الجمعة، 19 أغسطس 2022

ط اخري مجلد 3. عجائب الآثار في التراجم والأخبار (المجلد الثالث) عبد الرحمن الجبرتي

 

مجلد 3. عجائب الآثار في التراجم والأخبار

(المجلد الثالث)

عبد الرحمن الجبرتي

 

خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء

ليلة الثلاثاء المذكورة حضر محمد على الباشا

وفي يوم الأربعاء عاشره وصل من بحري ثلاث شلنبات

شهر شعبان سنة 1219

يوم الخميس نزل كتخدا الباشا وصالح آغاقوش وخرجوا إلى جهة العادلية

شهر صفر الخير سنة 1220

ليلة الثلاثاء أشيع وصول القابجي إلى بولاق ليلًا

تابع

يوم السبت رجع القرابة المشاة

شهر ذي الحجة الحرام سنة 1220

تابع

يوم السبت الذي هو غايته وصلت عساكر الدلاة

ثاني عشرة ورد الخبر بوصول موسى باشا

من مات بها من العلماء والأمراء ممن له ذكر

تابع

الأمير عثمان بك البرديسي المرادي

ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين وألف

ليلة الخميس سادس عشرة

يوم الجمعة خامس عشرة

تابع

وفي الثلاثاء ثالث عشرة

يوم الخميس ثالث عشرة

سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف

الأجل المبجل والمحترم المفضل السيد خليل البكري الصديقي

موت الأمير شاهين بك المرادي

تابع

شهر رجب بيوم الأحد سنة 1224

شهر ذي الحجة بيوم الأحد سنة 1224

شهر ربيع الأول بيوم الخميس سنة 1225

شهر جمادى الثانية بيوم الثلاثاء سنة 1225

سنة ست وعشرين ومائتين وألف

شهر شعبان سنة 1226

انتقل السيد عمر مكرم النقيب من دمياط إلى طندتا

شهر ربيع الآخر سنة 1227

في سابعه يوم الخميس سافر الباشا هجانا إلى السويس

ليلة الثلاثاء عدى الباشا إلى بر الجزيرة

تابع

الأستاذ المكرم بقية السلف الصالحين ونتيجة الخلف المعتقد الشيخ محمد

تابع

وصل الخبر بنكبة إبراهيم بك لقاسم أفندي

حادي عشره عدى الباشا إلى بر الجيزة بقصد السفر إلى بلاد الفيوم

ثاني يوم وهو يوم الأربعاء ثاني عشرينه

شهر شوال من السنة التي توفي فيها أحضر ابن أخيه سيدي أحمد

شهر صفر بيوم الأحد سنة 1229

شهر رجب سنة 1229

شهر جمادى الأول بيوم الثلاثاء سنة 1230

شهر شوال بيوم الثلاثاء سنة 1230

شهر ربيع الثاني سنة 1231

من مات في هذه السنة ممن له ذكر

سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف

شهر شعبان بيوم الاثنين سنة 1232

سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف

سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف

سنة خمس وثلاثين ومائتين وألف

شهر ذي الحجة سنة 1235

شهر رمضان بيوم الأحد 1236


الجزء الثالث

وفيه

خطف العرب جراية العسكر من عند الزاوية الحمراء

وفيه وصل سليمان بك الخازندار وعدى إلى جهة طرا فخرج عدة من العسكر خلاف المرابطين هناك قبل ذلك من العسكر والمغاربة فقصد المرور من خلف الجبل واللحوق بجماعته جهة المشرق في آخر الليل فوقف له العسكر وضربوا عليه بالمدافع الكثيرة واستمر الضرب من الفجر إلى عصر يوم الجمعة ونفذ بمن معه على حماية وقتلوا منه مملوكًا واحدًا وحضروا برأسه إلى تحت القلعة‏.‏

وفيه رجع الكثير من عسكر الأرنؤد وغيرهم ودخلوا إلى المدينة يطلبون العلوفة واستمر من بقي منهم ببهتيم وبلقس ومسطرد وقد أخرجوا أهاليها منها ونهبوها واستولوا على ما فيها من غلال وأتبان وغير ذلك وكرنكوا فيها ونقبوا الحيطان برمي بنادق الرصاص من الثقوب وهم مستترون من داخلها ونصبوا خيامهم في أسطحة الدور وجعلوا المتاريس من خارج البلدة وعليها المدافع فلا يخرجون إلى خارج ولا يبرزون إلى ميدان الحرب وكل من قرب منهم من الخيالة المقاتلين رموا عليه بالمدافع والرصاص ومنعوا عن أنفسهم واستمروا على ذلك‏.‏

وفيه وردت مكاتبات إلى التجار من الحجاز وأخبروا بأن الحجاج أدركوا الحج والوقوف بعرفة ودخلوا قبل الوقوف بيومين وأخبروا أيضًا بوفاة شريف باشا إلى رحمة الله تعالى وكان من خيار الدولة العثمانيين ووردت أخبار أيضًا من البلاد الشامية بوفاة أحمد باشا الجزار في سادس عشرين المحرم‏.‏

وفي يوم السبت سادس عشره أرسلوا تنابيه إلى أرباب الحرف والصنائع بطلب دراهم وزعت عليهم مجموعها خمسمائة كيس فضج الناس وتكدروا مع ما هم فيه من وقف الحال وغلاء الأسعار في كل شيء وأصبحوا على ذلك يوم الأحد فلم يفتحوا الحوانيت وانتظروا ما يفعل بهم محضر منهم طائفة إلى الجامع الأزهر ومر الآغا والوالي ينادون بالأمان وفتح الدكاكين فلم يفتح منهم إلا القليل‏.‏

وفيه سرح سليم كاشف المحرمجي إلى جهة بحرى وأشيع وصول الألفي الصغير إلى المنية وأصبح يوم الاثنين اجتمع الكثير من غوغاء العامة والأطفال بالجامع الأزهر ومعهم طبول وصعدوا إلى المنارات يصرخون ويطلبون وتحلقوا بمقصورة الجامع يدعون ويتضرعون ويقولون يا لطيف وأغلقوا الأسواق والدكاكين ووصل الخبر إلى الباشا بل سمعهم من القلعة فأرسل قاصدًا إلى السيد عمر النقيب يقول أننا دافعنا عن الفقراء فقال له أن هؤلاء الناس وأرباب الحرف والصنائع كلهم فقراء وما كفاهم ما هم فيه من القحط والكساد ووقف الحال حتى تطلبوا منهم مغارم لجوامك العسكر وما علاقتهم بذلك فرجع الرسول بذلك وحضر الآغا ومعه عدة من العسكر وجلس بالغورية وهو يأمر الناس بفتح الحوانيت ويتوعد من يتخلف فلم يحضر أحد ولم يسمعوا لقوله وفي وقت العصر رجع القاصد ومعه فرمان برفع الغرامة عن المذكورين ونادى المنادي بذلك فاطمأن الناس وتفرقوا وذهبوا إلى بيتهم وخرج الأطفال يرمحون ويصرخون ويفرحون‏.‏

وفي ذلك اليوم عدى محمد علي وجمع كثير من العسكر والمغاربة إلى بر الجيزة وبرزوا إلى خارج فنزل عليهم جملة من العرب فحاربوهم فقتل بينهم أنفار وانجرح منهم كذلك ثم ترفعوا عنهم فرجعوا ومعهم رأس من العرب ومع المغاربة قتيل منهم في تابوت وهم يقولون طردناهم وخطفوا بعض مواش وأغنام في طريقهم من الرعيان فقتلوهم وأخذوها منهم‏.‏

وفي تاسع عشره حضر كتخدا الباشا كاتب البهار وأمره بإحضار ستمائة فرق بن فاعتذر إليه بعدم وجود ذلك فقال إنما نأخذها بأثمانها فقال له ليس علي إلا التعريف وقد عرفتك أن هذا القدر لا يوجد وإن أردت فأرسل معي من تريد وتكشف على حواصل التجار والخانات فطافوا على الخانات وفتحوا الحواصل فلم يجدوا إلا سبعين فرقًا وأكثرها عليه نشانات كبار العسكر من مشترواتهم فرجعوا من غير شيء ثم نودي في إثر ذلك بالأمان‏.‏

وفيه وقعت معركة بسوق الصاغة بين بعض العسكر الذين يتحشرون في أيام الأسواق في الدلالين والباعة ويعطلون عليهم دلالتهم وصناعتهم ومعايشهم وضربوا على بعضهم بالرصاص ففزع الناس وحصلت كرشة وظن من لا يعلم الحقيقة من العسكر أنها قومة فهربوا يمينًا وشمالًا وطلبوا النجاة والتواري ووافق مرور آغات الإنكشارية في ذلك الوقت فانزعج هو ومن معه وطلب الهرب ثم انكشف الغبار وظهر شخص عسكري مطروح وبه رمق وآخر مجروح فرجع الآغا وأمر بحمله في تابوت ونادى بالأمان‏.‏

وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه قبل المغرب ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وكذلك في صبحها يوم السبت ولم يظهر لذلك سبب سوى ما يقولونه من التمويهات من وصول الأطواخ وعساكر ودلاة برية تارة بحرية أخرى‏.‏

وفيه أشيع وقوع معركة بين المصرلية والعثمانية وأخذوا منهم متاريس بلقس ومدافع ووصل منهم جرحى دخلوا ليلًا وحضر من المصرلية طائفة ناحية شلقان وقطعوا الطريق على السفار في البحر وأخذوا مركبين وأحرقوا مراكب وامتنع الواصلون والذاهبون وارتفعت الغلال من الرقع والعرصات وغلا سعرها فخرج إليهم مراكب يقال لها الشلنبات وضربوا عليهم بالمدافع وأجلوهم عن ذلك الموضع ووصل بعض مراكب من المعوقين‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سادس عشره أرسل الباشا إلى المشايخ فذهبوا إليه فاستشارهم في خروجه إلى الحرب وخروجهم صحبته مع الرعية فلم يصوبوا رأيه في ذلك وقالوا له إذا انهزم العسكر تأمر غيرهم بالخروج وإذا كانت الهزيمة علينا وأنت معنا من يخرج بعد ذلك وانفض المجلس على غير طائل‏.‏

وفي أواخره يوم الأربعاء ويوم الخميس وقع بينهم مساجلات ومحاربات ومغالبات واحترقت جبخانة العثمانيين وقيل أخذ باقيها رجع منهم قتلى ومجارح وانجرح عابدي بك أخو طاهر باشا واحترق أشخاص من الطبجية ودخل سلحدار الباشا والوالي وأمامهما رأس واحدة بشوارب كأنه من المماليك‏.‏

وفي عصرية ذلك اليوم وأخرجوا عساكر ومعهم مدافع وجبخانة أيضًا محملة على نيف وثلاثين جملًا‏.‏

وفيه ضيقوا على نساء الأمراء في طلب الغرامة وألزموا بقبضها وتحصيلها الست نفيسة وعديلة هانم ابنة إبراهيم بك فوزعتاها بمعرفتهما على باقي النساء وأرسلوا عساكر يلازمون بيتهن حتى يدفعن ما التزمن به فاضطر أكثرهن لبيع متاعهن فلم يجدن من يشتري لعموم المضايقة والكساد وانقضى هذا الشهر والحال على ما هو عليه من استمرار الحروب والمحاصرات بين الفريقين وانقطاع الطرق برًا وبحرًا وتسلط العربان واستغنامهم تفاشل الحكام وانفكاك الأحكام وكذلك تسلط الفلاحين المقاومين من سعد وحرام على بعضهم البعض بحسب المقدرة والقوة والضعف وجهل القائمين المتآمرين بطرائق سياسة الإقليم ولا يعرفون من الأحكام إلا أخذ الدراهم بأي وجه كان وتمادى قبائح العسكر بما لا تحيط به الأوراق والدفاتر بحيث أنه لا يخلو يوم من زعجان ورجفات وكرشات في غالب الجهات إما لأجل امرأة أو أمرد أو خطف شيء أو تنازع وطلب شر بأدنى سبب مع العامة والباعة أو مشاحنه مع السوقة والمتسببين بسبب إبدال دنانير ذهب ناقص بدراهم فضة كاملة المصارفة من صيارف أو باعة أو غير ذلك وتعطل أسباب المعايش وغلو الأسعار في كل شيء وقلة المجلوب ومنع السبل ووصل سعر الأردب القمح ستة عشر ريالًا والفول والشعير أكثر من ذلك لقلته وعزته وإذا حضر منه شيء أخذوه لاحتياج العليق قهرًا بأبخس الثمن عند وصوله المأمن وأجرة طحين الويبة من القمح ستة وأربعون نصفًا مع ما يسرقه الطحانون منها ويخلطونه فيها وأجرة خبيزها عشرون نصفًا بحيث حسب ثمن الأردب بع غربلته وأجرته ومكسه وكلفته وطحينه وخبيزه إلى أن يصير خبزًا أربعة وعشرون ريالًا فسبحان اللطيف الخبير المدبر ومن خفي لطفه كثرة الخبز وأصناف الكعك والفطير في الأسواق وسعر الرطل من اللحم الجفط بما فيه من العظم والكبد تسعة أنصاف والجاموسي سبعة أنصاف الرطل والراوية الماء ثلاثون نصفًا والسمن القنطار بألفين وأربعمائة نصف وشح الأرز وقل وجوده وغلا ثمنه ووصل سعر الأردب إلى خمسة وعشرين ريالًا والجبن القريش بثمانية عشر نصفًا للرطل وأما الخضات فعز وجودها وغلا ثمنها بحيث أن الرطل من البامية بما فيها من الخشب الذي يرمى من وقت طلوعها إلى أن بلغت حد الكثرة بثمانية أنصاف كل رطل والرطل قباني اثنتا عشرة أوقية وعز وجود البن وغلا سعره حتى بلغ في هذا الشهر الرطل سبعين ونصفًا والسكر العادة الصعيدي خمسة وأربعون نصفًا الرطل الواحد والعسل الأبيض الغير الجيد ثلاثون نصفًا والعسل الأسود خمسة عشر نصفًا والعسل القطر عشرون نصفًا الرطل والصابون أربعة وعشرون نصفًا كل ذلك بالرطل القباني الذي عمله محمد باشا فلا جزاه الله خيرًا والشيرج بألفين فضة القنطار وورد الكثير من الحطب الرومي ورخص سعره إلى مائة وعشرين نصفًا الحملة بعد ثلاثمائة نصف وأما أنواع البطيخ والعبدلاوي فلم يشتره أكثر الناس لقلته وغلو ثمنه فإنه بيعت الواحدة بعشرين نصفًا فأقل فأكثر والخيار بخمسة أنصاف الرطل من وقت طلوعه إلى أن بلغ حد الكثرة وبقي بحال لا تقبله الطبيعة البشرية فعند ذلك بيع بنصفين وأما الفاكهة فلا يشتريها إلا أفراد الأغنياء أو مريض يشتهيها أو امرأة وحمى لغلوها فإن رطل الخوخ بخمسة عشر نصفًا والتفاح الأخضر كذلك وقس على وذلك لقلة المجلوب وخراب البساتين وغلو علف البهائم وحوز المتسببين وأخذ الرشوات منهم وتركهم وما يدينون وأما الإتيان فإنها كثرت انحل سعرها عما كانت‏.‏

شهر ربيع الأول سنة 1219 استهل بيوم السبت فيه وقع هرج ومرج وإشاعات ثم تبين أن طائفة من العربان والمماليك وصلوا إلى خارج باب النصر وظاهر الحسينية وناحية الزاوية الحمراء وجزيرة بدران جهة الحلى ورمحوا على من صادفوه بتلك النواحي وحالوا بين العسكر الخارجين وبين عرضيهم وأخذوا ما معهم من الجراية والعليق والجبخانة فنزل الباشا ومعه عساكر وذهب إلى جهة بولاق ثم إلى ناحية الزاوية الحمراء وأغلقوا أبواب المدينة ثم رجع الباشا بعد العصر ودخل من باب العدوي وطلع إلى القلعة وهو لابس برنسًا ثم تكرر بينهم وقائع وخروج عساكر ودخول خلافهم ونزول الباشا وطلوعه‏.‏

وفي رابعه حضر الشيخ عبد الله الشرقاوي من غيبته بالقرين بعد ذهابه إلى المحلة من طندتا‏.‏

وفي يوم الخميس سادسه حضر هجانة بمكاتبة من عند الألفي الكبير للباشا وفيها الأخبار بعزمه على الحضور إلى مصر هو وعثمان بك حسن ويلتمس أن يخلوا له الجيزة وقصر العيني لينظر في هذا الأمر والفساد الواقع بمصر فكتب له الباشا جوابًا ملخصه على ما نقل إلينا أنك في السابق عرفتنا أنك مذعن للطاعة وأرسلنا لك بالإذن والإقامة بجرجا وما عرفنا موجب هذا الحضور فإن كنت طائعًا وممتثلًا ما كنت ولك الولاية والحكم بالإقليم القبلي وأرسل المال والغلال ونحو ذلك من الكلام وسافروا بالجواب يوم السبت ثامنه‏.‏

وفيه ترفع الأمراء المصرلية إلى ناحية مشتهروينها وانتقلوا من منزلتهم وأشاع العسكر ذهابهم وهروبهم‏.‏

وفيه وردت مكاتبات من الحجاز وأخبروا فيها بموت محمود جاويش الذي سافر بالمحمل وكذلك الحاج يوسف صير في الصرة وأن طائفة من الوهابيين حاصروا جدة ولم يملكوها وأن ببلاد الحجاز غلاء شديدًا لمنع الوارد عنهم والأردب القمح بثلاثين ريالًا فرانس عنها من الفضة العددية خمسة آلاف وأربعمائة‏.‏

وفي يوم السبت ثامنه أرسلوا فعلة وعمالًا لعمل متاريس وأبنية بناحية طرا وكذلك بالجيزة وأرسلوا هناك مراكب حربية يسمونها الشلنبات‏.‏

وفي يوم الثلاثاء خرج محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا إلى جهة القليوبية وصحبتهم عساكر كثيرة وأدوات وعدى طائفة من الأمراء إلى بر المنوفية وهرب حاكم المنوفية من منوف‏.‏

وفي ثالث عشره ورد الخبر بوصول مراكب داوات من القلزم إلى السويس وفيها حجاج والمحمل وأخبروا بمحاصرة الوهابيين لمكة والمدينة وجدة وأن أكثر أهل المدينة ماتوا جوعًا لعزة الأقوات والأردب القمح بخمسين فرانسًا إن وجد والأردب الأرز بمائة فرانسًا وقس على ذلك‏.‏

وفي خامس عشره يوم السبت وصلت مراكب وفيها طائفة من العسكر وهم الذين يسمونهم النظام الجديد الذين يقلدون محاربة الإفرنج وأشاعوا أنهم خمسة آلاف وعشرة آلاف ووصل صحبتهم الآغا الذي كان حضر بالمجدة والبشارة للباشا بالتقليد والأطواخ ورجع إلى إسكندرية فحضر أيضًا وضربوا لوصوله مدافع وشنكا جهة بولاق وأرسلوا له خيولًا ويرقًا وطبلخانات وأركبوه من بولاق وشق من وسط المدينة وأمامه وخلفه أتباع الباشا والوالي والجنبيات وعسكر النظام الجديد وهم دون المائة شخص والآغا المذكور ومعه أوراق في أكياس حرير ملون وخلفه آخر راكب ومعه بقجة يقال أن بداخلها خلعة برسم الباشا وآخر معه صندوق صغير وعليه دواة كتابة منقوشة بالفضة وخلفهم الطبلخانات فلما وصولا إلى القلعة ضربوا لوصولهم مدافع كثيرة من القلعة وعمل الباشا ديوانًا في ذلك الوقت بعد العصر وقرؤوا التقليد المذكور‏.‏

وفي ذلك اليوم وصلت طائفة من العربان إلى جهة بولاق وجزيرة بدران وناحية المذبح وخطفوا ما خطفوه وذهبوا بما أخذوه‏.‏

وفيه ورد الخبر بوصول الألفي الكبير إلى ناحية بني سويف وعثمان بك حسن في مقابلته بالبر وفي يوم الاثنين وصل قاصد من الألفي بمكتوب خطابًا للمشايخ العلماء مضمونه أنه لا يخفاكم أننا كنا سافرنا سابقًا لقصد راحتنا وراحة البلاد ورجعنا بأوامر وحصل لنا ما حصل ثم توجهنا إلى جهة قبلي واستقرينا بأسيوط بعد حصول الحادث بين إخواننا الأمراء والعسكر وخروجهم من مصر وأرسلنا إلى أفندينا الباشا بذلك فأنعم علينا بولاية جرجا ونكون تحت الطاعة فامتثلنا ذلك وعزمنا على التوجه حسب الأمر فبلغنا مصادرة الحريم والتعرض لهم بما لا يليق من الغرائم وتسليط العساكر عليهم ولزومهم لهم فثنينا العزم واستخرنا الله تعالى في الحضور إلى مصر لننظر في هذه الأحوال فإن التعرض للحريم والعرض لا تهضمه النفوس وكلام كثير من هذا المعنى فلما وصلتهم المكاتبة أخذوها إلى الباشا وأطلعوه عليها فقال في الجواب أنه تقدم تركوا نساءهم للفرنسيس وأخذوا منهم أموالًا وأني كنت أعطيت جرجا ولعثمان بك قنًا وما فوق ذلك من البلاد وكان في عزمي أن أكاتب الدولة وأطلب لهم أوامر ومراسيم بما فعلته لهم وبراحتهم فحيث أنهم لم يرضوا بفعلي وغرتهم أمانيهم فليأخذوا على نواصيهم‏.‏

وفيه شرعوا في حفر خندق قبلي الإمام الليث بن سعد ومتاريس‏.‏

وفي ذلك اليوم أرسل محمد علي إلى مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي فلما حضرا إليه عوقهما إلى الليل ثم أرسلهما إلى القلعة بعد العشاء ماشيين ومعهما عدة من العسكر وفي يوم الخميس عشرينه عمل الباشا ديوانًا وحضر المشايخ والوجاقلية وأظهر زينته وتفاخره في ذلك الديوان وأوقف خيوله المسومة بالحوش وخيول شجر الدر واصطفت العساكر بالأبواب والحوش والديوان ووقفت أصناف الديوان باختلاف أشكالهم والسعاة بالطاسات المذهبة على رؤوسهم وخرج الباشا بالشعار والهيبة وعلى رأسه الطلخان بالطراز إلى الديوان الكبير المعروف بديوان الغورى وقد أعدوا له كرسيًا بغاشية جوخ أحمر وبساط مفروشًا خلاف الموضع القديم فجلس عليه وزعقت الجاويشية وأحضر التقليد فقرأه ديوان أفندي بحضور الجمع الكبير ثم قرأ فرمانين آخرين مضمون أحدهما أكثر كلامًا من الثاني ملخصه الولاية وحكاية الحال الماضية من ولاية علي باشا وشفاعته في الأمراء المصرية بشرط توبتهم ورجوعهم ثم عودهم إلى البغي والفجور وغدر علي باشا المذكور وظلمهم الرعية بمعونة العسكر ثم قيام الرعية والعسكر عليهم حتى قتلوهم وأخرجوهم من مصر فعند ذلك صفحنا عن العسكر وعفونا عما تقدم منهم وأمرناهم بأن يلازموا الطاعة ويكونوا مع أحمد باشا خورشيد بالحفظ والصيانة والرعاية لكافة الرعية والعلماء وإبعاد أهل الفساد والمعتدين وطردهم وتشهيل لوازم الحج والحرمين من الصرة والغلال ونحو ذلك من الكلام المحفوظ المعتاد المنمق ولما انقضى أمر قراءة الأوراق قام الباشا إلى مجلسه الداخل وخل إليه المشايخ فخلع عليهم فراوى سمور وكذلك الوجاقية والكتبة والسيد أحمد المحروقي ثم عملوا شنكًا ومدافع كثيرة وطبولًا وأحضر في ذلك الوقت المعلم جرجس وكبار الكتبة وعدتهم اثنان وعشرون قبطيًا ولم تجر عادة بإحضارهم فخلع عليه أيضًا ثم نزلوا إلى بيت المحروقي فتغدوا عنده ثم عوقهم إلى العصر ثم طلبهم الباشا إلى القلعة فحبسهم تلك الليلة واستمروا في الترسيم وطلب منهم ألف كيس‏.‏

وفي يوم السبت ثاني عشرينه أفرجوا عن مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي على ثلاثمائة كيس‏.‏

وفيه حضر محمد علي وحسن بك أخو طاهر باشا وطلعا إلى القلعة فخلع عليهما الباشا وهنأه بالولاية واستقر بمحمد علي والي جرجا وحسن بك والي الغربية وضربوا لذلك مدافع كثيرة وشنكًا وعملوا تلك الليلة حراقة وسواريخ من الأزبكية وجهة الموسكي والحال أنهم لا يقدرون أن يتعدوا بر الجيزة ولا شلقان فإن طوائف عسكر الألفي وصلوا إلى بر الجيزة وأخذوا منها الكلف والأمراء البحرية منتشرون ببر الغربية والمنوفية‏.‏

وفيه هرب شخص من كبار الأرنؤد يقال له إدريس آغا كان بجماعته جهة برشوم التين فركب إلى المصرلية ولحق بهم وتبعه جماعته وهم نحو المائة وخمسين شخصًا‏.‏

وفيه أرسل الباشا آغاة الإنكشارية ليقبض على علي كاشف من أتباع الألفي من بيته بسوق الأنماطيين فأرسل إلى الأرنؤد فأرسلوا له جماعة منعوا الآغا من أخذه وجلسوا عنده فأرسل الباشا من طرفه جماعة أقاموا محافظين عليه في بيته ثم أن سليمان آغا كبير الأرنؤد الذي التجأ إليهم المذكور حضر إليه وأخذه إلى داره بالأزبكية وصحبته الأمير مصطفى البردقجي الألفي أيضًا‏.‏

وفي يوم الاثنين وصل شخص رومي بمراسلة من عند الألفي إلى الباشا فعندما قرأ الباشا المراسلة أمر بقتله حالًا فرموا عنقه برحبة القلعة وحضر أيضًا مملوك بمراسلة من عند عثمان بك حسن يذكر فيها حضوره مع الألفي وأنه غتر بكلامه وتمويهاته عليه وأن بيده أوامر شريفة من الدولة ومن حضرة الباشا بالحضور وأمثال ذلك فكتب له جوابًا وخلع على ذلك المملوك ورجع سالمًا‏.‏

وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه أفرجوا عن النصارى الأقباط بعد ما قرروا عليهم ألف كيس خلاف البراني وقدره مائتان وخمسون كيسًا ونزلوا إلى بيوتهم بعد العشاء الأخيرة في الفوانيس‏.‏

وفيه وصل الألفي الصغير وانتشرت خيوله إلى بر أنبابة فرموا عليهم مدافع من المراكب وبولاق ورفعوا الغلة من الرقع وأشيع أن الألفي الكبير وصل إلى الشوبك وعثمان بك حسن وصل إلى حلوان ورجع إبراهيم بك والبرديسي وباقي الأمراء إلى ناحية بنها بعدما طافوا المنوفية والغربية وقبضوا الكلف والفرد وخرج كثير من العسكر إلى معسكرهم ناحية شلقان وما وازاها إلى الشرق وخرج أيضًا عدة من العسكر إلى ناحية طر والجيزة‏.‏

وفيه أرسل الألفي الصغير ورقة لشخص من كبار العسكر مقطوع الأنف كان من أتباعه حين كان بمصر يطلبه للحضور إليه ويعده بالإكرام ولن يكون كما كان في منزلته عنده فأخذ الورقة والرسول إلى الباشا فأمر بقتل المرسال وهو رجل فلاح فقطعوا رأسه بالرميلة وأنعم على مقطوع الأنف بعشرين ألف نصف فضة وشكره وقبل ذلك بأيام وصلت هجانة من العريش وأخبروا بورود عساكر من الدلاة وغيرهم معونة لمن بمصر واختلفت الروايات في عدتهم فالمكثر من كذابي العثمانية يقولون عشرة آلاف والمقل من غيرهم يقولون ألفان أو ثلاثة‏.‏

وفي يوم الأربعاء تواترت الأخبار بقربهم من الصالحية وانتقل الأمراء البحرية إلى بلبيس وركب منهم عدة وافرة لملاقاة العسكر الواردين وخرج كثير من العسكر الخيالة والرجالة إلى جهة الشرقية ببلبيس ونقلوا عرضيهم من ناحية البحر وردوا الكثير من أثقالهم إلى المدينة‏.‏

وفي يوم الخميس أحضر الباشا طائفة من اليهود وحبسهم وطلب منهم ألف كيس واستمروا في الحبس‏.‏

وفيه رجع الألفي الصغير من ناحية أنبابة إلى جهة الشيمي باستدعاء سيده وأشاع العثمانية أنهم ذهبوا ورجعوا من حيث أتوا لعجزهم وعدم قدرتهم عليهم وكان في ظنهم أمور لا تتم لهم كما ظنوا ولحقتهم جميع العساكر من الجهة الشامية‏.‏

وفيه أرسلوا ملاقاة للعساكر الواردين وفيها قومانية وجبخانة ولوازم على ستين جملًا ومعهم هجانة فعندما توسطوا البرية أحاط بهم العربان وأخذوهم‏.‏

وفيه تسحب أشخاص من كبار العسكر بأتباعهم وذهبوا إلى المصريين وانضموا إليهم فمنهم من ذهب إلى قبلي ومنهم من ذهب إلى بحري‏.‏

وفيه عدي الألفي الكبير والصغير إلى البر الشرقي عند عثمان بك وترفعت مراكبهم إلى قبلي‏.‏

وفيه حضر عابدي بك وحسن بك من البحر إلى بولاق وانتقل محمد علي إلى طنط جهة براشيم التين بعد مقتلة وقعت بينهم وبين المصرلية وانهزموا وذهبوا إلى تلك الجهة‏.‏

وفي يوم الأحد غايته أفرجوا عن طائفة اليهود بعد أن قرروا عليهم مائتي كيس خلاف البراني‏.‏

وفيه حضر خازندار الباشا من الديار الرومية إلى ساحل بولاق وصحبته أمتعة ولوازم للباشا وأشياء في صناديق‏.‏

استهل شهر ربيع الثاني بيوم الاثنين سنة 1219 فيه ركب الخازندار المذكور وطلع إلى القلعة من وسط المدينة ونزل لملاقاته أغوات الباشا والجاويشية والشفاسية وحضر صحبته نحو خمسين عسكريًا مشوا أمامه وخلفه والصناديق التي حضرت معه خلفه محملة على الجمال والجاويشية أمامه يضربون على طبلات حكم العادة في ركوباتهم ومعه عدة كبيرة من أتباع الباشا وأمامه الجنبيات والخيول‏.‏

وفيه وصلت مراكب من الديار الحجازية إلى السويس وفيها حجاج ومغاربة ولم يصل منهم إلا القليل وأكثرهم قتله العسكر الذي بقي بمكة بعد موت شريف باشا ومن انضم إليهم من أجناسهم وقد حصل منهم غاية الضرر والفساد والقتل حتى في داخل الحرم لأن الشريف غالبًا ضمهم إليه ورتب لهم جامكية واستمروا معه على هذا الحال الفظيع‏.‏

وفيه أنبهم أمر العسكر الدلاة القادمين من الجهة الشامية واضطربت الروايات عن أخبارهم فمنهم من قال أن المصرلية وقفوا لهم بالطرق وقاتلوهم ورجع من نجا منهم بنفسه ومنهم من قال أنهم لما بلغهم قطع الطريق عليهم رجعوا من حيث أتوا وبعضهم طلب الأمان وانضم إليهم ومنهم من قال أن فرقة منهم ذهبت من فم الرمانة من طريق دمياط وقيل أنهم حضروا بثمانين رأسًا منهم إلى بلبيس‏.‏

وفي يوم الأربعاء خرج الوالي بعدة من العسكر وصحبته مدافع وجبخانة واستقر بزاوية وفي يوم الخميس رابعه هجم الأمراء القبالي وهم الألفي وأتباعه وعثمان بك حسن ومن انضم إليهم من طرا وملكوا منها البرج الذي من ناحية الجبل بعد ما ضربوا عليه من أعلى الجبل وتعدوا إلى ناحية البساتين وتركوا ومن فيها خلف ظهورهم وتحاربوا من طوابير العسكر وكانوا أنفارًا قليلة ونظرهم الباشا من قلعته فزعق على السلحدار فركب في عدة من الشفاسية وخرج إليهم فعندما واجهوهم لم يثبتوا وولوا بعدما سقط منهم أنفار‏.‏

وفيه وصل جواب من الأمراء القبالي إلى المشايخ يذكرون فيه أنهم يخاطبون الباشا في إخماد الحرب وصلحه معهم فإن ذلك أصلح له ويكونون معه على ما يحب وما يأمر به ويرتاح من علوفة العسكر التي أوجبت له المصادرات وسلب الأموال وخراب الإقليم وأن يختار من العسكر طائفة معلومة معدودة يقيمون بمصر ويأمر الباقي بالسفر إلى بلادهم فلما خاطبوه بذلك وأطلعوه على المكاتبة أبي وقال ليس لهم عندي إلا الحرب‏.‏

وفي يوم الجمعة حصلت أيضًا بينهم محاربة وأصيب من المراكب الحربية التي يسمونها الشلنبات اثنتان غرقت إحداهما وأحرقت الثانية واتهم الباشا الطبجية فقتل منهم خمسة اثنان بالقلعة وثلاثة بالرميلة‏.‏

وفي يوم السبت حضر محمد علي من بحري وذهب إلى جهة القرافة فأقام بمقام عقبة بن عامر وفي يوم الأحد أشيع حضور الأمراء القبالي إلى ناحية بهتيم وأنهم أرسلوا إلى المطرية بالجلاء عنها ورمحت العرب نواحي بولاق والجهات البرانية وضربوا عليهم مدافع وفي ذلك اليوم نظر الباشا وكبار العسكر إلى جهة البساتين فلم يروا أحدًا من المصرلية فركب محمد علي وأخذ معه عدة وافرة ودخلوا تلك الجهة فلم يروا أمامهم أحدًا فلم يزالوا سائرين وإذا بكمين خرج عليهم من جانب الجبل فأوقع معهم وقعة قوية حتى أصخنوهم وقتل منهم من قتل حتى لحقوا بالمشاة الرجالة فضربوا عليهم طلقًا وولوا مدبرين فصار محمد علي يستحثهم ويردهم ويحرضهم فلم يسمعوا له ورجعوا وفيهم جرحى كثيرة طلعوا بطائفة منهم إلى القلعة ودخل الباقون إلى المدينة وطلبوا طائفة المزينين لمداواة الجرحى بالقلعة وأخذوا في ذلك اليوم برج الدير الذي كان بأيدي العسكر جهة البحر بطرا وقتلوا من به من العسكر وأعطوا لمن بقي الأمان وهم نحو الثلاثين شخصًا‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامنه وصل المصرلية الذين كانوا جهة المشرق ووصلت مقدماتهم إلى جهة العادلية وناحية الشيخ قمر بل وعند الكيمان خارج باب النصر فأغلقوا باب النصر وباب الفتوح والعدوى وهربت سكان الحسينية وحصلت كرشة بالجمالية ولم يخرج إليهم أحد من العسكر بل أخذوا يضربون المدافع من أعلى السور ودخل محمد بك المنفوخ إلى الحسينية وجلس بمسجد البيومي وانتشر المماليك والأتباع على الدكاكين والقهاوى واستمر ضرب المدافع إلى بعد الظهر ثم أن المصرلية ترفعوا عن الحسينية إلى اليشبكية فبطل الرمي ودخل الوالي وأمامه ثلاثة رؤوس تبين أنها رؤوس مغاربة من مقاطيع الحجاج المرضى كانوا مطروحين خارج القاهرة‏.‏

وفيه طلب جماعة المماليك السيد بدرا المقدسي فخرج إليهم من داره خارج باب الفتوح فأخذوه عند البرديسي وإبراهيم بك فأسر إليه إبراهيم بك بأن يكون سفيرًا بينهم وبين الباشا في الصلح معهم وأنه لا يستقيم حاله مع العسكر ولا يرتاح معهم وليعتبر بما فعلوه مع محمد باشا وأما نحن فنكون معه على ما ينبغي من الطاعة والخدمة وحضر في أواخر النهار فلما أصبح يوم الثلاثاء ركب وطلع إلى الباشا وبلغه ذلك فقال له الباشا على سبيل الاختبار والمسايرة قولك صحيح ومن يرجع إليهم بالجواب فقال أنا فحقدها عليه ثم قام من عنده فأرسل خلفه وعوقه عند الخازندار فذهب إليه في ثاني يوم شيخ السادات والسيد عمر النقيب وترجوا في إطلاقه فامتنع وقال أخاف عليه أن يقتله العسكر ولا بأس عليه ولا يصلح إطلاقه في هذا الوقت وبعد خمسة أيام يكون خيرًا فإنه مقيم عند الخازندار في إكرام وفي مكان أحسن من داره وهذا رجل اختيار يفعل هذه الفعال يخرج إلى المخالفين متنكرًا ويرجع من عندهم بكلام ثم يطلب العود إليهم ثانيًا‏.‏ وفي

ليلة الثلاثاء المذكورة حضر محمد على الباشا

بعد الغروب وقبض منه خمسين كيسًا وقيل ثمانين ورجع إلى معسكره فجمع العسكر وتكلم معهم وفرق عليهم الدراهم واتفق معهم على الركوب والهجوم علي من بطرا في تلك الليلة على حين غفلة وكان كاتبهم قبل ذلك يلاطفهم ويظهر العجز ويطلب معهم الصلح وأمثال ذلك وفي ظن أولئك صدقه وعدم قدرتهم على مقاومتهم وملاقاتهم فلما مضى نحو خمس ساعات من الليل ركب محمد علي في نحو أربعة آلاف فراسانًا ورجالًا فلما قربوا من الحرس في آخر السادسة ترجلوا وقسموا أنفسهم ثلاثة طوابير ذهب قسم منهم جهة الدير والثاني جهة المتاريس والثالث جهة الخيل والجماعة وهم صالح بك الألفي ومن معه في غفلتهم ونومهم مطمئنين وكذلك حرسهم فلم يشعروا إلا وقد صدموهم فاستيقظ القوم وبادروا إلى الهرب والنجاة فملكوا منهم الدير وأبراج طرا وكان بها عسكر العثمانيين إلى هذا الوقت محصورين وقد أشرفوا على طلب الأمان وأخذوا مدفعين كانا بالمتراس وبعض أمتعة وثمان هجن وثلاثة عشر فرسًا وقتل بينهم بعض أشخاص وانجرح كذلك ورجع محمد علي والعسكر على الفور من آخر الليل ومعه خمسة رؤوس فيها رأس واحدة لم يعلم رأس من هي والباقي رؤوس عربان أو سياس أو غير ذلك وزعموا أن تلك الرأس هي رأس صالح بك وأرسلوا المبشرين آخر الليل إلى الأعيان ليأخذوا البقاشيش وأشاعوا أنهم قبضوا على الألفي الصغير وأحضروه معهم حيًا والباقي رموا بأنفسهم إلى البحر ولما طلع محمد علي إلى الباشا خلع عليه الفروة التي حضرت هل من الدولة وعلقوا تلك الرؤوس على السبيل بالرميلة وضربوا شنكا من القلعة ومدافع وأظهروا السرور وداروا بالأسواق يضربون بالطنابير وشمخ المغرضون بآنافهم على المغرضين للمصرلية ثم تبين عدم صحة تلك الإشاعة وأن تلك الرأس رأس بعض الأجناد ولم يمسك الألفي كما قالوا‏.‏

وفي يوم الأربعاء عاشره وصل من بحري ثلاث شلنبات

كان الباشا أرسل بطلبها عوضًا عما تلف فعندما وصلوا إلى جهة باسوس وهناك مركز للمصرلية على جرف عال أقعدوا به ليمنعوا من يمر بالمراكب فضربوا عليهم وضرب من في المراكب الحربية أيضًا على من في البر فكان ضرب من في البر يصيب من في البحر وضربهم لا يصيبهم لعلو الجرف عليهم فاحترقت جبخانة إحدى الشلنبات واحترق ما فيها بها وغرقت الثانية ويقال أن الثالثة لم تكن من المراكب الحربية بل هي مكب معاش وكان حضر في خفارتهم عدة من المراكب المسافرين فخافوا ورجعوا وقبضوا على بعض قواويس بها غلال فأخذوا ما فيها فلما شاع ذلك بالمدينة رفعوا ما كان موجودًا من الغلة بالعرصات وشحت الغلال وعدم الفول والشعير وبيع ربع الويبة من الفول بتسعين نصفًا وقل وجود الخبز من الأسواق وخطف بعض العسكر ما وجدوه من الخبز ببعض الأفران وأخذوا الدقيق من الطواحين وصار بعض العسكر يدخل بعض البيوت ويطلبون منهم الأكل والعليق لدوابهم‏.‏

وفي يوم الخميس والجمعة اشتد الحال وبيع ربع الويبة من القمح بسبعين نصفًا وثمانين نصفًا وعدم الفول واشترى بعض من وجده ربعًا بمائة نصف فضة فيكون الأردب على ذلك الحساب بألفين وأربعمائة نصف وخرج عساكر كثيرة ووقعت حروب بين الفريقين ورع القبليون إلى طرا وحاربوا عليها وكانوا شرعوا في عمارة ما تهدم من أبراجها ونقلوا إليها الذخيرة والقومانية والجبخانة والعسكر وأخذوا جمال السقائين لنقل الماء إلى الصهريج الذي ببرج طرا ودار الآغا والوالي على المخازن ببولاق ومصر وأخذوا منها ما وجدوه من الغلة وأمروا ببيعه على الناس بخمسين نصفًا الربع وأخذوا لأنفسهم ما وجدوه من الشعير والفول‏.‏

وفي يوم السبت قلدوا حسن آغانجاتي الحسبة فخافته السوقة واجتهدوا في تكثير العيش والكعك والمأكولات بقدر إمكانهم واجتهد هو أيضًا في الفحص على الغلال المخزونة وبيعها للخبازين وأما اللحم الضاني فإنه انعدم بالكلية لعدم ورود الأغنام‏.‏

وفيه شح ورود الغلة في العرصات وذهب أناس إلى برانبابة فاشتروا الربع بثمانين نصفًا وأزيد من ذلك والقول بمائة وعشرين وعلق أكثر الناس على بهائمهم ما وجدوه من أصناف الحبوب مثل الحمص والعدس وهم المياسير من الناس وأما غيرهم فاقتصروا على التبن وأما العنب والتين في وقت وفرتهما فلم يظهر منهما إلا القليل وبيع الرطل من العنب بأربعة عشر نصفًا والتين بسبعة أنصاف وذلك بعد سلوك الطريق ومشي السفن‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشره اجتمعت العساكر الكثيرة للحرب عند شبرا ورموا على بعضهم بالمدافع والقرابين والبنادق من ضحوة النهار ثم التحم الحرب بين الفريقين واشتد الجلاد بينهما إلى بعد منتصف النهار وصبر الفريقان وقتل بينهما عدة كبيرة من العسكر الأرنؤد وطائفة المماليك والعربان فقتل من أكابر العسكر أربعة أو خمسة ودخلوا بهم المدينة وانكف الفئتان وانحاز إلى معسكرهما وبعد هجمة من الليل اجتمع العسكر من الإنكشارية والأرنؤدية وغيرهم وكبسوا على متاريس شبرا وبها حسين بك المعروف بالإفرنجي وعلي بك أيوب ومعهما عسكر من الأرنؤد الذين انضموا إليهما ومنهم الرماة والطبجية فأجلوهم عن المتاريس وملكوها منهم ووقع بينهم قتلى كثيرة وقتل من عسكر حسين بك المذكور نحو مائة وستين نفرًا وعدة من مماليك علي بك أيوب خلاف الجرحى وزحفوا على باقي المتاريس فملكوا منهم متاريس شلقان وباسوس وانهزم المصرلية إلى جهة الشرق بالخانكة وأبي زعبل وقيل أن العسكر المنضمين إليهم المتقيدين بالمتاريس هم الذين خامروا عليهم وانهزموا عن المتاريس حتى كانوا هم السبب في هزيمتهم فلما أصبح النهار حضروا بسبعة رؤوس فيها ثلاثة من الأجناد الملتحين وثلاثة بشوارب ورأس أسود فعلقوها بباب زويلة ومن الثلاثة أجناد رأس له لحية طويلة شائبة شبيهة بلحية إبراهيم بك الكبير فقال بعض الناس هذه رأس إبراهيم بك بلا شك وأشيع ذلك بينهم فاجتمع الناس من كل ناحية للنظر إليه ووصل الخبر إلى الباشا فأحضر عبد الرحمن بك والمزين الذي كان يحلق له لمعرفتهما به وآخرين وطلب الرأس فأحضروها وتأملوها فمنهم من اشتبهت عليه ومنهم من أنكرها لعلامات يعرفها به وهي الصلع وسقوط الأسنان ثم أعيدت إلى مكانها على ذلك الاشتباه ثم أنهم عملوا شنكا ومدافع لذلك ثم طلبها محمد علي أيضًا وفعل مثل ذلك وردها أيضًا ثم رفعوها في الليل واستمر الفرح والشنك يومين والناس بين ناف ومثبت ومسلم ومنكر ومعاند مكابر حتى وردت خدم من معسكرهم وأخبروا بحياة إبراهيم بك وأنه بوطاقه جهة الشرق فزال الشك وأرسل المصريون إلى بيوتهم أوراقًا‏.‏

وفي ليلة الاثنين المذكور وقع خسوف قمري وطلع من المشرق منخسفًا آخذًا في الانجلاء ومقدار المنخسف منه عشرة أصابع وتم انجلاؤه في ثاني ساعة من الليل وكان بأول برج الدلو‏.‏

وفي ليلة الخميس وصل أمير أخور الصغير من الديار الرومية وطلع إلى بولاق في صبحها وركب إلى القلعة فأنزله الباشا ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك بدرب الجماميز ولم يعلم ما بيده من الأوامر ثم تبين أن من الأوامر التي معه إخراج خمسمائة من العسكر إلى بندر ينبع البحر يقيمون بها محافظين لها من الوهابيين ويدفع لهم جامكية سنة كاملة وذخيرتها وما يحتاجون إليه من مؤونة وغلال وجبخانة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء قرؤوا تلك الأوامر وفيها أنه تعين محمد باشا أبو مرق بعساكر الشام إلى الحجاز فأحضر الباشا كبار العسكر وعرض عليهم ذلك الأمر وقال لهم أنه ورد لي إذن عام في تقليد من أقلده فمن أحب منكم قلدته أمرية طوخ أو طوخين فامتنعوا من ذلك وقالوا نحن لا نخرج من مصر ولا نتقلد منصبًا خارجًا عنها ووصلت الأخبار في هذه الأيام أن الوهابيين ملكوا الينبع‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الألفي عدى إلى البر الشرقي وكان قبل ذلك عدى إلى البر الغربي وانتشرت عساكره إلى الجسر الأسود ثم رجعوا وعدوا إلى البر الشرقي‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشره ركب الأمراء المصرلية وانتقلوا من الخانكة ومروا من خلف الجبل بحملاتهم وأثقالهم وذهبوا إلى جهة قبلي وخاب سعيهم ولم ينالوا غرضهم وكان في ظنهم أنهم إذا حصلوا بالقرب من المدينة خرج إليهم الكثير من العسكر وانضم إليهم لمقدمات سبقت منهم مراسلات وكلام وقع بينهم وبين أتباعهم ومماليكهم المجتمعين عند أكابرهم وذبهم عنهم وعن بيوتهم وحريمهم بل وإخراج بعض الأتباع والمماليك بمطلوبات إلى أسيادهم خفية وليلًا حتى استقر في أذهان كثير من العقلاء ممالآت كثير من البنباشايات ورؤساء العسكر مع المصرلية وعندما تحقق العسكر ذهابهم دخلوا إلى المدينة بأثقالهم وحمولهم وانتشروا بها حتى ملؤا الأزقة والطرق والبيوت وقدمت السفن المعوقة وتواجدت الغلال بالرقع وتخلف عنهم أناس كانوا منضمين إليهم طلبوا أمانًا بعد ذلك وحضروا بعد ذلك إلى مصر وقدمت عساكر ودلاة في المراكب ودخلوا البيوت بمصر وبولاق وأخرجوا منها أهلها وسكنوها وإذا سكنوا دارًا أخربوها وكسروا أخشابها وأحرقوها لوقودهم فإذا صارت خرابًا تركوها وطلبوا غيرها ففعلوا بها كذلك وهذا دأبهم من حين قدومهم إلى مصر حتى عم الخراب سائر النواحي وخصوصًا بيوت الأمراء والأعيان وبواقي دور بركة الفيل وما حولها من بيوت الأكابر والقصور التي كانت يضرب بأدناها المثل وفي ذلك يقول صاحبنا العلامة الشيخ حسن العطار وأما بركة الفيل فقد رميت بكل خطب جليل وأورثت العين بوحشتها بكاء وعويلًا والقلب بذكر ما سلف من مباهجها حزنًا طويلًا‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه طلع المشايخ عند الباشا وشفعوا في السيد بدر المقدسي فأطلقه ونزل إلى داره‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشرينه قلدوا علي آغا الوالي على العسكر المعين إلى الينبع أميرًا وضربوا له مدافع وفرح الناس بعزله من الولاية فإن كان أخبث من تقلد الولاية من العثمنية وكان الباشا يراعي خاطره ولا يقبل فيه شكوى وتعين للسفر معه عدة من العسكر من أخلاط مصر البطالين أروام وخلافهم‏.‏

وفيه قلدوا مناصب كشوفية الأقاليم لأشخاص من العثمانية‏.‏

وفي ثامن عشرينه تشاجر شخص من العسكر مع شخص حكيم فرنساوي عند حارة الإفرنج بالموسكي فأراد العسكري قتل الفرنساوي فعاجله الفرنساوي فضربه فقتله وفر هاربًا فاجتمع العسكر وأرادوا نهب الحارة فوصل الخبر إلى محمد علي فركب في الوقت ومنع العسكر من النهب وأغلق باب الحارة وقبض على وكيل قنصل الفرنساوية وأخذه معه وحبسه عنده حتى سكن العسكر‏.‏

وفي تلك الليلة مر جماعة من العسكر بخط الدرب الأحمر فأرادوا أخذ قنديل من قناديل السوق فقام عليهم الخفير يريد منعهم فذبحوه وأخذوا القنديل فأصبح الناس فرأوا الخفير مذبوحًا وسمعوا القصة من سكان الدور بالخطة ووجدوا أيضًا عسكريًا مقتولًا جهة الموسكي وغير ذلك حوادث كثيرة في كل يوم من أخذ النساء والمردان والأمتعة والمبيعات من غير ثمن وانقضى الشهر‏.‏

وفيه استقر الأمراء المصرلية جهة صول والبرنبل وما قابلهما من البر الغربي واستمر عثمان بك حسن والبرديسي وأتباعهما بالبر الشرقي وشرعوا في بناء متاريس وقلاع بساحل البحر من الجهتين وأرسل الباشا إلى جهة دمياط ورشيد يطلب عدة مراكب وشلنبات لاستعداد الحروب واجتهد في ملء صهاريج القلعة وطلبوا السقائين وألزموهم بذلك فشح الماء بالمدينة وغلا سعره لذلك ولغلو العليق حتى بلغ ثمن الراوية أربعين نصفًا بعد المشقة في تحصيله لأنه لم يبق إلا الروايا الملاكي لأكابر الناس فيمنعها العطاش عند مرورها قهرًا ويدفعون ثمنها بالزيادة واتفق شدة الحر وتوالى هبوب الرياح الحارة وجفاف الجو وتأخير زيادة النيل‏.‏

شهر جمادى الأولى سنة 1219 استهل بيوم الثلاثاء في ذلك اليوم كان مولد المشهد الحسيني ونزل الباشا وزار المشهد ودخل عند شيخ السادات باستدعاء وتغدى عنده ثم ركب راجعًا قبل الظهر إلى القلعة ولم يقع في ليالي المولد حظ للناس ولا انشراح صدور كالعادة بسبب أذية العسكر واختلاطهم بهم وتكديرهم عليهم في الحوانيت والأسواق حتى أنهم في آخر الليلة التي كان من عادتهم يسهرونها مع ليال قبلها إلى الصباح أغلقوا الحوانيت وأطفؤا القناديل من بعد أذان العشاء وذهبوا إلى وفيه قرروا فردة غلال على البلاد قمح وشعير وتين أعلى وأوسط وأدنى الأعلى خمسة عشر أردبًا وخمسة عشر حمل تين والأوسط عشرة والأدنى خمسة على أن إقليم القليوبية لم يبق به إلا خمسة وعشرون قرية فيها بعض سكان والباقي خراب ليس فيها ديار ولا نافخ نار ومجموع المطلوب ثمانية آلاف أردب خلاف التين وذلك برسم ترحيلة علي باشا إلى الينبع ثم قرروا فردة كذلك أيضًا وقدرها ألف وخمسمائة كيس رومية‏.‏

وفي يوم الجمعة رابعه جمع الباشا المشايخ في ديوان خاص بسبب مكتوب حضر من الأمراء المصريين خطابًا للمشايخ مضمونه أنهم يسعون بينهم وبين الباشا فيما يكون فيه الراحة للبلاد والعباد وأنه يخرج هذه العساكر فإنهم إن داموا بالإقليم كملوا خرابه وهتكوه بأفاعيلهم وظلمهم وفسقهم وطلب العلوفات التي لا يفي ببعضها خراج الإقليم وأما نحن فإننا مطيعون السلطنة وخدامون بلا جامكية ولا علوفة وإن لم يفعل ذلك يعطينا جهة قبلي تتعيش فيها وإن أرادوا الرحب فليخرجوا الناس بعيدًا عن الأبنية ويحاربونا في الميدان والله يعطي النصر لمن يشاء إلى آخر ما قالوه فقال الباشا للمشايخ اكتبوا لهم يأخذوا جهة أسنا ومقبلًا فقالوا نحن لا نكتب شيئًا اكتبوا لهم مثل ما تعوفون وانفض المجلس‏.‏

وفيه عزم جماعة من أكابر العسكر على السفر إلى بلادهم م أحمد بك رفيق محمد علي وصادق آغا وخلافهما وأخذوا في تشهيل أنفسهم وبيع متاعهم ونزلوا إلى بولاق عند عمر آغا ونزل محمد علي لوداعهم ببيت عمر آغا فاجتمع العسكر وأحاطوا بهم ومنعوهم من السفر قائلين لهم أعطونا علوفاتنا المنكسرة وإلا عطلناكم ولا ندعكم تسافرون بأموال مصر ومنهوباتها فأخذوا خواطرهم ووعدوهم على أيام وامتنعوا من السفر‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثامنه تقلد شخص من العثمانيين الزعامة عوضًا عن علي آغا الذي تولى باشة السفر للينبع‏.‏

وفي عاشره اجتمع العسكر وطلبوا علوفاتهم من الباشا فدفعوا للأرنؤد جامكية شهر‏.‏

وفي ليلة الجمعة حادي عشر جمادى الأولى الموافق لثاني عشر مسرى القبطي أوفى النيل المبارك سبعة عشر ذراعًا وكسر سد الخليج في صبح يوم السبت يحضر الباشا والقاضي ومحمد علي وباقي كبار العسكر وجميع العسكر وكان جمعًا مهولًا وضرب الجميع بنادقهم وجرى الماء بالخليج وركبوا القوارب والمراكب ودخلوا فيه وهم يضربون بالبنادق وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت وكان الموسم خاصًا بهم دون أولاد البلد وخلافهم وكذلك سكنوا بيوت الخليج مع قحابهم من النساء ومات في ذلك اليوم عدة أشخاص نساء ورجالًا أصيبوا من بنادقهم ومما وقع أنه أصيب شخص من أولاد البلد برصاصة منهم ومات وحضر أهله يصرخون وأرادوا أخذه ليواروه فمنعهم الوالي وطلب منهم ثلاثة آلاف درهم فضة ولم يمكنهم من شيله حتى صالحوه على ألف وخمسمائة وكذلك من كان منهم بالقواطين والبيوت أذن لهم في أخذه ومواراته ونظر بعضهم إلى أعلى بيوت الخليج فرأى امرأة جالسة في الطاقة فضربها برصاصة فأصابتها في دماغها وماتت من ساعتها وغير ذلك مما لم تتحقق أخباره‏.‏

وفي يوم الأحد ثالث عشره خرج علي باشا الوالي المسافر إلى الينبع خارج البلد وأقام جهة العادلية وارتحل يوم السبت تاسع عشره ومعه مائة عسكري لا غير وذهب إلى جهة السويس‏.‏

وفيه أرسل الباشا إلى المشايخ والوجاقلية وتكلم معهم في توزيع فردة على أهل مصر لغلاق جامكية العسكر فدافعوا بما أمكنهم من المدافعة فقال هذا الذي نطلبه إنما نأخذه على سبيل القرض ثم نرده إليهم فقالوا له لم يبق بأيدي الناس ما يقرضونه ويكفي الناس ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال وغير ذلك فالتفت إلى الوجاقلية وقال كيف يكون العمل فقال أيوب كتخدا نعمل جمعية مع السيد أحمد المحروقي ويحصل خير فركن الباشا على ذلك ثم اجتمعوا مع المذكور واتفقوا أنهم يطلبونها بكيفية ليس فيها شناعة ولا بشاعة وهي أنهم قرروا على الوجاقلية قدرًا من الأكياس وكتبوا بها تنابيه بأسماء أشخاص منها ما جعلوا عليه عشرين كيسًا وعشرة وخمسة وأقل وأكثر وكذلك وزعوا على أشخاص من تجار البن وخان الخليلي ومغاربة أغراب وأهل الغورية وخلافهم من تراخي في الدفع قبضوا عليه وأودعوه في أضيق الحبوس ووضعوا الحديد في يديه ورجليه ورقبته ومنهم من يوقفونه على قدميه والجنزير مربوط بالسقف وأرسلوا العسكر إلى بيوتهم فجلسوا بها يأكلون ويسكرون ويطلبون من النساء المصروف خلاف الأكل الذي يطلبونه ويشتهونه وهو ثمن الشراب والدخان والفاكهة بل ويأتون بالقحاب معهم ويضربون بالبندق والرصاص بطول الليل والنهار وأمثال ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس رابع عشرينه أرسل الباشا عسكرًا فقبض على الأمير علي المدني صهر ابن الشيخ الجوهري وحبسه فركب إليه المشايخ وكلموه في شأنه وقالوا أنه رجل وجاقلي من خيار الناس وما السبب في القبض عليه وما ذنبه الموجب لذلك فقال أنه رجل قبيح ولي عليه دعوة شرعية وإذا كان من خيار الناس ومن الوجاقلية لأي شيء يعمل كتخدا عند صالح بك الألافي وأنه عند هروب مخدومه من الشرقية أخذ ما كان معه من المال على أربعة جمال ودخل بها إلى داره وعندي بينة تشهد عليه بذلك فأنا أطالبه بالمال الذي عنده وقاموا ونزلوا من غير طائل‏.‏

وفي يوم السبت سادس عشرينه توفي الشيخ موسى الشرقاوي الشافعي وكان من أعيان العلماء الشافعية‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامن وعشرينه أحضروا المحمل من السويس فنزل كتخدا الباشا والآغا والوالي وأكابر العسكر وعدة كبيرة من العسكر وعملوا له الموكب وشقوا به البلد وخلفه الطبل والزمر‏.‏

وفي أواخره وصلت قوافل البن من السويس فحجزها الباشا وأخذها وأعطى أصحاب البن وثائق بثمن البن لأجل ووكل في بيعه وحول به العسكر يأخذونه من أصل علوفاتهم قلبغ ثمن المحجوز تسعمائة كيس وانهمك المشترون على الشراء ومنعوا القبانية من الوزن إلا بحضور المقيدين بذلك وانقضى هذا الشهر وحوادثه وما وقع فيه من عكوسات العسكر من الخطف والقتل والدعواوى الكذب وشهاداتهم الزور لبعضهم فيما يدعونه وتواطئهم على ذلك فيكتب له عرضحال ويشكو أنه غصبه في مدة سابقة قبل ذلك طلق منه زوجته قهرًا بعد أن كان صرف عليها مبلغ دراهم كثيرة في المهر والنفقة والكسوة ويكتبون له عليه علامة الباشا ويأخذ صحبته أشخاصًا معينين من أقرانه فيسحبون المدعي عليه إلى المحكمة فلا يثبت عليه ذلك فيكتب له القاضي إعلامًا بعدم صحة الدعوى بدراهم يدفعها على ذلك الإعلام فيذهبون إلى ديوان الباشا ويخبرون الكتخدا ببطلان الدعوى ويطلعون على الإعلام بحضرة الخصم وهو يظن البراح والخلاص من تلك الدعوة الباطلة فيقول الكتخدا للخصم أعط المباشرين خدمتهم خمسة أكياس واذهب وأمثال ذلك فإن وجد شافعًا أو مغيثًا توسط له أو تشفع في تخفيف ذلك قليلًا أو ضمنه أو دفع عنه وأنقذه وإلا حبس كغيره وذاق في الحبس أنواع العذاب حتى يدفع ما قرره عليه الكتخدا واتفق أن جماعة من سكان المحجر شكو أنظار جامع وسبيل ومدرسة متخربة من أيام الفرنسيس ومعطلة الشعائر والإيراد فأمر الكتخدا بإحضار النظار وهم ناس فقراء وعواجز وسألهم فأخبروا بتعطيل الإيراد فأحضروا مباشرين الأوقاف فحاسبوهم فلم يطلع عليهم شيء فقال الكتخدا أعطوا المباشرين خدمتهم فلما فرغوا من ذلك بعد مشقة عظيمة قالوا هاتوا محصول الخزينة فقالوا وما يكون محصول الخزينة قالوا ثلاثون كيسًا من كل ناظر عشرة أكياس فبهت الجماعة وتحيروا في أمرهم ولم يعلموا ما يقولون وفي الحال جذبوهم إلى الحبس وفيهم رجل من جماعة المشهدية عاجز لا يقدر على القيام فسعى عليه حريمة وخشداشينه وصالحوا عليه بكيسين وخلصوه وأما الاثنان الآخران فاستمرا في الحبس والحديد مدة طويلة وأمثال ذلك‏.‏

وفي أواخره أفرجوا عن السيد علي المدني بعدما قرروا عليه أربعة آلاف ريال خلاف البراني وأمثال ذلك كثير‏.‏

شهر جمادى الثانية سنة 1219 استهل بيوم الخميس فيه حضر القاضي الجديد إلى جهة بولاق وركب في يوم الجمعة فطلع إلى القلعة وسلم على الباشا ورجع إلى المحكمة وكان عندما وصل إلى رشيد أرسل إلى الباشا ليأمر له بعمارة المحكمة فأمر الباشا أصحابها بالعمارة وأمرهم بالاجتهاد في ذلك‏.‏

وفيه فقد اللحم وشح وجوده وكذلك السكر والعسل وأما العسل الأبيض فبلغ الرطل خمسين نصفًا إن وجد لعدم الوارد من ناحية قبلي وقلة المرعى بالجهة البحرية واستقر الألفي الكبير جهة اللاهون وبقية الجماعة جهة المنية وأسيوط وعثمان بك حسن بجبل الطير بالبر الشرقي‏.‏

وفي خامسه أشيع سفر محمد علي إلى بلاده وكذلك أحمد بك وغيرهم من أكابرهم وشرعوا في بيع جمالهم وبلادهم ومتاعهم وكثر لغط الناس بسبب ذلك وكثر إفساد العساكر وخطفهم وأغلق أهل الأسواق الدكاكين وخاف الناس المرور وتطيروا منهم وخصوصًا الإنكشارية‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سادسه مر محمد علي وخلفه عدة كبيرة من العسكر وهو ماش على أقدامه وكذلك حسن بك أخو طاهر باشا وعابدي بك وآغات الإنكشارية والوالي وجلس منهم جماعة جهة الغورية وخان الخليلي ساعة ثم ذهبوا وكأنهم يطمنون الناس وأمام بعضهم المناداة بالتركي بالأمن والأمان وفتح الدكاكين وكل من تعرض لكم اقتلوه وفي أثر مرورهم وقع الخطف والتعرية‏.‏

وفي ذلك اليوم أواخر النهار مت مركبان فيهما عسكر أرنؤد بالخليج المرخم ومعهم امرأة وبتلك الجهة عسكر إنكشارية ساكنون ببيت المجنون فضربوا عليهم رصاصًا من الشبابيك فقتل منهم جماعة وهرب من نجا أو عرف العوم فتحزب الأرنؤد وجاء منهم طائفة لذلم البيت فلم يجدوا به أحدًا فأرسل محمد علي إلى حسن بك وتكلم معه في شأن ذلك‏.‏

وفي صبحها يوم الأربعاء قتلوا ثلاثة وقيل خمسة ناحية الموسكي يقال أنه بسبب تلك الحادثة وقيل بسبب آخر‏.‏

وفيه سافر جماعة من العسكر وأخذوا المراكب وأرسلوا إلى سكندرية ودمياط ورشيد وغيرها بطلب المراكب فشحت المراكب ووقف حال المسافرين وتعطلوا عن الرواح والمجيء وغلا سعر القمح والسمن وعدم اللحم وكذلك باقي الأسباب والمأكولات زيادة عن الواقع وإذا وصلت مراكب نزل في المراكب الكبيرة الخمسة أنفار أو العشرة والحال أنها تسع المائة وساروا ينهبون في طريقهم ما يصادفونه من المسافرين ويقتلونهم ويطلبون من البلاد الكلف والمأكل وغير ذلك‏.‏

وفي يوم السبت سابع عشره سافر أحمد بك وعلي بك أخو طاهر باشا‏.‏

وفيه قلد الباشا سلحداره ولاية جرجا وبرز خيامه جهة دير العدوية‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وصلت مراكب من الشلنبات الحربية فضربوا لها مدافع من وفي يوم الأحد تعدى جماعة من العسكر وخطفوا عمائم الناس واتفق أن الشيخ إبراهيم السجيني مر من جهة الداودية وهو راكب بهيئته فأخذوا طيلسانه من على كتفه وعمامة تابعه وقتلوا من بعضهم أنفارًا‏.‏

وفي يوم الاثنين نزل الآغا ونادى على العسكر بالخروج والسفر إلى التجريدة وكل من كان مسافر إلى بلاده فليسافر‏.‏

وفيه هربت زوجة عثمان بك البرديسي مع العرب إلى زوجها بقبلي فلما بلغ الخبر الباشا أحضر أخاها والمحروقي وسألهما عنها فقالا لم نعلم بهروبها فعوق أخاها عنده ثم أطلقه بشفاعة المحروقي‏.‏

شهر رجب الفرد سنة 1219 استهل بيوم السبت فيه انتقل العسكر المسافرون من دير العدوية إلى ناحية طرا وسافر قبل ذلك بأيام كاشف بني سويف ويقال له محمد أفندي‏.‏

وفي يومي الاثنين والثلاثاء نادى الآغاوات التبديل بخروج العسكر المسافرين وكثر أذى العسكر للناس وخطفوا الحمير وتعطلت أشغال الناس في السعي إلى مصالحهم ونقل بضائعهم‏.‏

وفي يوم الأربعاء سافرت التجريدة برًا وبحرًا وتأخر محمد علي عن السفر إلى بلاده كما كان أشيع ذلك واشتهر أنه مسافر إلى جهة قبلي وورد الخبر باستقرار كاشف بني سويف بها ولم يكن بها أحد من المصرلية‏.‏

وفي يوم الأحد تاسعه نزل الباشا إلى وليمة عرس مدعوًا ببيت السيد محمد بن الدواخلي بحارة الجعيدية وكفر الطماعين ونزل في حال مروره ببيت السيد عمر أفندي نقيب الأشراف فجلس عنده ساعة وقدم له حصانين‏.‏

وفي حادي عشره نزل الباشا في التبديل ومر من سوق السمكرية فرأى عسكريًا يشتري كوز صفيح فأعطاه خمسة أنصاف فأبى السمكري إلا بعشرة فأبى ولم يدفع له إلا خمسة فرآه الباشا فقال له أعطه ثمنه فقال له وإيش علاقتك وهو لم يعرفه فقال له أما تخاف من الباشا فقال الباشا على زبي فضربه الباشا وقتله ومضى‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشره أحضروا أربعة رؤس وضعوها تجاه باب زويلة وأشاعوا أنهم من مقتلة وقعت بينهم وبين القبالى وأشاعوا أنه بعد يومين تصل رؤس كثيرة ووصل أيضًا جملة أسرى طلعوا بهم إلى القلعة‏.‏

وفي يوم الأربعاء طلع محمد علي إلى القلعة فخلع عليه الباشا فروة سمور على سفره إلى قبلي وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه اتهموا قادري آغا بأنه يكاتب الأمراء المصرلية القبالى ومنعوه من السفر إلى قبلي وأمروه بأن يسافر إلى بلاده فركب في عسكره وذهب إلى بولاق وفتح وكالة علي بك الجديدة ودخل فيها بعسكره وامتنع بها وانضم إليه كثير من العسكر فحضر إليه محمد علي وكلمهم وكذلك حضر إليهم الباشا ببولاق فلم يمتثلوا وقالوا لا نسافر ولا نذهب إلا بمرادنا وأعطونا المنكسر من علوفاتنا فتركوهم ونادوا على خبازين بولاق لا يبيعون عليهم الخبز ولا المأكولات فأرسل قادري آغا إلى المحتسب وقال له نحن نأخذ العيش بثمنه فإن منعتموه من الأسواق طلعنا إلى البيوت وأخذنا ما فيها من الخبز ويترتب على ذلك ما يترتب من الإفساد فأخبروا الباشا بذلك فأطلقوا لهم بيع الخبز وغيره واستمر على ذلك أيامًا‏.‏

وفيه شرعوا في تحرير فردة على البلاد وكتبوا دفاترها إلا على ثمانون ألف فضة ودون ذلك ويتبعها على كل بلد جملان وسمن وأغنام وقمح وتبن وشعير‏.‏

وفي أواخره حصلت نوة وتتابع مرور الغيوم وحصل رعد هائل ودخل الليل فكثر الرعد والبرق وتبعه المطر ثم حضر أناس بعد أيام من جهة شرقية بلبيس وأخبروا أنه نزل بناحية مشتول صواعق أهلكت نحو العشرين من بني آدم وأبقارًا وأغنامًا وعميت أعين أشخاص من الناس‏.‏

وفي هذا الشهر شرعوا في عمل كسوة الكعبة بيد السيد أحمد المحروقي فقيد بها وكيله بذلك

شهر شعبان سنة 1219

استهل بيوم الأحد في رابعه حضر لحسن بك طوخان وطلع إلى القلعة ونزل إلى الباشا ولبس خلعة من خلع الباشا وقاووقًا وركب ونزل من القلعة وأمامه الجاويشية والسعاة والملازمون وضربت له النوبة بمعنى أنه صار عوضًا عن أخيه‏.‏

وفي يوم الخميس نزل قادري آغا ومن معه من العسكر في المراكب وسافر جهة بحري وسافر خلفهم عدة من الدلاة‏.‏

وفيه أشيع إبطال الفردة في هذا الوقت ثم قرروا مطلوبات دون ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشره نودي بخروج العسكر إلى السفر لجهة قبلي ولا يتأخر منهم من كان مسافرًا فشرعوا في الخروج وقضاء حوائجهم وصاروا يخطفون حمير الناس والجمال‏.‏

وفي يوم الجمعة وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده فرمان جواب على مراسلة للباشا بإرسال باشة الينبع لمحافظتها من الوهابيين وأنه أعطاه ذخيرة شهرين وبأن يرسل إليه ما يحتاجه من الذخيرة وكذلك محمد باشا والي جدة يعطي له ما يحتاجه من الذخيرة لأجل حفظ الحرمين والوصية برعية مصر ودفع المخالفين وأمثال ذلك فعمل الباشا الديوان في ذلك اليوم وقرأوا وفيه مات الشيخ حجاب‏.‏

وفي يوم السبت رابع عشره سافر محمد علي‏.‏

وفيه هرب علي كاشف السلحدار الألفي ومن بمصر من جماعته فلما وصل الخبر إلى الباشا أرسل إلى بيوتهم قلم يجد فيها أحدًا فسمروها وقبضوا على الجيران ونهبوا بعض البيوت‏.‏

وفي سابع عشره سافر حسن باشا أيضًا ونادوا على العسكر بالخروج‏.‏

وفي تاسع عشره حضر طائفة من الدلاة نحو المائتين وخمسين نفرًا فأنزلهم الباشا بقصر العيني‏.‏

وفي يوم الثلاثاء المذكور سابع عشره عمل السيد أحمد المحروقي وليمة ودعا الباشا إلى داره فنزل إليه وتغدى عنده وجلس نحو ساعتين ثم ركب وطلع إلى القلعة فأرسل المحروقي خلفه هدية عظيمة وهي بقج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وذهب وتحائف وخيول له ولكبار أتباعه صحبة ولده وترجمانه وكتخداه وخلع عليهم الباشا فراوى سمور‏.‏

وفي يوم الأحد ثاني عشرينه توفي السيد أحمد المحروقي فجأة وكان جالسًا مع أصحابه حصة من الليل فأخذته رعدة فدثروه ومات في الحالفي سادس ساعة من الليل فسبحان الحي الذي لا يموت وركب ابنه وطلع إلى الباشا فوعده الباشا بخير وأرسل القاضي وديوان أفندي وختم على بيته وحواصله ثم حضروا في ثاني يوم فضبطوا موجوداته وكتبوها في دفاتر وأودعوها في مكان وختموا عليها وأرسلوا علم ذلك إلى الدولة صحبة صالح أفندي وكان على أهبة السفر فعوقوه حتى حرروا ذلك وسافر في يوم الجمعة سابع عشرينه‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه أحضروا إحدى وعشرين رأسًا لا يعلم ما هي وهي متغيرة محشوة بالتبن وأشاعوا أنها من ناحية المنية وأنهم حاربوا عليها وملكوها ولم يظهر لذلك أثر بين‏.‏

وفي يوم السبت ثامن عشرينه ألبس الباشا ابن السيد المحروقي فروة سمور وقفطانًا على دار الضرب وعلى ما كان أبوه عليه من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي إلى المحكمة ثم رجع إلى بيته‏.‏

وفي ذلك اليوم بعد العصر وقع ربع بجوار حمام المصبغة جهة الكعكيين على الحمام فهدم ليوان المسلخ فمات من به من النساء والأطفال والبنات ثلاثة عشر وخرج الأحياء من داخله وهم عرايا ينفضن غبرات الأتربة والموت وحضر الآغا والوالي ومنعوا من رفع القتلى إلا بدراهم ونهبوا متاع النساء وقبضوا على الشيخ محمد العجمي مباشر وقف الغوري ليلًا وأزعجوه لأن ثلث الحمام جار في الوقف والحال أن الحمام لم يسقط وإنما هدمه ما سقط عليه وكذلك طلبوا ملاك الربع وهم الشيخ عمر الغرياني وشركاؤه فذهبوا إلى بيت الشيخ الشرقاوي والتجؤا إليه ثم أن القاضي كلم الباشا في أمر المردومين وذكر له طلب الحاكم دراهم على رفعهم واجتماع مصيبتين على أهليهم والتمس منه إبطال ذلك الأمر فكتب فرمانًا بمنع ذلك ونودي به في البلدة وسجل‏.‏

وفي ليلة الاثنين عمل موسم الرؤية ثبوت هلا رمضان وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة من بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة ونودي أنه من شعبان وانقضى شهر شعبان وقادري آغا عاص جهة شابور في قرية وصالح آغا ومن معه من العساكر مستمرون على حصاره وصحبتهم أخلاط من العربان وجلا أهل شابور عنها وخرجوا على وجوههم مما نزل بهم من النهب وطلب الكلف وغير ذلك من العاصي منهم والطائع فإن كلا الفريقين تسلطوا على نهب البلاد وطلب الكلف وغيرها وإذا مرت بهم مركب نهبوها وأخذوا ما فيها فامتنع ورود المراكب وزاد الغلاء وامتنع وجود السمن وإذا وجد بيع العشرة أرطال بخمسمائة نصف فضة وستمائة ولا يوجد وبيع الرطل من البصل في بعض الأيام بثمانية أنصاف والأردب الفول بثمانية عشر ريالًا والقمح بستة عشر ريالًا والرطل الشمع الدهن بأربعين نصفًا والشيرج بخمسة وثلاثين نصفًا وأما زيت الزيتون فنادر الوجود وقس على ذلك‏.‏

استهل بيوم الثلاثاء في ثانيه حضر صالح آغا الذي كان يحاصر قادري آغا وضربوا له مدافع وتحقق أن قادري طلب أمانًا فأرسلوا مع من معه إلى دمياط وذلك بعد أن ضيقوا عليه وحضر إليه كاشف البحيرة وضايقه من الجهة الأخرى وفرغت ذخيرته فند ذلك أرسل إلى كاشف البحيرة فأمنه‏.‏

وفي سابعه وصل جماعة من الإنكليز إلى مصر وهم نحو سبعة عشر شخصًا وفيهم فسيال كبير وآخر كان بصحبة علي باشا الطرابلسي‏.‏

وفي عاشره سافر صالح آغا إلى جهة بحري قيل ليأتي بجانم أفندي الدفتردار فإنه لم يزل عاصيًا عن الحضور إلى مصر‏.‏

وفيه ركب الباشا في التبديل ونزل من جهة التبانة فوجد في طريقه عسكريًا يأخذ حمل تبن من صاحبه قهرًا فكلمه وهو لم يعرفه فأغلظ في الجواب فقتله ثم نزل إلى جهة باب الشعرية وخرج على ناحية قناطر الإوز فوجد جماعة من العسكر غاصبين قصعة زبدة من رجل فلاح وهو يصيح فأدركهم وهم سبعة وفيهم شخص ابن بلد أمرد لابس ملابس العسكر فأمر بقتلهم فقبضوا على ثلاثة منهم وفيهم ابن البلد وقتلوهم وهرب الباقون ثم نزل إلى ناحية قنطرة الدكة وقتل شخصين أيضًا وبناحية بولاق كذلك وبالجملة فقتل في ذلك اليوم نيفًا وعشرين شخصًا وأراد بذلك الإخافة فانكف العسكر عن الإيذاء قليلًا وتواجد السمن وبعض الأشياء مع غلو الثمن‏.‏

وفيه تواترت الأخبار بوقوع حرب بين العسكر والأمراء المصريين في المنية وقتل من الأمراء صالح بك الألفي ومراد بك من الصناجق الجدد المقلدين الإمارة خارج مصر وهو زوج امرأة قاسم بك وخازندار البرديسي سابقًا موسقو ولم تزل الحرب قائمة بين الفريقين وأرسلوا بطلب ذخيرة وعلوفة فأرسلوا لهم بقسماطًا وغيره‏.‏

وفي عشرينه حضر إلى الباشا بعض الرواد وأخبره أن طائفة من عرب أولاد علي نزلوا ناحية إليهرام بالجيزة وهم مارون يريدون الذهاب إلى ناحية قبلي فركب في عسكره إليهم فوجدهم قد ارتحلوا ووجد هناك قبيلة يقال لهم الجوابيص نازلين بنجعهم هناك وهم جمعة مرابطون من خيار العرب لم يعهد منهم ضرر ولا أذية لأحد فقتل منهم جماعة ونهب نجعهم وجمالهم وأغنامهم وأحضر صحبته عدة أشخاص منهم وعدى إلى مصر بمنهوباتهم وقد باع الأغنام والمعز للجزارين قهرًا وكذلك الجمال باعوا منها جملة بالرميلة‏.‏

وفي سادس عشرينه نهب العربان قافلة التجار الواصلة من السويس وهي نيف وأربعة آلاف جمل من البن والبهار والقماش وأصيب فيها كثير من فقراء التجار وسلبت أموالهم وأصبحوا لا وفيه حضر صالح آغا وصحبته جانم أفندي الدفتردار فأسكنه الباشا بالقلعة وذكر جانم أفندي المذكور ومن معه للباشا أنهم رأوا هلال رمضان ليلة الاثنين صاموه بالإسكندرية ذلك اليوم وكذلك صاموه في رشيد وقوة وغالب بلاد بحري وحضر أيضًا الشيخ سليمان الفيومي قبل ذلك بأيام وحكى ذلك فلم يعمل به القاضي وقال أن رؤى الهلال ليلة الأربعاء أفطرانا وإن لم ير فهو من رمضان فلما كان بعد عصر ذلك اليوم ضربت مدافع من القلعة فاشتبه على الناس الأمر وذهب جماعة إلى القاضي وسألوه فقال لا علم لي بذلك وأرسل في المساء جماعة من أتباعه وباش كاتب إلى منارة المارستان فصعدوا إليها وطلع معهم آخرون وترقبوا رؤية الهلال فلم يروه وأخبروا القاضي بذلك فأمر بالصوم ونادوا به وأوقدوا المنارات والقناديل وصلوا التراويح بالمساجد وتحقق الناس الصيام من الغد فلما كان بعد العشاء الأخيرة ضربت مدافع كثرة وسواريخ وشنك فوقع الارتباك فأرسل القاضي ينادي بالصوم وذكروا أن هذا السموع شنك لإخبار وردت بملك لمنية وحضر المبشر بذلك لابن السيد أحمد المحروقي وخلع عليه خلعة وكذلك بقية الأعيان وبعد حصة مر الوالي ينادي بالفطر والعيد فزاد الارتباك وركب بعض المشايخ إلى القاضي وسأله فأخبر أنه لم يأمر بذلك ولم يثبت لديه رؤية الهلال وأن غدًا من رمضان فخرجوا من عنده يقولون ذلك للناس ويأمرونهم بالصوم وانحط الأمر على ذلك وطافت المسحرون على العادة فلما كان في سادس ساعة من الليل أرسل الباشا إلى القاضي وطلبه فطلع إليه فعرفه بشهادة الجماعة الواصلين من بحري وأحضرهم بين يديه فشهدوا برؤية هلال أول الشهر ليلة الاثنين وهم نحو الشعرين شخصًا فما وسع القاضي إلا قبول شهادتهم وخصوصًا لكونهم أتراكًا ونزل القاضي ينادي بالفطر ويأمر بطفي القناديل من المنارات وأصبح كثير من الناس لا علم له بما حصل آخرًا في جوف الليل وبالجملة فكانت هذه الحادثة من النوادر وتبين أن خبر المنية لا أصل له بل هو من جملة اختلاقاتهم وانقضى شهر رمضان وكان لا بأس به في قصر النهار لأنه كان في غاية الانقلاب الشتوي والراحة بسبب غياب العسكر وقلتهم بالبلدة وبعدهم ولم يحصل فيه من الكدورات العامة خصوًا على الفقراء سوى غلاء الأسعار في كل شيء وكما تقدم ذكر ذلك في شعبان‏.‏

شهر شوال سنة 1219 استهل بيوم الأربعاء في ثالثه سافر السيد محمد بن المحروقي وجرجس الجوهري ومعهما جملة من العسكر إلى جهة القليوبية بسبب القافلة المنهوبة‏.‏

وفي سادسه طلبوا مال الميري عن سنة عشرين معجلة بسبب تشهيل الحج وكتبوا التنابيه بطلب النصف حالًا وعينوا بها عساكر عثمانية وجاويشية وشفاسية فدهى الملتزمون بذلك مع أن أكثرهم أفلس وباق عليهم بواق من سنة تاريخه وما قبلها لخراب البلاد وتتابع الطلب والفرد والتعايين والشكاوى والتساويف ووقوف العربان بسائر النواحي وتعطيل المراكب عن السعر لعدم الأمن وغصبهم ما يرد من السفائن والمعاشات ليرسلوا فيها الذخيرة والعسكر والجبخانة معونة للمحاربين على المنية‏.‏

وفي عاشره طلبوا طائفة من المزينين وأرسلوهم إلى قبلي لمداواة الجرحى‏.‏

وفيه تواترت الأخبار بحصول مقتلة عظيمة بين المتحاربين وأن العسكر حملوا على المنية حملة قوية من البر والبحر وملكوا جهة منها وحضر المبشرون بذلك ليلة الأربعاء أواخر رمضان كما تقدم وعملوا الشنك لذلك الخبر فورد بعد ذلك ساعتين برجوع الأخصام ثانيًا ومقاتلتهم حتى هزموهم وأجلوهم عن ذلك وذلك هو الحامل على المغالطة والمناداة في سابع ساعة بثبوت العيد وإفطار الناس ذلك اليوم‏.‏

وفي يوم السبت ثامن عشره نزل الباشا إلى قراميدان وحضر القاضي والدفتردار وأمير الحاج فسلمه الباشا المحمل ونزلوا بقطع الكسوة أمام أمير الحاج وركب أمامه الآغا والوالي والمحتسب وناظر الكسوة بهيئة محتقرة من غير نظام ولا ترتيب ومن خلفهم المحمل على جمل صغير أعرج‏.‏

وفيه أرسل العسكر يطلبون العلوفة والمعونة فعمل الباشا فردة على الأعيان وعلى أتباعه وجمع لهم خمسمائة كيس وعين للسفر بذلك صالح آغا وعدة عساكر وجبخانة وذخيرة‏.‏

وفي عشرينه رجع ابن المحروقي وجرجس الجوهري وأحضرا معهما بعض أحمال قليلة بعد ما صرفا أضعافها في مصالح وكساوى للعرب وغير ذلك‏.‏

وفيه ورد الخبر بوصول دفتردار جديد إلى ثغر سكندرية وهو أحمد أفندي الذي كان بمصر سابقًا وعمل قبطانًا بالسويس في أيام محمد باشا وشريف أفندي فكتب الباشا عوضًا للدولة بأنهم راضون على جانم أفندي الدفتردار وأن أهل البلد ارتاحوا عليه وطلبوا إبقاءه دون غيره وختم عليه القاضي والمشايخ والإختيارية وبعثوه إلى الدولة وأرسلوا إلى الدفتردار الواصل بعدم المجيء ويذهب إلى قبرص حتى يرجع الجواب فاستمر باسكندرية‏.‏

وفي أواخره تواترت الأخبار بأن جماعة من الأمراء القبالي ومن معهم من العربان حضروا إلى ناحية الفشن وحضر أيضًا كاشف الفيوم مجروحًا ومعه بعض عسكر ودلاة في هيئة وتتابه ورود كثير من أفراد العسكر إلى مصر وأشيع انتقالهم من أمام المنية إلى البر الشرقي بعد وقائع كثيرة ومحاربات‏.‏

وفي يوم الخميس غايته برز أمير الحاج المسافر بالمحمل وخرج إلأى خارج ومعه الصرة أو ما تيسر منها وعين للسفر معه عثمان آغا الذي كان كتخدا محمد باشا بجماعة من العسكر لأجل المحافظة ليوصلوه إلى السويس ويسافر من القلزم مثل عام أول‏.‏

وفيه ورد الخبر بضياع ثلاث داوات بالقلزم وأنها تلفت بالقرب من الحساني وتلف بها كثير من أموال التجار وصرر النقود وكان بها قاضي المدينة أحمد أفندي المنفصل عن قضاء مصر فغرق وطلعت أولاده ورجعوا إلى مصر بعد أيام وسافروا إلى بلادهم‏.‏

وورد الخبر بأن القبليين قتلوا حسين بك المعروف باليهودي بعد أن تحققوا خيانته ومخامرته وانقضى هذا الشهر‏.‏

شهر القعدة الحرام سنة 1219 استهل بيوم الجمعة فيه قرر الباشا فردة على البلاد فجعل على كل بلد من البلاد العال مائة ألف فضة والدون ستين ألأفًا وعين لذلك ذا الفقار كتخدا الألفي على الغربية وعلي كاشف الصابونجي على المنوفية وحسن آغا نجاتي المحتسب على الدقهلية وذلك خلاف ما تقرر على البنادر من عشرين كيسًا وثلاثين وخمسين ومائة وأقل وأكثر‏.‏

وفي ليلة الجمعة ثامنه حضروا بعلي آغا يحيى المعروف بالسبع قاعات ميتًا من سملوط وقد كانوا أرسلوه ليكون كتخدا لحسن بك أخي طاهر باشا وكان المحروقي أرسله إلى بشبيش فتوعك هناك فطلب الباشا رجلًا من الرؤساء يجعله كتخدا لحسن بك فأشاروا عليه بعلي آغا هذا فطلبه من المحروقي فأرسل بإحضاره فحضر في اليوم الذي مات فيه المحروقيوسافر بعد أيام إلى قبلي فزاد به المرض هناك ومات بسملوط فأحضروه إلى مصر بعد موته بخمسة أيام وخرجوا بجنازته في يوم الجمعة من بيته المجاور لبيت المحروقي وصلوا عليه بالأزهر ودفن إلى رحمة الله تعالى‏.‏

وفي ثاني عشره علقوا ثلاثة رؤوس بباب زويلة لا يدري أحد من هم‏.‏

وفي خامس عشره تواترت الأخبار بوقوع حرب بين العسكر والأمراء القبالي وملك العسكر جهة من المنية بعدما اصطدموا عليها من البر والبحر فوصل الأخصام وحالوا بينهم وبين عسكرهم والمتاريس وأجلوهم وقتل من قتل بين الفريقين واحترق عدة مراكب من العسكر وما فيها من المتاع والجبخانة وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة وثياب وغير ذلك وانتشر عسكر القبليين إلى جهة بحري حتى وصلوا إلى زاوية المصلوب وحاصروا من في بوش والفشن وبني سويف وكذلك من بالفيوم وشرع الباشا واجتهد في تجهيز المطلوبات وتشهيل الاحتياجات‏.‏

وفيه حضرت سعاة من ثغر سكندرية وأخبروا بورود عدة مراكب إنجليزية إلى المينا وسألوا وفي ليلة الأربعاء رابع عشره وقعت حادثة وهو أن كشفًا من أكابر الأرنؤد سكن ببيت ابن السكري الذي بالقرب من الحلوجي ويتردد عليه رجل من المنتسبين إلى الفقهاء يسمى الشيخ أحمد البراني خبيث الأفعال يصلي إمامًا بالذكور فرأى مارًا به مع فراشه فضربه بالخنجر والنبابيت حتى ظن هلاكه وأخرجه أتباعه وحملوه إلى منزله في خامس ساعة من الليل وبه بعض رمق ومات بعد ذلك وأخبر المشايخ بذلك ورفع القتيل إلى المحكمة وتغيب القاتل وامتنع المشايخ من حضور الجامع والتدريس بسبب ذلك وبسبب أولاد سعد الخادم سدنة ضريح سيدي أحمد البدوي وقد كانوا شكوا بعضهم وتعين بسبب ذلك كاشف علي أحمد بن الخادم وهجم داره وقبض على بناته ونسائه ونبشوا داره وفحروا أرضها للتفتيش على المال وطالت قصتهم من أواخر الشهر الماضي لوقت تاريخه وتكلم المشايخ مرارًا مع الباشا في أمرهم وهو يغالط طمعًا في المال وقد كان سمع تهمتهم بكثرة المال وأن محمد باشا خسر وأخذ منهم سابقًا في أيام ولايته مائة وخمسة وثمانين ألف ريال خلاف حق الطريق وذلك من مصطفى الخادم وهو الذي يشكو الآن قسمه ويقول أنه هو الذي شكاني وتسبب في مصادرتي وهو مثلي في الإيراد وعنده مثل ما عندي فلما حضروا الدار وفتشوا وقرروا نساءه وأتباعه فلم يظهر له شيء قادرجوا هذه القضية في دعوة المقتول وامتنعوا من حضورهم الأزهر وأشيع امتناعهم من التدريس والإفتاء فحضر إليهم سعيد آغا الوكيل وتلطف بهم وطلب منهم تسكين هذه الفتنة وأنه يتكفل بتمام المطلوب واستمر الحال على ذلك إلى يوم الثلاثاء تاسع عشره فحضر الكتخدا الباشا وسعيد آغا وصالح آغا إلى بيت الشيخ الشرقاوي واجتمع هناك الكثير من المتعممين وتكلموا كثيرًا ورمحوا المراتب وقالوا لا بد من حضور الخصم القاتل والمرافعة معه إلى الشرع ورفع الظلم عن أولاد الخادم وعن الفلاحين وأمثال ذلك وهم يقولون في الجواب سمعًا وطاعة في كل ما تأمرون به وانقضى المجلس على ذلك وذهبوا حيث أتوا فلما كان العصر من ذلك اليوم حضر سعيد آغا وصحبته القاتل إلى المحكمة وأرسلوا إلى المشايخ فحضروا المجلس وأقيمت الدعوى وحضر ابن المقتول وادعى بقتل أبيه وذكر أنه أخبر قبل خروج روحه أن القاتل له الكاشف صاحب المنزل فسئل فأنكر ذلك وقال أنه كان إمامًا عنده يصلي به الأوقات وأنه لم يأت إلينا تلك الليلة التي حصل له فيها هذا الحادث فطلب القاضي من ابن المقتول بينة تشهد بقول أبيه فلم يجدوا إلا شخصًا سمع من المقتول ذلك القول وأفتى المالكي أنه يعتبر قول المقتول في مثل ذلك لأنه في حالة يستحيل عليه فيها الكذب وذلك نص مذهبهم ولا بد من بينة تشهد على قوله فطلب القاضي الشطر الثاني فلم يوجد على أن هناك من كان حاضرًا بالمجلس وقت الضرب ومشاهدًا للحادثة وكتم وفي يوم الأحد عزم على السفر محمد أفندي حاكم أسنا سابقًا بمراكب الذخيرة والجبخانة واللوازم وصحبته عدة من العساكر لخفارتها‏.‏

شهر الحجة الحرام سنة 1219 استهل بيوم الأحد في سابعه وردت أخبار بوقوع حرب بين العسكر والمصريين القبليين وهو أن العسكر حملوا على المنية حملة عظيمة في غفلة وملكوها فاجتمعت عليهم الغز والعربان وكبسوا عليهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأخرجوهم منها وأجلوهم عنها ثانيًا وذلك في سابع عشرين القعدة‏.‏

وفي يوم الأحد ثامنه طلع يوسف أقندي الذي كان تولى نقابة الأشراف في أيام محمد باشا ثم عزل عنها إلى القلعة فقبض عليه صالح آغاقوش وضربه ضربًا مبرحًا وأهانه إهانة زائدة وأنزلوه أواخر النهار وحبسوه ببيت عمر أفندي النقيب ثم تشفع فيه الشيخ السادات فأفرجوا عنه تلك الليلة وذهب إلى داره ليلًا وذلك بسبب دعوى تصدر فيها المذكور وتكلم كلامًا في حق الباشا فحقدوا عليه ذلك وفعلوا معه ما فعلوا ولم ينتطح فيها عنزان‏.‏

وفي ثالث عشره طلع المشايخ إلى الباشا يهنئونه بالعيد فأخرج لهم ورقة حضرت إليه من محمد أفندي حاكم أسنا سابقًا الذي سافر بالذخيرة آنفًا واستمر ببني سويف ولم يقدر على الذهاب إلى قبلي ومضمون تلك الورقة أن البرديسي قتل الألفي غيلة ولم يكن لهذا الكلام صحة‏.‏

وفيه وردت الأخبار بقدوم طائفة من الدلاة على طريق الشام وبالغواني عددهم فيقولون اثنا عشر ألف وأكثر وأنهم وصلوا إلى الصالحية وأنهم طالبون علوفة وذخيرة فشرعوا في تشهيل ملاقاة للمذكورين وطلبوا من تجار البهار خمسمائة كيس وزعوها وشرعوا في جمعها‏.‏

وفيه وصلت طائفة من القبالي والعرب إلى بلاد الجيزة وطلبوا من البلاد داهم وكلفًا ومن عصى عليهم من البلاد ضربوه وعدى كتخدا الباشا وجملة من العساكر إلى بر الجيزة وشرعوا في تحصينها وعملوا بها متاريس وتردد الكتخدا في النزول والتعدية إلى هناك والرجوع ثم أنه عدى في رابع عشره وأقام هناك وأحضروا ثلاثة رؤوس من العرب في ذلك اليوم وفي يوم الجمعة رجع الكتخدا وأشيع رجوع المذكورين‏.‏

وفيه قرروا فردة أخرى على البلاد لأجل عسكر الدلاة القادمين وجعلوا على كل بلد عشرين أردب فول وعشرين خروفًا وعشرين رطل سمن وعشرين رطل بن وعشرة قناطير عيش وربع أردب وسدس أرز أبيض ومثله برغل وكلفة المطبخ ألف فضة وذلك خلاف حق الطريق وفي يوم الأربعاء ثامن عشره حضر ططري من ناحية قبلي وأخبر أن العسكر دخلوا إلى المنية وملكوها فضربوا مدافع كثيرة من القلعة وعملوا شنكًا وأظهر العثمانية وأغراضهم الفرح والسرور وكأنهم ملكوا مالطة وبالغوا في الأخبار والروايات الكذب في القتلى وغير ذلك والحال أن الأخصام خرجوا منها وزحموها ولم يبقوا بها ما ينقره الطير ولم يقع بينهم كبير قتال بل أن العسكر لما دهموها من الناحية القبلية ولم يكن بها إلا القليل من المصريين وباقيهم خارجها من الناحية الأخرى فتحاربوا مع من بها وهزموهم فولى أصحابهم وتركوهم بالبلدة فدخلوها فلم يجدوا بها شيئًا‏.‏

وفي يوم الخميس وصل آغات المقرر وهو عبد أسود وطلع إلى القلعة بموكب وعملوا له شنكًا ومدافع وقرؤوا المقرر في ذلك اليوم بحضرة الجمع‏.‏

وفي يوم الأحد ثاني عشرينه وصلت طائفة من العرب بناحية الجيزة فوصل الخبر إلى الكاشف الذي بها وهو دملي عثمان كاشف الذي قتل الشيخ أحمد البراني المتقدم ذكره فإنه بعد تلك الحادثة قلدوه كشوفية الجيزة وذهب إليها وأقام بها فلما بلغه ذلك ركب على الفور في نحو خمسة وعشرين خيالًا ورمحوا عليهم فانهزموا أمامهم فطمع فيهم وذهب خلفهم إلى ناحية برنشت فخرج عليه كمين آخر واحتاطوا به وقتلوه وقطعوا رأسه وستة أنفار معه وذهبوا برؤوسهم على مزاريق واقتص الله منه فكان بينه وبين قتله للمذكور دون الشهر وكان مشهورًا فيهم بالشجاعة والإقدام‏.‏

وفيه اجتهدوا في تشهيل علوفة وذخيرة وجبخانة وسفروها مع جملة من العسكر نحو الخمسمائة في يوم الاثنين ثالث عشرينه‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه وصل الدلاة إلى الخانكة فحضر منهم طائفة ودخلوا إلى مصر فردوهم إلى أصحابهم حتى يكونوا بصحبتهم في الدخول‏.‏ وفي

يوم الخميس نزل كتخدا الباشا وصالح آغاقوش وخرجوا إلى جهة العادلية

لملاقاة الدلاة المذكورين وكبيرهم يقال له ابن كور عبد الله‏.‏

وفي يوم الجمعة دخل الدلاة المذكورون وصحبتهم الكتخدا وصالح آغاقوش وكاشف الشرقية وكاشف القليوبية وطوائف العسكر ومعهم نقاقير الطبول وهم نحو الألفين وخمسمائة أجناس مختلفة وأشكال مجتمعة فذهبوا إلى ناحية مصر القديمة ونواحي الآثار وانقضت السنة وما حصل بها من الغلاء وتتابع المظالم والفرد على البلاد وإحداث الباشا له مرتبات وشهريات على جميع البلاد والقبض على أفراد الناس بأدنى شبهة وطلب الأموال منهم وحبسهم واشتد الضنك في آخر السنة وعدم القمح والفول والشعير وغلا ثمن كل شيء ولولا اللطف على الخلائق بوجود الذرة حتى لم يبق بالرقع والعرصات سواه واستمرت سواحل الغلال خالية من الغلة هذا العام من العام الماضي وبطول هذه السنة امتنع الوارد من الجهة القبلية ومع ذلك اللطف حاصل من المولى جل شأنه ولم يقع قحط ولا موت من الجوع كما رأينا في العلوات السابقة من عدم الخبز في الأسواق وخطف أطباق العيش والكعك وأكل القشور وما يتساقط من قشور الخضروات وغير ذلك‏.‏

وأما من مات في هذه السنة من الأعيان فقد مات العمدة العلامة والتحرير الفهامة الفقيه النبيه الأصولي النحوي المنطقي الشيخ موسى السرسي الشافعي أصله من سرس الليانة بالمنوفية وحضر إلى الأزهر ولازم الاستفادة وحضور الأشياخ من الطبقة الثانية كالشيخ عطية الأجهوري والشيخ عيسى البراوي والشيخ محمد الفرماوي وغيرهم وتمهروا نجب في المعقولات والمنقولات وإقراء الدروس وأفاد الطلبة وانطوى إلى الشيخ حسن الكفراوي مدة ورافقه في الإفتاء والقاضاي ثم إلى شيخنا الشيخ أحمد العروسي وصار من خاصة ملازميه وتخلق بأخلاقه وألزم أولاده بحضور دروسه المعقولية وغيرها دون غيره لحس إلقائه وجودة تفهيمه وتقريره واشتهر ذكره وراش جناحه وراج أمره بانتسابه للشيخ المذكور واشترى أملاكًا واقتنى عقارًا بمصر وببلده سرس ومنوف ومزارع وطواحين ومعاصر واشترى دار نفيسة بدرب عبد الحق بالأزبكية وعدد الأزواج واشترى الجواري والعبيد والحبشيات الحسان وكان حلو المفاكهة حسن المعاشرة عذب الكلام مهذب النفس جميل الأخلاق ودودًا قليل الادعاء محبًا لإخوانه مستحضرًا للفروع الفقهية وكان يكتب على غالب الفتاوى عن لسان الشيخ العروسي ويعتمده في النقول والأجوبة عن المسائل الغامضة والفروع المشكلة وله كتابات وتحقيقات ولم يزل مشتغلًا بشأنه حتى تعلل أيامًا بدار بميدان القطن مطلة على الخليج وتوفي يوم السبت سادس عشرين جمادى الأولى من السنة‏.‏

ومات الجناب المكرم والمشير المفخم الوزير الكبير والدستور الشهير أحمد باشا الشهير بالجزار وأصله من بلاد البشناق وخدم عند المرحوم علي باشا حكيم أوغلي وعمل عنده شفاسيًا وحضر صحبته إلى مصر في ولايته الثانية سنة إحدى وسبعين ومائة وألف فتشوقت نفسه إلى الحج واستأذن مخدومه فأذن له في ذلك وأوصى عليه أمير الحاج إذ ذاك صالح بك القاسمي فأخذه صحبته وأكرمه وواساه رعاية لخاطر علي باشا ورجع معه إلى مصر فوجد مخدومه قد انفصل من ولاية مصر وسافر إلى الديار الرومية ووصل نعيه بعد أربعة أشهر من ذهابه فاستمر المترجم بمصر وتزيا بزي المصريين وخدم عند عبد الله بك تابع علي بك بلوط قبان وتعلم الفروسية على طريق الأجناد المصرية فأرسل علي بك عبد الله بك بتجريدة إلى عرب البحيرة فقتلوه فرجع المترجم مع باقي أصحابه إلى مصر فقلده علي بك كشوفية البحيرة وقال له ارجع إلى الذين قتلوا أستاذك وخلص ثأره فذهب إليهم وخادعهم واحتال عليهم وجمعهم في مكان وقتلهم وهم نيف وسبعون كبيرًا وبذلك سمي بالجزار ورجع منصورًا وأحبه علي بك لنجابته وشجاعته وتنقل عنده في الخدم والمناصب والأمريات ثم قلده الصنجقية وصار من جملة أمرائه ولما خرج علي بك منفيًا خرج صحبته ورافقه في الغربة والتنقلات والوقائع ولم يزل حتى رجع علي بك وصحبته صالح بك من الجهة القبلية وقتل خشداشينه وغيرهم ثم عزم على غدر صالح بك وأسر بذلك إلى خاصته ومنهم المترجم فلم يسهل به ذلك وتذكر ما بينه وبين صالح بك من المعروف السابق فأسر به إليه وحذره فلما اختلى صالح بك بعلي بك عرض له بذلك فحلف له علي بك أنه باق على مصافاته وكذب المخبر إلى أن كان ما كان من قتلهم وغدرهم لصالح بك كما تقدم وإحجام المترجم وتأخره عن مشاركته لهم في دمه ومناقشتهم له بعد الانفصال فتجسم له الأمر فتنكر وخرج هاربًا من مصر في صورة شخص جزائرلي وتفقده علي بك وأحاط بداره وكان يسكن ببيت شكر فره بالقرب من جامع أزبك اليوسفي فلم يجدوه وسار المذكور إلى سكندرية وسافر إلى الروم ثم رجع إلى البحيرة وأقام بعرب الهنادي وتزوج هناك ولما أرسل علي بك التجاريد إلى ابن حبيب والهنادي حارب المترجم معهم ثم سار إلى بلاد الشام فاستمر هناك في هجاج وتنقلات ومحاربات واشترى مماليك واجتمع لديه عصبة واشتهر أمره في تلك النواحي ولم يزل على ذلك إلى أن مات الظاهر عمر في سنة تسع وثمانين ومائة وألف ووصل حسن باشا الجزائرلي إلى عكا فطلب من يكون كفؤًا للإقامة بحضنها فذكروا له المترجم فاستدعاه وقلده الوزارة وأعكاه الأطواخ والبيرق وأقام بحصن عكا وعمر أسوارها وقلاعها وأنشأ بها البستان والمسجد واتخذ له جندًا كثيفًا واستكثر من شراء المماليك وآغار على تلك النواحي وحارب جبل الدروز مرارًا وغنم منهم أموالًا عظيمة ودخلوا في طاعته وضرب عليهم وعلى غيرهم الضرائب وجبيت إليه الأموال من كل ناحية حتى ملأ الخزائن وكنز الكنوز وصار يصانع أهل الدولة ورجال السلطنة ويتابع إرسال الهدايا والأموال إليهم وتقلدوا ولاية بلاد الشام وولى على البلاد نوابًا وحكامًا من طرفه وطلع بالحج الشامي مرارًا وأخاف النواحي وعاقب على الذنب الصغير بالقتل والحبس والتمثيل وقطع الآناف والآذان والأطراف ولم يغفر زله عالم لعلمه أو ذي جاه لوجاهته وسلب النعم عن كثير جدًا من ذوي النعم واستأصل أموالهم ومات في محبسه ما لا يحصى من الأعيان والعلماء وغيرهم ومنهم من أطال حبسه سنين حتى مات واتفق أنه استراب من بعض سراريه ومماليكه فقتل من قويت فيه الشبهة وحرقهم ونفى الباقي الجميع ذكورًا وإناثًا بعد أن مثل بهم وقطع آنافهم وأخرجهم من عكا وطردهم وسخط على من أواهم أو تاواهم ولو في أقصى البلاد وحضر الكثير منهم إلى مصر وخدموا عند الأمراء وانضوى نحو العشرين منهم وخدموا عند علي بك كتخدا الجاويشية فلما بلغ المترجم ذلك تغير خاطره من طرفه وقطع حبل وداده بعد أن كان يراسله ويواصله دون غيره من أمراء مصر وكان ذلك سبب استيحاشه منه إلى أن مات ولما فعل بهم ذلك تعصب عليه مملوكاه سليم باشا الكبير وسليمان باشا الصغير وهو الموجود الآن وانضم إليهما المتآمرون من خشداشينهما وغيرهم غيظًا على ما فعله بخشداشينهم وعلمهم بوحدته وانفراده وحاصروه بعكا ولم يكن معه إلا القليل من العساكر البرانيين والفعلة والصناع الذين يستعملهم في البناء فألبسهم طراطير مثل الدلاة وأصعدهم إلى الأسوار مع الرماة والطبجية ورآهم المخالفون عليه فتعجبوا وقالوا أنه يستخدم الجن وكبس عليهم في غفلة من الليل وحاربهم وظهر عليهم وأذعنوا لطاعته وتفرق عنهم المساعدون لهم ثم تتبعهم واقتص منهم وكاد البلاد وقهر العباد ونصبت الدولة فخاخًا لصيده مرارًا فلم يتمكنوا من ذلك فلم يسعهم بعد ذلك إلا مسالمته ومسايرته وثبت قدمه وطار صيته في جميع الممالك الإسلامية والقرانات الإفرنجية والثغور واشتهر ذكره وراسله ملوك النواحي وراسلهم وهادوه وهابوه وبنى عدة صهاريج وملأها بالزيت والسمن والعسل والسيرج والأرز وأنواع الغلة وزرع ببستانه سائر أصناف الفواكه والنخيل والأعناب الكثيرة وجدد دولته ثانيًا واشترى مماليك وجواري بدلًا عن الذين أبادهم وبالجملة فكان من غرائب الدهر وأخباره لا يفي القلم بتسطيرها ولا يسعف الفكر بتذكارها ولو جمع بعضها جاءت مجلدات ولو لم يكن له من المناقب إلا استظهاره على الفرنساوية وثباته في محاربتهم له أكثر من شهرين ولم يغفل فيها لحظة لكفاه وكان يقول أن الفرنساوية لو اجتهدوا في إزالة جبل عظيم لأزالوا في أسرع وقت وقد تقدم بعض خبر ذلك في محله وكان يقول أنا المنتظر وأنا أحمد المذكور في الجفور الذي يظهر بين القصرين واستخرج له كثير من الذين يدعون معرفة الاستخراج عبارات وتأويلات ورموزًا وإشارات ويقولون المراد بالقصرين مكانان جهة الشام أو المحملان أو نحو ذلك من الوساوس ولم يزل حتى توفي في آخر هذا العام على فراشه وكن سليمان باشا تابعه غائبًا بالحجاز في إمارة الحج الشامي فلما علم أنه مفارق الدنيا أحضر إسماعيل باشا والي مرعش وكان في محبسه يتوقع منه المكروه في كل وقت فأقامه وكيلًا عنه إلى حضور سليمان باشا من الحج وأعطاه الدفاتر وعرفه بعلوفة العسكر وأوصاه فلما انقضى نحبه ودفنوه صرف النفقة واتفق مع طه الكردي وصالح الدولة وتحصن بعكا وحضر سليمان باشا فامتنعا عليه ولم يمكنه الدخول إليها فاستمر إسماعيل باشا إلى أن أخرجه أتباع المترجم بحيلة وملكوا سليمان باشا بعد أمور لم تتحقق كيفيتها وذلك ومات عين الأعيان ونادرة الزمان شاه بندر التجار والمرتقي بهمته إلى سنام الفخار النبيه النجيب والحسيب النسيب السيد أحمد بن أحمد الشهير بالمحروقي الحريري كان والده حريريًا بسوق العنبريين بمصر وكان رجلًا صالحًا منور الشيبة معروفًا بصدق اللهجة والديانة والأمانة بين أقرانه وولد له المترجم فكان يدعو له كثيرًا في صلاته وسائر تحركاته فلما ترعرع خالط الناس وكتب وحسب وكان على غاية من الحذق والنباهة وأخذ وأعطى وباع واشترى وشارك وتداخل مع التجار وحاسب على الألوف واتحد بالسيد أحمد بن عبد السلام وسافر معه إلى الحجاز وأحبه وامتزج به امتزاجًا كليًا بحيث صارا كالتوأمين أو روح حلت بدنين ومات عمدة التجار العرايشي وهو بالحجاز وهو أخو السيد أحمد بن عبد السلام في تلك السنة فأحرز مخلفاته وأمواله ودفاتر شركائه فتقيد المترجم بمحاسبة التجار والشركاء والوكلاء ومحاققتهم فوفر عليه لكوكا من الأموال واستأنف الشركات والمعاوضات وعد ذلك من سعادة مقدم المترجم ومرافقته له ورجع صحبته إلى مصر وزادت محبته له ورغبته فيه وكان لابن عبد السلام شهرة ووصلة بأكابر الأمراء كأبيه وخصوصًا مراد بك فيقضي له ولأمرائه لوازمهم اللازمة لهم ولأتباعهم واحتياجاتهم من التفاضيل والأقمشة الهندية وغيرها وينوب عنه المترجم في غالب أوقاته وحروكاته ولشدة امتزاج الطبيعة بينهما صار يحاكيه في ألفاظه ولغته وجميع اصطلاحاته في الحركات والسكنات والخطرات واشتهر ذكره به عند التجار والأعيان والأمراء واتحدا بمحمد آغا البارودي كتخدا مراد بك اتحادًا زائدًا وأتحفاه بالجرايا وخصصاه بالمزايا فراج به عند مخدومه شأنهما وارتفع بالزيادة قدرهما ولما تأمر إسماعيل بك واستوزر أيضًا البارودي استمر حالهما كذلك بل وأكثر إلى أن حصل الطاعون ومات به السيد أحمد بن عبد السلام في شعبان فاستقر المترجم في مظهره ومنصبه شاه بندر التجار بواسطة البارودي أيضًا وسعايته وسعادة طالعه وسكن داره العظيمة التي عمرها بجوار الفحامين محل دكة الحسبة القديم وتزوج بزوجاته واستولى على حواصله ومخازنه واستقل بها من غير شريك ولا وارث وعند ذلك زادت شهرته وعظم شأنه ووجاهته ونفذت كلمته على أقرانه ولم يزل طالعه يسمو وسعده يزيد وينمو وعاد مراد بك والأمراء المصريون بعد موت إسماعيل بك وانقلاب دولته إلى إمارة مصر فاختص بخدمته وقضاء سائر أشغاله وكذلك إبراهيم بك وباقي الأمراء وقدم لهم الهدايا والظرائف وواسى الجميع أعلاهم وأدونهم بحسن الصنع حتى جذب إليه قلوب الجميع ونافس الرجال وانعطفت إليه الآمال وعامل تجار النواحي والأمصار من سائر الجهات والأقطار واشتهر ذكره بالأراضي الحجازية وكذا بالبلاد الشامية والرومية واعتمدوه وكاتبوه واسلوه وأودعوه الودائع وأصناف التجارات والبضائع وزوج ولده السيد محمد وعلم له مهابًا عظيمًا افتخر فيه إلى الغاية ودعا الأمراء والأكابر والأعيان وأرسل إليهم إبراهيم بك ومراد بك الهدايا العظيمة المحملة على الجمال الكثيرة وكذلك باقي الأمراء ومعها الأجراس التي لها رنة تسمع من البعد ويقدمها جمل عليه طبل نقارية وذلك خلاف هدايا التجار وعظماء الناس والنصارى الأروام والأقباط الكتبة وتجار الإفرنج والأتراك والشوام والمغاربة وغيرهم وخلع الخلع الكثيرة وأعطى البقشيش والإنعامات والكساوى ولا يشغله أمر عن أمر آخر يمضيه أو غرض ينفذه ويقضيه كما قيل أخو عزمات لا يريد على الذي يهم به من مفظع الأمر صاحبًا إذا هم ألقى بين عينيه عزمه وفكب عن ذكر العواقب جانبًا‏.‏

وحج في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف وخرج في تجمل زائد وجمال كثيرة وتختروانات ومواهي ومسطحات وفراشين وخدم وهجن وبغال وخيول وكان يوم خروجه يومًا مشهودًا اجتمع الكثير من العامة والنساء وجلسوا بالطريق للفرجة عليه ومن خرج معه لتشييعه ووداعه من الأعيان التجار الراكبين والراجلين معه منهم وبأيديهم البنادق والأسلحة وغير ذلك وبعث بالبضائع والذخائر والقومانية والأحمال الثقيلة على طريق البحر لمرساة الينبع وجدة وعند رجوع الركب وصل الفرنساوية إلى بر مصر ووصلهم الخبر بذلك وأرسل إبراهيم بك إلى صالح بك أمير الحاج يطلبه مع الحجاج إلى بلبيس كما تقدم وذهب بصحبتهم المترجم وجرى عليه ما ذكر من نهب العرب متاعه وحموله وكان شيئًا كثيرًا حتى ما كان عليه من الثياب وانحصر بطريق القرين فلم يجد عند ذلك بدًا من مواجهة الفرنساوية فذهب إلى ساري عسكر بونابارته وقابله فرحب به وأكرمه ولامه على فراره وركونه للمماليك فاعتذر إليه بجهل الحال فقبل عذره واجتهد له في تحصيل المنهوبات وأرسل في طلب المتعدين واستخلص ما أمكن استخلاصه له ولغيره وأرسلهم إلى مصر وأصحب معهم عدة من العساكر لخفارتهم ويقدمهم طبلهم وهم مشاة بالأسلحة بين أيديهم حتى أدخلوهم إلى بيوتهم ولما رجع ساري عسكر إلى مصر تردد عليه وأحله محل القبول وارتاح إليه في لوازمه وتصدى للأمور وقضايا التجار وصار مرعي الجانب عنده ويقبل شفاعاته ويفصل القوانين بين يديه ويدي أكابرهم ولما رتبوا الديوان تعين من الرؤساء فيه وكاتبوا التجار أهل الحجاز وشريف مكة بواسطته واستمر على ذلك حتى سافر بونابارته ووصل بعد ذلك عرضي العثمانية والأمراء المصرية فخرج فيمن خرج لملاقاتهم وحصل بعد ذلك ما حصل من نقض الصلح والحروب واجتهد المترجم في أيام الحرب وساعد وتصدى بكل همته وصرف أموالًا جمة في المهمات والمؤن إلى أن كان ما كان من ظهور الفرنساوية وخروج المحاربين من مصر ورجوعهم فلم يسعه إلا الخروج معهم والجلاء عن مصر فنهب الفرنساوية داره وما يتعلق به ولما استقر يوسف باشا الوزير جهة الشام آنسه المترجم وعاضده واجتهد في حوائجه واقترض الأموال وكاتب التجار وبذل همته وساعده بما لا يدخل تحت طوق البشر ويراسل خواصه بمصر سرًا فيطالعونه بالأخبار والأسرار إلى أن حصل العثمانيون بمصر فصار المترجم هو المشار إليه في الدولة والتزم بالإقطاعات والبلاد وحضر الوزير إلى داره وقدم إليه التقادم والهدايا وباشر الأمور العظيمة والقضايا الجسيمة وما يتعلق بالدول والدواوين والمهمات السلطانية وازدحم الناس ببابه وكثرت عليه الأتباع والأعوان والقواسة والفراشون وعساكر رومية ومترجمون وكلارجية ووكلاء وحضرت مشايخ البلاد والفلاحون الكثيرة بالهدايا والتقادم والأغنام والجمال والخيول وضارقت داره بهم فاتخذ دورًا بجواره وأنزل بها الوافدين وجعل بها مضايف وحبوسًا وغير ذلك‏.‏

ولما قصد يوسف باشا الوزير السفر من مصر وكله على تعلقاته وخصوصياته وحضر محمد باشا خسرو فاختص به أيضًا اختصاصًا كليًا ويلم إليه المقاليد الكلية والجزئية وجعله أمير الضربخانه وزادت صولته وشهرته وطار صيته واتسعت دائرته وصار بمنزلة شيخ البلد بل أعظم ونفدت أوامره في الإقليم المصري والرومي والحجازي والشامي ودرك من العز والجاه والعظمة ما لم يتفق لأمثاله من أولاد البلد وكان ديوان بيته أعظم الدواوين بمصر وتغرب وجهاء الناس لخدمته والوصول لسدته ووهب وأعطى وراعى جانب كل من انتمى إليه وأغدق عليه وكان يرسل الكساوى في رمضان للأعيان والفقهاء والتجار وفيها الشالات الكشميري ويهب المواهب وينعم الإنعامات ويهادي أحبابه ويسعفهم ويواسيهم في المهمات وعمل عدة أعراس وولائم وزاره محمد باشا المذكور في داره مرتين أو ثلاثة باستدعاء وقدم له التقادم والهدايا والتحايف والرخوت المثمنة والخيول والتعابي من الأقمشة الهندية والمقصبات ولما ثارت العسكر على محمد باشا وخرج فارًا كان بصحبته في ذلك الوقت فركب أيضًا يريد الفرار معه واختلفت بينهما الطرق فصادفته طائفة من العسكر فقبضوا عليه وعروا ثيابه وثياب ولده ومن معه وأخذوا منه جوهرًا كثيرًا ونقودًا ومتعًا فلحقه عمر بك الأرنؤدي الساكن ببولاق وأدركه وخلصه من أيديهم وأخذه إلى داره وحماه وقابل به محمد علي وغيره وذهب إلى داره واستقر بها إلى أن انقضت الفتنة وظهر طاهر باشا فساس أمره معه حتى قتل وحضر الأمراء المصريون فتداخل معهم وقدم لهم وهاداهم واتحد بهم وبعثمان بك البرديسي فأبقوه على حالته ونجز مطلوبات الجميع ولم يتضعضع للمزعجات ولم يتقهقر من المفزعات حتى أنهم لما أرادوا تقليد الستة عشر صنجقًا في يوم أحضره البرديسي تلك الليلة وأخبره بما اتفقوا عليه ووجده مشغول البال متحيرًا في ملزوماتهم فهون عليه الأمر وسهله وقضى له جميع المطلوبات واللوازم للستة عشر أميرًا في تلك الليلة وما أصبح النهار إلا وجميع المطلوبات من خيول ورخوت وفراوى وكساوى ومزركشات وذهب وفضة برسم الإنعامات والبقاشيش ومصروف الجيب حاضر لديه بين يديه حتى تعجب هو والحاضرون من ذلك وقال له مثلك من يخدم الملوك وأعطاه في ذلك اليوم فارسكور زيادة عما بيده ولما ثارت العسكر على الأمراء المصريين وأخرجوهم من مصر وأحضروا حمد باشا خورشيد من سكندرية وقلدوه ولاية مصر وكان كبعض الأغوات مختصر الحال هيا له رقم الوزارة والرخوت والخلع واللوازم في أسرع وقت وأقرب مدة ولم يزل شأنه في الترفع والصعود وطالعه مقارنًا للسعود وحاله مشهور وذكر منشور حتى فاجأته المنية وحالت بينه وبين الأمنية وذلك أنه لما دعا الباشا في يوم الثلاثاء سابع عشر شهر شعبان نزل إلى داره وتغدى عنده وأقام نحو ساعتين ثم ركب وطلع إلى القلعة فأرسل في أثره هدية جليلة صحبة ولده والسيد أحمد الملا ترجمانه وفي بقج قماش هندي وتفاصيل ومصوغات مجوهرة وشمعدانات فضة وتحايف وخيول مرختة وبدونها برسمه ورسم كبار أتباعه ومضى على ذلك خمسة أيام فلما كان ليلة الأحد ثاني عشرين شعبان المذكور جلس حصة من الليل مع أصحابه يحادثهم ويملي الكتبة والمراسلات والحسابات فأخذته رعدة وقال إني أجد بردًا فدثروه ساعة ثم أرادوا إيقاظه إلى حريمه فحركوه فوجدوه خالصًا قد فارق الدنيا من تلك الساعة التي دثروه فيها فكتلوا أمره حتى ركب ولده السيد محمد إلى الباشا في طلوع النهار وأخبره ثم رجع إلى داره وحضر ديوان أفندي والقاضي وختموا على خزانته وحواصله وأشهروا موته وجهزوه وكفنوه وصلوا عليه بالأزهر في مشهد حافل ثم رجعوا به إلى زاوية العربي تجاه داره ودفنوه مع السيد أحمد بن عبد السلام وانقضى أمره ثم أن الباشا ألبس ولده محمد فروة وقفطانًا على الضربخانه وما كان عليه والده من خدمة الدولة والالتزام ونزل من القلعة صحبة القاضي ثم ذهب إلى داره بارك الله فيه وأعانه على وقته‏.‏

ومات الأمير المبجل علي آغا يحيى وأصله مملوك يحيى كاشف تاع أحمد بك السكري الذي كان كتخدا عند عثمان بك الفقاري الكبير المتقدم ذكرهما ولما ظهر علي بك وأرسل محمد بك ومن معه إلى جهة قبلي بعد قتل صالح بك كان الأمير يحيى في جملة الأمراء الذين كانوا بأسيوط ووقع لهم ما تقدم ذكره من الهزيمة وتشتتوا في البلاد فذهب الأمير يحيى إلى إسلامبول وصحبته مملوكه المترجم وأقام هناك إلى أن مات فحضر الأمير علي تابعه إلى مصر في أيام محمد بك وتزوج ببنت أستاذه وسكن بحارة السبع قاعات واشتهر بها وعمل كتخدا عند سليمان آغا الوالي إلى أن تقلد سليمان آغا المذكور آغاوية مستحفظان فصار المترجم مقبولًا عنده ويتوسط للناس عنده في القضايا والدعاوي واشتهر ذكره من حينئذ وارتاح الناس عليه في غالب المقتضيات وباشر فصل الحكومات بنفسه وكان قليل الطمع لين الجانب ولما تقلد مخدومه الصنجقية بقي معه على حالته في القبول والكتخدائية وزادت شهرته وتداخل في الأمور الجسيمة عند الأمراء ولما حضر حسن باشا وخرج مخدومه من مصر مع من خرج وظهر شأن إسماعيل بك والعلويين استوزره حسن بك الجداوي وعظم أمره أيضًا في أيامه مع مباشرته لوازم مخدومه الأول وقضاء أشغاله سرًا واشترى دار مصطفى آغا الجراكسة التي بجوار العربي بالقرب من الفحامين وانتقل من السبع قاعات وسكن بها وسافر مرارًا إلى الجهة القبلية سفيرًا بين الأمراء البحرية والقبلية في المراسلات والمصالحات وكذلك في بعض المقتضيات بالبلاد البحرية ولم يزل وافر الحرمة حتى كانت دولة العثمانيين ونما أمر السيد أحمد المحروقي فانضوى إليه لقرب داره منه فقيده ببعض الخدم وجبي الأموال من البلاد الجسيمة فأرسله قبل موته إلى جهة بشبيش فمرض بها فلما تأمر حسن بك أخو طاهر باشا على التجريدة الموجهة إلى ناحية قبلي طلبوا رجلًا من المصريين يكون رئيسًا عاقلًا يكون كتخدا فأشاروا على المترجم فطلبه الباشا من السيد أحمد المحروقي فأرسل إليه بالحضور فوصل في اليوم الذي توفي فيه المحروقي فأقام أيامًا حتى قضى أشغاله وسافر وهو متوعك وتوفي بسملوط في ثالث القعدة وحضر برمته في ليلة الجمعة ثامنه وخجوا بجنازته من بيته وصلوا عليه بالأزهر ودفنوه بالقرافة رحمه الله تعالى وغفر له‏.‏

فكان ابتداء المحرم يوم الاثنين ولما نزل الدلاة جهة البساتين وتلك النواحي فأكلوا زروعات الناس ونهبوا دورًا بدير الطين وطلبوا علوفات زائدة رتب لهم الباشا الجرايات والعليق والجامكية وقدرها ستمائة كيس في كل شهر‏.‏

وفي ثامنه سافر أناس كثيرة لزيارة مولد سيدي أحمد البدوي المعتاد وسافر أيضًا الشيخ الشرقاوي وحضر هناك كاشف الغربية وحصل منه قبائح كثيرة وقبض على خلائق كثيرة وبلصهم وحبسهم وخوزق أناسًا كثيرة من غير ذنب ولا يقبل شفاعة أحد في شيء‏.‏

وفيه أشيع قدوم محمد علي وحسن باشا إلى مصر وذلك أنهما لما سمعا بوصول طائفة الدلاة وأن أحمد باشا أرسل إليهم وطلبهم ليتعاضد بهم ويقوي بهم ساعده على الأرنؤدية عزموا على الرجوع إلى مصر ليتلافوا أمرهم قبل استفحال الأمر‏.‏

وفي يوم الخميس حادي عشره طلب الباشا المشايخ وعمر أفندي النقيب والوجا قليلة وأرباب الديوان فلما اجتمعوا قال لهم أن محمد علي وحسن باشا راجعان من قبلي من غير إذن وطالبان شرًا فإما أن يرجعا من حيث أتيا ويقاتلا المماليك وإما أن يذهبا إلى بلادهما أو أعطيهما ولا يات ومناصب في غير أراضي مصر ومعي أمر من السلطان ووكيل مفوض ودستور مكرم أعزل من أشاء وأولي من أشاء وأعطي من أشاء وأمنع من أشاء ثم أخرج من جيبه ورقة صغيرة في كيس حرير أخضر وأخبرهم أنها بخط السلطان بما ذكر فأنتم تكونون معي وتقيمون عندي صحبة كبار الوجاقلية فقالوا له أن الشيخ الشرقاوي والشيخ البكري والشيخ المهدي غائبون عن مصر فقال نرسل لهم بالحضور فكتبوا لهم أوراقًا من الباشا وأرسلوها إليهم مع السعاة يستعجلونهم للحضور ثم اتفقوا على أن يبيت عنده بالقلعة في كل ليلة اثنان من المتعممين واثنان من الجاقلية وأعدوا لهم مكانًا بالضربخانه وأمر بأن يذهب الدلاة والعسكر الباقية إلى ناحية طرا والجيزة وأخذوا مدافه وجبخانه ووصل محمد علي وحسن باشا إلى ناحية طرا ومعهم عساكرهم فلم يجسر الدلاتية على ممانعتهم وكاد لهم محمد علي مكايد منها أنه أرسل إليهم يقول إنما جئنا في طلب العلائف ولسنا مخالفين ولا معاندين فقال الدلاتية لبعضهم إذا كان الأمر كذلك فلا وجه للتعرض لهم وأخلوا من طريقهم ودخل الكثير من طوائف عساكرهم ورجع الدلاتية إلى أماكنهم بدير الطين وقصر العيني والآثار ونزل كتخدا الباشا وعمر بك الأرنؤدي فتكلما مع الدلاتية فقالوا أن القوم لم يكن عندهم خلاف ولا تعدو إذا كنتم تمنعون وتحاربون من يطلب حقه فكذلك تفعلون معنا إذا خدمناكم زمنًا ثم طلبنا علائفنا فرجع الكتخدا وعمر بك الأرنؤدي وتتابع دخول أولئك في كل يوم طائفة بعد أخرى وسكنوا الدور والبيوت‏.‏

وفي يوم الأربعاء ذهب إليهم سعيد آغا وقابجي باشا الأسودان وسلما على محمد علي وحسن باشا ثم رجعا‏.‏

وفي يوم الجمعة تاسع عشره دخل محمد علي بعد العصر وهب إلى بيته بالأزبكية ودخل حسن باشا في صبحها ودخلت طوائفهم وأخذوا الحمير والبغال وجمال السقائين لينقلوا عليها متاعهم ودخلوا البيوت وأزعجوا السكان وأخرجوهم من مساكنهم وفتحوا البيوت المسدودة وكثرت أخلاطهم بالأسواق ومنع الباشا المشايخ والوجاقلية من الذهاب إلى محمد علي والسلام عليه واستمر الأمر على القلقلة واللقلقة والتوحش وأخذ محمد علي في التدابير على أحمد باشا وخلعه‏.

شهر صفر الخير سنة 1220

استهل بيوم الأربعاء والأمر على ما هو عليه وسعيد آغا ساع ومجتهد في إجراء الصلح ويركب تارة إلى الباشا وتارة إلى محمد علي وإلى حسن باشا ويطلع من المشايخ في كل ليلة اثنان وكذلك اثنان من الوجاقلية يبيتون بمكان في دار الضرب وينزلون في الصباح ولم يعقل لذلك معنى وفي كل وقت يقع التشاحن بين أفراد العسكر في الطرقات ويقتلون بعضهم بعضًا وحضر سليمان كاشف البواب ومر من خلف الجيزة وذهب إلى جهة وردان وطلب الأموال من البلاد والكلف وعدى خازنداره إلى بر المنوفية ومعه عدة كثيرة من العربان بطلب الأموال من البلاد ومن عصى عليهم من البلاد ضربوهم ونهبوهم وحرقوا أجرانهم وكاشف المنوفية داخل منوف لا يقدر على الخروج إلى خارج وحضر أيضًا محمد بك الألفي إلى ناحية أبي صير الملق وانتشرت طوائفه وعربانه بإقليم الجيزة ومصر مشحونة بأخلاط العسكر وأجناسهم المختلفة داخل المدينة وخارجها والدالاتية جهة مصر القديمة وقصر العيني والآثار ودير الطين يأكلون الزروعات ويخطفون ما يجدونه مع الفلاحين والمارين ويأخذونن ما معهم ويخطفون النساء والأولاد بل ويلوطون في الرجال الاختيارية‏.‏

وفي أوله حضر سكان مصر القديمة نساء ورجالًا إلى جهة الجامع الأزهر يشكون ويستغيثون من أفعال الدالاتية ويخبرون أن الدالاتية قد أخرجوهم من مساكنهم وأوطانهم قهرًا عنهم ولم يتركوهم يأخذون ثيابهم ومتاعهم بل ومنعوا النساء أيضًا عندهم وما خلص منهم إلا من تسلق ونط من الحيطان وحضروا على هذه الصورة فركب المشايخ إلى الباشا وخاطبوه في أمرهم فكتب فرمانًا خطابًا للدالاتية بالخروج من الدور وتركها إلى أصحابها فلم يمتثلوا ولم يسمعوا ذلك وخوطب الباشا ثانيًا وأخبروه بعصيانهم فقال أنهم مقيمون ثلاثة أيام ثم يسافرون وزاد الضجيج والجمع فاجتمع المشايخ في صبحها يوم الخميس بالأزهر وتركوا قراءة الدروس وخرجت سربة من الأولاد الصغار يصرخون بالأسواق ويأمرون الناس بغلق الحوانيت وحصل بالبلدة ضجة ووصل الخبر إلى الباشا بذلك فأرسل كتخداه إلى الأزهر فلم يجد أحدًا وكان المشايخ انتقلوا بعد الظهر إلى بيتهم لأغراض نفسانية وفشل مستمر فيهم فلما ير أحدًا ذهب إلى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر هناك السيد عمر أفندي وخلافه فكلموه وأوهموه ثم قام وانصرف وفي حال خروجه رجمه الأولاد بالحجارة وسبوه وشتموه وبقي الأمر على السكوت إلى يوم الجمعة عاشره والمشايخ تاركون الحضور إلى الأزهر وغالب الأسواق والدكاكين مغلقة واللغط والوسوسة دائران وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة وفي ذلك اليوم نزل أحمد باشا من القلعة ودخل بيت سعيد آغا وذلك أنه ورد قاصد من إسلامبول وعلى يده تقليد لمحمد علي بولاية جدة فامتنع من طلوع القلعة فوقع الاتفاق على أن الباشا ينزل إلى بيت سعيد آغا ويخلع على محمد علي ناك فلما حضر الباشا هناك وحضر محمد علي وحسن باشا وأخوه عابدي بك وتقلد محمد علي باشا ولاية جدة ولبس فروة وقاووقًا وخرج يريد الركوب ثارت عليه العسكر وطلبوا منه العلوفة فقال لهم هاهو الباشا عندكم وركب هو وذهب إلى داره بالأزبكية وصار يفرق وينثر الذهب بطول الطريق ثم أن العسكر ساروا إلى أحمد باشا ومنعوه من الركوب فلم يزل إلى بعد الغروب فلاطفهم حسن باشا ووعدهم ثم ذهب مع حسن باشا إلى داره وأشيع في المدينة حبسه وفرح الناس وباتوا مسرورين فلما طلع النهار يوم السبت تبين أنه طلع ثانيًا إلى القلعة في آخر الليل وطلع صحبته عابدي آغا بك فاغتم الناس ثانيًا‏.‏

وفي ذلك اليوم طلب الباشا من ابن المحروقي وجرجس الجوهري ألفي كيس وأشيع أنه عازم على عمل فردة على أهل البلد وطلب أجرة الأملاك بموجب قوائم الفرنساوية‏.‏

وفيه ركب الدلاة وذهبوا إلى قليوب ودخلوها واستولوا عليها وعلى دورها وربطوا خيولهم على أجرانها وطلبوا من أهلها النفقات والكلف وعملوا على الدور دراهم يطلبونها منهم في كل يوم وقرروا على دار شيخ البلد الشواربي كل يوم مائة قرش وحبسوا حريمهم عن الخروج وكان الشواربي بمصر فوصل إليه الخبر بذلك واستمروا على ذلك حتى أخذوا النساء والبنات والأولاد وصاروا يبيعونهم فيما بينهم وبعد أيام أرسل إليهم محمد علي وقرر لهم الكلف على البلاد فصاروا يقبضونها ومن عصى عليهم ضربوه ونهبوه وأرسلوا إلى بلدة يقال لها أبو الغيط فامتنعت عليهم وخرج أهلها ودفنوا متاعهم بالجزيرة المقابلة للقرية فركبوا عليهم وحاربوهم فقتل من الفلاحين زيادة عن مائة شخص ودلهم بعض الناس من الفلاحين على خباياهم بالجزيرة فذهبوا إليها واستخرجوها وكانت أشياء كثيرة والأمر لله وحده لا شريك له والمشايخ تاركون الحضور إلى الأزهر وغالب الأسواق والدكاكين مغلقة وبطل طلوع المشايخ والوجاقلية ومبيتهم بالقلعة فحضر الآغا إلى نواحي الأزهر ونادى بالأمان وفتح الدكاكين في العصر فقال الناس وأي شيء حصل من الأمان وهو يريد سلب الفقراء ويأخذ أجر مساكنهم ويعمل عليهم غرامات وباتوا في هرج ومرج فلما أصبح يوم الأحد ثاني عشره ركب المشايخ إلى بيت القاضي واجتمع به الكثير من المتعممين والعامة والأطفال حتى امتلأ الحوش والمقعد بالناس وصرخوا بقولهم شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم ومن الأولاد من يقول يا لطيف ومنهم من يقول يا رب يا متجلي أهلك العثملي ومنهم من يقول حسبنا الله ونعم الوكيل وغير ذلك وطلبوا من القاضي أن يرسل بإحضار المتكلمين في الدولة لمجلس الشرع فأرسل إلى سعيد آغا الوكيل وبشير آغا الذي حضر قبل تاريخه وعثمان آغا قبي كتخدا والدفتردار والشمعدانجي فحضر الجميع واتفقوا على كتابة عرضحال بالمطلوبات ففعلوا ذلك وذكروا فيه تعدي طوائف العسكر والإيذاء منهم للناس وإخراجهم من مساكنهم والمظالم والفرد وقبض مال الميري المعجل وحق طرق المباشرين ومصادرة الناس بالدعاوى الكاذبة وغير ذلك وأخذوه معهم ووعدوه برد الجواب في ثاني يوم وفي تلك الليلة أرسل الباشا مراسلة إلى القاضي يرفق فيها الجواب ويظهر الامتثال ويطلب حضوره إليه من الغد مع العلماء لعمل معهم مشورة فلما وصلته التذكرة حضر بها إلى السيد عمر أفندي واستشاروا في الذهاب ثم اتفقوا على عدم التوجه إليه وغلب على ظنهم أنها منه خديعة وفي عزمه شيء آخر لأنه حضر بعد ذلك من أخبرهم أنه كان أعد أشخاصًا لاغتيالهم في الطريق وينسب ذلك الفعل لأوباش العسكر أن لو عوتب بعد ذلك‏.‏

فلما أصبحوا يوم الاثنين اجتمعوا ببيت القاضي وكذلك اجتمع الكثير من العامة فمنعوهم من الدخول إلى بيت القاضي وقفلوا بابيه وحضر إليهم أيضًا سعيد آغا والجماعة وركب الجميع وذهبوا إلى محمد علي وقالوا له أنا لا نريد هذا الباشا حاكمًا علينا ولا بد من عزله من الولاية فقال ومن تريدونه يكون واليًا قالوا له لا نرضى إلا بك وتكون واليًا علينا بشروطنا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير فامتنع أولًا ثم رضي وأحضروا له كركًا وعليه قفطان وقام إليه السيد عمر والشيخ الشرقاوي فألبساه له وذلك وقت العصر ونادوا بذلك في تلك الليلة في المدينة وأرسلوا إلى أحمد باشا الخبر بذلك فقال إني مولى من طرف السلطان فلا أعزل بأمر الفلاحين ولا أنزل من القلعة إلا بأمر من السلطنة وأصبح الناس وتجمعوا أيضًا فركب المشايخ ومعهم الجم الغفير من العامة وبأيديهم الأسلحة والعصي وذهبوا إلى بركة الأزبكية حتى ملؤها وأرسل الباشا إلى مصر العتيقة فحمل جمالًا من البقسماط والذخيرة والجبخانة وأخذ غلاله من عرصة الرميلة وطلع عمر بك الأرنؤدي الساكن ببولاق عند الباشا بالقلعة ثم أن محمد علي باشا والمشايخ كتبوا مراسلة إلى عمر بك وصالح آغا قوش المعضدين لأحمد باشا المخلوع يذكرون لهما ما اجتمع عليه رأى الجمهور من عزل الباشا ولا ينبغي مخالفتهم وعنادهم لما يترتب على ذلك من الفساد العظيم وخراب الإقليم فأرسلا يقولان في الجواب أرونا سندًا شرعيًا في ذلك فاجتمع المشايخ في يوم الخميس سادس عشره ببيت القاضي ونظموا سؤالًا وكتب عليه المفتون وأرسلوه إليهم فلم يتعقلوا ذلك واستمروا على خلافهم وعنادهم ونزل كثير من أتباع الباشا بثيابهم إلى المدينة وانحل عنه طائفة الينكجرية ولم يبق معه إلا طوائف الأرنؤد المغرضون لصالح آغاقوش وعمر آغا‏.‏

وفي هذه الأيام حضر محمد بك الألفي ومن معه من أمرائه وعربانه وانتشروا جهة الجيزة واستقر الألفي بالمنصورية قرب إليهرام وانتشرت أتباعه إلى الجسر الأسود وأرسل مكاتبة إلى السيد عمر أفندي والشيخ الشرقاوي ومحمد علي باشا يطلب له جهة يستقر فيها هو وأتباعه فكتبوا له بأن يختار له جهة يرتاح فيها ويتأنى حتى تسكن الفتنة القائمة بمصر واستمر أحمد باشا المخلوع ومن معه على الخلاف والعناد وعدم النزول من القلعة ويقول لا أنزل حتى يأتيني أمر من السلطان الذي ولاني وأرسل تذكرة إلى القاضي يذكر فيها أن العسكر الذين عنده بالقلعة لهم جامكية منكسرة في المدة الماضية وأنهم كانوا محولين على مال الجهات ورفع المظالم سنة تاريخه معجلًا فتقبضونها وترسلونها وتعينوا لنا ولهم خرجًا ومصاريف إلى حين حضور جواب من الدولة وليس في إقامتنا بالقلعة ضرر أو خراب على الرعية فإننا لا نريد إضراراهم فأجابه القاضي بقوله أما ما كان من الجامكية المحولة فإنها لازمة عليكم من إيراد المدة التي قبضتموها في المدة السابقة ومن قبيل ما ذكرتموه من عدم ضرر الرعية فإن إقامتكم بالقلعة هو عين الضرر فإنه حضر يوم تاريخه نحو الأربعين ألف نفس بالمحكمة وطالبون نزولكم أو محربتكم فلا يمكننا دفع قيام هذا الجمهور وهذا آخر المراسلات بيننا وبينكم والسلام فأجابوه بمعنى الجواب الأول واجتهد السيد عمر أفندي النقيب وحرض الناس على الاجتماع والاستعداد وركب هو والمشايخ إلى بيت محمد علي باشا ومعهم الكثير من المشايخ والعامة والوجقلية والكل بالأسلحة والعصي والنبابيت ولازموا السهر بالليل في الشوارع والحارات ويسرحون أحزابًا وطوائف ومعهم المشاعل ويطوفون بالجهات والنواحي وجهات السور ثم اتفقوا على محاصرة القلعة فأرسل محمد علي باشا عساكره في جهات الرميلة والحطابة والطرق النافذة مثل باب القرافة والحصرية وطريق الصليبية وناحية بيت آقبردى وجلسوا بالمحمودية والسلطان حسن وعملوا متاريس في تلك الجهات وذلك في تاسع عشره ومنعوا من يطلع ومن ينزل من القلعة وأغلق أهل القلعة الأبواب ووقفوا على الأسوار يبكت بعضهم بعضًا بالكلام ويترامون بالبنادق وصعدوا على منارة وفي يوم الأربعاء ثاني عشرينه ركب السيد عمر أفندي والمشايخ ومعهم جمع كبير من الناس إلى الأزبكية وبعد ركوبهم حضر الجمع الكثير من العامة والعصب وطوائف الأجناد والوجاقلية وعصب النواحي وأهل الحسينية والعطوف والقرافة والرميلة والحطابة والصليبة وجميع الجهات ومعهم الطبول والبيارق حتى غصت بهم الأزقة فحضروا إلى جهات الجامع الأزهر ثم رجعوا إلى الأزبكية ولحقوا بالمشايخ وخرج لمشايخ من عند محمد علي باشا وذهبوا إلى حسن بك أخي طاهر باشا ثم رجعوا واستمر الحال على ذلك إلى ليلة الجمعة فنزل بين المغرب والعشاء عدة من العسكر كبيرة وفتحوا بابا القلعة بالرميلة وأرادوا الهجوم على المتاريس فتابعوا عليهم بالرمي فلم يزالوا يترامون إلى بعد العشاء الأخيرة ثم رجعوا وعندما سمع الناس صوت الرمي ذهبوا أرسالًا إلى جهات المتاريس ثم عادوا بعد رجوع المذكورين إلى القلعة كل ذلك وحسن باشا طاهر ومن معه من الأرنؤد يراعون من بالقلعة من أجناسهم لأن غالبهم منهم فلما كان يوم الجمعة رابع عشرينه طلع عابدي بك أخو حسن باشا إلى القلعة ونزل عمر بك وأمروا برفع المتاريس وتفرق من بها وأشيع نزول الباشا من الغدو بات الناس على ذلك ليلة السبت وهم على ما هم عليه من التجمع والسروح والحيرة‏.‏

وفي صبح يوم السبت مر ثلاثة من العسكر الشجعان بناجية مرجوش فصادفوا غلامًا حماميًا من اللاونجية خرج ليشتري قهوة فأرادوا أخذه ففر منهم فضربوه برصاصة وقتلوه وذلك في صلاة الحنفي فتبعهم الناس فوصلوا إلى النحاسين وعطفوا على خان الخليلي وأرادوا الخلوص إلى جهة المشهد الحسيني فأغلقوا في وجوههم البوابة فضربوا على المتبعين لهم فقتلوا شخصًا وجرحوا آخر وخرجوا من القبو إلى ناحية الصنادقية وفرغ ما معهم من البارود فطلعوا إلى ربع وكالة الشبراوي فاجتمع الناس وكسروا باب الربع فنزلوا يريدون الهروب فقتلهم الناس وذهبت أرواحهم إلى النار‏.‏

وفي ذلك اليوم ركب السيد عمر أفندي في قلة من الناس وذهب إلى بيت حسن بك أخي طاهر باشا وكان هناك عمر بك الذي نزل من القلعة فوقع بينه وبين السيد عمر مناقشة في الكلام طويلة ومن جملة ما قال كيف تعزلون من ولاه السلطان عليكم وقد قال الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فقال له أولو الأمر العلماء وحملة الشريعة والسلطان العادل وهذا رجل ظالم وجرت العادة من قديم الزمان أن أهل البلد يعزلون الولاة وهذا شيء من زمان حتى الخليفة والسلطان إذا سار فيهم بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه ثم قال وكيف تحصرونا وتمنعون عنا الماء والأكل وتقاتلونا نحن كفرة حتى تفعلوا معنا ذلك قال نعم قد أفتى العلماء والقاضي بجواز قتلكم ومحاربتكم لأنكم عصاة فقال أن القاضي هذا كافر فقال‏:‏ إذا كان قاضيكم كافرًا فكيف بكم وحاشاه الله من ذلك إنه رجل شرعي لا يميل عن الحق وانفصل المجلس على ذلك وخاطبه الشيخ السادات في مثل ذلك فلم يتحول عن الخلاف والعناد هذا والأمر مستمر من اجتماع الناس وسهرهم وطوافهم بالليل واتخاذهم الأسلحة والنبابيت حتى أن الفقير من العامة كان يبيع ملبوسه أو يستدين ويشتري به سلاحًا وحضرت عربان كثيرة من نواحي الشرق وغيره‏.‏

وفي يوم الاثنين ركب السيد عمر وصحبته الوجاقلية وأمامه الناس بالأسلحة والعدد والأجناد وأهل خان الخليلي والمغاربة شيء كثير جدًا ومعهم بيارق ولهم جلبة وازدحام بحيث كان أولهم بالموسكي وآخرهم جهة الأزهر وانفصل الأمر على رجوع عمر بك إلى القلعة ونزول عابدي بك بعد أن فضوا أشغالهم وعبوا ذخيرتهم واحتياجهم من الماء والزادة والغنم ليلًا ونهارًا في مدة الثلاثة أيام المذكورة وقد كانوا أشرفوا على طلب الأمان وتبين أنهم إنما فعلوا ذلك من باب المكر والخديعة واتفق الحال على إعادة المحاصرة وصعد المغرضون إلى القلعة ونزل أشخاص من المغرضين لأهل البلد إليهم ورجع السيد عمر إلى منزله وأخذ في أسباب الإحاطة بالقلعة كالأول وذلك بعد العشاء ليلة الثلاثاء ووقع إليه تمام في صبحها بذلك وجمعوا الفعلة والعربجية وشرعوا في طلوع طائفة من العسكر والعرب وغيرهم إلى الجبل وأصعدوا مدافع ورتبوا عدة جمال لنقل الاحتياجات والخبز وروايا الماء تطلع وتنزل في كل يوم مرتين وطلع إليهم الكثير من باعة الخبز والكعك والقهاوى وغير ذلك‏.‏

شهر ربيع الأول استهل بيوم الخميس سنة 1220 والأمر على ذلك مستمر من تجمع الناس وسهرهم بالليل في سائر الأخطاط‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء سادسه تحرك العسكر وطلبوا العلوفة من محمد علي فقال لهم ليس لكم عندي علوفة حتى ينزل أحمد باشا من القلعة ونحاسبه وتأخذوا علائفكم منه فلم يمتثلوا وتركوا المتاريس التي حوالي القلعة فتفرقوا وذهبوا فذهب جماعة من الرعية وتترسوا مواضعهم‏.‏

وفي ليلة الخميس ثامنه حضرت طائفة من العسكر الساكنين بناحية المظفر وقت الغروب وضربوا على من بالمتاريس من الأجناد والرعية على حين غفلة وخطفوا عمائم وأسلحة وأجلوهم عن المتراس وجلسوا به فتسامع أهل الرميلة فاجتمعوا وحضروا إليهم وكبيرهم حجاج الخضي وإسماعيل جودة وهجموا عليهم وقتلوا منهم أنفارًا وانحاز باقيهم إلى الوكالة فأغلقوها عليهم فحضر ذو الفقار كتخدا ودافع عنهم وأخرجهم ثم أرسل إلى محمد علي وأمرهم بالهروب من تلك الجهة‏.‏

وفي يوم السبت عاشره حصل من بعض أفراد العسكر قبائح وقتلوا بعض أنفار وحمارين وبغلين وقبض العامة أيضًا على أشخاص منهم وقتلوا منهم أيضًا وحضر طائفة من الأرنؤد وملكوا سبيل اسكندر بباب الخرق وحضر أيضًا طائفة ببيت السيد عمر أفندي النقيب فقام فيهم الحرس الواقفون عند باب البيت فهرب منهم طائفة خيالة ودخل منهم البعض فحجزوهم ووقعى في الناس هوزعات وكرشات ثم أحضر حسن آغا نجاتي المحتسب وأمر الأفندي بالمناداة فمر وأمامه المنادي يقول حسبما رسم السيد عمر الأفندي والعلماء لجميع الرعايا بأن يأخذوا حذرهم وأسلحتهم ويحترسوا في أماكنهم وأخطاطهم وإذا تعرض لهم عسكري بأذية قابلوه بمثلها وإلا فلا يتعرضوا له وأخذ الناس يعملون متاريس في رؤس الأخطاط ثم تركوا ذلك وحضر أيضًا شخص من طرف محمد علي ونادى بمثل ذلك ومعه أيضًا شخص ينادي بالتركي بمعنى ذلك‏.‏

وفي الليلة الماضية حضر كتخدا محمد علي ليلًا ومعه فرمان أرسله أحمد باشا المخلوع إلى الدلاة يطلبهم للحضور ويذكر لهم أنه يجب عليهم معاونته صيانة لعرض السلطنة وإقامة لناموسها وناموس الدين وأن الفلاحين محاصرونه ومانعون عند الأكل والشرب فلما وصل ذلك الفرمان إليهم بقليوب أرسلوه إلى محمد علي وأرسله محمد علي إلى السيد عمر أفندي النقيب‏.‏

وفي يوم الأحد حادي عشره وقعت أيضًا مناوشات وتعدى بعض العسكر ودخلوا باب زويلة ووصلوا إلى العقادين فخرجت عليهم طائفة المغاربة وغيرهم فتترس منهم جماعة بجامع الفاكهاني فحصروهم به وقبضوا على نحو العشرة أنفار فأخذهم السيد محمد المحروقي ودافع عنهم العامة وقتل من الفريقين بعض أنفار وحضر عابدي بك وطلبهم فسلموهم إليه ورجع‏.‏

وفي تلك الليلة أيضًا ذهب جماعة من العسكر إلى جهة الرميلة يطلبون أنفارًا منهم ساكنين بتلك الناحية أخذ أهل الرميلة سلاحهم وحبسوهم عندهم فذهبت امرأة من المتزوجات بهم فأخبرتهم فحضر منهم طائفة أواخر النهار وطلبوهم فلم يسلموا فيهم وحاربوهم وهزموهم إلى جهة الصليبة وقتل بينهم أنفار ورجع العسكر واختلطت القضية واشتبه أمرها على أهل البلد فلا يعرف كلا الفريقين الصاحب من العدو فتارة يتشابك العسكر مع أهل البلد وكذلك أهل البلد معهم وتارة يتشابك فرقة منهم مع الكائنين بالقلعة وتارة الفريقان يساعد بعضهم بعضًا وإذا رقع بين الكائنين بنواحي الرميلة مع العسكر فرح من بالقلعة وأغروا أولاد البلد بهم ومنهم من يغري العسكر على أولاد البلد ويقولون لهم بلسانهم وبالعربي اضربوا الفلاحين ونحو ذلك وبالجملة فهي قضية مشكلة بين أوباش مختلفة وطباع معوجة منحرفة ومضت ليالي المولد الشريف ولم يشعر بها أحد‏.‏

وفيه حضر كبار الدلاة فخلع عليهم محمد علي باشا خلعًا وكساوي وسافروا ثم ارتحلوا من قليوب يريدون الذهاب إلى محاربة الألفي وأتباعه ومن معهم من العرب فأنهم أفحشوا في نهب البلاد ونهب الأموال ما لم يسمع بمثله ولم يتقدم نظيره فساروا على البلاد والقرى يأخذون الكلف وينهبون ويقتلون ويفسقون في النساء والأولاد ولم يذهبوا إلى ما وجهوا إليه‏.‏

وفي ليلة الأربعاء رابع عشره حضر كتخدا محمد علي وجرجس الجوهري إلى بيت السيد عمر وحضر أيضًا الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والقاضي وتشاوروا على أمر ورأي رآه محمد علي باشا وأما علي باشا السلحدار الذي جهة مصر القديمة فإنه أخذ في استمالة العسكر وفتنتهم وانضم إليهم كثير منهم ووعدهم بعلائفهم وصار يراسل أحمد باشا سرًا ويرسل إليه الخبز واللحم والسكر والذخيرة على الجمال من باب صغير فتحوه من عرب اليسار من داخل‏.‏

وفي ليلة السبت أجمع رأي علي باشا السلحدار على مكيدة يصنعها وهو أنه يركب فيمن معه ويهجم على المتاريس من جهة الصليبة وأرسل إلى مخدومه يعلمه بذلك وأنه إذا هجم من تلك الناحية يساعده هو من القلعة برمي الدافع والقنابر على البلد والمتاريس فتنزعج الناس ويتم لهم ما مكروه وكتب رجب آغا وسليمان آغا وهما كبؤرا عسكر علي باشا المذكور تذكرة عن عندهما خطابًا للسيد عمر أفندي النقيب وباقي المشايخ مضمونها أنهما يريدان الحضور إلى جهة القلعة ويسعيان في أمر يكون فيه الراحة للفريقين وتسكين الفتنة ويلتمسان من المخاطبين أنهم يرسلون إلى من بالمتاريس من العمة بأن يخلوا لهما طريقًا ولا يتعرضون لهما فحضر إلى السيد عمر أفندي النقيب من أخبره بذلك الاتفاق بعد الفجر قبل حضور التذكرة فأرسل إلى من بالنواحي والجهات وأيقظهم وحذرهم فاستعدوا وانتظروا وراقبوا النواحي فنظروا إلى ناحية القرافة فرأوا الجمال التي تحمل الذخيرة الواصلة من علي باشا إلى القلعة ومعها أنفار من الخدم والعسكر وعدتهم ستون جملًا فخرج عليهم حجاج الخضري ومن معه من أهالي الرميلة وحاربوهم وأخذوا منهم تلك الجمال وقتلوا شخصين من العسكر وقبضوا على ثلاثة وحضروا بهم وبرؤس المقتولين إلى بيت السيد عمر فأرسلهم إلى محمد علي باشا فأمر بقتل الآخرين فلما رأى من بالقلعة ذلك فعندها رموا بالمدافع والقنابر على البلد وبيت محمد علي وحسن باشا وجهة الأزهر ولم يزالوا يراسلون الرمي من أول النهار إلى بعد الظهر فلم ينزعج أهل البلد من ذلك لما ألفوه من أيام الفرنسيس وحروبهم السابقة ثم رموا كذلك من العشاء إلى سادس ساعة من الليل فلم يجبهم أحد ولم يرموا عليهم شيئًا من الجبل مع استعدادهم لذلك وأصبحوا يوم الأحد فواصلوا الرمي بطول النهار وكذلك ليلة الاثنين ويوم الاثنين هذا‏.‏

وفي كل ليلة يطلع إلى الجبل أربعة عشر جملًا تحمل قرب الماء على كل بعير أربع قرب وستة أقفاص خبز على ثلاثة جمال نقلتين في كل يوم وأصعدوا جبخانة وجللًا وقنابر وضربوا عليهم في ذلك اليوم ضربًا قليلًا واستمر ذلك ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء فأكثروا الرمي وسقطت قنابر وجلل في عدة أماكن مع الضرر القليل وباتوا على ذلك ليلة الأربعاء ويومه وليلة الخميس ويومه إلى آخر النهار وبطل الرمي تلك الليلة فقال الناس أنهم تركوا ذلك احترامًا لليلة الجمعة‏.‏

وفي تلك الليلة حضر جماعة من أهل الأطارف ليلًا وحرقوا باب الجبل وأوقدوا فيه النار فظن أهل الجبل أن أهل القلعة يريدون الخروج فضربوا عليهم مدافع فتنبه من بالقلعة وأسرعوا إلى جهة باب الجبل وضربوا بالرصاص فلما تحقق من بالجبل القضية رموا عليهم أيضًا وتسامع الناس كثرة الضرب الرصاص فلم يعلموا الحقيقة ورجع من أتى إلى الباب من غير طائل فلما طلع النهار ظهر الأمر‏.‏

وفي اليوم الثاني بعد الظهر تسلق جماعة من العسكر القلعاوية على سلالم صنعوها من حبال ونزلوا إلى جهة المحجر لأخذ شيء من الأكل والشرب وهم نحو العشرين فتنبه الناس لهم واجتمعوا بالخطة وأخذوا ما أخذوه من أهل الدور من الخبز والدقيق وقرب الماء وصعدوا من حيث أتوا وأعادوا الرمي بالمدافع والقنابر من عصر يوم الجمعة وليلة السبت واستمروا على ذلك وسقط بسبب ذلك حيطان وبعض من أبنية الدور وخرج كثير من الناس وبعدوا عن جهات الضرب وخصوصًا جهة الأزهر وذهبوا إلى ناحية الحسينية والأطارف وخرجت النساء وفي يوم الأحد أرسل كتخدا محمد علي باشا إلى السيد عمر وأشار عليه بإرسال العتالين والشيالين إلى ناحية قلعة الفرنساوية التي بقنطرة الليمون لرفع المدفع الكبير الذي هناك وأرسلوا أشخاصًا من الإنكليز يتقيدون بذلك فجمعوا الرجال والأبقار وذهبوا إلى هناك وأحضروه وأخرجوه من باب البرقية يريدون وضعه عند باب الوزير حيث مجرى السيل ليرموا به على برج القلعة واستمروا في جره يومين‏.‏

وفي ذلك اليوم نزل أيضًا ستة أشخاص يريدون أخذ الماء من صهريج جهة الحطابة فضرب عليهم من هناك من المتترسين فهربوا وطلعوا من حيث نزلوا‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء نصبوا المدفع المذكور وضربوا به وضربوا أيضًا من أعلى الجبل ومن بالقلعة يضربون على البلد يواصلون الضرب بالمدافع والقنابر والبنبات الكبار والآلات المحرقة واستمروا على ذلك إلى ليلة الجمعة الأخرى فسكن الرمي تلك الليلة وأصيب كثير من الدور والحيطان والأبنية وأصابت أشخاصًا قتلتهم ووزن بعض البنبات فبلغ وزنها بما فيها قنطارين‏.‏

شهر ربيع الثاني سنة 1220 استهل بيوم الجمعة فيه وردت أخبار من ثغر سكندرية بورود قابجي وهو صالح آغا الذي كان يابقًا بمصر ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك وعلى يده جوابات بالراحة فحصلت ضجة في الناس وفرحوا ورمحوا بطول ذلك اليوم وعملوا شنكًا تلك الليلة التي هي ليلة السبت ورموا سواريخ في سائر النواحي وضربوا بنادق وقرابين بالأزبكية وخارج باب الفتوح وباب النصر والمدافع التي على أبراج الأبواب ولما سمع من بالقلعة ومن بمصر القديمة ظنوا أن العساكر الذين في قلوبهم مرض تحاربوا مع أهل البلد فرموا من القلعة بالمدافع والبنب وحضر علي باشا ومن معه من جهة مصر القديمة ونزل من القلعة طائفة من العسكر جهة عرب اليسار وتترسوا هناك فاجتمع عليهم حجاج وأهل الرميلة ومن معهم من عسكر محمد علي وتحاروا مع المتترسين والواصلين وضربوا من القلعة على محاربيهم وعلى أهل البلد وكذلك من بالجبل ومن بالذنجزية يضربون على القلعة المدافع والسواريخ ونزل أيضًا طائفة وهجموا على الذنجزية وأرادوا سد فلوة المدفع الكبير فضربوا عليهم وقتل كبيرهم ومعه آخر وأخذوا سلاحهم ورؤسهما وأحضروهما إلى السيد عمر وحصل بالبلدة تلك الليلة من ضرب النار من كل ناحية ما هو عجيب من المستغربات واختلط الشنك بالحرب وصار الضرب من الجبل على القلعة بالبنب والمدافع والسواريخ وكذلك من القلعة على البلدة وعلى الذنجزية ومنها على القلعة والمحاربين مع بعضهم البعض والشنك من كل جهة واجتماع الناس والعامة بالأخطاط والنواحي وضربوا طبولًا ومزامير ونقرزانات وكانت ليلة من الغرائب وأصبحوا على الحال الذي هم عليه من الرمي بالمدافع والبنب‏.‏

وفي يوم الأحد سافرت أنفار من الوجاقلية وغيرهم لملاقاة صالح آغا وصحبتهم طائفة من العسكر أرسلها محمد علي باشا في مركب لخفارته وقد كانوا اتفقوا على سفر بعض المتعممين ثم بطل ذلك وأرسل السيد عمر أفندي باشجاويش والسيد عثمان البكري وسلحدار محمد علي والخواجه عمر المطيلي وبكتاش وأحمد أوده باشا‏.‏ وفي

ليلة الثلاثاء أشيع وصول القابجي إلى بولاق ليلًا

فخرج كثير من العامة لملاقاته أفواجًا واصطفوا في الأسواق للفرجة عليه واستمروا على ذلك الرج بطول النهار ولم يصل أحد ثم تبين عدم وصوله وأنه وصل إلى ثغر رشيد وفي ذلك اليوم وقت الشروق حصلت زلزلة عظيمة وارتجت الأرض نحو أربع درجات‏.‏

وفي يوم الأربعاء سافر جماعة من المتعممين وهم السيد محمد الدواخلي وابن الشيخ الأمير والشيخ بدوي الهيثمي وابن الشيخ العروسي واستمر الحال على ذلك اليوم ويوم الخميس والجمعة ولم يبطل رمي المدافع والبنب ليلًا ونهارًا في غالب الأوقات ما عدا ليلة الجمعة ويومها إلى العصر‏.‏

وفي ليلة الاثنين وصل الخبر بوصول القابجي إلى قليوب وأنه طلع إلى بر فوة وسار من هناك وحضر في ذلك اليوم المشايخ الذين كانوا ذهبوا لملاقاته فلما أشيع ذلك اجتمع الناس وطوائف العامة وخرجوا من آخر الليل وهم بالأسلحة والعدد والطبول إلى خارج باب النصر ووقفوا بالشوارع والسقائف للفرجة وكذلك النساء والصبيان وازدحموا ازدحامًا زائًا ووصل الآغا المذكور وصحبته سلحدار الوزير إلى زاوية مرداش ونزلا هناك وعمل لهما إسماعيل الطبجي الفطور فأكلاه وشربا القهوة وركبا وانجرت الطوائف والغوغاء من العامة وهم يضربون بالبنادق والقرابين والمدافع من أعلى سور باب النصر والفتوح واستمر مرورهم نحو ثلاث ساعات وخرج كتخدا محمد علي وأكابر الأرنؤد وطائفة من العسكر كبيرة والوجاقلية وكثير من الفقهاء العاملين رؤس العصب وأهالي بولاق ومصر القديمة والنواحي والجهات مثل أهل باب الشعرية والحسينية والعطوف وخط الخليفة والقرافتين والرميلة والحطابة والحبالة وكبيرهم حجاج الخضري وبيده سيف مسلول وكذلك ابن شمعة شيخ الجزارين وخلافه ومعهم طبول وزمور والمدافع والقنابر والبنبات نازلة من القلعة فلم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى الأزبكية فنزلوا بيت محمد علي باشا وحضر المشايخ والأعيان وقرؤوا المرسوم الذي معه ومضمونه الخطاب لمحمد علي باشا والي جدة سابقًا ووالي مصر حالًا من ابتداء عشرين ربيع أول حيث رضي بذلك العلماء والرعية وأن أحمد باشا معزول عن مصر وأن يتوجه إلى سكندرية بالإعزاز والإكرام حتى يأتيه الأمر بالتوجه إلى بعض الولايات وسكن صالح آغا القابجي المذكور ببيت الخواجا محمود حسن بالأزبكية وسكن السلحدار عند السيد محمد بن المحروقي‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ركب السيد عمر في جمع كثير من العسكر من أولاد البلد والمغاربة والصعائدة والأتراك والكل بالأسلحة وذهب إلى عند علي باشا وجلس عنده حصة وذهب إلى القابجي وسلم عليه وذهب إلى السلحدار أيضًا وسلم عليه ورجع‏.‏

وفيه بطل الرمي من القلعة وكذلك أبطلوا الرمي عليها من الجبل والذنجزية مع بقاء المحاصرة والمتاريس حول القلعة من الجهات ومنع الواصل إليهم واستمرار من بالجبل ويطلع إليهم في كل يوم الجمال الحاملة للخبز وقرب الماء واللوازم وأما الدلاة فاستقروا بمحلة أبي علي وطلبوا الفرد والكلف من البلاد ووصل محمد بك الألفي إلى دمنهور البحيرة فتمنعوا عليه فحاصر البلد وضربوا عليه أيامًا كثيرة‏.‏

وفيه وقع بباب الشعرية مناوشة بين العسكر وأولاد البلد بسبب سكن البيوت وكذلك جهة باب اللوق وبولاق ومصر القديمة وقتل بينهم أنفار وقتل أيضًا المتكلم بمصر القديمة وحصلت زعجات في الناس‏.‏

وفي يوم الأربعاء مر بعض أولاد البلد بجهة الخرنفش فضربه بعض عسكر حجو الساكن ببيت شاهين كاشف فقتله فثارات أهل الناحية وتضاربوا بالرصاص واجتمع العسكر بتلك الناحية ودخلوا من حارة النصارى النافذة من بين السورين وصعدوا إلى البيوت ونقبوا نقوبًا وصاروا يضربون على الناس من الطيقان واجتمع الناس وانزعجوا وبنوا متاريس عند رأس الخرنفش ومرجوش وناحية الباسطية براس الدرب وتحاربوا وقتل بينهم أشخاص من الفريقين ونهب العسكر وعدة دور وتسلقوا على بيت حسن بك مملوك عثمان الحمامي الحكيم وذبحوه ونهبوا بيته الذي براس الخرنفش وكذلك رجل زيات وعبد صالح آغا الجلفي وحسن ابن كاتب الخردة وكانت واقعة شنيعة استمرت إلى العصر وحضر الآغا وكتخدا محمد علي فلم تسكن الفتنة وحضر أيضًا إسماعيل الطبجي هذه الحادثة أن رجلًا عسكريًا اشترى من رجل خردجي ملاعق ثم ردها من الغد فلم يرض وتسابا فضربه العسكري فصاح الخردجي وقال ما حيل من الله يضرب النصراني الشريف فاجتمع عليه الناس وقبضوا عليه وسحبوه إلى بيت النقيب فلما قربوا من البيت ضربوه وقتلوه وأخرجوه إلى تل البرقية ورموه هناك فحصل بسبب ذلك ما ذكر‏.‏

وفيه أرسلوا صورة المكاتبة الواردة مع صالح آغا إلى الباشا فلم يمتثل وامتنع من النزول وقال أنا متول بخطوط شريفة وأوامر منيفة ولا أنعزل بورقة مثل هذه وطلب الاجتماع بصالح آغا وفي يوم الخميس وقع بين حجاج الخضري والعسكر مقاتلة جهة طيلون وقتل بينهم أشخاص‏.‏

وفيه تواترت الأخبار بقدوم الأمراء المصريين القبليين إلى جهة مصر‏.‏

وفيه اجتمع الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير وغالب المتعممين وقالوا إيش هذا الحال وما تداخلنا في هذا الأمر والفتن واتفقوا أنهم يتباعدون عن الفتنة وينادون بالأمان وأن الناس يفتحون حوانيتهم ويجلسون بها وكذلك يفتحون أبواب الجامع الأزهر ويتقيدون بقراءة الدروس وحضور الطلبة وركبوا إلى محمد علي وقالوا له أنت صرت حاكم البلدة والرعية ليس لهم مقارشة في عزل الباشا ونزوله من القلعة وقد أتاك الأمر فنفذه كيف شئت وأخبروه برأيهم فأجابهم إلى ذلك وركب الآغا وصحبته بعض المتعممين ونادوا في المدينة بالأمن والأمان والبيع والشراء وأن الناس يتركون حمل الأسلحة بالنهار وإذا وقع من بعض العسكر قباحة رفعوا أمره إلى محمد علي وإن كان من الرعية رفعوه إلى بيت السيد عمر النقيب وإذا دخل الليل حملوا الأسلحة وسهروا في أخطاطهم على العادة وتحفظوا على أماكنهم فلما سمع الناس ذلك أنكروه وقالوا إيش هذا الكلام حينئذ نصير طعمة للعسكر بالنهار وخفراء بالليل والله لا نترك حمل أسلحتنا ولا نمتثل لهذا الكلام ولا هذه المناداة ومر الآغا ببعض العامة المتسلحين فقبض عليهم وأخذ سلاحهم فازدادوا قهرًا وباتوا على ذلك واجتمعوا عند السيد عمر النقيب وراجعوه في ذلك فاعتذر وأخبر بأن وفي ليلة الجمعة المذكورة حصل خسوف قمر كلي وكان ابتداؤه من بعد العشاء الأخيرة بنصف ساعة وانجلى في سابع ساعة وأصبح يوم الجمعة فحضر عند السيد عمر كتخدا بك وعابدي بك في جمع من العسكر وجلسوا عنده ساعة وذكروا له أن في عضرها يرسلون إلى الباشا الكائن بالقلعة ويجتمعون عليه بالنزول فإن أبى جدوا في قتاله ومحاربته وذكروا أنه ممالئ الأمراء القبالي وهو الذي أرسل بحضورهم ومطعمهم في المملكة فلزم الاجتهاد في إنزاله من القلعة ثم يتفرغون لمحاربة القادمين ويخرجون إليهم بالعساكر ثم قاموا من عنده وذهبوا إلى بيت القاضي وحضر جحو آغا الذي كان يحارب بالخرنفش فرجع صحبته كتخدا بك عند السيد عمر ليأخذ بخاطره وصحبته طائفة من العسكر فوقفوا متفرقين ودخل منهم طائفة إلى بيت الشيخ الشرقاوي وباقيهم بالشارع وتجمع حولهم أهالي البلد بالأسلحة فاتفق بينهم انطلاق بندقية إما خطأ أو قصدًا فهاجت الناس وماجت واجتمعوا من كل ناحية وخرج جاويشية النقابة إلى نواحي الدائرة ينادون في الناس ويقولون عليكم ببيت السيد عمر النقيب يا مسلمين انجدوا إخوانكم وحصلت من تلك البندقية التي انطلقت فزعة عظيمة وصاح السيد عمر على الناس من الشباك يأمرهم بالسكون والهجوع فلم يسمعوا له ونزل إلى أسفل ووقف بباب داره يصيح بالناس فلا يزدادون إلا خباطًا وأقبلوا طوائف من كل جهة فصار يأمرهم بالمرور والخروج إلى جهة باب البرقية ولم يزالوا على ذلك إلى بعد صلاة الجمعة حتى سكن الحال وقام جحو والكتخدا حتى تغديا مع السيد عمر وركبا وذهبا ونودي في عصر ذلك اليوم بالأمان وفتح الحوانيت والبيع والشراء ولا يرفعون معهم السلاح بل يحملونه معهم في حوانيتهم تحذرًا من غدر العسكر وفتحوا أبواب الأزهر‏.‏

وفي يوم السبت فتح الناس بعض الحوانيت ونزل المشايخ إلى الجامع الأزهر وقرؤوا بعض الدروس ففترت همم الناس ورموا الأسلحة وأخذوا يسبون المشايخ ويشتمونهم لتخذيلهم إياهم وشمخ عليهم العسكر وشرعوا في أذيتهم وتعرضوا لقتلهم وإضرارهم‏.‏

وفي يوم الأحد قتلوا أشخاصًا في جهات متفرقة وضج الناس وأغلقوا الدكاكين وكثرت شكاويهم وأقلقوا السيد عمر النقيب وهو يعتذر إليهم ويقول لهم اذهبوا إلى الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير فهما اللذان أمرا الناس برمي السلاح فلما زادت الشكوى نادوا في الناس بالعود إلى حمل السلاح والتحذر‏.‏

وفيه وصل الأمراء القبليون إلى قرب الجيزة وعدى منهم طائفة إلى البر الشرقي جهة دير الطين والبساتين وهم عباس بك ومحمد بك المنفوخ ورشوان كاشف وهدموا قلاع طرا وساووها بالأرض‏.‏

وفي يوم الاثنين ركب محمد علي وخرج إلى جهة مصر القديمة وصحبته حسن باشا وأخوه عابدي بك فنزل بقصر يلفيه وأقاموا إلى العصر وخرج كثير من العسكر إلى ناحية مصر القديمة ثم ركب محمد علي وحسن باشا وأخوه إلى أخر النهار وساقوا إلى جهة البساتين ومعهم العساكر أفواجًا فلما قربوا من الأمراء المصريين تقهقروا إلى خلف ورجعوا إلى جهة قبلي وقيل عدوا إلى بر الجيزة وانضم إليهم علي باشا الذي بالجيزة واستمر محمد علي ومن معه بمصر القديمة وتراموا بالمدافع‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حضر أيضًا جماعة من القبليين إلى الجيزة وتراموا بالمدافع والبنب من البرين ذلك اليوم وليلة الأربعاء‏.‏

وفيه عدى طائفة الدلاة الكائنين بالبر الغربي وانضم إليهم المقيمون بجزيرة بدران وحضروا إلى بولاق وهجموا على البيوت وأخرجوا سكانها قهرًا عنهم وأزعجوهم من أوطانهم وسكنوها وربطوا خيولهم بخانات التجار ووكالة الزيت فحضر الكثير من أهالي بولاق إلى بيت السيد عمر وتظلموا وتشكوا فأرسل إلى كتخدا بك يمنعهم من ذلك فلم يمتنعوا واستمروا على فعلهم وقبائحهم‏.‏

وفيه طلب محمد علي باشا دراهم سلفة من النصارى والتجار وقرروا فردة على البلاد والبنادر وهي أول طلبة طلبها بعد رآسته‏.‏

وفي يوم الخميس حادي عشرينه وردت أخبار بوصول قبطان باشا إلى ثغر سكندرية وأبي قير وصحبته مراكب كثيرة لا يعلم المرسون أخبار من بها فاجتمع المشايخ واتفقوا على كتابة عرضحال يرسلونه إليه مع بعض المتعممين ثم اختلفت آراؤهم في ذلك فلما كان يوم الاثنين ورد الخبر بورود سلحدار قبطان المذكور إلى شلقان فأعرضوا عن ذلك‏.‏

وفيه وقع طائفة من العسكر الكائنين ببولاق وأهل البلد مناوشة بسبب نقب البيوت وقتل بينهم أنفار واستظهر عليهم أهل بولاق‏.‏

وفي يوم الثلاثاء وصل السلحدار إلى بولاق وركب من هناك إلى المكان الذي أعد له وصحبته مكاتبة إلى أحمد باشا المخلوع ومضمونها الأمر بالنزول من القلعة ساعة وصول الجواب إليه من غير تأخير وحضوره إلى الإسكندرية وجواب آخر إلى محمد علي بإبقائه في القائمقامية حيث ارتضاه الكافة والعلماء والوصية بالسلوك والرفق بالرعية والكلام المحفوظ المعتاد الذي لا أصل له وأن يقلد من قبله باشا على عسكر يعين إرساله إلى البلاد الحجازية ويسهل له جميع احتياجاته من الجبخانة وسائر الاحتياجات واللوازم فأرسلوا إلى أحمد باشا المخلوع بجوابه فقال حتى يطلع إلى السلحدار الواصل ويخاطبني مشافهة‏.‏

وفي صبح يوم الأربعاء قبض المحافظون على خيال مقبل من جهة مصر القديمة يريد الطلوع إلى القلعة من آخر النهار وجدوا معه أوراقًا فأخذوه إلى محمد علي باشا فوجدوا في ضمنها خطابًا إلى الباشا المخلوع من علي باشا وياسين بك الكائنين بالجيزة مضمونها أنه في صبح يوم الجمعة نطلق من الجيزة سبعة سواريخ تكون إشارة بيننا وبينكم فعندما ترونها تضربون بالمدافع والبنب على بيت محمد علي ونحن نعدى إلى مصر القديمة ويصل البرديسي من خلف الجبل إلى جهة العادلية ويأتي باقي المصريين من ناحية طرا ويقوم من بالبلدة على من فيها فيشغلون الجهات ويتم المرام بذلك فلما اطلع محمد علي على ذلك وكان القاضي حاضرًا عنده اشتد غيظه على ذلك الرجل ووجده من الأكراد فاستجار بالقاضي فلم يجره وأمر به فأخذوه وقتلوه ورموه ببركة الأزبكية‏.‏

وفي يوم الخميس أحضروا سبعة رؤوس وعلقوها على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا أنها من ناحية دمنهور وعلى أحدها ورقة مكتوبة أنها رأس شاهين بك الألفي وأخرى سلحداره وهي متغيرة جدًا ومحشوة تبنًا ولا يظهر لها خلق ولم يكن لذلك صحة‏.‏

وفيه أخبر الإخباريون بأن الألفي ارتحل من دمنهور ولم ينل منها غرضه وأنه كبس على سليمان كاشف البواب ونهب ما معه وقيل أنه قتل وفي رواية وقع إلى البحر وهرب باقي أتباعه إلى جهة المنوات في أسوأ حال وأخذ منه شيئًا كثيرًا وهو ما جمعه في هذه السرحة وذلك خلاف ما جمعه في العام الماضي عندما كان كاشفًا بمنوف ومن ذلك أنه لما قتل موسى خالدًا أخذ منه مالًا كثيرًا وذلك خلاف ما دل عليه من خباياه‏.‏

وفي تلك الليلة طلع السلحدار المذكور وصحبته صالح آغا القابجي الذي وصل قبله إلى القلعة واجتمع بأحمد باشا المخلوع وتكلما معه فقال أنا لست بعاص ولا مخالف للأوامر وإنما لصالح آغا وعمر علائف نحو خمسمائة كيس باقية ولم يبق عندي شيء سوى ما على جسدي من الثياب وقد أخذ العسكر المحاربون موجوداتي جميعًا فإذا طيبتم خواطرهما نزلت في الحال فنزلا بذلك الجواب ثم ترددوا في الكلام والعقد والإبرام ولم يحسن السكوت على شيء‏.‏

وفيه وصل الأمراء القبالي إلى حلوان وعلي بك أيوب دخل إلى الجيزة صحبة من بها وسليمان بك خارجها‏.‏

وفي يوم الجمعة عدى ياسين بك من الجيزة إلى متاريس الروضة ولم يكن بها سوى الطبجية فطلعوا إليهم وقبضوا على بعضهم وأخذوا منهم ثلاثة مدافع وسدوا فالية المدفع الكبير وآخر رموه إلى البحر فثارت رجة بمصر القديمة والروضة وضربوا بالمدافع والرصاص ورجع الواصلون من الجيزة إلى أماكنهم وحضر الألفي إلى جهة الطرانة‏.‏

وفيه حضر صالح آغا القابجي إلى السيد عمر النقيب وأخبره أنهم تواعدوا مع أحمد باشا في عصر غد من يوم السبت إما أن ينزل أو يستمر على عصيانه فلما كان يوم السبت في الميعاد أفرجوا عن ضعفاء الرعية الكائنين بالقلعة وكذلك النساء بعدما أخذوا ما معهم من الأمتعة والثياب وأبقوا عندهم الشبان والأقوياء للمعاونة في الأشغال وأظهروا المخالفة وامتنعوا من النزول وباتوا على ذلك وكث اللغط في الناس وانقضى شهر ربيع الثاني على ذلك‏.‏

شهر جمادى الأولى سنة 1220 استهل بيوم الأحد فيه ضربوا ثلاثة مدافع من القلعة وقت الشروق وكأنها إشارة وعلامة لأصحابهم‏.‏

وفي يوم الاثنين سبح جماعة من الجيزة إلى جهة أنبابة وكان ببولاق طائفة من العسكر يترامحون بجهة ديوان العشور فضربوا عليهم مدافع فحصل ببولاق ضجة وركب محمد علي باشا أواخر النهار وذهب إلى بولاق ونزل ببيت عمر بك الأرنؤدي ووضب جملة من العسكر وعدوا ليلًا وطلعوا ناحية بشتيل وحضروا إلى جهة أنبابة يوم الثلاثاء وتحاربوا مع من بها حتى أجلوهم عنها وعملوا هناك متاريس في مقابلتهم واستمروا على ذلك يتضاربون بالمدافع‏.‏

وفي يوم السبت سابعه طلع بشير آغا القابجي وصالح آغا السلحدار إلى القلعة وتكلموا مع أحمد باشا ومن معه وقد كانت وردت مكاتبات من قبكان باشا في أمر أحمد باشا ثم نزلوا وصحبتهم كتخدا أحمد باشا إلى بيت سعيد آغا الوكيل وركبوا معه إلى بيت محمد علي باشا واختلوا مع بعضهم ثم طلع طالح آغا وأربعة من عظمائهم ثم نزلوا ثم طلعوا وترددوا في الذهاب والإياب ومراددة الخطاب وبات الكتخدا أسفل وطلب القلعاويون شروطًا وعلائفهم الماضية وغير ذلك وانتهى الكلام بينهم على نزول أحمد باشا المخلوع في يوم الاثنين وتسليم القلعة والجبخانة‏.‏

وأصبح يوم الاثنين فطلبوا جمالًا لحمل أثقالهم فأرسلوا إلى السيد عمر فجمع لهم من جمال الشواغرية مائتي جمل فنقلوا عليها متاعهم وفرشهم وأنزل الباشا حريمه إلى بيت مصطفى آغا الوكيل ونزل كثير من عساكرهم وخدمهم وهم متغيروا الصور وذهب أكثرهم بعزالهم إلى بولاق ونهبوا بيوت الرعايا التي بالقلعة وأخذوا ما وجدوه فيها من المتاع وطلع حسن آغا سرششمه بجملة من العسكر إلى القلعة وانقضى ذلك اليوم ولم ينقض نزولهم وحضر الوالي أيضًا وقت العشاء إلى بيت السيد عمر وطلب خمسين جملًا فلم يتيسر إلا بعضها‏.‏

وأصبح يوم الثلاثاء فأنزلوا باقي متاعهم ونزل الباشا المخلوع من باب الجبل في رابع ساعة من النهار على جهة باب النصر ومر من خارجه إلى جهة الخروبي وذهب إلى بولاق وصحبته كتخدا محمد علي باشا وعمر بك وصالح آغا قوش ونزل صحبته مدافع تعوق بعضها عند الذنجزية لضعف الأكاديش وسكن ببيت السيد عمر النقيب وسكن صالح آغا ببيت شيخ السادات وذلك عاشر جمادى الأولى واطمأن الناس بعض الاطمئنان مع بقاء التحرز وأرسل السيد عمر فنادى تلك الليلة باستمرار الناس على التحرز والسهر وضبط الجهات فإن القوم لا أمان لهم وانحشروا في داخل المدينة والوكائل والبيوت ولا يتركون قبائحهم وأما الأمراء المصرلية فإنهم وصلوا إلى التبين واجتمعوا هناك ما عدا علي بك أيوب وسليمان بك وعباس بك فإنهم بالجيزة مع علي باشا وياسين بك وأما الدالاتية الأنجاس فإنهم مستمرون على نهب البلاد وسلب الأموال وأذية العباد‏.‏

ونهبوا كاشف الغربية وهجموا على سمنود وهي مدينة عظيمة فنهبوا بيوتها وأسواقها وأخذوا ما فيها من الودائع والأموال وسبوا النساء وفعلوا أفعالًا شنيعة تقشعر منها الأبدان ثم انتقلوا إلى المحلة الكبرى وهم الآن بها أما محمد بك الألفي فإنه حاصر دمنهور مدة مديدة فلم يتمكن منها ثم ارتحل عنها ورجع مقبلًا ووصل ناحية الطرانة وأما قبطان باشا فإنه لم يزل مقيمًا على ساحل أبي قير‏.‏

وفي يوم الخميس وصلت الأخبار بذهاب قبطان باشا إلى سكندرية وفي يوم الأحد خامس عشره نزل أحمد باشا المخلوع إلى المراكب من بولاق وسافر إلى جهة بحري وأتباعه المختصين به وتخلف عنه كتخداه وعمر بك وصالح قوش والدفتردار وكثير من أتباعه ولم يسهل بهم مفارقة أرض مصر وعنائمها مع أنهم مجتهدون في خرابها‏.‏

وفيه وصل الألفي الكبير والصغير إلى بر الجيزة‏.‏

وفي يوم الاثنين اتفق جماعة من الأرنؤد وقصدوا الذهاب إلى بر الجيزة فوصل خبرهم إلى محمد علي باشا فأرسل إليهم عسكرًا ومعهم جحو فلحقهم عند المعادي بحري بولاق فقتلوا منهم نحو عشرين وهرب باقيهم وتفرقوا‏.‏

وفي بنى حجاج الخضري حائطًا وبوابة على الرميلة عند عرصات الغلة‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشره قبض محمد علي باشا على جرجس الجوهري ومعه جماعة من الأقباط فحبسهم ببيت كتخداه وطلب حسابه من ابتداء خمس عشرة وأحضر المعلم غالي الذي كان كاتب الألفي بالصعيد وألبسه منصبه في رآسة الأقباط وكذلك خلع على السيد محمد ابن المحروقي خلع الاستمرار على ما كان عليه أبواه من أمانة الضربخانة وغيرها‏.‏

وفي تلك الليلة قتل شخص كبير بيكباشي تحت بيت الباشا بالأزبكية وضربوا لموته مدفعًا وذلك لأمر نقموه عليه‏.‏

وفيه سافر كتخدا بك إلى جهة المنوفية وقبض على كاشفها وأخذ ما معه من الأموال التي جمعها من منهوبات البلاد ودل على ودائعه وأخذها أيضًا ووجد له غلالًا كثيرة ومواشي وغير ذلك وفي يوم الجمعة عشرينه الموافق لحادي عشر مسى أفى النيل المبارك أذرعه ونودي بذلك وأشيع في ذلك اليوم وصول فرقة من الأمراء المصريين من خلف الجبل وبات الناس مستعدين للفرجة على موسم الخليج على العادة فأمر الباشا بإخراج الخيام والنظام إلى ناحية الجسر وعمل الحراقة ثم أمر بكسر السد ليلًا فما طلع النهار إلا والماء يجري في الخليج ولم يذهب الباشا ولا القاضي ولا أحد من الناس ولم يشعروا بذلك وكان قد بلغه ورود الأمراء فتأخر عن الخروج وهم ظنوا خروجه مع العسكر إلى خارج المدينة وفي وقت الشروق من ذلك اليوم وصل طائفة من الأمراء إلى ناحية المذبح وكسروا بوابة الحسينية ودخلوا من باب الفتوح في كبكبة عظيمة وخلفهم نقاقير كثيرة وجمال وأحمال فشقوا من بين القصرين حتى وصلوا إلى الأشرفية وشخص لهم الناس وضجوا بالسلام عليهم وبقولهم نهار مبارك وسعيد والحمد لله على السلامة وشخص الناس وبهتوا وخمنوا التخامين فلما وصلوا عطفة الخراطين افترقوا فرقتين فدخل عثمان بك وحسن وشاهين بك المرادي وأحمد كاشف سليم وعباس بك وغيرهم كشاف وأجناد ومماليك وعبيد كثيرة نحو الألف وخلف كل طائفة نقاقير وهجن وبأيديهم البنادق والسيوف والأسلحة ومروا بالجامع الأزهر وذهبوا إلى بيت السيد عمر والشيخ الشرقاوي فامتنع السيد عمر من مقابلتهم فدخلوا إلى بيت الشيخ الشرقاوي وحضر عندهم السيد عمر فطلبوا منهم النجدة وقيام الرعية فقالوا لهم هذا لا يصح ولم يكن بيننا وبينكم موعد ولا استعداد والأولى ذهابكم وإلا أحاطت بنا وبكم العساكر وقتلونا معكم فعند ذلك ركبوا وخرجوا من باب البرقية وبعد خروجهم حضر في أثرهم حسن بك الأرتؤدي في عدة وافرة من العسكر وهم مشاة وخرج خلفهم فوجدهم خرجوا إلى الخلاء فرجع على أثره وأما الفرقة الأخرى فإنهم وصلوا إلى باب زويلة وتقدموا قليلًا إلى جهة الدرب الأحمر فضرب عليهم العسكر الساكنون هناك بالرصاص فرجعوا القهقرى إلى داخل باب زويلة وأرادوا الدخول إلى جامع المؤيد والكرنكة بتلك الناحية فضرب عليهم المغاربة والمرابطون هناك فأصيب منهم أشخاص وقوي جأش العسكر الذين جهة الدرب الأحمر لما سمعوا ضرب الرصاص وتنبه غيرهم واجتمعوا لمعاونتهم وانصرع منهم ثلاثة أشخاص وقعوا إلى الأرض فلما عاينوا ذلك ولوا الأدبار وتبعهم العسكر يضربون في أقفيتهم فلم يزالوا في سيرهم إلى النحاسين وقد أغلق الناس بوابة الكعكيين وكذلك بوابة الخراطين وبوابة البندقانيين وكان جحو الساكن بالخرنفش عندما سمع بدخولهم لحقه الفزع والخوف فخرج من بيته بعسكره يريد الفرار وخرج من عطفة الخرنفش وذهب إلى جهة باب النصر لظنه أنه لا يمكنه الخروج من باب الفتوح الذي دخلوا منه فلما وصل إلى باب النصر وجده مغلقًا وامتنع المرابطون عليه من فتحه فعاد على أثره وذهب إلى باب الفتوح فلم يجد به أحمد فاطمأن حينئذ وعلم سوء رأيهم فأغلقه وأجلس عنده جماعة من أتباعه ورجع على أثره إلى جهة بين القصرين فصادف أدبار الجماعة والعسكر في أقفيتهم بالرصاص فعند ذلك قوي جأشه وضرب في وجوههم هو ومن معه من العسكر فاختبل القوم وسقط في أيديهم وعلموا أنه قد أحيط بهم فنزلوا عن خيولهم ودخل منهم جماعة كثيرة جامع البرقوقية وذهب منهم طائفة كبيرة بخيولهم نحو المائة إلى جهة باب النصر فوجدوه مغلقًا فنزلوا أيضًا عن خيولهم ودخلوا العطوف ونطوا من السور إلى الخلاء وتفرق منهم جماعة اختفوا في الجهات وبعض الوكائل والبيوت ولما انحصر الذين دخلوا جامع البرقوقية وأغلقوا على أنفسهم الباب احتطت بهم العسكر وأحرقوا الباب وتسور أيضًا عليهم جماعة من العطفة التي بظاهر البرقوقية وقبضوا عليهم وعروهم ثيابهم وأخذوا ما معهم من الذهب والنقود والأسلحة المثمنة وذبحوا منهم نحو الخمسين مثل الأغنام وسحبوا نحو ذلك العدد بالحياة وهم عرايا مكشوفوا الرؤوس حفاة الأقدام موثوقو الأيدي يضربونهم ويصفعونهم على أقفيتهم ووجوههم ويسبونهم ويشتمونهم ويسحبونهم على وجوههم حتى ذهبوا بهم وبرؤوس القتلى إلى بيت الباشا بالأزبكية وكان قد استعد للفرار وتحير في أمره ونزل إلى أسفل يريد الركوب وإذا بالعسكر داخلون عليه ومعهم الرؤوس والأسرى في أيديهم فعند ذلك سكن جأشه وامتلأ فرحًا ولما مثل بين يديه أحمد بك تابع البرديسي الذي كان أميرًا بدمياط وحسن شبكة ومن معهما قال لأحمد بك يا أحمد بك وقعت في الشرك فطلب ماء فحلوا كتافه وأتوا بماء يشرب فنظر لمن حوله وخطف يقطانًا من وسط بعض الواقفين وهاج فيهم وأراد قتل محمد علي باشا وقتل أنفارًا فقام الباشا وهرب إلى فوق وتكاثروا عليه وقتلوه ووضعوا باقي الجماعة في جنازير وفي أرجلهم القيود وربطوهم بالحوش وهم على الحالة التي حضروا فيها من العري والحقارة والذلة‏.‏

وفي ثاني يوم أحضروا الجزارين وأروهم بسلخ الرؤوس بين يدي المعتقلين وهم ينظرون إلى ذلك وأحضروا جماعة من الاسكافية فحشوها تبنًا وخيطوها‏.‏

وفي ليلة الاثنين خرج عابدي بك بعساكر الأرنؤد برًا وبحرًا إلى جهة طرا فالتقى مع من بها من المصريين وكان بها إبراهيم بك الكبير وابنه مرزوق بك وأمراؤهم فقتل من عسكر الأرنؤد عدة كبيرة وولوا منهزمين وحضروا إلى مصر وغرق من مراكبهم مركبان في ليلة الثلاثاء‏.‏

وفي تلك الليلة قتلوا المعتقلين ما عدا حسن شبكة ومعه اثنان قيل أنهم عملوا على أنفسهم ثلاثمائة كيس فأبقوهم وقتلوا الباقي قتلًا شنيعًا وعذبوهم في القتل من أول الليل إلى آخره ثم قطعوا رؤوسهم وحشوها تبنًا ووسقوها في مركب وأرسلوها إلى الإسكندرية وعدتهم ثلاثة وثمانون رأسًا وفيهم من غير جنسهم وأناس جربجية ملتزمون واختيارية التجؤوا إليهم ورافقوهم في الحضور وبعثوا من يوصلهم إلى إسلامبول وكتبوا في المراسلة أنهم حاربوهم وقاتلوهم وحاصروهم حتى أفنوهم واستأصلوهم ولم يبقوا منهم باقية وهذه الرؤوس رؤوس أعيانهم وأكابرهم فكان عدة من قتل في هذه الحادثة من المعروفين المنصبين مراد بك تابع عثمان بك حسن وفبطان بك تابع البرديسي وسليم بك الغريبة وأحمد بك الدمياطي وعلي بك تابع خليل بك ونحو الخمسة والعشرين من مماليكهم وأتباعهم ونجا حسن بك شبكة واثنان معه دون أتباعه وباقيهم أشخاص مجهولة فيهم فرنساوية وأرنؤدية ولم يتفق للأمراء المصرية أقبح ولا أشنع من هذه الحادثة وربط الله على قلوبهم وأعمى أبصارهم وغل أيديهم‏.‏

وفي يوم الأربعاء حضر طائفة الدلاة إلى ناحية الخانكة بعدما طافوا إقليم الغربية والمنوفية والشرقية والدقهلية وفعلوا أفعالًا شنيعة من النهب والسلب والقتل والأسر والفسق وما لا يسطر ولا يذكر ولا يمكن الإحاطة ببعضه‏.‏

وفيه أفرجوا عن جرجس الجوهري ومن معه على أربعة آلاف وثمانمائة كيس وأن يبقى على حاله فشرع في توزيعها على باقي الأقباط وعلى نفسه وعلى كبرائهم وصيارفهم ما عدا فلتيوس وغالي وحولت عليه التحاويل وحصل لهم كرب شديد وضج فقراؤهم واستغاثوا‏.‏

وفي يوم الجمعة خرج عدة كبيرة من العسكر إلى ناحية الشرق لمحاربة الدلاة وأميرهم عمر بك تابع عثمان بك الأشقر ومحمد بك المبدول وكثير من الأجناد المصرية وحسن باشا الأرنؤدي‏.‏

يوم السبت رجع القرابة المشاة

وذهب الخيالة خلفهم متباعدين عنهم بمرحلة فكان شأنهم أن الدلاة المذكورين إذا وردوا قرية نهبوها وأخذوا ما وجدوه فيها وأخذوا الأولاد والبنات وارتحلوا فيأتي خلفهم العرب التابعون خلفهم فيطلبون الكلف والعليق وينهبون أيضًا ما أمكنهم ثم يرتحلون أيضًا خلفهم فتنزل بعدهم التجريدة فيفعلون أقبح من الفريقين من النهب والسلب حتى ثياب النساء وأخذ الدلاة من عرب العائد خمسمائة جمل وذهبوا على طريق رأس الوادي‏.‏

وفيه ورد الخبر بوصول كتخدا بك إلى منوف وقبض على كاشفها وأخذ منه ما جمعه ثم أنه فرد على البلاد التي وجد بها بعض العمار أموالًا من ألف ريال فأزيد وحصر ذلك في قائمة وهي نحو الستين بلدًا وأرسل يستأذن في ذلك ويطلب عدم الرفع عن شيء منها ليحصل قدرًا يستعان على علائف العسكر وجماكيهم وليكمل خراب الإقليم وانقضى شهر جمادى الأولى‏.‏

شهر جمادى الثانية سنة 1220 استهل بيوم الاثنين في ثانيه وصل ولدا محمد علي باشا إلى ساحل بولاق فركب أغوات الباشا وفي ثالثه طلع محمد علي باشا إلى القلعة وأجلس ابنه الكبير بها وضربوا له في ذلك الوقت مدافع‏.‏

وفي رابعه رجع عابدي بك ومن بصحبته من المصرلية من جهة الشرق وقد وصلوا خلف الدلاة إلى حد العائد ثم رجعوا وذهب الدلاة إلى جهة الشام بما معهم من المال والغنائم والجمال والأحمال وعدتها أكثر من أربعة آلاف جمل وما نهبوه من البلاد وأسروه من النساء والصبيان وغير ذلك وكانوا من نقمة الله على خلقه ولم يحصل من مجيئهم وذهابهم إلا زيادة الضرر ولم يحصل الباشا المخلوع الذي استدعاهم لنضرته إلا الخذلان وكان في عزمه وظنه أنهم يصيرون أعوانه وأنصاره ويستعين بهم وبطائفة الينكجرية على إزالة الطائفة الأخرى فانتحس بقدومهم وأورثه الله ذلهم وتخلوا عنه وخذلوه وضاع عليه ما صرفه عليهم في استدعائهم وملاقاتهم وخلعهم وتقدماتهم ومصارفهم وعلائفهم وخرجهم ولم ينفعوه بنافعة بل كانوا من الضرر الصرف عليه وعلى الإقليم وكان كلما خوطب وعوقب في أمر أو فعل يقول اصبروا حتى تأتي الدالاتية ويحصل بعد ذلك النظام فلم يحصل بوصولهم إلا الفساد وانتقضت دولته وانعست قضيته‏.‏

وفيه شرعوا في عمل دفتر فردة على البلاد التي بقي فيها بعض الرمق‏.‏

وفي خامسه حضر كتخدا بك ليلًا وأشار بإبطال ذلك الدفتر لما فيه من الإشاعة والشناعة واتفق مع الباشا والمتكلمين أنه يفعل ذلك باجتهاده ورأيه ورجع في تلك الليلة وشرع في التحصيل مع الجور والعسف الزائد كما هو شأنهم‏.‏

وفيه سافر أيضًا جانم أفندي الدفتردار وسافر صحبته قابجي باشا الأسود المسمى بشير آغا‏.‏

وفيه سافر بعض كبرائهم إلى جهة السويس ليأتي بالمحمل‏.‏

وفي يوم الجمعة ورد أحمد أفندي من سكندرية وهو الذي كان أتى بالدفتردارية في العام السابق ومنعه أحمد باشا خورشيد من الورود وكتبوا في شأنه عرضحال من المشايخ والوجاقلية بمنعه وإبقاء جانم أفندي واستمر بالإسكندرية إلى هذا الوقت وحضر الآن بمراسلة من قبطان باشا وأحضر صحبته تقرير السعيد آغا على الوكالة وإبقائه على ما هو عليه ونظر الخاصكية لسليمان آغا حافظ‏.‏

وفي يوم الأحد رابع عشره تغيب جرجس الجوهري فيقال أنه هرب ولم يظهر خبره وطلب محمد علي فلتيوس وغالي وجرجس الطويل‏.‏

وفي يوم الاثنين حضر محمد كتخدا الألفي بجواب من مخدومه وقابل محمد علي باشا وذهب إلى بيته لقضاء أشغاله‏.‏

وفيه وصلت القافلة والمحمل وأراد الباشا نهب قافلة التجار فصالحوا على أحمالهم بألف كيس ودخل المحمل في ذلك اليوم صحبة المسفر‏.‏

وفيه طلب الباشا حسن آغا نجاتي المحتسب والأمير إبراهيم الرزاز وطلب أن يقلد حسن آغا كتخدا الحج والأمير إبراهيم ديودار بشرط أن يكلفا أنفسهما من مالهما فاعتذرا بعدم قدرتهما على ذلك فحبسهما وطلب من كل واحد منهما خمسمائة كيس وعزل حسن آغا وقلد عوضه آخر يسمى قاضي أوغلي على الحسبة‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ظهر الخبر عن جرجس الجوهري بأنه ركب من دير مصر العتيقة وذهب إلى الأمراء المصرلية بناحية التبين‏.‏

وفي يوم الأربعاء سابع عشره توفي الشيخ محمد الحريري مفتي الحنفية‏.‏

وفي يوم الجمعة تاسع عشره توفي حسن أفندي ابن عثمان الأماحي الخطاط‏.‏

وفيه قلدوا علي جلبي بن أحمد كتخدا على كشوفية القليوبية ولبس القفطان وركب بالملازمين‏.‏

وفيه سافر محمد كتخدا الألفي عائدًا إلى مخدومه وذهب صحبته السلحدار وموسى البارودي‏.‏

وفي عشرينه تقلد الحسبة شخص يقال له عبد الله قاضي أوغلي وكذلك تقلد قبله بأيام إبراهيم الحسيني الزعامة وهو حليق اللحية وتقلد محمد من مماليك إسماعيل بك ويعرف بالألفي وهو زوج هانم ابنة بنت إسماعيل بك آغاوية مستحفظان‏.‏

وفيه أفرجوا عن حسن آغا المحتسب وإبراهيم الرزاز وقرروا على الأول خمسة وستين كيسًا وعلى الثاني خمسة عشر كيسًا يقومان بدفعها‏.‏

وفيه أنزلوا قوائم على البلاد والحصص التي كانت تحت التزام جرجس الجوهري إلى المزاد فاشتراها القادرون والراغبون‏.‏

وفي حادي عشرينه قلدوا ياسين بك كشوفية بني سويف والفيوم وكذلك لبسوا كاشفًا على منفلوط وغيرها‏.‏

وفي أواخره حضر محمد كتخدا الألأفي والسلحدار وذكرا مطلوبات الألفي وهو أنه يطلب كشوفية الفيوم وبني سويف والجيزة والبحيرة ومائتي بلد التزام وأنه يأتي إلى الجيزة ويقيم بها ويكون تحت طاعة محمد علي باشا وتشاوروا في ذلك أيامًا وأما باقي الأمراء المصرليين فإنهم انتقلوا من مكانهم وترفعوا إلى جهة قبلي بناحية بياضة ثم اتفق الرأي على أن يعطوهم من فوق جرجًا وينزل بها الحاكم المولى عليها من العثمانية وأن المصريين القبالي اقتسموا بينهم البلاد ويقومون بدفع المال والغلال الميرية وكل ذلك لا أصل له ولا حقيقة من الطرفين وكتبوا للألفي مكاتبات بذلك وأن يكون في ضمنهم‏.‏

وفي أواخره أيضًا احتاج محمد علي باشا إلى باقي علوفة العسكر فتكلم مع المشايخ في ذلك وأخبرهم بأن العسكر باق لهم ثلاثة آلاف كيس لا نعرف لتحصيلها طريقة فانظروا رأيكم في ذلك وكيف يكون العمل ولم يبق إلا هذه النوية ومن هذا الوقت إذا قبض العسكر باقي علائفهم سافروا إلى بلادهم ولم يبق منهم إلا المحتاج إليهم وأرباب المناصب ولا يأخذون بعد ذلك علائف فكثر التروي في ذلك ولغط الناس بالفردة وتقرير أموال على أهل البلد وانحط الأمر بعد ذلك على قبض ثلث الفائظ من الحصص والالتزام فضج الناس وقالوا هذه تصير عادة ولم يبق للناس معايش فقال نكتب فرمانًا ونلتزم بعدم عود ذلك ثانيًا ونرقم فيه لعن الله من يفعلها مرة أخرى ونحو ذلك من التمويهات الكاذبة إلى أن رضي الناس واستقر أمرها وشرعوا في تحريرها وطلبها‏.‏

شهر رجب الفرد سنة 1220 استهل بيوم الأربعاء وفي حادي عشره سافر محمد كتخدا الألفي بالجواب المتقدم إلى مخدومه بعد أن قضى أشغاله واحتياجاته من أمتعة وخيام وسروج وغير ذلك وخرج ياسين بك وباقي الكشاف المسافرون إلى الجيزة وطلبوا المراكب حتى عز وجودها وامتنع ورودها من الجهة البحرية‏.‏

وفي ثالث عشره سافر المذكورون بعساكرهم وسافر أيضًا علي باشا سلحدار أحمد باشا خورشيد المنفصل إلى سكندرية وأما قبطان باشا فإنه لم يزل بثغر سكندرية‏.‏

وفي منتصفه برز طاهر باشا الذاهب إلى البلاد الحجازية بعساكره إلى خارج باب النصر‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأن الوهابيين استولوا على المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم بعد حصارها نحو سنة ونصف من غير حرب بل تحلقوا حولها وقطعوا عنها الوارد وبلغ الأردب الحنطة بها مائة ريال فرانسة فلما اشتد بهم الضيق سلموها ودخلها الوهابيون ولم يحدثوا بها حدثًا غير منع المنكرات وشرب التنباك في الأسواق وهدم القباب ما عدا قبة الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفي تاسع عشره وقع بالأزبكية معركة بين العسكر قتل بها واحد من أعيانهم واثنان آخران ورجل سائس وبغل وفرس وحمار‏.‏

وفي خامس عشرينه ورد الخبر بسفر القبطان وأحمد باشا خورشيد من ثغر سكندرية‏.‏

وفيه حضر أهل رشيد يتشكون إلى السيد عمر النقيب والمشايخ ويذكرون أن محمد علي باشا أرسل يطلب منهم أربعين ألف ريال فرانسة على ثلاثة عشر نفرًا من التجار بقائمة‏.‏

وفيه حضر محمود بك الذي كان بالمنية وتواترت الأخبار بوصول الغز المصريين إلى أسيوط وملكوها وأما الألأفي فإنه جهة الفيوم ووقع بينه وبين جماعة ياسين بك محاربة وظهر عليهم وأرسل ياسين بك يطلب عسكرًا وذخيرة‏.‏

وفي خامس عشرينه ركب المشايخ والسيد عمر النقيب إلى محمد علي وترجوا عنده في أهل رشيد فاستقرت غرامتهم على عشرين ألف فرانسة وسافروا على ذلك وأخذوا في تحصيلها‏.‏

وفيه طلب بترك الدير واحتجوا عليه بهروب جرجس الجوهري وانحط الأمر على المصالحة بمائة وأربعين كيسًا وزعها النصارى على بعضهم ودفعوها‏.‏

شهر شعبان سنة 1220 استهل بيوم الجمعة فيه أمر محمد علي باشا برفع حصص الالتزام التي على النساء وكتبوا قوائم مزادها وانحط الأمر على المصالحات بقدر حالهن وغير ذلك أمور كثيرة وجزئيات وتحيلات على استنضاح الأموال لا يمكن ضبطها‏.‏

وفي أواخره زوج محمد علي حسن الشماشرجي تابعه ببنت سليم كاشف الأسيوطي وهي بنت عبد الرحمن بك تابع عثمان بك الجرجاوي وهي ربيبة أحمد كاشف تابع سليم كاشف المذكور فعقدوا عقدها وعملوا لها مهما ببيت أمها هانم بحارة عابدين واحتفل بذلك محمد علي وأمر بأن يعمل لها زفة مثل زفف الأمراء المتقدمين ونبهوا على أرباب الحرف فعملوا لهم عربات وملاعيب وسخريات قاموا بكلفها من مالهم الموزع على أفرادهم وداروا بازفة يوم الخميس غاية شعبان وحضر محمد علي إلى مدرسة العوريه مع أولاده ليرى ذلك وعمل له السيد محمد المحروقي ضيافة في ذلك اليوم وأحضر إليه الغداء بالمدرسة ولما انقضى أمر الزفة شرعوا في عمل موكب المحتسب ومشايخ الحرف لرؤية رمضان وحضروا إلى بيت القاضي ولم يثبت الهلال تلك الليلة وانقضى شهر شعبان‏.‏

واستهل شهر رمضان بيوم السبت سنة 1220 وفي هذا اليوم شح وجود اللحم وغلا سعره لعدم المواشي وتوالى الظلم والعسف والفرد والكلف على القرى والبلاد حتى بلغ الرطل اللحم الجفيط الهزيل خمسة وعشرين نصفًا إن وجد والجاموسي اثني عشر نصفًا وامتنع وجود الضاني بالأسواق بالكلية رأسًا ولما استهل رمضان انكب الناس على من يوجد من جزارين اللحم الخشن وكذلك شح وجود السمن وعم بالكلية وإذا وجد منه شيء خطفه العسكر وذهبوا به إلى سوق أنبابة يوم السبت أول رمضان ونهبوا ما وجدوه مع الفلاحين من الزبد والجبن وغير ذلك وزاد فحشهم وقبحهم وتسلطهم على إيذاء الناس وكثروا بالبلد وانحشروا من كل جهة وتسلطوا على تزوج النساء قهرًا اللاتي مات أزواجها من الأمراء المصرلية ومن أبت عليهم أخذوا ما بيدها من الالتزام والإيراد وأخرجوها من دارها ونهبوا متاعها فما يسعها إلا الإجابة والرضا بالقضاء وتزوج بعضهم بزوجة حسن بك الجداوي وهي بنت أحمد بك شنن وأمثالها ولم ينفعهن الهروب ولا الاختفاء ولا الالتجاء وتزيوا بزي المصريين في ملابسهم وركبوا الخيول المسومة بالسروج المذهبة والقلاعيات والرخوت المكلفة وأحدق بهم الخدم والأتباع والقواسة والسواس والمقدمون ووصل كل صعلوك منهم لما لا يخطر على باله أو يتوهمه أو يتخيله ولا في عالم الرؤيا مع انحراف الطبع والجهل المركب وعمى البصيرة والفظاظة والقساوة والتجارى وعدم الدين والحياء والخشية والمروءة ومنهم من تزوج الاثنتين والثلاث وصار له عدة دور‏.‏

وفيه تواترت الأخبار بما حصل لياسين بك وأنه بعد انهزامه هرب بجماعة قليلة وذهب عند سليمان بك المرادي وانضم إليه‏.‏

وفي ثالث عشره نهبوا بيت ياسين بك المذكور وأخذوا ما فيه ونفوا محمد أفندي أباه وأنزلوه في مركب وذهبوا به إلى بحري وقيل أنهم قتلوه‏.‏

وفيه وردت الأخبار بأنه غرق بمينا الإسكندرية أحد عشر غليونًا من الكبار وذلك أنه في أواخر شعبان هبت رياح غربية عاصفة ليلًا فقطعت مراسي المراكب ودفعتها الرياح إلى البر فانكسرت وتلف ما فيها من الأموال والأنفس ولم ينج منها إلا القليل وكذلك تلف ثمان وأربعون مركبًا واصلة من بلاد الشام إلى دمياط ببضائع التجار‏.‏

وفيه حضر جماعة من الألفية إلى بر الجيزة وطلبوا كلفًا من إقليم الجيزة وقبضوها ورجعوا إلى الفيوم ومضى في أثرهم عربان أولاد علي من ناحية البحيرة وعاثوا بأراضي الجيزة فعينوا لهم طاهر باشا الذي كان مسافرًا إلى بلاد الحجاز وخرج بعساكره وخيامه وموكبه إلى خارج باب النصر ونصب وطاقه وصار يضرب في كل ليلة مدافعه وطبله ونوبت واستمر مقيمًا على ذلك نحو ثلاثة شهور وهم يجمعون له الأموال ويفردون الفرد على الأقاليم ويقولون برسم تشهيل العسكر المسافر للخوارج واستخلاص البلاد الحجازية من أيديهم ولم يزالوا يحتجون بعدم أخذ النفقة وفي كل يوم يتسللون شيئًا بعد شيء ويدخلون إلى المدينة ويتفرقون إلى الجهات حتى لم يبق منهم إلا القليل ثم أنهم ارتحلوا من مخيمهم بحجة العرب وطردهم من الجيزة فلما عدوا إلى الجيزة دخلوا إلى دورها وسكنوها غصبًا عن أهلها واستولوا على فراشهم متاعهم ولم يخرج منهم أحد للعرب ولم يتعدوا خارج السور وبطل أمر السفرة المذكورة‏.‏

وفي تاسع عشره أرسل محمد علي من قبض على الآغا الشمعدانجي وعثمان آغا كتخدا بك سابقًا وقت المغرب وأنزلوهما إلى بولاق في مركب وذهبوا بهما يقال أنهم قتلوهما ومعهما اثنان أيضًا من كبار العسكر ولم يعلم سبب ذلك وأنزلوا حصصهم في المزاد‏.‏

وفيه فتحوا طلب الميري من الملتزمين عن سنة إحدى وعشرين مع أن سنة تاريخه لم يستحق منها الثلث وكانوا فتحوها معجلة لقدر الاحتياج وقبضوا نصفها وطلبوا النصف الآخر بعد أربعة أشهر وأما هذه فطلبوها بالكامل قبل أوانها بسنة وخصوصًا في شهر رمضان مع الناس فيه من ضيق المعاش وغلو الأسعار في كل شيء بل وهدم وجود الأقوات ووقوف العسكر خارج المدينة يخطفون ما يأتي به الفلاحون من السمن والجبن والتبن والبيض وغير ذلك ومن دونهم العرب ومثل ذلك في البحر والمراكب حتى امتنع وجود المجلوبات برًا وبحرًا وطلبوا المراكب لسفر العساكر بالتجاريد فتسامع القادمون فوقفوا عن القدوم خوفًا من النهب والتسخير ولم يبق بسواحل البحر مركب ولا قارب وبطل ديوان العشور ووصل سعر العشرة أرطال السمن ستمائة نصف فضة إن وجد والعشرة من البيض بخمسة عشر فضة إن وجد والدجاجة بأربعين نصفًا والرطل الصابون بستين نصفًا ولم يزل يتزايد حتى وصل الرطل إلى مائة وعشرين والراوية الماء بأربعين نصفًا والرطل القشطة بستين نصفًا والرطل السمك الطري بستة عشر نصفًا والقديد المملوح بعشرة أنصاف وقد كان يباع بنصفين وبالعدد من غير وزن والحوت الفسيخ بأربعين نصفًا وقس على ذلك‏.‏

وفي عشرينه رجع خازندار طاهر باشا إلى جهة العادلية ثانيًا ومعه جملة من العسكر وصاروا يضربون في كل ليلة مدفعين واستمر طاهر باشا بالجيزة‏.‏

وفيه كتب محمد علي باشا مكاتبة الأمراء القبالي وأرسل بها مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي ليصطلحوا على أمر‏.‏

وفيه وصل أيضًا جماعة من الألفية إلى جهة سقارة وبلاد الجيزة وطلبوا منها كلفة ودراهم فأمر محمد علي بخروج العساكر فتلكؤا واحتجوا بطلب العلوفة فعزم على الخروج بنفسه فلما كان ليلة الأربعاء سادس عشرينه طلب كبار العساكر وركب معهم إلى مصر القديمة وشرعوا في التعدية بطول الليل وهم محمد علي وعسكره وخواصه وعابدي بك وعمر بك وصالح قوش والدلاة وكبيرهم وعلي كاشف الذي تزوج بنت شنن وأتباعه في تجمل وكبير الدلاة وطائفته وركب الجميع وقت الشروق وبرزوا إلى الفضاء وانفرد كل كبير بعسكره خمسة طوابير وستة ونظروا على البعد منهم فرأوا خيالة من العربان وغيرهم متفرقين كل جماعة في ناحية فحمل كل طابور على جماعة منهم فانهزموا أمامهم فساقوا خلفهم فخرج عليهم كمائن من خلفهم ووقع بينهم الضراب وحمل علي كاشف وآخر يقال له أوزي في جماعتهم فرأوه مجملًا فظنوه محمد علي فاحتاطوا به وتكاثروا عليه وأخذوه أسيرًا هو ومن معه وفر من نجا منهم ووقعت فيهم الهزيمة ورجع الجميع القهقرى وعدوا إلى بر مصر من غير تأخير وذهب من الأرنؤد طائفة إلى الأخصام وانضموا إليهم‏.‏

وفي هذه الأيام وقع بين أهل الأزهر منافسات بسبب أمور وأغراض نفسانية يطول شرحها وتحزبوا حزبين حزب مع الشيخ عبد الله الشرقاوي وحزب مع الشيخ محمد الأمير وهم الأكثر وجعلوا الشيخ الأمير ناظرًا على الجامع وكتبوا له تقريرًا بذلك من القاضي وختم عليه المشايخ والشيخ السادات والسيد عمر أفندي النقيب وكانت النظارة شاغرة من أيام الفرنسيس وكان يتقلدها أحد الأمراء فلما خرج الأمراء من مصر صارت تابعة للمشيخة لوقت تاريخه فانفعل لذلك الشيخ الشرقاوي ولما فعلوا ذلك اجتهد الشيخ الأمير في النظر لخدمة الجامع بنفسه وبابنه وأحضر الخدمة وكنسوا الجامع وغسلوا صحنه ومسحوه وفرشوا المقصورة بالحصر الجدد وعلقوا قناديل البوائك وصار كل يوم يقف على الخدمة ويأمرهم بالتنظيف وغسل الميضاة والمراحيض وأمر بغلق الأبواب من بعد صلاة العشاء ما عدا الباب الكبير ورتبوا له بوابًا وطردوا من يبيت به من الأغراب الذين يلتفون بالحصر ويلوثونها ببولهم وغائطهم ونحو ذلك‏.‏

وفي غايته ليلة الأحد التي هي ليلة العيد عدى طائفة من العسكر إلى بر الجيزة وانضموا إلى الأخصام وحصل في العسكر ارتجاج واختلافات وعملوا شنكًا في تلك الليلة في الأزبكية بعدما أثبتوا هلال شوال بعد العشاء الأخيرة وقد كانوا أسرجوا المساجد وصلوا التراويح ثم أطفؤا المنارات في ثالث ساعة من الليل‏.‏

شهر شوال سنة 1220 استهل بيوم الأحد المذكور وجميع الأمور مرتبكة والحال على ما هو عليه من الاضطراب ولم يحصل في شهر رمضان للناس جمع حواس ولا حظوظ ولا أمن وانكف الناس عن المرور في الشوارع ليلًا خوفًا من أذية العسكر وفي كل وقت يسمع الإنسان أخبارًا ونكات وقبائح من أفاعيلهم من الخطف والقتل وأذية الناس‏.‏

وفي رابعه قلدوا مناصب كشوفات الأقاليم وتهيؤا للذهاب وعملوا قوائم فرد ومظالم على البلاد خلاف ما تقدم وخلاف ما يأخذه الكشاف لأنفسهم وما يأخذونه قبل نزولهم وذلك أنه عندما يترشح الشخص منهم اتقليد المنصب يرسل من طرفه معينين إلى الإقليم الذي سيتولى عليه بأوراق البشارات وحق طرق باسم المعينين إما عشرين ألفًا أو أكثر أو أقل فإذا قبضوا ذلك اتبعوها بأوراق أخرى ويسمونها أوراق تقبيل اليد وفيها مثل ذلك أو أكثر أو أقل ثم كذلك أوراق لبس القفطان ونحو ذلك وقد يتفق بعد ذلك جميعه أنه يتولى خلافه ويستأنف العمل إلى غير ذلك هذا وكتخدا بك مستمر في سرحاته بالأقاليم وجمع الأموال والعسف والجور مرة بالمنوفية ومرة بالغربية ومرة بالشقية ولا يقرر إلا الأكياس من الشهريات والمغارم وحق الطرق والاستعجالات المترادفة مما لا يحيط به دفتر ولا كتاب‏.‏

وفي ثامنه توفي إبراهيم أفندي كاتب البهار وترك ولدًا صغيرًا فقلدوا مملوكه حسنًا في منصبه وكيلًا عن ولده‏.‏

وفي هذه الأيام كثر تحرك العسكر والمناداة عليهم بالخروج إلى نواحي طرا والجيزة وذلك بسبب أن بعض الألأفية عدى إلى ناحية الشرق وأخذوا كلفًا من البلاد وبعضهم وصل إلى وردان بالبر الغربي‏.‏

وفي عاشره حضر جملة من الدالاتية وغيرهم من ناحية الشام فمنهم من حضر في البحر على دمياط ومنهم من حضر في البر وعدى طاهر باشا الذي كان مسافرًا على جدة‏.‏

وفيه أيضًا سافرت القافلة المتوجهة إلى السويس وصحبتها نحو المائتين من العسكر وعليهم كبير من طرف طاهر باشا بدلًا عنه وسافر صحبتهم حسن أفندي القاضي المنفصل ليكون قاضيًا بمكة حسب القانون‏.‏

وفي خامس عشره وصلت قوافل التجار من السويس فأرسل محمد علي وفتح الحواصل وأراد أخذ بضائع التجار وفروق البن فانزعج التجار بوكائل الجالية وغيرها وذلك بعد أن دفعوا عشورها ونولونها وأجرها وما جعلوه عليها من المغارم السابقة وانحط الأمر على المصالحة عن كل فرق خمسون ريالًا ولم ينتطح في ذلك شاتان‏.‏

وفي حادي عشرينه حضر كتخدا بك إلى مصر بعد ما جمع الأموال من الأقاليم وفعل ما فعله من الفرد والمظالم الخارجة عن الحد‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه توفي عثمان أفندي العباسي‏.‏

شهر ذي القعدة سنة 1220 استهل بيوم الثلاثاء والاجتهاد حاصل بخروج العسكر للتجريدة في كل يوم ونصبوا عرضيهم ببر الجيزة وناحية طرا من ابتداء شعبان كما تقدم وفي كل يوم يخرجون طوائف ويعودون كذلك‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسعه حضر مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي وعلي جاويش الفلاح الذين كانوا توجهوا إلى قبلي لأجل الصلح وحضر صحبتهم نيف وثلاثون مركبًا من السفار والمتسببين فيها غلال وأدهان وجلود وتمر وغير ذلك ولم يعلم حقيقة ما حصل‏.‏

وفي يوم الجمعة حادي عشره نودي على العسكر بالخروج من الغد بالتركي والعربي والتحذير من التأخير‏.‏

وفي يوم الأحد رجع مصطفى آغا بجواب ثانيًا هجانا من طريق البر‏.‏

وفي يوم الاثنين رابع عشره أخرجوا المحمل والكسوة وعين للسفر بهما من القلزم مصطفى جاويش العنتبلي ومعه صراف الصرة دفعوا له ربعها وثمنها وهذا لم يتفق نظيره‏.‏

وفي يوم الثلاثاء خامس عشره ورد نحو السبعين ططريًا ومعهم البشارة لمحمد علي باشا بوصول الأطواخ إلى رودس ووصل معهم أيضًا مراسيم بمنصب الدفتردارية لأحمد أفندي الملقب بجديد وهو الذي كان وصل في العام الأول بالدفتردارية إلى سكندرية في أيام أحمد باشا خورشيد وجانم أفندي الدفتردار ومنعوه عنها وكتبوا في شأنه عرضًا للدولة بعدم قبوله وأن أهل البلد راضون على جانم أفندي فلما حصل ما حصل لخورشيد باشا وعزل عن مصر وعزل أيضًا جانم أفندي حضر أيضًا أحمد أفندي المذكور بمراسيم أخر وفيها الوكالة لسعيد آغا مجددة له ونظر الخاصكية لحافظ سليمان واستمر من ذلك الوقت بمصر فوصل إليه الأمر بتقليد الدفتردارية وكان حسن أفندي الروزنامجي هو المتقلد لذلك فلما كان يوم الخميس سابع عشره اجتمع بديوان محمد علي صالح آغا قابجي باشا وسعيد آغا ونقيب الأشراف وبعض المشايخ ولبس أحمد أفندي خلعة الدفتردارية وشرطوا عليه أنه لا يحدث حوادث كغيره فإن حصل منه شيء عزلوه وعرضوا في شأنه وقبل ذلك على نفسه‏.‏

وفي يوم الجمعة ثامن عشره ارتحلت القافلة وصحبتها الكسوة والمحمل أواخر النهار من ناحية قايت باي بالصحراء وذهبوا إلى جهة السويس ليسافروا من القلزم‏.‏

وفيه وصلت الأخبار بأن بونابارته كبير الفرنسيس ركب في جمع كبير وأغار على بلاد النمساوية وحاربهم حربًا عظيمًا وظهر عليهم وملك تختهم وقلاعهم وطلب ملكهم بعد خروجه من حصونه فأعاده لممالكته بعد ما شرط عليه شروطه وملك غير ذلك من القرانات والحصون ثم سار إلى بلاد الموسقو ووقع بينه وبينهم هدنة على ثلاثة أشهر‏.‏

وفي يوم الأربعاء ثالث عشرينه خرج حسن باشا طاهر إلى ناحية مصر القديمة‏.‏

وفي يوم السبت سادس عشرينه حضر مبشرون بحصول مقتلة عظيمة وأنهم أخذوا من الأخصام جملة عسكر أسرى ورؤوس فضربوا مدافع لذلك وأظهروا السرور‏.‏

وفي يوم الأحد وصلت الرؤوس والأسرى وهي إحدى وعشرون رأسًا وذراع مقطع وسبعة عشر أسيرًا ليس فيهم من يعرف ولا من جنس الأجناد وغالبهم فلاحون فأعطى محمد علي لكل أسير نصف دينار وأطلقهم ووضعوا الرؤوس والذراع عند باب زويلة‏.‏

وفيه وصلت القافلة من السويس ووصل أيضًا صحبتهم جنرال من الإنكليز راكب في تخت وحملته ومتاعه على نحو سبعين جملًا فذهب عند قنصلتهم فلما كان يوم الأربعاء غايته ركب في التخت وذهب عند محمد علي بالأزبكية فتلقاه وعمل له شنكًا ومدافع وقدم له هدية وتقادم ثم رجع إلى مكانه‏.

شهر ذي الحجة الحرام سنة 1220

استهل بيوم الخميس فيه حضر مصطفى آغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي من الجهة القبلية وقد تقدم أنهما ذهبا وعادا ثم رجعا ثانيًا على الهجن لتقرير الصلح ثم رجعا ولم يظهر أثر لذلك الصلح وحكى الناس عنهما أن المذكورين لما ذهبا إلى أسيوط وجدا إبراهيم بك قد انتقل إلى ناحية طحطا واجتمعا بعثمان بك حسن والبرديسي فلم يرضيا بالتوجيه الذي وجه به إليهم وهو من حدود جرجا وقالا لا يكفينا إلا من حدود المنية فأن الفرنساوية كانوا أعطوا حكم البلاد القبلية من حدود المنية لمراد بك بمفرده فكيف أنه يكفينا نحن الجميع من جرجا وشرطوا أيضًا أنه إن استقر الصلح على مطلوبهم لا بد من إخلاء الإقليم من هذه العساكر الذين لا يتحصل منهم إلا الضرر والخراب والدمار والفساد ولا يبقى الباشا منهم إلا مقدار ألأفي عسكري وقالوا أنه أيضًا إذا لم يعطنا مطلوبنا فهو لا يستغني عن أناس من العسكر يقيمون بالبلاد التي يبخل علينا بها فنحن أولى له وأحسن منهم ونقوم بما على البلاد من المال والغلال وعند ذلك يحصل الأمن وتسير المسافرون في المراكب وترد المتاجر والغلال ويحصل لنا وله راحة وأما إذا استمر الحال على هذا المنوال فإنه لم يزل متعبًا من كثرة العسكر ونفقاتهم وكذلك سائر البلاد على أنه إن لم يرض بذلك فها هي البلاد بأيدينا والأمر مستمر معنا ومعهم على التعب والنصب‏.‏

وفي رابعه ورد الخبر بأن جماعة من كبار العسكر وفيهم سليمان آغا الأرنؤدي الذي تولى كسوفية منفلوط ومعهم عدة وافرة من العسكر عدوا من المنية إلى البر الشرقي بالمطاهرة بسبب ما عندهم من القحط وعدم الأقوات لإحاطة المصريين بهم فلما دخلوا إلى بلدة المطاهرة وملكوها وصل إليهم بعض الأمراء والأجناد المصرية وأحاطوا بهم وحاربوهم أيامًا حتى ظهروا عليهم وقتلوا منهم وهرب من هرب وهو القليل وأسروا الباقي وفيهم سليمان آغا المذكور فالتجأ إلى بعض الأجناد فحماه من القتل وقابل به كبار الأمراء فأنعموا عليه بكسوة ودراهم وسلاح وأقام معهم أيامًا ثم استأذنهم للعود وحضر إلى مصر وجلس بداره‏.‏

وفيه ورد الخبر أيضًا بموت الأمير بشتك بك المعروف بالألفي الصغير مبطونًا‏.‏

وفيه أيضًا حضر حجاج الخضري الرميلاتي إلى مصر وقد كان خرج من مصر بعد حادثة خورشيد باشا خوفًا من العسكر وذهب إلى بلده بالمنوات ثم ذهب عند الألأفي وأقام في معسكره إلى هذا الوقت ثم أن الألأفي طرده لنكتة حصلت منه فرجع إلى بلده وأرسل إلى السيد عمر فكتب له أمانًا من الباشا فحضر بذلك الأمان وقابل الباشا وخلع عليه ونادوا له في خطته بأنه على ما هو عليه في حرفته وصناعته ووجاهته بين أقرانه فصار يمشي في المدينة وصحبته عسكري ملازم له‏.‏

وفي يوم الجمعة تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وفي ذلك اليوم ركب محمد علي بالأبهة الكاملة وصلى الجمعة بالمشهد الحسيني ولم يركب من وقت ولايته بالهيئة إلا في هذا اليوم وفي عصر تلك ضربوا عدة مدافع من القلعة إعلامًا بالعيد وكذلك في صبحها وفي كل وقت من الأوقات الخمسة مدة أيام التشريق‏.‏

وفي رابع عشره حضر جاهين بك الألأفي ومعه طوائف من العربان إلى إقليم الجيزة وأخذوا الكلف وأغنامًا من البلاد ودراهم وأشيع بذلك وأمروا بخروج العساكر إليهم وركب محمد علي باشا في يوم الخميس وخرج إلى ناحية بولاق وأنزلوا من القلعة جبخانه ومدافع وطفقوا يخطفون الحمير من الأسواق إن وجدوها وعدى طائفة من العساكر الخيالة إلى بر الجيزة وعدى طاهر باشا إلى بر أنبابة وصحبته عساكر كثيرة وأزعجوا أهل القرية وخرجوهم من دورهم وسكنوا بها وأطلقوا دوابهم وخيولهم على المزارع فأكلوها بأجمعها ولم يبقوا منها ولا عودًا أخضر في أيام قليلة‏.‏

وفيه اختفى حجاج الخضري أيضًا بسبب ما داخله من الوهم والخوف من العسكر‏.‏

وفي عشرينه شرع عساكر حسن باشا في التعدية من ناحية معادي الخبيري إلى البر الآخر‏.‏

وفي يوم الأحد خامس عشرينه عدى حسن باشا أيضًا‏.‏

وفي يوم الاثنين نودي في الأسواق على العساكر الذين لم يكونونا في قوائم العسكر الذين يقال لهم السير بالسفر والخروج إلى بلادهم ومن وجد منهم بعد ثلاثة أيام قتل وكذلك كتبوا فرمانات وأرسلوها إلى البلاد بمعنى ذلك ومن كان من أهل البلد أو المغاربة أو الأتراك بصورة العسكر ومتزييًا بزيهم فلينزع ذلك وليرجع إلى زيه الأول‏.‏

وفيه أيضًا نودي على المعاملة الناقصة لا تقبض إلا بنقص ميزانها لأن المعاملة فحش نقصها جدًا وخصوصًا الذهب البندقي الذي كان أحسن أصناف العملة في الوزن والعيار والجودة فأن العسكر تسلطوا عليه بالقص فيقصون من المشخص الواحد مقدار الربع أو أكثر أو أقل ويدفعونه في المشتروات ولا يقذر المتسبب على رده أو طلب إرش نقصه وكذلك الصيرفي لا يقدر على رده أو وزنه وقتل بذلك قتلى كثيرة وأغلق الصيارف حوانيتهم وامتنعوا من الوزن خوفًا من شرهم وكذلك نودي على التعامل في بيع البن بالريال المعاملة وهو تسعون نصفًا وقد كان الاصطلاح في بيع البن بالفرانسة فقط وبلغ صرف الفرانسة مائة وثمانين نصفًا ضعف الأول وعز وجوده لرغبة الناس فيه لسلامته من الغش والنقص لأن جميع معاملة الكفار قوله السير هكذا في نسخ وفي بعض النسخ القبسير ولم نقف بعد المراجعة عليها بهامش النسخة المطبوعة سالمة من الغش والنقص بخلاف معاملات المسلمين فأن الغالب على جميعها الزيف والخلط والغش والنقص فلما انطبعوا على ذلك ونظروا إلى معاملات الكفار وسلامتها تسلطوا عليها بالقطع والتنقيص والتقصيص تتميمًا للغش والخسران والانحراف عن جميع الأديان وقال صلى الله عليه وسلم الدين المعاملة ومن غشنا فليس منا فيأخذون الريالات الفرانسة إلى دار الضرب ويسبكونها ويزيدون عليها ثلاثة أرباعها نحاسًا ويضربونها قروشًا يتعاملون بها ثم ينكشف حالها في مدة يسيرة وتصير نحاسًا أحمر من أقبح المعاملات شكلًا ووضعًا لا فرق بينها وبين الفلوس النحاس التي كانت تصرف بالأرطال في الدول المصرية السابقة في الكم والكيف بل تلك أجمل من هذه في الشكل وقد شاهدنا كثيرًا منها وعليها أسماء الملوك المتقدمين ووزن الواحد منها نصف أوقية وكان الدرهم المتعامل به إذ ذاك من الفضة الخالصة على وزن الدرهم الشرعي ستة عشر قيراطًا ويصرف بثلاثة أرطال من الفلوس النحاس فيكون رف الدرهم الواحد اثنين وسبعين فلسًا تستعمل في جميع المشتروات والمرتبات والمعاليم واللوازم للبيوت والجزئيات والمحقرات فلما زالت الدولة القلوونية وظهرت دولة الجراكسة واستقر الملك المؤيد شيخ في سلطنة مصر وبدا الاختلال اختصر الدرهم المتعامل به وجعله نصف درهم وهو ثمانية قراريط وسمي نصف مؤيدي ولم تزل تتناقص حتى صارت في آخر الدولة الجركسية أقل من ربع الدرهم واختل أمر الفلوس النحاس والمرتبات والوظائف بالأوقاف المشروط فيها صرف المعاليم بالفلوس ولم يزل الحال يختل ويضعف بسبب الجور والطمع والغش وغباوة الأمر وعمي بصائرهم عن المصالح العامة التي بها قوام النظام حتى تلاشى أمر الدراهم جدًا في الوزن والعيار وصار الدرهم المعبر عنه بالنصف أقل من العشر للدرهم وفيه من الفضة الخالصة نحو الربع فيكون في النصف الذي هو الآن بدل الدرهم الأصلي من الفضة الخالصة أقل من ربع العشر فيكون في النصف الواحد من معاملتنا الآن الذي وزنه خمس قمحات فقيراط وربع ثلث قيراط من الفضة وذلك بدل عن ستة عشر قيراطًا وهو الدرهم الأصلي الخالص فانظروا إلى هذا الخسران الخفي الذي انمحقت به البركة في كل شيء فإن الدرهم الفضة الآن صار بمنزلة الفلس النحاس القديم فتأمل واحسب تجد الأمر كذلك فإذا فرضنا أن إنسانًا اكتسب ألف درهم من دراهمنا هذه فكأنه اكتسب خمسة وعشرين لا غير وهو ربع عشرها على أنه إذا حسبنا قيمة الخمسة وعشرين في وقتنا هذا عن كل درهم ثلاثون نصفًا فإنها تبلغ سبعمائة وخمسين ويذهب الباقي وهو مائتان وخمسون هدرًا وأما الذهب فإن الدينار كان وزنه في الزمن الأول مثقالًا من الذهب الخالص ثم صار في الدولة الفاطمية وما بعدها عشرين قيراطًا وكان يصرف بثلاثين درهمًا من الفضة فلما نقص الدرهم زاد صرف الدينار إلى أن استقر وزن الدينار في أوائل القرن الماضي ثلاثة عشر قيراطًا ونصفًا ويصرف بتسعين نصفًا وهو المعبر عنه بالأشرفي والطرلي المعروف بالفندقلي يصرف بمائة وكانا جيدين في العيار وكذلك الأنصاف العددية كانت إذ ذاك جيدة العيار والوزن وكان الريال يصرف بخمسين نصفًا والريال الكلب باثنين وأربعين نصفًا ثم صار الدينار وهو المحبوب الجنزرلي بمائة وخمسين والفندقلي بمائة وعشرين والفرانسة بستين ثم حدث المحبوب الزر في أيام السلطان أحمد بدلًا عن الجنزرلي وغلا صرف الجنزرلي وكان في وزن المشخص وعياره ووزن الزر ثلاثة عشر قيراطًا ونصف إلى أن زاد الاختلال في أيام علي بك والمعلم رزق واستيلائه على دار الضرب والقروش واستعمل ضرب القروش واستكثر منها وزاد في غشها لكثرة المصاريف على العساكر والتجاريد والنفقات واستقر الأشرفي المعروف بالزر بمائة وعشرة والطرلي بمائة وستة وأربعين والمشخص بمائتين والريال الفرانسة بخمسة وثمانين مدة من أيام علي بك وفحش وجود القروش المفردة وضعفها وأجزاؤها حتى لم يبق بأيدي الناس من التعامل إلا هي وعز باقي الأصناف المذكورة وطلبت للسبك والادخار وصياغة الحلي فترقت في الصارفة والإبدال فلما زالت دولة علي بك وتملك محمد بك أبو الذهب نادى بإبطال تلك القروش بأنواعها رأسًا فخسر الناس خسارة عظيمة من أموالهم وباعوها بالأرطال للسبك واقتصروا على شرب الأنصاف العددية والمحبوب الزر والنصفيات لا غير ونقصوا من وزنها وعيارها ونقصت قيمتها وغلت في الصارفة وزاد الحال بتوالي الحوادث والمحن والغلاء والغرامات وضيق المعاش وكساد البضائع وتساهلوا في زيادة المصارفة وخصوصًا في ثمن السلع والمبايعات وخلاص الحقوق من المماطلين واقترن بذلك تغافل الحكام وعدم التفاتهم لمصالح الرعية وطمعهم وتركهم النظر في العواقب إلى أن تجاوزت في وقتنا هذا الحدود وبلغت في المصارفة أكثر من الضعف وصار صرف المحبوب مائتين وخمسة بل وعشرة والريال الفرانسة بمائة وخمسة وسبعين بل وثمانين والمشخص البندقي بأربعمائة وأكثر والمجر بثلاثمائة وستين والفندقلي بثلاثمائة وعشرين وهو الجديد ويزيد القديم لجودة عياره عن الجديد وتتفاوت المثلية في المحبوب بجودة العيار فإذا أبدل السلمي الموجود الآن بالمحمودي زيد في مصارفته أربعون نصفًا وأكثر بحسب الرغبة والاحتياج ويتفاوت أيضًا المحمودي بمثله فيزيد أبو وردة عن الراغب ويزيد الراغب عن الذي فيه حرف العين ويكون المحبوبان في تحويل المعاملة بدلًا عن المشخص الواحد مع أن وزنهما سبعة وعشرون قيراطًا ووزن المشخص ثمانية عشر قيراطًا فالتفاوت بينهما تسعة قراريط وهي ما فيه من الخلط وغير ذلك مما يطول شرحه ويعسر تحقيقه وضبطه ولم يزل أمر المعاملة وزيادة صرفها وإتلاف نقودها واضطرابها مستمر أو كل قليل ينادون عليها مناداة بحسب أغراضهم لا نسمع ولا تقبل ولا يلتفت إليها لأن أصل الكدر منبعث عنهم ومنحدر عن مجراة خبائثهم وفسادهم‏.‏

وفي آخره أذن الباشا لولده الكبير بالذهاب لزيارة سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه بطندتا وعين صحبته أتباعًا وعسكرًا وهجنًا وقرر له دراهم على البلاد ألف ريال فما دونها خلاف الكلف وكذلك سافر حريمات ورئيسهن حريم مصطفى آغا الوكيل في هيئة لم يسبق مثلها في تختروانات وعربات ومواهي وأحمال وجمال وعسكر وخدم وفراسين وفرضوا لهن أيضًا مقررات على البلاد وكلفًا ونحو ذلك وأظن أن هذه المحدثات من أهوال القيامة‏.‏

ومات فيها الإمام العلامة والبحر الفهامة صدر المدرسين وعمدة المحققين مفتي الحنفية بالديار لمصرية الشيخ محمد عبد المعطي ابن الشيخ أحمد الحريري الحنفي ولد سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ونشأ في عفة وصلاح وحفظ القرآن وجوده وحفظ المتون وحضر أشياخ العصر وجود الخطوكان ينسخ بالأجرة وكتب كتبًا كثيرة وخطه في غاية الصحة والجودة وغلبها في الأدبيات كالريحانة وخبايا الزوايا وخزانة الأدب والتي بخطه من ذلك في غاية الحسن والقبول وكان شافعي المذهب ثم تحنف وحضر على أشياخ المذهب مثل الشيخ محمد الدلجي والشيخ محمد العدوي ولازم الشيخ حسن المقدسي ملازمة كلية وانتسب إليه وعرف به وحضر عليه وتلقى عنه غالب الكتب المشهورة في المذهب وحضر باقي العلوم على الشيخ الملوي والحنفي والشيخ علي العدوي وغيرهم وكان يكتب الأجوبة على الفتاوى عن لسانه ولما توفي شيخه المذكور تقرر مكانه في وظيفة الخطابة والإمامة بجامع عثمان كتخدا بالأزبكية وسكن بالدار المشروطة له بها السكنى برحاب الجامع المذكور وكانت خطبه في غاية الخفة والاختصار ولوعظه وقع في النفوس لخلوه عن التصنع ولما مات الشيخ أحمد الدمنهوري في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف وحصل ما حصل للشيخ عبد الرحمن العريشي كما تقدم تعين المترجم لمشيخة الحنفية والفتوى عوضًا عن المذكور قبل وفاته بأيام قليلة وكان أهلًا لذلك وكفاله وسار فيها حسنًا بحشمة واشتهر ذكره وقصدته الناس للفتوى والإفادة وأقبلت عليه الدنيا وسكن دارًا مشرفة على الأزبكية جارية في وقف عثمان كتخدا واشترى أيضًا دارًا نفيسة بالجودرية وأسكنها لغيره بالأجرة وانحصرت فيه وظائف مشيخة الحنفية كالتدريس في مدرسة المحمودية والصرغتشمية والمحمدية وغيرها فكان يباشر الإقراء بنفسه في بعضها والبعض ولده العلامة الشيخ إبراهيم ولم يزل يقرئ ويملي ويفيد حتى في حال انقطاعه وذلك أنه لما مات أحمد آغا غانم وحصل بين عتقائه منازعة ثم اتفقوا على تحكيم المترجم بينهم والتمسوا منه أن يذهب صحبتهم إلى فوة ليصلح بينهم فلما ذهب إلى بولاق وأراد النزول في السفينة اعتمد على بعض الواقفين فعثرت رجله فقبض ذلك الرجل على معصمه فانكسر عظمه لنحافة جسمه فعادوا به إلى داره وأحضروا له من عالجه حتى بريء بعد شهور وفرحوا بعافيته ودعاه بعض أحبابه بناحية قناطر السباع فركب وذهب إليه وكانت أول ركباته بعد برئه فلما طلع إلى المجلس وأراد الصعود إلى مرتبة الجلوس زلقت رجله فانكسر عظم ساقه وتكدر الحاضرون وحملوه وذهبوا به إلى داره وأحضروا له المعالج فلم يحسن المعالجة وتألم تألمًا كثيرًا واستمر ملازمًا للفراش نحو سبع سنوات ثم توفي يوم الأربعاء سابع عشر رجب من السنة عن سبع وسبعين سنة ودفن بتربة الأزبكية وتعين بعده في المشيخة والإفتاء ولده المحقق العلامة المستعد الشيخ إبراهيم أدام الله النفع بحياته وحفظ عليه أولاده‏.‏

ومات الأجل الأمثل المفوه المنشئ النبيه الفصيح المتكلم عثمان أفندي ابن سعد العباسي الأنصاري من ولد آخر الخلفاء العباسية بمصر المتوكل على الله ووالده يعرف بالأنصاري من جهة النساء من بيت السيادة والخلافة ولد بمصر وبها نشأ واشتغل بالعلم على فضلاء الوقت ومهر في الفنون بذكائه وعانى الحساب والنجوم فأخذ منها حظًا ونزل كاتب سر في ديوان بعض الأمراء ولامه بعض محبيه في ذلك فاعتذر أنه إنما قدم عليه صيانه لبعض بلاده وضياعه التي استولت عليها أيدي الظلمة فلا محيد له عن عشرتهم واجتمع بشيخنا الشيخ محمود الكردي وأراد السلوك في طريق الخلوتية وترك شرب الدخان ولازمه كثيرًا وتلقن الاسم الأول والأوراد وأقلع عما كان عليه حتى لاحت عليه أنوار ملازمته واعتقده جدًا وبعد وفاة الأستاذ رجع إلى حالته وشرب الدخان ثم ولي خليفة على غلال الحرمين فباشرها بشهامة ثم ولي روزنامة مصر بصرامة وقوة مراس وشدة ومخادعة وراج أمره واتسع حاله وزادت حشمته وذلك بعد عزل أحمد أفندي الكماخي الروزنامجي وثقل أمره على باقي الكتبة والناس فأوغروا عليه وعزلوه فضاق صدره وزاد قلقه وحدث فيه رعونة وتردد لمشاهد الأولياء في الليل والنهار يبتهل ويدعو ويفرق خبزًا ودراهم ويأوي إليه المجاذيب والذين يدعون الصلاح والولاية فيكرمهم برهة ويرون له مرائي ومنامات وإخباريات فيزداد هوسه ثم لما يطول الحال ينقطع عنهم ويبدلهم بآخرين وهكذا وكان نام مع بعضهم في لحريم ويترجم بعضهم بمكاشفات وشطحيات ويقول فلان يطلع على خطرات القلوب وفلان يصعد إلى السماء ومن كرامات فلان كذا ثم يرجع عن ذلك ولما مات السيد محمد عيد في كتابة الروزنامه أيضًا واستمر بها ثمانية عشر شهر وكانت إعادته في سنة ثمان بعد المائتين ثم انحرف عليه إبراهيم بك الكبير وعزله وكان يظن أن الأمر يؤول إليه فلم يتم له ذلك وأحضر إبراهيم بك السيد إبراهيم ابن أخي المتوفي وقلده ذلك فعندها أيس المترجم منها واختلفت الأمور بحدوث الفتن وتقلب الدول والأحوال ولازم شأنه وبيته بعد رجوعه من هجرته إلى الشام في حادثة الفرنسيس واعترته الأمراض واجتمعت لديه كتب كثيرة في سائر العلوم وبيعت بأسرها في تركته توفي يوم الأربعاء خامس عشرين شوال من السنة‏.‏

ومات العمدة الإمام الصالح الناسك العلامة والبحر الفهامة الشيخ محمد ابن سيرين بن محمد بن محمود ابن جيش الشافعي المقدسي ولد في حدود الستين وقدم به والده إلى مصر فقرأ القرآن واشتغل بالعلم وحضر دروس الشيخ عيسى البراوي فتفقه عليه وحلت عليه أنظاره وحصل طرفًا جيدًا من العلوم على الشيخ عطية الأجهوري ولازمه ملازمة كلية وبعد وفاة شيخه اشتغل بالحديث فسمع صحيح مسلم علي الشيخ أحمد الراشدي واتصل بشيخنا الشيخ محمود الكردي فلقنه الذكر ولازمه وحصلت له منه الأنوار وانجمع عن الناس ولاحت عليه لوائح النجابة وألبسه التاج وجعله من جملة خلفاء الخلوتية وأمره بالتوجه إلى بيت المقدس فقدمه وسكن بالحرم وصار يذاكر الطلبة بالعلوم ويعقد حلقة الذكر وله فهم جيد مع حدة الذهن وأقبلت عليه الناس بالمحبة ونشر له القبول عند الأمراء والوزراء وقبلت شفاعته مع الانجماع عنهم وعدم قبول هداياهم وأخبرني بعض من صحبه أنه يفهم من كلام الشيخ ابن العربي ويقرره تقريرًا جيدًا ويميل إلى سماعه وحج من بيت المقدس وأصيب في العقبة بجراحة في عضده وسلب ما عليه وتحمل تلك المشقات ورجع إلى مصر فزار شيخه الشيخ محمود أو جلس مدة ثم أذن له بالرجوع إلى بلده وسمع أشياء كثيرة في مبادي عمره واقتبس من الأشياخ فوائد جمة حتى قبل اشتغاله بالعلم وفي سنة 1182 كتب إلى شيخنا السيد مرتضى يستجيزه فكتب له أسانيده العالية في كراسة وسماها قلنسوة التاج وقد تقدم ذكرها في ترجمة السيد مرتضي ولم يزل يملي ويفيد ويدرس ويعيد واشتهر ذكره في الآفاق وانعقد على اعتقاده وانفراده الاتفاق وسطعت أنواره وعمت أسراره وانتشرت في الكون أخباره وازدحمت على سدته زواره إلى أن أجاب الداعي ونعته النواعي وذلك سابع عشرين شهر شعبان من السنة ولم يخلف بعده مثله وبه ختمت دائرة المسلكين من الخلوتية ورجال السادة الصوفية وحسن به ختم هذا الجزء الثالث من كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار لغاية سنة عشرين ومائتين وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وسنقيد إن شاء الله تعالى ما يتجدد بعدها من الحوادث من ابتداء سنة إحدى وعشرين التي نحن بها الآن إن امتد الأجل وأسعف الأمل ونرجو من الكريم المتعال صلاح الأحوال وانقشاع الهموم وصلاح العموم إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير والله أعلم‏.‏

سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف استهل شهر المحرم بيوم الخميس حسابًا ويوم السبت هلال ووافق ذلك انتقال الشمس لبرج الحمل فاتحدت السنة القمرية والشمسية وهو يوم النوروز السلطاني وأول سنة الفرس وهو التاريخ الجلالي اليزدجردي وتاريخهم في هذه السنة ألف ومائة وستة وسبعون وكان طالع التحويل الواقع في يوم الجمعة في خامس ساعة ونصف من النهار سبع درجات ونصفًا من برج السرطان وصاحبه في حين العاشر منصرف عن تربيع المشتري ومقارنة عطارد والمشتري في السابع والمريخ مع الزهرة في العاشر وهي رجعة وكيوان في الرابع وهو دليل على ثبات دولة القائم وتعب الرعية والحكم لله العلي الكبير‏.‏

وفي ثالثه في ليلة الثلاثاء وصل إلى بولاق قابجي وعلى يده تقرير لمحمد علي باشا بولايته بمصر وصحبة التقرير خلعة وهي فروة سمور فلما أصبح النهار عمل محمد علي باشا ديوانًا بمنزله بالأزبكية وحضر السيد عمر النقيب والمشايخ والأعيان وحضر ذلك الآغا من بولاق في موكب ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وأمامه الآغا والوالي والمحتسب والأغوات والجاويشية وخلفه النوبة التركية فلما وصلوا إلى بات الخرق عطفوا على جهة الأزبكية فلما قرئ التقليد ضربوا مدافع كثيرة من الأزبكية والقلعة وعملوا تلك الليلة شنكًا وحراقات ونفوطًا وسواريخ كثيرة وطبولًا وزمورًا بالأزبكية‏.‏

وفي سابعه وصلت الأخبار بوقوع حروب بين العساكر والعربان والأمراء المصرية بناحية جزيرة الهواء وقتل شخص من كبار العسكر يسمى كور يوسف وغيره ووصل إلى مصر عدة جرحى وهرب من العسكر طائفة وانضموا إلى الأمراء المصريين وأرسل حسن باشا يستنجد الباشا بإرسال عساكر إليه وفي ذلك اليوم نادوا في الأسواق بعدم المشي في الأسواق من أذان العشاء وخرج كتخدا بك إلى بولاق في آخر النهار ونصب وطاقه ببر أنبابة وخرج سليمان آغا بجملة من العسكر وذهب إلى ناحية طرا‏.‏

وفي ثامنه عدى كتخدا بك إلى البر الغربي وانتقل طاهر باشا إلى الجيزة وأقام بها محافظًا‏.‏

وفيه أمر الباشا بجمع الأجناد المصرية والوجاقلية وأمرهم بالتعدية إلى البر الغربي وكان تخوف وفي هذه الأيام كان مولد سيدي أحمد البدوي والجمع بطندتا المعروف بمولد الشرنباباية وهرع غالب البلد بالذهاب إليه وأكثروا الجمال والحمير بأغلى الأجرة لأن ذلك صار عند أهل الإقليم موسمًا وعيدًا لا يتخلفون عنه إما للزيادة أو للتجارة أو للنزاهة أو للفسوق ويجتمع به العالم الأكبر وأهالي الإقليم البحري والقبلي وخرج أكثر أهالي البلد بحمولهم فكان الواقفون على الأبواب يفتشون الأحمال فوجدوا مع بعضهم أشياء من أسباب الأجناد المصرية وملابسهم ونحو ذلك فوقع بسبب ذلك إيذاء لمن وجدوا معه شيئًا من ذلك ولباقي الناس ضرر بنبش متاعهم فكان من الناس من يأخذ معه أشخاصًا من العسكر من طرف الآغا يسلكونهم للخروج من غير تفتيش ويمنعون المتقيدين بالأبواب عن التعرض لهم ونبش متاعهم وأحمالهم‏.‏

وفي تاسعه وصل الخبر بأن عابدين بك لما بلغه خروج الألفي من الفيوم ذهب إليها صحبة الدلاة فلم يجد بها أحد فدخلها وأرسل المبشرين إلى مصر بأنه ملك الفيوم فضربوا مدافع لذلك وانبث المبشرون يطوفون على بيوت الأعيان يبشرونهم بذلك ويأخذون على ذلك الدراهم والبقاشيش ثم لما بلغ عابدين بك ما حصل لأخيه حسن باشا من الهزيمة رجع إليه وأقام معه ناحية الرقق‏.‏

وفي عاشره وصل الألفي إلى ناحية كرداسة وانتشرت عساكره وعربانه بإقليم الجيزة فلم يخرج وفيه أرسل الألفي مكتوبًا خطابًا إلى السيد عمر أفندي مكرم النقيب والمشايخ مضمونه نخبركم أن سبب حضورنا إلى هذه الجهة إنما هو لطلب القوت والمعاش فإن الجهة التي كنا بها لم يبق فيها شيء يكفينا ويكفي من معنا من الجيش والأجناد ونرجو من مراحم أفندينا بشفاعتكم أن ينعم علينا بما نتعيش به كم رجونا منه في السابق فلما كان في صبحها يوم الاثنين حادي عشره ركب السيد عمر إلى الباشا وأخبره بذلك وأطلعه على المراسلة فقال ومن أتى به قال له تابع مصطفى كاشف المورلي وقد ترك متبوعه بالبر الآخر فقال له اكتب له بالحضور حتى نتروى معه مشافهة وفي ذلك الوقت حضر إلى الباشا من أخبره بأن طائفة من المصريين وجيوشهم وصلوا إلى بر أنبابة فخرج إليهم طائفة من العسكر المرابطين هناك وتحاربوا معهم بسوق الغنم ووقع بينهم بعض قتلى وجرحى فركب من فوره وذهب إلى بولاق فنزل بالساحل وجلس هناك ساعة ثم ركب عائدًا إلى داره بعد أن منع من تعدية المراكب إلى بر أنبابة ثم أمرهم بالتعدية لربما احتاجوها وكان كذلك فإنهم رجعوا مهزومين فلو لم يجدوا المعادي لحصل لهم هول كبير‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حضر مصطفى كاشف المورلي المرسل من طرف الألفي وصحبته علي جربجي بن موسى الجيزاوي إلى بيت السيد عمر فركب صحبته إلى الباشا وكتبوا له جوابًا ورجع من ليلته ثم حضر في يوم الخميس رابع عشره بجواب آخر ومضمونه أننا أرسلنا لكم نرجو منكم أن تسعوا بيننا بما فيه الراحة لنا ولكم وللفقراء والمساكين وأهالي القرى فأجبتمونا بأننا نتعدى على القرى ونطلب منهم المغارم ونرعى زرعهم وننهب مواشيهم والحال أنه والله العظيم ونبيه الكريم أن هذا الأمر لم يكن على قصدنا ومرادنا مطلقًا وإنما الموجب لحضورنا إلى هذا الطرف ضيق الحال والمقتضي للجمعية التي نصحبها من العربان وغيرهم إرسال التجاريد والعساكر علينا فلازم لنا أن نجمع إلينا من يساعدنا في المدافعة عن أنفسنا فهم يجمعون أصناف العساكر من الأقطار الرومية والمصرية لمحاربتنا وقتالنا وهم كذلك ينهبون البلاد والعباد للإنفاق عليهم ونحن كذلك نجمع إلينا من يساعدنا في المنع ونفعل كفعلهم لننفق على من حولنا من المساعدين لنا وكل ذلك يؤدي إلى الخراب والدمار وظلم الفقراء والقصد منكم بل والواجب عليكم السعي في راحة الفريقين وهو أن يكفوا الحرب ويفرزوا لنا جهة نرتاح فيها فإن أرض الله واسعة تسعنا وتسعهم ويعطونا عهدًا بكفالة بعض من نعتمد عليه من عندنا وعندهم ويكتب بذلك محضر لصاحب الدولة وننتظر رجوع الجواب وعند وصوله يكون العمل بمقتضاه فعند ذلك اقتضى الرأي أن يقطعوه إقليم الجيزة وكتبوا له جوابًا بذلك م غير عقد ولا عهد ولا كفالة كما أشار وسلموا الجواب لمصطفى كاشف ورجع به وفي أثناء ذلك طلب أجناد الألأفي كلفًا من بلد برطيس وأم دينار ومنية عقبة فامتنعوا عليهم فضربوهم وحاربوهم ونهبوهم وسبب ذلك أن العساكر الأتراك أغروهم وأرسلوا يقولون لهم إذا طلبوا منكم كلفة أو دراهم لا تدفعوا لهم واطردوهم وحاربوهم ونهبوهم وإذا سمعنا حربكم معهم أتيناكم وساعدناكم فاغتروا بذلك وصدقوهم فلما حصل لهم ما حصل لم يسعفوهم ولم يخرجوا من أوكارهم حتى جرى عليهم المقدور‏.‏

وفي يوم السبت ثالث عشرينه كتب الباشا مراسيم أرسلها إلى كشاف الأقاليم والكائنين بالبلاد من الأجناد المصرية بأن يجتمعوا بأسرهم ويذهبوا إلى ساحل السبكية للمحافظة عليها من وصول الأخصام إليها ولمنعهم من تعدية البحر إليها لأنهم إذا حصلوا بها تعدى شرهم إلى بلاد المنوفية بأسرها وأشيع عزم الباشا على الركوب بنفسه وذهابه إلى تلك الجهة ويكون سيره على طريق القليوبية ويلحق بهم وكتخدا بك وطاهر باشا يسيران على الساحل الغربي تجاههم ثم بطل ذلك وأرسل إلى حسن باشا سرششمه بأن يحضر بمن معه من العسكر من عند حسن باشا طاهر من ناحية بني سويف وكذلك عساكر كور يوسف الذي قتل في المعركة كما ذكر‏.‏

وفي ذلك اليوم وصل رسول أيضًا من عند الألأفي بمكاتبات واجتمع بالسيد عمر النقيب والمكاتبات خطاب له ولبقية المشايخ وللباشا ولسعيد آغا دار السعادة وصالح بك القابجي بمعنى ما تقدم صحبة أحمد أبي ذهب العطار فكتبوا له جوابًا بالمعنى الأول وأعادوا الرسول وأصحبوه ببعض المتعممين وهو السيد أحمد الشتيوي ناظر جامع الباسطية وكل لك أمور صورية وملاعبات من الطرفين لا حقيقة لها‏.‏

وفي يوم الثلاثاء وصل الجماعة المذكورون الذين استدعاهم الباشا بعساكرهم وخلع الباشا على أحد كبارهم عوضًا عن كور يوسف المقتول‏.‏

وفيه وصل الخبر بأن طائفة من الأجناد المصرية ومن يصحبهم من العربان عدوا إلى بر السبكية ولم يمنعهم المحافظون بل هربوا من وجوههم فأمر الباشا بسفر العساكر وطلب دراهم سلفة من الأعيان لأجل نفقة العساكر وفرضوا على البلاد ثلاثة آلاف كيس ويكون على العال منها مائة ألف فضة وفيها الأوسط والدون‏.‏

وفي يوم الخميس نودي في الأسواق بخروج العساكر‏.‏

وفي يوم السبت سافر طاهر باشا إلى منوف على جرائد الخيل وسافر بعده كتخدا بالحملة واحتاجوا إلى جمال فأخذوا جمال السقائين والشواغرية‏.‏

وفيه حضر عمر بك الأرنؤدي من ناحية بني سويف وأخبر الواردون من الناحية أن رجب آغا وطائفة من العسكر خامروا عليه وانضموا الأمراء القبليين وهم نحو الستمائة فعند ذلك حضر عمر بك المذكور في تطريدة ليبرئ نفسه من ذلك وحضر أيضًا محو كبير العسكر المحاصرين

وفيه أراد كتخدا بك وهو المعروف بدبوس أوغلي أن يركب من أنبابة وحمل أحماله ليسير إلى جهة بحري فثارت عليه العسكر وطالبوه بعلائفهم وسفهوا عليه ومنعوه من الركوب فأراد التعدية إلى بر بولاق فمنعوه أيضًا وجذبوا لحيته فأقام يومه وليلته ثم قال لهم وما الفائدة في مكثي معكم دعوني أذهب إلى الباشا وأشعى في مطلوبكم ولم يزل حتى تخلص منهم وعدى إلى مصر ولم يرجع إليهم‏.‏ وفي

يوم السبت الذي هو غايته وصلت عساكر الدلاة

الذين كانوا بناحية بني سويف والفيوم إلى بر أنبابة وضربوا لهم مدافع لوصولهم‏.‏

وفيه أرسل كبار العسكر الذين بناحية منوف مكاتبة إلى الباشا يذكرون أن العساكر يطلبون مرتبات وأرز وسمن فأنهم لا يحاربون ولا يقاتلون بالجوع‏.‏

وفي هذه الأيام وصل الكثير من العساكر القبلية ودخلوا البلد وكثروا بها‏.‏

وفي هذه الأيام أيضًا وصلت الأخبار من الديار الحجازية بمسالمة الشريف غالب للوهابيين وذلك لشدة ما حصل لهم من المضايقة الشديدة وقطع الجالب عنهم من كل ناحية حتى وصل ثمن الأردب المصري من الأرز خمسمائة ريال والأردب البر ثلاثمائة وعشرة وقس على ذلك السمن والعسل وغير ذلك فلم يسع الشريف إلا مسالمتهم والدخول في طاعتهم وسلوك طريقتهم وأخذ العهد على دعاتهم وكبيرهم بداخل الكعبة وأمر بمنع المنكرات والتجاهر بها وشرب الأراجيل بالتنباك في المسعى وبين الصفا والمروة بالملازمة على الصلوات في الجماعة ودفع الزكاة وترك لبس الحرير وإبطال المكوس والمظالم وكانوا خرجوا عن الحدود في ذلك حتى أن الميت يأخذون عليه خمسة فرانسة وعشره بحسب حاله وإن لم يدفع أهله القدر الذي يتقرر عليه فلا يقدرون على رفعه ودفنه ولا يتقرب إليه الغاسل ليغسله حتى يأتيه الإذن وغير ذلك من البدع والمكوس والمظالم التي أحدثوها على المبيعات والمشتروات على البائع والمشتري ومصادرات الناس في أموالهم ودورهم فيكون الشخص من سائر الناس جالسًا بداره فما يشعر على حين غفلة منه إلا والأعوان يأمرونه بإخلاء الدار وخروجه منها ويقولون أن سيد الجميع محتاج إليها فإما أن يخرج منها جملة وتصير من أملاك الشريف وإما أن يصالح عليها بمقدار ثمنها أو أقل أو أكثر فعاهده على ترك ذلك كله واتباع ما أمر الله تعالى به في كتابه العزيز من إخلاص التوحيد لله وحده واتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام وما كان عليه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون إلى آخر القرن الثالث وترك ما حدث في الناس من الالتجاء لغير الله من المخلوقين الأحياء والأموات في الشدائد والمهمات وما أحدثوه من بناء القباب على القبور والتصاوير والزخارف وتقبيل الأعتاب والخضوع والتذلل والمناداة والطواف والنذور والذبح والقربان وعمل الأعياد والمواسم لها واجتماع أصناف الخلائق واختلاط النساء بالرجال وباقي الأشياء التي فيها شركة المخلوقين مع الخالق في توحيد الألوهية التي بعثت الرسل إلى مقاتلة من خالفها ليكون الدين لله فعاهده على منع ذلك كله وعلى هدم القباب المبنية على القبور والأضرحة لأنها من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهده بعد المناظرة مع علماء تلك الناحية وإقامة الحجة عليهم بالأدلة القطعية التي لا تقبل التلويل من الكتاب والسنة وإذعانهم لذلك فعند ذلك أمنت السبل وسلكت الطرق بين مكة والمدينة وبين مكة وجدة والطائف وانحلت الأسعار وكثر وجوده المطعومات وما يجلبه عربان الشرق إلى الحرمين من الغلال والأغنام والأسمان والأعسال حتى بيع الأردب من الحنطة بأربع ريالات واستمر الشريف غالب يأخذ العشور من التجار وإذا نوقش في ذلك يقول هؤلاء مشركون وأنا آخذ من المشركين لا من الموحدين‏.‏

شهر صفر الخير 1221 استهل بيوم الأحد فيه سافر محو بك إلى جهة المنية وفيه ورد من إسلامبول شخص قابجي وعلى يديه مرسومات بالجمارك وغيرها ومنها ضبط ترك الموتى المقتولين والمقبورين وكذلك تركة السيد أحمد المحروقي وآخر يسمى الشريف محمد البرلي والقصد تحصيل الدراهم بأي وفيه عزم الباشا على السفر لمحاربة الألفي وأشيع عنه ذلك وأنزلوا مدافع من القلعة وجبخانة وآلات حربية‏.‏

وفي رابعه قوي عزمه على ذلك وأشيع أنه مسافر يوم السبت وأشار على السيد عمر أفندي النقيب بأن ينوب عنه ويكون قائمًا مقامه في الأحكام مدة غيابه فلم يقبل السيد عمر بذلك وامتنع ثم فترت همته عن ذلك وتبين أنها إيهامات لا أصل لها‏.‏

وفي يوم الخميس أرسل الباشا إلى الخانات والوكائل أعوانًا فختموا على حواصل التجار بما في داخلها من البن والبهار وذلك بعد أن أمنهم وقبض منهم عشورها ومكوسها بالسويس فلما وصلت القافلة واستقرت البضائع بالحواصل فعل بهم ذلك ثم صالحوا وأفرج عنهم‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن الألفي ارتحل من ناحية الجسر الأسود والطرانة وقصد جهة البحيرة‏.‏

وفي يوم السبت ركب صالح آغا قابجي باشا ونزل إلى بولاق ليسافر إلى الديار الرومية فركب لوداعه الباشا وسعيد آغا والسيد همر النقيب فشيعوه إلى بولاق‏.‏

حتى نزل إلى المراكب وخلع عليه الباشا فروة سمور مثمنة بعد أن وفاه خدمته وهاداه بهدايا وأصحب معه هدايا للدولة وأربابها وعرفه بقضايا وأغراض يتممها له هناك وودعوه ورجعوا إلى بيوتهم بعد الغروب‏.‏

وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر صالح آغا السلحدار إلى جهة بحري على طريق المنوفية وصحبته عساكر وقرروا له مقادير من الأكياس على كل بلد من البلاد الرائجة عشرون كيسًا فما فوقها وما دونها ومن كل صنف مقادير أيضًا‏.‏

وفيه فرضوا على البلاد غلال قمح وفول وشعير كل بلد عشرون أردبًا فما فوقها وما دونها وهذه ثالث فرضة ابتدعت من الغلال على البلاد في هذه الدولة‏.‏

وفيه ورد الخبر بأن الألفي توجه إلى ناحية دمنهور البحيرة يوم الأربعاء رابعه وأنهم امتنعوا عليه فحاصرهم لأنهم استعدوا لذلك والبلد منضافة إلى السيد عمر النقيب فكان يرسل إليهم ويحذرهم منه ويرسل إليهم ويمدهم بآلات الحرب والبارود ويحرضهم على الاستعداد للحرب فحصنوا البلدة وبنوا أسوارها وجعلوا فيها أبراجًا وبدنات وركبوا عليها المدافع الكثيرة وأحضروا لهم ما يحتاجون إليه من الذخيرة والجبخانة وما يكفيهم سنة وحفروا حولها خنادق وهي في موقعها مرتفعة‏.‏

وفيه عزل الباشا محمد آغا كتخدا بك من كتخدائية بسبب أمور نقمها عليه وحبسه وطلب منه ألف كيس وقلد في الكتخدائية خازنداره وهو المعروف بدبوس أوغلي‏.‏

وفي ليلة الأحد ثامنه عدى ساري عسكر إلى بر أنبابة بوطاقه وهو دبوس أوغلي الكتخدا المذكور وذلك في أواخر النهار وضربوا مدافع كثيرة لتعديته وأخذ العسكر في تشهيل أمورهم ولوازمهم وأنفق عليهم الباشا نفقة هذا والطلب والتوزيع بالأكياس مستمر لا ينقطع عن أعيان الناس والتجار والأفندية الكتبة وجماعة الضربخانة والملتزمين بالجمارك وكل من كان له أدنى علاقة أو خدمة أو تجارة أو صنعة ظاهرة أو فائظ أو له شهرة قديمة أو من مساتير الناس وغالب الأحيان المحصل لذلك والقاضي فيه السيد عمر أفندي النقيب وقد حكمت عليه الصورة التي ظهر فيها وانعكس الحال والوضع وساءت الظنون والأمر لله وحده‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع عشره ارتحل عرضي التجريدة من أنبابة وذهبوا إلى جهة الوراريق‏.‏

وفي هذه الأيام كان بين مشايخ العلم منافسات ومنافرات ومحاسدات وذلك من أوائل شهر رمضان وتعصبات بسبب مشيخة الجامع ونظر أوقافه وأوقاف عبد الرحمن كتخدا فاتفق أن الشيخ عبد الرحمن السجيني ابن الشيخ عبد الرؤوف عمل وليمة ودعاهم إليها فاجتمعوا في ذلك اليوم وتصالحوا في الظاهر‏.‏

وفي يوم الاثنين هبت رياح وأثارت غبارًا وزوابع ولواقح ثم غيمت السماء غيمًا منقطعًا وأرعدت وأمطرت فكان الغبار والزوابع والشمس طالعة والمطر نزل وذلك بعد العصر وحصل مثل ذلك أيضًا في يوم الثلاثاء ولكن بعد الظهر‏.‏

وفي تلك الليلة بعد الغروب خرج الباشا محمد أفندي المنفصل عن الكتخدائية منفيًا إلى جهة وفي أواخره رجعت عساكر من الأرنؤد وكانوا كثيرين ونزلوا ببولاق ومصر القديمة وغالبهم الذين كانوا بصحبته حسن باشا طاهر وأخيه عابدين بك وسبب رجوعهم أنهم طلبوا علائفهم من حسن باشا وكان قد ظهر له فيهم المخاطرة عليه وميلهم إلى الأخصام فامتنع من دفع علائفهم وقال لهم اذهبوا إلى مصر واطلبوا علائفكم من الباشا وأرسل إليه يعرفه بحالهم ونفاقهم فما تراسلوا في الحضور منعهم الباشا من الدخول إلى البلد ووعدهم بإيصال علائفهم إليهم وهم خارج المدينة وبعد أن يقبضوا مالهم يعودون إلى مرابطهم كما كانوا فأقاموا بناحية بولاق وأرسل الباشا فجمع عربان الحويطات والعائد وغيرهم فأقاموا بناحية شبرا ومنية السيرج وهم جملة كبيرة استمروا في تجمعهم أربعة أيام وأرسل إلى الأجناد والجربجية وأمثالهم المقيمين بمصر وأمرؤ بأن يتهيؤا ويقضوا أشغالهم ويخرجوا صحبة حسن آغا الشماشيرجي فمن كان منهم ذا مقدرة وعنده حصان يركبه أو جمل يحمل عليه متاعه خرج بنفسه وإلا خرج بدلًا عنه وأعطاه مصروفه واحتياجاته ولوازمه وبرزوا إلى خارج ثم أرسل إلى العساكر المذكورين يأمر كبارهم بالسفر إلى بلادهم فامتنعوا وقالوا لا نسافر حتى نقبض المنكسر لنا من علائفهم فعند ذلك دس إلى أصاغرهم من خدعهم واستمالهم حتى تفرقوا في خدمة المستوطنين ولم يبق مع كبارهم المعاندين إلا القليل فلم يسعهم بعد ذلك إلا الامتثال وارتحلوا في غايته من بولاق وسافر معهم الشماشيرجي المذكور ومن بصحبته من المصريين وحولهم العربان وساروا على طريق دمياط وهم اثنان وخمسون شخصًا من كبار طائفة الأرنؤود حصل من العرب في مدة تجمعهم ما لا خير فيه وكذلك في مدة إقامتهم من الخطف والتعرية وقطع الطريق على المسافرين‏.‏

شهر ربيع الأول سنة 1221 استهل بيوم الثلاثاء وفي ليلة الأحد سادسه حصل رعد كثير وبرق بين المغرب والعشاء بدون مطر والغيم قليل متقطع وذلك سابع عشر بشنس وثاني عشر أيار والشمس في ثالث درجة من برج الجوزاء وذلك من النوادر في مثل هذا الوقت‏.‏

وفي يوم الأحد المذكور ضربوا مدافع من القلعة لبشارة وردت من الجهة القبلية وذلك أن رجب آغا وياسين بك اللذين انضما إلى الأمراء المصرية القبليين عملا متاريس بحري المنية ليمنعا من يصل إليها من مراكب الذخيرة فلما سافر محو بك بمراكب الذخيرة ووصل إلى حسن باشا طاهر ببني سويف أصحب معه عابدين بك وعدة من العسكر في عدة مراكب فلما وصلوا إلى محل المتاريس تراموا بالمدافع والرصاص واقتحموا المرور وساعدهم الريح فخلصوا إلى المنية وطلعوا إليها ودخلها عابدين بك وقتل فيما بينهم أشخاص وأرسلوا بذلك المبشرين فأخبروا بذلك وبالغوا في الأخبار وأن ياسين بك قتل هو وخلافه ورأسه واصلة مع رؤس كثيرة فعملوا لذلك شنكًا وضربت مدافع كثيرة ولم يكن لقتل يلسين بك صحة ثم وصل محو بك وابن وافي وقد نزلا في شكترية لها عدة مقاذيف ودفعوا في قوة التيار حتى وصلوا إلى مصر ولم يصل معهم رؤس كما أخبر المبشرون‏.‏

وفيه قرر فرضة على البلاد وهي دراهم وغلال وعينوا لذلك كاشفًا فسافروا معه عدة من العسكر وصحبتهم نقاقير وسافر أيضًا خازندار الباشا بلبيس وأخذ صحبته أكثر رفقائه وأصحابه من أولاد البلد فسافروا على حين غفلة إلى ناحية الدقهلية‏.‏

وفي عاشره وصلت الأخبار بأن الألفي ارتحل من البحيرة ورجع إلى ناحية وردان وعدى إلى جزيرة السبكية وهرب من كان مرابطًا من الأجناد المصرية وغيرهم وطلبوا من أهالي السبكية دراهم وغلالًا وفر غالب أهلها منها وجلوا عنها وتفرقوا في بلاد المنوفية‏.‏

وفي ثاني عشره يوم الجمعة عمل المولد النبوي ونصبوا بالأزبكية صواري تجاه بيت الباشا والشيخ محمد سعيد البكري وقد سكن بدار مطلة على البركة داخل درب عبد الحق وأقام هناك ليالي المولد إظهارًا لبعض الرسوم‏.‏

وفيه علقوا تسعة رؤس على السبيل المواجه لباب زويلة ذكروا أنها من قتلى دمنهور وهي رؤس مجهولة ووضعوا بجانبهم بيرقين ملطخين بالدماء وفيه طلب الباشا دراهم سلفة من الملتزمين والتجار وغيرهم بموجب دفتر أحمد باشا خورشيد الذي كان قبضها في عام أول قبل القومة فعينوا مقاديرها وعينوا بطلبها المعينين بالطلب الحثيث من غير مهلة ومن لم يجده بأن كان غائبًا أو متغيبًا دخلوا داره وطالبوا أهله أو جاره أو شريكه فضاق ذرع الناس وذهبوا أفواجًا إلى السيد عمر أفندي النقيب فيتضجر ويتأسف ويتقلق ويهون عليهم الأمر وربما سعى في التخفيف عن البعض بقدر الإمكان وقد تورط في الدعوة‏.‏

وفيه سافر السيد محمد المحروقي إلى سد ترعة الفرعونية وذلك أن الترعة المذكورة لما اجتهد في سدها المصريون في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف كما تقدم فانفتحت من محل آخر ينفذ إلى ناحية الترعة المسماة بالفيض وكان ذلك بإشارة أيوب بك الصغير لعدم انقطاع الماء عن ري بلاده فتهورت أيضًا هذه الناحية واتسعت وقوي اندفاع الماء إليها في مدة هذه السنين حتى جف البحر الغربي والشرقي وتغير ماء النيل في الناحية الشرقية وظهرت فيه الملوحة من حدود المنصورة وتعطلت مزارع الأرز وشرقت بلاد البحر الشرقي وشربوا الأجاج ومياه الآبار والسواقي وكثر تشكى أهالي البلاد فحصل العزم على سدها في هذا العام وتقيد بذلك السيد محمد المحروقي وذو الفقار إلى جهة السد وجمع العمال والفلاحين وسيقت إليه المراكب المملوءة بالأحجار من أول شهر صفر إلى وقت تاريخه وجبوا الأموال من البلاد لأجل النفقة على ذلك ثم سافر السيد المحروقي أيضًا وبذل جهده ورموا بها من الأحجار ما يضيق به الفضاء من الكثرة وتعطل بسبب ذلك المسافرون لقلة المراكب وجفاف البحر الغربي والخوف من السلوك فيه من قطاع الطرق والعربان فكانت المراكب المعاشات التي تأتي بالسفار وبضائع التجار يأتون بشحناتهم إلى حد السد ومحل العمل والشغل فيرسون هناك ثم ينقلون ما بها من الشحنة والبضائع إلى البر وبنقلونها إلى السفن والقوارب التي تنقل الأحجار ويأتون بها إلى ساحل بولاق فيخرجون ما فيها إلى البر وتذهب تلك السفن والقوارب إلى أشغالها في نقل الحجر ولا يخفى ما يحصل في البضائع من الإتلاف والضياع والسرقة وزيادة الكلف والأجر وغير ذلك وطال أمد هذا الأمر‏.‏

وفي أواخره نزل الباشا للكشف على الترعة فغاب يومين وليلتين ثم عاد إلى مصر‏.‏

شهر ربيع الثاني سنة 1221 فيه ورد سعاة من الإسكندرية وأخبروا بورود أربع مراكب وفيها عساكر من النظام الجديد وصحبتهم ططريات وبعض أشخاص من الإنكليز ومعهم مكاتبة خطابًا إلى الألفي وبشارة بالرضا والعفو للأمراء المصرية من الدولة بشفاعة الإنكليز فلما وصولا إليه بناحية حوش ابن عيسى بالبحيرة سر بقدومهم وعمل لهم شنكًا وضرب لهم مدافع كثيرة ثم شهلهم وأرسلهم إلى الأمراء القبليين وصحبتهم أحد صناجقه وهو أمين بك ومحمد كاشف تابع إبراهيم بك الكبير ثم أنه أرسل عدة مكاتبات بذلك الخبر إلى المشايخ وغيرهم بمصر وكذلك إلى مشايخ العربان مثل الحويطات والعائد وشيخ الجزيرة وباقي المشاهير فأحضر ابن شديد وابن شعير الأوراق التي أتتهم من الألفي إلى الباشا وفيها نعلمكم أن محمد علي باشا ربما ارتحل إلى ناحية السويس فلا تحملوا أثقاله وإن فعلتم ذلك فلا نقبل لكم عذرًا ولما سمع الباشا ذلك قال أنه مجنون وكذاب‏.‏

وفيه فتح الباشا الطلب بفائظ البلاد والحصص من الملتزمين والفلاحين وأمر الروزنامجي وطائفته بتحرير ذلك عن السنة القلبلة فضج الملتزمون وترددوا إلى السيد عمر النقيب والمشايخ فخاطبوا الباشا فاعتذر إليهم باحتياج الحال والمصاريف ثم استقر الحال على قبض ثلاثة أرباعه النصف على الملتزمين ولربع على الفلاحين وأن يحسب الريال في القبض منهم بثلاثة وثمانين نصفًا ويقبضه باثنين وتسعين وعلى كل مائة ريال خمسة أنصاف حق طريق سواء كان القبض من الملتزم بحصته في المصر أو بيد المعينين من طرف الكاشف في الناحية وإذا كان التوجيه بالطلب من كاشف الناحية كانت أشنع في التغريم والكلف لترادف الإرسال وتكرار حق الطريق‏.‏

وفي سادسه حضر أحمد كاشف سليم من الجهة القبلية وسبب حضوره أن الباشا لما بلغته هذه الأخبار أرسل الأمراء القبليين يستدعي منهم بعض عقلائهم مثل أحمد آغا شويكار وسليم آغا مستحفظان ليتشاور معهم في الأمر فلم يجب واحد منهم إلى الحضور ثم اتفقوا على إرسال أحمد كاشف لكونه ليس معدودًا من أفرادهم وبينه وبين الباشا نسب لأن ربيبته تحت حسن الشماشيرجي فحضر واختلى به الباشا مرارًا ثم أمره بالعود فسافر في يوم الثلاثاء رابع عشره وأصحب معه هدية إلى إبراهيم بك والبرديسي وعثمان بك حسن وغيرهم من الأمراء وهي عدد خيول وقلاعيات وثياب وأمتعة وغير ذلك‏.‏

وفي سادسه أيضًا قبض الباشا على إبراهيم آغا الوالي وحبسه مع أرباب الجرائم وسبب ذلك أن البصاصين شاهدوا حمولًا فيها ثياب من ملابس الأجناد أعدها بعض تجار النصارى ليرسلها إلى جهة قبلي لتباع على أجند الأمراء المصريين ومماليكهم ويربح فيها وسئل الحاملون لها فأخبروا أن أربابها فعلوا ذلك بإطلاع الوالي المذكور على مصلحة أخذها منهم ووصل خبر ذلك إلى الباشا فأحضره وقبض عليه وحبسه ثم أطلقه بعد أيام على مصلحة تقررت عليه بشفاعة امرأة من القهارمة المتقربين وعاد إلى منصبه وأخذت البضاعة وضاعت على أصحابها وغرموهم زيادة على ذلك غرامة وكذلك اتهم الذي حجزها بأنه اختلس منها أشياء وحبس وأخذت منه مصلحه فتحصل من هذه القضية جملة من المال مع أنها في خلال المراسلة والمهاداة ونودي بعد ذلك بأن من أراد أن يرسل شيئًا أو متجرًا ولو إلى السويس فليستأذن على ذلك ويأخذ به ورقة من باب الباشا فإن لم يفعل وضاع عليه فاللوم عليه‏.‏

وفي يوم الثلاثاء رابع عشره ورد ساعي وصحبته مكتوب من حاكم الإسكندرية خطابًا إلى الدفتردار يخبره بوصول قبطان باشا إلى الثغر وفي أثره وصل باشا متولي على مصر واسمه موسى باشا وصحبتهم مراكب بها عساكر من الصنف الذي يسمى النظام الجديد وكان ورود القبطان إلى الثغر ليلة الجمعة عاشره وطلعوا إلى البر بالإسكندرية يوم السبت حادي عشره فلما قرأ الدفتردار الورقة أرسل إلى السيد عمر النقيب فحضر إليه وركب صحبته للباشا واختليا معه ساعة ثم فارقاه ولما بلغ الألفي ورود هذه الدونانمه وحضرت إليه المبشرون وهو بالبحيرة امتلأ فرحًا وأرسل عدة مكاتبات إلى مصر صحبة السعاة فقبضوا على السعاة وحضروا بهم إلى الباشا فأخفاها ووصل غيرها إلى أربابها على غير يد السعاة وصورتها الأخبار بحضور لدونائمه صحبة قبطان باشا والنظام الجديد وولاية موسى باشا على مصر وانفصال محمد علي باشا عن الولاية وأن مولانا السلطان عفا عن الأمراء المصريين وأن يكونوا كعادتهم في إمارة مصر وأحكامها والباشا المتولي يستقر بالقلعة كعادته وأن محمد علي باشا يخرج من مصر ويتوجه إلى ولايته التي تقلدها وهي ولاية سلانيك وأن حضرة قبطان باشا أرسل يستدعي إخواننا الأمراء من ناحية قبلي فالله يسهل بحضورهم فتكونون مطمئنين الخاطر وأعلموا إخوانكم من الأولداشات والرعية بأن يضبطوا أنفسهم ويكونوا مع العلماء في الطاعة وما بعد ذلك إلا الراحة والخير والسلام‏.‏

وفي يوم الجمعة سابع عشره ورد قاصد من طرف قبودان باشا إلى بولاق فأرسل إليه الباشا من قابله وأركبه وحضر به إلى بيت الباشا وأراد أن ينزله بمنزل الدفتردار فاستعفى الدفتردار من نزوله عنده فأنزلوه ببيت الروزنامجي وأقام يوم السبت والأحد ولم يظهر ما دار بينهما ثم سافر في يوم الاثنين وذهب صحبته سليم المعروف بقبي لركخسي وشرع الباشا في عمل آلات حرب وجلل ومدافع وجمعوا الحدادين بالقلعة وأصعدوا بنبات كثيرة واحتياجات ومهمات إلى القلعة وظهر منه علامات العصيان وعدم الامتثال وجمع إليه كبار العسكر وشاورهم وتناجى معهم فوافقوه على ذلك لأن ما من أحد منهم إلا وصار له عدة بيوت وزوجات والتزام بلاد وسيادة لم يتخيلها ولم تخطر بذهنه ولا بفكره ولا يسهل به الانسلاخ عنها والخروج منها ولو خرجت روحه وأخبر المخبر أن الألأفي أرسل هدية إلى قبودان باشا وفيها ثلاثون حصانًا منها عشرة برخوتها ومن الغنم أربعة آلاف رأس وجملة أبقار وجواميس ومائة جمل محملة بالذخيرة وغير ذلك من النقوج والثياب والأقمشة برسمه ورسم كبار أتباعه ثم أن الباشا أحضر السيد عمر والخاصة وعرفهم بصورة الأمر الوارد بعزله وولاية موسى باشا وأن الأمراء المصريين عرضوا للسلطنة في طلب العفو وعودهم إلى أمرياتهم وخروج العساكر التي أفسدت الإقليم عن أرض مصر وشرطوا على أنفسهم القيام بخدمة الدولة والحرمين الشريفين وإرسال غلالها ودفع الخزينة وتأمين البلاد فحصل عنهم الرضا وأجيبوا إلى سؤالهم على هذه الشروط وأن المشايخ والعلماء يتكلفون بهم ويضمنون عهدهم بذلك فأعملوا فكركم ورأيكم في ذلك ثم انفصلوا من مجلسه‏.‏

وفيه أرسل الباشا فجمع الأخشاب التي وجدها ببولاق في الشوادر والحواصل والوكائل وطلعوا جميع ذلك إلى القلعة لعمل العربات والعجل برسم المدافع والقنابر‏.‏

وفي يوم الثلاثاء حادي عشرينه كان مولد المشهد الحسيني المعتاد وحضر الباشا لزيارة المشهد ودعاه الشيخ السادات وهو الناظر على المشهد والمتقيد لعمل ذلك فدخل إليه وتغدى عنده ثم ركب وعاد إلى داره وأكثر من الركوب والطواف بشوارع المدينة إلى القلعة والنزول منها والذهاب إلى بولاق وهو لابس برنسًا‏.‏

وفي يوم الخميس ثالث عشرينه حضر ديوان أفندي وعبد الله آغا بكتاش الترجمان عند السيد عمر ومعهما صورة عرض يكتب عن لسان المشايخ إلى الدولة في شأن هذه الحادثة فتناجوا مع بعضهم حصة من النهار ثم ركبا وحضرا في ثاني يوم عند الشيخ عبد الله الشرقاوي وأمروا المشايخ بتنظيم العرضحال وترصيعه ووضع أسمائهم وختومهم عليه ليرسله الباشا إلى الدولة فلم تسعهم المخالفة ونظموا صورته ثم بيضوه في كاغد كبير‏.‏

وفي ليلة الاثنين ثالث عشرينه وصل شاكر آغا سلحدار الوزير إلى بولاق فتلقوه وأركبوه إلى بيت الباشا فلما أصبح النهار أرسلوا أوراقًا وصلت صحبة السلحدار المذكور إحداها خطابًا للمشايخ وأخرى إلى شيخ السادات وثالثة إلى السيد عمر النقيب وكلها على نسق واحد وهي من قبودن باشا وعليها الختم الكبير وهي بالعربي وفرمان رابع باللغة التركية خطابًا للجميع ومضمون الكل الأخبار بعزل محمد علي باشا عن ولاية مصر وولايته سلانيك وولاية السيد موسى باشا المنفصل عنها مصر وأن يكون الجميع تحت الطاعة والامتثال للأوامر والاجتهاد في المعاونة وتشهيل محمد علي باشا فيما يحتاج إليه من السفن ولوازم السفر ليتوجه هو وحسن باشا والي جرجا من طريق دمياط بالإعزاز والإكرام وصحبتهما جميع العساكر من غير تأخير حسب الأوامر السلطانية ثم أنهم اجتمعوا في عصر ذلك اليوم بمنزل السيد عمر وركبوا إلى الباشا فلما استقروا بالمجلس قال لهم وصلت إليكم المراسلات الواردة صحبة السلحدار قالوا نعم قال وما رأيكم في ذلك قال الشيخ الشرقاوي ليس رأي والرأي ما تراه ونحن الجميع على رأيك فقال لهم في غد أبعث إليكم صورة تكتبونها في رد الجواب وأرسل إليهم من الغد صورة مضمونها أن الأوامر الشريفة وصلت إلينا وتلقيناها بالطاعة والامتثال إلا أن أهل مصر ورعيتها قوم ضعاف وربما عصت العساكر عن الخروج فيحصل لأهل البلدة الضرر وخراب الدور وهتك الحرمات وأنتم أهل للشفقة والرحمة والتلطف ونحو ذلك من التزويقات والتمويهات وأصدروها إليه وفي أثناء ذلك محمد علي باشا آخذ في إليه تمام والتشهيل وإظهار<