ج1. كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
المكتوب
المذكور آنفا
وفيه ذكر قائمقام بليار لبعض الرؤساء انه اذا رجع سارى
عسكر منصورا ودامت أهل البلد على طاعتهم وسكونهم رفع عنهم نصف المليون والظلم
وفي عاشره افرجوا عن ابن محرم التاجر بتوسل والدته
بقائمقام بليار على مصلحة الفين ريال فرانسة
وفيه خرج عبد العال الى ناحية أبي زعبل ورجع ومعه ثلاثة
أشخاص من الفلاحين ضرب عنق أحدهم
وفي ثاني عشرة قبض عبد العال على أناس من الغورية
والصاغة ومرجوش وغيرهم وألزمهم بمال وسئل عن ذلك فقال لم أفعله من قبل نفسي بل عن
أمر من الفرنسيس
وفيه حفروا خندقا عند تلال البرقية فكان الذين يخرجون
بالاموات يصعدون بهم من فوق التل ثم ينزلون ويمرون عل سقالة من الخشب على الخندق
المحفور فحصل للناس غاية المشقة واتفق ان ميتا سقط من على رقاب الحمالين وتدحرج
الى أسفل التل
وفيه ورد الخبر بموت مراد بك بالوجه القبلي بالطاعون
وكان موته رابع الشهر ودفن بسوهاج عند الشيخ العارف وأقيم عزاؤه عند زوجته الست
نفيسة وبنت له قبرا بمدفن على بك واسمعيل بك بالقرافة بالقرب من قبة الامام
الشافعي رضي الله تعالى عنه وأشيع نقله اليه ثم ترك ذلك وبطل وكان الفرنساوية عند
ما اصطلح معهم وأعطوه امارة الصعيد رتبوا لزوجته المذكورة في كل شهر مائة ألف فضة
واستمرت تقبض ذلك حتى أخرج الفرنساوية جوابات الى الامراء المرادية يعزونهم في
استاذهم وتقريرا الى عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي بان يكون أميرا ورئيسا
على خشداشينه وعوضا عن مراد بك ويستمرون على امريتهم وطاعتهم
وفيه حضرت جوابات المراسلات التي أرسلت الى البلاد بسبب
الغلال
والاقوات بان المتسببين والتجار أجابوا بالسمع والطاعة غير ان المانع لهم قطاع
الطريق وتعدى العرب ومنعهم السبيل وان أبواب البلدان مغلوقة بحيث لا يمكن الخروج
منها فاذا أمنت الطرق حضر المطلوب وكلام هذا معناه وأما الساعي المرسل الى
المنصورة فانه رجع من اثناء الطريق ولم يمكنه الوصول اليها لان العساكر القادمة قد
دخلوها وصارت في حكمهم
وفيه أي في هذا الشهر زاد أمر الطاعون وطعن مصطفى أغا
ابطال بالقلعة فلما ظهر فيه ذلك رفعوه بطريق مهانة وأنزلوه الى الكرنتينه بباب
العزب وألقوه بها ثم تكلم في شأنه ارباب الديوان فانزلوه الى داره فمات بها وكذلك
وقع لحسين قرأ ابراهيم التاجر وعلى كتخدا النجدلي وذلك في اوائله وفي كل يوم يموت
من الفرنسيس الكائنين بالقلعة الثلاثون والاربعون وينزلون بهم من كرنتينة القلعة
على الاخشاب مثل الابواب كل ثلاثة أو أربعة سواء يحملهم الحمالون وامامهم اثنان من
الفرنسيس يمنعون الناس ويباعدونهم عن القرب منهم الى أن يخرجوا بهم من باب القرافة
فيلقوهم في حفر عميقة قد اعدها الحفارون ويهيلون عليهم التراب حتى يعلوهم ثم يلقون
صفا آخر ويغطونهم بالتراب وهكذا حتى تمتلىء الحفرة ويبقى بينها وبين الارض نحو
الذراع فيكبسونها بالتراب والاحجار ويحفرون أخرى غيرها كذلك فيكون في الحفرة
الواحد اثنا عشر وستة عشر وأكثر فوق بعضهم البعض وبينهم التراب ويرمونهم بثيابهم
وأغطيتهم وتواسيمهم التي في أرجلهم وذلك المكان الذي يدفنون به في العلوة الكائنة
خارج مزار القادرية بين الطريقين الموصلين الى جهة مزار الامام الشافعي رضي الله
عنه
وفيه انهى مشايخ الديوان تعرض عبد العال لمصادرة الناس
وطلب المال بعد تأمينهم وتبشيرهم برفع نصف المليون عنهم فأجيبوا بأن ذلك على سبيل
القرض لتعطل المال الميري واحتياج العسكر الى النفقة وقيل
لهم ايضا
ان كان يمكنكم ان تكتبوا الى البلاد بدفع الميري رفعنا الطلب عن الناس فقالوا هذا
غير ممكن لحصول البلاد في حيازة القادمين وقطع الطريق من وقوف العرب بها وعدم
الانتظام وانما القصد الملاطفة والرفق فان وظيفتنا النصح والوساطة في الخير
وفي يوم الخميس سادس الحجة حضر استوف الخازندار وجرجس
الجوهري ومن معهما من القبطة وغيرهم ما عدا الفرنسيس الذين ذهبوا معهم فارسلت
اوراق بحضور مشايخ الديوان والتجار والاعيان من الغد فلما كان في صبحها حصلت
الجمعية واحضر الخازندار والوكيل وعبد العال وعلى أغا الوالي وبعض التجار كالسيد
احمد الزرو والحاج عبد الله التاودي شيخ الغورية والحاج عمر الملطيلي التاجر بخان
الخليلي ومحمود حسن وكليمان الترجمان فتكلم استوف وترجم عنه الترجمان بقوله ان
سارى عسكر الكبير منو يقرئكم السلام ويثنى عليكم كثيرا وسينجلى هذا الحادث ان شاء
الله تعالى ويقدم في خير ويرى أهل مصر ما يسرهم وقد هلك من الانكليز خلق كثير
وباقيهم أكثرهم مرمودون الاعين وبمرض الزحير وجاءت طائفة منهم الى الفرنساوية
وانضموا اليهم من جوعهم وعطشهم ولتعلموا أن الفرنساوية لم يسلموا في رشيد قهرا
عنهم بل تركوها قصدا وكذلك أخلينا دمياط لاجل ان يطمعوا ويدخلوا الى البلاد وتتفرق
عساكرهم فتتمكن عند ذلك من اسئصالهم ونخبركم انه قد وردت الى اسكندرية مركب من
فرانسا وأخبرت ان الصلح قد تم مع كامل القرانات ما عدا الانكليز فأنهم لم يدخلوا
في الصلح وقصدهم عدم سكون الحرب والفتن ليستولوا على أموال الناس واعلموا ان
المشايخ المحبوسين بالقلعة وغيرهم لا بأس عليهم وانما القصد من تعويفهم وحبسهم رفع
الفتن والخوف عليهم وشريعة الفرنساوية اقتضت ذلك ولا يمكن مخالفتها ومخالفتها
كمخالفة القرآن العظيم عندكم وقد بلغنا ان السلطان العثملي أرسل الى عسكره بالكف
عن الفرنساوية والرجوع
عن قتالهم
فخالف عليه بعض السفهاء منهم وخرجوا عن طاعته وأقاموا الحرب بدون اذنه فأجابه بعض
الحاضرين بقوله ان القصد حصول الراحة والصلح والفرنساوية عندنا أحسن حالا من
الانكليز لاننا قد عرفنا أخلاقهم ونعلم أن الانكليز انما يريدون بانضمامهم الى
العثملية تنفيذ أغراضهم فقط فانهم يدلون العثملي ويغرونه حتى يوقعوه في المهالك ثم
يتركوه كما فعلوا سابقا ثم قال الخازندار ان الفرنساوية لا يحبون الكذب ولم يعهد
عليهم فلازم أن تصدقوا كل ما أخبروكم به فقال بعض الحاضرين انما يكذب الحشاشون
والفرنساوية لا يأكلون الحشيش ثم قال الخازندار ان وقع من أهل مصر فشل أو فساد
عوقبوا أكثر من عام اول واعلموا أن الفرنساوية لا يتركون الديار المصرية ولا
يخرجون منها أبدا لانها صارت بلادهم وداخله في حكمهم وعلى الفرض والتقدير اذا
غلبوا على مصر فانهم يخرجون منها الى الصعيد ثم يرجعون اليها ثانيا ولا يخطر في
بالكم قلة عساكرهم فانهم على قلب رجل واحد واذا اجتمعوا كانوا كثيرا وطال الكلام
في مثل هذه التمويهات والخرافات وأجوبة الحاضرين بحسب المقتضيات ثم قال الخازندار
القصد منكم معاونة الفرنساوية ومساعدتهم وغلاق نصف المليون ولشفع بعد ذلك عند سارى
عسكر في فوات النصف الثاني حكم ما عرفكم قائمقام بليار فاجتهدوا في غلاقه من
الاغنياء واتركوا الفقراء فأجابوا في آخر الكلام بالسمع والطاعة فقال لكن ينبغي
التعجيل فان الامر لازم لاجل نفقه العسكر ثم قال لهم ينبغي ان تكتبوا جوابا
بالسارى عسكر تعرفونه فيه عن راحة اهل البلد وسكون الحال وقيامكم بوظائفكم وهو ان
شاء الله يحضر اليكم عن قريب وانفض المجلس وكتب الجواب المأمورية وارسل
وفيه ورد الخبر بوصول طاهر باشا الارنؤدي بجملة من
العساكر الارنؤدية الى أبي زعبل
وفيه خرج
عدة من عساكر الفرنساوية وضربوا أربع قرى من الريف بعلة موالاة العرب وقطاع الطريق
فنهبوهم وحضروا الى مصر بمتاعهم ومواشيهم
وفيه ارسل بليار قائمقام يطلب من الوجاقلية بقية ما
عليهم من المال المتأخر من فردة الملتزمين وقدره اثنا عشر ألف ريال وان تأخروا عن
الدفع احاط العسكر بيوتهم ونقلهم الى أضيق الحبوس بل واستعملهم في شيل الاحجار
فاعتذروا بضيق ذات يدهم وحبسهم فتصدر اليهم السيد احمد الزرو وتشفع عند قائمقام
بأن يقوموا بدفع أربعة آلاف ريال ويؤجلوا بالباقي وينزلوا من القلعة لتحصيل ذلك
فأجابه وأنزل علي أغا يحيى اغات الجراكسة ويوسف باشجاويش الى بيت عبد العال وحبسهم
بمكان بداره وحبس معهم مصطفى كتخدا الرزار فكان يتهددهم ويرسل اليهم أعوانه يقولون
لهم شهلوا ما عليكم والا ضربكم الاغا بالكرابيج فسبحان الفعال لما يريد فان عبد
العال هذا الذي يتهددهم ربما كان لا يقدر على الوصول الى الوقوف بين يدي بعض
اتباعهم فضلا عنهم
وفيه أحاط الفرنسيس بمنزل حسن أغا لوكيل المتوفي قبل
تاريخه وذلك بسبب انه وجد ببيته غلام فرنساوي مختف أسلم وحلق رأسه وقبضوا على أحد
خشداشينه وحبسوه لكونه علم ذلك ولم يخبر به
وفيه حضرت رسل من طرف عرضي الوزير لقائمقام بليار
فاجتمعوا به وخلا بهم ووجههم من ليلتهم فلما حصلت الجمعية بالديوان سئل الوكيل عن
ذلك فقال نعم انهم أرسلوا يطلبون الصلح
وفي ثامن عشره أفرجوا عن ابراهيم افندي كاتب البهار
ليساعد في قبض نصف المليون
وفي رابع عشرينه قبضوا على أبي القاسم المغربي شيخ رواق
المغاربة وحبسوه بالقلعة بسبب انه كان يتكلم في بعض المجالس ويقول أنا شيخ
المغاربة وأحكم عليهم ويتباهى بمثل هذا القول فنقل عنه ذلك إلى
عبد العال
والفرنسيس وظنوا صحة قوله وانه ربما أثار فتنة فقبضا عليه وحبسوه وكذلك حبسوا محمد
افندي يوسف ثاني قلفه وآخر يقال له عبيد السكري
وفي خامس عشرينه أبرزوا مكتوبا وزعموا انه حضر من سارى
عسكرهم وقرىء بالديوان وصورته بعد الصدر خطابا الى كافة العلماء والمشايخ الكرام
بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر حالا أدام الله تعالى فضائلهم ورد لنا مكتوبكم
وانشرح قلبي من كل ما شهدتم لنا فيه بانه يثبت عقلكم السليم وصدقكم وتقييد قلوبكم
في طارق الدستور فدوموا مهتدين بهذه الملكة ولا بد لفضائلكم من دولة جمهورنا كامل
الوفاء من حسن رضا واطمئنان عليكم منها ومن طرف عمدة أصحاب الجراءة والشجاعة حضرة
القونصل أولها بونابارته وعلى الخصوص من طرفنا وكان ضد اوامري ان الستويان فوريه
الذي كنت وضعته قرب فضائلكم ترك ذلك الموضع وتوجه الى اسكندرية وما تلك الفعلة الا
من نقص جسارته في ذي الوقعة فبدلناه جنب فضائلكم بالستويان جيرار رجل واجب
الاستوصاء لاجل عرضه وفضله وخصوصا لاجل غيرته وجسارته فلذلك هو كسب اعتمادي
فاعتمدوا الى كل ما هو قائل بفضائلكم من جانبنا وبمنه وعونه تعالى عن قريب نواجهكم
بمصر بخير وسلامة ودوموا حسب تدبيراتكم لتنظيم البلد ومماسكة الطاعة بين الامة
الحامدة والسياسة بين غيرهم وكذلك نرجو من رب الاجناد بحرمة سيد العباد ان تشدوا
قلوبكم توكلا له لان عوننا اسمه العظيم حرر في ثلاثة عشر فلوريال سنة تسعة موافقا
لثمانية عشر ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر ممضي عبد الله جاك منو انتهى
بالفاظه وحروفه
وفي سادس عشرينه أعادوا فرش الديوان بأمر الوكيل جيرار
وفيه أفرجوا عن محمد كاشف سليم الشعراوي بشفاعة حسين
كاشف وسافر الى جهة الصعيد
وفي ثامن
عشرينه وردت الاخبار بوصول ركاب الوزير يوسف باشا الى مدينة بلبيس وذلك يوم الجمعة
رابع عشرينه
وفيه أخبر وكيل الديوان ان سارى عسكر ارسل كتابا الى
الست نفيسة بالتعزية ورتب لها في كل شهر مائة الف نصف وأربعين وانقضت هذه السنة
بحوادثها وما حصل فيها فمنها توالى الهدم والخراب وتغيير المعالم وتنويع المظالم
وعم الخراب خطة الحسينية خارج باب الفتوح والخروبي فهدموا تلك الاخطاط والجهات
والحارات والدروب والحمامات والمساجد والمزارات والزوايا والتكايا وبركة جناق وما
بها من الدور والقصور المزخرفة وجامع الجنبلاطية العظيم بباب النصر وما كان به من
القباب العظام المعقودة من الحجر المنحوت المربعة الاركان الشبيهة بالاهرام
والمنارة العظيمة ذات الهلالين واتصل هدم خارج باب النصر بخارج باب الفتوح وباب
القوس الى باب الحديد حتى بقي ذلك كله خرابا متصلا واحدا وبقي سور المدينة الاصلي
ظاهرا مكشوفا فعمروه ورموا ماتشعث منه وأوصلوا بعضه ببعض بالبناء ورفعوا بنيانه في
العلو وعملوا عند كل باب كرانك وبدنات عظاما وأبوابا داخلة وخارجه وأخشابا مغروسة
بالارض مشبكة بكيفيه مخصوصة وركزوا عند كل باب عدة من العسكر مقيمين وملازمين ليلا
ونهارا ثم سدوا باب الفتوح بالبناء وكذلك باب البرقية وباب المحروق وأنشؤا عدة
قلاع فوق التلال البرقية ورتبوا فيها العساكر وآلات الحرب والذخيرة وصهاريج الماء
وذلك من حد باب النصر الى باب الوزير وناحية الصوة طولا فمهدوا أعالي التلال
وأصلحوا طرقها وجعلوا لها مزالق وانحدارات لسهولة الصعود والهبوط بقياسات وتحريرات
هندسية على زوايا قائمة ومنفرجة وبنوا تلك القلاع بمقادير بين أبعادها وهدموا
أبنية رأس الصوة حيث الحطابة وباب الوزير تحت القلعة الكبيرة وما بذلك من المدارس
القديمة المشيدة والقباب المرتفعة وهدموا أعالي المدرسة النظامية ومنارتها وكانت
في غاية من
الحسن
وجعلوها قلعة ونبشوا ما بها من القبور فوجدوا الموتى في توابيت من الخشب فظنوا
داخلها دراهم فكسروا بعضها فوجدوا بها عظام الموتى فأنزلوا تلك التوابيت وألقوها
الى خارج فاجتمع أهل تلك الجهة وحملوها وعملوا لها مشهدا بجمع من الناس ودفنوها
داخل التكية المجاورة لباب المدرج وجعلوا تلك المدرسة قلعة أيضا بعد أن هدموا
منارتها أيضا وكذلك هدموا مدرسة القانبية والجامع المعروف بالسبع سلاطين وجامع
الجركسي وجامع خوند بركة الناصرية خارج باب البرقية وكذلك أبنية باب القرافة
ومدارسها ومساجدها وسدوا الباب وعملوا الجامع الناصري الملاصق له قلعة بعد أن
هدموا منارته وقبابه وسدوا أبواب الميدان من ناحية الرميلة وناحية عرب اليسار
وأوصلوا سهور باب القرافة بجامع الزمر وجعلوا ذلك الجامع قلعة وكذلك عدة قلاع
متصلة بالمجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة الكبيرة وسدوا عيونها وبواكيها
وجعلوها سورا بذاتها ولم يبقوا منها الا قوصرة واحدة من ناحية الطبي جهة مصر
القديمة جعلوها بابا ومسلكا وعليها الكرنك والغفر والعسكر الملازمين الاقامة بها
ولقبض المكس من الخارج والداخل وسدوا الجهة المسلوكة من ناحية قنطرة السد بحاجز
خشب مقفص وعليه باب يقفل مقفص أيضا وعليه حوسجية ملازمون القيام عليه وذلك حيث
سواقي المجراة التي كانت تنقل الماء الى القلعة وحفروا خلف ذلك خندقا
وأما ما أنشؤه وعمروه من الابراج والقلاع والحصون بناحية
ثغر الاسكندرية ورشيد ودمياط وبلاد الصعيد فشيء كثير جدا وذلك كله في زمن قليل
ومنها تخريب دور الازبكية وردم رصيفاتها بالاتربة وتبديل
اوضاعها وهدم خطة قنطرة الموسكي وما جاورها من أول القنطرة المقابلة للحمام الى
البوابة المعروفة بالعتبة الزرقاء حيث جامع أزبك وما كان في ضمن
ذلك من الدور والحوانيت والوكائل وكوم الشيخ سلامة فيسلك المار من على القنطرة في رحبة متسعة تنتهي الى رحبة الجامع الازبكي وهدموا بيت الصابونجي ووصلوه بجسر عريض ممتد ممهد حتى ينتهي الى قنطرة الدكة وفي متوسط ذلك الجسر ينعطف جسر آخر الى جهة اليسار عند بيت الالفي حيث سكن سارى عسكر ممتد ذلك الجسر الى قنطرة المغربي ومنها يمتد الى بولاق على خط مستقيم الى ساحل البحر حيث موردة التبن والشون ووزعوا بحافتيه السيسبان والاشجار وكذلك برصيفات الازبكية وهدموا المسجد المجاور لقنطرة الدكة مع ما جاوره من الابنية والغيطان وعملوا هناك بوابة وكرنكا وعسكرا ملامين الاقامة والوقوف ليلا ونهارا وذلك عند مسكن بليار قائمقام وهي دار جرجس الجوهري وما جاوره وكان في عزمهم ايصال ما انتهوا الىهدمه بقنطرة الموسكي الى صور باب البرقية ويهدمون من حد حمام الموسكي حتى يتصل المهدوم بناحية الاشرفية ثم الى خان الخليلي الى اسطبل الطارمة العروفة الآن بالشنواني الى ناحية كفر الطماعين الى البرقية ويجعلون ذلك طريقا واحدا متسعا وبحافتيه الحوانيت والخانات وبها أعمدة وأشجار وتكاعيب وتعاريش وبساتين من أولها الىآخرها من حد باب البرقية الى بولاق فلما انتهوا في الهدم الى قنطرة الموسكي تركوا الهدم ونادوا بالمهلة ثلاثة أشهر وشرعوا في أبنية حوائط بحافتي القنطرة ومعاطف ومزالق الى حارة الافرنج وحارة النباقة وذلك بالحجر النحت المتقن الوضع وكذلك عمروا قناطر الخليج المتهدمة داخل مصر وخارجها على ذلك الشكل مثل قنطرة السد والقنطرة التي بين أراضي الناصرية وطريق مصر القديمة وقنطرة الليمون وقنطرة قدبدار وقنطرة الاوز وغير ذلك ثم فاجأهم حادث الطاعون ووصول القادمين فتركوا ذلك واشتغلوا بأمور التحصين وسيأتي تتمة ذلك ومنها توالي خراب بركة الفيل وخصوصا بيوت الامراء التي كانت بها وأخذوا أخشابها لعمارة القلاع ووقود النيران والبيع
وكذلك ما
كان بها من الرصاص والحديد والرخام وكانت هذه البركة من جملة محاسن مصر وفيها يقول
أبو سعيد الاندلسي وقد ذكر القاهرة وأعجبني في ظاهرها بركة الفيل لانها دائرة
كالبدر والمناظر فوقها كالنجوم وعادة السلطان أن يركب فيها بالليل ويسرج أصحاب
المناظر على قدر هممهم وقدرتهم فيكون بذلك لها منظر عجيب
وتخرب ايضا جامع الرويعي وجعلوه خمارة وبعض جامع عثمان
كتخدا القزد علي الذي بالقرب من رصيف الخشاب وجامع خير بك حديد الذي بدرب الحمام
بقرب بركة الفيل وجامع البنهاوي والطرطوشي والعدوى وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا
المقابل لباب الفتوح حتى لم يبق به الا بعض الجدران وجعلوا جامع أزبك سوقا لبيع
أقلام المكوس
ومنها أنهم غيروا معالم المقياس وبدلوا أوضاعه وهدموا
قبته العالية والقصر البديع الشاهق والقاعة التي بها عامود المقياس وبنوها على شكل
آخر لا بأس به لكنه لم يتم وهي على ذلك باقية الى الآن ورفعوا قاعدة العامود
العليا ذراعا وجعلوا تلك الزيادة من قطعة رخام مربعة ورسموا عليها من جهاتها
الاربع قراريط الذراع
ومنها انهم هدموا مساطب الحوانيت التي بالشوارع ورفعوا
أحجارها مظهرين ان القصد بذلك توسيع الازقة لمرور العربات الكبيرة التي ينقلون
عليها المتاع واحتياجات البناء من الاحجار والجبس والجير وغيره والمعنى الخفي
الشافي خوفا من التترس بها عند حدوث الفتن كما تقدم وكانوا وصلوا في هدم المساطب
الى باب زويلة ومن الجهة الاخرى الى عطفه مرجوش فهدموا مساطب خط قناطر السباع والصليبة
ودرب الجماميز وباب سعادة وباب الخرق الى آخر باب الشعرية ولو طال الحال لهدموا
مساطب العقادين والغورية والصاغة والنحاسين الى آخر باب النصر وباب الفتوح فحصل
لارباب الحوانيت غاية الضيق لذلك وصاروا يجلسون في داخل فجوات الحوانيت مثل
الفيران في الشقوق وبعض الزوايا والجوامع
والرباع
التي درجها خارج عن سمت حائط البناء لما هدموا درجة وبسطته بقي باب مدخله معلقا
فكانوا يتوصدون اليه بدرج من الخشب مصنوع يضعونه وقت الحاجة ويرفعونه بعدها وذلك
عمل كثير
ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو
انه لما حضر الفرنسيس الى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع
نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على
مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات الصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا
عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت اليهم نفوس
أهل الاهواء من النساء الاسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الاموال
لهن وكان ذلك التداخل اولا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في اخفائه فلما وقعت
الفتنة الاخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا
ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على
طريقتهن في كامل الاحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك
المأسورات غيرهم من النساء الفواجر ولما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب
الاموال واجتماع الخيرات في حور الفرنسيس ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء
وخضوعهن له وموافقة مرادهن وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته او ضربته بتاسومتها فطرحن
الحشمة والوقار والمبالاة والاعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن لميل النفوس
الى الشهوات وخصوصا عقول القاصرات وخطب الكثير منهم بنات الاعيان وتزوجوهن رغبة في
سلطانهم ونوالهم فيظهر حالة العهد الاسلام وينطق بالشهادتين لانه ليس له عقيدة
يخشى فسادها وصار مع حكام الاخطاط منهم النساء المسلمات متزيبات بريهم ومشوا معهم
في الاخطاط للنظر في أمور الرعية والاحكام العادية والامر والنهي والمناداة
وتمشي
المرأة بنفسها او معها بعض أترابها واضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم
وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل مايمر الحاكم ويأمرن وينهين في الاحكام
ومنها انه لما أوفى النيل أذرعه ودخل الماء الى الخليج
وجرت في السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في
المراكب والمرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة
وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب وملاحو السفن
يكثرون من الهزل والمجون ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المقاديف بسخيف موضوعاتهم
وكتائف مطبوعاتهم وخصوصا اذا دبت الحشيشة في رؤسهم وتحكمت في عقولهم فيصرخون
ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم وتقليد
كلامهم شيء كثير
وأما الجواري السود فانهن لما علمن رغبة القوم في مطلق
الانثى ذهن اليهم أفواجا فرادى وأواجا فنططن الحيطان وتسلقن اليهم من الطيقان
ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك
ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه
سارى عسكر القبطة جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية
مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رؤوسهم مشابه لشكل البرنيطة وعليه قطعة فروة سوداء
من جلد الغنم في غاية البشاعة مع ما يضاف اليها من قبح صورهم وسواد أجسامهم وزفارة
أبدانهم وصيرهم عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الاماكن المجاورة لحارة
النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الاحمر وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وابراج
وباب كبير يحيط به بدنات عظام وكذلك بنى ابراجا في ظاهر الحارة جهة بركة الازبكية
وفي جميع السور المحيط والابراج طيقانا للمدافع وبنادق الرصاص على هيئة سور مصر
الذي رمه
الفرنساوية
ورتب على باب القلعة الخارج والداخل عدة من العسكر الملازمين للوقوف ليلا ونهارا
وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنساوية ومنها قطعهم الاشجار والنخيل من جميع
البساتين والجنائن الكائنة بمصر وبولاق ومصر القديمة والروضة وجهة قصر العيني
وخارج الحسينية وبساتين بركة الرطلي وأرض الطبالة وبساتين الخليج بل وجميع القطر
المصري كالشرقية والغربية والمنوفية ورشيد ودمياط كل ذلك لاحتياجات عمل القلاع
وتحصين الاسوار في جميع الجهات وعمل العجل والعربات والمتاريس ووقود النار وكذلك المراكب
والسفن وأخذ أخشابها أيضا مع شدة الاحتياج اليها وعدم انشاء الناس سفنا جديدة
لفقرهم وعدم الخشب والزفت والقار والحديد وباقي اللوازم حتى انهم حال حلولهم
الديار المصرية وسكنهم بالازبكية كسروا جميع القنج والاغربةالتي كانت موجودة تحت
الاعيان بقصد التنزه وكذلك ما كان ببركة الفيل وبسبب ذلك شحت البضائع وغلت الاسعار
وتعطلت الاسباب وضاقت المعايش وتضاعفت أجر حمل التجارات في السفن لقلتها
ومنها هدم القباب والمدافن الكائنة بالقرافة تحت القلعة
خوفا من تترس المحاربين بها فكانوا يهدمون ذلك بالبارود على طريقة اللغم فيسقط
المكان بجميع اجزائه من قوة البارود وانحباسه في الارض فيسمع له صوت عظيم ودوي
فهدموا شيئا كثيرا على هذه الصورة وكذلك ازالوا جانبا كبيرا من الجبل المقطم
بالبارود من الجهة المحاذية للقلعة خوفا من تمكن الخصم منها والرمي على القلعة
ومنها زيادة النيل المفرطة التي لم يعهد مثلها في هذه
السنين حتى غرقت الاراضي وحوصرت البلاد وتعطلت الطرق فصارت الارض كلها لجة ماء
وغرق غالب البلاد التي على السواحل فتهدم من دورها شيء كثير وأما المدينة فإن
الماء جرى من جهة الناصرية الى الطريق المسلوكة وطفح من بركة الفيل الى درب الشمسي
وطريق قنطرة عمر شاه
ومنها
استمرار انقطاع الطرق واسباب المتاجر وغلو البضائع المجلوبة من البلاد الرومية
والشامية والهندية والحجازية والمغرب حتى غلت اسعار جميع الاصناف وانتهى سعر كل
شيء الى عشرة امثاله وزيادة على ذلك فبلغ الرطل الصابون الى ثمانين نصفا واللوزة
الواحدة بنصفين وقس على ذلك وأما الاشياء البلدية فانها كثيرة موجودة وغالبها يباع
رخيصا مثل السمن والعسل النحل والارز والغلال وخصوصا الارز فانه بيع في ايامهم
بخمسمائة نصف فضة الاردب وكانت النصارى باعة العسل النحل يطوفون به في بلاليص
محملة على الحمير ينادون عليه في الازقة بأرخص الاثمان
ومنها وقوع الطاعون بمصر والشام وكان معظم عمله ببلاد
الصعيد أخبرني صاحبنا العلامة الشيخ حسن المعروف بالعطار المصري نزيل اسيوط مكاتبة
ونصه ونعرفكم يا سيدي انه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم تسمع بمثله
وخصوصا ما وقع منه باسيوط وقد انتشر هذا البلاء في جميع البلاد شرقاوغربا وشاهدنا
منه العجائب في أطواره وأحواله وذلك أنه اباد معظم اهل البلاد وكان اكثره في
الرجال سيما الشبان والعظماء وكل ذي منقبة وفضيلة واغلقت الاسواق وعزت الاكفان
وصار المعظم من الناس بين ميت ومشيع ومريض وعائد حتى ان الانسان لا يدري بموت
صاحبه أو قريبه الا بعد ايام ويتعطل الميت في بيته من أجل تجهيزه فلا يوجد النعش
ولا المغسل ولا من يحمل الميت الا بعد المشقة الشديدة وان اكبر كبير اذا مات لا
يكاد يمشي معه مازاد على عشرة انفار تكترى وماتت العلماء والقراء والملتزمون
والرؤساء وأرباب الحرف ولقد مكثت شهرا بدون حلق رأسي لعدم الحلاق وكان مبدأ هذا
الامر من شعبان وأخذ في الزيادة في شهر ذي القعدة والحجة حتى بلغ النهاية القصوى
فكان يموت كل يوم من اسيوط خاصة زيادة على الستمائة وصار الانسان اذا خرج من بيته
لا يرى الا جنازة أو مريضا
أو مشتغلا بتجهيز ميت ولا يسمع الا نائحة او باكية وتعطلت المساجد من الاذان والامامة لموت أرباب الوظائف واشتغال من بقى منهم بالمشي اما الجنائز والسبح والسهر وتعطيل الزرع من الحصاد ونشف على وجه الارض وأبادته الرياح لعدم وجدان من يحصده وعلى التخمين أنه مات الثلثان من الناس هذا مع سعي العرب في البلاد بالفساد والتخويف بسبب خلو البلاد من الناس والحكام الى أن قال ولو شئت ان اشرح لك يا سيدي ما حصل من أمر الطاعون لملأت الصحف مع عدم الايفاء وتاريخه ثامن عشرين الحجة سنة تاريخه
من مات في هذه السنة من الاعيان
مات الامام الالمعي والذكي اللوذعي من عجنت طينته بماء المعارف وتآخت طبيعته مع العوارف العمدة العلامة والنحرير الفهامة فريد عصره ووحيد دهره الشيخ محمد بن أحمد بن حسن بن عبد الكريم الخالدي الشافعي الشهير بابن الجوهري وهو أحد الاخوة الثلاثة وأصغرهم ويعرف هو بالصغير ولد سنة احدى وخمسين ومائة وألف ونشأ في حجر والده في عفة وصون وعفاف وقرأ عليه وعلى أخيه الاكبر الشيخ أحمد ابن احمد وعلي الشيخ خليل المغربي والشيخ محمد الفرماوي وغيرهم من فضلاء الوقت وأجازه الشيخ محمد الملوي بما في فهرسته وحضر دروس الشيخ عطية الاجهوري في الاصول والفقه وغير ذلك فلازمه وبه تخرج في الالقاء وحضر الشيخ علي الصعيدي والبراوي وتلقى عن الشيخ الوالد حسن الجبرتي كثيرا من العلوم ولازم التردد عليه والاخذ منه مع الجماعة ومنفردا وكان يحبه ويميل اليه ويقبل بكليته عليه وحج مع والده في سنة ثمان وستين وجاور معه فاجتمع بالشيخ السيد عبد الله الميرغني صاحب الطائف واقتبس من أنواره واجتنى من ثماره وكان آية في الفهم والذكاء والغوص والاقتدار على حل المشكلات وأقرأ الكتب وألقى الدروس بالاشرفية وأظهر التعفف والانجماع عن خلطة الناس
والذهاب والترداد الى بيوت الاعيان والتزهد عما بأيديهم فأحبه الناس وصار له أتباع ومحبون وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده واقبال الناس عليه ومدحتهم له وترغيبهم في زيادته وتزوج ببنت الخواجا الكريمي وسكن بدارها المجاورة لبيت والده بالازبكية واتخذ له مكانا خاصا بمنزل والده يجلس فيه في اوقات وكل من حضر عند أبيه في حال انقطاعه من الاكابر أو من غيرهم للزيارة أو للتلقي يأمره بزيارة ابنه المترجم والتلقي عنه وطلبهم الدعاء منه ويحكى لهم عنه مزايا وكرامات ومكاشفات ومجاهدات وزهديات فازداد اعتقاد الناس فيه وعاشر العلماء والفضلاء من أهل عصره ومشايخه وقرنائه وتردد عليهم وترددوا عليه ويبيتون عنده ويطمعهم ويكرمهم ويتنزه معهم في أيام النيل مع الحشمة والكمال ومجانبة الامور المخلة بالمروأة ولما مات أخوه الكبير الشيخ أحمد وقد كان تصدر بعد والده في اقراء الدروس اجمع الخاص والعام على تقدم المترجم في اقراء الدروس في الازهر والمشهد الحسيني في رمضان فامتنع من ذلك وواظب على حالة انجماعه وطريقته واملائه الدروس بالاشرفية وحج في سنة سبع وثمانين ومائة وألف وجاور سنة وعقد دروسا بالحرم وانتفع به الطلبة ثم عاد الى وطنه وزاد في الانجماع والتحجب عن الناس في أكثر الاوقات فعظمت رغبة الناس فيه ورد هداباهم مرة بعد أخرى وأظهر الغني عنهم فازداد ميل الناس اليه وجبلت قلوبهم على حبه واعتقاده وتردد الامراء وسعوا لزيارته أفواجا وربما احتجب عن ملاقاتهم وقلد بعضهم بعضا في السعي ولم يعهد عليه أنه دخل بيت امير قط أو أكل من طعام أحد قط الا بعض أشياخه المتقدمين وكانت شفاعته لا ترد عند الامراء والاعيان مع الشكيمة والصدع بالامر والمناصحة في وجوههم اذا أتوا اليه وازدادت شهرته وطار صيته ووفدت عليه الوفود من الحجاز والغرب والهند والشام والروم وقصدوا زيارته والتبرك به وحج ايضا في سنة تسع وتسعين لما حصلت الفتنة بين أمراء
مصر فسافر
بأهله وعياله وقصد المجاورة فجاور سنة واقرأ هناك دروسا واشترى كتبا نفيسة ثم عاد
الى مصر واستمر على حالته في انجماعه وتحجبه عن الناس بل بالغ في ذلك ويقرىء ويملي
الدروس بالاشرفية وأحيانا بروايتهم بدرب شمس الدولة وأحيانا بمنزله بالازبكية ولما
توفي الشيخ أحمد الدمنهوري وتولىمشيخة الازهر الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي
باتفاق الامراء والمتصدرين من الفقهاء وهاجت حفائظ الشافعية ذهبوا اليه وطلبوه
للمشيخة فأبى ذلك ووعدهم بالقيام لنصرتهم وتولية من يريدونه فأجتمعوا ببيت الشيخ
البكري واختاروا الشيخ أحمد العروسي لذلك وأرسلوا الى الامراء فلم يوافقوا على ذلك
فركب المترجم بصحبة الجمع الى ضريح الامام الشافعي ولم يزل حتى نقض ما أبرمه
العلماء والامراء ورد المشيخة الى الشافعية وتولى الشيخ أحمد العمروسي وتم له
الامر كما تقدم ذلك في ترجمة العريشي ولما توفي الشيخ احمد العروسي كان المترجم
غائبا عن مصر في زيارة سيدي أحمد البدوي فأهمل الامر حتى حضر وتولى الشيخ عبد الله
الشرقاوي باشارته ولم يزل وافر الحرمة معتقدا عند الخاص والعام حتى حضر الفرنساوية
واختلت الامور وشارك الناس في تلقي البلاء وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته
وكتبه التي جمعها وتراكمت عليه الهموم والامراض وحصل له اختلاط ولم يزل حتى توفي
يوم الاحد حادي عشرين شهر القعدة سنة تاريخه بحارة برجوان وصلى عليه بالازهر في
مشهد حافل ودفن عند والده وأخيه بزاوية القادرية بدرب شمس الدولة وبالجملة فكان من
محاسن مصر والفريد في العصر ذهنه وقاد ونظمه مستجاد وكان رقيق الطبع لطيف الذات
مترفها في مأكله وملبسه
ومات الاجل الامثل العمدة الوجيه السيد عبد الفتاح بن
أحمد ابن الحسن الجوهري أخو المترجم المذكور وهو أسن منه واصغر من اخيه الشيخ احمد
ولد سنة احدى واربعين ومائة والف ونشأ في حجر ابيه
وحضر
الشيخ الملوي وبعض دروس ابيه وغيره ولم يكن معتنيا بالعلم ولم يلبس زي الفقهاء
وكان يعاني التجارة ويشارك ويضارب ويحاسب ويكاتب فلما توفي اخوه الاكبر الشيخ أحمد
وامتنع اخوه الاصغر الشيخ محمد من التصدر للاقراء في محله اتفق الحال على تقدم
المترجم حفظا للناموس وبقاء لصورة العلم الموروث فعند ذلك تزيابزي الفقهاء ولبس
التا والفراجة الواسعة واقبل على مطالعة العلم وخالط أهله وصار يطالع ويذاكر وأقرأ
دروس الحديث بالمشهد الحسيني في رمضان مع قلة بضاعته وذلك بمعونة الشيخ مصطفى بن
الشيخ محمد الفرماوي فكان يطالع الدرس الذي يمليه من الغد ويتلقى عنه مناقشات
الطلبة وثبت على ذلك حتى ثبتت المشيخة وتقررت العالمية كل ذلك مع معاناته التجارة
وتردد الى الحرمين واثرى واقتن كتبا نفيسة وعروضا وحشما واشترى المماليك والعبيد
والجواري والاملاك والالتزام ولم يزل حتى حصلت حوادث الفرنساوية وصادروه وأخذوا
منه خمسة عشر الف فرانسة وداخله من ذلك كرب وانفعال زائد فسافر الى بلدة جارية في
التزامه يقال لها كوم النجار فأقام بها أشهرا ثم ذهب الى شيبين الكوم بلدة أقاربه
وأقام بها الى ان مات في هذه السنة وذلك بعد وفاة أخيه الشيخ محمد بنحو خمسة ايام
ودفن هناك رحمه الله تعالى
ومات الامام العلامة الثقة الهمام النحرير الذي ليس له
في فضله نظير أبو محمد أحمد بن سلامة الشافعي المعروف بأبي سلامة اشتغل بالعلم
وحضر العلوم النقلية والنحوية والمنطقية وتفقه على كثير من علماء الطبقة الاولى كالشيخ
علي قايتباي والحفني والبراوي والملوي وغيرهم وتبحر في الاصول والفروع وكان
مستحضرا للفروع الفقهية والمسائل الغامضة في المذاهب الاربع ويغوص بذهنه وقياسه في
الاصول الغريبة ومطالعة كتب الاصول القديمة التي اهملها المتأخرون وكان الفضلاء
يرجعون في ذلك اليه ويعتمدون قوله ويعولون في الدقائق عله الا ان الدهر لم يصافه
على
عادته
وعاش في خمول وضيق وخشونة ملبس وفقد رفاهية بحيث ان من يراه لا يعرف لرثائه ثيابه
وكان مهذبا حسن المعاشرة جميل الخلق والنادرة مطبوعا فيه صلاح وتواضع ونزل مؤقتا
في مسجد عبد الرحمن كتخدا الذي أنشأه تجاه باب الفتوح بمعلوم قدره ثمانية انصاف
يتعيش بها مع ما برد عليه من بعض الفقهاء والعامة الذين يحتاجون اليه في مراجعة
المسائل والفتاوي فلما خرب المسجد المذكور في حادثة الفرنسيس وجهات اوقافه انقطع
عنه ذلك المعلوم وكان ذا عائلة ومع ذلك لا يسأل شيأ ولا يظهر فاقة توفي في يوم
الاحد حادي عشرين جمادى الآخرة من السنة عن خمس وسبعين سنة تقريبا رحمه الله
ومات الامير مراد بك محمد مات بسهاج قادما الى مصر
باستدعاء الفرنسيس ودفن بها عند الشيخ العارف وكان موته رابع شهر الحجة كما تقدم
وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب ومحمد بك مملوك علي بك وعلي بك مملوك ابراهيم
كتخدا الفازدغلي اشترى محمد بك مراد بك المذكور في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف
وذلك في اليوم الذي قتل فيه صالح بك الكبير فاقام في الرق أياما قليل أعقه وأمره
وأنعم عليه بالاقطاعات الجليلة وقدمه على أقرانه وتزوج بالست فاطمة زوجة الامير
صالح بك وسكن داره العظيمة بخط الكبش
ولما مات علي بك تزوج بسريته ايضا وهي ألست نفيسة
الشهيرة الذكر بالخير ولما انفرد محمد بك بأمارة مصر كان هو وابراهيم بك اكبر
امرائه المشار اليهما دون غيرهما فلما سافر محمد بك الى الديار الشامية محاربا
للظاهر عمر أقام عوضه في امارة مصر ابراهيم بك وأخذ صحبته مراد بك وباقي أمرائه
فلما مات محمد بك بعكا اجتمع أمراؤه على رأى مماليكه في رآسه مراد بك فتقدم وقدمه
عليهم وحملوا جثة سيدهم وحضروا بأجمعهم الى مصر فاتفق راي الجميع على امارة من
استخلفه سيدهم وقدمه دون غيره وهو ابراهيم بك ورضى الجميع بتقدمه ورياسته
لوفور
عقله وسكون جاشه فاستقر بمشيخة مصر ورياستها ونائب نوابها ووزرائها وعكف مراد بك
علي لذاته وشهواته وقضى أكثر زمانه خارج المدينة مرة بقصره الذي أنشأه بالروضة
وأخرى بجزيرة الذهب وأخرى بقصر قايماز جهة العادلية كل ذلك مع مشاركته لابراهيم بك
في الاحكام والنقض والإبرام والايراد والاصدار ومقاسمة الاموال والدواوين وتقليد
مماليكه وأتباعه الولايات والمناصب واخذ في بذل الاموال وانفاقها على امرائه
وأتباعه فانضم اليه بعض امراء على بك وغيرهم ممن مات أسيادهم كعلي بك المعروف
بالملط وسليمان بك الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان فأكرمهم وواساهم ورخص لمماليكه
في هفواتهم وسامحهم في زلاتهم وحظى عنه كل جريء غشوم عسوف ذميم ظلوم فانقلبت
أوضاعهم وتبدلت طباعهم وشرهت نفوسهم وعلت رؤسهم فتناظروا وتفاخروا وطمعوا في
أستاذهم وشمخت آنافهم عليه وأغاروا حتى على ما في يده واشتهر بالكرم والعطاء فقصده
الراغبون وامتدحه الشعراء والغاوون وأخذا الشيء من غير حقه واعطاه لغير مستحقه
ثم لما ضاف عليه المسالك ورأى أن رضا العالم غاية لا
تدرك أخذ يتحجب عن الناس فعظم فيه الهاجس والوسواس وكان يغلب على طبعه الخوف والجبن
مع التهور والطيش والتورط في الاقدام مع عدم الشجاعة ولم يعهد اليه انه انتصر في
حرب باشرها أبدا علىما فيه من الادعاء والغرور والكبر والخيلاء والصلف والظلم
والجور
ولما قدم حسن باشا الى مصر وخرج المترجم مع خشداشينه
وعشيرته هاربين الى الصعيد حتى انقضت ايام حسن باشا واسمعيل بك ومن كان معه ورجعوا
ثانيا بعد أربع سنين وشيء من الشهور من غير عقد ولا حرب تعاظم في نفسه جدا واختص
بمساكن اسمعيل بك وجعل اقامته بقصر الجيزة وزاد في بنائه وتنميقه وبنى تحته رصيفا
محكما وأنشأ بداخله بستانا عظيما نقل اليه أصناف النخيل والاشجار والكروم واستخلص
غالب بلاد اقليم الجيزة لنفسه شراء ومعاوضة وغصبا وعمر ايضا قصر جزيرة الذهب وجعل بها بستانا عظيما وكذلك قصر ترسا وبستان المجنون وصار يتنقل في تلك القصور والبساتين ويركب للصيد في غالب أوقاته واقتنى المواشي من الابقار والجواميس الحلابة والاغنام المختلفة الاجناس فكان عنده بالجيزة من ذلك شيء كثير جدا وعمل له ترسخانة عظيمة وطلب صناع آلات الحر ب من المدافع والقنابر والبنب والجلل والمكاحل واتخذ بها ايضا معامل البارود خلاف المعامل التي في البلد وأخذ جميع الحدادين والسباكين والنجارين فجمع الحديد المجلوب والرصاص والفحم الحطب حتى شحت جميع هذه الادوات لكونه كان يأخذ كل ما وجده منها وكذلك حطب القرطم والترمس والذرة لحرق قمام الجير والجبس للعمارة وأوقف الاعوان في كل جهة يحجزون المراكب التي تأتي من البلاد بالاحطاب يأخذونها ويجمعونها للطلب ويبيعون لانفسهم ما أحبوا ويأخذون الجعالات على ما يسمحون به أو يطلقونه لاربابه بالوسائط والشفاعات واحضر أناسا من القليونجية ونصارى الاروام وصناع المراكب فانشؤا له عدة حربية وغلايين وجعلوا بها مدافع وآلات حرب على هيئة مراكب الروم صرف عليها أموالا عظيمة ورتب بها عساكر وبحرية وأدر عليهم الجماكي والارزاق الكثيرة وجعل عليهم رئيسا كبيرا رجلا نصرانيا وهو الذي يقال له نقولا بنى له دارا عظيمة بالجيزة وأخرى بمصر وله عزوة وأتباع من نصارى الأروام المرتبين عسكرا وكان نقولا المذكور يركب الخيل ويلبس الملابس الفاخرة ويمشي في شوارع مصر راكبا وامامه وخلفه قواسة يوسعون له الطريق في مروره على هيئة ركوب الامراء كل ذلك خطرات من وساوسه لا يدري أحد لاي شيء هذا الاهتمام ولأي حاجة انفاق هذا المال في الخشب والحديد واعطاؤه لنصارى الاروام واختلفت آراء الناس في ذلك فمن قائل ان ذلك خوفا من خشداشينه وقائل من مخافة العثمانية كما تقدم في قضية حسن باشا والبعض يظن خلاف ذلك
وليس غير
الوهم والتخيل الفاسد والخوف شيء وبقيت آلات الحرب جميعها والبارود بحواصله والجلل
والبنيات حتى أخذ جميعه الفرنسيس فيقال انه كان بحواصل الترسخانة من جنس الجلل احد
عشر ألف جلة كذا نقل عن معلم الترسخانة أخذ جميع ذلك الفرنسيس يوم استيلائهم على
الجيزة والقصر
ومما اتفق انه وقعت مشاجرة في بعض نصارى الاروام
القليونجية وبعض السوقة بمصر القديمة فتعصب النصارى على أهل البلد وحاربوهم وقتلوا
منهم نيفا وعشرين رجلا وانتهت الشكوى الى الامير فطلب كبيرهم فعصى عليه وامتنع من
مقابلته وعمر مدافع المراكب ووجهها جهة قصره فلم يسعه الا التغافل وراحت على من
راح واستوزر رجلا بربريا وهو المسمى بابراهيم كتخدا السنارى وجعله كتخداه ومشيره
وبلغ من العظمة ونفوذ الكلمة باقليم مصر ما لم يبلغه أعظم أمير بها وبنى له دارا بالناصرية
واقتنى المماليك الحسان والسرارى البيض والحبوش والخدم وتعلم اللغة التركية
والاوضاع الشيطانية واختص ذلك السنارى أيضا ببعض رعاع الناس وجعله كتخدا يأتمر
بأمره ويتوصل به أعاظم الناس في قضاء أشغالهم ولما حصل لمراد بك الاقامة بالجيزة
واختار السكن بها وزين له شيطانه العزلة عن خشداشينه وأقرانه وترك لابراهيم بك أمر
الاحكام والدواوين ومقتضيات نواب السلطنة العثمانية مع كونه لا ينفذ أمرا دون رأيه
ومشورته واحتجب هو عن الاجتماع بالناس بالكلية حتى عن الامراء الكبار من أقرانه
كان السفير وبينهم وبينهم ابراهيم كتخدا المذكور فكان هو عبارة عنه وربما نقض
القضايا التي انبرم أمرها عند ابراهيم بك أو غيره بنفسه او عن لسان مخدومه وأقام
المترجم على عزلته بالبر الغربي نحو الست سنوات متوالية لايعدى الى البر الشرقي
أبدا ولا يحضر الديوان ولا يتردد الى الاقران واذا حضر الباشا المولى على مصر ووصل
الى بر انبابة ركب وسلم عليه مع الامراء ورجع الى قصره
فلا يراه
بعد ذلك ابدا وتعاظم في نفسه وتكبر على اقرانه وأبناء جنسه فتزاحمت على سدته
الطلاب وتكالبت على جيفته الكلاب فانزوى من نبشهم وتوارى من نهشهم فاذا بلغه قدوم
من يختشيه أو وصول من يرتجيه وكان يستحي من رده او يخشى عاقبة صده ركب في الحال
وصعد الى الجبال وربما وصلة الغريم على غفلة فيجده قد شمع الفتلة فان صادفه واجتمع
عليه اعطاه ما في يديه أو وعده بالخير أو وهبه ملك الغير فما يشعر الميسور الا
ولقمته قد اختطفتها النسور
ثم أخذ يعبث بدواوين الاعشار والمكوسات والبهار فيحول
عليهم الحوالات ويتابع لمماليكه ختم الوصولات فتجاذب هو وابراهيم بك ذلك الايراد
وتعارضت أوراقهما وخافا في المعتاد ثم اصطلحا على أن تكون له الدواوين البحرية
ولقسيمه ما يرد من الاصناف الحجازية وما انضاف الى قلم البهار وحسب في دفاتر
التجار فانفرد كل منهما بوظيفته وفعل بها من الاجحاف ما سطر في صحيفته فاحدث
المترجم ديوانا خاصا بنفر رشيد على الغلال التي تحمل الى بلاد الافرنج وسموه ديوان
البدعة وأذن ببيع الغلال لمن يحملها الى بلاد الافرنج أو غيرها وجعل على كل اردب
دينارا خلاف البراني والتزم بذلك رجل سراج من أعوانه الموصوفين بالجور وسكن برشيد
وبقيت له بها وجاهة وكلمة نافذة فجمع من ذلك اموالا وايرادا عظيما وكانت هذه
البدعة السيئة من أعظم اسباب قوة الفرنسيس وطمعهم في الاقليم المصري مع ما أضيف
الى ذلك من أخذ أموالهم ونهب تجاراتهم وبضاعاتهم من غير ثمن واقتدى به أمراؤه
وتناظروا في ذلك وفعل كل منهم ما وصلت اليه همته واستخرجته فطنته واختص بالسيد
محمد كريم الاسكندري ورفع شأنه بين أقرانه فمهد له الامور بالثغر به وأجرى أحكامه
به وفتح له باب المصادرات والغرامات ودله على مخبآت الامور وأخذ أموال التجار من
المسلمين وأجناس الافرنج حتى تجسمت العداوة بين المصريين والفرنسيس وكان
هو من
اعظم الاسباب في تملك الفرنسيس للثغر كما ذكر ذلك في قتلته وذلك انه لما خرجت من
مراكب الفرنساوية وعمارتهم لا يدري احد لاي جهة يقصدون تبعهم طائفة الانكليز الى
الاسكندرية فلم يجدوهم وكانوا ذهبوا اولا الى جهة مالطه فوقف الانكليز قبالة
الاسكندرية وأرسلوا قاصدهم الى الثغر يسالون عن خبر الفرنساوية فردهم المذكور ردا
عنيفا فاخبروه الخبر على جليته وانهم اخصامهم وعلموا بخروجهم فاقتفوا أثرهم ونريد
منكم أن تعطونا الماء والزاد بثمنه ونقف لهم على ظهر البحر فلا نمكنهم من العبور
الى ثغركم فلم يقبل منهم ولم يأذن في تزويدهم فذهبوا ليتزدوا من بعض الثغور فما هو
الا أن غابوا في البحر نحو الاربعة أيام الا والفرنسيس قد حضروا وكان ما كان
ومما سولت به نفس المترجم بارشاد بعض الفقهاء عمارة جامع
عمرو ابن العاص وهو الجامع العتيق وذلك انه لما خرب هذا الجامع بخراب مدينة
الفسطاط وبقيت تلالا وكيمانا وخصوصا ما قرب من ذلك الجامع ولم يبق بها بعض العمار
الا ما كان من الاماكن التي على ساحل النيل وخربت في دولة القزدغلية وأيام حسن
باشا لما سكنتها عساكره ولم يبق بساحل النيل الا بعض أماكن جهة دار النحاس وفم
الخليج يسكنها اتباع الامراء ونصارى المكوس وبها بعض مساجد صغار يصلى بها
السواحلية والنواتية وسكان تلك الخطة من القهوجية والباعة والجامع العتيق لا يصل
اليه أحد لبعده وحصوله بين الاتربة والكيمان وكان فيما أدركنا الناس يصلون به آخر
جمعة في رمضان فتجتمع به الناس على سبيل التسلي من القاهرة ومصر وبولاق وبعض
الامراء ايضا والاعيان ويجتمع بصحبته أرباب الملاهي من الحواة والقراداتية وأهل
الملاعيب والنساء الراقصات المعروفات بالغوازي فبطل ذلك ايضا من نحو ثلاثين سنة
لهدمه وخراب ماحوله وسقوط سقفه واعمدته وميل شقته اليمنى بل وسقوطها بعد ذلك فحسن
ببال المترجم هذه وتجديده بارشاد بعض
الفقهاء
ليرقع به دينه الخلق فاهتم لذلك وقيد به نديمه الحاج قاسم المعروف بالمصلي فجعله
مباشرا على عمارته وصرف عليه اموالا عظيمة أخذها من غير حلها ووضعها في غير محلها
وأقام أركانه وشيد بنيانه نصب اعمدته وكمل زخرفته وبني به منارتين وجدد جميع سقفه
بالخشب النقي وبيضه جميعه فتم على أحسن ما يكون وفرشه بالحصر الفيومي وعلق به
القناديل وحصلت به الجمعية آخر جمعة برمضان سنة اثنتي عشرة ومائتين والف فحضر
الامراء والاعيان والمشايخ واكبر الناس وعامتهم وبعد انقضاء الصلاة عقد له الشيخ
عبد الله الشرقاوي مجلسا وأملى حديث من بني لله مسجدا وآية انما يعمر مساجد الله
وعند فراغه ألبس فروة من السمور وكذلك الخطيب فلما حضرت الفرنساوية في العام
القابل جرى عليه ما جرى على غيره من الهدم والتخريب وأخذ أخشابه حتى اصبح بلقعا
أشوه مما كان فياليتها لم تتصدق وبالجملة فمناقب المترجم لا تحصى وأوصافه لا
تستقصى وهو كان من أعظم الاسباب في خراب الاقليم المصري بما تجدد منه ومن مماليكه
واتباعه من الجور والتهور ومسامحته لهم فلعل الهم يزول بزواله
ومات الامير حسن بك الجداوي مملوك علي بك وهو من خشداشين
محمد بك أبي الذهب مات بغزة بالطاعون وكان من الشجعان الموصوفين والابطال
المعروفين ولما انفرد علي بك بمملكة مصر ولاه امارة جدة فلذلك لقب بالجداوي وذلك
سنة اربع وثمانين ومائة والف وابتلى فيها بأمور ظهرت بها شجاعته وعرفت فروسيته
ولذلك خير يطول شرحه ولما حصلت الوحشة بين اسمعيل بك والمحمديين كان المترجم ممن
نافق معه وعضده هو وخشداشينه رضوان بك وعبد الرحمن بك وكانت لهم الغلبة ونما أمره
عند ذلك وظهر شأنه بعد ان كان خمل ذكره وهو الذي تجاسر على قتل يوسف بك في بيته
بين مماليكه وعزوته ثم خامر على اسمعيل بك وانقلب مع المحمديين عندما خرج
لمحاربتهم بالصعيد فخادعوه وراسلوه
وانضم اليهم بمن معه ورجعوا الى مصر وفر اسمعيل بك بمن معه الى الشام واستقر هو وخداشينه في مملكة مصر مشاركين لهم مظهرين عليهم الشمم طامعين في خلوص الامر لهم متوقعين بهم الفرصة مع التهور الموجب لتحذر الآخرين منهم الى ان استعجلوا اشعال نار الحرب فجرى ما جرى بينهم من الحروب والمحاصرة بالمدينة وانجلت عن خذلانهم وهزيمتهم وظهور المحمديين عليهم وقتل بها عدة من أعيانهم ومواليهم ومن انضم اليهم وربما عوقب من لا جناية له كما سطر ذلك في محله وفر المترجم مع بعض من بقى من عشيرته الى القليونجية فقبض عليه وأتى به اتى مصر ففر الى بولاق بمفرده والتجأ الى بيت الشيخ الدمنهوري فأحاط به العساكر فنط من سطح الدار وخلص الى الزقاق وسيفه مشهور في يده فصادف جنديا فقتله وأخذ فرسه فركبه وفر والعساكر خلفه تريد أخذه وتتلاحق به من كل جهة وهو يراوغهم ويقاتلهم حتى خلص الى بيت ابراهيم بك فأمنه واتفقوا على ارساله الى جدة فلما أقلع به في القلزم أمر رئيس المركب ان يذهب به الى القصير وخوفه القتل ان لم يفعل فذهب به الى القصير فتوجه منها الى اسنا وعلمت به عشيرته وخشداشينه ومماليكه فتلاقوا به واستقر أمرهم بها بعد وقائع يطول شرحها فأقام نيفا وعشر سنين حتى رجع اليهم اسمعيل بك بعد غيبته الطويلة وانضم اليهم واصطلح معهم الى أن كان ما كان من وصول حسن باشا الى الديار المصرية واخراج المحمديين وادخاله للمذكور مع اسمعيل بك ورضوان بك واتباعهم وتأميرهم بمصر واستقرارهم بها بعد رجوع حسن باشا الى بلاده ووقوع الطاعون الذي مات به اسمعيل بك ورضوان بك وغيرهم من الامراء فاستقل بمن بقي من الامراء وفعل معهم من التهور والحمق الشر ما أوجب لهم بغض النعيم والحياة معه وخامر عليه من كان يأمن اليه فلم يسعه ومن معه الا الفرار ورضى ذاك لنفسه بالذل والعار ودخلت المحمديون الى مصر المحميةواستقر هو كما
كان
بالجهة القبلي فأقام على ذلك سبع سنين وبعض أشهر الى ان وقعت حادثة الفرنسيس
واستولوا على الاقليم المصري وحضرت العساكر بصحبة الوزير يوسف باشا ووقع ما وقع من
الصلح ونقضه وانحصر المترجم مع من انحصر بالمدينة من المصرلية والعثمانية فقاتل
وجاهد وأبلى بلاء حسنا شهد له بالشجاعة والاقدام كل من العثمانية والفرنساوية
والمصرلية فلما انفصل الامر وخرجوا الى الجهة الشامية لم يزل محرصا ومرابطا
ومجتهدا حتى مات بالطاعون في هذه السنة وفاز بالشهادتين وقدم على كريم يغفر الذنوب
جميعا انه هو الغفور الرحيم وامراؤه الموجودون الان عثمان بك المعروف بالحسيني
واحمد بك امره الوزير عوضا عن استاذه
ومات الامير عثمان بك المعروف بطبل وهو من مماليك اسمعيل
بك أمره في سنة اثنتين وتسعين ثم خرج مع سيده وتغرب معه في غيبته الطويلة فلما رجع
الى مصر في أيام حسن باشا تولى امارة الحج في سنة خمس ومائتين والف وكان سيده
يقدمه على أقرانه ويظن به النجاح ولما طعن وعلم انه مفارق الدنيا أحضره وأوصاه
وحذره من اعدائه وقال له اني حصنت لك مصر وسورتها وصيترها بحيث تملكها بنت عمياء
فلما مات سيده تشوق للإمارة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار فلم يرض كل منهما
بالاخر وتخوفا من بعضهما فاتفق رأيهما على تأمير عثمان بك المذكور كبيرا عوضا عن
سيده وسكن داره وعقدوا الدواوين عنده فنزل عن امارة الحج لحسن بك تابع حسن بك قصبة
رضوان واشتغل هو بأمور الدولة ومشيخة مصر فلم يفلح وخامر مع أخصامه وأخصام سيده
والتف عليهم سرا وصدق تمويهاتهم وخذل نفسه ودولته وذلك غيظا من حسن بك كما سبقت
اليه الاشارة وكل من حسن بك وعثمان بك الجداوي وعلي بك الدفتردار يتخوف نفاق صاحبه
لتكرر ذلك منهما في الوقائع السابقة وانحراف طبع كل عن صداقة الآخر الباطنية ولم
يخطر
ببالهما بل ولا ببال أحد من المجانين فضلا عن العقلاء ركون المشار اليه الى أعدائه
وأعداء سيده العداوة الموروثة فكانا كلما شرعا في تدبير شيء من مكايد الحرب تبطهما
واقعدهما وهما يظنان نصحه ويعتقدان خلوصه ومعرفته ولكونه تعلم سياسة الحروب من
سيده لكثرة تجاربه وسياحته ولم يعلما أنه يمهد لنفسه طريقا مع الاعداء الى ان كان
ماكان من مساعدته لهم بالتغافل والتقاعد حتى تحولوا الى الجهة الشرقية خلص اليهم
بمن انضم اليه من عشيرته فلم يسع الباقين الا الهرب واسلم هو نفسه لاعدائه فأظهروا
له المحبة وولوه امارة الحج حكم عهدهم بذلك وأن تكون له امارة الحج ما دام حيا
فخرج في تلك السنة اميرا على الحج اعنى سنة ست ومائتين والف وكذلك سنة سبع ونهب
الحج في تلك السنة وفر المترجم الى غزة فصودرت زوجاته واقتسمت اقطاعه ورجع بعد حين
الى مصر وأهمل أمره واقام بطالا واستمر كآحاد الطائفة من الاجناد ويغدو ويروح
اليهم ويرجو رفدهم الى ان حدثت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج الى الشام ولم يزل
هناك حتى مات بالطاعون في السنة المذكورة وكان دائما يقول عند تذكره الدولة
والنعيم ذلك تقدير العزيز العليم
ومات الامير عثمان بك المعروف بالشرقاوي وهو من مماليك
محمد بك أبي الذهب ايضا الكبار وتأمر في أيامه وعرف بالشرقاوي لكونه تول الشرقية
ووقع منه ظلم وجبروت بعد موت أستاذه وصادر كثيرا من الناس في أموالهم ثم انكف عن
ذلك وزعم ان ذلك كان باغراء مقدمة فشهره وقتله ولم يزل في امارته حتى مات في الشام
بالطاعون
ومات ايوب بك الكبير وهو ايضا من مماليك محمد بك وكان من
خيارهم يغلب عليه حب الخير والسكون ويدفع الحق لاربابه وتأمر على الحج وشكرت سيرته
واقتنى كتبا نفيسة واستكتب الكثير من المصاحف والكتب بالخطوط المنسوبة وكان لين
الجانب مهذب النفس بحب أهل
الفضائل
ذا ثروة عزوة وعفة لا يعرف الا الجد ويجتنب الهزل ويلوم ويعترض على خشداشينه في
أفعالهم ولا يعجبه سولكهم ولا يهمل حقا توجه عليه واذا ساوم شيئا وقال له البائع
هذا بعشرة يقول له بل هو بخمسة مثلا وهذا ثمنها حالا وقد يكون ذلك رأس مالها أو
بزيادة قليلة ويرضي البائع بذلك ويقبض الثمن في المجلس وهكذا كان شانه وطريقته
ومات الامير مصطفى بك الكبير وهو ايضا من مماليك محمد بك
تولى الصعيد وامارة الحج عدة مرار وكان فظا غليظا متمولا بخيلا شحيحا وفي امارته
على الحج ترك زيارة المدينة لخوفه من العرب وشحه بعوائدهم وقلة اعتنائه بشعائر
الدين وانتقد ذلك على المصريين من الدولة وغيرها وكان ذلك من أعظم ما اجترحه من
القبائح
ومات الامير سليمان بك المعروف بالاغا توفي بأسيوط
بالطاعون وهو ايضا من مماليك محمد بك الكبير وهو أخو ابراهيم بك المعروف بالوالي
صهر ابراهيم بك الكبير وهو الذي مات غريقا في وقعة الفرنسيس الاولى بانبابة مدبرا
فارا فسقط في البحر وغرق وكان هو وأخوه المترجم قبل تقلدهما الصنجقية أحدهما والي
الشرطة والآخر آغات مستحفظان فلم يزالا يلقبان بذلك حتى ماتا وكان المترجم محبا
لجمع المال وله أفطاع واسعة وخصوصا بجهة قبلي وفي آخر أمره استوطن اسيوط لانها
كانت في اقطاعه وبنى بها قصرا عظيما وانشأ بعض بساتين وسواقي واقتنى أبقارا
وأغناما كثيرة ومما اتفق له انه جز صوف الاغنام وكانت اكثر من عشرة آلاف ثم وزعه
على الفلاحين وسخرهم في غزله بعد أن وزنه عليهم ثم وزعه على القزازين فنسجوه اكسيه
ثم جمع التجار وباعه عليهم بزيادة عن السعر الحاضر فبلغ ذلك مبلغا عظيما
ومات الامير قائد أغا وهو من مماليك محمد بك ايضا وكان
يلقب أيام كشوفيته بقائد نار لظلمه وتجبره وولى أغات مستحفظان في سنة ثمان
وتسعين ومائة وألف فأخاف العامة وكان يتنكر ويتزيا باشكال مختلفة ويتجسس على الناس وذلك أيام خروج ابراهيم بك الى قبلي ووحشته من مراد بك وانفراد مراد بك بأمارة مصر فلما تصالحا ورجع ابراهيم بك رد الاغاوية لعلي أغا فحنق المترجم لذلك وقلق قلقا عظيما وترامى على الامراء وصار يقول ان لم يردوا لي منصبي قتلت علي أغا او قتلت نفسي فلما حصل منه ذلك عزلوا علي أغا وقلدوا سليم آغا امين البحرين أغاوية مستحفظان ولم يبلغ غرضه ولم ترض نفسه بالخمول وأكثر عنده من الاعوان والاتباع فيحضرون بين يديه الشكاوى والدعاوى ويضرب الناس ويحبسهم ويصادرهم في أموالهم ويركب وبين يديه العدة الوافرة من القواسة والخدم يحملون بين يديه الحراب والقرابين والبنادق وخلفه الكثير من الاجناد والمماليك واتخذ له جلساء وندماء يباسطونه ويضاحكونه ولم يزل كذلك حتى خرج مع عشيرته الى الصعيد عند حضور حسن باشا فاستولى على كثير من حصص الاقطاع فلما رجعوا في أواخر سنة خمس بعد المائتين سكن دار جوهر أغا دار السعادة سابقا بالخرنقش وقد كان مات في الطاعون وتزوج سريته قهرا واستكثر من المماليك والجند وتاقت نفسه للامارة وتشوف الى الصنجقية وسخط على زمانه والامراء الذين لم يلبوا دعوته ولم يبلغوه أمنيته وصارت جلساؤه وندماؤه لا يخاطبونه الا بالامارة ويقولون له يا بك ويكره من يخاطبه بدون ذلك وكان له من الاولاد الذكور اثنا عشر ولدا لصلبه يركبون الخيول ماتوا في حياته وكان له أخ من أقبح خلق الله في الظلم اتخذ له اعوانا واتباعا وليس عنده ما يكفيهم فكان يخطف كل ما مر بخطته بباب الشعرية من قمح وتبن وشعير وغير ذلك ولا يدفع له ثمنا هلك قبله بنحو ست سنين بناحية قبلي وأتوا بجيفته الى مصر مقرفصا ودفن بمدفن أخيه بتربة المجاورين ومن جملة أفاعيله القبيحة انه كان يجر سيفه ويضرب رقاب الحمير ويزعم انه يقطعها في ضربة واحدة ولم يزل المترجم أخوه على حالته حتى خرج
من مصر
عند مجيء الفرنسيس وعاد بصحبة عرضي العثملي ومات قاسم بك مع من مات من الامراء
والصناجق بالشام فقلده الوزير الصنجيقة فيمن تقلد وأدرك أمنيته فأقام قليلا وهلك
فيمن هلك بالطاعون فكان كما قال القائل كالمتمني أن يرى فلقا من الصباح فلما أن
رآه عمي
ومات ايضا حسن كاشف المعروف بجركس وهو ايضا من مماليك
محمد بك واشراق عثمان بك الشرقاوي وكان من الفراعنة وهو الذي عمر الدار العظيمة
بالناصرية وصرف عليها اموالا عظيمة فما هو الا ان تممم بناءها ولم يكمل بياضها حتى
وصلت الفرنسيس فسكنها الفلكيون والمدبرون وأهل الحكمة والمهندسون فلذلك صينت من
الخراب كما وقع بغيرها من الدور لكون عسكرهم لم يسكنوا بها وتقلد المذكور الصنجقية
بالشام ايضا ثم هلك بالطاعون
ومات الامير حسن كتخدا المعروف بالجربان بالشام ايضا
وأصله من مماليك حسن بك الازبكاوي وكان ممتهنا في المماليك فسموه بالجربان لذلك
فلما قتل استاذه بقى هو لا يملك شيئا فجلس بحانوت جهة الازبكية يبيع فيها تنباكا
وصابونا ثم سافر الى المنصورة فأقام بها مدة تحت قصر محمود جربجي ثم رجع الى مصر
في أيام دولة علي بك وتنقلت به الاحوال فأنعم عليه علي بك بامرية بناحية قبلي فلما
حصلت الوحشة بين علي بك ومحمد بك وخرج محمد بك من مصر الى قبلي خرج اليه المترجم
ولاقاه وقدم بين يديه ما كان عنده من الخيام واليرق والخيول وانضم اليه ولم يزل
حتى تملك محمد بك واستوزر اسمعيل أغا الجلفي وكان يبغض المترجم لامور بينهما فلم
يزل حتى أوغر عليه صدر مخدومه وادى به الحال الى الاقصاء والبعد الى ان انضم الى
مراد بك وتقرب منه وكان مفوها لينا مشاركا قد حنكته الايام والتجارب فجعله كتخدا
ووزيره واشتهر ذكره وعمر دارا بناحية باب اللوق بالقرب من غيظ الطواشي وصار من
الاعيان المعدودين وقصدته ارباب الحاجات واحتجب
في غالب
الاوقات واتحد به محمد اغا البارودي فقربه من مراد بك وبلغ الى ما بلغ معه وكان
يعترى المترجم مرض شبيه بالصرع ينقطع به اياما عن السعي والركوب ولم يزل حتى مات
مع من مات بالشام
ومات الامير قاسم بك المعروف بالموسقو وكان من مماليك
ابراهيم بك وكان لين الجانب قليل الاذى الا انه كان شيخا لا يدفع حقا توجه عليه
ولما مات خشداشه حسن بك الطحطاوي تزوج بزوجته وشرع في بناء السبيل المجاور لبيته
بحارة قوصون بالقرب من الداودية فما قرب اتمامه الا وقد قدمت الفرنسيس لمصر فخربوه
وشعثوا بنيانه وخرقوا حيطانه وأخذوا عواميده وبقى على حالته مثل ما فعلوه بدور تلك
الخطة وغيرها ومات ايضا المترجم بالشام
ومات علي آغا كتخدا الجاويشية وهو من مماليك الدمياطي
ونسب الى محمد بك وأخيه ابراهيم بك ورقاه واختص به وولاه آغات مستحفظان في سنة
اثنتين وتسعين ومائة وألف لم يزل الى سنة ثمان وتسعين فخرج مع ابراهيم بك الى
المنية عندما تغاضب مع مراد بك فلما تصالحا قلد الاغاوية كما كان فحنق قائد آغا
وكان ما كان من عزله وولاية سليم اغا كما سبق الالماع بذلك عند ذكر قائد أغا ثم
تقلد كتخدا الجاويشية في سنة ست ومائتين وألف ولم يزل متقلدا ذلك حتىخرج مع من خرج
في حادثة الفرنسيس وكان ذا مال وثروة مع مزيد شح وبخل واشترى دار عبد الرحمن كتخدا
القازدغلي العظيمة التي بحارة عابدين وسكنها وليس له ن المآثر الا السبيل والكتاب
الذي أنشأه بجوار داره الاخرى بدرب الحجر وهو من أحسن المباني وقد حماه الله من
تخريب الفرنسيس وهو باق الى يومنا هذا ببهجته ورونقه
ومات الامير يحيى كاشف الكبير وهو من مماليك ابراهيم بك
الاقدمين وكان لطيف الطباع حسن الاوضاع وعنده ذوق وتودد عطارديا يحب الرسومات
والنقوش والتصاوير والاشكال ودقائق الصناعات والكتب
المشتملة
على ذلك مثل كليلة ودمنه والنوادر والامثال واهتم في بناء السبيل المجاور لداره
بخطة عابدين فرسم شكله قبل الشروع فيه في قرطاس بمعونة الاسطا حسن الخياط ثم سافر
الى الاسكندرية وأحضر ما يحتاجه من الرخام والاعمدة المرمر الكبيرة والصغيرة
وأنواع الاخشاب وحفر اساسه واحكم وضعه واستدعى الصناع والمرخمين فتانقوا في صناعته
ونقش رخامه على الرسم الذي رسمه لهم كل ذلك بالحفر بالآلات في الرخام وموهوه
بالذهب فما هو الا ان ارتفع بنيانه وتشيدت اركانه وظهر للعيان حسن قالبه وكاد يتم
ما قصده من حسن مآربه حتى وقعت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج قبل اتمامه وبقى على
حالته الى الآن ولما خرج سكن داره برطلمين واستخرج مخباة بين داره والسبيل فيها
ذخائره ومتاعه فاوصلها للفرنسيس
ومات الامير رشوان كاشف وهو من مماليك مراد بك وكان له
أقطاع بالفيوم فكان معظم اقامته بها فاحتكر الورد وما يخرج من مائه والخل المتخذ
من العنب والخيش واتجر في هذه البضائع بمراده واختياره وتحكم في الاقليم تحكم
الملاك في املاكهم وعبيدهم وذلك قوة واقتدار
ومات الامير سليم كاشف باسيوط مطعونا وهو من مماليك
عثمان بك المعروف بالجرجاوي من البيوت القديمة وخشداش عبد الرحمن بك عثمان المتوفي
في سنة خمس ومائتين وألف بالطاعون الذي مات به اسمعيل بك وخلافه وتزوج ابنته بعد
موته وكان ملتزما بحصة من اسيوط وشرق الناصري واستوطن باسيوط وبنى بها دارا عظيمة
وعدة دور صغار وانشأ بها عدة بساتين وغرس بها وبشرق الناصري اشجارا كثيرة وعمر عدة
قناطر وحفر ترعا وصنع جسورا واسبلة في مفاوز الطرق وانشأ دارا بمصر بالمناخلية
بسوق الانماطيين واشترى دارا جليلة كانت لسليمان بك المعروف بابي نبوت بحارة
عابدين وعمرها وزخرفها وانشأ باسيوط جامعا عظيما ومكتبا فما هو الا أن أكمل بنيانه
حتى قدمت الفرنسيس
فاتخدوه
سجنا يسجنون به ثم لما قابل المذكور الفرنسيس وامنوه أخذ في اصلاح ما تشعث من
البناء وتقيم العمارة ولم يساعده الوقت اذ ذاك لقلة الاخشاب وآلات البناء فاشتغل
بذلك على قدر طاقته فلما فرغ البناء وقارب التمام ولم يبق الا اليسير وقع الطاعون
باسيوط فمات والمسجد باق على ما هو عليه الآن وهو من المباني العظيمة المزخرفة على
هيئة مساجد مصر وكان المذكور ذا بأس وشدة واقدام وشجاعةوتهور مشابه لحسن بك
الجداوي في هذه الفعال وموائده مبسوطة وطعامه مبذول وداره باسيوط مقصدا للوارد
والقاصد والصادر من الامراء وغيرهم وله اغداقات وصدقات وانواع من البر ومحبة في
العمارة وغراس الاشجار واقتناء الانعام وكان متزوجا بثلاث زوجات احداهن ابنة سيده
عثمان بك توفيت بعصمته والثانية ابنة خشداشه عبد الرحمن المذكور آنفا والثالثةزوجة
علي كاشف المعروف بجمال الدين وكان ذا بأس وله صولة وظلم وتجاوز على سفك الدماء
فبذلك خافته عرب الناحية وأهل القرى وقاتل العرب مرارا وقتل منهم الكثير وبسكناه
باسيوط كثرت عمارتها وأمنت طرقها برا وبحرا واستوطنها الكثير من الناس لحمايتهم وعدم
صولة احد على أهلها وله مهاداة مع الامراء المصرية وأرباب الحل والعقد بها
والمتكلمين عندهم فيرسل اليهم الغلال والعبيد والجوراي السود والطواشية وغير ذلك
وله عدة مماليك بيض وسود أعتق كثيرا من جملتهم عزيرتا الامير أحمد كاشف المعروف
بالشعراوي رقيق حواشي الطبع مهذب الاخلاق ذو فروسية في ركوب الخيل ومحبة في
العلماء واللطفاء وهو من جملة محاسن سيده
ومات كل من الامير باكير بك والامير محمد بك تابع حسين
بك كشكش كلاهما بالشام ومات غير هؤلاء ممن لم تحضرني اسماؤهم
واستهلت سنة ست عشرة ومائتين وألف بيوم الخميس
وباستهلالها خف امر الطاعون وفي ليلة الجمعة تلك ارسل عبد العال
الاغا
احضر الشيخ محمد الامير ليلا الى منزله فبيته عنده ولما أصبح النهار طلع به الى
القلعة وحبسه عند المشايخ بجامع سارية والسبب في ذلك ان ولد الشيخ المذكور كان من
جملة من يستحث الناس على قتال الفرنسيس في الواقعة السابقة بمصر فلما انقضت هرب
الى جهة بحرىثم حضر بعد مدة الى مصر فأقام اياما ثم رجع الى قوة بأذن من الفرنسيس
فلما حصلت هذه الحركة وتحذروا شدة التحذر وآخذوا الناس بأدنى شبهة وتقرب اليهم
المنافقون بالتجسس والاغراء ذكر بعضهم ذلك لقائمقام وادخل في مسامعه ان ابن الشيخ
المذكور ذهب الى عرضي الوزير والتف عليهم فأرسل قائممقام الى الشيخ قبل تاريخه
فلما حضر سأله عن ولده المذكور فأخبره ان مقيم بفوة فقال له لم يكن هناك وانما هو
عند القادمين قال له لم يكن ذلك وان شئتم أرسلت اليه بالحضور فقال له ارسل اليه
وأحضره فقام من عنده على ذلك وأمهله ثمانية ايام مدة مسافة الذهاب والمجيء ثم
خاطبه على لسان وكيل الديوان ايضا بحضوره أو حضور الجواب بعد يومين واعتذر بعدم
أمن الطريق فلما انقضى اليومان أمروا عبد العال بطلبه واصعاده الى القلعة ففعل
وفيه حضر جملة من عساكر الفرنساوية من جهة بحري وتواترت
الاخبار بوصول القادمين من الانكليز والعثمانية الى الرحمانية وتملكهم القلعة وما
بالقرب منها من الحصون الكائنة بالعطف وغيره وذلك يوم السبت خامس عشرين الحجة
وفيه حضرت زوجة سارى عسكر كبير الفرنسيس بصحبة أخيها
السيد علي الرشيدي أحد أعضاء الديوان وكان خرج بها من رشيد حين ما ملكها القادمون
ونزل بها في مركب وأرسى بها قبالة الرحمانية فلما حصلت واقعة الرحمانية وأخذت
قلعتها حضر بها الى مصر بعد مشقة وخوف من العربان وقطاع الطريق وغير ذلك فأقامت هي
وأخوها
ببيت
الالفي بالازبكية نحو ثلاثة ايام ثم صعدا الى القلعة
وفيه قربت العساكر القادمة من الجهة الشرقية وحضرت
طوالعهم الى القليوبية والمنير والخانكة لاخذ الكلف فتأهب قائمقام بليار للقائهم
وامر العساكر بالخروج من أول الليل ثم خرج هو في آخر الليل فلما كان يوم الاحد
رابعه رجع قائمقام ومن معه ووقع بينه وبينهم مناوشة فلم يثبت الفرنسيس لقلتهم
ورجعوا مهزومين وكتموا امرهم ولم يذكروا شيئا
وفي خامسه رفعوا الطلب عن الناس بباقي نصف المليون
وأظهروا الرفق بالناس والسرور بهم لعدم قيامهم عند خروجهم للحرب وخلوا البلدة منهم
وكانوا يظنون منهم غير ذلك
وفيه أخذت جملة من عدد الطواحين وأصعدت الى القلعة
واكثروا من نقل الماء والدقيق والاقوات اليها وكذلك البارود والكبريت والجلل
والقنابر والبنب ونقلوا ما في الاسوار والبيوت من الامتعة والفرش والاسرة وحملوه
اليها ولم يبقوا بالقلاع الصغار الا مهمات الحرب
وفيه طلبوا الزياتين وألزموهم بمائتي قنطار شيرج وسمروا
جملة من حوانيتهم وخرج جماعة من الجزارين لشراء الغنم من القرى القريبة فقبض عليهم
عسارك العثمانية القادمة ومنعوهم من العود بالغنم والبقر وكذلك منعوا الفلاحين
الذين يجلبون الميرة والاقوات الى المدينة فانقطع الوارد من الجهات البحرية والقليوبية
وعزت الاقوات وشحح اللحم والسمن جدا واغلقت حوانيت الجزارين واجتهد الفرنساوية في
وضع متاريس خارج البلد من الجهة الشرقية والبحرية وحفروا خنادق وطلبوا الفعلة
للعمل فكانوا يقبضون على كل من وجدوه ويسوقونهم للعمل وكذلك فعلوا بجهة القرافة
والقوا الاحجار العظيمة والمراكب ببحر انبابة لتمنع المراكب من العبور وابتدؤا
المتاريس البحرية من باب الحديد ممدودة الى قنطرة الليمون الى قصر افرنج أحمد الى
السبتية
الى مجرى
البحر
وفي ثامنه بعث قائمقام بليار فأحضر التجار وعظماء الناس
وسالهم عن سبب غلق الحوانيت فقالوا له من وقف الحال والكساد الجلاء والموت فقال
لهم من كان موجودا حاضرا فألزموه بفتح حانوته والا فاخبروني عنه ونزلت الحكام
فنادت بفتح الحوانيت والبيع والشراء
وفي عاشره شرعوا في هدم جانب من الجيزة من الجهة البحرية
وقربت عساكر الانكليز القادمة من البر الغربي الى البلد المسماة بنادر عند رأس
ترعة الفرعونية
وفيه تواترت الاخبار بأن العساكر الشرقية وصلت أوائلها
الى بنها وطحلا بساحل النيل وان طائفة من الانكليز رجعوا الى جهة الاسكندرية وان
الحرب قائم بها وأن الفرنساوية محصورون بداخل الاسكندرية والانكليز ومن معهم من
العساكر يحاربون من خارج وهي في غاية المنعة والتحصين وان الانكليز بعد قدومهم
وطلوعهم الى البر ومحاربتهم لهم المرات السابقة أطلقوا الحبوس عن المياه السائلة
من البحر المالح منه الى الجسر المقطوع حتى سالت المياه وعمت الاراضي المحيطة
بالاسكندرية وأغرقت اطيانا كثيرة وبلادا ومزارع وانهم قعدوا في الاماكن التي يمكن
الفرنسيس النفوذ منها بحيث انهم قطعوا عليهم الطرق من كل ناحية
وفي ثاني عشرة نزلت امرأة من القلعة بمتاعها واختفت بمصر
فأحضر الفرنسيس حكام الشرطة والزموهم باحضارها وهذه المرأة اسمها هوى كانت زوجة
لبعض الامراء الكشاف ثم انها خرجت عن طورها وتزوجت نقولا وأقامت معه مدة فلما حدثت
هذه الحوادث جمعت ثيابها واحتالت حتى نزلت من القلعة هي على حمار ومتاعها محمول
على حمار آخر فنزلت عند بعض العطف واعطت المكارية الاجرة وصرفتهم من خارج
واختف
فلما وقع عليها التفتيش وأحضروا المكارية قالوا لانعلم غير المكان الذي أنزلناها
به وأعطتنا الاجرة عنده فشددوا على المكارية ومنعوهم من السروح وقبضوا على أهل
الحارة وحبسوهم ثم احضروا مشايخ الحارات وشددوا عليهم وعلى سكان الدور واعلموهم
انه ان وجدت المرأة في حارة من الحارات ولم يخبروا عنها نهبوا جميع دور الحارة
وعاقبوا سكانها فحصل للناس غاية الضجر والقلق بسبب اختفائها وتفتيش أصحاب الشرطة
وخصوصا عبد العال فانه كان يتنكر ويلبس زي النساء ويدخل البيوت بحجة التفتيش عليها
فيزعج ارباب البيوت والنساء ويأخذ منهن مصالح ومصاغا ويفعل مالا خير فيه ولا يخشى
خالقا ولا مخلوقا
وفي خامس عشره قبضوا على ألطون ابي طاقية النصراني
القبطي وحبسوه بالقلعة والزموه بمبلغ دراهم تأخرت عليه من حساب البلاد
وفي سادس عشره أفرجوا عن محمد أفندي يوسف ونزل الى بيته
وكذلك الشيخ مصطفىالصاوي لمرضه
وفيه انقضت دعوة تهمة الشيخ خليل البكري ومحصلها ان خادم
مملوكه ذهب عن لسان المملوك الى بليار قائمقام وأخبره انه وصل الى استاذه الشيخ
خليل البكري المذكور فرمان من عرضي الوزير بالامان وكان هذا باغراء عبد العال
ليوقعه في الوبال ويحرك عليه الفرنسيس لحزازة بينه وبينه فلما حضر الشيخ خليل على
عادته عند قائمقام سأله عن ذلك فجحده فأحضروا الخادم الذي بلغ ذلك فصدق على ذلك
واسند الى المملوك سيده فأحضروا المملوك وسألوه فقال نعم فقالوا له وأين الفرمان
فقال قرأه وقطعه فقال الفرنساوية وكيف يقطعه هذا دليل الكذب لانه لا يصح أن يتلقاه
بالقبول ثم يقطعه فقيل له ومن أتى به قال فلان فألزموا الشيخ بأحضار ذلك الرجل
وحبس المملوك عند عبد العال يومين وحضر الرجل فسألوه فجمد ولم يثبت عليه وظهر
كذب الغلام
والخادم فعند ذلك طلب الشيخ غلامه فقال قائمقام ان قصاصه في شريعتنا ان يقطع لسانه
فتشفع فيه سيده وأخذه بعد أمور وكلام قبيح قاله الغلام في حق سيده
وفيه حضر حسين كاشف اليهودي الى قائمقام واخبره ان
الامراء الذين بالصعيد خرجوا عن طاعة الفرنساوية وردوا مكاتبتهم التي أرسلوها لهم
بعد موت مراد بك وانهم مروا وتوجهوا الى بحري من البر الغربي وعثمان بك الاشقر ذهب
من خلف الجبل الى جهة الشرق فلما حصل ذلك ركب قائمقام وذهب للست نفيسة وأمنها وطيب
خاطرها وأخبرها انها في أمان هي وجميع نساء الامراء والكشاف والاجناد ولا مؤاخذة
عليهم بما فعله رجالهن
وفي عشرينه توكل رجل قبطي يقال له عبد الله من طرف يعقوب
بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس فتعدى على بعض الاعيان وأنزلهم من على دوابهم
وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسأل دمه فتشكى الناس من ذلك القبطي وأنهوا
شكواهم الى بليار قائمقام فأمر بالقبض على ذلك القبطي وحبسه بالقلعة ثم فردوا على
كل حارة رجلين يأتي بهما شيخ الحارة وتدفع لهما اجرة من شيخ الحارة
وفيه وردت الاخبار بان الوزير وصل دجوة
وفي يوم الاثنين سمع عدة مدافع على بعد وقت الضحوة
وفي ذلك اليوم قبل العصر طلبوا مشايخ الديوان فاجتمعوا
بالديوان وحضر الوكيل والترجمان وطلبهم للحضور الى قائمقام فلما حصلوا عنده قال
لهم على لسان الترجمان نخبركم أن الخصم قد قرب منا ونرجوكم أن تكونوا على عهدكم مع
الفرنساوية وأن تنصحوا أهل البلد والرعية بان يكونوا مستمرين على سكونهم وهدوهم
ولا يتداخلوا في الشر والشغب فان الرعية بمنزلة الولد وأنتم بمنزلة الوالد والواجب
على الوالد نصح ولده وتأديبه وتدريبه على الطريق المستقيم التي يكون
فيها
الخير والصلاح فإنهم ان داموا على الهدو حصل لهم الخير ونجوا من كل شر وان حصل
منهم خلاف ذلك نزلت عليهم النار وأحرقت دورهم ونهبت أموالهم ومتاعهم ويتمت اولادهم
وسبيت نساؤهم والزموا بالأموال والفرد التي لا طاقة لهم بها فقد رأيتم ما حصل في
الوقائع السابقة فأحذروا من ذلك فإنهم لا يدرون العاقبة ولا نكلفكم المساعدة لنا
ولا المعاونة لحرب عدونا وانما نطلب منكم السكون والهدو لا غير فأجابوه بالسمع
والطاعة وقولهم كذلك وقرىء عليهم ورقة بمعنى ذلك وأمروا الاغا واصحاب الشرطة
بالمناداة على الناس بذلك وأنهم ربما سمعوا ضرب مدافع جهة الجيزة فلا ينزعجوا من
ذلك فانه شنك وعيد لبعض أكابرهم وأن يجتمع من الغد بالديوان الاعيان والتجار وكبار
الاخطاط ومشايخ الحارات ويتلى عليهم ذلك فلما كان ضحوة يوم الثلاثاء اجتمعوا كما
ذكر وحصلت الوصية والتحذير وانتهى المجلس وذهبوا الى محلاتهم
وفي ذلك اليوم اشيع حضور الوزير الى شلقان وكذلك عساكر
الانكليز بالناحية الغربية وصلوا الى أول الوراريق
وفي يوم الجمعة غايته اجتمع المشايخ والوكيل بالديوان
على العادة وحضر استوف الخازندار وترجم عنه رفاييل بقوله انه يثنى على كل من
القاضي والشيخ اسمعيل الزرقاني باعتنائهما فيما يتعلق بأمر المواريث وبيت المال
والمصالح على التركات المختومة لان الفرنساوية لم يبق لهم من الايراد الا ما يتحصل
من ذلك والقصد الإعتناء ايضا بأمر البلاد والحصص التي انحلت بموت أربابها فلازم
ايضا من المصالحة والحلوان والمهلة في ذلك ثمانية ايام فمن لم يصالح على الالتزام
الذي له فيه شبهة في تلك المدة ضبطت حصته ولا يقبل له عذر بعد ذلك واعلموا أن أرض
مصر استقر ملكها للفرنساوية فلازم من اعتقادكم ذلك وأركزوه في أذهانكم كما تعتقدون
وحدانية الله تعالى ولا يغرنكم هؤلاء القادمون
وقربهم فانه لا يخرج من أيديهم شيء أبدا وهؤلاء الانكليز ناس خوارج حرامية وصناعتهم القاء العداوة والفتن والعثملي مغتربهم فان الفرنساوية كانت من الاحباب الخلص للعثملي فلم يزالوا حتى اوقعوا بينه وبينهم العداوة والشرور وان بلادهم ضيقة وجزيرتهم صغيرة ولو كان بينهم وبين الفرنساوية طريق مسلوك من البر لا تمحى أثرهم ونسى ذكرهم من زمان مديد وتأملوا في شأنهم وأي شيء خرج من أيديهم فإن لهم ثلاثة أشهر من حين طلوعهم الى البر والى الآن لم يصلوا الينا والفرنسيس عند قدومهم وصلوا في ثمانية عشر يوما فلو كان فيهم همة او شجاعة لوصلوا مثل وصولنا وكلام كثير من هذا النمط في معنى ذلك من بحر الغفلة ثم ذكر البكري والسيد احمد الزر وأنه حضر مكتوب من رشيد على يد رجل حناوي لاخر من منية كنانة يذكر فيه أنه حضر الى اسكندرية مراكب وعمارة من فرانسا وان الانكليز رجعت اليهم وان الحرب قائمة بينهم على ظهر البحر فقال الخازندار يمكن ذلك وليس ببعيد ثم نقلوا ذلك الى بليار قائمقام فطلب الرجل الراوي لذلك فأحضر الزرو رجلا شرقاويا حلف لهم انه سمع ذلك بأذنه من الرجل الواصل الى منية كنانة من رشيد
شهر صفر الخير سنة استهل بيوم السبت
وفي ذلك اليوم قبل المغرب مشى عبد العال الاغا وشق في شوارع المدينة وبين يديه منادى يقول الامن والامان على جميع الرعايا وفي غد تضرب مدافع وشنك من الفلا في الساعة الرابعة فلا تخافوا ولا تنزعجوا فانه حضرت بشارة بوصول بونابارته بعمارة عظيمة الى الاسكندرية وان الانكليز رجعوا القهقرى فلما أصبح يوم الاحد في الساعة الرابعة من الشروق ضربت عدة مدافع وتابعوا ضربها من جميع القلاع وصعد أناس الى المنارات ونظروا بالنظارات فشاهدوا عساكر الانكليز بالجهة الغربية وصلوا الى آخر الورايق وأول انبابة ونصبوا
خيامهم
أسفل انبابة وعند وصولهم الى مضاربهم ضربوا عدة مدافع فلما سمعها الفرنساوية ضرب
الاخرون تلك المدافع التي ذكروا انها شنك وأما العساكر الشرقية فوصلت اوائلهم الى
منية الامراء المعروفة بمنية السيرج والمراكب فيما بينها من البرين بكثرة فعند ذلك
عزت الاقوات وشبحت زيادة على قلتها وخصوصا السمن والجبن والاشياء المجلوبة من
الريف ولم يبق طريق مسلوكة الى المدينة الا من جهة باب القرافة وما يجلب من جهة
البساتين من القمح والتبن فيأتي ذلك الى عرضة الغلة بالرميلة ويزدحم عليه النساء
والرجال بالمقاطف فيسمع لهم ضجة عظيمة وشح اللحم ايضا وغلا سعره لقلة المواشي
والاغنام فوصل سعر الرطل تسعة أنصاف والسمن خمسة وثلاثين نصفا والبصل باربعمائة
فضة القنطار والرطل الصابون بثمانين فضة والشيرج عشرين نصفا وأما الزيت فلا يوجد
البتة وغلت الابزار جدا واتفق الى قصة غريبة وهو اني احتجت الى بعض أنيسون فأرسلت
خادمي الى الابزارية على العادة يشتري لي منه بدرهم فلم يجده وقيل له انه لا يوجد
الا عند فلان وهو يبيع الأوقية بثلاثة عشر نصفا ثم اتاني منه باوقيتين بعد جهد في
تحصيله فحسب على ذلك سعر الاردب فوجدته يبلغ خمسمائة ريال أو قريبا من ذلك فكان
ذلك من النوادر الغريبة
وفي يوم الاثنين ثالثه حصلت الجمعية بالديوان وحضر
التجار ومشايخ الحارات والاغا وحضر مكتوب من بليار قائمقام خطابا بالارباب الديوان
والحاضرين يذكر فيه أنه حضر اليه مكتوب من كبيرهم منوبا بالاسكندرية صحبة هجانة
فرنسيس وصلوا اليهم من طريق البرية مضمونة أنه طيب بخير والاقوات كثيرة عندهم يأتي
بها العربان اليهم وبلغهم خبر وصول عمارة مراكب الفرنساوية الى بحر الخزز وانها من
قريب تصل الاسكندرية وأن العمارة حاربت بلاد الانكليز واستولت على شقة كبيرة منها
فكونوا مطمئنين الخاطر من طرفنا ودوموا على هدوكم
وسكونكم
الىآخر ما فيه من التمويهات وكل ذلك لسكون الناس وخوفا من قيامهم في هذه الحالة
وكان وصول هذا المكتوب بعد نيف وأربعين يوما من انقطاع اخبار في اسكندرية ولا أصل
لذلك
وفي ذلك اليوم قتل عبد العال رجلا ذكروا أنه وجد معه
مكتوب من بعض النساء مرسل الى بعض أزواجهن بالعرضي قتل ذلك الرجل بباب زويلة ونودي
عليه هذا جزاء من ينقل الاخبار الى العثملي والانكليز
وفيه وصلت العساكر الشرقية الى العادلية وامتد العرضي
منها الى قبلي منية السيرج وكذلك الغريبة الى انبابة ونصبوا خيامهم بالبرين
والمراكب بينهم في النيل وضربوا عدة مدافع وخرج عدة من الفرنساوية خيالة فترامحوا
معهم وأطلقوا بنادق ثم انفصلوا بعد حصة من الليل ورجع كل الى مأمنه واستمر هذا
الحال على هذا المنوال يقع بينهم في كل يوم وفي سادسه زحفت العساكر الشرقية حتى
قربوا من قبة النصر وسكن ابراهيم بك زاوية الشيخ دمرداش وحضر جماعة من العسكر
وأشرفوا على الجزارين من حائط المذبح وطلبوا شيخ الجزارين ووجدوا ثلاثة انفار من
الفرنسيس فضربوا عليهم بنادق فأصيب أحدهم في رجله فأخذوه وهرب الاثنان واصيب جزار
يهودي ووقع بين الفريقين مضاربة على بعد وقتل بعض قتلى وأسر بعض اسرى ولم يزل
الضرب بينهم الى قريب العصر والفرنسيس يرمون من القلعة الظاهرية وقلعة نجم الدين
والتل ولا يتباعدون عن حصونهم
وفي سابعه وقعت مضاربة بين الفريقين ببنادق ومدافع من
الصباح الى العصر ايضا
وفيه أشبع موت السيد أحمد المحروقي بدجوة وكان مريضا بها
وامتنع الوارد من الجهة البحرية بالكلية
وفيه قبضوا على رجل شبه خدام ظنوه جاسوسا فاحضروه عند
قائمقام
فسألوه
فلم يقر بشيء فضربوه عدة مرار حتى ذهل عقله وصار كالمختل وكرروا عليه الضرب
والعقاب وضربوه بالكرابيج على كفوفه ووجهه ورأسه حتى قيل أنهم ضربوه نحو ستة آلاف
كرباج وهو على حاله ثم أودعوه الحبس
وفيه اطلقوا محبوسا يقال له الشيخ سليمان حمزة الكاتب
وكان محبوسا بالقلعة من مدة اشهر فطلق على مصلحة الفي ريال
وفي ثامنه وقعت مضاربة أيضا بطول النهار ودخل نحو خمسة
وعشرين نفرا من عسكر العثمانية الى الحسينة وجلسوا على مساطب القهوة واكلوا كعكا
وخبزا وفولا مصلوقا وشربوا قهوة ثم انصرفوا الى مضربهم وأخذ الفرنساوية عسكريا من
اتباع محمد باشا والى غزة والقدس المعروف بأبي مرق فحبسوه ببيت قائمقام وأغلقوا في
ذلك اليوم باب النصر وباب العدوي
وفيه زحفت عساكر البر الغربي الى تحت الجيزة فحضر في
صبحها بنى وأخبر قائمقام فركب من ساعته وعدى الى بر الجيزة فسمع الضرب ايضا من
ناحية الجيزة وسمعت طبول الامراء ونقاقيرهم واستمر الامر الى يوم الثلاثاء حادي
عشره فبطل الضرب في وقت الزوال ولما حصلوا جهة الجيزة انتشروا الى قبلي منها
ومنعوا المعادي من تعدية البر الشرقي فانقطع الجالب من الناحية القبلية أيضا
فامتنع وصول الغلال والاقوات والبطيخ والعجور والخضروات والخيار والسمن والجبن
والمواشي فعزت الاقوات وغلت الاسعار في الاشياء الموجودة منها جدا واجتمع الناس
بعرصة الغلة بالرميلة يريدون شراء الغلة فلم يجدوها فكثر ضجيجهم وخرج الاكثر منهم
بمقاطفهم الى جهة البساتين ورجع الباقون من غير شيء فاحضر عبد العال القبانية
وألزمهم باحضار السمن وضرب البعض منهم فاحضروا له في يومين أربعة عشر رطلا بعد
الجهد في تحصيلها وبيعت الدجاجة بأربعين نصفا وامتنع وجود اللحم
من
الاسواق واستمر الامر على ذلك الاربعاء والخميس والمضاربة بين الفريقين ساكنة
وأشيع وقوع المسالمة والمراسلة بينهما والمتوسط في ذلك الانكليز وحسين قبطان باشا
فانسر الناس وسكن جاشهم لسكون الحرب
وفي ذلك اليوم اغلقوا باب القرافة وباب المجراة ولم يعلم
سبب ذلك ثم فتحوهما عند الصباح من يوم الجمعة ورفعوا عشور الغلة
وفي يوم الاثنين سابع عشرة أطلقوا المحبوسين بالقلعة من
أسرى العثمانية وأعطوا كل شخص مقطع قماش وخمسة عشر قرشا وأرسلوهم الى عرضي الوزير
وكان بلغ بهم الجهد من الخدمة والفعالة وشيل التراب والاحجار وضيق الحبس والجوع
ومات الكثير منهم وكذلك أفرجوا عن جملة من العربات والفلاحين
وفي ليلة الاثنين المذكور سمع صوت مدفع بعد الغروب عند
قلعة جامع الظاهر خارج الحسينية ثم سمع منها اذان العشاء والفجر فلما أضاء النهار
نظر الناس فاذا البيرق العثماني بأعلاها والمسلمون على أسوارها فعلموا بتسليمها
وكان ذلك المدفع اشارة الى ذلك ففرح الناس وتحققوا أمر المسالمة وأشيع الافراج عن
الرهائن من المشايخ وغيرهم وباقي المحبوسين في الصباح واكثر الفرنساوية من النقل
والبيع في أمتعتهم وخيولهم ونحاسهم وجواريهم وعبيدهم وقضاء أشغالهم
وفي ذلك اليوم أنزلوا عدة مدافع من القلعة وكذلك من قلعة
باب البرقية وأمتعة وفرش وبارود
وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وحضر الوكيل واعلن بوقوع
الصلح والمسالمة ووعد ان في الجلسة الآتية يأتي اليهم فرمان الصلح وما اشتمل عليه
من الشروط ويسمعونه جهارا
وفي ذلك اليوم اكثر اهتمام الفرنساوية بنقل الامتعة من
القلعة الكبيرة
وباقي
القلاع بقوة السعي
وفيه أفرجوا عن محمد جلبي ابي دفية واسمعيل القلق ومحمد
شيخ الحارة بباب اللوق والبرنوسي نسيب ابي دفية والشيخ خليل المنبر وآخرين تكملة
ثمانية نفار ونزلوا الى بيوتهم
وفيه سافر عثمان بك البرديسي الى الصعيد وعلى يده
فرمانات للبلاد بالامن والامان وسوق المراكب بالغلال والاقوات الى مصر ويلاقي سنة
آلاف من عسكر الانكليز حضروا من القلزم الى القصير
وفيه شنق الفرنساوية شخصا منهم على شجرة ببركة الازبكية
قيل انه سرق
وفيه أرسل الفرنساوية الى الوزير وطلبوا منه جمالا
ينقلون عليها متاعهم فأمر لهم بارسال مائتي جمل وقيل اربعمائة مساعدة لهم وفيها من
جمال طاهر باشا وابراهيم بك
وفي يوم الخميس عشرينه أفرجوا عن بقية المسجونين
والمشايخ وهم شيخ السادات والشيخ الشرقاوي والشيخ الامير والشيخ محمد المهدي وحسن
أغا المحتسب ورضوان كاشف الشعرواي وغيرهم فنزلوا الى بيت قائمقام وقابلوه وشكروه فقال
للمشايخ ان شئتم اذهبوا فسلموا على الوزير فانى كلمته ووصيته عليكم
وفيه حضر الوزير ومن معه من العساكر الى ناحية شبرا
وكذلك الانكليز وصحبتهم قبطان باشا الى الجهة الغربية والعساكر تجاههم ونصبوا
الجسر فيما بينهم اعلى البحر وهو من مراكب مرصوصة مثل جسر الجيزة بل يزيد عنه في
الاتقان بكونه من الواح في غاية الثخن وله درابزين من الجهتين ايضا وهو عمل
الانكليز
وفيه ألصقوا أوراقا بالطرق المكتوبة بالعربي والفرنساوي
وفيها شرطان من شروط الصلح التي تتعلق بالعامة ونصها ثم انه أراد الله تعالى
بالصلح ما بين عسكر الفرنساوية وعساكر الانكليز وعساكرالعثمانية
ولكن مع
هذا الصلح انفسكم واديانكم ومتاعكم ما ا د يقارشكم ورؤوس عساكر الثلاثة جيوش قد
اشترطوا بهذا كما ترونه الشرط الثاني عشر كل واحد من أهالي مصر المحروسة من كل ملة
كانت الذي يريد ان يسافر مع الفرنساوية يكون مطلق الارادة وبعد سفره كامل ما يبقى
عياله ومصالحه ما احد يعارضهم الشرط الثالث عشر لا احد من اهالي مصر المحروسة من
كل ملة كانت يكون قلقا من قبل نفسه ولا من قبل متاعه جميع الذين كانوا بخدمة
الجمهور الفرنساوي بمدة اقامة الجمهور بمصر ولكن الواجب أن يطيعوا الشريعة ثم يا أهالي
مصر وأقاليمها جميع الملل أنتم ناظرون لحد آخر درجة الجمهور الفرنساوي ناظر لكم
ولراحتكم فيلزم أنتم ايضا تسلكون في الطريق المستقيمة وتفتكرون ان الله جل جلاله
هو الذي يفعل كل شيء وعليه امضاء بليار قائمقام
وفي يوم الجمعة عملوا الديوان وحضر المشايخ والوكيل فقال
الوكيل بلغكم بقية الشروط الثلاثة عشر فقالوا لا فأبرز ورقة من كمه بالقلم
الفرنساوي فشرع يقرؤها والترجمان يفسرها وهي تتضمن الاحد عشر شرطا الباقية فقال ان
الجيش الفرنساوي يلزم أن يخلوا القلاع ومصر ويتوجهوا على البر بمتاعهم الى رشيد
وينزلوا في مراكب ويتوجهوا الى بلادهم وهذا الرحيل ينبغي أن يسرع به وأقل ما يكون
في خمسين يوما وأن يساق الجيش من طريق مختصر وسر عسكر الانكليز والمساعد يلزم أن
يقوما لهم بجميع ما يحتاجونه من نفقة ومؤنة وجمال ومراكب والمحل الذي يبدأ منه
السعي يكون بالتراضي بين الجمهور والانكليز والمساعد وكامل الامتعة والاثقال تتوجه
من البحر ومعهم جيش من الفرنساوي لاجل الحراسة ولا بد من كون المؤنة التي تترتب
لهم كالمؤنة التي كانوا يعطونها هم لجيش الانكليز ورؤسائهم وعلى رؤوساء عساكر
الانكليز وحضره العثملي القيام بنفقة الجميع
والحكام
المتقيدون بذلك يحضرون لهم المراكب ليسفروهم الى فرانسا من جهة البحر المحيط وان
يقدم كل من حضرة العثملي والانكليز اربعة مراكب للعليق والعلف للخيل التي يأخذونها
في المراكب وأن يسيروا معهم مراكب للمحافظة عليهم الى أن يصلوا الى فرانسا وان
الفرنساوية لا يدخلون مينة الا مينة فرانسا والامناء والوكلاء يقدمون لهم ما
يحتاجون اليه نظرا لكفاية عساكرهم والمدبرون والامناء والوكلاء والمهندسون
الفرنساوية يستصحبون معهم ما يحتاجونه من أوراقهم وكتبهم ولو التي شروها من مصر
وكل من أهل الاقليم المصري أذا أراد التوجه معهم فهو مطلق السراح مع الامن على
متاعه وعياله وكذلك من داخل الفرنساوية من أي ملة كانت فلا معارضة له الا ان يجري
على أحواله السابقة وجرحى الفرنساوية يتخلفون بمصر ويعالجهم الحكماء وينفق عليهم
حضرة العثملي واذا عوفوا توجهوا الى فرانسا بالشروط المتقدم ذكرها وحكام العثملي
يتعهدون من بمصر منهم ولا بد من حاكمين من طرف الجيشين يتوجهان بمركبين الى طولون
فيرسلون خبرا الى فرانسا ليطلعوا حكامها على الصلح وسائر الرسوم وكل جدال وخصام
صدر بين شخصين من الفرنساوية فلا بد أن يقام شخصان حاكمان من الطائفتين ليتكلما في
الصلح ولا يقع في ذلك نقض عهد الصلح وعلى كل طائفة معين من العثملي والفرنساوي ان
تسلم ما عندها من الاسرى ولا بد من رهائن من كل طائفة واحد كبير يكون عند الطائفة
الاخرى حتى يتوصلوا الى فرانسا اه ثم قال الوكيل وقد علمنا بالشروط وما ندري ماذا
يكون فقيل له هذه شروط عليها علامة القبول وهذا الصلح رحمة للجميع وسيكون الصلح
العام فقال الوكيل اني ارجو ان يكون هذا الصلح الخصوصي مبدأ للصلح العمومي
وفيه كثر خروج الناس ودخولهم من الاتباع والباعة
والمتنكرين من نقب البرقية المعروف بالغريب فصار الحرسجية من الفرنساوية يأخذون
من الداخل
الخارج دراهم ولا يمنعونهم فلما علم الناس بذلك كثر ازدحامهم فلما أصبحوا منعوهم
فدخلوا وخرجوا من باب القرافة فلم يمنعهم الواقفون به من الفرنسيس بل كانوا يفتشون
البعض ويمنعون البعض وكل ذلك حذرا من أفعال الطموش وسوء أخلاقهم وتوالد الشر
بسببهم وقد دخل بعضهم أكابر الانكليز وصحبتهم فرنساوية يفرجونهم على البلدة
والاسواق وكذلك دخل بعض أكابر العثمانية فزاروا قبر الامام الشافعي والمشهد
الحسيني والشيخ عبد الوهاب الشعراوي والفرنساوية ينتظرونهم بالباب
وفي ليلة الاثنين رابع عشرينه نادوا في الاسواق برمي
مدافع في صبحه وذلك لنقل رمة كلهبر فلا يرتاع الناس من ذلك فلما كان في صبح ذلك
اليوم اطلقوا مدافع كثيرة ساعة نبش القبر بالقرب من قصر العيني واخرجوا الصندوق
الرصاص الموضوع فيه رمته لياخذوه معهم الى بلادهم
وفيه ارسلوا اوراقا ورسلا للاجتماع بالديوان وهو آخر
الدواوين فاجتمع المشايخ والتجار وبعض الوجاقلية واستوف الخازندار والوكيل
والترجمان فلما استقر بهم الجلوس أخرج الوكيل كتابا مختوما وأخبر أن ذلك الكتاب من
سارى عسكر منو بعث به الى مشايخ الديوان ثم ناوله لرئيس الديوان ففضه وناوله
للترجمان فقرأه والحاضرون ويسمعون وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر نخبركم أنا
علمنا بكثرة الانبساط انكم تهتدون بكثرة الحكمة والانصاف في الموضع الذي أنتم
مستمرون فيه وان لم تقدروا لتنظيم أهالي البلد بالهدى والطاعة الموجبة منه لحكومة
الفرنساوي فالله تعالى بسعادة رسوله الكريم عليه السلام الدائم ينعم عليكم في
الدارين عوض خيراتكم وأخبرنا المقدام الجسور بونابارته المشهور عن كل ما فعلتم
حاكما ونافعا بوصايا لاجلكم سارة رضي واستراح لتلك الفعال الجيدة وعرفني ايضا أنه
عن قريب
يرسل لكم
بذاته جواب جميع مكاتيبكم اليه قدمتم الان بخير الهدى وبقوته تعالى نرى فضائلكم عن
قريب ونواجه سكان محروسة مصر كما هو مأمولنا لكن يسركم ان الجمهور المنصور غلب في
أقاليم الروم جميع اعدائه وبعون الله هادي كل شيء سيغلب كذلك العدا في مصر
واعتمدوا بأكثر الاعتماد على الستويان جيرار هذا الذي وضعناه قربكم لانه هو رجل
مشهور بالعدل والاستقامة ونوجه الى هممكم النصيحة الى زوجتنا الكريمة السيدة زبيدة
وولدنا العزيز سليمان مراد أن كليهما حالا كائنان في حصننا في مصر الخ وذكر كثيرا
من امثال هذه الخرافات والتمويهات ثم اخرج ورقة بالفرنساوي وقرأها بنفسه حتى فرغ
منها ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان رفاييل ومضمونها حصول الصلح وتمويهات وهلسيات
ليس في ذكرها فائدة ولما انتهى من قراءتها ابرز ايضا استوف الخازندار ورقة وقرأها
بالفرنساوي ثم قرأ ترجمتها بالعربي الترجمان وهي في معنى الاولى
وركب المشايخ وخرجوا للسلام على الوزير يوسف باشا الذي
يقال له الصدر الاعظم والسلام على القادمين معه ايضا من اعيان دولتهم والامراء
المصرية وكانوا عزموا على الذهاب في الصباح فعوقوا لبعد الديوان وأما الشيخ
السادات فانه خرج للسلام من أول النهار وكتب لهم قائمقام أوراقا للحرسجية لانهم
مستمرون على منع الناس من الدخول والخروج وأبواب البلد مغلقة وكان خروجهم من طريق
بولاق فلما وصلوا الى العرضي سلموا على ابراهيم بك وتوجه معهم الى الوزير فلما
وصلوا الى الصيوان أمروهم برفع الطياسانا التي على أكتافهم وتقدموا للسلام عليه
فلم يقم لقدومهم فجلسوا ساعة لطيفة وخرجوا من عنده وسلموا ايضا على محمد باشا
المعروف بأبي مرق وعلي المحروقي والسيد عمر مكرم وباتوا تلك الليلة بالعرضي ثم
عادوا الى بيوتهم
وفي ثاني
يوم عدوا الى البر الغربي وسلموا على قبطان باشا ورجعوا الى منازلهم
وفيه أرسل ابراهيم بك أمانا لاكابر القبط فخرجوا ايضا
وسلموا ورجعوا الى دورهم وأما يعقوب فأنه خرج بمتاعه وعازقه وعدي الى الروضة وكذلك
جمع اليه عسكر القبط وهرب الكثير منهم واختفى واجتمعت نساؤهم وأهلهم وذهبوا الى
قائمقام وبكوا وولولوا وترجوه في ابقائهم عند عيالهم واولادهم فإنهم فقراء وأصحاب
صنائع ما بين نجار وبناء وصائغ وغير ذلك فوعدهم انه يرسل الى يعقوب انه لا يقهر
منهم من لا يريد الذهاب والسفر معه
وفيه ذهب بليار قائمقام وصحبته ثلاثة انفار من عظماء
الفرنسيس الى العرضي وقابلوا الوزير فخلع عليهم وكساهم فراوى سمور ورجعوا
وفي يوم الاربعاء تاسع عشره خرج المسافرون مع الفرنساوية
الى الروضة والجيزة بمتاعهم وحريمهم وهم جماعة كثيرة من القبط وتجار الافرنج
والمترجمين وبعض مسلمين ممن تداخل معهم وخاف على نفسه بالتخلف وكثير من نصارى
الشوام والاروام مثل يني وبرطلمين ويوسف الحموي وعبد العال الاغا ايضا طلق زوجته
وباع متاعه وفراشه وما ثقل عليه حمله من طقم وسلاح وغيره فكان اذا باع شيئا يرسل
خلف المشتري ويلزمه باحضار ثمنه في الحال قهرا ولم يصحب معه الا ما خف حمل وغلا
ثمنه
وفيه حضر وكيل الديوان الى الديوان وأحضر جماعة من
التجار وباع لهم فراش المجلس بثمن قدره ستة وثلاثون ألف فضة على ذمة السيد أحمد
الزرو
وفي ذلك اليوم ايضا فتحوا باب الجامع الازهر وشرعوا في
كنسه وتنظيفه
وفي ذلك
اليوم وما بعده دخل بعض الانجليز ومروا بأسواق المدينة يتفرجون وصحبتهم اثنان أو
واحد من الفرنسيس يعرفونهم الطرق
وأشيع في ذلك اليوم ارتحال الفرنساوية ونزولهم من القلاع
وتسليمهم الحصون من الغد وقت الزوال
فلما أصبح يوم الخميس ومضى وقت الزوال لم يحصل ذلك
فاختلفت الروايات فمن الناس من يقول ينزلون يوم الجمعة ومنهم من يقول انهم أخذوا
مهلة ليوم الاثنين وبات الناس يسمعون لغط العساكر العثمانية وكلامهم ووطء نعالاتهم
فنظروا فاذا الفرنساوية خرجوا بأجمعهم ليلا وأخلوا القلعة الكبيرة وباقي القلاع والحصون
والمتاريخ وذهبوا الى الجيزة والروضة وقصر العيني ولم يبق منهم شبح يلوح بالمدينة
وبولاق ومصر العتيقة والازبكية ففرح الناس كعادتهم بالقادمين وظنوا فيهم الخير
وصاروا يتلقونهم ويسلمون عليهم ويباركون لقدومهم والنساء يلقلقن بالسنتهن من
الطيقان وفي الاسواق وقام للناس جلبة وصياح وتجمع الصغار والاطفال كعادتهم ورفعوا
اصواتهم بقولهم نصر الله السلطان ونحو ذلك وهؤلاء الداخلون ودخلوا من نقل الغريب
المثقوب في السور وتسلقوا ايضا من ناحية العطوف والقرافة وأما باب النصر والعدوى
فهما على حالهما مغلوقان لم يأذنوا بفتحهما خوفا من تزاحم العسكر ودخولهم المدينة
دفعة واحدة فيقع فيهم الفشل والضرر بالناس وباب الفتوح مسدود بالبناء فلما تضحي
النهار حضر قبي قول وفتح باب النصر والعدوى واجلس بهما جماعة من النيكجرية ودخل
الكثير من العساكر مشاة وركبانا اجناسا مختلفة ودخلت بلوكات الينكجرية وطافوا
بالاسواق ووضعوا نشاناتهم وزنكهم على القهاوى والحوانيت والحمامات فامتعض أهل
الاسواق من ذلك وكثر الخبز واللحم والسمن والشيرج بالاسواق وتواجدت البضائع وانحلت
الاسعار وكثرت الفاكهة مثل العنب والخوخ والبطيخ وتعاطي بيع غالبها الاتراك
والارنؤد
فكانوا يتلقون
من يجلبها من الفلاحين بالبحر البر ويشترونها منهم بالاسعار الرخيصة ويبيعونها على
أهل المدينة وبولاق بأغلى الاثمان ووصلت مراكب من جهة بحري وفيها البضائع الرومية
واليميش من البندق واللوز والجوز والزبيب والتين والزيتون الرومي
فلما كان قبل صلاة الجمعة واذا بجاويشية وعساكر وأغوات
وتلا ذلك حضره يوسف باشا الصدر فشق من وسط المدينة وتوجه الى المسجد الحسيني فصلى
فيه الجمعة وزار المشهد الحسيني ودعاه حضرة الشيخ السادات الى دره المجاورة للمشهد
فأجابه فدخل معه وجلس هنيهة ثم ذهب الى الجامع الازهر فتفرج عليه وطاف بمقصورته
وأروقته وجلس ساعة لطيفة وأنعم على الكناسين والخدمة بدراهم وكذلك خدمة المسجد
الحسيني ثم ركب راجعا الى وطاقة بناحية الحلي بشاطيء النيل وعملوا في ذلك الوقت
شنكا وضربوا مدافع كثيرة من العرضي والقلعة ودخل قلقات الينكجرية وجلسوا برؤوس
العطف والحارات وكل طائفة عندها بيرق ونادوا بالامان البيع والشراء وطلب اولئك
القلقات من أهل الاخطاط المآكل والمشارب والقهوات والزموهم بذلك وانحاز الفرنساوية
الى جهة قصر العيني والروضة والجيزة الى حد قلعة الناصرية وفم الخليج وعليها
بنديراتهم ووقف حرسهم عند حدهم يمنعون من يأوى الى جهتهم من العثمانية فلا يمر
العثماني الا الى الجهة الموصلة الى بولاق واما اذا كان من اهل البلد فيمر حيث
أراد وفي مدة اقامة المشار اليه بساحل الحلى ببولاق خرب عساكره ما قرب منهم من
الابنية والسواقي والمتريز الذي صنعه الفرنساوية من حد باب الحديد الى البحر وأخذوا
ما بذلك من الافلاق الكثيرة المتهدمة والأخشاب المنجرة المرصوصة فوق المتريز وتحته
وفي الخندق فخربوا ذلك جميعه في هذه المدة القليلة وذلك لاجل وجود النار والمطابخ
وفي يوم السبت دخل قبي قول وهو المسمى عند المصريين
كتخدا
الينكجرية وشق المدينة وأمر بمحو نشانات الانكشارية من الحوانيت ولم يترك الا القهاوي
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاحد سنة
فيه ركب
أغات الينكجرية الكبير العثملي وشق المدينة وخلفه سليم آغا المصري ودخل الكثير من
العساكر والاجنادالمصرية بمتاعهم وعازقهم واحمالهم وطلبوا البيوت وسكنوها ودخل
محمد باشا المعروف بأبي مرق الغزي وهو المرشح لولاية مصر وسكن ببيت الهياتم بالقرب
من مشهد الاستاذ الحنفي وأرسل الى المشايخ وكبار الحارات وطلب منهم التعريف عن
البيوت الخالية بالاخطاط
وفي يوم الثلاثاء ثالثه حضر حسين باشا القبطان من الجيزة
ودخل المدينة وتوجه الى المشهد الحسيني فزاره وذبح به خمس جواميس وسبعة كباش
واقتسمتها خدمة الضريح وحلق تاج المقام باربعةشيلان كشميري وأخذ قياس المقام ليصنع
له سترا جديدا وفرق عليهم وعلى الفقراء نحو ألفي محبوب ذهب اسلامبولي
وفي ذلك اليوم وقعت حادثة وهو أن شخصا من العسكر
بالجمالية شرب من العرقسوسي شربة عرقسوس ولم يدفع له ثمنها فكلم العرقسوسي القلق
الانكشاري فأحضره وأمره بدفع ثمنها ونهره وأراد ضربه فاستل ذلك العسكري الطبنجة
وضرب ذلك الحاكم فقتله وهرب الى حارة الجوانية ودخل الى دار وامتنع فيها وصار يضرب
بالرصاص على كل من قصده فقتل خمسة أنفار ومر شخصان من الارنؤد بتلك الخطة فقتلهما
الانكشارية لكون الغريم أرنؤديا من جنسهما فلما أعياهم أمره حرقوا عليه الدار فخرج
هاربا من النار فقبضوا عليه وقتلوه ومات تسعة أشخاص في شربة عرقسوس
ووقع في ذلك اليوم ايضا ان شخصين من القليونجية دخلا الى
دار رجل نصراني فأخذا من بيته بقعتين من الثياب وخرجا فوجدا شخصين
مارين من
الفلاحين فسخراهما في حمل البقجتين فخرج النصراني وشكا الى القلق فأمر بالقبض على
الشخصين العسكريين فتخلصا وهربا بعد ان انجرح احدهما واخذوا الشخصين المسخرين
فقطعوا رؤسهما ظلما وعدوانا وذلك من مبادي قبائحهم
وفي يوم الاربعاء رابعه ارتحل الفرنساوية واخلوا قصر
العيني والروضة والجيزة وانحدروا الى بحري الوراريق وارتحل معهم قبطان باشا ومعظم
الانكليز ونحو الخمسة آلاف من عسكر الارنؤد ومن الامراء المصرية عثمان بك الاشقر
ومراد الصغير واحمد بك الكلارجي واحمد بك حسن فكانت مدة الفرنساوية وتحكمهم
بالديار المصرية ثلاث سنوات واحدا وعشرين يوما فأنهم ملكوا برانبابة والجيزة وكسرو
الامراء المصرية يوم السبت تاسع شهر صفر سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وكان انتقالهم
ونزولهم من القلاع وخلو المدينة منهم وانخلاعهم عن التصرف والتحكم ليلة الجمعة
الحادي والعشرين من شهر صفر سنة ست عشرة ومائتين وألف فسبحان من لا يزول ملكه ولا
يتحول سلطانه
وفي ذلك اليوم حضر السيد عمر افندي نقيب الاشراف وصحبته
السيد أحمد المحروقي شاه بندر التجار بمصر وعليهما خلعتا سمور وتوجها الى دورهما
وفيه نبهوا على موكب حضرة الوزير يوسف باشا من الغد فلما
أصبح يوم الخميس خامسه اجتمع الناس من جميع الطوائف وسائر الاجناس وهرع الناس
للفرجة وخرجت البنت من خدرها واكتروا الدور المطلة على الشارع باغلى الاثمان وجلس
الناس على السفائف والحوانيت صفوفا وانجر الموكب من اول النهار الى قريب الظهر
ودخل من باب النصر وشق من وسط المدينة وأمامه العساكر المختلفة من الارنؤد وارط
الينكجرية والعساكر الشامية والامراء المصرلية والمغاربة والقليونجية وطاهر باشا
باشة الارنؤد وابراهيم باشا والي حلب ومحمد باشا والي
مصر
الكتبة ورئيس الكتاب وكتخدا الدولة والاغوات الكبار بالطبول والنقرزانات وقاضي
العسكر ونواب القضاء والعلماء المصرية ومشايخ التكايا والدراويش واقبل المشار اليه
وأمامه الملازمون بالبراقع والجاويشية والسعاة والجوخدارية وعليه كرك صوف سنجاني
مطرز مخبش وعلى رأسه شلنج بفصوص الماس وخلفه اثنان عن يمينه وشماله ينثرون دراهم
الفضة البيضاء ضربخانة اسلامبول على المتفرجين من النساء والرجال وخلفه ايضا العدة
الوافرة من أكابر اتابعه وبعدهم الكثير من عسكر الارنؤد وموكب الخازندار وخلفه
النوبة التركية المختصة به ثم المدافع وعربات الجبخانات وعملوا وقت الموكب شنكا
ضربوا فيه مدافع كثيرة فكان ذلك اليوم يوما مشهودا وموسما وبهجة وعيدا عمت
المسلمين فيه المسرات ونزلت في قلوب الكافرين الحسرات ودقت البشائر وقرت النواظر
وأمروا بوقود المنارات سبع ليال متواليات فلله الحمد والمنة على هذه النعمة ونرجو
من فضله أن يصلح فساد القلوب ويوفق أولي الامر للخير والعدل المطلوب ويلهمهم سلوك
سواء السبيل القويم ويهديهم الى الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير
المغضوب عليهم ولا الضالين آمين وممن قدم بصحبة ركاب المشار اليه من أكابر دولتهم
ابراهيم باشا والي حلب وابراهيم باشا المعروف بأبي مرق وخليل أفندي الرجائي الدفتر
دار ومحمود أفندي رئيس الكتاب وشريف أغا نزله أمين ومحمد أغا جيجي باشا الشهير
بطوسون ووقع الاختيار بأن يكون سكن المشار اليه ببيت رشوان بك بحارة عابدين تجاه
بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي
وفي يوم الجمعة نودي بابطال كلف القلفات وابطال شرك
العسكر لارباب الحرف الا من شارك برضاه وسماحة نفسه فلم يمتثلوا لذلك واستمر
أكثرهم على الطلب من الناس
وفي يوم الاحد نودي بأن لا أحد يتعرض بالاذية لنصراني
ولا
يهودي
سواء كان قبطيا او روميا او شاميا فانهم من رعايا السلطان والماضي لا يعاد والعجيب
ان بعض نصارى الاروام الذين كانوا بعسكر الفرنسيس تزيوا بزي العثمانية وتسلحوا
بالاسلحة واليطقانات ودخلوا في ضمنهم وشمخوا باآنافهم وتعرضوا بالاذية للمسلمين في
الطرقات بالضرب والسب باللغة التركية ويقولون في ضمن سبهم للمسلم فرنسيس كافر ولا
يميزهم الا الفطن الحاذق أو يكون له بهم معرفة سابقة
وفيه ارسلوا هجانا الى الحجاز ومعه فرمان بخبر الفتح
والنصر وارتجال الفرنساوية من ارض مصر ودخول العثمانية ومكاتبات من التجار
لشركائهم بارسال المتاجر الى مصر
وفيه ارسلوا فرمانا ايضا الى الاقاليم المصرية والقرى
بعدم دفع المال الى الملتزمين ولا يدفعون شيا الا بفرمان من الوزير
وفي يوم الاثنين قتلوا شخصا بالرميلة يسمى حجاجا كان
متولى الاحكام ببولاق أيام الفرنسيس وجار وعسف وقتل معه آخر يقال انه أخوه
وفيه ايضا اشخاصا بالازبكية وجهات مصر
وفيه ركب الوزير بثياب التخفيف وشق المدينة وتامل في
الاسواق وأمر بمنع العسكر من الجلوس على حوانيت الباعة وأرباب الصنائع ومشاركتهم
في ارزاقهم ثم توجه الى المشهد الحسيني فزاره ثم عبر الى دار السيد أحمد المحروقي
وشرفه دبخوله اليه فجلس ساعة ثم ركب وأعطى أتباعه عشرين دينارا وذكر له أنه إنما
قصد بحضوره إليه تشريفه وتشريف أقرانه وتكون له منقبة وذلك على ممر الازمان وأما
العسكر فلم يمتثلوا ذلك الامر الا اياما قليلة ووقع بسبب ذلك شكاوي ومشاكلات
ومرافعات عند العظماء
وفي يوم الثلاثاء وصل قاصد من دار السلطنة وعلى يده شال
شريف من حضرة الهنكار السلطان سليم خان خطابا لحضرة الوزير ومعه خنجر
مرصع
بفصوص الماس وهو جواب عن رسالته بدخوله بلبيس
وفيه نودى بتزيين الاسواق من العد تعظيما ليوم المولد
النبوي الشريف فلما اصبح يوم الاربعاء كررت المناداة والامر بالكنس والرش فحصل
الاعتناء وبدل الناس جهدهم وزينوا حوانيتهم بالشقق الحرير والزردخان والتفاصيل
الهندية مع تخوفهم من العسكر وركب المشار اليه عصر ذلك اليوم وشق المدينة وشاهد
الشوارع وعند المساء أوقدوا المصابيح والشموع ومنارات المساجد وحصل الجمع بتكية
الكلشني على العادة وتردد الناس ليلا للفرجة وعملوا مغاني ومزامير في عدة جهات
وقراءة قرآن وضجت الصغار في الاسواق وعم ذلك سائر اخطاط المدينة العامرة ومصر
وبولاق وكان من المعتاد القديم أن لا يعتني بذلك الا بجهة الازبكية حيث سكن الشيخ
البكري لان عمل المولد من وظائفه وبولاق فقط
وفي يوم الخميس ثاني عشره سافر سليمان أغا وكيل دار
السعادة وصحبته عدة هجانة الى ناحية الشام لاحضار المحمل الشريف وحريمات الامراء
الى مصر
وفيه افتتحوا ديوان مزاد الاعشار والمكوس وذلك ببيت
الدفتردار ولله الامر من قبل ومن بعد
وفيه حضر اليسرجي الذي جلب مملوك الشيخ البكري الذي تقدم
ذكره الى بيت القاضي واحضرو الشيخ خليلا البكري وادعى عليه انه قهره في أخذ
المملوك بالفرنسيس وأخذه منه بدون القيمة وانه ان أحضره على ذمة مراد بك وطال
بينهما النزاع وآل الامر بينهما الى انتزاع المملوك من المذكور وقد كان أعتقه وعقد
له عل ابنته فأبطلوا العتق وفسخوا النكاح وأخذ المملوك عثمان بك الطنبرجي المرادي ودفع
للشيخ دراهمه ولجلابة باقي الثمن وتجرع فراقه
وفي يوم الجمعة ركب الوزير وحضر الى الجامع الازهر وصلى
به
الجمعة
وخلع علي الخطيب فرجيه صوف وفي ذلك اليوم احترق جامع قايتباي الكائن بالروضة
المعروف بجامع السيوطي والسبب في ذلك ان الفرنسيس كانوا يصنعون البارود بالجنينة
المجاورة للجامع فجعلوا ذلك الجامع مخزنا لما يصنعونه فبقى ذلك بالمسجد وذهب
الفرنسيس وتركوه كما هووجانب كبريت في انخاخ ايضا فدخل رجل فلاح ومعه غلام وبيده
قصبة يشرب بها الدخان وكأنه فتح ماعونا من ظروف البارود ليأخذ منه شيئا ونسي
المسكين القصبة بيده فأصابت البارود فاشتعل جميعه وخرج له صوت هائل ودخان عظيم
واحترق المسجد واستمرت النار في سقفه بطول النهار واحترق الرجل والغلام
وفي يوم الاحد خامس عشره اشيع بانه كتب فرمان على
النصارى انهم لا يلبسون الملونات ويقتصرون على لبس الازرق والاسود فقط فبمجرد
الاشاعة وسماع ذلك ترصد جماعة القلقات لمن يمر عليهم من النصارى ومن لم يجدوه
بثياب ملونة يأخذوا طربوشه ومداسه الاحمر ويتركوا له الطاقية والشد الازرق وليس
القصد من اولئك القلقات الانتصار للدين بل استغناء السلب واخذ الثياب ثم ان
النصارى صرخوا الى عظمائهم فأنهوا شكواهم فنودي بعدم التعرض لهم وان كل فريق يمشي
على طريقته المعتادة
وفي يوم لاثنين طلب الوزير من التجار مائة كيس وعشرة
اكياس سلفة من عشور البهار والزمهم باحضارها من الغد فاجتمع المستعدون لجمع الفردة
في أيام الفرنساوية كالسيد أحمد الزرو وكاتب البهار وأرادوا توزيعها على المحترفين
كعادتهم فاجتمع أرباب الحرف الدنيئة وذهبوا الى بيت الوزير والدفتردار واستغاثوا
وبكوا فرفعوا عنهم الطلب وألزموا بها المياسير
وفيه قلدوا محمد آغا تابع قاسم بك موسقو الابراهيمي
وجعلوه واليا عوضا عن علي آغا الشعراوي
وفي ثامن
عشرينه الموافق لثالث مسرى القبطي كان وفاء النيل المبارك وركب محمد باشا المعروف
بأبي مرق المرشح لولاية مصر في صبحها الى قنطرة السد وكسروا جسر الخليج بحضرته
وفرق العوائد وخلع الخلع ونثر الذهب والفضة
وفيه عزل الوزير القاضي وهو قاضي العرضي الذي كان ولاه
الوزير قاضي العسكر بمصر نائبا عمن يؤل اليه القضاء باسلامبول فلما تولى ذلك حصل
منه تعنت في الاحكام وطمع فاحش وضيق على نواب القضاء بالمحاكم ومنعهم من سماع
الدعاوي ولم يجرهم على عوائدهم وأراد ان يفتح بابا في الاملاك والعقار ويقول انها
صارت كلها ملكا للسلطان لان مصر قد ملكها الحربيون وبفتحها صارت ملكا للسلطان
فيحتاج أن أربابها يشترونها من الميري ثانيا ووقع بينه وبين الفقهاء المصرية
مباحثات ومناقشات وفتاوي وظهروا عليه ثم تحامل عليه بعض أهل الدولة وشكوه الى
الوزير فعزله وقلد مكانه قدسي افندي نقيب الاشراف بحلب سابقا ونقل المعزول متاعه من
المحكمة فكانت مدة ولايته خمسة عشر يوما
وفي ذلك اليوم ايضا خلع الوزير على الامير محمد بك
الالفي فروة سمور وقلده امارة الصعيد وليرسل المال والغلال ويضبط مواريث من مات
بالصعيد بالطاعون فبرز خيامه من يومه الى ناحية الآثار وأسكن داره بالازبكية رئيس
افندي
وفي يوم الجمعة حضر الوزير الى جامع المؤيد وصلى به
الجمعة
وفيه قبضوا على عرفة بن المسرى وحبس ببيت الوزير بسبب
أخيه ابراهيم كان شيخ مرجوش وتقيد بقبض فردة الفرنسيس ثم ذهب الى المحلة وتوفي بها
فغمزوا على أخيه عرفة المذكور وقبضوا عليه وحبسوه وأرسلوا فرمانا الى المحلة بضبط
ماله وما يتعلق به وبأخيه عند شركائهما ثم نهبوا ببيت المذكور
وفي يوم
الثلاثاء رابع عشرينه طلبت ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس بمعينين
من طرف الوزير فحضروا الى دار أمها بالجودرية بعد المغرب وأحضروها ووالدها فسألوها
عما كانت تفعله فقالت اني تبت من ذلك فقالوا لوالدها ما تقول أنت فقال أقول اني
بريء منها فكسروا رقبتها وكذلك المرأة التي تسمى هوى التي كانت تزوجت نقولا
القبطان ثم اقامت بالقلعة وهربت بمتاعها وطلبها الفرنساوية وفتش عليها عبد العال
وهجم بسببها عدة أماكن كما تقدم ذكر ذلك فلما دخلت المسلمون وحضر زوجها مع من حضر
وهو اسمعيل كاشف المعروف بالشامي أمنها وطمنها وأقامت معه أياما فأستأذن الوزير في
قتلها فأذنه فخنقها في ذلك اليوم ايضا ومعهاجاريتها البيضاء أم ولده وقتلوا ايضا
امرأتين من اشباههن
وفي يوم الاربعاء أرسلوا طائفة معينين من طرف محمد باشا
أبي مرق الى أخي الشواربي شيخ قليوب فأحضروه على غير صورة ماشيا مكتوفا مسحوبا
مضروبا من قليوب الى مصر فحبسوه ببيت الوزير ثم حضر أخوه وصالح عليه بعشرة أكياس
قام بدفعها وأطلق قيل ان السبب في ذلك ان جماعة من اتباع محمد باشا ذهبوا الى
قليوب وطلبوا تبنا فطردهم الساكن وأعطاهم دراهم ذهبوا عنه وتركوه وان عاند سبوه
وضربوه وشتمهم وردهم من غير شيء وقيل ان ذلك باغراء ابن المحروقي لضغين بينه
وبينهم قديم
وفي آخره تحرر ديوان العشور فكان المتحصل ستة عشر ألف
كيس
وفيه تشاجر طائفة من الينكجرية مع طائفة من الانكليز بالجيزة
وقتل بينهما أشخاص فنودى على الينكجرية ومنعوا من التعدى الى بر الجيزة
وفيه كثر اشتغال طائفة العسكر بالبيع والشراء في اصناف
المأكولات وتسلطوا على الناس بطلب الكلف ورتبوا على السوقة وأرباب الحوانيت دراهم
يأخذونها منهم في كل يوم ويأخذون من لخابز الخبز من غير ثمن وكذلك
يشربون القهوة من القهاوي ويحتكرون ما يريدون من الاصناف ويبيعونها بأغلى الاثمان ولا يسرى عليهم حكم المحتسب وكذلك تسلطوا على الناس بالاذية بأدنى سبب وتعرضوا للسكان في منازلهم فتأتي منهم الطائفة ويدخلون الدار ويأمرون أهلها بالخروج ليسكنوها فإن لاطفهم الساكن واعطاهم دراهم ذهبوا عنهم وتركوه وان عاند سبوه وضربوه ولو عظيما وان شكا الى كبيرهم قوبل بالتبكيت ويقال له ألا تفسحون لاخوانكم المجاهدين الذين حاربوا عنكم وانقذوكم من الكفار الذين كانوا يسومونكم سوء العذاب ويأخذون أموالكم ويفجرون بنسائكم وينهبون بيوتكم وهم ضيوفكم أياما قليلة فما يسع المسكين الا ان يكلفهم بما قدر عليه وان أسعفته العناية وانصرفوا عنه باي وجه فيأتي اليه خلافهم وان سكنوا دارا أخربوها وأما الفلقات والينكجرية الذين تقيدوا بحارات النصارى فانهم كلفوهم اضعاف ما كلفوا به المسلمين ويطلبون منهم بعد كلف المأكل واللوازم مصروف الجيب وأجرة الحمام وغير ذلك وتسلطت عليهم المسلمون بالدعاوى والشكاوى على أيدي أولئك القلقات فيخلصون منهم ما لزمهم بأدنى شبهة ولا يعطون المدعي الا القليل من ذلك والمدعي يكتفي بما حصل له من التشفي والظفر بعدوه واذا تداعي شخص على شخص أو أمرأة مع زوجها ذهب معهم اتباع القلق الى المحكمة ان كانت الدعوى شرعية فاذا تمت الدعوى أخذ القاضي محصولة ويأخذ مثله اتباع القلق على قدر تحمل الدعوى
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الثلاثاء سنة
فيه افرج
عن عرفة بن المسيري وصولح عليه بخمسة عشر كيسا وكتب له فرمان برد منهوباته وعدم
التعرض لتعلقاته بالمحلة
وفي يوم الاربعاء ثانيه أمر الوزير الوجاقلية بلبس
القواويق على عادتهم القديمة فأخبروا ابراهيم بك فقال الامر عام لنا ولكم أولكم
فقط فقالوا لا ندرى فسأل ابراهيم بك الوزير المشار اليه فقال له بل ذلك عام فلما
كان يوم الجمعة حادي عشره لبس الوجاقلية والامراء المصرية
زيهم من
القواويق المختلفة الاشكال على عادتهم القديمة حسب الامر بذلك وكذلك الامراء
الصناجق وحضروا في يوم الجمعة بديوان الوزير ونظر اليهم وأعجب بهيآتهم واستحسن
زيهم ودعا لهم واثنى عليهم وأمرهم أن يستمروا على هيئتهم وذلك على ما هم فيه من
التفليس وغالبهم لا يملك عشاء ليلته فضلا عن كونه يقتني حصانا وشنشارا وخدما
ولوازم لا بد منها ولا غنى للمظهر عنها
وفيه حضرت جماعة من عسكر القبط الذين كانوا ذهبوا بصحبة
الفرنساوية فتخلفوا عنهم ورجعوا الى مصر
وفيه أرسلوا تنابيه للملتزمين بطلب بواقي مال سنة ثلاث
عشرة واربع عشرة فأعتذروا بأنهم ممنوعون من التصرف فمن اين يدفعون البواقي
وفي يوم الخميس نبهوا على العساكر المتداخلة في
الينكجرية وغيرهم بالسفر
وفيه كتبت فرمانات باللغة العربية بترصيف صاحبنا العلامة
السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب وأرسلت الى البلاد الشرقية والمنوفية
والغربية مضمونها الكف عن أذية النصارى واليهود أهل الذمة وعدم التعرض لهم وفي
ضمنه آيات قرآنية وأحاديث نبوية والاعتذار عنهم بان الحامل لهم على تداخلهم مع
الفرنساوية صيانة اعراضهم وأموالهم
وفي يوم الجمعة احضروا رمة زوجة ابراهيم بك عملوا لها
قبرا بجانب أخيها محمد بك أبي الذهب بمدرسته المقابلة للجامع الازهر ودفنوها به
وفي يوم السبت خامسه ورد الخبر بوفاة احمد بك حسن أحد
الامراء الذين توجهوا صحبة حسين باشا القبطان والفرنساوية وكان القبطان وجهه الى
عرب الهنادي الذين يحملون الميرة الى الفرنسيس المحصورين بأسكندرية وضم اليه عدة
من العسكر فحاربهم وقاتلهم عدة مرار فأصابته رصاصة دخلت في جوفه فرجع الى مخيمه
ومات من
ليلته
وكان يضاهي سيده في الشجاعة والفروسية
وفيه اطلعوا للملتزمين التصرف في سنة خمس عشرة ليقضوا ما
لهم وما عليهم من البواقي ومال الميري والمضاف ويدفعوا جميع ذلك الى الخزينة
بأوراق مختومة من ابراهيم بك وعثمان بك والقصد من ذلك اطمئنانهم بالجباية والرجاء
بالتصرف في المستقبل ووعدهم بذلك سنة تاريخه بعد دفعهم الحلوان مع ان الفرنساوية
لما استقر أمرهم بمصر ونظروا في الاموال الميرية والخراج فوجدوا ولاة الامور
يقبضون سنة معجلة ونظروا في الدفاتر القديمة واطلعوا على العوائد السالفة ورأوا
ذلك كان يقبض أثلاثا مع المراعاة في ري الاراضي وعدمه فاختاروا والاصلح في أسباب
العمار وقالوا ليس من الانصاف المطالبة بالخراج قبل الزراعة بسنة واهملوا وتركوا
سنة خمس عشرة فلم يطالبوا الملتزمين بالاموال الميرية ولا الفلاحين بالخراج فتنفست
الفلاحون وراج حالهم وتراجعت ارواحهم مع عدم تكليفهم كثرة المغارم والكلف وحق طرق
المعينين ونحو ذلك
وفي يوم الثلاثاء ثامنه وصلت قافلة شامية وبها بضائع
وصابون ودخان وحضر السيد بدر الدين المقدسي والحاج سعودي الحناوي وآخرون وتراجع
سعر الصابون والقناديل الخليلي والدخان
وفيه ورد الخبر بسفر الفرنساوية ونزولهم المراكب من ساحل
أبي قير
وفي يوم الاحد حبس حسن آغا محرم المنفصل عن الحسبة وطولب
بمائتي كيس وذلك معتاد الحسبة في الثلاث سنوات التي تولاها أيام الفرنساوية فانه
لما تقلد أمر الحسبة في أيامهم منعوه من أخذ العوائد والمشاهرات من السوقة وجعلوا
له مرتبا في كل يوم يأخذه من الاموال الديوانية نظير خدمته وكذلك أتباعه وطالبوه
ايضا بأربعة آلاف قرش كان اعطاها له نزله امين عند حضورهم في العام الماضي
لمشتروات الذخيرة ثم نقض الصلح عقيب ذلك وخرجوا من مصر وبقيت بذمته فأخبر أن
الفرنساوية
علموا بها وأخذوها منه واعطوه ورقة بوصول ذلك اليهم فلم يقبلوا منه ذلك وبقي
معتقلا وادعوا عليه ايضا بتركة الاغا الذي كان نزيله ومات عنده واحتوى على موجوده
فأخبر ايضا ان الفرنسيس اخذوا منه ذلك ايضا واعطوه سندا فلم يقبلوا منه ذلك واستمر
محبوسا
وفي يوم الاثنين رابع عشره نودي على أن أهل البلدة لا
يصاهرون العساكر العثمانية ولا يزوجونهم النساء وكان هذا الامر كثر بينهم وبين أهل
البلد واكثرهم النساء اللاتي دون مع الفرنساوية ولما حضر العثمانية تحجبن وتنقبن
وتوسطن لهن اشباهن من الرجال والنساء وحسنوهن للطلاب ورغبوا فيهن الخطاب فأمهروهن
المهور الغالية وانزولهن المناصب العالية وفي ذلك اليوم ايضا نودي على أهل الذمة
بالامن والامان وأن المطلوب منهم جزية أربع سنوات
وفيه قبض على جربجي موسى الجيزاوي وعمل عليه عشرون كيسا
وفيه قبض محمد باشا ابو مرق على مقدمه مصطفى الطاراتي
وضربه علقة وحبسه وألزمه بمبلغ دراهم
وفيه سافر الانكليزية الذين بالجيزة والروضة الى جهة
الاسكندرية وأشيع أن الحرب قائمة بين العساكر والفرنسيس الاسكندرانية من يوم
الاثنين سابعه فطلبوا المراكب حتى شح وجودها وضاق الحال بالمسافرين واستمر طلبهم
ونزولهم عدة ايام وكذلك نبهوا على الكثير من العساكر الاسلامية بالسفر
وفي يوم الخميس نقضت الاوامر بتصرف الملتزمين في البلاد
وقيدت صيارف من نصارى القبط بالنزول الى البلاد لقبض الاموال في غير أوانها لطرف
الدولة
وفي يوم الجمعة ثامن عشره لبس الامراء الكبار القواويق
على رؤوسهم
وفيه قبض من مصطفى الطاراتي المعتقل المتقدم ذكره خمسة
عشر
ألف ريال
ولم يزل معتقلا وقيل انه غمز عليه فوجد له في مكان صندوقات ضمنهما ذهب نقدعين
ومصطفى هذا كان كلارجيا عند قائد أغا حين كان بمصر فلما خرج الامراء مقدما عند
بونابارته ثم عند كلهبر فلما وقعت الفتنة السابقة وظهر يعقوب القبطي وتولي أمر
الفردة وجمع المال تقيد بخدمته وتولى أمر اعتقال المسلمين وحبسهم وعقوبتهم وضربهم
فكان يجلس على الكرسي وقت القائلة ويأمر اعوانه بإحضار افراد المحبوسين من التجار
وأولاد الناس فيمثل بين يديه ويطالبه بأحضار ما فرض عليه مما لا طاقة له به ولا
قدرة له على تحصيله فيعتذر بخلو يده ويترجى امهاله فيزجره ويسبه ويأمر بضربه فيبطحونه
ويضرب بين يديه ويرده الى السجن بعد أن يأمر أعوانه أن يذهب الى داره وصحبته
الجماعة من عسكر الفرنسيس ويهجمون على حريمه وأمثال ذلك
وفي يوم الاحد وردت أخبار من اسكندرية بتملك العساكر
الاسلامية والانجليزية متاريس الفرنساوية وأخذهم المتاريس التي جهة العجمي وباب
رشيد وجانبا من اسكندرية القديمة وتخطت المراكب وعبرت الى المينة وأن الفرنساوية
انحصروا داخل الابراج واخذ منهم نحو المائة وسبعين أسيرا وقتل منهم عدة وافرة
ووقعت بين الفريقين مقتلة عظيمة لم يقع نظيرها وقتل الكثير من عسكر قبطان باشا
وكذلك من الانجليز ثم انجلت الحرب عما ذكر فلما ور الخبر بذلك ضربوا عدة مدافع وسر
الناس بذلك
وفيه ورد الخبر بوصول سليمان صالح الى بلبيس وصحبته
المحمل والحريمات وأحضر معه رمة سيده صالح بك ليدفنها بمصر بالقرافة فخرج أناس
لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء وهدبه
وفي يوم الاثنين وصل سليمان أغا الى بركة الحاج وصحبته
المحمل ونساء الامراء القادمين من الشام ومعه ايضا رمة صالح بك ليدفنها بقرافة مصر
فخرج الناس لملاقاتهم وأخذوا معهم حمير مكارية لركوب النساء
وهديات
ونودي في عصريته بعمل موكب من الغد وطاف ألاى جاويش بزيه المعتاد وخلفه القابجية
وهم ينادون يارن الاى فلما اصبح يوم الثلاثاء ثاني عشرينه عمل الموكب وانجر الالاى
ودخل المحمل من باب النصر وشقوا به من الشارع الاعظم وصادف ذلك اليوم يوم مولد
المشهد الحسيني والاسواق مزينة وعلى الحوانيت الشقق الحرير والزردخات والتفاصيل وتعاليق
القناديل ومشى في الموكب رسوم الوجاقلية والاوده باشية واكثر الامراء والمشايخ
والعلماء ونقيب الاشراف ونبه على جميع الاشراف تلك الليلة بالحضور في صبح ذلك
اليوم للمشي في ذلك الموكب فمشى كل من كان له عمامة خضراء يكبرون ويهللون فكانوا
عدداكثيرا وكل من وجدوه بالطريق وعلى رأسه خضار جذبوه وسحبوه قهرا وامروه بالمشي
وان أبى ضربوه وسبوه وبكتوه بقولهم ألست من المسلمين وكذلك تجمع ارباب الاشاير
ومشوا على عادتهم بطبولهم وزمورهم وخباطهم وخرقهم وخورهم وصياحهم فلم يزالوا حتى
وصلوا الى قراميدان وتسلم المحمل محمد باشا ابومرق من سليمان أغا الذي وصل به
ولكونه عوضا عن سيده أمير الحاج صالح بك ثم صعدوا به الى القلعة وأودعوه هناك
وعملت وقدة وشنك تلك الليلة
وفي ذلك اليوم شرعوا في فتح باب الفتوح وكان القصد ادخال
المحمل منه لضيق باب الاستثنا الثاني الذي جدده الفرنساوية عند باب النصر فلم يتأت
ذلك لمتانة البناء واستمروا ثلاثة أيام يهدمون في البناء الذي على الباب من داخل
فلم يمكن ودفنوا صالح بك بتربة اعدت له بقرافة المجاورين والعجب ان الناس من
القديم يتمنون أن يقبروا بالارض المقدسة لكونها عش الانبياء والصديقين وهؤلاء
الثلاثة بالعكس فما هو الا لتطهيرها منهم
وفيه ورد خبر باسكندرية بانقضاء الحرب وطلب الفرنسيس
الصلح بعد وقوع الغلبة عليهم وهزيمتهم وأخذ منهم عدة اسرى وانحصروا في
الابراج
فأمنوهم وأجلوهم خمسة أيام آخرها يوم الخميس سابع عشرينه
وفيه الزموا حسن أغا المحتسب بالنقلة من داره وهو في الحبس
فأرسل الى حريمه واتباعه فانتقلوا الى مكان آخر
وفيه ورد الخبر ايضا بورود عثمان كتخدا الدولة الذي كان
بمصر في العام السابق وباشر الحروب بمصر وصحبته آخر يقال له شريف افندي
وفي سادس عشرينه قدم محمد افندي المعروف بشريف افندي
الدفتردار وقدم بصحبته عثمان كتخدا الدولة وسكن شريف افندي بدرب الجماميز وسكن
الكتخدا بمنزل حسن أغا المحتسب سابقا بسويقة اللالا
وفي غايته عمل شنك ومدافع كثير وذلك لوصول خبر بتسليم
الاسكندرية وسبب تأخرهم الى هذه المدة بعد وقوع الصلح انتظار الامر بالانتقال من
بونابارته وذلك انه لما وقع الصلح المتقدم أرسل سارى عسكر منو تطريدة الى فرانسا
بالخبر الى بونابارته وانتظر الجواب فورد عليه الامر بالانتقال والحضور فعند ذلك
نزلوا متاعهم الى المراكب وسافروا الى بلادهم
شهر جمادى الاولى استهل بيوم الخميس سنة
فيه قرئت
فرمانات صحبة عثمان كتخدا وفيها التنويه بذكر أعيان الكتبة الاقباط والوصية بهم
مثل جرجس الجوهري واصف وملطي ومقدمهم في تحرير الاموال الميرية
وفيه أنفصل مولانا السيد محمد المعروف بقدسي افندي عن
القضاء وسافر ذلك اليوم وذلك بمراده واستعفائه وطلبه وتقلد القضاء عوضه عبد الله
افندي قاضي الميري وكاتب الجمرك وحضر في ذلك اليوم الى المحكمة
وفي يوم السبت ثالثه أفرج عن حسن أغا المحتسب بشفاعة
عثمان
كتخدا وحسن
أغا وكيل قبطان باشا من غير شيء وتوجه الى دار بجوار داره
وفيه تجمع النساء والفلاحون والملتزمون والوجاقلية ببيت
الوزير بسبب الالتزام والمنع من التصرف وحضور الفلاحين للضيق عليهم بطلب المال الى
ملتزميهم ومطالبتهم اياهم بما قبضوه منهم فلما اجتمعوا وصرخوا سأل الوزير عن ذلك
فأخبروه فأمر بكتابة فرمان بالاطلاق والاذن للملتزمين بالتصرف ووجهوا الامر الى
الدفتردار فكتب عليه ثم الى الروزنامجي كذلك ثم توجهوا الى دفتردار الدولة فتوقف
وبقى الامر زجاجا اياما وذلك ان القوم يريدون امورا مبطونة في نفوسهم واطماعا
مركوزة في طباعهم
وفي يوم الاثنين نودي بالزينة ثلاثة ايام اولها الاربعاء
وآخرها الجمعة تاسعه سرورا بتسليم الاسكندرية فزينت المدينة وعملت الوقدات
بالاسواق والمغاني للفرجة ليلا ونهارا وكل ليلة يعمل شنك نفوط وسواريخ وبارود
ببركة الغرابين المطل عليها بيت الوزير
وفيه حضر نحو ستة انفار من اعيان الانكليز وصحبتهم جماعة
من العثمانية يفرجونهم على مواطن مزارات المسلمين فدخلوا الى المشهد الحسيني وغيره
بمداساتهم فتفرجوا وخرجوا
وفيه تحاسب السيد أحمد المحروقي مع السيد أحمد الزرو على
شركة بينهما فتأخر علي الزرو أحد وعشرون كيسا فألزمه باحضارها وحبسه بسجن قواس
باشا وأمره بالتضييق عليه ولما اصبح يوم السبت لغط الناس باستمرار الزينة سبعة
ايام وانتظروا الاذن في رفع التعاليق فلم يؤذن لهم بشيء فاستمروا طول النهار في
اختلاف وحل وربط ثم اذن لهم قبيل الغروب برفعها بعدما عمروا القناديل وكان الناس
يبيتون سهارى بالحوانيت والقلقات يطوفون بالاسواق فمن وجدوه نائما نبهوه بإزعاج
وفي يوم
الاثنين ثاني عشره ووقع من طوائف العسكر عربدة بالاسواق وتخطفوا امتعة الناس ومن
باعة المآكل كالشواء والفطير والبطيخ والبلح فأنزعجت الناس ورفعوا متاعهم من
الحوانيت واخلوا منها واغلقوها فحضر اليهم بعض أكابرهم وراطنهم فانكفوا وراق الحال
وتبين ان السبب في ذلك تأخير علائفهم وذلك أن من عادتهم القبيحة انه اذا تأخرت
عنهم علائفهم فعلوا مثل ذلك بالرعية وأثاروا الشرور فعند ذلك يطلبون خواطرهم
ويعدونهم أو يدفعون لهم
وفيه ورد الخبر بتولية محمد باشا خسرو على مصر وهو كتخدا
حسين باشا القبودان فألبس الوزير وكيله خلعةعوضا عنه واشيع عزل محمد باشا أبي مرق
وسفره الى بلاده وحضر السفار أيضا من جهة رشيد واسكندرية واخبروا بان الفرنساوية
لم يزالوا باسكندرية وبنديراتهم على الابراج وان القبطان ومن معه لم يدخلوها وانما
يدخلها معهم الانكليزية وانهم ينتظرون الى الآن الجواب والاذن من شيختهم وما أشيع
قبل ذلك فلا أصل له وأما الطائفة الاخرى التي سافرت من مصر فإنهم نزلوا وسافروا
على وفق الشرط من أبي قير كما تقدم
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وردت مكاتبة من قبطان باشا
بطلب عثمان بك المرادي وعثمان بك البرديسي وابراهيم كتخدا السناري والحاج سلامة
تابعه وآخرين فسافروا في يوم السبت رابع عشرينه
وفي ليلة السبت المذكور قتلوا شخصا يسمى مصطفى الصيرفي
من خط الصاغة قطعوا رأسه تحت داره عند حانوته وسبب ذلك انه كان يتداخل في نصارى
القبط والذين يتعاطون الفرد ويوزعونها وتولى فردة أهل الصاغة وسوق السلاح وتجاهر
بأمور نقمت عليه وأضر اشخاصا وأغرى به فحبس اياما ثم قتل بأمر الوزير وترك مرميا
ثلاث ليال ثم دفن وفي صبيحة قتله طاف المشاعلي بالخطة ودوائرها مثل الجمالية
والضيية والنحاسين وباب الزهومة وخان الخليلي فجبى من أرباب
الحوانيت
دراهم ما بين خمسة انصاف فضة وعشرة وعند شيله جبي القلقات ايضا ما يزيد على المائة
قرش وذلك من جملة عوائدهم القبيحة
وفيه هرب السيد احمد الزرو فلم يعلم له خبر وذلك بعد ما
أطلق بضمانة السيد أسعد وابن محرم فكتب الوزير عدة فرمانات وارسلها صحبة هجانة الى
جهة الشام وختموا على دوره ولم يعلم هروبه الا بعد أربعة أيام لما داخله من الخوف
بقتل الصيرفي المذكور
وفي يوم الخميس تاسع عشرنيه عقد ابراهيم بك الكبير عقد
ابنته عديلة هانم التي كانت تحت ابراهيم بك الصغير المعروف بالوالي الذي غرق
بواقعة الفرنسيس بانبابة على الامير سليمان كاشف مملوك زوجها الاول على صداق ألفين
ريال وحضر العقد الشيخ السادات والسيد عمر النقيب والفيومي وبعض الاعيان
وفي يوم الجمعة غايته قتل شخص أيضا بسوق السلاح وهو من
ناحية المنصورة وجبي المشاعلية والقلقات دراهم من أرباب الحوانيت مثل ذلك المذكور
فيما تقدم وانقضى هذا الشهر وحوادثها التي منها الارتباك في أمر حصص الالتزام
والمزاد في المحلول وعدم الراحة والاستقرار على شيء يرتاح الناس عليه ومثل ذلك
الرزق الاحباسية والاوقاف وحضر شخص تولى النظر والتفتيش على جميع الاوقاف المصرية
السلطانية وغيرها وبيده دفاتر ذلك فجمع المباشرين واستملاهم وكذلك كاتب المحاسبة
وبث المعينين لاحضار النظار بين يديه وحسابهم على الايراد والمصرف واظهر انه يريد
بذلك تعمير المساجد الكائنة بالقرى المصرية وانضمت اليه الاغوات وطلب كل من كان له
ادنى علاقة بذلك واستمروا على ذلك بطول السنة ثم انكشف الامر وظهر ان المراد من
ذلك ليس الا تحصيل الدراهم فقط وأخذ المصالحات والرشوات بقدر الامكان بعد
التعنت في
التحرير والتعلل بأثبات المدعي في الايراد والمصرف خصوصا اذا كان الشخص ضعيفا وليس
من أرباب الوجاهة والمتجوهين أو بينه وبين الكتبة حزازة باطنية ثم يحررون دفترا
ويحررون الفائظ ثم يطلبون منه ايراد ثلاث سنوات أو اربعة ولم يزل حتى يصالح على
نفسه بما أمكنه ثم يختمون له ذلك الدفتر ويتركونه وما يدين ان شاء عمر وان شاء اخر
فان انتهت اليهم بعد ذلك شكوى في ناظر وقف سبقت له مصالحة لا تسمع شكوى الشاكي ولا
يلتفت اليها ويفعلون هذا الفعل في كل سنة
ومنها زيادة النيل الزيادة المفرطة عن المعتاد وعن العام
الماضي ايضا حتى غطى الذراع زاده الفرنساوية على عامود المقياس فان الفرنساوية لما
غيروا معالم المقياس رفعوا الخشبة المركبة على العامود وزادوا فوق العامود قطعة
رخام مربعة مهندمة وجعلوا ارتفاعها مقدار ذراع مقسوم باربعة وعشرين قيراطا وركبوا
عليها الخشبة فسترها الماء ايضا ودخل الماء بيوت الجيزة ومصر القديمة وغرقت الروضة
ولم يقع في هذا النيل حظوظ ولا نزهة للناس كعادتهم في البرك والخلجان والمراكب
وذلك لاشتغال الناس بالهموم المتوالية وخصوصا الخوف من اذى العسكر وانحراف طباعهم
وأوضاعهم وعدم المراكب وتخريب الفرنسيس أماكن النزاهة وقطع الاشجار وتلف المقاصف
التي كانت تجلس بها أولاد البلد مثل دهليز الملك والجسر والرصيف وغير ذلك مثل
الكازروني والمغربي وناحية قنطرة السد وقصر العيني والقصور
ومنها ان محمد بك المعروف بالمنفوخ المرادي حصل عنده
وحشة من قبطان باشا فحضر الى ناحية الاهرام بالجيزة وطلب الحضور عند الوزير يستجير
به فذهب اليه خشداشه عثمان بك البرديسي وحادثه وأشار عليه بالرجوع الى جهة القبطان
فأقام أياما ثم رجع الى ناحية اسكندرية والسبب في ذلك ما حصل في الواقعة التي قتل
بها أحمد بك
الحسيني
قيل ان ذلك بنفاقه عليه واتضح ذلك للقبطان واحضرت العرب مراسلته اليهم بذلك فانحرف
عليه القبطان فلما علم ذلك داخله الخوف ثم ارسل اليه الامراء والقبطان أمانا فرجع بعد
أيام
ومنها حضور الجمع الكثير من أهالي الصعيد هروبا من
الالفي وما أوقعه بهم من الجور والمظالم والتقارير والضرائب والغرائم وحضر ايضا
الشيخ عبد المنعم الجرجاوي والشيخ العارف وخلافهم يتشكون مما أنزله على بلادهم
وطلب متروكات الاموات وأحضر ورثتهم وأولاده وأطفالهم ومن توسط أو ضبط أو تعاطي
شيئا من القضاة والفقهاء وحبسهم وعاقبهم وطالبهم وطلب استئصال ما بأيديهم ونحو ذلك
كل ذلك بأمن من الدولة وغير ذلك معين فحضورا فصالحوا على تركة سليم كاشف باثنين
وعشرين ألف ريال بعد ان ختموا على دوره بعد أن أزعجوا حريمه وعياله ونطوا من
الحيطان ثم حضروا الى مصر وأمثال ذلك
ومنها كثرة تعدى العسكر بالاذية للعامة وأرباب الحرف
فيأتي الشخص منهم ويجلس على بعض الحوانيت ثم يقوم فيدعي ضياع كيسه أو سقوط شيء منه
وان أمكنه اختلاس شيء فعل أو يبدلون الدنانير الزيوف الناقصة النقص الفاحش
بالدراهم الفضة قهرا أو يلاقشون النساء في مجامع الاسواق من غير احتشام ولا حياء
واذا صرفوا دراهم أو أبدلوها اختلسوا منها وانتشروا في القرى والبلدان ففعلوا كل
قبيح فتذهب الجماعة منهم الى القرية وبيدهم ورقة مكتوب باللغة التركية ويوهمونهم
انهم حضروا اليهم بأوامر ما برفع الظلم عنهم أو ما يبتدعونه من الكلام المزور
ويطلبون حق طريقهم مبلغا عظيما ويقبضون على مشايخ القرية ويلزمونهم بالكلف الفاحشة
ويخطفون الاغنام ويهجمون على النساء وغير ذلك مما لا يحيط به العلم فطفشت الفلاحون
وحضر أكثرهم الى المدينة حتى امتلأت الطرق والازقة منهم أو يركب العسكري حمار
المكارى قهرا ويخرج به الى جهة الخلاء فيقتل المكارى
ويذهب
بالحمار فيبيعه بساحة الحمير واذا انفردوا بشخص أو بشخصين خارج المدينة أخذوا
دراهمهم او شلحوهم ثيابهم أو قتلوهم بعد ذلك وتسلطوا على الناس بالسب والشتم
ويجعلونهم كفرة وفرنسيس وغير ذلك وتمنى أكثر الناس وخصوصا الفلاحين أحكام
الفرنساوية
ومنها أن أكثرهم تسبب في المبيعات وسائر اصناف المأكولات
والخضارات ويبيعونها بما أحبوا من الاسعار ولا يسرى عليهم حكم المحتسب ولا غيره
وكذلك من تولى منهم رياسة حرفة من الحرف كالمعمارجية أو غيرهم قبض من أهل الحرفة
معلوم اربع سنوات وتركهم وما يدينون فيسعرون كل صنف بمرادهم وليس له هو التفات
لشيء سوى ما يأخذه من دراهم الشكاوى فعلا بسبب ذلك الجبس والجير وأجر الفعلة
والبنائين خصوصا وقد احتاج الناس لبناء ما هدمه الفرنسيس وما تخرب في الحروب بمصر
وبولاق وجهات خارج البلد حتى وصل الاردب الجبس الى مائة وعشرين نصف فضة والجير
بخمسين نصف فضة وأجرة البناء أربعين فضة والفاعل عشرين وأما الغلة فرخصية وكذلك
باقي الحبوب بكثرتها مع ان الرغيف ثلاثة آواق بنصف لما ذكر من عدم الالتفات الى
الاحكام والتسعيرات
واستهلت جمادى الثانية بيوم السبت سنة
فيه تفكك
الجسر الكبير المنصوب من الروضة الى الجيزة وذلك من شدة الماء وقوته فتحللت
رباطاته وانتزعت مراسيه وانتشرت أخشابه وتفرقت سفنه وانحدرت الى بحري
وفي ليلة الاحد ثانية حصلت زلزلة في ثالث ساعة من الليل
وفي يوم الاثنين ثالثه قطعوا رأس مصطفى المقدم المعروف
بالطاراتي بين المفارق بباب الشعريةوذلك بعد حبسه أياما عديدة وضربه وعقابه حتى
تورمت أقدامه وطاف مع المعينين عدة ايام يتداين بواقي ما قرر عليه ودخل دارا نافذة
وأجلس الملازمين له ببابها وهم لا يعلمون
بنفوذها
وأوهم انه يريد التداين من صاحب الدار ونفذ من الجهة الاخرى واختفى في بعض الزوايا
فاستعوقه الجماعة ودخلوا الى الدار فلم يجدوه وعلموا بنفوذها فقبضوا على خدمة
الدار وضربوهم فلم يجدوا عندهم علما منه فأطلقوهم وأوقعوا عليه الفحص والتفتيش
فرآه شخص ممن صادره في ايام الفردة فصادفه في صبحها خارج باب القرافة فقبض عليه
وأحضره بين يدي جماعة القلق فدل عليه فقبضوا عليه وقتلوه بعد القبض عليه بثلاثة
أيام وتركوه مرميا تحت الارجل وسط الطريق وكثرة الازدحام ثلاث ليال وفعلوا عادتهم
في جبي الدراهم من تلك الخطة
وفيه ورد فرمان من محمد باشا والي مصر بأن يتأهبوا لموكبه
على القانون القديم فكتبوا تنابيه للوجاقلية والاجناد بالتهيء للموكب
وفي يوم الثلاثاء وصل شمس الدين بك أميراخور كبير ومرجان
أغا دار السعادة فأرسلوا تنابيه الى الوجاقلية والامراء والمشايخ ومحمد باشا
وابراهيم باشا فاجتمعوا ببيت الوزير وحضر المذكوران بعد الظهر فخرج الوزير
ولاقاهما من المجلس الخارج فسلماه كيسا بداخله خط شريف فأخذه وقبله وأحضرا له بقجة
بداخلها خلعة سمور عظيمة فلبسها وسيفا تقلد به وشلنج جوهر وضعه على رأسه ودخل
صحبتهما الى القاعة حيث الجمع ففتح الكيس وأخرج منه الفرمان ففتحه واخرج منه ورقة
صغيرة فسلمها لرئيس افندي فقرأها باللغة التركية والقوم قيام على اقدامهم مضمونها
الخطاب لحضرة الوزير الحاج يوسف باشا وحسين باشا القبطان والباشات والامراء
والعساكر والمجاهدين والثناء عليهم والشكر لصنيعهم وما فتحه الله على يديهم
واخراجهم الفرنسيس ونحو ذلك ثم وعظ بعض الافندية بكلمات معتادة ودعوا للسلطان
والوزير والعساكر الاسلامية وتقدم ابراهيم باشا ومحمد باشا وطاهر باشا وباقي
الامراء فقبلوا ذيل الخلعة وانصرفوا وضربوا مدافع كثيرة
من القلعة
في ذلك الوقت وفي ذلك اليوم ألبس الوزير الامراء والبلات فراوى وخلعا وشلنجات ذهب
على رؤوسهم
وفيه حضرت اطواخ بولاية جدة لمحمد باشا توسون اغات
الجبجية وهو انسان لا بأس به
وفيه حضر القاضي الجديد من الروم ووصل الى بولاق وهو
صاحب المنصب فأقام ثلاثة أيام وصحبته عياله وحريمه فلما كان يوم السبت ثامنه حضر
بموكبه الى المحكمة وذهب اليه الاعيان في صبحها وسلموا عليه وله مسيس بالعلم
وفي يوم الثلاثاء حادي عشره عمل الوزير الديوان وحضر
عنده الامراء فقبض على ابراهيم بك الكبير وباقي الامراء الصناجق وحبسهم وارسل طاهر
باشا بطائفة من العسكر الارنؤد الى محمد بك الالفي بالصعيد وكان اشيع هروبه الى
جهات الواحات وذهبت طائفة الى سليم بك أبي دياب وكان مقيما بالمنيل فلما أخذ الخبر
طلب الهرب وترك حملته فلما حضرت العسكر اليه فلم يجدوه فنهبوا القرية واخذوا جماله
وهي نحو السبعين وهجنه وهي نيف وثلاثون هجينا وذهبت اليه طائفة بناحية طرا فقاتلهم
ووقع بينهم بعض قتلى ومجاريح ثم هرب الى جهة قبلي من على الحاجز ووقفت طائفة
العسكر والارنؤد بالاخطاط والجهات وخارج البلد يقبضون على من يصادفونه من المماليك
والاجناد ونودي في ذلك اليوم بالامن والامان على الرعية والوجاقلية وأطلق الوزير
مرزوق بك ورضوان كتخدا ابراهيم بك وسليمان أغا كتخداه المسمى بالحنفي وأحاطت
العسكر بالامراء المعتقلين واختفى باقيهم ونودي عليهم وبالتوعد لمن أخفاهم أو
آواهم وباتوا بليلة كانت أسوأ عليهم من ليلة كسرتهم وهزيمتهم من الفرنسيس وخاب
أملهم وضاع تعبهم وطمعهم وكان في ظنهم ان العثملي يرجع الى بلاده ويترك لهم مصر
ويعودون الى حالتهم الاولى يتصرفون في الاقاليم كيفما شاؤا
فاستمروا
في الحبس ثم تبين ان سليم بك ابا دياب ذهب الى عند الانكليز والتجأ اليهم بالجيزة
وألبس لوزير سليمان آغا تابع صالح آغا زي العثمانيين وجعله سلخور وأمره أن يتهيأ
ليسافر الى اسلامبول في عرض الدولة
وفي يوم الاثنين سابع عشره سافر اسمعيل افندي شقبون كاتب
حوالة الى رشيد باستدعاء من الباشا والي مصر
وورد الخبر بوصول كسوة للكعبة من حضرة السلطان فلما كان
يوم الاربعاء حضر واحد افندي وآخرون وصحبتهم الكسوة فنادوا بمرورها في صبحها يوم
الخميس فلما أصبح يوم الخميس المذكور ركب الاعيان والمشايخ والاشاير وعثمان كتخدا
المنوه بذكره لامارة الحج وجمع الجاويشية والعساكر القاضي ونقيب الاشراف وأعيان
الفقهاء وذهبوا الى بولاق وأحضورها وهم امامها وفردوا قطع الحزام المصنوع من
المخيش ثلاث قطع والخمسة مطوية وكذلك البرقع ومقام الخليل كل ذلك مصنوع بالمخيش
العال والكتابة غليظة مجوفة متقنة وباقي الكسوة في سحاحير على الجمال وعليها أغطية
جوخ أخضر ففرح الناس بذلك وكان يوما مشهودا وأخبر من حضر أنه عند ماوصل الخبر بفتح
مصر أمر حضرة السلطان بعملها فصنعت في ثلاثين يوما وعند فراغها أمرهم بالسير بها
ليلا وكان الريح مخالفا فعندما حلوا المراسي اعتدل الريح بمشيئة الله تعالى وحضروا
الى اسكندرية في أحد عشر يوما
وفيه وردت الاخبار بان حسين باشا القبطان لم يزل يتحيل
وينصب الفخاخ للامراء الذين عنده وهم محترزون منه وخائفون من الوقوع في حباله
فكانوا لا يأتون اليه الا وهم متسلحون ومحترزون وهو يلاطفهم ويبش في وجوههم الى ان
كان اليوم الموعود به عزم عليهم في الغليون الكبير الذي يقال له ازج عنيرلي فلما
طلعوا الى الغليون وجلسوا فلم يجدوا القبودان فأحسوا بالشر وقيل انه كان بصحبتهم
فحضر اليه رسول وأخبره انه حضر معه ثلاثة من السعاة بمكاتبة فقام ليرى تلك
المراسلة
فما هو الا أن حضر اليهم بعض الامراء وأعلمهم أنه ورد خط شريف باستدعائهم الى حضرة
مولانا السلطان وأمرهم بنزع السلاح فأبوا ونهض محمد بك المنفوخ وسل سيفه وضرب ذلك
الكبير فقتله فما وسع البقية الا أنهم فعلوا كفعله وقاتلوا من بالغليون من العساكر
وقصدوا الفرار فقتل عثمان بك المرادي الكبير وعثمان بك الاشقر ومراد بك الصغير
وعلي بك أيوب ومحمد بك المنفوخ ومحمد بك الحسيني الذي قامر عوضا عن أحمد بك
الحسيني وابراهيم كتخدا السناري وقبض على الكثير منهم وأنزلوهم المراكب وفر البقية
مجروحين الى عند الانكليز وكانوا واقعين عليهم من ابتداء الامر فاغتاظ الانكليز
وانحازوا الى اسكندرية وطرودا من بها من العثمانيين وأغلقوا أبواب الابراج وحضر
منهم عدة وافرة وهم طوابير بالسلاح والمدافع واحتاطوا بقبطان باشا من البر والبحر
فتهيأ عساكره لحربهم فمنعهم فطلب الانجليز بروزه بعساكره لحربهم فقال لم يكن بيننا
وبينكم حرب واستمر جالسا في صيوانه فحضر اليه كبير الانجليز وتكلم معه كثيرا وصمم
على أخذ بقية الامراء المسجونين فاطلقهم له فتسلمهم وأخذ أيضا المقتولين ونقل عرضى
الامراء من محطتهم الى جهة الاسكندرية وعملوا مشهد للقتلى مشى به عساكر الانجليز
على طريقتهم في موتي عظمائهم ووصل الخبر الى من بالجيزة من الانكليز وذلك ثاني يوم
من قبض الوزير على الامراء ففعلو كفعلهم وأخذوا حذرهم وضربوا بعض مدافع ليلا
وشرعوا في ترتيب آلة الحرب
وفي ذلك اليوم طلع محمد باشا توسون والي جدة الساكن بيت
طرا الى القلعة وصعد معه جملةمن العسكر وشرعوا في نقل قمح ودقيق وقومانية وملؤا
الصهاريج وشاع ذلك بين الناس فارتاعوا وداخلهم الوسواس من ذلك واستمروا ينقلون الى
القلعة مدافع وبارود او آلات حرب
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه حضر كبير الانجليز الذي
بالجيزة فالبسه الوزير فروة وشلنجا
وفي ذلك
اليوم خلع الوزير على عثمان أغا المعروف بقبي كتخدا وقلده على امارة الحج
وفي ذلك اليوم وقع بين عسكر المغاربة والانكشارية فتنة
ووقفوا قبالة بعضهم ما بين الغورية والفحامين وأغلقت الناس حوانيتهم بسوق الغورية
والعقادين والصاغة والنحاسين ولم يزالوا على ذلك حتى حضر أغات انكشارية وسكنت
الفتنة بين الفريقين
وفي الخميس سابع عشرينه مروا بزفة عروس بسوق النحاسين
وبها بعض انكشارية فحصلت فيهم ضجة ووقع فيه فشل فخطفوا ما على العروس وبعض النساء
من المصاغ المزينات به وفي أثناء ذلك مر شخص مغربي فضربه عسكري رومي ببارودة فسقط
ميتا عند الاشرفية فبلغ ذلك عسكر المغاربة فأخذوا سلاحهم وسلوا سيوفهم وهاجت
حماقتهم وطلعوا يرمحون من كل جهة وهم يضربون البندق ويصرخون فاغلقت الناس الحوانيت
وهرب قلق الاشرفية بجماعته وكذلك قلق الصنادقية وفزعت الناس ولم يزالوا على ذلك من
وقت الظهر الى الغروب ثم حال بينهم الليل وقتل المغاربة أربعة أشخاص وأصبحوا
محترسين من بعضهم فحضر آغات الانكشارية على تخوف وجلس بسبيل الغورية وحضر الكثير
من عقلاء الانكشارية واقاموا بالغورية وحوالي جهة الكعكبين والشوائين حيث سكن المغاربة
واستمر السوق مغلقا ذلك اليوم ورجعت القلقات الى مراكزها وبردت القضية وكأنهم
اصطلحوا وراحت على من راح
وانقضى هذا الشهر بحوادثه التي منها استمرار نقل الادوات
الى القلعة وكذلك مراكز باقي القلاع مع انهم حربوا أكثرها
ومنها زيادة تعدى العسكر على السوقة والمحترفين والنساء
واخذ ثياب من ينفردون به من الناس في أيام قليلة
ومنها استمرار مكث النيل على الارض وعدم هبوطه حتى دخل
شهر
هاتور
وفات أوان الزراعة وعدم تصرف الملتزمين وهجاج الفلاحين من الارياف لما نزل بهم من
جور العسكر وعسفهم في البلاد حتى امتلأت المدينة من الفلاحين ونودي عليهم عدة مرار
بذهابهم الى بلادهم
ومنها ان الوزير امر المصرلية بتغيير زيهم وان يلبسوا زي
العثمانية فلبس ارباب الاقلام والافندية والقلقات القواويق الخضر والعنتريات
وضيقوا اكمامهم ولبس مصطفى أغا وكيل دار السعادة سابقا وسليمان أغا تابع صالح أغا
وخلافهما
واستهل شهر رجب الفرد سنة
سافر
سليمان أغا تابع صالح أغا الى اسلامبول
وفيه أمر الوزير الامراء المحبوسين بان يكتبوا كتابا الى
الانكليز بانهم اتباع السلطان وتحت طاعته وامره ان شاء أبقاهم في أمارتهم وان شاء
قلدهم مناصب في ولايات اخرى وان شاء طلبهم يذهبون اليه فلا دخل لكم بيننا وبينه
وكلام في معنى ذلك فارسلوا يقولون ان هذا الكلام لا عبرة به فأنهم مسجونون وتحت
امركم ومكتوب المقهور المكره لا يعمل به فان كان ولا بد فأرسلوهم الينا لتخاطبهم
ونعلم ضميرهم وحقيقة حالهم فلما كان ليلة الاثنين تاسعه احضر الوزير ابراهيم بك
والامراء وأعلمهم أن قصده ارسالهم الى بر الجيزة عند الانجليز ليتفسحوا ذلك اليوم
ويخبروهم انهم مطيعون للسلطان وتحت أوامره وأن المراسلة التي ارسلوها عن طيب قلب
امنهم وليسوا مكرهين في ذلك فأظهر ابراهيم بك القنع عن الذهاب وانه لا غرض له في
الذهاب الى مخالفين الدين فجزم عليه ووعده خيرا وعاهدهم وحلفهم فنزلوا وركبوا من
عنده في الصباح وما صدقوا بالخلاص وعدوا الى الجيزة وذهبوا الى عند الانجليز
فتبعهم أتباعهم ومماليكهم يرمحون اليهم ويلقحون بهم فاقاموا هناك ولم يرجعوا
فانتظر الوزير رجوعهم خمسة أيام وأرسل اليهم يدعوهم الى الرجوع حكم عهدهم فامتنع
ابراهيم بك وتكلم بما في ضميره من قهره
من الوزير
وخبانته له
وفي يوم السبت عملوا جمعية ببيت الشيخ السادات واجتمع
المشايخ والوجاقلية وذلك بأمر من الوزير وأرسل اليهم مكاتبة وفي ضمنها النصيحة
والرجوع الى الطاعة فأرسلوا في جواب الرسالة يقولون انهم ليسوا مخالفين ولا عاصين
وانهم مطيعون لأمر الدولة وانما تاخرهم بسبب خوفهم وخصوصا ما وقع لاخوانهم
باسكندرية وانهم لم يذهبوا الى عند الانجليز لعلمهم انهم عسكر السلطان ومن
المساعدين له على اعدائه ومتى ظهر لهم أمر يرتاحون فيه رجعوا الى الطاعة ونحو ذلك
من الكلام
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه حضر عابدي بك نسيب مولانا
الوزير فخرج اليه غالب أعيان العثمانية والجاويشية وطاهر باشا وعسكر الارنؤد
وتلقوه ودخل بحموله في موكب جليل وكان حضرة الوزير حاصلا عنده توعك وغالب أوقاته
محتجب عن ملاقاة الناس
وفيه ورد الخبر بسفر قبطان باشا من ساحل ابي قير الى
الديار الرومية في منتصف الشهر وأما محمد باشا الوالي على مصر فانه لم يزل مقيما
بأبي قير وحضر خازنداره وسكن ببيت البكري بالازبكية
واستهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء سنة
فيه حضر يوسف افندي وبيده مرسوم بولايته على نقابة الاشراف فبات ببولاق وأرسل ناسا يعلمون بحضوره فلم يخرج لملاقاته أحد ثم ان بعض الناس أحضر اليه فرسا فركبه في ثاني يوم وحضر الى مصر وأشاع انه متولى نقابة الاشراف ومشيخة المدارس الحبانية وخبر ذلك الانسان انه كان يبيع الخردة واليميش بحانوت بخان الخليلي وهو من متصوفة الاتراك الذي يتعاطون الوعظ والاقراء باللغة التركية فمات شيخ رواق الاروام بالازهر فاشتاقت نفسه للمشيخة عل الرواق المذكور فتولاها بمعونة بعض سفهائهم فنقم عليه الطائفة أمورا واختلاسات من الوقف
فتعصبوا
عليه وعزلوه وولوا السيد حسين افندي المولى الان فحنق من ذلك وداخله قهر عظيم وحقد
على حسين أفندي المذكور واضمر له في نفسه المكروه فدعاه يوما الى داره ودس له سما
في شرابه فنجاه الله من ذلك وشربت ابنة يوسف افندي الداعي تلك الكاسة المسمومة
غلطا وماتت وشاع ذلك وتواترت حكايته بين الناس ورجع كيده عليه وذاق وبال أمره
ثم انه سافر الى اسلامبول وأقام هناك مدة اقامة الفرنسيس
بمصر ولم يزل يتحيل ويتداخل في بعض حواشي الدولة وعرض بطلب النقابة ومشيخة
الحبانية فاعطوه ذلك لعدم علمهم بشأنه وظنهم أنه اهل لذلك بقوله لهم انه كان شيخا
على الازهر ومعرفته بالعلم فلما حصل بمصر وظهر أمره تجمعت أعيان الاشراف وقالوا لا
يكون هذا حاكما ولا نقيبا علينا أبدا تنوقل خبره وظهر حاله لاكابر الدولة وحضرة
الصدر الاعظم فلم يصغوا اليه ولم يسعفوه وأهمل أمره وهكذا شأن رؤساء الدولة أدام
الله بقاءهم اذا تبين لهم الصواب في قضية لا يعدلون الى خلافه
من الحوادث
أنه تقيد بأبواب القاهرة بعض من نصارى القبط ومعهم بعض من العسكر فصاروا يأخذون دراهم من كل من وجدوا معه شيأ سواء كان داخلا او خارجا بحسب اجتهادهم وكذلك ما يجلب من الارياف وزاد تعديهم فعم الضرر وعظم الخطب وغلت الاسعار وكل من ورد بشيء يبيعه يشتط في ثمنه ويحتج بأنه دفع عليه كذا وكذا من دراهم المكس فلا يسع المشتري ألا التسليم لقوله والتصديق له وقبول عذره والسبب في ذلك ان الذين تقيدوا بديوان العشور بساحل بولاق دس عليهم بعض المتقيدين معهم من الاقباط بأن كثيرا من المتاجر التي يؤخذ عليها العشور يذهب بها أربابها من طريق البر ويدخلون بها في أوقات الغفلة تحاشيا عن دفع ما عليها وبذلك لا يجتمع المال المقرر بالديوان فيلزم أن
يتقيد بكل
باب من يترقب لذلك ويرصده ويأخذ ما يخص الديوان من ذلك فأذن كبراء الديوان بذلك
فانفتح لهم بذلك الباب فولجوه ولم يحسبوا للعاقبة من حساب وزادوا في الجور
والفضائح وأظهروا ما في نفوسهم من القبائح فساءت الظنون واستغاثت المستغيثون وأكثر
سخاف الاحلام مما لا طائل تحته من الكلام الى ان زاد التشكي وأنهى الآمر الى
الوزير فأمر بأبطال ذلك وانجلت تلك الغمة
وفيه ايضا عرض طائفة القبانية وتشكوا مما رتب عليهم من
الجمرك السنوي فأطلق لهم الامر برفعه عنهم
وفيه قبضوا على رجل من المفسدين باقليم الموفية يقال له
راضي النجار واحضروه الى مصر وقطعت رأسه بالرميلة
وفي خمسه نزل محمد باشا توسون والي جدة من القلعة في
موكب وتوجه الى العادلية قاصدا السفر الى جدة
وفي يوم الاربعاء تاسعه قبضوا على ثلاثة من النصارى
الاروام المتزيين بزي العساكر الانكشارية ويعملون القبائح بالرعية فرموا رقابهم
احدهم بالدرب الاحمر والثاني بسوق السلاح عند الرفاعي والثالث بالرميلة
وفي يوم الخميس عاشره ايضا قطعوا رأس على جلبي تابع حسين
أغاشنن بباب الخرق بين المفارق بأمر من الوزير والسبب في ذلك أن المرحوم يوسف باشا
المذكور الكبير المتوفي بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كان أودع
عند حسين أغاشنن وديعة فلما ملك الفرنسيس مصر وجرى ما جرى من ورود العرضي والصلح
ونقضه فاعتقد قصار العقول ان الامر انتهى للفرنسيس فتجاوزوا الحد وأغروا ببعضهم
وتتبعوا العورات وكشفوا عن المستورات ودلوا الفرنسيس على المخبآت وتقربوا اليهم
بكل ما وصلت اليه همتهم وراجت به سلعتهم والمسكين المقتول مديدة الى بعض ودائع
سيده فاختلس منها وتوسع في نفسه
وركب
الخيول واتخذ له خدما وتداخل مع الفرنسيس وحواشيهم فاستخفوا عقله فاستفسروا منه
فأخبرهم بالوقائع والخبايا فاستخرجوها ونقلوها وكانت شيأ كثيرا جدا وأظهر أن ذلك
لم يكن بواسطته ليواري ما اختلسه لنفسه ويكون له عذر في ذلك فلما حضر له سيده صحبة
العرضي ذهب اليه وتملق له وربط في رقبته منديلا فاهمل أمره الى هذاالوقت حتى اطمأن
خاطره ثم انه أخبر بقصته الوزير لعلمه أنه سيطالب بوديعة يوسف باشا فأمره بأن يرفع
قصته الى القاضي ويثبت تلك الدعوى لتبرأ ساحته عند الدولة ففعل ثم أمر الوزير بقتل
علي جلبي المذكور فقتل وترك من ميا ثلاثة أيام بلياليها
شهر رمضان المعظم سنة 1216 استهل بيوم الاربعاء ولم يعمل
فيه شنك الرؤيا على العادة خوفا من عربدة العساكر والمحتسب كان غائبا فركب كتخداه
بدلا عنه بموكبه فقط ولم يركب معه مشايخ الحرف فذهب الى المحكمة وثبت الهلال تلك
الليلة ونودى بالصوم من الغد
وفيه أمر الوزير محمد باشا العربي بالسفر الى البلاد
الشامية فبرز خيامه الى خارج باب النصر وخرج هو في ثالثه وسافر وأشيع سفر الوزير أيضا
وذلك بعد أن حضرت أجوبة من الباب الاعلى
وفي ثالثه ارتحل محمد باشا المذكور
وفي خامسه انتقل رئيس افندي من بيت الالفي وسكن في بيت
اسمعيل بك وشرعوا في تعميره واصلاحه لسكن والي مصر
وفي ثاني عشره وصل محمد باشا والي مصر الى شلقان
وفي ثالث عشره ضربت عدة مدافع من الجيزة صباحا ومساء
فقيل انه حضر ستة قناصل الى الجيزة
وفي خامس عشره حضر القناصل المذكورون الى بيت الوزير
وقابلوه فخلع عليهم خلعا ورجعوا الى أماكنهم في الجيزة وفي ذلك اليوم وصل محمد
باشا والي مصر إلى جهة بولاق ونصب
وطافه
بالقرب من المكان المعروف بالحلي ثم انتقل الى جهة قبة النصر فلما كان يوم الجمعة
سابع عشره وصل الى المدينه من باب النصر في موكبه وطوائفه على غير الهيئة المعتادة
ولم يلبس الطلخان تادبا مع الوزير لحصوله بمصر فتوجه الى بيت الوزير وأفطر معه
وفي تلك الليلة عزل خليل افندي الرجائي من دفتردارية
الدولة وقلد عوضه حسن افندي باش محاسب وسببه ان الوزير طلب خلعا ليخلعها على والي
مصر وقناصل الانكليز فتأخر حضورها فخنق وسأل عن سبب تأخير المطلوب فقال الرسول ان
الخازندار قال حتى استأذن الدفتردار فحنق الوزير وأمر بحبس الخازندار وعزل
الدفتردار وهرب السفير الذي كان بينهما
وفيه انتقل الامراء المصرلية المرادية من الجيزة الى
جزيرة الذهب ونصبوا وطاقهم بها وأرسلوا ما كان عندهم من الحريم الى دورهم بمصر
واستمر ابراهيم بك وعثمان بك الحسيني ومحمد بك المبدول وقاسم بك ابو سيف بالجيزة
ولم يعلم حقيقة حالهم ثم في ثاني يوم لحق ابراهيم بك وباقي الجماعة بالاخرين وخرج
اليهم طلبهم ومتاعهم واغراضهم فلما كان ليلة الاثنين تاسع عشره ركبوا ليلا باجمعهم
الى الصعيد من الجهة الغربية وتخلف عنهم قاسم بك أبو سيف لمرضه وكذلك تخلف عنهم
محمد آغا آغات المتفرقة وآخرون
وفي عشرينه نودي بالامان على المماليك واتباعهم ومن تخلف
عنهم أو انقطع منهم وكذلك في ثاني يوم
وفيه قلد محمد باشا والي مصر حسن أغا وألبسه على جرحا
وفي ثامن عشرينه عزل الباشا محمد أغا المعروف بالزربة من
الكتخدائية وهو من المصرلية وولاه كشوفية الغربية وتقلد عوضه في الكتخدائية يوسف
أغا امين الضربخانة سابقا وتقلد كشوفية المنوفية وتقلد كشوفية القليوبية
وفي ليلة
الاربعاء تاسع عشرينه ذهب يوسف افندي الى عند والي مصر فقلده نقابة الأشراف وألبسه
فروة بعد أن كان اهمل امره
وفيه عزل أغات الانكشارية وتولى آخر عوضه من العثمانية
ونزل المعزول الى بولاق ليسافر الى جهة الصعيد
شهر شوال سنة
استهل
بيوم الخميس في ثالثه يوم السبت خرج جاليش الوزير الى قبة النصر ونودى بخروج
العساكر ويكون آخر خروجهم يوم الاثنين فشرعوا في الخروج بأحمالهم ودوابهم فلما كان
يوم الاثنين خامسه خرج الوزير على حين غفلة الى قبة النصر وتتابع خروج الاثقال
والاحمال والعساكر وحصل منهم في الناس عربدة وأذية وأخذ بعضهم من عطارين القصر
ثلاثة ارطال بن ثمنها مائة وعشرون نصفا فرمى له عشرين نصفا فصرح الرجل وقال اعطني
حقي فضربه وقتله فأغلق الناس الحوانيت وانكفوا في دورهم فاستمرت جميع حوانيت
البلدة مغلوقة حتى سافرت العساكر وانتقلت من قبة النصر ولازم حضرة محمد باشا والي
مصر وطاهر باشا على المرور والطواف بالشوارع بالتبديل وثياب التخفيف ليلا ونهارا
ولولا ذلك لحصل من العسكر مالا خير فيه
وفيه كتبت فرمانات والصقت بالشوارع ومفارق الطرق مضمونها
بأن لا احد يتعرض بأذية لغيره وكل من كان له دعوى أو شكية فليرفع قصته الى الباشا
وكل انسان يمشي في زيه وقانونه القديم ويلازموا على الصلوات بالجماعة في المساجد
ويوقدوا قناديل ليلا على البيوت والمساجد والوكائل والخانات التي بالشوارع ولا يمر
أحد من العسكر من بعد الغروب والذي يمشي بعد الغروب من أهل البلد يكون معه فانوس
أو سراج ويبيعون ويشترون بالحظ والمصلحة ولا أحد يخفي عنده أحد من عسكر العرضي
والذي يبقى منهم بيده يعاقب وان القهاوى المحدثة جميعها تغلق ولا يفتح الا القهاوي
القديمة الكبار ولا يبيت أحد
من العسكر
في قهوة ولا يبيعون المسكرات ولا يشترونها الا الكفرة سرا وأمثال ذلك فانبرت
القلوب بتلك الفرمانات واسشتبشروا بالعدل
وفيه خرجت عساكر وسافرت الى جهة قبلي وعدتهم ستة آلاف
وذلك بسبب الامراء المصرلية الهربانين وقرر لهم بأن من اتى برأس صنجق فله ألف
دينار أو كاشف فله ثلثمائة او جندي او مملوك فله مائة
وفي يوم السبت ركب الوزير من قبة النصر وارتحل العرضي
الى الخانكة وعند ركوبه حضر اليه السيد عمر افندي النقيب وبعض المتعممين لوداعه
فأعطاهم صررا وقرؤا له الفاتحة وركب وخرج ايضا في ذلك اليوم بقية المشايخ وذهبوا الى
الخانكة ايضا وودعوه ورجعوا
وفي يوم الاثنين ثاني عشره أحضر الباشا محمد أغا الوالي
وسليم أغا المحتسب وأمر برمي رقابهما فقطعوا رأس الوالي تحت بيت الباشا على الجسر
والمحتسب عند باب الهواء وختم على دورهما في تلك الساعة وشاع خبر ذلك في البلد
فارتاع الناس لذلك واستعظموه وداخل الخوف أهل الحرف مثل الجزارين والخبازين وغيرهم
وعلقوا اللحم الكثير بحوانيتهم وباعوه بتسعة انصاف بعد أن كانوا يبيعونه باحد عشر
مع قلته واحتكاره وكانوا نبهوا عليهم قبل ذلك فلم يستمعوا
وفي صبحها يوم الثلاثاء قلد علي اغا الشعراوي الزعامة
عوضا عن محمد آغا المقتول وزين الفقار كتخدا امين احتساب عوضا عن سليم آغا أرنؤد
المقتول ايضا واجتمعوا ببيت القاضي وحضر أرباب الحرف وعملوا قائمة تسعيرة لجميع
المبيعات من المأكولات وغيرها فعملوا اللحم الضاني بثمانية انصاف والماعز بسبعة
والجاموسي بستة وان لا يباع فيه شيء من السقط مثل الكبدة والقلب وغير ذلك والسمن
المسلى بمائة وثمانين نصفا العشرة أرطال بعد أن كانت بثلثمائة واربعين والزبد
العشرة بمائة وستين بعد ان كانت بمائتين واربعين وجميع الخضراوات تباع بالرطل حتى
الفجل والليمون والجبن الذي بخيره بثلاثة انصاف بعد عشرة
والخبز
رطل بنصف فضة وكذلك جميع الاشياء العطرية والاقمشة العشرة احد عشر والراوية الماء
بعشرة انصاف بعد عشرين وغير ذلك ورسموا بان الرطل في الاوزان مطلقا يكون قباني
اثني عشر وقية وابطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به الادهان والاجبان والخضراوات
وهو أربعة عشر وقية فلم يستمر من هذه الاوامر بعد ذلك سوى نقص الارطال ولما برزت
هذه الرسوم هرع الناس لشراء اللحم والماكولات حتى فرغ الخبز من الافران وشق
المحتسب فقبض على جماعة من الخبازين وخزم آنافهم وعلق فيها الخبز وكذلك الجزارون
خزمهم وعلق في آنافهم اللحم واكثر حضرة الباشا وعظماء أتباعه من التجسس وتبديل
الشكل والملبوس والمرور والمشي في الازقة والاسواق حتى أخافوا الناس وانكف العسكر
عن الاذية ولزموا الادب ومشى كل واحد في طريقته ودربه ومشت النساء كعادتهم في
الاسواق لقضاء أشغالهم فلم يتعرض لهم أحد من العسكر كما كانوا يفعلون
وفي يوم الخميس خامس عشره ارتحل الوزير من بلبيس
وفي يوم السبت سابع عشره سافر خليل افندي الرجائي
الدفتردار المعزول في البحر من طريق دمياط وانتقل شريف أفندي الدفتردار الى الدار
التي كان بها الاول وهي دار البارودي بباب الخرق
وفي يوم الاثنين تاسع عشره كان موكب امير الحاج عثمان بك
وصحبته المحمل على العادة وخرج في أبهة ورونق وانسرت القلوب في ذلك اليوم الى
لقائه ونجز له جميع اللوازم مثل الصرة وعوائد العربان وغير ذلك وكان المتقيد
بتشهيل ذلك وبجميع اللوازم حضرة شريف افندي الدفتردار
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه شنقوا ثلاثة أنفار في جهات
مختلفة تزيوا بزي العسكر يقال انهم من الفرنسيس افتقدوهم من العسكر المتوجه الى
الحج
وفي ذلك اليوم عمل حضرة الباشا ديوانا وأرسل الجاويشية
الى جميع
المشايخ
والعلماء وخلع عليهم خلعا سنية زيادة على العادة اكثر من سبعين خلعة وكذلك على
الوجاقلية والافندية وجبر خاطر الجميع وكانت العادة في هذا التلبيس أن يكون عند
قدومه والسبب في تأخيره لهذا الوقت تعويق حضور المراكب التي بها تلك الخلع
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه انتقل امير الحاج بالركب من
الحصوة الى البركة
وفيه ركب حضرة محمد باشا الى الامام الشافعي فزاره وانعم
على الخدمة بستين الف فضة والبسهم خلعا وفرق دنانير ودراهم كثيرة في غير محلها
وكذلك يوم الجمعة ركب وتوجه الى المشهد الحسيني فصلى الجمعة وخلع على الامام الراتب
والخطيب وكبير الخدمة فراوى وفرق دراهم كثيرة في طريقه ورجع من ناحية الجمالية
وكان في موكب جليل على الغاية
وفيه أمر المشار اليه بنصب عدة مشانق عند ابواب المدينة
برسم الباعة والمتسببين والخبازين وغيرهم وأكثر أرباب الدرك من المرور والتجسس
والتخويف وعلقوا عدة اناس من الباعة على حوانيتهم وخزموهم من آنافهم فرخص السعر
وكثرت البضائع اوالمأكولات وحصل الامن في الطرق وانكفت العربان وقطاع الطريق فحضرت
الفلاحون من البلاد وكثر السمن والجبن والاغنام وكبر العيش وكثر وجوده وانحط سعر
السمن عن التسعيرة عشرين نصفا لكثرته ولله الحمد وهاب الناس هذا الباشا وخافوه
وصاروا يترنمون به في البلاد والارياف ويغنون بذكره حتى الصبيان في الاسواق
ويقولون سيدي يا محمد باشا يا صاحب الذهب الاصفر وغير ذلك وكان في مبدأ أمره يظنه
الظمآن ماء
شهر القعدة سنة
استهل
بيوم السبت فيه نهبت العربان قافلة التجار الواصلة من السويس
وفي ثانيه حضر السيد احمد الزرو الخليلي التاجر بوكالة
الصابون بديوان الباشا وتداعى على جماعة من التجار وثبت له عليهم عشرة آلاف
ريال فأمر
الباشا بسجنهم
وفي رابعه يوم الثلاثاء حضر السيد احمد المذكور الى بيت
الباشا فأمر بقتله فقبض عليه جماعة من العسكر وقطعوا رأسه عند المشنقة حيث قنطرة
المغربي على قارعة الطريق وختموا على موجوده واخذ الباشا ما ثبت له على المحبوسين
والسبب في ذلك ا بعضهم أوشى الى الباشا انه كان بحب الفرنسيس ويميل اليهم ويسالمهم
وعند خروجهم هرب الى الطور خوفا من العثمانية ثم حضر بأمان من الوزير
وفي يوم الجمعة حضر المشار اليه الى الجامع الازهر
بالموكب فصلى به الجمعة وخلع على الخطسب فروة سمور وفرق ونثر دراهم ودنانير على
الناس في ذهابه وايابه وتقيد قبي كتخداه واسمعيل افندي شقبون بتوزيع دراهم على
الطلبة والمجاورين بالاروقة والعميان والفقراء ففرقوا فيهم نحو خمسة أكياس
وفيه عمل الشيخ عبد الله الشرقاوي وليمة لزواج ابنه ودعا
حضرة المشار اليه فحضر في يوم الاحد ثانيه وحضر ايضا شريف أفندي وعثمان كتخدا الدولة
فتغدوا عنده وأنعم على ولد الشيخ بخمسة اكياس رومية والبسه فروة سمور وفرق على
الخدم والفراشين والقراء دنانير ودراهيم بكثرة وكذلك دفع عثمان كتخدا وشريف افندي
كل واحد منهم كيسا وانصرفوا
وفي يوم الاربعاء خامسه حضر الباشا محمد أغات المعروف
بالوسيع اغات المغاربة وأمر بقتله فقطعوا رأسه على الجسر ببركة الازبكية قبالة بيت
الباشا لامور نقمها عليه وكتبت في ورقة وضعت عند رأسه
وفي يوم الخميس سادسه توفي قاسم بك ابو سيف على فراشه
وفي منتصفه وردت الاخبار من الجهة البحرية بضياع نحو
الخمسين مركبا حلت مراسيها من ثغر اسكندرية مشحونة بمتاجر وبضائع وكانت معوقة
بكرنتينة الانكليز فلما اذنوا لهم بالسراح فما صدقوا بذلك فصادفتهم فرتونة خرجت
عليهم فضاعوا بأجمعهم ولا حول ولا قوة الا
بالله
العلي العظيم
وفيه طلب الباشا المشايخ وتكلم معهم في شأن الشيخ خليل
البكري وعزله عن وظيفته وسال رايهم في ذلك فقالوا له الرأي لحضرتكم فقال ان الشيخ
خليلا لا يصلح لسجادة الصديق واريد عزله عنها من غير ضرر عليه بل اعطيه اقطاعا
لنفقته والقصد أن تروا رايكم فيمن يصلح لذلك ومن يستحق فطلبوا المهلة الى غد وانحط
الرأي بعد اختلاف كبير على تقليد ذلك لمحمد سعد من أولاد جلال الدين فلما حضروا في
اليوم الثاني اخبروه بذلك وانه يستحقها الا انه فقير فقال ان الفقر ليس بعيب
فأحضروه وألبسه فروة سمور واركبه فرسا بعباءة مزركشة وأنعم عليه بثمانين ألف درهم
وكان من الفقراء المحتاجين للدرهم الفرد ولما ذهب للسلام على الشيخ السادات خلع
ايضا فروة سمور عليه
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه توفي إلى رحمة الله الشيخ
مصطفى الصاوي الشافعي وكان عالما نجيبا وشاعرا لبيبا وقد ناهز الستين
وفيه جهزت عدة من العسكر الى قبلي
وفيه نودي بان خراج الفدان مائة وعشرون نصفا وكذلك نودي
برفع عوائد القاضي والافندي التي كانت تؤخذ على اثبات الجامكية والجراية والرفق
بعوائد تقاسيط الالتزام والاقطاع وكتبوا بذلك أوراقا وألصقت بالاسواق وفي آخرها لا
ظلم اليوم أي مما تقرر قبل اليوم فان الفدان بلغ في بعض القرى بمصاريفه ومغارمه
أربعة آلاف نصف فضة واما بدعة القاضي وعوائد التقاسيط فزادت عن أيام الوزير وزاد
على ذلك اهمال الاوراق ببيت الباشا لاجل العلامة شهرين وأربعة حتى يسام صاحبها
وتحفى أقدامه من كثرة الذهاب والمجيء ومقاساة الذل من الخدم والاتباع ورفع التفتيش
والرشوة على التعجيل أو يتركها وربما ضاعت بعد طول المدة فيحتاج الى استئناف العمل
شهر ذي الحجة الحرام سنة
استهل
بيوم الاحد في رابعه حضر خمسة اشخاص من الكشاف القبالي من اتباع ابراهيم بك الوالي
الى مصر بامان فقابلوا حضرة والي مصر وأنعم عليهم وألبسهم خلعا
وفيه أنعم على خدامهم وفيه عمل الانكليز كرنتينة بالجيزة
ومنعوا من يدخلها ومن يخرج منها وذلك لتوهم وقوع لطاعون وورود الاخبار بكثرته في
جهة قبلي وبعض البلاد البحرية وأما المدينة ففيها بعض تنقير
وفي يوم الاثنين تاسعه كان يوم الوقوف بعرفة وعملوا في
ذلك اليوم شنكا ومدافع وحضرت أغنام وعجول كثيرة للاضحية حتى امتلأت منها الطرقات وازدحمت
الناس وافراد العسكر على الشراء وغيمت السماء في ذلك اليوم وأمطرت مطرا كثيرا حتى
توحلت الازقة ونودي بفتح الحوانيت والقهاوي والمزينين ليلا واظهار الفرح والسرور
واظهار بهجة العيد واستمر ضرب المدافع في الاوقات الخمسة ونودي أيضا بالمواظبة على
الاجتماع للصلوات في المساجد وحضور الجمعة من قبل الصلاة بنصف ساعة وان يسقوا
العطاش من الاسبلة ولا يبيعون ماءها وأشيع سفر الانكليز وسفر عثمان كتخدا الدولة
وتشهيل الخزينة
وفي خامس عشره حضر قاصد من الديار الرومية بمكاتبات
وتقرير نقابة الاشراف للسيد عمر وعزل يوسف افندي فلما كان في صبحها يوم الاحد ركب
السيد عمر المذكور وتوجه الى عند الباشا فألبسه خلعة سمور ثم حضر الى عند
الدفتردار كذلك وكانت مدة ولاية يوسف افندي المعزول شهرين ونصفا
وفي يوم الاربعاء ثامن عشره خرج أحمد آغا خورشيد امير
الاسكندرية الى بولاق قاصدا السفر الى منصبه وركب الباشا لوداعه في عصريته وضربوا
عدة مدافع من بولاق وبرانبابة ونودي في ذلك اليوم بان لا أحد يواري أحدا من
الانكليز أو يخبيه وكل من فعل ذلك عوقب
وفي خامس عشرينه قبضوا على امراة سرقت امتعة من حمام وشنقوها عند باب زويله وانقضت هذه السنة وما تجدد بها من الحوادث التي من جملتها ان شريف أفندي الدفتردار أحدث على الرزق الاحباسية المرصدة على الخيرات والمساجد وغيرها مال حماية على كل فدان عشرة أنصاف فضة وأقل واكثر في جميع الأراضي المصرية القبلية والبحرية وحرروا بذلك دفاتر فكل من كان تحت يده شيء من ذلك قل أو كثر يكتب له عرضحال ويذهب به الى ديوان الدفتردار فيعلم عليه علامته وهي قوله قيد بمعنى انه يطلب قيوده من محله التي تثبت دعواه ثم يذهب بذلك العرضحال الى كاتب الرزق فيكشف عليها في الدفاتر المختصة بالاقليم الذي فيه الارصاد بموجب الاذن بتلك العلامة فيكتب له ذلك تحتها بعد أن يأخذ منه دراهم ويطيب خاطره بحسب كثرة الطين وقلته وحال الطالب ويكتب تحته علامته فيرجع به الى الدفتردار فيكتب تحته علامة غير الاولى فيذهب به الى كاتب الميري فيطالبه حينئذ بسنداته وحجج تصرفه ومن أين وصل اليه ذلك فان سهلت عليه الدنيا ودفع له ما ارضاه كتب له تحت ذلك عبارة بالتركي لثبوت ذلك والا نعنت على الطالب بضروب من العلل وكلفة بثبوت كل دقيقة يراها في سنداته وعطل شغله فما يسع ذلك الشخص الا بذل همته في تتميم غرضه بأي وجه كان اما أن يستدين أو يبيع ثيابه ويدفع ما لزمه فان ترك ذلك وأهمله بعد اطلاعهم عليه حلوه عنه ورفعوه وكتبوه لمن يدفع حلوانه ثلاث سنوات أو أكثر وكتبوا له سندا جديدا يكون هو المعول عليه بعد ويقيد بالدفاتر ويبطل اسم الاول وما بيده من الوقفيات والحجج والافراجات القديمة ولو كانت عن اسلافه ثم يرجع كذلك الى الدفتردار فيكتب له علامة لكتابة الاعلام فيذهب به الى الاعلامجي فيكتب له عبارة ايضا في معنى ما تقدم ويختم تحتها بختم كبير فيه اسم الدفتردار ويأخذ على ذلك دراهم ايضا وبعد ذلك يرجع الى الدفتردار فيقرر ما يقرره عليها من المال الذي يقال له مال الحماية ثم
يذهب بها
الى بيت الباشا ليصحح عليها بعلامته ويطول عند ذلك انتظاره لذلك ويتفق اهمالها
الشهرين والثلاثة عند الفرمانجي وصاحبها يغدو ويروح في كل يوم حتى تحفى قدماه ولا
يسهل به تركها بعدما قاساه من التعب وصرفه من الدراهم فاذا تمت علامتها دفع أيضا
المعتاد الذي على ذلك ورجع بها الى بيت الدفتردار فعند ذلك يطلبون منه ما تقرر
عليها فيدفعه عن تلك السنة ثم يكتبون له سندا جديدا ويطالب بمصروفه ايضا وهو شيء
له صورة ايضا فلا يجد بدا من دفعه ولا يزال كذلك يغدو ويروح مدة ايام حتى يتم له
المراد
ومنها المعروف بالجامكية ومرتبات الغلال بالانبار وذلك
ان من جملة الاسباب في رواج حال أهل مصر المتوسطين وغناهم ومدار حال معاشهم
وايرادهم في السابق هذان الشيآن وهما الجامكية والغلال التي يقال لها الجرايات
رتبها الملوك السالفة من الاموال الميرية للعساكر المنتسبة للوجاقات والمرابطين
بالقلاع الكائنة حوالي الاقليم ومنها ما هو للايتام والمشايخ والمتقاعدين ونحوهم
وكانت من ارواج الإيراد لاهل مصر وخصوصا أهل الطبقة الذين ليس لهم اقطاع ولا
زراعات ولا تجارات كأهل العلم ومساتير اولاد البلد والارامل ونحوهم وثبت وتقرر
ايرادها وصرفها في كل ثلاثة أشهر من اول القرن العاشر الى أواخر الثاني عشر بحيث
تقرر في الاذهان عدم اختلالها أصلا ولما صارت بهذه المثابة تناقلوها بالبيع
والشراء والفراغ وتغالوا في أثمانها ورغبوا فيها وخصوصا لسلامتها من عوارض الهدم
والبناء كما في العقار واوقفوها وأرصدوها ورتبوها عل جهات الخيرات والصهاريج
والمكاتب ومصالح المساجد ونفقات أهل الحرمين وبين أهل المقدس وأفتى العلماء بصحة
وقفها لعلة عدم تطرق الخلل فلما اختلت الاحوال وحدثت الفتن وطمع الحكام والولاة في
الاموال الميرية ضعف شأنها ورخص سعرها وانحط قدرها وافتقر اربابها ولم تزل في
الانحطاط والتسفل حتى بيع الاصل والايراد بالغين الفاحش جدا
وتعطل بسبب ذلك متعلقاتها ولم يزل حالها في اضطراب الى أن وصل هؤلاء القادمون وجلس شريف افندي الدفتردار المذكور ورأى الناس فيه مخايل الخير لما شاهدوه فيه من البشاشة واظهار الرفق والمكارم غرض الناس عليه شأن العلوفة المذكورة والغلال فلم يمانع في ذلك وكتب الاذن على الاوراق كعادته وذهب بها أربابها الى ديوان الكتبة وكبيرهم ويسمى حسن أفندي باش محاسب وهو من العثمانيين عارض في حسابها وقال ان العثماني اسم لواحد الاقجة وصرفه عندنا بالروم كل ثلاث أقجات بنصف فضة وما في دفاتركم يزيد في الحساب الثلث فعورض وقيل له ان الاقجة المصري كل اثنين بنصف بخلاف اصطلاح الروم وهذا أمر تداولنا عليه من قديم الزمان ولم يزل حتى فقد ذلك المشروع ومشوا على فقد الثلاث ورضى الناس بذل لظنهم رواج الباقي وعند استقرار الامر بذلك أخذوا يتعنتون على الناس في الثبوت وقد كان الناس اصطلحوا في اكثرها عند فراغها على عدم تغيير الاسماء التي رقمت بها وخصوصا بعد ضعفها فيبيعها البائع ويأخذها المشتري بتمسك البيع فقط ويترك سند الاصل بما فيه من الاسم القديم عنده أو تكون باسم الشخص ويموت وتبقى عند اولاده فجعلوا معظمها بهذه الصورة وأخذوه لأنفسهم وأعطوا منه لاغراضهم بعد رفع الثلث الاصل وثلث الايراد وضاعت على اربابها مع كونهم فقراء وكذلك فعلوا في أوراق الغلال وجعلوها بدراهم عن كل اردب خمسون نصفا غلا أو رخص وزادوا في القيود التي تكتب على العرضحالات المصطلحين عليها بأن يكتب عليها أيضا قاضي العسكر بعد حسابهم مقدار العلوفة والغلال ويأخذ على كل عثماني نصفين أو أقل أو اكثر وعلى كل اردب قرشا روميا وكل ذلك حيلة على أخذ المال بطريق شيطاني وحرروا ما حرروه ودفعوا للناس حيلة ما دفعوه حرروه ودفعوا للناس ما دفعوه مقسطا على الجمع والشهور ورضوا بذلك وفرحوا به لظنهم دوامة واستعوضوا الله فيما ذهب لهم وختموا الدفتر على مقدرا ما
عرض عليهم وما ظهر بعد ذلك لا يعمل به ويذهب في المحلول ولما انقضت هذه السنة الاخرى وافتتح الناس الطلب قيل لهم ان الذي اخذتموه هو عن السنة القابلة وقد قبضتموها معجلة وعزل شريف افندي الدفترادر في أثرها ووصل خليل أفندي الرجائي واضطربت الاحوال ولم ينفع القيل والقال كما يأتي
من مات في هذه السنة
مات الشيخ
العمدة الامام خاتمة العلماء الاعلام ومسك ختام الجهابذة ذوي الافهام ومن افتخر به
عصره على الاعصار وصاح بلبل فصاحته في الامصار يتيمة الدهر وشامة وجه اهل العصر
العالم المحقق والتحرير المدقق بديع الزمان والتاج المرصع على رؤوس الاقران الناظم
الناثر الفصيح الباهر الشيخ مصطفى بن أحمد المعروف بالصاوي والده كان من أعيان
التجار بمصر وأصل مرباهم بالسويس بساحل القلزم وصاوى نسبة الى بلدة بشرقية بلبيس
سمى الصوة وهي على غير القياس وهي بلدة والده ثم انتقل منها الى السويس وكان يبيع
بها الماء وولد له بها المترجم فارتحل به الى مصر وسكن بحارة الحسينية مدة وأتى
بولده المترجم الى الجامع الازهر واشتغل بالقراءة فحفظ القرآن والمتون واشتغل
بالعلم وحضر دروس الاشياخ ولازم الشيخ عيسى البراوي وتخرج به ومهر وأنجب وأقرأ
الدروس وختم الختوم وشهد له الفضلاء وكان لطيف الذات مليح الصفات رقيق حواشي الطبع
مشارا اليه في الافراد والجمع مهذب الاخلاق جميل الاعراق وحاله وفضله كثير ولم يزل
يقرر ويفيد ويملي ويعيد حتى قطفت يد الاجل نواره واطفأت رياح المنية انواره
ومات الامير عثمان بك الاسقر الابراهيمي وهو من مماليك
ابراهيم بك الكبير الموجود الآن اشتراه ورباه واعتقه وجعله خازنداره مدة ثم قلده
الامارة والصنجقية في سنة 1129 وعرف بالاشقر اشقرته ولما انتقل اسناده الى بيت
سيده محمد بك بعطفة قوصون سكن مكانه بدرب
الجماميز
وصار له مماليك واتباع وانتظم في عداد الامراء وخرج مع سيده في الحوادث وتغرب معه
في البلاد القبلية وطلع اميرا بالحج في سنة 1210 وعاد في أمن وأمان ولما حصلت
حادثة الفرنسيس كان هو مع من كان بالبر الغربي وذهب الى الصعيد ثم مر من خلف الجبل
ولحق باستاذه ببر الشام ولم يزل حتى رجع مع استاذه والامراء بصحبة عرضي الوزير في
المرة الثانية ثم سافر مع حسين باشا القبودان فقتل مع من قتل بأبي قير ودفن
بالاسكندرية وكان ذا حشمة وسكون وحسن عشرة مع مافيه من الشح
ومات الامير عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي
المرادي وهو من مماليك مراد بك اشتراه ورباه ورقاه وقلده الامارة والصنجقية في سنة
1197 ولما وصل حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج مع سيده وباقي الامراء من مصر على
الصورة المتقدمة ووقع بينهم ما وقع من الحروب والمهادنة حضر هو وحسين بك المعروف بشفت
وعبد الرحمن بك الابراهيمي الى مصر رهائن ولما سافر حسن باشا الى الروم أخذهم
صحبته باغراء اسمعيل بك فأقاموا هناك ثم نفوهم الى ليميا فاستمروا بها ومات بها
حسين بك خشداشه المذكور ثم رجع المترجم وعبد الرحمن بك بعد وقوع الطاعون وموت
اسمعيل بك واتباعهما الى مصر فلم يزالوا حتى حصل ما حصل من ورود الفرنسيس وموت
مراد بك في آخريات أيامهم فوقع اختيار المرادية على تأميره عوضا عن سيده باشارة
خشداشه محمد بك الالفي وانتقل بعشيرته الى الجهة البحرية وانضموا الى عرضي الوزير
ووصلوا الى مصر فكان هو وابراهيم بك الالفي ثاني اثنين يركبان معا وينزلان معا ولم
يزل حتى سافر القبودان بعدما مكر مكره مع الوزير سرا على خيانة المصريين فأرسل
يستدعيه هو وعثمان بك البرديسي فسافرا امتثالا للامر فأوقع بهما ما تقدم وقتل
المترجم ونجا البرديسي ودفن بالاسكندرية وكان أمير لا بأس به وجيه الشكل عظيم اللحية
ساكن
الجأش فيه
تؤدة وعقل وسبب تلقبه بالطنبرجي أنه كان في عنفوان أمره مولعا بسماع الآلات وضرب
الطنبور
ومات الامير مراد بك المعروف بالصغير وهو من مماليك محمد
بك أبي الذهب وانتمى الى سليمان بك الآغا واستمر ملازما له ومنسوبا اليه مدة أعوام
وكان يعرف بمراد كاشف وله ايراد واسع ومماليك ثم تقلد الامارة والصنجقية في 1206
فزادت وجاهته ولم يزل كذلك حتى سافر مع عثمان بك الاشقر وأحمد بك الحسني مع
القبودان وقتل كذلك بأبي قير ودفن بالاسكندرية
ومات الامير قاسم بك أبو سيف وهو مملوك عثمان بك أبي سيف
الذي سافر بالخزينة ومات بالروم وذلك سنة 1180 وهي آخر خزينة رأيناها سافرت الى
اسلامبول على الوضع القديم وعثمان بك هذا مملوك عثمان بك أبي سيف الذي كان من جملة
القاتلين لعلي بك الدمياطي وخليل بك قطامش ومحمد بك قطامش في ولاية راغب باشا كما
تقدم وخدم المترجم مراد بك وكان يعرف بقاسم كاشف أبي سيف وكان له اقطاع والتزام
وايراد واشتهر ذكره في أيام مراد بك وبني داره التي بالناصرية وانفق عليها أموالا
جمة وكان له ملكة وفكرة في هندسة البناء واستأجر قطعة عظيمة من أراضي البركة
الناصرية اتجاه داره من وقف المولوية وسورها بالبناء وبنى في داخلها قصرا مزخرفا
برحبة متسعة وقسم تلك الارض بتقاسيم للمزارع وحولها طرق ممهدة مستطيلة ومجار
للمياه التي تصل اليها أيام النيل ومجار أخرى عالية مبنية بالمؤن والخافقي من
داخلها تجري فيها المياه من السواقي ويحيط بذلك جمعية اشجار الصفصاف المتدانية
القطاف وبداخل تلك البركة المنقسمة النخيل والاشجار ومزارع المقاثىء والبرسيم
والغلة وغيرها يسرح فيها النظر من سائر جهاتها وتنشرح النفوس في ارجائها ومساحاتها
وجعل السواقي في ناحية تجتمع مياهها في حوض وبأسفله أنابيب تتدفق منها المياه الى
حوض اسفل منه وعنده
مجلس ومساطب للجلوس وتجرى منه المياه الى المجارى المخفقة المرتفعة ومنها تنصب من مصبات من حجر الى أحواض أسفل منها صغار وتجرى الى مساقي المزارع وعند كل مصب منها محل للجلوس وعليه اشجار تظله وبوسطه ايضا ساقية بفوهتين تجري منها المياه ايضا والقصر يشرف على ذلك كله وحول رحبة القصر وطرق الممشاة كروم العنب والتكاعيب واباح للناس الدخول اليها والتنزه في رياضها والتفسح في غياضها والسروح في خلالها والتفيؤ في ظلالها وسماها حديقة الصفصاف والاس لمن يريد الحظو والائتناس ونقش ذلك في لوح من الرخام وسمرة في اصل شجرة يقرؤها الداخلون اليها فأقبل الناس على الذهاب اليها للنزاهة ووردوا عليها من كل جهة وعملوا فيها قهاوي ومساقي ومفارش واتخاخا يفرشها القهوجية للعامة وقللا واباريق واجتمع بها الخاص والعام وصار بها مغان وآلات وغواني ومطربات والكل يرى بعضهم بعضا وجعل بها كراسي للجلوس وكنيفات لقضاء الحاجة وجعل للقصر فرشا ومساند ولوازم ومخادع لنفسه ولمن يأتي اليه بقصد النزاهة من أعيان الامراء والآكابر فيبيتون به الليالي ولا يحتاجون لسوى الطعام فيأتي اليهم من دورهم وزاد بها الحال حتى امتنع من الدخول اليها أهل الحياء والحشمة وأنشأ تجاهها أيضا على يسار السالك الى طريق الخلاء بستانا آخر علىخلاف وضعها واخبرني المترجم ايضا من لفظه أنه انشأ بستانا بناحية قبلي اعجب وأغرب من ذلك ولما حضر حسن باشا الجزايرلي الى مصر وخرج منها أمراؤها تخلف المترجم عن مخدومه واستقر بمصر فقلدوه الامارة والصنجقية في سنة 1201 فعظمت امرته وزادت شهرته وتقلد امارة الحج مرتين ولما أوقع العثمانية بالامراء المصرلية ما أوقعوه وانفصلوا من حبس الوزير وانضموا الى الانكليز بالجيزة ثم انتقلوا الى جزيرة الذهب وارتحلوا منها الى قبلي تخلف عنهم المترجم لمرض اعتراه وحضر الى مصر ولازم الفراش ولم يزل حتى مات في يوم الخميس سادس القعدة من السنة
وكان يخضب
لحيته بالسواد مدة سنين رحمه الله
ومات ابراهيم كتخدا السناري الاسود وأصله من برابرة نقلة
وكان بوابا في مدينة المنصور وفيه نباهة فتداخل في الغز القاطنين هناك مثل
الشابوري وغيره بكتابة الرقي وضرب الرمل ونحو ذلك ولبس ثيابا بيضاء ثم تعاشر مع
بعضهم وركب فرسا وانتقل الى الصعيد مع من اختلط بهم وتداخل في اتباع مصطفى بك
الكبير ولم يزل حتى اعتشر بالامير المذكور وتعلم اللغة التركية فأستعمله في
مراسلاته وقضاياه فنقل فتنة ونميمة بين الامراء فاراد مراد بك قتله فألتجا الى
حسين بك وخدمه مدة ثم تحيل والتجأ الى مراد بك وعاشره وأحبه ولازمه في الغربة
والاسفار واشتهر ذكره وكثر ماله وصار له التزام وايراد وبنى داره التي بالناصرية
وصرف عليها اموالا واشترى المماليك الحسان والسراري البيض وتداخل في القضايا
والمهمات العظيمة والامور الجسيمة وصار من أعظم الاعيان المشار اليهم بمصر ونمى
ذكره وعظم شأنه وباشر بنفسه الامور من غير مشورة الامراء فكان يحل ما يعقده
الامراء الكبار ولما تحجب مخدومه بقصر الجيزة كان المترجم لسان حاله في الامر
والنهي وبيده مقاليد الاشياء الكلية والجزئية ولا يحجب عن ملاقاة مخدومه في أي وقت
شاء فينهى اليه ما يريد تنفيذه بحسب غرضه واتتخذ له اتباعا وخدما يقضون القضايا
ويسعون في المهمات ويتوسطون لارباب الحاجات ويصانعهم الناس حتى الاكابر ويسعون الى
دورهم وصاروا من أرباب الوجاهات والثروات ولم يزل ظاهر الامر نامي الذكر حتى وقعت
الحوادث وسافر الفرنانساوية ودخل العثمانية ورجع قبودان باشا الى أبي قير فأرسل
يطلبه في جملة من استدعاهم اليه وقتل مع من قتل ودفن بالاسكندرية
محرم الحرام ابتداء سنة ألف ومائتين وسبع عشره هجرية
استهل بيوم الاثنين فيه تواترت الاخبار بحصول الصلح العمومي بين القرانات جميعا ورفع الحروب فيما بينهم
وفيه
ترادفت الاخبار بأمر عبد الوهاب وظهور شأنه من مدة ثلاث سنوات من ناحيةنجد ودخل في
عقيدته قبائل من العرب كثيرة وبث دعاته في أقاليم الارض ويزعم انه يدعو الى كتاب
الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله ويأمر بترك البدع التي ارتكبها الناس ومشوا عليها
الى غير ذلك
وفيه سافر عثمان كتخدا الدولة الى الديار الرومية ونزل
الى بولاق وضربوا له عدة مدافع وأخذ صحبته الخزينة وسافر معه مختار افندي ابن شريف
افندي دفتردار مصر
وفي هذه الايام حصلت امطار متتابعة وغيام ورعود وبروق
عدة أيام وذلك في اواسط نيسان الرومي
وفي ذلك اليوم نبهوا على الوجاقات والعساكر بالحضور من
الغد الى الديوان لقبض الجامكية فلما كان في صبحها يوم الثلاثاء نصبوا صيوانا
كبيرا ببركة الازبكية وحضر العساكر الوجاقلية بترتيبهم ونزل الباشا بموكبه الى ذلك
الصيوان وهو لابس على رأسه الطلخان والقعطان الأطلس وهو شعار الوزارة ووضعوا
الاكياس وخطفوها على العادة القديمة فكان وقتا مشهودا
وفي يوم الثلاثاء تاسعه حضر كبير الانكليز من الاسكندرية
ونصبوا وطاقهم ببرانبابة فلما كان يوم الاربعاء يوم عاشوراء عدي كبير الانكليز
ومعه عدة من أكابرهم فتهيأ لملاقاته الباشا واصطفت العساكر عند بيت الباشا ووصل
الانكلز الى الازبكية وطلعوا الى عند الباشا وقابلوه فخلع عليهم وقدم لهم خيلا
وهدية ثم نزلوا وركبوا ورجعوا الى وطاقهم وعند ركوبهم ضربوا لهم عدة مدافع فلم
يعجب الباشا ضربها فأمر الطبجية لكونهم لم يضربوها على نسق واحد
وفيه وردت الاخبار بأن الانكليز أخلوا القلاع
بالاسكندرية وسلموها لاحمد بك خورشيد وذلك يوم الاثنين ثامنه وأبطلوا الكرنتينه
ايضا وحصل الفرج للناس وانطلق سبيل المسافرين برا وبحرا وأخذ الباشا في
الاهتمام بتشهيل الانكليز المسافرين الى السويس والقصير وما يحتاجون اليه من الجمال والادوات وجميع ما يلزم ولما حضر الانكليز الى عند الباشا فدعوه الى الحضور الى عندهم فوعدهم على يوم الجمعة فلما كان يوم الجمعة ثالث عشره ركب الباشا وصحبته طاهر باشا في نحو الخمسين وعدي الى الجيزة بعد الظهر ووقفت عساكر الانكليز صفوفا رجالا وركبانا وبأيديهم البنادق والسيوف واظهروا زينتهم وأبهتهم وذلك عندهم من التعظيم للقادم فنزل الباشا ودخل القصر فوجدهم كذلك صفوفا بدهليز القصر ومحل الجلوس فجلس عندهم ساعة زمانية وأهدوا له هدايا وتقادم وعند قيامه ورجوعه ضربوا له عدة مدافع على قدر ما ضرب لهم هو عند حضورهم اليه فلقد أخبرني بعض خواصهم ان الباشا ضرب لهم سبعة عشر مدفعا ولقد عددت ما ضربه الانكليز للباشا فكان كذلك وأخبرني حسين بك وكيل قبطان باشا وكان بصحبة الباشا عند ذهابه الى الانكليز قال كنا في نحو الخمسين والانكليز في نحو الخمسة آلاف فلو قبضوا علينا في ذلك الوقت لملكوا الاقليم من غير ممانع فسبحان المنجي من المهالك واذا تأمل العاقل في هذه القضية يرى فيها أعظم الاعتبارات والكرامة لدين الاسلام حيث سخر الطائفة الذين هم اعداء للملة هذه الدفع تلك الطائفة ومساعدة المسلمين عليهم وذلك مصداق الحديث الشريف وقوله صلى الله عليه و سلم ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فسبحان القادر الفعال واستمرت طائفة كبيرة بالاسكندرية من الانكليز حتى يريد الله
وفي ذلك اليوم سافرت الملاقاة للحجاج بالوش
وفيه وصلت مكاتبات من أهل القدس ويافا والخليل يشكون ظلم محمد باشا ابي مرق وانه احدث عليهم مظالم وتفاريد ويستغيثون برجال الدولة وكذلك عرضوا أمرهم لأحمد باشا الجزار وحضر الكثير من أهل غزة ويافا والخليل والرملة هروبا من المذكور وفي ضمن المكاتبات انه حفر قبور
المسلمين
والاشارف والشهداء بيافا ونبشهم ورمى عظامهم وشرع يبنى في تلك الجبانة سورا يتحصن
به واذن للنصارى ببناء دير عظيم لهم ومكنهم ايضا من مغارة السيدة مريم بالقدس وأخذ
منهم مالا عظيما على ذلك وفعل من امثال هذه الفعال اشياء كثيرة
وفيه حضر جماعة من العسكر القبالي وصحبتهم أربعة رؤس من
المصرلية وفيهم رأس على كاشف ابي دياب وتواترت الاخبار بوقوع معركة بين العثمانية
والمصرلية وكانت الغلبة على العثمانية وقتل منهم الكثير وذلك عند ارمنت وراس عصبة
المصرلية الالفي وصحبته طائفة من الفرنسيس وتجمع عليهم عدة من عسكر الفرنساوية
والعثمانية طمعا في بذلهم وان عثمان بك حسن انفرد عنهم وارسل يطلب امانا ليحضر
فأرسلوا له امانا فحضر الى باشة الصعيد وخلع عبيه فروة سمور وقدم له خيلا وهدية
وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا توسون والي جدة وكذلك
خازنداره وفي يوم السبت رابع عشره شرع الانكليز المتوجهون الى جهة السويس في تعدية
البر الشرقي ونصبوا وطاقهم عند جزيرة بدران وبعضهم جهة العادلية وذهبت طائفة منهم
جهة البر الغربي متوجهين الى القصير واستمروا يعدون عدة أيام ويحضر أكابرهم عند
الباشا ويركبون فيرمون لهم مدافع حال ركوبهم الى اماكنهم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه عدى حسين بك وكيل القبطان
الى الجيزة وتسلمها من الانكليز واقام بها وسكن بالقصر
وفي خامس عشرينه وصل الى ساحل بولاق اغا وعلى يده مثالات
واوامر وحضر ايضا عساكر رومية فأرسلوا عدة منهم الى الجيزة فركب ذلك الاغا في موكب
من بولاق الى بيت الباشا فخلع عليه وقدم له تقدمه وضربوا له عدة مدافع
وفيه حضر ططرى من ناحية قبلي بالاخبار بما حصل بين
العثمانية والمصرلية وطلب جبخانة ولوازمها
وفيه وصلت
الاخبار بان احمد باشا ارسل عسكر الى ابي مرق من البر والبحر فأحاطوا بيافا وقطعوا
عنها الجالب واستمروا على حصاره
وفيه اتخذ الباشا عسكرا من طائفة التكرور الذين يأتون
الى مصر بقصد الحج فعرضهم واختار منهم جملة وطلبوا الخياطين ففصلوا لهم قناطيش
قصارا من جوخ احمر والبسة من جوخ ازرق وصدريات وجميعها ضيقة مقمطة مثل ملابس
الفرنسيس وعلى رؤوسهم طراطير حمر واعطوهم سلاحا وبنادق وأسكنوهم بقلعة الجامع
الظهري خارج الحسينية وجعلوا عليهم كبيرا يركب فرسا ويلبس فروة سمور وجمع الباشا
ايضا العبيد السود وأخذهم من أسيادهم بالقهر وجعلهم طائفة مستقلة وألبسهم شبه ما
تقدم وأركبهم خيلا وجعلهم فرقتين صغارا وكبارا واختارهم للركوب اذا خرج الى الخلاء
وعليهم كبير يعلمهم هيئة اصطاف الفرنسيس وكيفية أوضاعهم والاشارات بمرش واردبوش
وكذلك طلب المماليك وعصب ما وجده منهم من أسيادهم واختص بهم وألبسهم شبه لبس
المماليك المصرلية وعمائم شبه البحرية الاروام وبلكات وشراويل وادخل فيهم ما وجده
من الفرنسيس وجعل لهم كبيرا ايضا من الفرنسيس يعلمهم الكر والفر والرمي بالبنادق وفي
بعض الاحيان يلبسون زرديات وخودا وبأيديهم السيوف المسلولة وسموا ذلك كله النظام
الجديد
واستهل شهر صفر الخير بيوم الاربعاء سنة
في ثانيه
وصل سعيد اغا وكيل دار السعادة وهو فحل اسمر فحضر عند الباشا فقابله وخلع عليه
وقدم له تقدمة وضربوا له عدة مدافع ايضا
وفي يوم الخميس تاسعه عمل الباشا ديوانا وحضر القاضي
والعلماء والاعيان وقرأوا خطا شريفا حضر بصحبة وكيل دار السعادة بانه ناظر اوقاف
الحرمين
وفي يوم الاثنين ثالث عشره قتل الباشا ثلاثة اشخاص من
النصارى
المشاهير
وهم ألطون ابو طاقية وابراهيم زيدان وبركات معلم الديوان سابقا وفي الحال ارسل
الدفتردار فختم على دورهم واملاكهم وشرعوا في نقل ذلك الى بيت الدفتردار على
الجمال ليباع في المزاد فبدأوا باحضار تركة ألطون ابي طاقية فوجد له موجود كثير من
ثياب وامتعة ومصاغ وجواهر وغيرها وجوار سود وحبوش وساعات واستمر سوق المزاد في ذلك
عدة ايام
وفيه تواترت الاخبار بان بونابارته خرج بعمارة كبيرة
ليحارب الجزائر وانه انضم الى طائفة الفرنسيس الاسبانيول والنامرطان وتفرقوا في
البحر وكثر اللغط بسبب ذلك وامتنع سفر المراكب ورجع الانكليز الى قلاع الاسكندرية
واستمرت هذه الاشاعة مدة ايام ثم ظهر عدم صحة هذه الاخبار وان ذلك من اختلافات
الانكليز
وفي يوم الخميس سابع عشره حضر جاويش وصحبته مكاتبات
الحجاج من العقبة وضربوا لحضوره مدافع واخبروا بالامن والرخاء والراحة ذهابا
وايابا ومشوا من الطريق السلطاني وتلقتهم العربان وفرحوا بهم فلما كان يوم الاثنين
وصل الحجاج ودخلوا الى مصر
وفي صبحها دخل امير الحج وصحبته المحمل
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه سافر حسين اغا شنن وزين
الفقار كتخدا وصحبتهما على كاشف لملاقاة عثمان بك حسن وأخلوا له دار عبد الرحمن
كتخدا بحارة عابدين
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه حضر عثمان بك حسن فارسل
اليه الباشا اعيان اتباعه من الاغوات وغيرهم والجنائب فحضر بصحبتهم وقابل حضرة
الباشا وخلع عليه خلعة وقدم له تقدمة وذهب الى الدار التي اعدت له وحضر صحبته صالح
بك غيطاء وخلافه من الامراء البطالين ومعهم نحو المائتين من الغز والمماليك سكن كل
من الامراء والكشاف في
مساكن ازواجهم فكانوا يركبون في كل يوم الى بيت عثمان بك ويذهبون صحبته الى ديوان الباشا ورتب له خمسة وعشرين كيسا في كل شهر
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الخميس سنة
فيه شرعوا
في عمل المولد النبوي وعملوا صوارى ووقدة قبالة بيت الباشا وبيت الدفتردار والشيخ
البكري ونصبوا خياما في وسط البركة ونودي في يوم الخميس ثامنه بتزيين البلد وفتح
الاسواق والحوانيت والسهر بالليل ثلاث ليال اولها صبح يوم الجمعة وآخرها الاحد
ليلة المولد الشريف فكان كذلك
وفي ليلة المولد حضر الباشا الى بيت الدفتردار باستدعاء
وتعشى هناك واحتفل لذلك الدفتردار وعمل له حراقة نفوط وسواريخ حصة من الليل
وفيه وصلت الاخبار بكثرة عربدة الامراء القبالى وتجمع
عليهم الكثير من غوغاء الخوف والهوارة والعربان ووصلوا الى غربي اسيوط وخافتهم
العساكر العثمانية وداخلهم الرعب منهم وتحصن كل فريق في الجهة التي هو فيها وانكمشوا
عن الإقدام عليهم وهابوا لقاءهم مع ما هم عليه من الظلم والفجور والفسق بأهل الريف
والعسف بهم وطلبهم الكلف الشاقة والقتل والحرق وذلك هو السبب الداعي لنفور اهل
الريف منهم وانضامهم الى المصرلية ومن جملة افاعيلهم التي ضيقت المنافس واحرجت
الصدور حتى اعاظم الدولة حجزهم المراكب ومنعهم السفار حتى تعطلت الاسباب وامتنع
حضور الغلال من الجهة القبلية وخلت عرصات الغلة والسواحل من الغلال مع كثرتها في
بلاد الصعيد ولولا تشديد الباشا في عدم زيادة سعر الغلة لغلت اسعارها وامر بان لا
يدخلوا الى الشون والحواصل شيئا من الغلة بل يباع ما يرد على الفقراء حتى يكتفوا
وفي كل وقت يرسلون اوراقا وفرمانات الى العساكر باطلاق المراكب فلا يمتثلون
ويحجز
الواحد منهم او الاثنان المركب التي تحمل الالف اردب ويربطونها بساحل الجهة التي
هم بها وتستمر كذلك من غير منفعة وربما مرت بهم شرعوا في تسفير عساكر ايضا وسارى
عسكرهم طاهر باشا واخذ في المراكب المشحونة بالغلة فيأخذون منها النواتية والريس
يستخدمونه في مركبهم ويأخذ غيرهم المركب فيرمي ما بها من الغلال على بعض السواحل
ان لم يجدوا من يشتريه ويأخذون المراكب فيربطونها عندهم وامثال ذلك مما تقصر عنه
العبارة ولما تواترت هذه الاخبار عن الامراء القبالي التشهيل والسفر فلما كان يوم
الخميس خامس عشره عدى الى البر الغربي وتبعته العساكر
وفي ذلك اليوم حضرت مكاتبة من الامراء القبالي ملخصها أن
الارض ضاقت عليهم واضطرهم الحال والضيق وفراق الوطن الى ما كان منهم وانهم في طاعة
الله والسلطان ولم يقع منهم ما يوجب ابعادهم وطردهم وقتلهم فأنهم خدموا وجاهدوا
وقاتلوا مع العثمانية وأبلوا مع الفرنساوية فجوزوا بضد الجزاء ولا يهون بالنفس
الذل والاقبال على الموت فأما أن تعطونا جهة نتعيش فيها أو ترسلوا لنا أهلنا
وعيالنا وتشهلوا لنا مراكب على ساحل القصير فنسافر فيها الى جهة الحجاز او تعينوا
لنا جهة نقيم بها نحو خمسة اشهر مسافة ما نخاطب الدولة في أمرنا ويرجع لنا الجواب
ونعمل بمقتضى ذلك فان لم تجيبونا لشيء من ذلك فيكون ذنب الخلائق في رقابكم لا
رقابنا وورد الخبر عنهم انهم رجعوا القهقرى الى قبلي فلما حضرت تلك المكاتبة
فاشتوروا في ذلك وكتبوا لهم جوابا بامضاء الباشا والدفتردار والمشايخ حاصله الامان
لما عدا ابراهيم بك والالفي والبرديسي وابادياب فلا يمكن أن يؤذن لهم بشيء حتى
يرسلوا الى الدولة ويأتي الاذن بما تقتضيه الاراء وأما بقيتهم فلهم الامان والاذن
بالحضور الى مصر ولهم الاعزاز والاكرام ويسكنون فيما أحبوا من البيوت ويرتب لهم ما
يكفيهم
من
التراتيب والالتزام وغير ذلك مثل ما وقع لعثمان بك حسن فانهم رتبوا له خمسة وعشرين
كيسا في كل شهر ومكنوه مما طلبه من خصوص الالتزام ورفعوها عمن كان أخذها بالحلوان
وهذه اول قضية شنيعة ظهرت بقدومهم واستمر طاهر باشا مقيما بالبر الغربي
وفي هذا الشهر كمل تنميم عمارة المقياس على ما كان عمره
الفرنسيس على طرف الميري وأنشا به الباشا طيارة في علوه عوضا عن الطيارة القديمة
التي هدمها الفرنسيس وأنشأ ايصا مصطبة في مرمى النشاب بالناصرية وجعل فيها كشكا
لطيفا مزينا بالاصباغ ودرابزين حول المصطبة المذكورة
ومن الحوادث بسكندرية
حضر قليون
وفيه تجار وبزرجانية يقال له قليون مهر الدار الدولة فأرسى بالمينة الغربية وطلع
منه قبطان وبعض التجار الى البلدة وأقام نحو يومين او ثلاثة فطلع رجل نصراني وأخبر
الانكليز انه مات به رجل بالطاعون ومات قبله ثلاثة ايضا فطلبوا القبطان فهرب
فأرسلوا الى المركب وأحضروا اليازجي وتحققوا القضية وأحرقوا المراكب بما فيها
وأشهروا اليازجي وعروه من ثيابه وسحبوه بينهم في الاسواق وكلما مروا به على جماعة
من العثمانية مجتمعين على مصاطب القهاوي بطحوه بين أيديهم وضربوه ضربا شديدا ولم
يزالوا يفعلون به ذلك حتى قتلوه
ووقع ايضا ان خورشيد حاكم الاسكندرية أحدث مظالم ومكوسا
على الباعة والمحترفين فذهب بعض الانكليز يشتري سمكا فطلب السماك منه زيادة في
الثمن عن المعتاد فقال له الانكليزي لاي شيء تطلب زيادة عن العادة فعرفه بما أحدث
عليهم من المكس فرجع الانكليزي وأخبر كبراءة فتحققوا القضية وأحضروا المنادي
وأمروه بالمناداة بأبطال ما أحدثه العثمانية من المكوس والمظالم فخرج المنادي وقال
حسبما رسم الوزير
محمد باشا
وخورشيد أغا بان جميع الحوادث المحدثة بطاله فسمعوه يقول ذلك فأحضروه وضربوه ضربا
شديدا وعزروه على ذلك القول وقالوا له قل في مناداتك حسبما رسم سارى عسكر الانكليز
ووقع ايضا ان جماعة من العسكر ارادوا القبض على امرأة من
النساء اللاتي يصاحبن الانكليز فمنعها منهم عسكر الانكليز فتضاربوا معهم فقتل من
الانكليز اثنان فاجتمع الانكليز وأرسلوا الى خورشيد بان يخرج الى خارج البلدة
ويحاربهم فامتنع من ذلك فأمروه بالنزول من القلعة واسكنوه في دار بالبلد ومنعوا
عسكره من حمل السلاح مطلقا مثل الانكليزية واستمروا على ذلك
واستهل شهر ربيع سنة
فيه حضر
أحمد أغا شويكار من عند القبالي ومحمد كاشف صحبته من جماعة الالفي ومعهم مكاتبات
وأشيع طلبهم الصلح فأقاموا عدة ايام محجوبين عن الاجتماع بالناس ثم سافروا في
أواسطه ولم يظهر كيفية ما حصل وبطل سفر طاهر باشا الى الجهة القبلية ورجع الى داره
بعد أيام من رجوعهم
وفيه عمل مولد المشهد الحسيني ودعا شيخ السادات الباشا
في خامسه وتعشى هناك ورجع الى داره
وفيه تقلد السيد أحمد المحروقي امين الضربخانة وفرق ذهبا
كثيرا في ذلك اليوم ببيت الباشا وعمل له ليلة بالمشهد الحسيني ودعا الباشا
والدفتردار وأعيان الدولة والعلماء وأولم لهم وليمة عظيمة وأوقد بالمسجد وقدة
كبيرة وقدم للباشا تقدمة وفي صبحها أرسل مع ولده هدية وتعبية أقمشة نفيسه فخلع عليه
الباشا فروة سمور
وفي غرة هذا الشهر شرع الباشا في هدم الاماكن المجاورة
لمنزله التي تهدمت واحترقت في واقعة الفرنسيس ليبنيها مساكن للعساكر
المختصة
به وتسمى عندهم بالقشلة وذلك من قبالة منزله من المكان المعروف بالساكت الى جامع
عثمان كتخدا حيث رصيف الخشاب واهتم لذلك اهتماما عظيما ورسم بعمل فردة على البلاد
أعلى وأوسط وأدنى وأرسلوا المعينين لقبض ذلك من البلاد مع ما الفلاحون فيه من
الظلم والجور من العساكر والمباشرين وحق الطرق وفرد الانكليز
وفي منتصفه كملت عمارة مشهد السيدة زينب بقناطر السباع
وكان من خبره ان هذا المشهد كان أنشأه وعمره عبد الرحمن كتخدا القازدغلي في جملة
عمائره وذلك في سنة 1174 فلم يزل على ذلك الى ان ظهر به خلل ومال شقه فانتدب
لعمارته عثمان بك المعروف بالطنبرجي المرادي في سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فهدمه
وكشف أنقاضه وشرع في بنائه وأقام جدرانه ونصبوا اعمدته وأرادوا عقد قناطره فحصلت
حادثة الفرنسيس وجرى ما جرى فبقى على حالته الى أن خرج الفرنسيس من ارض مصر وحضرت
الدولة العثمانية فعرض خدمة الضريح الى الوزير يوسف باشا فأمر باتمامه واكماله على
طرف الميري ثم وقع التراخي في ذلك الى ان استقر قدم محمد باشا في ولاية مصر فأهتم
لذلك فشرعوا في اكماله وتنميمه وتسقيفه وتقيد لمباشرة ذلك ذو الفقار كتخدا فتم على
أحسن ما كان واحدثوا به حنفية وفسحة وزخرفوه بالنقوشات والاصباغ ولما كان يوم
الجمعة رابع عشره حصلت به الجمعية وحضر الباشا الدفتردار والمشايخ وصلوا به الجمعة
وبعد انقضاء الصلاة عقد الشيخ محمد الامير المالكي درس وظيفته وأملى انما يعمر
مساجد الله الاية والاحاديث المتعلقة بذلك وثم المجلس وخلع عليه الباشا بعد ذلك
خلعة وكذا الامام
وفيه نصب للباشا خيمة عند بيته بقرب الهدم يجلس بها حصة
كل يوم لمباشرة العمل وربما باشر بنفسه ونقل بعض الانقاض فلما عاينه الاغوات
والجوخدارية بادروا الى الشيل ونقل التراب بالغلقان فلما أشيع ذلك
حضر طاهر
باشا واعيان العساكر فنقلوا ايضا وطلبوا المساعدة وحضر طائفة من ناحية الرميلة
وعرب اليسار ومعهم طبول وزمور فسأل عن ذلك فقال له المحتسب ذو الفقار هؤلاء طائفة
من طوائفي حضروا لاجل المساعدة فشكرهم على ذلك وأمرهم بالذهاب فبقى منهم طائفة
وأخذوا في شيل التراب بالاغلاق ساعة والطبول تضرب لهم فانسر الباشا من ذلك وحسن
القرناء للباشا المساعدة وان الناس تحب ذلك فرتبوا ذلك وأحضروا قوائم ارباب الحرف
التي كتبت ايام فرد الفرنسيس ونبهوا عليهم بالحضور فأول ما بدأوا بالنصارى الاقباط
فحضروا ويقدمهم رؤساؤهم جرجس الجوهري وواصف وفلتيوس ومعهم طبول وزمور واحضر لهم
ايضا مهتار باشا النوبة التركية وانواع الآلات والمغنين حتى البرامكة بالرباب
فاشتغلوا نحو ثلاث ساعات وفي ثاني يوم حضر منهم ايضا كذلك طائفة
ولما انقضت طوائف الاقباط حضر النصارى الشوام والاروام
ثم طلبوا ارباب الحرف من المسلمين فكان يجتمع الطائفتان والثلاثة ويحضرون معهم عدة
من الفعلة يستأجرونهم ويحضرون الى العمل ويقدمهم الطبول والزمور والمجرية وذلك
خلاف ما رتبه مهتار باشا فيصير بذلك ضجة عظيمة مختلطة من نوبات تركية وطبول شامية
ونقاقير كشوفية ودبادب حربية وآلات موسيقية وطبلات بلدية وربابات برامكية كل ذلك
في الشمس والغبار والعفار وزادوا في الطنبور نغمة وهي انهم بعد ان يفرغوا من الشغل
ويأذنوا لهم بالذهاب يلزمونهم بدراهم يقبضها مهتار باشا برسم البقشيش على أولئك
الطبالين والزمارين فيعطيهم النزر اليسير ويأخذ لنفسه الباقي وذلك بحسب رسمه
واختياره فيأتي على الطائفة المائة قرش والخمسون قرشا ونحو ذلك فيركب في ثاني يوم
ويذهب الى خطتهم ويلزمهم باحضار الذي قرره عليهم فيجمعونه من بعضهم ويدفعونه واذا
حضرت طائفة ولم تقدم بين يديها هدية أو جعالة
طولوا
عليهم المدة واتعبوهم ونهروهم واستحثوهم في الشغل ولو كانوا من ذوي الحرف المعتبرة
كما وقع لتجار الغورية والحريرية واذا قدموا بين ايديهم شيئا خففوا عليهم واكرموهم
ومنعوا اعيانهم وشيوخهم من الشغل واجلسوهم بخيمة مهتار باشا واحضر لهم الآلات
والمغاني فضربت بين ايديهم كما وقع ذلك لليهود واستمر هذا العمل بقية الشهر الماضي
الى وقتنا هذا فاجتمع على الناس عشرة اشياء من الرذالة وهي السخرة والمعونة واجرة
الفعلة والذل ومهنة العمل وتقطيع الثياب ودفع الدراهم وشماتة الاعداء من النصارى
وتعطيل معاشهم وعاشرها اجرة الحمام
وفي يوم الاربعاء ثاني عشره الموافق لسادس مسرى القبطي
كان وفاء النيل المبارك وكسر السد في صبحها يوم الخميس بحضرة الباشا والقاضي
والشنك المعتاد وجرى الماء في الخليج ولم يطف مثل العادة ومنعوا دخول السفن
والمراكب المعدة للنزهة وذلك بسبب اذية العساكر العثمانية
وفي منتصفه حضر قصاد من الططر وعلى يدهم مكاتبات من
الدولة بوقوع الصلح العام من الدولة والقرانات وعثمان باشا ومن معه من المخالفين
على الدولة ومن جهة الروملي فعملوا شنكا ومدافع ثلاثة ايام تضرب في كل وقت من
الاوقات الخمسة وكتبوا اوراقا بذلك والصقوها في مفارق الطرق بالاسواق وقد تقدم مثل
ذلك واظنه من المختلقات
وفي اواخره حضر حريم الباشا من الجهة الرومية وهما
اثنتان احداهما معتوقة ام السلطان والاخرى معتوقة اخته زوجة قبطان باشا وصحبتهما
عدة سراري فاسكنهن ببيت الشيخ خليل البكري وقد كان عمره قبل حضورهن وزخرفه ودهنوه
بانواع الصباغات والنقوش وفرشوه بالفرش الفاخرة وفرش المحروقي مكانا وكذلك جرجس
الجوهري فرش مكانا واحمد بن محرم واعتنوا بذلك اعتناء زائدا حتى ان جرجس فرش بساطا
من الكشمير وغير ذلك وعمل وليمة العقد وعقد على الثنتين في آن
واحد بحضرة القاضي والمشايخ واهدوا لكل من الحاضرين بقجة من ظرائف الاقمشة الهندية والرومية وعملوا شنكا وحراقة بالازبكية عدة ليال
واستهل شهر جمادى الاولى بيوم الاثنين سنة
في يوم
الاثنين ثامنه شنقوا ثلاثة من عساكر الاروام احدهم بباب زويلة والثاني بباب الخرق
والثالث بالازبكية بالقرب من جامع عثمان كتخدا وقتلوا ايضا شخصا بالنحاسين
وفي يوم الثلاثاء تاسعه عمل الباشا ديوانا وفرق الجامكية
على الوجاقلية
وفيه وردت الاخبار بوقوع حادثة بين الامراء القبالي
والعثمانية وذلك ان شخصا من العثمانية يقال له أجدر موصوفا بالشجاعة والاقدام أراد
أن يكبس عليهم على حين غفلة ليكون له ذكر ومنقبة في أقرانه فركب في نحو الالف من
العسكر المعدودين وكانوا في طرف الجبل بالقرب من الهو فسبق العين الى الامراء
وأخبرهم بذلك فلما توسطوا سطح الجبل واذا بالمصرلية أقبلت عليهم في ثلاثة طوابير
فأحاطوا بهم فضرب العثمانية بنادقهم طلقا واحدا لا غير ونظروا واذا بهم في وسطهم
وتحت سيوفهم ففتكوا فيهم وحصدوهم ولم ينج منهم الا القليل وأخذ كبيرهم أجدر
المذكور أسيرا وانجلت الحرب بينهم وأحضروا أجدر بين يدي الالفي فقال له لاي شيء
سموك أجدر فقال الاجدر معناه الافعى العظيم وقد صرت من اتباعك فقال لكن يحتاج الى
تطريمك واخراج سمك أولا وأمر به فأخذوه وقلعوا اسنانه ثم قتلوه وأخذوا جميع ما كان
معهم ومن جملة ذلك أربعة مدافع كبار
وفيه قلدوا أحمد كاشف سليم امارة اسيوط وعزل أميرها
مقدار بك العثماني بسبب شكوى اهل النواحي من ظلمه
وفي منتصفه تواترت الاخبار برجوع الامراء القبالي الى
بحري وانهم وصلوا الى بني عدي فنهبوا غلالها ومواشيها وقبضوا اموالها وأعطوهم
وصولات بختمهم وكذلك الحواوشة وما جاور ذلك من البلاد فشرع
العثمانية
بمصر في تشهيل جريدة وعساكر
وفيه حضرت ايضا عساكر كثيرة من هبود الاتراك والارنؤد
فأحضروا مشايخ الحارات وأمروهم باخلاء البيوت لسكناهم فأزعجوا الكثير من الناس
وأخرجوهم من دورهم بالقهر فحصل للناس غاية الضرر وضاق الحال بالناس وكلما سكنت
منهم طائفة بدار أخربوها وأحرقوا أخشابها وطيقانها وأبوابها وانتقلوا الى غيرها
فيفعلون بها كذلك ومن تكلم أو دافع عن داره وبخ بالكلام وقيل له عجب كنتم تسكنون
الفرنسيس وتخلون لهم الدور وأمثال ذلك من الكلام القبيح الذي لا أصل له ولما شرعوا
في تشهيل التجريدة حصلت منهم أمور وأذية في الناس كثيرة فمنها أنهم طلبوا الحمارة
المكارية وأمروهم باحضار ستمائة حمار وشددوا عليهم في ذلك فقيل انهم لما جمعوها
أعطوهم أثمانها في كل حمار خمسة ريالات بعدته ولجامه مع أن فيها ما قيمته خمسون
ريالا خلاف عدته ثم ما كفاهم ذلك بل صاروا يخطفون حمير الناس من اولاد البلد
بالقهر وكذلك حمير السقائين التي تنقل الماء من الخليج حتى امتنعت السقاؤن بالكلية
وبلغ ثمن القربة الكتافي من الخليج عشرة انصاف فضة وتعدى بالخطف ايضا من ليس
بمسافر فكانوا ينزلون الناس من على حميرهم ويذهبون بها الى الساحة ويبيعونها
والبعض تبعهم واشترى حماره بالثمن فخبى جميع الناس حميرهم في داخل الدور فكان يأتي
الجماعة من العسكر وينصتون بآذانهم على باب الدار ويتبعون نهيق الحمير وبعض
شياطينهم يقف على الدار ويقول زر ويكررها فينهق الحمار فيعلمون به ويطلبونه من
البيت فأما اخذوه او افتداه صاحبه ببما ارادوه وغير ذلك
وفيه حضر قاضي سكندرية الى مصر وذلك أنه لما حضر من
اسلامبول طلع الى داره وحضرت اليه الدعاوي فأخذ منهم المحصول على الرسم المعتاد
فأرسل اليه الانجليز ولاموه على عدم حضوره اليهم وقت قدومه وقالوا له ان أقمت هنا
بتقليدنا اياك فلا نأخذ من أحد شيئا ونرتب لك
ثلاثة قروش في كل يوم والا فأذهب حيث شئت فحضر الى مصر بذلك السبب
شهر جمادى الثانية سنة
في خامسه سافرت العساكر الى الامراء القبالي وسافر ايضا عثمان بك الحسني وباقي العساكر المعزولين وأمير العساكر العثمانية محمد علي سرششمه وكان الباشا أرسل ابراهيم كاشف الشرقية بجواب اليهم فرجع في ثامنه بجواب الرسالة وأعطاه الالفي ألفي ريال وقدم له حصانين وحاصل تلك الرسالة كما تقدم الامان لجميع الامراء المصرلية وانهم يحضرون الى مصر ويقيمون بها ولهم ما يرضيهم من الفائظ وغيره ما عدا الاربعة الامراء وهم ابراهيم بك والالفي والبرديسي وأبا دياب فانهم مطلوبون الى حضرة السلطان يتوجهون اليه مع الامن عليهم ويعطيهم مناصب وولايات كما يحبون فان لم يرضوا بذلك فيأخذوا اقطاع اسنا ويقيمون بها فلما وصل ابراهيم اغا المذكور الى أسيوط وأرسل اليهم ارسلوا اليه أحمد آغا شويكار ومحمد كاشف الالفي فانتظروه خارج الجبانة فخرج اليهم ولاقوه وأخذوه وصحبتهم الى عرضيهم وأنزلوه بوطاق بات به فلما اصبح الصباح طلبوه الى ديوانهم فحضر ووقفت عساكرهم صفوفا ببنادقهم وفيهم كثير على هيئة اصطفاف الفرنسيس وعملوا له شنكا ومدافع ثم اعطاهم المكاتبة بحضرة الجميع فقرؤها ثم تكلم الالفي وقال أما قولكم نذهب الى اسلامبول ونقابل السلطان ينعم علينا فهذا مما لا يمكن وان كان مراده أن ينعم علينا فاننا في بلاده وانعامه لا يتقيد بحضورنا بين يديه واما بقية اخواننا فهم بالخيار ان شاؤا أقاموا معنا والا ذهبوا وكل انسان امير نفسه واما كون حضرة الباشا يعطينا اقطاع اسنا فلا يكفينا هذا وانما يكفينا من اسيوط الى آخر الصعيد ونقوم بدفع خراجه فان لم يرضوا بذلك فان الارض لله ونحن خلق الله نذهب حيث شئنا ونأكل من رزق الله ما يكفينا ومن أتى الينا حاربناه حتى يكون
من امرنا
ما يكون ثم استقروا بقنطرة اللاهون وكسروا القنطرة وشرعوا في قبض اموال من بلاد
الفيوم فلما رجع ابراهيم كاشف بذلك الجواب ركب الباشا في صبحها الى الآثار واستعجل
العسكر بالذهاب فعدوا الى البر الغربي وتأخر عنهم عثمان بك الحسني والغز المصرلية
وباتوا بطرا
وفيه شنق الباشا رجلا طبجيا في المشنقة التي عند قنطرة
المغربي ثم ان عثمان بك ارسل الى الباشا يطلب حسين اغا شنن ومصطفى اغا الوكيل
ليتفاوض معهما في كلام فأرسل له ابراهيم اغا كاشف الشرقية فأعطاه الخلعة التي
خلعها عليه الباشا ودراهم الترحيلة وقال له سلم علي افندينا واخبره اني جاهدت
الفرنسيس وبلوت معهم ثم اني حضرت بامان طائعا فلم اجاز ولم يحصل ما كنت اؤمله ولم
يوفوا معي وعدا وانا لا اقاتل اخواني المسلمين واختم عملي بذلك ولا اقيم بمصر آكل
الصدقة وانما اذهب سائحا في بلاد الله وكان في ظن عثمان بك انه اذا اتى الى مصر
على هذه الصورة يجعله الباشا امير البلد أو امير الحاج
وفيه امر الباشا محمد كتخدا المعروف بالزربة بالسفر الى
جهة قبلي فاستعفى من ذلك فأمر بقتله فشفع فيه يوسف كتخدا الباشا وقال ان له حرمة
وقد كان في السابق كتخدا لافندينا ولا يناسب قتله على هذه الصورة فأمر بسفره الى
جهة البحيرة محافظا فسافر من يومه واما عثمان بك فانه ركب وذهب الى جهة قبلي مشرقا
على غير الرسم واشيع ذلك في الناس ولغطوابه فلما تحقق العثمانية ذلك رسموا الطوائف
العسكر أن يقيموا منهم طوائف بالقلاع التي على التلول ونصبوا عليها بيارق واوقفوا
حراسا على ابواب المدينة يمنعون من يخرج من المدينة من الغز الخياله والمصرلية فمن
خرج الى بولاق او غيرها فلا يخرج الا بورقة من كتخدا الباشا
وفي ليلة الجمعة عاشره أمر الباشا بكبس بيوت الامراء
الحسنية ونهب ما بها من الخيول والجمال والسلاح
وفيه حضر
اغات التبديل الى بيت الخربطلي بعطفة خشقدم وبه جماعة من عسكر المغاربة فكبس عليهم
وقبض على جماعة منهم وكتفهم وكشف رؤسهم وأحاطت بهم عساكره وسحبوهم واخذوا ما وجدوه
في جيوبهم على هيئة شنيعة ومروا بهم على الغورية ثم على النحاسين وباب الشعرية حتى
انتهوا بهم الى الازبكية على حارة النصارى ودخلوا بهم بيت الباشا وهم لا يعلمون
لهم ذنبا فلما مثلوا بين يدي كتخدا الباشا ذكر لهم أن بجوارهم دير للنصارى وأنهم
فتحوا طاقا صغيرا يطل على الدير فقالوا لا علم لنا بذلك وأخبروا ان جماعة من
الارنؤد ساكنون معهم بأعلى الدار فيحتمل أن ذلك من فعلهم فأرسلوا من كشف على ذلك
فوجدوه كما قال المغاربة فأطلقوهم بعد هذه الجرسة الشنيعة ومرورهم بهم الى حارة
النصارى وأخذ دراهمهم ومتاعهم والامر لله وحده
وفيه أشيع مرور جماعة من الغز القبالي على جهة الجيزة
الى جهة سكندرية وكذلك جماعة من الانجليز من سكندرية الى قبلي
وفيه تداعي مصطفى خادم مقام سيدي أحمد البدوي مع نسيبه
سعد بسبب ميراث اخته فقال مصطفى أنا أحاسبه علىخمسين ألف ريال فقال سعد انا استخرج
منه مائتي ألف ريال بشرط أن تعوقوه هنا وتعطوني خادمه وجماعة من العسكر ففعلوا ذلك
وعوقوه ببيت السيد عمر النقيب وتسلم سعد خادمه والعسكر وذهب بهم الى طندتا فعاقبوا
الخادم فاقر على مكان اخرجوا منه ستة وثلاثين ألف ريال فرانسه ثم فتحوا بئر مردومة
بالاتربة واخرجوا منها ريالات فرانسه وانصافا وارباعا وفضة عددية كلها مخلوطة
بالاتربة وقد ركبها الصدأ والسواد فأحضروها وجلوها في قاعة اليهود ولم يزالوا
يستخرجون حتى غلقوا مائة وسبعة وثمانين ألف وسبعمائة وكسورا وآخر الامر اخرجوا
خبيئة لا يعلم قدرها ثم حصل العفو ورجع العسكر واخذوا كراء طريقهم وأخذوا من اولاد
عمه عشرة اكياس
وفي يوم السبت حادي عشره كان آخر التسخير في نقل التراب
من
العمارة
وكان آخر ذلك طائفة الخردة من الغياش والقرادتية وارباب الملاعيب وبطل الزمر
والطبل واستمر الفعلة في حفر الاساس ورشح عليهم الماء بادنى حفر لكون ان ذلك في
وقت النيل والبركة ملائة بالماء حول ذلك
وفي خامس عشره خرجت عساكر ودلاة ايضا وسافروا الى قبلي
وفي ثالث عشرينه سافر عساكر في نحو الاربعين مركبا الى
جهة البحيرة بسبب عرب بنى على فأنهم عانوا بالبحيرة ودمنهور
ومن الحوادث السماوية
ان في تلك
الليلة وهي ليلة الاربعاء ثاني عشرينه احمرت السماء بالسحاب عند غروب الشمس حمرة
مشوبة بصفرة ثم انجلت وظهر في اثرها برق من ناحية الجنوب في سحاب قليل متقطع
وازداد وتتابع من غير فاصل حتى كان مثل شعلة النفط المتوقدة المتوجة بالهواء
واستمر ذلك الى ثالث ساعة من الليل ثم تحول الى جهة المغرب وتتابع لكن بفاصل على
طريقة البرق المعتاد واستمر الى خامس ساعة ثم أخذ في الاضمحلال وبقي أثره غالب
الليل وكان ذلك ليلة سادس عشرين درجة من برج الميزان وحادي عشر بابه القبطي وثامن
تشرين اول الرومي ولعل ذلك من الملاحم المنذرة بحادث من الحوادث
وفيه ورد الخبر بورود مركب من فرانسا وبها الجي وقنصل
وصحبتهما عدة فرنسيس فعمل لهم الانكليز شنكا ومدافع بالاسكندرية فلما كان ليلة
الثلاثاء ثامن عشرينه وصل ذلك الالجي وصحبته خمسة من اكابر الفرنسيس الى ساحل
بولاق فأرسل الباشا لملاقاتهم خازنداره وصحبته عدة عساكر خيالة وبأيديهم السيوف
المسلولة فقابلوهم وضربوا لهم مدافع من بولاق والجيزة والازبكية وركبوا الى دار
أعدت لهم بحارة البنادقة وحضروا في صبحها الى عند الباشا وقابلوه وقدم لهم خيلا
معدة واهدى لهم هدايا وصاروا يركبون في هيئة وأبهة معتبرة وكان فيهم جبير ترجمان
بونابارته
وفيه وردت الاخبار بأن الغز القبالي نهبوا بلاد الفيوم وقبضوا أموالها ونهبوا غلالها ومواشيها وحرقوا البلاد التي عصت عليهم وقتلوا ناسها حتى قتلوا من بلدة واحدة مائة وخمسين نفرا واما العثمانية الكائنون بالفيوم فانهم تحصنوا بالبلدة عملوا لهم متاريس بالمدينة وأقاموا داخلها
شهر رجب الفرد سنة
استهل بيوم الجمعة فيه رموا اساس عمارة الباشا وكان طلب من الفلكيين ان يختاروا له وقتا لوضع الاساس ففعلوا ذلك وكان بعد اثني عشر يوما من يوم تاريخه فأستبعده وأمر برمي الاساس في اليوم المذكور
ورب النجم يفعل ما يشاء
وفيه
احضروا أربعة رؤس فوضعت عند باب الباشا زعموا أنهم من قتلى الغز المصرلية
وفي خامسه يوم الثلاثاء سافر الالجي الفرنساوي وأصحابه
فنزلوا الى بولاق وامامهم مماليك الباشا بزينتهم وهم لابسون الزروخ والخود
وبايديهم السيوف المسلولة وخلفهم العبيد المختصة بالباشا وعلى رؤسهم طراطير حمر
وبايديهم البنادق على كواهلهم فلم يزالوا صحبتهم حتى نزلوا ببيت راشتوا ببولاق ثم
رجعوا ثم نزلوا المراكب الى دمياط وضربوا لهم مدافع عند تعويمهم السفن
وفيه أشيع انتشار الامراء القبالي الى جهة بحري وحضروا
الى اقليم الجيزة وطلبوا منها الكلف حتى وصلوا الى وردان
وفيه حضر محمد كتخدا المعروف بالزربة الذي كان كتخدا الباشا
وتقدم أنه كان أمره بالسفر الى قبلي فأمتنع وأذن له بالسفر الى البحيرة محافظا
فلما تقدم طوائف الامراء الى بحري فمر منهم جماعة قليلة على محمد كتخدا الزربة
المذكورة فلم يتعرض لهم مع قدرته على تعويقهم فبلغ الباشا ذلك فحقدها عليه وأرسل
اليه وطلبه الى الحضور فحضر فلما كان يوم السبت تاسعه طلبه الباشا في بكرة النهار
فلما أحضر أمر بقتله فنزل به العسكر
ورموا
رقبته عند باب الباشا ثم نقلوه الى بين المفارق قبالة حمام عثمان كتخدا فاستمر
مرميا عريانا الى قبيل الظهر ثم شالوه الى بيته وغسلوه في حوش البيت سكنه ودفنوه
وعند موته ارسل الدفتردار فختم على داره واخرج حريمه وفي ثاني يوم أحضروا تركته
ومتاعه وباعوا ذلك ببيت الدفتردار
وفيه وردت مكاتبات من الديار الرومية وفيها الخبر بعزل
شريف أفندي الدفتردار وولاية خليل افندي الرجائي المنفصل عن الدفتردارية عام أول
فحزن الناس لذلك حزنا عظيما فأن أهل مصر لم يروا راحة من وقت دخول العثمانية الى
مصر بل من نحو أربعين سنة سوى هذه السنة التي باشرها هو فأنه أرضى خواطر الصغير
قبل الكبير والفقير قبل الغني وصرف الجامكية وغلال الانبار عينا وكيلا وكان كثير
الصدقات ويحب فعل الخير والمعروف وكان مهذبا في نفسه بشوشا متواضعا وهو الذي أرسل
يطلب الاستعفاء من الدفتردارية لما رأى من اختلال أحكام الباشا
وفي يوم الاثنين حادي عشره عدى يوسف كتخدا الباشا الى
برانبابة وعدى معه الكثير من العسكر ونصب العرضى ببرانبابة على ساحل البحر وأشيع
وصول الامراء الى ناحية الجسر الاسود وقطعوا الجسر لاجل تصفية المياه وانحدارها من
الملق لاجل مشى الحافر ثم رجعوا الى ناحية المنصورية وبشتيل واستمر خروج العساكر
والعثمانية التي كانت جهة قبلي الى برانبابة وهم كالجراد المنتشر ونصبوا وطاقهم
ظاهر انبابة واستمر خروج العساكر والطلب ونقل البقساط والجبخانة على الجمال
والحمير ليلا ونهارا وأخذوا المراكب ووسقوها معهم في البحر وغصبوا ما وجدوه من
السفن قهرا وانتشرت عساكرهم وخيامهم ببرانبابة حتى ملؤا الفضاء بحيث يظن الرائي
لهم انهم متى تلاقوا مع الغز المصرلية اخذوهم تحت اقدامهم لكثرتهم واستعدادهم بحيث
كان اوائل العرضي عند الوراريق
وآخرهم
بالقرب من بولاق التكر ورطولا ثم ان الامراء رجعوا الى ناحية وردان والطرانة
وفي يوم الجمعة خامس عشره انتقل العرضي من برانبابة
وحلوا الخيام وفي ثاني يوم خرجت عساكر خلافهم ونصبت مكانهم وسافروا وخرج خلافهم
وهكذا دأبهم في كل يوم تخرج طائفة بعد اخرى
وفيه رسم الباشا بالف اردب فتح انعام تفرق على طلبة
العلم المجاورين والاروقة بالجامع الازهر ففرقت بحسب الاغراض وانعم ايضا بعد أيام
بالف اردب اخرى فعل بها كذلك ... وانها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلا
ولا كرما ...
وفي يوم الاحد سابع عشره وصلت جماعة ططر واخبروا بتقليد
شريف محمد افندي الدفتردار ولاية جدة
وفي يوم الثلاثاء تاسع عشره خرج طاهر باشا ونصب وطاقه
جهة انبابة للمحافظة وخرجت عساكره ونصبت وطاقاتهم ببر انبابة ايضا متباعدين عن
بعضهم البعض واستمروا على ذلك
وفي يوم الجمعة ثاني عشرينه حضر رجل من طرف الدولة يقال
له حجان وهو رجل عظيم من ارباب الاقلام وعلى يده فرمان فأرسل الباشا الى شريف
افندي الدفتردار والقاضي والمشايخ وجمعهم بعد صلاة الجمعة وقرىء عليهم ذلك الفرمان
وهو خطاب الى حضرة الباشا وملخصه اننا اخترناك لولاية مصر لكونك ربيت بالسراية
ولمانعلمه منك من العقل والسياسة والشجاعة وارسلنا اليك عساكر كثيرة وامرناك بقتال
الخائنين واخراج الاربعة انفار من الاقليم المصري بشرط الامان عليهم من القتل
وتقليدهم ما يختارونه من المناصب في غير اقليم مصر واكرامهم غاية الاكرام ان
امتثلوا الاوامر السلطانية واطلقنا لك التصرف في الاموال الميرية لنفقة العسكر
واللوازم وما عرفنا موجب تأخير امرهم لهذا الوقت فان كان لقلة العساكر أرسلنا اليك
كذلك ان لم يمتثلوا وكل من انضم اليهم كان مثلهم
ومن شذ
عنهم وطلب الأمان فهو مقبول وعليه الامان الى آخر ما ذكر من ذلك المعنى
وفي يوم السبت ثالث عشرينه كتبت اوراق بمعنى ذلك وألصقت
بالطرقات
وفي خامس عشرينه تواترت الاخبار بوقوع معركة بين
العثمانيين والامراء المصرلية بأراضي دمنهور وقتل من العساكر العثمانية مقتلة
عظيمة وكانت الغلبة للمصرليين وانتصروا على العثمانيين وصورة ذلك انه لما تراءى
الجمعان واصطفت عساكر العثمانيين الرجالة ببنادقهم واصطفت الخيالة بخيولهم وكان
الالفي بطائفة من الاجناد نحو الثلاثمائة قريبا منهم وصحبتهم جماعة من الانكليز
فلما رأوهم مجتمعين لحربهم قال لهم الانكليز ماذا تصنعون قالوا نصدمهم ونحاربهم
قال الانكليز انظر واما تقولون ان عساكرهم الموجهين اليكم اربعة عشر الفا وانتم
قليلون قالواالنصر بيد الله فقالوا دونكم فساقوا اليهم خيولهم واقتحموا الى
الخيالة فقتل منهم من قتل فأنهزم الباقون وتركوا الرجالة خلفهم ثم كروا على
الرجالة فلم يتحركوا بشيء وطلبوا الامان فساقوا منهم نحو السبعمائة مثل الاغنام
واخذوا الجبخانة والمدافع وغالب الحملة والانكليز وقوف على علة ينظرون الى
الفريقين بالنظارات فلما تحقق الباشا ذلك اهتم في تشهيل عساكر ومدافع وعدوا الى بر
انبابة ونصبوا وطاقهم هناك وانتقل ظاهر باشا الى ناحية الجيزة
استهل شهر شعبان بيوم السبت سنة فيه شرعوا في عمل متاريس جهة الجيزة
وقبضوا
على أناس كثيرة من ساحل مصر القديمة ليسخروهم في العمل
وفيه حضر الكثير من العساكر المجاريح وجمع الباشا
النجارين والحدادين وشرع في عمل شركفلك فاشتغلوا فه ليلا ونهارا حتى تمموه في خمسة
أيام وحملوه على الجمال وأنزلوه المراكب وسفروه الى دمنهور
في سادسه
وفي عاشره كتبوا عدة اوراق وختم عليها المشايخ ليرسلوها الى البلاد خطأ بالمشايخ
البلادوالعربان مضمونها معنى ما تقدم وكتبوا كذلك نسخا وألصقت بالاسواق وذلك
باشارة بعض قرناء الباشا المصرلية وهي بمعنى التحذير والتخويف لمن يسالم الامراء
المصرلية وخصوصا المغضوب عليهم مطرودين السلطنة للعصاة الى آخر معنى ما تقدم
وفي هذه الايام كثرت الغلال حتى غصت بها السواحل
والحواصل ورخص سعرها حتى بيع القمح بمائة وعشرين نصفا الاردب واستمرت الغلال معرمة
في السواحل ولا يوجد من يشتريها وكان شريف افندي الدفتردار أنشأ اربعة مراكب كبار
لغلال الميري ولما حصلت النصرة للمصرلية على العثمانية خصوصا هذه المرة مع كثرتهم
وقوتهم واستعدادهم ضبغوا فيهم واحتكروها ووقفوا على سواحل النيل يمنعون الصادر
والوارد منهم ومن غيرهم وأما الباشا فأنه سخط على العساكر وصار يلعنهم ويشتمهم في
غيابهم وحضورهم
وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وعلمائها هروبا من
الوهابيين وقصدهم السفر الى اسلامبول يخبرون الدولة بقيام الوهابيين ويستنجدون بهم
لينقذوهم منهم ويبادروا لنصرهم عليهم فذهبوا الى بيت الباشا والدفتردار وأكابر البلد
وصاروا يحكون ويشكون وتنقل الناس أخبارهم وحكاياتهم
استهل شره رمضان المعظم سنة
عملت الرؤية ليلة الاحد وركب المحتسب ومشايخ الحرف على العادة ولم ير الهلال وكان غيما مطبقا فلزم اتمام عدة شعبان ثلاثين يوما فأنتدب جماعة ليلة الاحد وشهدوا انهم رأوا هلال شعبان ليلة الجمعة فقبله القاضي وحكم به تلك الليلة على ان ليلة الجمعة التي شهدوا برؤيته فيها لم يكن
للهلال
وجودالبتة وكان الاجتماع في سادس ساعة من ليلة الجمعة المذكورة باجماع الحساب
والدساتير المصرية والرومية على انه لم ير الهلال ليلة السبت الاحد يد البصر في
غاية العمر والعجب وشهر رجب كان أوله الجمعة وكان عسر الرؤية ايضا وان الشاهد بذلك
لم يتفوه به الا تلك الليلة فلو كانت شهادته صحية لاشاعها في أول الشهر ليوقع ليل
النصف التي هي من المواسم الاسلامية في محلها حيث كان حريصا على اقامة شعائر
الاسلام
وفيه حضرت جماعة من اشراف مكة وغيرها
وفي خامس عشرينه حضر خليل افندي الرجائي الدفتردار في
قلة من اتباعه وترك أثقاله بالمراكب وركب من مدينة فوة وحضر على البر وذلك بسبب
وقوف جماعة من الامراء المصرلية ناحية النجيلة يقطعون الطريق على المارين في
المراكب ولما حضر نزل ببيت اسمعيل بك بالازبكية
وفي غايته وقع ما هو أشنع مما وقع في غرته وذلك ان ليلة
الاثنين غايته كان بالسماء غيم مطبق ومطر ورعد وبرق متواتر وأوقدت قناديل المنارات
والمساجد وصلى الناس التراويح واستمر الحال الى سابع ساعة من الليل واذا بمدافع
كثيرة وشنك من القلعة والازبكية ولغط الناس بالعيد وذكروا ان جماعة حضروا من
دمنهور البحيرة وشهدوا انهم رأوا هلال رمضان ليلة السبت فذهبوا الى بيت الباشا
فأرسلهم الى القاضي فتوقف القاضي في قبول شهادتهم فذهبوا الى الشيخ الشرقاوي
فقبلهم وايدهم وردهم الى القاضي والزمه بقبول شهادتهم فكتبوا بذلك اعلاما الى
الباشا وقضوا بتمام عدة رمضان بيوم الاحد ويكون غرة شوال صبحها يوم الاثنين واصبح
الناس في امر مريج منهم الصائم ومنهم المفطر فلزم من ذلك انهم جعلوا رجب ثمانية
وعشرين يوما وشعبان تسعة وعشرين وكذلك رمضان والامر لله وحده
شهر شوال سنة
كان اوله
الحقيقي يوم الثلاثاء وجزم غالب الناس المفطرين بقضاء يوم الاثنين
وفي خامسه وصلت اثقال خليل افندي الرجائي الدفتردار
وفيه طلبوا الف كيس سلعة من التجار وارباب الحرف فوزعت
وقبضت على يد احمد المحروقي وهي اول حادثة وقعت بقدوم الدفتردار
وفي يوم الخميس عاشره نصب جاليش شريف باشا المعبر عنه
بالطوخ عند بيته بالازبكية وضربت له النوبة التركية واهدى له الباشا خياما كثيرة
وطقما ولوازم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرينه كان خروج امير الحاج
بالموكب والمحمل المعتاد الى الحصوة وكان ركب الحجاج في هذه السنة عالما عظيما
وحضر الكثير من حجاج المغاربة من البحر وكذلك عالم كثير من الصعيد وقرى مصر
البحرية والاروام وغير ذلك
وفي يوم الخميس خامس عشرينه خرج شريف باشا في موكب جليل
ونصب وطاقه عند بركة الشيخ قمر فأقام به الى ان يسافر الى جدة من القلزم وانتقل
خليل افندي الرجائي الدفتردار الى دار شريف باشا بالازبكية
وفي غايته حضر أولاد الشريف سرور شريف مكة هروبا من
الوهابيين ليستنجدوا بالدولة فنزلوا ببيت المحروقي بعدما قابلوا محمد باشا والي
مصر وشريف باشا والي جدة
شهر ذي القعدة الحرام سنة
استهل بيوم الاربعاء فيه تقدم الناس بطلب الجامكية فأمرهم الدفتردار بكتابة عرضحالات فثقل عليهم ذلك فقالوا اننا كتبنا عرضحالات في السنة الماضية وأخذنا سنداتنا من الدفتردار المنفصل ودفع لنا سنة ستة عشر فقيل لهم انه دفع لكم سنة معجلة والحساب لا يكون الا من يوم التوجيه
فضجوا من
ذلك وكثر لغط الناس بسبب ذلك واكثروا من التشكي من الدفتردار
وفي سادسه اجتمع الكثير من النساء بالجامع الأزهر وصاحوا
بالمشايخ وأبطلوا دروسهم فاجتمعوا بقبلته ثم ركبوا الى الباشا فوعدهم بخير حتى
ينظر في ذلك وبقي الامر وهم في كل يوم يحضرون وكثر اجتماعهم بالأزهر وباب الباشا
فلم يحصل لهم فائدة من ذلك سوى أن رسم لهم بمواجب اخر سنة تاريخه معجلة ولم يقبضوا
منها الا ما قل بسبب تتابع الشرور والحوادث
وفي حادي عشره يوم السبت ارتحل شريف باشا الى بركة الحج
متوجها الى السويس
وفيه ارتحل حجاج المغاربة وكانوا كثيرين فسافر اغنياؤهم
والكثير من فقرائهم من طريق البر وآخرون من السويس على القلزم
وفي رابع عشره حضر ططريات الى الباشا وعلى يدهم شالات
شريفة وبشارة بتقرير على السنة الجديدة وزيد له تشريف تترخانية ومعناه مرتبة عالية
في الوزارة فضربوا شنكا ومدافع متوالية يومين
وفيه اشيع انتقال الامراء المصرلية من جهة البحيرة
وقبلوا الى ناحية الجسر الاسود وأشيع ايضا ان جماعة منهم نزلوا بصحبة جماعة من
الانكليز الى البحر قاصدين التوجه الى اسلامبول وانتقل كتخدا بك خلفهم بعساكره
ولكن لم يتجاسروا على الاقدام عليهم
وفيه وصلت الاخبار من الجهات الشامية بهروب محمد باشا
أبي مرق من يافا واستيلاء عساكر احمد باشا الجزار عليها وذلك بعد حصاره فيها سنة
وأكثر
وفي رابع عشره حضر كتخدا الباشا وتقدم الامراء المصرلية
الى جهة قبلي حتى عدوا الجيزة وحصل منهم ومن العساكر العثمانية الضرر الكثير في
مرورهم على البلاد من التفاريد والكلف ورعى الزروع وقطع الطرق
برا وبحرا
وكان آغات الجو الى القبلية وهو نجيب افندي كتخدا الدفتردار وصحبته ارباب مناصب
عدوا الى الجيزة متوجهين الى الصعيد ونصبوا خيامهم ببر الجيزة فصادفوهم وهجموا
عليهم وقتلوا منهم من وجدوه وهرب الباقون فاستولوا على خيامهم ووطاقهم وكذلك كتخدا
الدفتردار خرج الى مصر القديمة متوجها الى الصعيد لقبض الغلال والاموال فاستمر
مكانه وتأخر لعدم المراكب وخوفا من المذكورين
وفيه ورد الخبر بنزول شريف باشا الى المراكب بالقلزم يوم
الخميس سادس عشره
وفي يوم الاربعاء ثاني عشرينه طلبوا ايضا خمسة آلاف كيس
سلفة من التجار ثلاثة آلاف كيس ومن الملتزمين ألفا كيس وشرعوا في توزيعها فأنزعج
الناس واغلق أهل الغورية حوانيتهم وكذا خلافهم وهرب أهل وكالة الصابون الى الشام
على الهجن واختفى اكثر الناس مثل السكرية واهل مرجوش وخلافهم فطلبهم المعينون
ولزموا بيوتهم وسمروا مطابخ السكر وكذلك عملوا فردة على البلاد أعلى وأوسط وأدنى
الا على خمسمائة ريال والاوسط ثلثمائة والادنى مائة وخمسون
وفيه تحقق الخبر بنزول طائفة الانكليز وسفرهم من ثغر
الاسكندرية في يوم السبت حادي عشره ونزل بصحبتهم محمد بك الالفي وصحبته جماعة من
اتباعه
وفي خامس عشرينه حضر أحمد باشا والي دمياط وكانوا أرسلوا
له طوخا ثالثا وأنه يحضر ويتوجه لمحافظة مكة وكذلك قلدوا آخر باشاوية المدينة يسمى
أحمد باشا وضعوا لهما عسكرا يسافرون صحبتهم للمحافظة من الوهابيين وأخذوا في
التشهيل
وفي هذه الايام كثر تشكي العسكر من عدم الجامكية والنفقة
فأنه اجتمع لهم جامكية نحو سبعة أشهر وقد قطع عليهم الباشا رواتبهم وخرجهم لقلة
الايراد وكثرة المطلوبات وكراهته لهم فصار كبراؤهم يترددون
ويكثرون
من مطالبة الدفتردار حتى كان يهرب من بيته غالب الايام وأشيع بالمدينة قيام العسكر
وانهم قاصدون نهب امتعة الناس فنقل أهل الغورية وخلافهم بضائعهم من الحوانيت
وامتنع الكثير منهم من فتح الحوانيت وخافهم الناس حتى في المرور وخصوصا أوقات
المساء فكانوا اذا انفردوا بأحد شلحوه من ثيابه وربما قتلوه وكذلك أكثروا من خطف
النساء والمردان
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرينه كان انتقال الشمس لبرج
الحمل وأول فصل الربيع وفي تلك الليلة هبت رياح شمالية شرقية هبوبا شديدا مزعجا
واستمرت بطول الليل وفي آخر الليل قبل الفجر اشتد هبوبها ثم سكنت عند الشروق وسقط
تلك الليلة دار بالحبالة بالرميلة ومات بها نحو ثلاثة أشخاص وداران أيضا بطولون
وغير ذلك حيطان وأطارف أماكن قديمة ثم تحولت الريح غربية قوية واستمرت عدة أيام
ومعها غيم ومطر
وفيه وصل الامراء المصرلية الى الفيوم فأخذوا كلفا
ودراهم كثيرة فردوها على البلاد ثم سافروا الى الجهة القبلية
وفيه ورد الخبر بأن المراكب التي بها ذخيرة أمير الحاج
بالقلزم المتوجهة الى الينبع والمويلح غرقت بما فيها ومركب الجميعي من جملتها
وفيه حضر مصطفى بينباشا الذي كان ايام الوزير بمصر الى
بلبيس وهو موجه بطلب مبلغ دراهم فأقام ببلبيس حتى أرسلوها له ثم ذهب الى دمياط
وصحبته نحو الاربعمائة من الارنؤد ليسافر من البحر
وفيه توجه المحروقي والكثير من الناس لزيارة سيدي أحمد
البدوي لمولد الشرنبلالية وأخذ معه عدة كثيرة من العسكر خوفا من العربان ووصل اليه
فرمان بطلب دراهم من أولاد الخادم ومن أولاد البلد فدلوا على مكان لمصطفى الخادم
فأستخرجوا منه ستة آلاف ريال وطلبوا من كل واحد من اولاد عمه مثلها
شهر ذي الحجة الحرام سنة
استهل
بيوم الجمعة في يوم الاثنين رابعه قتلوا شخصا عسكريا نصرانيا عند باب الخرق قتله
آغات التبديل بسبب انه كان يقف عند باب داره بحارة عابدين هو ورفيقان له ويخطفون
من يمر بهم من النساء في النهار الى ان قبض عليه وهرب رفيقاه
وفيه ايضا أخرجوا من دار بحارة خشقدم قتلى كثيرة نساء
ورجالا من فعل العسكر
وفيه عدي ابراهيم باشا الى بر الجيزة
وفي يوم الاحد عاشره كان عيد الاضحى في ذلك اليوم حضر من
الامراء القبالي مكاتبة على يد الشيخ سليمان الفيومي خطابا للمشايخ فأخذها بختمها
وذهب بها الى الباشا ففتحها واطلع على ما فيها ثم طلب المشايخ فحضروا اليه وقت
العصر
وفي يوم الجمعة خامس عشره حضرت مكاتبات من الديار
الحجازية يخبرون فيها عن الوهابيين انهم حضروا الى جهة الطائف فخرج اليهم شريف مكة
الشريف غالب فحاربهم فهزموه فرجع الى الطائف وأحرق داره التي بها وخرج هاربا الى
مكة فحضر الوهابيون الى البلدة وكبيرهم المضايفي نسيب الشريف وكان قد حصل بينه
وبين الشريف وحشة فذهب مع الوهابيين وطلب من مسعود الوهابي أن يؤمره على العسكر
الموجه لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا
فأخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والاطفال
وهذا دأبهم مع من يحاربهم
وفي ذلك اليوم مر أربعة أنفار من العسكر وأخذوا غلاما
لرجل حلاق بخط بين السورين عند القنطرة الجديدة فعارضهم الاوسطى الحلاق في أخذ
الغلام فضربوا الحلاق وقتلوه ثم ذهبوا بالغلام الى دارهم بالخطة فقامت في الناس
ضجة وكرشة وحضر اغات التبديل فطلبهم فكرنكوا بالدار
وضربوا
عليه البنادق من الطيقان فقتلوا من اتباعه ثمانية أنفار ولم يزالوا على ذلك الى
ثاني يوم فركب الباشا في التبديل ومر من هناك وأمر بالقبض عليهم فنقبوا عليهم من
خلف الدار وقبضوا عليهم بعد ما قتلوا وجرحوا آخرين فشنقوهم ووجدوا بالدار مكانا
خربا اخرجوا منه زيادة عن ستين امرأة مقتولة وفيهن من وجدوها وطفلها مذبوح معها في
حضنها
وفيه حضر علي آغا الوالي الى بيت احمد آغا شويكار بضرب
سعادة واخرج منه قتلى كثيرة وامثال ذلك شيء كثير
وفي خامس عشره ايضا امر الباشا الوجاقلية ان يخرجوا جهة
العادلية لاجل الخفر من العربان فانهم فحش امرهم وتجاسروا في التعرية والخطف حتى
عل نواحي المدينة بل وطريق بولاق وغير ذلك فلما كان في ثاني يوم ركب الوجاقلية
بأبهتهم وبيارقهم وحضروا الى بيت الباشا وخرجوا من هناك الى وطاقهم الذي أعدوه
لأنفسهم خارج القاهرة وشرعوا ايضا في تعمير قصر من القصور الخارجة التي خربت أيام
الفرنسيس
وفي تاسع عشره سافر جماعة الوجاقلية المذكورين وصحبتهم
عدة من العسكر الى جهة عرب الجزيرة بسبب اغارة موسى خالد ومن معه على البلاد وقطع
الطرق فلاقاهم المذكور وحاربهم وهزمهم الى وردان وذهب هو الى جهة البحيرة
وفي رابع عشرينه يوم الاحد كان عيد النصارى الكبير في
ليلتها وهي ليلة الاثنين وقع الحريق في الكنيسة التي بحارة الروم وفي صبحها شاع
ذلك فركب اليها أغات الانكشارية والوالي وأحضروا السقائين والفعلة الذين يعملون في
عمارة الباشا حتى أخذوا الناس المجتمعة بسوق المؤيد بالانماطيين وحضر الباشا ايضا
في التبديل واجتهدوا في اطفائها بالماء والهدم حتى طفئت في ثاني يوم واحترق بها
أشياء كثيرة وذخائر وأمتعة ونهبت أشياء
وفيه وردت اخبار بان الامراء المصرلية وصلوا الى منية بن
خصيب
فأرسلوا
الى حاكمها بان ينتقل منها ويعدى هو ومن معه من العسكر الى البر الشرقي حتى انهم
يقيمون بها اياما ويقضون اشغالهم ثم يرحلون فأبوا عليهم وحصنوا البلدة وزادوا في
عمل المتاريس وحاكمها المذكور سليم كاشف تابع عثمان بك الطنبرجي المرادي المقتول
فانه سالم العثمانيين وانضم اليهم فألبسوه حاكما على المنية واضافوا اليه عساكر
فذهب اليها ولم يزل مجتهدا في عمل متاريس ومدافع حتى ظن انه صار في منعة عظيمة
فلما أجابهم بالامتناع حضروا الى البلدة وحاربهم اشد المحاربة مدة أربعة ايام بلياليها
حتى غلبوا عليهم ودخلوا البلدة وأطلقوا فيها النار وقتلوا أهلها وما بها من العسكر
ولم ينج منهم الا من ألقى نفسه في البحر وعام الى البر الاخر أو كان قد هرب قبل
ذلك وأما سليم كاشف فانهم قبضوا عليه حيا وأخذوه أسيرا الى ابراهيم بك فوبخه وأمر
بضربه فضربوه علقة بالنبابيت
وفيه وصلت هجانة من شريف باشا بمكاتبة للباشا والدفتردار
يخبر فيها انه وصل الى الينبع وهو عازم على الركوب من هناك على البر ليدرك الحج
ويترك أثقاله تتوجه في المركب الى جده
وفي غايته وصل سلحدار الباشا وصحبته أغات المقرر الذي
تقدمت بشارته فلما وصلوا الى بولاق أرسل الباشا في صبحها اليهم فركبوا في موكب الى
بيت الباشا وضربوا لهم مدافع وحضر المشايخ والقاضي والاعيان والوجاقات فقرىء عليهم
ذلك وفيه الامر بتشهيل غلال للحرمين والحث والامر بمحاربة المخالفين
وفيه بعثوا نحو ألف من العسكر الى جهة اسيوط للمحافظة
فساروا على الهجن من البر الشرقي
وفيه ارسلوا أوراقا الى التجار وأرباب الحرف بطلب باقي
الفردة وهو القدر الذي كان تشفع فيه المحروقي وأخذوا في تحصيله
وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الكلية التي
ذكر بعضها
وأما الجزئية فلا يمكن الاحاطة ببعضها فضلا عن كلها لكثرتها واختلاف جهاتها واشتغال البال عن تتبع حقائقها ونسيان الغائب بالاشتع والقبيح بالاقبح فمن الكلية التي عم الضرر بها زيادة المكوس أضعاف المعتاد في كل ثغر ذهابا وايابا ومنها توالي الفرد والسلف والمظالم على أهل المدينة والارياف وحق طرق المعينين وكلفهم الخارجة عن الحد والمعقول بأدنى شكوى ولو بالباطل فبمجرد ما يأتي الشاكي بعرضحال شكواه يكتب له ورقة ويعين بها عسكري أو اثنان أو اكثر بحسب اختيار الشاكي وطلبه للتشفي من خصمه فبمجرد وصوله الى المشكى بصورة منكرة وسلاح كثير متقلد به فلا يكون له شغل الا طلب خدمته ولا يسأل عن الدعوى ولا عن صورتها ويطلب طلبا خارجا عن المعقول كألف قرش في دعوى عشرة قروش وخصوصا اذا كانت الشكوى على فلاح في قرية فيحصل أشنع من ذلك من اقامتهم عندهم وطلبهم وتكليفهم الذبائح والفطور بما يشترطونه ويقترحونه عليهم وربما يذهب الشخص الذي يكون بينه وبين آخر عداوة قديمة أو مشاحنة أو دعوى قضى عليه فيها بحرق من زمان طويل فيقدم له عرضحال ويعين له مباشرا بفرمان ويذهب هو فلا يظهر ويذهب المعين في شغله والمشكي لا يرى الشاكي ولا يدري من اين جاءته هذه المصيبة ويمكن أنه من بعد خلاصه من امر المباشر يحضر الى بيت الباشا ويفحص عن خصمه ويعرفه فينهى دعواه ويظهر حجته بانه على الحق وان خصمه على الباطل فيقال له عين على خصمك أيضا فأن أجاب الى ذلك رسم له بفرمان ومعين آخر كذلك والا ترك أجره على الله ورجع فضاق ذرع الناس من هذه الحال وكرهوا هذه الاوضاع وربما قتل الفلاحون المعينين وهربوا من بلادهم وجلوا عن أوطانهم خوف الغائلة ولم يزل هذا دأبهم حتى نفرت منهم القلوب وكرهتهم النفوس وتمنوا لهم الغوائل وعصت أهل النواحي وعربدت العربان وقطعوا الطرق وعلموا خيانتهم فخانوهم ومكالبتهم فكالبوهم وانتمى عربان الجهة القبلية الى الامراء
المصرلية وساعدوهم عليهم ولما انحدر الامراء الى جهة بحري انضمت اليهم جميع قبائل الجهة العربية والهنادي وعرب البحيرة وخلافهم فلما وقعت الحروب بين الامراء والعثمانيين وكانت الغلبة للامراء والعربان زادت جسارتهم عليهم ورصدوا لهم الغوائل وقطعوا عليهم وعلى المسافرين الطرق بحرا وبرا فمن ظفروا به ومانعهم نهبوا متاعه وقتلوه والا سلبوه وتركوه فحش الامر جدا قبلي وبحري حتى وقف حال الناس ورضوا عن احكام الفرنسيس ومنها ان الباشا لما قتل الوالي والمحتسب وعمل قائمة تسعيرة للمبيعات وان يكون الرطل اثنتي عشرة أوقية في جميع الاوزان وأبطلوا الرطل الزياتي الذي يوزن به السمن والجبن والعسل واللحم وغير ذلك وهو أربع عشرة أوقية لم ينفذ من تلك الاوامر شيء سوى نقص الارطال ولم يزل ذو الفقار محتسبا حتى رتب المقررات على المتسببين زيادة عن القانون الاصلي وجعل منها قسط الخزينة الباشا وللكتخدا وخلافهما ورجعت الامور في الاسعار أقبح وأغلى مما كانت عليه في كل شيء واستمر الرطل اثنتي عشرة أوقية لا غير وكثر ورود الغلال أيام النيل ورخص سعرها والرغيف على مقدار رغيف الغلاء ومنها ان الفضة الانصاف العددية صاروا يأخذونها من دار الضرب أول بأول ويرسلونها الى الروم والشام بزيادة الصرف ولا ينزل الى الصيارف منها الا القليل حتى شحت بأيدي الناس جدا ووقف حالهم في شراء لوازم البيوت ومحقرات الامور ويدور الاسانن بالريال او المحبوب أو المجر وهو في يده طول النهار فلا يجد مصارفته وأغلقت غالب الصيارف حوانيتهم بسبب ذلك وبسبب أذية العسكر فأنهم يأتون اليهم ويلزمونهم بالمصارفة فيقول له الصيرفي ليس عندي فضة فلا يقبل عذره ويفزع عليه بيطقانه أو بارودته وان وجد عنده المصارفة وكان المحبوب أو البندقي ناقصا في الوزن لا يستقيم في نقصه ولا يأخذ الا صرفه كاملا واذا اشترى شيئا من سوقي أعطاه بندقيا وطلب باقيه ولم يكن عند البائع باقيه أخذ
الذي
اشتراه والبندقي وذهب ولا يقدر المسبب على استخلاص حقه منه وان وجد معه باقي
المصارفة وأخذ ذلك البندقي ونقد عند الصراف وكان ناقصا وهو الغالب لا يقدر الصيرفي
أن يذكر نقصه فان قال انه ينقص كذا فزع عليه وسبه وبعضهم أدخل اصبعه في عين الصراف
وامثال ذلك
ومنها شحة المراكب حتى أن المسافر يمكث الايام الكثيرة
ينتظر مركبا فلا يجد وربما اخذوها بعد تمام وسقها فنكتوه واخذوها وان مرت على
الامراء المصرلية ومن انضم اليهم تعرضوا لها ونهبوا ما بها من الشحنة وأخذوا
المركب واستمر هذا الحال على الدوام فكان ذلك من اعظم اسباب التعطيل ايضا
ومنها تسلط العسكر على خطف الناس وسلبهم وقتلهم وخصوصا
في اواخر هذه السنة حتى امتنعت الناس من المرور في جهات سكنهم الا ان يكونوا في
عزوة ومنعة وقوة ولا تكاد ترى شخصا يمر في الاسواق السلطانية من بعد المغرب وقبيل
العشاء واذا اضطر الانسان الى المرور تلك الاوقات فلا يمر الا كالمجازف على نفسه
وكأنما على رأسه الطير فيقال أن فعلهم هذه الفعائل من عوائدهم الخبيثة اذا تأخرت
نفقاتهم فعلوا ذلك مع العامة على حد قول القائل خلص تارك من جارك وذلك كله بسبب
تأخير جماكيهم وقطع خرجهم نحو خمسة أشهر والباشا يسوقهم ويقول هؤلاء لا يستحقون
فلسا وأي شيء خرج من يدهم وطول المدى نكلفهم ونعطيهم وما ستروا أنفسهم مع الغز
المصرلية ولا مرة فلا حاجة لنا بهم بل يخرجون علي ويذهبون حيث شاؤا فليس منهم الا
الرزية والفنطزية وهم يقولون لا نخرج ولا نذهب حتى نستوفي حقنا على دور النصف الفضة
الواحد وان شئنا أقمنا وان شئنا ذهبنا ومنها استمرار الباشا على الهمة والاجتهاد
في العمارة والبناء وطلب الاخشاب والمؤن حتى عز جميع أدوات العمارة وضاق حال الناس
بسبب احتياجهم لعمارة أماكنهم التي تخرب في الحوادث السابقة وبلغ سعر الاردب الجبس
مائة وعشرين
نصفا والجير المخلوط اربعين نصفا واجرة المعلم في اليوم خمسة وأربعين نصفا ويتبعه آخر مثل ذلك والفاعل اثنين وعشرين نصفا وأحدثوا أخذ اجازة من المعمارجي وهو ان الذي يريد بناء ولو كانونا لا يقدر أن يأتيه البناء حتى يأخذ ورقة من المعمارجي ويدفع عليها خمسين نصفا ولم يزل الاجتهاد في العمارة المذكورة حتى أقاموا جانبا من القشلة وهي عبارة عن وكالة يعلوها طباق وأسفلها اصطبلات وحولها من داخل حواصل ومن خارج حوانيت وقهوة فعندما تمت الحوانيت ركبوا عليها درفها وأسكنوا بها قهوجيا ومزينا من أتباع الباشا وخياطين وعقادين وسروجية الباشا وغير ذلك ولم يكمل تسقيف الطباق وعملوا لها بوابة عظيمة بمصاطب وهدموا حائط الرحبة المقابلة لبيت الباش الخارجة وعمرت وانشئت بالحجر النحت المحكم الصنعة وعملوا لها بابا عظيما ببدنات وابراج عظيمة وبها طاقات عليا وسفلى وصفوا بها المدافع العظيمة وبركة الرحبة مثل ذلك وعملوا لها باب آخر قبالة باب القشلة بحيث صار بينها وبين القشلة رحبة متسعة يسلك منها المارون الى جهة بولاق على الجسر الذي عمله الفرنسيس ويخرجون ايضا في سلوكهم من بوابة عظيمة الى طريق بولاق من الجهة الغربية بحائط حجر متصلة من الحربة حيث البوابة المواجهة للقشلة الى آخر القشلة وعلى هذه البوابة من الجهتين مدافع مركبة على بدنات وابراج وطيقان مهندمة وبأسفلها من داخل مصطبة كبيرة من حجر وبها باب يصعد منه الى تلك الابراج والجبخانة والعساكر جلوس على تلك المصاطب الخارجة والداخلة لابسين الاسلحة وبنادقهم مرصوصة بدائر الحيطان وبداخل الرحبة الوسطانية مدافع عظيمة مرصوصة بطول الرحبة يمينا وشمالا وكذلك بداخل الحوش الجواني الاصلي وبأسفل البركة نحو المائتي مدفع مرصوصة ايضا وعربيات وصناديق جبخانة وآلات حرب وغير ذلك والجبخانة الكبيرة لها محل مخصوص بالحوش الداخل الاصلي ولها خزنة وطبجية وعربجية
ومنها انه عدم البصل الاحمر حتى بيع الرطل بسعر القنطار في الزمن السابق وعدم الملح أيضا بسبب احتكاره وعدم المراكب التي تجلبه من بحري لما ترتب عليهم من زيادة الجمرك وعدم مكاسبهم فيه لان الذي تولى على جمرك الملاحة صار يأخذه من أصحابه على ذمته بسعر قليل معلوم ويبيعه على ذمته بسعر كثير لمن يسافر به الى جهة قبلي وذلك خلاف ما يأخذه من المراكب التي تحمله فامتنع المتسببون فيه من تجارته فعز وجوده في آخر السنة حتى بيع الربع بثمانين نصفا من ثلاث انصاف وضجت الناس من ذلك فأرسل ذلك الملتزم ثلاثة مراكب على ذمته ووسقها ملحا وصار يبيع الربع بعشرين نصفا ويبيعه المسبب بثلاثين وهذا لم يعهد فيما تقدم من السنين وعدم ايضا الصابون بسبب تأخر القافلة حتى بيع بأغلى ثمن ثم حضرت القافلة فانحل سعره وتواجد وغير ذلك مما لا يمكن الاحاطة به ونسأل الله تعالى حسن العاقبة
سنة ثمان عشرة ومائتين والف
شهر محرم
الحرام سنة 1218
استهل بيوم السبت في ذلك اليوم وقعت زعجة عظيمة في الناس
وحصلت كرشات في مصر وبولاق وحوانيتهم ورفعوا منها ماخف من متاعهم من الدكاكين
وبعضهم ترك حانوته وهرب والبعض سقط متاعه من يده ولم يشعر من شدة ما لحقهم من الخوف
والارجاف ولم يعلم سبب ذلك فيقال ان السبب في ذلك ان جماعة من كبار العسكر ذهبوا
الى الباشا وطلبوا جماكيهم المنكسرة وخرجهم فقال لهم اذهبوا الى الدفتردار فذهبوا
الى الدفتردار فقال لهم جمكيتكم عند محمد علي فذهبوا الى محمد علي وكانوا وعدوهم
بقبض جامكيتهم في ذلك اليوم فلما ذهبوا الى محمد علي قال لهم لم اقبض شيئا فعلموا
معه شراسة وضرب بينهم بعض بنادق وهاجت العسكر عند بيت محمد علي سرششمه فحصلت هذه
الزعجة في مصر وبولاق ثم سكن ذلك بعد أن وعدهم بعد ستة أيام
وفيه وردت
عدة تقارير وبها جبخانة وجملة من العسكر وصحبتهم ابراهيم اغا الذي كان كاشف
الشرقية عام اول وكان توجه الى اسلامبول فحضر وصحبته ذلك فحملوا الجبخانة وطلعوها
الى القلعة فيقال انها متوجهة الى جدة بسبب فتنة الحجاز وقيل غير ذلك
وفي يوم الجمعة سابعه ثارت العسكر وحضروا الى بيت
الدفتردار فاجتمعوا بالحوش وقفلوا باب القيطون وطردوا القواسة وطلع جمع منهم
فوقفوا بفسحة المكان الجالس به الدفتردار ودخل اربعة منهم عند الدفتردار فكلموه في
انجاز الوعد فقال لهم انه اجتمع عندي نحو الستين الف قرش فاما أن تأخذوها أو
تصبروا كم يوم حتى يكمل لكم المطلوب فقالوا لا بد من التشهيل فان العسكر تقلقوا من
طول المواعيد فكتب ورقة وارسلها الى الباشا بأن يرسل اليه جانب دراهم تكملة للقدر
الحاصل عنده في الخزينة فرجع الرسول وهو يقول لا ادفع ولا آذن بدفع شيء فأما ان
يخرجوا ويسافروا من بلدي او لا بد من قتلهم عن آخرهم فعندما رجع بذلك الجواب قال
له ارجع اليه واخبره ان البيت قد امتلأ بالعساكر فوق وتحت واني محصور بينهم فعند
وصول المرسال وقبل رجوعه أمر الباشا بأن يديروا المدافع ويضربوها على بيت
الدفتردار وعلى العسكر فما يشعر الدفتردار الا وجلة وقعت بين يديه فقام من مجلسه
الى مجلس آخر وتتابع الرمي واشتعلت النار في البيت وفي الكشك الذي أنشأه ببيت جده
المجاور لبيته وهو من الخشب والحجنة من غير بياض لم يكمل فالتهب بالنهار فنزل الى
اسفل والارنؤد محيطة به وبات تحت السلالم الى الصباح ونهب العسكر الخزينة والبيت
ولم يسلم الا الدفتردار والاوراق وضعوها في صناديق وشالوها وكان ابتداء رمي
المدافع وقت صلاة الجمعة واما اهل البلد فانهم كانوا متخوفين ومتطيرين من قومه او
فزعة تحصل من العسكر قبل ذلك فلما عاين الناس تجمعهم ببيت الدفتردار شاع ذلك في
المدينة ومر الوالي يقول للناس ارفعوا متاعكم
واحفظوا انفسكم وخذوا حذركم واسلحتكم فأغلق الناس الدكاكين والدروب وهاجوا وماجوا فلما سمعوا ضرب المدافع زاد تطيرهم وتخيلوا هجوم العكسر ونهب البلد بل ودخول البيوت ولا راد يردهم ولا حاكم يمنعهم ونادى المنادي معاشر الناس واولاد البلد كل من كان عنده سلاح فليلبسه واجتمعوا عند شيخ مشايخ الحارات يذهب بكم الى بيت الباش وحضرت اوراق من الباشا لأهل الغورية ومغاربة الفحامين وتجار خان الخليل وأهل طولون يطلبهم بأسلحتهم والحضور عنده والتحذير من التخلف فذهب بعض الناس فأقاموهم عند بيت حريم الباشا وبيت بن المحروقي المجاور له وهو بيت البكري القديم فباتوا ليلتهم هناك وحضر حسن آغا والي العمارة عشاء تلك الليلة وطاف على الناس يحرضهم على القيام ومعاونة الباشا وتجمع بعض الاوباش بالعصي والمساوق وتحزبوا احزابا وعملوا متاريس عند رأس الوراقين وجهة العقادين والمشهد الحسيني فلما دخل الليل بطل الرمي الى الصباح فشرعوا في الرمي بالمدافع والقنابر من الجهتين وتترست العساكر بجامع أزبك وبيت الدفتردار وبيت محمد علي وكوم الشيخ سلامة وداخل الناس خوف عظيم من هذه الحادثة وأما القلعة الكبيرة فان الباشا مطمئن من جهتها لانه مقيد بها الخازندار ومعه عدة من الارنؤد وغيرهم وقافل أبوابها ولما كان يوم الجمعة امس تاريخه قبل حصول الواقعة وحضر اغات الإنكشارية والوجاقلية لاجل السلام على عادتهم ودخلوا عند كتخدا بك فقال لهم نبهوا على اهل البلد بغلق الدكاكين والاسواق والاستعداد فإن العسكر حاصل عندهم قلة ادب فلما طلعوا عند الباشا اعلموه بمقالة كتخدا بك فقال لهم نعم فقال له آغات الانكشارية يا سلطانم ينبغي الاحتفاظ بالقلعة الكبيرة قبل كل شيء فقال ان بها الخازندار واوصيته بالاحتفاظ وغلق الابواب فقال له الاغا لكن ينبغي أن نترك عند كل باب من خارج قدر خمسين انكشاريا فقال وايش فائدتهم ما عليكم من هذا الكلام
تريدون تفريق عساكري اذهبوا لما امرتكم به وذلك لاجل انفاذ القضاء وحضر طاهر باشا ايضا في ذلك الوقت وهو كالمحب ومكمن العداوة فلم يقابله الباشا وأمره بأن يذهب الى داره ولا يقارش فلما كان في صبحها يوم السبت رتب الباشا عساكره على طريقة الفرنسيس وهو المسمى بالنظام الجديد فخرجوا بأسلحتهم وبنادقهم وخيولهم وهم طوابير ومروا حوالي البركة وانقسموا فرقتين فرقة أتت على رصيف الخشاب وفرقة على جهة باب الهواء ليأخذوا الارنؤدية بينهم ويحصروهم من الجهتين فلما حضرت الفرقة التي من ناحية رصيف الخشاب قاتلوا الارنؤدية فعند ذلك أركبوا الدفتردار وأخذوه الى بيت طاهر باشا ومعه أتباعه وانهزم الارنؤدية من تلك الجهة وانحصروا جهة جامع ازبك واشتغلوا بمحاربة الفرقة الاخرى وتحققوا الهزيمة والخذلان وعندما وصلت عساكر الباشا الى بيت الدفتردار والمحروقي وبيت حريم الباشا اشتغلوا بالنهب واخراج الحريم وتركوا القتال وتفرقوا بالمنهوبات وفترت همة الفرقة الاخرى وجرى أكثرهم ليخطف شيئا ويغنم مثلهم وقالوا نحن نقاتل ونموت لاعلى شيء وأصحابنا ينهبون ويغنمون فهزموا انفسهم لذلك وتراجع الارنؤدية واشتدت عزيمتهم ورجع البعض منهم على عساكر الباشا فهزموا من بقي منهم وملكوا الجهة التي كانوا أجلوهم عنها فعند ذلك ظهر طاهر باشا وركب الى الرميلة وتقدم الى باب العزب فوجده مغلوقا فعالج الطاقات الصغار التي في حائط باب العزب القريبة من الارض المعدة لرمي المدافع من أسفل ففتح بعضها ودخل منها بعض عسكر فتلاقوا مع الارنؤد المحافظين داخل الباب فالتف بعضهم على بعض ثم طلعوا عند الخازندار وكان عنده ابن أخت طاهر باشا ممرضا قبل ذلك بايام وصحبته طائفة ايضا فالتفوا على بعضهم وصاروا عصبة وطلبوا مفاتيح القلعة من الخازندار فمانعهم ولما رأى منهم العين الحمراء سلمهم المفاتيح فنزلوا وفتحوا الابواب لطاهر باشا وحبسوا الخازندار وأنزلوا من القلعة مدافع وبنبات وجبخانة
الى الازبكية لجماعتهم وكذلك قيدوا بالقلعة طبجية وعساكر كل ذلك ومحمد باشا لا يدري بشيء من ذلك فلم يشعر الا والضرب نازل عليه من القلعة فسأل ما هذا فقيل له انهم ملكوا القلعة فسقط في يذه وعند ذلك نزل طاهر باشا من القلعة وشق من وسط المدينة وهو يقول بنفسه مع المنادي أمان واطمئنان افتحوا دكاكينكم وبيعوا واشتروا وما عليكم باس وطاف يزور الاضرحة والمشايخ والمجاذيب ويطلب منهم الدعاء ورفع الناس المتاريس من الطرق وانكفوا عن مقارشة العسكر وكذلك لم يحصل أذية من العسكر لاحد من الرعية وأمروا بفتح مخابز العيش والماآكل وأخذوا واشتروا عن غير اجحاف ولا بخس فلما علم الباعة منهم ذلك ذهبوا اليهم بالعيش والكعك والجبن والفطير والسميط وغير ذلك ودخلوا فيهم يبيعون عليهم وهم يشترون منهم بالمصلحة وصار بعض أولاد البلد يذهب الى الفرجة ويدخل بينهم ويمر من وسطهم فلا يتعرضون لهم ويقولون نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا ووجدوا مع البضع سلاحا ذهب به عندما ارسل الباشا ونادى بالناس فردوهم بلطف وكل ذلك على غير القياس وطاهر باشا لم يكن له شغل الا الطواف بالمدينة والاسواق وخارج البلد ويقول للفلاحين الذين يجلبون الحطب والجلة والسمن والجبن من الارياف كونوا على ما أنتم عليه وهاتوا أسبابكم وبيعوا واشتروا وليس عليكم باس وحضر اليه الوالي فأمره بالمرور والمناداة بالامن للناس واستمر الحرب بين الفريقين نهار السبت واشتد ليل الاحد طول الليل فما أصبح النهار حتى زحف عساكر الارنؤد الى جامع عثمان كتخدا والي حارة النصارى من الجهة الاخرى وطلعوا الى التلول التي بناحية بولاق وملكوا بولاق وهجموا على مناخ الجمال الذي بالقرب من الشيخ فرج فقتلوا من به من عسكر التكرور وهرب من بقى منهم عريانا وقبضوا على منش القبطان وعدوا بالغليون الى برانبابة ونهبوا ما فيه وكان به مال القبطان وذخائره التي جمعها من مظالم المراكب والمسافرين والقادمين شيا كثيرا وكذلك ذهبت
طائفة منهم الى قصر العيني وقبضوا على من به ومن عبيد الباشا وعروهم وأخذوهم اسرى ونهبوا بيت السيد أحمد المحروقي بالازبكية وهو بيت البكري القديم وقد كان اخلاه لنفسه وعمره وسكنه بحريمه فنهبوا منه شيئا كثيرا يفوق الحصر واخرجوا منه النساء بعد ما فتشوهن او افتدين انفسهن وكذلك بيت حريم الباشا الملاصق له بعد ما ارسل الباشا عساكره قبل بيوم فنقل منه الحريم عنده بطولهن لا غير ونهبوا بيت جرجس الجوهري وأخذوا منه اشياء نفيسة كثيرة وفراوي مثمنة وحريم بيت الباشا لم يتمكنوا منه الا بعد انفضاض القضية بيومين بسبب ان المحافظين عليه كانوا ثمانية عشر فرنساويا فحاصروا فيه هذه المدة حتى خرجوا منه بامان واما سكان تلك الخطة فأنهم كانوا يذهبون الى طاهر باشا او محمد علي فيرسل معهم عسكر لخفارتهم حتى ينقلوا امتعتهم او امكنهم الى جهات بعيدة عن ذلك المحل ليامنوا على انفسهم من الحرب وهرب المحروقي وابنه عند الباشا ولاحت لوائح الخذلان على الباشا واستعد للفرار فأنه لما بات تلك الليلة لم يجد عليقا ولا خبزا فعلقوا على الخيل ارزا وتعشى الباشا بالقسمات وارسل الى حارة النصارى فطلب منهم خبزا فأرسلوا له خبزا فخطفه الارنؤد في الطريق ولم يصل اليه ثم عسكر الارنؤد احضروا آلة بنية ووضعوها بالبركة وضربوا بها على بيت الباشا فوقعت واحدة على الباذاهنج فألتهب فيه النار فأرادوا اطفاءها فلم يجدوا سقائين تنقل الماء ويقال ان الخازندار الذي كان بالقلعة لما قبضوا عليه التزم لهم بحرق بيت الباشا ويطلقوه فأرسل بعض أتباعه الى مكانه الذي ببيت الباشا فأوقدوا فيه النار في ذلك الوقت واشتعلت في الاخشاب والسقوف وسرت الى مساكن الباشا فعند ذلك نزل الباشا الى أسفل وأنزل الحريم وعددهن سبع عشرة امرأة فأركبهن بغالا وأمر الدلاة والهوارة ان يتقدموهن وركب صحبتهن المحروقي وابنه وترجمانه وصير فيه وعبيده وفراشوه وتأخر الباشا حتى أركب الحريم ثم ركب في مماليكه ومن بقي من عسكره
وأتباعه وركب معه حسين آغاشنن وبعض آغوات وصحبته ثلاث هجن وخرج الى جزيرة بدران فعندما أشيع ركوبه هجمت عساكر الارنؤد على البيت واشتغلوا بالنهب هذا والنار تشتعل فيه وكان ركوبه قبيل أذان العصر من يوم الاحد تاسع المحرم وخرج خلفه عدة وافرة من عسكر الارنؤد فرجع عليهم وهزمهم مرتين وقيل ثلاثا واما المحروقي ومن معه فأنهم تشتتوا من بعضهم خلف الدلاة ولم يلحقوهم وانقطع حزام بغلته فنزل عنها فأدركه العساكر المتلاحقة بالباشا فعروه وشلحوه هو واتباعه وابنه واخذوا منهم نحو عشرين الف دينار اسلامبولي نقدية وقيل جواهر بنحو ذلك فأدركهم عمر أغا بينباشي المقيم ببولاق فوقعوا عليه فأمنهم واخذهم معه الى بولاق وباتوا عنده الى ثاني يوم واخذ لهم امانا وحضر الى طاهر باشا وقابله وكذلك جرجس الجوهري ونهب العسكر بيت الباشا واخذوا منه شيئا كثيرا وباتت النار تلتهب فيه والدخان صاعد الى عنان السماء حتى لم يبق فيه الا الجدران التحتانية الملاصقة للارض واحترقت وانهدمت تلك الابنية العظيمة المشيدة العالية وما به من القصور والمجالس والمقاعد والرواشن والشبابيك والقمريات والمناظر والتنهات والخزائن والمخادع وكان هذا البيت من أضخم المباني المكلفة فانه اذا حلف الحالف انه صرف على عمارته من اول الزمان الى ان احترق عشر خزائن من المال او اكثر لا يحنث فان الالفي لما انشأه صرف عليه مبالغ كثيرة وكان اصل هذا المكان قصرا عمره وانشأه السيد ابراهيم ابن السيد سعودي اسكندر من فقهاء الحنفية وجعل في اسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة وجعلها برسم النزهة لعامة الناس فكان يجتمع بها عالم من اجناس الناس واولاد البلد شيء كثير وبها قهاوي وبياعون وفكهانية ومغاني وغير ذلك ويقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الاجناس فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار الى آخر الليل من الخط والنزاهة ما لا يوصف ثم تداول ذلك القصر أيدي الملاك وظهر علي بك وقساوة حكمه فسدوا تلك البوائك
ومنعوا الناس عنها لما كان يقع بها في الاحيان من اجتماع اهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الامير أحمد أغا شويكار وباعه بعد مدة فاشتراه الامير محمد بك الالفي في سنة احدى عشرة ومائتين وألف وشرع في هدمه وتعميره وانشائه على الصورة التي كان عليها وكان غائبا جهة الشرقية فرسم لكتخداه صورته في كاغد بكيفية وضعه فحضر ذو الفقار كتخدا وهدم ذلك القصر وحضر الجدران ووضع الاساس وأقام الدعائم ووضع سقوف الدور السفلى فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم الذي حدده له فهدمه ثانيا وأقام دعائمه على مراده واجتهد في عمارته وطلب له الصناع والمؤن من الاحجار والاخشاب المتنوعة حتى شحت المؤن في ذلك الوقت وأوقفت أربعة من امرائه على أربع جهاته وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس وقمن الجير واحضر البلاط من الجبل قطعا كبارا ونشرها على قياس مطلوبة وذلك الرخام وذلك خلاف انقاض رخام المكان وانقاض الاماكن التي اشتراها وهدمها وأخذ اخشابها وانقاضها ونقلها على الجمال وفي المراكب لاجل ذلك فمنها البيت الكبير الذي كان أنشأه حسن كتخدا الشعراوي على بركة الرطلي وكان به شيء كثير من الاخشاب والانقاض والشبابيك والرواشن نقلت جميعها الى العمارة فصار كل من الامراء المشيدين يبني وينقل ويبيع ويفرق على من أحب حتى بنوا دورا من جانب تلك العمارة والطلب مستمر حتى أتموه في مدة يسيرة وركب على جميع الشبابيك شرائح الزجاج أعلى وأسفل وهو شيء كثير جدا وفي المخادع المختصة به ألواح الزجاج البلور الكبار التي يساوي الواحد منهما خمسمائة درهم وهو كثير ايضا ثم فرشه جميعه بالبسط الرومي والفرش الفاخر وعلقوا به الستائر والوسائد المزركشة وطوالات المراتب كلها مقصبات وبنى به حمامين علويا وسفليا الى غير ذلك فما هو الا ان ثم ذلك فأقام به نحو عشرين يوما ثم خرج الى الشرقية فأقام هناك وحضر الفرنسيس فسكنه سارى عسكر بونابارته فعمر فيه
أيضا عمارة ولما سافر وأقام مكانه كلهبر عمر فيه ايضا فلما قتل كلهبر وتولى عوضه عبد الله منو لم يزل مجتهدا في عمارته وغير معاليمه وادخل فيه المسجد وبنى الباب على الوضع الذي كان عليه وعقد فوقه القبة المحكمة واقام في أركانها الاعمدة بوضع محكم متقن وعمل السلالم العراض التي يصع منها الى الدور العلوي والسفلي من على يمين الداخل وجعل مساكنه كلها تنفذ الى بعضها البعض على طريقة وضع مساكنهم واستمر يبني فيه ويعمر مدة اقامته الى ان خرج من مصر فلما حضر العثمانية وتولى على مصر محمد باشا المذكور رغب في سكنى هذا المكان وشرع في تعميره هذه العمارة العظيمة حتى أنه رتب لحرق الجير فقط اثني عشر قمينا تشتغل على الدوام والجمال التي تنقل الحجر من الجبل ثلاث قطارات كل قطار سبعون جملا وقس على ذلك بقية اللوازم ورموا جميع الاتربة في البركة حتى ردموا منها جانبا كبيرا ردما غير معتدل حتى شوهوا البركة وصارت كلها كيمانا واتربة والعجب ان منتهى الرغبة في سكن هذه البركة وأمثالها انما هو تسريح النظر وانبساط النفس باتساعها واطلاقها وخصوصا أيام النيل حين تمتلىء بالماء فتصير لحة ماء دائرة بركارية مملوءة بالزوارق والقنج والشطيات المعدة للنزهة تسرح فيها ليلا ونهارا وعند دخول المساء يوقدون القناديل بدائرها في جميع قواطين البيوت فيصير لذلك منظر بهيج لا سيما في الليالي المقمرة فيختلط ضحك الماء في وجه البدر والقناديل وانعكاس خيالها كأنها أسفل الماء ايضا وصدى أصوات القيان والاغاني في ليال لا تعد من الاعمار اذ الناس ناس والزمان زمان فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم الى ان كان ما كان وقعت هذه الحوادث فتضاعف المسخ والتشويه والعجب انه لما وقعت الحرابة بين الفرنساوية والعثمانية وأهل مصر واقام الحرب 36 يوما وهم يضربون على ذلك بالبيت بالمدافع والقنابر لم يصبه شيء ولم ينهدم منه حجرا واحدا ولما وقعت هذه الحرابة بين الباشا وعسكره احترق وانهدم في ليلة واحدة كذلك احترق بيت الدفتردار وهو بيت ثلاثة ولية الذي كان أنشأه رضوان كتخدا
الجلفي
وكان بيتا عظيما ليس له نظير في عمارته وزخرفته وكلفته وسقوفه من اغرب ما صنعته
ايدي بني آدم في الدقة والصنعة وكله منقوش بالذهب واللازورد والاصباغ وعلى مجالسه
العليا قباب مصنعة وارضه كلها بالرخام الملون فأحترق جميعه ولم يبق به شيء الا بعد
الجدران اللاطئة بالارض وسكنت الفتنة وشق الوالي علي آغا الشعراوي وذو الفقار
المحتسب وآغات الانكشارية ونادوا بالامان والبيع والشراء فكانت مدة ولاية هذا
الباشا عل مصر سنة وثلاثة اشهر وواحدا وعشرين يوما وكان سيء التدبير ولا يحسن
التصرف ويحب سفك الدماء ولا يتروى في ذلك ولا يضع شيئا في محله ويتكرم على من لا
يستحق ويبخل على من يستحق وفي آخر مدته داخله الغرور وطاوع قرناء السوء المحدقين
به والتفت الى المظالم والفرد على الناس وأهل القرى حتى انهم كانوا حرروا دفاتر
فردة عامة على الدور والاماكن بأجرة ثلاث سنوات وقيل اشنع من ذلك فأنقذ الله منه
عباده وسلط عليه جنده وعساكره وخرج مرغوما مقهورا على هذه الصورة ولم يزل في سيره
الى ان نزل بقليوب بعد الغروب فعشاه الشواربي شيخ قليوب ثم سار ليلا الى دجوة
فأنزل الحريم والاثقال في ثلاثة مراكب وسار هو الى جهة بنها وغالب جماعته تخلفوا
عنه بمصر وكذلك الكتخدا وديوان افندي والخازندار الذي كان بالقعلة والسلحدار وخليل
افندي خزنة كاتب
وفي يوم الاثنين عاشره نودى بالامان ايضا وان العساكر لا
يتعرضون لاحد بأذية وكل من تعرض له عسكري بأذية ولو قليلة فليشتكه الى القلق
الكائن بخطته ويحضره الى طاهر باشا فينتقم له منه
وفي يوم الخميس وقت العصر حضر الاغا والوجاقلية الى بيت
القاضي واعلموه باجتماعهم في غد عند طاهر باشا ويتفقون على تلبيسه قائمقام ويكتبون
عرض محضر بحاصل ما وقع
وفي 2 ذلك اليوم حضر جعفر كاشف تابع ابراهيم بك وبيده
مراسلة خطابا للعلماء والمشايخ وقيل انه كان بمصر من مدة ايام وكان يجتمع
بطاهر باشا كل وقت بالشيخونية فلما اصبح يوم الجمعة رابع عشره اجتمع المشايخ عند القاضي وركبوا صحبته وذهبوا عند طاهر باشا وعملوا ديوانا واحضر القاضي فروة سمور البسها لطاهر باشا ليكون قائمقام حتى تحضر له الولاية او يأتي وال وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية واتفقوا على كتابة عرضحال بصورة ما وقع وقرأوا المكتوب الذي حضر من عند الامراء القبالى وهو مشتمل على ايات واحاديث وكلام طويل ومحصلة انهم طائعون وممتثلون ولم يحصل منهم تعد ولا محاربة وانما اذا حضروا الى جهة او بلدة وطلبوا المرور عليها او قضاء حاجة من بندر منعهم الحاكم والعساكر التي بها ونابذ بالمحاربة والطرد ومع ذلك اذا وقعت بيننا محاربة لا يثبتون لنا وينهزمون ويفرون وقد تكرر ذلك المرة بعد المرة ولا يخفي ما يترتب على ذلك من النهب والسلب وهتك الحرائر وقد وقع لنا لما حضرنا بالمنية فحصل ما حصل وبدؤنا بالطرد والابعاد حصل ما حصل مما ذكر وعوقب من لا جنى وذنب الرعية والعباد في رقابكم وقد التمسنا من ساداتنا المشايخ ان يتشفعوا لنا عند حضرة الوزير ويعطينا ما يقوم بمؤنتنا ومعايشنا فأبى حضرة الوزير الا اخراجنا من القطر المصري كليا وبعثتم تحذرونا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم ولم تذكروا لنا آية تدل على اننا نخرج من تحت السماء ولا آية تدل على اننا نلقي بأيدينا الى التهلكة وذكرتم لنا أن حريمنا وأولادنا بمصر ربما ترتب على المخالفة وقوع الضرر بهم وقد تعجبنا من ذلك فإننا انما تركنا حريمنا ثقة بانهم في كفالتكم وعرضكم على ان المروءة تابى صرف الهمة الى امتداد الايدي للحريم والرجال للرجال على ان املك دورا والله يقلب الليل والنهار والملك بيد الله يؤتيه من يشاء قل اللهم مالك الملك الاية فلما قرىء ذلك بتفاصيله تعجب السامعون له فكأنما كانوا ينظرون من خلف حجاب الغيب وأخذ ذلك المكتوب طاهر باشا
وأودعه في
جيبه ثم قال الحاضرون فما يكون الجواب قال حتى نتروى في ذلك ثم كتب لهم جوابا
يخبرهم فيه بما وقع ويأمرهم بأنهم يحضرون بالقرب من مصر لربما اقتضى الحال إلى
المعاونة
وفي يوم الإثنين سابع عشرة كتبوا العرض المحضر بصورة ما
وقع وختم عليه المشايخ والوجاقلية وأرسلوه إلى اسلامبول وأما محمد باشا المهزوم
فإنه لم يزل في سيره حتى وصل إلى المنصورة وفرد على أهلها تسعين ألف ريال وكذلك
فرد على علي ما أمكنه من بلاد الدقهلية والغربية فردا ومظالم وكلفا وصادف في طريقه
بعض المعينين حاضرين بمبالع الفردة السابقة فأخذها منهم
وفي ليلة الثلاثاء بعد المغرب ثامن عشرة أرسل طاهر باشا
عدة من العسكر فقبضوا على جماعة من بيوتهم وهم آغات الانكشارية ومصطفى كتخدا
الرزاز ومصطفى آغا الوكيل وأيوب كتخدا الفلاح وأحمد كتخدا علي والسيد احمد
المحروقي فأنزلوه الى بيته في ثاني يوم وعملوا عليه ستمائة ولزم العسكر بيته وكذلك
بقية الجماعة منهم من عمل عليه مائتا كيس واقل واكثر واقاموا في الترسيم
وفي يوم الجمعة حادي عشرينه ركب طاهر باشا بالموكب
والملازمين وصلى الجمعة بجامع الحسين
وفيه وردت الاخبار بان الامراء المصرية رجعوا الى قبلي
ووصلوا الى قرب بني سويف
وفيه تشفع شيخ السادات في مصطفى آغا الوكيل واخذه الى
بيته وعملوا عليه مائتين وعشرين كيسا فلما كان يوم الاحد أرسل طاهر باشا يطلب
مصطفى اغا الوكيل من عند شيخ السادات فركب معه شيخ السادات وسعيد اغا وكيل دار
السعادة وذهبا صحبته الى بيت طاهر باشا فلما طلعوا الى أعلى الدرج خرج عليهم جماعة
من العسكر وجذبوا مصطفى أغا من بينهم وقبضوا عليه وأنزلوه الى أسفل واخذوه الى
القلعة ماشيا على أقدامه
فحنق
الشيخ السادات ودخل على طاهر باشا وتشاجر معه فأطلعه على مكتوب مرسل من محمد باشا
اليه فقال هذا لا يؤاخذ به انما يؤاخذ اذا كان المكتوب منه الى محمد باشا ثم انحط
الامر عل انه لا يقتله ولا يطلقه ثم ان طاهر باشا ركب ليلا وذهب الى شيخ السادات
واخذ خاطره بعد ما فزع من حضوره اليه في ذلك الوقت
وفي ثالث عشرينه اطلعوا يوسف كتخدا الباشا الى القلعة
والزموه بمال وكذلك خزنة كاتب
وفيه خرج أمير الالزم لملاقات الحجاج فنصب وطاقه بقبة
النصر واقام هناك
وفيه حضر هجان على يده مكاتيب كر مؤرخة في عشرين شهر
الحجة مضمونها ان الوهابيين أحاطوا بالديار الحجازية وان شريف مكة الشريف غالب
تداخل مع شريف باشا وأمير الحاج المصري والشامي وارشاهم على ان يتعوقوا معه اياما
حتى ينقل ما له ومتاعه الى جدة وذلك بعد اختلاف كبير وحل وربط وكونهم يجتمعون على
حربه ثم يرجعون على ذلك الى أن اتفق رأيهم على الرحيل فأقاموا مع الشريف اثنى عشر
يوما ثم رحلوا ورحل الشريف بعد أن احرق داره ورحل شريف باشا ايضا الى جدة
وفيه قبضوا على أنفار من الوجاقلية ايضا المستورين
وطلبوا منهم دراهم وعملوا على طائفة القبط الكتبة خمسمائة كيس بالتوزيع
وفي خامس عشرينه قبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وكذلك
عملوا على طائفة من اليهود مائة كيس
وفيه حضر أحمد أغا شويكار الى مصر بمراسلة من الامراء
القبالي
وفي يوم الاربعاء سادس عشرينه سافرت التجريدة المعينة
لمحمد باشا وكبيرها حسن بك أخو طاهر باشا فنزلوا في مراكب وفي البر ايضا
وفي يوم الخميس قبضوا على المعلم ملطي القبطي من أعيان
كتبة القبط
وهو الذي
كان قاضيا ايام الفرنسيس فرموا رقبته عند باب زويلة وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني
اخي يوسف الصبحاني من تجار الشوام عند باب الخرق في ذلك اليوم واقاما مرميين الى
ثاني يوم
وفي يوم السبت غايته رجع أحمد آغا شويكار بجواب من
الباشا الى رفقائه وأشيع وصول ابراهيم بك ومن معه الى زاوية المصلوب ووصلت
مقدماتهم الى بر الجيزة يقبضون الكلف من البلاد
وفيه أفرجوا عن يوسف كتخدا الباشا بعد أن دفع ثمانين
كيسا ونزل من القلعة الى داره
وفيه ارسل طاهر باشا الى مصطفى افندي رامز الكاتب
وابراهيم افندي الروزنامجي وسليمان افندي فأخذوهم عند عبد الله افندي رامز
الروزنامجي الرومي
شهر صفر
استهل
بيوم الاحد في ثانيه حضر الامراء القبالي الى الشيخ الشيمي
وفي ليلة الاربعاء رابعه خنقوا احمد كتخدا علي باش
اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز كتخدا العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا
وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما الى خارج
وفي صبحها يوم الاربعاء حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا
لمحاربة محمد باشا مضمونه انه انتقل من مكانه وذهب الى جهة دمياط وانه تخلف عنه
العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الامان فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك
فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أمانا ويضموهم اليهم
وفي ذلك اليوم أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية الى البر
الغربي ليسلم على الامراء المصرلية وفي ذلك الوقت امر باحضار حسن اغا محرم فارتاع
من ذلك وأيقن بالموت فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا واعطاه
الفي فرانسا وامره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق
انه خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر اليه طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة ليتوجهوا الى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الارنؤد شمخوا على الانكشارية وصاروا ينظرون اليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية ونظرهم في انفسهم انهم فخذ السلطنة وان الارنؤد خدمهم وعسكرهم واتباعهم ولما فرد الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع الى طائفة الارنؤد جماكيهم المنكسرة او يحولهم بارواق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئا من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا اعطيكم الا من وقت ولايتي فان كان لكم شيء فأذهبوا وخذوه من محمد باشا فضاق خناقهم واوغر صدورهم وبيتوا امرهم مع احمد باشا والي المدينة فلما كان في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرا بعددهم واسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم وهم اسمعيل اغا ومعه آخر يقال له موسى اغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم ليس لكم عندي الا من وقت ولايتي وان ان لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا فألحوا عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك الى الحوش وسحبت طوائفهم الاسلحة وهاجوا في اتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الاسلحة والبارود الذي في أماكن اتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في لناس كرشات وخرجت العساكر الانكشارية وبايديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب فأنزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا إلى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والاغا ينادون بالامن والامان حسب مارسم احمد باشا وكرروا المناداة بذلك ثم نادوا باجتماع الانكشارية
البلدية وخلافهم عند احمد باشا على طائفة الارنؤد وقتلهم واخرجهم من المدينة فتحزبوا احزابا ومشوا طوائف طوائف وتجمع الارنؤد جهة الازبكية وفي بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية اذا ظفروا باحد من الارنؤد اخذوا سلاحه وربما قتلوه وكذلك الارنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة طاهر باشا مرمية لم يلتفت اليها احد ولم يجسر أحد من اتباعه على الدخول الى البيت واخراجها ودفنها وزالت دولته وانقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين يوما ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته اسمر اللون نحيف البدن اسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلا عن العربي ويغلب عليه لغة الارنؤدية وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية وكان يبيت فيها كثيرا ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي الى السطح في الليل ويذكر معه ثم سكن هناك بحريمه وقد كان تزوج بامرأة من نساء الامراء وكان يجتمع عنده اشكال مختلفة الصور فيذكر معهم ولما راوأ منه ذلك خرج الكثير من الاوباش وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطور طويلا ومرقعة ودلفا وعلق له جلاجل وبهرجان وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة والفاظ موهمة بانه من ارباب الاحوال ونحو ذلك ولما قتل اقام مرميا الى ثاني يوم لم يدفن ثم دفنوه من غير راس بقبة عند بركة الفيل واخذ بعض الينكجرية راسه وذهبوا بها ليوصلوها الى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من الارنؤد فقتلوهم واحذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب احمد باشا مكتوبا الى محمد باشا يعلمه بصورةالواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد اغا ارسل كل واحد مكتوبا بمعنى ذلك وظنوا تمام النصف ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من دور
الناس من الحبانية الى ضلع السمكة الى درب الجماميز ثم ان احمد باشا احضر المشايخ واعلمهم بما وقع وامرهم بالذهاب الى محمد علي ويخاطبوه بان يذعن الى الطاعة فلما ذهبوا اليه وخاطبوه في ذلك اجاب بان احمد باشا لم يكن واليا على مصر بل انما هو والي المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة والسلام وليس له علاقة بمصر وانا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة واما احمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج البلد ويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر الى ولايته فقاموا من عنده على ذلك واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الارنؤد وتحزيوا وتسلحوا وعملوا متاريس على جهاتهم ونواحيهم الى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تحوف ولما اصبح نهار الخميس مر الوالي والاغا ينادون بالامان برسم حكم احمد باشا ثم ان احمد باشا ارسل اوراقا الى المشايخ بالحضور فذهبوا اليه فقال لهم اريد منكم ان تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم بالخروج على الارنؤد وقتلهم فقالوا سمعا وطاعة واخذوا في القيام فقال لهم لا تذهبوا وكونوا عندي وارسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له ان عادتنا ان يكون جلوسنا في المهمات بالجامع الازهر ونجتمع به ونرسل الى الرعية فانهم عند ذلك لا يخالفون وكان مصطفى اغا الوكيل حاضرا فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا وخرجوا وكان احمد باشا ارسل احضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله افندي رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى أغا الوكيل كان مرهونا عند شيخ السادات كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وابهته وأخذ معه عدة من الانكشارية وذهب الى عند احمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي والأنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الامراء فلما اصبح ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف=
كتاب : تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج2.
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
ومات الامير المبجل حسن افندي شقبون كاتب الحوالة وأصله
مملوك احمد افندي مملوك مصطفى افندي شقبون نشأ في الرياسة وخدمة الوزراء والاكابر
وحاز شيئا كثيرا من الكتب النفيسة والتي بخط الاعاجم والفارسية والخطوط التعليق
المكلفة والمذهبة والمصورة مثل كليلة ودمنة وشاهنامة وديوان حافظ والتواريخ التي
من هذا القبيل المصور بها صور الملوك البديعة الصنعة والاتقان الغالية الثمن
النادرة الوجود وكان قريبا الى الخير محتشما في نفسه توفي ايضا بالطاعون وتبددت
كتبه وذخائره
ومات الامير محمد آغا البارودي وهو مملوك احمد أغا مملوك
ابراهيم كتخدا القازدغلي رباه سيده وجعله خازنداره وعقد له على ابنته فلما توفي
سيده في سنة ثمان وثمانين طلقها وتزوج بزوجة سيد هانم بنت ابراهيم كتخدا من الست
البارودية وهي أم أولاده ابراهيم وعلي ومصطفى الذين تقدم ذكرهم والتي كان عقد
عليها كانت من غيرها فتزوجها حسن كاشف من اتباعهم تنبه المترجم وتداخل في الامراء
والاكابر وانضوى الى حسن كتخدا الجربان عندما كان كتخدا مراد بك فقلده في الخدم
والقضايا وأعجبه سياسته وحسن سعيه فارتاح اليه وكان حسن كتخدا المذكور تعتريه
النوازل فينقطع بسببها أياما بمنزله فينوب عنه المترجم في الكتخدائية عند مراد بك
فيحسن الخدمة والسياسة وتنميق الامور ويستجلب له المصالح فأحبه وأعجب به وقلده
الامور الجسيمة وجعله أمين الشون فعند ذلك اشتهر ذكره ونما امره واتسع حاله وانفتح
بيته وقصدته الناس وتردد إليه الأعيان في قضاء الحوائج ووقفت ببابه الحجاب واتخذ
له ندماء وجلساء من اللطفاء واولاد البلد يجلس معهم حصة من الليل ينادمونه
ويسامرونه ويضاحكونه ويشرب معهم وماتت زوجته ابنة سيد سيده من بنت البارودي فزوجه
مراد بك أكبر محاظية ام ولده أيوب وأتت الى بيته بجهاز عظيم وصار بذلك صهرا لمراد
بك وزادت شهرته ورفعته فلما حصلت الحوادث ووصل حسن باشا وخرج مراد بك من مصر فلم
يخرج
معه واستمر بمصر وقبض عليه اسمعيل بك وحبسه مع عمر كاشف
ببيته ثم نقلهما الى القلعة بباب مستحفظان مدة فلم يزل المترجم حتى صالح عن نفسه
وأفرج عنه وتقيد بخدمة اسمعيل بك وتداخل معه حتى نصبه في كتخدائيته واحبه واحتوى
على عقله فسلم اليه قياده في جميع اشغاله وارتاح اليه وجعله أمين الشون والضربخانة
وغيرهما فعظم شانه وارتفع قدره وطار صيته بالأقاليم المصرية وكثر الازدحام ببابه
وجبيت اليه الاموال وصار الايراد اليه والمصرف من يده فيصرف جماكي العسكر ولوازم
الدولة وهداياها ومصاريف العمائر والتجاريد واحتياجات أمير الحاج وغير ذلك بتؤدة
وزياقة وحسن طريقة من غير جلبةولا عسف ولا شعور لاحد من الناس بشيء من ذلك وكل شيء
سأل عنه مخدومه أو اشار بطلبه أو فعله وجده حاضرا ولم يشتغل امراء الحاج في زمن
اسمعيل بك بشيء من لوازم الحج بل كان هو يقضي جميع اللوازم من الجمال والارحال
والقرب والخيش والعليق والذخيرة التي تسافر في البحر والبر وعوائد العرب وكساويهم
والهجن والبغال وارباب الصيت وغير ذلك ليلاونهارا في اماكن بعيدة عن داره تحت ايدي
مباشريه الذين وظفهم وأقامهم في ذلك بحيث اذا اقتضى لاحدهم شيئا أتاه وأسر له في
أذنه فيوجهه بطرف كلمة ولا يشعر احد من الجالسين معه بشيء وإذا كان وقت خروج
المحمل فلا يرى امير الحاج الا جميع احتياجاته ولوازمه حاضرة مهيأة على أتم ما
يكون وأكمله وزوج ابنة سيده لخازنداره علي أغا وعمل لهما مهما عظيما عدة ايام وحضر
اسمعيل بك والامراء والاعيان وأرسلوا إليه الهدايا العظيمة وكذلك جميع التجار
والنصارى والكتاب القبط ومشايخ البلدان وبعد تمام ايام العرس ولياليه بالسماعات
والآلات والملاعيب والنقوط عملوا للعروس زفة بهيئة لم يسبق نظيرها ومشى جميع اربا
الحرف وأرباب الصنائع مع كل طائفة عربة وفيها هيئة صناعتهم ومن يشتغل فيها مثل
القهوجي بآلته وكانونه والحلواني والفطاطري والحباك والقزاز
بنوله حتى مبيض النحاس والحيطان والمعاجيني وبياعين البز
وارباب الملاهي والتماءالمغنيين وغيرهم كل طائفة في عربة وكان مجموعها نيفا وسبعين
حرفة وذلك خلاف الملاعيب والبهالوين والرقاصين والجنك ثم الموكب وبعده الاغوات
والحريم والملازمون والسعاة والجاويشية وبعدها عربة العروس من صناعة الافرنج بديعة
الشكل وبعدها مماليك الخزنة والملبسون الزروخ وبعدهم النوبة التركية والنفيرات
وكانت زفة غريبة الوضع لم ينفق مثلها بعدها وبلغ المترجم في هذه الايام من العظمة
ما لم يبلغه أحد من نظرائه وكان إذا توجهت همته الى أي شيء اتمه على الوجه الذي
يريده ويقبل الرشوة واذا أحب انسانا قضى له اشغاله كائنة ما كانت من غير شيء فلما
مات مخدومه اسمعيل بك وتعين في الامارة بعده عثمان بك طبل استوزره ايضا وسلمه
قيادة في جميع أموره وهو الذي أشار عليه بممالاته الامراء القبليين عندما تضايق
خناقه من حسن بك الجداوي ومناكدته له فكاتبهم سرا بسفارته وأطمعهم في الحضور
وتمكينهم من مصر ومات المترجم في اثناء ذلك في غرة رمضان وذلك بعد اسمعيل بك بأربعة
عشر يوما
ومات الصنو الوجيه والفريد النبيه محمد افندي بن سليمان
افندي ابن عبد الرحمن افندي بن مصطفى افندي ككليويان ويقال لها في اللغة العامية
جمليان نشأ في عفة وصلاح وخير وطلب العلم وعانى الجزئيات والرياضيات ولازم الشيخ
المرحوم الوالد وقرأ عليه كثير من الحسابيات الفلكيات والهيئة والتقويم ومهر في
ذلك وانتظم في عدد ارباب المعارف واشترى كتبا كثيرة في الفن واستكتب وكتب بخطه
الحسن واقتنى الالات والمستظرقات وحسب وقوم الدساتير السنوية عشرة اعوام مستقبلة
بأهلتها وتواريخها وتواقيعها ورسم كثيرا من الالات الغريبة والمنحرفات وكان شغله
وحسابه في غاية الضبط والصحة والحسن وكان لطيف الذات مهذب الاخلاق قليل الادعاء
جميل الصحبة وقورا مات ايضا بالطاعون
في شعبان وتبددت كتبه وآلاته
ومات ايضا الخدن الشقيق والمحب الشفيق النجيب الاريب
الامير رضوان الطويل وهو من مماليك علي كتخدا الطويل وكان من هذا القبيل متولعا من
صغره بهذا الفن وقرأ على الشيخ المتقن الشيخ عثمان الورداني وغيره وأنجب وحسب ورسم
واشتغل فكره بذلك ليلا نهارا ورسم الارباع الصحيحة المتقنة الكبيرة والصغيرة
والمزاول والمنحرفات وغير ذلك من الآلات المبتكرة والرسميات الدقيقة واتسع باعه في
ذلك واشتهر ذكره الى ان قطعت يد الاجل نواره واطفأت رياح المنية انواره
ومات الجناب المكرم والاختيار المعظم الامير اسمعيل
افندي الخلوتي اختيار جاويشان كان رجلا من أعيان الاختيارية في وقته معروفا صاحب
حشمة ووقار ومعرفة بالسياسة وأمور الرياسة ولم يزل حتى توفي في شهر شعبان سنة 1205
بالطاعون
ومات ايضا الجناب المكرم محمد افندي باشقلفة وهو مملوك
يوسف افندي باشقلفة وخشداش محمد افندي ثاني قلفة وعبد الرحمن افندي وكان مليح
بالذات جميل الصفات تقلد كتابة هذا القلم عندما تلبس السيد محمد باشقلفة بكتابة
الروزنامة فسار فيها سيرا حسنا وحمدت مساعيه الى ان وافاه الحمام وسارت نواعيه
ومات ايضا النبيه اللطيف والمفرد العفيف احمد افندي
الوزان بالضربخانة وكان انسانا حسنا جميل الاوضاع مترهف الطباع محتشما وقورا ودودا
محبوبا لجميع الناس
سنة ست ومائتين والف استهل شهر محرم بيوم الاربعاء وفيه
عينوا صالح آغا كتخدا الجاويشية الى السفر الى الديار الرومية وصحبته هدية وشربات
وأشياء وصالح أنما هذا هو الذي بعثوه قبل ذلك لاجراء الصلح على يد نعمان افندي
ومحمود بك وكاد ان يتم ذلك وأفسد ذلك حسن باشا ونفى
نعمان افندي بذلك السبب وذلك قبل موت حسن باشا بأربعة ايام فلما رجعوا الى مصر في
هذه المرة عينوه ايضا لللآرسالية لسابقته ومعرفته بالاوضاع وكان صالح اغا هذا
عندما حضروا الى مصر سكن ببيت البارودي وتزوج بزوجته فلما كان خامس المحرم ركب
الامراء لوداعه ونزل من مصر القديمة
وفيه هبط النيل ونزل مرة واحدة وذلك في ايام الصليب ووقف
جريان الخليج والترع وشرقت الاراضي فلم يرو منها الا القليل جدا فارتفعت الغلال من
السواحل والرقع وضجت الناس وايقنوا بالقحط وايسوا من رحمة الله وغلا سعر الغلة من
ريالين الى ستة وضجت الفقراء وعيطوا على الحكام فصار الاغا يركب الى الرقع
والسواحل ويضرب المتسببين في الغلة ويسمرهم في آذانهم ثم صار ابراهيم بك يركب الى
بولاق ويقف بالساحل وسعر الغلة بأربعة ريال الاردب ومنعهم من الزيادة على ذلك فلم
ينجع وكذلك مراد بك كرر الركوب والتحريج على عدم الزيادة فيظهرون الامتثال وقت
مرورهم فإذا التفتوا عنهم باعوا بمرادهم وذلك مع كثرة ورود الغلال ودخول المراكب
وغالبها للأمراء وينقلونها الى المخازن والبيوت
وفي أوائل صفر وصل قاصد وعلى يده مرسوم بالعفو والرضا عن
الامراء فعملوا الديوان عند الباشا وقرأوا المرسوم وصورة ما بنى عليه ذلك انه لما
حضر السيد عمر افندي بمكاتبتهم السابقة الى الباشا يترجون وساطته في اجراء الصلح
أرسل مكاتبة في خصوص ذلك من عنده وذكر فيها ان من بمصر من الامراء لا طاقة لهم بهم
ولا يقدرون على منعهم ودفعهم وانهم واصلون وداخلون على كل حال فكان هذا المرسوم
جوابا عن ذلك وقبول شفاعة الباشا والاذن لهم بالدخول بشرط التوبة والصلح بينهم
وبين اخوانهم فلما فرغوا من قراءة ذلك ضربوا شنكا ومدافع
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر حضر الشيخ الامير الىمصر
من الديار الرومية ومعه مرسومات خطابا للباشا والامراء فركب المشايخ ولا قوه من
بولاق وتوجه الى بيته ولم يأت للسلام عليه احد من
الامراء وانعمت عليه الدولة بألف قرش ومرتب بالضربخانة قرش في كل يوم وقرأ هنا
البخاري عند الآثار الشريفة بقصد النصرة
وفي شهر ربيع الاول عمل المولد النبوي بالازبكية وحضر
مراد بك الى هناك واصطلح مع محمد افندي البكري وكان منحرفا عنه بسبب وديعته التي
كان اودعها عنده واخذها حسن باشا فلما حضر الى مصر وضع يده على قرية وكان اشتراها
الافندي من حسن جلبي بن علي بك الغزاوي وطلب من حسن جلبي ثمن القرية الذي قبضه من
الشيخ ليستوفي بذلك بعض حقه وطال النزاع بينهما بسب ذلك ثم اصطلحا على قدر قبضه مراد
بك منهما وحضر مراد بك الى الشيخ في المولد وعمل له وليمة واستمر عنده حصة من
الليل وخلع على الشيخ فروة سمور
وفيه عملوا ديوانا عند الباشا وكتبوا عرضحال بتعطيل
الميري بسبب شراقي البلاد
وفيه سافر محمد بك الالفي الى جهة شرقية بلبيس
وفيه حضر ابراهيم بك الى مسجد استاذه للكشف عليه وعلى
الخزانة وعلى ما فيها من الكتب ولازم الحضور اليه ثلاثة ايام واخذ مفتاح الخزانة
من محمد افندي حافظ وسلمه لنديمه محمد الجراحي واعاد لها بعض وقفها المرصد عليها
بعد ان كانت آلت الى الخراب ولم يبق بها غير البواب امام الباب
وفي شهر ربيع الثاني قرروا تفريدة على تجار الغورية
وطيلون وخان الخليلي وقبضوا على انفار انزلوهم الى التكية ببولاق ليلا في المشاغل
ثم ردوهم ووزع كبار التجار ما تقرر عليهم من فقرائهم بقوائم وناكد بعضهم بعضا وهرب
كثير منهم فسمروا دورهم وحوانيتهم وكذلك فعلوا بكثير من مساتير الناس والوجاقلية
وضج الخلائق من ذلك
وفي مستهل جمادى الاولى كتبوا فرمانا بقبض مال الشراقي
ونودي به
في النواحي وانقضى شهر كيهك القبطي ولم ينزل من السماء
قطرة ماء فحرثوا المزروع ببعض الاراضي التي طشها الماء وتولدت فيها الدودة وكثرت
الفيران جدا حتى اكلت الثمار من اعلى الاشجار والذي سلم من الدودة من الزرع اكله
الفار ولم يحصل فيه هذه السنة ربيع للبهائم الا في النادر جدا ورضي الناس بالعليق
فلم يجد والتبن وبلغ حمل الحمار من قصل التبن الاصفر الشبيه بالكناسة الذي يساوي
خمسة انصاف قبل ذلك مائة نصف ثم انقطع مرور الفلاحين بالكلية بسبب خطف السواس
واتباع الاجناد فصار يباع عند العلافين من خلف الضبة كل حفان تسفين الى غير ذلك
وفيه حضر صالح اغا من الديار الرومية
وفي شهر شوال سافر ايضا بهدية ومكاتبات الى الدولة
ورجالها
وفي شهر القعدة وردت الاخبار بعزل الصدر الاعظم يوسف
باشا وتولية محمد باشا ملكا وكان صالح اغا قد وصل الى الاسكندرية فغيروا المكاتبات
وارسلوها اليه
وفيه حضر اغا بتقرير لوالي مصر على السنة الجديدة وطلع
بمكب الى القلعة وعملوا له شنكا
وفي اواخر شهر الحجة شرع ابراهيم بك في زواج ابنته عديلة
هانم للامير ابراهيم بك المعروف بالوالي امير الحج سابقا وعمر لها بيتا مخصوصا
بجوار بيت الشيخ السادات وتغالوا في عمل الجهاز والحلي والجواهر وغير ذلك من
الاواني والفضيات والذهبيات وشرعوا في عمل الفرح ببركة الفيل ونصبوا صواري امام
البيوت الكبار وعلقوا فيها القناديل ونصب الملاعيب والملاهي أرباب الملاعيب وفردت
التفاريد على البلاد وحضرت الهدايا والتقادم من الامراء والاكابر والتجار ودعا
ابراهيم بك الباشا فنزل من القلعة وحضر صحبته خلع وفرا ومصاغ للعروس من جوهر وقدم
له ابراهيم بك تسعة عشر من الخيل منها عشرة معددة وسجة لؤلؤ وأقمشة
هندية وشبقات دخان مجوهره وعملوا الزقة في رابع المحرم
يوم الخميس وخرجت من بيت أبيها في عربة غريبة الشكل صناعة الإفرنج في هيئة كمال من
غير ملاعيب ولا خزعبلات والامراء والكشاف وأعيان التجار مشاة أمامها
وفيه حضر عثمان بك الشرقاوي وصحبته رهائن حسن بك الجداوي
وهم شاهين بك وسكن في مكان صغير وآخرون
وفيه وصلت الاخبار بان علي بك انفصل من حسن بك ومن معه
وسافر على جهة القصير وذهب الى جدة
واما من مات في هذه السنة مات الامام الذي لمعت أفق
الفضل بوارقه وسقاه من مورده النمير عذبه ورائقه لا يدرك بحر وصفه الاغراق ولا
تلحقه حركات الافكار ولو كان لها في مضمار الفضل السباق العالم النحرير واللوذعي
الشهير شيخنا العلامة أبو العرفان الشيخ محمد بن علي الصبان الشافعي ولد بمصر وحفظ
القرآن والمتون واجتهد في طلب العلم وحضر اشياخ عصره وجهابذة مصره وشيوخه فحضر على
الشيخ الملوي شرحه الصغير على السلم وشرح الشيخ عبد السلام على جوهرة التوحيد وشرح
المكودي على الالفية وشرح الشيخ خالد على قواعد الاعراب وحضر على الشيخ حسن
المدابغي صحيح البخاري بقراءته لكثير منه وعلى الشيخ محمد العشماوي الشفا للقاضي
عياض وجامع الترمذي وسنن ابي داود وعلى الشيخ احمد الجوهري شرح ام البراهين
لمصنفها بقراءته لكثير منها وعلى الشيخ السيد البليدي وصحيح مسلم وشرح العقائد
النسفية للسعد التفتازاني وتفسير البيضاوي وشرح رسالة الوضع للسمرقندي وعلى الشيخ
عبد الله الشبراوي تفسير البيضاوي وتفسير الجلالين وشرح الجوهرة للشيخ عبد السلام
وعلى الشيخ محمد الحفناوي صحيح البخاري والجامع الصغير وشرح المنهج والشنشوري على
الرجيبه ومعراج النجم الغيطي وشرح الخزرجية لشيخ الاسلام
وعلى الشيخ حسن الجبرتي التصريح على التوضيح والمطول ومتن الجغميني في علم الهيئة
وشرح الشريف الحسيني علىهداية الحكمة قال وقد أخذت عنه في الميقات وما يتعلق به
وقرأت فيه رسائل عديدة وحضرت عليه في كتب مذهب الحنفية كالدر المختار على تنوير
الابصار وشرح ملا مسكين على الكنز وعلى الشيخ عطية الاجهوري شرح المنهج مرتين
بقراءته لاكثر وشرح جمع الجوامع للمحلى وشرح التلخيص الصغير للسعد وشرح الاشموني
على الالفية وشرح السلم للشيخ الملوي وشرح الجزرية لشيخ الاسلام والعصام على
السمرقندية وشرح أم البراهين للحفصى وشرح الاجرومية لريحان اغا وعلى الشيخ على
العدوى مختصر السعد على التلخص وشرح القطب على الشمسية وشرح شيخ الاسلام على ألفية
المصطلح بقراءته لاكثره وشرح بن عبد الحق على البسملة لشيخ الاسلام ومتن الحكم
لابن عطاء الله رحمهم الله تعالى أجمعين قال وتلقيت طريق القوم وتلقين الذكر على
منهج السادة الشاذلية على الاستاذ عبد الوهاب العفيفي المرزوقي وقد لازمته المدة
الطويلة وانتفعت بمدده ظاهرا وباطنا قال وتلقيت طريق ساداتنا آل وفا سقانا الله من
رحيق شرابهم كؤوس الصفا عن ثمرة رياض خلفهم ونتيجة أنوار شرفهم على الاكابر
والاصاغر ومطمح انظار أولى الابصار والبصائر أبي الانوار محمد السادات ابن وفا
نفحنا الله واياه بنفحات جده المصطفى وهو الذي كناني على طريقة اسلافه بأبي
العرفان وكتب لي سنده عن حاله السيد شمس الدين أبي الاشراق عن عمه السيد أبي الخير
عبد الخالق عن أخيه السيد ابي الارشاد يوسف عن والده الشيخ أبي التخصيص عبد الوهاب
عن ولد عمه السيد بحيى أبي اللطف الى آخر السند هكذا نقلته من خط المترجم رحمه
الله تعالى ولم يزل المترجم يخدم العمل ويدأب في تحصيله حتى تمهر في العلوم
العقلية والنقلية وقرأ الكتب المعتبرة في حياة اشياخه وربى التلاميذ
واشتهر بالتحقيق والتدقيق والمناظرة والجدل وشاع ذكره
وفضله بين العلماء بمصر والشام وكان خصيصا بالمرحوم الشيخ الوالد اجتمع به من سنة
سبعين ومائة وألف ولم يزل ملازما له مع الجماعة ليلا ونهارا واكتسب من اخلاقه
ولطائفة وكذلك بعد وفاته لم يزل على حبه ومودته مع الحقير وانضوى الى استاذنا
السيد أبي الانوار بن وفا ولازمه ملازمة كلية وآشرقت عليه أنواره ولاحت عليه
مكارمه وأسراره ومن تآليفه حاشيته على الاشموني التي سارت بها الركبان وشهد بدفنها
أهل الفضائل والعرفان وحاشية على شرح العصام على السمرقندية وحاشية على شرح الملوى
على السلم ورسالة في علم البيان ورسالة عظيمة في آل البيت ومنظومة في علم العروض
وشرحها ونظم اسماء أهل بدر وحاشية على آداب البحث ومنظومة في مصطلح الحديث ستمائة
بيت ومثلثات في اللغة ورسالة في الهيئة وحاشية على السعد في المعاني والبيان
ورسالتان على البسملة صغرى وكبرى ورسالة في مفعل ومنظومة في ضبط رواة البخاري
ومسلم وكان في مبدأ أمره وعنفوان عمره معانقا للخمول والاملاق متكلا على مولاه
الرزاق يستجدي مع العفة ويستدر من غير كلفة وتنزل اياما في وظيفة التوقيت
بالصلاحية بضريح الامام الشافعي رضي الله عنه عندما جدده عبد الرحمن كتخدا وسكن
هناك مدة ثم ترك ذلك ولما بنى محمد بك ابو الذهب مسجده تجاه الازهر تنزل المترجم
ايضا في وظيفة توقيتها وعمر له مكانا بسطحها سكن فيه بعياله فلما اضمحل امر وقفة
تركه واشترى له منزلا صغيرا بحارة الشنواني وسكن به ولما حضر عبد الله افندي
القاضي المعروف بططر زاده وكان متضلعا من العلوم والمعارف وسمع بالمترجم والشيخ
محمد الجناجي واجتمعا به اعجب بهما وشهد بفضلهما واكرمهما وكذلك سليمان افندي
الرئيس فعند ذلك راج امر المترجم واثرى حاله بالملابس وركب البغال وتعرف ايضا
باسمعيل كتخدا حسن باشا وتردد اليه قبل ولايته فلما اتته الولاية بمصر زاد في
اكرامه واولاه
بره ورتب له كفاتيه في كل يوم بالضربخانة والجزية وخرجا
من كلاره من لحم وسمن وارز وخبز وغير ذلك وأعطاه كساوى وفراء واقبلت عليه الدنيا
وازداد وجاهة وشهرة عمل فرحا وزوج ابنه سيدي علي فأقبل عليه الناس بالهدايا وسعوا
لدعوته وانعم عليه الباشا بدراهم لها صورة والبس ابنه فروة يوم الزفاف وكذا ارسل
اليه طبلخانته وجاويشيته وسعاته فزفوا العروس وكان ذلك في مبادىء ظهور الطاعون في
العام الماضي وتوعك الشيخ المترجم بعد ذلك بالسعال وقصبة الرئة حتى دعاه داعي
الاكام وفجأة الحمام ليلة الثلاثاء من شهر جمادى الاولى من السنة وصلى عليه
بالآزهر في مشهد حافل ودفن بالبستان تغمده الله بالرحمة والرضوان وخلف ولده الفاضل
الصالح الشيخ علي بارك الله فيه
ومات السيد السند الامام الفهامة المعتمد فريد عصره
ووحيد شامه ومصره الوارد من زلال المعارف على معينها المؤيد باحكام شريعة جده حتى
ابان صبح يقينها السيد العلامة ابي المودة محمد خليل بن السيد العارف المرحوم علي
بن السيد محمد بن القطب العارف بالله تعالى السيد محمد مراد بن علي الحسيني الحنفي
الدمشقي اعاد الله علينا من بركاته علومهم في الدنيا والاخرة من بيت العلم
والجلالة والسيادة والعز والرياسة والسعادة والمترجم وان لم نره لكن سمعنا خبره
ووردت علينا منه مكاتبات ووشى طروسة المحبرات وتناقل الينا اوصافه الجميلة ومكارم
اخلاقه الجليلة وكان شامة الشام وغرة الليالي وايام اورق عوده بالشام واثمر ونشأ
بها في حجر والده والدهر ابيض وقرأ القرآن على الشيخ سليمان الديركي المصري وطالع
في العلوم والادبيات واللغة التركية والانشاء والتوقيع ومهر وانجب واجتمعت فيه
المحاسن الحسية والمزايا المعنوية مع الطف خلق يسعى اللطف لينظر اليه ورقيق محاسن
يقف الكمال متحيرا لديه وانا وان لم يقع لي عليه نظر بالعين فسماع الاخبار احدى الروايتين
ولما توفي والده المرحوم تنصب مكانه مفتي الحنفية بالديار الشامية ونقيب
الاشراف باجماع الخاص والعام وسار فيها احسن سير وزين
بمآثره العلوم النفلية وملك بنقد ذهنه جواهرها السنية فكانت تتيه به على سائر
البقاع بقاع الشام ويفتخر به عصره على جميع الليالي والايام فلا تزال تصدح ورق
الفصاحة في ناديها وتسير الركبان بما فيه من المحاسن رائحها وغاديها ونور فضله باد
وموائده ممدودة لكل حاضر وباد وكان رحمه الله مغرما بصيد الشوارد وقيد الاوابد
واستعلام الاخبار وجمع الاثار وتراجم العصريين على طريق المؤرخين وراسل فضلاء
البلدان البعيدة ووصلهم بالهدايا والرغائب العديدة والتمس من كل جمع تراجم اهل
بلاده واخبار اعيان اهل القرن الثاني عشر يحسب وسع همته واجتهاده وكان هو السبب
الاعظم الداعي لجمع هذا التاريخ على هذا النسق فانه كان راسل شيخنا السيد محمد
مرتضى والتمس منه نحو ذلك فأجابه لطلبته ووعده بأمنيته فعند ذلك تابعه بالمراسلات
واتحفه بالصلات المترادفات وشرع شيخنا المرحوم في جمع المطلوب بمعونة الفقير ولم
يذكر السبب الحامل على ذلك وجمع الحقير ايضا ما تيسر جمعه وذهبت به يوما وعنده بعض
الشاميين فأطلعته عليه فسر بذلك كثيرا وطار حتى وطارحته في نحو ذلك بمسمع من
المجالس ولم يلبث السيد الا قليلا واجاب الداعي وتنوسي هذا الامر شهورا ووصل نعي
السيد الى المترجم والصورة الواقعة وكانت اوراق السيد مختوما عليها فعند ذلك ارسل
الي كتابا وقرنه بهدية على يد السيد محمد التاجر القباقيبي يستدعي تحصيل ما جمعه
السيد من اوراقه وضم ما جمعه الفقير وما تيسر ضمه ايضا وارساله وانتقل المترجم بعد
ذلك لامور اوجبت رحلته منها الى حلب الشهباء كما ذكر لي ذلك في مراسالاته في سنة
خمس ومائتين وألف وهناك عصفت رياح المنية بروضه الخصيب وهصرت يد الردي يانع غصنه
الرطيب فاحتضر واحضر بأمر الملك المقتدر لا زال جدثه روضة من رياض الجنان ولا برح
مجرى لجداول الرحمة والرضوان وذلك في اواخر صفر من هذه السنة وهو مقتبل الشبيبة
ولم يخلف بعده في
الفضائل والمكارم مثله
ومات الامام المفوه من غذى بلبان الفضل وليدا وعدلبيد
اذا قيس بفصاحته بليدا من له في المعالي ارومة وفي مغارس الفضل جرثومة الحسين ابن
النور علي بن عبد الشكور الحنفي الطائفي الحريري الفقه والانشاء ويعرف بالمتقي من
اولاد الشيخ علي المتقي مبوب الجامع الصغير من اكبر أصحاب الشيخ السيد عبد الله
ميرغني ولد بالطائف بها نشأ وتكمل في الفنون العرفانية وتدرج في المواهب الاحسانية
واحبه السيد عبد الله وتعلق بأذياله وشرب من صفو الاوهام وأخذ بالحرمين عن عدة
علماء كرام وشارك في العلوم ونافس في المنطوق والمفهوم الا انه غلب عليه التصوف
وعرف منه ما فيه الكمال والتصرف وبينه وبين شيخنا العيدروس مودة أكيدة ومحبة عتيدة
ومحاورات ومذاكرات وملاطفات ومصافاة وقد ورد علينا مصر في سنة 1174 وسكن ببيت
الشيخ محسن علي الخليج وكان يأتيه السيد العيدروس والسيد مرتضى وغيرهم فأعاد روض
الانس نضيرا وماء المصافاة نميرا ودخل الشام وحلب وبها أخذ عن جماعة في أشياء منهم
السيد اسمعيل المواهبي فقد عده من شيوخه واثنى عليه ودخل بلاد الروم وانعم بالمروم
وعاد الى الحرمين وقوض عن الاسفار الخيام
وللسيد العيدروس قصيدة بائية ارسلها له وهي بليغة مطولة
وغير ذلك مطارحات كثيرة وللمترجم مؤلفات حسان وكلها على ذوق أهل العرفان منها
المنظومة التي تعرف بالصلاتية عجيبة وشرحها مزجا كأصلها علىلسان القوم ولما حج
الشيخ التاودي بن سودة كتبها عنه ووصل بها المغرب ونوه بشأنها حتى كتبت منها عدة
نسخ ونوه بشأن صاحبها حتى عين له سلطان المغرب بصرة في كل سنة تصل اليه مع الركب
والناس في المترجم مختلفون فمنهم من يصفه بالبراعة والكمال واولئك الذين رأوا
كلامه فبهرهم نظامه ومنهم من يصفه بالحلول عن ربقة الانقياد ويرميه بالحلول
والاتحاذ وهو ان شاء الله تعالى مبرأ مما نسب اليه ولما اجتمع به العلامة
محمد بن يعقوب بن الفاضل الشمشاري ونزل في منزله فكان
أنيسا له في سائر احواله قال اختبرته حق الاختبار فلم اجد له الا لسانا وهو مثار
وبعد اشهر تبرم عن ملازمته واتخذ له حجرة في الحرم وعزل نفسه عنه فالتزم وحكى لي
من اموره اشياء غريبة والمترجم معذور فان ساداتنا المغاربة ليس لهم تحمل في سماع
كلام مثل كلامه لانهم الفوا ظاهر الشريعة ولم يدخل على اذهانهم نوادر اهل العرفان
ولا تسوروا حصونها المنيعة ولاهل الروم فيه اعتقاد جميل ومواهبهم تصل اليه في كل
قليل وكان له ولد يسمى جعفرا ورد علينا مصر في سنة خمس وثمانين واقام معنا برهة
يغدو الينا ويبيت ويروح لزيارة بعض احباب ابيه بمصر ويذهب معنا لبعض المنتزهات اذ
ذاك ولم يزل حتى اخترمته المنية سامحه الله ولم يخلف بعده مثله
سنة سبع ومائتين وألف استهل المحرم بيوم الخميس والامر
في شدة من الغلاء وتتابع المظالم وخراب البلاد وشتات اهلها وانتشارهم بالمدينة حتى
ملؤا الاسواق والازقة رجالا ونساء واطفالا يبكون ويصيحون ليلا ونهارا من الجوع
ويموت من الناس في كل يوم جملة كثيرة من الجوع
وفيه ايضا هبط النيل قبل الصليب بعشرة ايام وكان ناقصا
عن ميعاد الري نحو ذراعين فارتجت الاحوال وانقطعت الامال وكان الناس ينتظرون الفرج
بزيادة النيل فلما نقص انقطع املهم واشتد كربهم وارتفعت الغلال من السواحل
والعرصات وغلت اسعارها عما كانت وبلغ الاردب ثمانية عشر ريالا والشعير بخمسة عشر
ريالا والفول بثلاثة عشر ريالا وكذلك باقي الحبوب وصارت الاوقية من الخبز بنصف فضة
ثم اشتد الحال حتى بيع ربع الويبة بريال وآل الامر الى ان صار الناس يفتشون على
الغلة فلا يجدونها ولم يبق للناس شغل ولا حكاية ولا سمر بالليل والنهار في مجالس
الاعيان وغيرهم الا مذاكرة القمح والفول والاكل ونحو ذلك وشحت النفوس واحتجب
المساتير وكثر الصياح والعويل ليلا ونهارا فلا
تكاد تقع الارجل الاعلى خلائق مطروحين بالازقة واذا وقع
حمارا وفرس تزاحموا عليه واكلوه نيا ولو كان منتنا حتى صاروا يأكلون الاطفال ولما
انكشف الماء وزرع الناس البرسيم ونبت اكلته الدودة وكذلك الغلة فقلب اصحاب المقدرة
الارض وحرثوها وسقوها بالماء من السواقم والنطالات والشواديف واشتروا لها التقاوى
بأقصى القيم وزرعوها فأكله الدود ايضا ولم ينزل من السماء قطرة ولا اندية ولا صقيع
بل كان في اوائل كيهلك شرودات واهوية حارة ثقيلة ولم يبق بالارياف الا القليل من
الفلاحين وعمهم الموت والجلاء
وفي اواخر شهر ربيع الاول حضر صالح اغا من الديار
الرومية وعلى يده مرسومات بالعفو وثلاث خلع احداها للباشا والاخريان لابراهيم بك
ومراد بك فاجتمعوا بالديوان وقرأوا المرسومات وضربوا مدافع واحضر صحبته صالح آغا
وكالة دار السعادة وانتزعها من مصطفى اغا واستولى على ملابلها
وفيه وصلت غلال رومية وكثرت بالساحل فحصل للناس اطمئنان
وسكون ووافق ذلك حصاد الذرة فنزل السعر الى اربعة عشر ريالا الاردب واما التبن فلا
يكاد يوجد وإذا وجد منه شيء فلا يقدر من يشتريه على ايصاله لداره او دابته بل
يبادر لخطفه السواس واتباع الاجناد في الطريق واذا سمعوا واستشعروا بشيء منه في
مكان كبسوا عليه واخذوه قهرا فكان غالب مؤنة الدواب قصب الذرة الناشف ويشرح الكثير
من الفقراء والشحاذين في نواحي الجسور فيجمعون ما يمكنهم جمعه من الحشيش اليابس
والنجيل الناشف ويأتون به ويطوفون به الاسواق ويبيعونه بأغلى الاثمان ويتضارب على
شرائه الناس وان صادفهم السواس والقواسة خطفوه من على رؤوسهم واخذوه قهرا
وفيه وصلت الاخبار بان علي بك الدفتردار لما سافر من
القصير طلع على المويلح وركب من هناك مع العرب الى غزة وارسل سرا الى مصر وطلب
رجلا نصرانيا من اتباعه فذهب اليه صحبة الهجان بمطلوبات وبعض
احتياجات ولما وصل الى جهة غزة أرسل الى احمد باشا
الجزار يعلمه بوصوله فأرسل لملاقاته خيلا ورجالا فذهب اليه وصحبته نحو الثلاثين
نفرا لا غير فلما وصل الى قرب عكا خرج اليه احمد باشا ولاقاه ووجهه الى حيفا ورتب
لهم بها رواتب وأما مراد بك فانه خرج الى بر الجيزة من اول السنة وجلس في قصر
اسمعيل بك الذي عمره هناك واشتغل بعمل جبخانة وآلات حرب وبارود وجلل وقنابر وطلب
الصناع والحدادين وشرع في انشاء مراكب وغلايين رومية وزاد في بناء القصر ووسعه
وانشأ به بستانا عظيما وغير ذلك وسافر عثمان بك الشرقاوي الى ثغر الاسكندرية وجبى
الاموال في طريقه من البلاد
وفي يوم الاربعاء سابع عشرين ربيع الاخر وخامس كيهك
القبطي امطرت السماء مطرا متوسطا وفرح به الناس
وفي يوم السبت غرة جمادى الاولى عدى مراد بك من بر
الجيزة فدخل الى بيته واخبروا عن عثمان بك الشرقاوي انه رجع الى رشيد ثم في رابعه
حضر المذكور الى مصر
وفي ليلة الخميس خرج مراد بك وابراهيم بك وباقي امرائهم
الى جهة العادلية فأقاموا أياما قليلة ثم ذهب مراد بك الى ناحية ابو زعبل وكذلك
ابراهيم بك الوالي وصحبته جماعة من الامراء الى ناحية الجزيرة في وقت خروجهم نهب
اتباعهم ما صادفوه من الدواب وصاروا يكبسون الوكائل التي بباب الشعرية ويأخذون ما
يجدونه من جمال الفلاحين السفارة وحميرهم نهبا فأما مراد بك فانه لما وصل الى ابو
زعبل وجد هناك طائفة من عرب الصوالحة في خيشهم لاجنية لهم فنهبهم وأخذ اغنامهم
ومواشيهم وقتل منهم نحو خمسة وعشرين شخصا ما بين غلمان وشيوخ واقام هناك يوما وقبض
على مشايخ البلد أبى زعبل وحبسهم وقرر عليهم غرامة احد عشر الف ريال ولم يقبل فيهم
شفاعة استاذهم وشتمه وضربه بالعصا واما عرب الجزيرة فأنهم ارتحلوا من اماكنهم
وفي شهر شعبان وقع الاهتمام بسد خليج الفرعونية بسبب
احتراق
البحر الشرقي ونضوب مائه وظهرت بالنيل كيمان رمل هايلة
من حد المقياس الى البحر المالح وصار البحر الغربي سلسلول جدول تخوضه الاولاد
الصغار ولا يمر به الا صغار القوارب وانقطع الجالب من جميع النواحي الا ما تحمله
المراكب الصغار باضعاف الاجرة وتعطلت دواوين المكوس فأرسلوا الى سد الترعة رجلا
مسلماني وصحبته جماعة من الافرنج وأحضروا الاخشاب العظيمة ورتبوا عمل السد قريبا
من كفر الخضرة وركبوا آلات في المراكب ودقوا ثلاث صفوف خوابير من أخشاب طوال فلما
أتموا ذلك كانت الصناع فرغت من تطبيق الواح في غاية الثخن شبه البوابات العظام وهي
مسمرة بمسامير عظيمة ملحومة بالرصاص وصفائح الحديد مثقوبة بثقوب مقاسة علىما
يوازيها من نجوش منجوشة بالخوابير المركوزة في الماء فاذا نزلوا ببوابة آلحموها
بتلك الخوابير وتبعتهم الرجال بالجوابي المملوأة بالحصا والرمل من امام ومن خلف
وتبع ذلك الرجال الكثيرة بغلقان الاتربة والطين ففعلوا ذلك حتى قارب التمام ولم
يبق الا اليسير ثم حصل الفتور في العمل بسبب ان المباشر على ذلك أرسل لمراد بك
بالحضور ليكون اتمامها بحضرته ويخلع عليه ويعطيه ما وعده به من الانعام فلم يحضر
مراد بك وغلبهم الماء وتلف جانب من العمل وكان أيوب بك الصغير حاضرا وفي نفسه ان
لا يتم ذلك لاجل بلاده فأصبح مرتحلا وتركوا العمل وانفض الجمع وقد أقام العمل في
ذلك من اوائل شعبان الى اواسط شوال ثم نزل اليها جماعة آخرون وطبوا جملة مراكب
موسوقة بالاحجار وشرعوا في عمل سد المكان القديم عن فم الترعة ودقوا ايضا خوابير
كثيرة وألقوا احجارا عظيمة وفرغت الاحجار فأرسلوا بطلب غيرها فلم تسعفهم القطاعون
فشرعوا في هدم الابنية القديمة والجوامع التي بساحل النيل وقلعوا احجار الطواحين
التي بالبلاد القريبة من العمل واستمروا على ذلك حتى قويت الزيادة ولم يتم العمل
ورجعوا كالاول وذهب في ذلك من الاموال والغرامات والسخرات وتلف من المراكب
والاخشاب والحديد ما لا يحد ولا يعد
وفي اوائل شوال ورد الخبر بان علي بك سافر من عند احمد
باشا الى اسلامبول صحبة قبجي معين فلما قرب من اسلامبول ارسلوا من وجهه الى برصا
ليقيم بها ورتبوا له كفايته في كل شهر خمسمائة قرش رومي
من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات السيد الامام العارف
القطب عفيف الدين ابو السيادة عبد الله ابن ابراهيم بن حسن بن محمد امين بن علي
ميرغني بن حسن بن مير خوردابن حيدر بن حسن بن عبد الله بن علي بن حسن بن احمد بن
علي بن ابراهيم ابن يحيى بن عيسى بن ابي بكر بن علي بن محمد بن اسمعيل ابن ميرخورد
البخاري بن عمر بن علي بن عثمان بن علي المتقي بن الحسن بن علي الهادي ابن
محمدالجوار الحسيني المتقي المكي الطائفي الحنفي الملقب بالمحجوب ولد بمكة وبها
نشأ وحضر في مباديه دروس بعض علمائها كالشيخ النخلي وغيره واجتمع بقطب زمانه السيد
يوسف المهدلي وكان أذ ذاك أوحد عصره في المعارف فانتسب اليه ولازمه حتى رقاه وبعد
وفاته جذبته عناية الحق وارته من المقامات مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على
قلب بشر فحينئذ انقطعت الوسايط وسقطت الوسائل فكان اويسيا تلقيه من حضر جده صلى
الله عليه و سلم كما اشار الى ذلك شيخنا السيد مرتضى عندما اجتمع به بمكة في سنة
1163 وأطلعه على نسبه الشريف وأخرجه اليه من صندوق قال وطلبت منه الاجازة واسناد
كتب الحديث فقال غنى عنه قال فعلمت انه أويسي المقام ومدده من جده عليه الصلاة و
السلام وانتقل الى الطائف بأهله وعياله في سنة ست وستين وشرف تلك المشاهد ومآثر شهيرة
ومفاخرة كثيرة وكراماته كالشمس في كبد السماء وكالبدر في غيهب الظلماء وأحوله في
احتجابه عن الناس مشهورة وأخباره في زهده عن الدنيا على ألسنة الناس مذكورة ومن
مؤلفاته كتاب فرائض
وواجبات الاسلام لعامة المؤمنين والكوكب الثاقب وشرحه
وسماه رفع الحاجب عن الكوكب الثاقب وله ديوانان متضمنان لشعره احدهما المسمى
بالعقد المنظم على حروف المعجم والثاني عقد الجواهر في نظم المفاخر ومنها المعجم
الوجيز في أحاديث النبي العزيز صلى الله عليه و سلم اختصره من الجامع وذيله وكنوز
الحقائق والبدر المنير وهو في اربعة كراريس وقد شرحه العلامة سيدي محمد الجوهري
وقرأه دروسا ومنها شرح صيغة القطب بن مشيش ممزوجا وهو من غرائب الكلام ومنها مشارق
الانوار في الصلاة والسلام على النبي المختار توفي رضي الله عنه في هذه السنة
ومات الشيخ الفاضل الصالح احمد بن يوسف الشنواني المصري
الشافعي المكني بأبي العز المكتب الخطاط ويعرف ايضا بحجاج وأمه الشريفة خاصكية
ابنة القاضي جلبي بن احمد العراقي من ذرية القطب شهاب الدين العراقي دفين شنوان
الغرف بالمنوفية حفظ القرآن وجوده على الشيخ المقرى حجازي بن غنام تلميذ الزميلي
وجود الخط المنسوب على الشيخ احمد بن اسمعيل الافقم ومهر فيه وأجيز فنسخ بيده
كثيرا من المصاحف ونسخ الدلائل والكتب الكبار منها الاحياء للغزالي والامثال
للميداني وانتفع الناس به طبقة بعد طبقة وفي غضون ذلك تردد على جملة من الشيوخ
كالشهابين الملوي والجوهري وأخذ عنهما أشياء والشمس الحفني والشيخ حسن المدابغي
ومحمد بن النعمان الطائي في آخرين وأحبوه وجاور بالحرم سنة ثم عاد الى مصر ولازم
معنا كثيرا على شيخنا السيد مرتضى في حضور الحديث فسمع البخارى بطرفيه ومسلما
بطرفيه وسنن أبي داود الى قريب ثلثيه وغالب الشمائل للترمذي وثلاثيات البخاري
وثلاثيات الدرامي والحلية لابي نعيم من اوله الى مناقب العشرة وأجزاء كثيرة
بحدودها في ضمن اجازته باسانيدها وكان نعم الرجل صحبة وديانة وحفظا للنوادر من
الاشعار
والحكايات وأصيب المترجم بكريمتيه عوضه الله دار الثواب
من غير سابقة عذاب ولا عتاب توفي سابع عشرين جمادى الاولى من السنة
ومات الامام الفقيه المحدث البارع المتبحر علام المغرب
الشيخ ابو عبد الله محمد بن الطالب بن سودة المري الفاسي التاودي ولد بفاس سنة
1128 وأخذ عن ابي عبد الله محمد بن عبد السلام بناني الناصري شارع الاكتفاء
والشفاء ولامية الزقاق وغيرها والشهاب احمد بن عبد العزيزالهلالي السجلماسي قرأ
عليهما الموطا وغيرها والشهاب احمد بن مبارك السجلماسي اللمطي قرأ عليه المنطق
والكلام والبيان والأصول والتفسير والحديث وكان في أكثرها هو القارىء بين يديه مدة
مديدة وأذن له في اقراء الصحيح في حياته فألقى دروسا بين يديه وكان يوده ويسر به ويقدمه
على سائر الطلبة ولما توفي ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الاولى سنة خمس وخمسين
ومائة والف بالطاعون تزاحم ذو الوجاهات فيمن يلحده في قبره فكان الشيخ هو المتولي
لذلك دون غيره وتلك كرامة له ورضوا بذلك قال وكلمته يوما في شأن الحج متمنيا له
ذلك فقال لي مشيرا الى شيخه سيدي عبد العزيز الدباغ ان الناس قالوا لي جعلناك في
حق فلا تخرج من هذه البلدة وأنت ستحج واعطيك الف دينار وألف مثقال ان شاء الله
تعالى قال ولم تك نفسي تحدثني بالحج يومئذ ولم يخطر ببال ومنهم الفقيه المتواضع
صاحب التآليف ابو عبد الله محمد ابن قاسم جسوس لازمه مدة وقرأ عليه كتبا منها
رسالة بن أبي زيد ومختصر خليل ثلاث ختمات مع مطالعه شروح وحواش والحكم والشمائل
وجميع الصحيح من غير فوت شيء منه ومنهم حافظ المذهب الفقيه القاضي ابو البقاء يعيش
بن الزغاوي الشاوي قرأ عليه رجز بن عاصم ولامية الزقاق وطرفا من الصحيح توفي سنة
1150 كان منزله بالدوخ في اطراف المدينة فنزل به اللصوص ليلا فدافع عن حريمه
وقاتلهم حتى قتل شهيدا رحمه الله ومنهم قاضي الجماعة ومفتي الانام أبو العباس
احمد بن احمد الشدادي الحسني قرأ عليه المختصر الخليلي
من اوله الى الوديعة او العارية وسمع عليه بعض التفسير من اوله ومنهم الفقيه
الزاهد القاضي ابو عبد الله محمد بن احمد التماق قرأ عليه رسالة ابن أبي زيد
والحكم والتفسير من اوله الى سورة النساء ومنهم الامام الناسك الزاهد ابو عبد الله
محمد بن جلون قرأ عليه الاجرومية وختم عليه الالفية مرتين والمختصر الخليلي من
اوله الى اليمين ولم يكن له نظير في الضبط والاتقان والتحرير وهو اول شيخ اخذ عليه
وذلك قبل البلوغ وكان اذا قام من دروسه عرض على نفسه ماقاله فيجده لا يدع منه حرفا
واحدا ومنهم سيبويه زمانه ابو عبد الله سيدي محمد ابن الحسن الجندوز قرأ عليه
الالفية فكان يملي من حفظه في اثنائه الشروح والحواشي وشروح الكافية والتسهيل
والرضي والمعنى والشواهد وغير ذلك مما يستجاد ويستغرب وقرأ عليه السلم والتلخيص
ومن انصافه انه لما قرب اواخره بلغه ان الشيخ بن مبارك يريد ان يقرأه فقام مع
جماعة وذهب اليه ليسمع منه وهذا من حسن انصافه واعترافه بالحق ومنهم ابو العباس
احمد بن علال الوجاري قرأ عليه الالفية بلفظة ثلاث مرات وشيئا من التسهيل والمغنى
وقد ذكر له بعض الشيوخ عن ابن هشام انه قرأ الالفية الف مرة فقال له بعض من سمعه
وكم قرأتها قال اما المائة فجزتها فهؤلاء عشرة شيوخ كذا لخصتها من اجازة المترجم
للشيخ احمد ابن علي بن عبد الوهاب بن الحاج الفاسي في تاسع جمادى الثانية سنة ثلاث
والف وحج المترجم فقدم مصر سنة احدى وثمانين ورجع سنة 1182 وعقد درسا حافلا
بالجامع الازهر برواق المغاربة فقرأ الموطأ بتمامه وحضره غالب الموجودين من
العلماء واجاد في تقريره وافاد وسمع عليه الكثير اوائل الكتب الستة والشمائل
والحكم وغيرها واجاز ولقي بمكة ابا زبد عبد الرحمن بن اسلم اليمني وابا محمد حسين
بن عبد الشكور صاحب الشيخ عبد الله الميرغني والشيخ ابراهيم الزمزمي وغيرهم
وبالمدينة
ابا عبد الله محمد بن عبد الكريم السمان وابا الحسن
السندي وعبد الله جعفر الهندي وغيرهم واجازوه واجازهم وعاد الى مصر واجتمع بفاضلها
كالجوهري والصعيدي وحسن الجبرتي والطحلاوي والسيد العيدروس والشيخ محمود الكردي
وعيسى البراوي والبيومي والعربان وعطية الأجهوري وكان صحبته ولداه سيدي محمد وهو
الاكبر وسيدي أبو بكر خالي العذار جميل الصورة وتردد على الشيخ الوالد كثيرا وتلقى
عنه بعض الرياضيات وترك عنده ولديه المذكورين مدة اقامته بمصر فكنا نطالع معهما
سوية صحبة الشيخ سالم القيرواني والشيخ احمد السوسي ونسهر غالب الليل نراعي
المطالع والمغارب وممرات الكواكب بالسطح حذاء خيط المساترة ونراجع الشيخ فيما يشكل
علينا فهمه وهو معنا في ناحية اخرى واوقفت سيدي ابا بكر على طريق رسم ربع الدائرة
المقنطر والمجيب توفي سيدي محمد بفاس سنة 1193 ومن تآليف المترجم حاشية قوله وارخه
الى آخره ابتداء التاريخ من الزاي من زج مع حساب السنين بثلاثمائة على قاعدة
المغاربة الا انه يزيد واحدا عن سنة الوفاة فلعله مات سنة اربع وتسعين ومائة والف
كما يظهر ذلك بحساب التاريخ على البخاري في اربع مجلدات وحاشية على الزرقاني شارح
خليل وشرحان على الاربعين النووية ومناسك حج وشرح الجامع لسيدي خليل وشرح تحفة بن
عاصم في القضاء والاحكام والمنحة الثابتة في الصلاة الفائتة وفتح المتعال فيما
ينتظم منه بيت المال وحاشية علي بن جزي المفسر وحاشية على البيضاوي لم تكمل وشرح
المشارق للصاغاني ومنظومة فيما يختص بالنساء وكلفه سلطان المغرب خطة القضاء في سنة
1203 فقبلها كرها وكانت فتاويه مسددة واحكامه مؤيدة مع غاية التحرز والصيانة
والاتقان وبالجملة فكان عين الاعيان في عصره ومصره شهير الذكر وافر الحرمة مهيب
الصورة يغلب دلاله على جماله قليل التبسم ولما توفي مولاي محمد سلطان المغرب ووقع
الاختلاف والاضطراب
بين اولاده اجتمع الخاصة والعامة على رأى المترجم فاختار
المولى سليمان وبايعه على الامر بشرط السير على الخلافة الشرعية والسنن المحمدية
وبايعه الكافة بعده على ذلك وعلى نصره الدين وترك البدع والمظالم والمكوس والمحارم
وكان كذلك ولم يزل المترجم على طريقته الحميدة حتى توفي في هذه السنة وتوفي بعده
ابنه سيدي ابو بكر في سنة عشر ومائتين والف
ومات الامام العلامة والوجيه الفهامة الشيخ احمد بن محمد
بن جاد الله ابن محمد الخناني المالكي البرهاني وجده الاخير يعرف بأبي شوشة وله
مقام بزار بام خنان بالجيزة نشأ في طلب العلم وحضر أشياخ الوقت ولازم السيد
البليدي وصار معيدا لدروسه بالازهر والاشرفية وانتفع بملازمته له انتفاعا كليا
وانتسب اليه وأجازه اجازة مطولة بخطه ونوه بشأنه فلما توفي شيخه المذكور تصدر
لاقراء الحديث مكانه بالمشهد الحسيني واجتمع عليه الناس وحضره من كان ملازما لحضور
شيخه من تجار المغاربة وغيرهم واعتقدوا صلاحه وتحبب اليهم وواسوه بالصلاة والزكوات
النذور وواظب الاقراء بالازهر ايضا وزيارة مشاهد الاولياء واحياء لياليها بقراءة
القرآن والذكر ويقوم دائما من الثلث الاخير من الليل ويذهب الى المشهد الحسيني
ويصلي الصبح بغلس في جماعة وزاد اعتقاد الناس فيه واتسعت دنياه مع المداومة على
استجلابها وامسكاها وبآخرة اشترى دارا عظيمة بحارة كنامة المعروفة الان بالعينية
بالقرب من الازهر وانتقل اليها وسكنها وكان يخرج لزيارة قبور المجاورين في كل يوم
جمعة قبل الشمس فنزل العرب في بعض الجمع الى بين الكيمان فأراد الهروب وكان جسيما
فسقط من على بغلته على خربته فانكسر زره وحمل الى داره وعالج نفسه شهورا حتى عوفي
قليلا ولم يزل تعاوده الامراض حتى توفي رحمه الله وما رأيته قط الا وهو يتلو قرآنا
أو يطالع كتابا سامحه الله تعالى
ومات الامام الفاضل الصالح النجيب المفوه الناجح الشيخ
محمد ابن احمد بن خضر الخربتاوي المالكي الازهري قرأ على والده وحضر دروس شيخنا
الشيخ علي العدوي الصعيدي وبه تخرج وانجب في العلوم وله سليقة جيدة في النثر
والنظم وحصل كتبا نفيسة المقدار زيادة على الذي ورثه من والده وله محبة في آل
البيت ومدائح كثيرة وهو ممن قرظ على شرح القاموس لشيخنا السيد محمد مرتضى تقريظا
بديعا ولم يزل المترجم مقبلا على شأنه مواظبا على دروسه حتى توفي في هذه السنة
رحمه الله
ومات الاجل الصالح الناسك المسلك العارف الشيخ محمد بن
عبد الحافظ افندي ابو ذاكر الخلوتي الحنفي اخذ الطريق عن السيد مصطفى البكري
والشيخ الحفني وحضر الفقه على العلامة الشيخ محمد الدلجي والشيخ احمد الحماقي
وادرك الاسقاطي والمنصوري ولم يتزوج قط وكف بصره سنة 1181 وانقطع في بيته احدى
وعشرين سنة بمفرده وليس عنده قريب ولا غريب ولا جارية ولا عبد ولا من يخدمه في شيء
مطلقا وبيته متسع جهة التبانة وبابه مفتوح دائما وعنده الاغنام والدجاج والاوز
والبط والجميع مطلوقون في الحوش وهو يباشر علفهم واطعامهم وسقيهم الماء بنفسه
ويطبخ طعامه بنفسه وكذلك يغسل ثيابه واشتهر في الناس بان الجن تخدمه وليس ببعيد
لانه كان من اهل المعارف والاسرار ويأتي اليه الكثير من الطلبة للاخذ عنه والتلقي
منه وكان له يد طولي في كل شيء ومشاركة جيدة في العلوم والمعارف والاسماء
والروحانيات والاوفاق واستحضار تام في كل ما يسأل عنه وعنده عدة كثيرة من السنانير
ويعرفها بالواحد بأسمائها وأنسابها وألوانها ويقول هذه تحفة بنت بستانه وهذه كمونة
بنت ياسمين وهذه فلانة أخت فلانة الى غير ذلك توفي رحمه الله تعالى في شهر شوال من
هذه السنة
ومات الامام العلامة والرحلة الفهامة المعمر المتقدم
الشيخ مصطفى المرحومي الشافعي ولد بمحلة المرحوم بالمنوفية وقرأ القرآن وحفظه
وجوده وحضر الى مصر المتون وتفقه على الاشياخ المتقدمين
كالدفري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والملوي والحفني وغيرهم ومهر في المعقول
والمنقول وأملى الدروس بالازهر وجامع أزبك وانتفع به الناس كان يتردد الى بيوت بعض
الاعيان ويحبونه ويكرمونه ويستفيدون من فوائده ونوادره وكان له حافظة واستحضار
للمناسبات والاشعار واللطائف لا يمل حديث ومفاكهته توفي في هذه السنة رحمه الله
ومات الامام العلامة الفقيه النحوي الاصولي الجدلي
النحرير الفصيح المتقن المتفنن الشيخ علي الشهير بالطحان الازهري المصري حضر شيوخ
العصر ولازم الشيخ الملوي والجوهري وكان معيد الدروس الاخيروبه وبه تخرج وكان يقرأ
الكتب ويقرر الدروس بدون مطالعة الا انه كان يغلب عليه الملل والسآمة وحب البطالة
غالب ايامه ولا يتعفف عن الدنيا من أي وجه كان ويطلبها وان قلت وكانت سليقته جيدة
في النثر والنظم وله منظومة في الفقه ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى
وصغرى ومنظومة في المنطق ومنظومتان في التوحيد كبرى وصغرى ومنظومة في العروض
ومنظومة في البان ومنظومة في الطب وله لاميتان على محاكات لامية بن الوردي كبرى
الملوي على السمرقندية توفي في اواخر شعبان من السنة
ومات الامام العلامة النبيه الوجيه الفاضل المستعد الشيخ
يوسف ابن عبدالله بن منصور السنبلاويني الشهير برزه الشافعي تفقه على بلدية الشيخ
احمد رزة وحضر دروس الشيخ الحفني والشيخ البراوي والشيخ عطية والشيخ الصعيدي
وغيرهم من الاشياخ وأنجب ودرس وأفاد ولازم الاقراء وكان انسانا وجيها محتشما ساكن
الجاش وقورا بهي الشكل قانعا بحاله لا يتداخل كغيره في أمور الدنيا مجمل الملابس
لا يزيد على ركوب الحمار في بعض الاحيان لبعض الامور الضرورية ولم يزل حتى تعلل
وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات العلامة المفيد المفوه المجيد الشيخ عبد الرحمن بن
علي بن الامام
العلامة عبد الرؤوف البشبيشي نشأ في حجر والده وحفظ
القرآن وحضر الاشياخ وتفقه في مذهب ابيه وجده وهم شافعيون واجتمع بالشيخ الوالد
ولازمه ملازمة كلية وحضر عليه في مذهب أبي حنيفة وحفظ كثيرا من الفروع الغريبة في
المذهب والرياضيات وأقراني في حال الصغر شيئا من القرآن وحروف الهجاء وكان به بعض
رعوته فانتقل الى مذهب أبي حنيفة واخبر الوالد بذلك يظن سروره في انتقاله فلامه
على فعله وانحط قدره عنده من ذلك الوقت وذلك بعد موت والده في سنة 1187 واملق حاله
وتكدر باله وسافر بآخرة الى دمياط واقام بها مدة يفتي على مذهب الحنفية وراج أمره
هناك لشغور الثغر عن مثله ثم قدم مصر لامر عرض له فأقام بمصر واراد بيع داره ليصرف
ثمنها في شؤونه فلم يجد من يشتريها بالثمن المرغوب وكان انسانا حسنا يذاكر بفوائد
مع حسن المعرفة وصحة الذهن وربما تعلق ببعض فنون غريبة ولذا قل حظه رحمه الله في
هذه السنة وحيدا في داره وهو جالس
ومات المجذوب المعتقد السيد علي البكري أقام سنينا
متجردا ويمشي في الاسواق عريانا ويخلط في كلامه وبيده نبوت طويل يصحبه معه في غالب
اوقاته وقد تقدم ذكره وذكر المرأة التي تبعته المعروفة بالشيخة أمونة وكان يحلق
لحيته وللناس فيه اعتقاد عظيم وينصتون الى تخليطاته ويوجهون ألفاظه ويؤولونها على
حسب أغراضهم ومقتضيات احولهم ووقائعهم وكان له أخ من مساتير الناس فحجر عليه ومنعه
من الخروج وألبسه ثيابا ورغب الناس في زيارته وذكر مكاشفاته وخوارق كراماته فأقبل
الناس عليه من كل ناحية وترددوا لزيارته من كل جهة وأتوا اليه الهدايا والنذور
وجروا على عوائدهم في التقليد وازدحم عليه الخلائق وخصوصا النساء فراج بذلك أمر
أخيه واتسعت دنياه ونصبه شبكة لصيده ومنعه من حلق لحيته فنبتت وعظمت وسمن بدنه
وعظم جسمه من كثرة الاكل والراحة وقد كان قبل ذلك عريانا شقيانا يبيت غالب لياليه
بالجوع طاويا من غير اكل بالازقة في الشتا والصيف وقيد
به من يخدمه ويراعيه في منامه ويقظته وقضاء حاجته ولا يزال يحدث نفسه ويخلط في
الفاظه وكلامه وتارة يضحك وتارة يشتم ولا بد من مصادفة بعض الالفاظ لما في نفس بعض
الزائرين وذوي الحاجات فيعدون ذلك كشفا واطلاعا على ما في نفوسهم وخطرات قلوبهم
ويحتمل ان يكون كذلك فانه كان من البله المجاذيب المستغرقين في شهود حالهم وسبب
نسبتهم هذه انهم كانوا يسكنون بسويقة البكري لا انهم من البكرية ولم يزل هذه حالة
حتى توفي في هذه السنة واجتمع الناس لمشهده من كل ناحية ودفنوه بمسجد الشرايبي
بالقرب من جامع الرويعي في قطعة من المسجد وعملوا على قبره مقصورة ومقاما يقصد
للزيارة واجتمع عند مدفنه في ليال وميعادات قراء ومنشدون وازدحم عند أصناف الخلائق
ويختلط النساء بالرجال ومات اخوه ايضا بعده بنحو سنتين
ومات الوجيه المكرم والنبيه المفخم مصطفى بن صادق افندي
اللازجي الحنفي ولد سنة 1174 ونشأ في حجر والده وحفظ القرآن وبعض المتون في صغره
وحفظ في صغره وحفظ البرجلي والشاهدي ومهر في اللغة التركية وتفقه على ابيه وقرأ
عليه علم الصرف وحضر على بعض الاشياخ ولازم الشيخ محمد الفرماوي واخد عنه النحو
وقرأ عليه مختصر السعد وغيره برواق الجيرت بالازهر ثم تصدر للافادة والمطالعة
لطلبة الاتراك المجاورين برواق الأورام ولبس له تاجا وفراجة وعمل له مجلس وعظ على
كرسي بالجامع المؤيدي وذلك قبل نبات لحيته وكان وسيما جسيما بهي الطلعة أبيض اللون
رابي البدن فاجتمع لسماع وعظه ومشاهدة ذاته كثير من الناس من ابناء العرب والاتراك
والامراء والاجناد فيقرر لهم بالعربي والتركي بفصاحة وطلاقة لسان وممن كان يحضره
علي أغا مستحفظان وهام فيه واحبه وصار يتردد اليه كثيرا ويذهب هو ايضا الى داره
كثيرا وكان والده متوليا على وقف اسكند ومشيخة التكية بباب الخرق فكان
هو المتكلم على ذلك عوضا عن أبيه واتفق انه حاسب المباشر
على ذلك وهو الشيخ احمد الصفطة وطالبه بما تأخر عليه فما طلبه فأغرى به علي أغا
المذكور فطلب الشيخ احمد المذكور ونكل به وشهره وعلقه على شباك السبيل بباب الخرق
بقاووقه وهيئته واجتمع الناس للفرجة عليه يوما كاملا ثم اطلقه فاشتهر أمر المترجم
وهابه الناس واكثر من الترداد الى بيوت الامراء وعظموه وأحبوه وأكرموه لاتحاد
الجنسية وارتباط الحيثية ولما توفي مصطفى افندي شيخ رواقهم انتبذ هو لطلب المشيخة
وذهب الى مراد بك فألبسه فروة على مشيخة الرواق فتعصب اهل الرواق وأبو مشيخته
عليهم لحداثة سنه واجتعوا وذهبوا الى مراد بك فزجرهم ونهرهم وطردهم فرجعوا بقهرهم
وسكتوا واستمر شيخا عليهم يأتي الى الرواق في كل يوم ويقرأ لهم الدرس كما كان من
قبله واشتهر ذكره وعظمت لحيته وصار ذا وجاهة عظيمة وسكن دارا عظيمة جهة التبانة من
وقف رواقهم ودعا اليه الاعيان والاكابر وعمل لهم ولائم وقدم لهم التقادم والهدايا
واحتفل به مصطفى أغا الوكيل وسعى له في اشغاله وكاتب الدولة في شأنه فأرسلوا له
مرتبا بالضربخانة وقدره مائة وخمسون نصفا في كل يوم واتسع حاله واقبلت عليه الدنيا
من كل جهة ومات ابوه في سنة اربع ومائتين وألف وكان ذا مكنة وحرص فأحرز مخلفاته
ايضا وباع تركته وكان سليط اللسان في حق الناس فاتفق انه لما حضر حسن باشا الى مصر
فحضر مرة الى زيارة المشهد الحسيني وجلس مع الشيخ السادات والشيخ البكري فدخل
عليهم المترجم فجلس هنيهة ثم قام فسأل عنه حسن باشا فأخبره الشيخ السادات عن
احواله وتكلمه في حق الناس فأمر بنفيه فأنزعج عليه والده ثم ذهب الىحسن باشا وكلمه
فرق له ورحم شيبته وامر برد ابنه فرجع من ليلته ولم يزل يسعى ويتحيل حتى احضر حسن
باشا الى داره وجدد معه صداقة وصحبة حتى كان أن يأخذه صحبته ولم يزل في فوعته
وفورته حتى غار ماء حياته وانغلق عن الفتح باب قبره
عند مماته وهو مقتبل الشبيبة في هذه السنة
ومات الشيخ المحترم المبجل الشيخ احمد بن الامام العلامة
سالم النفراوي المالكي نشأ في حجر والده في رفاهية وتنعم ورياسة ولما مات والده
تعصب له الشيخ عبد الله الشبراوي وحاز له وظائف والده وتعلقاته وأجلسه للاقراء في
مكان درس أبيه وأمر جماعة ابيه بالحضور عليه وكان الشيخ علي الصعيدي من اكبر طلبة
ابيه فتطلع للجلوس في محله وكان أهلا لذلك فعارضه الشيخ الشبراوي وأقصاه وصدر ولده
لذلك مع قلة بضاعته ولتغة في لسانه فحقد ذلك في نفسه الشيخ الصعيدي سنينا وكان
المترجم ذا دهاء ومكر وتصدي للقضايا والدعاوي واتخذ له أعوانا واشتهر ذكره وعد من
الكبار وترددت اليه الامراء والاعيان وصار ذا صولة وهيبة ولما ظهر شأن علي بك كان
يرعى له حقه وحالته التي وجده عليها ويقبل شفاعته ويكرمه حتى انه كان يأتي اليه
بداره التي بالجيزة فلما مات علي بك وانتقلت الرياسة الى محمد بك وكان له عناية
بالشيخ الصعيدي ويسمع لقوله وكان السيد محمد بدوي بن فتيح القباني مباشر المشهد
الحسيني يعلم كراهة الشيخ الصعيدي الباطنية للمترجم فيرصد الوقت الذي يحضر في
الشيخ الصعيدي عند الامير ويفتح مذاكرته والتكلم في حقه فيساعده الشيخ ويظهر
المكمون في نفسه من المترجم ويذكرون مساويه وقبائحه وما بيده من الوظائف بغير حق
وما تحت نظارته من الاوقاف المتخربة حتى اوغروا صدر الامير عليه فنزع منه وظائفه
وفرقها على من اشاروا عليه بتقليده اياها وأهانه فعند ذلك تسلطت عليه الالسن وكثرت
فيه الشكاوي وتجاسر عليه الانذال وتطاول عليه الارذال وهدموابيته الذي بالجيزة
لانه كان تعدى في بنائه وأخذ قطعة من الطريق التي يسلك منها الناس فعند ذلك خمل
ذكره وبرد امره واستمر على ذلك حتى توفي في هذه السنة غفر الله له وسامحه بمنه
وكرمه
سنة ثمان ومائتين وألف فيها أوفى النيل أذرعه في سادس
عشر المحرم الموافق لثامن عشر مسرى القبطي وأول برج السنبلة وفيها انحلت الاسعار
وبورك في رمي الغلال حتى ان الفدان الواحد زكا بقدر خمسة أفدنة وبلغ النيل الى
الزيادة المتوسطة وثبت الى أول بابه وشمل الماء غالب الارض بسبب التفات الناس لسد
المجارى وحفر الترع واصلاح الجسور
وفي اوائل شهر صفر وصل قابجي من الديار الرومية بطلب مال
المصالحة والحلوان فانزلوه في دار وهادوه ورتبوا له مصروفا
ومن الحوادث ان الناس انتظروا جاويش الحاج وتشوفوا
لحضوره ولم يذهب اليهم في هذه السنة ملاقاة بالوش ولا بالازلم وأرسل ابراهيم بك
هجانا يستخبر عن الحجاج فذهب ورجع ليلة الثالث والعشرين من شهر صفر وأخبر ان العرب
تجمعوا على الحج من سائر النواحي عند مغاير شعيب ونهبوا الحجاج وكسروا المحمل
واحرقوه وقتلوا غالب الحجاج والمغاربة معهم وأخذوا أحمالهم ودوابهم ونهبوا أثقالهم
وانجرح أمير الحج وأصابه ثلاث رصاصات وغاب خبره ثلاثة ايام ثم أحضره العرب وهو
عريان في أسوأ حال وأخذوا النساء بأجمالهن والذي تبقى منهم أدخلوه الى قلعة العقبة
وتركهم الهجان بها من غير ماء ولا زاد فنزر بالناس من الغم والحزن تلك الليلة مالا
مزيد عليه ثم أنهم عينوا محمد بك الالفي وعثمان بك الاشقر ليسافرا بسبب ذلك فخرجا
في يوم الخميس سابع عشرين صفر وخطف اتباعهم في ذلك اليوم ما صادفوه من الجمال
والبغال والحمير وقرب السقائين التي تنقل الماء من الخليج ونهبوا الخبر من
الطوابين والمخابر والكعك والعيش من الباعة وفي يوم خروجهم
وصل جماعة من الحجاج ودخلوا في أسوأ حال من العري والجوع
والتعب فلما وصلوا الى نخل تلاقوا مع باقي الحجاج عل مثل ذلك ووجدوا أمير الحاج
ذهب الى غزة وصحبته جماعة من الحجاج وأرسل يطلب الامان ولم يزوروا المدينة في هذه
السنة وأرسل من صرة المدينة اثنين وثلاثين ألف ريال مع عرب حرب ضاع في هذه الحادثة
من الاموال والمحزوم شيء كثير جدا واخبروا ان مواسم هذا العام كان من أعظم المواسم
لم يتفق مثله من مدة مديدة
وفي يوم الاثنين غرة ربيع الاول دخل باقي الحجاج على مثل
حالة من وصل منهم قبل ذلك
وفي صبحها يوم الثلاثاء عملوا الديوان بالقلعة واجتمع
الامراء والوجاقلية والمشايخ وقرىء المرسوم الذي حضر بصحبة الاغا فكان مضمونه طلب
الحلوان والخزينة وقدر ذلك تسعة الاف واربعمائة كيس وعشرة الاف وخمسة واربعون نصفا
فضة تسلم ليد الاغا المعين من غير تأخير
وفيه عملوا على زوجات أمير الحاج ثلاثين الف ريال
وأرسلوا الى بيت حسن كاشف المعمار فأخذوا ما فيه من الغلال وغيرها لانه قتل في
معركة العرب مع الحجاج وألبسوا زوجته الخاتم قهرا عنها ليزوجوها لمملوك من مماليك
مراد بك وهي بنت علي اغا المعمار ووجدت على زوجها وجدا عظيما وارسلت جماعة لاحضار
رمته من قبره الذي دفن فيه في صندوق على هيئة تابوت
وفيه شرع الامراء في عمل تفريدة على البلاد بسبب الاموال
المطلوبة وقرروها عال وهو اربعمائة ريال ووسط ثلثمائة والدون مائة وخمسون وكتبوا
اوراقها على الملتزمين ليحصلوها منهم
وفي يوم الخميس سافر حسن كتخدا ايوب بك بامان لعثمان بك
ليحضره من غزة ووصل المتسفرون بجثة حسن كاشف المعمار
وفي عشرين جمادى الاولى وصل عثمان بك طبل الاسماعيلي
امير الحاج الى مصر مكسوف البال ودخل الى بيته
وفيه حضر الصدر الاعظم يوسف باشا الى الاسكندرية ليتوجه
الى الحجاز فاعتنى الامراء بشأنه وارسلوا له ملاقاة وتقادم وهدايا وفرشوا له قصر
العيني ووصل الى مصر وطلع من المراكب الى قصر العيني واسلوا له تقادم وضيافات ثم
حضروا للسلام عليه في زحمة وكبكبة فخلع على ابراهيم بك ومراد بك خلعا ثمينة وقدم
لهما حصانين بسرجين مرختين ثم نزل له الباشا المنولي بعد يومين وسلم عليه ورجع الى
القلعة واقاموا لخفارته عبد الرحمن بك الابراهيمي جلس بالقصر المواجه لقصر العيني
وقد تخيلوا من حضوره وظنوا ظنونا
وفي يوم الاحد ثالث جمادى الثانية طلع يوسف باشا الى
القلعة باستدعاء من الباشا المتولي فجلس عنده الى بعد الظهر ونزل في موكب حافل الى
محله بقصر العيني وارسل له ابراهيم بك ومراد بك مع كتخدائهم هدية وهي خمسمائة أردب
قمح ومائة اردب ارز وتعبيات اقمشة هندية وغير ذلك واقام بالقصر اياما وقضوا أشغاله
وهيؤا له اللوازم والمراكب بالسويس وركب في اواسط جمادى الثانية وذهب الى السويس
ليسافر الى جدة من القلزم وانقضت هذه السنة وحوادثها واستهلت الاخرى *
من مات فيها من الاعيان ومن سارت بذكرهم الركبان مات
نادرة الدهر وغرة وجه العصر انسان عين الاقاليم فريد عقد المجد النظيم جامع
الفضائل والمحاسن ومظهر اسم الظاهر والباطن من لبس رداء النجابة في صباه ولاح
عنوان المكارم على صحائف علاه ولم تقصر عليه أثواب مجده التي ورثها عن ابيه وجده
الحسيب النسيب والنجيب الاريب السيد محمد افندي البكري الصديقي شيخ سجادة السادة
البكرية ونقيب السادة الاشراف بمصر المحمية تقلد بعد والده المنصبين وورث عنه
السيادتين فسار فيهم سيرة الملوك ونثر فرائد المكارم من
أسلاك السلوك فجوده حدث عن البحر ولا حرج وبراعة منطقه تلتج سلب الالباب والمهج مع
حسن منظر تتزاحم عليه وفود الابصار وفيض نوال تضطرب لغيرتها منه البحار وقد اجتمع
فيه من الكمال ما تضرب به الامثال واخبار غنية عن البيان مسطرة في صحف الامكان
زمانه كأنه عروس الفلك فكم قال له الدهر اما الكمال فلك ولم يزل كذلك الى ان آذنت
شمسه بالزوال وغربت بعد ما طلعت من مشرق الاقبال وقطفت زهرة شبابه وقد سقتها دموع
احبابه وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الثاني وخرجوا بجنازته من بيتهم
بالازبكية وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن عند اجداده بجوار الامام الشافعي
رضي الله عنه وبالجملة فهو كان مسك الختام قلما تسمح بمثله الايام ولما مات تولى
سجادة الخلافة البكرية ابن خاله سيدي الشيخ خليل افندي وتقلد النقابة السيد عمر
افندي الاسيوطي
ومات علامة العلوم والمعارف وروضة الاداب الوريقة وظلها
الوارف جامع المزايا والمناقب شهاب الفضل الثاقب الامام العلامة الشيخ احمد ابن
موسى بن داود ابو الصلاح العروسي الشافعي الازهري ولد سنة ثلاث وثلاثين ومائة والف
وقدم الازهر فسمع على الشيخ احمد الملوي الصحيح بالمشهد الحسيني وعلى الشيخ عبد
الله الشبراوي الصحيح والبضاوي والجلالين وعلى السيد البليدي البيضاوي في الأشرفية
وعلى الشمس الحفني الصيح مع شرحه للقسطلاني ومختصر بن ابي جمرة والشمائل وابن حجر
على الاربعين والجامع الصغير وتفقه على كل من الشبراوي والعزيزي والحفني والشيخ
علي قايتباي الاطفيجي والشيخ حسن المدابغي والشيخ سابق والشيخ عيسى البراوي والشيخ
عطية الاجهوري وتلقى بقية الفنون عن الشيخ علي الصعيدي لازمه السنين العديدة وكان
معيدا لدروسه وسمع عليه الصحيح بجامع مرزة ببولاق
وسمع من الشيخ ابن الطيب الشمائل لما ورد مصر متوجها الى
الروم وحضر دروس الشيخ يوسف الحفني والشيخ ابراهيم الحلبي وابراهيم بن محمد الدلجي
ولازم الشيخ الوالد وأخذ عنه وقرأ عليه في الرياضيات والجبر والمقابلة وكتاب
الرقائق للسبط وقوللي زاده على المجيب وكفاية القنوع والهدايةوقاضي زادة وغير ذلك
وتلقن الذكر والطريقة عن السيد مصطفى البكري ولازمه كثير واجتمع بعد ذلك على ولي
عصره الشيخ احمد العربان فأحبه ولازمه واعتنى به الشيخ وزوجه احدى بناته وبشره
بانه سيسود ويكون شيخ الجامع الازهر فظهر ذلك بعد وفاته بمدة لما توفي شيخنا الشيخ
احمد الدمنهوري واختلفوا في تعيين الشيخ فوقعت الاشارة عليه واجتمعوا بمقام الامام
الشافعي رضي الله عنه كما تقدم واختاروه لهذه الخطة العظيمة فكان كذلك واستمر شيخ
الجامع على الاطلاق ورئيسهم بالاتفاق يدرس ويعيد ويملي ويفيد ولم يزل يراعي للحقير
حق الصحبة القديمة والمحبة الاكيدة وسمعت من فوائده كثيرا ولازمت دروسه في المغني
لابن هشام بتمامه وشرح جمع الجوامع للجلال المحلي والمطول وعصام على السمرقندية
وشرح رسالة الوضع وشرح الورقات وغير ذلك وكان رقيق الطباع مليح الاوضاع لطيفا
مهذبا اذا تحدث نفت الدر واذا لقيته لقيت من لطفه ما ينعش ويسر ولم تزل كؤوس فضله
على الطلبة مجلوة حتى ورد موارد الموت ودعاه الله تعالى بجوار الجنان وتلقاه جدثه
بروح رحمة ورضوان وذلك في حادي عشرين شعبان وصلى عليه بالازهر في مشهد حافل ودفن
بمدفن صهره الشيخ العريان تغمده الله بالرحمة والرضوان ومن تآليفه شرح على نظم
التنوير في اسقاط التدبير الشيخ الملوي وهو نظم وحاشية على الملوي على السمرقندية
وغير ذلك وخلف أولاده الاربعة كلهم فضلاء أذكياء نبلاء أحدهم الذي تعين بالتدريس
في محله بالازهر العلامة اللوذعي والفهامة الالمعي شمس الدين السيد محمد واخوه
النبيه الفاضل المتقن شهاب الدين السيد أحمد وأخوه الذكي
اللبيب والفهيم النجيب السيد عبد الرحمن والنبيه الصالح
والمفرد الناجح السيد مصطفى بارك الله فيهم
ومات الخواجة المعظم والملاذ المفخم حائز رتب الكمال
وجامع مزايا الافضال سيدي الجامع محمود بن محرم اصل والده من الفيوم واستوطن مصر
وتعاطى التجارة وسافر الى الحجاز مرارا واتسعت دنياه وولد له المترجم فتربى في
العز والرفاهية ولما ترعرع وبلغ رشده وخالط الناس وشارك وباع واشترى وأخذ واعطى
ظهرت فيه نجابة وسعادة حتى كان اذا مسك التراب صار ذهبا فانجمع والده وسلم له قياد
الامور فاشتهر ذكره ونسا امره وشاع خبره بالديار المصرية والحجازية والشامية
والرومية وعرف بالصدق والامانة والنصح فاذعنت له الشركاء والوكلاء ووثقوا بقوله
ورأيه واحبه الامراء المصرية وتداخل فيهم بعقل وحشمة وحسن سير وفطانة ومدارات
وتؤدة وسياسة ولطف وادب وحسن تخلص في الامور الجسيمة وعمر داره ووسعها واتحفها
وخرفها وأنشأ بها قاعة عظيمة وامامها فسحة مليحة الشكل وحول القاعة بستان بديع
المثال وهي مطلة عليه من الجهتين وزوج ولده سيدي احمد الموجود الان وعمل له مهما
عظيما دعا اليه الاكابر والاعيان والتجار وتفاخر فيه الى الغاية وعمر مسجدا بجوار
بيته بالقرب من حبس الرحبة فجاء في غاية الاتقان والحسن والبهجة ووقف عليه بعض
جهات ورتب فيه وظائف وتدريسا وبالجملة كان انسانا حسنا وقورا محتشما جميل الطباع
مليح الاوضاع ظاهر العفاف كامل الاوصاف حج في هذه السنة من القلزم ورجع في البرمع
الحجاج في امارة عثمان بك الشرقاوي على الحج في احمال مجملة وهيئة زائدة مكملة
فصادفتهم شوبة فقضى عليه فيها ودفن بالخيوف ولم يخلف في بابه مثله رحمه الله
ومات الامير حسن كاشف المعمار واصله مملوك محمود بك
واعطاه لعلي اغا المعمار اخذه صغيرا ورباه ودربه في الامور وزوجه ابنته وعمل
لزواجهما
مهما وولائم ولما مات سيده قام مقامه وفتح بيته ووضع يده
على تعلقاته وبلاده ونما امره وانتظم في سلك الامراء المحمدية لكونه في الاصل
مملوك محمد بك وخشداشهم وكان رئيسا عاقلا ساكن الجاش جميل الصورة واسع العينين
أحورهما ولما حج في هذه السنة وخرجت عليهم العرب ركب وقاتلهم حتى مات شهيدا ودفن
بمغاير شعيب ونهب متاعه واحماله وحزنت عليه زوجته الست حفيظة ابنة علي أغا حزنا
شديدا وارسلت مع العرب ونقلته الى مصر ودفنته عند ابيها بالقرافة وزوجته المذكورة
هي الان زوجة لسليمان بك المرادي
ومات الامير شاهين بك الحسني وقد تقدم انه كان حضر الى
مصر رهينة وسكن ببيت بالقرب من الموسكي وهو مملوك حسن بك الجداوي امره ايام حسن
باشا وسكن ببيت مصطفى بك الكبير الذي على بركة الفيل المعروف سابقا بشكر فره وصار
من جملة الامراء المعدودين ولما مات اسمعيل بك وحصل ما تقدم من قدوم المحمديين
وخروجهم فحضر المترجم صحبة عثمان بك الشرقاوي رهينة عن سيده واقام بمصر وكان سبب
موته ان انسانا كلمه عن اصول الصبغة التي تنبت بالغيطان ولها ثمر يشبه عنب الديب
في عناقيد يصبغ منه القراشون مياه القناديل في المواسم والافراح وان من اكل من
اصولها شيئا أسهله اسهالا مفرطا ولم يذكر له المسكن لذلك ولعله كان يجهله فأرسل من
اتى له بشي منها من البستان واكل منه فحصل هل اسهال مفرط حتى غاب عن حسه ومات
وتسكين فعلها اذا بلغت غايتها ان يمتص شيئا من الليمون المالح فانها تسكن في الحال
ويفيق الشخص كان لم يكن به شيء
ومات الامير احمد بك الوالي بقبلي وهو ايضا مملوك حسن بك
الجداوي وقد تقدم ذكره ووقائعه مع اهل الحسينية وغيرهم في ايام زعامته
سنة تسع ومائتي والف لم يقع بها شيء من الحوادث الخارجية
سوى جور الامراء وتتابع مظالمهم واتخد مراد بك الجيزة سكنا وزاد في عمارته واستولى
على غالب بلاد الجيزة بعضها بالثمن القليل وبعضها غصبا وبعضها معاوضه واتخذ صالح
اغا ايضا له دار بجانبه وعمرها وسكنها بحريمه ليكون قريبا من مراد بك
وفي سابع عشرين المحرم الموافق لعشرين شهر مسرى القبطي
أوفىالنيل أذرعه وكسر السد في صبحها بحضرة الباشا والامراء وجرى الماء في الخليج
وفي شهر صفر ورد الخبر بوصول صالح باشا والى مصر الى
اسكندرية واخذ محمد باشا في اهبة السفر ونزل وسافر الى جهة اسكندرية
وفي عشرين شهر ربيع الاول وصل صالح باشا الى مصر وطلع
القلعة
وفي اواخره ورد الخبر بوصول تقليد الصدارة الى محمد باشا
عزت المنفصل عن مصر وورد عليه التقليد وهو باسكندرية وكان صالح أغا الوكيل ذهب
صحبته ليشيعه الى اسكندرية فأنعم اليه بفرمان مرتب على الضربخانة باسم حريمه ألف
نصف فضة في كل يوم
وفي ليلة السبت خامس عشر ربيع الثاني أمطرت السماء مطرا
غزيرا قبل الفجر وكان ذلك آخر بابه القبطي
وفي شهر الحجة وقع به من الحوادث ان الشيخ الشرقاوي له
حصفة في قرية بشرقية بلبيس حضر اليه اهلها وشكوا من محمد بك الالفي وذكروا ان
اتباعه حضروا اليهم وظلموهم وطلبوا منهم مالا قدرة لهم عليه واستغاثوا بالشيخ
فاغتاظ وحضر الى الازهر وجمع المشايخ وقفلوا ابواب الجامع وذلك بعد ما خاطب مراد
بك وابراهيم بك فلم يبديا شيئا ففعل ذلك في ثاني يوم وقفلوا الجامع وامروا الناس
بغلق الاسواق والحوانيت ثم ركبوا في ثاني يوم واجتمع عليهم خلق كثير من العامة
وتبعوهم وذهبوا الى بيت الشيخ السادات وازحم الناس على بيت الشيخ من جهة الباب
والبركة
بحيث يراهم ابراهيم بك وقد بلغه اجتماعهم فبعث من قبله
ايوب بك الدفتردار فحضر اليهم وسلم عليهم ووقف بين يديهم وسألهم عن مرادهم فقالوا
له نريد العدل ورفع الظلم والجور واقامة الشرع وابطال الحوادث والمكوسات التي
ابتدعتموها واحدثتموها فقال لا يمكن الاجابة الى هذا كله فاننا ان فعلنا ذلك ضاقت
علينا المعايش والنفقات فقيل له هذا ليس بعذر عند الله ولا عند الناس وما الباعث
على الاكثار من النفقات وشراء المماليك والامير يكون اميرا بالاعطاء لا بالأخذ
فقال حتى ابلغ وانصرف ولم يعد لهم بجواب وانفض المجلس وركب المشايخ الى الجامع
الازهر واجتمع اهل الاطراف من العامة والرعية وباتوا بالمسجد وارسل ابراهيم بك الى
المشايخ بعضدهم ويقول لهم انا معكم وهذه الامور على غير خاطري ومرادي وارسل الى
مراد بك يخيفه عاقبة ذلك فبعث مراد بك يقول اجيبكم الى جميع ما ذكرتموه الا شيئين
ديوان بولاق وطلبكم المنكسر من الجامكية ونبطل ما عدا ذلك من الحوادث والظلم وندفع
لكم جامكية سنة تاريخه اثلاثا ثم طلب أربعة من المشايخ عينهم بأسمائهم فذهبوا اليه
بالجيزة فلاطفهم والتمس منهم السعي في الصلح على ما ذكر ورجعوا من عنده وباتوا على
ذلك تلك الليلة وفي اليوم الثالث حضر الباشا الى منزل ابراهيم بك واجتمع الامراء
هناك وارسلوا الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والسيد النقيب والشيخ الشرقاوي
والشيخ البكري والشيخ الامير وكان المرسل اليهم رضوان كتخدا ابراهيم بك فذهبوا معه
ومنعوا العامة من السعي خلفهم ودار الكلام بينهم وطال الحديث وانحط الامر علىانهم
تابوا ورجعوا والتزموا بما شرطه العلماء عليهم وانعقد الصلح على ان يدفعوا سبعمائة
وخمسين كيسا موزعة وعلى ان يرسلوا غلال الحرمين ويصرفوا غلال الشون واموال الرزق
ويبطلوا رفع المظالم المحدثة والكشوفيات والتفاريد والمكوس ما عدا ديوان بولاق وان
يكفوا اتباعهم عن امتداد أيديهم الى اموال الناس ويرسلوا صرة الحرمين
والموائد المقررة من قديم الزمان ويسيروا في الناس سيرة
حسنة وكان القاضي حاضر بالمجلس فكتب حجة عليهم بذلك وفر من عليها الباشا وختم
عليها ابراهيم بك وأرسلها الى مراد بك فختم عليها ايضا وانجلت الفتنة ورجع المشايخ
وحول كل واحد منهم وامامه وخلفه جملةعظيمة من العامة وهم ينادون حسب ما رسم
ساداتنا العلماء بأن جميع المظالم والحوادث والمكوس بطالة من مملكة الديار المصرية
وفرح الناس وظنوا صحته وفتحت الاسواق وسكن الحال على ذلك نحو شهر ثم عاد كل ما كان
مما ذكر وزيادة ونزل عقيب ذلك مراد بك الى دمياط وضرب عليها الضرائب العظيمة وغير
ذلك
ومات الامام العلامة والرحلة الفهامة بقية المحققين
وعمدة المدققين الشيخ المعمر شهاب الدين احمد بن محمد بن عبد الوهاب السمنودي
المحلي الشافعي من بيت العلم والصلاح والرشد والفلاح واصلهم من سمنود ولد هو
بالمحلة وقدم الجامع الازهر وحضر على الشمس السجيني والعزيزي والملوي والشبراوي
وتكمل في الفنون الغريبة وتلقى عن السيد علىالضرير والشيخ محمد الغلاني الكشناوي
مشاركا للشيخ الوالد والشيخ ابراهيم الحلبي وعاد الى المحلة فدرس في الجامع الكبير
مدة ثم اتى الى مصر بأهله وعياله ومكث بها وأقرأ بالجامع الأزهر درسا وتردد الى
الاكابر والامراء واجلوه وقرأ في المحمدية بعد موت الشنويهي في المنهج وانضوى الى
الشيخ ابي الانوار السادات ويأتي اليه في كل يوم وكان انسانا حسنا بهي الشكل لطيف
الطباع عليه رونق وجلال جميل المحادثة حسن الهيئة توفي بعد ان تعلل دون شهر عن
مائة وست عشرة سنة كامل الحواس اذا قام نهض نهوض الشباب ودفن ببستان المجاورين
وكان يتكتم سني عمره رحمه الله
ومات الامام العلامة واللوذعي الفهامة رئيس المحققين
وعمدة المدققين النحوي المنطقي الجدلي الاصولي الشيخ احمد بن يونس الخليفي الشافعي
الازهري من قرابة الشهاب الخليفي ولد سنة 1131 كما سمعته
من لفظه وقرأ القرآن وحفظ المتون وحضر كل من الشبراوي والحفني واخيه الشيخ يوسف
والسيد البليدي والشيخ محمد الدقري والدمنهوري وسالم النفراوي والطحلاوي والصعيدي
وسمع الحديث على الشهابين الملوي والجوهري ودرس وأفاد بالجامع الازهر وتقلد وظيفة
الافتاء بالمحمدية عندما انحرف يوسف بك على الشيخ حسن الكفراوي كما تقدم فأتخذ
الشيخ احمد ابا سلامة امينا على فتاويه لجودة استحضاره في الفروع الفقهية وله
مؤلفات منها حاشية على شرح شيخ الاسلام على متن السمرقندية في آداب البحث وآخرى
على شرح الملوي في الاستعارات واخرى على شرح المذكور على السلم في المنطق واخرى
على شرح شيخ الاسلام على آداب البحث واخرى على شرح الشمسية في المنطق واخرى على
متن الياسمينية في الجير والمقابلة وشرح على اسماء التراجم ورسالة متعلقة بالابحاث
الخمسة التي اوردها الشيخ الدمنهوري ولازم الشيخ الوالد مدة وتلقى عنه بعض العلوم
الغريبة وكملها بعد وفاته على تلميذه محمود افندي النيشي وكان جيد التقرير غاية في
التحرير ويميل بطبعه الى ذوي الوسامة والصور الحسان من الجدعان والشبان فإذا رجع
من درسه خلع زي العلماء ولبس زي العامة وجلس بالاسواق وخالط الرفاق ويمشي كثيرا
بين المغرب والعشاء بالخفيفة نواحي داره جهة السيارج وغيرها ويرى في بعض الاحيان
على تلك الصورة في الاوقات المذكورة في نواح بعيدة عن داره وسافر مرة الى جهة قبلي
في سفارة بين الامراء ايام عابدي باشا ولم يزل على ذلك الى ان توفي في اوائل رجب
من هذه السنة سامحه الله
ومات العمدة الجليل والنبيه النبيل العلامة الفقيه
المفوه الشريف الضرير السيد عبد الرحمن بن بكار الصفا قسى نزيل مصر قرأ في بلاده
على علماء عصره ودخل كرسي مملكة الروم فاكرم وانسلخ عن هيئة المغاربة ولبس
ملابس المشارقة مثل التاج والفراجة وغيرها واثرى وقدم
الى مصر وألقى دروسا بالمشهد الحسيني وتأهل وولد له ولد به فضيلة ونجابة واتحد
بشيخ السادات الوقائية السيد أبي الانوار فراج حاله وزادت شوكته علىأبناء جنسه
وتردد الى الامراء وأشير اليه ودرس كتاب الغرر في مذهب الحنفية وتولى مشيخة رواق
المغاربة بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن البناني وسار فيها أحسن سيرة مع شهامة وصرامة
وفصاحة لفظ في الالقاء وكان جيد البحث مليح المفاكهة والمحادثة واستحضار اللطائف
والمناسبات ليس فيه عربدة ولا فظاظة ويميل بطبعه الى الحظ والخلاعة وسماع الالحان
والآلآت المطربة توفي رحمه الله في هذه السنة وتولى بعده على مشيخة رواقهم الشيخ
سالم بن مسعود
ومات الفقيه العلامة الصالح الصوفي الشيخ احمد بن احمد
السماليجي الشافعي الاحمدي المدرس بالمقام الاحمدي بطندتاء ولد ببلده سماليج
بالمنوفية وحفظ القرآن وحضر الى مصر وحضر على الشيخ عطية الاجهوري والشيخ عيسى
البراوي والشيخ محمد الخشني والشيخ احمد الدردير ورجع الى طندتاء فاتخذها سكنا
وأقام بها يقرى دروسا ويفيد الطلبة ويفتي على مذهبه ويقضي بين المتنازعين من اهالي
البلاد فراج امره واشتهر ذكره بتلك النواحي ووثقوا بفتياه وقوله واتوه افواجا
بمكانه المسمى بالصف فوق باب المسجد المواجه لبيت الخليفة وتزوج بأمرأة جميلة
الصورةمن بلد الفرعونية وولد منها ولد سماه احمد كأنما أفرغ في قالب الجمال واودع
بعينيه السحر الحلال فلما ترعرع حفظ القرآن والمتون وحضر على ابيه في الفقه
والفنون وكان نجيبا جيد الحافظة يحفظ كل شيء سمعه من مرة واحدة ونظم الشعر من غير
قراءة شيء في علم العروض اول ما رأيته في سنة 1189 في ايام زيارة سيدي احمد البدوي
فحضر الي وسلم علي وآنسني بحسن الفاظه وجذبني بسحر الحاظة ولما بلغ زوجه والده
بزوجتين في سنة واحدة ولم يزل يجتهد ويشتغل حتى مهر
وانجب ودرس لجماعة من الطلبة وحضر الى مصر مع والده
مرارا وتردد علينا واجتمع بنا كثيرا في مواسم الموالد المعتادة الى ان اخترمته في
شبابه المنية وحالت بينه وبين الامنية وذلك في سنة ثلاث ومائتين وخلف ولدا صغيرا
استأنس به جده المترجم وصبر على فقد ابنه وترحم وتوفي هو ايضا في هذه السنة رحمهما
الله تعالى
ومات الاجل المعظم والملاذ المفخم الامير حسين بن السيد
محمد الشهير بدرب الشمس القادري وابوه محمد افندي كاتب صغير بوجاق التفكجيان وهو
ابن حسين افندي باش اختيار تفكجيان تابع المرحوم حسن جوربجي تابع المرحوم رضوان بك
الكبير الشهير صاحب العمارة ولما مات والد المتجرم اجتمع الاختيارية وقلدوا ابنه
المذكور منصب والده في بابه وكان اذ ذاك مقتبل الشبيبة وذلك في سنة ثلاث وستين
ومائة والف ونوه بشأنه وفتح بيت أبيه وعد في الاعيان واشتهر ذكره وكان نجيبا نبيها
ولم يزل حتى صار من ارباب الحل والعقد واصحاب المشورة ولما استقل علي بك بأمارة
مصر اخرجه هو واخوته من مصر ونفاهم الى بلاد الحجاز فأقاموا بها سبع سنوات الى ان
استقل محمد بك بالامارة فأحضرهم واكرمهم ورد اليهم بلادهم فاستمروا بمصر لا
كالحالة الاولى مع الوجاهة والحرمة الوافرة وكان انسانا حسنا فطنا يعرف مواقع
الكلام ويكره الظلم وهو الى الخير أقرب واقتنى كتبا كثيرة نفيسة في الفنون وخصوصا
في الطب والعلوم الغريبة ويسمح باعارتها لمن يكون أهلا لها ولما حضرته الوفاة أوصى
ان لا يخرجوا جنازته على الصورة المعتادة بمصر بل يحضرها مائة شخص من القادرية
يمشون امامه في المشهد وهم يقرأون الصمدية سر الاغير وأوصى لهم بقدر معلوم من
الدراهم فكان كذلك
ومات الامير محمد أغا بن محمد كتخدا أباظة وقد تقدم انه
كان تولى الحسبة في ايام حسن باشا وسار فيها سيرا بشهامة واخاف السوقة وعاقبهم
وزجرهم واتفق انه وزن جانبا من اللحم وجده مع من اشتراه
ناقصا واخبره عن جزاره فذهب اليه وكملها بقطعة من جسد
الجزار ثم انفصل عن ذلك وعمل كتخدا عند رضوان بيك الى ان مات رضوان بك ولم يزل
معدودا في عداد الامراء الاكابر الى ان توفي في هذه السنة
ومات العمدة الصالح الورع الصوفي الضرير الشيخ محمد
السقاط الخلوتي المغربي الاصل خليفة شيخنا الشيخ محمود الكردي حضر الى مصر وجاور
بالازهر وحضر على الاشياخ في فقه مذهبه وفي المعقول واخذ الطريق على شيخنا الشيخ
محمود المذكور ولقنه الاسماء على طريق الخلوتية والاوراد والاذكار وانسلخ من زي
المغاربة وألبسه الشيخ التاج وسلك سلوكا تاما ولازم الشيخ ملازمة كلية بحيث انه لا
يفارق منزله في غالب أوقاته ولاحت عليه الانوار وتحلى بحلل الابرار وأذن له الشيخ
بالتلقين والتسليك ولما انتقل شيخه الى رحمة الله تعالى صار هو خليفته بالاجماع من
غير نزاع وجلس في بيته وانقطع للعبادة واجتمع على الجماعة في ورد العصر والعشاء
ولقن الذكر للمريدين وسلك الطريق للطالبين وانجذبت القلوب اليه واشتهر ذكره واقبلت
عليه الناس ولم يزل علي حسن حاله حتى توفي في منتصف شهر ربيع الاول وصلي عليه
بالازهر في مشهد حافل
ومات الذمي المعلم ابراهيم الجوهري رئيس الكتبة الاقباط
بمصر وأدرك في هذه الدولة بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة مع طول المدة
بمصر ما لم يسبق لمثله من ابناء جنسه فيما نعلم وأول ظهوره من ايام المعلم رزق
كاتب علي بك الكبير ولما مات علي بك والمعلم رزق ظهر أمر المترجم ونما ذكره في
ايام محمد بك فلما انقضت ايام محمد بك وترأس ابراهيم بك قلده جميع الامور فكان هو
المشار اليه في الكليات والجزئيات حتى دفاتر الروزنامة والميري وجميع الايراد
والمنصرف وجميع الكتبة والصيارف من تحت يده واشارته وكان من دهاقين العالم ودهاتهم
لا يعزب عن دهنه شيء من دقائق الامور ويداري كل انسان بما يليق
به من المداراة ويحابي ويهادي ويواسي ويفعل ما يوجب
انجذاب القلوب والمحبةويهادي ويبعث الهدايا العظيمة والشموع الى بيوت الامراء وعند
دخول رمضان يرسل الى غالب ارباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا والارز والسكر
والكساوى وعمرت في ايامه الكنائس وديور النصارى وأوقف عليها الاوقاف الجلية
والاطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والارزاق الدارة والغلال وحزن ابراهيم بك
لموته وخرج في ذلك اليوم الى قصر العيني حتى شاهد جنازته وهم ذاهبون به الى
المقبرة وتأسف على فقده تأسفا زائد وكان ذلك في شهر القعدة من السنة
سنة عشرة ومائتين وألف لم يقع بها شيء من الحوادت التي
يعتني بتقييدها سوى مثل ما تقدم من جور الامراء والمظالم
وفيها في غرة شهر الحجة عزل صالح باشا ونزل الى قصر
العيني ليسافر فأقام هناك اياما وسافر الى اسكندرية
ومات بها الامام العلامة المفيد الفهامة عمدة المحققين
والمدققين الصالح الورع المهذب الشيخ عبد الرحمن النحراوي الاجهوري الشهير بمقرىء
الشيخ عطية خدم العلم وحضر فضلاء الوقت ودرس وتمهر في المعقول والمنقول ولازم
الشيخ عطية الاجهوري ملازمة كلية وأعاد الدروس بين ديه واشتهر بالمقرىء وبالاجهوري
لشدة نسبته الى الشيخ المذكور ودرس بالجامع الازهر وأفاد الطلبة وأخذ طريق
الخلوتية عن الشيخ الحفني ولقنه الاذكار وألبسه الخرقة والتاج وأجازه بالتلقين
والتسليك وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات ويلازم المبيت في ضريح الامام الشافعي في
كل ليلة سبت يقرأ مع الحفظة بطول الليل وكان انسانا حسنا متواضعا لا يرى لنفسه
مقاما يحمل طبق الخبز على رأسه ويذهب به الى الفران ويعود به الى عياله فان اتفق
ان احد رآه ممن يعرفه حمله عنه والا ذهب به
ووقف بين يدي الفران حتى يأتيه الدور ويخبزه له وكان
كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولم يزل مقبلا على شأنه وطريقته حتى نزلت به
الباردة وبطل شقه واستمر على ذلك نحو السنة وتوفي الى رحمة الله تعالى غفر الله له
ومات العمدة العلامة والرحلة الفهامة الفقيه الفاضل ومن
ليس له في الفضل مناضل الشيخ حسن بن سالم الهواري المالكي احد طلبة شيخنا الشيخ
الصعيدي لازمه في دروسه العامة وحصل بجده ما به ناموس جاهه أقامه وبعد وفاة شيخه
ولى مشيخة رواق الصعايدة وساس فيهم أحسن سياسة بشهامة زائدة مع ملازمته للدروس
وتكلمه في طائفته مع الرئيس والمرؤوس وكان فيه صلابة زائدة وقوة جنان وشدة تجارى
واشترى خرابة بسوق القشاشين بالقرب من الازهر وعمرها دارا لسكنه وتعدى حدوده وحاف
على أماكن جيرانه وهدم مكتب المدرسة السنانية وكان مكتباص عظيما ذا واجتهين
وعامودين وأربع بوائك وزاوية جداره من الحجر النحيت عجيبة الصنعة في البروز
والاتقان فهدمه وأدخله في بنائه من غير تحاش او خشية لوم مخلوق أو خوف خالق واوقف
اعوانه من الصعايدة المنتسبين للمجاورة وطلب العلم يسخرون من يمر بهم من حمير
الترابين وجمال الأعيان المارين عليهم فيستعملونها في نقل تراب الشيخ لاجل التبرك
اما قهرا او محاباة ويأذ من مياسير الناس والسوقة دراهم على سبيل القرض الذي لا
يرد وكذلك المؤن حتى تممها على هذه الصورة وسكن فيها واحدق به الجلاوزة من الطلبة
يغدون ويروحون في الخصومات والدعاوى ويأخذون الجعالات والرشوات من المحق والمبطل
ومن خالف عليهم ضربوه واهانوه ولو عظيما من غير ميالاة ولا حياء ومن اشتد عليهم
اجتمعوا عليه من كل فج حتى بوابين الوكائل وسكان الطباق وباعة النشوق وينسب الكل
الى الازهر ومن عذلهم او لامهم كفروه ونسبوه الى الظلم والتعدي والاستهزاء بأهل
العلم والشريعة وزاد الحال
وصار كل من رؤساء الجماعة شيخا على انفراده يجلس في
ناحية ببعض الحوانيت يقضي ويأمر وينهى وفحش الامر الى ان نادى عليهم حاكم الشرطة
فانكفوا ومرض شيخهم بالتشيخ شهورا وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
ومات الامام الفقيه العلامة والفاضل والفهامة عثمان بن
محمد الحنفي المصري الشهير بالشامي ولد بمصر وتفقه على علماء مذهبه كالسيد محمد
أبي السعود والشيخ سليمان المنصوري والشيخ حسن المقدسي والشيخ الوالد واتقن الالات
ودرس الفقه في عدة مواضع وبالازهر وانتفع به الناس وقرأ كتاب الملتقي بجامع قوصون
وكان له حافظه جيدة واستحضار في الفروع ولا يمسك بيده كراسا عند القراءة ويلقى
التقرير عن ظهر قلب مع حسن السبك وألف متنا مفيدا في المذهب ثم حج وزار قبر النبي
صلى الله عليه و سلم وقطن بالمدينة وطلب عياله في ثاني عام وباع ما يتعلق به وتجرد
على المجاورة ولازم قراء الحديث والفقه بدار الهجرة وأحبه اهل المدينة وتزوج وولد
له أولاد ثم تزوج بآخرى ولم يزل على ذلك حتى توفي الى رحمه الله تعالى في هذه
السنة
ومات العمدة الفاضل المفوه النبيه المناضل الحافظ المجود
الاديب الماهر صاحبنا الشيخ شمس الدين بن عبد الله بن فتح الفرغلي المحمدي الشافعي
السبريائي نسبة الى سبرباى قرية بالغربية قرب طندتا وبها ولد ونسبة يرجع الى القطب
سيدي الفرغلي المحمدي من ولد سيدنا محمد بن الحنفية صاحب ابي تيج من قرى الصعيد
تفقه على علماء عصره وأنجب في المعارف والفهوم وعانى الفنون فأدرك من كل فن الحظ
الاوفر ومال الى فن الميقات والتقاويم فنال من ذلك ما يرومه وألف في ذلك وصنف زيجا
مختصار دل على سعة باعه ورسوخه في الفن ومعرفة القواعد والاصول ودقائق الحساب ونهج
مسلك الادب والتاريخ والشعر ففاق فيه الاقران ومدح الاعيان وصاحبناه وساجلناه
كثيرا عندما كان يأتينا مصر وبطندتا
في الموالد المعتادة فكان طودا راسخا وبحرا زاخرا مع
دماسة الاخلاق وطيب الاعراق ولين العريكة وحسن العشرة ولطف الشمائل والطباع وكان
يلي نيابة القضاء ببلده وبالجملة فكان عديم النظير في اقرانه لم ار من يدانيه في
أوصافه الجميلة وله مصنفات كثيرة منها الضوابط الجليلة في الاسانيد العلية آلفه
سنة 1177 وذكر فيه سنده عن الشيخ نور الدين ابي الحسن سيدي علي بن الشيخ العلامة
أبي عبد الله سيدي محمد العربي الفاسي المغربي الشهير بالسقاط وسليقته في الشعر
عذبة رائقة كلامه بديع مقبول في سائر انواعه من المدح والرثاء والتشبيب والغزل
والحماسة والجد والهزل وله ديوان جمع فيه أمداحه صلى الله عليه و سلم سماه عقود
القرائد توفي المترجم في شهر ربيع الاول من السنة ببلده ودفن هناك رحمه الله تعال
سنة أحدى عشرة واثنتي عشرة ومائتين والف لم يقع فيهما من
الحوادث التي تتشوف لها النفوس او تشتاق اليها الخواطر فتقيد في بطون الطروس سوى
ما تقدمت اليه الاشارة من أسباب نزول النوازل وموجبات ترادف البلاء المتراسل ووقوع
الانذارات الفلكية والايات المخوفة السماوية وكلها اسباب عادية وعلامات من غير ان
ينسب لتلك الاثار تأثيرات فبالنظر في ملكوت السموات والارض يستدلون وبالنجم هم
يهتدون فمن اعظم ذلك حصول الخسوف الكلي في منتصف شهر الحجة ختام سنة اثنتي عشرة
بطالع مشرق الجوزاء المنسوب اليه اقليم مصر وحضر طائفة الفرنسيس اثر ذلك في اوائل
السنة التالية كما سيأتي خبر ذلك مفصلا ان شاء الله تعالى
من مات في هذين العامين ممن له ذكر وشهرة مات العمدة
العلامة والفقيه الفهامة الشيخ علي بن محمد الاشبولي
الشافعي كان والده أحد العدول بالمحكمة الكبرى وكان ذا
ثروة وشهرة ولما كبر ولده المترجم حفظ القرآن والمتون واشتغل بالعلم وحضر الدروس
وتفقه على أشياخ الوقت ولازم الشيخ عيسى البراوي وتمهر في المعقول وانجب وتصدر
ودرس وانتظم في سلك الفضلاء والنبلاء وصار له ذكر وشهرة ووجاهة ومات والده فاحرز
طريفه وتالده وكان لابيه دار بحارة كتامة المعروفة بالعينية بقرب الازهر وأخرى
عظيمة بقناطر السباع على الخليج واخرى بشاطى النيل بالجيزة فكان ينتقل في تلك
الدور ويتزوج حسان النساء مع ملازمته للاقراء والافادة وحدثته نفسه بمشيخة الازهر
وكان بيده عدة وظائف وتداريس مثل جامع الآثار والنظامية ولم يباشرها الا نادرا
ويقبض معلوماتها المرتب لها ولم يزل حتى تعلل وتوفي سنة 1111
ومات الاديب الماهر الصالح الجليس الانيس السيد ابراهيم
بن قاسم ابن محمد بن محمد بن علي الحسني الرويدي المكتب المكني بأبي الفتح ولد
بمصر كما أحبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده على الشيخ الحجازي غنام وجود
الخط على الشيخ احمد بن اسمعيل الافقم على الطريقة المحمدية فمهر فيه وأجازه فكتب
بخطه الحسن الفائق كثيرا من المصاحف والاحزاب والدلائل والادعية والقطع وأشير اليه
بالرياسة في الفن وكان انسانا حسنا متمشدقا يحفظ كثيرا من نوادر الاشعار وغرائب
الحكايات وعجائب المناسبات وروايتها على أحسن اسلوب وأبلغ مطلوب وسمعت كثيرا من
انشاده لم يعلق بذهني منها شيء وقد تفرد بمحاسن لم يشاركه فيها أهل عصره منها صحة
الوضع وتكمله على أصوله بغاية التحرير توفي ستة احدى عشرة رحمه الله تعالى
ومات النبيه الاريب والفاضل النجيب الناظم الناثر المفوه
اسمعيل افندي بن خليل بن علي بن محمد بن عبد الله الشهير بالظهوري المصري الحنفي
المكتب كان انسانا حسنا قانعا بحاله يتكسب بالكتابة وحسن الخط وقد كان جوده واتقنه
على أحمد افندي الشكري وكتب بخطه الحسن
كثيرا من الكتب والسبع المنجيات ودلائل الخيرات والمصاحف
وكان له حاصل يبيع به بن القهوة بوكالة البقل بقرب خان الخليلي وله معرفة جيدة
بعلم الموسيقى والالحان وضرب العود وينظم الشعر وله مدائح وقصائد موشحات توفي رحمه
الله تعالى سنة 1211
ومات الاجل الامثل والوجيه الاوحد المبجل حسين افندي
قلفة الشرقية والده الامير عبد الله من مماليك داود صاحب عيار وتربى المترجم عند
محمد افندي البرقوقي وزوجه ابنته وعانى قلم الكتابة واصطلاح كتاب الروزنامة ومهر
في ذلك فلما توفي محمد افندي كتابة الروزنامة قلده قلف الشرقية ولم تطل مدة محمد
افندي ومات بعد شهرين فاستولى المترجم على تعلقاته وراج امره واشترى بيتا جهة الشيخ
الظلام وانتقل اليه وسكن به وساس اموره واشتهر ذكره وانتظم في عداد الاعيان واقتنى
السراري والجواري والمماليك والعبيد وكان انسانا لا بأس به جميل الاخلاق حسن
العشرة مع الرفاق مهذب الطباع لين العريكة واقفا على حدود الشريعة لا يتداخل فيما
لا يعنيه مليح الصورة والسيرة توفي رحمه الله ايضا سنة 1211
ومات العمدة النبيه الفهامة بضعة السلالة الهاشمية وطراز
العصابة المطلبية الفصيح المفوه السيد حسين بن عبد الرحمن بن الشيخ محمد بن احمد
بن احمد بن حمادة المنزلاوي الشافعي خطيب جامع المشهد الحسيني وأم ابيه السيد عبد
الرحمن السيدة فاطمة بنت السيد محمد العمري ومنها اتاه الشرف حضر على الشيخ الملوي
والحفني والجوهري والمدابغي والشيخ علي قايتباي والشيخ البسيوني والشيخ خليل
المغربي وأخذ ايضا عن سيدي محمد الجوهري الصغير والشيخ عبد الله امام مسجد
العشراني والشيخ سعودي الساكن بسوق الخشب وتضلع بالعلوم والمعارف وصار له ملكة
وحافظة ولسانة واقتدار تام واستحضار غريب وينظم الشعر الجيد والنثر البليغ وانشأ
الخطب البديعة وغالب
خطبه التي كان يخطب بها بالمشهد الحسيني من انشائه على
طريقة لم يسبق اليها وانضوى الى الشيخ ابي الانوار السادات وشملته انواره ومكارمه
ويصلى به في بعض الاحيان ويخطب بزاويتهم ايام المواسم ويأتي فيهما بمدائح السادات
وما تقتضيه المناسبات توفي في منتصف شهر شعبان من السنة غفر الله لنا وله
سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف وهي اول سني الملاحم العظيمة
والحوادث الجسيمة والوقائع النازلة والنوازل الهائلة وتضاعف الشرور وترادف الامور
وتوالي المحن واختلال الزمن وانعكاس المطبوع وانقلاب الموضوع وتتابع الاهوال
واختلاف احوال وفساد التدبير وحصول التدمير وعموم الخراب وتواتر الاسباب وما كان
ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون
في يوم الاحد العاشر من شهر محرم الحرام من هذه السنة
وردت مكاتبات على يد السعاة من ثغر الاسكندرية ومضمونها ان في يوم الخميس ثامنه
حضر الى الثغر عشرة مراكب من مراكب الانكليز ووقفت على البعد بحيث يراها أهل الثغر
وبعد قليل حضر خمسة عشر مركبا ايضا فانتظر أهل الثغر ما يريدون وإذا بقارب صغير
واصل من عندهم وفيه عشرة انفار فوصلوا البر واجتمعوا بكبار البلد والرئيس إذ ذاك
فيها والمشار اليه بالابرام والنقض السيد محمد كريم الآتي ذكره فكلموهم واستخبروهم
عن غرضهم فأخبروا انهم انكليز حضروا للتفتيش على الفرنسيس لانهم خرجوا بعمارة
عظيمة يريدون جهة من الجهات ولا ندري أين قصدهم فربما دهموكم فلا تقدرون علىدفعهم
ولا تتمكنوا من منعهم فلم يقبل السيد محمد كريم منهم هذا ا لقول وظن انها مكيدة
وجاوبوهم بكلام خشن فقالت رسل الانكليز نحن نقف بمراكبنا في البحر محافظين على
الثغر لا نحتاج منكم الا الامداد بالماء والزاد بثمنه فلم يجيبوهم لذلك
وقالوا هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيين ولا لغيرهم
عليها سبيل فاذهبوا عنا فعندها عادت رسل الانكليز واقلعوا في البحر ليمتاروا من
غير الاسكندرية وليقضى الله امرا كان مفعولا ثم ان أهل الثغر ارسلوا الى كاشف
البحيرة ليجمع العربان وياتي معهم للمحافظة بالثغر فلما قرئت المكاتبات بمصر حصل
بها اللغط الكثير من الناس وتحدثوا بذلك فيما بينهم وكثرت المقالات والاراجيف
ثم ورد في ثالث يوم بعد ورود المكاتيب الاول مكاتبات
مضمونها ان المراكب التي وردت الثغر عادت راجعة فاطمأن الناس وسكن القيل والقال
واما الامراء فلم يهتموا بشيء من ذلك ولم يكترثوا به اعتمادا على قوتهم وزعمهم انه
اذا جاءت جميع الافرنج لا يقفون في مقابتلهم وانهم يدوسونهم بخيولهم
فلما كان يوم الاربعاء العشرون من الشهر المذكور وردت
مكاتبات من الثغر ومن رشيد ودمنهور بان في يوم الاثنين ثامن عشره وردت مراكب
وعمارات للفرنسيين كثيرة فارسوا في البحر وارسلوا جماعة يطلبون القنصل وبعض اهل
البلد فلما نزلوا اليهم عوقوهم عندهم فلما دخل الليل تحولت منهم مراكب الى جهة
العجمي وطلعوا الى البر ومعهم آلات الحرب والعساكر فلم يشعر اهل الثغر وقت الصباح
الا وهم كالجراد المنتشر حول البلد فعندها خرج اهل الثغر وما انظم اليهم من
العربان المجتمعة وكاشف البحيرة فلم يستطيعوا مدافعتهم ولا امكنهم ممانعتهم ولم
يثبتوا لحربهم وانهزم الكاشف ومن معه من العربان ورجع أهل الثغر الى التترس في
البيوت والحيطان ودخلت الافرنج البلد وانبث فيها الكثير من ذلك العدد كل ذلك واهل
البلد لهم بالرمي يدافعون عن انفسهم وأهليهم يقاتلون ويمانعون فلما أعياهم الحال
وعلموا انهم مأخوذون بكل حال وليس ثم عندهم للقتال استعداد لخلو الابراج من آلات
الحرب والبارود وكثرة العدو وغلبيته طلب أهل الثغر الامان فآمنوهم ورفعوا عنهم
القتال
ومن حصونهم انزلوهم ونادى الفرنسيس بالامان في البلد
ورفع بنديراته عليها وطلب أعيان الثغر فحضروا بين يديه فالزمهم بجمع السلاح
واحضاره اليه وان يضعوا الجوكار في صدورهم فوق ملبوسهم والجوكار ثلاث قطع من جوخ
او حرير او غير ذلك مستديرة في قدر الريال سوداء وحمراء وبيضاء توضع بعضها فوق بعض
بحيث تكون كل دائرة اقل من التي تحتها حتى تظهر الالوان الثلاثة كالدوائر المحيط
بعضها ببعض ولما وردت هذه الاخبار مصر حصل للناس انزعاج وعول اكثرهم على الفرار
والهجاج وأما ما كان من حال الامراء بمصر فان إبراهيم بك ركب الى قصر العيني وحضر
عنده مراد بك من الجيزة لانه كان مقيما بها واجتمع باقي الامراء والعلماء والقاضي
وتكلموا في شأن هذا الامر الحادث الى اسلامبول وان مراد بك يجهز العساكر ويخرج
لملاقاتهم وحربهم وانفض المجلس على ذلك وكتبوا المكاتبة وارسلها بكر باشا مع رسوله
على طريق البرلياتية بالترياق من العراق وأخذوا في الاستعداد للثغر وقضاء اللوازم
والمهمات في مدة خمسة ايام فصاروا يصادرون الناس ويأخذون أغلب ما يحتاجون اليه
بدون ثمن ثم ارتحل مراد بك بعد صلاة الجمعة وبرز خيامه ووطاقه الى الجسر الاسود
فمكث به يومين حتى تكامل العسكر وصناجقه وعلي باشا الطرابلسي وناصف باشا فانهم
كانوا من اخصائه ومقيمين معه بالجيزة وأخذ معه عدة كثيرة من المدافع والبارود وسار
من البر مع العساكر الخيالة وأما الرجال وهم الالداشات القلينجية والاروام
والمغاربة فانهم ساروا في البحر مع الغلايين الصغار التي أنشأها الامير المذكور
ولما ارتحل من الجسر الاسود ارسل الى مصر يأمر بعمل سلسلة من الحديد في غاية الثخن
والمتانة وطولها مائة ذراع وثلاثون ذراعا لتنصب على البغاز عند برج مغيزل من البر
الى البر لتمنع مراكب الفرنسيين من العبور لبحر النيل وذلك باشارة علي باشا وان
يعمل عندها جسر من المراكب وينصب عليها متاريس ومدافع ظنا منهم
ان الافرنج لا يقدرون على محاربتهم في البر وانهم يعبرون
في المراكب ويقاتلونهم وهم في المراكب وانهم يصابرونهم ويطاولونهم في القتال حتى
تأتيهم النجدة وكان الامر بخلاف ذلك فان الفرنسيس عندما ملكوا الاسكندرية ساروا
على طريق البر الغربي من غير ممانع وفي اثناء خروج مراد بك والحركة بدت الوحشة في
الاسواق وكثر الهرج بين الناس والارجاف وانقطعت الطرق واخذت الحرامية في كل ليلة
تطرق اطراف البلد وانقطع مشي الناس من المرور في الطرق والاسواق من المغرب فنادى
الاغا والوالي بفتح الاسواق والقهاوي ليلا وتعليق القناديل على البيوت والدكاكين
وذلك لامرين الاول ذهاب الوحشة من القلوب وحصول الاستئناس والثاني الخوف من الدخيل
في البلد
وفي يوم الاثنين وردت الاخبار بان الفرنسيس وصلوا الى
دمنهور ورشيد وخرج معظم أهل تلك البلاد على وجوههم فذهبوا الى فوة نواحيها والبعض
طلب الامان وأقام ببلده وهم العقلاء وقد كانت الفرنسيس حين فلولهم بالاسكندرية
كتبوا مرسوما وطبعوه وأرسلوا منه نسخا الى البلاد التي يقدمون عليها تطمينا لهم
ووصل هذا المكتوب مع جملة من الاسارى الذين وجدوهم بمالطة وحضروا صحبتهم وحضر منهم
جملة الى بولاق وذلك قبل وصول الفرنسيس بيوم او بيومين ومعهم منه عدة نسخ منهم
مغاربة وفيهم جواسيس وهم على شكلهم من كفار مالطه ويعرفون باللغات
وصورة ذلك المكتوب بسم الله الرحمن الرحيم لا اله الا
الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه من طرف الفرنساوية المبنى على أساس الحرية
والتسوية السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته يعرف أهالي مصر
جميعهم ان من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل
والاحتقار في حق الملة الفرنساوية ويظلمون تجارها بانواع الايذاء والتعدي فحضر
الان ساعة عقوبتهم وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك المجلوبين من
بلاد الابازة والجراكسة يفسدون
في الاقليم الحسن الاحسن الذي لا يوجد في كرة الارض كلها
فاما رب العالمين القادر على كل شيء فأنه قد حكم على انقضاء دولتهم يا أيها
المصريون قد قيل لكم انني ما نزلت بهذا الطرق الا بقصد ازالة دينكم فذلك كذب صريح
فلا تصدقوه وقولوا للمفترين انني ما قدمت اليكم الا لاخلص حقكم من يد الظالمين
وانني اكثر من المماليك اعبد الله سبحانه وتعالى واحترم نبيه والقرآن العظيم
وقولوا ايضا لهم ان جميع الناس متساوون عند الله وان الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم
هو العقل والفضائل والعلوم فقط وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب فماذا يميزهم
عن غيرهم حتى يستوجبوا ان يتملكوا مصر وحدهم ويختصوا بكل شيء أحسن فيها من الجواري
الحسان والخيل العتاق والمساكن المفرحة فان كانت الارض المصرية التزاما للماليك
فليرونا الحجة التي كتبها الله لهم ولكن رب العالمين رؤوف وعادل وحليم ولكن بعونه
تعالى من الان فصاعدا لا ييأس احد من اهالي مصر عن الدخول في المناصب الساميةوعن
اكتساب المراتب العالية فالعلماء والفضلاء والعقلاء بينهم سيدبرون الامور وبذلك
يصلح حال الامة كلها وسابقا كان في الاراضي المصرية المدن العظيمة والخلجان
الواسعة والمتجر المتكاثر وما أزال ذلك كله الا الظلم والطمع من المماليك أيها
المشايخ والقضاة والائمة والجربجية واعيان البلد قولوا لامتكم ان الفرنساوية هم
ايضا مسلمون مخلصون واثبات ذلك انهم قد نزلوا في رومية الكبرى وخربوا فيها كرسي
الباب الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة الاسلام ثم قصدوا جزيرة مالطة وطرودا
منها الكوا للرية الذين كانوا يزعمون ان الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين ومع
ذلك الفرنساوية في كل وقت من الاوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني
وأعداء اعدائه أدام الله ملكه ومع ذلك أن المماليك امتنعوا من اطاعة السلطان غير
ممتثلين لامره فما أطاعوا أصلا الا لطمع انفسهم طوبى ثم طوبى لاهالي مصر الذين
يتفقون معنا بلا تأخير فيصلح
حلهم وتعلو مراتبهم طوبى ايضا للذين يقعدون في مساكنهم
غير مائلين لاحد من الفريقين المتحاربين فإذا عرفونا بالاكثر تسارعوا الينا بكل
قلب لكن الويل ثم الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا فلا يجدون بعد ذلك
طريقا الى الخلاص ولا يبقى منهم أثر
المادة الاولى جميع القرى الواقعة في دائرة قريبة بثلاث
ساعات من المواضع التي يمر بها عسكر الفرنساوية فواجب عليها ان ترسل للسر عسكر من
عندها وكلاء كيما يعرف المشار اليه انهم أطاعوا وانهم نصبوا علم الفرنساوية الذي
هو ابيض وكحلي واحمر
المادة الثانية كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق
بالنار
المادة الثالثة كل قرية تطيع العسكر الفرنساوي ايضا تنصب
صنجاق السلطان العثماني محبنا دام بقاؤه
المادة الرابعة المشايخ في كل بلد يختمون حالا جميع
الارزاق والبيوت والاملاك التي تتبع المماليك وعليهم الاجتهاد التام لئلا يضيع
أدنى شيء منها
المادة الخامسة الواجب على المشايخ والعلماء والقضاة
الائمة انهم يلازمون وظائفهم وعلى كل احد من اهالي البلدان ان يبقى في مسكنه
مطمئنا وكذلك تكون الصلاة قائمة في الجوامع على العادة والمصريون بأجمعهم ينبغي ان
يشكروا الله سبحانه وتعالى لانقضاء دولة المماليك قائلين بصوت عالي ادام الله اجلال
السلطان العسكر الفرنساوي لعن الله المماليك وأصلح حال الامة المصرية
تحريرا بمعسكر اسكندرية في 13 شهر سيدور سنة 1213 من
اقامه الجمهور الفرنساوي يعني في آخر شهر محرم سنة هجرية اه بحروفه
وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر وردت الاخبار
بان الفرنسيس وصلوا الى نواحي فوة ثم الى الرحمانية
واستهل شهر صفر سنة 1213 وفي يوم الاحد غرة شهر صفر وردت
الاخبار بأن في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر محرم التقى العسكر
المصري مع الفرنسيس فلم تكن الا ساعة وانهزم مراد بك ومن
معه ولم يقع قتال صحيح وانما هي مناوشة من طلائع العسكرين بحيث لم يقتل الا القليل
من الفريقين واحترقت مراكب مراد بك بما فيها من الجبخانة والآلات الحربية واحترق
بها رئيس الطبجية خليل الكردل وكان قد قاتل في البحر قتالا عجيبا فقدر الله ان
علقت نار بالقلع وسقط منها نار الى البارود فاشتعلت جميعها بالنار واحترقت المركب
بما فيه من المحاربين وكبيرهم وتطايروا في الهواء فلما عاين ذلك مراد بك داخله
الرعب وولى منهزم وترك الاثقال والمدافع وتبعته عساكره ونزلت المشاة في المراكب
ورجعوا طالبين مصر ووصلت الاخبار بذلك الى مصر فاشتد انزعاج الناس وركب ابراهيم بك
الى ساحل بولاق وحضر الباشا والعلماء ورؤوس الناس وأعملوا رأيهم في هذا الحادث
العظيم فاتفق رأيهم على عمل متاريس من بولاق الى شبرا ويتولى الاقامة ببولاق
ابراهيم بك وكشافه ومماليكه وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالازهر كل
يوم ويقرأو البخارى وغيره من الدعوات وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية
والبراهمة والقادرية والسعدية وغيرهم من الطوائف وارباب الاشاير ويعملون لهم مجالس
بالازهر وكذلك اطفال المكاتب ويذكرون الاسم اللطيف وغير من الاسماء
وفي يوم الاثنين حضر مراد بك الى برانبابة وشرع في عمل
متاريس هناك ممتدة الى بشتيل وتولى ذلك هو وصناجقة وامراؤه وجماعة من خشداشينه
واحتفل في ترتيب ذلك وتنظيمه بنفسه هو وعلي باشا الطرابلسي ونصوح باشا واحضروا
المراكب الكبار والغلايين التي أنشأها بالجيزة واوقفها على ساحل انبابة وشحنها
بالعساكر والمدافع فصار البر الغربي والشرقي مملوئين بالمدافع والعساكر والمتاريس
والخيالة والمشاة ومع ذلك فقلوب الامراء لم تطمئن بذلك فانهم من حين وصول الخبر
لهم من الاسكندرية شرعوا في نقل امتعتهم من البيوت الكبار المشهورة المعروفة
الى البيوت الصغار التي لا يعرفها احدوا ستمروا طول
الليالي ينقلون الامتعة ويوزعونها عند معارفهم وثقاتهم وأرسلوا البعض منها لبلاد
الارياف وأخذوا ايضا في تشهيل الاحمال واستحضار دواب للشيل وادوات الارتحال فلما
رأى اهل البلدة منهم ذلك داخلهم الخوف الكثير والفزع واستعد الاغنياء واولوا
المقدرة للهروب ولولا ان الامراء منعوهم من ذلك وزجروهم وهددوا من اراد النقلة لما
بقى بمصر منهم احد
وفي يوم الثلاثاء نادوا بالنفير العام وخروج الناس
للمتاريس وكرروا المناداة بذلك كل يوم فاغلق الناس الدكاكين والاسواق وخرج الجميع
لبر بولاق قكانت كل طائفة من طوائف أهل الصناعات يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون
لهم خياما او يجلسون في مكان خرب او مسجد ويرتبون لهم فيما يصرف عليهم ما يحتاجون
له من الدراهم التي جمعوها من بعضهم وبعض الناس يتطوع بالانفاق على البعض الآخر ومنهم
من يجهز جماعة من المغاربة والشوام بالسلاح والاكل وغير ذلك بحيث ان جميع الناس
بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم وطاقتهم وسمحت نفوسهم بانفاق أموالهم فلم يشح في
ذلك الوقت احد بشيء يملكه ولكن لم يسعفهم الدهر وخرجت الفقراء وارباب الاشاير
بالطبول والزمور واعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرن باذكار مختلفة وصعد
السيد عمر افندي نقيب الاشراف الى القلعة فأنزل منها بيرقا كبيرا سمته العامة
البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة الى بولاق وامامه وحوله الوف من العامة
بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك
وأما مصر فانها باقية خالية الطرق لا تجد بها احدا سوى النساء في البيوت والصغار
وضعفاء الرجال الذين لا يقدرون على الحركة فانهم مستترون مع النساء في بيوتهم
والاسواق مصفرة والطرق مجفرة من عدم الكنس والرش وغلا سعر البارود والرصاص بحيث
بيع الرطل البارود بستين نصفا والرصاص بتسعين وغلا جنس انواع السلاح
وقل وجوده وخرج معظم الرعايا بالنبابيت والعصي والمساوق
وجلس مشايخ العلماء بزاوية علي بك ببولاق يدعون ويبتهلون الى الله بالنصر واقام
غيرهم من الرعايا البعض بالبيوت والبعض بالزوايا والبعض بالخيام
ومحصل الأمر أن جميع من بمصر من الرجال تحول الى بولاق
وأقام بها من حين نصب ابراهيم بك العرضي هناك الى وقت الهزيمة سوى القليل من الناس
الذي لا يجدون لهم مكانا ولا ماوى فيرجعون الى بيوتهم يبيتون بها ثم يصيحون الى
بولاق وأرسل ابراهيم بك الى العربان المجاورة لمصر ورسم لهم أن يكونوا في المقدمة
بنواحي شبرا وما والاها وكذلك اجتمع عند مراد بك الكثير من عرب البحيرة والجيزة
والصعيد والخبيرية والقيعان وأولاد علي والهنادي وغيرهم وفي كل يوم يتزايد الجمع
ويعظم الهول ويضيق الحال بالفقراء الذين يحصلون أقواتهم يوما فيوما لتعطيل الاسباب
واجتماع الناس كلهم في صعيد واحد وانقطعت الطرق وتعدى الناس بعضهم على بعض لعدم
التفات الحكام واشتغالهم بما دهمهم
وأما بلاد الارياف فانها قامت على ساق يقتل بعضهم بعضا
وينهب بعضهم بعضا وكذلك العرب غارت على الاطراف والنواحي وصار قطر مصر من أوله الى
آخره في قتل ونهب واخافة طريق وقيام شر واغارة على الاموال وافساد المزارع وغير
ذلك من انواع الفساد الذي لا يحصى وطلب أمراء مصر التجار من الافرنج بمصر فحبسوا
بعضهم بالقلعة وبعضهم بأماكن الامراء وصاروا يفتشون في محلات الافرنج على الاسلحة
وغيرها وكذلك يفتشون بيوت النصارى الشوام والاقباط والاروام والكنائس والاديرة على
الاسلحة والعامة لا ترضى الا ان يقتلوا النصارى واليهود فيمنعهم الحكام عنهم ولولا
ذلك المنع لقتلتهم العامة وقت الفتنة ثم في كل يوم تكثر الاشاعة بقرب الفرنسيس الى
مصر وتختلف الناس في الجهة التي يقصدون المجيء منها فمنهم من يقول انهم واصلون من
البر الغربي ومنهم من يقول بل يأتون من الشرقي ومنهم من يقول بل يأتون من الجهتين
هذا وليس لاحد من امراء العساكر همة ان يبعث جاسوسا أو طليعة تناوشهم بالقتال قبل
دخولهم وقربهم ووصولهم الى فناء المصر بل كل من ابراهيم
بك ومراد بك جمع عسكره ومكث مكانه لا ينتقل عنه ينتظر ما يفعل بهم وليس ثم قلعة
ولا حصن ولا معقل وهذا من سوء التدبير واهمال أمر العدو
ولما كان يوم الجمعة سادس الشهر وصل الفرنسيس الى الجسر
الاسود واصبح يوم السبت فوصلوا الى أم دينار فعندها اجتمع العالم العظيم من الجند
والرعايا والفلاحين المجاورة بلادهم لمصر ولكن الاجناد متنافرة قلوبهم منحلة
عزائمهم مختلفة آراؤهم حريصون على حياتهم وتنعمهم ورفاهيتهم مختالون في رئيسهم
مغترون بجمعهم محتقرون شأن عدوهم مرتبكون في رويتهم مغمورون في غفلتهم وهذا كله من
أسباب ما وقع من خذلانهم وهزيمتهم وقد كان الظن بالفرنسيس ان يأتوا من البرين بل
أشيع في عرضي ابراهيم بك انهم قادمون من الجهتين فلم يأتوا الا من البر الغربي
ولما كان وقت القائلة ركب جماعة من العساكر التي بالبر
الغربي وتقدموا الى ناحية بشتيل بلد مجاورة لانبابة فتلاقوا مع مقدمة الفرنسيس
فكروا عليهم بالخيول فضربهم الفرنسيس ببنادقهم المتتابعة الرمي وابلى الفريقان
وقتل أيوب بك الدفتردار وعبد الله كاشف الجرف وعدة كثير من كشاف محمد بك الالفي
ومماليكهم وتبعهم طابور من الافرنج في نحو الستة آلاف وكبيره ويزه الذي ولى علي الصعيد
بعد تملكهم وأما بونابارته الكبير فإنه لم يشاهد الواقعة بل حضر بعد الهزيمة وكان
بعيدا عن هؤلاء بكثير ولما قرب طابور الفرنسيس من متاريس مراد بك ترامى الفريقان
بالمدافع وكذلك العساكر المحاربون البحرية وحضر عدة وافرة من عساكر الارنؤد من
دمياط وطلعوا الى انبابة وانضموا الى المشاة وقاتلوا معهم في المتاريس فلما غاين
وسمع عسكر البر الشرقي القتال ضج العامة والغوغاء من الرعية واخلاط الناس بالصياح
ورفع الاصوات بقولهم يا رب ويا لطيف ويا رجال الله ونحو ذلك وكأنهم يقاتلون
ويحاربون بصياحهم وجلبتهم فكان
العقلاء من الناس يصرخون عليهم ويأمرونهم بترك ذلك
ويقولون لهم ان الرسول والصحابة والمجاهدين انما كانوا يقاتلون بالسيف والحراب
وضرب الرقاب لا برفع الاصوات والصراخ النباح فلا يستمعون ولا يرجعون عما هم فيه
ومن يقرأ ومن يسمع وركب طائفة كبيرة من الامراء والاجناد من العرض الشرقي ومنهم
ابراهيم بك الوالي وشرعوا في التعدية الى البر الغربي في المراكب فتزاحموا على
المعادي لكون التعدية من محل واحد والمراكب قليلة جدا فلم يصلوا الى البر الاخر
حتى وقعت الهزيمة به على المحاربين هذا والريح النكباء اشتد هبوبها وأمواج البحر
في قوة اضطرابها والرمال يعلو غبارها وتنسفها الريح في وجوه المصريين فلا يقدر أحد
ان يفتح عينيه من شدة الغبار وكون الريح من ناحية العدو وذلك من أعظم أسباب
الهزيمة كما هو منصوص عليه
ثم ان الطابور الذي تقدم لقتال مراد بك انقسم على كيفية
معلومة عندهم في الحرب وتقارب من المتاريس بحيث صار محيطا بالعسكر من خلفة وامامه
ودق طبوله وأرسل بنادقه المتتالية والمدافع واشتد هبوب الريح وانعقد الغبار وأظلمت
الدنيا دخان البارود وغبار الرياح وصمت الاسماع من توالي الضرب بحيث خيل للناس ان
الارض تزلزلت والسماء عليها سقطت واستمر الحرب والقتال نحو ثلاث أرباع ساعة ثم
كانت هذه الهزيمة على العسكر الغربي فغرق الكثير من الخيالة في البحر لاحاطة العدو
بهم وظلام الدنيا والبعض وقع اسيرا في أيدي الفرنسيين وملكوا المتاريس وفر مراد بك
ومن معه الى الجيزة فصعد الى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ربع ساعة ثم ركب وذهب
الى الجهة القبلية وبقيت القتلى والثياب والامتعة والاسلحة والفرس ملقاة على الارض
ببرانبابة تحت الارجل وكان من جملة من ألقى نفسه في البحر سليمان بك المعروف
بالاغا وأخوه ابراهيم بك الوالي فاما سليمان بك فنجا وغرق ابراهيم بك الصغير وهو
صهر ابراهيم بك الكبير ولما انهزم العسكر الغربي حول
الفرنسيس المدافع والبنادق على البر الشرقي وضربوها
وتحقق أهل البر الآخر الهزيمة فقامت فيهم ضجة عظيمة وركب في الحال ابراهيم بك
والباشا والامراء والعسكر والرعايا وتركوا جميع الاثقال والخيام كما هي لم يأخذوا
منها شيئا فأما ابراهيم بك والباشاوالامراء فساروا الى جهاةالعادلية وأما الرعايا
فهاجوا وماجوا ذاهبين الى جهة المدينة ودخلوها افواجا افواجا وهم جميعا في غاية
الخوف والفزع وترقب الهلاك وهم يضجون بالعويل والنحيب ويبتهلون الى الله من شهر
هذا اليوم العصيب والنساء يصرخن بأعلى اصواتهن من البيوت وقد كان ذلك قبل الغروب
فلما استقر ابراهيم بك بالعادلية أرسل يأخذ حريمه وكذلك من كان معه من الامراء
فاركبوا النساء بعضهن على الخيول وبعضهن على البغال والبعض على الحمير والجمال
والبعض ماش كالجواري والخدم واستمر معظم الناس طول الليل خارجين من مصر البعض
بحريمه والبعض ينجو بنفسه ولا يسأل احد عن أحد بل كل واحد مشغول بنفسه عن ابيه
وابنه فخرج تلك الليلة معظم أهل مصر البعض لبلاد الصعيد والبعض لجهة الشرق وهم
الاكثر وأقام بمصر كل مخاطر بنفسه لا يقدر على الحركه ممتثلا للقضاء متوقعا
للمكروه وذلك لعدم قدرته وقلة ذاته يده وما ينفقه على حمل عياله واطفاله ويصرفه
عليهم في الغربة فاستسلم للمقدور ولله عاقبة الامور والذي أزعج قلوب الناس بالاكثر
ان في عشاء تلك الليلة شاع في الناس ان الافرنج عدوا الى بولاق واحرقوها وكذلك
الجيزة وان اولهم وصل الى باب الحديد يحرقون ويقتلون ويفجرون بالنساء وكان السبب
في هذه الاشاعة ان بعض القلينجية من عسكر مراد بك الذي كان في الغليون بمرسي
انبابة لما تحقق الكسرة أضرم النار في الغليون الذي هو فيه وكذلك مراد بك لما رحل
من الجيزة أمر بانجرار الغليون الكبير من قبالة قصره ليصحبه معه الى جهة قبلي فمشوا
به قليلا ووقف لقلة الماء في الطين وكان به
عدة وافرة من آلات الحرب والجبخانة فأمر بحرقه ايضا فصعد
لهيب النار من جهة الجيزة بولاق ظنوا بل أيقنوا انهم أحرقوا البلدين فماجوا
واضطربوا زيادة عما هم فيه من الفزع والروع والجزع وخرج اعيان الناس وافندية الوجاقات
واكابرهم ونقيب الاشراف وبعض المشايخ القادرين فلما عاين العامة والرعية ذلك اشتد
ضجرهم وخوفهم وتحركت عزائمهم للهروب واللحاق بهم والحال ان الجميع لا يدرون أي جهة
يسلكون وأي طريق يذهبون وأي محل يستقرون فتلاحقوا وتسابقوا وخرجوا من كل حدب
ينسلون وبيع الحمار الاعرج او البغل الضعيف باضعاف ثمنه وخرج اكثرهم ماشيا او حامل
متاعه على رأسه وزوجته حاملة طفلها ومن قدر عل مركوب أركب زوجته او ابنته ومشى هو
على اقدامه وخرج غالب النساء ماشيات حاسرات وأطفالهم على اكتافهن يبكين في ظلمة
الليل واستمروا على ذلك بطول ليلة الاحد وصبحها وأخذ كل انسان ما قدر على حمله من
مال ومتاع فلما خرجوا من أبواب البلد وتوسطوا الفلاة تلقتهم العربان والفلاحون
فأخذوا متاعهم ولباسهم وأحمالهم بحيث لم يتركوا لمن صادفوه ما يستر به عورته أو
يسد جوعته فكان ما أخذته العرب شيئا كثيرا يفوق الحصر بحيث ان الاموال والذخائر
التي خرجت من مصر في تلك الليلة أضعاف ما بقي فيها بلا شك لان معظم الاموال عند
الامراء والاعيان وحريمهم وقد أخذوه صحبتهم وغالب مساتير الناس واصحاب المقدرة
أخرجوا ايضا ما عندهم والذي أقعده العجز وكان عنده ما يعز عليه من مال أو مصاغ
أعطاه لجاره او صديقه الراحل ومثل ذلك أمانات وودائع الحجاج من المغاربة
والمسافرين فذهب ذلك جميعه وربما قتلوا من قدروا عليه أو دافع عن نفسه ومتاعه
وسلبوا ثياب النساء وفضحوهن وهتكوهن وفيهم الخوندات والاعيان فمنهم من رجع من قريب
وهم الذين تأخروا في الخروج وبلغهم ما حصل للسابقين ومنهم من جازف متكلا عل كثرته
وعزوته وخفارته فسلم او عطب وكانت ليل وصباحها في غاية
الشناعة جرى فيها ما لم يتفق مثله في مصر ولا سمعنا بما شابه بعضه في تواريخ
المتقدمين فما راء كمن سمعا ولما أصبح يوم الاحد المذكور والمقيمون لا يدرون ما
يفعل بهم ومتوقعون حلول الفرنسيس ووقوع المكروه ورجع الكثير من الفارين وهم في
أسوأ حال من العري والفزع فتبين ان الافرنج لم يعدو الى البر الشرقي وان الحريق
كان في المراكب المتقدم ذكرها فاجتمع في الازهر بعض العلماء والمشايخ وتشاوروا
فاتفق رأيهم على أن يرسلوا مراسلة الى الافرنج ينتظروا ما يكون من جوابهم ففعلوا
ذلك وأرسلوها صحبة شخص مغربي يعرف لغتهم وآخر صحبته فغابا وعادا فاخبرا انهما
قابلا كبير القوم وأعطياه الرسالة فقرأها عليه ترجمانة ومضمونها الاستفهام عن
قصدهم فقال على لسان الترجمان وأين عظماؤكم ومشايخكم لم تأخروا عن الحضور الينا
لنرتب لهم ما يكون فيه الراحة وظمنهم وبش في وجوههم فقالوا نريد أمانا منكم فقال
أرسلنا لكم سابقا يعنون الكتاب المذكور فقالوا وايضا لاجل اطمئنان الناس فكتبوا
لهم ورقة اخرى مضمونها من معسكر الجيزة خطاب لاهل مصر اننا أرسلنا لكم في السابق
كتابا فيه الكفاية وذكرنا لكم اننا حضرنا إلا بقصد ازالة المماليك الذين يستعملون
الفرنساوية بالذل والاحتقار وأخذ مال التجار ومال السلطان ولما حضرنا الى البر
الغربي خرجوا الينا فقابلناهم بما يستحقونه وقتلنا بعضهم وأسرنا بعضهم ونحن في
طلبهم حتى لم يبق احد منهم بالقطر المصري وأما المشايخ والعلماء وأصحاب المرتبات
والرعية فيكونوا مطمئنين وفي مساكنهم مرتاحين إلى آخر ما ذكرته ثم قال لهم لا بد
ان المشايخ والشربجية يأتون الينا لنرتب لهم ديوانا ننتخبه من سبعة اشخاص عقلاء
يدبرون الامور ولما رجع الجواب بذلك اطمأن الناس وركب الشيخ مصطفى الصاوي والشيخ
سليمان الفيومي وآخرون الى الجيزة فتلقاهم وضحك
لهم وقال أنتم المشايخ الكبار فاعلموه ان المشايخ الكبار
خافوا وهربوا فقال لاي شيء يهربون اكتبوا لهم بالحضور ونعمل لكم ديوانا لاجل
راحتكم وراحة الرعية واجراء الشريعة فكتبوا منه عدة مكاتبات بالحضور والامان ثم
انفصلوا من معسكرهم بعد العشاء وحضروا الى مصر واطمأن برجوعهم الناس وكانوا في وجل
وخوف على غيابهم وأصبحوا فأرسلوا الامان الى المشايخ فحضر الشيخ السادات والشيخ
الشرقاوي والمشايخ ومن انضم اليهم من الناس الفارين من ناحيةالمطرية وأما عمر
افندي نقيب الاشراف فانه لم يطمئن ولم يحضر وكذلك الروزنامجي والافندية وفي ذلك
اليوم اجتمعت الجعيدية واوباش الناس ونهبوا بيت ابراهيم بك ومراد بك اللذين بخطة
قوصون وأحرقوهما ونهبوا ايضا عدة بيوت من بيوت الامراء وأخذوا ما فيها من فرش
ونحاس وامتعة وغير ذلك وباعوه بأبخس الأثمان
وفي يوم الثلاثاء عدت الفرنساوية الى بر مصر وسكن
بونابارته ببيت محمد بك الالفي بالازبكية بخط الساكت الذي أنشأه الامير المذكور في
السنة الماضية وزخرفه وصرف عليه اموالا عظمية وفرشه بالفرش الفاخرة وعند تمامه
وسكناه فيه حصلت هذه الحاثة فأخلوه وتركوه بما فيه فكأنه انما كان يبنيه لامير
الفرنسيس وكذلك حصل في بيت حسن كاشف جركس بالناصرية ولما عدى كبيرهم وسكن
بالازبكية كما ذكر استمر غالبهم بالبر الآخر ولم يدخل المدينة الا القليل منهم
ومشوا في الاسواق من غير سلاح ولا تعديل صاروا يضاحكون الناس ويشترون ما يحتاجون اليه
بأغلى ثمن فيأخذ أحدهم الدجاجة ويعطي صاحبها في ثمنها ريال فرانسة ويأخذ البيضة
بنصف فضة قياسا على اسعار بلادهم وأثمان بضائعهم فلما رأى منهم العامة ذلك أنسوا
بهم وأطمأنوا لهم وخرجوا اليهم بالكعك وأنواع الفطير والخبز والبيض والدجاج وانواع
المأكولات وغير ذلك مثل السكر والصابون والدخان والبن وصاروا يبيعون عليهم
بما أحبوا من الاسعار وفتح غالب السوقة الحوانيت
والقهاوي
وفي يوم الخميس ثالث عشر صفر ارسلوا بطلب المشايخ
والوجاقلية عند قائمقام صارى عسكر فلما استقر بهم الجلوس خاطبوهم وتشاوروا معهم في
تعيين عشرة انفار من المشايخ للديوان وفصل الحكومات
فوقع الاتفاق على الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ خليل
البكري والشيخ مصطفى الصاوي والشيخ سليمان الفيومي والشيخ محمد المهدي والشيخ موسى
السرسي والشيخ مصطفى الدمنهوري والشيخ احمد العريشي والشيخ يوسف الشبرخيتي والشيخ
محمد الدواخلي وحضر ذلك المجلس ايضا مصطفى كتخدا بكر باشا والقاضي وقلدوا محمد اغا
المسلماني أغات مستحفظان وعلي أغا الشعراوي والى الشرطة وحسن اغا محرم امين احتساب
وذلك باشارة أرباب الديوان فانهم كانوا ممتنين من تقليد المناصب لجنس المماليك
فعرفوهم ان سوقة مصر لا يخافون الا من الاتراك ولا يحكمهم سواهم وهؤلاء المذكورون
من بقايا البيوت القديمة الذين لا يتجاسرون على الظلم كغيرهم وقلدوا ذا الفقار
كتخدا محمد بك كتخدا بونابارته ومن ارباب المشورة الخواجا موسى كانوا وكلاء
الفرنساوي ووكيل الديوان حنا بينو
وفيه اجتمع أرباب الديوان عند رئيسه فذكر لهم ما وقع من
نهب البيوت فقالوا له هذا فعل الجعيدية وأوباش الناس فقال لأي شيء يفعلون ذلك وقد
أوصيناكم بحفظ البيوت والختم عليها فقالوا هذا أمر لا قدرة لنا على منعه وانما ذلك
من وظيفة الحكام فأمروا الاغا والوالي ان ينادوا بالامان وفتح الدكاكين والاسواق
والمنع من النهب فلم يسمعوا ولم ولم ينتهوا واستمر غالب الدكاكين والاسواق معطلة
والناس غير مطمئنين وفتح الفرنسيس بعض البيوت المغلوقة التي للامراء ودخلوها
وأخذوا منها اشياء وخرجوا وتركوها مفتوحة فعند ما يخرجون منها يدخلها طائفة
الجعيدية ويستأصلون ما فيها واستمروا على ذلك عدة ايام ثم
انهم تتبعوا بيوت الامراء وأتباعهم وختموا على بعضها
وسكنوا بعضها فكان الذي يخاف على داره من جماعة الوجاقلية او من اهل البلد يعلق له
بنديرة على باب داره أو يأخذ له ورقة من الفرنسيس بخطهم يلصقها على داره
وفيه قلدوا برطلمين النصراني الرومي وهو الذي تسميه
العامة فرط الرمان كتخدا مستحفظان وركب بموكب من بيت صارى عسكر وامامه عدة من
طوائف الاجناد والبطالين مشاة بين يده وعلى رأسه حشيشة من الحرير الملون وهو لابس
فروة بزعادة وبين يديه الخدم بالحراب المفضضة ورتب له بيوك باشي وقلقات عينوا لهم
مراكز باخطاط البلد يجلسون بها وسكن المذكور ببيت يحيى كاشف الكبير بحارة عابدين
اخذه بما فيه من فر ومتاع وجواري وغير ذلك والمذكور من أسافل نصارى الاروام
العسكرية القاطنين بمصر وكان من الطبجية عند محمد بك الالفي وله حانوت بخط الموسكي
يبيع فيه القوارير الزجاج ايام البطالة وقلدوا ايضا شخصا افرنجيا وجعلوه أمين
البحرين واخر جعلوه اغات الرسالة وجعلوا الديوان ببيت قائد اغا بالازبكية قرب
الرويعي وسكن به رئيس الديوان وسكن روتوي قائمقام مصر ببيت ابراهيم بك الوالي
المطل على بركة الفيل وسكن شيخ البلد ببيت ابراهيم بك الكبير وسكن مجلون ببيت مراد
بك على رصيف الخشاب وسكن بوسليك مدير الحدود ببيت الشيخ البكري القديم ويجتمع عنده
النصارى القبط كل يوم طلبوا الدفاتر من الكتبة ثم ان عساكرهم صارت تدخل المدينة
شيئا فشيئا حتى امتلأت منها الطرقات وسكنوا في البيوت ولكن لم يشوشوا على أحد
ويأخذون المشتروات بزيادة عن ثمنها ففجر السوقة وصغروا اقراص الخبز وطحنوه بترابه
وفتح الناس عدة دكاكين بجواره ساكنهم يبيعون فيها اصناف المأكولات مثل الفطير
والكعك والسمك المقلي واللحوم والفراخ المحمرة وغير ذلك وفتح نصارى الاورام عدة
دكاكين لبيع انواع
الاشربة وخمامير وقهاوي وفتح بعض الافرنج البلديين بيوتا
يصنع فيها انواع الاطعمة والاشربة على طرائفهم في بلادهم فيشتري الاغنام والدجاج
والخضارات والاسماك والعسل والسكر وجميع اللوازم ويطبخه الطباخون ويصنعون انواع
الاطعمة والحلاوت ويعمل على بابه علامة لذلك يعرفونها بينهم فاذا مرت طائفة بذلك
المكان تريد الاكل دخلوا الى ذلك المكان وهو يشتمل على عدة مجالس دون واعلى وعلى
كل مجلس علامته ومقدار الدراهم التي يدفعها الداخل فيه فيدخلون الى ما يريدون من
المجالس وفي وسطه دكة من الخشب وهي الخوان التي يوضع عليها الطعام وحولها كراسي
فيجلسون عليها ويأتيهم الفراشون بالطعام على قوانينهم فيأكلون ويشربون على نسق لا
يتعدونه وبعد فراغ حاجتهم يدفعون ما وجب عليهم من غير نقص ولا زيادة ويذهبون
لحالهم
وفيه تشفع أرباب الديوان في أسرى المماليك فقبلوا
شفاعتهم وأطلقوهم فدخل الكثير منهم الى الجامع الازهر وهم في أسوأ حال وعليهم
الثياب الزرق المقطعة فمكثوا به يأكلون من صدقات الفقراء المجاورين به ويتكففون
المارين وفي ذلك عبرة للمعتبرين
وفي يوم السبت اجتمعوا بالديوان وطلبوا دراهم سلفة وهي
مقدار خمسمائة ألف ريال من التجار المسلمين والنصارى القبط والشوام وتجار الافرنج
ايضا فسالوا التخفيف فلم يجابوا فاخذوا في تحصيلها
وفيه نادوا من أخذ شيئا من نهب البيوت يحضر به الى بيت
قائمقام وان لم يفعل وظهر بعد ذلك حصل له مزيد الضرر ونادوا ايضا على نساء الامراء
بالامان وانهن يسكن بيوتهن وان كان عندهن شيء من متاع أزواجهن يظهرنه فان لم يكن
عندهن شيء من متاع أزواجهن يصالحن على أنفسهن ويأمن في دورهن فظهرت الست نفيسة
زوجة مراد بيك وصالحت عن نفسها واتباعها من نساء الامراء والكشاف بمبلغ قدره مائة
وعشرون
ألف ريال فرانسا وأخذت في تحصيل ذلك من نفسها وغيره
ووجهوا عليها الطلب وكذلك بقية النساء بالوسائط المتداخلين في ذلك كنصارى الشوام
والافرنج البلدين وغيرهم فصاروا يعملون عليهن ارصاهات وتخويفات وكذلك مصالحات على
الغز والاجناد المختفين والغائبين والفارين فجمعوا بذلك اموالا كثيرة وكتبوا
للغائبين اوراقا بالامان بعد المصالحه ويختم على تلك الاوراق المتقيدون بالديوان
وفي يوم الاحد طلبوا الخيول والجمال والسلاح فكان شيئا
كثيرا وكذلك الابقار والاثوار فحصل فيها ايضا مصالحات واشاعوا التفتيش على ذلك
وكسروا عدة دكاكين بسوق السلاح وغيره واخذوا ما وجدوه فيها من الاسلحة هذا وفي كل
يوم ينقلون على الجمال والحمير من الامتعة والفرش والصناديق والسروج وغير ذلك مما
لا يحصى ويستخرجون الخبايا والودائع ويطلبون البنائين والمهندسين والخدام الذين
يعرفون بيوت اسيادهم بل يذهبون بانفسهم ويدلونهم على اماكن الخبايا ومواضع الدفائن
ليصير لهم بذلك قربة ووجاهة ووسيلة ينالون بها غراضهم
وفيه قبضوا على شيخ الجعيدية ومعه آخر وبندقوا عليهما
بالرصاص ببركة الازبكية ثم على اخرين ايضا بالرميلة وأحضر النهابون أشياء كثيرة من
الامتعة التي نهبوها عند ما داخلهم الخوف ودل على بعضهم البعض
وفي يوم الثلاثاء طلبوا أهل الحرف من التجار بالاسواق
وقرروا عليهم دراهم على سبيل القرض والسلفة مبلغا يعجزون عنه واجلوا لها اجلا
مقداره ستون يوما فضحوا واستغاثوا وذهبوا الى الجامع الازهر والمشهد الحسيني
وتشفعوا بالمشايخ فتكلموا لهم ولطفوها الى نصف المطلوب ووسعوا لهم في ايام المهلة
وفيه شرعوا في تكسير ابواب الدروب والبوابات النافذة
وخرج عدة من عساكرهم يخلعون ويقلعون ابواب الدروب والعطف والحارات
فاستمروا على ذلك عدة ايام وداخل الناس من ذلك وهم وخوف
شديد وظنوا ظنونا وحصل عندهم فساد مخيلة ووسوسة تجسمت في نفوسهم بالفاظ نطقوا بها
وتصوروا حقيقتها وتناقلوها فيما بينهم كقولهم ان عساكر الفرنسيس عازمون على قتل
المسلمين وهم في صلاة الجمعة ومنهم من يقول غير ذلك وذلك بعد ان كان حصل عندهم بعض
اطمئنان وفتحوا بعض الدكاكين فلما حصلت هاتان النكتتان انكمش الناس ثانيا وارتجفت
قلوبهم
وفي عشرينه حضرت مكاتب الحجاج من العقبة فذهب ارباب
الديوان الى باش العسكر واعلموه بذلك وطلبوا منه امانا لامير الحاج فامتنع وقال لا
أعطيه ذلك ألا بشرط أن يأتي في قلة ولا يدخل معه مماليك كثيرة ولا عسكر فقالوا له
ومن يوصل الحجاج فقال لهم انا ارسل لهم اربعة آلاف من العسكر يوصولونهم الى مصر
فكتبوا لامير الحاج مكاتبة بالملاطفة وانه يحضر بالحجاج الى الدار الحمراء وبعد
ذلك يحصل الخير فلم تصل اليهم الجوابات حتى كاتبهم ابراهيم بك يطلبهم للحضور الى
جهة بلبيس فتوجهوا على بلبيس وأقاموا هناك اياما وكان ابراهيم بك ومن معه ارتحل من
بلبيس الى المنصورة وأرسلوا الحريم الى القرين
وفي ثالث عشرينه خرجت طائفة من العسكر الفرنساوي الى جهة
العادلية وصار في كل يوم تذهب طائفة بعد اخرى ويذهبون الى جهة الشرق فلما كان ليل
الاربعاء خرج كبيرهم بونابارته وكانت أوائلهم وصلت الى الخانكة وأبى زعبل وطلبوا
كلفة من أبي زعبل فامتنعوا فقاتلوهم وضربوهم وكسروهم ونهبوا البلدة وأحرقوها
وارتحلوا الى بلبيس وأما الحجاج فانهم نزلوا ببلبيس واكترت حجاج الفلاحين مع العرب
فأوصلوهم الى بلادهم بالغربية والمنوفية والقليبونجية وغيرها وكذلك فعل الكثير من
الحجاج فتفرقوا في البلاد بحريمهم ومنهم من أقام ببلبيس واما امير
الحاج صالح بك فأنه لحق بإبراهيم بك وصحبته جماعة من
التجار وغيرهم
وفي ثامن عشرنيه ملك الفرنساوية مدينة بلبيس من غير قتال
وبها من بقي من الحجاج فلم يشوشوا عليهم وأرسلوها الى مصر وصحبتهم طائفة من
عساكرهم ومعهم طبل فلما كان ليلة الاحد غايته جاء الرائد الى الامراء بالمنصورة
وأخبرهم بوصول الافرنج وقربهم منهم فركبوا نصف الليل وترفعوا الى جهة القرين
وتركوا التجار واصحاب الاثقال فلما طلع النهار حضر إليهم جماعة من العربان واتفقوا
معهم على انهم يحملونهم الى القرين وحلفوا لهم وعاهدوهم على انهم لا يخونونهم فلما
توسطوا بهم الطريق نقضوا عهدهم وخانوهم ونهبوا حمولهم وتقاسموا متاعهم وعروهم من
ثيابهم وفيهم كبير التجار السيد احمد المحروقي وكان ما يخصه نحو ثلثمائة ألف ريال
فرانسة نقودا ومتجرا من جميع الأصناف الحجازية وصنعت العرب معهم مالا خير فيه
ولحقهم عسكر الفرنساوية فذهب السيد احمد المحروقي الى صارى عسكر وواجهه وصحبته
جماعة من العرب المنافقين فشكا له ما حل به وباخوانه فلامهم على تنقلهم وركونهم
الى المماليك والعرب ثم قبض على بي خشبة شيخ بلد القرين وقال له عرفني عن مكان
المنهوبات فقال أرسل معي جماعة الى القرين فأرسل معه جماعة دلهم على بعض الاحمال
فأخذها الافرنج ورفعوها ثم تبعوه الى محل آخر فأوهمهم انه يدخل ويخرج اليهم احمالا
كذلك فدخل وخرج من مكان آخر وذهب هاربا فرجع اولئك العسكر بجمل ونصف جمل لا غير
وقالوا هذا الذي وجدناه والرجل فر من أيدينا فقال صارى عسكر لا بد من تحصيل ذلك
فطلبوا منه الاذن في التوجه الى مصر فأصحب معهم عدة من عسكره أوصلوهم الى مصر
وامامهم طبل وهم في أسوأ حال وصحبتهم ايضا جماعة من النساء اللاتي كن خرجن ليلة
الحادثة وهن أيضا في اسوأ حالة تسكب عند مشاهدتهن العبرات
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الاثنين سنة 1213
في ثانيه وصل الفرنساويه الى نواحي القرين وكان ابراهيم
بك ومن معه وصلوا الى الصالحية وأودعوا مالهم وحريمهم هناك وضمنوا عليها العربان
وبعض الجند فأخبر بعض العرب الفرنساوية بمكان الحملة فركب صارى عسكر واخذ معه
الخيالة وقصد الاغارة على الحملة وعلى ابراهيم بك بذلك ايضا فركب هو وصالح بك وعدة
من الامراء والمماليك وتحاربوا معهم ساعة أشرف فيها الفرنسيس على الهزيمة لكونهم
على الخيول واذا بالخبر وصل الى ابراهيم بك بان العرب مالوا على الحملة يقصدون
نهبها فعند ذلك فر بمن معه على أثره وتركوا قتال الفرنسيس ولحقوا بالعرب وجلوهم عن
متاعهم وقتلوا منهم عدة وارتحلوا الى قطيا ورجع صارى عسكر الى مصر وترك عدة من
عساكره متفرقين في البلاد فدخل مصر ليلا وذلك ليل الخميس رابعه
وفي يوم الجمعة خامسه الموافق لثالث عشر مسرى القبطي كان
وفاء الفيل المبارك فأمر صارى عسكر بالاستعداد وتزيين العقبة كالعادة وكذلك زينوا
عدة مراكب وغلايين ونادوا على الناس بالخروج الى النزهة في النيل والمقياس والروضة
على عادتهم وأرسل صحارى عسكر اوراقا لكتخدا الباشا والقاضي وأرباب الديوان وأصحاب
المشورة والمتولين للمناصب وغيرهم بالحضور في صبحها وركب صحبتهم بموكبه وزينته
وعساكره وطبوله وزموره الى قصر قنطرة السد وكسروا الجسر بحضرتهم وعملوا شنك مدافع
ونفوطا حتى جرى الماء في الخليج وركب وهم صحبته حتى رجع الى داره وأما أهل البلد
فلم يخرج منهم أحد تلك الليلة للتنزه في المراكب على العادة سوى النصارى الشوام
والقبط والأروام والافرنج البلديين ونسائهم وقليل من الناس البطالين حضروا في
صبحها
وفيه تواترت الاخبار بحضور عدة مراكب من الانكليز الى
ثغر
الاسكندرية وانهم حاربوا مراكب الفرنساوية الراسية
بالمينا وكانت أشيعت هذه الاخبار قبل وتحدث الناس بها فصعب ذلك على الفرنساوية
واتفق ان بعض النصارى الشوام نقل عن رجل شريف يسمى السيد احمد الزر ومن أعيان
التجار بوكالة الصابون أنه تحدث بذلك فأمروا باحضاره وذكروا له ذلك فقال أنا حكيت
ما سمعته من فلان النصراني فأحضروه ايضا وامروا بقطع لسانيهما أو يدفع كل واحد
منهما مائة ريال فرانسة نكالا لهما وزجرا عن الفضول فيما لا يعنيهما فتشفغ المشايخ
فلم يقبلوا فقال بعضهم أطلقوهما ونحن نأتيكم بالدراهم فلم يرضوا فأرسل الشيخ مصطفى
الصاوي وأحضر مائتي ريال ودفعها في الحضرة فلما قبضها الوكيل ردها ثانيا اليه وقال
فرقها على الفقراء كما أشار وردها الى صاحبها فانكف الناس عن التكلم في شأن ذلك
والواقع ان الانكليز حضروا في أثرهم الى الثغر وحاربوا مراكبهم فنالوا منهم
واحرقوا لقايق الكبير المسمى بنصف الدنيا وكان به أموالهم وذخائرهم وكان مصفحا
بالنحاس الاصفر واستمر الانكليز بمراكبهم بميناء الاسكندرية يغدون ويروحون يرصدون
الفرنسيس وفي ذلك اليوم سافر عدة من عساكرهم الى بحري والى الشرقية ولما جرى الماء
في الخليج منعوا دخول الماء الى بركة الازبكية وسدوا قنطرة الدكة بسبب وطاقهم
ومدافعهم وآلتهم التي فيها
وفيه سأل صارى عسكر عن المولد النبوي ولماذا لم يعملوه
كعادتهم فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الامور وتوقف الاحوال فلم يقبل وقال لا بد من
ذلك وأعطى له ثلثمائة ريال فرانسا معاونة وامر بتعلق تعاليق واحبال وقناديل واجتمع
الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم وأرسل الطبلخانة
الكبيرة الى بيت الشيخ البكري واستمروا يضربونها بطول النهار والليل بالبركة تحت
داره وهي عبارة عن طبلات كبار مثل طبلات النوبة التركية وعدة آلات ومزامير مخلفة
الاصوات مطربة وعملوا في الليل حراقة نفوط مختلفة
وسواريخ تصعد في الهواء
وفي ذلك اليوم ألبس الشيخ خليل البكري فروة وتقلد نقابة
الاشراف ونودي في المدينة بان كل من كان له دعوى على شريف فليرفعها الى النقيب
وفيه ورد الخبر بأن ابراهيم بك والامراء المصرية استقروا
بغزة
وفي خامس عشرة سافر عدة كبيرة من عسكر الفرنساوية الى
جهة الصعيد وكبيرهم ديزة وصحبتهم يعقوب القبطي ليعرفهم الامور ويطلعهم على
المخباءات
وفيه حضر القاصد الذي كان أرسله كبير الفرنساوية
بمكاتبات وهدية الى أحمد باشا الجزار بعكا وذلك عند استقرارهم بمصر وصحبته أنفار
من النصارى الشوام في صفة تجار ومعهم جانب أرز ونزلوا من ثغر دمياط في سفينة من
سفائن أحمد باشا فلما وصلوا الى عكا وعلم بها احمد باشا أمر بذلك الفرنساوي فنقلوه
الى بعض التقارير ولم يواجهه ولم يأخذ منه شيئا وأمره بالرجوع من حيث أتى وعوق
عنده نصارى الشوام الذين كانوا بصحبته
وفيه حضر جماعة من عسكر الفرنساوية الى بيت رضوان كاشف
بباب الشعرية وصحبتهم ترجمان ومهندس فانزعجت زوجته وكانت قبل ذلك بأيام صالحت على
نفسها وبيتها بألف ريال وثلثمائة ريال وأخذت منهم ورقة ألصقتها على باب دارها وردت
ماكانت وزعته من المال والمتاع عند معارفها وأطمأنت فلما حضر اليها الجماعة
المذكورون قالوا لها بلغ صارى عسكران عندك اسلحة وملابس للمماليك فانكرت ذلك
فقالوا لازم من التفتيش فقالت دونكم فطلعوا الى مكان وفتحوا مخبأة فوجدوا بها
أربعة وعشرين شروالا وبلكات وأمتعة وغير ذلك ووجدوا في أسفلها مخبأة أخرى بها عدة
كثيرة من الطبنجات والاسلحة والبنادق وصناديق بارود وغير ذلك فاستخرجوا جميع ذلك
ثم نزلوا الى تحت السلالم
وفجروا الارض وأخرجوا منها دراهم كثيرة وحجاب ذهب في
داخله دنانير ثم أنزلوا صاحبة الدار ومعها جارية بيضاء وأخذوهما مع الجواري السود
وذهبوا بهن فأقمن عندهم ثلاثة ايام ونهبوا ما وجدوه بالدار من فرش وأمتعة ثم قرروا
عليها أربعة آلاف ريال آخرى قامت بدفعها وأطلقوها رجعت الى دارها وبسبب هذه
الحادثة شددوا في طلب الاسلحة ونادوا بذلك وانهم بعد ثلاثة ايام يفتشون البيوت
وقال الناس ان هذه حيلة على نهب البيوت ثم بطل ذلك وحصل بينها وبين مباشرها القبطي
منافسة فذهب وأغرى بها ودل على ذلك
وفي عشرينه قلدوا مصطفى بك كتخدا الباشا على امارة الحاج
فحضروا الى المحكمة عند القاضي ولبس هناك الخلعة بحضرة مشايخ الديوان والتزم
بونابارته بتسهيل مهمات الحج وعمل محلا جديدا
وفيه سأل أصحاب الحصص الالتزام في التصرف في حصصهم فطلبوا
منهم حلوانا فلم يرتضوا بذلك فواعدهم لتمام التحرير والاملاء وقالوا كل من كان له
التزام وتقسيط ناطق باسمه يحضره ويمليه ففعلوا ذلك في عدة أيام
وفيه قدروا فرضة من المال على القرى والبلاد ونشروا بذلك
أوراقا وذكروا فيها انها تحسب من المال وقيدوا بذلك الصيارف من القبط
وفيه طلب صارى عسكر بونابارته المشايخ فلما استقروا عنده
نهض بونابارته من المجلس ورجع وبيده طيلسانات ملونة بثلاثة الوان كل طيلسان ثلاثة
عروض أبيض وأحمر وكحلي فوضع منها واحدا على كتف الشيخ الشرقاوي فرمى به الى الارض
واستعفى وتغير مزاجه ونزلوا في البلاد مثل الحكام يحبسون ويضربون ويشددون في الطلب
وانتفع لونه واحتد طبعه فقال الترجمان يا مشايخ انتم صرتم أحبابا لصارى عسكر وهو
يقصد تعظيمكم وتشريفكم بزيه وعلامته فان تميزتم بذلك عظمتكم العساكر والناس وصار
لكم منزلة في قولهم فقالوا
له لكن قدرنا يضيع عند الله وعند اخواننا من المسلمين
فاغتاظ لذلك وتكلم بلسانه وبلغ عنه بعض المترجمين انه قال عن الشيخ الشرقاوي انه
لا يصلح للرياسة ونحو ذلك فلاطفه بقية الجماعة واستعفوه من ذلك فقال ان لم يكن ذلك
فلازم من وضعكم الجوكار في صدروكم وهي العلامة التي يقال لها الوردة فقالوا
أمهلونا حتى نتروى في ذلك واتفقوا على اثني عشر يوما
وفي ذلك الوقت حضر الشيخ السادات باستدعاء فصادفهم
منصرفين فلما استقر به الجلوس بش له وضاحكه صارى عسكر ولاطفه في القول الذي يعربه
الترجمان واهدى له خاتم الماس وكلفه الحضور في الغد عنده وأحضر له جوكار أوثقه
بفراجته فسكت وسايره وقام وانصرف فلما خرج من عنده رفعه على ان ذلك لا يخل بالدين
وفي ذلك اليوم نادى جماعة القلقات على الناس بوضع
العلامات المذكورة المعروفة بالوردة وهي اشارة الطاعة والمحبة فانف غالب الناس من
وضعها وبعضهم رأى ان ذلك لا يخل بالدين اذ هو مكره وربما ترتب على عدم الامتثال
الضرر فوضعها ثم في عصر ذلك اليوم نادوا بابطالها من العامة والزموا بعض الاعيان
ومن يريد الدخول عندهم لحاجة من الحاجات بوضعها فكانوا يضعونها اذا حضرا عندهم
ويرفعونها اذا انفصلوا عنهم وذلك ايام قليلة وحصل ما يأتي ذكره فتركت
وفي اواخره كان انتقال الشمس لبرج الميزان وهو الاعتدال
الخريفي فشرع الفرنساويه في عمل عيدهم ببركة الازبكية وذلك اليوم كان ابتداء قيام
الجمهور ببلادهم فجعلوا ذلك اليوم عيدا وتاريخا فنقلوا اخشابا وحفروا حفرا وأقاموا
بوسط بركة الازبكية صاريا عظيما بآلة وبناء وردموا حوله ترابا كثيرا عاليا بمقدار
قامة وعملوا في أعلاه قالبا من الخشب محددا لاعلى مربع الاكان ولبسوا باقيه على
سمت القالب قماشا تخينا طلوه بالحمرة الجزعة وعملوا اسفله قاعدة نقشوا عليها
تصاوير سواد في بياض ووضعوا قبالة باب الهواء بالبركة
شبه بوابة كبيرة عالية من خشب مقفص وكسوها بالقماش المدهون مثل لون الصاري وفي
أعلى القوصرة طلاء ابيض وبه تصاوير بالأسود مصور فيه مثل حرب المماليك المصرية
معهم وهم في شبه المنهزمين بعضهم واقع على بعض وبعضهم متلفت الى خلف وعلى موازاة
ذلك من الجهة الاخرى بناحية قنطرة الدكة التي يدخل منها الماء الى البركة مثال
بوابة اخرى على غير شكلها لاجل حراقة البارود وأقاموا أخشابا كثيرة منتصبة مصطفة
منها الى البوابة الاخرى شبه الدائرة متسعة محيطة بمعظم قضاء البركة بحيث صار
عامود الصاري الكبير المنتصف المذكور في المركز وربطوا بين تلك الاخشاب حبالا
ممتدة وعلقوا بها صفين من القناديل وبين ذلك تماثيل لحراقة البارود ايضا وأقاموا
في عمل ذلك عدة أيام
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاربعاء سنة 1213 فيه وردت
الاخبار بان مراد بك ومن معه لما بلغه ورود الفرنسيس عليهم رجعوا الى جهة الفيوم
وان عثمان بك الاشقر عدى الى البر الشرقي وذهب من خلف الجبل الى استاذه ابراهيم بك
بغزة وخرج جماعة من الفرنساوية الى جهة الشرق ومعهم عدة جمال وأحمال فخرج عليهم
الغزو العرب الذين يصحبونهم فأخذوا منهم عدة جمال باحمالها ولم يلحقوهم
وفي ثالثه حضرت مكاتبة من ابراهيم بك خطابا للمشايخ
وغيرهم مضمونها انكم تكونون مطمئنين ومحافظين على انفسكم والرعية وان حضرة مولانا
السلطان وجه لنا عساكر وان شاء الله تعالى عن قريب نحضر عندكم فلما وردت تلك
المكاتبة وقد كان سأل عنها بونابارته فأرسلوها له وقرئت عليه فقال المماليك كذابون
ووافق ايضا انه حضر آغا رومي وكان معوقا بالاسكندرية فمر بالشارع وذهب لزيارة
المشهد الحسيني فشاهده الناس فاستغربوا هيئته وفرحوا برؤيته وقالوا هذا رسول الحي
حضر من عند السلطان بجواب للفرنسيس يأمرهم بالخروج من مصر
واختلفت رواياتهم وآراؤهم واخبارهم وتجمعوا بالمشهد
الحسيني وتبع بعضهم بعضا وصادف ذلك ان بونابارته في ذلك الوقت بلغه مما نقل وتناقل
بين الناس انه ورد مكتوب الى المشايخ ايضا وأخفوه فركب من فوره وحضر الى بيت الشيخ
السادات بالمشهد الحسيني وكان الوقت بعد الظهر فدخل على حين غفلة ولم يكن تقدم له
مجيء وهو في كبكبة وخيول كثيرة وعساكر فانزعج الشيخ وكان منحرف المزاج ونزل اليه
وهو لا يعرف السبب في مجيئه في مثل هذا الوقت على هذه الصورة فعندما شاهده سأله عن
ذلك المكتوب فقال لا علم لي بذلك ولم يكن بلغه الخبر ثم جلس مقدار ساعة وركب ومر
بعسكره وطوافيه من باب المشهد والناس قد كثر ازدحامهم بالجامع والخطة وهم يلغطون
ويخلطون فلما نظروه وشاهد هو جميعتهم داخله امر من ذلك فصاحوا باجمعهم وقالوا بصوت
عال الفاتحة فشخص اليهم وصار يسأل من معه عن ازدحامهم فلطفوا له القول وقالوا له
انهم يدعون لك وذهب الى داره وكانت نكتة غريبة وساعة اتفاقية عجيبة كاد ينشأ منها
فتنة
وفيه شرعوا في خلع البوابات والدروب غير النافذة ايضا
ونقلوا الجميع الى بركة الازبكية عند رصيف الخشاب والبوابة الكبيرة يقطعونها نصفين
ويرفعونها بالعتالين الى هناك فاجتمع من ذلك شيء كثير جدا وامتلأ من رصيف الخشاب
الى قريب وسط البركة
وفي يوم السبت حادي عشرة كان يوم عيدهم الموعود به
فضربوا في صبيحته مدافع كثيرة ووضعوا على كل قائم من الخشب بنديرة من بنديراتهم
الملونة وضربوا طبولهم واجتمعت عساكرهم بالبركة الخيالة والرجالة واصطفوا صفوفا
علىطرائقهم المعروفة بينهم ودعوا المشايخ وأعيان المسلمين والقبطة والشوام
فاجتمعوا ببيت صارى عسكر بونابارته وجلسوا حصة من النهار ولبسوا في ذلك اليوم
ملابس الافتخار ولبس المعلم جرجس الجوهري كركه بطرز قصب على اكتافها
الى أكمامها وعلى صدره شمسات قصب بازرار وكذلك فلتيوس
وتعمموا بالعمائم الكشميري وركبوا البغال الفارهة وأظهروا البشر والسرور في ذلك
اليوم الى الغاية ثم نزل عظماؤهم وصحبتهم المشايخ والقاضي وكتخدا الباشا فركبوا
وذهبوا عند الصاري الكبير الموضوع بوسط البركة وقد كانوا فرشوا في أسفله بسطا
كثيرة ثم ان العساكر لعبوا ميدانهم وعملوا هيئة حربهم وضربوا البنادق والمدافع فلما
انقضى ذلك اصطفت العساكر صفوفا حول ذلك الصاري وقرأ عليهم كبير قسوسهم ورقة بلغتهم
لا يدري معناها الاهم وكأنها كالوصية أو النصيحة أو الوعظ ثم قاموا وانفض الجمع
ورجع صارى عسكر الى داره فمد سماطا عظيما للحاضرين فلما كان عند الغروب أوقدوا
جميع القناديل التي على الحبال والتماثيل والاحمال التي على البيوت وعند العشاء
عملوا حراقة بارود وسواريخ ونفوط وشبه سواقي ودواليب من قار ومدافع كثيرة نحو
ساعتين من الليل واستمرت القناديل موقدة حتى طلع النهار ثم فكوا الحبال والتعاليق
والتماثيل المصنوعة وبقيت البوابة المقابلة لباب الهواء والصاري الكبير وتحته
جماعة ملازمون الاقامة عنده ليلا ونهار من عساكرهم لأنه شعارهم واشارة الى قيام
دولتهم في زعمهم
وفي ثاني ليلة منه ركب كبيرهم الى بر الجيزة وسفر عساكر
الى الجهة التي بها مراد بك وكذلك الى جهة الشرقية ومعهم مدافع على عجل وفيه ارسل
دبوي قائممقام الى الست نفيسة وطلب منها احضار زوجة عثمان بك الطنبرجي فأرسلت الى
المشايخ تستغيث بهم فحضر اليها الشيخ محمد المهدي والشيخ موسى السرسي وقصدوا منعها
فلم يمكنهم فذهبوا صحبتها ونظروا في قصتها والسبب في طلبها انهم وجدوا رجلا فراشا
معه جانب دخان وبعض ثياب فقبضوا عليه وقرروه فأخبر انه تابعها وانها أعطته ذلك
ووعدته بالرجوع اليها لتسلمه شبكي دخان وفروة وخمسمائة محبوب ليوصل ذلك الى سيده
فهذا هو السبب في طلبها
فقالوا وأين الفراش فبعثوا لاحضاره وسألوها فانكرت ذلك
بالمرة فانتظروا حضور الفراش الى بعد الغروب فلم يحضر فقال لهم المشايخ دعوها تذهب
الى بيتها وفي غد تأتي وتحقق هذه القضية فقال دبوى نونو ومعناه بلغتهم النفي أي لا
تذهب فقالوا له دعها تذهب هي ونحن نبيت عوضا عنها فلم يرض ايضا وعالجوا في ذلك
بقدر طاقتهم فلما أيسوا تركوها ومضوا فباتت عندها في ناحية من البيت وصحبتها جماعة
من النساء المسلمات والنساء الافرنجيات فلما اصبح النهار ركب المشايخ الى كتخدا
الباشا والقاضي فركبا معا وذهبا الى بيت صاري عسكر الكبير فاحضرها وسلمها الى
القاضي ولم يثبت عليها شيء من هذه الدعوة وقرروا عليها ثلاثة آلاف ريال فرانسة
وذهبت الى بيت لها مجاور لبيت القاضي وأقامت فيه لتكون في حمايته
وفي يوم الخميس نادوا في الاسواق بان كل من كان عنده
بغلة يدهب بها الى بيت قائمقام ببركة الفيل ويأخذ ثمنها واذا لم يحضرها بنفسه تؤخذ
منه قهرا ويدفع ثلثمائة ريال فرانسا وكان احضرها باختياره يأخذ في ثمنها خمسين
ريالا قلت قيمتها او كثرت فغنم صاحب الخسيس وخسر صاحب النفيس ثم ترك ذلك وفيه
نادوا بوقود قناديل سهارى بالطرق والاسواق وان يكون على كل دار قنديل وعلى كل
ثلاثة دكاكين قنديل وان يلازموا الكنس والرش وتنظيف الطرق من العفوشات والقاذورات
وفيه نادوا على الاغراب من المغاربة وغيرهم والخدامين
والبطالين ليسافروا الى بلادهم وكل من وجد بعد ثلاثة ايام يستأهل الذي يجري عليه
وكرروا المناداة بذلك وأجلوهم بعدها أربعة وعشرين ساعة فذهبت جماعة من المغاربة
الى صارى عسكر وقالوا له ارنا طريقا للذهاب فان طريق البرغير مسلوكة والانكليز
واقفون بطريق البحر يمنعون المسافرين ولا نقدر على المقام في الاسكندرية من الغلاء
وعدم الماء بها فتركهم
وفيه جعلوا ابراهيم اغات المتفرقة المعمار قبطان السويس
وسافر معه انفار ببيرق فرنساوي فخرج عليهم العربان في الطريق فنهبوهم وقتلوا
ابراهيم اغا المذكور ومن بصحبته ولم يسلم منهم الا القليل وفيه أهمل آمر الديوان
الذي يحضره المشايخ ببيت قائد آغا فاستمروا آياما يذهبون فلم يأتهم أحد فتركوا
الذهاب فلم يطلبوا
وفيه شرعوا في ترتيب ديوان آخر وسموه محكمة القضايا
وكتبوا في شأن ذلك طومارا وشرطوا فيه شروطا ورتبوا فيه ستة أنفار من النصارى القبط
وستة أنفار من تجار المسلمين وجعلوا قاضيه الكبير ملطى القبطي الذي كان كاتبا عند
ايوب بك الدفتردار وفوضوا اليهم القضايا في امور التجار والعامة والمواريث
والدعاوي وجعلوا لذلك الديوان قواعد واركانا من البدع السيئة وكتبوا نسخا من ذلك كثيرة
ارسلوا منها الى الاعيان ولصقوا منها نسخا في مفارق الطرق ورؤوس العطف وابواب
المساجد وشرطوا في ضمنه شروطا وفي ضمن تلك الشروط شروطا اخرى بتعبيرات سخيفة يفهم
منها المراد بعد التأمل الكثير لعدم معرفتهم قوانين التراكيب العربية ومحصله
التحيل على أخذ الاموال كقولهم بان أصحاب الاملاك يأتون بحججهم وتمسكاتهم الشاهدة
لهم بالتمليك فإذا احضروها وبينوا وجه تملكهم لها اما بالبيع أو الانتقال لهم
بالارث لا يكتفي بذلك بل يؤمر بالكشف عليها في السجلات ويدفع على ذلك الكشف دراهم
بقدر عينوه في ذلك الطومار فان وجد تمسكه مقيدا بالسجل طلب منه بعد ذلك الثبوت
ويدفع على ذلك الاشهاد بعد ثبوته وقبوله قدرا آخر ويأخذ بذلك تصحيحا ويكتب له بعد
ذلك تمكين وينظر بعد ذلك في قيمته ويدفع على كل مائة اثنين فان لم يكن له حجة او
كانت ولم تكن مقيدة بالسجل أو مقيدة ولم يثبت ذلك التقييد فانها تضبط لديوان
الجمهور وتصير من حقوقهم وهذا شيء متعذر وذلك ان الناس انما وضعوا أيديهم على
أملاكهم اما بالشراء أو بايلولتهالهم من مورتهم او نحو
ذلك بحجة قريبة او بعيدة العهد او بحجج اسلافهم ومورثيهم
فاذا طولبوا باثبات مضمونها تعسر أو تعذر لحادث الموت او الاسفار او ربما حضرت
الشهود فلم تقبل فان قبلت فعل به ما ذكر ومن جملة الشروط مقررات على المواريث
والموتى ومقاديرها متنوعة في القلة والكثرة كقولهم اذا مات الميت يشاورون عليه
ويدفعون معلوما لذلك ويفتحون تركته بعد أربع وعشرين ساعة فإذا بقيت اكثر من ذلك
ضبطت للديوان ايضا ولا حق فيها للورثة وان فتحت على الرسم بأذن الديوان يدفع على
ذلك الاذن مقررا أو كذلك على ثبوت الوراثة ثم عليهم بعد قبض ما يخصهم مقرر وكذلك
من يدعي دينا على الميت يثبته بديوان الحشريات ويدفع على اثباته مقرر او يأخذ له
ورقة يستلم بها دينه فاذا استلمه رفع مقررا ايضا ومثل ذلك في الرزق والاطيان بشروط
وانواع وكيفية اخرى غير ذلك والهبات والمبايعات والدعاوي والمنازعات والمشاجرات
والاشهادات الجزئيات والكليات والمسافر كذلك لا يسافر الا بورقة ويدفع عليها قدرا
وكذلك المولود اذا ولد ويقال له اثبات الحياة وكذلك المؤاجرات وقبض أجر الاملاك
وغير ذلك
وفيه نادى أصحاب الدرك على العامة بترك الفضول والكلام
في أمور الدولة فإذا مر عليهم جماعة من العسكر مجروحون او منهزمون لا يسخرون بهم
ولا يصفقون عليهم كما هي عادتهم
وفيه نهبوا أمتعة عسكر القلينجية الذين كانوا عسكر عند
الامراء فأخذوا مكانا بوكالة علي بساحل بولاق وبالجمالية واخذوا متاعهم ومتاع
شركائهم محتجين بانهم قاتلوا مع المماليك وهربوا معهم
وفيه أحضروا محمد كتخدا اباسيف الذي كان سردارا بدمياط
من طرف الامراء المصريين وكان سابقا كتخدا حسن بك الجداوي فلما حضر حبسوه في
القلعة وحبسوا معه فراشا لابراهيم بك
وفيه أمروا سكان القلعة بالخروج من منازلهم والنزول الى
المدينة
ليسكنوا بها فنزلوا وأصعدوا الى القلعة مدافع ركزوها
بعدة مواضع وهدموا بها ابنية كثيرة وشرعوا في بناء حيطان وكرانك واسوار وهدموا
أبنية عالية واعلوا مواضع متخفضة وبنوا على بدنات باب العزب بالرميلة وغيروا
معالمها وأبدلوا محاسنها ومحوا ما كان بها من معالم السلاطين وآثار الحكماء
والعظماء وما كان في الابواب العظام من الاسلحة والدرق والبلط والحوادث والحرب
الهندية وأكر الفداوية وهدموا قصر يوسف صلاح الدين ومحاسن الملوك والسلاطين ذوات
الأركان الشاهقة والاعمدة الباسقة
وفيه عينت عساكر الى مراد بك وذهبوا اليه ببجر يوسف جهة
الفيوم
وفي يوم الخميس سادس عشرة نودي بان كل من تشاجر مع
نصراني او يهودي يشهد احد الخصمين على الاخر ويطلبه لبيت صارى عسكر
وفيه قتلوا شخصين وطافوا برؤسهما و هم ينادون عليهما
ويقولون هذا جزاء من يأتي بمكاتيب من عند المماليك او يذهب اليهم بمكاتيب
وفيه نبهوا على الناس بالمنع من دفن الموتى بالترب
القريبة من المساكن كتربة الازبكية والرويعي ولا يدفنون الموتى الا في القرافات
البعيدة والذي ليس له تربة بالقرافة يدفن ميته في ترب المماليك وإذا دفنوا يبالغون
في تسفيل الحفر ونادوا ايضا بنشر الثياب والامتعة والفرش بالاسطحة عدة أيام وتبخير
البيوت بالبخورات المذهبة للعفونة كل ذلك للخوف من حصول الطاعون وعدوه ويقولون ان
العفونة تنحبس باغوار الارض فاذا دخل الشتاء وبردت الاغوار بسريان النيل والامطار
والرطوبات خرج ما كان منحبسا بالارض من الابخرة الفاسدة فيتعفن الهواء فيحصل
الوباء والطاعون ومن قولهم ايضا ان مرض مريض لابد من الاخبار عنه فيرسلون من جهتهم
حكيما للكشف عليه ان كان مرضه بالطاعون او بغيره ثم يرون رأيهم فيه
وفي يوم السبت ثامن عشره ذهبت جماعة من القواسة الذين
يخدمون
الفرنساوية وشرعوا في هدم التراكيب المبنية على المقابر
بتربة الازبكية وتمهيدها بالارض فشاع الخبر بذلك وتسامع أصحاب الترب بتلك البقعة
فخرجوا من كل حدب ينسلون وأكثرهم النساء الساكنات بحارات المدابغ وباب اللوق وكرم
الشيخ سلامة والفوالة والمناصرة وقنطرة الامير حسين وقلعة الكلاب الى أن صاروا
كالجراد المنتشر ولهم صياح وضجيج واجتمعوا بالازبكية ووقفوا تحت بيت صارى عسكر
فنزل لهم المترجمون واعتذروا بان صارى عسكر لاعلم له بذلك الهدم ولم يأمر به وانما
أمر بمنع الدفن فقط فرجعوا الى أماكنهم ورفع الهدم عنهم
وفيه كتبوا من المشايخ كتابا ليرسلوه الى السلطان وآخر
الى شريف مكة ثم انهم بصموا منه عدة نسخ ولصقوها بالطرق والمفارق وصورته ملخصا بعد
الصدر وذكر ورودهم وقتالهم مع المماليك وهروبهم وان جماعة من العلماء ذهبت اليهم
بالبر الغربي فأمنوهم وكذلك الرعية دون المماليك وذكروا فيه انهم من اخصاء السلطان
العثماني وأعداء اعدائه وان السكة والخطبة بأسمه وشعائر الاسلام مقامة على ما هي
عليه وباقية بمعنى الكلام السابق من قولهم انهم مسلمون وانهم محترمون القرآن
والنبي وانهم اوصلوا الحجاج المتشتتين واكرموهم وأركبوا الماشي واطعموا الجيعان
وسقوا العطشان واعتنوا بيوم الزينة يوم جبر البحر وعملوا له شأنا ورونقا استجلا
بالسرور المؤمنين وانفقوا أموالا برسم الصدقة على الفقراء وكذلك اعتنوا بالمولد
النبوي وأنفقوا اموالا في شأن انتظامه وتفق راينا ورأيهم على لبس حضرة الجناب
المحترم مصطفى أغا كتخدا بكر باشا والي مصر حالا فاستحسنا ذلك لبقاء علقة الدولة
العلية وهم ايضا مجتهدون في اتمام مهمات الحرمين وأمرونا أن نعلمكم بذلك والسلام
وفيه وقعت حادثة جزئية من جملة الجزئيات وهو ان رجلا
صيرفيا بجوار حارة الجوانية وقع من لفظه انه قال السيد احمد البدوي بالشرق والسيد
ابراهيم الدسوقي بالغرب يقتلان كل من يمر عليهما من النصارى
وكان هذا الكلام بمحضر النصارى الشوام فجاوبه بعضهم
واسمعه قبيح القول ووقع بينهما التشاجر فقام النصراني وذهب الى دبوى وأخبره بالقصة
فأرسل وقبض على ذلك الصيرفي وحبسه وسمر حانوته وختم على داره وتشفع فيه المشايخ
عدة مرار فأطلقوه بعد يومين وأرسلوه الى بيت الشيخ البكري ليؤدب هناك بالضرب او
يدفع خمسمائة ريال فرانسة فضرب مائة سوط وأطلق سبيله وكذلك أفرجوا عن بقية
المسجونين
وفي يوم الاثنين طاف أصحاب الدرك على الاخطاط والوكائل
فكتبوا أسماءها وأسماء البوابين وامروهم ان لا يسكنوا احدا من الاغراب ولا يطلقوا
احدا بلا أذن من اغات مستحفظان
وفي يوم الثلاثاء عمل المولد الحسيني وكان من العزم تركه
في هذا العام فدس بعض المنافقين دسيسة عند الفرنسيس وذلك انه وقعت المذاكرة بان من
المعتاد أن يعمل المولد الحسيني بعد مولد النبي فقال بونابارته ولم لم يعملوه فقال
ذلك المنافق غرض الشيخ السادات عدم عمله الا أذا حضر المسلمون فبلغ شيخ السادات
ذلك فشرع في عمله عل سبيل الاختصار وحضر صارى عسكر وشاهد الوقدة ورجع الى داره بعد
العشاء
وفيه حضر علماء الاسكندرية واعيانها وكذلك رشيد ودمياط
وبقية البنادر باستدعاء صارى عسكر ليحضروا الديوان الشارعين فيه لترتيب النظام
الذي سبقت الاشارة اليه
وفيه سافر ايضا جماعة من الفرنسيس الى جهة مراد بك ومن
معه التقوا معهم وتراموا ساعة ثم انهزموا عنهم واطمعوهم في أنفسهم فتتبعوهم الى
اسفل جبل اللاهون ثم خرجوا عليهم على مثل حالهم رجالا وتراموا معهم واكمنوا لهم
وثبتوا معهم وظهر عليهم المصريون وقتل من الفرنساوية مقتلة كبيرة
وفيه سقطت البوابة المصنوعة ببركة الازبكية المقابلة
لباب الهواء التي
كانوا وضعوها في يوم عيدهم وقد تقدم شرحها ووصفها وسبب
سقوطها انهم لما منعوا الماء من دخوله للبركةوسدوا القنطرة كما تقدم علا الماء في
أرض البركة وتخلخلت الارض فسقطت تلك البوابة
وفي يوم الجمعة رابع عشرينه نبهوا على المشايخ والاعيان
التجار ومن حضر من الاقطار بالحضور الى الديوان العام ومحكمة النظام بكرة تاريخه
وذلك ببيت مرزوق بك بحارة عابدين فلما أصبح يوم السبت أعادوا التنبيه بحضورهم
بالديوان القديم ببيت قائد أغا بالازبكية فتوجه المشايخ المصرية والذين حضروا من
الثغور والبلاد وحضر الوجاقات وأعيان التجار ونصارى القبط والشوام ومديروا الديوان
من الفرنسيس وغيرهم جمعا موفورا فلما استقر بهم الجلوس شرع ملطى القبطي الذي عملوه
قاضي في قراءة فرمان الشروط وفي المناقشة فابتدر كبير المدبرين في اخراج طومار آخر
وناوله للترجمان فنشره وقرأه وملخصه ومضمونه الاخبار بان قطر مصر هو المركز الوحيد
وانه اخصب البلاد وكان يجلب اليه المتاجر من البلاد البعيدة وان العلوم والصنائع
والقراءة والكتابة التي يعرفها الناس في الدنيا أخذت عن أجداد أهل مصر الاول ولكون
قطر مصر بهذه الصفات طمعت الامم في تملكه فملكه أهل بابل وملكه اليونانيون والعرب
والترك الان الا ان دولة الترك شددت في خرابه لانها اذا حصلت الثمرة قطعت عروقها
فلذلك لم يبقوا بأيدي الناس الا القدر اليسير وصار الناس لاجل ذلك مختفين تحت حجاب
الفقر وقاية لانفسهم من سوء ظلمهم ثم ان طائفة الفرنساوية بعدما تمهد امرهم وبعد
صيتهم بقيامهم بأمور الحروب اشتاقت أنفسهم لاستخلاص مصر مما هي فيه واراحة أهلها
من تغلب هذه الدولة المفعمة جهلا وغباوة فقدموا وحصل لهم النصرة ومع ذلك لم
يتعرضوا لاحد من الناس ولم يعاملوا الناس بقسوة وان غرضهم تنظيم امور مصر واجراء
خلجانها التي دثرت ويصير لها طريقان طريق الى البحر الاسود وطريق الى البحر الاحمر
فيزداد خصبها وريعها ومنع القوى من ظلم الضعيف وغير ذلك استجلا
بالخواطر أهلها وابقاء للذكر الحسن فالمناسب من اهلها
ترك الشغب واخلاص المودة وان هذه الطوائف المحضرة من الاقاليم يترتب على حضورها
أمور جليلة لانهم اهل خبرة وعقل فيسألون عن امور ضرورية ويجيبون عنها فينتج لصارى
عسكر من ذلك ما يليق صنعه الى آخر ما سطروه من الكلام قلت ولم يعجبني في هذا
التركيب الا قوله المفعمة جهلا وغباوة بعد قوله بعد ذلك ومع ذلك لم يتعرضوا لاحد
الى آخر العبارة ثم قال الترجمان نريد منكم مشايخ أن تختاروا شخصا منكم يكون كبيرا
ورئيسا عليكم ممتثلثين أمره واشارته فقال بعض الحاضرين الشيخ الشرقاوي فقال نونو
وإنما ذلك يكون بالقرعة فعملوا قرعة باوراق فطلع الاكثر على الشيخ الشرقاوي فقال
حينئذ يكون الشيخ عبد الله الشرقاوي هو الرئيس فما تم هذا الامر حتى زالت الشمس
فأدنوا لهم في الذهاب وألزموهم بالحضور في كل يوم
وفيه وقعت كائنة الحاج محمد بن قيمو المغربي التاجر
الطرابلسي وهو انه كان بينه وبين بعض نصارى الشوام المترجمين منافسة فانهى الى
عظماء الفرنسيس انه ذو مال وانه شريك عبد الله المغربي تابع مراد بك فأرسلوا بطلبه
فذهب الى بيت الشيخ عبد الله الشرقاوي لنسابة بينهما فقال الشيخ للقواسة المرسلين
بعد سؤالهم عن سبب طلبهم له فقالوا لدعوة ليست شرعية فقال لهم في غدا حضروا خصمه
ويتداعى معه فان توجه الحق عليه الزمناه بدفعه فرجعت الرسل وتغيب الرجل لخوفه فبعد
مضي مقدار نحو ساعة حضر نحو الخمسين عسكريا من الفرنسيس الى بيت الشيخ وطالبوه به
فأخبرهم انه هرب فلم يقبلوا عذره والحوا في طلبه ووقفوا ببنادقهم وأرهبوا فركب
المهدي والدواخلي الى صاري عسكر وأخبروه بالقضية وبهروب الرجل فقال ولاي شيء يهرب
فقالوا من خوفه فقال لولا ان جرمه كبير لما هرب وأنتم غيبتموه وأظهر الحنق والغيظ
فلاطفاه واستعطفا خاطر الترجمان فكلمه وسكن غيظه ثم سأل عن منزله ومخزنه فأخبراه
عنهما فقال نذهب معكما من يختم
عليهما حتى يظهر في غد فاطمأنوا لذلك ورجعوا عن الغروب
وختموا على مخزنه ومنزله فلما أصبح النهار فلم يظهر الرجل فأخذوا ما وجدوه فيهما
من البضائع والامانات
وفي يوم الاحد ذهبوا الى الديوان وعملوا مثل عملهم الاول
حتى تمموا أسماء المنتخبين بديوان مصر من الثغور والمشايخ والوجاقلية والقبط
والشوام وتجار الملسلمين وذلك الترتيب غير ترتيب الديوان السابق
وفي يوم الاثنين اجتمعوا بالديوان ونادى المنادي في ذلك
اليوم بالاسواق على الناس باحضارهم حجج املاكهم الى الديوان والمهلة ثلاثون يوما
فان تأخر عن الثلاثين يضاعف المقرر ومهلة البلاد ستون يوما ولما تكامل الجميع شرع
ملطي في قراءة المنشور وتعداد ما به من الشروط مسطور وذكر من ذلك أشياء منها أمر
المحاكم والقضايا الشرعية وحجج العقارات وأمر المواريث وتناقشوا في ذلك حصة من
الزمن وكتبوا هذه الاربعة أشياء أرباب ديوان الخاصة يدبرون رأيهم في ذلك وينظرون
المناسب والاحسن وما فيه الراحة لهم وللرعية ثم يعرضون مادبروه يوم الخميس وما بين
ذلك له مهلة وانفض المجلس
واستهل شهر جمادى الاولى يوم الخميس الموعود سنة 1213 م
واجتمعوا بالديوان ومعهم مالخصوه واستأصلوه في الجملة فاما أمر المحاكم والقضايا
فالاولى ابقاؤها على ترتيبها ونظامها وعرفوهم عن كيفية ذلك ومثل ذلك ما عليه أمر
محاكم البلاد فاستحسنوا ذلك الا أنهم قالوا يحتاج الى ضبط المحاصيل وتقريرها على
أمر لا يتعداه القضاة ولا نوابهم فقرروا ذلك وهو انه اذا كان عشرة آلاف فما دونها
يكون على كل الف ثلاثون نصفا واذا كان المبلغ مائة يكون على الالف خمسة عشر فان
زاد على ذلك فعشرة واتفقوا على تقرير القضاة ونوابهم على ذلك وأما حجج العقارات
فأنه امر شاق طويل الذيل فالمناسب فيه والاولى ان يجعلوا عليها دراهم من بادىء
الرأي ليسهل تحصيلها ويحسن عليها السكوت ويكون المحصول أعلى وأدنى وأوسط وبينوا
القدر المناسب
بتفصيل الاماكن وكتبوه وابقوه حتى يرى الآخرون رأيهم فيه
وانفض الديوان وفي ذلك اليوم نودي في الاسواق بنشر الثياب والامتعة خمسة عشر يوما
وقيدوا على مشايخ الاخطاط والحارات والقلقات بالفحص والتفتيش فعينوا لكل حارة
امرأة ورجلين يدخلون البيوت للكشف عن ذلك فتصعد المرأة الى أعلى الدار وتخبرهم عن
صحة نشرهم الثياب ثم يذهبون بعد التأكد على أهل المنزل والتحذير من ترك الفعل وكل
ذلك لذهاب العفونة الموجبة للطاعون وكتبوا بذلك أرواقا لصقوهم بحيطان الاسواق على
عادتهم في ذلك
وفيه حضر الى بيت البكري جم غفير من اولاد الكتاتيب
والفقهاء والعميان والمؤذنين وأرباب الوظائف والمستحقين من الزمني والمرضي
بالمرستان المنصوري واوقاف عبد الرحمن كتخدا وشكوا من قطع رواتبهم وخبزهم لان
الاوقاف تعطل ايرادها واستولى على نظارتها النصارى القبط والشوام وجعلوا ذلك مغنما
لهم فواعدهم على حضورهم الديوان وينهوا شكواهم ويتشفع لهم فذهبوا راجعين وفيه قدمت
مراكب من جهة الصعيد وفيها عدة من العسكر مجروحين
وفيه وضعوا على التلال المحيطة بمصر ببارق بيضا فأكثر
الناس من اللغط ولم يعلموا سبب ذلك
وفي يوم الاحد اجتمعوا في الديوان واخذوا فيما هم فيه
فذكروا أمر المواريث فقال ملطي مشايخ أخبرونا عما تصنعونه في قسمة المواريث فأخبره
بفروض المواريث الشرعية فقال ومن أين لكم ذلك فقالوا من القرآن وتلوا عليهم بعض
آيات المواريث فقال الافرنج نحن عندنا لا نورث الولد ونورث البنت ونفعل كذا وكذا
بحسب تحسين عقولهم لان الولد أقدر على التكسب من البنت فقال ميخائيل كحيل الشامي
وهو من أهل الديوان ايضا نحن والقبط يقسم لنا مواريثنا المسلمون ثم التمسوا من
المشايخ أن يكتبوا لهم كيفية القسمة ودليلها فسايروهم ووعدوهم بذلك وانفضوا وفي
ذلك اليوم عزلوا محمد أغا
المسلماني أغات مستحفظان وجعلوه كتخدا أمير الحاج
واستقروا بمصطفى أغا تابع عبد الرحمن أغا مستحفظان سابقا عوضا عنه ونودي بذلك
وفي يوم الاثنين عملوا لهم ديوانا وكتبوا لهم كيفية قسمة
المواريث وفروض القسمة الشرعية وحصص الورثة والآيات المتعلقة بذلك فاستحسنوا ذلك
وفي يوم السبت عاشر جمادى الاولى عملوا الديوان واحضروا
قائمة مقررات الاملاك والعقار فجعلوا على الاعلى ثمانية فرانسة والاوسط ستة
والادنى ثلاثة وما كان أجرته أقل من ريال في الشهر فهو معافى وأما الوكائل
والخانات والحمامات والمعاصر والسيارج والحوانيت فمنها ما جعلوا عليه ثلاثين
وأربعين بحسب الخمسة والرواج والاتساع وكتبوا بذلك مناشير على عادتهم وألصقوها
بالمفارق والطرق وأرسلوا منها نسخا للاعيان وعينوا المهندسين ومعهم اشخاص لتمييز
الاعلى من الادنى وشرعوا في الضبط والاحصاء وطافوا ببعض الجهات لتحرير القوائم
وضبط اسماء أربابها ولما أشيع ذلك في الناس كثر لغطهم واستعظموا ذلك والبعض استسلم
للقضاء فانتبذ جماعة من العامة وتناجوا في ذلك ووافقهم على ذلك بعض المتعممين الذي
لم ينظر في عواقب الامور ولم يتفكر أنه في القبضة مأسور فتجمع الكثير من الغوغاء
من غير رئيس يسوسهم ولا قائد يقودهم وأصبحوا يوم الاحد متحزبين وعلى الجهاد عازمين
وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح وآلات الحرب والكفاء وحضر السيد بدر وصحبته
حشرات الحسينية وزعر الحارات البرانية ولهم صياح عظيم وهول جسيم ويقولون بصياح في
الكلام نصر الله دين الاسلام فذهبوا الى بيت قاضي العسكر وتجمعوا وتبعهم ممن على
شاكلتهم نحو الالف والاكثر فخاف القاضي العاقبة وأغلق أبوابه واوقف حجابه فرجموه
بالحجارة والطوب وطلب الهرب فلم يمكنه الهروب وكذلك اجتمع بالأزهر العالم الاكبر
وفي ذلك الوقت حضر دبوى بطائفة من فرسانه وعساكره وشجعانه فمر بشارع الغورية وعطف
على خط
الصنادقية وذهب الى بيت القاضي فوجد ذلك الزحام فخاف
وخرج من بين القصرين وباب الزهومة وتلك الاخطاط بالخلائق مزحومة فبادروا اليه
وضربوه واثخنوا جراحاته وقتل الكثير من فرسانه وابطاله وشجعانه فعند ذلك أخذ
المسلمون حذرهم وخرجوا يهرعون ومن كل حدب ينسلون ومسكوا الاطراف الدائرة بمعظم
اخطاط القاهرة كباب الفتوح وباب النصر والبرقية الى باب زويلة وباب الشعرية وجهة
البندقانيين وما حاذاها ولم يتعد جهة سواها وهدموا مساطب الحوانيت وجعلوا احجارها
متاريس للكرنكة لتعوق هجوم العدو في وقت المعركة ووقف دون كل متراس جمع عظيم من
الناس واما الجهات البرانية والنواحي الفوقانية فلم يفزع منهم فازع ولم يتحرك منهم
أحد ولم يسارع وكذلك شذ عن الوفاق مصر العتيقة وبولاق وعذرهم الاكبر قربهم من
مساكن العسكر ولم تزل طائفة المحاربين في الازقة متترسين فوصل جماعة من الفرنساوية
وظهروا من ناحية المناخلية وبندقوا على متراس الشوائين وبه جماعة من مغاربة
الفحامين فقاتلوهم حتى أجلوهم وعن المناخلية أزالوهم عند ذلك زاد الحال وكثر الرجف
والزلزال وخرجت العامة عن الحد وبالغوا في القضية بالعكس والطرد وامتدت أيديهم الى
النهب والخطف والسلب فهجموا على حارة الجوانية ونهبوا دور النصارى الشوام والاروام
وما جاورهم من بيوت المسلمين على التمام وأخذوا الودائع والامانات وسبوا النساء
والبنات وكذلك نهبوا خان الملايات وما به من الامتعة والموجودات وأكثروا من
المعايب ولم يفكروا في العواقب وباتوا تلك الليلة سهرانين وعلى هذا الحل مستمرين
وأما الافرنج فانهم اصبحوا مستعدين وعلى تلال البرقية والقلعة واقفين وأحضروا جميع
الآلات من المدافع والقنابر والبنبان ووقفوا مستحضرين ولامر كبيرهم منتظرين وكان
كبير الفرنسيس أرسل الى المشايخ مراسلة فلم يجيبوه عنها ومل من المطاولة هذا
والرمي متتابع من الجهتين وتضاعف الحال ضعفين حتى مضى وقت العصر وزاد القهر والحصر
فعند ذلك ضربوا بالمدافع والبنبات
على البيوت والحارات وتعمدوا بالخصوص بالجامع الازهر
وجروا عليه المدافع والقنبر وكذلك ما جاوره من اماكن المحاربين كسوق الغورية
والفحامين فلما سقط عليهم ذلك ورأوه ولم يكونوا في عمرهم عاينوه نادوا يا سلام من
هذه الآلام يا خفي الالطاف نجنا مما نخاف وهربوا من كل سوق ودخلوا في الشقوق
وتتابع الرمي من القلعة والكيمان حتى تزعزعت الاركان وهدمت في مرورها حيطان الدور
وسقطت في بعض القصور ونزلت في البيوت والوكائل وأصمت الآذان بصوتها الهائل فلما
عظم هذا الخطب وزاد الحال والكرب ركب المشايخ الى كبير الفرنسيس ليرفع عنهم هذا
النازل ويمنع عسكره من الرمي المتراسل ويكفهم كما تكف المسلمون عن القتال والحرب
خدعة وسجال فلما ذهبوا اليه واجتمعوا عليه عاتبهم في التأخير وأتهمهم في التقصير
فاعتذروا اليه فقبل عذرهم وأمر برفع الرمي عنهم وقاموا من عنده وهم ينادون بالامان
في المسالك وتسامع الناس بذلك فردت فيهم الحرارة وتسابقوا لبعضهم بالبشارة واطمأنت
منهم القلوب وكان الوقت قبل الغروب وانقضى النهار وأقبل الليل وغلب على الظن ان
القضية لهاذيل وأما أهل الحسينية والعطوف البرانية فانهم لم يزالوا مستمرين وعلى
الرمي والقتال ملازمين ولكن خانهم المقصود وفرغ منهم البارود والافرنج اثخنوهم
بالرمي المتتابع بالقنابر والمدافع الى ان مضى من الليل نحو ثلاث ساعات وفرغت من
عندهم الادوات فعجزوا عن ذلك وانصرفوا وكف عنهم القوم وانحرفوا وبعد هجعة من الليل
دخل الافرنج المدينة كالسيل ومروا في الازقة والشوارع لا يجدون لهم ممانع كأنهم
الشياطين أو جند ابليس وهدموا ما وجدوه من المتاريس ودخل طائفة من باب البرقية
ومشوا الى الغورية وكروا ورجعوا وترددوا ما هجعوا وعلموا باليقين ان لا دافع لهم
ولا كمين وتراسلوا ارسالا ركبانا ورجالا ثم دخلوا الى الجامع الازهر وهم راكبون
الخيول وبينهم المشاة كالوعول وتفرقوا بصحته ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته وعاثوا
بالاورقة والحارات
وكسروا القناديل والسهارات وهشموا خزائن الطلبة
والمجاورين والكتبة ونهبوا ما وجدوه من المتاع والاواني والقصاع والودائع والمخبآت
بالدواليب والخزانات ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الارض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم
داسوها وأحدثوا فيه وتغوطوا وبالوا وتمخطوا وشربوا الشراب وكسروا أوانيه وألقوها
بصحنه ونواحيه وكل من صادفوه به عروه ومن ثيابه أخرجوه وأصبح يوم الثلاثاء فأصطف
منهم خرب بباب الجامع فكل من حضر للصلا يراهم فيكر راجعا ويسارع وتفرقت طوائفهم
بتلك النواحي افواجا واتخذوا السعي والطواف بها منهاجا وأحاطوا بها احاطة السوار
ونهبوا بعض الديار بحجة التفتيش على النهب وآلة السلاح والضرب وخرجت سكان تلك
الجهة يهرعون وللنجاة بأنفسهم طالبون وانتهكت حرمة تلك البقعة بعد ان كانت أشرف
البقاع ويرغب الناس في سكناها ويودعون عند أهلها ما يخافون عليه الضياع
والفرنساوية لا يمرون بها الا في النادر ويحترمونها عن غيرها في الباطن والظاهر
فانقلب بهذه الحركة منها الموضوع وانخفض على غير القياس المرفوع ثم ترددوا في
الاسواق ووقفوا صفوفا مئينا والوفا فان مر بهم أحد فتشوه وأخذوا ما معه وربما
قتلوه ورفعوا القتلى والمطروحين من الافرنج والمسلمين ووقف جماعة من الفرنسيس
ونظفوا مراكز المتاريس وإزالة ما بها من الاتربة والاحجار المتراكمة ووضعوها في
ناحية لتصير طرق المرور خالية وتحزبت نصارى الشوام وجماعة ايضا من الاروام الذين
انتهبت دورهم بالحارة الجوانية ليشكوا لكبير الفرنسيس مالحقهم من الرزية واغتنموا
الفرصة في المسلمين وأظهروا ما هو بقلوبهم كمين وضربوا فيهم المضارب وكأنهم شاركوا
الافرنج في النوائب وما قصدهم المسلمون ونهبوا ما لديهم الا لكونهم منسوبين اليهم
مع أن المسلمين الذين جاوروهم نهبهم الذعر ايضا وسلبوهم وكذلك خان الملايات
المعلوم الذي عند باب حارة الروم فيه بضائع المسلمين وودائع الغائبين فسكت المصاب
على غصته واستعوض الله في قضيته لانه ان تكلم لا تسمع دعواه ولا يلتفت الى شكواه
وانتدب برطلمين للعسس على من حمل السلاح
أو اختلس وبث اعوانه في الجهات يتجسسون في الطرقات
فيقبضون على الناس بحسب اغراضهم وما ينهبه النصارى من أبغاضهم فيحكم فيهم بمراده
ويعمل برأيه واجتهاده ويأخذ منهم الكثير ويركب في موكبه ويسير وهم موثوقون بين
يديه بالحبال ويسحبهم الاعوان بالقهر والنكال فيودعونهم السجونات ويطالبونهم
بالمنهوبات ويقررونهم بالعقاب والضرب ويسألونهم عن السلاح وآلات الحرب ويدل بعضهم
على بعض فيضعون على المدلول عليهم ايضا القبض وكذلك فعل مثل ما فعله اللعين الاغا
وتجبر في افعاله وطغى وكثير من الناس ذبحوهم وفي بحر النيل قذفوهم ومات في هذين
اليومين وما بعدهما أمم كثيرة لا يحصى عددها الا الله وطال بالكفرة بغيهم وعنادهم
ونالوا من المسلمين قصدهم ومرادهم واصبح يوم الاربع فركب فيه المشايخ أجمع وذهبوا
لبيت صارى عسكر وقابلوه وخاطبوه في العفو ولاطفوه والتمسوا منه أمانا كافيا وعفوا
ينادون به باللغتين شافيا لتطمئن بذلك قلوب الرعية ويسكن روعهم من هذه الرزية
فوعدهم وعدا مشوبا بالتسويف وطالبهم بالتبيين والتعريف عمن تسبب من المتعممين في
اثارة العوام وحرضهم على الخلاف والقيام فغالطوه عن تلك المقاصد فقال على لسان
الترجمان نحن نعرفهم بالواحد فترجوا عنده في اخراج العسكر من الجامع الأزهر
فأجابهم لذلك السؤال وأمر باخراجهم في الحال وأبقوا منهم السبعين اسكنوهم في الخطة
كالضابطين ليكونوا للامور كالراصدين وبالاحكام متقيدين ثم انهم فحصوا على المتهمين
في اثارة الفتنة فطلبوا الشيخ سليمان الجوسقي شيخ طائفة العميان والشيخ احمد
الشرقاوي والشيخ عبد الوهاب الشبراوي والشيخ يوسف المصيلحي والشيخ اسمعيل البراوي
وحبسوهم ببيت البكري وأما السيد بدر المقدسي فانه تغيب وسافر الى جهة الشام وفحصوا
عليه فلم يجدوه وتردد المشايخ لتخليص الجماعة المعوقين فغولطوا واتهم ايضا ابراهيم
افندي كاتب البهار بانه جمع له جمعا من الشطار وأعطاهم الاسلحة والمساوق وكان عنده
عدة من المماليك المخفيين
والرجال المعدودين فقبضوا عليه وحبسوه ببيت الاغا
وفي يوم الاحد ثامن عشرة توجه شيخ السادات وباقي المشايخ
الى بيت صار عسكر الفرنسيس وتشفعوا عنده في الجماعة المسجونين ببيت الاغا وقائمقام
والقلعة فقيل لهم وسعوا بالكم ولا تستعجلوا فقاموا وانصرفوا
وفيه نادوا في الاسواق بالامان ولا احد يشوش على أحد مع
استمرار القبض على الناس وكبس البيوت بادنى شبهة ورد بعضهم الامتعة التي نهبت
للنصارى
وفيه توسط عمر القلقجي لمغاربة الفحامين وجمع منهم ومن
غيرهم عدة وافرة وعرضهم على صارى عسكر فأختار منهم الشباب وأولي القوة وأعطاهم
سلاحا وآلات حرب ورتبهم عسكرا ورئيسهم عمر المذكور وخرجوا وامامهم الطبل الشامي
على عادة عسكر المغاربة وسافروا الى جهة بحرى بسبب ان بعض البلاد قام على عسكر
الفرنساوية وقت الفتنة وقاتلوهم وضربوا ايضا مركبين بها عدة من عساكرهم فحاربوهم
وقاتلوهم فلما ذهب اولئك المغاربة سكنوا الفتنة وضربوا عشما وقتلوا كبيرها المسمى
بأبن شعير ونهبوا داره ومتاعه وماله وبهائمه وكان شيئا كثيرا جدا واحضروا اخوته
وأولاده وقتلوهم ولم يتركوا منهم سوى ولد صغير جعلوه شيخا عوضا عن ابيهم وسكن
العسكر المغربي بدار عند باب سعادة ورتبوا له من الفرنسيس جماعة يأتون اليهم في كل
يوم ويدربونهم على كيفية حربهم وقانونهم ومعنى أشاراتهم في مصافاتهم فيقف المعلم
والمتعلمون مقابلون له صفا وبأيديهم بنادقهم فيشير اليهم بألفاظ بلغتهم كان يقول
مردبوش فيرفعونها قابضين بأكفهم على أسافلها ثم يقول مرش فيمشون صفوفا الى غير ذلك
وفيه سافر برطلمين الى ناحية سرياقوس ومعه جملة من
العسكر بسبب الناس الفارين الى جهة الشرق فلم يدركهم وأخذ من في البلاد وعسف في
تحصيها ورجع بعد أيام
وفي يوم الاربعاء خاطب الشيخ محمد المهدي صارى عسكر في
أمر ابراهيم افندي كاتب البهار وتلطف به بمعونة بوسليك المعروف بمدير الحدود وهو
عبارة عن الروزنامجي ونقله من بيت الاغا الىداره وطلبوا منه قائمة كشف عما يتعلق
بالمماليك بدفتر البهار
وفي يوم الخميس سافر عدة من المراكب نحو الاربعين بها
عسكر الفرنسيس الى جهة بحرى
وفي ليلة السبت رابع عشرينه حضر هجان من ناحية الشام
وعلىيده مكاتبات وهي صورة فرمان وعليه طرة ومكتوب من أحمد باشا الجزار وآخر من بكر
باشا الى كتخدائه مصطفى بك ومكتوب من ابراهيم بك خطابا للمشايخ وذلك كله بالعربي
ومضمون ذلك بعد براعة الاستهلال والآيات القرآنية والاحاديث والاثار المتعلقة
بالجهاد ولعن طائفة الافرنج والحط عليهم وذكر عقيدتهم الفاسدة وكذبهم ونحيلهم
وكذلك قية المكاتبات بمعنى ذلك فأخذها مصطفى بك كتخدا وذهب بها الى صارى عسكر فلما
اطلع عليها قال هذا تزوير من ابراهيم بك ليوقع بيننا وبينكم العداوة والمشاحنة
وأما احمد باشا فهو رجل فضولي لم يكن واليا بالشام ولا مصر لان والي الشام ابراهيم
باشا واما والي مصر فهو عبد الله باشا بن العظم الذي هو الآن والي الشام فانا أعلم
بذلك وسيأتي بعد أيام والي ويقيم معه كما كانت المماليك مع الولاة وورد خبر ايضا
بانفصال محمد باشا عزت عن الصدارة وعزل كذلك أنفار من رجال الدولة وفي مدة هذه
الايام بطل الاجتماع بالديوان المعتاد وأخذوا في الاهتمام في تحصين النواحي والجهات
وبنوا ابنية على التلول المحيطة بالبلد ووضعوا بها عدة مدافع وقنابر وهدموا اماكن
بالجيزة وحصنوها تحصينا زائدا وكذلك مصر العتيقة ونواحي شبرا وهدموا عدة مساجد
منها المساجد المجاورة لقنطرة انبابة الرمة ومسجد المقس المعروف الان باولاد عنان
على الخليج الناصري بباب البحر وقطعوا نخيلا كثيرة واشجار الجيزة التي عند أبي
هريرة قطعوها وحفروا هناك خنادق كثيرة وغير
ذلك وقطعوا نخيل جهة الحلي وبولاق وخربوا دورا كثيرة
وكسروا شبابيكها وأبوابها وأخذوا أخشابها لاحتياج العمل والوقود وغير ذلك
وفي ليلة الاحد حضر جماعة من عسكر الفرنسيس الى بيت
البكري نصف الليل وطلبوا المشايخ المحبوسين عند صارى عسكر ليتحدث معهم فلما صاروا
خارج الدار وجدوا عدة كثيرة في انتظارهم فقبضوا عليهم وذهبوا بهم الى بيت قائمقام
بدرب الجماميز وهو الذي كان به دبوىا قائمقام المقتول وسكنه بعده الذي تولى مكانه
فلما وصلوا بهم هناك عروهم من ثيابهم وصعدوا بهم الى القلعة فسجنوهم الى الصباح
فأخرجوهم وقتلوهم بالبنادق وألقوهم من السور خلف القلعة وتغيب حالهم عن أكثر الناس
أياما وفي ذلك اليوم ركب بعض المشايخ الى مصطفى بك كتخدا الباشا وكلموه في أن يذهب
معهم الى صارى عسكر ويشفع معهم في الجماعة المذكورين ظنا منهم انهم في قيد الحياة
فركب معهم اليه وكلموه في ذلك فقال لهم الترجمان أصبروا ما هذا وقته وتركهم وقام
ليذهب في بعض أشغاله فنهض الجماعة ايضا وركبوا الى دورهم
وفي يوم الثلاثاء حضر عدة من عسكر الفرنسيس ووقفوا بحارة
الازهر فتخيل الناس منهم المكروه ووقعت فيهم كرشة وأغلقوا الدكاكين وتسابقوا الى
الهروب وذهبوا الى البيوت والمساجد واختلفت اراؤهم ورأوا في ذلك اقضية بحسب
تخمينهم وظنهم وفساد مخيلهم فذهب بعض المشايخ الى صارى عسكر واخبروه بذلك وتخوف
الناس فأرسل اليهم وأمرهم بالذهاب فذهبوا وتراجع الناس وفتحوا الدكاكين ومر الاغا
والوالي وبرطلمين ينادون بالامان وسكن الحال وقيل ان بعض كبرائهم حضر عند القلق
الساكن بالمشهد وجلس عنده حصة هؤلاء كانوا اتباعه ووقفوا ينتظرونه ولعل ذلك قصدا
للتخويف والارهاب خشية من قيام فتنة لما اشيع قتل المشايخ المذكورين وهو الارجح
وفيه كتبوا اوراقا والصقوها بالاسواق تتضمن العفو
والتحذير من اثارة الفتنة وان من قتل من المسلمين في نظير من قتل من الفرنسيس
وفيه شرعوا في احصاء الاملاك والمطالبة بالمقرر فلم
يعارض في ذلك معارض ولم يتفوه بكلمة والذي لم يرض بالتوت يرضى بحطبه
وفيه ايضا قلعوا ابواب الدروب والحارات الصغيرة الغير
النافذة وهي التي كانت تركت وسومح اصحابها وبرطلوا عليها وصالحوا عليها قبل
الحادثة وبرطلوا القلقات والوسايط على ابقائها وكذلك دروب الحسينية فلما انقضت هذه
الحادثة ارتجعوا عليها وقلعوها ونقلوها الى ما جمعوه من البوابات بالازبكية ثم
كسروا جميعها وفصلوا اخشابها ورفعوا بعضها على العربات الىحيث اعمالهم بالنواحي
والجهات وباعوا بعضها حطبا للوقود وكذلك ما بها من الحديد وغيره
وفي ليلة الخميس هجم المنسر على بوابة سوق طولون وكسروها
وعبروا منها الى السوق فكسروا القناديل وفتحوا ثلاثة حوانيت وأخذوا ما بها من متاع
المغاربة التجار وقتلوا القلق الذي هناك وخرجوا بدون مدافع ولا منازع
وفي يوم الخميس المذكور ذهب المشايخ الى صارى عسكر
وتشفعوا في ابن الجوسقي شيخ العميان الذي قتل ابوه وكان معوقا ببيت البكري فشفعهم
فيه واطلقوه
واستهل شهر جمادى الثانية بيوم السبت سنة 1213
فيه كتبوا عدة اوراق على لسان المشايخ وارسلوها الى
البلاد والصقوا منها نسخا بالاسواق والشوارع
وصورتها نصيحة من كافة علماء الاسلام بمصر المحروسة نعوذ
بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ونبرأ الى الله من الساعين في الارض بالفساد
نعرف اهل مصر المحروسة من طرف الجعيدية واشرار الناس حركوا الشرور بين الرعية وبين
العساكر الفرنساوية بعدما كانوا اصحابا واحبابا لسوية وترتب على ذلك قتل جملة من
المسلمين ونهبت بعض البيوت ولكن حصلت الطاف الله الخفية وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا
عند أمير الجيوش يونابارته وارتفعت هذه البلية لانه رجل كامل العقل
عنده رحمة وشفقة على المسلمين ومحبة الى الفقراء
والمساكين ولولاه لكانت العساكر احرقت جميع المدينة ونهبت جميع الاموال وقتلوا
كامل اهل مصر فعليكم ان لا تحركوا الفتن ولا تطيعوا أمر المفسدين ولا تسمعوا كلام
المنافقين ولا تتبعوا الاشرار ولا تكونوا من الخاسرين سفهاء العقول الذين لا
يقرأون العواقب لاجل ان تحفظوا أوطانكم وتطمئنوا على عيالكم وأديانكم فان الله
سبحانه وتعالى يؤتى ملكه من يشاء ويحكم ما يريد وتخبركم ان كل من تسبب في تحريك
هذه الفتنة قتلوا من آخرهم وأراح الله منهم العباد والبلاد ونصيحتنا لكم ان لا
تلقوا بأيديكم الى التهلكة واشتغلوا باسباب معايشكم وأمور دينكم وادفعوا الخراج الذي
عليكم الدين النصيحة والسلام
وفيه امروا بقية السكان على بركة الازبكية وما حولها
بالنقلة من البيوت ليسكنوا بها جماعتكم المتباعدين منهم يكون الكل في حومة واحدة
وذلك لما داخلهم من المسلمين حتى ان الشخص منهم صار لا يمشي بدون سلاح بعد ان
كانوا من حين دخولهم البلد لا يمشون به أصلا الا لغرض والذي لم يكن معه سلاح يأخذ
بيده عصا أو سوطا أو نحو ذلك وتنافر قلوبهم من المسلمين وتحذروا منهم وانكف
المسلمون عن الخروج والمرور بالاسواق من الغروب الى طلوع النهار ومن جملة من انتقل
من الدرب الاحمر الى الازبكية كفرلي المسمى بأبي خشبة وهو يمشي بها بدون معين
ويصعد الدرج ويهبط منها أسرع من الصحيح ويركب الفرس ويرمحه وهو على هذه الحالة
وكان من جملة المشار اليهم فيهم والمدبر لامور القلاع وصفوف الحروب ولهم به عناية
عظيمة واهتمام زائد كان يسكن ببيت مصطفى كاشف طرا وفي وقت الحادثة هجمت على الدار
العامة ونهبوها وقتلوا منها بعض الفرنساوية وفر الباقون فأخبروا من بالقلعة
الكبيرة فنزل منهم عدة وافرة وقف بعضهم خارج الدار بعد أن طردوا المزدحمين ببابها
وضربوهم بالبندق ودخل الباقون فقتلوا من وجدوه بها من المسلمين وكانوا جملة كثيرة
وكان بتلك الدار شيء كثير
من آلات الصنائع والنظارات الغربية والالات الفلكية
والهندسية والعلوم الرياضية وغير ذلك مما هو معدوم النظير كل آلة لا قيمة لها عند
من يعرف صنعتها ومنفعتها فبدد ذلك كله العامة وكسروه قطعا وصعب ذلك على الفرنسيس
جدا وقاموا مدة طويلة يفحصون عن تلك الالآت ويجعلون لمن يأتيهم بها عظيم الجعالات
وممن قتل في وقعة هذه الدار الشيخ محمد الزهار
وفي خامسة افرجوا عن ابراهيم افندي كاتب البهار وتوجه
الى بيته
وفي ثامنه قتلوا اربعة أنفار من القبط منهم اثنان من
النجارين قيل انهم سكروا في الخمارة ومروا في سكرهم وفتحوا بعض الدكاكين وسرقوا
منها أشياء وقد تكرر منهم ذلك عدة مرار فاغتاظ لذلك القبطة
وفيه كتبوا عدة اوراق وأرسلوا منها نسخا للبلاد والصقوا
منها بالاخطاط والاسواق ذلك على لسان المشايخ ايضا ولكن تزيد صورتها عن الاولى
وصورتها نصيحة من علماء الاسلام بمصر المحروسة نخبركم يا
أهل المدائن والامصار من المؤمنين ويا سكان الارياف من العربان والفلاحين أن
ابراهيم بك ومراد بك وبقية دولة المماليك أرسلوا عدة مكاتبات ومخاطبات الى سائر
الاقاليم المصرية لاجل تحريك الفتنة بين المخلوقات وادعوا أنها من حضرة مولانا
السلطان ومن بعض وزراءه بالكذب والبهتان وبسبب ذلك حصل لهم شدة الغم والكرب الزائد
واغتاظوا غيظا شديدا من علماء مصر ورعاياها حيث لم يوافقوهم على الخروج معهم
ويتركوا عيالهم وأوطانهم فارادوا أن يوقعوا الفتنة والشر بين الرعية والعسكر
الفرنساوية لاجل خراب البلاد وهلاك كامل الرعية وذلك لشدة ما حصل لهم من الكرب
الزائد بذهاب دولتهم وحرمانهم من مملكة مصر المحمية ولو كانوا في هذه الاوراق
صادقين بانها من حضرة سلطان السلاطين لأرسلها جهارا مع اغوات معينين ونخبركم ان
الطائفة الفرنساوية بالخصوص عن بقية الطوائف الافرنجية دائما يحبون المسلمين وملتهم
ويبغضون المشركين وطبيعتهم أحباب لمولانا السلطان قائمون بنصرته
وأصدقاء له ملازمون لمودته وعشرته ومعونته يحبون من
والاه ويبغضون من عاداه ولذلك بين الفرنساوية والموسكوف غاية العداوة الشديدة من
اجل عداوة المسكوف القبيحة الرديئة والطائفة الفرنساوية يعاونون حضرة السلطان على
أخذ بلادهم ان شاء الله تعالى ولا يبقون منهم بقية فننصحكم ايها الاقاليم المصرية
انكم لا تحركوا الفتن ولا الشرور بين البرية ولا تعارضوا العساكر الفرنساوية بشيء
من أنواع الأذية فيحصل لكم الضرر والهلاك ولا تسمعوا كلام المفسين ولا تطيعوا أمر
المسرفين الذين يفسدون في الارض ولا يصلحون فتصبحوا على ما فعلتم ناديم وانما
عليكم دفع الخراج المطلوب منكم لكامل الملتزمين لتكونوا بأوطانكم سالمين وعلى
أموالكم وعيالكم آمنين مطمئنين لان حضرة صارى عسكر الكبير أمير الجيوش بونابارته
اتفق معنا على انه لا ينازع أحد في دين الاسلام ولا يعارضنا فيما شرعه الله من
الاحكام ويرفع عن الرعية سائر المظالم ويقتر على أخذ الخراج ويزيل ما أحدثه الظلمة
من المغارم فلا تعلقوا آمالكم بابراهيم ومراد وراجعوا الى مولاكم مالك الملك وخالق
العباد فقد قال نبيه ورسوله الاكرم الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها بين الامم
عليه افضل الصلاة والسلام وفي ثالث عشره قتلوا شخصين عند باب زويلة أحدهما يهودي
لم يتحقق السبب في قتلهما
وفيه اخرجوا من بيت نسيب ابراهيم كتخدا صناديق ضمنها
مصاغ وجواهر وأواني ذهب وفضة وأمتعة وملابس كثيرة
وفي خامس عشرة حضر جماعة من الفرنساوية بباب زويلة
وفتحوا بعض دكاكين السكرية وأخذوا منها سكرا وضاع على أصحابه
وفيه دلوا على انسان عنده صندوقان وديعة لايوب بك
الدفتردار فطلبوه وأمروه باحضارهما فأحضرهما بعد الانكار والحجد عدة مرار فوجدوا
ضمنهما أسلحة جواهر وسبح لؤلؤ وخناجر مجوهرة وغير ذلك
وفي عشرينه كتبوا عدة أوراق مطبوعة وألصقوها بالاسواق
مضمونها
أن في يوم الجمعة حادي عشرينه قصدنا أن نطير مركبا ببركة
الازبكية في الهواء بحيلة فرنساوية فكثر لغط الناس في هذا كعادتهم فلما كان ذلك
اليوم قبل العصر تجمع الناس والكثير من الافرنج ليروا تلك العجيبة وكنت بجملتهم
فرأيت قماشا على هيئة الادية على عمود قاتم وهو ملون احمر وأبيض وأزرق على مثل
دائرة الغربال وفي وسطه مسرجة بها فتيلة مغموسة ببعض الادهان وتلك المسرجة مصلوبة
بسلوك من حديد منها الى الدائرة وهي مشدودة ببكر واحبال واطراف الاحبال بأيدي اناس
قائمين باسطحة البيوت القريبة منها فلما كان بعد العصر بنحو ساعة أوقدوا تلك
الفتيلة فصعد دخانها الى ذلك القماش وملأه فانتفخ وصار مثل البكرة وطلب الدخان
الصعود الى مركزه فلم يجد منفذا فجذبها معه الى العلو فجذبها بتلك الاحبال مساعدة
لها حتى ارتفعت عن الارض فقطعوا تلك الحبال فصعدت الى الجو مع الهواء ومشت هنيهة
لطيفة ثم سقطت طارتها الفتيلة وسقط ايضا ذلك القماش وتناثر منها أوراق كثيرة من
نسخ الاوراق المبصومة فلما حصل لها ذلك انكسف طبعهم لسقوطها ولم يتبين صحة ما
قالوه من انها على هيئة مركب تسير في البلاد البعيدة لكشف الاخبار وارسال
المراسلات بل ظهر انها مثل الطيارة التي يعملها الفراشون بالمواسم والافراح
وفي تلك الليلة طاف منهم أنفار بالاسواق ومعهم مقاطف بها
لحوم مسمومة فأطعموها للكلاب فمات منها جملة كثيرة فلما طلع النهار وجد الناس
الكلاب مرمية وطرحى بالاسواق وهي موتى فأستأجروا لها من أخرجها الى الكيمان وسبب
ذلك انهم لما كانوا يمرون بالاسواق في الليل وهم سكوت كانت الكلاب تنبحهم وتعدو
خلفهم ففعلوا بها ذلك وارتاحوا هم والناس منها
وفي خامس عشرينه سافر عدة عساكر الى جهة مراد بك وكذلك
الى جهة كرداسة بسبب العربان وكذلك الى السويس الصالحية وأخذوا جمال
السقائين برواياها وحميرهم ولكن يعطونهم أجرتهم فشح
الماء وغلا وبلفت القرية عشرة انصاف فضة
وفيه ظفروا بعدة ودائع وخبايا بأماكن متعددة بها صناديق
وأمتعة وأسلحة وأواني صيني وأواني نحاس قناطير وغير ذلك وانقضى هذا الشهر وما حصل به
من الحوادث الكلية والجزئية التي لا يمكن ضبطها لكثرتها
منها انهم أحدثوا بغيط النوبي المجاور للازبكية ابنية
على هيئة مخصوصة منتزهة يجتمع بها النساء والرجال للهو والخلاعة في أوقات مخصوصة
وجعلوا على كل من يدخل اليه قدرا مخصوصا يدفعه أو يكون مأذونا وبيده ورقة
ومنها أنهم هدموا وبنوا بالمقياس والروضة وهدموا اماكن
بالجيزة ومهدوا التل المجاور لقنطرة الليمون وجعلوا في اعلاه طاحونا تدور في
الهواء عجيبة وتطحن الارادب من البر وهي بأربعة أحجار وطاحونا أخرى بالروضة تجاه
مساطب النشاب وهدموا الجامع المجاور لقنطرة الدكة وشرعوا في ردم جهات حوالي بركة
الازبكية وهدموا الاماكن المقابلة لبيت صارى عسكر حتى جعلوها رحبة متسعة وهدموا
الاماكن المقابلة لها من الجهة الاخرى والجنائن التي خلف ذلك وقطعوا اشجارها
وردموا مكانها بالاتربة الممهدة على خط معتدل من الجهتين مبتدأ من حد ببيت صارى
عسكر الى قنطرة المغربي وجددوا القنطرة المذكورة وكانت آلت الى السقوط وفعلوا
بعدها كذلك على الوضع والنسق بحيث صار جسرا عظيما ممتدا ممهدا مستويا على خط مستقم
من الازبكية الى بولاق قسمين قسم الى طريق أبي العلا وقسم يذهب الى جهة التبانة
وساحل النيل وبطريقة الطريق المسلوكة الواصلة من طريق أبي العلاء وجامع الخطيري
الى ناحية المدابغ وحفروا في جانبي ذلك الجسر من مبدئه الى منتهاه خندقين وغرسوا
بجانبه اشجارا وسيسبانا واحدثوا طريقا اخرى فيما بين باب الحديد وباب العدوى عند
المكان المعروف بالشيخ شعيب حيث معمل الفواخير وردموا جسر ممتدا ممهدا مستطيلا
يبتدي
من الحد المذكور وينتهي الى جهة المذبح خارج الحسينية
وازلوا ما يتخلل بين ذلك من الابنية والغيطان والاشجار والتلول وقطعوا جانبا كبيرا
من التل الكبير المجاور لقنطرة الحاجب وردموا في طريقهم قطعة من خليج بركة الرطلي
وقطعوا اشجار بستان كاتب البهار المقابل لجسر بركة الرطلي واشجار الجسر ايضا
والابنية التي بين باب الحديد والرحبة التي بظاهر جامع المقس وساروا على المنخفض
بحيث صارت طريقا ممتدة من الازبكية الى جهة قبة النصر المعروفة بقبة العزب جهة
العادلية على خط مستقيم من الجهتين وقيدوا بذلك انفارا منهم يتعاهدون تلك الطرق
ويصلحون ما يخرج منها عن قالب الاعتدال بكثرة الدروس وحوافر الخيول والبغال
والحمير وفعلوا هذا الشغل الكبير والفعل العظيم في أقرب زمن ولم يسخروا احدا في
العمل بل كانوا يعطون الرجال زيادة عن اجرتهم المعتادة ويصرفونهم من بعد الظهيرة
ويستعينون في الاشغال 2 وسرعة العمل بالآلات القريبة المأخذ السهلة التناول
المساعدة في العمل وقلة الكلفة
كانوا يجعلون بدل الغلقان والقصاع عربات صغيرة ويداها
ممتدتان من خلف يملؤها الفاعل ترابا او طينا او احجارا من مقدمها بسهولة بحيث تسع
مقدار خمسة غلقان ثم يقبض بيديه على خشبتيها المذكورتين ويدفعها امامه فتجرى على
عجلتها بأدنى مساعدة الى محل العمل فيمليها باحدى يديه ويفرغ ما فيها من غير تعب
ولا مشق وكذلك لهم فؤوس وقزم محكمة الصنعة متقنة الوضع وغالب الصناع من جنسهم ولا
يقطعون الاحجار والاخشاب الا بالطرق الهندسية على الزوايا القائمة والخطوط
المستقيمة وجعلوا جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية قلعة ومنارته برجا ووضعوا
علىأسواره مدافع واسكنوا به جماعة من العسكر وبنوا في داخله عدة مساكن تسكنها
العسكر المقيمة به وكان هذا الجامع معطل الشعائر من مدة مدة طويلة وباع نظاره منه
أنقاضا وعمدا كثيرة
ومنها أنهم احدثوا على التل المعروف بتل العقارب
الناصرية ابنية وكرانك
وابراجا ووضعوا فيها عدة من آلات الحرب والعساكر
المرابطين فيه
وهدموا عدة دور من دور الامراء وأخدوا أنقاضها ورخامها
لابنيتهم وافردوا للمدبرين والفلكيين وأهل المعرفة والعلوم الرياضية كالهندسة
والهيئة والنقوشات والرسومات والمصورين والكتبة والحساب والمنشئين حارة الناصرية
حيث الدرب الجديد وما به من البيوت مثل بيت قاسم بك وأمير الحاج المعروف بأبي يوسف
وبيت حسن كاشف جركس القديم والجديد الذي أنشأه وشيده وزخرفه وصرف عليه اموالا
عظيمة من مظالم العبادة وعند تمام بياضه وفرشه حدثت هذه الحادثة ففر مع الفارين
وتركه فيه جملة كبيرة من كتبهم وعليها خزان ومباشرون يحفظونها ويحضرونها للطلبة
ومن يريد المراجعة فيراجعون فيها مرادهم فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر
بساعتين ويجلسون في فسحة المكان المقابلة لمخازن الكتب على كراسي منصوبة موازية
لتختاة عريضة مستطيلة فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها فيحضرها له الخازن
فيتصفحون ويراجعون ويكتبون حتى أسافلهم من العساكر واذا حضر اليهم بعض المسلمين
ممن يريد الفرجة لا يمنعونه الدخول الى أعز اماكنهم ويتلقونه بالبشاشة والضحك
وأظهار السرور بمجيئه اليهم وخصوصا أذا رأوا فيه قابلية أو معرفة او تطلعا للنظر
في المعارف بذلوا له مودته ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع بها والاقاليم
والحيوانات والطيور والنباتات وتواريخ القدماء وسير الامم وقصص الانبياء بتصاويرهم
وآياتهم ومعجزاتهم وحوادث اممهم مما يحير الافكار ولقد ذهبت اليهم مرارا واطلعوني
على ذلك فمن جملة ما رأيته كتاب كبير يشتمل على سيرة النبي صلى الله عليه و سلم
ومصورون به صورته الشريفة على قدر مبلغ علمهم واجتهادهم وهو قائم على قدميه ناظرا
الى السماء كالمرهب للخليقة وبيده اليمنى السيف وفي اليسرى الكتاب وحوله الصحابة
رضي الله عنهم بأيديهم السيوف وفي صفحة اخرى صورة الخلفاء الراشدين وفي الاخرى
صورة المعراج والبراق وهو صلى الله عليه و سلم راكب عليه
من صخوره بيت المقدس وصورة بيت المقدس والحرم المكي
والمدني وكذلك صورة الائمة المجتهدين وبقي الخلفاء والسلاطين ومثال اسلامبول وما
بها من المساجد العظام كأياصوفي وجامع السلطان محمد وهيئة المولد النبوي وجمعية
اصناف الناس لذلك السلطان سليمان وهيئة صلاة الجمعة فيه وأبى ايوب الانصاري وهيئة
صلاة الجنازة فيه وصور البلدان والسواحل والبحار والاهرام وبرابي الصعيد والصور
والاشكال والافلام المرسومة وما يختص بكل بلد من أجناس الحيوان والطيور والنبات
والاعشاب وعلوم الطب والتشريح والهندسيات وجر الاثقال وكثير من الكتب الاسلامية
مترجم بلغتهم ورأيت عندهم كتاب الشفاء للقاضي عياض ويعبرون عنه بقولهم شفاء شريف
والبردة للبوصيري ويحفظون جملة من أبياتها وترجموها بلغتهم ورأيت بعضهم يحفظ سورا
من القرآن ولهم تطلع زائد للعلوم وأكثرها الرياضة ومعرفة اللغات واجتهاد كبير في
معرفة اللغة والمنطق ويدأبون في ذلك الليل والنهار وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات
وتصاريفهما واشتقاقاتها بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون من أي لغة كانت الى لغتهم
في أقرب وقت وعند توت الفلكي وتلامذته في مكانهم المختص بها الآلات الفلكية
الغريبة المتقنة الصنعة وآلات الارتفاعات البديعة العجيبة التركيب الغالية الثمن
المصنوعة من الصفر المموه وهي تركب براريم مصنوعة محكمة كل آلة عدة قطع تركب مع
بعضها البعض برباطات وبراريم لطيفة بحيث اذا ركبت صارت آلة كبير أخذت قدرا من
الفراغ وبها نظارات وثقوب ينفذ النظر منها الى المرئي واذا انحل تركيبها وضعت في
ظرف صغير وكذلك نظارات للنظر في الكواكب وارصادها ومعرفة مقاديرها واجرامها
وارتفاعاتها واتصالاتها ومناظرتها وأنواع المنكابات والساعات التي تسير بثواني
الدقائق الغريبة الشكل الغالية الثمن وغير ذلك وأفردوا لجماعة منهم بيت ابراهيم
كتخدا السنارى وهم المصورون لكل شيء ومنهم اريجو المصور وهو يصور صور الآدميين
تصويرا يظن من يراه انه بارز
في الفراغ بجسم يكاد ينطق حتى انه صور صورة المشايخ كل
واحد على حدته في دائرة وكذلك غيرهم من الاعيان وعلقوا ذلك في بعض مجالس صارى عسكر
وآخر في مكان اخر يصور الحيوانات والحشرات واخر يصور الاسماك والحيتان بانواعها
وأسمائها ويأخذون الحيوان او الحوت الغريب الذي لا يوجد ببلادهم فيضعون جسمه بذاته
في ماء مصنوع حافظ للجسم فيبقى على حالته وهيئته لا يتغير ولا يبلى ولو بقي زمنا
طويلا
وكذلك أفردوا اماكن للمهندسين وصناع الدقائق وسكن الحكيم
رويا ببيت ذي الفقار كتخدا بجوار ذلك ووضع آلاته ومساحقه وأهوانه في ناحية وركب له
تنانير وكوانين لتقطير المياه والادهان واستخراج الاملاح وقدورا عظيمة وبرامات
وجعل له مكانا أسفل واعلى وبهما رفوف عليها القدور المملوءة بالتراكيب والمعاجين
والزجاجات المتنوعة وبها كذلك عدة من الاطباء والجرايحية
وأفردوا مكانا في بيت حسن كاشف جركس لصناعة الحكمة والطب
الكيماوي وبنوا فيه تنانير مهندمة وآلات تقاطير عجيبة الوضع والات تصاعيد الارواح
وتقاطير المياه وخلاصات المفردات وأملاح الارمدة المستخرجة من الاعشاب والنباتات
واستخراج المياه الجلاءة والحلالة وحول المكان الداخل قوارير وأوان من الزجاج
البلوري المختلف الاشكال والهيئات على الرفوف والسدلات وبداخلها انواع المستخرجات
ومن أغرب ما رأيته في ذلك المكان ان بعض المتقيدين لذلك
أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة فصب منها شيئا في كأس ثم
صب عليها شيئا من زجاجة اخرى فعلا المآن وصعد منه دخان ملون حتى انقطع وجف مافي
الكأس وصار حجرا أصفر فقلبه على البرجات حجرا يابسا أخذناه بأيدينا ونظرناه ثم فعل
كذلك بمياه أخرى فجمد حجرا أزرق وباخرى فجمد حجرا أحمر ياقوتيا وأخذ مرة شيئا
قليلا حدا من غبار أبيض ووضعه على السندال وضربه بالمطرقة بلطف
فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة انزعجنا منه فضحكوا منا
واخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة في مقدار الشبر ضيقة القسم فغمسها في ماء قراح موضوع
في صندوق من الخشب مصفح الداخل بالرصاص وأدخل معها اخرى على غير هيئتها وأنزلهما
في الماء وأصعدهما بحركة انحبس بها الهواء في أحدهما وآتى آخر بفتيلة مشتعلة وأبرز
ذلك فم الزجاجة من الماء وقرب الآخر الشعلة اليها في الحال فخرج ما فيها من الهواء
المحبوس وفرقع بصوت هائل ايضا وغير ذلك امور كثيرة وبراهين حكمية تتولد من اجتماع
العناصر وملاقاة الطبائع ومثل الفلكة المستديرة التي يديرون بها الزجاج فيتولد من
حركتها شرر يطير بملاقاة ادنى شيء كثيف ويظهر له صوت وطقطقة واذا مسك علاقتها شخص
ولو خيطا لطيفا متصلابها ولمس آخر الزجاجة الدائرة او ما قرب منها بيده الاخرى
ارتج بدنه وارتعد جسمه وطقطقت عظام أكتافه وسواعده في الحال برجة سريعة ومن لمس
هذا اللامس او شيئا من ثيابه او شيئا متصلا به حصل له ذلك ولو كانوا ألفا أو أكثر
ولهم فيه امور وأ وال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج لا يسعها عقول امثالنا
وأفردوا ايضا مكنا للنجارين وصناع الالآت والاخشاب
وطواحين الهواء والعربات واللوازم لهم في اشغالهم وهندساتهم وارباب صنعائهم ومكانا
آخر للحدادين وبنوا فيه كوانين عظاما وعليها منافيخ كبار يخرج منها الهواء متصلا
كثيرا بحيث يجذبه النافخ من أعلى بحركة لطيفة وصنعوا السندانات والمطارق العظام
لصناعات الآلات من الحديد والمخارط وركبوا مخارط عظيمة لخرط القلوزات الحديد
العظيمة ولهم فلكات مثقلة يديرها الرجال للمعلم الخراط للحديد بالاقلام المتينة
الجافية وعليها حق صغير معلق مثقوب وفيه ماء يقطر على محل الخرط لتبريد النارية
الحادثة من الاصطكاك وباعلى هذه الامكنة صناع الامور الدقيقة مثل البركارات وآلات
الساعات والآلات الهندسية المتقنة وغير ذلك
شهر رجب سنة استهل بيوم الاحد في ثالثه قتلوا شخص من
الاجناد يقال له مصطفى كاشف من جماعة حسين بك المعروف بشفت وكان قد فر مع الفارين
ثم رجع من غير استئذان وأقام أياما مستترا ببيت الشيخ سليمان الفيومي فسلمه لمصطفى
أغا مستحفظان ليأخذ له أمانا فأخبر الفرنسيس بشأنه وأغراهم عليه فأمروه بقتله فقطع
رأسه وطافوا بها ينادون عليها بقولهم هذا جزاء من يدخل الى مصر بغير أذن الفرنسيس
وفي يوم الخميس حضر كبير الفرنسيس الذي بناحية قليوب
وصحبته سليمان الشواربي شيخ الناحية وكبيرها فلما حضر حبسوه بالقلعة قبل انهم
عثروا له على مكتوب ارسله وقت الفتنة السابقة الى سر ياقوس لينهض أهل تلك النواحي
في القيام ويأمرهم بالحضور وقت ان يرى الغلبة على الفرنسيس ولما حبسوه وحبسوا معه
اربعة من الاجناد ايضا
وفيه احدثوا مرمارا يضربونه في كل يوم وقت الزوال لان ذلك
الوقت عندهم ابتداء اليوم
وفي يوم الاربعاء عاشره نادوا في الاسواق بان من أراد أن
يشتري فرسا أو حمارا فليحضر يوم الجمعة ثالث عشره ببولاق ويشتري من الفرنساويه ما
أحب من ذلك وكتبوا بذلك اوراقا وألصقوها بالاسواق والازقة وهي مطوعة وعليها الصورة
ونصها فليكن معلوما عند كافة الرعايا المصرية ان في يوم الجمعة ثلاثة عشر من شهر
رجب الساعة اثنين يباع في بولاق جملة خيل من المشيخة الفرنساوية فلاجل هذا المشتري
كل من اراد ان يقتنى خيلا فمنحنا له الاجازة انه يقتنى كما يريد ويشاء
وفي يوم الاثنين سادس عشره سافر صارى عسكر بونابارته الى
السويس وأخذ صحبته السيد احمد المحروقي وابراهيم افندي كاتب البهار وأخذ معه ايضا
بعض المدبرين والمهندسين والمصورين وجرجس الجوهري والطون أبو طاقية وغيرهم وعدة
كثيرة من عساكر الخيالة والمشاة وبعض مدافع وعربات وتختروان وعدة جمال لحمل
الذخيرة والماء والقومانية
وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على تنظيم اخر وعينوا له
ستين نفرا منهم اربعة عشر يقال لهم خصوص وهم الذين يحضرون دائما ويقال لهم الديوان
الخصوصي والديوان الديمومي والباقي بحسب الاقتضاء والاربعة عشر هم من المشايخ
الشرقاوي والمهدي والصاوي والبكري والفيومي ومن التجار المحروقي واحمد محرم ومن
النصارى القبطة لطف الله المصري ومن الشوام يوسف فرحات ومخاييل كحيل ورواحة
الانكليزي وبودني وموسى كافر الفرنساوي ومعهم وكلاء ومباشرون من الفرنسيس ومترجمون
وأما العمومي فأكثره مشايخ حرف وكتبوا بذلك طومارا كبيرا بصموا منه نسخا كثيرة
وأرسلوا منها نسخا كثيرة للاعيان وألصقوا منها بالاسواق على العادة وأرسلوا اللذين
عينوا بالديوان أوراقا باسمائهم شبه التقارير وصورة صدر ذلك الطومار المكتتب في
شأن ذلك وقد أوردت ذلك وان كان فيه بعض طول للاطلاع على ما فيه من التمويهات على
العقول والتسلق على دعوى الخواص من البشر بفاسد التخيلات التي تنادى على بطلانها
بديهة العقل فضلا عن النظر وهي مقولة على لسان بونابارته كبير الفرنسيس ونصه
بسم الله الرحمن الرحيم من امير الجيوش الفرنساويه خطابا
الى كافة أهالي مصر الخاص والعام نعلمكم ان بعض الناس الضالين العقول الخليين من
المعرفة وادراك العواقب سابقا اوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين بمصر فأهلكهم
لله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة والباري سبحانه وتعالى أمرني بالشفقة والرحمة على
العباد فامتثلث أمره وصرت رحيما بكم شفوقا عليكم ولكن كان حصل عندي غيظ وغم شديد بحسب
تحريك هذه الفتنة بينكم ولاجل ذلك أبطلت الديوان الذي كنت رتبته لنظام البلد وصلاح
اموالكم من مدة شهرين والان توجه خاطرنا الى ترتيب الديوان كما كان لان حسن
احوالكم ومعاملتكم في المدة المذكورة انسانا ذنوب الاشرار وأهل الفتنة التي وقعت
سابقا أيها العلماء والاشراف أعلم وأمتكم ومعاشر رعيتكم بان الذي يعاديني ويخاصمني
انما خصامه
من ضلال عقله وفساد فكرة فلا يجد ملجأ ولا مخلصا ينجيه
مني في هذا العالم ولا ينجو من بين يدي الله لمعارضته لمقادير الله سبحانه وتعالى
والعاقل يعرف ان ما فعلناه بتقدير الله تعالى وارادته وقضائه ومن يشك في ذلك فهو
احمق واعمى البصيرة واعلموا ايضا امتكم ان الله قدر في الازل هلاك اعداء الاسلام
وتكسير الصلبان على يدي وقدر في الآزل أني اجيء من المغرب الى أرض مصر لهلاك الذين
ظلموا فيها واجراء الامر الذي امرت به ولا يشك العاقل ان هذا كله بتقدير الله
وارادته وقضائه واعلموا ايضا أمتكم ان القرآن لعظيم صرح في ايات كثيرة بوقوع الذي
حصل واشار في ايات اخرى الى امور تقع في المستقبل وكلام الله في كتابه صدق وحق لا
يتخلف اذا تقرر هذا وثبتت هذه المقالات في آذانكم فلترجع أمتكم جميعا الى صفاء
النية واخلاص الطوية فان منهم من يمتنع عن الغي واظهار عداوتي خوفا من سلاحي وشدة
سطوتي ولم يعلموا ان الله مطلع على السرائر يعلم خائنه الاعين وما تخفي الصدور
والذي يفعل ذلك يكون معارضا لاحكام الله ومنافقا وعليه اللعنة والنقمة من الله
غلام الغيوب واعلموا ايضا اني أقدر على اظهار ما في نفس كل أحد منكم لانني أعرف
احوال الشخص وما انطوى عليه بمجرد ما اراه وان كنت لا اتكلم ولا انطق بالذي عنده
ولكن يأتي وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة ان كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم الهي لا
يرد وان اجتهاد الانسان غاية جهده ما يمنعه عن قضاء الله الذي قدره وأجراه على يدي
فطوبى للذين يسارعون في اتحادهم وهمتهم مع صفاء النية واخلاص السريرة والسلام
ورتبوا لارباب الديوان الديمومي شهرته تدفع اليهم نظير
تقيدهم بمصالح العامة والدعاوى وما يترتب عليه النظام بينهم وبين المسلمين
وفي ثامن عشرة طافوا على الطواحين واختاروا من كل طاحون
فرسا اخذوها
وفي رابع عشرينه حضر السيد المحروقي وكاتب البهار من
السويس
وكان سارى عسكر ذهب الى ناحية بلبيس فأستأذونه في ذهابهم
الى مصر فأذن لهم وأرسل معهم خمسين عسكريا ليوصلوهم الى مصر فلما حضروا حكوا أن
أهل السويس لما بلغهم مجيء الفرنساوية هربوا وأخلوا البلدة فذهبوا الى الطور وذهب
البعض الى العرب بالبادية فنهب الفرنسيس ما وجدوه بالبندر من البن والمتاجر
والامتعة وغير ذلك وهدموا الدور وكسروا الاخشاب وخوابي الماء فلما حضر كبيرهم وكان
متأخرا عنهم كلمه التجار الذاهبون معه وأعلموه أن هذا الفعل غير صالح فاسترد من
العسكر بعض الذي أخذوه ووعدهم باسترجاع الباق أو دفع ثمنه بمصر وأن يكتبوا قائمة
بالمنهوبات ثم انه وجد مركبان حضرا الى قريب من السويس بهما بن ومتاجر فغرقت
احداهما فنزلت طائفة من الفرنسيس في مراكب صغار وذهبوا اليها في الغاطس وأخرجوها
بآلات ركبوها واصطنعوها من علم جر الاثقال وفي مدة اقامته بالسويس صار يركب ويتأمل
في النواحي وجهات ساحل البحر والبر ليلا ونهارا وكان معه من الادم في هذه السفرة
ثلاثة طيور دجاج محمرة ملفوفة في ورق وليس معه طباخ ولا فراش ولا فرش ولا خيمة وكل
شخص من عسكره معه رغيف كبير مرشوق في طرف خربته يتزود منه ويشرب من سقاء لطيف من
صفيح معلق في عنقه
وفي يوم السبت حضر عدة من العسكر الفرنساوية من ناحية
بلبيس ومعهم عدة من العربان نحو الثلاثين نفرا موثقون بالحبال وأسروا ايضا عدة من
اولادهم ذكورا واناثا ودخلوا بهم الى مصر يزفونهم بالطبول أمامهم ومعهم ايضا ثلاثة
حمول من حمول التجار وبعض جمال مما كان نهب منهم عند رجوعهم من الحج
وفي ليلة الاثنين غايته حضر سارى عسكر من ناحية بلبيس
الى مصر ليلا وأحضر معه عدة عربان وعبد الرحمن أباظة أخو سليمان أباظة شيخ العيايدة
وخلافه رهائن وضربوا أبو زعبل والمنير وأخذوا مواشيهم وحضروا بهم الى القاهرة
وخلفهم اصحابهم رجالا ونساء وصغارا وفي
ذلك اليوم قتلوا شيخ العرب سليمان الشواربي شيخ قليوب
ومعه ايضا ثلاثة رجال يقال لهم عرب الشرقية فأنزلوهم من القلعة الى الرميلة على يد
الاغا وقطعوا رؤوسهم وحملوا جثة الشواربي مع رأسه في تابوت وأخذه اتباعه في بلده
قليوب ليدفن هناك عند اسلافه وانقضى هذا الشهر وحوادثه الجزئية والكلية
منها ان في ليلة السابع والعشرين منه أتت جماعة الى دار
الشيخ محمد ابن الجوهري الكائن بالازبكية بالقرب من باب الهواء فخلعوا الشباك
المطل على البركة ودخلوا منه وصعدوا الى أعلى الدار وكان بها ثلاثة من النساء
الخدامات وابنة خدامة ايضا وبواب الدار ولم يكن رب الدار بها ولا الحريم بل كانوا
قد انتقلوا الى دار أخرى لما سكن معظم العسكر بالازبكية فاستيقظ النساء وصرخن
فضربوهن وقتلوا منهن امرأة واختفت البنت في جهة وعاثوا في الدار وأخذوا متاعا
ومصاغا ونزلوا واستيقظ البواب فأختفى خوفا منهم فلما طلع النهار وشاع الخبر وكان
سارى عسكر غائبا فلم يقع كلام في شأن ذلك فلما قدم من سفره ركب مشايخ الديوان
وأخبروه فاغتم لذلك وأظهر الغيظ وذم فاعل ذلك لما فيه من العار الذي يلحقه واهتم
في الفحص عمن فعل ذلك وقتله
ومنها كثرة تعدي القلقات وتشديدهم على وقود القناديل
بالازقة هم من أهل البلد واذا مروا بالليل ووجدوا قنديلا اطفاه الهواء وفرغ زيته
سمروا الحانوت او الدار التي هو عليها ولا يقلعون المسمار حتى يصالحهم صاحبها على
ما احبوه من الدراهم وربما تعمدوا كسر القناديل لاجل ذلك واتفق ان المطراطفا عدة
قناديل بسوق أمير الجيوش بسبب كونها في ظروف من الورق والجرير فابتل الورق وسال
الماء فأطفأ القنديل فسمروا حوانيت السوق واصبح اهلها صالحوا عليها ووقع مثل ذلك في
طرق عديدة فجمعوا في ذلك اليوم جملة من الدراهم وامثال ذلك حتى في الازقة والعطف
الغير النافذة حتى كان الناس ليس لهم شغل الا القناديل وتفقد حالها وخصوصا في ليل
الشتاء الطويل
شهر شعبان المعظم سنة استهل بيوم الثلاثاء فيه قتلوا
ثلاثة انفار من الفرنسيس وبندقوا عليهم بالرصاص بالميدان تحت القلعة قيل انهم من
المتسلقين على الدور
وفيه اخبر السفار بان مراد بك ومن معه ترفعوا الى قبلي
ووصلوا الى عقبة الهواء وكلما قرب منهم عسكر الفرنساوية انتقلوا وقبلوا ولقد
داخلهم من الفرنساوية خوف شديد ولم يقع بينهم ملاقاة ولا قتال
وفيه قدمت رباعة تحمل البن الذي حضر من السويس بالمركب
الداو يصحبه جماعة من الفرنساوية لخفارتها من قطاع الطريق
وفي يوم الاحد سادسه نادى القبطان الفرنساوي الساكن
بالمشهد الحسيني على أهل تلك الخطة وما جاورها بفتح الحوانيت والاسواق لاجل مولد
الحسين وشد في ذلك ووعد من اغلق حانوته بتسميره وتغريمه عشرة ريال فراسنة مكافأة
له على ذلك وكان السبب في ذلك والاصل فيه ان هذا المولد ابتدعه السيد بدوي بن فتيح
مباشر وقف المشهد فكان قد اعتراه مرض الحب الافرنجي فنذر على نفسه هذا المولد أن
شفاه الله تعالى فحصلت له بعض افاقة فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض
شموع ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة واخرين بالمسجد يقرأون بالليل دلائل
الخيرات للجذولي ثم زاد الحال وانضم اليهم كثير من اهل البدع كجماعة العفيفي
والسمان والعربي والعيسوية فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها وينشد له
المنشدون القصائد والموالات ومنهم من يقول أبياتا من بردة المديح للبوصيري
ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وأما
العيسوية فهم جماعة من المغاربة وما دخل فيهم من أهل الاهواء ينسبون الى شيخ من
اهل المغرب يقال له سيدي محمد بن عيسى وطريقتهم انهم يجلسون قبالة بعضهم صفين
ويقولون كلاما معوجا بلغتهم بنغم وطريقة مشوا عليها وبين أيديهم طبول ودفوف يضربون
عليها على
قدر النغم ضربا شديدا مع ارتفاع اصواتهم وتقف جماعة اخرى
قبالة الذين يضربون بالدفوف فيضعون اكتافهم في اكتاف بعض لا يخرج واحد عن الآخر
ويلتوون وينتصبون ويرتفعون وينخفضون ويضربون الارض بأرجلهم كل ذلك مع الحركة
العنيفة والقوة الزائدة بحيث لا يقوم هذا المقام الا كل من عرف بالقوة وهذه
الحركات والايقاعات على نمط الضرب بالدفوف فيقع بالمسجد دوى عظيم وضجات من هؤلاء
ومن غيرهم من جماعة الفقراء كل احد له طريقة وكيفية تباين الاخرى هذا مع ما ينضم
الى ذلك من جمع العوام وتحلقهم بالمسجد للحديث والهذيان وكثرة اللغط والحكايات
والاضاحيك والتلفت الى حسبان الغلمان الذين يحضرون للتفرج والسعي خلفهم والافتتان
بهم ورمى قشور اللب والمكسرات والمأكولات في المسجد وطواف الباعة بالمأكولات
علىالناس فيه وسقاة الماء فيصير المسجد بما اجتمع فيه من هذه القاذورات والعفوش
ملتحقا بالاسواق الممتهنة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ثم زاد الحال
على ذلك بقدوم جماعة الاشاير من الحارات البعيدة والقريبة وبين أيديهم مناور
القناديل والجوامع العظيمة التي تحملها الرجال والشموع والطبول والزمور ويتكلمون
بكلام محرف يظنون انه ذكر وتوسلات يثابون عليها وينسبون من يلومهم او يعترضهم الى
الاعتزال والخروج والزندقة وغالبهم السوقة وأهل الحرف السافلة ومن لا يملك قوت
ليلته فتجد أحدهم يجتهد بقوة سعيه ويبيع متاعه او يستدين الجملة من الدراهم
ويصرفها في وقود القناديل وأجرة الطبالة والزمارة وكل يجتمع عليه ما هو من أمثاله
من الحرافيش ثم يقطع ليلته تلك سهرانا ويصبح دايخا كسلانا ويظن انه بات يتعبد
ويذكر ويتهجد واستمر هذا المولد أكثر من عشر سنين ولم يزدد الناذر لذلك الا مرضا
ومقتا واستجلب خدمة الضريح مالاح لهم من خساف العقول مثل الشمع والدراهم واتخذوا
ذلك حبالة لاكل أموال الناس بالباطل فلما حصلت هذه الحادثة بمصر ترك هذا المولد في
جملة المتروكات ثم حصلت الفتنة التي حصلت وسكن هذا الفرنساوي
في خط المشهد الحسيني لضبط تلك الجهة وفيه مسايرة
ومداهنة فصار يظهر المحبة للمسلمين ويلاطفهم ويدخل بيوت الجيران ويقبل شفاعة
المتشفعين ويجل الفقهاء ويعظمهم ويكرمهم وأبطل وقوف عسكره بالسلاح كعادتهم في غير
هذه الجهة وكذلك منع ما يفعله القلقات من أنواع التشديد على الناس في مثل القناديل
فأطمأن به أهل الخطة وتراجعوا للبكور الى الصلاة في المساجد بعد تخوفهم من العسكر
الذي رتب معهم وتركهم التبكير فلما أنسوا به وعرفوا اخلاقه رجعوا لعادتهم ومشوا
بالليل ايضا بدون فزع وخوف وترجمانه على مثل طريقته وهو رجل شريف من أهل حلب كان
اسيرا بمالطة فاستخلصه الفرنسيس في جملة من استخلصوه من أسرىمالطة وقدم معهم مصر
فلما أجلس هذا الضبط الخط كان ترجمانه يهوديا فأحتال بعض أعيان الجهة ورتب هذا
الشريف المذكور ليكون فيه راحة للناس ففتح له قهوة بالخط بالقرب من دار مخدومه
وجمع الناس للجلوس فيها والسهر حصة من الليل وامرهم بعدم غلق الحوانيت مقدارا من
الليل كعادتهم القديمة فأستأنسوا بالاجتماعات والتسلي والخلاعات وعم ذلك جهات تلك
الخطة ووافق ذلك هوى العامة لان أكثرهم مطبوع على المجون والخلاعة وتلك هي طبيعة
الفرنساوية فصاروا يجتمعون عنده للسمر والحديث واللعب والممازحة ويحضر معهم ذلك
الضابط ومعه زوجته وهي من اولاد البلد المخلوعين ايضا فانساق الحديث لذكر هذا
المولد الشهري وما يقع في لياليه من الجمعيات والمهرجان وحسنوا له اعادته فوافقهم
على ذلك وأمر بالمناداة وفتح الحوانيت ووقود القناديل وشدد في ذلك
وفي يوم الاربعاء كتبوا أوراقا بتطيير طيارة ببركة
الازبكية مثل التي سبق ذكرها وفسدت فاجتمعت الناس لذلك وقت الظهر وطيروها وصعدت
الى الاعلى ومرت الى أن وصلت تلال البرقية وسقطت ولو ساعدها الريح وغابت عن الاعين
لتمت الحيلة وقالوا انها سافرت الى البلاد البعيدة بزعمهم
وفيه سافر الخواجة مجلون الى الصعيد واليا على جرجا
لتحرير البلاد وقبض الاموال والغلال المتأخرة بالنواحي للعز
وفيه سافرت قافلة بها احمال كثيرة ومواش ونساء افرنجيات
وصناديق قيل انهم ارسلوها الى الطور وصحبتهم عدة من العسكر
وفي يوم الخميس عاشره حضر طائفة من العسكر الفرنساوي الى
وكالة ذي الفقار بالجمالية ففتحوا طبقة كانت لكتخدا علي باشا الطرابلسي وأخذوا ما
وجدوه بها من الامتعة وختموا عدة حواصل وطباق بذلك الخان وبالوكالة الجديدة وغيرها
للمسافرين والهاربين والقليونجية وضبطوا ما بها وقبضوا على جماعة من الاتراك
والقليونجية التجار وسجنوهم بالقلعة وصاروا يفتشون على من بقى منهم بالقاهرة
وبولاق خصوصا الكرتلية الذين كانوا عسكرا لمراد بك وأخذوا الكثير من نصارى الاروام
والقليونجية الذين كانوا مع مراد بك وبعضهم كان بمصر فأدخلوهم في عسكرهم وزيوهم
بزيهم وأعطوهم اسلحة وانتظموا في سلكهم
وفيه تواترت الاخبار ان علي باشا ونصوح باشا فارقا مراد
بك وذهبا من خلف الجبل على الهجن الى جهة الشام وصحبتهم جماعة ابراهيم بك وكان
ذهابهم في اواخر رجب
وفيه نادوا بأبطال القناديل التي توقد في الليل على
البيوت والدكاكين وان يوقدوا عوضها في وسط السوق مجامع في كل مجمع اربع قناديل بين
كل مجمع ثلاثون ذراعا ويقوم بذلك الاغنياء دون الفقراء ولا علاقة للقلقات في ذلك
ففرح بذلك فقراء الناس وانفرجت عنهم هذه الكربة
وفيه نادوا ايضا ان كل من كان له دعوى شرعية او ظلامة
فليذهب الى العلماء والقاضي
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب الكوامل ورجعوا
بمنهوباتهم من الغنم والمعز والدجاج والاوز والحمير وغير ذلك
وفيه حضر رجل من ناحية غزة يطلب امانا للست فاطمة زوجة
مراد بك ولابنة المرحوم محمد افندي البكري وزوجها الامير ذي الفقار وخشداشينه
والخطاب للشيخ خليل البكري فعرض ذلك على ساري عسكر وترجى
عنده فكتب له امان بحضورهم وارسل لهم نفقة وكان ذلك حيلة منهم لتأتيهم النفقة وبعض
الاحتياجات واخبر ذلك الرسول ان عبد الله باشا ابن العظم بغزة وابراهيم بك ومن معه
خارج البلد وهم في ضيق وحصر وحيز عنهم داخل البلد
وفيه ذهب عدة من العسكر الفرنساوية الى قطبا وشرعوا في
بناء ابنية هناك واشيع سفر ساري عسكر الى جهة الشام والاغارة عليها
وفي ليل الاحد ثالث عشرة كان انتقال الشمس لبرج الدلو
وهو اول شهر من شهورهم وعملوا تلك الليلة حراقة بارود وسواريخ كما هي عادتهم عند
كل انتقال الشمس من برج الى برج
وفي يوم الاثنين رابع عشره نادى المحتسب على اللحم
الضاني بسبعة انصاف الرطل وكان بثمانية واللحم الجاموسي بخمسة وكان بستة
وفيه ذهب طائفة من العسكر وضربوا عرب العيايدة نواحي
الخانكة وقتلوا منهم طائفة ونهبوهم ووجدوا من منهوبات الناس وأمتعة عسكر الفرنساوية
واسلحتهم جملة فأخذوا ذلك مع ما أخذوه وأحضروا معهم بعض رجال ونساء حبسوهم بالقلعة
وفيه ذهب عدة من العسكر الى صنافير واجهور الورد وقرنفيل وكفر منصور وبلاد اخرى
للتفتيش على العرب فأخذوا ما وجدوه للعرب من بهائم وغيرها والذي عصى عليهم ضربوه
ونهبوه ايضا ونهبوا جمالا وبهائم ممن لم يعص ايضا ودخلوا بذلك المدينة فصاروا
يبيعون البقرة بريالين وثلاثة والنعجة وابنها بريال فاشترى غالب ذلك نصارى القبط
وفي يوم السبت قتلوا بالقلعة نحو التسعين نفرا وغالبهم
من المماليك الذين وجدوهم هاربين في البلاد والذين عس عليهم الخبيث الاغا وبرطلمين
والقلقات ووجدوهم مختفين في البيوت
وفيه قبضوا على خمسة أنفار من اليهود وأمرأتين فألقوا
الجميع في بحر النيل وفيه نادوا بان كل من اشترى شيئا من منهوبات العرب التي
نهبتها العسكر يحضره لبيت صارى عسكر
وفيه كثر الاهتمام والحركة بسفر الفرنسيس الى جهة الشام
وطلبوا وهيؤا جملة من الهجن وأحضروا جمال عرب الترابين ليحملوا عليها الذخيرة
والدقيق والعليق والبقسماط ثم رسموا على الاهالي عدة كبيرة من الحمير وكذلك عدة من
البغال فطلب شيخ الحمارة وأمر بجمع ذلك وكذلك الركبداريه أمرهم بجمع البغال فاختفى
غالب أصحاب الحمير وخاف الناس على حميرهم فأمتنع خروج السقائين الذين ينقلون الماء
بالقرب على الحمير وسقائين الجمال والبراسمية فحصل للناس ضيق بسبب ذلك
وفي يوم الاثنين حادي عشرينه كتبوا أرواقا ولصقوها
بالاسواق على العادة ونصها
الحمد لله وحده وهذا خطاب الى جميع اهل مصر من خاص وعام
من محفل الديوان الخصوصي من عقلاء الانام علماء الاسلام والوجاقات والتجار الفخام
نعلمكم معاشر اهل مصر ان حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته أمير الجيوش الفرنساوية
صفح الصفح الكلي عن كامل الناس والرعية بسبب ما حصل من أراذل أهل البلد والجعيدية من
الفتنة والشر مع العساكر الفرنساوية وعفا عفوا شاملا وأعاد الديوان الخصوصي في بيت
قائد اغا بالازبكية ورتبه من اربعة عشر شخصا اصحاب معرفة واتقان خرجوا بالقرعة من
ستين رجلا كان انتخبهم بموجب فرمان وذلك لاجل قضايا حوايج الرعايا وحصول الراحة
لاهل مصر من خاص وعام وتنظيمها على أكمل نظام واحكام كل ذلك من كمال عقله وحسن
تدبيره ومزيد حبه بمصر وشفقته على سكانها من صغير القوم قبل كبيره رتبهم بالمنزل
المذكور كل يوم لاجل خلاص المظلوم من الظالم وقد اقتص من عسكره الذين اساؤا بمنزل
الشيخ محمد الجوهري وقتل منهم اثنين بقراميدان وأنزل طائفة منهم عن مقامهم العالي
الى أدنى مقام لان الخيانة ليست من عادة الفرنسيس خصوصا مع النساء الارامل فان ذلك
قبيح عندهم
لا يفعله الا كل خسيس ووضع القبض بالقلعة على رجل نصراني
مكاس لانه بلغه انه زاد المظالم في الجمرك بمصر القديمة على الناس ففعل ذلك بحسن
تدبيره ليمتنع غيره من الظلم ومراده رفع الظلم عن كامل الخلق ويفتح الخليج الموصل
من بحر النيل الى بحر السويس لتخف اجرة الحمل من مصر الى قطر الحجاز الافخم وتحفظ
البضائع من اللصوص وقطاع الطريق وتكثر عليهم أسباب التجارة من الهند واليمن وكل فج
عميق فاشتغلوا بأمر دينكم واسباب دنياكم واتركوا الفتنة والشرور ولا تطيعوا
شيطانكم وهواكم وعليكم بالرضا بقضاء الله وحسن الاستقامة لاجل خلاصكم من اسباب
العطب والوقوع في الندامة رزقنا الله واياكم التوفيق والتسليم ومن كانت له حاجة
فليأت الى الديوان بقلب سليم الا من كان له دعوى شرعية فليتوجه الى قاضي العسكر
المتولي بمصر المحمية بخط السكرية والسلام عن أفضل الرسل على الدوام
وفيه أرسلوا الوالي لينبه على السقائين بنقل الماء وعدم
التعرض لهم ولحميرهم
وفي ليلة الاربعاء ثالث عشرينه خرج عدة كبيرة من العسكر
وطلب كبير الفرنساوية بونابارته ان يأخذ معه مصطفى بك كتخدا الباشا المتولي أمير
الحاج ويأخذ ايضا قاضي العسكر بجمقشي زاده وأربعة أنفار من المتعممين وهم الفيومي
والصاوي والعريشي والدواخلي وجماعة ايضا من التجار والوجاقلية ونصارى القبط
والشوام
وفي سادس عشرينه نادوا للناس بالامان وفتح الاسواق ليلا
في رمضان حكم المعتاد
وفيه انتقل قائمقام من بيته المطل على بركة الفيل وهو
بيت ابراهيم بك الوالي وسكن بيت أيوب بك الكبير المطل على بركة الفيل وانتقلوا
جميعهم الى بركة الازبكية
وفيه أعرض حسن أغا محرم المحتسب لسارى عسكر امر ركوبه
المعتاد لاثبات هلال رمضان فرسم له بذلك على العادة القديمة فاحتفل لذلك
المحتسب احتفالا زائدا وعمل وليمة عظيمة في بيته أربعة
ايام اولها السبت وآخرها الثلاثاء دعا في اول يوم العلماء والفقهاء والمشايخ
والوجاقلية وغيرهم وفي ثاني التجار والاعيان وكذلك ثالث يوم ورابع يوم دعا ايضا
أكابر الفرنساوية وأصاغرهم وركب يوم الثلاثاء بالابهة الكاملة زيادة عن العادة
وامامه مشايخ الحرف بطبولهم وزمورهم وشق القاهرة على الرسم المعتاد ومر على
قائمقام وامير الحاج وسارى عسكر بونابارته ثم رجع بعد الغروب الى بيت القاضي بين
القصرين فانبتوا هلال رمضان ليلة الاربعاء ثم ركب من هناك بالموكب وامامه المشاغل
الكثيرة والطبول والزمور والنقاقير والمناداة بالصوم وخلفه عدة خيالة عارية رؤسهم
وشعورهم مرخية على أقفيتهم بشكل بشيع مهو ل وانقضى شهر شعبان وحوادثه
فمنها ان اهل مصر جروا على عادتهم في بدعهم التي كانوا
عليها وانكمشوا عن بعضها واحتشموها خوفا من الفرنسيس فلما تدرجوا فيها وأطلق لهم
الفرنساوية القيد ورخصوا لهم وسايروهم رجعوا اليها وانهمكوا في عمل مواليد الاضرحة
التي يرون فرضيتها وانها قربة تنجيهم بزعمهم من المهالك وتقربهم الى الله زلفى في
المسالك فرمحوا في غفلاتهم مع ماهم فيه من الاسر وكساد غالب البضائع وغلوها
وانقطاع الاخبار ومنع الجالب ووقوف الانكليز في البحر وشدة حجزهم على الصادر
والوارد حتى غلت اسعار جميع الاصناف المجلوبة من البحر الرومي وانقطع أثر كثير من
رباب الصنائع التي كسدت لعدم طلابها واحتاجوا الى التكسب بالحرف الدنيئة كبيع
الفطير وقلي السمك وطبخ الاطعمة والمأكولات والاكل في الدكاكين واحداث عدة قهاوى
وأما ارباب الحرف الدنيئة الكاسدة فأكثرهم عمل حمارا مكاريا حتى صارت الازقة خصوصا
جهات العسكر مزدحمة بالحمير التي تكرى للتردد في شوارع مصر فان للفرنسيس بذلك
عناية عظيمة ومغالاة في الاجرة بحيث ان الكثير منهم يظل طول النهار فوق ظهر الحمار
بدون حاجة سوى ان يجري
به مسرعا في الشارع وكذلك تجتمع الجماعة منهم ويركبون
الحمير ويجهدونها في المشي والاسراع وهم يغنون ويضحكون ويصيحون ويتمسخرون ويشاركهم
المكارية في ذلك كما ان لهم العناية وبذل الاموال والتردد الى حانات الراح
والتغالي في شراء الفواكه والبوأطي والاقداح
ومن طبعهم في الشرب انهم يتعاطون لحد النشوة وترويح
النفس فان زادوا عن ذلك الحد لا يخرجون من منازلهم ومن سكر وخرج الى السوق ووقع
منه أمر مخل عاقبوه وعزروه
ومنها ترفع أسافل النصارى من القبط والشوام والاروام
واليهود وركوبهم الخيول وتقلدهم بالسيوف بسبب خدمتهم للفرنسيس ومشيهم الخيلاء
وتجاهرهم بفاحش القول واستذلالهم المسلمين كل ذلك بما كسبت ايديهم وما ربك بظلام
للعبيد والحال الحال والمركوز في الطبع ما زال والبعض استهوته الشياطين ومرق
والعياذ بالله من الدين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
ومنها تواتر الاخبار من ابتداء شهر رجب بان رجلا مغربيا
يقال له الشيخ الكيلاني كان مجاورا بمكة والمدينة والطائف فلما وردت اخبار
الفرنسيس الى الحجاز وانهم ملكوا الديار المصرية انزعج اهل الحجاز ويدعوهم الى
الجهادويحرضهم على نصرة الحق والدين وقرأ بالحرم كتابا مؤلفا في معنى ذلك فاتعظ
جملة من الناس وبذلوا اموالهم وانفسهم واجتمع نحو الستمائة من المجاهدين وركبوا
البحر الى القصير مع ما انضم اليهم من أهل ينبع وخلافه فورد الخبر في اواخره انه
انضم اليهم جملة من اهل الصعيد وبعض اتراك ومغاربة ممن كان خرج معهم مع غز مصر عند
وقعة انبابة وركب الغز معهم ايضا وحاربوا الفرنسيس فلم تثبت الغز كعادتهم وانهزموا
وتبعهم هوارة الصعيد والمتجمعة من القرى وثبت الحجازيون ثم انكفوا لقلتهم وذلك
بناحية جرجا وهرب الغز والمماليك الى ناحية اسنا وصحبتهم حسن بك الجداوي
وعثمان بك حسن تابعه ووقع بين أهل الحجاز والفرنسيس بعض
حروب غير هذه المرة بعدة مواضع وينفصل الفريقان بدون طائل
ومنها ان الفرنسيس عملوا كرنتيلة بجزيرة بولاق وبنوا
هناك بناء فيحجزون بها القادمين من السفار اياما معدودة كل جهة من الجهات القبلية
لذلك وضجوا بالحرم وجردوا الكعبة وان هذا الشيخ صار يعط الناس والبحرية بحسبها
والله اعلم
ثم استهل شهر رمضان المعظم بيوم الاربعاء سنة 1213
وفيه أخذ بونابارته في الاهتمام بالسفر الى جهة الشام
وجهزوا طلبا كثيرا وصاروا في كل يوم يخرج منهم طائفة بعد طائفة
وفي يوم السبت عمل ساري عسكر ديوانا واحضر المشايخ
والوجاقات وتكلم معهم في أمر خروجه للسفر وانهم قتلوا المماليك الفارين بالصعيد
واجلوا باقيهم الى اقصى الصعيد وانهم متوجهون الى الفرقة الاخرى بناحية غزة
فيقطعونهم ويمهدون البلاد الشامية لاجل سلوك الطريق ومشى القوافل والتجارات برا
وبحرا لعمار القطر وصلاح الاحوال واننا نغيب عنكم شهرا ثم نعود وعند عودنا نرتب
النظام في البلد والشرائع وغير ذلك فعليكم ضبط البلد والرعية في مدة غيابنا ونبهوا
مشايخ الاخطاط والحارات كل كبير يضبط طائفته خوفا من الفتن مع العسكر المقيمين
بمصر فالتزموا له بذلك وكتبوا له اوراقا مطبوعة على العادة في معنى ذلك وألصقوها
بالطرق وفي ذلك اليوم خرج القاضي ومصطفى كتخدا الباشا والمشايخ المعينون للسفر الى
جهة العادلية وخرج ايضا عدة كبيرة من عسكرهم ومعهم احمال كثيرة حتى الاسرة والفرش
والحصر وعدة مواهي ومحفات للنساء والجواري البيض والسود والحبوش اللاتي أخذوها من
بيوت الامراء وتزيا اكثرهن بزي نسائهم الافرنجيات وغير ذلك
وفي يوم الاحد خامسه ركب ساري عسكر الفرنسيس وخرج ايضا
الى العادلية وذلك في الساعة الرابعة بطالع الحمل وفيه القمر في تربيع
زحل وابقى بمصر عدة من العسكر بالقلعة والابراج التي
بنوها على التلول وقائمقام وبوسليك وساري عسكر وبزة بجملة من العسكر في الصعيد
وكذلك سوارى عسكر الاقاليم كل واحد معه عسكر في جهة من الجهات وأخذ معه المديرين
واصحاب المشورة والمترجمين وأرباب الصنائع منهم كالحدادين والنجارين ومهندسي
الحروب وكبيرهم أبو خشبة بمصر ثم تراسل المتخلفون في الخروج كل يوم تخرج منهم
جماعة
وفي يوم الثلاثاء سابعه انتدب للنميمة ثلاث من النصارى
الشوام وعرفوهم ان المسلمين قاصدون الوثوب على الفرنسيس في يوم الخميس تاسعه فأرسل
قائمقام خلف المهدي والاغا فأحضرهما وذكر لهما ذلك فقالا له هذا كذب لا أصل له
وانما هذه نميمة من النصارى كراهة منهم في المسلمين ففحص عمن اختلق ذلك فوجدهم
ثلاثة من النصارى الشوام فقبضوا عليهم وسجنوهم بالقلعة حتى مضى يوم الخميس فلم
يظهر صحة ما نقلوه فأبقاهم في الاعتقال ثم ان نصارى الشوام رجعوا الى عادتهم
القديمة في لبس العمائم السود والزرق وتركوا لبس العمائم البيض والشيلان الكشميري
الملونة والمشجرات وذلك بمنع الفرنسيس لهم من ذلك ونبهوا ايضا بالمنادة في أول رمضان
بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين اولا ولا يتجاهرون بالاكل ولا
يشربون الدخان ولا شيئا من ذلك بمرآى منهم كل ذلك للاستجلاب خواطر الرعية حتى ان
بعض الرعية من الفقهاء مر على بعض النصارى وهو يشرب الدخان فانتهزه فرد عليه ردا
شنيعا فنزل ذلك المتعمم وضرب النصراني واجتمع عليه الناس وحضر حاكم الخطة فرفعهما
الى قائمقام فسأل من النصارى الحاضرين عن عادتهم في ذلك فأخبروه ان من عادتهم
القديمة انه اذا استهل شهر رمضان لا يأكلون ولا يشربون في الاسواق ولا بمرأى من
المسلمين ابدا فضرب النصراني وترك المتعمم لسبيله
وفي تاسع عشرينه أحضروا مراد أغا تابع سليمان بك الاغا
ومعه آخر من الاجناد من ناحية قبلي فأصعدوهما القلعة قبل قتلهما
وفي خامس عشرينه ورد الخبر بان الفرنساويه ملكوا قلعة
العريش وطاف رجل من اتباع الشرطة ينادي في الاسواق ان الفرنساوية ملكوا قلعة
العريش وأسروا عدة من المماليك وفي غد يعملون شنكا ويضربون مدافع فاذا سمعتم ذلك
فلا تفزعوا فلما اصبح يوم الاحد حضر المماليك المذكورة وهم ثمانية عشر مملوكا
وأربعة من الكشاف وهم راكبون الحمير ومتقلدون بأسلحتهم ومعهم نحو المائة من عسكر
الفرنسيس وأمامهم طبلهم وخرج بعض الناس فشاهدهم ولما وصلوا الى خارج القاهرة حيث
الجامع الظاهري خرج الاغا وبرطلمين بطوافيهما ينتظرانهم ومعهم طبول وبيارق وطوائف
ومشوا معهم الى الازبكية من الطريق التي أحدثوها ودخلوا بهم الى بيت قائمقام
فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم فذهبوا الى بيوتهم وفيهم أحمد كاشف تابع عثمان بن الاشقر
وآخر يقال له حسن كاشف الدويدار وكاشفان اخران وهما يوسف كاشف الرومي واسمعيل كاشف
تابع احمد كاشف المذكور وكان من خبرهم انهم كانوا مقيمين بقلعة العريش وصحبتهم نحو
الف عسكري مغاربة وأرنؤد فحضر لهم الفرنسيس الذين كانوا في المقدمة في أواخر شعبان
فأحاطوا بالقلعة وحاربوهم من داخلها ونالوا منهم ما نالوه ثم حضر اليهم سارى عسكر
بجموعه بعد ايام والحوا في حصارهم فارسل من بالعريش الى غزة فطلب نجدة فأرسلوا لهم
نحو السبعمائة وعليهم قاسم بك امين البحرين فلم يتمكنوا من الوصول الى القلعة
لتحلق الفرنساوية بها وأحاطتهم حولها فنزلوا قريبا من القلعة فكبستهم عسكر
الفرنسيس بالليل فأستشهد قاسم بك وغيره وانهزم الباقون ولم يزل أهل القلعة يحاربون
ويقاتلون حتى فرغ ما عندهم من البارود والذخيرة فطلبوا عند ذلك الامان فأمنوهم ومن
القلعة انزلوهم وذلك بعد أربعة عشر يوما فلما نزلوا على أمانهم ارسلوهم الى مصر مع
الوصية بهم وتخلية سبيلهم فحضروا الى مصر كما ذكر واخذوا سلاحهم وخلوا سبيلهم
وصاروا يترددون عليهم ويعظمونهم ويلاطفونهم ويفرجونهم على صنائعهم
وأحوالهم وأما العسكر الذين كانوا معهم بقلعة العريش
فبعضهم انضاف اليهم وأعطوهم جامكية وعلوفة وجعلوهم بالقلعة مع عسكر من الفرنسيس
والبعض لم يرض بذلك فأخذوا سلاحهم وأطلقوهم الى حال سبيلهم وذهب الفرنسيس الى
ناحية غزة وفي ذلك اليوم بعد الظهرعملوا الشنك الموعود به وضربوا عدة مدافع
بالقلعة والازبكية وأظهر النصارى الفرح والسرور بالاسواق والدور واولموا في بيوتهم
الولائم وغيروا الملابس والعمائم وتجمعوا للهو والخلاعة وزادوا في القبح والشناعة
وفي يوم الاربعاء تدفي احمد كاشف المذكور فجأة وفي عصر
ذلك اليم حضر جماعة من الفرنسيس نحو الخمسة والعشرين وهم راكبون الهجن وعلى رؤوسهم
عمائم بيض ولابسون برانس بيضا على اكتافهم فذهبوا الى بيت قائمقام بالازبكية فلما
اصبح يوم الخميس عملوا الديوان وقرأوا المكاتبة التي حضرت مع الهجانة حاصلها ان
الفرنسيس اخذوا غزة وخان يونس وأخبار مختلفة
منها انهم وجدوا ابراهيم بك ومن معه ارتحلوا من هناك
وكانوا أرسلوا حريمهم واثقالهم الى جبل نابلس وقيل بل تحاربوا معهم وانهزموا وفي
ذلك اليوم بعد العصر بنحو عشرين درجة حضر عدة من الفرنسيس ومعهم كبير منهم وهم
راكبون الخيول وعدة من المشاة وفيهم جماعة لابسون عمائم بيضا وجماعة ايضا ببرانيط
ومعهم نفير ينفخ فيه وبيدهم بيارق وهي التي كانت عند المسلمين على قلعة العريش الى
أن وصلوا الى الجامع الأزهر فأصطفوا رجالا وركبانا بباب الجامع وطلبوا لشيخ
الشرقاوي فسلموه تلك البيارق وأمروه برفعها ونصبها على منارات الجامع الازهر
فنصبوا بيريقين ملونين علىالمنارة الكبيرة ذات الهلالين عند كل هلال بيرقين وعلى منارة
اخرى بيرقا ثالثا وعند دفعهم ذلك ضربوا عدة مدافع من القلعة بهجة وسرورا وكان ذلك
ليلة عيد الفطر فلما كان عند الغروب ضربوا عدة مدافع ايضا اعلاما بالعيد وبعد
العشاء الاخير طاف اصحاب الشرطة ونادوا بالامان وبخروج الناس
على عادتهم لزيارة القبور بالقرافتين والاجتماع لصلاة
العيد وان يلبسوا احسن ثيابهم ولما ملكوا العريش كتبوا اوراقا وأرسلوها الى البلاد
ونصها فرمان عام موجه من امير الجيوش الى اهالي الشام قاطبة
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين من طرف بونابارته
امير الجيوش الفرنساوية الى حضرة المفتين والعلماء وكافة اهالي نواحي غزة والرملة
ويافا حفظهم الله تعالى بعد السلام نعرفكم اننا حررنا لكم هذه السطور نعلمكم اننا
حضرنا في هذا الطرف لقصد طرد المماليك وعسكر الجزار عنكم والى أي سبب حضور عسكر
الجزار وتعديه على بلاد يافا وغزة التي ما كانت من حكمه والى أي سبب ايضا ارسل
عساكره الى قلعة العريش بذلك هجم على اراضي مصر فلا شك كان مراده اجراء الحروب
معنا ونحن حضرنا لنحاربه فاما انتم يا أهالي الاطراف المشار اليها فلم نقصد لكم
أذية ولا أدنى ضرر فأنتم استمروا في محلكم ووطنكم مطمئنين ومرتاحين وأخبروا من كان
خارجا عن محله ووطنه أن يرجع ويقيم في محله ووطنه ومن قبلنا عليكم ثم عليهم الامان
الكافي والحماية التامة ولا أحد يتعرض لكم في مالكم وما تملكه يدكم وقصدنا ان
القضاة يلازمون خدمهم ووظائفهم على ما كانوا عليه وعلى الخصوص ان دين الاسلام لم
يزل معتزا ومعتبرا والجوامع عامرة بالصلاة وزيارة المؤمنين اذ كل خير يأتي من الله
تعالى وهو يعطي النصر لمن يشاء ولا يخفاكم ان جميع ما تأمر به الناس ضدنا فيغدو
باطلا ولا نفع لهم به لان كل ما نضع به يدنا لا بد من تمامه بالخير والذي يتظاهر
بالغدر يهلك ومن كل ما حصل تفهمون جيدا اننا نقمع أعداءنا ونعضد من يحبنا وعلى
الخصوص من كوننا متصفين بالرحمة والشفقة على الفقراء والمساكين
ولما أخذوا غزة أرسلوا طومارا بصورة الواقعة وبصموه نسخا
وقرىء بالديوان وألصقوا نسخة المطبوعة بالاسواق وصورته
بسم الله الرحمن الرحيم ولا عدوان الا على الظالمين نخبر
اهل مصر وأقاليمها انه حضر فرمان مكتوب من غزة من حضرة الجنرال اسكندر
برتبه خطابا الى حضرة سارى عسكر دوجا وكيل الجيوش بمصر
يخبره فيه بان العساكر الفرنساوية باتوا ليلة تسعة عشر شهر رمضان في خان يونس وفي
فجر تلك الليلة توجهوا سائرين الى ناحية غزة فكشفوا قبل الظهر بساعة عسكر المماليك
وعسكر الجزار جالسين تجاه غزة فتوجه اليهم الجنرال مرارا مع عساكر الفرنساوية من
خيالة ومشاة مراده اغتيال عسكر المماليك وعسكر الجزار فلما انتبهوا له فروا هاربين
ووقع بينه وبين أطراف العساكر بعض مضاربة يسيرة لم ينجرح فيها الا شخصان من
الفرنساوية مات عسكري واحد ومات من عسكر المماليك والجزار ناس قلائل وحين تشاغل
سارى عسكر مراد بالمضاربة والمقاتلة دخل حضرة سارى عسكر كلهبر الذي كان حاكما
بالاسكندرية وكان ساكنا بالازبكية الى بندر غزة وملكها من غير معارض له ووجدوا
فيها حواصل مشحونة بالذخائر من بقسماط وشعير وأربعمائة قنطار بارود واثني عشر
مدفعا وحاصلا كبيرا مملوا بالخيام الكثيرة وجللا وبنبات مهيئآت محضرات كصنعة
الافرنج هذا ما وقع لملكهم لغزة وقد اخبرناكم على ما وقع في كيفية ملك العريش
سابقا فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء اله وتأدبوا في احكام مولاكم الذي خلقكم
وسواكم والسلام ختام
وانقضى شهر رمضان ووقع به قبل ورود هذه الاخبار من
السكون والطمأنينة وخلوا الطرقات من العسكر وعدم مرور المتخلفين منهم الا في
النادر واختفائهم بالليل جملة كافية وانفتاح الاسواق والدكاكين والذهاب والمجيء
وزيارة الاخوان ليلا والمشي على العادة بالفوانيس ودونها واجتماع الناس للسهر في
الدور والقهاوي ووقود المساجد صلاة التراويح وطواف المسحرين والسلي بالرواية
والنقول وترجي المأمول وانحلال الاسعار فيما عدا المجلوبات من الاقطار
ومنها ان الفرنساوية صاروا يدعون أعيان الناس والمشايخ
والتجار للافطار والسحور ويعملون لهم الولائم ويقدمون لهم الموائد على نظام
المسلمين وعادتهم وبتولي أمر ذلك الطباخون والفراشون من
المسلمين تطمينا لخواطرهم ويذهبون هم ايضا ويحضرون عندهم الموائد وياكلون معهم في
وقت الافطار ويشاهدون ترتيبهم ونظامهم ويحذون حذوهم ووقع منهم من المسايرة للناس
وخفض الجانب ما يتعجب منه والله اعمل
شهر شوال سنة استهل بيوم الجمعة وفي صبح ذلك اليوم ضربوا
عدة مدافع لشنك العيد واجتمع الناس لصلاة العيد في المساجد والازهر واتفق ان امام
الجامع الازهر نسي قراءة الفاتحة في الركعة الثانية فلما سلم اعاد الصلاة بعد ما
شنع عليه الجماعة وخرج الرجال والنساء لزيارة القبور فانتبذ بعض الحرافيش نواحي
تربة باب النصر وأسرع في مشيه وهو يقول نزلت عليكم العرب يا ناس فهاجت الناس
وانزعجت النساء ورمحت الجعيدية والحرافيش وخطفوا ثياب النساء وأزرهن وما صادفوه من
عمائم الرجال وغير ذلك واتصل ذلك بتربة المجاورين وباب الوزير والقرافة حتى ان بعض
النساء مات تحت الارجل ولم يكن لهذا الكلام صحة وانما ذلك من مخترعا الاوباش
لينالوا اغراضهم من الخطف بذلك
وفيه ركب أكابر الفرنسيس وطافوا على أعيان البلد وهنوهم
بالعيد وجاملهم الناس بالمدارة ايضا
وفي اوائله وردت الاخبار بان الامراء المصرية القبليين
تفرقوا من بعضهم فذهب مراد بك وآخرون الى نواحي إبراهيم بك ومنهم من ذهب الى ناحية
اسوان والالفي عدي بجماعته الى البر الشرقي
وفي خامسه قدم الشيخ محمد الدواخلي من ناحية القرين
متمرضا وكان بصحبته الصاوي والفيومي متخلفين بالقرين وسبب تخلفهم ان كبير الفرنسيس
لما ارتحل من الصالحية أرسل الى كتخدا الباشا والقاضي والجماعة الذين بصحبتهم
يأمرهم بالحضور الى الصالحية لانهم كانوا يباعدون عنه مرحلة فلما ارادوا ذلك بلغهم
وقوف العرب بالطريق فخافوا من المرور فذهبوا الى العرين فأقاموا هناك واتخذ عسكر
الفرنسيس
جمالهم فأقاموا بمكانهم فتقلق هؤلاء الثلاثة وخافوا سوء
العاقبة ففارقوهم وذهبوا للقرين وتخلف عنهم الفيومي فأقام مع كتخدا الباشا والقاضي
فحصل للدواخلي توعك فحضر الى مصر وبقي رفيقاه في حيرة
وفي سابعه احضر الاغا رجلا ورمى عنقه عند باب زويلة وشنق
امرأة علىشباك السبيل تجاه الباب والسبب في ذلك ان الفرنساوي حاكم خط الخليفة وجهة
الركيبة ويسى دلوى احضر باعة الغلال بالرميلة وصادرهم ومنعهم من دفع معتاد الوالي
فاجتمعوا وذهبوا الى كبير الفرنسيس الذي يقال له شيخ البلد وشكوا اليه وكان الامير
ذو الفقار حاضرا وهو يسكن تلك الجهة فعضدهم وعرف شيخ البلد عن شكواهم فأرسل شيخ
البلد الى دلوى فأنتهره وأمره برد ما أخذه فأخبره اتباعه ان ذا الفقار هو الذي
عضدهم وأنهى شكواهم الى كبيرهم فقام دلوى المذكور ودخل على ذي الفقار في بيته وسبه
وشتمه بلغته وفزع عليه ليضربه فلما خرج من عنده قام ودهب الى كبيرهم واخبره بفعل
دلوى معه فأمر باحضاره وحبسه بالقلعة ثم أخبر بعض الناس شيخ البلد ان العرض الذي
وقع من دلوى لباعة الغلة انما هو باغراء خادمة وعرفه ان خادمه المذكور مولع بأمرأة
رقاصة من الرميلة تأتيه باشكالها هو واضرابه وترقص لهم تلك المرأة في القهوة التي
بخطهم ليلا ونهارا وتبيت معهم في البيت ويصبحون على حالهم فلما حبس أميرهم اختفوا
فدلوا على الرجل والمرأة فقبضوا عليهما وفعلوا بهما ما ذكر ولا بأس بما حصل
وفي ثامنه يوم الجمعة نودى في الاسواق بموكب كسوة الكعبة
المشرفة من قراميدان والتنبيه باجتماع الوجاقات وأرباب الاشاير وخلافهم على العادة
في عمل الموكب فلما أصبح يوم السبت اجتمع الناس في الاسواق وطريق المرور وجلسوا
للفرجة فمروا بذلك وامامها الوالي المحتسب وعليهم القفاطين والبينشات وجميع
الاشاير بطبولهم وزمورهم وكاساتهم ثم برطلمين كتخدا مستحفظان وامامه نفر الينكجرية
من المسلمين نحو المائتين او اكثر وعدة كثيرة من نصارى الاروام بالاسلحة
والملازمين
بالبراقع وهو لابس فروة عظيمة ثم مواكب القلقات ثم موكب
ناظر الكسوة وهو تابع مصطفى كتخدا الباشا وخلفه النوبة التركية فكانت هذه الركبة
من أغرب المواكب واعجب العجائب لما اشتملت عليه من اختلاف الاشكال وتنوع الامثال
واجتماع الملل وارتفاع السفل وكثرة الحشرات وعجائب المخلوقات واجتماع الاضداد
ومخالفة الوضع المعتاد وكان نسيج الكسوة بدار مصطفى كتخدا المذكور وهو على خلاف
العادة من نسجها بالقلعة
وفي يوم الاربعا ثالث عشرة حضر عدة من الفرنسيس وهم
راكبون الهجن ومعهم عدة بيارق وأعلام بعد المهر وأخبروا ان الفرنسيس ملكوا قلعة
يافا وبيدهم مكاتبة من سارى عسكرهم بالاخبار عما وقع فلما كان يوم الخميس واجتمع
أرباب الديوان فقرأ عليهم تلك المراسلة بعد تعريبها وترصيفها علىهذه الكيفية وهي
عن لسان رؤساء الديوان الى الكافة وذلك بالزامهم وأمرهم بذلك
وصورتها بسم الله الرحمن الرحيم سبحان مالك الملك يفعل
في ملكه ما يريد سبحان الحكم العدل الفاعل المختار ذي البطش الشديد هذه صورة تمليك
الله سبحانه وتعالى جمهور الفرنساوية لبندر يافا من الاقطار الشامية نعرف أهل مصر
واقاليمها من سائر البرية ان العساكر الفرنساوية انتقلوا من غزة ثالث عشرين رمضان
ووصلوا الى الرملة في الخامس والعشرين منه في أمن واطمئنان فشاهدوا عسكر احمد باشا
الجزار هاربين بسرعة قائلين الفرار الفرار ثم ان الفرنساوية وجدوا في الرملة
ومدينة لد مقدار كبير من مخازن البقسماط والشعير ورأوا فيها ألفا وخمسمائة قربة
مجهزة جهزها الجزار يسير بها الى اقليم مصر مسكن الفقراء والمساكين ومراده ان
يتوجه اليها باشرار العربان من سطح الجبل ولكن تقادير الله تفسد المكر والحيل
قاصدا سفك دماء الناس مثل عوائده الشامية وتجبره وظلمه مشهور لانه تربية المماليك
الظلمة المصرية ولم يعلم من خسافة عقله وسوء تدبيره ان الامر لله كل شيء
بقضائه وتدبيره وفي سادس عشرين شهر رمضان وصلت مقدمات
الفرنساوية الى بندر يافا من الاراضي الشامية واحاطوا بها وحاصروها من الجهة
الشرقية والغربية وأرسلوا الى حاكمها وتحيل الجزار أن يسلمهم القلعة قبل أن يحل به
ويعسكره الدمار فمن خسافة رأيه وسوء تدبيره سعى في هلاكه وتدميره ولم يرد لهم جواب
وخالف قانون الحرب والصواب
وفي أواخر ذلك اليوم السادس والعشرين تكاملت العساكر
الفرنساوية على محاصرة يافا وصاروا كلهم مجتمعين وانقسموا على ثلاثة طوابير
الطابور الاول توجه على طريق عكا بعيدا عن يافا ربع ساعات وفي السابع والعشرين من
الشهر المذكور أمر حضرة ساري عسكر الكبير بحفر خنادق حول السور لاجل ان يعملوا
متاريس أمينة وحصارات متقنة حصينه لانه وجد سور يافا ملآنا بالمدافع الكثيرة
ومشحونة بعسكر الجزار الغزيرة
وفي تاسع عشرين الشهر لما قرب حفر الخندق الى السور
مقدار مائة وخمسين خطوة امر حضرة سارى عسكر المشار اليه ان ينصب المدافع على
المتاريس وان يضعوا اهوان القنبر باحكام وتأسيس وامر بنصب مدافع اخر بجانب البحر
لمنع الخارجين اليهم من مراكب المينا لانه وجد في المينا بعض مراكب اعدها عسكر
الجزار للهروب ولا ينفع الهروب من القدر المكتوب ولما رأت عساكر الجزار الكائنون
بالقلعة المحاصرون ان عسكر الفرنساوية قلائل في رأى العين للناظرين لمداراة الفرنساوية
في الخنادق وخلف المتاريس غرهم الطمع فخرجوا لهم من القلعة مسرعين مهرولين وظنوا
انهم يغلبون الفرنساوية فهجم عليهم الفرنسيس وقتلوا منهم جملة كثيرة في تلك
الواقعة والجؤهم للدخول ثانيا في القلعة
وفي يوم الخميس غاية شهر رمضان حصل عند سارى عسكر شفقة
قلبية وخاف على اهل يافا من عسكره اذا دخلوا بالقهر والاكراه فأرسل اليهم مكتوبا
من رسول مضمونه لا اله الا الله وحده لا شريك له
بسم الله الرحمن الرحيم من حضرة ساري عسكر اسكندر برتية
كتخدا العسكر الفرنساوي الىحضرة حاكم يافا نخبركم ان حضرة ساري عسكر الكبير بونابارته
امرنا ان نعرفك في هذا الكتاب أن سبب حضوره الى هذا الطرف اخراج عسكر الجزار فقط
من هذه البلدة لانه تعدى بارسال عسكره الى العريش ومرابطته فيها والحال انها من
اقليم مصر التي أنعم الله بها علينا فلا يناسبه الاقامة بالعريش لانها ليس من أرضه
فقد تعدى على ملك غيره ونعرفكم يا أهل يافا ان بندركم حاصرناه من جميع اطرافه
وجهاته وربطناه بأنواع الحرب وآلات المدافع الكثيرة والجلل والقنابر وفي مقدرا
ساعتين ينقلب سوركم وتبطل آلاتكم وحروبكم ونخبكرم أن حضرة ساري عسكر المشار اليه
لمزيد رحمته وشفقته خصوصا بالضعفاء من الرعية خاف عليكم من سطوة عسكره المحاربين
اذا دخلوا عليكم بالقهر اهلكوكم اجمعين فلزمنا أننا نرسل لكم هذا الخطاب أمانا
كافيا لأهل البلد والاغراب ولاجل ذلك اخر ضرب المدافع والقنابر الصاعدة عنكم ساعة
فلكية واحدة واني لكم لمن الناصحين وهذا آخر جواب الكتاب فجعلوا جوابنا حبس الرسول
مخالفين للقوانين الحربية والشريعة المطهرة المحمدية وحالا في الوقت والساعة هيج
سارى عسكر واشتد غضبه على الجماعة وأمر بابتداء ضرب المدافع والقنابر الموجب
للتدمير وبعد مضي زمان يسير تعطلت مدافع يافا المقابلة لمدافع المتاريس وانقلب
عسكر الجزار في وبال وتنكيس وفي وقت الظهر من هذا اليوم انخرق سور يافا وارتج له
القوم ونقب من الجهة التي ضرب فيها المدافع من شدة النار ولا راد لقضاء الله ولا
مدافع وفي الحال أمر حضرة ساري عسكر بالهجوم عليهم وفي أقل من ساعة ملكت
الفرنساوية جميع البندر والابراج ودار السيف في المحاربين واشتد بحر الحرب وهاج
وحصل النهب فيها تلك الليلة
وفي يوم الجمعة غرة شوال وقع الصفح الجميل من حضر ساري
عسكر الكبير ورق قلبه على أهل مصر من غني وفقير الذين كانوا في يافا وأعطاهم
الامان وأمرهم برجوعهم الى بلدهم مكرمين وكذلك امر اهل
دمشق وحلب برجوعهم الى أوطانهم سالمين لاجل أن يعرفوا مقدار شفقته ومزيد رأفته
ورحمته يعفو عند المقدرة ويصفح وقت المعذرة مع تمكينه ومزيد اتقانه وتحصينه في هذه
الواقعة قتل اكثر من اربعة الاف من عسكر الجزار بالسيف والبندق لما وقع منهم من
الانحراف وأما الفرنساوية فلم يقتل منهم الا القليل والمجروحون منهم ليسوا بكثير
وسبب ذلك سلوكهم الى القلعة من طريق امينة خافية عن العيون وأخذوا ذخائر كثيرة
وأموالا غزيرة واخذوا المراكب التي في المينة واكتسبوا امتعة غالية ثمينة ووجدوا
في القلعة اكثر من ثمانين مدفع ولم يعلموا مع مقادير الله ان آلات الحرب لا تنفع
فاستقيموا عباد الله وارضوا بقضاء الله ولا تعترضوا على احكام الله وعليكم بتقوى
الله واعلمو ان المك لله يؤتيه من يشاء والسلام عليكم ورحمة الله
فلما تحقق الناس هذا الخبر تعجبوا وكانوا يظنون بل
يتيقنون استحالة ذلك خصوصا في المدة القليلة ولكن المقضي كائن
وفي يوم الجمعة خامس عشرة شق جماعة من اتباع الشرطة في
الاسواق والحمامات والقهاوي ونبهوا على الناس بترك الفضول والكلام واللغط في حق
الفرنسيس ويقولون لهم من كان يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر فلينته ويترك الكلام
في ذلك فان ذلك مما يهيج العداوة وعرفوهم انه ان بلغ الحاكم من المتجسسين عن أحد
تكلم في ذلك عوقب أو قتل فلم ينتهوا وربما قبض على البعض وعاقبوه بالضرب والتغريم
وفي ذلك اليوم كان التحويل الربيعي وانتقال الشمس لبرج
الحمل وهو اول شهر من شهورهم فعملوا ليلة السبت شنكا وحراقة وسواريخ وتجمعوا بدار
الخلاعة نساء ورجالا وتراقصوا وتسابقوا وأوقدوا سراجا وشموعا وغير ذلك وأظهر
الاقباط والشوام مزيد الفرح والسرور
وفي يوم السبت المذكور ارسلوا الاعلام والبيارق التي
أحضروها من قلعة يافا وعدتها ثلاثة عشر وفيها من له طلائع فضة كبار الى الجامع
الازهر وكانوا انزلوا اعلام قلعة العريش قبل ذلك بيوم من
أعلى المنارات وأرسلوا بدلها اعلام يافا وعملوا لها موكبا بطائفة من العسكر بقدمهم
طبلهم وخلفهم الاغا بجماعته وطائفته والمحتسب ومدبروا الديوان وخلفهم طبل آخر
يضربون عليه بأزعاج شديد وخلف ذلك الطبل جماعة من العسكر يحملون البنادق على
اكتافهم كالطائفة الاولى وبعدهم عدة من العسكر على رؤوسهم عمائم بيض يحملون تلك
الاعلام الكبار والبيارق المذكورة وخلفهم جماعة خيالة من كبار العسكر وآخرون
راكبون على حمير المكارية فلما وصلوا الى باب الجامع الازهر رتبوا تلك الاعلام
وضعوها على أعلى الباب الكبير فوق المكتب منشورة وبعضها على الباب الاخر من الجهة
الاخرى عند حارة كتامة المعروفة الان بالعينية ولم يصعدوا منها عل المنارات كما
صنعوا في اعلام العريش
وفي يوم الاحد سابع عشره رتبوا أوامر وكتبوها في أوراق
مبصومة والصقوها بالاسواق أحداها بسبب مرض الطاعون واخرى بسبب الضيوف الاغراب
ومضمون الاولى بتقاسيمه ومقالاته خطابا لاهل مصر وبلاق ومصر القديمة ونواحيها انكم
تمتثلون هذه الاوامر وتحافظون عليها ولا تخالفوها وكل من خالفها وقع له مزيد من
الانتقام والعقاب الاليم والقصاص العظيم وهي المحافظة من تشويش الكبة وكل من
تيقنتم أو ظننتم او توهمتم او شككتم فيه ذلك في محل من المحلات أو بيت أو وكالة أو
ربع يلزمهم ويتحتم عليكم ان تعملوا كرنتيلة ويجب قفل ذلك المكان ويلزم شيخ الحارة
او السوق الذي فيه ذلك ان يخبر حالا قلق الفرنساوية حاكم ذلك الخط القلق يخبر شيخ
البلد قائمقام مصر وأقاليمها ويكون ذلك فورا وكذلك كل ملة من سكان مصر وأقاليمها
وجوانبها والاطباء اذا تحققوا وعلموا حصول ذلك المرض يتوجه كل طبيب الى قائمقام
ويخبره ليأمر بما هو مناسب للصيانة والحفظ من التشويش وكل من كان عنده خبر من كبار
الاخطاط او مشايخ الحارات وقلقات الجهات ولم يخبر بهذا المرض يعاقب بما يراه
قائمقام ويجازى
مشايخ الحارات بمائة كرباج جزاء للتقصير وملزوم ايضا من
اصابه هذا التشويش او حصل في بيته لغيره من عائلته او عشيرته وانتقل من بيته الى
آخر ان يكون قصاصة الموت وهو الجاني على نفسه بسبب انتقاله وكل رئيس ملة في خط اذا
لم يخبر بالكبة الواقعة في خطه او بمن مات بها ايضا حالا فوريا كان عقاب ذلك
الرئيس وقصاصة الموت والمغسل ان كان رجلا او امرأة اذا رأى الميت انه مات بالكبة
اوشك في موته ولم يخبر قبل مضي اربع وعشرين ساعة كان جزاؤه وقصاصةالموت وهذه
الاوامر الضرورية بلزوم اغات الينكجرية وحكام البلد الفرنساوية والاسلامية تنبيه
الرعية واستيقاظهم لها فانها امور مخفية وكل من خالف حصل له مزيد من الانتقام من
قائمقام وعلى القلقات البحث والتفتيش عن هذه العلة الردية لاجل الصيانة والحفظ
لاهل البلد والحذر من المخالفة والسلام
ومضمون الثانية الخطاب السابق من سارى عسكر دوجا الوكيل
وحاكم البلد دسني قائمقام يلزم المدبرين بالديوان انهم يشهرون الاوامر وينتبهوا
لها وكل من خالف يحصل له مزيد الانتقام وهو انه يتحتم ويلزم صاحب كل خمارة او
وكالة او بيت الذي يدخل في محله ضيف او مسافر أو قادم من بلدة او اقليم ان يعرف
عنه حالا حاكم البلد ولا يتأخر عن الاخبار الا مدة اربعة وعشرين ساعة يعرفه عن
مكانه الذي قدم منه وعن سبب قدومه وعن مدة سفره ومن أي طائفة او ضيفا او تاجرا أو
زائرا أو غريما مخاصما لا بد لصاحب المكان من ايضاح البيان والحذر ثم الحذر من
التلبيس والخيانة واذا لم يقع تعريف عن كامل ما ذكر في شأن القادم بعد الاربعة
وعشرين ساعة باظهار اسمه وبلده وسبب قدومه يكون صاحب المكان متعديا ومذنبا وموالسا
مع المماليك
ونخبركم معاشر الرعايا وأرباب الخمامير والوكائل ان
تكونوا ملزومين بغرامة عشرين ريالا فرانسة في المرة الاولى وأما في المرة الثانية
فان الغرامة تضاعف ثلاث مرات ونخبركم ان الامر بهذه الاحكام مشترك
بينكم وبين الفرنسيس الفاتحين للخمامير والبيوت والوكائل
والسلام
وفيه اجتمعوا الديوان وتفاوضوا في شأن مصطفى بك كتخدا
الباشا المولى امير الحاج وهو انه لما ارتحل مع سارى عسكر وصحبته القاضي والمشايخ
الذين عينوا للسفر والوجاقلية والتجار وافترق منهم عند بلبيس وتقدم هو الى
الصالحية ثم انهم انتقلوا الى العرين فحضر جماعة من العساكر المسافرين فاحتاجوا
الى الجمال فأخذوا جمالهم فلما واصل سارى عسكر الى وطنه أرسل يستدعيهم الى الحضور
فلم يجدوا ما يحملون عليه متاعهم وبلغهم أن الطريق مخيفة من العرب فلم يمكنهم
اللحاق به فأقاموا بالعرين بالعين المهملة عدة أيام وأهمل أمرهم سارى عسكر ثم ان
الشيخ الصاوي والعريشي والدواخلي وآخرين خافوا عاقبة الامر ففارقوهم وذهبوا الى
القرين بالقاف وحصل للدواخلي توعك وتشويش فحضر الى مصر كما تقدم ذكر ذلك وانتقل
مصطفى بك المذكور والقاضي وصحبتهم الشيخ الفيومي وآخرون من التجار والوجاقلية الى
كفور نجم وأقاموا هناك أياما واتفق ان الصاوي أرسل الى داره مكتوبا وذكر في ضمنه
ان سبب افتراقهم من الجماعة انهم رأوا من كتخدا الباشا امور غير لائقة فلماحضر ذلك
المكتوب طلبه الفرنساوية المقيمين في مصر وقرأوه وبحثوا عن الامور اللائقة فأولها
بعض المشايخ انه قصر في حقهم والاعتناء بشأنهم فسكتوا وأخذوا في التفحص فظهر لهم
خيانته ومخامرته عليهم واجتمع عليه الجبالي وبعض العرب العصاة واكرمهم وخلع عليهم
وانتقل بصحبتهم الى منية غمر ودقدوس وبلاد الوقف وجعل يقبض منهم الاموال وحين
كانوا علىالبحر مر بهم مراكب تحمل الميرة والدقيق الى الفرنسيس بدمياط فقاطعوا عليهم
وأخذوا منهم ما معهم قهرا وأحضروا المراكبية بالديوان فحكوا على ما وقع لهم معه
فأثبتوا خيانة مصطفى بك المذكور وعصيانه وأرسلوا هجانا باعلام سارى عسكرهم بذلك
فرجع اليهم بالجواب يأمرهم فيه بان يرسلو له عسكرا ويرسلوا الى داره جماعة ويقبضون
عليه ويختمون على داره ويحبسون جماعته
وفي يوم الاحد رابع عشرينه عينوا عليه عسكرا وأرسلوا الى
داره
جماعة ومعهم وكلاء فقبضوا على كتخدائه الذي كان ناظرا
على الكسوة وعلى ابن اخيه ومن معهم وأودعوهم السجن بالجيزة وضبطوا موجوداته وما
تركه مخدومه بكر باشا بقائمة واودعوا ذلك بمكان بالقلعة فوجدوا غالب امتعة الباشا
وبرقة وملابسه وعبى الخيل والسروج وغيرها شيئا كثيرا وجدوا بعض خيول وجمال اخذوها
ايضا فانقبض خواطر الناس لذلك فانهم كانوا مستأنسين بوجوده ووجود القاضي ويتوسلون
بشفاعتهما عند الفرنسيس وكلمتهما عندهم مقبولة وأوامرهما مسموعة ثم انهم ارسلوا
أمانا للمشايخ الوجاقلية والتجار بالحضور الى مصر مكرمين ولا بأس عليهم
وفيه ورد الخبر بان السيد عمر افندي نقيب الاشراف حضر
الى دمياط وصحبته جماعة من افندية الروزنامة الفارين مثل عثمان افندي العباسي وحسن
افندي كاتب اشهر ومحمد افندي ثاني قلفة وباش جاجرت والشيخ قاسم المصلي وغيرهم وذلك
انهم كانوا بقلعة يافا فلما حاصرها الفرنساوية وملكوا القلعة والبلد لم يتعرضوا
للمصريين وطلبهم اليه وعاتبهم على نقلهم وخروجهم من مصر وألبسهم ملابس وأنزلهم في
مركب وأرسلهم الى دمياط من البحر
وفي يوم الاثنين نادوا في الاسواق على المماليك والغز
والاجناد الاغراب بأنهم يحضرون الى بيت الوكيل ويأخذون لهم ارواقا بعد معرفتهم
والتضمين على أنفسهم ومن وجد من غير وثيقة في يده بعد ذلك يستاهل الذي يجري عليه
وسبب ذلك اشاعة دخول الكثير منهم الى مصر خفية بصفة الفلاحين
وفي يوم الثلاثاء نادوا في الاسواق والشوارع بأن من اراد
الحج فليحج في البحر من السويس صحبة الكسوة والصرة وذلك بعد ان عملوا مشورة في ذلك
وفيه حضر امام كتخدا الباشا ومعه مكتوب فيه الثناء على
الفرنساوية وشكر صنيعهم واعتنائهم بعملهم موكب الكسوة والدعاء لهم وانه مستمر
علىمودته ومحبته معهم ويطلب منهم الاجازة بالحضور الى
مصر ليسافر بصحبة الكسوة والحجاج فان الوقت ضاق ودخل أوان السفر للحج وفي آخر
المكتوب وان بلغكم من المنافقين عنا شيء فهو كذب ونميمة فلا تصدقوه فقرىء كتابه
بالديوان فلما فهمه الفرنسيس كذبوه ولم يصغوا اليه وقالوا ان خيانته ثبتت عندنا
فلا ينفعه هذا الاعتذار ثم كتبوا له جوابا وارسلوه صحبة امامه مضمونه ان كان صادقا
في مقالته فليذهب الى جهة سارى عسكر بالشام وامهلوه ست ساعات بعد وصول الجواب اليه
وان تأخر زيادة عليها كان كاذبا في مقالته وأمروا العسكر بمحاربته والقبض عليه
وفيه كتبوا اوراقا ونادوا بها في الشوارع وهي يا أهل مصر
نخبركم ان امير الحاج رفعوه عن سفره بالحاج بسبب ما حصل منه وان اهل مصر علماء
ووجاقات ورعايا لم يخالطوه في هذا الامر ولم ينسب لهم شيء فالحمد لله الذي برأ اهل
مصر من هذه الفتنة وهم حاضرون سالمون غانمون ما عليهم سوء ومن كان مراده الحج يؤهل
نفسه ويسافر صحبة الصرة والكسوة في البحر والمراكب حاضرة والمعينون المحافظون من
اهل مصر صحبة الحاج حاضرون يكون في علمكم ان تكونوا مطمئنين واتركوا كلام الحشاشين
وفي يوم السبت غايته حضر المشايخ والوجاقات والتجار ما
خلا القاضي فانه لم يحضر وتخلف مع مصطفى كتخدا وانقضى هذا الشهر وما تجدد به من
الحوادث التي منها ان الفرنساوية عملوا جسرا من مراكب مصطفة وعليها اخشاب مسمرة من
بر مصر بالقرب العيني الى الروضة الى الجيزة
ومنها ان توت الفلكي رسم في فسحة دارهم العليا ببيت حسن
كاشف جركس خطوط البسيطة لمعرفة فضل الدائر لنصف النهار على البلاط
المفروش بطول الفسحة ووضع لها بدل الشاخص دائرة مثقوبة
بثقب عديدة في اعلى الرفوف مقابلة لعرض الشمس ينزل الشعاع من تلك الثقب ويمر على
الخطوط المرسومة المقسومة ويعرف منه الباقي للزوال ومدارات البروج شهرا شهرا وعلى
كل برج صورته ليعلم منه درجة الشمس ورسم ايضا مزولة بالحائط الاعلى على حوش المكان
الاسفل المشترك بين الدارين بشاخص على طريق وضع المنحرفات والمزاول ولكن لساعات
قبل الزوال وبعده خلاف الطريق المعروفة عندنا بوقت العصر وفضل دائر الغروب وقوس
الشفق والفجر وسمت القبلة وتقسيم الدرج وامثال ذلك لاجل تحقيق اوقات العبادة وهم
لا يحتاجون الى ذلك فلم يعانوه ورسم ايضا بسيطة على مربعة من نحاس أصفر منزلة
بخطوط عديدة في قاعدة عامود قصير طوله اقل من قامة قايم بوسط الجنينه وشاخصها مثلث
من حديد يمر ظل طرفه على الخطوط المتقاطعة وهي متقنة الرسم والصناعة وحولها
معاريفها واسم واضعها بالخط الثلث العربي المجود حفرا في النحاس وفيها تنازيل
الفضة على طريق اوضاع العجم وغير ذلك
ومنها انهم لما سخطوا على كتخدا الباشا وقبضوا على
اتباعه وسجنوهم وفيهم كتخداه الذي كان ناظرا على الكسوة فقيدوا في النظر على
مباشرة اتمامها صاحبنا السيد اسمعيل الوهبي المعروف بالخشاب احد العدول بالمحكمة
فنقلها لبيت أيوب جاويش بجوار مشهد السيدة زينب وتمموها هناك واظهروا ايضا
الاهتمام بتحصيل مال الصرة وشرعوا في تحرير دفتر الارسالية خاصة
واستهل شهر القعدة بيوم الاحد سنة في سادسه يوم الجمعة
حضرت هجانة من الفرنسيس ومعهم مكاتبة مضمونها انهم اخذوا حيفا وبعدها ركبوا على
عكا وضربوا عليها وهدموا جانبا من سورها وانهم بعد اربعة وعشرين ساعة يملكونها
وانهم استعجلوا في ارسال هذه الهجانة لطول المدة والانتظار لئلا يحصل
لاصحابهم القلق فكونوا مطمئنين وبعد سبعة ايام نحضر
عندكم السلام
وفيه حضرت مغاربة حجاج الى بر الجيزة فتحدث الناس وكثر
لغطهم وتقولوا بانهم عشرون ألفا حضروا لينقذوا مصر من الفرنسيس فأرسل الفرنسيس
للكشف عليهم فوجدوهم طائفة من خلايا وقرى فاس مثل الفلاحين فآذنوا لهم في تعدية
بعض أنفار منهم لقضاء أشغالهم فحضر شخص منهم الى الفرنسيس ووشى اليهم انهم قدموا
لمحاربتهم والجهاد فيهم وانهم اشتروا خيلا وسلاحا وقصدهم اثارة فتنة فأرسل
الفرنسيس اليهم جماعة ينظرون في أمرهم فذهبوا اليهم وتكلموا معهم ومع كبيرهم وعن
الذي نقل عنهم فقالوا انما جئنا بقصد الحج لا لغيره ثم رجعوا وصحبتهم كبير
المغاربة فعملوا الديوان في صبحها وأحضروه وكذلك أحضروا الرجل الذي وشى عليهم
فتكلموا مع كبير المغاربة وسألوه وناقشوه فقال انا لم نأت الا بقصد الحج فقيل له
ولاي شيء تشترون الاسلحة والخيول فقال نعم لازم لنا ذلك ضرورة فقيل له انه نقل
عنكم انكم تريدون محاربة الفرنساوية وتقولون الجهاد افضل من الحج فقال هذا كلام لا
أصل له فقيل له ان الناقل لذلك رجل منكم فقال ان هذا رجل حرامي أمسكناه بالسرقة
وضربناه فحمله الحقد على ذلك وان هذه البلاد ليست لنا ولا لسلطاننا حتى نقاتل عليها
ولا يصح ان نقاتلكم بهذه الشرذمة القليلة وليس معنا الا نصف قنطار وبارود ثم
اتفقوا معه على أن يجمعوا سلاحهم ويقيم كبيرهم عندهم رهينة حتى يعدي جماعته
ويسافروا ويلحقهم بعد يومين بالسلاح فأجابهم الى ذلك فشكروه وأهدوا له هدية فلما
كان يوم السبت خرجت عدة من العسكر الى بولاق ومعهم مدفعان ليقفوا للمغاربة حتى
يعدوا البحر ويمشوا معهم الى العادلية فلما رأى الناس خروج العسكر والمدافع فزعوا
في المدينة وبولاق ورمحوا كعادتهم في كرشاتهم وصياحهم وأشاعوا ان الفرنسيس خرجت
لقتال المغاربة وأغلقوا غالب الاسواق والدكاكين وأمثال ذلك من تخيلاتهم فلم يعد
المغاربة ذلك اليوم وعدوا في ثاني يوم ومشى معهم عسكر الفرنسيس
الى العادلية وهم يضربون الطبول وامامهم مدفع وخلفهم
مدفع مع جملة من العساكر
وفي يوم الثلاثاء عاشره سافر عدة من عسكر الفرنسيس الى
عرب الجزيرة فان مصطفى بك كتخدا الباشا ذهب اليهم والتجأ لهم فعينوا عليهم تلك
العساكر
وفي يوم الاربعاء فرجوا عن جماعة من القليونجية وغيرهم
الذين كانوا محبوسين بالقلعة وفيهم المعلم نقولا النصراني الارمني الذي كان رئيس
مركب مراد بك الحربية التي أنشأها بالجيزة وأسكنوه ببيت حسن كتخدا بباب الشعرية
وفيه حضر بن شديد شيخ عرب الحويطات بأمان وكان عاصيا
فأعطوه الامان وخلعوا عليه وسفروا معه قافلة دقيق وبقسماط العسكر بالشام
وفي يوم السبت حادي عشرينه حضر مجلون من الناحية القبلية
وصحبته اموال البلاد والغنائم من بهائم وخلافها
وفيه عملوا كرنتيلة عند العادلية لمن يأتي من بر الشام
من العسكر الى ناحية شرق اطفيح بسبب محمد بيك الالفي
وفيه حضر الذين كانوا ذهبوا الى عرب الجزيرة فضربوهم
ونالوا منهم بعض النيل وأما مصطفى بك فلم تعلم عنه حقيقة حال قيل انه ذهب الى
الشام
وفي خامس عشرينه وصلت مراسلة من المذكور خطابا للمشايخ
مضمونها انهم يعرفون أكابر الفرنسيس انه متوجه الى ساري عسكرهم بالشام ويرجون
الافراج عن قريبه وكتخدائه ويتحفظون على الامتعة التي أخذوها فانها من متعلقات
الدولة فلما أطلعوهم على تلك المكاتبة قالوا لا يمكن الافراج عن المذكورين حتى
تتحقق انه ذهب الى سارى عسكر ويأتينا منه خطاب في شأنه فانه من الجائز انه يكذب في
قوله
وفيه ثبت ان محمد بك الالفي مر من خلف الجبل وذهب الى
عرب الجزيرة ومعه من جماعته نحو المائة وقيل أكثر والتف عليه الكثير من
الغز والماليك المشردين بتلك النواحي وقدم له العربان
التقادم والكف فارسل له الفرنسيس عدة من العسكر
وفي سابع عشرينه لخص الفرنساوية طومارا قرىء بالديوان
وطبع منه عدة نسخ وألصقت بالاسواق على العادة وكان الناس أكثروا من اللغط بسبب
انقطاع الاخبار عن الفرنسيس المحاصرين لعكا والروايات عمن بالصعيد والكيلاني
والاشراف الذين معه وغير ذلك
وصورتها من محفل الديوان الكبير بمصر بسم الله الرحمن
الرحيم ولا عدوان الا على الظالمين نخبر أهل مصر أجمعين أنه حضر جواب من عكا من
حضرة ساري عسكر الكبير خطابا منه الى حضرة ساري عسكر الوكيل بثغر دمياط تاريخه
تاسع القعدة سنة تاريخه يخبر فيه اننا أرسلنا لكم نقيرتين لدمياط الاولى ارسلناها
في خمسة وعشرين شوالا والثانية في ثمانية وعشرين منه أخبرناكم فيهما عن مطلوبنا
ارسال جانب جليل وذخائر الى عساكرنا المحافظين في غزة ويافا لاجل زيادة المحافظة
والصيانة واما من قبل العرضي فان الجلل عندنا كثيرة والذخائر والمآكل والمشارب
والخيرات غزيرة حتى انها زادت عندنا الجلل بكثرة جمعناها مما رمته الاعداء فكأن
اعداءنا أعانونا وتخبركم اننا عملنا لغما مقدار عمقه ثلاثون قدما وسرنا به حتى
قربناه الى السور الجواني بمسافة نحو ثمانية عشر قدما وقد قربت عساكرنا من الجهة
التي تحارب فيها حتى صار بينهم وبين السور ثمانية واربعون قدما بمشيئة الله تعالى
عند وصول كتابنا اليكم وقبل اتمام قراءته عليكم نكون ظافرين بملك قلعة عكا اجمعين
فاننا تهيأنا الى دخولها يأتيكم خبر ذلك بعد هذا الكتاب واما بقية اقليم الشام وما
يلي عكا من البلاد فانهم لنا طائعون وبالاعتناء ومزيد المحبة راغبون يأتوننا بكل
خير عظيم ويحضرون لنا افواجا بالهدايا الكثيرة والحب الجسيم من القلب السليم وهذا
من فضل الله علينا ومن شدة بغضهم الجزار باشا ونخبركم ايضا ان الجنرال يونوت انتصر
على أربعة الاف مقاتل حضروا من الشام خيالة ومشاة
فقابلتهم بثلثمائة عسكري مشاة من عسكرنا فكسروا التجريدة
المذكورة واوقع منهم نحو ستمائة نفس ما بين مقتول ومجروح وأخذ منهم خمسة بيارق
وهذا أمر عجيب لم يقع نظيره في الحروب ان ثلثمائة نفس تهزم نحو اربعة آلاف نفس
فعلمنا ان النصرة من عند الله لا بالقلة ولا بالكثرة هذا اخر كتاب سارى عسكر
الكبير الى وكيله بدمياط وارسل الينا بالديوان حضرة الوكيل سارع عسكر دوجا الوكيل
بمصر المحروسة يخبرنا بصورة هذا المكتوب ويأمرنا اننا نلزم الرعايا من اهل مصر
والارياف ان يلزموا الادب والانصاف ويتركوا الكذب والخراف فان كلام الحشاشين يوقع
الضرر للناس المعتبرين فان حضرة سارى عسكر دوجا الوكيل بلغة ان اهل مصر واهل
الارياف يتكلمون بكلام لا أصل له من قبل الاشراف والحال ان الاشراف الذين يذكرونهم
ويكذبون عليهم جاءت اخبارهم من حضرة سارى عسكر الصعيد يخبر الوكيل دوجا بان
الاشراف المذكورين الذين صحبة الكيلاني قد مزقوا كل ممزق وانهزموا وتفرقوا فلم يكن
الان في بلاد الصعيد شيء يخالف المراد وسلم من الفتن والعناد فأنتم يا أهل مصر ويا
أهل الارياف اتركوا الامور التي توقعكم في الهلاك والتلاف وامسكوا ادبكم قبل ان
يحل بكم الدمار ويلحقكم الندم والعار والاولى للعاقل اشتغاله بأمر دينه ودنياه وان
يترك الكذب وان يسلم لاحكام الله وقضاه فان العاقل يقرأ العواقب وعلى نفسه يحاسب
هذا شأن اهل الكمال يتركون القيل والقال ويشتغلون باصلاح الاحوال ويرجعون الى
الكبير المتعال والسلام
وفي هذا الشهر كتبوا اوراقا بأوامر ونصها من محفل الديوان
العمومي الى جميع سكان مصر وبولاق ومصر القديمة اننا قد تأملنا وميزنا ان الواسطة
الاقرب والايمن لتلطيف او لمنع الخطر الضروري وهو تشويش الطاعون عدم المخالطة مع
النساء المشهورات لانهن الواسطة الاولى للتشويش المذكور فلاجل ذلك حتمنا ورتبنا
ومنعنا الى مدة ثلاثين يوما من تاريخه اعلاه لجميع الناس ان كان فرنساويا او مسلما
او روميا
او نصرانيا او يهوديا من أي ملة كان كل من ادخل الى مصر
او بولاق او مصر القديمة النساء المشهورات ان كان في بيوت العسكر او كل من كان
داخل المدينة فيكون قصاصه بالموت كذلك من قبل النساء والبنات المشهورات بالعسكر ان
دخلن من انفسهن ايضا يقاصصن بالموت
ومن حوادث هذا الشهر انه حضر الى القلزم مركبان
انكليزيان وقيل أربعة ووقفوا قبالة السويس وضربوا مدافع ففر أناس من سكان السويس
الى مصر واخبروا بذلك وانهم صادفوا بعض داوات تحمل البن التجارة فحجزوها ومنعوها
من الدخول الى السويس
ومنها ان طائفة من عرب البحيرة يقال لهم عرب الغز جاءوا
وضربوا دمنهور وقتلوا عدة من الفرنسيس وعاثوا في نواحي تلك البلاد حتى وصلوا الى الرحمانية
ورشيد وهم يقتلون من يجدونه من الفرنسيس وغيرهم وينهبون البلاد والزروعات
ومنها ان الكيلاني المذكور آنفا توفي رحمه الله تعالى
وتفرقت طائفته في البلاد حتى انه حضر منهم جملة الى مصر وكان أكثر من يخامر عليهم
اهل بلاد الصعيد فيوهمونهم معاونتهم وعند الحروب يتخلون عنهم وبعض البلاد يضيفون
ويسلط عليهم الفرنسيس فيقبضون عليهم
ومنها انه حضر الى مصر الاكثر من عسكر الفرنسيس الذين
كانوا بالجهة القبلية وضربوا في حال رجوعهم بني عدي بلدة من بلاد الصعيد مشهورة
وكان اهلها ممتنعين عليهم في دفع المال والكلف ويرون في انفسهم الكثرة والقوة
والمنعة فخرجوا عليهم وقاتلوهم فملك عليهم الفرنسيس تلا عاليا وضربوا عليهم
بالمدافع فأتلفوهم واحرقوا جرونهم ثم كبسوا عليهم وأسرفوا في قتلهم ونهبهم وأخذوا
شيئا كثيرا وأموالا عظيمة وودائع جسيمة للغز وغيرهم من مساتير اهل البلاد القبلية
لظن منعتهم وكذلك فعلوا بالميمون
واستهل شهر ذي الحجة بيوم الثلاثاء سنة في ثانيه خرج نحو
الالف من عسكر الفرنسيس للمحافظة على البلاد
الشرقية لتجمع العرب والمماليك على الالفي وكذلك تجمع
الكثير من الفرنسيس وذهبوا الى جهة دمنهور وفعلوا بها ما فعلوا في بني عدي من القتل
والنهب لكونهم عصوا عليهم بسبب انه ورد عليهم رجل مغربي يدعى المهدوية ويدعو الناس
ويحرضهم على الجهاد وصحبته نحو الثمانين نفرا فكان يكاتب اهل البلاد ويدعوهم الى
الجهاد فاجتمع عليه اهل البحيرة وغيرهم وحضورا الى دمنهور وقاتلوا من بها من
الفرنساوية واستمر اياما كثيرة تجتمع عليه اهل تلك النواحي وتفترق والمغربي
المذكور تارة يغرب وتارة يشرق
وفيه اشيع ان الالفي حضر الى بلاد الشرقية وقاتل من بها
من الفرنسيس ثم ارتحل الى الجزيرة
وفي سابعه حضر جماعة من فرنسيس الشام الى الكرنتيلة
بالعادلية وفيهم مجاريح واخبر عنهم بعضهم ان الحرب لم تزل قائمة بينهم وبين أحمد
باشا بعكا وان مهندس حروبهم المعروف بأبي خشبة عند العامة واسمه كفرللي مات وحزنوا
لموته لانه كان من دهاتهم وشياطينهم وكان له معرفة بتدبير الحروب ومكايد القتال
واقدام عند المصاف مع ما ينضم لذلك من معرفة الابنية وكيفية وضعها وكيفية اخذ
القلاع ومحاصرتها
وفي يوم الاربعاء كان عبد النحر وكان حقه يوم الخميس
وعند الغروب من تل الليلة ضربوا مدافع من القلعة اعلاما بالعيد وكذلك عند الشروق
ولم يقع في ذلك العيد اضحية على العادة لعدم المواشي لكونها محجوزة في الكرنتيلة
والناس في شغل عن ذلك
ومن الحوادث في ذلك اليوم ان رجلا روميا من باعة الرقيق
عنده غلام مملوك ساكن في طبقة بوكالة ذي الفقار بالجمالية خرج لصلاة العيد ورجع
الى طبقته فوجد ذلك الغلام متقلدا بسلاح ومتزيبا بمثل ملابس القليونجية فقال له من
أين لك هذا اللباس فقال من عند جارنا فلان العسكري فأمره بنزع ذلك فلم يستمع له
ولم ينزعها فشتمه ولطمه على وجهه فخرج من الطبقة وحدثته نفسه بقتل سيده ورجع يريد
ذلك
فوجد عند سيده ضيفا فلم يتجاسر عليه لحضور ذلك الضيف
فوقف خارج الباب ورآه سيده فعرف من عينه الغدر فلما قام ذلك الضيف قام معه وخرج واغلق
الباب على الغلام فصعد الغلام على السطح وتسلق الى سطح آخر ثم تدلى بحبل الى اسفل
الخان وخرج الى السوق وسيفه مسلول بيده ويقول الجهاد يا مسلمين اذبحوا الفرنسيس
ونحو ذلك من الكلام ومر الى جهة الغورية فصادف ثلاثة اشخاص من الفرنسيس فقتل منهم
شخصا وهرب الاثنان ورجع على اثره والناس يعدون خلفه من بعد الى ان وصل الى درب
بالجمالية غير نافذ فدخله وعبر الى دار وجدها مفتوحة وربها واقف على بابها
والفرنسيس تجمع منهم طائفة وظنوا ظنونا أخر وبادروا الى القلاع وحضرت منهم طائفة
من القلق يسألون عن ذلك الممولك وهاجت العامة ورمحت الصغار وأغلق بعض الناس
حوانيتهم ثم لم تزل الفرنسيس تسأل عن ذلك المملوك والناس يقولون لهم ذهب من هنا
حتى وصلوا الى ذلك الدرب فدخلوه فلما أحس بهم نزع ثيابه وتدلى ببئر في تلك الدار
فدخلوا الدار وأخرجوه من البئر واخذوه وسكنت الفتنة فسألوه عن أمره وما السبب في
فعله ذلك فقال انه يوم الاضحية فاحببت ان أضحي على الفرنسيس وسألوه عن السلاح فقال
انه سلاحي فحبسوه لينظروا في أمره وطلبوا سيده فوجدوه عند الشيخ المهدي وأخذوا بعض
جماعة من اهل الخان ثم أطلقوهم بدون ضرر وأخذوا سيده من عند المهدي وحبسوه وحضر
الاغا وبرطلمين الى الخان بعد العشاء وطلبوا البواب والخانجي والجيران وصعدوا الى
الطباق وفتشوا على السلاح حتى قلعوا البلاط فلم يجدوا شيئا وأرادوا فتح الحواصل
فمنعهم السيد احمد بن محمود محرم فخرجوا وأخذوا معهم الخانجي وجيران الطبقة وجملة
أنفار وحبسوهم ايضا وقتلوا المملوك في ثاني يوم واستمر الجماعة في الحبس الى أن
أطلقوهم بعد ايام عديدة من الحادثة
وفي ذلك اليوم ايضا مر نصراني من الشوام على المشهد
الحسيني وهو
راكب على حمار فرآه ترجمان ضابط الخطة ويسمى السيد عبد
الله فأمره بالنزول اجلالا للمشهد على العادة فامتنع فانتهزه وضربه والقاه على
الارض فذهب ذلك النصراني الى الفرنسيس وشكا اليهم السيد عبد الله المذكور فأحضروه
وحبسوه فشفع فيه مخدومه فلم يطلقوه وادعى النصراني انه كان بعيدا عن المشهد واحضر
من شهد له بذلك وان السيد عبد الله متهور في فعله وادعى انه ضاع له وقت ضربه دراهم
كانت في جيبه واستمر الترجمان محبوسا حتى دفع تلك الدراهم وهي ستة آلاف درهم
وفيه ارسل فرنسيس مصر الى رئيس الشام ميرة على جمال
العرب نحو الثمانمائة جمل وذهب صحبتها برطلمين وطائفة من العسكر فأوصلوها الى
بلبيس ورجعوا بعد يومين
وفيه حضر الى السويس تسعة داوات بها بن وبهار وبضائع
تجارية وفيها لشريف مكة نحو خمسمائة فرق بن وكانت الانكليز منعتهم الحضور فكاتبهم
الشريف فأطلقوهم بعد ان حددوا عليهم أياما مسافة التنقيل والشحنة وأخذوا منهم
عشورا وسامح الفرنسيس بن الشريف من العشور لانه أرسل لهم مكاتبة بسبب ذلك وهدية
قبل وصول المراكب الى السويس بنحو عشرين يوما وطبعوا صورتها في أوراق وألصقوها
بالاسواق وهي خطاب لبوسليك
من مات في هذه السنة من الاعيان ومن له ذكر في الناس
مات الامام العمدة الفقيه العلامة المحقق الفهامة المتقن
المتفنن المتجر عين أعيان الفضلاء الازهرية الشيخ احمد بن موسى بن احمد بن محمد
البيلي العدوي المالكي ولد ببني عدي سنة احدى وأربعين ومائة والف وبها نشأ فقرأ
القرآن وقدم الجامع الازهر ولازم الشيخ علي الصعيدي ملازمة كلية حتى تمهر في
العلوم وبهر فضله في الخصوص والعموم وكان له قريحة جيدة وحافظة غريبة يملي في
تقريره خلاصة ما ذكره أرباب الحواشي مع حسن سبك والطلبة يكتبون ذلك بين يديه وقد
جمع من تقاريره ==
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق