه وانفرد بامارة مصر
واستقام أمره وأهمل أمر اتباع استاذه علي بك وأقام
أكثرهم بمصر بطالا
وحضر الى مصر مصطفى باشا النابلسي من أولاد العضم والتجأ
اليه فأكرم نزله ورتب له الرواتب وكاتب الدولة وصالح عليه وطلب له ولاية مصر فأجيب
الى ذلك ووصلت اليه التقاليد والداقم في ربيع الثاني سنة ثمان وثمانين
ووجه خليل باشا الى ولاية جدة وسافر من القلزم في جمادى
الثانية وتوفي هناك وفي اواخر سنة سبع وثمانين
شرع في بناء مدرسته التي تجاه الجامع الازهر وكان محلها
رباع متخربة فاشتراها من اربابها وهدمها وأمر ببنائها على هذه الصفة وهي على أرنيك
جامع السنانية الكائن بشاطىء النيل ببولاق
فرتب لنقل الاتربة وحمل الجير والرماد والطين عدة كبيرة
من قطارات البغال وكذلك الجمال لشيل الاحجار العظيمة كل حجر واحد على جمل وطحنوا
لها الجبس الحلواني المصيص ورموا أساسها في أوائل شهر الحجة ختام السنة المذكورة
ولما تم عقد قبتها العظيمة وما حولها من القباب المعقودة على اللواوين وبيضوها
ونقشوا داخل القبة بالالوان والاصباغ وعمل لها شبابيك عظيمة كلها من النحاس الاصفر
المصنوع وعمل بظاهرها فسحة مفروشة بالرخام المرمر وبوسطها حنفية وحولها مساكن
لمتصوفة الاتراك وبداخلها عدة كراسي راحة وكذلك بدورها العلوى وباسفل من ذلك ميضاة
عظيمة تمتلىء بالماء من نوفرة بوسطها تصب في صحن
كبير من الرخام المصنوع نقلوه اليها من بعض الاماكن
القديمة ويفيض منه فيملأ الميضاة وحول الميضاة عدة كراسي راحة وأنشأ ساقية لذلك
فحفروها وخرج ماؤها حلوا فعد ذلك ايضا من سعده مع ان جميع الآبار والسواقي التي
بتلك الخطة ماؤها في غاية الملوحة وأنشأ سفل ذلك صهريجا عظيما يملأ في كل سنة من
ماء النيل وحوضا عظيما لسقي الدواب وعمل بأعلى الميضاة ثلاثة أماكن برسم جلوس
المفتين الثلاثة يجلسون بها حصة من النهار لافادة الناس بعد املاء الدروس وقرر
فيها الشيخ أحمد الدردير مفتي المالكية والشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية
والشيخ حسن الكفراوي مفتي الشافعية
ولما تم البناء فرشت جميعها بالحصر ومن فوقها الابسطة
الرومي من داخل وخارج حتى فرجات الشبابيك ومساكن الطباق
ولما استقر جلوس المفتين المذكورين بالثلاثة اماكن التي
اعدت لهم أضربهم الرائحة الصاعدة اليهم من المراحيض التي من أسفل واعلموا الامير
بذلك فأمر بابطالها وبنوا خلافها بعيدا عنها وتقرر في خطابتها الشيخ أحمد الراشدى
وغالب المدرسين بالازهر مثل الشيخ علي الصعيدي مدرس البخارى والشيخ أحمد الدردير
والشيخ محمد الامير والشيخ عبد الرحمن العريشي والشيخ حسن الكفراوى والشيخ أحمد
يونس والشيخ أحمد السمنودى والشيخ علي الشنويهي والشيخ عبد الله اللبان والشيخ
محمد الحفناوى والشيخ محمد الطحلاوى والشيخ حسن الجداوى والشيخ أبي الحسن القلعي
والشيخ البيلي والشيخ محمد الحريرى والشيخ منصور المنصورى والشيخ أحمد جاد الله
والشيخ محمد المصيلحي ودرسا ليحيى أفندي شيخ الاتراك
وتقرر السيد عباس اماما راتبا بها وفي وظيفة التوقيت
الشيخ محمد الصبان وجعل بهاى خزانة كتب محمد أفندى حافظ وينوب عنه الشيخ محمد
الشافعي الجناحي ورتب للمدرسين الكبار في كل يوم مائة وخمسين
نصفا فضة ولمن دونهم خمسون وكذلك للطلبة منهم من له عشرة
انصاف في كل يوم ومنهم من له أكثر وأقل ويقدر عدد الدراهم أرداب من البر في كل سنة
ولما انتهى أمرها وصلى بها الجمعة في شهر شعبان سنة ثمان
وثمانين حضر الامير المذكور واجتمع المشايخ والطلبة وأرباب الوظائف وصلوا بها
الجمعة وبعد انقضاء الصلاة جلس الشيخ الصعيدي على الكرسي وأملى حديث من بني لله
مسجدا ولو كفحص قطاة بنى الله له بيت في الجنة
فلما انقضى ذلك أحضرت الخلع والفراوى فالبس الشيخ
الصعيدى والشيخ الراشدى الخطيب والمفتين الثلاثة فراوى سمور وباقي المدرسين فراوى
نافا بيضاء وانعم في ذلك اليوم على الخدمة والمؤذنين وفرق عليهم الذهب والبقاشيش
وتنافس الفقهاء والاشياخ والطلبة وتحاسدوا وتفاتنوا ووقف على ذلك امانة قويسنا
وغيرها والحوانيت التي أسفل المدرسة ولم يصرف ذلك الا سنة واحدة فان المترجم سافر
في أوائل سنة تسع وثمانين الى البلاد الشامية كما تقدم ومات هناك ورجعوا برمته
وتآمر اتباعه وتقاسموا البلاد فيما بينهم ومن جملتها امانة قويسنا الموقوفة فبرد
أمر المدرسة وعوضوا عن ذلك الوكالة التي أنشأها علي بك ببولاق لمصرف أجرة الخدمة
وعليق الاثوار بعد ما أضعفوا المعاليم ونقصوها ووزعوا عليهم ذلك الايراد القليل
ولم يزل الحال يتناقص ويضعف حتى بطل منها غالب الوظائف والخدم الى ان بطل التوقيت
والاذان بل والصلاة في أكثر الاوقات وأخلق فرشها وبسطها وعتقت وبليت وسرق بعضها
وأغلق أحد أبوابها المواجه للقبوة الموصل للمشهد الحسيني بل أغلقت جميعها شهورا مع
كون الامراء أصحاب الحل والعقد اتباع الواقف ومماليكه لكن لما فقدت منهم القابلية
واستولى عليهم الطمع والتفاخر والتنافس والتغاضي خوف الفشل وتفرق الكلمة من
الانحراف عن الاوضاع ظهر الخلل في كل شيء حتى في الامور
الموجبة لنظام دولتهم واقامة ناموسهم كما يتضح ذلك فيما
بعد
وبالجملة فان المترجم كان آخر من أدركنا من الامراء
المصريين شهامة وصرامة وسعدا وخرما وعزما وحكما وسماحة وحلما وكان قريبا للخير يحب
العلماء والصلحاء ويميل بطبعه اليهم ويعتقد فيهم ويعظمهم وينصت لكلامهم ويعطيهم
العطايا الجزيلة ويكره المخالفين للدين ولم يشتهر عنه شيء من الموبقات والمحرمات
ولا ما يشينه في دينه أو يخل بمروءته بهي الطلعة جميل الصورة أبيض اللون معتدل
القامة والبدن مسترسل اللحية مهاب الشكل وقورا محتشما قليل الكلام والالتفات ليس
بمهدا ولا خوار ولا عجول مبجلا في ركوبه وجلوسه يباشر الاحكام بنفسه ولولا ما فعله
آخرا من الاسراف في قتل أهل يافا باشارة وزرائه لكانت حسناته أكثر من سيآته
ولم يتفق لامير مثله في كثرة المماليك وظهور شأنهم في
المدة اليسيرة وعظم أمرهم بعده وانحرفت طباعهم عن قبول العدالة ومالوا الى طرق
الجهالة واشتروا المماليك فنشؤا على طرائقهم وزادوا عن سوابقهم وألفوا المظالم
وظنوها مغانم وتمادوا على الجور وتلاحقوا في البغي على الفور الى ان حصل ما حصل
ونزل بهم وبالناس ما نزل
وسيتلى عليك من ذلك أنباء وأخبار وما حل بالاقليم بسببهم
من الخراب والدمار والله تعالى أعلم
سنة تسعين ومائة وألف كان سلطان العصر فيها السلطان عبد
الحميد بن أحمد خان العثماني ووالي مصر الوزير محمد باشا عزت الكبير وأمراؤها
ابراهيم بيك ومراد بيك مملوكا محمد بيك أبي الذهب وخشداشينهما أيوب بيك الكبير
ويوسف بيك أمير الحاج ومصطفى بيك الكبير وأحمد بيك الكلارجي وأيوب بيك الصغير
ومحمد بيك طبل وحسن بيك سوق السلاح وذو الفقار
بيك ولاجين بيك ومصطفى بيك الصغير وعثمان بيك الشرقاوى
وخليل بيك الابراهيمي ومن البيوت القديمة حسن بيك قصبة رضوان ورضوان بيك بلفيا
وابراهيم بيك طبان وعبد الرحمن بيك عثمان الجرجاوى وسليمان بيك الشابورى وبقايا
اختيارية الوجاقات مثل أحمد باشجاويش اآرنؤد واحمد جاويش المجنون واسمعيل أفندى
الخلوتي وسليمان البرديسي وحسن أفندى درب الشمسي وعبد الرحمن أغا مجرم ومحمد أغا
محرم وأحمد كتخدا المعروف بوزير وأحمد كتخدا الفلاح وباقي جماعة الفلاح وابراهيم كتخدا
مناو وغيرهم والامرا والنهي للامراء المحمدية المتقدم ذكرهم وكبيرهم وشيخ البلد
ابراهيم بيك ولا ينفذ أمر بدون اطلاع قسيمة مراد بيك واسمعيل بيك الكبير متنزه
ومنعكف في بيته وقانع بايراده وبلاده ومنزو عن التداخل فيهم من موت سيدهم وعمر
داره التي بالازبكية وأقام بها
وفيها في يوم الخميس سابع شهر صفر وصل الحج الى مصر ودخل
الركب وأمير الحاج يوسف بيك
وفي ليلة الجمعة تاسع صفر وقع حريق بالازبكية وذلك في
نصف الليل بخطة الساكت احترق فيها عدة بيوت عظام وكان شيئا مهولا ثم انها عمرت في
أقرب وقت والذي لم يقدر على العمارة باع أرضه فاشتراها القادر وعمرها فعمر رضوان
بيك بلفيا دارا عظيمة وكذلك الخواجا السيد عمر غراب والسيد أحمد عبد السلام والحاج
محمود محرم بحيث انه لم يأت النيل القابل الا وهي أحسن وأبهج مما كانت عليه
وفيها سقط ربع بسوق الغورية ومات فيه عدة كثيرة من الناس
تحت الردم ثم ان عبد الرحمن أغا مستحفظان اخذ تلك الاماكن من أربابها شراء وأنشأ
الحوانيت والربع علوها والوكالة المعروفة الآن بوكالة الزيت
والبوابة التي يسلك منها من السوق
وفيها حضر جماعة من الهنود ومعهم فيل صغير ذهبوا به الى
قصر العيني وادخلوه بالاسطبل الكبير وهرع الناس للفرجة عليه ووقف الخدم على ابواب
القصر يأخذون من المتفرجين دراهم وكذلك سواسة الهنود جمعوا بسببه دراهم كثيرة وصار
الناس يأتون اليه بالكعك وقصب السكر ويتفرجون على مصه في القصب وتناوله بخرطومه
وكان الهنود بخاطبونه بلسانهم ويفهم كلامهم واذا احضروه بين يدي كبير كلموه فيبرك
على يديه ويشير بالسلام بخرطومه
وفيها في شهر رمضان تعصب مراد بيك وتغير خاطره على
ابراهيم بيك طنان ونفاه الى المحلة الكبيرة وفرق بلاده على من أحب ولم يبق له الا
القليل
وفيها شرع الامير اسمعيل بك في عمل مهم لزواج ابنه وهي
من زوجته هانم بنت سيدهم ابراهيم كتخدا الذي كان تزوجها في سنة أربع وسبعين بالمهم
المذكور في حوادث تلك السنة وكان ذلك المهم في اوائل شهر ذي الحجة وكان قبل هذا
المهم حصل بينه وبين مراد بك منازعة ومخاصمة وسببها ان مراد بك اراد ان يأخذ من
اسمعيل بك السرور وراس الخليج فوقع بينهما مشاحنة ومخاصمة كاد يتولد منها فتنة
فسعى في الصلح بينهما ابراهيم بك فاصطلحا على غل وشرع في اثر ذلك اسمعيل بك في عمل
الفرح فاجتمعوا يوم العقد في وليمة عظيمة ووقف مراد بك وفرق المحارم والمناديل على
الحاضرين وهو يطوف بنفسه على اقدامه وعمل المهم اياما كثيرة ونزل محمد باشا عزت
باستدعاء الى بيت اسمعيل بك وعندما وصل الى حارة قوصول نزل الامراء باسرهم مشاة
على اقدامهم لملاقاته فمشوا جميعا امامه على اقدامهم وبأيديهم المباخر والقماقم
ولم
يزالوا كذلك حتى طلع الى المجلس ووقفوا في خدمته مثل
المماليك حتى انقضى الطعام والشربات وقدموا له الهدايا والتقادم والخيول الكثيرة
المسمومة ولما انقضت ايام الولائم زفوا العروس الى زوجها ابراهيم أغا الذي صنجقه
إسمعيل بك وهو خازنداره ومملوكه ويسمونه قشطة وكانت هذه الزفة من المواكب الجليلة
ومشى فيها الفيل وعليه خلعة جوخ احمر فكان ذلك من النوادر
ومات في هذه السنة الفقية المتفنن العلامة الشيخ احمد بن
محمد ابن محمد السجاعي الشافعي لازهرى ولد بالسجاعية قرب المحلة وقدم الازهر صغيرا
فحضر دروس الشيخ العزيزي والشيخ محمد السجيني والشيخ عبده الديوى والسيد علي
الضرير فقهر ودرس وأفتى وألف وكان ملازما على زيارة قبور الاولياء ويحيي الليالي
بقراءة القرآن مع صلاح وديانة وولاية وجذب وله مع الله حال غريب وهو والد الشيخ
الاوحد احمد الآتي ذكره في تاريخ موته
توفي المترجم رحمه الله تعالى في عصر يوم الاربعاء ثامن
عشرين ذي القعدة
ومات الشيخ الامام الفقية العلامة الشيخ عطية بن عطية
الاجهورى الشافعي البرهاني الضرير ولد بأجهور الورد احدى قرى مصر وقدم مصر فحضر
دروس الشيخ العشماوى والشيخ مصطفى العزيزى وتفقه عليها وعلى غيرهما واتقن في
الاصول وسمع الحديث ومهر في الآلات وأنجب ودرس المنهج والتحرير مرارا وكذا جمع
الجوامع بمسجد الشيخ مطهر وله في أسباب النزول مؤلف حسن في بابه جامع لما تشتت من
أبوابه وحاشية على الجلالين مفيدة وكذلك حاشية على شرح الزرفاني على البيقونية في
مصطلح الحديث وغير ذلك وقد حضر عليه غالب علماء مصر الموجودين واعترفوا بفضله
وأنجبوا ببركته وكان يتأنى في تقريره ويكرر الالقاء مرارا مراعاة للمستملين الذين
يكتبون ما يقوله ولما بنى
المرحوم عبد الرحمن كتخدا هذا الجامع المعروف الآن
بالشيخ مطهر الذي كان أصله مدرسة للحنفية وكانت تعرف بالسيوفيين بنى للمترجم بيتا
بدهليزها وسكن فيه بعياله وأولاده
توفي في أواخر رمضان
ومات الشيخ الفاضل النجيب أحمد بن محمد بن العجمي
الشافعي كان شابا فهيما دراكا ذا حفظ جيد حضر على علماء العصر وحصل المعقول
والمنقول وأدرك جانبا من العلوم والمعارف ودرس وأملي ولو عاش لانتظم في سلك أعاظم
العلماء ولكن اخترمته المنية في يوم الاثنين حادي عشرين جمادى الآخرة
ومات الشيخ الصالح الورع الناسك أحمد بن نور الدين
المقدسي الحنفي امام جامع قجماس وخطيبه بالدرب الاحمر وهو أخو الشيخ حسن المقدسي
مفتي السادة الحنفية شارك أخاه الشيخ حسنا المذكور في شيوخه واشتغل بالعلم وكان
شيخا وقورا بهى الشكل مقبلا على شأنه منجمعا عن الناس
توفي ليلة الاثنين سادس عشر ربيع الاول
ومات الفقيه الفاضل الشيخ ابراهيم بن خليل الصيحاني
الغزى الحنفي ولد بغزة وبها نشأ وقرأ بعض المتون على فضلاء بلده وورد الجامع
الازهر فحضر الدروس ولازم المرحوم الوالد حسنا الجبرتي وتلقى عنه الفقه وبعض
العلوم الغريبة ثم عاد الى غزة وتولى الافتاء بالمذهب وكان يرسل الى الوالد في كل
سنة جانبا من الموز المر في غلق مقدار عشرين رطلا فنخرج دهنه ونرفعه في الزجاج
لنفع الناس في الدهن ومعالجات بعض الامراض والجروحات ولم يزل على ذلك حتى ارتحل
الى دمشق وتولى أمانة الفتوى بعد الشيخ عبد الشافعي فسار أحسن سير
وتوفي بها في هذه السنة في عشر التسعين رحمه الله
ومات الفقيه الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد بن نصر بن
هيكل
ابن جامع الشنويهي تفقه على جماعة من فضلاء العصر وكان
يحضر درس الحديث في كل جمعة على السيد البليدى ودرس بالازهر وانتفع به الطلبة وكان
مشهورا بمعرفة الفروع الفقهية وكان درسه حافلا جدا وله حظ في كثرة الطلبة وكان
الاشياخ يتضايقون من حلقة درسه فيطردونه من المقصورة فيخرج الى الصحن فتملأ حلقة
درسه صحن الجامع وفي بعض الاحيان ينتقل الى مدرسة السنانية بجماعته وكان يخطب
بجامع الاشرفية بالوراقين وخطبته لطيفة مختصرة وقرأ المنهج مرارا وكان شديد
الشكيمة على نهج السلف الاول لا يعرف التصنع وكان يخبر عن نفسه انه كان كثير
الرؤيا للنبي صلى الله عليه و سلم انه لما تنزل مدرسا في المحمدية من جملة الجماعة
انقطع عنه ذلك وكان يبكي ويتأسف لذلك
توفي في ثامن عشر شعبان وأملى نسبه على الدكة الى سيدنا
علي رضي الله عنه
ومات الامير الكبير الشهير عثمان بك الفقارى باسلامبول
في هذه السنة وكان مدة غربته ببرصا واسلامبول نيفا وأربعا وثلاثين سنة وقد تقدم
ذكره وذكر مبدأ أمره وظهوره وسبب خروجه من مصر ما يغنى عن اعادة بعضه وهو أمر
مشهور والى الآن بين الناس مذكور حتى انهم جعلوا سنة خروجه تاريخا يؤرخون به
وفياتهم ومواليدهم فيقولون ولد فلان سنة خروج عثمان بك ومات فلان بعد خروج عثمان
بك بسنة أو شهر مثلا
ومات الامير عبد الرحمن كتخدا وهو بن حسن جاويش القازدغلي
أستاذ سليمان جاويش أستاذ ابراهيم كتخدا مولى جميع الامراء المصريين الموجودين
الآن
وخبره ومبدأ اقبال الدنيا عليه انه لما مات عثمان كتخدا
القازدغلي واستولى سليمان جاويش الجوخدار على موجوده ولم يعط المترجم الذي هو ابن
سيد أستاذه شيئا ولم يجد من ينصفه في ايصال حقه من طائفة باب الينكجرية حسدا منهم
وميلا لاهوائهم واغراضهم فحنق منهم وخرج من بابهم وانتقل الى وجاق العزب وحلف انه
لا يرجع الى
وجاق الينكجرية ما دام سليمان جاويش الجوخدار حيا وبر في
قسمه فانه لما مات سليمان جاويش ببركة الحاج سنة 1152 كما تقدم بادر سليمان كتخدا
الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا واستأذن عثمان بك في تقليد عبد الرحمن جاويش
السردارية عوضا عن سليمان جاويش لانه وارثه ومولاه وأحضروه ليلا وقلدوه ذلك وأحضر
الكاتب والدفاتر وتسلم مفاتيح الخشخانات والتركة بأجمعها وكان شيئا يجل عن الوصف
وكذلك تقاسيط البلاد ولم تطمع نفس عثمان بك لشيء من ذلك وأخذ المترجم غرضه من باب
العزب ورجع الى باب الينكجرية ونما امره من حينئذ وحج صحبة عثمان بك في سنة خمس
وخمسين وأقام هناك الى سنة احدى وستين فحضر مع الحجاج وتولى كتخدا الوقت سنتين
وشرع في بناء المساجد وعمل الخيرات وابطال المنكرات فأبطل خمامير حارة اليهود فأول
عماراته بعد رجوعه السبيل والكتاب الذي يعلوه بين القصرين وجاء في غاية الظرف
وأحسن المباني وأنشأ جامع المغاربة وعمل عند بابه سبيلا وكتابا وميضاة تفتح بطول
النهار وأنشأ تجاه باب الفتوح مسجدا ظريفا بمنارة وصهريج وكتاب ومدفن السيدة
السطوحية وأنشأ بالقرب من تربة لازبكية سقاية وحوضا لسقي الدواب ويعلوه كتاب وفي
الحطابة كذلك وعند جامع الدشطوطي كذلك وأنشأ وزاد في مقصورة الجامع الازهر مقدار
النصف طولا وعرضا يشتمل على خمسين عامودا من الرخام تحمل مثلها من البوائك المقوصرة
المرتفعة المتسعة من الحجر المنحوت وسقف اعلاها بالخشب النفي وبنى به محرابا جديدا
ومنبرا وأنشأ له بابا عظيما جهة حارة كتامة وبنى باعلاه مكتبا بقناطر معقودة على
أعمدة أعمدة من الرخام لتعليم الايتام من أطفال المسلمين القرآن وبداخله رحبة
متسعة وصهريج عظيم وسقاية لشرب العطاش المارين وعمل لنفسه مدفنا بتلك الرحبة وعليه
قبة معقودة وتركيبة من رخام بديعة الصنعة وبها أيضا
رواق مخصوص بمجاورى الصعائدة لطلب العلم يسلك اليه من
تلك الرحبة بدرج يصعد منه الى الرواق وبه مرافق ومنافع ومطبخ ومخادع وخزائن كتب
وبنى بجانب ذلك الباب منارة وأنشأ بابا آخر جهة مطبخ الجامع وعليه منارة ايضا
وبنى المدرسة الطيبرسية وأنشأها نشوأ جديدا وجعلها مع
مدرسة الآقبغاوية المقابلة لها من داخل الباب الكبير الذى أنشأه خارجهما جهة القبو
الموصل للمشهد الحسيني وخان الجراكسة وهو عبارة عن بابين عظيمين كل باب بمصراعين
وعلى يمينهما منارة وفوقه مكتب ايضا وبداخله على يمين السالك بظاهر الطيبرسية
ميضاة وأنشأ لها ساقية لخصوص اجراء الماء اليها وبداخل باب الميضاة درج يصعد منه
للمنارة ورواق البغداديين والهنود فجاء هذا الباب وما بداخله من الطيبرسية
والآقبغاوية والاورقة من أحسن المباني في العظم والوجاهة والفخامة وعمل عند باب
القبة الصهريج والمقصورة الكبيرة التي بها ضريح شيخ الاسلام زكريا الانصاري فيما
بين المسجد ودهليز القبة وفرش طريق القبة بالرخام الملون يسلك اليه الدهليز طويل
متسع وعليه بوابة كبيرة من داخل الدهليز البراني وعلى لدهليز البرااني من كلتا
الجهتين بوابتان
وعمر أيضا المشهد النفيسي ومسجده وبنى الصهريج على هذه
الهيئة الموجودة وجعل لزيارة النساء طريقا بخلاف طريق الرجال
وبنى أيضا مشهد السيدة زينب بقناطر السباع ومشهد السيدة
سكينة بخط الخليفة والمشهد المعروف بالسيدة عائشة بالقرب من باب القرافة والسيدة
فاطمة والسيدة رقية والجامع والرباط بحارة عابدين وكذلك مشهد أبي السعود الجارحي
على الصفة التي هو عليها الآن ومسجد شرف الدين الكردى بالحسينية
ومسجدا بخط الموسكى وبنى للشيخ الحفني دارا بجوار ذلك
المسجد وينفذ اليه من داخل
وعمر المدرسة السيوفية المعروفة بالشيخ مطهر بخطبات
الزهومة وبنى
لوالدته بها مدفنا
وأنشأ خارج باب القرافة حوضا وسقاية وصهريجا وجدد
المارستان المنصورى وهدم أعلى القبة الكبيرة المنصورية والقبة التي كانت بأعلى
الفسحة من خارج ولم يعد عمارتهما بل سقف قبة المدفن فقط وترك الاخرى مكشوفة ورتب
له خيرات وأخبازا زيادة على البقايا القديمة ولما عزم على ترميمه وعمارته أراد ان
يحتاط بجهات وقفه فلم يجد له كتاب وقف ولا دفترا وكانت كتب أوقافه ودفاتره في داخل
خزانة المكتب فاحترقت بما فيها من كتب العلم والمصاحف ونسخ الوقفيات والدفاتر
ووقفه يشتمل على وقف الملك المنصور قلاون الكبير الاصلي ووقف ولده الملك الناصر
محمد ووقف بن الناصر أبي الفدا اسمعيل بل وغير ذلك من مرتبات الملوك من أولادهم ثم
أنه وجد دفترا من دفاتر الشطب المستجدة عند بعض المباشرين وذلك بعد الفحص والتفتيش
فاستدل به على بعض الجهات المحتكرة
وللمترجم عمائر كثيرة وقناطر وجسور في بلاد الارياف
وبلاد الحجاز حين كان مجاورا هناك
وبنى القناطر بطندتا في الطريق الموصلة الى محلة مرحوم
والقنطرة الجديدة الموصلة الى حارة عابدين من ناحية الخلوتي على الخليج وقنطرة
بناحية الموسكى ورتب للعميان الفقراء الاكسية الصوف المسماة بالزعابيط فيفرق عليهم
جملة كثيرة من ذلك عند دخول الشتاء في كل سنة فيأتون الى داره أفواجا في أيام
معلومة ويعودون مسرورين بتلك الكساوى وكذلك المؤذنون يفرق عليهم جملة من الاجرامات
الطولونية يرتدون بها وقت التسبيح في ليالي الشتاء وكذلك يفرق جملة من الحبر
المحلاوى والبر الصعيدى والملايات والاخفاف والبوابيج القيصرلي على النساء
الفقيرات والارامل ويخرج عند بيته في ليالي رمضان وقت الافطار عدة من القصاع
الكبار المملوءة بالثريد المسقي بمرق اللحم والسمن للفقراء المجتمعين ويفرق عليهم
النقيب هبر اللحم النضيج فيعطى لكل فقير جعله وحصته في يده
وعندما يفرغون من الاكل يعطى لكل واحد منهم رغيفين ونصفي
فضة برسم سحوره الى غير ذلك
ومن عمائره القصر الكبير المعروف به بشاطىء النيل فيما
بين بولاق ومصر القديمة وكان قصرا عظيما من الابنية الملوكية وقد هدم في سنة 1205
بيد الشيخ علي بن حسن مباشرا لوقف وبيعت أنقاضه وأخشابه ومات المباشر المذكور بعد
ذلك بنحو ثلاثة أشهر
ومن عمائره أيضا دار سكنه بحارة عابدين وكانت من الدور
العظيمة المحكمة الوضع والاتقان لا يماثلها دار بمصر في حسنها وزخرفة مجالسها وما
بها من النقوش والرخام والقيشاني والذهب المموه واللازورد وأنواع الاصباغ وبديع
الصنعة والتأنق والبهجة وغرس بها بستانا بديعا بداخله قاعة متسعة مربعة الاركان
بوسطها فسقية مفروشة بالرخام البديع الصنعة وأركانها مركبة على أعمدة من الرخام
الابيض وغير ذلك من العمارات حتى اشتهر ذكره بذلك وسمى بصاحب الخيرات والعمائر في
مصر والشام والروم وعدة المساجد التي أنشأها وجددها وأقيمت فيها الخطبة والجمعة
والجماعة ثمانية عشر مسجدا وذلك خلاف الزوايا والاسبلة والسقايات والمكاتب
والاحواض والقناطر والمربوط للنساء الفقيرات والمنقطعات
وكان له في هندسة الابنية وحسن وضع العمائر ملكة يقتدر
بها على ما يروعه من الوضع من غير مباشرة ولا مشاهدة
ولو لم يكن له من المآثر الا ما أنشأ بالجامع الازهر من
الزيادة والعمارة التي تقصر عنها همم الملوك لكفاه ذلك وأيضا المشهد الحسيني
ومسجده والزيني والنفيسي وضم لوقفه ثلاث قرى من بلاد الارز بناحية رشيد وهي تفينة
وديبي وحصة كتامة وجعل ايرادها وما يتحصل من غلة أرزها لمصارف الخيرات وطعام
الفقراء والمنقطعين وزاد في طعام المجاورين بالازهر ومطبخهم الهريسة في يومي
الاثنين والخميس وقد تعطل غالب ذلك في هذا التاريخ الذى نحن فيه لغاية سنة 1220
بسبب استيلاء الخراب وتوالي المحن وتعطل الاسباب
ولم يزل
هذا شأنه الى ان استفحل أمر علي بك وأخرجه منفيا الى
الحجاز وذلك في أوائل شهر القعدة 1178 فأقام بالحجاز اثنتي عشرة سنة فلما سافر
يوسف بك أميرا بالحاج في السنة الماضية صمم على احضاره صحبته الى مصر فأحضره في
تختروان وذلك في سابع شهر صفر سنة 1190 وقد استولى عليه العي والهرم وكرب الغربة
فدخل الى بيته مريضا فأقام احد عشر يوما ومات فغسلوه وكفنوه وخرجوا بجنازته في
مشهد حافل حضره العلماء والامراء والتجار ومؤذنو المساجد وأولاد المكاتب التي
أنشأها ورتب لهم فيها الكساوى والمعاليم في كل سنة وصلوا عليه بالازهر ودفن بمدفنه
الذى أعده لنفسه بالازهر عند الباب القبلي
ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
ومن مساويه قبول الرشا والتحيل على مصادرة بعض الاغنياء
في اموالهم واقتدى به في ذلك غيره حتى صارت سنة مقررة وطريقة مسلوكة ليست منكرة
وكذلك المصالحة على تركات الاغنياء التي لها وارث ومن سيآته العظيمة التي طار
شررها وتضاعف ضررها وعم الاقليم خرابها وتعدى إلى جميع الدنيا هبابها معاضدته لعلي
بك ليقوى به على أرباب الرئاسة فلم يزل يلقي بينهم الفتن ويغرى بعضهم على بعض
ويسلط عليهم علي بك المذكور حتى أضعف شوكات الاقوياء وأكد العداوة بين الاصفياء
واشتد ساعد علي بك فعند ذلك التفت اليه وكلب بنابه عليه واخرجه من مصر وأبعده عن وطنه
فلم يجد عند ذلك من يدافع عنه وأقام هذه المدة في مكة غريبا وحيدا وأخرج أيضا في
اليوم الذي أخرجه فيه نيفا وعشرين اميرا من الاختيارية كما تقدم
فعند ذلك خلا لعلي بك وخشداشينه الجو فماضوا وأفرخوا
وامتد شرهم الى الآن الذي نحن فيه كما سيتلى عليك بعضه فهو الذي كان السبب بتقدير
الله تعالى في ظهور أمرهم فلو لم يكن له من المساوىء الا هذه لكفاه ولما رجع من
الحجاز متمرضا ذهب اليه ابراهيم بك ومراد بك وباقي خشداشينهم
ليعودوه ولم يكن رآهم قبل ذلك فكان من وصيته لهم كونوا
مع بعضكم واضبطوا أمركم ولا تداخلوا الاعادى بينكم
وهذا بدل عن قوله أوصيكم بتقوى الله تعالى وتجنبوا الظلم
وافعلوا الخير فان الدنيا زائلة وانظروا حالي ومالي أو نحو ذلك هكذا أخبرني من كان
حاضرا في ذلك الوقت وكان سليط اللسان ويتصنع الحماقة فغفر الله لنا وله رأيته مرة
وانا اذ ذاك في سن التمييز قبل ان ينفي الى الحجاز وهو ماش في جنازة مربوع القامة
أبيض اللون مسترسل اللحية ويغلب عليها البياض مترفها في ملبسه معجبا بنفسه يشار
اليه بالبنان
(
سنة احدى وتسعين ومائة وألف )
فيها في أوائل شهر ربيع الاول ورد أغا من الديار الرومية
بطلب عساكر لسفر العجم فأجتمع الامراء وتشاوروا في ذلك فاتفق رأيهم على احضار
ابراهيم بك طنان فأحضروه من المحلة وقلدوه امارة ذلك
وفيها في أوائل شهر جمادى الاولى وقعت حادثة في طائفة
المغاربة المجاورين بالجامع الازهر وذلك انه آل اليهم مكان موقوف وحجد واضع اليد
ذلك والتجأ الى بعض الامراء وكتبوا فتوى في شأن ذلك واختلفوا في ثبوت الوقف
بالاشاعة ثم أقاموا الدعاوى في المحكمة وثبت الحق للمغاربة ووقع بينهم منازعات
وعزلوا شيخهم وولوا آخر وكان المندفع في الخصومة واللسانة شيخا منهم يسمى الشيخ
عباس والامير الملتجىء اليه الخصم يوسف بك فلما ترافعوا وظهر الحق على خلاف غرض
الامير حنق لذلك ونسبهم الى ارتكاب الباطل فأرسل من طرفه من يقبض على الشيخ عباس
المذكور من بين المجاورين فطردوا المعينين وشتموهم وأخبروا الشيخ أحمد الدردير
فكتب مراسلة الى يوسف بك تتضمن عدم تعرضه لاهل العلم ومعاندة الحكم الشرعي
وأرسلها صحبة الشيخ عبد الرحمن الفرنوى وآخرين فعندما
وصلوا اليه وأعطوه التذكرة نهرهم وأمر بالقبض عليهم وسجنهم بالحبس
ووصل الخبر الى الشيخ الدردير وأهل الجامع فأجتمعوا في
صبحها وأبطلوا الدروس والاذان والصلوات وقفلوا أبواب الجامع وجلس المشايخ بالقبلة
القديمة وطلع الصغار على المنارات يكثرون الصياح والدعاء على الامراء
وأغلق أهل الاسواق القريبة الحوانيت وبلغ الامراء ذلك
فأرسلوا الى يوسف بك فأطلق المسجونين وأرسل ابراهيم بك من طرفه ابراهيم أغابيت
المال فلم يأخذ جوابا وحضر الاغا الى الغورية ونزل هناك ونادى بالامان وأمر بفتح
الحوانيت فبلغ مجاورى المغاربة ذلك فذهب اليه طائفة منهم وتبعهم بعض العوام
وبأيديهم العصي والمسلوق وضربوا اتباع الآغا ورجموه بالاحجار فركب عليهم وأشهر
فيهم السلاح هو ومماليكه فقتل من مجاورى المغاربة ثلاثة انفار وانجرح منهم كذلك
ومن العامة
وذهب الأنما ورجع الفريق الآخر وبقي المهرج الى ثاني يوم
فحضر اسمعيل بك والشيخ السادات وعلي أغا كتخدا الجاويشية وحسن أغا اغات المتفرقة
والترجمان وحسن أفندي كاتب حوالة وغيرهم فنزلوا الاشرفية وأرسلوا الى أهل الجامع
تذكرة بانفضاض الجمع وتمام المطلوب
وكان ذلك عند الغروب فلم يرضوا بمجرد الوعد وطلبوا
الجامكية والجراية فركبوا ورجعوا وأصبح يوم الأربعاء والحال على ما هو عليه
وإسمعيل بك مظهر الإهتمام لنصرة أهل الازهر فحضر مع الشيخ السادات وجلسوا بالجامع
المؤيدى وأرسلوا للمشايخ تذكرة صحبة الشيخ ابراهيم السندوبي ملخصها ان اسمعيل بك
تكفل بقضاء أشغال المشايخ وقضاء حوايجهم وقبول فتواهم وصرف جماكيهم وجراياتهم وذلك
بضمان الشيخ السادات له فلما حضر الشيخ ابراهيم بالتذكرة وقرأها الشيخ عبد الرحمن
العريشي جهارا وهو
قائم على أقدامه
فلما سمعوها أكثروا من الهرج واللغط وترددت الارساليات
والذهاب والمجيء بطول النهار ثم اصطلحوا وفتحوا الجامع في آخر النهار وأرسلوا لهم
في يوم الخميس جانبا من دراهم الجامكية
ومن جملة ما اشترطوه في الصلح عدم مرور الاغا والوالي
والمحتسب من حارة الازهر وغير ذلك شروط لم ينفذ منها شيء
وعمل ابراهيم بك ناظرا على الجامع عوضا عن الاغا وأرسل
من طرفه جنديا للمطبخ وسكن الاضطراب
وبعد مضي أربعة من هذه الحادثة مر الاغا وبعده الوالي
كذلك فارسل المشايخ الى ابراهيم بك يخبروه فقال ان الطريق يمر بها البر والفاجر
ولا يستغني الحكام عن المرور
وفي أوائله أيضا أحضر مراد بك شخصا يقال له سليمان كاشف
من أتباع يوسف بك وضربه علقة بالنبابيت لسبب من الاسباب فحقدها عليه يوسف بك
واستوحش من طرفه
وفي ثاني عشر جمادى الثانية قبض الاغا على انسان شريف من
أولاد البلد يسمى حسن المدابغي وضربه حتى مات وسبب ذلك أنه كان في جملة من خرج على
الاغا بالغورية يوم فتنة الجامع وكان انسانا لا بأس به
وفي ليلة الجمعة رابع عشر جامدى الثانية خرج اسمعيل بك
جهة العادلية مغضبا وسبب ذلك ان مراد بك زاد في العسف والتعدى خصوصا في طرف اسمعيل
بك وابراهيم بك يسعى بينهما في الصلح واجتمعوا في آخر مجلس عند ابراهيم بك فتكلم
اسمعيل بك كلاما مفحما وقال انا تارك لكم مصر وامارتها وجاعلكم مثل أولادى ولا
أريد الا المعيشة وراحة السر وأنتم لا تراعون لي حقا وأمثال ذلك من الكلام
فحضر في هذه الايام الى اسمعيل بك مركب غلال فأرسل مراد
بك وأخذ ما فيها وعلم ان اسمعيل بك يغتاظ لذلك ثم اتفق مع بعض اغراضه انهم يركبون
من الغد الى اسمعيل بك ويدخلون عليه في بيته ويقتلونه فعلم اسمعيل
بك بذلك فركب في الصباح وخرج الى العادلية بعد أن عزل
بيته وحريمه ليلا وجلس بالاشبكية وركب مراد بك ذاهبا الى اسمعيل بك فوجده قد خرج
الى الاشبكية وكان ابراهيم بك طلع الى قصر العيني فذهب الى مراد بك ولما أشيع خروج
اسمعيل بك ركب يوسف بك وخرج اليه وتبعه محمد بك طبل وحسن بك وابراهيم بك طنان وذو
الفقار بك وغيرهم
ووصل الخبر الى ابراهيم بك ومراد بك ومن انضم اليهم
فركبوا وحضروا الى القلعة وملكوا الابواب وامتلأت الرميلة والميدان بعساكرهم
وصحبتهم أحمد بك الكلارجي ولاجين بك وأيوب بك ورضوان بك وخليل بك ومصطفى بك
واضطربت المدينة وأغلق الناس الدكاكين واستمروا على ذلك يوم السبت ويوم الاحد ويوم
الاثنين ويوم الثلاثاء وتسحب من أهل القلعة جماعة خرجوا الى اسمعيل بك ويوسف بك
ومن معهما وهم اسمعيل اغا أخو علي بك الغزاوى وأخوه سليم أغا وعبد الرحمن اغا اغات
الينكجرية سابقا فأرسل اهل القلعة ابراهيم اغا الوالي فجلس بباب النصر واغلق الباب
ونزل الباشا الى باب العزب
فحضر قاسم كتخدا عزبان أمين البحرين وعبد الرحمن أغا
وصحبتهم جماعة الى باب النصر وفتحوا الباب وطردوا الوالي وذلك في يوم الاثنين
وملكوا باب النصر فأرسلوا اليهم طائفة من عسكر المغاربة فضربوا عليهم بالرصاص وحمل
عليهم الآخرون فشتتوهم ورجعوا الى خلف وقتل من المغاربة انفارا وانجرح منهم كذلك
وانتشر البرانيون حوالي جهات مصر وذهب منهم طائفة الى جهة بولاق وفيهم محمد بك طبل
فوجدوا طائفة من الكشاف والاجناد حضروا الى بولاق لاجل العليق والتبن فوقعت بينهم
وقعة فأنهزموا الى قصر عبد الرحمن كتخدا وأخذ اولئك العليق والتبن وطلع منهم طائفة
الى الجبل واشتد الحال وعظمت الفتنة فأراد الباشا اجراء الصلح فأرسل أيوب أغا ورجع
بجواب عدم رضاهم بالصلح ثم ارسل اليهم أحمد
جاويش المجنون فذهب ولم يرجع والتف عليهم فأرسل الباشا
ولده وكتخداه سعيد بك مرارا
ثم دخل في يوم الاربعاء عبد الرحمن أغا من باب النصر وشق
من وسط المدينة وامامه المنادى ينادى على الناس برفع بضائعهم من الحوانيت فرفع
الناس بواقي بضائعهم من الدكاكين ولم يزل سائرا حتى وصل الى باب زويلة ونزل بجامع
المؤيد وجلس به مقدار ساعتين ورتب عسكرا هناك على السقائف والاسبلة ثم ركب راجعا
وعاد وصحبته ابراهيم بك الطناني ومعهم عدة اجناد وعساكر وخرجوا من باب زويلة الى
الدرب الاحمر الى جامع المرداني فجلسوا عنده الى بعد الظهر ثم زحفوا الى التبانة
الى قرب المحجر وعملوا هناك متاريس ورتبوا بها جماعة وكذلك ناحية سويقة العزى فنزل
اليهم جماعة من القلعة وتراموا بالرصاص وقطعوا الطرق على من بالقلعة إلى بعد العصر
فنزل اليهم خيالة مدرعين فحمل عليهم عسكر المغاربة فوقع منهم أربعة خيالة وانجرح
لاجين بك فحملوه الى بيته في شنف وقتل أنفار من عسكر المغاربة وولى القلعاوية الى
جهة القلعة وبعد الغروب انفصل عنهم عسكر المغاربة ونكسوا أعلامهم وحضروا عند
أجناسهم والتفوا عليهم ولاحت لوائح الخذلان على من بالقلعة ودخل عليهم الليل وانكف
الفريقان
وأصبح يوم الخميس فدخل الكثير من البرانيين الى المدينة
شيئا فشيئا وربطوا في جميع الجهات حتى انحصروا بالقلعة وأخذوا ينقبون عليهم فلما
شاهدوا الغلب فيهم نزلوا من باب الميدان وذهبوا جهة البساتين الى الصعيد فتخلف
عنهم أحمد بك الكلارجي وأيوب بك وابراهيم بك أوده باشه ولاجين بك مجروح وخرج
المتخلفون الى اسمعيل بك ويوسف بك وطلبوا منهما الامان وانضموا اليهم
وعندما أشيع نزول ابراهيم بك ومراد بك من القلعة هجم
المرابطون بالمحجر وسوق السلاح على الرميلة ونهبوا خيامهم وعازقهم الذى بها
وبالميدان حتى جمال الباشا وخيول الدلاة
وذلك يوم الخميس قبل العصر بنصف ساعة فدخل اسمعيل بك
ويوسف بك بعد العصر من ذلك اليوم من باب النصر وتوجهوا الى بيوتهم وأصبح يوم
الجمعة فشق عبد الرحمن أغا ونادى بالامان والبيع والشراء وراق الحال
ولما كان يوم الاحد ثاني عشرين جمادى الثانية طلعوا الى
الديوان فخلع الباشا على اسمعيل بك ويوسف بك خلعتي سمور واستقر اسمعيل بك شيخ
البلد ومدبر الدولة وقلدوا حسن بك الجداوى صنجقا كما كان وكانت الصنجقية مرفوعة
عنه من موت سيده علي بك وكذلك رضوان بك قرابة علي بك قلدوه صنجقية وقلدوا اسمعيل
أغا أخا علي بك الغزاوى صنجقية أيضا وسكن ببيت إبراهيم بك الكبير وقلدوا سليمان
كاشف من اتباع يوسف بك وهو الذى كان ضربه علقة مراد بك بالنبوت كما تقدم صنجقية
ولقبه الناس أبا نبوت وقلدوا أيضا سليم كاشف من اتباع اسمعيل بك صنجقية وقلدوا عبد
الرحمن أغا أغاوية مستحفظان كما كان ومحمد كاشف والى الشرطة
وفي عشية ذلك اليوم انزلوا سليمان أغا مستحفظان الى
بولاق وانزلوه في مكرب منفيا الى دمياط بعدما صودر في نحو اربعين ألف ريال
وفي يوم الثلاثاء خامس عشرينه انزلوا ايضا سليمان كتخدا
مستحفظان وعثمان كتخدا باش اختيار مستحفظان المعروف يأبي مساوق والامير عبد الله
أغا وانزلوهم الى المراكب ثم حصل عنهم العفو فردوهم الى بيوتهم
وفي ذلك اليوم طلعوا الى الديوان فقلدوا ذا الفقار بك
دفتردار عوضا عن رضوان بك بلفيا وذلك باشارة يوسف بك لكونه كان مع مراد بك
وابراهيم بك حتى انه اراد أن يسلب نعمته فمنعه عنه اسمعيل بك
وفي يوم الاربعاء ثاني شهر رجب حضر عند يوسف بك حسن بك
الجداوى وصحبته اسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى
وسليم بك الاسماعيلي وعبد الرحمن بك العلوى فجلسوا معه ساعة لطيفة بالمقعد المطل
على البركة فجلس حسن بك امامه وكان جالسا على الدكة المرتفعة عن المرتبة وجلس تحت
شماله على المرتبة اسمعيل بك الصغير وسليم بك وعبد الرحمن بك استمر واقفا وحادثوه
في شىء وتناجوا مع بعضهم وتأخر عنهم الواقفون من المماليك والاجناد فسحب عبد
الرحمن بك النمشاة وضرب بها يوسف بك فأراد ان يهم قائما فداس على ملوطة اسمعيل بك
فوقع على ظهره فنزلوا عليه بالسيوف وضربوا في وجوه الواقفين طلق بارود فهربوا الى
خلف الضاربون من القيطون وركبوا وذهبوا الى اسمعيل بك فركب في تلك الساعة وطلع الى
القلعة وأرسل اسمعيل كتخدا عزبان الى الباشا وكان بقصر العيني بقصد التنزه فركب من
هناك وطلع الى القلعة وجلس بباب العزب صحبة اسمعيل بك فلما بلغ الامراء الذين هم
خشداشين يوسف بك ركبوا وخرجوا من المدينة وذهبوا الى قبلي وهم احمد بك الكلارجي
وذو الفقار بك ورضوان بك الجرجاوى فركب خلفهم طائفة فلم يدركوهم وارسلوا الى محمد
بك طبل فكرنك في بيته ونصب له مدافع وابى من الخروج لانه صار من المذبذبين
فلما وقع منه ذلك ذهب اليه حسن بك سوق السلاح وأخذه
بالامان الى اسمعيل بك بعدما نزل الى بيته فأمره ان يأخذه عنده في بيته فلما اصبح
استأذنه في زيارة الامام الشافعي فأذن له فركب الى جهة القرافة وذهب الى جهة
الصعيد
وانقضت الفتنة ودفن يوسف بك
وفي يوم الخميس طلعوا الى الديوان فخلع الباشا على
اسمعيل بك الكبير فروة سمور وأقره على مشيخة البلد وقلدوا حسن بك قصبة رضوان امارة
الحج عوضا عن يوسف بك وقلدوا عبد الرحمن بك العلوى صنجقا كما كان وقلدوا ابراهيم
أغا خازندار واسمعيل بك الذى زوجه ابنته
صنجقية وتلقب بابراهيم بك قشطة وسكن ببيت محمد بك وقلدوا
حسين أغا خازندار اسمعيل بك سابقا صنجقية أيضا وسكن ببيت أحمد بك الكلارجي وقلدوا
كاشفين أيضا لاسمعيل بك يسمى كل واحد منهما بعثمان صنجقين وسكن أحدهما ببيت مصطفى
بك الذى كان سكن محمد بك طبل وهو على بركة الفيل حيث جامع أزبك اليوسفي وهو الذى
يسمى بعثمان بك طبل وعثمان الثاني وهو الذي لقب بقفا الثور وسكن ببيت ذى الفقار
المقابل لبيت بلفيا وقلدوا علي أغا جوخدار اسمعيل بك صنجقية أيضا وسكن ببيت مراد
بك عند الكبش وهو ببيت صالح بك الكبير وكان يسكنه سليمان بك أبو نبوت اليوسفي
وأما بيت يوسف بك فسكن به سليم بك وقلدوا يوسف آغا من
اتباع إسمعيل بك واليا ونفوا أيوب بك وسليمان بك الى المنصورة
وفي صبحها يوم الجمعة رابع شهر رجب الفرد الموافق لرابع
مسرى القبطي نودى بوفاء النيل ونزل الباشا صبح يوم السبت وكسر السد على العادة
وجرى الماء في الخليج وعاد الباشا الى القلعة
وفي سابعة اتفقوا على ارسال تجريدة الى الصعيد وسر
عسكرها إسمعيل بك الصغير وعينوا للتوجه صحبته حسن بك الجداوي وابراهيم بك الطناني
وسليم بك الطناني وسليم بك الاسمعيلي وابراهيم بك أوده باشا وحسن بك الشرقاوى
المعروف بسوق السلاح وقاسم كتخدا عزبان وعلي أغا المعمار وكان غائبا بالمنية فلما
قبل الجماعة تخلص وترك أحواله وغلامه وحضر الى مصر وصحبته طائفة من الهوارة
والعربان فلما حضر أرادوا أن يقلدوه صنجقية فأمتنع من ذلك وشرعوا في تشهيل
التجريدة وطلبوا طلبا عظيما وصرف الباشا ألف كيس من الخزينة لنفقة العسكر وخلعوا
على الهوارة ومشايخ العربان ووعدوهم بالخير
وفيه جاءت الاخبار بان علي بك السروجي ساق خلف محمد بك
طبل فلحقه عند مكان تجاه
البدرشين واحتاط به العربان وقتلوا مماليكه وشرد من نجا
منهم وتفرق ونهبوا ما معه وعروه وسلموه لكاشف هناك من اتباع اسمعيل بك فوقع في
عرضه وعرض مشايخ البلد فألبسوه حوائج وهربوه وصحبته اثنان من الاجناد فلما حضر علي
بك السروجي أخبره العرب بما حصل فأخذ ذلك الكاشف وحضر صحبته الى اسمعيل بك فضرب
الكاشف عقلة ونفاه
وفيه ورد الخبر أيضا عن ذي الفقار بك بان العرب عروه
أيضا فهرب فلحقوه وأرادوا قتله فألقى نفسه في البحر بفرسه وغرق ومات
وفي يوم الاثنين رابع عشر رجب برزت عساكر التجريدة الى
جهة البساتين
وفي يوم الخميس خرج أيضا غالب الامراء وبرزوا خيامهم
وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب سافرت التجريدة برا وبحرا
وفي يوم السبت سادس عشرين رجب وصلت الاخبار بان التجريدة
تلاقت مع الامراء القبالي ووقع بينهم معركة قوية فكانت الهزيمة على التجرية
فلما وصلت هذه الاخبار اضطرب إسمعيل بك وتخبل غزله وكذلك
أمراؤه ودخل في يومها الاجناد مشتتين مهزومين وكانت الوقعة يوم الجمعة في بياضة من
أعمال الشرق فكبسوهم على حين غفلة وقت الفجر فركب علي أغا المعمار وقاسم كتخدا
عزبان وابراهيم بك طنان فحاربوا جهدهم فأصيب علي اغا وقاسم كتخدا ووقعت خيولهما
وذلك بعد أن ساق علي أغا وصحبته رضوان اغا طنان وقصد مراد بك وضربه رضوان في وجهه
بالسيف فلمحه خليل بك كوسه الابراهيمي وضرب علي أغا بالقرابينة فأصابته في عنقه
ووقع فرسه وسقط ميتا
فلما قتل هذان الاميران ولي ابراهيم بك طنان فأنهزم بقية
الامراء لانه لم يكن فيهم أشجع من هؤلاء الثلاثة وباقيهم ليس له دربة في الحرب وسر
عسكر مقصوب
ومريض واحتاط الامراء القبليون بخيامهم وحملاتهم ومراكبهم
بما فيها وكانت نيفا وخمسمائة مركب وكان كبير العسكر في قنجة صغيرة فلما عاين
الكسرة أسرع في الانحدار وكذلك بعض الامراء انحدروا معه وباقيهم وصلوا في البر على
هيئة شنيعة وكان اسمعيل بك بمصر القديمة ينتظر امراء التجريدة
فلما حصل ذلك نزل الباشا في يوم الاحد وخرج الى الآثار
وجلس مع الصنجق ونادوا بالنفير العام فخرج القاضي والمشايخ والتجار وأرباب الصنائع
والمغاربة وأهل الحارات والعصب وغلقت الاسواق
وخرج الناس في يوم الاثنين حتى ملأوا الفضاء فلما عاين
ذلك اسمعيل بك وعلم انهم يحتاجون الى مصروف ومأكل وأكثرهم فقراء وذلك غاية لا تدرك
أشار على تجار المغاربة والالضاشات بالمكث ورجع بقية العامة وأرباب الحرف ومشايخ
الاشاير والفقراء من اهل الزوايا والبيوت ووصل القبليون الى حلوان وطمعوا في أخذ
مصر بعد الكسرة قبل الاستعداد ثانيا
وفي يوم الاثنين أرسل اسمعيل بك عدة من الاجناد وأصحبهم
عسكر المغاربة ومعهم الجبخانة والمدافع فنصبوا المتاريس ما بين التبين وحلوان تجاه
الاخصام وركب في ليلتها اسمعيل بك وامراؤه وأجناده وأحضر الباشا قليون رومي من
دمياط ورئيسه يسمى حسن الغاوى مشهور بمعرفة الحرب في البحر يشتمل ذلك القليون على
خمسة وعشرين مدفعا فأقلع به ليلا تجاه العسكر وارتفع حتى تجاوز مراكبهم وضرب
بالمدافع على وطاقهم في البر وعلى مراكبهم في البحر وساق جميع المراكب بما فيها
ووقع المصاف واشتد الجلاد بين الفريقين فكان بينهم وقعة قوية وقتل فيها من أولئك
رضوان بك الجرجاوى وخليل بك كوسه الابراهيمي وخازنداره وكشاف وأجناد ووقعت على
القبالي الهزيمة ولم يظهر مراد بك في هذه المعركة بسبب جراحته
ثم هجموا على وطاقهم وخيامهم ونهبوها ونزل محمد بك طبل
بفرسه الى البحر وغرق ومات
ورجع ابراهيم بك ومراد
بك وهو مجروح ومصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وأتباعهم وذهبوا
الى قبلى وساقوا خلفهم فلم يدركوهم
ودخل اسمعيل بك والامراء والاجناد والعسكر الى مصر
منصورين مؤيدين وكانت هذه النصرة بخلاف المظنون وكان رجوعهم يوم الاربعاء غرة شهر
شعبان
وفي ليلة السبت رابع شعبان حضر كاشف وصحبته جملة من
المماليك وكان هذا الكاشف مأسورا عند القبالي فلما انهزموا أذنوا له بالرجوع الى
بيته وانضم اليه عدة مماليك ماتت أسيادهم فلما حضروا عند اسمعيل بك فرقهم على
الامراء
وفي سابعه أحضروا رمة علي أغا المعمار الى بيته فغسلوه
وكفنوه وصلوا عليه في مشهد حافل ودفنوه بالقرافة
وفيه تقلد حسن بك الجداوى ولاية جرجا وجاءت الاخبار بان
القبليين استقروا بشرق أولاد يحيى
وفي آخر شعبان سافر حسن بك الجداوى الى جرجا وصحبته كشاف
الولايات وحكام الاقاليم فضج لنزولهم ساحل البحر بسبب أخذهم المراكب
وفي منتصف شهر رمضان ولدت امرأة مولودا يشبه خلقة الفيل
مثل وجهه وآذانه وله نابان خارجان من فمه وأبوه رجل جمال وامرأته لما رأت الفيل
وكانت في أشهر وحامها نقلت شبهه في ولدها وأخذه الناس يتفرجون عليه في البيوت
والازقة
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين شهر رمضان ركب أمراء اسمعيل
بك وصناجقه وعساكره في آخر الليل واحتاطوا ببيت اسمعيل بك الصغير أخي علي بك
الغزاوى فركب في مماليكه وخاصته وخرج من البيت فوجدوا الطرق كلها مسدودة بالعسكر
والاجناد فدخل من عطفة الفرن يريد الفرار وخرج على جهة قنطرة عمر شاه فوجد العسكر
والاجناد أمامه وخلفه
فصار يقاتلهم ويتخلص منهم من عطفة الى عطفة حتى وصل الى
عطفة البيدق وأصيب بسيف على عاتقه وسقطت عمامته وصار مكشوف الرأس الى أن وصل الى
تجاه درب عبد الحق بالازبكية فلاقاه عثمان بك أحد صناجق اسمعيل بك فرده وسقط
واحتاطوا به فنزل على دكان في أسوأ حال مكشوف الرأس والدم خارج من كركه فعصبوا
رأسه بعمامة رجل جمال وأخذه عثمان بك الى بيته وتركه وذهب الى سيدة فأخبره فخلع
عليه فروة وفرسا مرختا وأرسلوا اليه الوالي فخنقه ووضعوه في تابوت وأرسلوه الى
بيته الصغير فبات به ميتا وأخرجوه في صبحها في مشهد ودفنوه
وكان اسمعيل بك قد استوحش منه وظهر عليه في أحكامه
وأوامره وكلما أبرم شيئا عارضه فيه
وازدحم الناس على بيته وأقبلت اليه أرباب الخصومات
والدعاوى وصار له عزوة كبيرة وانضم اليه كشاف واختيارية وحدثته نفسه بالانفراد
وتخيل منه اسمعيل بك فتركه وما يفعله واظهر انه مرمود في عينيه وانقطع بالحريم من
اول شهر رمضان ثم سافر في اواخره في النيل لزيارة سيدى احمد البدوى ثم رجع وبيت مع
اتباعه ومن يثق به وقاموا عليه وقتلوه كما ذكر
ولما انقضى امره شرع اسمعيل بك في ابعاد ونفي من كان
يلوذ به وينتمي اليه فأنزلوا ابراهيم بك بلفيا ومحمد اغا الترجمان وعلي كتخدا
الفلاح وبعض كشاف الى بولاق وأراد قتل اخيه سليم آغا المعروف بتمرلنك فأقتدى نفسه
بثلاثين ألف ريال ثم نفوه ثالث شوال ونفى ابراهيم بك بلفيا الى المحلة
وفي تلك الايام قرر اسمعيل بك على كل بلد من القرى
ثلثمائة ريال وهي أول سيآته
وفي يوم الاحد ثاني عشرين شوال عملوا موكب المحمل وأمير
الحاج حسن بك رضوان
وفي يوم الخميس رابع ذي القعدة تقلد عبد الرحمن بك عثمان
صنجقية وكانت مرفوعة عنه وكذلك علي بك
وفي يوم الاثنين ثامنه سافرت تجريدة لجهة الصعيد للامراء
القبالي لانهم تقووا واستولوا على البلاد وقبضوا الخراج وملكوا من جرجا الى فوق
وحسن بك أمير الصعيد مقيم وليس فيه قدرة على مقاومتهم ومنعوا ورود الغلال حتى غلا
سعرها فعينوا لهم التجريدة وسر عسكرها رضوان بك وعلي الجوخدار وسليم بك وابراهيم
بك طنان وحسن بك سوق السلاح
وفي يوم الاحد حادى عشرين القعدة خرج اسمعيل بك الى
ناحية دير الطين وعزم على التوجه الى قبلي بنفسه وأرسل الباشا فرماتات لسائر
الامراء والوجاقلية وأمرهم جميعا فخرجوا جمعيا ونصبوا وطاقاتهم عند المعادى ونزل
الباشا وجلس بقصر العيني وطلبوا طلبا عظيما
وفي يوم الجمعة عدى اسمعيل بك الى البر الثاني وترك بمصر
عبد الرحمن اغا مستحفظان كتخدا ورضوان بك بلفيا وعثمان بك طبل وابراهيم بك قشطة
صهره وحسين بك ومقادم الابواب لحفظ البلد فكان المقادم يدورون بالطوف في الجهات
ليلا ونهارا مع هدوء سر الناس وسكون الحال في مدة غياب الجميع
وفي سادس شهر الحجة وصلت مكاتبات من اسمعيل بك ومن
الامراء الذين بصحبته بانهم وصلوا الى المنية فلم يجدوا بها أحدا من القبليين
وانهم في أسيوط ومعهم اسمعيل أبو علي من كبار الهوارة
وفي سابع عشرة حضر الوجاقلية الذين بالتجريدة وحضر ايضا
أيوب اغا وكان عند القبالي فحضر عند اسمعيل بك بامان واستأذنه في التوجه الى بيته
ليرى عياله فأذن له وأرسله صحبة الوجاقلية وسبب رجوع الوجاقلية لما رأى اسمعيل بك
بعد الامراء وأراد ان يذهب خلفهم فأمرهم بالرجوع للتخفيف وانقضت هذه السنة
من مات في هذه السنة من الاعيان مات الشريف الصالح
المرشد الواصل السيد محمد هاشم الاسيوطي ولد بأسيوط وبيتهم يعرف ببيت فاضل نشأ
ببلده على قدم الخير والصلاح وحضر دروس الشيخ حسن الجديرى ثم ورد الى مصر فحضر
دروس كل من الشيخ محمد البليدى والشيخ محمد الشماوى والشيخ عطية الاجهورى وأخذ
الطريق على الشيخ عبد الوهاب العفيفي وكان منقطعا للعبادة متقشفا متواضعا وكان
غالب جلوسه بالاشرفية ومسجد الشيخ مطهر
وكان لا يزاحم الناس ولا يداخلهم في احوال دنياهم ولهم
فيه اعتقاد عظيم ويذهبون لزيارته ويقتبسون من اشارته واستخارته ويتبركون بأجازته
في الاوراد والاسماء
ويسافر لزيارة سيدى أحمد البدوى ثم يعود الى خلوته وربما
مكث عند بعض اصدقائه اياما بقصد البعد عن الناس عندما يعلمون استقراره بالخلوة
ويزدحمون على زيارته وكان نعم الرجل سمتا وورعا
توفي في سابع شعبان في بيته بالازبكية وصلوا عليه
بالازهر ودفن بالمجاورين رحمه الله
ومات الشيخ الامام الاديب الفاضل الفقيه أحد العلماء
الاعلام الشيخ محمد بن ابراهيم العوفي المالكي لازم الشمس الحفني وأخاه الشيخ يوسف
وحضر دروس الشيخ علي العدوى والشيخ عيسى البراوى وأفتى ودرس
وكان شافعي المذهب فسعى فيه جماعة عند الشيخ الحفني
فأحضره وأثبت عليه بخطه ما نقل عنه فتوعده فلحق بالشيخ علي العدوى وانتقل لمذهب
مالك وكان رحمه الله عالما محصلا بحاثا متفننا غير عسر البديهة شاعرا ماجنا خليعا
ومع ذلك كانت حلقة درسه تزيد على الثلثمائة في الازهر
مات رحمه الله مفلوجا وحين أصابه المرض رجع الى مذهب
الشافعي وقرأ ابن قاسم بمسجد قريب من منزله ويحمله الطلبة الى المسجد فيقرأ وهو
يتلعثم لتعقد لسانه بالفالج مع ما كان فيه من الفصاحة
أولا ثم برىء يسيرا ولم يلبث أن عاوده المرض وتوفي الى رحمة الله تعالى
ومات الاديب الماهر الشيخ رمضان بن محمد المنصورى
الاحمدى الشهير بالحمامي سبط آل الباز ولد بالمنصورة وقرأ المتون على مشايخ بلده
وانزوى الى شيخ الادب محمد المنصورى الشاعر فرقاه في الشعر وهذبه وبه تخرج وورد
الى مصر مرارا وسمعنا من قصائده وكلامه الكثير وله قصائد سنية في المدائح الاحمدية
تنشد في الجموع
وبينه وبين الاديب قاسم وعبد القادر المدني محاورات
ومداعبات واخبر انه ورد الحرمين من مدة ومدح كلا من الشريف والوزير وأكابر الاعيان
بقصائد طنانة كان ينشد منها جملة مستكثرة مما يدل على سعة باعه في الفصاحة
ولم يزل فقيرا مملقا يشكو الزمان واهليه ويذم جني بنيه
وبآخرة تزوج امرأة موسرة بمصر وتوجه بها الى مكة فأتاه الحمام وهو في ثغر جدة في
سنة تاريخه
ومات الامير يوسف بك الكبير وهو من امراء محمد بك الذهب
أقره في سنة ست وثمانين وزوجه باخته وشرع في بناء ولده على بركة الفيل داخل درب
الحمام تجاه جامع الماس وكان يسلك اليها من هذا الدرب ومن طرق الشيخ الظلام وكان
هذا الدرب كثير العطف ضيق المسالك فأخذ بيوته بعضها شراء وبعضها غصبا وجعلها طريقا
واسعة وعليها بوابة عظيمة
واراد ان يجعل امام باب داره رحبة متسعة فعارضه جامع خير
بك حديد فعزم على هدمه ونقله الى آخر الرحبة واستمر يعمر في تلك الدار نحو خمس
سنوات
واخذ بيت الداودية الذى بجواره وهدمه جميعه وادخله فيها
وصرف في تلك الدار اموالا عظيمة فكان يبني الجهة منها حتى يتمها بعد تبليطها
وترخيمها بالرخام الدقي الخردة المحكم الصنعة والسقوف والاخشاب والرواشن له شيطانه
فيهدمها الى آخرها ويبنيها ثانيا على وضع آخر
وهكذا كان دأبه واتفق انه ورد اليه من بلاده القبلية
ثمانون الف اردب غلال فوزعها بأسرها على الموانة في ثمن الجبس والجير والاحجار
والاخشاب والحديد وغير ذلك
وكان فيه حدة زائدة وتخليط في الامور والحركات ولا يستقر
بالمجلس بل يقوم ويقعد ويصرخ ويروق حاله في بعض الاوقات فيظهر فيه بعض انسانية ثم
يتغير ويتعكر من ادنى شيء
ولما مات سيده محمد بك وتولى امارة الحج ازداد عتوا
وعسفا وانحرافا خصوصا مع طائفة الفقهاء والمتعممين لامور نقمها عليهم منها ان شيخا
يسمى الشيخ احمد صادومة وكان رجلا مسنا ذا شيبة وهيبة واصله من سمنود وله شهرة
عظيمة وباع طويل في الروحانيات وتحريك الجمادات والسميات ويكلم الجن ويخاطبهم
مشافهة ويظهرهم للعيان كما اخبرني عنه من شاهده وللناس اختلاف في شأنه وكان للشيخ
الكفراوى به التئام وعشرة ومحبة اكيدة واعتقاد عظيم ويخبر عنه انه من الاولياء
وارباب الاحوال والمكاشفات بل يقول انه هو الفرد الجامع ونوه بشأنه عند الامراء
وخصوصا محمد بك أبا الذهب فراج حال كل منهما بالآخر
فاتفق ان الامير المذكور اختلى بمحظيته فرأى على سوأتها
كتابة فسألها عن ذلك وتهددها بالقتل فأخبرته ان المرأة الفلانية ذهبت بها الى هذا
الشيخ وهو الذى كتب لها ذلك ليحببها الى سيدها فنزل في الحال وأرسل فقبض على الشيخ
صادومة المذكور وأمر بقتله والقائه في البحر ففعلوا به ذلك وأرسل الى داره فاحتاط
بما فيها فأخرجوا منها أشياء كثيرة وتماثيل ومنها تمثال من قطيفة على هيئة الذكر
فأحضروا له تلك الاشياء فصار يريها للجالسين عنده والمترددين عليه من الامراء
وغيرهم ووضع ذلك التمثال بجانبه على الوسادة فيأخذه بيده ويشير لمن يجلس معه
ويتعجبون ويضحكون وعزل الشيخ حسن الكفراوى من افتاء الشافعية ورفع عنه وظيفة المحمدية
وأحضر الشيخ أحمد بن يوسف الخليفي وخلع عليه وألبسه فروة وقرره في ذلك عوضا
عن الشيخ الكفراوى
واتفق أيضا ان الشيخ عبد الباقي ابن الشيخ عبد الوهاب
العفيفي طلق على زوج بنت أخيه في غيابه على يد الشيخ حسن الجداوى المالكي على
قاعدة مذهبه وزوجها من آخر وحضر زوجها من الفيوم وذهب الى ذلك الامير وشكا له
الشيخ عبد الباقي في فطلبه فوجده غائبا في منية عفيف فأرسل اليه اعوانا أهانوه
وقبضوا عليه ووضعوا الحديد في رقبته ورجليه وأحضروه في صورة منكرة وحبسه في حاصل
أرباب الجرائم من الفلاحين
فركب الشيخ علي الصعيدي العدوى والشيخ الجداوى وجماعة
كثيرة من المتعممين وذهبوا اليه وخاطبه الشيخ الصعيدي فقال له هذا قول في مذهب
المالكية معمول به فقال من يقول ان المرأة تطلق زوجها اذا غاب عنها وعندها ما
تنفقه وما تصرفه ووكيله يعطيها ما تطلبه ثم يأتي من غيبته فيجدها مع غيره
فقالوا له نحن أعلم بالاحكام الشرعية
فقال لو رأيت الشيخ الذي فسخ النكاح
فقال الشيخ الجداوى أنا الذي فسخت النكاح على قاعدة
مذهبي
فقام على أقدامه وصرخ وقال والله أكسر رأسك
فصرخ عليه الشيخ علي الصعيدي وسبه وقال له لعنك الله
ولعن اليسرجي الذي جاء بك ومن باعك ومن اشتراك ومن جعلك اميرا
فتوسط بينهم الحاضرون من الامراء يسكنون حدته وحدتهم
وأحضروا الشيخ عبد الباقي من الحبس فأخذوه وخرجوا وهم يسبونه وهو يسمعهم
واتفق أيضا ان الشيخ عبد الرحمن العريشي لما توفي صهره
الشيخ أحمد المعروف بالسقط وجعله القاضي وصيا على اولاده وتركته وكان عليه ديون
كثيرة اثبتها اربابها بالمحكمة واستوفوها واخذ عليهم صكوكا بذلك ذهبت زوجة المتوفي
الى يوسف بك بعد ذلك بنحو ست سنوات وذكرت له ان الشيخ عبد الرحمن انتهب ميراث
زوجها وتواطا مع ارباب الديون وقاسمهم فيما اخذوه فأحضر الشيخ عبد الرحمن وكان اذ
ذاك مفتي الحنفية وطالبه بأحضار المخلفات او قيمتها فعرفه انه وزعها
على ارباب الديون وقسم الباقي بين الورثة وانقضى امرها
وابرز له الصكوك والحجج ودفتر القسام فلم يقبل وفاتحه في عدة مجالس وهو مصر على
قوله وطلبه للتركة
ثم احضره يوما وجبسه عند الخازندار فركب شيخ السادات
اليه وكلمه في امره وطلبه من محبسه
فلما علم الشيخ عبد الرحمن حضور شيخ السادات هناك رمى
عمامته وفراجته وتطور وصرخ وخرج يعدو مسرعا ونزل الى الحوش صارخا بأعلى صوته وهو
مكشوف الرأس فلما عاينه يوسف بك وهو يفعل ذلك احتد الآخر وكان جالسا مع شيخ
السادات في المقعد المطل على الحوش فقام على اقدامه وصار يصرخ على خدمه ويقول
امسكوه اقتلوه ونحو ذلك وشيخ السادات يقول له اى شيء هذا الفعل اجلس يا مبارك
وارسل اليه تابعه الشيخ ابراهيم السندوبي فنزل اليه والبسه عمامته وفراجته ونزل
الشيخ فركب وأخذه صحبته الى داره وتلافوا القضية وسكتوها ثم حصل منه ما حصل في
الدعوى المتقدمة وما ترتب عليها من الفتنة وقفل الجامع وقتل الانفس وثقل أمره على
مراد بك واضمر له السوء فلما سافر أميرا بالحج في السنة الماضية قصد مراد بك
اغتياله أو نفيه عند رجوعه بالحج واتفق مع أمرائه وضايع القضية وسافر الى جهة
الغريبة والمنوفية وعسف في البلاد ويريد أن يجعل عوده على نصف الشهر في أوان رجوع
الحج
ووصل الخبر الى يوسف بك فأستعجل الحضور فصار يجعل كل
مرحلتين في مرحلة حتى وصل محترسا في سابع صفر حضور مراد بك من سرحته وعندما قرب
وصول مراد بك الى دخول مصر ركب يوسف بك في مماليكه وطوائفه وعدده وخرج الى خارج
البلد فسعى ابراهيم بك بينهما وصالحهما واستمرت بينهما المنافرة القلبية من حينئذ
الى أن حصل ما حصل وانضم الى اسمعيل بك ثم قتله اسمعيل بك بيد حسن بك واسمعيل بك
الصغير كما تقدم
ومات الامير أغا المعمار وهو من مماليك مصطفى بك المعروف
بالقرد وخشداش صالح بك الكبير وكان من الابطال المعروفين والشجعان المعدودين فلما
قتل كبيرهم صالح بك استمر في بلاد قبلي على ما يتعلق به من الالتزام ويدفع ما عليه
من المال والغلال الى أن استوحش محمد بك أبو الذهب من سيده علي بك وخرج الى الصعيد
وقتل خشداشه أيوب بك وتحقق الاجانب بذلك صحة العداوة فأقبلوا على محمد بك من كل
جانب برجالهم وأموالهم ومنهم علي أغا المذكور وكان ضخما عظيم الخلقة جهورى الصوت
شهما يصدع بالكلام فأنس به محمد بك واكرمه واجتهد هو في نصرته ومناصحته وجمع اليه
الامراء والاجناد المنفيين والمطرودين الذين شتتهم علي بك وقتل أسيادهم وكبار
الهوارة الذين قهرهم علي بك أيضا واستولى على بلادهم مثل أولادهم وأولاد نصير
واولاد وافي واسمعيل أبي علي وابي عبد الله وغيرهم وحضر معه الجميع الى جهة مصر
كما تقدم
ولما وصلوا الى تجاه التبين وأبرج لهم علي بك التجريدة
وأميرها علي بك الطنطاوى خرج علي اغا هذا الى الحرب هو ومن معه وبأيديهم مساوق
غلاظ قصيرة ولها جلب حديد وفي طرفها أزيد من قبضة بها مسامير متينة محددة الرؤوس
الى خارج يضربون بها خوذة الفارس ضربة واحدة فتنخسف في دماغه وكانت هذه من مبتكرات
المترجم حتى أنه سمى بأبي الجلب
ولما خلصت امارة مصر الى محمد بك جعل كتخداه اسمعيل أغا
أخا علي بك الغزاوى المذكور فنقم عليه امورا فأهمله وأحضر علي أغا هذا وخلع عليه
وجعله كتخداه فسار في الناس سيرا حسنا ويقضي حوائج الناس من غير تطلع الى شيء
ويقول الحق ولو على مخدومه وكان مخدومه أيضا يحبه ويرجع الى رأيه في الامور لما
تحققه فيه من المناصحة وعدم الميل الى هوى النفس وعرض الدنيا وكان يجب أهل العلم
والفضل والقرآن ويميل بكليته اليهم مع لين الجانب والتواضع وعدم الانفة
ولما
أنشأ محمد بك مدرسته المحمدية تجاه الازهر وقرر فيها
الدروس كان يحضر معنا المترجم على شيخنا الشيخ علي العدوى في صحيح البخارى مع
الملازمة واتخذ لنفسه خلوة بالمدرسة المذكورة يستريح فيها وتأتيه أرباب الحوايج
فيقضي لهم أشغالهم وكان يلم بحضرة الشيخ محمد حفيد الاستاذ الحفني ويحبه وأخذ عنه
طريق السادة الخلوتية وحضر دروسه مع المودة وحسن العشرة ويحضر ختوم دروس المشايخ
ويقرأ عشرا من القرآن بأعلى صوته عند تمام المجلس ومملوكه حسن أغا الذى زوجه ابنته
واشتهر بعده وحج المترجم في السنة الماضية في هيئة جليلة وآثار جميلة
وتوفي في وقعة بياضة قتيلا كما تقدم
ومات الامير اسمعيل بك الصغير وهو اخو علي بك الغزاوى
وهم خمسة أخوة علي بك واسمعيل بك هذا وسليم أنما المعروف بتمرلنك وعثمان وأحمد
ولما تأمر علي بك كان اخوته الاربعة باسلامبول مماليك عند بشير أغا القزلار
واعتقهم وتسامعوا بامارة أخيهم بمصر فحضر اليه اسمعيل وأحمد وسليم واستمر عثمان
باسلامبول وأقام اسمعيل وسليم وأحمد بمصر وعمل اسمعيل كتخدا عند أخيه علي بك وعمل
سليم خازندار عند ابراهيم كتخدا أياما ثم قامت عليه مماليكه وعزلوه لكونه أجنبيا
منهم وصار لهم امرة وبيوت والتزام
وتزوج اسمعيل بهانم ابنة رضوان كتخدا الجلفي وهي المسماة
بفاطمة هانم وذلك أن رضوان كتخدا كان عقد لها على مملوكه علي أغا الذي قلده
الصنجقية ولم يدخل بها ولما خرج رضوان كتخدا وخرج معه علي المذكور فيمن خرج كما
تقدم وذهب الى بغداد أرسل يطلبها اليه من مصر وارسل لها مع وكيله عشرة آلاف دينار
واشياء فلم يسلموا في ارسالها وكتبوا فتوى بفسخ النكاح على قاعدة مذهب مالك
وتزوجها اسمعيل أغا هذا وظهر ذكره بها وسكن بها في دار أبيها العظيمة بالازبكية
وصار من أرباب الوجاهة
فلما استقل محمد بك أبو الذهب بملك مصر
بعد سيده استوزره وجعله كتخداه مدة واراد أن يتزوج بالست
سلن محظية رضوان كتخدا وكان تزوج بها أخوه علي بك ومات عنها فصرفه مخدومه محمد بك
ابو الذهب وعرفه انها ربما امتنعت عليه مراعاة لها ثم ابنة سيدها فركب محمد بك
واتى عند علي أغا كتخدا الجاويشية المجاور لسكنها بدرب السادات وارسل اليها علي
أغا فلم يمكنها الامتناع فعقد عليها وماتت هانم بعد ذلك وباع بيت الازبكية لمخدومه
محمد بك وبنى داره المجاورة لبيت الصابونجي وصرف عليها اموالا كثيرة واضاف اليها
البيت الذى عند باب الهواء المعروف ببيت المرحوم من الشرايبية
وسكنها مدة وزوجه محمد بك سرية من سراريه أيضا ثم باع
تلك الدار لايوب بك الكبير وسكنها
ولما سافر محمد بك الى الشام ومحاربة الظاهر عمر ارسل
المترجم من هناك الى اسلامبول بهدايا واموال للدولة ومكاتبات بطلب ولاية مصر
والشام وأجيب الى ذلك
وكتب له التقليد واعطوه رقم الوزارة وتم الامر وأراد
المسير بذلك الى محمد بك فورد الخبر بموته فبطل ذلك ورجع المترجم الى مصر وأقام
بها في ثروة الى أن حصلت الوحشة بين اسمعيل بك ويوسف بك والجماعة المحمدية وكانت
الغلبة عليهم فقلده اسمعيل بك الصنجقية وقدمه في الامور ونوه بشأنه وأوهمه انه
يريد تفويض الامور اليه لما يعلمه فيه من العقل والرئاسة فاغتر بذلك وباشر قتل
يوسف بك هو وحسن بك الجداوى كما تقدم وظن ان الوقت صفا له
فأندفع في الرئاسة وازدحمت الرؤوس عليه واخذ في النقض
والابرام فعاجله اسمعيل بك وأحاطوا به وقتلوه كما ذكر وكان ذا دهاء ومعرفة وفيه
صلابة وقوة جنان وخرم مع التواضع وتهذيب الاخلاق وكان يحب أهل العلم ويكره النصارى
كراهة شديدة وتصدى لاذيتهم ايام كتخدائية لمحمد بك وكتب في حقهم فتاوى بنقضهم
العهد وخروجهم عن طرائفهم التي أخذ عليهم بها من ايام سيدنا عمر رضي الله عنه
ونادى عليهم ومنعهم
من ركوب الحمير ولبسهم الملابس الفاخرة وشرائهم الجوارى
والعبيد واستخدامهم المسلمين وتقنع نسائهم بالبراقع البيض ونحو ذلك
وكذلك فعل معهم مثل ذلك عندما تلبس بالصنجقية وكان له
اعتقاد عظيم في الشيخ محمد الجوهرى ويسعى بكليته في قضاء اشغاله وحوايجه وكان لا
بأس به
ومات الامير قاسم كتخدا عزبان وكان من مماليك محمد بك
أبي الذهب وتقلد كتخدائية العزب وأمين البحرين وكان بطلا شجاعا موصوفا ومال عن
خشداشيته كراهة منه لافعالهم حتى خرج الى محاربتهم وقتل غفر الله له
سنة اثنتين وتسعين ومائة والف في يوم الخميس سابع المحرم
حضر اسمعيل كتخدا عزبان وبعض صناجق اسمعيل بك وفي يوم السبت تاسعه وصل اسمعيل بك
وعدى من معادى الخبيرى ودخل الى مصر وذهب الى بيته وكثر الهرج في الناس بسبب حضوره
ومن وصل قبله على هذه الصورة
ثم تبين الامر بأن حسن بك الجداوى وخشداشينه وهم رضوان
بك وعبد الرحمن بك وسليمان كتخدا وتبعهم حسن بك سوق السلاح واحمد بك شنن وجماعة
الفلاح بأسرهم وكشاف ومماليك واجناد ومغاربة خامر الجميع على اسمعيل بك والتفوا
على ابراهيم بك ومراد بك ومن معهم فعند ذلك ركب اسمعيل بك بمن معه وطلب مصر حتى
وصلها في أسرع وقت وهو في اشد ما يكون من القهر والغيظ
وأصبح يوم الاربعاء فأرسل اسمعيل بك ومنع المعادى من
التعدية
وفي يوم الاثنين طلعوا الى القلعة وعملوا ديوانا عند
الباشا وحضر الموجودون من الامراء والوجاقلية والمشايخ وتشاوروا في هذا الشأن فلم
يستقر الرأى على شيء ونزلوا الى بيوتهم وشرعوا في توزيع امتعتهم
وتعزيل بيوتهم واضطربت احوالهم وطلب اسمعيل بك تجار
اليها والمباشرين وطلب منهم دراهم سلفة فدخل عليه الخبيرى واخبره بان الجماعة
القبليين وصلت اوائلهم الى البساتين وبعضهم وصل الى بر الجيزة بالبر الآخر
فلما تحقق ذلك أمر بالتحميل وخرجوا من مصر شيئا فشيئا من
بعد العصر الى رابع ساعة من الليل ونزلوا بالعادلية وذلك ليلة الثلاثاء رابع عشر
المحرم وهم اسمعيل بك وصناجقه ابراهيم بك قشطة وحسين بك وعثمان بك طبل وعثمان بك
قفا الثور وعلي بك الجوخدار وسليم بك وابراهيم بك طنان وابراهيم أوده باشه وعبد
الرحمن اغا مستحفظان واسمعيل كتخدا عزبان ويوسف اغا الوالي وغيرهم وباتت الناس في
وجل
واصبح يوم الثلاثاء واشيع خروجهم ووقع النهب في بيوتهم
وركبوا في صبح ذلك اليوم وذهبوا الى جهة الشام فكانت مدة امارة اسمعيل بك واتباعه
على مصر في هذه المرة ستة اشهر واياما بما فيها من ايام سفره الى قبلي وجوعه
وعدى مراد بك ومصطفى بك وآخرون في ذلك اليوم وكذلك
ابراهيم اغا الوالي الذى كان في ايامهم وشق المدينة ونادى بالامان وارسل ابراهيم
بك يطلب من الباشا فرمانا بالاذن بالدخول فكتب لهم الباشا فرمانا وأرسله صحبة ولده
وكتخدائه وهو سعيد بك
فدخل بقية الامراء يوم الاربعاء ما عدا ابراهيم بك فانه
بات بقصر العيني ودخل يوم الخميس الى داره وصحبته اسمعيل ابو علي كبير من كبار
الهوارة
وفي يوم الاحد ثامن عشرة طلعوا الى الديوان وقابلوا
الباشا وخلع عليهم القدوم ونزلوا الى بيوتهم
وفي يوم الخميس حادى عشرينه طلعوا ايضا الى الديوان فخلع
الباشا على ابراهيم بك واستقر في مشيخة البلد كما كان واستقر احمد بك شنن صنجقا
كما كان وتقلد عثمان اغا خازندار ابراهيم بك صنجقية وهو الذى عرف بالاشقر وقلدوا
مصطفى كاشف المنوفية صنجقية ايضا وعلي كاشف
أغات مستحفظان وموسى اغا من جماعة علي بك واليا كما كان
ايام سيده
وفي أواخره وردت اخبار بان اسمعيل بك ومن معه وصلوا الى
غزة واستقر المذكورون بمصر علوية ومحمدية والعلوية شامخة على المحمدية ويرون المنة
لانفسهم عليهم والفضيلة لهم بمخامرتهم معهم ولولا ذلك ما دخلوا الى مصر ولا يمكن
المحمدية التصرف في شيء الا بأذنهم ورأيهم بحيث صاروا كالمحجوز عليهم لا يأكلون
الا ما فضل عنهم
وفي يوم الخميس ثامن من جمادى الاولى حضر الى مصر
ابراهيم بك أوده باشه من غزة مفارقا لاسمعيل بك وقد كان أرسل قبل وصوله يستأذن في
الحضور فأذنوا له وحضر وجلس في بيته وتخيل منه رضوان بك وقصد نفيه فالتجأ الى مراد
بك وانضم اليه
فلما كان يوم السبت سابع عشر جمادى الاولى ركب مراد بك
وخرج الى مرمى النشاب منتفخا من القهر مفكرا في أمره مع العلوية فحضر اليه عبد
الرحمن بك وعلي بك الحبشي من العلوية فعندما أراد عبد الرحمن بك القيام عاجله مراد
بك ومن معه وقتلوه وفر علي بك الحبشي وغطى رأسه بفوقانيته وانزوى في شجر الجميز
فلم يروه
فلما ذهبوا ركب وسار مسرعا حتى دخل على حسن بك الجداوى
في بيته وركب مراد بك وذهب الى بيته
واجتمع على حسن بك اغراضه وعشيرته وأحمد بك شنن وسليمان
كتخدا وموسى اغا الوالي وحسن بك رضوان امير الحاج وحسن بك سوق السلاح وابراهيم بك
بلفيا وكرنكوا في بيت حسن بك الجداوى بالداودية وعملوا متاريس في ناحية باب زويلة
وناحية باب الخرق والسروجية والقنطرة الجديدة
واجتمع على مراد بك خشداشينه وعشيرته وهم مصطفى بك
الكبير ومصطفى بك الصغير وأحمد بك الكلارجي وركب ابراهيم بك من قبة العزب وطلع الى
القلعة وملك الابواب وضرب المدافع على بيت حسن بك الجداوى ووقع الحرب بينهم بطول
نهار يوم السبت وغلقت الاسواق والحوانيت
وباتوا على ذلك ليلة الاحد ويوم الاحد والضرب من
الفريقين في الازقة والحارات رصاص ومدافع وقرابين ويزحفون على بعضهم تارة ويتأخرون
اخرى وينقبون البيوت على بعضهم
فحصل الضرر للبيوت الواقعة في حيزهم من النهب والحرق
والقتل
ثم ان المحمدية تسلق منهم طائفة من الخليج وطلعوا من عند
جامع الحين من بين المتاريس وفتحوا بيت عبد الرحمن أغا من ظاهرة وملكوه وركبوا
عليه المدافع وضربوا على بيت الجداوى فعند ذلك عاين العلوية الغلب فركبوا وخرجوا
من باب زويلة الى باب النصر والمحمدية خلفهم شاهرين السيوف يخجون بالخيل فلما
خرجوا الى الخلاء التقوا معهم فقتل حسن بك رضوان أمير الحاج وأحمد بك شنن وابراهيم
بك بلفيا المعروف بشلاق وغيرهم اجناد وكشاف ومماليك وفر حسن بك الجداوى ورضوان بك
وكان ذلك وقت القائلة من يوم الاحد وكان يوما شديد الحر
ولم يقتل أحد من المحمديين سوى مصطفى بك الكبير اصابته
رصاصة في كتفه انقطع بسببها أياما ثم شفى
وأما حسن بك ورضوان بك فهربا في طائفة قليلة وخرج عليهما
العربان فقاتلوهما قتالا شديدا وتفرقا من بعضهما وتخلص رضوان بك وذهب في خاصته الى
شيبين الكوم
وأما حسن بك الجداوى فلم تزل العرب تحاوره حتى أضعفوه
وتفرق من حوله وشيخ العرب سعد صحصاح يتبعه ثم حلق عليه رتعة شيخ عرب بلي فتقنطر به
الحصان في مبلة كتان فقبضوا عليه وأخذوا سلاحه وعروه وكتفوه وصفعه رتيمة على قفاه
ووجهه ثم سحبوه بينهم ماشيا على اقدامه وهو حاف وأرسلوا الى الامراء بمصر يخبرونهم
بالقبض عليه وكان السيد ابراهيم شيخ بلقس لما بلغه ذلك ركب اليه وخلصه من تلك
الحالة وفك كتافه وألبسه ثيابا وأعطاه دراهم ودنانير
فلما بلغ الخبر ابراهيم بك ومراد بك أرسلوا له كاشفا
فلما حضر اليه وواجهه لاطفه ثم دخل الى مصر وسار الى بولاق ودخل الى بيت الشيخ
أحمد الدمنهوري فركب جماعة كثيرة من المحمدية وذهبوا الى
بولاق وطلبوه فامتنع من اجابتهم فلم يجسروا على أخذه قهرا من بيت الشيخ فداخله
الوهم وطلع الى السطح ونط الى سطح آخر ولم يزل حتى نزل بالقرب من وكالة الكتان
فصادف بعض المماليك فضربه وأخذ حصانه وركبه وذهب رامحا بمفرده واشيع هروبه فركبت
الاجناد وحلقوا عليه الطرق فصار يقاتل من يدركه ولم يجد طريقا مسلوكا الى الخلاء
فدخل المدينة وذهب الى بيت ابراهيم بك فوجده جالسا مع مراد بك فاستجار بابراهيم بك
فأجاره وأمنه ومكث في بيته خمسة أيام وهو كالمختل في عقله مما قاساه من معاينة
الموت مرارا
ثم رسموا له أن يذهب الى جدة وأرسلوه الى السويس في يوم
الاربعاء ثامن عشرين جمادى الاولى في محفة
فلما انزل بالمركب أمر الريس أن يذهب به الى القصير
فامتنع فأراد قتله فذهب بالمركب الى القصير فطلع الى الصعيد وأما حسن بك سوق
السلاح فانه التجأ الى حريم ابراهيم بك وعلي بك الحبشي وسليمان كتخدا دخلا الى
مقام سيدي عبد الوهاب الشعراني وحمزة بك ذهب الى بيته لكونه كان بطالا فلم يداخله
الرعب كغيره وهرب موسى أغا الوالي الى شبرا
ثم أنهم رسموا بنفي علي بك الحبشي وحسن بك وسليمان كتخدا
الى رشيد وأحضروا موسى أغا الوالي الى بيته بشفاعة علي أغا مستحفظان وأرسلوا
لرضوان بك الاذن بالاقامة في شيبين وبنى له بها قصرا على البحر وجلس فيه وانقضت
هذه الحادثة الشنيعة
وفي يوم الخميس غاية جمادى الاولى عملوا ديوانا بالقلعة
وقلدوا ايوب بك الكبير صنجقية وكان اسمعيل بك رفعها عنه ونفاه الى دمياط ثم نقله
الى طندتا فلما رجع خداشينه مع العلوية طلبوه الى مصر وأرادوا رد صنجقيته فلم يرض
حسن بك الجداوى فأقام بمصر معزولا حتى
وقعت هذه الحادثة فرجع كما كان
وقلدوا أيوب بك كاشف خازندار محمد بك أبي الذهب كما كان
صنجقية أيضا وعرف بك الصعيد وقلدوا سليمان بك أبا نبوت صنجقية أيضا كما كان وقلدوا
ابراهيم أغا الوالي سابقا صنجقية وركبوا في مواكبهم الى بيوتهم وضربت لهم
الطبلخانات
وفي يوم الخميس سابع جمادى الثانية طلعوا الى الديوان
وقلدوا سليمان أغا مستحفظان سابقا صنجقية وقلدوا يحيى أغا خازندار مراد بك صنجقية
أيضا وقلدوا على أغا خازندار ابراهيم بك صنجقية أيضا وهو الذى عرف بعلي بك أباظة
وفيه حضر الى مصر سليمان كتخدا الشرايبي كتخدا اسمعيل بك
وعلى يده مكاتبة من اسمعيل بك مضمونها يريد الاذن يالتوجه الى أخميم أو الى السرور
رأس الخليج يقيم هناك ويبقى ابراهيم بك قشطة بمصر رهينة ويكون وكيله في تعلقاته
وقبض فائظه والصلح أحسن وأولى فعملوا ديوانا واحضروا المشايخ والقاضي وعرضوا عليهم
تلك المكاتبة وتشاوروا في ذلك فانحط الرأى بان يرسلوا له جوابا بالسفر الى جدة من
السويس ويطلقوا له في كل سنة اربعين كيسا وستة آلاف اردب غلال وحبوب وان يرسل
ابراهيم بك صهره كما قال الى مصر ويكون وكيلا عنه ومن بصحبته من الامراء يحضرون
الى مصر بالامان ويقيمون برشيد ودمياط والمنصورة ونحو ذلك وارسلوا المكاتبة صحبة
سليم كاشف تمرلنك اخي اسمعيل بك المقتول وآخرين
وفيه رسموا بنفي ابراهيم بك أوده باشه وسليمان كتخدا
الشرايبي وكان اشيع تقليد ابراهيم بك الصنجقية في ذلك اليوم وتهيأ لذلك وحضر في
الصباح عند ابراهيم بك فلما دخل رأى عنده مراد بك فاختليا معه فأخرج ابراهيم بك من
جيبه مكتوبا مسكوه عليه من اسمعيل
بك خطابا له مضمونه انه بلغنا ما صنعت في ايقاع الفتنة
بين الجماعة وهلاك الطائفة الخائنة وفيه ان يأخذ من الرجل المعهود كذا من النقود
يوزعها على جهات كناها له وربنا يجمعنا في خير
فلما تناوله من ابراهيم بك وقرأه قال في الجواب كل منكم
لا يجهل مكايد اسمعيل بك وانكر ذلك بالكلية
فلم يقبلوا عذره ولم يصدقوه وقام وذهب الى بيته
فأرسلوا خلفه محمد كتخدا اباظة فأخذه وصحبته مملوكين فقط
ونزل به الى بولاق ونفوه الى رشيد وكذلك نفوا سليمان كتخدا الشرايبي واحتاطوا
بموجود ابراهيم بك
وفي يوم الاثنين حادى عشر جمادى الثانية وصل ابراهيم
باشا والي جدة وذهب الى العادلية وجلس هناك بالقصر حتى شهلوه وسفروه الى السويس
بعد ما ذهبوا اليه وودعوه وكان سفره يوم الاحد سابع عشر جمادى الثانية
وفي ذلك اليوم حضر جماعة من الاجناد من ناحية غزة من
الذين كانوا بصحبة اسمعيل بك
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشرة ركب الامراء وطلعوا الى باب
الينكجرية والعزب وارسلوا الى الباشا كتخدا الجاويشية واغات المتفرقة والترجمان
وكاتب حوالة وبعض الاختيارية يأمرونه بالنزول الى بيت حسن بك الجداوى وهو بيت
الداودية
فلما قالوا له ذلك طلعوا الى حوش الديوان واجتمعوا به
حتى امتلأ منهم فارتعب الباشا منهم فركب من ساعته ونزل من القلعة الى بيت الداودية
واحضروا الجمال وعزلوا متاعه في ذلك اليوم فكانت مدة ولايته سنتين وثلاثة أشهر
وفي يوم الجمعة حادى عشرين شهر رجب الموافق لعاشر مسري
القبطي كان وفاء النيل المبارك
وفي يوم الاثنين ثاني عشرين شهر شعبان حضر من اخبر ان
جماعة من الاجناد حضروا من ناحية غزة وصحبتهم عبد الرحمن اغا مستحفظان
على الهجن ومروا من خلف الجرة وذهبوا الى قبلي وتخلف
عنهم عبد الرحمن أغا في حلوان لغرض من الاغراض ينتظره من مصر فركب من ساعته مراد
بك في عدة وذهبوا الى حلوان ليلا على حين غفلة واحتاطوا بها وبدار الاوسية وقبضوا
على عبد الرحمن اغا وقطعوا رأسه ورجع مراد بك وشق المدينة والرأس أمامه على رمح ثم
أحضروا جثته الى بيته الصغير بالكعكيين وغسلوه وكفنوه وخرجوا بجنازته وصلوا عليه
بالمارداني
ثم الحقوا به الرأس في الرميلة ودفنوه بالقرافة
ومضى أمره وزاد النيل في هذه السنة زيادة مفرطة حتى
انقطعت الطرقات من كل ناحية واستمر الى آخر توت
وفي اواخر رمضان هرب رضوان بك على من شيبين الكوم وذهب
الى قبلي فلما فعل ذلك عينوا ابراهيم بك الوالي فنزل الى رشيد وقبض على علي بك
الحبشي وسليمان كتخدا وقتلهما وأما ابراهيم بك أوده باشه فهرب الى القبطان واستجار
به
وفي تاسع عشر شوال خرج المحمل والحجاج صحبة أمير الحاج
رضوان بك بلفيا وسافر من البركة في يوم الثلاثاء سابع عشرين شوال
وفيه جاءت الاخبار بورود اسمعيل باشا والي مصر الى
سكندرية
وفي يوم الخميس تاسع عشرين شوال ركب محمد باشا عزت من
الداودية وذهب الى قصر العيني ليسافر
وفي يوم الاثنين ثالث ذى القعدة نزل الباشا في المراكب
وسافر الى بحرى
وفي منتصف شهر القعدة المذكور نزل أرباب العكاكيز وهم
علي أغا كتخدا جاوجان واغات المتفرقة والترجمان وكاتب حوالة وأرباب الخدم وسافروا
لملاقاة الباشا الجديد
من مات في هذه السنة من أعيان العلماء والمشاهير مات
الشيخ الامام العلامة المتفنن اوحد الزمان وفريد الاوان أحمد ابن عبد المنعم بن
يوسف بن صيام الدمنهورى المذاهبي الازهرى ولد بدمنهور الغريبة سنة 1101 وقدم
الازهر وهو صغير يتيم لم يكلفه أحد فاشتغل بالعلم وجال في تحصيله واجتهد في تكميله
وأجازه علماء المذاهب الاربعة وكانت له حافظة ومعرفة في فنون غريبة وتآليف وأفتى
على المذاهب الاربعة ولكن لم ينتفع بعلمه ولا بتصانيفه لبخله في بذله لاهله ولغير
أهله وربما يبيح في بعض الاحيان لبعض الغرباء فوائد نافعة وكان له دروس في المشهد
الحسيني في رمضان يخلطها بالحكايات وبما وقع له حتى يذهب الوقت
وولي مشيخة الجامع الازهر بعد وفاة الشيخ الحفني وهابته
الامراء لكونه كان قوالا للحق إمارا بالمعروف سمحا بما عنده من الدنيا
وقصدته الملوك من الاطراف وهادته بهدايا فاخرة وسائر
ولاة مصر من طرف الدولة كانوا يحترمونه وكان شهير الصيت عظيم الهيبة منجمعا عن
المجالس والجمعيات
وحج سنة 1177 مع الركب المصرى واتى رئيس مكة وعلماؤها
لزيارته وعاد الى مصر
وتوفي يوم الاحد عاشر شهر رجب من السنة المذكورة وكان
مسكنه ببولاق وصلي عليه بالازهر بمشهد حافل جدا وقرىء نسبه الى أبي محمد البطل
الغازى ودفن بالبستان وكان آخر من أدركنا من المتقدمين
ومات الامام العلامة المحقق والفهامة المدقق شيخنا الشيخ
مصطفى ابن محمد بن يونس الطائي الحنفي ولد بمصر سنة 1138 وتفقه على والده وبه تخرج
وبعد وفاة والده تصدر في مواضعه ودرس وافتى وكان اماما ثبتا متقنا مستحضرا مشاركا
في العلوم والرياضيات فرضيا حيسوبا وله مؤلفات كثيرة في فنون شتى تدل على رسوخه
وكتب شرحا على الشمائل
وحاشية على الاشموني اجاد فيها وكان رأسا في العلوم
والمعارف توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات سيدي ابو مفلح احمد بن ابي الفوز بن الشهاب أحمد بن
أبي العز محمد بن العجمي ويعرف بالشيشيني وكان كاتب الكني بمنزل السادات الوقائية
وكان انسانا حسنا بهيا ذا تودد ومرؤة وعنده كتب جيدة يعير منها لمن يثق به
للمطالعة والمراجعة
توفي يوم السبت آخر المحرم
ومات شيخنا الامام القطب وجيه الدين أبو المراحم عبد
الرحمن الحسيني العلوى العيدروسي التريمي نزيل مصر ولد بعد الغروب ليلة الثلاثاء
تاسع صفر سنة 1135 ووالده مصطفى بن شيخ بن علي زين العابدين ابن عبد الله بن شيخ
بن عبد الله بن شيخ بن القطب الاكبر عبد الله العيدروس بن أبي بكر السكران بن
القطب عبد الرحمن السقاف ابن محمد مولى الدويلة بن علي بن علوى بن محمد مقدم
التربة بتريم ابن علي بن محمد بن علي بن علوى بن محمد بن علوى بن عبد الله بن أحمد
العراقي بن عيسى النقيب بن محمد بن علي بن جعفر الصادق بن محمد ابن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة ابنة عبد الله الباهر ابن مصطفى بن زين العابدين
العيدروس نشأ على عفة وصلاح في حجر والده وجده وأجازه والده وجده وألبساه الخرقة
وصافحاه وتفقه على السيد وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه وأجازه
بمروياته
وفي سنة 1153 توجه صحبة والده الى الهند فنزلا بندر
الشحر واجتمع بالسيد عبد الله بن عمر المحضار العيدروس فتلقن منه الذكر وصافحه
وشابكه وألبسه الخرقة وأجازه اجازة مطلقة مع والده ووصلا بندر سورت واجتمع بأخيه
السيد عبد الله الباصر وزارا من بها من القرابة والاولياء ودخلا مدينة بروج فزارا
محضار الهند السيد أحمد بن الشيخ العيدروس
وذلك ليلة النصف من شعبان سنة واحد وستين
ثم رجعا الى سورت وتوجه والده الى تريم وترك المترجم عند
أخيه وخاله زين العابدين ابن العيدروس
وفي أثنناء ذلك رجع الى بلاد جادة وظهرت له في هذه
السفرة كرامات عدة ثم رجع الى سورت وأخذ اذ ذاك من السيد مصطفى ابن عمر العيدروس
والحسين بن عبد الرحمن بن محمد العيدروس والسيد محمد فضل الله العيدروس اجازة
السلاسل والطرق وألبسه الخرقة ومحمد فاخر العباسي والسيد غلام علي الحسيني والسيد
غلام حيدر الحسيني والبارع المحدث حافظ يوسف السورتي والعلامة عزيز الله الهندى
والعلامة غياث الدين الكوكبي وغيرهم وركب من سورت الى اليمن فدخل تريم وجدد العهد
بذوى رحمه وتوجه منها الى مكة للحج وكانت الوقفة نهار الجمعة
ثم زار جده صلى الله عليه و سلم وأخذ هناك عن الشيخ محمد
حياة السندى وأبي الحسن السندى وابراهيم بن قيض الله السندى والسيد جعفر بن محمد
البيتي ومحمد الداغستاني ورجع الى مكة فأخذ عن الشيخ السند السيد عمر بن أحمد وابن
الطيب وعبد الله ابن سهل وعبد الله بن سليمان ما جرمي وعبد الله بن جعفر مدهور
ومحمد باقشير ثم ذهب الى الطائف وزار الحبر بن عباس ومدحه بقصائد واجتمع اذ ذاك
بالشيخ السيد عبد الله ميرغني وصار بينهما الود الذى لا يوصف
وفي سنة ثمان وخمسين أذن له بالتوجه الى مصر فنزل الى
جدة وركب منها الى السويس ومصر هرعت اليه اكابر مصر من العلماء والصلحاء وأرباب
السجاجيد والامراء وصارت له معهم المطارحات والمذاكرات ما هو مذكور في رحلته وجمع
حواسه لنشر الفضائل واخلاها عن السوى وهرعت اليه الفضلاء للاخذ والتلقي وتلقي هو
عن كل من الشيخ الملوى والجوهرى والحفني واخيه يوسف وهم تلقوا عنه تبركا وصار أوحد
وقته حالا وقالا مع تنويه الفضلاء به وخضعت له أكابر الامراء على اختلاف طبقاتهم
وصار مقبول الشفاعة عندهم لا ترد رسائله ولا يرد سائله
وطار صيته في المشرق والمغرب
وفي اثناء هذه المدة تعددت له رحلات الى الصعيد الاعلى
والى طندتا والى دمياط والى رشيد واسكندرية وفوة وديروط واجتمع بالسيد علي الشاذلي
وكل منهما أخذ عن صاحبه
وزار سيدى ابراهيم الدسوقي وله في كل هؤلاء قصائد طنانة
ثم سافر الى الشام فتوجه الى غزة ونابلس ونزل بدمشق ببيت
الجناب حسين افندى المرادى وهرعت اليه علماء الشام وأدباؤها وخاطبوه بمدائح واجتمع
بالوزير عثمان باشا في ليلة مولد النبي صلى الله عليه و سلم في بيت السيد علي
افندى المرادى ثم رجع الى بيت المقدس وزار وعاد الى مصر وتوجه الى الصعيد ثم عاد
الى مصر وزار السيد البدوى ثم ذهب الى دمياط
كعادته في كل مرة ثم رجع الى مصر ثم توجه الى رشيد ثم
الاسكندرية ومنها الى اسلامبول فحصل له بها غاية الحظ والقبول ومدح بقصائد وهرعت
اليه الناس أفواجا ورتب له في جوالي مصر كل يوم قرشان ولم يمكث بها الا نحو أربعين
يوما وركب منها الى بيروت ثم الى صيدا ثم الى قبرص ثم الى دمياط وذلك غاية شعبان
سنة تسعين
ثم دخل المنصورة وبات بها ليلة ثم دخل مصر في سابع عشر
رمضان
وكان مدة مكثه في الهند عشرة أعوام وحج سبع عشرة مرة
منها ثلاث بالجمعة وسفره من الحجاز الى مصر ثلاث مرات وللصعيد ست مرات ولدمياط
ثمان مرات
ولم يزل يعلو ويرقى الى ان توفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر
محرم من هذه السنة وخرجوا بجنازته من بيته الذى تحت قلعة الكبش بمشهد حافل وصلي
عليه بالجامع الازهر وقرىء نسبه على الدكة وصلي عليه اماما الشيخ أحمد الدردير
ودفن بمقام ولي الله العتريس تجاه مشهد السيدة زينب ورثي بمرات كثيرة ربما يأتي
ذكرها في تراجم العصريين ولم يخلف بعده مثله رحمه الله
ومات الوجيه المبجل عبد السلام أفندى بن أحمد الازرجاني
مدرس
المحمودية كان اماما فاضلا محققا له معرفة بالاصول قرأ
العلوم ببلاده وأتقن في المعقول والمنقول وقدم مصر ومكث بها مدة ولما كمل بناء
المدرسة المحمودية بالحبانية تقرر مدرسا فيها وكان يقرأ فيها الدرر لمنلاخسرو
وتفسير البيضاوي ويورد ابحاثا نفيسة
وكان في لسانه جبسة وفي تقريره عسر وبأخرة تولى امامتها
وتكلف في حفظ بعض القرآن وجوده على الشيخ عبد الرحمن الاجهوري المقرىء وابتنى
منزلا نفيسا بالقرب من الخلوتي وكان له تعلق بالرياضيات وقرأ على المرحوم الوالد
أشياء من ذلك واقتنى آلات فلكية نفيسة بيعت في تركته
مات بعد أن تعلل بالحصبة اياما في يوم الثلاثاء سادس
جمادى الاولى من السنة ولم يخلف بعده في المحمودية مثله وجاهة وصرامة واحتشاما
وفضيلة رحمه الله
ومات الامام العلامة والحبر الفهامة الشيخ أحمد بن عيسى
بن أحمد ابن عيسى بن محمد الزبيرى الشافعي البراوى ولد بمصر وبها نشأ وقرأ الكثيرى
على والده وبه تفقه وحضر دروس مشايخ الوقت في المعقول والمنقول وتمهروا نجب وعد من
ارباب الفضائل
ولما توفي والده أجلس مكانه بالجامع الازهر واجتمع عليه
طلبة أبيه وغيرهم واستمرت حلقة درس والده على ما هي عليها من العظم والجلالة
والرونق وافادة الطلبة وكان نعم الرجل صلاحا وصرامة
توفي بطندتا في ليلة الاربعاء ثالث شهر ربيع الاول فجأة
وجيء به الى مصر فغسل في بيته وصلي عليه بالازهر ودفن عند والده بتربة المجاورين
رحمه الله
ومات الوجيه المبجل بقية السلف سيدى عامر بن الشيخ عبد
الله الشبراوى تربى في عز ودلال وسيادة ورفاهية وكان نبيلا الا انه لم يلتفت الى
تحصيل المعارف والعلوم ومع ذلك كان يقتني الكتب النفيسة ويبذل فيها الرغائب
واستكتب عدة كتب بخط المرحوم الشيخ حسن الشغراوى المكتب وهو في غاية الحسن
والنورانية
ومن ذلك مقامات الحريرى
وشروحها للزمزمي وغيره وجلدها وذهبها ونقشوا اسمه في
البصمات المطبوعة في نقش الجلود بالذهب وعندى بعض على هذه الصورة ورسم باسمه الشيخ
محمد النشيلي عدة آلات فلكية وارباع وبسائط وغير ذلك واعتنى بتحريرها واتقانها
وأعطاه في نظير ذلك فوق مأموله وحوى من كل شيء أظرفه وأحسنه من ان الذى يرى ذاته
يظنه غليظ الطبع
توفي رحمه الله يوم الجمعة تاسع عشرين المحرم من السنة
ومات العلامة الفقيه الفاضل الشيخ محمد سعيد بن محمد صفر
ابن محمد بن أمين المدني الحنفي نزيل مكة والمدرس بحرمها تفقه على جماعة من فضلاء
مكة وسمع الحديث على الشيخ محمد بن عقيلة والشيخ تاج الدين القلعي وطبقتهما
وبالمدينة على الشيخ أبي الحسن السندى الكبير وغيره وكان حسن التقرير لما يمليه في
دروسه حضره السيد العيدروس في بعض دروسه وأثنى عليه
وفي آخر عمره كف بصره حزنا على فقد ولده
وكان من نجباء عصره أرسله الى الروم وكان زوجا لابنة
الشيخ ابن الطيب فغرق في البحر
وفي أثناء سنة 1174 ورد مصر ثم توجه الى الروم على طريق
حلب فقرأ هناك شيئا من الحديث وحضره علماؤها ومنهم الشيخ السيد أحمد بن محمد
الحلوى وذكره في جملة شيوخه واثنى عليه ورجع الى الحرمين وقطن بالمدينة المنورة
ومن مؤلفاته الاربعة أنهار في مدح النبي المختار صلى
الله عليه و سلم وله قصيدة مدح بها الشيخ العيدروس
ولما حج الشيخ أحمد الحلوى في سنة تسعين اجتمع به
بالمدينة المنورة وذاكره بالعهد القديم فهش له وبش واستجاز منه ثانيا فأجازه ولم
يزل على حاله المرضية من عبادة وافادة حتى توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامير عبد الرحمن أغا أغات مستحفظان وهو من مماليك
ابراهيم كتخدا وتقلد الاغاوية في سنة سبعين كما تقدم واستمر فيها الى
سنة تسع وسبعين
فلما نفي علي بك النفية الاخيرة عزله خليل بك وحسين بك
وقلدوا عوضه قاسم أغا فلما رجع علي بك ولاه ثانيا وتقلد قاسم أغا صنجقا فاستمر
فيها الى سنة ثلاث وثمانين فعزله وقلد عوضه سليم أغا الوالي وقلد موسى أغا واليا
عوضا عن سليم المذكور وكلاهما من مماليكه
وأرسل المترجم الى غزة حاكما وأمره أن يتحيل على سليط
ويقتله
وكان رجلا ذا سطوة عظيمة وفجور فلم يزل يعمل الحيلة عليه
حتى قتله في داره وأرسل برأسه الى علي بك بمصر وهي أول نكتة تمت لعلي بك بالشام
وبها طمع في استخلاص الشام فلما حصلت الوحشة بين محمد بك وسيده علي بك انضوى الى
محمد بك
فلما استبد بالامر قلده أيضا الاغاوية فاستمر فيها مدته
ولما مات محمد بك انحرف عليه مراد بك وعزله وولى عوضه
سليمان أغا وذلك في سنة تسعين ولما وقعت المنافرة بين اسمعيل بك والمحمدية انضم
الى اسمعيل بك ويوسف بك واجتهد في نصرتهما وصار يكر ويفر ويجمع الناس ويعمل
المتاريس ويعضد المتاريس ويعمل الحيل والمخادعات ويذهب ويجيء الليل والنهار حتى تم
الامر وهرب ابراهيم بك ومراد بك واستقر اسمعيل بك ويوسف بك فقلداه الاغاوية أيضا
فاستمر فيها مدته فلما خرج اسمعيل بك الى الصعيد محاربا للمحمديين تركه فاستقل
بأحكامها وكذلك مدة غياب محمد بك بالشام
فلما خان العلوية اسمعيل بك وانضموا الى المحمدية ورجع
اسمعيل بك على تلك الصورة كما ذكر خرج معه الى الشام الى ان تفرق أمرهم فأراد
التحول الى جهة قبلي فأنضم معه كثير من الاجناد والمماليك وساروا الى أن وصلوا
قريبا من العادلية فأرسل مملوكا له أسود ليأتيه بلوازم من داره ويأتيه بحلوان فانه
ينتظره هناك وحلوان كانت في التزامه وعدى مع الجماعة من خلف الجبل ونزلوا بحلوان
وركبوا وساروا وتخلف هو عنهم للقضاء المقدر ينتظر خادمه فبات
هناك
وحضر بعض العرب وأخبر مراد بك فأرسل الرصد لذلك العبد
وركب هو في الحال وأتاه الرصد بالعبد في طريق ذهابه فأستخبره فأعلمه بالحقيقة بعد
التنكر فسار مستعجلا الى ان أتى حلوان واحتاط بها وهجمت طوائفه على دوار الاوسية
وأخذوه قبضا باليد وعروه ثيابه حتى السراويل وسحبوه بينهم عريانا مكشوف الرأس
والسوأتين وأحضروه بين يدي مراد بك فلما وقعت عينيه عليه أمر بقطع يديه وسلموه
لسواس الخيل يصفعونه ويضربونه على وجهه ثم قطعوا رقبته حزا بسكين ويقولون له انظر
قرص البرغوث يذكرونه قوله لمن كان يقتله لا تخف يا ولدى انما هي كقرصة البرغوث
ليسكن روع المقتول على سبيل الملاطفة
فكانوا يقولون ذلك على سبيل التبكيت
ودخل مراد بك في صبحها برأسه امامه على رمح ودفن كما ذكر
ولم يأت بعده في منصبه من يدانيه في سياسة الاحكام والقضايا والتحيلات على
المتهومين حتى يقروا بذنوبهم وكان نقمة الله على المعاكيس وخصوصا الخدم الأتراك
المعروفين بالمسراجين
واتفق له في مبادى ولايته انه تكرر منه اذيتهم فشكوا منه
الى حسين بك المقتول فخاطبه في شأنهم فقال له هؤلاء أقبح خلق الله وأضرهم على
المسلمين وأكثرهم نصارى ويعملون أنفسهم مسلمين ويخدمونكم ليتوصلوا بذلك الى ايذاء
المسلمين وان شككت في قولي أعطني اذنا بالكشف عليهم لا ميز المختون من غيره
فقال له الصنجق
افعل ما بدا لك
فلما كان في ثاني يوم هرب معظم سراجين الصنجق ولم يتخلف
منهم الا من كان مسلما ومختونا وهو القليل فتعجب حسين بك من فطانته ومن ذلك الوقت
لم يعارضه في شيء يفعله وكذلك علي بك ومحمد بك
ولما خالف محمد بك على سيده وانفصل عنه وذهب الى قبلي
وانضم اليه خشداشة أيوب بك وتعاقدا وتحالفا على المصحف والسيف ونكث ايوب بك
العهدوقضى محمد بك عليه بقطع يده ولسانه ارسل اليه عبد الرحمن
أغا هذا ففعل به ذلك ولما حضر اليه ليمثل به ودخل اليه
وصحبته الجلاد وصار يقول للجلاد ارفق بسيدي ولا نؤلمه ونحو ذلك
ولما ملك محمد بك ودخل مصر أرسله الى عبد الله بك كتخدا
الباشا الذى خامر على سيده وانضم الى علي بك فذهب اليه وقيض عليه ورمى عنقه في وسط
بيته ورجع برأسه الى مخدومه وباشر الحسبة مدة مع الاغاوية
وكان السوقة يحبونه وتولى ناظرا على الجامع الازهر مدة
وكان يحب العلماء ويتأدب مع أهل العلم ويقبل شفاعاتهم وله دهقنة وتبصر في الامور
وعنده قوة فراسة وشدة حزم حتى غلب القضاء على حزمة عفا الله عنه
ومات الامير عبد الرحمن بك وهو من مماليك علي بك وصناجقة
الذين أمرهم ورقاهم فهو خشداش محمد بك ابي الذهب وحسن بك الجداوي وأيوب بك ورضوان
بك وغيرهم
وكان موصوفا بالشجاعة والاقدام فلما انقضت أيام علي بك
وظهر أمر محمد بك خمل ذكره مع خشدشينه الى أن حصلت الحادثة بين المحمديين واسمعيل
بك فرد لهم امرياتهم الا عبد الرحمن هذا فبقى على حاله مع كونه ظاهر الذكر
فلما كان يوم قتل يوسف بك وكان هو أول ضارب فيه
وهرب في ذلك اليوم من بقى من المحمدية وأخرج باقيهم
منفيين ردوا له صنجقيته كما كان ثم طلع مع خشداشينه لمحاربتهم بقبلي ثم والسوا على
اسمعيل بك وانضموا اليهم ودخلوا معهم الى مصر كما ذكر
ثم وقع بينهم التحاقد والتزاحم على انفاذ الامر والنهي
وكان اعظم المتحاقدين عليهم مراد بك وهم له كذلك وتخيل الفريقان من بعضهم البعض
ودخل المحمدية الخوف الشديد من الطلوية الى أن صاروا لا يستقرون في بيوتهم فلازموا
الخروج الى خارج المدينة والمبيت بالقصور
وخرج ابراهيم بك واتباعه الى جهة العادلية ومراد بك
واتباعه الى جهة مصر القديمة
فلما كان يوم السبت سابع عشر جمادى الاولى اصبح مراد بك
منتفخ الاوداج من القهر فاختلى مع من
يركن اليهم من خاصته وقال لهم اني عازم في هذا اليوم على
طلب الشر مع الجماعة
وقالوا وكيف نفعل
قال نذهب الى مرمى النشاب ولا بد أن يأتينا منهم من يأتي
فكل من حضر عندنا منهم قتلناه ويكون ما يكون بعد ذلك
ثم ركب ونزل بمصاطب النشاب وجلس ساعة فحضر اليه عبد
الرحمن بك المذكور وعلي بك الحبشي فجلسا معه حصة ومراد بك يكرر لاتباعه الاشارة
بضربهما وهم يهابون ذلك ففطن له سلحدار عبد الرحمن بك فغمز سيده برجله فهم بالقيام
فابتدره مراد بك وسحب بالته وضربه في رأسه فسحب الآخر بالته واراد ان يضربه فألقى
بنفسه من فوق المصطبة الى اسفل وعاجل أتباع عبد الرحمن بك وقتلوه
وفي وقت الكبكبة غطى علي بك الحبشي رأسه بجوخته واختفى
في شجر الجميز وركب في الحال مراد بك وجمع عشيرته وأرسل الى ابراهيم بك فحضر من
القبة الى القلعة وكان ما ذكر واستمر عبد الرحمن بك مرميا بالمصطبة حتى حضر اليه
اتباعه وشالوه ودفنوه بالقرافة
ومات الامير أحمد بك شنن واصله مملوك الشيخ محمد شنن
المالكي شيخ الازهر فحصل بينه وبين ابن سيده وحشة ففارقه ودخل في سلك الجندية وخدم
علي بك واحبه ورقاه وأمره الى أن قلده كتخدا الجاويشية فلم يزل منسوبا اليه ومنضما
الى اتباعه
وتقلد الصنجقية وصاهره حسن بك الجداوى وتزوج بأبنته وبنى
لها البيت بدرب سعادة ولم يزل حتى قتل في هذه الواقعة وكان فيه لين جانب ظاهري
ويعظم اهل العلم ويظهر لهم المحبة والتواضع
ومات الامير ابراهيم بك طنان وهو من مماليك حسن افندي
مملوك ابراهيم أفندي المسلماني وكانوا عدة وعزوة معروفين ومشهورين في البيوت
القديمة ومنهم مصطفى جربجي وأحمد جربجي
ثم لما ظهر أمر علي بك انتسبوا اليه وخرجوا مع محمد بك
عندما ذهب لمحاربة خليل بك
وحسين بك كشكش ومن معهم بناحية المنصورة فوقع في المقتلة
احمد جربجي المذكور وأعجب بهم محمد بك في تلك الواقعة فأحبهم وضمهم اليه ولازموه
في الأسفار والحروبات
ولما خالف علي سيده علي بك وهرب الى الصعيد خرجوا معه
كذلك ومات مصطفى جربجي على فراشه بمصر أيام علي بك وصار كبيرهم والمشار اليه فيهم
ابراهيم جربجي
فلما محمد بك وتعين في رياسة مصر قلده صنجقا ونوه بشأنه
وانعم عليه واعطاه بلادا مضافة الى بلاده منها سندبيس ومنية حلفة وباقي الامانة
وكان عسوفا ظالما الفلاحين لا يرحمهم وله مقدم من أقبح
خليقة الله من منية حلفة فيغرى بالفلاحين ويسجنهم ويعذبهم ويستخلص لمخدومه منهم
الاموال ظلما وعداونا
فلما حصلت تلك الحادثة وهرب ابراهيم بك المذكور مع
اسمعيل بك اجتمع الفلاحون على ذلك المقدم وقتلوه وحرقوه بالنار
وكان ابراهيم بك هذا ملازما على زيارة ضرائح الاولياء في
كل جمعة يركب بعد صلاة الصبح الى القرافة ويزور قبور البستان وقبور اسلافه ثم يذهب
الى زيارة الشافعي ويخرج منه ماشيا فيزور الليث وما جاوزهما من المشاهد المعروفة
كيحيى الشييه والسادات الثعالبة والعز وابن حجر وابن جماعة وابن ابي جمرة وغير ذلك
وكان هذا دأبه في كل جمعة
ولما وقعت الحوادث خرج مع اسمعيل بك الى غزة فلما سافر
اسمعيل بك ونزل البحر تخلف عنه ومات ببعض ضياع الشام وظهر له بمصر ودائع اموال لها
صورة
ومات الامير ابراهيم بك بلفيا المعروف بشلاق وهو مملوك
عبد الرحمن أغا بلفيا بن ابراهيم بك وعبد الرحمن أغا هذا هو أخو خليل بك
وكان علي بك ضمه اليه وأعجبه شجاعته فقلده صنجقا وصار من
جملة صناجقه وامرائه ومحسوبا منهم
فلما حصلت هذه الحادثة كان فيهم وقتل معهم
ومات الامير الكبير حسن بك رضوان أمير الحاج وهو مملوك
عمر بك بن حسين رضوان تقلد الصنجقية بعد موت سيده وجلس في بيته
وطلع اميرا بالحج سنة ثمان وسبعين وتسع وسبعين وعمل
دفتردار مصر ثم عزل عنها وطلع بالحج في سنة احدى وثمانين وسنة اثنتين وثمانين وقلد
رضوان بك مملوكه صنجقا
فلما تملك علي بك نفى رضوان بك هذا فيمن نفاهم في سنة
واحد وثمانين ثم رده ثم نفاه مع سيده بعد رجوعه من الحج في سنة ثلاث وثمانين الى
مسجد وصيف ثم نقل الى المحلة الكبرى فأقام بها الى سنة احدى وتسعين فكانت مدة
اقامته بالمحلة نحو ثمان سنين
فلما تملك اسمعيل بك احضره الى مصر وقلده امارة الحج سنة
واحد وتسعين كما ذكر فلما انضم العلوية الى المحمدية ورجعوا الى مصر وهرب اسمعيل
بك بمن معه الى الشام لم يخرج معه وبقي بمصر لكونه ليس من قبيلتهم وانضوى الى
العلوية كغيره لظنهم نجاحهم فوقع لهم ما وقع وقتل مع احمد بك شنن بشير او أوتوا
بهما الى بيوتهما وكل منهما ملفوف في قطعة خيمة ودفن حسن بك المذكور عليه رحمة
الله وكان أميرا جليلا مهذبا كريم الاخلاق لين الجانب يحب اهل الصلاح والعلم وعاشر
بالمحلة صاحبنا الفاضل اللبيب الاديب الشيخ شمس الدين السمربائي الفرغلي واحبه
واغتبط به كثيرا واكرمه وحجزه عنده مدة اقامته بالمحلة ومنعه عن الذهاب الى بلده الا
لزيارة عياله فقط في بعض الاحيان ثم يعود اليه سريعا ويستوحش لغيابه عنه فكان لا
يأتنس الا به
وللشيخ شمس الدين فيه مدائح ومقامات وقصائد
سنة ثلاث وتسعين والف في يوم السبت خامس المحرم وصل الى
مصر اسمعيل باشا والي مصر وبات ببر انبابة ليلة السبت المذكور وركب الامراء في
صبحها وقابلوه
ورجعوا وعدى الآخر وركب الى العادلية وجلس بالقصر وتولى
أمر السماط مصطفى بك الصغير
وفي يوم الثلاثاء من المحرم ركب الباشا بالموكب ودخل من
باب النصر وشق القاهرة وطلع الى القلعة وعملوا له شنكا ومدافع ووصل الخبر بنزول
اسمعيل بك الى البحر وسفره من الشام الى الروم وغاب أمره
وفي أواخر شهر ربيع الاول وقعت حادثة بالجامع الازهر بين
طائفة الشوام وطائفة الاتراك بين المغرب والعشاء فهجم الشوام على الاتراك وضربوهم
فقتلوا منهم شخصا وجرحوا منهم جماعة فلما أصبحوا ذهب الاتراك الى ابراهيم بك
وأخبروه بذلك فطلب الشيخ عبد الرحمن العريشي مفتي الحنفية والمتكلم على طائفة
الشوام وسأله عن ذلك فأخبره عن أسماء جماعة وكتبهم في ورقة وعرفه ان القاتلين
تغيبوا وهربوا ومتى ظهروا أحضرهم اليه ولما توجه من عنده تفحص ابراهيم بك عن
مسميات الاسماء فلم يجد لهم حقيقة فأرسل الى الشيخ احمد العروسي شيخ الازهر وأحضر
بقية المشايخ وطلب الشيخ عبد الرحمن فتغيب ولم يجدوه فاغتاظ ابراهيم بك ومراد بك
وعزلوه عن الافتاء وأحضروا الشيخ محمد الحريرى وألبسوه خلعة ليكون مفتي الحنفية
عوضا عن الشيخ عبد الرحمن وحثوا خلفه بالطلب ليخرجوه من البلدة منفيا فشفع فيه شيخ
السادات وهرب طائفة الشوام بأجمعهم وسمر الاغا رواقهم ونادوا عليهم
واستمر الامر على ذلك اياما ثم منعوا المجادلة والطبرية
من دخول الرواق ويقطع من خبزهم مائة رغيف تعطى للاتراك دية المقتول وكتب بذلك محضر
باتفاق المشايخ والامراء وفتحوا الرواق ومرض الشيخ العريشي من قهره وتوفي رابع
جمادى الاولى
وفي أواخر شهر جمادى الثانية توفي الشيخ محمد عبادة
المالكي
وفيهه جاءت الاخبار بان حسن بك ورضوان بك قوى أمرهم
وجمعوا جموعا وحضروا الى دجرجا والتف عليهم أولاد همام والجعافرة واسمعيل ابو علي
فتجهز مراد بك وسافر قبله أيوب بك الصغير ثم سافر هو أيضا فلما قربوا من دجرجا ولى
القبالي وصعدوا الى فوق فأقام مراد بك في دجرجا الى أوائل رجب وقبض على اسمعيل أبي
علي وقتله ونهب ماله وعبيده وفرق بلاده على كشافه وجماعته
وفي منتصف شهر رجب ظهر بمصر وضواحيها مرض سموه بأبي
الركب وفشا في الناس قاطبة حتى الاطفال وهو عبارة عن حمى ومقدار شدته ثلاثة أيام
وقد يزيد على ذلك وينقص بحسب اختلاف الامزجة ويحدث وجعا في المفاصل والركب
والاطراف ويوقف حركة الاصابع وبعض ورم ويبقى أثره اكثر من شهر ويأتي الشخص على
غفلة فيسخن البدن ويضرب على الانسان دماغه وركبه ويذهب بالعرق والحمام وهو من
الحوادث الغريبة
وفي عشرين رجب وصل مراد بك من ناحية قبلي وصحبته منهوبات
وأبقار وأغنام كثيرة
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه الموافق لثاني شهر مسرى
القبطي وفا النيل المبارك ثم زاد في ليلتها زيادة كثيرة حتى علا على السد وجرى
الماء في الخليج بنفسه وأصبح الناس فوجدوا الخليج جاريا وفيه المراكب فلم تحصل
الجمعية ولم ينزل الباشا على العادة
وفي أواخر شهر شعبان وصل الى مصر قابجي باشا وبيده أوامر
بعزل اسمعيل باشا عن مصر ويتوجه الى جدة وان ابراهيم باشا والي جدة يأتي الى مصر
وفرمان آخر بطلب الخزينة
وفي شهر شوال وصلت الاخبار بموت علي بك السروجي وحسن بك
سوق السلاح بغزة
وفي يوم الخميس ثامن عشر شوال عمل موكب المحمل وخرج
الحجاج وأمير الحاج مراد بك وخرج في موكب عظيم وطلب كثير وتفاخر وماجت مصر وهاجت
في أيام خروج الحج بسبب الاطلاب وجمع الاموال وطلب الجمال والبغال والحمير وغصبوا
بغال الناس ومن وجدوه راكبا على بغلة أنزلوه عنها وأخذوها منه قهرا فان كان من
الناس المعتبرين أعطوه ثمنها والا فلا وغلت أسعارها جدا ولم يعهد حج مثل هذه السنة
في كل شيء
وسافر فيه خلائق كثيرة من سائر الاجناس وسافر صحبة مراد
بك اربع صناجق وهم عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وعلي بك المالطي وذو
الفقار بك وأمراء واغوات وغير ذلك أكابر كثيرة وأعيان وتجار
وفيه حضر واحد أغا وعلى يده تقرير لاسمعيل باشا على مصر
كما كان وكان لما أتاه العزل نزل من القلعة في غرة رمضان وصام رمضان في مصر
العتيقة
ولما انقضى رمضان تحول الى العادلية ليتوجه الى السويس
ويذهب الى جدة حسب الاوامر السابقة فقدر الله بموت ابراهيم باشا وحضر التقرير له
بالولاية ثانيا فركب في يوم الاثنين سادس القعدة وطلع الى القلعة من باب الجبل
من مات في هذه السنة من الاعيان مات الشيخ الفقيه الامام
الفاضل شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن عمر العريشي الحنفي الازهرى ولد بقلعة العريش من
اعمال غزة وبها نشأ وحفظ بعض المتون ولما مر عليه الشيخ العرف السيد منصور
السرميني في بلده وجده متيقظا نبيها وفيه قوة استعدادية وحافظة جيدة فأخذه صحبته
في صورة معين في الخدمة وورد معه مصر فكان ملازما له لا يفارقه وأذن له بالحضور في
الازهر فكان يحضر دروس الشيخ أحمد البيلي وغيره في النحو والمعقول
ولما توجه السيد المشار اليه الى البلاد تركه
ليشتغل بالعلم فلازم الشيخ أحمد السليماني ملازمة جيدة
وحضر عليه غالب الكتب المستعملة في المذهب وحضر دروس الشيخ الصعيدى والشيخ الحفني
ولقنه الذكر وأجازه والبسه التاج الخلوتي
ثم اجتمع بالمرحوم الوالد حسن الجبرتي ولازمه كلية ودرجة
في الفتوى ومراجعة الاصول والفروع وأعانه على ذلك وجد ان الكتب الغريبة عند
المرحوم فترونق ونوه بشأنه وعرفه الناس وتولى مشيخة رواق الشوام وبه تخرج الحقير
في الفقه
فأول ما حضرت عليه متن نور الايضاح للعلامة الشرنبلالي
ثم متن الكنز وشرحه لملا مسكين والدر المختار شرح تنوير الابصار ومقدار النصف من
الدرر وشرح السيد علي السراجية في الفرائض
وكان له قوة حافظة وجودة فهم وحسن ناطقة فيقرر ما يطالعه
من المواد عن ظهر قلبه من حفظه بفصاحة من غير تلعثم ولا تركيز
وحج في سنة تسع وسبعين من القلزم منفردا متقشفا وأدرك
بالحرمين الاخيار وعاد إلى مصر وحصلت له جذبة في سنة ست وثمانين وترك عياله وانسلخ
عن حاله وصار يأوى الى الزوايا والمساجد ويلقي دروسا من الشفاء وطرق القوم وكلام
سيدي محي الدين والغزالي
ثم تراجع قليلا وعاد الى حالته الاولى ولما توفي مفتي
الحنفية الشيخ أحمد الحماقي تعين المترجم في الافتاء وعظم صيته وتميز على أقرانه
واشترى دارا حسنة بالقرب من الجامع الازهر وهي التي كانت سكن الشيخ الحفني في
السابق وتعرف بدار القطرسي
وتردد الاكابر والاعيان اليه وانكبت عليه اصحاب الدعاوى
والمستفتون وصار له خدم واتباع وفراشون وغير ذلك
وسافر الى اسلامبول بعد موت الامير محمد بك لقضاء بعض
الاغراض وقرأ هناك كتاب الشفاء ورجع الى مصر وكان كريم النفس سمحا بما في يده يحب
اطعام الطعام ويعمل عزائم للامراء ويخلع عليهم الخلع ولما زاد انحطاط الشيخ أحمد
الدمنهورى وتبين قرب وفاته وفراغ اجله تاقت نفس المترجم
لمشيخة الازهر اذ هي أعظم مناصب العلماء فاحب الاستيلاء
عليها والتوصل اليها بكيفية وطريقة فحضر مع شيخ البلد ابراهيم بك الى الجامع
الازهر وجمع الفقهاء والمشايخ وعرفهم ان الشيخ أحمد الدمنهورى اقامه وكيلا عنه
وبعد ايام توفي الشيخ الدمنهورى فتعين هو للمشيخة بتلك الطريقة وساعده استمالة
الامراء وكبار الاشياخ والشيخ أبو الانوار السادات وما مهده معهم في تلك الايام
وكاد يتم الامر فأنتدب لنقض ذلك بعض الشافعية الخاملين وذهبوا الى الشيخ محمد
الجوهرى وساعدهم وركب معهم الى بيت الشيخ البكرى وجمعوا عليهم جملة من أكابر
الشافعية مثل الشيخ أحمد العروسي والشيخ احمد السمنودى والشيخ حسن الكفراوى وغيرهم
وكتبوا عرضحال الى الامراء مضمونه ان مشيخة الازهر من مناصب الشافعية وليس للحنفية
فيها قديم عهد أبدا وخصوصا اذا كان آفاقيا وليس من أهل البلدة
فان الشيخ عبد الرحمن كذلك وموجود في العلماء الشافعية
من هو أهل لذلك في العلم والسن وانهم اتفقوا على ان يكون المتعين لذلك الشيخ أحمد
العروسي وختم الحاضرون على ذلك العرضحال وأرسلوه الى ابراهيم بك ومراد بك فتوقفوا
وأبوا وثارت فيهم العصبية وشددوا في عدم النقض ورجع الجواب للمشايخ بذلك فقاموا
على ساق وشدد الشيخ محمد الجوهري في ذلك وركبوا بأجمعهم وخرجوا الى القرافة وجلسوا
بجامع الامام الشافعي وباتوا به
وكان ذلك ليلة الجمعة واجتماع الناس للزيارة فهرعت الناس
واجتمع الكثير من العامة ينظرون فيما يؤول اليه هذا الامر وكان للامراء اعتقاد
وميل للشيخ محمد بن الجوهرى وكذلك نساؤهم وأغواتهم بسبب تعففه عنهم وعدم دخول
بيوتهم ورد صلاتهم وتميزه بذلك عن جميع المتعممين
فسعى أكثرهم في انفاذ غرضه وراجعوا مراد بك وأوهموه حصول
العطب له ولهم أو ثوران فتنة في البلد وحضر اليهم علي
أغا كتخدا الجاويشة وحاججهم وحاججوه ثم قام وتوجه وحضر
مراد بك أيضا للزيارة فكلمه الشيخ محمد وقال لا بد من فروة تلبسها للشيخ العروسي
وهو يكون شيخا على الشافعية وذاك شيخا على الحنفية كما ان الشيخ أحمد الدردير شيخ
المالكية والبلد بلد الامام الشافعي وقد جئنا اليه وهو يأمرك بذلك وان خالفت يخشى
عليك
فما وسعه الا أنه أحضر فروة وألبسها للشيخ العروسي عند
باب المقصورة وركب مراد بك متوجها وركب المشايخ وبينهم الشيخ العروسي وذهبوا الى
ابراهيم بك ولم يكن الامراء رأوا الشيخ العروسي ولا عرفوه قبل ذلك فجلسوا مقدار
مسافة شرب القهوة وقاموا متوجهين ولم يتكلم ابراهيم بك بكلمة
فذهب الشيخ العروسي الى بيته وهو بيت نسيبه الشيخ أحمد
العريان واجتمع عليه الناس وأخذ شأنه في الظهور
واحتد العريشي وذهب الى الشيخ السادات والامراء فألبسوه
فروة أيضا فتفاقم الامر وصاروا حزبين وتعصب للمترجم طائفة الشوام للجنسية وطائفة
المغاربة لانضمام شيخهم الشيخ أبي الحسن القلعي معه من أول الامر وتوعدوا من كان
مع الفرقة الاخرى وحذروهم ووقفوا لمنعهم من دخول الجامع وابن الجوهرى يسوس القضية
ويستميل الامراء وكبار المشايخ الذين كانوا مع العريشي مثل الشيخ الدردير والشيخ
أحمد يونس وغيرهم واستمر الأمر على ذلك نحو سبعة أشهر الى ان اسعفت العروسي العناية
ووقعت الحادثة المذكورة بين الشوام والاتراك واحتد الامراء الاتراك للجنسية وأكدوا
في طلب المحاققة وتصدى العريشي للشوام المذب عنهم وحصل منه ما حصل لاجل خلاصهم
فعند ذلك انطلقت عليه الالسن وأصبح الصديق عدوا وانحرف
عنه الامراء وطلبوه فاختفى وعين لطلبه الوالي واتباع الشرطة وعزلوه من الافتاء
أيضا
وحضر الاغا وصحبته الشيخ العروسي الى الجامع للقبض على
الشوام فأختفوا وفروا وغابوا عن الاعين فأغلقوا
رواقهم وسمروه أياما ثم اصطلحوا على الكيفية المذكورة
آنفا وظهر العروسي من ذلك اليوم وثبتت مشيخته ورياسته وخمل العريشي وأمروه بلزوم
بيته ولا يقارش في شيء ولا يتداخل في أمر فعند ذلك اختلى بنفسه وأقبل على العبادة
والذكر وقراءة القرآن ونزلت له نزلة في أنثييه من القهر فأشاروا عليه بالفصد
وفصدوه فازداد تألمه وتوفي ليلة الخميس سابع جمادى الاولى من السنة وجهز بصباحه
وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل وحضره مراد بك وكثير من الامراء وعلي أغا كتخدا
الجاويشية ودفن برحاب السادة الوقائية وذلك بعد الحادثة بتسعة وثلاثين يوما رحمه
الله تعالى
ومن آثاره رسالة ألفها في سر الكنى باسم السيد أبي
الانوار بن وفي أجاد فيها ووصلت الى زبيد وكتب عليها الشيخ عبد الخالق بن الزين
حاشية وقرظ عليها الشيخ العروسي والشيخ الصبان وله غير ذلك
ومات الشريف السيد قاسم بن محمد التونسي كان اماما في
الفنون وله يد طولى في العلوم الخارجة مثل الطب والحرف وكان معه وظيفة تدريس الطب
بالبيمارستان المنصورى وتولى مشيخة رواق المغاربة مرتين والاولى استمر فيها مدة
وفي تلك المدة حصلت الفتن ثم عزل عنها وأعاد الدروس في مدرسة السيوفيين المعروفة
الآن بالشيخ مطهر وله تقريظ على المدائح الرضوانية جمع الشيخ الاكاوى أحسن فيها
وكان ذا شهامة وصرامة في الدين صعبا في خلقه وربما أهان بعض طائفة النصارى عند
معارضتهم له في الطريق وأهين بسبب ذلك من طرف بعض الامراء وتحزبت له العلماء وكادت
ان تكون فتنة عظيمة ولكن الله سلم
توفي بعد ان تعلل كثيرا وهو متولي مشيخة رواقهم وهي
المرة الثانية وكان له باع في النظم والنثر فممنها مدائحه في الامير رضوان كتخدا
الجلفي له فيه عدة قصائد فرائد مذكورة في الفوائح الجنانية
ومات الامام الفهامة الالمعي الاديب واللوذعي النجيب
الشيخ محمد لهباوى الشهير بالدمنهورى اشتغل بالعلم حتى صار اماما يقتدى به ثم
اشتغل بالطريق وتلقن الاسماء وأخذت عليه العهود وصار خليفة مجازا بالتلقين والتسليك
وحصل به النفع
وكان فقيها دراكا فصيحا مفوها أديبا شاعرا له باع طويل
في النظم والنثر والانشاء ولما تملك علي بك بعد موت شيخه الحفني طلبه اليه وجعله
كاتب انشائه ومراسلاته وأكرمه اكراما كثيرا ومدحة بقصائد ولم يزل منضويا اليه مدة
دولته
ومات السيد قاسم بن محمد بن محمد علي بن أحمد بن عامر بن
عبد الله ابن جبريل بن كامل بن حسن بن عبد الرحمن بن عثمان بن رمضان بن شعبان ابن
أحمد بن رمضان بن محمد بن القطب أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي تراب علي بن أبي
عبد الله الحسين بن ابراهيم بن محمد بن أحمد ابن محمد بن محمد بن أبي جعفر محمد بن
الحسن بن الحسن بن اسمعيل الديباج بن ابراهيم بن الحسن المثني بن الحسن السبط بن
علي بن أبي طالب أحد الاشراف الصحيحي النسب بمصر فجده أبو جعفر يعرف بالثج لثجثجة
في لسانه وحفيده الحسين بن ابراهيم يعرف بأبن بنت الروبدى وحفيده علي بن محمد
مدفون بالصعيد في بلد يقال له دمشاو باشم والمترجم هو والد السيدين الجليلين
اسمعيل وابراهيم المتقدم ذكرهما صحح هذا النسب شيخنا السيد محمد مرتضى كما ترى
وكان حمام البابا في ملكه مما خلفه له سلقه فكان يجلس فيه وكان شيخا مهيبا معمرا
منور الشيبة كريم الاخلاق متعففا مقبلا على شأنه رحمه الله تعالى
ومات الامام العارف الصوفي الزاهد أحمد بن عبد الله بن
محمد بن علي ابن سعيد بن حم الكتاني السوسي ثم التونسي ولد بتونس ونشأ في حجر
والده في عفة وصلاح وعفاف وديانة وقرأ عليه وعلى شيخ الجماعة سيدى محمد الغرباوى
وعلى آخرين وتكمل في العلوم والمعارف مع صفاء
ذهنه وسرعة ادراكه وتوقد خاطره وكمال حافظته وكان والده
يحبه ويعتمد على ما يقوله في تحرير نقله ويصرح بذلك في اثناء درسه
وقد بلغ المترجم من الصلاح والتقوى الى الغاية واشتهر
أمره في بلاد افريقية اشتهارا كليا حتى أحبه الصغير والكبير وكان منفردا عن الناس
منقبضا عن مجالسهم فلا يخرج عن محله الا لزيارة ولي أو في العيدين لزيارة والده
وكان المرحوم علي باشا والي تونس فيه اعتقاد عظيم وعرض عليه الدنيا مرارا فلم
يقبلها وعرضت عليه تولية المدارس التي كانت بيد والده فأعرض عنها وتركها لمن
يتولاها وعكف نفسه على مذاكرة العلوم مع خواص أصحابه ومطالعة الكتب الغريبة واجتمع
عنده منها شيء كثير وكان يرسل في كل سنة قائمة الى شيخنا السيد مرتضى فيشتري له
مطلوبه وكان يكاتبه ويراسله كثيرا
ومات الفقيه الاديب الماهر أحمد بن عبد الله بن سلامة
الادكاوى نزيل الاسكندرية وأمه شريفة من ذرية السيد عيسى بن نجم خفير بحر البرلس
كان حسن المحاورة ولديه فضل ويحفظ كثيرا من الاشياء منها المقامات الحريرية وغيرها
من دواوين الشعر
وناب عن القضاء في الثغر مدة وكان يتردد الى مصر احيانا
وجمع عدة دواوين شعرية من المتقدمين والمتأخرين نحو المائتين وطالع كثيرا منها مما
لم يملكه
ولم يزل على حالة مرضية حتى توفي بالثغر سنة تاريخه
ومات الشيخ الصالح المعمر خالد أفندى بن يوسف الديار
بكرلي الواعظ كان يعظ الاتراك بمكة على الكرسي ثم ورد مصر ولازم حضور الاشياخ بمصر
والوعظ للاتراك وحضر معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى في دروس الصحيح بجامع
شيجون في سنة 1190 وفي الامالي والشمائل في جامع أبي محمود الحنفي وأخبر انه دخل
دمشق وحضر دروس الشيخ اسمعيل العجلوني وأجازه وأدرك جلة الاشياخ بديار
بكر والرها وازروم
وكان رجلا صالحا منكسرا وله مرأى حسنة ولا زال على
طريقته في الحب والملازمة حتى مرض أياما وانقطع في بيته ومات في رابع جمادى الاولى
ومات الشيخ الفقيه الكامل والنجيب الفاضل أحد العلماء
الاعلام واوحد فضلاء الانام الشيخ محمد بن عبادة بن برى العدوى ينتهي نسبه الى علي
علي أبي صالح المدفون بالعلوة في بني عدي قدم الى مصر سنة 1164 وجاور بالازهر وحفظ
المتون ثم حضر شيوخ الوقت ولازم دروس علماء العصر ومهر في الفنون وتفقه على علماء
مذهبه من المالكية مثل الشيخ علي العدوى والشيخ عمر الطحلاوى والشيخ خليل والشيخ
الدردير والبيلي وأخذ المعقولات عن شيخه الشيخ علي العدوى الصعيدى وغيره ولازمه
ملازمة كلية وانتسب اليه حسا ومعنى وصار من نجباء تلامذته ودرس الكتب الكبار في
الفقه والمعقول ونوه الشيخ بفضله وأمر الطلبة بالاخذ عنه وصار له باع طويل وذهن
وقاد وقلم سيال وفصاحة في اللسان والتقرير وصواب في التحرير وقوة استعداد واستحضار
وسليفة
ومن تآليفه حاشية على شذور الذهب لابن هشام متداولة
بأيدى الطلبة نافعة وحاشية على مولد النبي صلى الله عليه و سلم للغيطي وابن حجر
والهدهدى وحاشية على شرح بن جماعة في مصطلح الحديث وحاشية عجيبة على جمع الجوامع
وعلى السعد والقطب وعلى ابي الحسن وحاشية على شرح الخرشي وعلى فضائل رمضان وكتابة
محررة على الورقات والرسالة العضدية وعلى آداب البحث والاستعارات
ولم يزل يملي ويقرىء ويفيد ويحرر ويجيد حتى وافاه الحمام
وتوفي في أواخر ششهر جمادى الثانية من السنة بعد ان تعلل بعلة الاستسقاء سنين وكان
يقرأ ليالي المواسم مثل نصف شعبان والمعراج وفضائل رمضان وغير ذلك نيابة عن شيخه
الشيخ
علي الصعيدى العدوى ويجتمع بدرسه الجم الكثير من طلبة
العلم والعامة رحمه الله
ومات الامير علي بك السروجي وهو من مماليك ابراهيم كتخدا
واشرافات علي بك أمره وقلده الصنجقية بعد موت سيدهم ولقب بالسروجي لكونه كان ساكنا
بخط السروجية
ولما أمره علي بك هو وأيوب بك مملوكه ركب معهما الى بيت
خليل بك بلفيا وخطب لعلي بك هذا اخت خليل بك وهي ابنة ابراهيم بلفيا الكبير وعقد
عقده عليها ثم خطب لايوب بك ابنة خليل بك وعقد للاخرى على أيوب بك في ذلك المجلس
وشربوا الشربات وفرقوا المحارم والهدايا وانصرفوا وعملوا العرس بعد أن جهزهما بما
يليق بأمثالهما وزفوا واحدة بعد أخرى الى الزوج
ولما حصلت الوحشة بين المحمدية واسمعيل بك انضم الى
اسمعيل بك لكونه خشداشه وخرج الى الشام صحبته فلما سافر اسمعيل بك الى الديار
الرومية تخلف المترجم مع من تخلف ومات ببعض ضياع الشام كما ذكر
ومات أيضا الامير حسن بك المعروف بسوق السلاح لسكنه في
تلك الخطة ببيت الست البدوية وأصله مملوك صفية جارية الشيخ أبي المواهب البكرى
وكان بن أخيها فأشترته واستمر في خدمة الشيخ أبي المواهب الى أن مات فسلك في طريق
الاجناد وخدم علي بك الى أن جعله كاشفا في جهة من الجهات القبلية فأقام بها الى أن
خالف محمد بك على سيده علي بك وذهب الى قبلي واجتمعت عليه الكشاف والاجناد وكان
حسن هذا من جملة من حضر اليه بماله ونواله وخيامه وحضر محمد بك الى مصر وملكها من
سيده علي بك
ولم يزل حسن هذا في خدمة محمد بك أبي الذهب فرقاه في
الخدم والمناصب وصنجقه ولم يزل في الامارة مدة محمد بك وأتباعه الى أن خرج مع من
خرج صحبة اسمعيل بك ومات ببعض ضياع الشام والله الموفق
سنة أربع وتسعين ومائة وألف فيها في يوم الخميس حادى عشر
صفر دخل الحجاج الى مصر وامير الحاج مراد بك ووقف لهم االعريان في الصفرة والجديدة
وحصروا الحجاج بين الجبال وحاربوهم نحو عشر ساعات ومات كثير من الناس والغزو
الاجناد ونهبت بضائع وأحمال كثيرة وكذلك من الجمال والدواب والعرب بأعلى الجبال
والحج أسفل كل ذلك والحج سائر
وفي يوم الخميس ثالث شهر رجب اجتمع الأمراء وارسلوا الى
الباشا أرباب العكاكيز وأمروه بالنزول من القلعة معزولا فركب في الحال ونزل الى
مصر العتيقة ونقلوا عزاله ومتاعه في ذلك اليوم واستلموا منه الضربخانة وعمل
ابراهيم بك قائمقام مصر
فكانت مدة ولاية اسمعيل باشا في هذه المرة ثمانية أشهر
تنقص ثلاثة أيام وكان أصله رئيس الكتاب باسلامبول من أرباب الأقلام
وكان مراد بك هذا أصله من مماليكه فباعه لبعض التجار في
معارضة وحضر الى مصر ولم يزل حتى صار أميرها
وحضر سيده هذا في أيام امارته وهو الذي عزله من ولايته
ولكن كان يتأدب معه ويهابه كثيرا ويذكر سيادة عليه وكان هذا الباشا أعوج العنق
للغاية وكان قد خرج له خراج فعالجه بالقطع فعجزت العروق وقصرت فاعوج عنقه وصارت
لحيته عند صدره ولا يقدر على الألتفات الا بكليته الا أنه كان رئيسا عاقلا صاحب
طبيعة ويحب المؤانسة والمسامرة
ولما حضر الى مصر وسمع باوصاف شيخنا الشيخ محمود الكردى
أحبه واعتقده وأرسل له هدية وأخذ عليه العهد بواسطة صديقنا نعمان افندى وكان به
آنسا وقلده أمين الضربخانة
ولما أخذ العهد على الشيخ اقلع عن استعمال البرش والقاه
بظروفه وقلل من استعمال الدخان
وكان عنده
أصناف الطيور المليحة الأصوات وعمل بستانا لطيفا في
الفسحة التي كانت بداخل السراية زرع بها أصناف الزهور والغراس والورود والياسمين
والفل وبوسطه قبة على أعمدة لطيفة من الرخام وحولها حاجز من السلك النحاس الرفيع
الاصفر وبداخلها كثير من عصافير القنارية وعمل لهم أوكارا يأوون اليها ويطيرون
صاعدين هابطين بداخل القبة ويطرب لاصواتهم اللطيفة وانغامهم العذبة وذلك خلاف ما
في الاقفاص المعلقة في المجالس وتلك الاقفاص كلها بديعة الشكل والصنعة
ولما أنزلوه على هذه الصورة انتهب الخدم تلك الطيور
والاقفاص وصاروا يبيعونها في أسواق المدينة على الناس
وفي يوم الجمعة عاشر شعبان الموافق لسابع مسرى القبطي
أوفى النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم السبت بحضرة ابراهيم بك قائمقام مصر
والامراء
وفي أواخر شعبان شرع الامراء في تجهيز تجريدة وسفرها الى
جهة قبلي لاستفحال امر حسن بك ورضوان بك فانه انضم اليهم كثير من الاجناد وغيرهم
وذب اليهم جماعة اسمعيل بك وهم ابراهيم بك قشطة وعلي بك الجوخدار وحسين بك وسليم
بك من خلف الجبل فعندما تحققوا ذلك أخذوا في تجهيز تجريدة وأميرها مراد بك وصحبته
سليمان بك ابو نبوت وعثمان بك الاشقر ولاجين بك ويحيى بك وطلبوا الاحتياجات
واللوازم وحصل منهم الضرر وطلب مراد بك الاموال من التجار وغيرهم مصادرة وجمعوا
المراكب وعطلوا الاسباب وبرزوا بخيامهم الى جهة البساتين
وفيه حضر من الديار الرومية أمير اخور وعلى يده تقرير
لاسمعيل باشا على السنة الجديدة فوجده معزولا وأنزلوه في بيت بسويقه العزى
وفي يوم الخميس عشرين شوال وكان خروج المحمل والحجاج
صحبة أمير الحج مصطفى بك الصغير
من مات في هذه السنة مات السيد الاجل الوجيه الفاضل
السيد محمد بن عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الرحيم بن مصطفى بن
القطب الكبير سيدى محمد دمرداش الخلوتي ولد بزاوية جدة ونشأ بها ولما توفي والده
السيد عثمان جلس مكانه في خلافتهم وسار سيرا حسنا مع الابهة والوقار وتردد الافاضل
اليه على عادة اسلافه
وكان يعاني طلب العلم مع الرفاهية وبعض الخلاعة ولازم
المرحوم الوالد هو وأولاده السيد عثمان والسيد محمد المتولي الا آن في مطالعة
الفقه الحنفي وغيره في كل يوم بالمنزل ويحضرون أيضا بالازهر وعلى الاشياخ
المترددين عليهم بالزاوية مثل الشيخ محمد الامير والشيخ محمد العروسي والشيخ محمد
بن اسمعيل النفراوى والشيخ محمد عرفة الدسوقي وغيرهم وكان انسانا حسن العشرة
والمودة
توفي في رابع عشر رمضان من السنة ودفن بزاويتهم عند
اسلافهم
ومات الفقيه النبيه المتقن المتفنن الاصولي النحوى
المعقولي الجدلي الشيخ مصطفى المعروف بالريس البولاقي الحنفي كان في الاصل شافعي
المذهب ثم تحنف وتفقه على الشيخ الاسقاطي والسيد سعودى والدلجي وحضر المعقولات على
الشيخ علي الصعيدي والشيخ علي قايتباى والاسكندراني وكان ملازما للسيد سعودى فلما
توفي لازم ولده السيد ابراهيم ولم تطل أيامه فلما مات لازم الشيخ الوالد حسن
الجبرتي ملازمة كلية في المدينة وبولاق وكان يحبه لنجابته واستحضاره ونوه بشأنه
ولاحظه بأنظاره واخذ له تدريس الحنفية بجامع السنانية وجامع الواسطي وعاونه في
امور من الاحكام العامة ببولاق حتى اشتهر ذكره بها وعظم شأنه عند أهلها وصار بيته
مثل المحكمة في القضايا والدعاوى
والمناكحات والخصومات وكان فيه شهامة وقوة جنان وصلابة
رحمه الله تعالى وعفا عنه
ومات الوالي الصالح الفاضل الشيخ عبد الله بن محمد بن
حسين السندى نزيل المدينة المنورة المشهور بجمعة حضر دروس الشيخ محمد حياة السندى
وغيره من الواردين وجاور بالمدينة نحوا من أربعين سنة وانتفع به طلبة المدينة
واشتهرت بركنه
فكل من قرأ عليه شيئا فتح الله عليه وصار من العلماء
وكان ذا كرم ومروءة وحياء وشفقة توفي في هذه السنة
ومات الشيخ الصالح الوجيه احمد بن عبد الله الرومي الاصل
المصري المكتب الخطاط الملقب بالشكرى جود الخط على جماعة من المشاهير ومهر فيه حتى
برع وأجيز وأجاز على طريقتهم ونسخ بيده عدة مصاحف ودلائل الخيرات وغير ذلك وانتفع
به الناس انتفاعا عاما واشتهر خطه في الآفاق واجاز لجماعة وكان وجيها منور الشيبة
يلوح عليه سيما الصلاح والتقوى نظيف الثياب حسن الاخلاق مهذبا متواضعا
توفي عشية يوم الاربعاء ثالث جمادى الاولى من السنة وصلي
عليه بالازهر ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى
سنة خمس وتسعين ومائة والف في منتصف المحرم قبض ابراهيم
بك على ابراهيم أغا ببيت المال المعروف بالمسلماني وضربه بالنبابيت حتى مات وأمر
بالقائه في بحر النيل فالقوه وأخرجه عياله بعد أيام من عند شبر افاتوا به الى بيته
وغسلوه وكفنوه ودفنوه ولم يعلم لذلك سبب
وفي يوم السبت سادس عشر صفر نزل الحجاج ودخلوا الى مصر
صحبة المحمل وامير الحاج مصطفى بك في يوم الثلاثاء تاسع عشرة
وفيه جاءت الاخباريات اسمعيل بك وصل من الديار الرومية
الى ادرنه
وطلع من هناك ولم يزل يتحيل حتى خلص الى الصعيد وانضم
الى حسن بك ورضوان بك وباقي الجماعة
وفي اواخر شهر صفر وصلت الاخبار من ناحية قبلي بان مراد
بك خنق ابراهيم بك أوده باشا قيل انه اتهمه بمكاتبات الى اسمعيل بك وحبس جماعة
آخرين خلافه
وفيه وصلت الاخبار بورود باشا الى ثغر سكندرية واليا على
مصر وهو محمد باشا ملك
وفي سادس جمادى الاولى وصل مراد بك ومن معه الى مصر
وصحبته ابراهيم بك قشطة صهر اسمعيل بك وسليم بك أحد صناجق اسمعيل بك بعد ما عقد
الصلح بينه وبينهم وأحضر هؤلاء صحبته رهائن واعطى لاسمعيل بك اخميم واعمالها وحسن
بك قنا وقوص واعمالها ورضوان بك اسنا ولما تم الصلح بينه وبينهم على ذلك أرسل لهم
هدايا وتقادم وأحضر صحبته من ذكر فكانت مدة غيابه ثمانية أشهر وأياما ولم يقع
بينهم مناوشات ولا حرب بل كانوا يتقدمون بتقدمه ويتأخرون بتأخره حتى تم ما تم
وفي منتصف شهر جمادى الاولى سافر علي أغا كتخدا
الجاويشية وأغات المتفرقة والترجمان وباقي أرباب الخدم لملاقاة الباشا
وفي غرة شهر رجب وصل الباشا الى بر انبابه وبات هناك
وعدت الامراء في صبحها للسلام عليه ثم ركب الى العادلية
وفي يوم الاثنين ركب الباشا بالموكب من العادلية ودخل
باب النصر وشق من وسط المدينة وطلع الى القلعة وضربوا له المدافع من باب الينكجرية
وكان وجيها جليلا منور الوجه والشيبة
وفي يوم الخميس عملوا الديوان وحضر الامراء والمشايخ
وقرىء التقليد بحضرتهم وخلع على الجميع الخلع المعتادة
وفي يوم الاحد المبارك ليلة النصف من شعبان الموافق لاول
مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا وكسروا السد بحضرته على العادة
صبح يوم الاثنين
من مات في هذه السنة من الائمة والاعيان توفي شيخنا
الامام العارف كعبة كل ناسك عمدة الواصلين وقدوة السالكين صاحب الكرامات الظاهرة
والاشارات الباهرة شيخنا وأستاذننا الشيخ محمود الكردي الخلوتي حضر الى مصر متجردا
مجاهدا مجتهدا في الوصول الى مولاه زاهدا كل ما سوأه فأخذ العهد وتلقن الذكر من
الاستاذ شمس الدين الحفني وقطع الاسماء وتنزلت عليه الاسرار وسطعت على غرته
الانوار وأفيض على نفسه القدسية انواع العلوم المدنية
وله رسالة في الحكم ذكر ان سبب تأليفه لها انه رأى الشيخ
محي الدين العربي رضي الله عنه في المنام أعطاه مفتاحا وقال له افتح الخزانة
فاستيقظ وهي تدور على لسانه ويرد على قلبه انه يكتبها
قال فكنت كلما صرفت الوارد عني عاد الي فعلمت أنه أمر
الهي فكتبتها في لمحة يسيرة من غير تكلف كأنما هي تملي على لساني من قلبي وقد
شرحها خليفته شيخ الاسلام والمسلمين سيدي الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الجامع
الازهر شرحا لطيفا جامعا مانعا استخرج به من كنوز معانيها ما اخفاها فلم يغادر
صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها وشرحها أيضا أحد خلفائه الاستاذ العلامة السيد عبد
القادر بن عبد اللطيف الرافعي البيارى العمرى الحنفي الطرابلسي شكر الله صنيعهما
ذكر في اولها ترجمة الاستاذ كما سمعه من لفظه ان مولده ببلدة صاقص من بلاد كوران
ونشأ في المجاهدة وهو ابن خمسة عشرة سنة صائم الدهر محيي الليل كله في مسجد ببلدته
معروف حتى اشتهر أمره وقصده الناس بالزيارة فهجر ذلك المكان وصار
يأوى الخراب خارج بلدته بحيث لا يشعر به أحد
وأخبرني غير مرة انه كان لا يغمه بالليل الا سماع صوت
الديكة لانذارها بطلوع النهار لما يجده في ليله من المواهب والاسرار
وكان جل نومه في النهار وكثيرا ما كان يجتمع بالخضر عليه
السلام فيراه بمجرد ما ينام فيذكر الله معه حتى يستيقظ
وكان لا يفتر عن ذكر الله لا نوما ولا يقظة
وقال مرة جميع ما في كتب احياء العلوم للغزالي عملت به
قبل ان أطالعه فلما طالعته حمدت الله تعالى على توفيقه اياى وتوليته تعليمي من غير
معلم
وكان كثير التقشف من الدنيا يأكل خبز الشعير وفي بيته
يصنع خاص دقيق البر وكثيرا ما كان يلومه أخوه على ذلك وكان أخوه الكبير كثير اللوم
له على ما يفعله من مجاهداته وتقشفاته
ولما مات والده ترك ما يخصه من ارثه لهم وكان والده كثير
المال والخير وعليق دوابه في كل ليلة اكثر من نصف غرارة من الشعير
ولما صار عمره ثمان عشرة سنة رأى في منامه الشيخ محمد
الحفناوى فقيل له هذا شيخك فتعلق قلبه به وقصده بالرحلة حتى قدم مصر واجتمع به
وأخذ عنه الطريق الخلوتية وسلك على يديه بعد ان كان على طريقة القصيرى رضي الله
عنه
وقال له في مبدأ أمره يا سيدي اني أسلك على يديك ولكن لا
أقدر على ترك أوراد الشيخ علي القصيرى فأقرأ اوراده واسلك طريقتك
فأجابه الشيخ الى ذلك ولم يشدد عليه في ترك أوراد الشيخ
القصيرى لما عرفه من صدقه من المذكور فلازمه مدة طويلة ولقنه اسماء الطريقة السبعة
في قطع مقاماتها وكتب له اجازة عظيمة شهد له فيها بالكمال والترقي في مقامات
الرجال وأذن له بالارشاد وتربية المريدين
فكان الشيخ في آخر أمره اذا أراد أحد ان يأخذ عنه الطريق
يرسله الى الشيخ محمود ويقول لغالب جماعته عليكم بالشيخ محمود فاني لولا اعلم من
نفوسكم ما أعلم لامرتكم كلكم بالاخذ عنه والانقياد اليه
ولما قدم شيخ شيخه السيد مصطفى البكرى لازمه وأخذ
عنه كثيرا من علم الحقائق وكان كثير الحب فيه فلما رآه
لا يقرأ أوراد الطريقة الخلوتية ويقتصر على أوراد القصيرى عاتبه في ذلك وقال له
أيليق بك ان تسلك على ايدينا وتقرأ أوراد غيرنا اما ان تقرأ أورادنا واما ان
تتركنا
فقال يا سيدي أنتم جعلكم الله رحمة للعالمين وأنا اخاف
من الشيخ القصيرى ان تركت أوراده وشيء لازمته في صغرى لا أحب ان اتركه في كبرى
فقال له السيد البكرى استخر الله وانظر ماذا ترى لعل
الله يشرح صدرك
قال فاستخرت الله العظيم ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه
و سلم والقصيرى عن يمينه والسيد البكرى عن يساره وانا تجاههم فقال القصيرى للرسول
صلى الله عليه و سلم يا رسول الله أليست طريقتي على طريقتك اليست اورادي مقتبسة من
أنوارك فلم يأمر السيد البكرى هذا بترك أورادى فقال السيد البكرى يا رسول الله رجل
سلك على أيدينا وتولينا تربيته أيحسن منه ان يقرأ أوراد غيرنا ويهجر أورادنا فقال
الرسول عليه السلام لهما اعملا فيه القرعة واستيقظ الشيخ من منامه فأخبر السيد
البكرى فقال له السيد معنى القرعة انشراح صدرك انظره واعمل به قال الشيخ رضي الله
عنه ثم بعد ليلة وأكثر رأيت سيدى أبا بكر الصديق رضي الله عنه في المنام وهو يقول
لي يا محمود خليك مع ولدى السيد مصطفى ورأى ورد سحر الذى ألفه المذكور مكتوبا بين
السماء والارض بالنور المجسم كل حرف منه مثل الجبل فشرح الله بعد ذلك صدره ولازم
أوراد السيد البكرى وأخذ من أوراد القصيرى ما استطاع
وأخبر رضي الله عنه انه رأى حضرة الرسول صلى الله عليه و
سلم في بعض المرائي وكان جمع الفقراء في ليلة مباركة وذكر الله تعالى بهم الى
الفجر وكان معه شىء قليل من الدنيا فورد على قلبه وارد زهد ففرق ما كان معه على
المذكورين وفي أثناء ذلك صرخ من بين الجاعة صارخ يقول الله بحال قوى فلما فرغوا
قال للشيخ يا سيدى سمعت هاتفا
يقول يا شيخ محمود ليلتك قبلت عند الله تعالى قال ثم اني
بعدما صليت الفجر نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لي يا شيخ محمود
ليلتك قبلت عند الله تعالى وهات يدك حتى أجازيك فأخذ صلى الله عليه و سلم بيد
الشيخ والسيد البكرى حاضر بالمجلس فأخذ يده ووضع يده الشريفة بين يديهما وقال أريد
ان أخاوى بينك وبين السيد البكرى وأتخاوى معكما الناجي منا يأخذ بيد أخيه فأستيقظ
فرحا بذلك فلم يلبث الا يسيرا ورسول السيد البكرى يطلبه فتوضأ وذهب الى زيارته
وكان من عادته انه يزوره كل يوم ولا يدخل عليه الا على طهارة فلما رآه قال له ما
أبطاك اليوم عن زيارتنا فقال له يا سيدي سهرنا البارحة الليل كله فنمت فتأخرت عنكم
فقال له السيد هل من بشارة أو اشارة فقلت يا سيدى البشارة عندكم فقال قل ما رأيت
قال متعجبت من ذلك وقلت يا سيدي رأيت كذا وكذا فقال يا ملا محمود منامك حق وهذه
مبشرة لنا ولك فانه صلى الله عليه و سلم ناج قطعا ونحن ببركته ناجون ومناقبه رضي
الله عنه كثيرة لا تحصر
وكان كثير المرأى لرسول الله صلى الله عليه و سلم قل ما
تمر به ليلة الا ويراه فيها وكثيرا ما يرى رب العزة في المنام ورآه مرة يقول له يا
محمود اني احبك وأحب من يحبك فكان رضي الله عنه يقول من أحبني دخل الجنة
وقد أذن لي أن اتكلم بذلك واما مجاهداته فالديمة المدرار
كما قالت عائشة رضي الله عنها في جنابه صلى الله عليه و سلم كان عمله ديمة وأيكم
يستطيع عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم
وبلغ من مجاهداته رضي الله عنه انه لما ضعف عن القيام في
الصلاة لعدم تماسكه بنفسه صنع له خشبة قائمة يستند عليها ولم يدع صلاة النقل قائما
فضلا عن الفرض ولم يدع صلاة الليل والوظائف التي عليه مرتبة في حال من الاحوال
وكان لا ينام من الليل الا قليلا وكان ربما يمضي عليه الليل وهو يبكي وربما تمر
عليه الليلة كلها وهو يردد
آية من كتاب الله تعالى
وكثيرا ما كان يقتصر على الخبز والزيت ويؤكل في بيته
خواص الاطعمة وكان غالب أكله الرز بالزيت وتارة بالسمن البقرى وقل ما تراه في
خلوته أو مع اصحابه الا وهو مشغول في وظائف اوراد
وقال لي مرة ربما أكون مع أولادى ألاعبهم وأضاحكهم وقلبي
في العالم العلوى في السماء الدنيا أو الثانية او الثالثة او العرش وكثيرا ما كان
تفيض على قلبه معرفة الحق سبحانه وتعالى فيجعل يبكي ولا يشعر به جليسه
وقلت يوما للعارف بالله تعالى خليفته سيدى محمد بدير
القدسي من كرامات الاستاذ انه لا يسمع شيئا من العلم الا حفظه ولا يزول من ذهنه
ولو بعد حين فقال لي رضي الله عنه بل الذي يعد من كرامات الشيخ انه لا يسمع شيئا
من العلم النافع الا ويعمل به في نفسه ويداوم عليه
فقلت صدقت هذا والله حاله وكنت مرة أسمعته رياض الرياحين
لليافعي فلما أكملته قال لي بمحضر من أصحابه هل يوجد الآن مثل هؤلاء الرجال
المذكورين في هذا الكتاب تكون لهم الكرامات فقال له بعض الحاضرين الخير موجود يا
سيدى في أمة الرسول عليه الصلاة و السلام فقال الشيخ قد وقع لي في الطريق أبلغ من
ذلك واحكي لكم عما وقع لي في ليلتي هذه كنت قاعدا أقرأ في أورادي فعطشت وكان الزمن
مصيفا والوقت حارا وأم الاولاد نائمة فكرهت ان اوقظها شفقة عليها فما استتم هذا
الخاطر حتى رأيت الهواء قد تجسم لي ماء حتى صرت كأني في غدير من الماء وما زال
يعلو حتى وصل الى فمي فشربت ماء لم أشرب مثله ثم انه هبط حتى لم يبق قطرة ماء ولم
يبتل مني شيء
وبردت ليلة في ليالي الشتاء بردا شديدا وأنا قاعد أقرأ
في وردى وقد سقط عني حرامي الذي أتغطى به وكان اذا سقط عنه غطاؤه لا يستطيع أن
يرفعه بيده لضعف يده قال فأردت ان أوقظ أم الاولاد فأخذتني الشفقة عليها فما تم
هذا الخاطر حتى رأيت كانونا عظيما ملآنا من الجمر وضع بين يدى وبقى
عندي حتى دفىء بدني وغلب وهج النار علي فقلت في سرى هذه
النار حسية أم هي خيال فقربت أصبعي منها فلذعتني فعلمت أنها كرامة من الله تعالى
ثم رفعت
والحاصل ان مناقبه رضي الله عنه لا تكاد تنحصر وكان
لكلامه وقع في النفوس عظيم اذا تكلم كأنما كلماته خرزات نظمن في جيد حسناء لا ينطق
الا بحكمة أو موعظة أو مسائل دينية او حكاية تتضمن جوابا عن سؤال يسأله بعض
الحاضرين بقلبه ولا تكاد تسمع في مجلسه ذكر أحد بسوء وكان كثير الشفقة والرحمة على
خلق الله لا سيما أرباب الذنوب والمعاصي كثير التواضع كثير الاحسان للفقراء
والمساكين لا يمسك من الدنيا شيئا جميع ما يأيتة ينفقة في طاعة الله
ما امسك بيده درهما ولا دينار قط آخذا بالورع في جميع
أموره ليس له هم الا أمور الآخرة لا يهتم لشأن الدنيا أقبلت أو أدبرت كفاه الله
مؤنة الدنيا عنده خادم يقبض ما يأتي له من الدنيا ويصرف عليه فلا يزيد ذلك على
حاجته ولا ينقص شيئا قال السيد شارح الرسالة خدمته نحو عشر سنوات ما رأيته ارتكب
صغيرة قط وللاستاذ رضي الله عنه رسالة سماها السلوك لابناء الملوك وهي صورة مكتوب
من املائه أرسله الى رجل من أعيان المغرب يقال له ابن الظريف وكان الشيخ رضي الله
عنه ارسل له جوابا عن مكاتبة أرسلها فأرسل مراسلة أخرى والتمس الجواب ويكون متضمنا
بعض النصائح فأملى تلك المراسلة فبلغت نحو ستة كراريس وصارت كتابا عظيم النفع سارت
به الركبان وانتفع به القاصي والداني وكتب عليه كثير من العلماء وكانت وفاة
الاستاذ رضي الله عنه ثالث المحرم من هذه السنة وتولى غسله الشيخ سليمان الجمل
وصلي عليه بالازهر ودفن بالصحراء بجوار شيخه السيد مصطفى البكرى رضي الله عنهما
ومات الاديب الماهر واللبيب الشاعر الشيخ علي بن عنتر
الرشيدى كان
متضلعا فصيحا مفوها له موشحات ومقاطيع كثيرة ونظم البحور
الستة عشر كلها بالاقتباس منها قوله في الطويل ... أطلت الجفا فأسمح بوصلك يا رشا
... ولا تبدلن وعد الكئيب بضده ... فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ... ولا تحسبن الله
مخلف وعده ...
وقال في المديد ومنه الاكتفاء ... في مديد الهجر قال
اللواحي ... دع هواه فالغرام جنون ... فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ... واصطبر عن حبه
قلت كونوا ...
وقال في الرجز ... كملت محاسن منيتي فهديت في ... روض غدا في
وجنتيه نضيرا ... متفاعلن متفاعلن متفاعلن ... وكفى بربك هاديا ونصيرا ...
وقال في الرجر ... ارجزفاني في هوى حلو اللما ... مسى
الورى أضحيت صبا هائما ... مستفعلن مستفعلن مستفعلن ... ان قل صبرى قال صبرى وما ...
وقال في الوافر ... بوافر لوعتي صل يا غزالي ... فكل
متيم فان وبالي ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن ... ويبقى وجه ربك ذو الجلال ...
وقال في البسيط ... بسطت في شادن حلو اللما غزلى ...
وقلت جدلي بوصل منك يا أملي ... مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ... فقال لي خلق
الانسان من عجل ...
وقال في الرمل ... قد رملت الوصف فيه قائلا ... مذبدا
الهندى من أهدا به ... فاعلاتن فاعلاتن فاعلن ... قل هو الرحمن آمنا به
وقال في الخفيف ... خفف الهجر عن فؤاد كليم ... وامل كاس
الوصال لي يانديمي ... فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن ... وتوكل على العزيز الرحيم ...
وله ديوان شعر مشهور ولم يزل حتى مات بالثغر في ربيع
الاول من السنة
ومات الشيخ الصالح الدين بقية السلف ونتيجة الحلف الشيخ
أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد المنعم بن أبي السرور والبكرى الشافعي شيخ سجادة
البكرية بمصر كان صاحب همة ومروءة وديانة وعفاف ومحبة وانصاف وتولى بعد موته أبيه
فسار سيرا وسطا مع صفاء الباطن وكان الغالب عليه الجذب والصلاح والسلوك على طريق
أهل الفلاح مع أوراد وأذكار يشتغل بها توفي يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني من
السنة وصلي عليه بالجامع الازهر بمشهد حافل ودفن اسلافه قرب مقام الامام الشافعي
رضي الله عنه
ومات الامام الفصيح المعتقد الشهير الذكر الشيخ ابراهيم
بن محمد ابن عبد السلام الرئيس الزمزمي المكي الشافعي مؤقت حرم الله الامين ولد
بمكة سنة 1110 وسمع من ابن عقيلة وعمر بن احمد بن عقيل والشيخ سالم البصري والشيخ
عطاء الله المصري وابن الطيب وحضر على الشيخ أحمد الاشبولي الجامع الصغير وغيره
واخذ عن السيد عبد الله ميرغني ومن الواردين من أطراف البلاد كالشيخ عبد الله
الشبراوى والشيخ عمر الدعوجي والشيخ أحمد الجوهرى واجازه شيخنا السيد عبد الرحمن
العيدروس بالذكر على طريقة السادة النقشبندية وألف بأسمه رسالة سماها البيان
والتعليم لمتبع ملة ابراهيم ذكر فيها سنده وأجازه السيد مصطفى البكرى في الخلوتية
وجعله خليفته في فتح مجالس الذكر وفي
ورد سحر ولازم المرحوم الوالد حسن الجبرتي سنة مجاورته
بممكة وهي سنة خمس وخمسين ملازمة كلية وأخذ عنه علم الفلك والاوفاق والاستخراجات
والرسم وغير ذلك ومهر في ذلك واقتنى كتبا نفيسة في سائر العلوم بددها أولاده من
بعده وباعوها بأبخس الاثمان
وكان عنده من جملة كتبه زيج الراصد الغيبك السمرقندى
نسخة شريفة بخط العجم في غاية الجودة والصحة والاتقان وعليها تقييدات وتحريرات
وفوائد شريفة لا يسمح الدهر بمثل تلك النسخة وكنت كثيرا ما أسمع من المرحوم الوالد
ذكرها ومدحتها ونسخة الوالد مكتوب عليها بخط رستم شاه ما نصه قد اشترينا هذا
الكتاب في دار سلطنة هراة بأثنى عشر ألف دينار
وتحت ذلك اسمه وختمه
فلما كان في سنة ست وتسعين ورد علينا بعض الحجاج
الجزائرية وسألني عن كتب يشتريها من جملتها الزيج المذكور وأرغبني في زيادة الثمن
فلم تسمح نفسي بشيء من ذلك ثم سافر الى الحج ورجع وأتاني ومع خادمه رزمة كبيرة
فوضعها بين أيدينا وفتحها وأخرج منها نسخة الزيج المذكورة وفرجني عليها وقال أيهما
أحسن نسختك التي ضننت بها أو هذه
وكنت لم أرها قبل ذلك فرأيتها شقيقتها وتزيد عنها في
الحسن بصغر حجمها وكثرة التقييدات بهامشها وطيارات كثيرة بداخلها في المسائل
المعضلة مثل التسييرات والانتهاءات والنمودارات وغير ذلك وجميعها بحسن الخط والوضع
فرأيتها المخدرة التي كشف عنها القناع وانما هي المعشوقة بالسماع فقلت له كيف وصلت
الى هذه اليتيمة وما مقدار ما دفعته فيها من المهر والقيمة
فأخبرني انه اشتراها من ابن الشيخ بعشرين ريالا وكتاب
المجسطي وكتاب التبصرة وشرح التذكرة ونسخة البارع في غاية الجودة وزيج ابن الشاطر
وغير ذلك من الكتب التي لا توجد في خزائن الملوك وكلها بمثل ذلك الثمن البخس
فقضيت أسفا واخذ الجميع مع ما أخذ وذهب الى بلاده
وهكذا حال
الدنيا ولم يزل المترجم على حالة حميدة واشتهر أمره في
الآفاق وعرف بالصلاح والفضل وأتته الهدايا والمراسلات من جميع الاطراف والجهات حتى
لحق بربه عز و جل سابع عشر ربيع الاول من السنة
ومات الشيخ الفاضل الصالح أحمد بن محمد الباقاني الشافعي
النابلسي سمع الاولية من محمد بن محمد الخليلي ورافق الشيخ السفاريني في بعض شيوخه
من اهل البلد وأجازه السيد مصطفى البكرى في الورد والطريقة ورد مصر أيام تولية
المرحوم مصطفى باشا طوقان وكان له مذاكرة حسنة وورع وصلاح وعبادة وانتفع به الطلبة
في بلاده ثم عاد الى بلاده فتوفي في ثالث جمادى الثانية
ومات الاجل المفوه الشريف الفاضل السيد حسين بن شرف
الدين ابن زين العابدين بن علاء الدين بن شرف الدين بن موسى بن يعقوب ابن شرف
الدين بن يوسف بن شرف الدين بن عبد الله بن أحمد ابي ثور ابن عبد الله بن محمد بن
عبد الجبار الثورى المقدسي الحنفي جده الاعلى أحمد بن عبد الله دخل حين فتح بيت
المقدس راكبا على ثور فعرف بأبي ثور وأقطعه الملك العزيز عثمان بن يوسف بن ايوب
ديرمار يقوص وبه دفن وذلك في سنة خمسمائة وأربعة وتسعين وجده الادنى زين العابدين
أمه الشريفة راضية بنت السيد محب الدين محمد بن كريم الدين عبد الكريم ابن داود بن
سليمان بن محمد بن داود بن عبد الحافظ بن أبي الوفاء محمد بن يوسف بن بدران بن
يعقوب بن مطر بن السيد زكي الدين سالم الحسيني الوفائي البدرى المقدسي ومن هنا جاء
لحفيده المترجم الشرف وهي أخت الجد الرابع للسيد علي المقدسي ويعرف المترجم أيضا
بالعسيلي وكأنه من طرف الامهات ولد ببيت المقدس وبها نشأ وقرأ شيئا من المبادىء ثم
ارتحل الى دمشق فحضر دروس الشيخ اسمعيل العجلوني
ولازمه وأجازه بمروياته وجود الخط على مستعد زاده فمهر
فيه وكتب بخطه اشياء ودخل مصر ونزل في رواق الشوام بالازهر واقبل على تحصيل العلم
والمعارف فحضر دروس مشايخ الوقت كالشبراوى والحفني والجوهرى ولازم السيد البليدى
واستكتب حاشية على البيضاوى وسافر الى الحرمين وجاور بهما وأخذ عن الشيخ محمد حياة
والشيخ ابن الطيب ثم قدم مصر وتوجه منها لدار ملك الروم وأدرك بها بعض ما يروم
وعاشر الاكابر وعرف اللسان وصار منظورا اليه عند الاعيان ثم قدم مصر مع بعض أمراء
الدولة في أثناء سنة 1172 وانضوى الى الشيخ السيد محمد أبي هادى بن وفا وكان صغير
السن فألفه وأحبه وادبه وصار يذاكره بالعلم واتحد معه حتى صار مشارا اليه في
الامور معولا عليه في المهمات
ولما تولى نقابة السادة الاشراف مضافة الى خلافة
الوفائية كان هو كالكتخدا له في أحواله معتمدا عليه في أفعاله وأقواله وداوم على
ذلك برهة من الزمان وهو نافذ الكلمة مسموع المقال حسن الحركات والاحوال الى أن
توفي الشيخ المشار اليه فضاقت مصر عليه فتوجه الى دار السلطة وقطنها واتخذها دارا
وسكنها وأقبل على الافادة ونشر العلوم بالاعادة
وبلغني انه كتب في تلك الايام شرحا على بعض متون الفقه
في مذهب الامام وصار مرجع الخواص والعوام مقبولا بالشفاعة عند أرباب الدولة حتى
وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله وكان اودع جملة من كتبه بمصر فأرسل بوقفها
برواق الشوام فوضعوها في خزانة لنفع الطلبة
ومات الفقيه العلامة الصالح المعمر الشيخ عبد الله بن
خزام أبو الطوع الفيومي وغيره وقدم الجامع الازهر فأخذ عن فضلاء عصره وهو احد من
يشار اليه في بلده بالفضل وتولى الافتاء فسار بغاية التحرى وبلغني من تواضعه انه
كان يأتي اليه احد العوام فيقول له حاجتي في بلد
كذا فقم معي تقضيها
فيطيعه ويذهب معه الميلين والثلاثة ويقضيها وقد تكرر ذلك
منه وكان له في كل يوم صدقات الخبز على الفقراء والمساكين يفرقها عليهم بيده ولا
يشمئز وكانت له معرفة تامة في علم المذهب وغيره من الفنون الغريبة كالفلك والهيئة
والميقات وعند آلات لذلك
وكان انسانا حسنا جامعا لادوات الفضائل
توفي يوم الجمعة حادى عشر ربيع الثاني من السنة ولم يخلف
بعده مثله
ومات الفاضل الصالح الشيخ علي بن محمد الحباك الشافعي
الشاذلي تفقه على الشيخ عيسى البراوى وبه تخرج وأخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ
محمد كشك واليه انتسب ولما توفي جعل شيخا على المريدين وسار فيهم سيرا مليحا
وكان يصلي اماما بزاوية بقلعة الجبل وكان شيخا حسن
العشرة لطيف المجاورة طارحا للنكات متواضعا وقد صارت له مريديون وأتباع خاصة غير
أتباع شيخه توفي في يوم الاثنين ثالث عشرين شعبان من السنة
ومات من الامراء الامير ابراهيم بك أوده باشه خنقه مراد
بك عفا الله عنه والمسلمين
سنة ست وتسعين ومائة والف فيها في صفر نزل مراد بك وسرح
بالاقاليم البحرية وطاف البلاد بالشرقية وطلب منهم اموالا وفرض عليهم مقادير من
المال عظيمة وكلفا وحق طرق معينين وغير ذلك مالا يوصف ثم نزل الى الغربية وفعل بها
كذلك ثم الى المنوفية
وفي منتصف شعبان ورد اغا بطلب محمد باشا ملك الى الباب
ليتولى الصدارة فنزل من القلعة الى قصر العيني واقام بقية شهر شعبان ونزل في غرة
رمضان وسافر الى سكندرية
فكانت مدة ولايته ثلاثة عشر
شهرا ونصفا
وهاداه الامراء ولم يحاسبوه على شيء ونزل في غاية
الاعزاز والاكرام وكان من افاضل العلماء متضلعا من سائر الفنون ويحب المذاكرة
والمباحثة والمسامرة واخبار التورايخ وحكايات الصالحين وكلام القوم وكان طاعنا في
السن منور الشيبة متواضعا وحضر الباشا الجديد في اواسط رمضان ونزل اليه الملاقاة
وحضر الى مصر في عاشر شوال وطلعوه قصر العيني فبات به وركب بالموكب في صبحها ومر
من جهة الصليبة وطلع الى القلعة وذلك على خلاف العادة
وفيه جاءت الاخبار على أيدى السفار الواصلين من اسلامبول
بانه وقع بها حريق عظيم لم يسمع بمثله واحترق منها نحو الثلاثة ارباع واحترق خلق
كثير في ضمن الحريق وكان أمرا مهولا وبعد ذلك حصل بها فتنة أيضا ونفوا الوزير عزت
محمد باشا وبعض رجال الدولة
وفي ليلة السبت ثامن عشر القعدة هرب سليم بيك وابراهيم
بيك قشطة وتبعهم جماعة كثيرة نحو الثمانين فخرجوا ليلا على الهجن وجرائد الخيل
وذهبوا الى الصعيد وأصبح الخبر شائعا بذلك فأرتبك ابراهيم بيك ومراد بيك ونادى
الاغا والوالي بترك الناس المشي من بعد العشاء
من توفي في هذه السنة من الاعيان توفي الاستاذ الوجيه
العظيم السيد محمد افندى البكرى الصديقي نقيب السادة الاشراف بالديار المصرية كان
وجيها مبجلا محتشما سار في نقابة الاشراف سيرا حسنا مع الامارة وسلوك الانصاف وعدم
الاعتساف ولما توفي ابن عمه الشيخ احمد شيخ السجادة البكرية تولاها بعده بأجماع
الخاص والعام مضافة لنقابة الاشراف فحاز المنصبين وكمل له الشرفان
ولم يقم في ذلك الا نحو سنة ونصف
وتوفي يوم السبت عاشر شعبان فحضر مراد بيك الى منزله
وخلع على ولده السيد محمد
افندى ما كان على والده من مشيخة السجادة البكرية ونقابة
الاشراف وجهز وكفن وخرجوا بجنازته من بيتهم بالازبكية وصلوا عليه بالجامع الازهر
في مشهد حافل ودفن بمشهد اجداده بالقرافة
ومات الشريف العفيف الوفي الصديق محمد بن زين بأحسن جمل
الليل الحسيني باعلوى التريمي الاصل نزيل الحرمين سكن بهما مدة واتصل بخدمة الشيخ
القطيب السمد الشيخ باعبود فلوحظ بأنظاره وكان يحترمه ويعترف بمقامه ويحكي عن بعض
مكاشفاته ووارداته وصحب كلا من القطب السيد عبد الله مدهر وعارفة وقتها الشريفة
فاطمة العلوية والشيخ محمد ابن عبد الكريم السمان والشيخ عبد الله ميرغني وجماعة
كثيرين من السادة والواردين على الحرمين من الافاضل وله محاورة لطيفة ولديه محفوظة
ومعرفة بدقائق علم الطب وسليقة في التصوف
ورد الى مصر سنة 1181 هو عائد من الروم واجتمع بافاضلها
وعاشر شيخنا السيد محمد مرتضى وأفاده وأرشده الى امور مهمة وسافر صحبته لزيارة
الشهداء بدمياط ولاقاه أهلها بالاحترام
ثم توجه الى الحرمين الشريفين واقام هناك واجتمع به
الشيخ محمد الجوهرى وآخاه في الصحبة وكان مع ما أعطى من الفضائل يتجر بالبضائع
الهندية ويتعلل بما يتحصل منها وبآخرة سافر الى الديار الهندية وبها توفي في هذه
السنة
ومات العمدة الفاضل واللوذعي الكامل الرحلة الدراكة بقية
السلف الورع الصالح الزاهد الشيخ موسى بن داود الشيخوني الحنفي امام جامع شيبون
وخطيبه وخازن كتبه وكان انسانا حسنا عظيم النفس منور الشيبة ضخم البدن فقيها
مستحضرا المناسبات مهذب النفس لين الجانب تقيا معتقدا ولما توقف الامير أحمد
باشجاويش كتبه التي جمعها وضعها بخزانة كتب الوقف تحت يد المترجم لاعتقاده فيه
الديانة والصيانة رحمهما الله تعالى
سنة سبع وتسعين ومائة والف فيها تسحب ايضا جماعة من
الكشاف والمماليك وذهبوا الى قبلي فشرعوا في تجهيز تجريدة وعزم مراد بك على السفر
وأخذ في تجهيز اللوازم فطلب الاموال فقبضوا على كثير من مساتير الناس والتجار
والمتسببين وحبسوهم وصادروهم في اموالهم وسلبوا ما بأيديهم
فجمعوا من المال ما جاوز الحد ولا يدخل تحت العد
وفي منتصف ربيع الآخر برز مراد بك للسفر وأخرج خيامه الى
جهة البساتين وخرج صحبته الامير لاجين بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر
وسليمان بك أبو نبوت وكشافهم ومماليكهم وطوائفهم وسافروا بعد ايام
وفي أواخر جمادى الثانية وردت الاخبار بان رضوان بيك
قرابة علي بك حضر الى مراد بك وانضم اليه فلما فعل ذلك انكسرت قلوب الآخرين
وانخذلوا ورجعوا القهقرى ورجع مراد بك أيضا الى مصر في منتصف شهر رجب وترك هناك
مصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى وعثمان بك الاشقر
وفي يوم الخميس سادس عشرين رجب اتفق مراد بك وابراهيم بك
على نفي جماعة من خشداشينهم وهم ابراهيم بك الوالي وأيوب بك الصغير وسليمان بك
الاغا ورسموا لايوب بك أن يذهب الى المنصورة فأبى وامتنع من الخروج فذهب اليه حسن
كتخدا الجربان كتخدا مراد بك واحتال عليه فركب وخرج الى غيظ مهمشة ثم سافر الى
المنصورة
واما ابراهيم بك الوالي فركب بطوائفه ومماليكه وعدى الى
بر الجيزة فركب خلفه علي بك اباظة ولاجين بك وحجزوا هجنه وجماله عند المعادى وعدوا
خلفه فأدركوه عند الاهرام فأحتالوا عليه وردوه الى قصر العيني ثم سفروه الى ناحية
السرو
ورأس الخليج
واما سليمان بك فانه كان غائبا بأقليم الغربية والمنوفية
يجمع من الفلاحين فردا وأموالا ومظالم فلما بلغه الخبر رجع الى منوف فحضر اليه
المعينون لنفيه وأمروه بالذهاب الى المحلة الكبرى فركب بجماعته واتباعه فوصل الى
مسجد الخضر فاجتمع بأخيه ابراهيم بك الوالي هناك فأخذه صحبته وذهبا الى جهة
البحيرة
وفي يوم الاحد غاية شهر رجب طلع الامراء الى الديوان
وقلدوا خمسة من اغوات الكشاف صناجق وهم عبد الرحمن خازندار ابراهيم بك سابقا وقاسم
أغا كاشف المنوفية سابقا وعرف بالموسقو وهو من مماليك محمد بك واشراق ابراهيم بك
وحسين كاشف وعرف بالشفت بمعنى اليهودى وعثمان كاشف ومصطفى كاشف السلحدار وهؤلاء
الثلاثة من طرف مراد بك
وفي شهر شعبان وردت الاخبار من ثغر سكندرية بوصول باشا
الى الثغر واسمه محمد باشا السلحدار واليا على مصر فنزل الباشا القديم من القلعة
الى القصر بشاطىء النيل
وفي أواخر شعبان وصل سلحدار الباشا الجديد بخلعة
قائمقامية لابراهيم بك
وفيه وصلت الاخبار بأن سليمان بك وابراهيم بك رجعوا من
ناحية البحيرة الى طندتا وجلسوا هناك وأرسلوا جوابات الى الامراء بمصر بذلك وانهم
يطلبون أن يعينوا لهم ما يتعيشون به
وفيه أرسلوا خلعة الى عثمان بك الشرقاوى بان يستقر حاكما
بجرجا زطلبوا مصطفى بك وسليمان بك أبا نبوت وعثمان بك الاشقر للحضور الى مصر
فحضروا واستقر عثمان بك الشرقاوى بجرجا
وفي غرة رمضان هرب سليمان بك الاغا وابراهيم بك الوالي
من طندتا وعدوا الى شرقية بلبيس ومروا من خلف الجبل وذهبوا الى جهة الصعيد
رجع علي كتخدا ويحيى كتخدا وسليمان بك الى مصر بالحملة
والجمال وبعض مماليك وأجناد
وفي أواخر رمضان هرب أيضا أيوب بك من المنصورة وذهب الى
الصعيد أيضا وتواترت الأخبار بأنهم اجتمعوا مع بعضهم واتفقوا على العصيان فأرسلوا
لهم محمد كتخدا أباظة واحمد اغا جمليان وطلبوهم الى الصلح ويعينون لهم أماكن
يقيمون بها ويرسلون لهم احتياجاتهم فأتوا ذلك فطلبوا عثمان بك الشرقاوى ومصطفى بك
للحضور فامتنعا أيضا وقالا لا نحضر ولا نصلح الا ان رجع اخواننا رجعنا معهم ويردون
لهم امرياتهم وبلادهم وبيوتهم ويعطلوا من صنجوقه وامروه عوضهم
فلما حضر الجواب بذلك شرعوا في تجهيز تجريدة وأخذوا
يفتشون أماكن الامراء المذكورين فأخذوا ما وجدوه بمنزل مصطفى بك واتهموا أناسا
بأمانات وودائع لمصطفى بك وعثمان بك الشرقاوى منهم الدالي ابراهيم وغيره فجمعوا
بهذه النكتة أموالا كثيرة حقا وباطلا
وفي يوم الخميس عشرين شهر شوال كان خروج المحمل والحجاج
وأمير الحاج مصطفى بك الكبير ولما انقضى أمر الحج برزوا للتجريدة وأميرها ابراهيم
بك الكبير وجمعوا المراكب وحجزوها من أربابها وعطلوا أسباب التجار والمسافرين
وجمعوا الاموال كما تقدم من المصادرات والملتزمين والفلاحين وغير ذلك وكان أمرا
مهولا أيضا وبعد أيام وصل الخبر بان ابراهيم بك ضمنهم للصلح واصطلح معهم وانه واصل
صحبتهم جميعا
وفي سادس عشر ذى القعدة حضر ابراهيم بك ووصل بعده
الجماعة ودخلوا الى مصر وسكنوا في بيوت صغار ما عدا عثمان بك ومصطفى بك فانهم
نزلوا في بيوتهم وحضر صحبتهم أيضا علي بك وحسين بك الاسماعيلية فلم يعجب مراد بك
ما فعله ابراهيم بك ولكن اسره في نفسه ولم يظهره
وركب للسلام على ابراهيم بك فقط في الخلاء ولم يذهب الى
أحد من القادمين وسكن الحال على ذلك أياما وشرع ابراهيم بك في اجراء الصلح وصفاء
الخاطر بينهم وبين مراد بك وأمرهم بالذهاب اليه فذهبوا اليه وسلموا عليه ثم ركب هو
الآخر اليهم ما عدا الثلاثة المعزولين وكل ذلك وهو ينقل في متاع بيته وتعزيل ما
فيه ثم إنه ركب في يوم الجمعة وعدى الى جزيرة الذهب وتبعه كشافه وطوائفه وأرسل الى
بولاق واخذ منها الارز والغلة والشعير والبقسماط وغير ذلك فأرسل له ابراهيم بك
لاجين بك وسليمان بك أبا نبوت ليردوه عن ذلك فنهرهم وطردهم فرجعوا ثم انه عدى الى
ناحية الشرق وذهب الى قبلي وتبعه اغراضه وأتباعه وحملته من البر والبحر
وفي هذه السنة قصر مد النيل وانهبط قبل الصليبة بسرعة
فشرقت الاراضي القبلية والبحرية وعزت الغلال بسبب ذلك وبسبب نهب الامراء وانقطاع
الوارد من الجهة القبلية وشطح سعر القمح الى عشرة ريالات الاردب واشتد جوع الفقراء
ووصل مراد بك الى بني سويف وأقام هناك وقطع الطريق على
المسافرين ونهبوا كل ما مر بهم في المراكب الصاعدة والهابطة
من مات في هذه السنة من الاعيان توفي الفقيه النبيه
العمدة الفاضل حاوى أنواع الفضائل الشيخ أحمد ابن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن
محمد السجاعي الشافعي الازهري ولد بمصر ونشأ بها وقرأ على والده وعلى كثير من
مشايخ الوقت وتصدر للتدريس في حياة أبيه وبعد موته في مواضعه وصار من اعيان
العلماء وشارك في كل علم وتميز بالعلوم الغربية ولازم الوالد وأخذ عنه علم الحكمة
والهداية وشرحها للقاضي زاده قراءة بحث وتحقيق
والجغميني ولقط الجواهر والمجيب والمقنطر وشرح اشكال
التأسيس وغير ذلك وله في تلك الفنون تعاليق ورسائل مفيدة وله براعة في التأليف
ومعرفة باللغة وحافظة في الفقه
ومن تأليفه شرح على دلائل الخيرات كالحاشية مفيد وشرح
على اسماء الله الحسنى قرظ عليه الشيخ عبد الله الادكاوى رحمه الله تعالى هذا وكان
ممن منحه الله أسرارها وأظهر أنوارها فأوضح من معانيها ما خفي ومنح طلابها كنزا
يتنافس في مثله انبل الفضلاء وافضل النبلاء احمد الاسم محمود الصفات على الفعل حسن
القول والذات نجل العلم العلامة العمدة الفهامة كعبة الافضال وقبلة الاجلال من
تقصر عن تعداد محاسنه ولو طولت باعي مولانا الشيخ احمد السجاعي حفظ الله عليه نجله
الرشيد واراه منه ما يسر القريب والبعيد وحين لمحت عيني ما كتب مما حقه ان يرقم
بدل الحبر بالذهب عوذته بالله من عين كل حسود وعملت انه ان شاء الله تعالى سيسود
وتطأ اخمصه اعناق الاسود
وسمع المترجم معنا كثيرا على شيخنا السيد محمد مرتضى من
الامالي وعدة مجالس من البخارى وجزء بن شاهد الجيش والعوالي المروية عن احمد عن
الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر المسماة بسلسلة الذهب وغير ذلك
ومن فوائد المترجم انه رأى في المنام قائلا يقول له من
قال كل يوم يا الله يا جبار يا قهار يا شديد البطش ثلثمائة وستين مرة أمن من
الطاعون
توفي ليلة الاثنين سادس عشر صفر من السنة بعد ان تعلل
بالاستسقاء وصلي عليه بالغد بالجامع الازهر ودفن عند أبيه بالبستان رحمه الله
تعالى
ومات الشيخ الصالح الناسك الصوفي الزاهد سيدي احمد بن
علي ابن جميل الجعفرى الجزولي السوسي من ولد جعفر الطيار ولد بالسوس واشتغل بالعلم
قليلا على علماء بلاده ثم ورد الى مصر في 1182 فحج ورجع وقرأ معنا على الشيخ
الوالد كثيرا من الرياضيات مع مشاركة
سيدى محمد وسيدى أبي بكر ولدى الشيخ التاودى بن سودة حين
وردا مع ابيهما في تلك السنة للحج والشيخ سالم القيرواني ثم غلب عليه الجذب فساح
وذهب الى الروم مجاهدا وأصيب بجراحات في بدنه وعولج حتى برأ وتعلم اللغة التركية
وعرضت عليه الدنيا فلم يقبلها والغالب عليه اخفاء الحال
وورد الى مصر في سنة احدى وتسعين وتزوج بمصر وأقام بها
مع كمال العفة والديانة وسلامة الباطن والانجماع عن الناس مع صفاء الخاطر والذوق
المتين والميل الى كتب الشيخ الاكبر والشعراني وزيارة القرافتين في كل جمعة على
قدميه
أحببت لقاء الله تعالى توفي في ثالث ربيع الاول من السنة
ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى
ومات العمدة العلامة والحبر الفهامة قدوة المتصدرين
ونخبة المفهمين النبيه المتفنن الشيخ محمد بن ابراهيم بن يوسف الهيتمي السجيني
الشافعي الازهري الشهير بأبي الارشاد ولد سنة 1154 وحفظ القرآن وتفقه على الشيخ
المدابغي والبراوى والشيخ عبدالله السجيني وحضر دروس الشيخ الصعيدي وغيره وأجاز
أشياخ العصر وافتى ودرس وتولى مشيخة رواق الشراقوة بالازهر بعد وفاة خاله الشيخ
عبدالرؤوف واشتهر ذكره وانتظم في عداد المشايخ المشار اليهم بالازهر وفي الجمعيات
والمجالس عند الامراء ونظار الازهر وفي الاخبار وله مؤلفات في الفنون وكتب حاشية
على الخطيب على أبي شجاع الا أنها لم تكمل ورسائل في مستصعبات المسائل بالمنهج
وصنف رسالة تتعلق بنداء المؤمنين بعضهم بعضا في الجنة
توفي في أواخر القعدة
ومات الامام الهمام العلامة المقدام المتقن المتفنن
المفيد الشيخ يوسف الشهير برزة الشافعي الازهرى أحد العلماء المحصلين والاجلاء
المفيدين تفقه على الشيخ العلامة الشيخ أحمد رزة واليه انتسب وبه اشتهر وحضر على
كل من الشيخ الحفناوى والشيخ أحمد البجرمي والشيخ عيسى
البراوى ودرس الفقه والمعقول بالازهر وأفاد وأفتى وصار
في عداد المتصدرين المشار اليهم مع الانجماع والحشمة والكمال والرئاسة وحسن الحال
ولم يتداخل كغيره في الامور المخلة
ولم يزل مقبلا على شأنه حتى توفي في عاشر جمادى الاولى
من السنة
ومات الشيخ الصالح الورع علي بن عبد الله مولى الامير
بشير جلبه مولاه من بلاد الروم وحبب اليه السلوك فلازم الشيخ الحفني ملازمة كلية
وأخذ عنه الطريق وحضر دروسه وسمع الصحيح على السيد مرتضى بتمامة في منزله بدرب
الميضاة بالصليبة وكذلك مسلم وأبو داود وغير ذلك من الاجزاء الحديثة ومسلسلات بن
عقيلة بشروطها وغالبها بقراءة السيد حسين الشيخوني
وكان انسانا حلو المعاشرة كثير التودد لطيف الصحبة مكرما
محسنا خيرا له بر وصدقات خفية توفي في يوم الاحد تاسع عشرين رجب بعد ان تعلل
بالفتق عن كبر وصلي عليه بسبيل المؤمنين ودفن بالقرب من شيخنا محمود الكردى بالصحراء
وكان منور الوجه والشيبة وعليه جلالة ووقار وهيبة يلوح
عليه سيما الصلاح والتقوى رحمه الله تعالى
ومات الشيخ الصالح عيسى بن أحمد القهاوى الوقاد بالمشهد
الحسيني وخادم النعال بالموضع المذكور كان رجلا مسنا سخيا بما يملك مطعاما
للواردين من الغرباء المنقطعين وأدرك جماعة من الصالحين وكان يحكي لنا عليهم امورا
غريبة وله مع الله حال وفي فهم كلام القوم وذوق حسن وللناس فيه اعتقاد عظيم
وفي أخرة أعجزة الهرم والقعود فتوجه الى طندتا في آخر
ربيع الثاني ومكث هناك برحاب سيدي احمد البدوى الى أن توفي يوم الاربعاء ثاني عشر
جمادى الثانية ودفن عند مقام الولي الصالح سيدي عز الدين خارج البلد في موضع كان
أعده السيد محمد مجاهد لنفسه فلم يتفق دفنه فيه
ومات العلامة الفاضل المحدث الصوفي الشيخ أحمد بن أحمد
بن احمد ابن جمعة البجيرمي الشافعي قرأ على أبيه وحضر درس العشماوى والعزيزى والجوهرى
والشيخ أحمد سابق والحفني وآخرون ودرس واكب على اقراء الحديث وألف في الفن وانتفع
به الناس وكان يسكن في خانقاه سعيد السعداء مع سكون الاخلاق والانجماع عن الناس
وملازمة محله ولا زال يفيد ويسمع حتى وافاه الحمام في يوم الجمعة ثاني رمضان وكانت
جنازته خفيفة لاشتغال الناس بالصيام وكان يخبر عن والده ان جنازته كانت خفيفة رحمه
الله
ومات الفاضل المبجل سيدى عيسى جلبي بن محمود بن عثمان
ابن مرتضى القفطانجي الحنفي المصرى ولد بمصر ونشأ صالحا في عفاف وصلاح وديانة
وملازمة لحضور دروس الاشياخ وتفقه على فضلاء وقته مثل الشيخ الوالد والشيخ حسن
المقدسي وأخذ العربية والكلام عن الشيخ محمد الامير والشيخ أحمد البيلي وغيرهما
واقتنى كتبا نفيسة وكان منزله موردا للفضلاء وكان يعزم عليهم ويعمل لهم الضيافات
في كل عام ببستان خارج مصر يعرف ببستان القفطانجي ورثه عن آبائه وكان نعم الرجل مودة
وصيانة رحمه الله تعالى وسامحه
سنة ثمان وتسعين ومائة والف فيها في المحرم سافر مراد بك
الى منية بن خصيب مغضبا وجلس هناك
وفيه حضر الى مصر محمد باشا والي مصر فأنزلوه بقصر عبد
الرحمن كتخدا بشاطىء النيل فأقام به يومين ثم عملوا له موكبا وطلع الى القلعة من
تحت الربع على الدرب الأحمر
وفي منتصفه اتفق رأى ابراهيم بك والامراء الذين معه على
ارسال محمد افندى البكرى والشيخ أبي الانوار شيخ السادات والشيخ أحمد
العروسي شيخ الازهر الى مراد بك ليأخذوا خاطره ويطلبوه
للصلح مع خشداشينه ويرجع اليهم ويقبلوا شروطه ما عدا اخراج احد من خشداشينهم
فلما سافروا اليه وواجهوه وكلموه في الصلح تعلل باعذار
واخبر انه لم يخرج من مصر الا هروبا خوفا على نفسه فانه تحقق عنده توافقهم على
غدره فان ضمنتهم وحلفتم لي بالايمان انه لا يحصل لي منهم ضرر وافقتكم على الصلح
والا فدعوني بعيدا عنهم
فقالوا له لسنا نطلع على القلوب حتى نحلف ونضمن ولكن
الذى نظنه ونعتقده عدم وقوع ذلك بينكم لانكم اخوة ومقصودنا الراحة فيكم وبراحتكم
ترتاح الناس وتأمن السبل فأظهر الامتثال ووعد بالحضور بعد ايام وقال لهم اذا وصلتم
الى بني سويف ترسلون لي عثمان بك الشرقاوى وأيوب بك الدفتردار لاشترط عليهم شروطي
فان قبلوها توجهت معهم والا عرفت خلاصي معهم
وانفصلوا عنه على ذلك وودعوه وسافروا وحضروا الى مصر في
ليلة الجمعة ثالث عشرين شهر صفر
وفي ذلك اليوم وصل الحجاج الى مصر ودخل أمير الحج مصطفى
بك بالمحمل في يوم الاحد
وفي يوم السبت مستهل ربيع الاول خرج الامراء الى ناحية
معادي الخبير وحضر مراد بك الى بر الجيزة وصحبته جمع كبير من الغز والاجناد
والعربان والغوغاء من أهل الصعيد والهوارة ونصبوا خيامهم ووطاقهم قبالتهم في البر
الآخر فأرسل اليه ابراهيم بك عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابورى وآخرين في
مركب فلما عدوا اليه لم يأذن لهم في مقابلته وطردهم ونزل ايضا كتخدا الباشا وصحبته
اسمعيل افندى الخلوتي في مراكب أخرى ليتوجهوا اليه ايضا لجريان الصلح فلما توسطوا
البحر ووافق رجوع الاولين ضربوا عليهم بالمدافع فكادت تغرق بهم السفن ورجعوا وهم
لا يصدقون بالنجاة
فلما رأى ذلك ابراهيم بك ونظر امتناعه
عن الصلح وضربه بالمدافع امر هو الآخر بضرب المدافع
عليهم نظير فعالهم
وكثر الرمي بينهم من الجهتين على بعضهم البعض وامتنع كل
من الفريقين عن التعدية الى الجهة الاخرى وحجزوا المعادى من الطرفين
واستمر الحال بينهم على ذلك من أول الشهر الى عشرين منه
واشتد الكرب والضنك على الناس وأهل البلاد وانقطعت الطرق القبلية والبحرية برا
وبحرا وكثر تعدى المفسدين وغلت الاسعار وشح وجود الغلال وزادت أسعارها
وفي تلك المدة كثر عبث المفسدين وأفحش جماعة مراد بك في
النهب والسلب في بر الجيزة وأكلوا الزروعات ولم يتركوا على وجه الارض عودا اخضر
وعين لقبض الاموال من الجهات وغرامات الفلاحبن وظن الناس حصول الظفر لمراد بك
واشتد خوف الامراء بمصر منه
وتحدث الناس بعزم ابراهيم بك على الهروب فلما كان ليلة
الخميس المذكور أرسل ابراهيم بك المذكور خمسة من الصناجق وهم سليمان بك الاغا
وسليمان ابو نبوت وعثمان بك الاشقر وابراهيم بك الوالى وايوب بك فعدوا الى البر
الآخر بالقرب من أنبابه ليلا وساروا مشاة فصادفوا طابورا فضربوا عليهم بالبندق
فانهزموا منهم وملكوا مكانهم وذلك بالقرب من بولاق التكرور كل ذلك والرمى بالمدافع
متصل من عرضى ابراهيم بك ثم عدى خلفهم جماعة اخرى ومعهم مدفعان وتقدموا قليلا من
عرضى مراد بك وضربوا على العرضى بالمدفعين فلم يجبهم احدا فباتوا على ذلك وهم على
غاية من الحذر والخوف
وتتابع بهم طوائفهم وخيولهم فلما ظهر نور النهار نظروا
فوجدوا العرضى خاليا وليس بة احد وارتحل مراد بك ليلا وترك بعض اثقالة ومدافعة
فذهبوا الى العرضى وأخذوا ما وجدوه وجلسوا مكانة ونهب اوباشة المراكب التى كانت
محجوزة للناس
وعدى ابراهيم بك وتتابعوا فى التعدية وركبوا خلفهم الى
الشيمى فلم يجدوا احدا فأقاموا هناك السبت والاثنين والثلاثاء ورجع ابراهيم بك
وبقية الامراء الى مصر ودخلوا بيوتهم
وانقضت هذة الفتنة الكذابة على غير طائل ولم يقع بينهم
مصاف ولا مقاتلة وهرب مراد بك وذهب بمن معة يهلكون الزرع حصادا ويسعون فى الارض
فسادا
وفي أواخر شهر جمادى الاولى اتفق رأى ابراهيم بك على طلب
الصلح مع مراد بك فسافر لذلك لاجين بك وعلي أغا كتخدا جاووجان وسبب ذلك ان عثمان
بك الشرقاوى وأيوب بك ومصطفى بك وسليمان بك وابراهيم بك الوالي تحزبوا مع بعضهم
واخذوا ينقضون على ابراهيم بك الكبير واستخفوا بشأنه وقعدوا له كل مرصد وتخيل منهم
وتحزر وجرت مشاجرة بين أيوب بك أغا كتخدا جاوجان بحضرة ابراهيم بك وسبه وشتمه
وأمسك عمامته وحل قولانه وقال له ليس هذا المنصب مخلدا عليك فاغتاظ ابراهيم بك
لذلك وكتمه في نفسه وعز عليه علي أغا لانه كان بينه وبينه محبة أكيدة ولا يقدر على
فراقه فشرع في اجراء الصلح بينه وبين مراد بك فاجتمع اليه الامراء وتكلموا معه
فقال نصطلح مع أخينا أولى من التشاحن ونزيل الغل بيننا لاجل راحتنا وراحة الناس
ويكون كواحد منا وان حصل منه خلل أكون انا وأنتم عليه
وتحالفوا على ذلك وسافر لاجين بك وعلي أغا وبعد أيام حضر
حسن كتخدا الجريان كتخدا مراد بك الى مصر واجتمع بابراهيم بك ورجع ثانيا وارسل
ابراهيم بك صحبته ولده مرزوق بك طفلا ومعه الدادة والمرضعة فلما وصلوا الى مراد بك
أجاب بالصلح وقدم لمرزوق بك هدية وتقادم ومن جملتها بقرة ولابنتها رأسان
وفي عاشر رجب حضر مرزوق بك وصحبته حسن كتخدا الجريان
فأوصله الى أبيه ورجع ثانيا الى مراد بك وشاع الخبر بقدوم مراد بك وعمل مصطفى بك
وليمة وعزم من بصحبته واحضر لهم آلات الطرب واستمروا على ذلك الى آخر النهار
وفي ثاني يوم اجتمعوا عند ابراهيم بك وقالوا له كيف يكون
قدوم مراد بك ولعله لا يستقيم حاله معنا فقال لهم حتى يأتي فان استقام معنا فيها
والا اكون انا وأنتم عليه
فتحالفوا وتعاهدوا واكدوا المواثيق
فلما كان يوم الجمعة وصل مراد بك الى غمازة فركب ابراهيم
بك على حين غفلة وقت القائلة في جماعته وطائفته وخرج الى ناحية البساتين ورجع من
الليل وطلع الى القلعة وملك الابواب ومدرسة السلطان حسن والرميلة والصليبة
والتبانة وأرسل الى الأمراء الخمسة يأمرهم بالخروج من مصر وعين لهم اماكن يذهبون
اليها فمنهم من يذهب الى دمياط ومنهم من يذهب الى المنصورة وفارسكور فامتنعوا من
الخروج واتفقوا على الكرنكة والخلاف ثم لم يجدوا لهم خلاصا بسبب ان ابراهيم بك ملك
القلعة وجهاتها ومراد بك واصل يوم تاريخه وصحبته السواد الاعظم من العساكر
والعربان ثم انهم ركبوا وخرجوا بجمعيتهم الى ناحية القليوبية ووصل مراد بك لزيارة
الامام الشافعي فعندما بلغه خبر خروجهم ذهب من فوره من خلف القلعة ونزل على
الصحراء واسرع في السير حتى وصل الى قناطر ابي المنجا ونزل هناك وارسل خلفهم جماعة
فلحقوهم عند شبرا شهاب وادركهم مراد بك والتطموا معهم فتقنطر مراد بك بفرسه فلحقوه
واركبوه غيره فعند ذلك ولى راجعا وانجرح بينهم جماعة قلائل واصيب سليمان بك برصاصة
نفذت من كتفه ولم يمت ورجع مراد بك ومن معه الى مصر على غير طائل وذهب الامراء
الخمسة المذكورون وعدوا على وردان وكان بصحبتهم رجل من كبار العرب يقال له طرهونة
يدلهم على الطريق الموصلة الى جهة قبلي فسار بهم في طريق مقفرة ليس بها ماء ولا
حشيش يوما وليلة حتى كادوا يهلكون من العطش وتأخر عنهم اناس من طوائفهم وانقطعوا
عنهم شيئا فشيئا الى ان وصلوا الى ناحية سقارة فرأوا أنفسهم بالقرب من الاهرام
فضاق خناقهم وظنوا الوقوع
فأحضروا الهجن وارادوا الركوب عليها والهروب ويتركوا
اثقالهم فقامت عليهم طوائفهم وقالوا لهم كيف تذهبون وتتركونا مشتتين
وصار كل من قدر على خطف شيء أخذه وهرب فسكنوا عن الركوب
وانتقلوا من مكانهم الى مكان آخر
وفي وقت الكبكبة ركب مملوك من مماليكهم وحضر الى مراد بك
وكان بالروضة فاعلمه الخبر فأرسل جماعة الى الموضع الذى ذكره له فلم يجدوا أحدا
فرجعوا واغتم اهل مصر لذهابهم الى جهة قبلي لما يترتب على ذلك من التعب وقطع
الجالب مع وجود القحط والغلاء
وبات الناس في غم شديد
فلما طلع نهار يوم الاربعاء حادى عشرين رجب شاع الخبر
بالقبض عليهم وكان من أمرهم انهم لما وصلوا الى ناحية الاهرام ووجدوا أنفسهم
مقابلين البلد أحضروا الدليل وقالوا له انظر لنا طريقا تسلك منه فركب لينظر في
الطريق وذهب الى مراد بك وأخبره بمكانهم فأرسل لهم جماعة فلما نظروهم مقبلين عليهم
ركبوا الهجن وتركوا اثقالهم وولوا هاربين وكانوا كمنوا لهم كمينا فخرج عليهم ذلك
الكمين ومسكوا بزمامهم من غير رفع سلاح ولا قتال وحضروا بهم الى مراد بك بجزيرة
الذهب فباتوا عنده ولما أصبح النهار أحضر لهم مراد بك مراكب وأنزل كل امير في مركب
وصحبته خمسة مماليك وبعض خدام وسافروا الى جهة بحرى فذهبوا بعثمان بك وأيوب بك الى
المنصورة ومصطفى بك الى فارسكور وابراهيم بك الوالي الى طندتا واما سليمان بك
فاستمر ببولاق التكرور حتى برأ جرحه
وفي منتصف شهر رمضان اتفق الامراء المنفيون على الرهوب
الى قبلي فأرسلوا الى ابراهيم بك الوالي ليأتي اليهم من طندتا وكذلك الى مصطفى بك
من فارسكور وتواعدوا على يوم معلوم بينهم فحضر ابراهيم بك الى عثمان بك وايوب بك
خفية في المنصورة وأما مصطفى بك فإنه نزل في المراكب وعدى الى البر الشرقي بعد
الغروب وركب
وسافر فركب خلفه رجل يسمى طه شيخ فارسكور وكان بينه وبين
مصطفى بك خرازة وأخذ صحبته رجلا يسمى الاشقر في نحو ثلثمائة فارس وعدوا خلفه
فلحقوه آخر الليل والطريق ضيقة بين البحر والارز المزروع فلم يمكنهم الهروب ولا
القتال
فأراد الصنجق ان يذهب بمفرده فدخل في الارز بفرسه فانغرز
في الطين فقبضوا عليه هو وجماعته فعروهم وأخذوا ما كان معهم وساقوهم مشاة الى
البحر وانزلوهم المراكب وردوهم الى مكانهم محتفظين عليهم
وارسلوا الخبر الى مصر بذلك
واما الجماعة الذين في المنصورة فانهم انتظروا مصطفى بك
في الميعاد فلم يأتهم ووصلهم الخبر بما وقع له فركب عثمان بك وابراهيم بك وساروا
وتخلف ايوب بك المنصورة فلما قربوا من مصر سبقتهم الرسل الى سليمان بك فركب من
الجيزة وذهب اليهما وذهبوا الى قبلي وارسل مراد بك محمد كاشف الالفي وايوب كاشف
فأخذا مصطفى بك من فارسكور وتوجها به الى ثغر سكندرية وسجنوه بالبرج الكبير
وعرف من اجل ذلك بالاسكندراني
واحضروا ايوب بك الى مصر واسكنوه في بيت صغير وبعد ايام
ردوه الى بيته الكبير وردوا له الصنجقية ايضا في منتصف شوال
وفي يوم الاثنين سادس شهر شوال الموافق التاسع عشر مسرى
القبطي كان وفاء النيل المبارك ونزل الباشا يوم الثلاثاء في عربة وكسر السد على
العادة
وفي يوم الاثنين حادى عشرين شوال كان خروج المحمل صحبة
امير الحاج مصطفى بك الكبير في موكب حقير جدا بالنسبة للمواكب المتقدمة ثم ذهب الى
البركة في يوم الخميس وقد كان تأخر له مبلغ من مال الصرة وخلافها فطلب ذلك من
ابراهيم بك فأحاله على مراد بك من الميرى الذى طرفه وطرف اتباعه واحال عليه امير
الحاج وركب من البركة راجعا الى مصر وتركه واياه فلم يسع مراد بك الا الدفع وتشهيل
الحج وعاد الى مصر
وخرج الى قصره بالروضة وارسل الى الجماعة الذين بالوجه
القبلي فلما علم ابراهيم بك بذلك ارسل اليه يستعطفه وترددت بينهما الرسل من العصر
الى بعد العشاء ونظر ابراهيم بك فلم يجد عنده احدا من خشداشينه
واجتمه واكلهم على مراد بك فضاق صدره وركب الى الرميلة
فوقف بها ساعة حتى أرسل الحملة صحبة عثمان بك الأشقر وعلي بك أباظة وصبر حتى ساروا
وتقدموا عليه مسافة ثم سار نحو الجبل وذهب الى قبلي وصحبته علي اغا كتخدا
الجاويشية وعلي أغا مستحفظان والمحتسب وصناجقه الاربعة فلما بلغ مراد بك ركوبه
وذهابه ركب خلفهم حصة من الليل ثم رجع الى مصر واصبح منفردا بها وقلد قائد اغا
اغات مستحفظان وصالح اغا الوالي القديم وجعله كتخدا الجاويشية وحسن اغا كتخدا
ومصطفى بك محتسب وأرسل الى محمد كاشف الالفي ليحضر مصطفى بك من محبسه بثغر
اسكندرية ونادى بالامان في البلد وزيادة وزن الخبز وأمر باخراج الغلال المخزونة
لتباع على الناس
وفي ليلة الثلاثاء خامس القعدة حضر مصطفى بك ونزل في
بيته اميرا وصنجقا على عادته كما كان
وفيه قلد مراد بك مملوكه محمد كاشف الألفي صنجقا مصطفى
كاشف وصنجقا الاخميمي صنجقا أيضا
وفي يوم الاحد سابع عشر القعدة حضر عثمان بك الشرقاوى
وسليمان بك الاغا وابراهيم بك الوالي وسليمان بك أبو نبوت وكان مراد بك أرسل
يستدعيهم كما تقدم
فلما حضروا الى مصر سكنوا بيوتهم كما كانوا على امارتهم
وفي اواخره وصل واحد أغا من الدولة وبيده مقرر للباشا
على السنة الجديدة فطلب الباشا الامراء لقراءاته عليهم فلم يطلع منهم أحد واهمل
ذلك مراد بك ولم يلتفت اليه
وفي يوم الجمعة رابع عشر الحجة رسم مراد بك بنفي رضوان
بك قرابة علي بك الكبير الذى كان خامر على اسمعيل بك وحسن بك الجداوى وحضر مصر
صحبة مراد بك كما تقدم وانضم اليه وصار من خاصته فلما خرج ابراهيم بك من مصر اشيع
انه يريد صلحه مع اسمعيل بك وحسن بك بك فصار رضوان بك كالجملة المعترضة فرسم مراد
بك بنفيه فسافر من ليلته الى الاسكندرية
وفي يوم السبت خامس عشرة أرسل مراد بك الى الباشا وأمره
بالنزول فأنزلوه الى قصر العيني معزولا وتولى مراد بك قائم مقام وعلق الستور على
بابه فكانت ولاية هذا الباشا احد عشر شهرا سوى الخمسة أشهر التي أقامها بثغر
سكندرية وكانت أيامه كلها شدائد ومحنا وغلاء
وفي أواخر شهر الحجة شرع مراد بك في اجراء الصلح بينه
وبين ابراهيم بك فأرسل له سليمان بك الاغا والشيخ أحمد الدردير ومرزوق بك ولده
فتهيأوا وسافروا في يوم السبت ثامن عشرينه
وانقضت هذه السنة كالتي قبلها في الشدة والغلاء وقصور
النيل والفتن المستمرة وتواتر المصادرات والمظالم من الامراء وانتشار أتباعهم في
النواحي لجبي الاموال من القرى والبلدان واحداث أنواع المظالم ويسمونها مال الجهات
ودفع المظالم والفردة حتى أهلكوا الفلاحين وضاق ذرعهم واشتد كربهم وطفشوا من
بلادهم فحولوا الطلب على الملتزمين وبعثوا لهم المعينين في بيوتهم فاحتاج مساتير
الناس لبيع أمتعتهم ودورهم ومواشيهم بسبب ذلك مع ما هم فيه من المصادرات الخارجة
عن ذلك وتتبع من يشم فيه رائحة الغنى فيؤخذ ويحبس ويكلف بطلب اضعاف ما يقدر عليه
وتوالى طلب السلف من تجار البن والبهار عن المكوسات المستقيلة
ولما تحقق التجار عدم الرد استعوضوا خساراتهم من زيادة
الاسعار ثم مدوا أيديهم الى المواريث فاذا مات الميت أحاطوا بموجوده
سواء كان له وارث أولا
وصار بيت المال من جملة المناصب التي يتولاها شرار الناس
بجملة من المال يقوم بدفعه في كل شهر ولا يعارض فيما يفعل في الجزئيات وأما
الكليات فيختص بها الامير
فحل بالناس مالا يوصف من أنواع البلاء الا من تداركه
الله برحمته او اختلس شيئا من حقه فان اشتهروا عليه عوقب على استخراجه
وفسدت النيات وتغيرت القلوب ونفرت الطباع وكثر الحسد
والحقد في الناس لبعضهم البعض فيتتبع الشخص عورات اخيه ويدلي به الى الظلم حتى خرب
الاقليم وانقطعت الطرق وعربدت أولاد الحرام وفقد الامن ومنعت السبل الا بالخفارة
وركوب الغرر وجلت الفلاحون من بلادهم من الشراقي والظلم وانتشروا في المدينة
بنسائهم وأولادهم يصيحون من الجوع ويأكلون ما يتساقط في الطرقات من قشور البطيخ
وغيره فلا يجد الزبال شيئا يكنسه من ذلك واشتد بهم الحال حتى أكلوا الميتات من
الخيل والحمير والجمال فاذا خرج حمار ميت تزاحموا عليه وقطعوه وأخذوه ومنهم من يأكله
نيئا من شدة الجوع ومات الكثير من الفقراء بالجوع
هذا والغلاء مستمر والاسعار في الشدة وعز الدرهم
والدينار من أيدى الناس وقل التعامل الا فيما يؤكل وصار سمر الناس وحديثهم في
المجالس ذكر المآكل والقمح والسمن ونحو ذلك لاغير ولولا لطف الله تعالى ومجيء
الغلال من نواحي الشام والروم لهلكت أهل مصر من الجوع
وبلغ الاردب من القمح ألفا وثلثمائة نصف فضة والفول
والشعير قريبا من ذلك وأما بقية الحبوب والابزار فقل ان توجد
واستمر ساحل الغلة خاليا من الغلال بطول السنة والشون
كذلك مقفولة وارزاق الناس وعلائفهم مقطوعة وضاع الناس بين صلحهم وغبنهم وخروج
طائفة ورجوع الاخرى ومن خرج الى جهة قبض أموالها وغلالها
وإذا سئل المستقر في شيء تعلل بما ذكر
ومحصل هذه الافاعيل بحسب الظن الغالب انها حيل على سلب
الاموال والبلاد
وفخاخ ينصبونها ليصيدوا بها اسمعيل بك
وفي أواخره وصلت مكاتبة من الديار الحجازية عن الشريف
سرور ووكلاء التجار خطابا للامراء والعلماء بسبب منع غلال الحرمين وغلال المتجر
وحضور المراكب مصبرة بالاتربة والشكوى من زيادة المكوسات عن الحد فلما حضرت قرىء
بعضها وتغوفل عنها وبقي الامر على ذلك
رجع لخبر العجلة التي لها رأسان وهو انه لما أرسل
ابراهيم بك ولده مرزوق بك غلاما صغيرا لمصالحة الامير مراد بك واعطاه هدية ومن
جملتها بقرة وخلفها عجلة برأسين وحضر بهما الى مصر وشاع خبرها فذهبت بصحبة أخينا
وصديقنا مولانا السيد اسمعيل الوهبي الشهير بالخشاب فوصلنا الى بيت ام مرزوق بك
الذى بحارة عابدين ودخلنا الى اسطبل مع بعض السواس فرأينا بقرة مصفرة اللون مبياض
وابنتها خلفها سوداء ولها رأسان كاملتا الاعضاء وهي تأكل بفم احدى الرأسين وتشتر
بفم الرأس الثانية فتعجبنا من عجيب صنع الله وبديع خلقته فكانت من العجائب الغريبة
المؤرخة
من مات في هذه السنة من أعيان الناس مات الشيخ الفقيه
الصالح المشارك الشيخ درويش بن محمد بن محمد ابن عبد السلام البوتيجي الحنفي نزيل
مصر حضر دروس كل من الشيخ محمد ابي السعود والشيخ سليمان المنصورى والشيخ محمد
الدلجي وغيرهم وتميز في معرفة فروع الفقه وافتى ودرس وكان انسانا حسنا لا بأس به
توفي في هذه السنة
ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة المفوه المتكلم
المتفقه النحوى الاصولي الشيخ عبد الله بن أحمد المعروف باللبان الشافعي الازهرى
احد
المتصدرين في العلماء الازهرية حضر أشياخ الوقت كالملوى
والجوهري والحفني والصعيدي والعشماوي والدفرى وتمهر في الفقه والمعقول وقرأ الدروس
وختم الختوم وتنزل اياما عند الامير ابراهيم كتخذا القازدغلي واشتهر ذكره في الناس
وعند الامراء بسبب ذلك وتحمل حاله وكان فصيحا ملسانا مفوها يخشى من سلاطة لسانه في
المجالس العلمية والعرفية
وسافر مرة الى اسلامبول في بعض الارساليات وذلك سنة ست
وثمانين عندما خرج علي بك من مصر ودخل محمد بك وكان بصحبة أحمد باشجاويش أرنؤد
ومات الامام العلامة الشيخ عبد الرحمن جاد الله البناني
المغربي وبنانه قرية من قرى منستير بافريقية ورد الى مصر وجاور بالجامع الازهر
وحضر دروس الشيخ الصعيدي والشيخ يوسف الحفني والسيد محمد البليدى وغيرهم من أشياخ
العصر ومهر في المعقول وألف حاشية على جمع الجوامع اختصر فيها سياق بن قاسم وانتفع
بها الطلبة ودرس برواق المغاربة وأخذ الحديث عن الشيخ أحمد الاسكندرى وغيره وتولى
مشيخة رواقهم مرارا بعد عزل السيد قاسم التونسي وبعد عزل الشيخ أبي الحسن القلعي
فسار فيها سيرا حسنا
ولم يتزوج حتى مات
ومن آثاره ما كتبه على المقامة التصحيفية للشيخ عبد الله
الادكاوى
ولم يزل مواظبا على التدريس ونفع الطلبة حتى تعلل أياما
وتوفي ليلة الثلاثاء ختام شهر صفر
ومات الشيخ الفاضل العلامة عبد الرحمن بن حسن بن عمر
الاجهورى المالكي المقرى سبط القطب الخضيرى أخذ علم الاداء عن كل من الشيخ محمد بن
علي السراجي اجازة في سنة 1156 وعن الشيخ عبد ربه ابن محمد السجاعي اجازة في سنة
أربع وخمسين وعن شمس الدين السجاعي فس سنة ثلاث وخمسين وعن عبد الله بن محمد بن يوسف
القسطنطيني جود عليه الى قوله المفلحون بطريقة الشاطبية والتيسير بقلعة الجبل حين
ورد مصر حاجا في سنة ثلاث وخمسين وعلى الشيخ أحمد بن
السماح البقرى والشهاب الاسقاطي وآخرين وأخذ العلوم عن الشبراوى والعماوى والسجيني
والشهاب النفراوى وعبد الوهاب الطندتاوى والشمس الحفني وأخيه الشيخ يوسف والشيخ
الملوى وسمع الحديث من الشيخ محمد الدفرى والشيخ أحمد الاسكندراني ومحمد بن محمد
الدقاق واجازه الجوهرى في الاحزاب الشاذلية وكذا يوسف بن ناصر واجازه السيد مصطفى
البكرى في الخلوتية والاوراد السرية ودخل الشام فسمع الاولية على الشيخ اسمعيل
العجلوني وسمع عليه الحديث وأخذ فن القراءات على الشيخ مصطفى الخليجي ومكث هناك
مدة ودخل حلب فسمع من جماعة وعاد الى مصر فحضر على السيد البليدى في تفسير
البيضاوى بالازهر وبالاشرفية وكان السيد يعتني به ويعرف مقامه
وله سليقة تامة في الشعر وله مؤلفات منها الملتاذ في
الاربعة الشواذ ورسالة في وصف أعضاء المحجوب نظما ونثرا وشرح تشنيف السمع ببعض
لطائف الوضع للشيخ العيدروس شرحين كاملين قرظ عليهما علماء عصره
ولا زال يملي ويفيد ويدرس ويجيد ودرس بالازهر مدة في
أنواع الفنون واتقن العربية والاصول والقراءات وشارك في غيرها وعين للتدريس في
السنانية ببولاق فكان يقرأ فيها الجامع الصغير ويكتب على أطراف النسخة من تقاريره
المبتكرة ما لو جمع لكان شرحا حسنا
وتوفي المترجم رحمه الله تعالى في سابع عشرين رجب
ومات الاجل المبجل والعمدة المفضل الحسيب النسيب السيد
محمد ابن احمد بن عبد اللطيف بن محمد بن تاج العارفين بن أحمد بن عمر ابن أبي بكر
بن محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن محمد بن شرشيق بن محمد ابن عبد العزيز بن عبد
القادر الحسيني الجيلي المصرى ويعرف بأبن بنت الجيزى من بيت العز والسيادة
والكرامة والمجادة جدهم تاج العارفين
تولى الكتابة بباب النقابة ولا زالت في ولده مضافة
لمشيخة السادة القادرية ومنزلهم بالسبع قاعات ظاهر الموسكي مشهور بالثروة والعز
وكان المترجم اشتغل بالعلم حتى أدرك منه حظا وافرا وصار له ملكة يقتدر بها على
استحضار النكات والمسائل والفروع وكان ذا وجاهة وهيبة واحتشام وانجماع عن الناس
ولهم منزل ببركة جناق يذهبون اليه في ايام النيل وبعض الاحيان للنزاهة توفي رحمه
الله تعالى في هذه السنة وتولى منصبه أخوه السيد عبد الخالق
ومات السيد الفاضل السالك على بن عمر بن محمد بن علي بن
احمد ابن عبد الله بن حسن بن احمد بن يوسف بن ابراهيم بن احمد ابن ابي بكر بن
سليمان بن يعقوب بن محمد بن القطب سيدى عبد الرحيم القناوى الشريف الحسيني ولد
بقنا وقدم مصر وتلقن الطريقة عن الاستاذ الحفني ثم حبب اليه السياحة فورد الحرمين
وركب من جدة الى سورت ومنها الى البصرة وبغداد وزار من بهما من المشاهد الكرام ثم
دخل المشهد فزار امير المؤنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه ثم دخل جراسان ومنها
الى غزنين وكابل وقندهار واجتمع بالسلطان احمد شاه فأكرمه واجزل له العطاء ثم عاد
الى الحرمين وركب من هناك الى بحر سيلان فوصل الى بنارس واجتمع بسلطانها وذهب الى
بلاد جاوة ثم رجع الى الحرمين ثم سار الى اليمن ودخل صنعاء واجتمع بأمامها ودخل
زبيد واجتمع بمشايخها واخذ عنهم واستأنسوا به وصار يعقد لهم حلق الذكر على طريقته
وأكرموه ثم عاد الى الحرمين ثم الى مصر وذلك سنة اثنتين وثمانين وكانت مدة غيبته
نحو عشرين سنة
ثم توجه في آخر هذه السنة الى الصعيد واجتمع بشيخ العرب
همام رحمه الله تعالى فأكرمه اكراما زائدا ودخل قنا فزار جده ووصل رحمة ومكث هناك
شهورا ثم رجع الى مصر وتوجه الى الحرمين من
القلزم وسافر الى اليمن وطلع الى صنعاء ثم عاد الى
كوكبان وكان امامها اذ ذاك العلامة السيد ابراهيم بن احمد الحسيني وانتظم حاله
وراج أمره وشاع ذكره وتلقن منه الطريقة جماعة من أهل زبيد واستمال بحسن مذاكرته
ومداراته طائغة من الزيدية ببلدة تسمى زمرمر
وهي بلدة باليمن بالجبال وهم لا يعرفون الذكر ولا يقولون
بطرق الصوفية فلم يزل بهم حتى أحبوه واقام حلقة الذكر عندهم وأكرموه ثم رجع من
هناك الى جدة وركب من القلزم الى السويس
ووصل مصر سنة اربع وتسعين فنزل بالجمالية فذهبت اليه
بصحبته شيخنا السيد مرتضى وسلمنا عليه وكنت أسمع به ولم أره قبل ذلك اليوم فرأيت
منه كمال المودة وحسن المعاشرة وتمام المروءة وطيب المفاكهة وسمعت منه أخبار رحلته
الاخيرة وترددنا عليه وتردد علينا كثيرا وكان ينزل في بعض الاحيان الى بولاق ويقيم
أياما بزاوية علي بك يصحبة العلامة الشيخ مصطفى الصاوى والشيخ بدوى الهيتمي وحضر
الى منزلي ببولاق مرارا باستدعاء وبدون استدعاء ثم تزوج بمصر واتى اليه ولده السيد
مصطفى من البلاد زائرا وما زال على حاله في عبادة وحسن توجه الى الله مع طيب
معاشرة وملازمة الاذكار صحبة العلماء الاخيار حتى تمرض بعلة الاستسقاء مدة حتى
توفي ليلة الثلاثاء غرة جمادى الاولى من السنة وصلي عليه بالازهر ودفن بالقرافة
بين يدى شيخه الحفني
وكان ابنه غائبا فحضر بعد مدة من موته فلم يحصل من
ميراثه الا شيئا نزرا وذهب ما جمعه في سفر الله حيث ذهب
ومات الوجيه النبيل والجيلي الاصيل السيد حسين باشيجاويش
الاشراف بن ابراهيم كتخدا تفكجيان بن مصطفى افندى الخطاط كان انسانا حسنا جامعا
للفضائل واللطف والمزايا واقتنى كتبا كثيرة في الفنون وخصوصا في التاريخ وكان
مألوف الطباع ودودا شريف النفس
مهذب الاخلاق فلم يخلف بعده مثله رحمه الله تعالى
ومات الامير محمد كتخدا أباظة وأصله من مماليك محمد
جربجي الصابونجي ولما مات سيده كما تقدم تركه صغيرا فخدم ببيتهم ثم عند حسين بك
المقتول ولم يزل ينمو ويترقى في الخدم حتى تقلد كتخدائية محمد بك أبي الذهب فسار
فيها بشهامة وصرامة ولم يزل مبجلا بعده في أيام مماليكه معدودا من الامراء وله
عزوة مماليك واتباع حتى تعلل ومات في هذه السنة
ومات التاجر الخير الصدوق الصالح الحاج عمر بن عبد
الوهاب الطرابلسي الاصل الدمياطي سكن دمياط مدة وهو يتجر واختص بالشيخ الحفني فكان
يأتي اليه في كل عام يزوره ويراسله بالهدايا ويكرم من يأتي من طرفه وكان منزله
مأوى الوافدين من كل جهة ويقوم بواجب اكرامهم وكان من عادته انه لا يأكل مع الضيوف
قط انما يخدم عليهم ما داموا يأكلون ثم يأكل مع الخدم وهذا من كمال التواضع
والمروءة
واذا قرب شهر رمضان وفد عليه كثير من مجاورى رواق الشوام
بالازهر وغيره فيقيمون عنده حتى ينقضي شهر الصوم في الاكرام ثم يصلهم بعد ذلك
بنفقة وكساوى ويعودون من عنده مجبورين
وفي سنة ثلاث وثمانين حصلت له قضية مع بعض اهل الذمة
التجار بالثغر فتطاول عليه الذمي وسبه فحضر الى مصر وأخبر الشيخ الحفني فكتبوا له
سؤالا في فتوى وكتب عليه الشيخ جوابا وأرسله الى الشيخ الوالد فكتب عليه جوابا
وأطنب فيه ونقل من الفتاوى الخيرية جوابا عن سؤال رفع للشيخ خير الدين الرملي في
مثل هذه الحادثة بحرق الذمي ونحو ذلك وحضر ذلك النصراني في اثر حضور الحاج عمر
خوفا على نفسه وكان اذ ذاك شوكة الاسلام قوية فأشتغل مع جماعة الشيخ بمعونة كبار
النصارى بمصر بعد ان تحققوا حصول الانتقام وفتنوهم بالمال فأدخلوا على
الشيخ شكوكا وسبكوا الدعوى في قالب آخر وذلك انه لم يسبه
بالالفاظ التي ادعاها الحاج عمر وانه بعد التسابب صالحه وسامحه وغيروا صورة السؤال
الاول بذلك واحضروه الى الوالد فامتنع من الكتابة عليه فعاد به الشيخ حسن الكفراوى
فحلف لا يكتب عليه ثانيا ابدا وتغير خاطر الحاج عمر من طرف الشيخ واختل اعتقاده
فيه وسافر الى دمياط ولم يبلغ قصده من النصراني ومات الشيخ بعد هذه الحادثة بقليل
وانتهت رياسة مصر الى علي بك وارتفع شأن النصارى في
ايامه بكاتبه المعلم رزق والمعلم ابراهيم الجوهرى فعملوا على نفي المترجم من دمياط
فأرسلوا له من قبض عليه في شهر رمضان ونهبوا امواله من حواصله وداره ووضعوا في
رقبته ورجليه القيد وانزلوه مهانا عريانا مع نسائه واولاده في مركب وارسلوه الى
طرابلس الشام فاستمر بها الى ان زالت دولة علي بك واستقل بامارة مصر محمد بك وأظهر
الميل الى نصرة الاسلام فكلم السيد نجم الدين الغزى محمد بك في شأن رجوعه الى
دمياط فكان ان يجيب لذلك وكنت حاضرا في ذلك المجلس والمعلم مخاييل الجمل والمعلم
يوسف بيطار وقوف أسفل السدلة يغمزان الامير بالاشارة في عدم الاجابة لانه من
المفسدين بالثغر ويكون السبب في تعطيل الجمارك فسوف السيد نجم الدين بعد أن كان
قرب من الاجابة
فلما تغيرت الدولة وتنوسيت القضية وصار الحاج عمر كأنه
لم يكن شيئا مذكورا رجع الى الثغر وورد علينا مصر وقد تقهقر حاله وذهبت نضارته
وصار شيخا هرما ثم رجع الى الثغر واستمر به حتى توفي في السنة وكان له مع الله حال
يداوم على الاذكار ويكثر من صلاة التطوع ولا يشتغل الا بما يهمه رحمه الله تعالى
ومات الامير الجليل ابراهيم كتخدا البركاوى وأصله مملوك
يوسف كتخدا عزبان البركاوى نشأ في سيادة سيده وتولى في مناصب وجاقهم
وقرأ القرآن في صغره وجود الخط وحبب اليه العلم وأهله
ولما مات سيده كان هو المتعين في رئاسة بيتهم دون
خشداشينه لرئاسته وشهامته ففتح بيت سيده وانضم اليه خشداشينه واتباعه واشترى
المماليك ودربهم في الآداب والقراءة وتجويد الخط وأدرك محاسن الزمن الماضي
وكان بيته مأوى الفضلاء وأهل المعارف والمزايا والخطاطين
واقتنى كتبا كثيرة جدا في كل فن وعلم حتى ان الكتاب المعدوم اذا احتيج اليه لا
يوجد الا عنده ويعير للناس ما يرومونه من الكتب للانتفاع في المطالعة والنقل
وبآخره اعتكف في بيته ولازم حاله وقطع أوقاته في تلاوة القرآن والمطالعة وصلاة
النوافل الى ان توفي في هذه السنة وتبردت كتبه وذخائره رحمه الله تعالى
سنة تسع وتسعين ومائة وألف استهل العام بيوم الاثنين
فكان الفال بالمنطق واخذت الاشياء في الانحلال قليلا
وفي سابعه جاءت الاخبار بان الجماعة المتوجهين لابراهيم
بك في شأن الصلح وهم الشيخ الدردير وسليمان بك الآغا ومرزوق جلبي اجتمعوا بابراهيم
فتكلموا معه في شأن ذلك فأجاب بشروط منها ان يكون هو على عادته امير البلد وعلى
أغا كتخدا الجاويشية على منصبه
فلما وصل الرسول بالمكاتبة جمع مراد بك الامراء وعرفهم
ذلك فأجابوا بالسمع والطاعة وكتبوا جواب الرسالة وارسلوها صحبه الذى حضر بها
وسافر ايضا احمد بك الكلارجي وسليم اغا امين البحرين في
حادى عشرة
وفي عشرينه وصلت الاخبار بان ابراهيم بك نقض الصلح الذى
حصل وقيل أن صلحه كان مداهنة لاغراض لا تتم له بدون ذلك فلما تمت احتج باشياء اخر
ونقض ذلك
وفي سادس صفر حضر الشيخ الدردير واخبر بما ذكر وان
سليمان بك وسليم اغا استمروا معه
وفي منتصفه وصل الحجاج مع امير الحاج مصطفى بك وحصل
للحجاج في هذه السنة مشقة عظيمة من الغلاء وقيام العربان بسبب عوائدهم القديمة
والجديدة ولم يزوروا المدينة المنورة على صاحبها افضل الصلاة وازكى السلام لمنع
السبل وهلك عالم كثير من الناس والبهائم من الجوع وانقطع منهم جانب عظيم
ومنهم من نزل في المراكب الى القلزم وحضر من السويس الى
القصير ولم يبق الا امير الحج واتباعه ووقفت العربان لحجاج المغاربة في سطح العقبة
وحصروهم هناك ونهبوهم وقتلوهم عن آخرهم ولم ينج منهم الا نحو عشرة انفار
وفي اثناء نزول الحج وخروج الامراء لملاقاة امير الحج
هرب ابراهيم بك الوالي وهو اخو سليمان بك الاغا وذهب الى اخيه بالمنية وذهب صحبته
من كان بمصر من اتباع اخيه وسكن الحال اياما
وفي اواخر شهر صفر سافر ايوب بك الكبير وايوب بك الصغير
بسبب تجديد الصلح فلما وصلوا الى بني سويف حضر اليهم سليمان بك الاغا وعثمان بك
الاشقر باستدعاء منهم ثم اجاب ابراهيم بك الى الصلح ورجعوا جميعا الى المنية
وفي اوائل ربيع الاول حضر حسن اغا بيت المال بمكاتبات
بذلك وفي اثر ذلك حضر ايوب بك الصغير وعثمان بك الاشقر فقابلا مراد بك وقدم مراد
بك لعثمان بك تقادم ثم رجع ايوب بك الى المنية ثانيا
وفي يوم الاثنين رابع ربيع الثاني وصل ابراهيم بك الكبير
ومن معه من الامراء الى معادى الخبيرى بالبر الغربي فعدى اليه مراد بك وباقي
الامراء والوجاقلية والمشايخ وسلموا عليه ورجعوا الى مصر وعدى في أثرهم ابراهيم بك
ثم حضر ابراهيم بك في يوم الثلاثاء الى مصر
ودخل الى بيته وحضر اليه في عصريتها مراد بك في بيته
وجلس معه حصة طويلة
وفي يوم الاحد عاشره عمل الديوان وحضرت لابراهيم بك
الخلع من الباشا فلبسها بحضرة مراد بك والامراء والمشايخ وعند ذلك قام مراد بك وقبل
يده وكذلك بقية الامراء وتقلد علي أغا كتخدا الجاويشية كما كان وتقلد علي أغا اغات
مستحفظان كما كان فاغتاظ لذلك قائد أغا الذي كان ولاه مراد بك وحصل له قلق عظيم
وصار يترامى على الامراء ويقع عليهم في رجوع منصبه وصار يقول ان لم يردوا الى
منصبي والا قتلت علي أغا
وصمم ابراهيم بك على عدم عزل علي أغا واستوحش علي أغا
وخاف على نفسه من قائد أغا ثم ان ابراهيم بك قال ان عزل علي أغا لا يتولاها قائد
أغا أبدا
ثم انهم لبسوا سليما أغا امين البحرين وقطع منها امل
قائد أغا وما وسعه الا السكوت
وفي منتصف جمادى الآخرة خرج عثمان بك المذكور بمماليكه
وأجناده مسافرا الى الصعيد بنفسه ولم يسمع لقولهم ولم يلبس تقليدا لذلك على العادة
فأرسلوا له جماعة ليردوه فأبى من الرجوع
وفيه كثر الموت بالطاعون وكذلك الحميات ونسي الناس أمر
الغلاء
وفي يوم الخميس مات علي بك أباظة الابراهيمي فأنزعج عليه
ابراهيم بك وكان الامراء خرجوا بأجمعهم الى ناحية قصر العيني ومصر القديمة خوفا من
ذلك
فلما مات علي بك وكثير من مماليكهم داخلهم الرعب ورجعوا
الى بيوتهم
وفي يوم الاحد طلعوا الى القلعة وخلعوا علي لاجين وجعلوه
حاكم جرجا ورجع ابراهيم بك الى بيته أيضا وكان ابراهيم بك اذ ذاك قائمقام
وفيه مات أيضا سليمان بك ابو نبوت بالطاعون
وفي منتصف رجب خف أمر الطاعون
وفي منتصف شعبان ورد الخبر بوصول باش مصر الجديد الى ثغر
سكندرية وكذلك باش جدة ووقع قبل ورودهما بأيام فتنة بالاسكندرية بين أهل البلد
وأغات القلعة والسردار بسبب قتيل من أهل البلد قتله بعض أتباع السردار فثار العامة
وقبضوا على السردار وأهانوه وجرسوه على حمار وحلقوا نصف لحيته وطافوا به البلد وهو
مشكوف الرأس وهم يضربونه ويصعفونه بالنعالات
وفيه أيضا وقعت فتنة بين عربان البحيرة وحضر منهم جماعة
الى ابراهيم بك وطلبوا منه الاعانة على أخصامهم فكلم مراد بك في ذلك فركب مراد بك
وأخذهم صحبته ونزل الى البحيرة فتواطأ معه الاخصام ورشوه سرا فركب ليلا وهجم على
المستعينين به وهم في غفلة مطمئنين فقتل منهم جماعة كثيرة ونهب مواشيهم وابلهم
واغنامهم ثم رجع الى مصر بالغنائم
وفي غاية شعبان حضر باشة جدة الى ساحل بولاق فركب علي
أغا كتخدا الجاويشية وارباب العكاكيز وقابلوه وركبوا صحبته الى العادلية ليسافر
الى السويس
وفي غرة رمضان ثارت فقراء المجاورين والقاطنين بالازهر
وقفلوا أبواب الجامع ومنعوا منه الصلوات
وكان ذلك يوم الجمعة فلم يصل فيه ذلك اليوم وكذلك أغلقوا
مدرسة محمد بك المجاورة له ومسجد المشهد الحسيني وخرج العميان والمجاورون يرمحون
بالاسواق ويخطفون ما يجدونه من الخبز وغيره وتبعهم في ذلك الجعيدية وأراذل السوقة
وسبب ذلك قطع رواتبهم واخبازهم المعتادة واستمروا على
ذلك الى بعد العشاء فحضر سليم أغا أغات مستحفظان الى مدرسة الاشرفية وأرسل الى
مشايخ الاروقة والمشار اليهم في السفاهة وتكلم معهم ووعددهم والتزم لهم باجراء
رواتبهم فقبلوا منه ذلك وفتحوا المساجد
وفي يوم الاحد ثامن شهر شوال الموافق لتاسع مسرى القبطي
كان وفاء النيل المبارك وكانت زيادته كلها في هذه التسعة ايام فقط ولم يزد قبل ذلك
واستمر بطول شهر أبيب وماؤه أخضر فلما كان أول شهر مسرى زاد في ليلة واحدة أكثر من
ثلاثة أذرع واستمرت دفعات الزيادة حتى اوفى أذرع الوفاء يوم التاسع وفيه وقع جسر
بحر أبي المنجا بالقلوبية فعينوا له أميرا فأخذ معه جملة أخشاب ونزل وصحبته ابن
ابي الشوارب شيخ قليوب وجمعوا الفلاحين ودقوا له أوتاد عظيمة وغرقوا به نحو خمسة
مراكب واستمروا في معالجة سده مدة أيام فلم ينجع من ذلك شيء وكذلك وقع ببحر مويس
وفي يوم الخميس خرج أمين الحاج مصطفى بك بالمحمل والحجاج
وذلك ثاني عشر شوال
وفي يوم الاثنين ثامن عشر القعدة سافر كتخدا الجاويشية
وصحبته أرباب الخدم الى الاسكندرية لملاقاة الباشا والله تعالى اعلم
من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الشيخ الامام العارف
المتفنن المقرىء المجود الضابط الماهر المعمر الشيخ محمد بن حسن بن محمد بن أحمد
جمال الدين بن بدر الدين الشافعي الاحمدى ثم الخلوتي السمنودى الازهرى المعروف
بالمنير ولد بسمنود سنة 1099 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم الجامع الازهر وعمره
عشرون سنة فجود القرآن على الامام المقرىء علي بن محسن الرملي وتفقه على جماعة
منهم الشيخ شمس الدين محمد السجيمي والشيخ علي أبي الصفا الشنواني وسمع الحديث على
أبي حامد البديرى وابي عبد الله محمد بن محمد الخليلي وأجازه في سنة 1132 وأجازه
كذلك الشيخ محمد عقيلة في آخرين وأخذ الطريقة ببلده على سيدى
علي زنفل الاحمدى ولما ورد مصر اجتمع بالسيد مصطفى
البكرى فلقنه طريقة الخلوتية وانضوى الى الشيخ شمس الدين محمد الحفني فقصر نظره
عليه واستقام به عهده فأحياه ونور قلبه واستفاض منه فلم يكن ينتسب في التصوف الا
اليه
وحصل جملة من الفنون الغريبة كالزايرجة والاوفاق على عدة
من الرجال وكان ينزل وفق المائة في المائة وهو المعروف بالمئيني ويتنافس الامراء
والملوك لاخذه منه وأحدث فيه طرقا غريبة غير ما ذكره أهل الفن وقد قرأ القرآن مدة
وانتفع به الطلبة وقرأ الحديث
وكان سنده عاليا فتنبه بعض الطلبة في الاواخر فأكثروا
الاخذ عنه
وكان صعبا في الاجازة لا يجيز أحدا الا اذا قرأ عليه
الكتاب الذى يطلب الاجازة فيه بثمامه ولا يرى الاجازة المطلقة ولا المراسلة حتى ان
جماعة من اهالي البلاد البعيدة أرسلوا يطلبون منه الاجازة فلم يرض بذلك وهذه
الطريقة في مثل هذه الازمان عسرة جدا
وفي أواخره انتهى اليه الشأن وأشير اليه بالبنان وذهبت
شهرته في الآفاق وأتته الهدايا من الروم والشام والعراق وكف بصره وانقطع الى الذكر
والتدريس في منزله بالقرب من قننطرة لموسكى داخل العطفة بسويقة الصاحب ولازم الصوم
نحو ستين عاما ووفدت عليه الناس من كل جهة وعمر حتى الحق الاحفاد بالاجداد واجاز
وخلف وربما كتب الاجازات نظما على هيئة اجازات الصوفية لتلامذتهم في الطريق ولم
يزل يبدى ويعيد ويعقد حلق الذكر ويفيد الى ان وافاه الاجل المحتوم في هذه السنة
وجهز وكفن وصلي عليه بالازهر في مشهد حافل وأعيد الى الزاوية الملاصقة لمنزله وكثر
عليه الاسف
ومات الشيخ الإمام الفاضل الصالح علي بن علي بن علي بن
علي ابن مطاوع العزيزى الشافعي الازهرى أدرك الطبقة الاولى من المشايخ كالشيخ
مصطفى العزيزى والشيخ محمد السحيمي والدفرى والملوى
واضرابهم وتفقه ودرس بالجامع الازهر وانتفع به الطلبة
وقرأ دروسا بمشهد شمس الدين الحنفي وكان يسكن في بولاق ويأتي كل يوم الى مصر
لالقاء الدروس
وكان انسانا حسنا صبورا محتسبا فصيحا مفوها له اعتقاد في
اهل الله
توفي تاسع ربيع الثاني سنة تسع وتسعين هذه
ومات الامام الصالح الناسك المجود السيد علي بن محمد
الغوصي البدرى الرفاعي المعروف بالقراء وهو والد صاحبنا العلامة السيد حسن البدرى
ولد بمصر وحفظ القرآن وجوده على شيخ القراء شهاب الدين أحمد بن عمر الاسقاطي وبه
تخرج واقرأ القرآن بالسبعة كثيرا بالجامع الازهر وبرواق الاروام وانتفع به الطلبة
طبقة بعد طبقة
وكان لع معرفة ببعض الاسرار والروحانيات وغير ذلك
ومات الاختيار المفضل المبجل علي بن عبد الله الرومي
الاصل مولى درويش أغا المعروف الآن بمحرم افندى باش اختيار وجاق الجاويشية كان
لكونه خدم عنده وهو صغير اشتغل بالخط وجوده على المرحوم حسن الضيائي وعبد الله
الانبس وادرك الطبقة منهم ومهر فيه وانجب ولم يكونا اجازاه فعمل له مجلسا في منزل
المرحوم علي أغا وكيل دار السعادة واجتمع فيه ارباب الفن من الخطاطين واجازه حسن
افندى الرشدى مولى علي أغا المشار اليه وكان يوما مشهودا
ولقب بدرويش وكتب بخطه كثيرا وحج سنة 1171 واجتمع
بالحرمين على الافاضل وتلقى منهم اشياء وعاد الى مصر واجتمع بأديب عصره محمد بن
عمر الخوانكي أحد تلامذة الشهاب الخفاجي فتعلق بعناية بالادب وصار في محفوظيته
جملة من أشعاره وقصائده وجملة من قصائد الارجاني وجملة من المقامات الحريرية وعني
بحفظ القرآن فحفظه على كبره وتعب فيه وحفظ أسماء أهل بدر وكان دائما يتلوها
ولاجله ألف شيخنا السيد محمد مرتضى شرح الصدر في شرح
أسماء اهل بدر في عشرين كراسا والتفتيش في
معنى لفظ درويش كراسا
ولازم المذكور منذ قدم مصر وسمع عليه مجالس من الصحيح
والمسلسل بالاسودين وبالعيد والشمائل والامالي وجود عليه شيخنا المذكور في الخط
وقد صاهرت المترجم وتزوجت بربيبته في أواخر سنة خمس وتسعين برغبة منه وهي أم الولد
خليل فتح الله عليه ولما حصلت النسابة والمصاهرة حولته بعياله الى منزلي لتعب
الوقت وتعطيل أسباب المعايش
ولما عاشرته بلوت منه خيرا ودينا وصلاحا وكان لا ينام من
الليل الا قليلا ويتبتل الى مولاه تبتيلا فيصلي ما تيسر من النوافل ثم يكمل بتلاوة
القرآن المرتلة مع التدبر لمعاني الآيات المنزلة وكان حسن السمت نظيف الثياب عظيم
الشيبة منور الوجه وجيه الطلعة مهيب الشكل سليم الطوية مقبول الروحانية ملازما على
حضور الجماعة حريصا على ادراك الفضائل
توفي في جمادى الاولى عن نيف وتسعين سنة ولم تهن قواه
ولم يسقط له سن ويكسر اللوز باسنانه ودفناه بجوار الامام ابي جعفر الطحاوى لانه
كان ناظرا عليه رحمه الله
ومات الاستاذ الفاضل والمستعد الكامل ذو النفحات والاشارات
السيد علي بن عبد الله بن أحمد العلوى الحنفي سبط آل عمر صاحبنا ومرشدنا ووالده
أصله من توقاد وولد
هو في مصر سنة 1173 وعانى الفنون ومهر وانجب في كل شيء
عاناه في أقل زمن بحيث انه اذا توجهت همته لعلم من العلوم الصعبة وطالع فيه أدركه
وأظهر مخبئاته وثمراته وألف فيه وأظهر عجائب أسراره ومعانيه في زمن قليل وكان حاد
الذهن جدا دراكا قوى الحافظة يحفظ كل شيء سمعه أومر عليه ببصره ولازم في مبتدأ
أمره شيخنا السيد محمد مرتضى كثيرا وقرأ عليه الفصيح لثعلب وفقه اللغة للثعالبي
وأدب الكاتب لابن قتيبة في مجالس دراية وسمع منه كثيرا من شرحه على القاموس وكتب
عنه بيده اجزاء كثيرة وقرأ عليه الصحيح في اثنى عشر مجلسا في رمضان سنة ثمان
وثمانين وسمع عليه
أيضا الصحيح مرة ثانية مشاركا مع الجماعة مناوبة في
القراءة في أربع مجالس ومدة القراءة من طلوع الشمس الى بعد كل عصر وصحيح مسلم في
ستة مجالس مناوبة بمنزل الشيخ بخان الصاغة وكتب الامالي والطباق وضبط الاسماء وقلد
خط الصلاح الصفدى في وضعه فأدركه وقرأ عليه أيضا المقامات الحريرية ورسائل في
التصريف وغير ذلك مما لا يدخل تحت الضبط لكثرته
وسمع المسلسل بالعيد وبالاسودين التمر والماء
وسمع عليه أوائل الكتب الستة والمعاجم والمسانيد في سنة
تسعين بمنهل شيخه مع الجماعة وجزء نبيط بن شريط الاشجعي وبلدانيات السلفي
وبلدانيات بن عساكر واحاديث عاشوراء تخريج المنذرى واحاديث يوم عرفة تخريج بن فهد
وعوالي بن مالك وثلاثيات البخارى والدارمي وجزأ فيه أخبار الصبيان والخلعيات
بتمامها وهي عشرون جزءا وعرف المترجم العالي من النازل واجتمع بشيخنا السيد
العيدروس وقربه وادناه ولازمه وقرأ عليه أشياء من كتب الصوفية ومال اليه وصار ينطق
بالشعر وأقبل على الادب والتصوف ولا زال كذلك حتى صار يتكلم بكلام عال
والف كتابا في علم الاوفاق في كراريس لطيفة على نسق عجيب
مفيد وامتزج بالروحانية حتى اني رأيته ينزل الوفق في الكاغد ويضعه على راحة كفه
فيرتعش ويلتف ببعضه ثم ينبسط بنفسه كما كان واذا أخذه غيره ووضعه على مثل وضعه لا
يتحرك ابدا
ومارس في علم الرمل اياما فأدرك منتهاه واستخرج منه مالا
يستخرج الممارس فيه سنين من الضمير والمدة وغير ذلك في أسرع وقت وألف فيه كتابا
لخص فيه قواعده من غير مشقة
ومارس في الفلكيات مع سليمان أفندى كنباذ وصنف فيه وفي
غيره
وبآخرة انجمع عن خلطة الناس واقبل على ربه وكان قد تزوج
بامرأة وكانت تؤذيه وتشتمه وربما كانت تضربه وهو صابر عليها مقبل على شأنه وألف
أورادا واحزابا واسماء على طريقة الاسماء
السهروردية عجيبة المشرب بنفس عال غريب وصار يتكلم بكلام
لا يطرق الاسماع نظيره ولم يزل على ذلك حتى تعلل ولحق بربه وتوفي في سادس ربيع
الاول من السنة وأعقب ولدا من تلك المرأة التي كان تزوج بها وبالجملة والانصاف انه
كان من آيات الله الباهرة
ودفن بالقرافة بتربة علي أغا صالح رضي الله عنا وعنه
ورحمنا أجمعين
ومات الشيخ الفقيه الدراكة العلامة السيد سليمان بن طه
بن ابي العباس الحريثي الشافعي المقرى الشهير بالاكراشي وهي قرية شرقي مصر وحفظ
القرآن وقدم الجامع الازهر وطلب العلم وحضر الاشياخ وجود القرآن على الشيخ مصطفى
العزيزى خادم النعال بمشهد الشيدة سكينة واعاده بالعشر على الشيخ عبد الرحمن
الاجهوزى المقرى واجازه في محفل عظيم في جامع ألماس وسمع وحضر دروس فضلاء وقته
ومهر في فقه المذهب ودرس في جامع الماس وغيره وسمع من شيخنا السيد مرتضى المسلسل
وبالاولية بشرطه والمسلسل بالعيد وبالمحبة وبالقسم وبقراءة الفاتحة في نفس واحد
وبالالباس والتحكيم وسمع الصيحين بطرفيهما في جماعة بجامع شيخون بالصليبة وسمع
اجزاء البلدانيات للحافظ أبي طاهر السلفي وجزء النيل وجزء يوم عرفة ويوم عاشوراء
وغير ذلك
وله تآليف وجمعيات ورسائل في علوم شتى
ولما اجتمع بشيخنا المذكور ورأى ملازمة السيد علي المترجم
آنفا به في أكثر أوقاته ونظر نجابته وما فيه من قوة الفهم والاستعداد لامه على
ملازمته للسيد وانقطاعه عن بقية العلوم وقال له هذا شيء سهل يمكن تحصيله في زمن
قليل وقد قرأت وحصلت ما فيه الكفاية والاولى ان تشغل بعض الزمن بتحصيل المعقولات
وغيرها فان مثلك لا يقتصر على فن من الفنون والاقتصار ضياع
فقبل منه واشتغل عليه وعلى غيره وانقطع بسبب الاشتغال عن
كثرة الترداد على الشيخ كعادته وعلم ذلك فأنحرف على كل منهما
وبالخصوص على السيد علي وصعب عليه جدا وأدى ذلك الى
الانقطاع الكلي
ولما مات الشيخ العزيزى تنزل المترجم في مشيخة القراء
بمقام السيدة نفيسة رضي الله عنها وكان انسانا حسنا جامعا للفضائل وحضر معنا
الهداية في فقه الحنفية على شيخنا المرحوم العلامة الشيخ مصطفى الطائي الحنفي وكان
يناقش في بعض المسائل المخالفة لمذهبه الى ان وافاه الحمام في هذه السنة رحمه الله
ومات أوحد الفضلاء وأعظم النبلاء العلامة المحقق
والفهامة المدقق الفقيه النبيه الاصولي المعقولي المنطقي الشيخ أبو الحسن بن عمر
القلعي ابن علي المغربي المالكي قدم الى مصر في سنة 1154 وكان لديه استعداد
وقابلية وحضر اشياخ الوقت مثل البليدى والملوى والجوهرى والحفني والشيخ الصعيدى
واتحد بالشيخ الوالد وزوجه زوجة مملوكه مصطفى بعد وفاته وهي خديجة معتوقة المرحوم
الخواجا المعروف بمدينة واقامت معه نحو الاربعين سنة حتى كبر سنها وهرمت وتسرى
عليها مرتين ولما حضر المرحوم محمد باشا راغب واليا على مصر اجتمع به ومارسه وأحبه
وشرح رسالته التي ألفها في علم العروض والقوافي ولما عزل راغب وذهب الى دار
السلطنة وتولى الصدارة سافر اليه المترجم فأجله وأكرمه ورتب له جامكية بالضربخانة
بمصر ورجع الى مصر وتولى مشيخة رواق المغاربة ثلاث مرات بشهامة وصرامة زائدة
وسبب عزله في المرة الوسطى ان بعض المغاربة تشاجر مع
الشيخ علي الشنويهي وانتصر هو للمغاربة لحمية الجنسية ونهر الشيخ علي فذهب الشيخ
علي واشتكاه الى علي بك في ايام امارته فأحضره علي بك فتطاول على الشيخ علي بحضرة
الامير وادعى الشيخ علي بانه لطمه على وجهه في الجامع فكذبه المترجم فحلف الشيخ
علي بالله على ذلك فقال له المترجم احلف بالطلاق فاغتاظ منه الامير علي بك وصرفهما
وارسل في الحال واحضر الشيخ عبد الرحمن
البناني وولاه مشيخة الرواق وعزل الشيخ أبا الحسن وانكسف
باله لذلك ثم اعيد بعد مدة الى المشيخة وكان وافر الحرمة نافذ الكلمة معدودا من
المشايخ الكبار مهاب الشكل منور الشيبة مترفها في ملبسه ومأكله يعلوه حشمة وجلالة
ووقار اذا مر راكبا او ماشيا قام الناس اليه وبادروا الى تقبيل يده حتى صار ذلك
لهم عادة وطبيعة لازمة يرون وجوبها عليهم
وللمترجم تأليفات وتقييدات وحواش نافعة منها حاشية على
الاخضرى على سلمه وحاشية على رسالة العلامة محمد أفندى الكرماني في علم الكلام في
غاية الدقة تدل على رسوخه في علم المنطق والجدل والمعاني والبيان والمعقولات وشرح
على ديباجه شرح العقيدة المسماة بأم البراهين للامام السنوسي وله كتاب ذيل الفوائد
وفرائد الزوائد على كتاب الفوائد والصلاة والعوائد وخواص الآيات والمجريات التي
تلقاها من أفواه الاشياخ وكتاب في خواص سورة يس وغير ذلك
وأخذ عن المرحوم الوالد كثيرا من الحكميات والمواقف
والهداية للابهرى والهيئة والهندسة
ولم يزل مواظبا على تردده عليه وزيارته في الجمعة مرتين
أو ثلاثة ويراعي له حق المشيخة والصحبة في حياته وبعدها وكان سليم الباطن مع ما
فيه من الحدة الى أن توفي في ربيع الاول من هذه السنة رحمه الله
ومات الشيخ المعتقد عبد الله بن ابراهيم بن أخي الشيخ
الكبير المعروف بالموافي الشافعي السندوبي الرفاعي نزيل المنصورة ولد ببلدة منية
سندوب سنة 1140 وحفظ القرآن وبعض المتون وقدم المنصورة فمكث تحت حيازة عمه في عفة
وصلاح وحضر دروس الشيخ أحمد الجالي وأخيه محمد الجالي وانتفع بهما في فقه المذهب
فلما توفي عمه في سنة احدى وستين اجلس مكانه في زاويته التي أنشأها عمه في مؤخر
الجامع الكبير بالمنصورة وسلك على نهجه في أحياء الليالي بالذكر وتلاوة القرآن
وكان يختم في كل يوم وليلة مرة وربى التلاميذ وصارت
له شهرة زائدة مع الانجماع عن الناس لا يقوم لاحد ولا
يدخل دار احد وفيه الاستئناس وعنده فوائد يذاكر بها ويشتغل دائما بالمطالعة
والمذاكرة واعتقده الخاص والعام
ولما سافرنا الى دمياط سنة تسع وثمانين وجزنا بالمنصورة
وطلعناها ذهبنا الى جامعها الكبير ودخلنا اليه في حجرته فوجدته جالسا على فراش عال
بمفرده بجانب ضريح عمه وهو رجل نير بشوش فرحب بنا وفرح بقدومنا وأحضر لنا طبقا فيه
قراقيش وكعك وشريك وخبز يابس ولبن وبوسطة دقة وجبن فأكلنا ما تيسر وسقانا قهوة في
فنجان كبير وتحدث معنا ساعة ودعا لنا بخير وودعناه وسافرنا في الوقت
ولم أره غير هذه المرة
وهو انسان حسن جامع للفضائل توفي في السنة ولم يخلف بعده
مثله
ومات السيد الامام العلامة الفقيه النبيه السيد مصطفى بن
أحمد ابن محمد البنوفرى الحنفي أخذ الفقه عن والده وعن السيد محمد ابي السعود
والشيخ محمد الدلجي والشيخ الزيادى وغيرهم وحضر المعقول على علماء العصر كالشيخ
عيسى البراوى وغيره ودرس في محل والده بالقرب من رواق الشوام الا انه لم يكن له حظ
في الطلبة فكان يأتي كل يوم الجامع ويجلس وحده ساعة ثم يقوم ويذهب الى بيته بسويقة
العزى وكان لا يعرف التصنع وفيه جذب ويعود المرضى كثير الاغنياء والفقراء توفي في
السنة رحمه الله
ومات العلامة المتقن والفهامة المتفنن احد الاعلام
الرواسخ وشيخ المشايخ الفقيه النحوى الاصولي المعقولي المنطقي ذو المعاني والبيان
وحلال المشكلات باتقان الصالح لقانع الورع الزاهد الشيخ محمد ابن محمد بن محمد بن
محمد بن مصطفى بن خاطر الفرماوى الازهرى الشافعي البهوتي نسبة الى قبيلة البهتة
جهة الشرق ولد بمصر رباه والده وحفظ القرآن والمتون وحضر على أشياخ العصر الملوى
والجوهرى والطحلاوى
والبراوى والبليدى والصعيدى والشيخ علي قايتباى
والمدابغي والاجهورى وأنجب في الفقه والمعقول ودرس وأفاد الطلبة واشتهر بالفتوح
على كل من أخذ عنه حتى صار له المشيخة على غالب أهل العلم من الطبقة الثانية
وكان مهذب النفس جدا لين الجانب متواضعا منكسر النفس لا
يرى لنفسه مقاما يجلس حيث ينتهي به المجلس ولا يتداخل فيما لا يعنيه مقبلا على
شأنه ملازما على الاشتغال والافادة والمطالعة
ومما اتفق له انه قرأ البخارى والمنهج صبيحة النهار
والقطب على الشمسية في الضحوة والاشموني وقت الظهر وابن عقيل بعد العصر والشنشورى بعد
المغرب كل ذلك في آن واحد ويحضره في ذلك جل الافاضل وهذا لم يتفق لغيره من أقرانه
ولم يزل على حالته حتى توفي في آخر يوم من رجب من السنة وخلف ولده العمدة الفاضل
الصالح الشيخ مصطفى على قدم والده واسلافه من الافادة وملازمة الاقراء أعانه الله
على وقته ونفع به
ومات الشيخ الامام العلامة والنحرير الفهامة محمد بن عبد
ربه ابن علي العزيزى الشهير بأبن الست ولد سنة 1118 بمصر وسبب تسميته بأبن الست أن
والدته كانت سرية رومية اشتراها أبوه وأولدها اياه وكان قد تزوج بحرائر كثيرة فلم
يلدن الا الاناث حتى قيل انه ولد له نحو ثمانين بنتا فأشترى أم ولده هذا فولدته
ذكرا ولم تلد غيره ففرح به كثيرا ورباه في عز ورفاهية وقرأ القرآن مع الشيخ علي
العدوى في مكتب واحد فلذلك اعتشر بالمالكية وصار مالكي المذهب
ولما ترعرع أراد الانتقال الى مذهب الامام الشافعي رضي
الله عنه فرأى الشافعي في المنام وأشار عليه بعدم الانتقال فاستمر مالكي المذهب
وتفقه على الشيخ سالم النفراوى واللقاني والشبراملسي وسمع على الشيخ عبد ابن علي
النمرسي المسلسل بالاولية وأوائل الكتب الستة وسنن النسائي الصغرى المسماة
بالمجتبي والمسلسل بالمصافحة والمشابكة والسبحة وغير
ذلك وأخذ عليه أيضا ملا عصام على السمرقندية وشرح رسالة
الوضع وشرح الجزرية لشيخ الاسلام وأوائل تفسير القاضي البيضاوى مع البحث والتدقيق
وأجازه بما يجوز له وعنه روايته بشرطه وأخذ المعقول عن الشيخ أحمد الملوى والشيخ
عبده الديوى والشيخ الاطفيحي والخليفي وأخذ طريق الشاذلية عن الشيخ أحمد الجوهرى
والشيخ الملوى وهما اخذاها عن سيدى عبد الله بن محمد المغربي القصرى الكنكسي
وكان المترجم على قدم السلف لا يتداخل في أمور الدنيا
ولا يتفاخر في ملبس ولا يركب دابة ولا يدخل بيت أمير ولا يشتغل بغير العلم
ومدارسته ويشهد له معاصروه بالفضل واتقان العلوم والديانة
وسمعت منه المسلسل بالاولية وأجازني بمسموعاته ومروياته
وتلقيت عنه دائرة الشاذلي وأجازني بوضعها ورسمها ونقطة مركزها كل ذلك في مجلس واحد
بمنزلي ببولاق بشاطىء النيل سنة 1190
وكان يجيئني ويودني ويقول لي أنت ابن خالتي لكون والدتي
ووالدته من السرارى
وصنف حاشية على الزرقاني على العزية وهي مستعملة بأيدى
الطلبة وديباجة وخاتمه على أبي الحسن على الرسالة وخاتمة على شرح الخرشي وديباجة
على أيساغوجي في المنطق وحاشية علي الحفيد على العصام وتكملة على العشماوية وشرحا
على آية الكرسي وشرحا على الحوضية في التوحيد ولم يزل مقبلا على شأنه وحاله حتى
توفي في هذه السنة عن أربع وثمانين سنة رحمه الله تعالى
ومات السيد الاجل المبجل السيد أحمد بن عبد الفتاح بن طه
ابن عبد الرزاق الحسيني الحموى القادرى ولد أبوه السيد عبد الفتاح بحماه وارتحل
بكريميه رقية وفاطمة ابنة السيد طه فزوج الاولى باحد أعيان مصر بن حسين الشمسي وهي
أم أولاده حسن وحسين وعثمان ومحمود ورضوان وتزوجت السيدة فاطمة بعلي أفندى البكرى
أخي سيدى
بكرى الصديقي فأولدها محمد أفندى نقيب السادة الاشراف
وهو والد محمد أفندى الاخير وأقام والده السيد عبد الفتاح بمصر مدة وتنزل في بعض
المناصب ثم توجه الى ملك الروم فأكرمه ووجه له بعناية بعض الاعيان نقابة الاشارف
بمصر وحضر الى مصر وقرىء المرسوم الوارد بذلك وكاد أن يتم له الامر فلم يمكن من
ذلك بتقوية بعض الامراء وحنقوا عليه حيث توجه من مصر الى الروم خفية ولم يأخذ منهم
عرضا وجعل له شيء معلوم من بيت النقابة وبقي ممنوعا عنها
وكان سيدا محتشما فصيح اللسان بهي الشكل وتزوج ببنت سيدى
مكي الوارثي وولد له منها السيد أحمد المترجم وتربى في العز والرفاهية ببيتهم
المعروف بهم بالازبكية بخط الساكت وكان انسانا حسنا مترفها في مأكله وملبسه منجمعا
عن الناس الا لمقتضيات لا بد له منها
توفي رحمه الله في هذه السنة ولم يعقب
ومات الشيخ الصالح الماهر الموفق علي بن خليل شيخ القبان
بمصر وكان ماهرا في علم الحساب وممعرفة الموازين والقرسطون المعروف بالقبان
ودقائقه وصناعته ولما عني المرحوم الوالد أمر الموازين وتصحيحها وتحريرها في سنة
اثنتين وسبعين وصنف في ذلك العقد الثمين فيما يتعلق بالموازين طالعه عليه وتلقاه
عنه مع مشاركة الشيخ حسن بن ربيع البولاقي واتقنا ذلك وتميزا به دون أهل فنهما
وكان المترجم انسانا بشوشا منور الشيبة ولديه آداب
ونوادر ومناسبات وحج مرارا او أثرى وتمول ثم تقهقر حاله ولزم بيته الى ان توفي في
هذا العام ولم يخلف بعده مثله
ومات الشريف الحسيب النسيب السيد مصطفى بن السيد عبد
الرحمن العيدروس وهو مقتبل الشيبية وصلي عليه بالازهر ودفن عند والده بمقام
العتريس تجاه مشهد السيدة زينب وكانت وفاته رابع عشرين ربيع
الاول من السنة رحمه الله
سنة مائتين وألف كان اول المحرم يوم الجمعة وفي ذلك
اليوم وصل الباشا الجديد الى برانبابة واسمه محمد باشا يكن فبات ليلة الجمعة هناك
وفي الصباح ذهب اليه الامراء وسلموا عليه على العادة وعدوا به الى قصر العيني فجلس
هناك الى يوم الاثنين رابعه وركب بالموكب وشق من الصليبة وطلع الى القلعة واستبشر
الناس بقدومه
وفي يوم الخميس ثاني عشر صفر حضر مبشر الحاج بمكاتيب
العقبة وأخبر أن الحجاج لم يزوروا المدينة أيضا في هذه السنة مثل العام الماضي
بسبب طمع أمير الحاج في عدم دفع العوائد للعربان وصرة المدينة وأن أحمد باشا أمير
الحاج الشامي اكد عليه في الذهاب وأنعم عليه بجملة من المال والعليق والذخيرة
فاعتل بان الامراء بمصر لم يوفوا له العوائد ولا الصرة في العام الماضي وهذا العام
واستمر على امتناعه
وحضر الشريف سرور شريف مكة وكلمه بحضرة أحمد باشا وقال
اذا كان كذلك فنكتب عرض محضر ونخبر السلطان بتقصير الامراء وتضع عليه خطك وختمك
وللسلطان النظر بعد ذلك
فأجاب الى ذلك ووضع خطه وختمه وحضر اليهم الجاويش في
صبحها فخلعوا عليه كالعادة ورجع بالملاقاة وخرج الامراء في ثاني يوم الى خارج
باجمعهم ونصبوا خيامهم
وفي يوم الاثنين وصل الحجاج ودخلوا الى مصر ونزل أمير
الحج بالجنبلاطية بباب النصر ولم ينزل بالحصوة اولا على العادة وركب في يوم
الثلاثاء ودخل بالمحمل بموكب دون المعتاد وسلم المحمل الى الباشا
وفي يوم الاربعاء اجتمع الامراء ببيت ابراهيم بك وأحضروا
مصطفى بك أمير الحج وتشاجر معه ابراهيم بك ومراد بك بسبب هذه الفعلة
وكتابة العرضحال وادعوا انه تسلم جميع الحمائل وطلبوا
منه حساب ذلك واستمروا على ذلك الى قرب المساء
ثم ان مراد بك أخذ أمير الحاج الى بيته فبات عنده وفي
صبحها حضر ابراهيم بك عند مراد بك وأخذ أمير الحاج الى بيته ووضعه في مكان محجورا
عليه وأمر الكتاب بحسابه فحاسبوه فاستقر في طرفه مائة الف ريال وثلاثة آلاف وذلك
خلاف ما على طرفه من الميرى
وفي يوم الجمعة طلع ابراهيم بك الى القلعة واخبر الباشا بما
حصل وانه حبسه حتى توفي ما استقر بذمته فاستمر أياما وصالح وذهب الى بيته مكرما
وفي ذلك اليوم بعد صلاة الجمعة ضج مجاورو الازهر بسبب
أخبازهم وقفلوا ابواب الجامع فحضر اليهم سليم أغا والتزم لهم باجراء رواتبهم بكرة
تاريخه فسكنوا وفتحوا الجامع وانتظروا ثاني يوم فلم يأتهم شيء فأغلقوه ثانيا
وصعدوا على المنارات يصيحون فحضر سليم أغا بعد العصر ونجز لهم بعض المطلوبات وأجرى
لهم الجراية أناما ثم انقطع ذلك وتكرر الغلق والفتح مرارا
وفي ليلة خروج الامراء الى ملاقاة الحجاج ركب مصطفى بك
الاسكندرى وأحمد بك الكلارجي وذهبا الى جهة الصعيد والتفا على عثمان بك الشرقاوى
ولاجين بك وتقاسموا الجهات والبلاد وافحشوا في ظلم العباد
وفي منتصف ربيع الاول شرع مراد بك في السفر الى جهة بحرى
بقصد القبض على رسلان والنجار قطاع الطريق فسافر وسمع بحضوره المذكوران فهربا
فأحضر بن حبيب وابن حمد وابن فودة وألزمهم باحضارهما فأعتذروا اليه فحبسهم ثم
أطلقهم على مال وذلك بيت القصيد وأخذ منهم رهائن ثم سار الى طملوها وطالب أهلها
برسلان
ثم نهب القرية وسلب أموال أهلها وسبى نساءهم وأولادهم ثم
أمر بهدمها وحرقها عن آخرها ولم يزل ناصبا وطاقه عليها حتى أتى على آخرها هدما
وحرقا وجرفها بالجراريف حتى محوا أثرها وسووها بالارض وفرق كشافه في مدة اقامته
عليها في البلاد والجهات لجبي الاموال وقرر على القرى ما سولته له نفسه ومنع من
الشفاعة وبث المعينين لطلب الكلف الخارجة عن المعقول فاذا استوفوها طلبوا حق طرقهم
فاذا استوفوها طلبوا المقرر وكل ذلك طلبا حثيثا والا أحرقوا البلدة ونهبوها عن
آخرها ولم يزل في سيره على هذا النسق حتى وصل الى رشيد فقرر على أهلها جملة كبيرة
من المال وعلى التجار وبياعي الارز فهرب غالب أهلها وعين على اسكندرية صالح أغا
كتخدا الجاويشية سابقا وقرر له حق طريقه حمسة آلاف ريال وطلب من أهل البلد مائة
ألف ريال وأمر بهدم الكنائس فلما وصل الى اسكندرية هربت تجارها الى المراكب وكذلك
غالب النصارى فلم يجد الا قنصل الموسقو فقال أنا أدفع لكم المطلوب بشرط ان يكون
بموجب فرمان من الباشا أحاسب به سلطانكم فانكف عن ذلك وصالحوه على كراء طريقه ورجع
وارتحل مراد بك من رشيد
ولما وصل الى جميجون هدمها عن آخرها وهدم أيضا كفرد سوق
واستمر هو ومن معه يعبثون بالاقاليم والبلاد حتى أخربوها واتلفوا الزروعات الى غرة
جمادى الاولى
فوصلت الاخبار بقدومه الى زنكلون ثم ثنى عنانه وعرج على
جهة الشرق يفعل بها فعله بالمنوفية والغربية واما صناجقه الذين تركهم بمصر فانهم
تسلطوا على مصادرات الناس في أموالهم وخصوصا حسين بك المعروف بشفت بمعنى يهودى
فانه تسلط على هجم البيوت ونهبها بأدنى شبهة
وفي عصرية يوم الخميس المذكور ركب حسين بك المذكور
بجنوده وذهب الى الحسينية وهجم على دار شخص يسمى احمد سالم الجزار
متولي رياسة دراويش الشيخ البيومي ونهبه حتى مصاغ النساء
والفراش ورجع والناس تنظر اليه
وفي عصريتها أرسل جماعة من سراجينه بطلب الخواجا محمود
ابن حسن محرم فلاطفهم وارضاهم بدراهم وركب الى ابراهيم بك فأرسل له كتخداه وكتخدا
الجاويشية فتلطفوا به وأخذوا خاطره وصرفوه عنه وعبى له الخواجا هدية بعد ذلك
وقدمها اليه
وفي صبحها يوم الجمعة ثارت جماعة من اهالي الحسينية بسبب
ما حصل في أمسه من حسين بك وحضروا الى الجامع الازهر ومعهم طبول والتف عليهم جماعة
كثيرة من اوباش العامة والجعيدية وبأيديهم نبابيت ومساوق وذهبوا الى الشيخ الدردير
فوافقهم وساعدهم بالكلام وقال لهم انا معكم فخرجوا من نواحي الجامع وقفلوا أبوابه
وطلع منهم طائفة على أعلى المنارات يصيحون ويضربون بالطبول وانتشروا بالاسواق في
حالة منكرة واغلقوا الحوانيت
وقال لهم الشيخ الدردير في غد نجمع أهالي الاطراف
والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت
شهداء أو ينصرنا الله عليهم فلما كان بعد المغرب حضر سليم أغا مستحفظان ومحمد
كتخدا ارنؤد الجلفي كتخدا ابراهيم بك وجلسوا في الغورية ثم ذهبوا الى الشيخ
الدردير وتكلموا معه وخافوا من تضاعف الحال وقالوا للشيخ اكتب لنا قائمة
بالمنهوبات ونأتي بها من محل ما تكون
واتفقوا على ذلك وقرأوا الفاتحة وانصرفوا وركب الشيخ في
صبحها الى ابراهيم بك وأرسل الى حسين بك فأحضره بالمجلس وكلمه في ذلك فقال في
الجواب كلنا نهابون أنت تنهب ومراد بك ينهب وأنا أنهب كذلك
وانفض المجلس وبردت القضية
وفي عقبها بأيام قليلة حضر من ناحية قبلي سفينة وبها تمر
وسمن
وخلافه فأرسل سليمان بك الاغا وأخذ ما فيها جميعه وادعى
إن له عند أولاد وافي مالا منكسرا ولم يكن ذلك لاولاد وافي وانما هو لجماعة
يتسببون فيه من مجاورى الصعايدة وغيرهم فتعصب مجاورو الصعايدة وأبطلوا دروس
المدرسين وركب الشيخ الدردير والشيخ العروسي والشيخ محمد المصيلحي وآخرون وذهبوا
الى بيت ابراهيم بك وتكلموا معه بحضرة سليمان بك كلاما كثيرا مفحما
فاحتج سليمان بك بأن ذلك متاع أولاد وافي وأنا أخذته
بقيمته من أصل مالي عندهم فقالوا هذا لم يكن لهم وانما هؤلاء ربابه ناس فقراء فان
كان لك عند أولاد وافي شيء فخذه منهم فرد بعضه وذهب بعضه
وفي يوم الجمعة عاشر جمادى الاولى قدم مراد بك من ناحية
الشرق ودخل في ليلتها من المنهوبات من الجمال والاغنام والابقار والجواميس وغير
ذلك كثير يجل عن الحصر
وفيه سافر أيوب بك الى ناحية قبلي لمصالحة الامراء
الغضاب وهم مصطفى بك وأحمد بك الكلارجي وعثمان بك الشرقاوى ولاجين بك لانهم بلغوا
قصدهم من البلاد وظلم العباد
وفي منتصف جمادى الثانية حضر عثمان بك الشرقاوى من ناحية
قبلي
وفيه أنعم مراد بك على بعض كشافه بفردة دراهم على بلاد
المنوفية كل بلد مائة وخمسون ريالا
وفيه اجتمع الناس بطندتا لعمل مولد سيدى أحمد البدوى
المعتاد المعروف بمولد الشرنبابلية وحضر كاشف الغربية والمنوفية على جارى العادة
وكاشف الغربية من طرف ابراهيم بك الوالي المولى امير الحاج فحصل منه عسف وجعل على
كل جمل يباع في سوق المولد نصف ريال فرانسة فاغار اعوان الكاشف على بعض الاشراف
وأخذوا جمالهم
وكان ذلك في آخر أيام المولد فذهبوا الى الشيخ الدردير
وكان هناك بقصد الزيارة وشكوا اليه ما حل بهم فأمر الشيخ بعض اتباعه بالذهاب اليه
فامتنع الجماعة من مخاطبة ذلك الكاشف فركب الشيخ بنفسه وتبعه جماعة كثيرة من
العامة
فلما وصل الى خيمة كتخدا الكاشف دعاه فحضر اليه والشيخ
راكب على بغلته فكلمه ووبخه وقال له أنتم ما تخافون من الله
ففي أثناء كلام الشيخ لكتخدا الكاشف هجم على الكتخدا رجل
من عامة الناس وضربه بنبوت فلما عاين خدامه ضرب سيدهم هجموا على العامة بنبابيتهم
وعصيهم وقبضوا على السيد أحمد الصافي تابع الشيخ وضربوه عدة نبابيت
وهاجت الناس على بعضهم ووقع النهب في الخيم وفي البلد
ونهبت عدة دكاكين وأسرع الشيخ في الرجوع إلى محله وراق الحال بعد ذلك وركب كاشف
المنوفية وهو من جماعة ابراهيم بك الكبير وحضر الى كاشف الغربية وأخذه وحضر به الى
الشيخ وأخذوا بخاطره وصالحوه ونادوا بالامان
وانفض المولد ورجع الناس الى اوطانهم وكذلك الشيخ
الدردير فلما استقر بمنزله حضر اليه ابراهيم بك الوالي وأخذ بخاطره أيضا وكذلك
براهيم بك الكبير وكتخدا الجاويشية
وفي سابع عشرة ركب حسين بك الشفت وقت القائلة وحضر الى
بيت صغير بسوق الماطيين وصحبته امرأة فصعد اليه ونقب في حائط وأخرج منه برمة
مملوءة ذهبا فأخذها وذهب وخبر ذلك ان هذا البيت كان لرجل زيات في السنين الخالية
فاجتمع لديه هذه الدنانير فوضعها في برمة من الفخار وافرج لها نقبا في كتف الحائط
ووضعها فيه وبنى عليها وسواها بالجبس
وكانت هذه المرأة ابنة صغيرة تنظر اليه ومات ذلك الرجل
وبيعت الدار بعد مدة ووقفها الذى اشتراها وتداولت الاعوام وآل البيت الى وقف
المشهد الحسيني وسكنه الناس بالاجرة ومضى
على ذلك نحو الاربعين عاما وتلك المرأة تتخيل ذلك في
ذهنها وتكتمه ولا يمكنها الوصول الى ذلك المكان بنفسها وقلت ذات يدها واحتاجت
فذهبت الى حريم حسين بك المذكور وعرفتهن القضية واخبر الامير بذلك فقال لعل بعض
الساكنين أخذها فقالت لا يعرفها أحد غيرى
فأرسل الى ساكن الدار واحضره وقال له أخل دارك في غد
وانتظرني ولا تفزع من شيء ففعل الرجل وحضر الصنجق وصحبته المرأة فارته الموضع
فنقبوه وأخرجوا منه تلك البرمة وأعطي صاحب المكان احسانا وركب وصاحب المكان يتعجب
وركب أيضا قبل ذلك وذهب الى بيت رجل يقال له الشيخ عبد الباقي أبو قليطة ليلا وأخذ
منه صندوقا مودعا عنده امانة لنصر ابن شديد البدوى شيخ عرب الحويطات يقال ان فيه
شيئا كثيرا من الذهب العين وغيره وهجم ايضا على بيت بالقرب من المشهد الحسيني في
وقت القائلة وكان ذلك البيت مقفولا وصاحبه غائب فخلع الباب وطلع اليه وأخذه منه
عشرة اكياس مملوءة ذهبا وخرج وأغلق الباب كما كان وركب هو ومماليكه والاكياس في
أحضانهم على قرابيس سروج الخيل وهو بجملتهم يحمل كيسا امامه والناس تنظرهم
وفي هذا الشهر ثقب الشطار حاصلا في وكالة المسايرة التي
بباب الشعرية وكان بظاهر الحاصل المذكور قهوة متخربة فتسلق اليها بعض الحرامية
ونقبوا الحاصل وأخذوا منه صندوقا في داخله اثنا عشر ألف بندقي عنها ثلاثون ألف
ريال في ذلك الوقت وفيه من غير جنس البندقي ايضا ذهب ودراهم وثياب حرير وطرح
النساء المحلاوى التي يقال لها الحبر
وبعد أيام قبضوا على رجلين أحدهما فطاطرى والآخر مخللاتي
بتعريف الخفراء بعد حبسهم ومعاقبتهم فأخذوا منهما شيئا واستمرا محبوسين
وفي عشرينه حضر أيوب بك ولاجين بك وأحمد بك من ناحية
قبلي
ودخلوا بيوتهم بالمنهوبات والمواشي وتأخر مصطفى بك
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية
نسفت رمالا واتربة مع غيم مطبق وأظلم منها الجو واستمرت من الظهر الى الغروب
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه حضر مصطفى بك أيضا
وفي غرة شهر رجب عزم مراد بك على التوجه الى سد خليج
منوف المعروف بالفرعونية وكان منذ سنين لم يحبس واندفع اليه الشرقي حتى تهور وشرق
بسببه بحر دمياط وتعطلت مزارع الارز
وفيه وصلت الاخبار من ثغر الاسكندرية بانه ورد اليها
مركب البيليك وذلك على خلاف العادة وذلك ان مراكب البيليكات لا تخرج الا بعد روز
خضر ثم حضره عقيبة أيضا قليون آخر وفيه احمد باشا والي جدة ثم تعقبهما آخر وفيه
غلال كثيرة نقلوها الى الثغر وشرعوا في عملها بقسهاطا فكثر اللغط بمصر بسبب ذلك
وفي عاشره ورد ططرى من البر وقابجي من البحر ومعهما
مكاتبات قرئت بالديوان يوم الخميس ثاني عشرة مضمونها طلب الخزائن المنكسرة وتشهيل
مرتبات الحرمين من الغلال والصرر في السنين الماضية واللوم على عدم زيارة المدينة
وفيه الحث والوعد والوعيد والامر بصرف العلوفات وغلال
الانبار
وفيه المهلة ثلاثون يوما
فكثر لغط الناس والقال والقيل واشيع ورود مراكب أخر الى
ثغر سكندرية وأن حسن باشا القبطان واصل أيضا في أثر ذلك وصحبته عساكر محاربون
وفيه حضر معلم ديوان الاسكندرية قيل انه هرب ليلا ثم ان
ابراهيم بك أرسل يستحث مراد بك في الحضور من سد الفرعونية ثم بعث اليه علي أغا
كتخدا جاووجان والمعلم ابراهيم الجوهرى وسليمان اغا الحنفي وحسن كتخدا الجربان
وحسن افندي شقبون كاتب الحوالة سابقا وأفندى الديوان حالا فأحضروه الى مصر في يوم
الثلاثاء ولم يتم سد الترعة
بعد ان غرق فيها عدة مراكب ومراسي حديد وأخشاب أخذوها من
أربابها من غير ثمن وفرد على البلاد الاموال وقبض أكثرها وذهب ذلك جميعه من غير
فائدة
ثم ان الامراء عملوا جمعيات وديوانا ببيت ابراهيم بك
وتشاوروا في تنجيز الاوامر
وفي أثناء ذلك تشحطت الغلال وارتفع القمح من السواحل
والعرصات وغلا سعره وقل وجوده حتى امتنع بيع الخبز من الاسواق واغلقت الطواجين
فنزل سليم اغا وهجم المخازن واخرج الغلال وضرب القماحين
والمتسببين ومنعهم من زيادة الاسعار فظهر القمح والخبز بالاسواق وراق الحال وسكنت
الاقاويل
وفي هذا الشهر أعني شهر رجب حصلت عدة حريقات منها حريقتان
في ليلة واحدة
احداهما بالازبكية واخرى بخطتنا بالصنادقية
وظهرت النار من دكان رجل صناديقي وهي مشحونة بالاخشاب
والصناديق المدهونة عند خان الجلاية فرعت النار في الاخشاب ووجت في ساعة واحدة
وتعلقت بشبابيك الدور وذلك بعد حصة من الليل وهاج الناس والسكان وأسرعوا بالهدم
وصب المياه وأحضر الوالي القصارين حتى طفئت
وفيه أيضا من الحوادث المستهجنة أن امرأة تعلقت برجل من
المجاذيب يقال له الشيخ علي البكرى مشهور ومعتقد عند العوام وهو رجل طويل حليق
اللحية يمشي عريانا واحيانا يلبس قميصا وطاقية
ويمشي حافيا فصارت هذه المرأة تمشي خلفه أينما توجه وهي
بازارها وتخلط في ألفاظها وتدخل معه الى البيوت وتطلع الحريمات واعتقدها النساء
وهادوها بالدراهم والملابس وأشاعوا ان الشيخ لحظها وجذبها وصارت من الاولياء ثم
ارتقت في درجات الجذب وثقلت عليها الشربة فكشفت وجهها ولبست ملابس كالرجال ولازمته
أينما توجه ويتبعهما الاطفال والصغار وهوام العوام ومنهم من اقتدى بهما ايضا ونزع
ثيابه وتخجل في مشيه وقالوا انه اعترض على الشيخ والمرأة فجذبه الشيخ ايضا
وأن الشيخ لمسه فصار من الاولياء
وزاد الحال وكثر خلفهم أوباش الناس والصغار وصاروا
يخطفون اشياء من الاسواق ويصير لهم في مرورهم ضجة عظيمة واذا جلس الشيخ في مكان
وقف الجميع وازدحم الناس للفرجة عليه وتصعد المرأة على دكان أو علوة وتتكلم بفاحش
القول ساعة بالعربي ومرة بالتركي والناس تنصت لها ويقبلون يدها ويتبركون بها
وبعضهم يضحك ومنهم من يقول الله الله وبعضهم يقول دستور يا أسيادى وبعضهم يقول لا
تعترض بشيء
فمر الشيخ في بعض الاوقات على مثل هذه الصورة والضجة
ودخلوا من باب بيت القاضي الذى من ناحية بين القصرين وبتلك العكفة سكن بعض الاجناد
يقال له جعفر كاشف فقبض على الشيخ وادخله الى داره ومعه المرأة وباقي المجاذيب فأجلسه
وأحضر له شيئا يأكله وطرد الناس عنه وأدخل المرأة والمجاذيب الى الحبس وأطلق الشيخ
لحال سبيله وأخرج المرأة والمجاذيب فضربهم وعزرهم ثم أرسل المرأة الى المارستان
وربطها عند المجانين وأطلق باقي المجاذيب بعد ان استغاثوا وتابوا ولبسوا ثيابهم
وطارت الشربة من رؤوسهم وأصبح الناس يتحدثون بقصتهم
واستمرت المرأة محبوسة بالمارستان حتى حدثت الحوادث
فخرجت وصارت شيخة على انفرادها ويعتقدها الناس والنساء وجمعت عليها الجمعيات
وموالد واشباه ذلك
وفيه ورد الخبر من الديار الشامية بحصول طاعون عظيم في
بلادهم حصل عندهم ايضا قحط وغلاء في الاسعار
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر شعبان ركب سليم أغا في عصريته
الى جامع السلطان حسن بن قلاون الذى بسوق السلاح وأحضر معه فعلة وفتح باب المسجد
المسدود وهو الباب الكبير الذى من ناحية سوق السلاح فهدموا الدكاكين التي حدثت
أسفله والبناء الذى بصدر الباب وكان
مدة سده في هذه المرة احدى وخمسين سنة وكان سببها
المقتلة التي قتل فيها الاحد عشر اميرا ببيت محمد بك الدفتردار في سنة تسع وأربعين
وتقدم ذكرها في أول التاريخ
وسبب فتحه ان بعض اهل الخطة تذاكر مع الاغا في شأنه
واعلمه بحصول المشقة على الناس المصلين في الدخول اليه من باب الرميلة وربما فاتهم
حضور الجماعة في مسافة الذهاب وان الاسباب التي سد الباب من أجلها قد زالت وانقضت
ونسيت فاستأذن سليم أغا ابراهيم بك ومراد بك في فتحه فأذنا له ففتحه وصنع له بابا
جديدا عظيما وبنى له سلالم ومصاطب واحضر نظاره وأمرهم بالصرف عليه ويأتي هو في كل
يوم يباشر العمل بنفسه وعمروا ما تشعث منه ونظفوا حيطانه ورخامه وظهر بعد الخفاء
وازدحم الناس للصلاة فيه وأتوا اليه من الاماكن البعيدة
وفي يوم الجمعة خامسة توفي مصطفى بك المرادى المجنون
وفي عشرين شعبان كثر الارجاف بمجيء مراكب الاسكندرية
وعساكر وغير ذلك
وفي يوم السبت خامس رمضان حضر واحد أغا من الديار
الرومية وعلى يده مكاتبة بالحث على المطلوبات المتقدم ذكرها فطلع الامراء الى
القلعة ليلا واجتمعوا بالباشا وتكلموا مع بعضهم كلاما كثيرا وقال مراد بك للباشا
ليس لكم عندنا الا حساب أمهلونا الى بعد رمضان وحاسبنا على جميع ما هو في طرفنا
نورده وأرسل الى من وصل الاسكندرية يرجعون الى حيث كانوا والا فلا نشهل حجا ولا
صرة ولا ندفع شيئا
وهذا آخر الكلام كل ذلك وابراهيم بك يلاطف كلا منهما ثم
اتفقوا على كتابة عرضحال من الوجاقلية والمشايخ ويذكر فيه انهم أقلعوا وتابوا
ورجعوا عن المخالفة والظلم والطريق التي ارتكبوها وعليهم القيام باللوازم وقرروا
على أنفسهم مصلحة يقومون بدفعها لقبطان باشا والوزير
وباشة جدة وقدرها ثلثمائة وخمسون كيسا وقاموا على ذلك
ونزلوا الى بيوتهم
وفي ليلة الاثنين جمع ابراهيم بك المشايخ وأخبرهم بذلك
الاتفاق وشرعوا في كتابة العرضحالات أحدها للدولة وآخر لقبطان باشا بالمهلة حتى
يأتي الجواب وآخر لباشة جدة الذى في الاسكندرية
وفي صبحها وردت مكاتبة من أحمد باشا الجزار يخبر فيها
بالحركة والتحذير واخبار بورود مراكب أخرى باسكندرية ومراكب وصلت الى دمياط فزار
اللغط والقال والقيل
وفيه ركب سليم أغا مستحفظان ونادى في الاسواق على
الاروام والقليونجية والاتراك بانهم يسافرون الى بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة
أيام قتل
وفيه اتفق رأى ابراهيم بك ومراد بك انهم يرسلون لاجين بك
ومصطفى بك السلحدار الى رشيد لاجل المحافظة والاتفاق مع عرب الهنادى ويطلبون أحمد
باشا والي جدة ليأتي الى مصر ويذهب الى منصبه
فسافر وافي ليلة الخميس عاشر رمضان
وفي تلك الليلة ركب ابراهيم بك بعد الافطار وذهب الى
مراد بك وجلس معه ساعة ثم ركبا جميعا وطلعا الى القلعة وطلع أيضا المشايخ باستدعاء
من الامراء وهم الشيخ البكرى والشيخ السادات والشيخ العروسي والشيخ الدردير والشيخ
الحريرى وقابلوا الباشا وعرضوا عليه العرضحالات
وكان المنشي لبعضها الشيخ مصطفى الصاوى وغيره فأعجبهم
انشاء الشيخ مصطفى وامروا بتغيير ما كان من انشاء غيره
وانخضع مراد بك في تلك الليلة للباشا جدا وقبل أتكه
وركبتيه ويقول له يا سلطانم نحن في عرضك في تسكين هذا الامر ودفعه عنا ونقوم بما
علينا ونرتب الامور وننظم الاحوال على القوانين القديمة
فقال الباشا ومن يضمنكم ويتكفل
بكم قال أنا الضامن لذلك ثم ضماني على المشايخ
والاختيارية
وفي ليلة الاحد ثالث عشرة وصلت الاخبار بوصول حسن باشا
القبطان الى ثغر الاسكندرية وكان وصوله يوم الخميس عاشره قبل العصر وصحبته عدة
مراكب فزاد الاضطراب وكثر اللغط
فتمموا أمر العرضحالات وأرسلوها صحبة سلحدار الباشا
والططرى وواحد أغا ودفعوا لكل فرد منهم ألف ريال وسافروا من يومهم
وفيه وردت الاخبار بان مشايخ عرب الهنادى والبحيرة ذهبوا
الى الاسكندرية وقابلوا أحمد باشا الجداوى فألبسهم خلعا وأعطاهم دراهم وكذلك أهل
دمنهور
وفيه حضر صدقات من مولاى محمد صاحب المغرب ففرقت على
فقراء الازهر وخدمة الاضرحة والمشايخ المفتين والشيخ البكرى والشيخ السادات
والعمريين على يد الباشا بموجب قائمة ومكاتبة
وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى جربجي باش سراجين مراد بك
سابقا وسردار ثغر رشيد حالا وكان السبب في حضوره انه حضرت الى رشيد أحد القباطين
وصحبته عدة وافرة من العسكر فطلع الى بيت السردار المذكور وأعطاه مكاتبة من حسن
باشا خطابا للامراء بمصر وامره بالتوجه بها فحضر بتلك المكاتبة مضمونها التطمين
ببعض ألفاظ
وفيه اتفق رأى الامراء على ارسال جماعة من العلماء
والوجاقلية الى حسن باشا فتعين لذلك الشيخ أحمد العروسي والشيخ محمد الامير والشيخ
محمد الحريري ومن الوجاقلية اسمعيل افندى الخلوتي وابراهيم أغا الورداني وذهب
صحبتهم أيضا سليمان بك الشابورى وارسلوا صحبتهم مائة فرد بن ومائة قنطار سكر وعشر
بقج ثياب هندية وتفاصيل وعودا وعنبرا وغير ذلك فسافروا في يوم الجمعة ثامن عشر
رمضان على انهم يجتمعون به ويكلمونه ويسألونه عن مراده ومقصده ويذكرون
له امتثالهم وطاعتهم وعدم مخالفتهم ورجوعهم عما سلف من
افاعيلهم ويذكرونه حال الرعية وما توجبه الفتن من الضرر والتلف
وفي يوم السبت حضر تفكجي باشا من طرف حسن باشا وذهب الى
ابراهيم بك وأفطر معه وخلع عليه خلعة سمور وأعطاه مكاتبات وكان صحبته محمد أفندى
حافظ من طرف ابراهيم بك ارسله الامراء قبل بأيام عندما بلغهم خبر القادمين ليستوعب
الاحوال ثم ان ذلك التفكجي جلس مع ابراهيم بك حصة من الليل وذهب الى محله وحضر علي
أغا كتخدا الجاويشية فركب مع ابراهيم بك وطلعا الى الباشا في سادس ساعة من الليل
ثم نزلا وسافر التفكجي في صبحها وصحبته الحافظ
وكان فيما جاء به ذلك التفكجي طلب ابراهيم بك أمير الحاج
فلم يرض بالذهاب وكان لاجين بك ومصطفى بك لما سافرا للمحافظة بعد التوبة بيومين
فعلوا أفاعيلهم بالبلاد وطلبوا الكلف وحرقوا وردان فضجت أهالي البلاد وذهبوا الى
عرضي حسن باشا وشكوا ما نزل بهم فأخذ بخواطرهم وكتب لهم فرمانا برفع الخراج عنهم
سنتين وأرسل مع ذلك التفكجي العتاب واللوم في شأن ذلك
وفي تلك الليلة ذهب سليم أغا الى ناحية باب الشعرية وقبض
على الحافظ اسحق وأخذه على صورة أرباب الجرائم من أسافل الناس وذهب به الى بولاق
فلحقه مصطفى بك الاسكندراني ورده
وفي يوم الاثنين وصلت الاخبار بورود حسن باشا الى ثغر
رشيد يوم الاربعاء سادس عشرة وانه كتب عدة فرمانات بالعربي وارسلها الى مشايخ
البلاد وأكابر العربان والمقادم وحق طريق المعينين بالفرمانات ثلاثون نصفا فضة لا
غير وذلك من نوع الخداع والتحيل وجذب القلوب ومثل قولهم انهم يقرروا مال الفدان
سبعة أنصاف ونصف نصف حتى كادت الناس تطير من الفرح وخصوصا الفلاحين لما سمعوا ذلك
وانه
يرفع الظلم ويمشي على قانون دفتر السلطان سليمان وغير
ذلك
وكان الناس يجهلون أحكامهم فمالت جميع القلوب اليهم
وانحرفت عن الامراء المصرية وتمنوا سرعة زوالهم
وصورة ذلك الفرمان وهو الذي أرسل الى أولاد حبيب من جملة
ما أرسل صدر هذا الفرمان الشريف الواجب القبول والتشريف من ديوان حضرة الوزير
المعظم والدستور المكرم عالي الهمم وناصر المظلوم على من ظلم مولانا العزيز غازى
حسن باشا ساري عسكر السفر البحري المنصور حالا ودونانمة همايون أيدت سيادته السنية
وزادت رتبته العلية الى مشايخ العرب أولاد حبيب بناحية دجوة وفقهم الله تعالى
نعرفكم انه بلغ حضرة مولانا السلطان نصره الله ما هو واقع بالقطر المصرى من الجور
والظلم للفقراء وكافة الناس وان سبب هذا خائنون الدين ابراهيم بك ومراد بك
واتباعها فتعينا بخط شريف من حضرة مولانا السلطان أيده الله بعساكر منصورة بحرا
لدفع الظلم ولايقاع الانتقام من المذكورين وتعين عليهم عساكر منصورة برا يسارى
عسكر عليهم من حضرة مولانا السلطان نصره الله وقد وصلنا الى ثغر اسكندرية ثم الى
رشيد في سادس عشر رمضان فحررنا لكم هذا الفرمان لتحضروا تقابلونا وترجعوا الى أوطانكم
مجبورين مسرورين ان شاء الله تعالى فحين وصوله اليكم تعملوا به وتعتمدوه والحذر ثم
الحذر من المخالفة وقد عرفناكم
ثم ان الامراء زاد قلقهم واجتمعوا في ليلتها ببيت
ابراهيم بك وعملوا بينهم مشورة في هذا الامر الذى دهمهم وتحققوا اتساع الخرق
والنيل آخذ في الزيادة فعند ذلك تجاهروا بالمخالفة وعزموا على المحاربة واتفق
الرأى على تشهيل تجريدة وأميرها مراد بك فيذهبون الى جهة فوة ويمنعون الطريق
ويرسلون الى حسن باشا مكاتبات بتحرير الحساب والقيام بغلاق المطلوب ويرجع من حيث
أتى
فان امتثل والا حاربناه وهذا آخر الكلام
ثم جمعوا المراكب وعبوا
الذخيرة والبقسماط وذلك كله في يوم الثلاثاء والاربعاء
ونقلوا عزالهم ومتاعهم من البيوت الكبار الى اماكن لهم صغار جهة المشهد الحسيني
والشنواني والازهر وعطلوا القناديل والتعاليق المعدة لمهرجان رمضان وزاد الارجاف
وكثر اللغط ولاحت عليهم لوائح الخذلان ورخص أسعار الغلال بسبب بيعهم الغلال
المخزونة عندهم
وفي يوم الخميس رابع عشرينه خرج مراد بك والامراء
المسافرون معه الى ناحية بولاق وبرزوا خيامهم وعدوا في ليلتها الى برانبابة ونصبوا
وطاقهم هناك
وتعين للسفر صحبة مراد بك مصطفى بك الداوودية الذى عرف بالاسكندراني
ومحمد بك الالفي وحسين بك الشفت ويحيى بك وسليمان بك الاغا وعثمان بك الشرقاوى
وعثمان بك الاشقر وركب ابراهيم بك بعد المغرب وذهب اليهم وأخذ بخاطرهم ورجع
فأقاموا في برانبابة يوم الجمعة حتى تكامل خروج العسكر وأخذ مراد بك ما احتاجه من
ملائل الحج جمالا وبقسماطا وغيره حتى الذى قبض من مال الصرة وأرسلوا في ليلتها على
أغا كتخدا الجاويشية وسليمان أغا الحنفي الى الباشا وطلبوا منه الدراهم التي كانوا
استخلصوها من مصطفى بك أمير الحاج وأودهوها عند الباشا فدفعها لهم بتمامها
وفي يوم السبت سادس عشرينه سافر مراد بك من برانبابة
وأصحب ليكون سفيرا بينه وبين قبطان باشا وفي ليلة الإثنين ثامن عشرينه مسافر مصطفى
بك الكبير أيضا ولحق بمراد بك
وفي ليلة الثلاثاء حضر المشايخ ومن معهم من ثغر رشيد
فوصلوا الى بولاق بعد العشاء وباتوا هناك وذهبوا الى بيوتهم في الصباح
فأخبروا انهم اجتمعوا على حسن باشا ثلاث مرات الاولى
للسلام فقابلهم بالاجلال والتعظيم وأمر لهم بمكان نزلوا فيه ورتب لهم ما يكفيهم من
الطعام المهيأ في الافطار والسحور ودعاهم في ثاني يوم
وكلمهم كلمات قليلة وقال له الشيخ العروسي يا مولانا رعية مصر قوم ضعاف وبيوت
الامراء مختلطة ببيوت الناس
فقال لا تخشوا من شيء فان أول ما أوصاني مولانا السلطان
أوصاني بالرعية وقال ان الرعية وداعة الله عندى وانا استودعتك ما أودعنيه الله
تعالى
فدعوا له بخير ثم قال كيف ترضون أن يملككم مملوكان
كافران وترضونهم حكاما عليكم يسومونكم العذاب والظلم لماذا لم تجتمعوا عليهم
وتخرجوهم من بينكم
فأجابه اسمعيل أفندى الخلوتي بقوله يا سلطانم هؤلاء عصبة
شديد والباس ويد واحدة
فغضب من قوله ونهره وقال تخوفني ببأسهم فاستدرك وقال
انما أعني بذلك انفسنا لانهم بظلم أضعفوا الناس
ثم أمرهم بالانصراف
واجتمعوا عليه مرة ثالثة بعد صلاة الجمعة فأستأذنوه في
السفر ثم تركهم يومين وكتب لهم مكاتبات وسلمها ليد سليمان بك الشابورى وأمرهم
بالانصراف فودعوه وساروا وأخفيت تلك المكاتبات
وفي غاية رمضان أرسل الباشا عدة أوراق الى افراد المشايخ
وذكر انها وردت من صدر الدولة وأما العرضحالات التي أرسلوها صحبة السلحدار والططرى
فانهما لما وصلا الى اسكندرية واطلع عليها حسن باشا حجزها ومنع المراسلة الى
اسلامبول وقال أنا دستور مكرم والامر مفوض الي في أمر مصر
وسأل السلحدار عن الاوراق التي من صدر الدولة هل أرسلها
الباشا الى أربابها فأخبره انه خاف من اظارها فاشتد غضبه على الباشا وسبه بقوله
خائن منافق
فلما رجع السلحدار في تاريخه واخبر الباشا فعند ذلك
ارسلها كما تقدم
وفي ثاني شوال اشيع مراد بك ملك مدينة فوة وهرب من بها
من العسكر ووقع بينهم مقتلة عظيمة وانه اخذ المراكب التي وجدها على ساحلها ثم ظهر
صحة ذلك
وفي يوم السبت نزلت الكسوة من القلعة على العادة الى
المشهد الحسيني وركب ابراهيم بك الكبير وابراهيم بك امير الحاج الى قراميدان ونزل
الباشا كذلك واكد على امير الحاج في التشهيل فأعتذر اليه بتعطيل الاسباب فوعده
بالمساعدة
وفي يوم الاحد اشاعوا اشاعة مثل الاولى مصطنعة واظهروا
البشر والسرور وركب ابراهيم بك في ذلك اليوم وذهب الى الشيخ البكرى وعيد عليه ثم
الى الشيخ العروسي والشيخ الدردير وصار يحكي لهم
وتصاغر في نفسه جدا واوصاهم على المحافظة وكف الرعية عن
امر يحدثوه او قومة او حركة في مثل هذا الوقت فانه كأنه يخاف ذلك جدا وخصوصا لما
اشيع امر الفرمانات التي ارسلها الباشا للمشايخ وتسامع بها الناس وفي وقت ركوب
ابراهيم بك من بيت الشيخ البكرى حصلت زعجة عظيمة ببركة الأزبكية وسببها أن مملوكا
أسود ضرب رجلا من زراع الملقاتى فجرحه فوقع الصياح من رفقائه واجتمع عليهم خلق كثير
من الاوباش وزاد الحال حتى امتلأت البركة من المخلوقات وكل منهم يسأل عن الخبر من
الآخر ويختلقون انواعا من الاكاذيب
فلما رجع ابراهيم بك الى داره ارسل من طرد الناس وفحصوا
عن اصل القضية وفتشوا على الضارب فلم يجدوه فأخذوا المضروب فطيبوا خاطره واعطوه
دراهم
وفيه ارسل مراد بك بطلب ذخيرة وبقسماط وركب ايوب بك
الصغير وذهب الى مصر العتيقة وعثمان بك الطنيرجي الى بولاق ونزلوا جملة مدافع
ومنها الغضبان وابو مايلة وكان ايوب هذا متمرضا مدة شهور ومنقطعا في الحريم فغرق
وشفي في ساعة واحدة
وفي يوم الاثنين كان مولد السيد احمد البدوى ببولاق
وكراء مشايخ الاشاير المراكب ليسافروا فيها فأخذوها بأجمعها لاجل الذخيرة والمدافع
ووسقوها وارسلوا منها جملة
وفي ليلة الثلاثاء حضرت مراكب من مراكب الغائبين وفيها
مماليك ومجاريح واجناد واخبروا بكسرة مراد بك ومن معه واصبح الخبر شائعا في المدينة
وثبت ذلك ورجعت المراكب بما فيها واخبروا عما وقع وهو انه لما وصل مراد بك الى
الرحمانية عدى سليمان بك الاغا وعثمان بك الشرقاوى والالفي الى البر الشرقي فحصل
بينهم اختلاف وغضب بعضهم ورجع القهقرى فكان ذلك اول الفشل
ثم تقدموا الى محلة العلويين فأخلوا منها الاورام فدخلوا
اليها وملكوها وارسلوا الى مراد بك يطلبون منه الامداد فأمر بعض الامراء بالتعدية
اليهم فامتنعوا وقالوا نحن لا نفارقك ونموت تحت اقدامك فحنق منهم وارسل عوضهم
جماعة من العرب ثم ركبوا وقصدوا ان يتقدموا الى فوة فوجدوا امامهم طائفة من العسكر
ناصبين متاريس فلم يمكنهم التقدم لوعر الطريق وضيق الجسر وكثرة القنى ومزارع الارز
فتراموا بالبنادق فرمح سليمان بك فعثر بقناة وسقط فحصلت فيهم ضجة وظنوها كسرة
فرجعوا القهقرى ودخل الرعب في قلوبهم ورجعت عليهم العرب ينهبونهم
فعدوا الى البر الآخر وكان مراد بك مستقرا في مكان توصل
اليه من طريق ضيقة لاتسع الا الفارس بمفرده فاشاروا عليه بالانتقال من ذلك المكان
وداخلهم الخوف وتخيلوا تخيلات
وما زالوا في نقض وابرام الى الليل ثم أمر بالاتحال
فحملوا حملاتهم ورجعوا القهقرى وما زالوا في سيرهم وأشيع فيهم الانهزام وتطايرت
الاخبار بالكسرة وتيقن الناس ان هذا أمر الهي ليس بفعل فاعل
وفي ذلك اليوم حصلت كرشة من ناحية الصاغة وسببها عبد
مملوك أراد الركوب على حمار بعض المكارية فازدحموا عليه الحمارة ورمحوا خلفه فصارت
كرشة ورمحت الصغار فاغلقوا الدكاكين بالاشرفية
والغورية والعقادين وغير ذلك ثم تبين ان لا شيء ففتح
الناس الدكاكين
وفي ذلك اليوم حضر أناس من المماليك مجاريح وزاد الارجاف
فنزل الباشا وقت الغروب الى باب العزب واراد ابراهيم بك ان يملك أبواب القلعة فلم
يتمكن من ذلك
وأرسل الباشا فطلب القاضي والمشايخ فطلع البعض وتأخر
البعض إلى الصباح وبات السيد عند الباشا ذكرها بعد ذلك الباشا لحسن باشا وشكره
عليها واحبه وذهب للسلام عليه عند قدومه دون غيره من بقية المشايخ فلما أصبح نهار
الاربعاء طلعوا بأجمعهم وكذلك جماعة الوجاقلية ونصب الباشا البيرق على باب العزب
ونزل جاويش مستحفظان وجاويش العزب وامامهم القابجية والمناداة على الالضاشات
وغيرهم وكل من كان طائعا لله وللسلطان يأتي تحت البيرق فطلع عليه جميع الالضاشات
والتجار واهل خان الخليلي وعامة الناس وظهرت الناس المخفيون والمستضعفون والذين
أنحلهم الدهر والذى لم يجد ثياب زيه استعار ثيابا وسلاحا حتى امتلأت الرميلة
وقراميدان من الخلائق وأرسل محمد باشا يستحث حسن باشا في سرعة القدوم ويخبره بما
حصل وكان قصد حسن باشا التأخر حتى يسافر الحاج وتأتي العساكر البرية فاقتضى الحال
ولزم الامر في عدم التأخر
وأما ابراهيم بك فانه اشتغل في نقل عزاله ومتاعه بطول
الليل في بيوته الصغار فلم يترك الا فرش مجلسه الذى هو جالس فيه ثم انه جلس ساعة
وركب الى قصر العيني وجلس به
وأما ابراهيم بك أمير الحج فانه طلع الى باب العزب وطلب
الامان فأرسل له الباشا فرمانا بالامان واذن له في الدخول وكذلك حضر أيوب بك
الكبير وأيوب بك الصغير وكتخدا الجاويشية وسليمان بك الشابورى وعبد الرحمن بك
وعثمان وأحمد جاويش المجنون ومحمد كتخدا أزنور ومحمد كتخدا اباظة وجماعة كثيرة من
الغز والاجناد وكذلك رضوان بك بلغيا فكان كل من حضر لطلب الامان فان كان من
الامراء الكبار فانه يقف عند الباب ويطرقه ويطلب الامان ويستمر
واقفا حتى يأتيه فرمان الامان ويؤذن له في الدخول من غير
سلاح وان كان من الاصاغر فانه يستمر بالرميلة أو قراميدان أو يجلس على المساطب
فلما تكامل حضور الجميع أبرز الباشا خطا شريفا وقرأه
عليهم وفيه المأمورات المتقدم ذكرها وطلب ابراهيم بك ومراد بك فقط وتأمين كل من
يطلب الامان
واستمر امير الحج على منصبه ثم انه خلع على حسن كاشف
تابع حسن بك قصبة رضوان وقلده أغاة مستحفظان وخلع على محمد كتخدا أزثور وقلده
الزعامة وقلد محمد كتخدا اباظة أمين احتساب ونزلوا الى المدينة ونادوا بالامان
والبيع والشراء وكذلك نزل الأمراء إلى دورهم ما عدا إبراهيم بك أمير الحاج فإن
الباشا عوقه عنده ذلك اليوم
وكذلك اذنوا للناس بالتوجه الى اماكنهم بشرط الاستعداد
والاجابة وقت الطلب ولم يتأخر الا المحافظون على الابواب
واما مراد بك فانه حضر الى برانبابة واستمر هناك ذلك اليوم
ثم ذهب في الليل الى جزيرة الذهب وركب ابراهيم بك ليلا وذهب الى الآثار
وفي عصر ذلك اليوم نزل الآغا ونبه على الناس بالطلوع الى
الابواب
وفيه حضر سليمان بك الاغا وطلب الامان فأعطوه فرمان
الامان وذهب الى بيته وأصبح يوم الخميس فنزلت القابجية ونبهت على الناس بالطلوع
فطلعوا واجتمعت الخلائق زيادة على اليوم الاول وحضر أهالي بولاق ونزل الاغا فنادى
بالامن والامان
وفي ذلك اليوم قبل العصر ركب عثمان خازندار مراد بك
سابقا وذهب الى سيده وكان من جملة من أخذ فرمانا بالامان فلما نزل الى داره أخذ ما
يحتاجه وذهب فلما بلغ الباشا هروبه اغتاظ من فعله
ثم ان الباشا تخيل من ابراهيم بك امير الحاج فأمره
بالنزول الى بيته فنزل الى جامع السلطان حسن وجلس به فأرسل له الباشا بالذهاب الى
منزله
فذهب
وفي صباح ثاني يوم ركب سليمان بك وأيوب بك الكبير
والصغير وخرجوا الى مضرب النشاب وركب ابراهيم بك أمير الحاج وذهب الى بولاق واحب
ان يأخذ الجمال من المناخ فمنعه عسكر المغاربة ثم ذهب عند رفقائه بمضرب النشاب
فلما بلغ الباشا ذلك أرسل لهم فرمانا بالعودة فطردوا الرسول ومزقوا الفرمان
وأقاموا بالمصاطب حتى اجتمعت عليهم طوائفهم وركبوا ولحقوا بأخوانهم فلما حصل ذلك
اضطربت البلد وتوهموا صعودهم على الجبل بالمدافع ويضربوا على القلعة وغير ذلك من
التوهمات وركب قائد أغا بعد صلاة الجمعة وعلي أغا خازندار مراد بك سابقا وصحبتهم
جملة من المماليك والعسكر وهم بالطرابيش وبيدهم مكاحل البندق والقرابينات وفتائلها
موقودة فوصلوا الى الرميلة فضربوا عليهم مدفعين فرجعوا الى ناحية الصليبة ونزلوا
الى باب زويلة ومروا على الغورية والاشرفية وبين القصرين وطلعوا من باب النصر
وامامهم المناداة أمان واطمئنان حكم ما رسم ابراهيم بك ومراد بك وحكم الباشا بطال
فلما سمع الناس ذلك ورأوه على تلك الصورة انزعجوا واغلقوا الدكاكين المفتوحة وهاجت
الناس وحاصوا حيصة عظيمة وكثر فيهم للغط
ولما بلغ الباشا هروب المذكورين حصن القلعة والمحمودية
والسلطان حسن وأرسل الاغا فنادى على الالضاشات بالطلوع الى القلعة
وفي تلك الليلة ضرب المنسر كفر الطماعين ونهبوا منه عدة
أماكن وقتل بينهم اشخاص وانقطعت الطرق حتى الى بولاق ومصر القديمة وصارت التعرية
من عند رصيف الخشاب
وفي يوم السبت ركب ابراهيم بك وحسين بك وأتوا الى المناخ
أيضا وأرادوا أخذ الجمال فمنعهم المغاربة وقيل أخذوا منهم جملة وعربدوا في ذلك
اليوم عربدة عظيمة من كل ناحية وارسل الباشا قبل المغرب فطلب==
=
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق